READ
Surah al-Baqarah
اَلْبَقَرَة
286 Ayaat مدنیۃ
وَ اتَّقُوْا یَوْمًا تُرْجَعُوْنَ فِیْهِ اِلَى اللّٰهِۗ-ثُمَّ تُوَفّٰى كُلُّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ وَ هُمْ لَا یُظْلَمُوْنَ۠(۲۸۱)
اور ڈرو اس دن سے جس میں اللہ کی طرف پھرو گے، اور ہر جان کو اس کی کمائی پوری بھردی جائے گی اور ان پر ظلم نہ ہوگا (ف۵۹۶)
ثم ساق- سبحانه- في ختام حديثه على الربا آية كريمة ذكر الناس فيها بزوال الدنيا وفناء ما فيها من أموال، وبالاستعداد للآخرة وما فيها من حساب فقال- تعالى-: وَاتَّقُوا يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ ما كَسَبَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ.أى: واحذروا أيها المؤمنون يوما عظيما في أهواله وشدائده، وهو يوم القيامة الذي تعودون فيه إلى خالقكم فيحاسبكم على أعمالكم، ثم يجازى- سبحانه- كل نفس بما كسبت من خير أو شر بمقتضى عدله وفضله، ولا يظلم ربك أحدا.فالآية الكريمة تعقيب حكيم يتناسب كل التناسب مع جو المعاملات والأخذ والعطاء، حتى يبتعد الناس عن كل معاملة لم يأذن بها الله- تعالى-.قال الآلوسى: أخرج غير واحد عن ابن عباس أن هذه الآية هي آخر ما نزل على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم من القرآن. واختلف في مدة بقائه بعدها. فقيل: تسع ليال. وقيل: سبعة أيام. وقيل:واحدا وعشرين يوما. وروى أنه قال: اجعلوها بين آيات الربا وآية الدين ... »هذا، والمتدبر في هذه الآيات التي وردت في موضع الربا، يراها قد نفرت منه تنفيرا شديدا، وتوعدت متعاطيه بأشد العقوبات، وشبهت الذين يأكلونه بتشبيهات تفزع منها النفوس، وتشمئز منها القلوب، وحضت المؤمنين على أن يلتزموا في معاملاتهم ما شرعه الله لهم، وأن يتسامحوا مع المعسرين ويتصدقوا عليهم بما يستطيعون التصدق به.وقد تكلم الفقهاء وبعض المفسرين عن الربا وأقسامه وحكمة تحريمه كلاما مستفيضا، قال بعضهم: الربا قسمان: ربا النسيئة، وربا الفضل.فربا النسيئة: هو الذي كان معروفا بين العرب في الجاهلية، وهو أنهم كانوا يدفعون المال على أن يأخذوه في موعد معين، فإذا حل الأجل طولب المدين برأس المال كاملا، فإن تعذر الأداء زادوا في الحق وفي الأجل.وربا الفضل: أن يباع درهم بدرهمين، أو دينار بدينارين، أو رطل من العسل برطلين، أو كيلة من الشعير بكيلتين.وكان ابن عباس في أول الأمر لا يحرم إلا ربا النسيئة وكان يجوز ربا الفضل اعتمادا على ما روى من أن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: «إنما الربا في النسيئة» ولكن لما تواتر عنده الخبر بأن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: الحنطة بالحنطة مثلا بمثل يدا بيد» رجع عن قوله. لأن قوله صلّى الله عليه وسلّم: «إنما الربا في النسيئة» محمول على اختلاف الجنس فإن النسيئة حينئذ تحرم ويباح التفاضل كبيع الحنطة بالشعير. تحرم فيه النسيئة ويباح التفاضل.ولذلك وقع الاتفاق على تحريم الربا في القسمين: أما ربا النسيئة فقد ثبت تحريمه بالقرآن كما في قوله- تعالى-: وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبا.وأما ربا الفضل فقد ثبت تحريمه بالحديث الصحيح الذي رواه عبادة ابن الصامت أن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: «الذهب بالذهب، والفضة بالفضة، والبر بالبر، والشعير بالشعير والتمر بالتمر.والملح بالملح. مثلا بمثل، سواء بسواء، يدا بيد، فإذا اختلفت هذه الأصناف فبيعوا كيف شئتم إذا كانت يدا بيد» .وقد اشتهرت رواية هذا الحديث حتى صارت مسلمة عند الجميع. وجمهور العلماء على أن الحرمة ليست مقصورة على هذه الأشياء الستة، بل تتعداها إلى غيرها مما يتحد معها في العلة.وقد فسر بعضهم هذه العلة باتحاد الجنس والقدر..» .ومن الحكم التي ذكرت في أسباب تحريم الربا: أنه يقتضى أخذ مال الغير بدون عوض، ويؤدى إلى امتناع أصحاب الأموال عن تحمل المشاق في الكسب والتجارة والصناعة، وإلى استغلال حاجة المحتاج أسوأ استغلال وكل ذلك يفضى إلى إشاعة روح التباغض والتخاصم والتحاسد بين أفراد المجتمع- كما سبق أن أشرنا-.ومن الأحاديث الشريفة التي وردت في التحذير من تعاطى الربا ما رواه الشيخان عن أبى هريرة أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: اجتنبوا السبع الموبقات- أى المهلكات- قالوا: يا رسول الله وما هن؟ قال: الشرك بالله، والسحر، وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق، وأكل الربا، وأكل مال اليتيم، والتولي يوم الزحف، وقذف المحصنات المؤمنات الغافلات» .وأخرج مسلّم في صحيحه عن جابر بن عبيد الله قال: لعن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم آكل الربا وموكله وكاتبه وشاهديه» .
یٰۤاَیُّهَا الَّذِیْنَ اٰمَنُوْۤا اِذَا تَدَایَنْتُمْ بِدَیْنٍ اِلٰۤى اَجَلٍ مُّسَمًّى فَاكْتُبُوْهُؕ-وَ لْیَكْتُبْ بَّیْنَكُمْ كَاتِبٌۢ بِالْعَدْلِ۪-وَ لَا یَاْبَ كَاتِبٌ اَنْ یَّكْتُبَ كَمَا عَلَّمَهُ اللّٰهُ فَلْیَكْتُبْۚ-وَ لْیُمْلِلِ الَّذِیْ عَلَیْهِ الْحَقُّ وَ لْیَتَّقِ اللّٰهَ رَبَّهٗ وَ لَا یَبْخَسْ مِنْهُ شَیْــٴًـاؕ-فَاِنْ كَانَ الَّذِیْ عَلَیْهِ الْحَقُّ سَفِیْهًا اَوْ ضَعِیْفًا اَوْ لَا یَسْتَطِیْعُ اَنْ یُّمِلَّ هُوَ فَلْیُمْلِلْ وَلِیُّهٗ بِالْعَدْلِؕ-وَ اسْتَشْهِدُوْا شَهِیْدَیْنِ مِنْ رِّجَالِكُمْۚ-فَاِنْ لَّمْ یَكُوْنَا رَجُلَیْنِ فَرَجُلٌ وَّ امْرَاَتٰنِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَآءِ اَنْ تَضِلَّ اِحْدٰىهُمَا فَتُذَكِّرَ اِحْدٰىهُمَا الْاُخْرٰىؕ-وَ لَا یَاْبَ الشُّهَدَآءُ اِذَا مَا دُعُوْاؕ-وَ لَا تَسْــٴَـمُوْۤا اَنْ تَكْتُبُوْهُ صَغِیْرًا اَوْ كَبِیْرًا اِلٰۤى اَجَلِهٖؕ-ذٰلِكُمْ اَقْسَطُ عِنْدَ اللّٰهِ وَ اَقْوَمُ لِلشَّهَادَةِ وَ اَدْنٰۤى اَلَّا تَرْتَابُوْۤا اِلَّاۤ اَنْ تَكُوْنَ تِجَارَةً حَاضِرَةً تُدِیْرُوْنَهَا بَیْنَكُمْ فَلَیْسَ عَلَیْكُمْ جُنَاحٌ اَلَّا تَكْتُبُوْهَاؕ-وَ اَشْهِدُوْۤا اِذَا تَبَایَعْتُمْ۪-وَ لَا یُضَآرَّ كَاتِبٌ وَّ لَا شَهِیْدٌ۬ؕ-وَ اِنْ تَفْعَلُوْا فَاِنَّهٗ فُسُوْقٌۢ بِكُمْؕ-وَ اتَّقُوا اللّٰهَؕ-وَ یُعَلِّمُكُمُ اللّٰهُؕ-وَ اللّٰهُ بِكُلِّ شَیْءٍ عَلِیْمٌ(۲۸۲)
اے ایمان والو! جب تم ایک مقرر مدت تک کسی دین کا لین دین کرو (ف۵۹۷) تو اسے لکھ لو (ف۵۹۸) اور چاہئے کہ تمہارے درمیان کوئی لکھنے والا ٹھیک ٹھیک لکھے (ف۵۹۹) اور لکھنے والا لکھنے سے انکار نہ کرے جیسا کہ اسے اللہ نے سکھایا ہے (ف۶۰۰) تو اسے لکھ دینا چاہئے اور جس بات پر حق آتا ہے وہ لکھا تا جائے اور اللہ سے ڈرے جو اس کا رب ہے اور حق میں سے کچھ رکھ نہ چھوڑے پھر جس پر حق آتا ہے اگر بے عقل یا ناتواں ہو یا لکھا نہ سکے (ف۶۰۱) تو اس کا ولی انصاف سے لکھائے، اور دو گواہ کرلو اپنے مردوں میں سے (ف۶۰۲) پھر اگر دو مرد نہ ہوں(ف۶۰۳) تو ایک مرد اور دو عورتیں ایسے گواہ جن کو پسند کرو (ف۶۰۴) کہ کہیں ان میں ایک عورت بھولے تو اس کو دوسری یاد دلادے، اور گواہ جب بلائے جائیں تو آنے سے انکار نہ کریں (ف۶۰۵) اور اسے بھاری نہ جانو کہ دین چھوٹا ہو یا بڑا اس کی میعاد تک لکھت کرلو یہ اللہ کے نزدیک زیادہ انصاف کی بات ہے اس میں گواہی خوب ٹھیک رہے گی اور یہ اس سے قریب ہے کہ تمہیں شبہ نہ پڑے مگر یہ کہ کوئی سردست کا سودا دست بدست ہو تو اس کے نہ لکھنے کا تم پر گناہ نہیں (ف۶۰۶) اور جب خرید و فروخت کرو تو گواہ کرلو (ف۶۰۷) اور نہ کسی لکھنے والے کو ضَرر دیا جائے، نہ گواہ کو (یا، نہ لکھنے والا ضَرر دے نہ گواہ) (ف۶۰۸) اور جو تم ایسا کرو تو یہ تمہارا فسق ہوگا، اور اللہ سے ڈرو اور اللہ تمہیں سکھاتا ہے، اور اللہ سب کچھ جانتا ہے،
وبعد أن أمر- سبحانه- المؤمنين أن يسارعوا في التصدق على المحتاجين، وأن يجتنبوا الربا والمرابين، وبين لهم أن أموالهم تزكو وتنمو بالإنفاق في وجوه الخير، وتمحق وتذهب بتعاطى الربا، بعد أن وضح كل ذلك ساق لهم آية جامعة، متى اتبعوا توجيهاتها استطاعوا أن يحفظوا أموالهم بأفضل طريق، وأشرف وسيلة، وأن يصونوها عن الهلاك والضياع عند ما يعطى أحدهم أخاه شيئا من المال على سبيل الدين أو القرض الحسن المنزه عن الربا. استمع إلى القرآن وهو يتكلم عن أحكام الدين وعن أحكام بعض المعاملات التجارية الحاضرة فيقول:قال ابن كثير: قوله- تعالى-: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا تَدايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ هذا إرشاد منه- تعالى- لعباده المؤمنين إذا تعاملوا بمعاملات مؤجلة أن يكتبوها ليكون ذلك أحفظ لمقدارها وميقاتها وأضبط للشاهد فيها، وقد نبه على ذلك في آخر الآية حيث قال: ذلِكُمْ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ وَأَقْوَمُ لِلشَّهادَةِ وَأَدْنى أَلَّا تَرْتابُوا وروى البخاري عن ابن عباس أنه قال: أشهد أن السلف المضمون إلى أجل مسمى قد أحله الله وأذن فيه ثم قرأ يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا تَدايَنْتُمْ. الآية. وثبت في الصحيحين عن ابن عباس قال: قدم النبي صلّى الله عليه وسلّم المدينة وهم يسلفون في الثمار السنة والسنتين والثلاث فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم «من أسلف فليسلف في كيل معلوم ووزن معلوم إلى أجل معلوم».ومعنى تَدايَنْتُمْ: تعاملتم بالدين وداين بعضكم بعضا. وحقيقة الدين- كما يقول القرطبي- «عبارة عن كل معاملة كان أحد العوضين فيها نقدا والآخر في الذمة نسيئة، فإن العين عند العرب ما كان حاضرا، والدين ما كان غائبا»والجار والمجرور وهو بِالْعَدْلِ متعلق بمحذوف صفة لكاتب أى: وليكن المتصدي للكتابة من شأنه أن يكتب بالسوية من غير ميل إلى أحد الجانبين. أو متعلق بالفعل يكتب. أى:وليكتب بالحق.ثم نهى الله- تعالى- من كان قادرا على الكتابة عن الامتناع عنها متى دعى إليها فقال:وَلا يَأْبَ كاتِبٌ أَنْ يَكْتُبَ كَما عَلَّمَهُ اللَّهُ فَلْيَكْتُبْ.أى: ولا يمتنع كاتب من أن يكتب للمتداينين ديونهما بالطريقة التي علمه الله إياها أن يتحرى العدل والحق في كتابته، وأن يلتزم فيها ما تقتضيه أحكام الشريعة الإسلامية.فالكاف في قوله- تعالى-: كَما عَلَّمَهُ اللَّهُ نعت لمصدر محذوف والتقدير: فليكتب كتابة مثل ما علمه الله- تعالى- بمعنى أن يلتزم الحق والعدل فيها.ويجوز أن تكون الكاف للتعليل فيكون المعنى: لا يمتنع عن الكتابة لأنه كما علمه الله إياها ويسرها له ونفعه بها، فعليه أن ينفع غيره بها، فهو كقوله- تعالى-: وَأَحْسِنْ كَما أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وفي الحديث الشريف «إن من الصدقة أن تعين صانعا أو تصنع لأخرق» وفي حديث آخر: «من كتم علما يعلمه ألجمه الله بلجام من نار يوم القيامة» .وقوله: فَلْيَكْتُبْ تفريع على قوله «ولا يأب كاتب» أى: فليكتب الكتابة التي علمه الله إياها فهو توكيد للأمر المستفاد من قوله: وَلا يَأْبَ كاتِبٌ. ويجوز أن يكون توكيدا للأمر الصريح في قوله: وَلْيَكْتُبْ بَيْنَكُمْ كاتِبٌ بِالْعَدْلِ.قال القرطبي: واختلف الناس في وجوب الكتابة على الكاتب والشهادة على الشاهد. فقال الطبري: واجب على الكاتب إذا أمر أن يكتب. وقال الحسن: ذلك واجب عليه في الموضع الذي لا يقدر فيه على كاتب غيره فيضر صاحب الدين إن امتنع، فإن كان كذلك فهو فريضة، وإن قدر على كاتب غيره فهو في سعة إذا قام بها غيره» .وإلى هنا تكون الآية الكريمة قد قررت مبدأ الكتابة في الدين، وبينت كيفية الكتابة، وأشارت إلى إجادة الكاتب لها، ونهته عن الامتناع عنها إذا دعى إليها. ثم انتقلت الآية بعد ذلك إلى بيان من يتولى الإملاء فقال- تعالى-: وَلْيُمْلِلِ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ، وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ، وَلا يَبْخَسْ مِنْهُ شَيْئاً.والإملال معناه الإملاء. فهما لغتان معناهما واحد. وقد جاء القرآن باللغتين قال- تعالى-: وَقالُوا أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ اكْتَتَبَها فَهِيَ تُمْلى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلًا.أى: وعلى المدين الذي عليه الدين وقد التزم بأدائه أن يمل على الكاتب هذا الدين، وذلك ليكون إملاؤه إقرارا به وبالحقوق التي عليه الوفاء بها. وعليه كذلك أن يراقب الله- تعالى- في إملائه فلا ينقص من الدين الذي عليه شيئا، لأن هذا الإنقاص ظلم حرمه الله- تعالى-.وقد أمر الله- تعالى- بأن يكون الذي يملى على الكاتب هو المدين لأنه هو المكلف بأداء مضمون الكتابة، ولأنه بإملائه يكون قد أقر على نفسه بما عليه، ولأنه لو أفلس الدائن فربما يزيد في الدين، أو يملى شيئا ليس محل اتفاق بينه وبين المدين، ولأن المدين في الغالب في موقف ضعيف فأعطاه الله- تعالى- حق الإملاء على الكاتب حتى لا يغبن من الدائن.فأنت ترى أن الله- تعالى- قد مكن المدين من الإملاء على الكاتب حتى تكون الكتابة تحت سمعه وبصره وباختياره، ولكنه في الوقت نفسه أوجب عليه أمرين: تقوى الله وعدم الانقاص من الدين الذي عليه، وإن ذلك لتشريع عادل حكيم لا ظلم فيه لا للدائن ولا للمدين.ثم بين- سبحانه- الحكم فيما إذا كان الذي عليه الدين لا يحسن الإملاء فقال- تعالى-:فَإِنْ كانَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ وهو المدين سَفِيهاً أى جاهلا بالإملاء أو ناقص العقل، أو متلافا مبذرا لا يحسن تدبير أمره» .أَوْ ضَعِيفاً بأن يكون صبيا أو شيخا تقدمت به الشيخوخة.أَوْ لا يَسْتَطِيعُ أَنْ يُمِلَّ هُوَ بأن يكون عييا أو أخرس أو لا خبرة له بإملاء أمثال هذه المكاتبات.فَلْيُمْلِلْ وَلِيُّهُ بِالْعَدْلِ أى فعلى ولى أمره أو من يهمه شأنه ولا يرضى له أن يضيع حقه أن يتولى الإملاء متحريا الحق والعدل فيما يكلف به.وبعد هذا البيان الحكيم عن الكتابة وأحكامها في شأن الديون، انتقل القرآن إلى الحديث عن الإشهاد فقال- تعالى-: وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجالِكُمْ أى: اطلبوا شاهدين عدلين من الرجال ليشهدوا على ما يجرى بينكم من معاملات مؤجلة، لأن هذا الإشهاد يعطى الديون والكتابة توثيقا وتثبيتا. والسين والتاء في قوله: «واستشهدوا» للطلب.قال الآلوسى: «وفي اختيار صيغة المبالغة في شَهِيدَيْنِ للإيماء إلى من تكررت منه الشهادة، فهو عالم بها مقتدر على أدائها وكأن فيه رمزا إلى العدالة، لأنه لا يتكرر ذلك من الشخص عند الحكام إلا وهو مقبول عندهم ولعله لم يقل رجلين لذلك. والأمر للندب أو للوجوب على الخلاف على ذلك» .وقوله: مِنْ رِجالِكُمْ متعلق بقوله: وَاسْتَشْهِدُوا ومن لابتداء الغاية ويجوز أن يكون متعلقا بمحذوف صفة لشهيدين ومن للتبعيض، أى من رجالكم المسلمين الأحرار فإن الكلام في معاملتهم.ثم بين- سبحانه- الحكم إذا لم يتيسر شاهدان من الرجال فقال: فَإِنْ لَمْ يَكُونا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَداءِ.وقوله: مِمَّنْ تَرْضَوْنَ متعلق بمحذوف على أنه صفة لرجل وامرأتان. أى فإن لم يتيسر رجلان للشهادة فليشهد رجل وامرأتان كائنون مرضيون عندكم بعدالتهم.وهذا الوصف وإن كان في جميع الشهود إلا أنه ذكر هنا للتشديد في اعتباره، لأن اتصاف النساء به قد لا يتوفر كثيرا.وقوله: مِنَ الشُّهَداءِ متعلق بمحذوف حال من الضمير المفعول المقدر في تَرْضَوْنَ العائد إلى الموصول: أى فليشهد رجل وامرأتان ممن ترضونهم حال كونهم من بعض الشهداء لعلمكم بعدالتهم، وثقتكم بهم.وقوله- تعالى-: مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَداءِ أدق في الدلالة على صدق الشهادة من العدالة، لأن الإنسان العدل قد يكون مرضيا في دينه وخلقه ولكنه قد يتأثر بالمشاهد المؤثرة فتخونه ذاكرته في وقت الحاجة إليها، أو قد يكون ممن يمنعه منصبه وجاهه ومقامه في الناس من الكذب إلا أنه قد يرتكب بعض المعاصي، فجاء- سبحانه- بهذه الجملة الحكيمة لكي يقول للناس. اختاروا الشهداء من الذين يرتضى قولهم، ويقيمون الشهادة على وجهها الحق بدون التأثر بأى نوع من أنواع المؤثرات.هذا، وشهادة النساء مع الرجال تجوز عند الحنفية في الأموال والطلاق والنكاح والرجعة وكل شيء إلا الحدود والقصاص. وعند المالكية تجوز في الأموال وتوابعها خاصة، ولا تقبل في أحكام الأبدان مثل الحدود والقصاص والنكاح والطلاق والرجعة.ثم بين- سبحانه- العلة في أن المرأتين تقومان مقام الرجل في الشهادة فقال: أَنْ تَضِلَّ إِحْداهُما فَتُذَكِّرَ إِحْداهُمَا الْأُخْرى.قال القرطبي: معنى تضل تنسى، والضلال عن الشهادة إنما هو نسيان جزء منها وذكر جزء، ويبقى المرء حيران بين ذلك ضالا».والمعنى: جعلنا المرأتين بدل رجل واحد في الشهادة، خشية أن تنسى إحداهما فتذكر كل واحدة منهما الأخرى. إذ المرأة لقوة عاطفتها، وشدة انفعالها بالحوادث، قد تتوهم ما لم تر، فكان من الحكمة أن يكون مع المرأة أخرى في الشهادة بحيث يتذكران الحق فيما بينهما.والعلة في الحقيقة هي التذكير، ولكن الضلال لما كان سببا في التذكير، نزل منزلة العلة.وذلك كأن تقول: أعددت السلاح خشية أن يجيء العدو فأدفعه، فإن العلة هي الدفاع عن النفس، ولكن لما كان مجيء العدو سببا فيه نزل منزلته.وكما أمر الله- تعالى- الكتاب في أول الآية بعدم الامتناع عن الكتابة أمر الشهود أيضا بعدم الامتناع عن الشهادة فقال- تعالى-: وَلا يَأْبَ الشُّهَداءُ إِذا ما دُعُوا أى: ولا يمتنع الشهود عن أداء الشهادة وتحملها متى دعوا إليها، لأن الامتناع عن تحمل الشهادة وأدائها قد يؤدى إلى ضياع الحقوق. والله- تعالى- قد شرع الشهادة لإحقاق الحق، ونشر العدل بين الناس، فعلى من اشتهروا بالعدالة ووثق الناس بهم أن يؤدوا الشهادة كما أمرهم الله- تعالى-.ثم أمر- سبحانه- بكتابة الدين سواء أكبر الدين أم صغر فقال: وَلا تَسْئَمُوا أَنْ تَكْتُبُوهُ صَغِيراً أَوْ كَبِيراً إِلى أَجَلِهِ.السأم: الضجر والملل. يقال: سئمت الشيء أسأمه سأما وسآمة أى مللته وضجرته.والمعنى: وعليكم أيها المؤمنون أن لا تملوا من كتابة الدين إلى الوقت المحدد له سواء أكان هذا الدين كبيرا أم صغيرا، لأن الكتابة في الحالتين أدعى إلى حفظ الحقوق وصيانتها، وإلى عدم نشوب التنازع أو التخاصم بينكم، ولأن الدين قد يكون صغيرا في نظر الغنى المليء، إلا أنه كبير في نظر الفقير المعسر، ولأن التهاون في شأن الدين الصغير قد يؤدى إلى التهاون في شأن الدين الكبير، لذا وجب عليكم أن تنقادوا لشرع الله وأن تكتبوا ما بينكم من ديون.والضمير في قوله: أَنْ تَكْتُبُوهُ يعود إلى الدين أو إلى الحق، وقوله: صَغِيراً أَوْ كَبِيراً حالان من الضمير. أى لا تسأموا أن تكتبوه على كل حال قليلا أو كثيرا، وقدم الصغير على الكبير اهتماما به وانتقالا من الأدنى إلى الأعلى.ثم بين- سبحانه- ثلاث فوائد تعود عليهم إذا ما امتثلوا ما أمرهم الله- تعالى- به، فقال: ذلِكُمْ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ.واسم الإشارة ذلِكُمْ يعود إلى كل ما سبق ذكره في الآية من الكتابة والإشهاد ومن عدم الامتناع عنهما، ومن تحرى الحق والعدل.وأَقْسَطُ بمعنى أعدل. يقال: أقسط فلان في الحكم يقسط إقساطا إذا عدل فهو مقسط.قال- تعالى-: إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ. ويقال: هو قاسط إذا جار وظلم. قال- تعالى-: أَمَّا الْقاسِطُونَ فَكانُوا لِجَهَنَّمَ حَطَباً.أى: ذلكم الذي شرعناه لكم في أمر الديون من الكتابة والإشهاد وغيرهما أعدل في علم الله- تعالى-، وكل ما كان كذلك فهو الأعدل والأفضل والأحكم في ذاته، لأنه- سبحانه- هو الأعلم بما فيه مصلحتكم فاستجيبوا له، وتلك هي الفائدة الأولى.أما الفائدة الثانية فهي قوله- سبحانه-: وَأَقْوَمُ لِلشَّهادَةِ ومعنى أَقْوَمُ أبلغ في الاستقامة التي هي ضد الاعوجاج. أى: أثبت لها وأعون على إقامتها وأدائها.وأما الفائدة الثالثة فهي قوله: وَأَدْنى أَلَّا تَرْتابُوا أى: أقرب إلى زوال الشك والريبة.أى أن الأوامر والنواهي السابقة إذا نفذت على وجهها كان تنفيذها أعدل في علم الله- تعالى- وأعون على إقامة الشهادة إذ بها يتم الاعتماد على الحفظ، وأقرب إلى عدم الشك في جنس الدين وقدره وأجله، وإذا توفرت هذه الفوائد الثلاث في المعاملات ساد الوفاق والتعاون بين الناس، أما إذا فقدت فإن الثقة تزول من بينهم، ويحل محلها النزاع والشقاق.ثم أباح- سبحانه- في التجارة الحاضرة عدم الكتابة فقال: إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجارَةً حاضِرَةً تُدِيرُونَها بَيْنَكُمْ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَلَّا تَكْتُبُوها.والتجارة الحاضرة التي تدور بين التجار: هي التي يجرى فيها التقابض في المجلس أو التي يتأخر فيها الأداء زمنا يسيرا. وسميت حاضرة، لأن المبيع والثمن كلاهما حاضر.والمعنى: أن الله- تعالى- يأمركم بكتابة الديون وبالإشهاد عليها إلا أنه- سبحانه- رحمة بكم أباح لكم عدم الكتابة في التجارة الحاضرة التي تكثرون إدارتها والتعامل فيها، لأنه لو كلفكم بذلك لشق الأمر عليكم، وهو- سبحانه- ما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ.ولأن أمثال هذه التجارات التي يحصل فيها التقابض ويكثر تكرارها، لا يتوقع فيها التنازع أو النسيان.والاستثناء هنا منقطع لأنه ليس هناك دين حتى يكتب، وليست التجارة الحاضرة من جنس التعامل بالديون فكأنه قيل: إذا تداينتم فتكاتبوا وأشهدوا لكن التجارة الحاضرة التي يجرى فيها التقابض لا جناح عليكم في عدم كتابتها.وقيل: الاستثناء متصل والجملة المستثناة في موضع نصب لأنه استثناء من الجنس، لأنه أمر بالكتابة في كل معاملة واستثنى منها التجارة الحاضرة والتقدير: آمركم بالكتابة والإشهاد في كل معاملة إلا في حال حضور التجارة فلا بأس من ترك الكتابة. وتِجارَةً قرأها الجمهور بالرفععلى أنها اسم تكون، والخبر جملة تُدِيرُونَها بَيْنَكُمْ. أو على أنها فاعل تكون إذا اعتبرناها تامة.وقرأها عاصم بالنصب على أنها خبر تكون واسمها ضمير مستتر فيها يعود على التجارة.أى. إلا أن تكون التجارة تجارة حاضرة.وقوله- تعالى-: وَأَشْهِدُوا إِذا تَبايَعْتُمْ أمر منه- سبحانه- بالإشهاد عند البيع، وهذا الأمر للإرشاد والتعليم عند جمهور العلماء. ويرى الظاهرية أنه للوجوب.قال صاحب الكشاف: هذا أمر بالإشهاد على التبايع مطلقا ناجزا أو كالئا- أى مؤجلا- لأنه أحوط وأبعد مما عسى يقع من الاختلاف. ويجوز أن يراد: وأشهدوا إذا تبايعتم هذا التبايع. يعنى التجارة الحاضرة على أن الإشهاد كاف فيه دون الكتابة، وعن الضحاك: هي عزيمة من الله ولو على باقة بقل».ثم نهى- سبحانه- عن المضارة فقال: وَلا يُضَارَّ كاتِبٌ وَلا شَهِيدٌ.والمضارة: إدخال الضرر. والفعل يُضَارَّ يحتمل أن يكون مبنيا للفاعل، وأن أصله «لا يضارر- بكسر الراء- ويحتمل أن يكون مبنيا للمفعول. وأن أصله لا يضارر بفتح الراء الأولى.والمعنى على الأول: نهى الكاتب والشاهد عن أن ينزلا ضررا بأحد المتعاقدين، بأن يبخس الكاتب أحدهما، أو يشهد بغير الحق.والمعنى على الثاني: وهو الظاهر- نهى الدائن والمدين عن أن ينزل أحدهما ضررا بالكاتب أو الشاهد لحملهما على كتابة غير الحق أو قول غير الحق، فإنهما أمينان، والإضرار بهما قد يحملهما على الخيانة وفي ذلك ضياع للأمانة وذهاب للثقة. ولذا قال- تعالى- بعد ذلك وَإِنْ تَفْعَلُوا فَإِنَّهُ فُسُوقٌ بِكُمْ.أى: وإن تفعلوا ما نهيتم عنه أو تخالفوا ما أمرتم به، فإنكم بذلك تكونون قد خرجتم عن طاعة الله، وتلبستم بمعصيته، وصرتم أهلا لعقوبته، فعليكم أن تقفوا عند حدود الله حتى تتحقق لكم السعادة في دينكم ودنياكم.ثم ختم- سبحانه- الآية الكريمة بالأمر بخشيته. وبتذكيرهم بنعمه فقال: وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ، وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ.أى: واتقوا الله فيما أمركم به ونهاكم عنه، فهو- سبحانه- الذي يعلمكم ما يصلح لكم أمر دنياكم وما يصلح لكم أمر دينكم متى اتقيتموه واستجبتم له، وهو- سبحانه- بكل شيء عليم لا تخفى عليه خافية في الأرض ولا في السماء.وبعد: فهذه هي آية الدين التي هي أطول آية في القرآن، تقرؤها فتراها قد اشتملت على أدق التشريعات، وأحكم التوجيهات، وأنجع الإرشادات التي تهدى إلى حفظ الحقوق وضبطها وتوثيقها بمختلف الوسائل.تقرؤها فترى الدقة العجيبة في الصياغة بأن وضع كل لفظ في مكانه المناسب، وترى الطلاوة في التعبير، والعذوبة في الألفاظ بحيث لا تطغى دقة الصياغة على جمال العرض.وترى الوفاء الكامل، لكل الجوانب التشريعية والاحتراس التام من كل المؤثرات التي قد تؤثر على سلامة التعاقد، والإرشاد الجامع إلى كل ما يضمن وصول الحق والعدل إلى جميع الأطراف بدون محاباة أو غبن.وترى قبل ذلك وبعد ذلك كيف يسوق القرآن تشريعاته بطريقة تغرس في النفوس الخوف من الله- تعالى- والمراقبة له، والاستجابة لأوامره، لا كطريقة البشر في قوانينهم التي صاغوها في قوالب صماء من الألفاظ لا تشعر معها بتأثير في النفس، ولا باهتزاز في القلب.ولو لم يكن في شريعة الله سوى هذا التأثير الذي تشعر به النفوس النقية الصافية عند تدبرها لكفاها ذلك دليلا على سموها وفضلها وعلى أنها من صنع الله- تعالى- ولو أن المسلمين أخذوا بها وبتوجيهاتها في سائر شئونهم لظفروا بالسعادتين: الدينية والدنيوية.ثم بين- سبحانه- ما يحب على المسلمين فعله إذا لم يتمكنوا من كتابة ديونهم بأن كانوا مسافرين وليس معهم كاتب فقال- تعالى-:
وَ اِنْ كُنْتُمْ عَلٰى سَفَرٍ وَّ لَمْ تَجِدُوْا كَاتِبًا فَرِهٰنٌ مَّقْبُوْضَةٌؕ-فَاِنْ اَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضًا فَلْیُؤَدِّ الَّذِی اؤْتُمِنَ اَمَانَتَهٗ وَ لْیَتَّقِ اللّٰهَ رَبَّهٗؕ-وَ لَا تَكْتُمُوا الشَّهَادَةَؕ-وَ مَنْ یَّكْتُمْهَا فَاِنَّهٗۤ اٰثِمٌ قَلْبُهٗؕ-وَ اللّٰهُ بِمَا تَعْمَلُوْنَ عَلِیْمٌ۠(۲۸۳)
اور اگر تم سفر میں ہو (ف۶۰۹) اور لکھنے والا نہ پاؤ (ف۶۱۰) تو گِرو (رہن) ہو قبضہ میں دیا ہوا (ف۶۱۱) اور اگر تم ایک کو دوسرے پر اطمینان ہو تو وہ جسے اس نے امین سمجھا تھا (ف۶۱۲) اپنی امانت ادا کردے (ف۶۱۳) اور اللہ سے ڈرے جو اس کا رب ہے اور گواہی نہ چھپاؤ (ف۶۱۴) اور جو گواہی چھپائے گا تو اندر سے اسکا دل گنہگار ہے (ف۶۱۵) اور اللہ تمہارے کاموں کو جانتا ہے،
الرهان: جمع رهن بمعنى مرهون من باب إطلاق المصدر على اسم المفعول وقرأ ابن كثير وأبو عمر فرهن مقبوضة وأصل الرهن في كلام العرب يدل على الحبس قال- تعالى-:كُلُّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ رَهِينَةٌ. ومعنى الرهن: أن يوضع شيء يناسب قيمة الدين من متاع المدين بيد الدائن توثقة له في دينه، ليستطيع أن يستوفى حقه من هذا الشيء المرهون عند تعذر الدفع.والمعنى: وإن كنتم. أيها المؤمنون- مسافرين وتداينتم بدين إلى أجل مسمى، ولم تجدوا كاتبا يكتب لكم ديونكم، أو لم تتيسر لكم أسباب الكتابة لأى سبب من الأسباب، فإنه في هذه الحالة يقوم مقام الكتابة رهان مقبوضة يقبضها صاحب الدين ضمانا لحقه عند تعذر أخذه من الغريم.وفي التعبير بقوله: عَلى سَفَرٍ استعارة تبعية حيث شبه تمكنهم في السفر بتمكن الراكب من مركوبه. وفيه كذلك إشارة إلى اضطراب الحال، لأن حال المسافر يغلب عليها التنقل وعدم الاستقرار.وجملة وَلَمْ تَجِدُوا كاتِباً معطوفة على فعل الشرط، أى: وإن كنتم مسافرين ولم تجدوا، كاتبا فتكون في محل جزم تقديرا. ويجوز أن تكون الواو للحال والجملة بعدها في محل نصب على الحال.وقوله: فَرِهانٌ مَقْبُوضَةٌ خبر لمبتدأ محذوف والتقدير: فالذي يستوثق به رهان مقبوضة.أو مبتدأ محذوف الخبر والتقدير: فعليكم رهان مقبوضة.ومن الأحكام التي أخذها الفقهاء من هذه الآية الكريمة: أن تعليق الرهان على السفر ليس لكون السفر شرطا في صحة الرهان، فإن التعامل بالرهان مشروع في حالتي السفر والحضر، وإنما علق هنا على السفر لأنه مظنة تعسر الكتابة لما فيه من التنقل وعدم الاستقرار. وقد ثبت في الصحيحين عن أنس أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم توفى ودرعه مرهونة عند يهودي على ثلاثين وسقا من شعير رهنها قوتا لأهله».ومن الواضح أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عند ما رهن درعه لليهودي كان مقيما ولم يكن مسافرا.قال القرطبي: ولم يرو عن أحد منع الرهن في الحضر سوى مجاهد والضحاك وداود متمسكين بالآية، ولا حجة فيها لهم، لأن هذا الكلام وإن خرج مخرج الشرط فالمراد به غالب الأحوال. وليس كون الرهن في الآية في السفر مما يحظر في غيره».كذلك أخذ بعض الفقهاء من قوله: فَرِهانٌ مَقْبُوضَةٌ أن الرهن لا يتم إلا بالقبض، فإذا افترق المتعاقدان من غير قبض كان الرهن غير صحيح بنص الآية وهذا مذهب الأحناف والشافعية، ويرى المالكية والحنابلة أن الرهن يتم من غير القبض، لأن القبض حكم من أحكامه، فمن حق الدائن بعد تمام عقد الرهن أن يطالب بقبض العين المرهونة، فالقبض حكم من أحكام العقد، وليس ركنا من أركانه ولا شرطا لتمامه.وقوله: فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضاً فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمانَتَهُ وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ تفريع على أحكام الديون السابقة، وحض على أداء الأمانة وعلى حسن المعاملة.أى: فإن أمن الدائن المدين واعتمد على ذمته ووفائه ولم يوثق الدين بالكتابة والشهود والرهن، فعلى المدين أن يكون عند حسن ظن الدائن به بأن يؤدى ما عليه من ديون في الموعد المحدد بدون تسويف أو مماطلة، وعليه كذلك أن يتقى الله ربه في رعاية حقوق غيره فلا يجحدها ولا يتأخر في أدائها لأن الله العليم بكل شيء سيحاسب كل إنسان بما قدمت يداه.وعبر- سبحانه- بقوله: فَإِنْ أَمِنَ دون أو أودع، للإشارة إلى الجانب الذي اعتمد عليه الدائن في المدين وهو خلق الأمانة، فهو لا يرى فيه إلا جانبا مأمونا لا يتوقع منه شرا أو خيانة، وللتنبيه إلى أن صفة الأمانة والوفاء من الصفات التي يجب أن يتحلى بها المؤمنون جميعا حتى ينالوا السعادة في دينهم ودنياهم، عبر بقوله: فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ ولم يقل فليؤد المدين لحضه: على الأداء بأحسن أسلوب، لأنه ما دام الدائن قد ائتمنه على ما أعطاه من ديون، فعلى هذا الذي اؤتمن وهو المدين أن يكون عند حسن الظن به وأن يرد إليه حقه في موعده مع شكره على حسن ظنه به.وقوله: أَمانَتَهُ أى دينه. والضمير يصح أن يعود إلى الدائن باعتباره مالك الدين، وإلى المدين باعتبار أن الدين عليه، وفي إضافتها- أى الأمانة- إلى المدين إشعار له بأنها عبء في ذمته يجب أن يؤديه حتى يتخلص من تكاليفه، إذ الأمانة عبء ثقيل عند العقلاء الذين يشعرون بالمسئولية نحو أنفسهم ونحو غيرهم.وجمع- سبحانه- بين صفتي الألوهية والربوبية في قوله: وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ للمبالغة في التحذير من الخيانة والمماطلة فإنهما يغضبان الله- تعالى- الذي خلق الإنسان ورباه وأسبغ عليه نعمه الظاهرة والباطنة، ولإشعار هذا المدين بأن التقوى هي الوثيقة الكبرى التي لا تعدلها وثيقة أخرى من كتابة أو شهادة أو رهان.وبذلك نرى لونا من ألوان التدرج الحكيم في شريعة الله- تعالى- فأنت ترى أن الله- تعالى- قد بين قبل ذلك أن الكتابة في الديون والإشهاد عليها مطلوبان، فإن تعذرت الكتابة والشهادة لسبب من الأسباب فإنه يترخص حينئذ بالرهن المقبوض.فإن تعذر على المدين المحتاج أن يدفع للدائن رهنا يكون الاعتماد على الأمانة التي هي صفة من صفات الصادقين.فيا له من تشريع حكيم، بين للناس ما يصلح شأنهم في دينهم وفي دنياهم.ثم أمر الله تعالى- عباده بأن يؤدوا الشهادة على وجهها وألا يكتموها فقال- تعالى-:وَلا تَكْتُمُوا الشَّهادَةَ وَمَنْ يَكْتُمْها فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ. أى: وعليكم- أيها المؤمنون- ألا تمتنعوا عن أدائها إذا دعيتم إليها وألا تخفوها فإن الذي يخفيها ويمتنع عن أدائها يكون معاقبا من الله- تعالى- بسبب ارتكابه لما نهى عنه.وقد أسند- سبحانه- الإثم إلى القلب خاصة مع أن الإثم يسند إلى الشخص، لأن الإثم في كتمان الشهادة عمل القلب لا عمل الجوارح، ولأن القلب أساس كل خير وكل شر، ففي الحديث الشريف: ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهي القلب» .قال صاحب الكشاف: فإن قلت: هلا اقتصر على قوله فَإِنَّهُ آثِمٌ وما فائدة ذكر القلب والجملة هي الآثمة لا القلب وحده؟ قلت: كتمان الشهادة هو أن يضمرها ولا يتكلم بها. فلما كان إثما مقترنا بالقلب أسند إليه لأن إسناد الفعل إلى الجارحة التي يعمل بها أبلغ، ألا تراك تقول إذا أردت التوكيد: هذا مما أبصرته عيني، ووعاه قلبي. ولأن القلب هو رئيس الأعضاء فكأنه قيل: ومن يكتمها فقد تمكن الإثم من أصل نفسه، وملك أشرف مكان فيه: ولئلا يظن أن كتمان الشهادة من الآثام التي تتعلق باللسان فقط. وليعلم أن القلب أصل متعلقه ومعدن اقترافه، واللسان ترجمان عنه. ولأن أفعال القلوب أعظم من أفعال سائر الجوارح، وهي لها كالأصول التي تتشعب عنها. ألا ترى أن أصل الحسنات والسيئات الإيمان والكفر. وهما من أفعال القلوب فإذا جعل كتمان الشهادة من آثام القلوب فقد شهد له بأنه من معاظم الذنوب.وقوله: آثِمٌ خبر إن وقَلْبُهُ رفع بآثم على الفاعلية كأنه قيل: فإنه يأثم قلبه. ويجوز أن يرتفع قلبه بالابتداء. وآثم خبر مقدم. والجملة خبر إن والضمير للشأن».ثم ختم- سبحانه- الآية بقوله: وَاللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ أى: والله- تعالى- عليم بكل أعمالكم وأقوالكم وسائر شئونكم وسيجازى المحسنين إحسانا، والمسيئين سوءا فعليكم أيها المؤمنون أن تستجيبوا لأوامر الله، وأن تجتنبوا ما نهاكم عنه حتى تكونوا من السعداء.فالجملة الكريمة تذييل قصد به الوعد الحسن للمؤمنين الصادقين، والوعيد الشديد للعصاة المسيئين، حتى يزداد المؤمنون إيمانا، ويقلع العصاة عن عصيانهم وسيئاتهم.وبعد هذا البيان الجامع الحكيم لطرق التعامل التي أباحها الله- تعالى- لعباده والتي حرمها عليهم، بين سبحانه- أن ما في السموات والأرض ملك له، وأنه سيحاسب عباده بما يقتضيه علمه الشامل، وإرادته النافذة فقال- تعالى-.
لِلّٰهِ مَا فِی السَّمٰوٰتِ وَ مَا فِی الْاَرْضِؕ-وَ اِنْ تُبْدُوْا مَا فِیْۤ اَنْفُسِكُمْ اَوْ تُخْفُوْهُ یُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللّٰهُؕ-فَیَغْفِرُ لِمَنْ یَّشَآءُ وَ یُعَذِّبُ مَنْ یَّشَآءُؕ-وَ اللّٰهُ عَلٰى كُلِّ شَیْءٍ قَدِیْرٌ(۲۸۴)
اللہ ہی کا ہے جو کچھ آسمانوں میں ہے اور جو کچھ زمین میں ہے، اور اگر تم ظاہر کرو جو کچھ (ف۶۱۶) تمہارے جی میں ہے یا چھپاؤ اللہ تم سے اس کا حساب لے گا (ف۶۱۷) تو جسے چاہے گا بخشے گا (ف۶۱۸) اور جسے چاہے گا سزادے گا (ف۶۱۹) اور اللہ ہر چیز پر قادر ہے،
وما دام الأمر كذلك فعليكم- أيها المؤمنون- أن تبذلوا نهاية جهدكم في العمل الصالح الذي بين أيديكم إنما هو عارية مستردة، وأن المالك الحقيقي له إنما هو الله رب العالمين، فأنفقوا من هذا المال- الذي هو أمانة بين أيديكم- في وجوه الخير واجمعوه من طريق حلال، وكونوا من القوم العقلاء الصالحين الذين لم تشغلهم دنياهم عن أخراهم، بل كانوا كما قالوا: رَبَّنا آتِنا فِي الدُّنْيا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنا عَذابَ النَّارِ.وقوله- سبحانه-: وَإِنْ تُبْدُوا ما فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ بيان لشمول علم الله- تعالى- لما أظهره الإنسان أو أخفاه من أقوال وأعمال، وأنه سيحاسبه على ذلك بما يستحقه من خير أو شر.والجملة الكريمة صريحة في أن الله- تعالى- يحاسب العباد على نياتهم وما تكسبه قلوبهم سواء أأخفوه أم أظهروه.وقد بين المحققون من العلماء أن هذه المحاسبة إنما تكون على ما يعزم عليه الإنسان وينويه ويصر على فعله، سواء أنفذ ما اعتزم عليه أم حالت دونه حوائل خارجة عن إرادته: كمن عزم على السرقة واتخذ الوسائل لذلك ولكن لم يستطع التنفيذ لأسباب لم يتمكن معها من السرقة التي أصر عليها.أما الخواطر النفسية التي تجول في النفس، وتعرض للإنسان دون أن يعزم على تنفيذها، فإنها ليست موضع مؤاخذة، بل إن التغلب عليها، وكفها بعد مكافحتها يجعله أهلا للثواب.ففي الصحيحين عن أبى هريرة قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: قال الله- تعالى-: إذا هم عبدى بسيئة فلا تكتبوها عليه فإن عملها فاكتبوها سيئة، وإذا هم بحسنة فلم يعملها فاكتبوها حسنة، فإن عملها فاكتبوها عشرا .وروى الجماعة في كتبهم عن أبى هريرة قال، قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إن الله تجاوز لي عن أمتى ما وسوست به صدورها ما لم تعمل أو تتكلم» .قال الفخر الرازي: الخواطر الحاصلة في القلب على قسمين: فمنها ما يوطن الإنسان نفسه عليه ويعزم على إدخاله في الوجود، ومنها ما لا يكون كذلك، بل تكون أمورا خاطرة بالبال مع أن الإنسان يكرهها ولكنه لا يمكنه دفعها عن النفس.فالقسم الأول يكون مؤاخذا به.والثاني لا يكون مؤاخذا به، ألا ترى إلى قوله- تعالى-: لا يُؤاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمانِكُمْ وَلكِنْ يُؤاخِذُكُمْ بِما كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ .وقال الآلوسى: المؤاخذة على تصميم العزم على إيقاع المعصية في الأعيان وهو من الكيفيات النفسانية التي تلحق بالملكات، وليس كذلك سائر ما يحدث في النفس- أى من خواطر لا تصميم ولا عزم معها- قال بعضهم:مراتب القصد خمس هاجس ذكروا ... فخاطر فحديث النفس فاستمعايليه هم فعزم كلها رفعت ... سوى الأخير ففيه الأخذ قد وقعاوقوله- تعالى-: فيغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء» بيان لنتيجة المحاسبة التي تكون من الخالق- عز وجل- لعباده.أى: أنه- سبحانه- بمقتضى علمه الشامل، وإرادته النافذة، يحاسب عباده على ما أسروه وما أعلنوه من أقوال وأعمال، فيغفر بفضله لمن يشاء أن يغفر له، ويعذب بعدله من يشاء أن يعذبه، لا راد لمشيئته ولا معقب لحكمه.وقوله: فَيَغْفِرُ ويعذب، قرأه عاصم وابن عامر ويعقوب وأبو جعفر برفع الراء والباء على الاستئناف أى فهو يغفر. وقرأ الباقون بإسكانهما عطفا على جواب الشرط وهو قوله:يُحاسِبْكُمْ.وقوله: وَاللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ تذييل مقرر لمضمون ما قبله فإن كمال قدرته- سبحانه- على جميع الأشياء موجب لقدرته على ما سبق ذكره من المحاسبة لعباده، وإثابة من يشاء إثابته وتعذيب من يشاء تعذيبه، فهو القاهر فوق عباده، وهو الحكيم الخبير.ثم ختم- سبحانه- سورة البقرة بآيتين كريمتين في أولاهما أن رسالة النبي صلّى الله عليه وسلّم امتداد للرسالات السماوية السابقة وخاتمة لها ومهيمنة عليها، وبين في الثانية أنه- سبحانه- لم يكلف الناس إلا بما في قدرتهم، وأنهم سيحاسبون على أعمالهم، وأن من شأن الأخيار أن يكثروا من التضرع إليه بخالص الدعاء. قال- تعالى-:
اٰمَنَ الرَّسُوْلُ بِمَاۤ اُنْزِلَ اِلَیْهِ مِنْ رَّبِّهٖ وَ الْمُؤْمِنُوْنَؕ-كُلٌّ اٰمَنَ بِاللّٰهِ وَ مَلٰٓىٕكَتِهٖ وَ كُتُبِهٖ وَ رُسُلِهٖ۫-لَا نُفَرِّقُ بَیْنَ اَحَدٍ مِّنْ رُّسُلِهٖ۫-وَ قَالُوْا سَمِعْنَا وَ اَطَعْنَا ﱪ غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَ اِلَیْكَ الْمَصِیْرُ(۲۸۵)
سب نے مانا (ف۶۲۰) اللہ اور اس کے فرشتوں اور اس کی کتابوں اور اس کے رسولوں کو (ف۶۲۱) یہ کہتے ہوئے کہ ہم اس کے کسی رسول پر ایمان لانے میں فرق نہیں کرتے (ف۶۲۲) اور عرض کی کہ ہم نے سنا اور مانا (ف۶۲۳) تیری معافی ہو اے رب ہمارے! اور تیری ہی طرف پھرنا ہے،
وقوله: آمَنَ الرَّسُولُ بِما أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ استئناف قصد به الإخبار عن الرسول صلّى الله عليه وسلّم والمؤمنين بما يشرفهم ويعلى من أقدارهم ومنازلهم.أى: صدق الرسول صلّى الله عليه وسلّم بما أنزل إليه من ربه في هذه السورة وغيرها من العقائد والأحكام والسنن والبينات والهدايات تصديق إذعان وإقرار وإطمئنان، وكذلك المؤمنون الذين صدقوه واتبعوه آمنوا بما آمن به رسولهم وداعيهم إلى الحق صلّى الله عليه وسلّم.وقد قرن- سبحانه- إيمان المؤمنين بإيمان رسولهم صلّى الله عليه وسلّم تشريفا لهم وللإشارة إلى أنهم متى صدقوا في إيمانهم كانت منزلتهم عند الله- تعالى- قريبة من منازل الأنبياء- عليهم الصلاة والسلام-.وفي تأخيرهم في الذكر إشارة إلى تأخر التابع عن المتبوع، وإشارة إلى أن النبي صلّى الله عليه وسلّم هو أول من آمن بما أوحى إليه من ربه، وهو أقوى الناس إيمانا، وأصدقهم يقينا. وأكثرهم استجابه لأوامر الله.وقوله: كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ بيان للإيمان الكامل الذي اعتقدوه وصدقوا به.أى: كل فريق من هذين الفريقين وهما الرسول والمؤمنون آمن إيمانا تاما بوجود الله- تعالى- ووحدانيته، وكمال صفاته، ووجوب الخضوع والعبادة له، وبوجود الملائكة وأنهم عباد مكرمون لا يَعْصُونَ اللَّهَ ما أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ ما يُؤْمَرُونَ كما آمنوا بكتب الله التي أنزلها لسعادة البشر، وبرسله الذين أرسلهم لإخراج الناس من الظلمات إلى النور.ثم بين- سبحانه- أن من صفات هؤلاء الأخيار أنهم لا يفرقون بين رسل الله- تعالى فقال: لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ أى يقولون لا نفرق في الإيمان بين رسل الله- تعالى- وإنما نؤمن بهم جميعا، ونصدق برسالة كل رسول أرسله الله- تعالى- ولا نقول كما قال الضالون نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ.ثم حكى- سبحانه- ما قالوه مما يدل على صدق إيمانهم، ونقاء نفوسهم وطهارة قلوبهم فقال: «وقالوا سمعنا وأطعنا» أى: وقالوا سمعنا قولك وفهمناه، وامتثلنا أمرك- يا الهنا- واستقمنا عليه، وصبرنا على تكاليفه بكل رضا واستسلام. «غفرانك ربنا» أى اغفر لنا غفرانك الذي هو من فضل رحمتك ونعمك فأنت ربنا وخالقنا والعليم بأحوالنا وبضعفنا.فقوله: غُفْرانَكَ مصدر منصوب على المفعول المطلق والعامل فيه مقدر أى: اغفر غفرانك. وقوله: وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ أى: وإليك وحدك المرجع والمآب، ومنك وحدك يكون الحساب والثواب والعقاب، يَوْمَ لا يَنْفَعُ مالٌ وَلا بَنُونَ إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ.وبذلك نرى أن هذه الآية الكريمة قد مدحت الرسول صلّى الله عليه وسلّم مدحا عظيما، ومدحت أتباعه المؤمنين الصادقين لاستجابتهم لأوامر الله ونواهيه، وتضرعهم إليه بخالص الدعاء أن يغفر لهم ما فرط منهم.
لَا یُكَلِّفُ اللّٰهُ نَفْسًا اِلَّا وُسْعَهَاؕ-لَهَا مَا كَسَبَتْ وَ عَلَیْهَا مَا اكْتَسَبَتْؕ-رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَاۤ اِنْ نَّسِیْنَاۤ اَوْ اَخْطَاْنَاۚ-رَبَّنَا وَ لَا تَحْمِلْ عَلَیْنَاۤ اِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهٗ عَلَى الَّذِیْنَ مِنْ قَبْلِنَاۚ-رَبَّنَا وَ لَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهٖۚ-وَ اعْفُ عَنَّاٙ-وَ اغْفِرْ لَنَاٙ-وَ ارْحَمْنَاٙ-اَنْتَ مَوْلٰىنَا فَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكٰفِرِیْنَ۠(۲۸۶)
اللہ کسی جان پر بوجھ نہیں ڈالتا مگر اس کی طاقت بھر، اس کا فائدہ ہے جو اچھا کمایا اور اس کا نقصان ہے جو برائی کمائی (ف۶۲۴) اے رب ہمارے! ہمیں نہ پکڑ اگر ہم بھولیں (ف۶۲۵) یا چوُکیں اے رب ہمارے! اور ہم پر بھاری بوجھ نہ رکھ جیسا تو نے ہم سے اگلوں پر رکھا تھا، اے رب ہمارے! اور ہم پر وہ بوجھ نہ ڈال جس کی ہمیں سہار (برداشت) نہ ہو اور ہمیں معاف فرمادے اور بخش دے اور ہم پر مہر کر تو ہمارا مولیٰ ہے۔ تو کافروں پر ہمیں مدد دے۔
ثم بين- سبحانه- بعض مظاهر رحمته بعباده فقال: لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها والوسع- كما يقول الزمخشري-: ما يسع الإنسان، ولا يضيق عليه، ولا يحرج فيه، أى لا يكلفها إلا ما يتسع فيه طوقه، ويتيسر عليه دون مدى الطاقة والمجهود. وهذا إخبار عن عدله. ورحمته كقوله- تعالى-: يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ لأنه كان في إمكان الإنسان وطاقته أن يصلّى أكثر من الخمس، ويصوم أكثر من الشهر، ويجمع أكثر من حجة .فالجملة الكريمة تحكى لنا بعض مظاهر فضل الله علينا ورحمته بنا، حيث كلفنا بما تسعه قدرتنا، وتستطيعه نفوسنا، وقد حكى القرآن هذا المعنى في آيات كثيرة، منها قوله- تعالى-:ما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ وقوله- تعالى-: يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ وَخُلِقَ الْإِنْسانُ ضَعِيفاً.وإذا كانت بعض التكاليف التي كلفنا الله بها فيها مشقة، فإن هذه المشقة محتملة وفي وسع الإنسان وقدرته وطاقته، وسيثيبنا الله- تعالى- عليها ثوابا جزيلا، فهو القائل: إِنَّما يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسابٍ.ثم بين- سبحانه- أن كل نفس ستجازى بما عملت فقال: لَها ما كَسَبَتْ وَعَلَيْها مَا اكْتَسَبَتْ أى لها وحدها ثواب ما كسبت من حسنات بسبب أعمالها الصالحة، وعليها وحدها عقاب ما اكتسبت من سيئات بسبب أعمالها القبيحة.قال صاحب الكشاف: فإن قلت: لم خص الخير بالكسب، والشر بالاكتساب؟ قلت. في الاكتساب اعتمال، فلما كان الشر مما تشتهيه النفس وهي منجذبة إليه وأمارة به، كانت في تحصيله أعمل وأجد، فجعلت لذلك مكتسبة فيه، ولما لم تكن كذلك في باب الخير وصفت بما لا دلالة فيه على الاعتمال» .وقال الأستاذ الإمام محمد عبده: «لا شك أن الميل إلى الخير مما أودع في نفس الإنسان، والإنسان يفعل الخير بطبعه وتكون فيه لذته. ولا يحتاج إلى تكلف في فعل الخير، لأنه يعلم أن كل أحد يرتاح إليه ويراه بعين الرضا وأما الشر فإنه يعرض للنفس بأسباب ليست من طبيعتها ولا من مقتضى فطرتها ومهما كان الإنسان شريرا فإنه لا يخفى عليه أن الشر ممقوت عند الناس وصاحبه مهين عندهم.. وهكذا شأن الإنسان عند اقتراف كل شر يشعر في نفسه بقبحه، ويجد من أعماق سريرته هاتفا يقول له: لا تفعل، ويحاسبه بعد الفعل ويوبخه إلا في النادر..».وبعد بيان سنة الله- تعالى- في التكليف وفي الجزاء عليه، ختم- سبحانه- السورة الكريمة بتلك الدعوات الجامعات للسعادة حتى يكثر المؤمنون من التضرع بها فقال- تعالى-:رَبَّنا لا تُؤاخِذْنا إِنْ نَسِينا أَوْ أَخْطَأْنا أى: ربنا يا واسع العفو والمغفرة لا تؤاخذنا أى لا تعاقبنا إِنْ نَسِينا أمرك ونهيك أَوْ أَخْطَأْنا ففعلنا خلاف الصواب جهلا منا بوجهه الشرعي.فأنت ترى أن هؤلاء الذين اتقوا ربهم، فصفت نفوسهم، وطهرت قلوبهم، وخشعت جوارحهم، يتضرعون إلى الله أن يغفر لهم ما فرط منهم نسيانا أو خطأ، وذلك لأن المؤمن عند ما يصل إلى هذه الدرجة من التقوى والصفاء يشعر بأن الله- تعالى- يحاسبه على مالا حساب عليه، ويشعر بأن حسناته- مهما كثرت- فهي قليلة بجانب هفواته وسيئاته، فهو لشدة خشيته من الله يرجح جانب المؤاخذة على جانب العفو فيكثر من الضراعة والدعاء.وقد أشار صاحب الكشاف إلى هذا المعنى بقوله: فإن قلت: النسيان والخطأ متجاوز عنهما فما معنى الدعاء بترك المؤاخذة بهما؟ قلت: ... لأنهم كانوا متقين الله حق تقاته، فما كانت تفرط منهم فرطة إلا على وجه النسيان والخطأ. فكان وصفهم بالدعاء بذلك إيذانا ببراءة ساحتهم عما يؤاخذون به. كأنه قيل: إن كان النسيان والخطأ مما يؤاخذ به، فما فيهم سبب مؤاخذة إلا الخطأ والنسيان. ويجوز أن يدعو الإنسان بما علم أنه حاصل له قبل الدعاء من فضل الله لاستدامته والاعتداد بالنعمة فيه» .هذا هو الدعاء الأول الذي حكاه القرآن عن المؤمنين الصادقين.أما الدعاء الثاني فهو قوله- سبحانه-: رَبَّنا وَلا تَحْمِلْ عَلَيْنا إِصْراً كَما حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنا.والإصر في اللغة: الثقل والشدة. مأخوذ من أصر بمعنى حبس، فكأنه يحبس صاحبه في مكانه فيمنعه من الحركة.والمعنى: أن أولئك يضرعون إلى الله- تعالى- ألا يلقى تكاليف وأعباء شديدة، يثقل عليهم حملها ويعجزون عن أدائها، كما كان الحال بالنسبة للذين سبقوهم فقد كلف الله- تعالى- بنى إسرائيل بتكاليف شاقة ثقيلة بسبب تعنتهم وفسوقهم عن أمره، ومن ذلك تكليفهم بقتل أنفسهم إذا أرادوا أن يتوبوا توبة صادقة، وتحريم بعض الطيبات عليهم بسبب ظلمهم قال- تعالى-: فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هادُوا حَرَّمْنا عَلَيْهِمْ طَيِّباتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ....قال الرازي: والمؤمنون إنما طلبوا هذا التخفيف لأن التشديد مظنة التقصير. والتقصير موجب للعقوبة، ولا طاقة لهم بعذاب الله- تعالى- فلا جرم التمسوا السهولة في التكاليف .أما الدعاء الثالث فهو قوله- تعالى-: رَبَّنا وَلا تُحَمِّلْنا ما لا طاقَةَ لَنا بِهِ.الطاقة- كما يقول الراغب-: اسم لمقدار ما يمكن للإنسان أن يفعله بمشقة، وذلك تشبيه بالطوق المحيط، فقوله- تعالى-: لا تُحَمِّلْنا ما لا طاقَةَ لَنا بِهِ أى ما يصعب علينا مزاولته، وليس معناه لا تحملنا ما لا قدرة لنا به».فالطاقة على هذا تكون فيما فعله بأقصى القدرة والقوة.أى: ونسألك يا ربنا ألا تحملنا ما هو فوق طاقتنا وقدرتنا من المصائب والعقوبات وغير ذلك من الأمور التي لا نستطيعها.وهذا الدعاء هو تدرج مترتب على الدعاء السابق، فهم هنا يلتمسون منه- سبحانه- ألا ينزل بهم ما هو فوق قدرتهم وطاقتهم من بلايا ومحن، بعد أن التمسوا منه ألا يكلفهم بتكاليف شاقة ثقيلة كما كلف الذين من قبلهم.ثم حكى القرآن دعاءهم الرابع والخامس والسادس فقال: وَاعْفُ عَنَّا، وَاغْفِرْ لَنا، وَارْحَمْنا أى نسألك يا ربنا أن تعفو عنا بأن تمحو عنا ما ألممنا به من ذنوب وتتجاوز عنها، وأن تغفر لنا سيئاتنا بأن تسترها ولا تفضحنا بإظهارها فأنت وحدك الغفار الستار. وأن ترحمنا برحمتك السابقة التي شملت كل شيء، فإننا مع تقصيرنا في طاعتك تأمل ألا تحرمنا من رحمتك فأنت تراهم قد تضرعوا إلى ربهم أن يعفو عنهم بأن يسقط عنهم العقاب وأن يغفر لهم بأن يستر عليهم ذنوبهم فلا يفضحهم بها، وأن يشملهم بعطفه ورحمته.وهي دعوات تدل على رقة إحساسهم، ونقاء نفوسهم، وشدة خشيتهم من ربهم، وشعورهم نحوه بالتقصير مهما قدموا من أعمال صالحة.ثم ختموا دعاءهم بقوله- تعالى-: أَنْتَ مَوْلانا فَانْصُرْنا عَلَى الْقَوْمِ الْكافِرِينَ أى: أنت مولانا وناصرنا وحافظنا ومعيننا وممدنا بالخير والهدى فانصرنا يا ربنا على القوم الكافرين لكي تكون كلمتك هي العليا، وكلمة الذين كفروا هي السفلى.وقولهم: أَنْتَ مَوْلانا يدل على نهاية خضوعهم وتذللهم وطاعتهم لله رب العالمين، لأنهم قد اعترفوا بأنه- سبحانه- هو المتولى لكل نعمة يصلون إليها.قال ابن كثير: وقد ورد في صحيح مسلّم عن النبي: صلّى الله عليه وسلّم- أن الله- تعالى- قال عقب كل دعوة من هذه الدعوات: قد فعلت.وروى البخاري والجماعة عن ابن مسعود قال: قال رسول الله- صلّى الله عليه وسلّم-: من قرأ بالآيتين من آخر سورة البقرة في ليلة كفتاه» .وروى الإمام أحمد عن أبى ذر قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: أعطيت خواتيم سورة البقرة من كنز تحت العرش لم يعطهن نبي قبلي» .وبعد فهذه هي سورة البقرة التي اشتملت على ما يشفى الصدور، ويهدى القلوب، ويصلح النفوس: من توجيهات سامية، وآداب حميدة، وعقائد سليمة، وتشريعات حكيمة، وأمثال هادية، وقصص من شأنه أن يغرس في النفوس الخلق القويم، وأن يغريها بالاتعاظ والاعتبار حتى تكون ممن رضي الله عنهم ورضوا عنه.ولقد سبق لنا أن تكلمنا قبل البدء في تفسيرها عن وقت نزولها، وعن فضلها وعن مقاصدها الإجمالية ...والله نسأل أن ينفعنا بها وبكتابه الكريم، وأن يجعل أقوالنا وأعمالنا خالصة لوجهه، ونافعة لعباده.اللهم اجعل القرآن ربيع قلوبنا، ونور أبصارنا وبصائرنا، وجلاء همنا وحزننا، وأعنا على إتمام ما قصدناه بفضلك ورعايتك يا أكرم الأكرمين. وصلّى الله على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه وأتباعه ومن سار على طريقته إلى يوم الدين.
- English | Ahmed Ali
- Urdu | Ahmed Raza Khan
- Turkish | Ali-Bulaç
- German | Bubenheim Elyas
- Chinese | Chineese
- Spanish | Cortes
- Dutch | Dutch
- Portuguese | El-Hayek
- English | English
- Urdu | Fateh Muhammad Jalandhry
- French | French
- Hausa | Hausa
- Indonesian | Indonesian-Bahasa
- Italian | Italian
- Korean | Korean
- Malay | Malay
- Russian | Russian
- Tamil | Tamil
- Thai | Thai
- Farsi | مکارم شیرازی
- العربية | التفسير الميسر
- العربية | تفسير الجلالين
- العربية | تفسير السعدي
- العربية | تفسير ابن كثير
- العربية | تفسير الوسيط لطنطاوي
- العربية | تفسير البغوي
- العربية | تفسير القرطبي
- العربية | تفسير الطبري
- English | Arberry
- English | Yusuf Ali
- Dutch | Keyzer
- Dutch | Leemhuis
- Dutch | Siregar
- Urdu | Sirat ul Jinan