READ

Surah al-Baqarah

اَلْبَقَرَة
286 Ayaat    مدنیۃ


2:201
وَ مِنْهُمْ مَّنْ یَّقُوْلُ رَبَّنَاۤ اٰتِنَا فِی الدُّنْیَا حَسَنَةً وَّ فِی الْاٰخِرَةِ حَسَنَةً وَّ قِنَا عَذَابَ النَّارِ(۲۰۱)
اور کوئی یوں کہتا ہے کہ اے رب ہمارے! ہمیں دنیا میں بھلائی دے اور ہمیں آخرت میں بھلائی دے اور ہمیں عذاب دوزخ سے بچا (ف۳۸۷)

وأما الفريق الثاني فقد عبر- سبحانه- عنه بقوله: وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ رَبَّنا آتِنا فِي الدُّنْيا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنا عَذابَ النَّارِ.أى: يقولون يا ربنا اعطنا حسنة في الدنيا أى: حالا حسنة في الدنيا تكون معها أبداننا سليمة، ونفوسنا آمنة، ومعيشتنا ميسرة بحيث لا نحتاج إلى أحد سواك، ولا نذل إلا لك، وامنحنا حالا حسنة في الآخرة بأن تجعلنا يوم لقائك ممن رضيت عنهم، ورضوا عنك. وأبعدنا يوم القيامة من عذاب النار. ولم يذكر- سبحانه- قسما ثالثا من الناس وهو الذي يطلب الآخرة فقط، ولا يطلب الدنيا، لأن الإسلام دين لا يرضى لأتباعه أن ينسوا حظوظهم من الدنيا، ولا يقر الانقطاع عن زينتها التي أخرجها الله لهم، وإنما يريد لهم أن يكونوا من العاملين بقوله- تعالى-: وَابْتَغِ فِيما آتاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيا.وبين- سبحانه- أن هذا النوع الثاني من الناس قد التمس من خالقه أن يقيه عذاب النار مع أن هذا الدعاء مندرج تحت حسنة الآخرة، وذلك لأن هذا النوع من الناس لقوة إيمانه، وصفاء وجدانه، وشدة خشيته من ربه يغلب الخوف على الرجاء، فهو يستصغر حسناته مهما كثرت بجانب نعم الله وفضله، ويلح في الدعاء وفي الطلب أملا في الاستجابة.وقد أجمع العلماء على أن هذه الآية الكريمة من جوامع الدعاء، وورد في فضل الدعاء بها أحاديث كثيرة منها ما رواه البخاري عن أنس بن مالك قال كان النبي صلّى الله عليه وسلّم يقول: «اللهم ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار» .وروى ابن أبى حاتم عن عبد السلام بن شداد قال: كنت عند أنس بن مالك فقال له ثابت: إن إخوانك يحبون أن تدعو لهم. فقال: «اللهم آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار» وتحدثوا حتى إذا أرادوا القيام قال: يا أبا حمزة إن إخوانك يريدون القيام فادع الله لهم فقال: أتريدون أن أشقق لكم الأمور!! إذا آتاكم الله في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة ووقاكم عذاب النار فقد آتاكم الخير كله .قال الإمام الرازي: اعلم أن الله- تعالى- بين أولا تفصيل مناسك الحج، ثم أمر بعدها بالذكر فقال: فَإِذا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفاتٍ فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرامِ ثم بين أن الأولى أن يترك ذكر غيره وأن يقتصر على ذكره- سبحانه- ثم بين بعد ذلك كيفية الدعاء فقال: فَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ.. وما أحسن هذا الترتيب فإنه لا بد من تقديم العبادة لكسر النفس وإزالة ظلماتها ثم بعد العبادة لا بد من الاشتغال بذكر الله- تعالى- لتنوير القلب وتجلى نور جلاله.ثم بعد ذلك الذكر يشتغل الرجل بالدعاء، فإن الدعاء إنما يكمل إذا كان مسبوقا بالذكر كما حكى عن إبراهيم- عليه السلام- أنه قدم الذكر فقال: الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ ثم قال: رَبِّ هَبْ لِي حُكْماً وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ فقدم الذكر على الدعاء» .
2:202
اُولٰٓىٕكَ لَهُمْ نَصِیْبٌ مِّمَّا كَسَبُوْاؕ-وَ اللّٰهُ سَرِیْعُ الْحِسَابِ(۲۰۲)
ایسوں کو ان کی کمائی سے بھاگ (خوش نصیبی) ہے (ف۳۸۸) اور اللہ جلد حساب کرنے والا ہے (ف۳۸۹)

ثم بين- سبحانه- جزاء هذا الفريق الثاني فقال: أُولئِكَ لَهُمْ نَصِيبٌ مِمَّا كَسَبُوا وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسابِفاسم الإشارة يعود إلى الفريق الثاني باعتبار اتصافهم بما ذكر من النعوت الجميلة وكانت الإشارة للبعيد لبيان علو منزلتهم، وسمو درجاتهم ولم بعطف على ما قبله لأنه كالنتيجة له.وقيل: إن الإشارة تعود إلى الفريقين. أى: لكل من الفريقين نصيب من عمله على قدر ما نواه. ويضعفه أن الله- تعالى- قد ذكر قبل ذلك عاقبة الفريق الأول بقوله: وَما لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ.والمعنى: أولئك الذين جمعوا في دعائهم بين طلب حسنتى الدنيا والآخرة لهم نصيب جزيل، وحظ عظيم من جنس ما كسبوا من الأعمال الصالحة، أو من أجل ما كسبوا من الفعال الطيبة.فحرف الجر «من» يصح أن يكون للابتداء أو للتبعيض.وفي هذه الجملة الكريمة وعد من الله لعباده أنهم متى تضرعوا إليه بقلب سليم، أجاب لهم دعاءهم، وأعطاهم سؤالهم.قال القرطبي: وقوله: وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسابِ من سرع يسرع- مثل عظم يعظم- فهو سريع. و «الحساب» مصدر كالمحاسبة، وقد يسمى المحسوب حسابا. والحساب: العد.ويقال: حسب يحسب حسابا وحسابة وحسبانا أى: عد.والمعنى في الآية: أن الله- تعالى- سريع الحساب لا يحتاج إلى عد ولا إلى عقد ولا إلى إعمال فكر كما يفعله الحساب، ولهذا قال وقوله الحق وَكَفى بِنا حاسِبِينَ. فالله- تعالى- عالم بما للعباد وما عليهم فلا يحتاج إلى تذكر وتأمل.وقيل: سريع المجازاة للعباد بأعمالهم. وقيل لعلى بن أبى طالب: كيف يحاسب الله العباد في يوم؟ قال: كما يرزقهم في يوم. ومعنى الحساب: تعريف الله عباده مقادير الجزاء على أعمالهم وتذكيره إياهم بما قد نسوه. وقيل: معنى الآية سريع بمجيء يوم الحساب، فالمقصود بالآية الإنذار بيوم: القيامة .
2:203
وَ اذْكُرُوا اللّٰهَ فِیْۤ اَیَّامٍ مَّعْدُوْدٰتٍؕ-فَمَنْ تَعَجَّلَ فِیْ یَوْمَیْنِ فَلَاۤ اِثْمَ عَلَیْهِۚ-وَ مَنْ تَاَخَّرَ فَلَاۤ اِثْمَ عَلَیْهِۙ-لِمَنِ اتَّقٰىؕ-وَ اتَّقُوا اللّٰهَ وَ اعْلَمُوْۤا اَنَّكُمْ اِلَیْهِ تُحْشَرُوْنَ(۲۰۳)
اور اللہ کی یاد کرو گنے ہوئے دنوں میں (ف۳۹۰) تو جلدی کرکے دو دن میں چلا جائے اس پر کچھ گنا نہیں اور جو رہ جائے تو اس پر گناہ نہیں پرہیزگار کے لئے (ف۳۹۱) اور اللہ سے ڈرتے رہو اور جان رکھو کہ تمہیں اسی کی طرف اٹھنا ہے،

وقوله: وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُوداتٍ معطوف على قوله- تعالى- فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَذِكْرِكُمْ آباءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْراً وما بينهما اعتراض.والمراد بالأيام المعدودات أيام التشريق الثلاثة التي بعد يوم النحر. والتشريق: تقديد اللحم.قال القرطبي: ولا خلاف بين العلماء أن الأيام المعدودات في هذه الآية هي أيام منى، وهي أيام التشريق، وأن هذه الثلاثة الأسماء واقعة عليها، وهي أيام رمى الجمار» .فالآية الكريمة تأمر الحجاج وغيرهم من المسلمين أن يكثروا من ذكر الله في هذه الأيام المباركة، لأن أهل الجاهلية كانوا يشغلونها بالتفاخر ومغازلة النساء «ويزعمون أن الحج قد انتهى بانتهاء يوم النحر وهو اليوم العاشر من ذي الحجة.ولقد بين لنا النبي صلّى الله عليه وسلّم أن هذه الأيام ينبغي أن تعمر بذكر الله وبشكره على نعمه.روى الأمام مسلّم عن نبيشة الهذلي قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم «أيام التشريق أيام أكل وشرب وذكر لله» .وروى البخاري عن ابن عمر: أنه كان يكبر بمنى تلك الأيام، وخلف الصلوات، وعلى فراشه وفي فسطاطه. وفي مجلسه، وفي ممشاه، في تلك الأيام جميعا.ومن الذكر في تلك الأيام التكبير مع كل حصاة من حصى الجمار كل يوم من أيام التشريق.فقد أخرج البخاري عن ابن عمر أن النبي صلّى الله عليه وسلّم كبر مع كل حصاة.ويرى جمهور الفقهاء أن هذه الأيام يحرم فيها الصيام، لأنها أيام أكل وشرب وذكر لله.والمعنى. اذكروا الله، أى: كبروه في أدبار الصلوات وعند ذبح القرابين، وعند رمى الجمار وغيرها في تلك الأيام المعدودات التي هي موسم من مواسم العبادة والطاعات، فإن الإكثار من ذكر الله يرفع الدرجات، ويمسح السيئات.ثم قال- تعالى-: فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ لِمَنِ اتَّقى. تعجل واستعجل يجيئان مطاوعين بمعنى عجل، يقال: تعجل الأمر واستعجل.ويأتيان متعديين فيقال: تعجل الذهاب واستعجله ويرى الزمخشري أن المطاوعة أوفق لقوله- تعالى-: وَمَنْ تَأَخَّرَ.وإيضاح ذلك: أنه يجب على الحاج المبيت بمنى الليلة الأولى والثانية من ليالي أيام التشريق، ليرمى كل يوم بعد الزوال إحدى وعشرين حصاة يرمى عند كل جمرة سبع حصيات. ثم من رمى في اليوم الثاني وأراد أن ينفر ويترك المبيت بمنى في الليلة الثالثة ورمى يومها بعد الزوال- كما يرى الشافعية- وبعده أو قبله- كما يرى الحنفية- فلا إثم عليه في عدم مبيته بمنى في الليلة الثالثة.أى: فمن تعجل فسافر في اليومين الأولين فلا إثم عليه في التعجيل، ومن بقي إلى تمام اليوم الثالث فلا إثم عليه كذلك إذا اتقى كل منهما الله ووقف عند حدوده.فالتقييد بالتقوى للتنبيه إلى أن العبرة في الأفعال إنما هي بتقوى القلوب وطهارتها وسلامتها.قال الآلوسى: وقوله لِمَنِ اتَّقى خبر لمبتدأ محذوف، واللام إما للتعليل أو للاختصاص.أى: ذلك التخيير المذكور لأجل المتقى لئلا يتضرر بترك ما يقصده من التعجيل والتأخر أو ذلك المذكور من أحكام مطلقا مختصة بالمتقى لأنه هو الحاج على الحقيقة. والمراد من التقوى على التقديرين تجنب ما يؤثم من فعل أو ترك ..» .ثم ختمت الآية بقوله- تعالى-: وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ اتقوا الله في كل ما تأتون وما تذرون، واعلموا أنكم ستجمعون بعد تفرقكم وتساقون إلى خالقكم يوم القيامة ليجازيكم على أعمالكم.وقد ختمت الآيات التي تحدثت عن فريضة الحج بهذا الختام المكون من عنصرين، أحدهما: تقوى الله.والثاني: العلم اليقيني بالحشر، للإشعار بأنهما خلاصة التدين، وثمرة العبادات بكل أنواعها وكل طرقها، وإذا خلت أية عبادة من هذين العنصرين كانت صورة لا روح فيها.وإلى هنا تكون الآيات الكريمة قد ساقت لنا بعض أحكام الحج وآدابه ومناسكه بأسلوب بهدى القلوب، ويسعد النفوس، ومن شأن من يعمل بهذه الآيات أن يكون ممن رضي الله عنهم ورضوا عنه.وبعد أن بين- سبحانه- فريضة الحج وما اشتملت عليه من أحكام وآداب، وبين أصناف الناس في أدعيتهم التي تكشف عن خبايا قلوبهم، ومعادن نفوسهم، بعد أن بين ذلك أعقبه بالحديث عن صنفين من الناس فقال:
2:204
وَ مِنَ النَّاسِ مَنْ یُّعْجِبُكَ قَوْلُهٗ فِی الْحَیٰوةِ الدُّنْیَا وَ یُشْهِدُ اللّٰهَ عَلٰى مَا فِیْ قَلْبِهٖۙ-وَ هُوَ اَلَدُّ الْخِصَامِ(۲۰۴)
اور بعض آدمی وہ ہیں کہ دنیا کی زندگی میں اس کی بات تجھے بھلی لگے (ف۳۹۲) اور اپنے دل کی بات پر اللہ کو گواہ لائے اور وہ سب سے بڑا جھگڑالو ہے،

فأنت ترى أن هذه الآيات الكريمة قد بينت صنفين من الناس أولهما: يمثل الأشرار.والثاني: يمثل الأخيار.أما الصنف الأول فقد وصفه الله- تعالى- بخمس صفات، الصفة الأولى حكاها في قوله:وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا.يعجبك: من الإعجاب بمعنى الاستحسان، تقول. أعجبنى هذا الشيء، أى، استحسنته وعظم في نفسي. و «من» للتبعيض.والمعنى: ومن الناس فريق يروقك منطقهم، ويعجبك بيانهم، ويحسن عندك مقالهم. فأنت معجب بكلامهم الحلو الظاهر، المر الباطن، وأنت في هذه الدنيا لأنك تأخذ الناس بظواهرهم، أما في الآخرة فلن يعجبك أمرهم لأنهم ستنكشف حقائقهم أمام الله الذي لا تخفى عليه خافية، وسيعاقبهم عقابا أليما لإظهارهم القول الجميل وإخفائهم الفعل القبيح.وعلى هذا التفسير يكون قوله: فِي الْحَياةِ الدُّنْيا متعلقا بيعجبك.وبعضهم يجعل قوله فِي الْحَياةِ الدُّنْيا متعلقا بالقول فيكون المعنى عليه ومن الناس فريق يعجبك قولهم إذا ما تكلموا في شئون الدنيا ومتعها لأنها منتهى آمالهم، ومبلغ علمهم، وأصل حبهم، ومن أحب شيئا أجاد التعبير عنه، أما الآخرة فهم لا يحسنون القول فيها، لأنهم لا يهتمون بها، بل هم غافلون عنها، ومن شأن الغافل عن شيء ألا يحسن القول فيه.ويبدو لنا أن تعلق الجار والمجرور بيعجبك أرجح، لأنه يتفق مع السياق إذ سياق الحديث في شأن الذين يقولون بأفواههم ما ليس في قلوبهم، ويخدعون الناس بمعسول بيانهم مع أن نفوسهم مريضة، وليس في شأن الذين يحسنون الحديث عن شئونها المختلفة، بل إن بعض الذين يحسنون الحديث في شئون الدنيا لم يضيعوا أخراهم وإنما عمروها بالعمل الصالح، فهم جامعون بين حسنتى الدنيا والآخرة.والصفة الثانية من صفات هذا النوع المنافق من الناس بينه القرآن بقوله وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلى ما فِي قَلْبِهِ أى: يقرن معسول قوله، وظاهر تودده، بإشهاد الله على أن ما في قلبه مطابق لما يجرى على لسانه.وكأن هذا النوع المنافق قد رأى من الناس تشككا في قوله، لأن من عادة المنافقين أن يبدو من فلتات لسانهم ما يدل على ما هو مخبوء في نفوسهم فأخذ يوثق قوله بالأيمان الباطلة بأن يقول لمن ارتاب فيه: الله يشهد أنى صادق فيما أقول.. إلى غير ذلك من الأقوال التي يقصد بها تأكيد قوله وصدقه فيما يدعيه، فالمراد بإشهاد الله: الحلف به أن ما في قلبه موافق لقوله.وجملة وَيُشْهِدُ اللَّهَ حالية أو مستأنفة أو معطوفة على قوله يُعْجِبُكَ.وقوله- تعالى-: وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصامِ صفة ثالثة من صفات هذا النوع من الناس.قال القرطبي: الألد: الشديد الخصومة والعداوة.. ولددته- بفتح الدال- ألده- بضمها- إذا جادلته فغلبته. والألد مشتق من اللديدين وهما صفحتا العنق، أى: في أى جانب أخذ من الخصومة غلب. والخصام في الآية مصدر خاصم. وقيل جمع خصم كصعب وصعاب.والمعنى، أشد المخاصمين خصومة، وفي صحيح مسلّم عن عائشة قالت: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم «إن أبغض الرجال إلى الله الألد الخصم» .أى: إن هذا النوع من الناس يثير الإعجاب بحسن بيانه، ويضللهم بحلاوة لسانه، ويحلف بالأيمان المغلظة أنه لا يقول إلا الصدق، ويجادل عما يقوله بالباطل بقوة وعنف ومغالبة، فهو بعيد عن طباع المؤمنين الذين إذا قالوا صدقوا، وإذا جادلوا اتبعوا أحسن الطرق وأهداها.
2:205
وَ اِذَا تَوَلّٰى سَعٰى فِی الْاَرْضِ لِیُفْسِدَ فِیْهَا وَ یُهْلِكَ الْحَرْثَ وَ النَّسْلَؕ-وَ اللّٰهُ لَا یُحِبُّ الْفَسَادَ(۲۰۵)
اور جب پیٹھ پھیرے تو زمین میں فساد ڈالتا پھرے اور کھیتی اور جانیں تباہ کرے اور اللہ فسادسے راضی نہیں

ثم وصفه الله- تعالى- بصفة رابعة فقال: وَإِذا تَوَلَّى سَعى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيها وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الْفَسادَ.تولى: من التولية بمعنى الإدبار والانصراف، ومتعلق تولى محذوف تقديره: تولى عنك.وسعى: من السعى وهو المشي السريع وهو مستعار هنا لإيقاع الفتنة والتخريب. والفساد كما قال الراغب- خروج الشيء عن الاعتدال قليلا كان الخروج عنه أو كثيرا، ويضاده الصلاح يقال فسد فسادا وفسودا إذا خرج عن الاستقامة .والحرث: مصدر يحرث، أى: أثار الأرض لإعدادها للزراعة، ثم أطلق وأريد به المحروث وهو الأرض، ثم أطلق وأريد به ما يترتب على ذلك من الزروع والثمار وهو المراد هنا.والنسل: كما يقول القرطبي- ما خرج من كل أنثى من ولد. وأصله الخروج والسقوط، ومنه نسل الشعر ينسل إذا سقط. ومنه حَتَّى إِذا فُتِحَتْ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ وَهُمْ مِنْ كُلِّ حَدَبٍ يَنْسِلُونَ أى: يخرجون مسرعين.والمعنى: وإذا أعرض عنك هذا النوع من الناس وولاك دبره أسرع في الإفساد بينهم، وتفريق كلمتهم، وإتلاف كل ما يقع تحت يده من الزروع والثمار والحيوان وما به قوام الحياة والأحياء.فإهلاك الحرث والنسل كناية عن إتلافه لما به قوام أحوال الناس ومعيشتهم، وعن إيذائه الشديد لهم.وبعض العلماء يرى أن «تولى» مشتق من الولاية: يقال: ولى البلد وتولاه، أى صار واليا له، أميرا عليه. والمعنى على هذا الرأى.وإذا صار- هذا النوع من الناس- واليا على قوم اجتذبهم إليه ببريق قوله، وبمعسول لفظه، وبإيمانه الفاجرة، ومجادلته الباطلة، حتى إذا ما التف الناس حوله سعى بينهم بالفساد، وعمل على تقاطعهم وتباغضهم، وحكم فيهم بالباطل، ظنا منه أن هذا الخلق وذلك السلوك سيجعلهم دائما طوع إرادته.قال الإمام الرازي: والقول الأول أقرب إلى نظم الآية، لأن المقصود بيان نفاق هذا النوع من الناس، وهو أنه عند الحضور يقول الكلام الحسن ويظهر المحبة، وعند الغيبة يسعى في إيقاع الفتنة والفساد .وقوله وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الْفَسادَ أى لا يرضى عن الذي منه الإفساد في الأرض، ويظهر للناس الكلام الحسن وهو يبطن لهم الفعل السيئ، لأنه- سبحانه- أوجد الناس ليصلحوا في الأرض لا ليفسدوا فيها. فالجملة الكريمة تحذير منه- سبحانه- للمفسدين، ووعيد لهم على خروجهم عن طاعته.
2:206
وَ اِذَا قِیْلَ لَهُ اتَّقِ اللّٰهَ اَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالْاِثْمِ فَحَسْبُهٗ جَهَنَّمُؕ-وَ لَبِئْسَ الْمِهَادُ(۲۰۶)
اور جب اس سے کہا جائے کہ اللہ سے ڈرو تو اسے اور ضد چڑھے گنا ہ کی (ف۳۹۳) ایسے کو دوزخ کافی ہے اور وہ ضرور بہت برا بچھونا ہے،

أما الصفة الخامسة لهذا النوع من الناس فهي قوله- تعالى-: وَإِذا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالْإِثْمِ. أى: وإذا قيل لهذا المنافق على سبيل النصح والإرشاد اتق واترك ما أنت فيه من نفاق وخداع وخروج عن طاعة الله، استولت عليه العزة- أى حمية الجاهلية- مقترنة بالإثم ومصاحبة له، فهي ليست العزة المحمودة ولكنها الكبرياء المبغوضة. والباء على هذا المعنى للمصاحبة والاقتران.قال الجمل. والباء على هذا تكون في محل نصب على الحال وفيها حينئذ وجهان:أحدهما: أن تكون حالا من العزة أى ملتبسة بالإثم.والثاني: أن تكون حالا من المفعول. أى، أخذته حال كونه ملتبسا بالإثم، وفي قوله العزة بالإثم التتميم وهو نوع من علم البديع، وهو عبارة عن إرداف الكلمة بأخرى ترفع عنها اللبس وتقربها من الفهم، وذلك أن العزة تكون محمودة ومذمومة فمن مجيئها محمودة قوله- تعالى-:وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ فلو أطلقت لتوهم فيها بعض من لا دراية له أنها محمودة، فقيل بالإثم توضيحا للمراد فرفع اللبس، ويجوز أن تكون الباء للتعدية- وهو قول الزمخشري- فإنه قال: أخذته بكذا إذا حملته عليه وألزمته إياه. أى: حملته العزة التي فيه وحمية الجاهلية على الإثم الذي ينهى عنه وألزمته ارتكابه، ويجوز أن تكون للسببية بمعنى أن إثمه كان سببا لأخذ العزة له» .أى: استولت عليه حمية الجاهلية بسبب الإثم الذي استحوذ على قلبه فأنساه كل ما يوصل إلى الصلاح والاستقامة.و «ال» في العزة للعهد. أى: العزة المعهودة المعروفة عند أهل الجاهلية التي تمنع صاحبها من قبول النصيحة.قال الأستاذ الإمام محمد عبده مرجحا ما ذهب إليه من أن «تولى» بمعنى الولاية والإمارة:«وهذا الوصف ظاهر جدا في تفسير التولي بالولاية والسلطة، فإن الحاكم الظالم المستبد يكبر عليه أن يرشد إلى مصلحة، أو يحذر من مفسدة، لأنه يرى أن هذا المقام الذي ركبه وعلاه يجعله أعلى الناس رأيا وأرجحهم عقلا، بل الحاكم المستبد الذي لا يخاف الله- تعالى- يرى نفسه فوق الحق كما أنه فوق أهله في السلطة، فيجب أن يكون أفن رأيه خيرا من جودة آرائهم، وإفساده نافذا مقبولا دون إصلاحهم، فكيف يجوز لأحد منهم أن يقول له: اتق الله في كذا ... » .ثم بين- سبحانه- سوء عاقبة من هذه صفاته فقال: فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَلَبِئْسَ الْمِهادُ.الفاء هنا للإفصاح، لأنها تفصح عن شرط محذوف تقديره: إذا كانت هذه حالة المعرض عن النصح أنفة وتكبرا فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ أى: كافيه جهنم جزاء له وَلَبِئْسَ الْمِهادُ أى:ولبئس الفراش الذي يستقر عليه بسبب غروره وفجوره.وقوله: فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ جملة من مبتدأ وخبر، وقوله وَلَبِئْسَ الْمِهادُ جواب قسم مقدر.أى: والله. والمخصوص بالذم محذوف لظهوره وتعينه وهو جهنم. والمهاد جمع مهد وهو المكان المهيأ للنوم، والتعبير عن جهنم بالمهاد من باب التهكم والاستهزاء بهذا النوع المغرور المفسد من الناس.هذا وقد أورد بعض المفسرين روايات في سبب نزول هذه الآيات منها أنها نزلت في الأخنس ابن شريق الثقفي أقبل على النبي صلّى الله عليه وسلّم فأظهر الإسلام وزعم أنه يحبه وأقسم بالله على ذلك، غير أنه كان منافقا خبيث الباطن، فخرج من عند النبي صلّى الله عليه وسلّم فمر بزرع لقوم من المسلمين فأحرق الزرع وقتل بعض الماشية فنزلت.قال الإمام الرازي ما ملخصه بعد أن ساق هذه الرواية وغيرها: واختيار أكثر المحققين من المفسرين أن هذه الآيات عامة في حق كل من كان موصوفا بهذه الصفات المذكورة ...ولا يمتنع أن تنزل الآية في الرجل ثم تكون عامة في كل من كان موصوفا بتلك الصفات، ونزولها على السبب الذي حكيناه لا يمنع من العموم، بل نقول فيها ما يدل على العموم وهو من وجوه.أحدها: أن ترتب الحكم على الوصف المناسب مشعر بالعلية، فلما ذم الله- تعالى- قوما وصفهم بصفات توجب استحقاق الذم، علمنا أن الموجب لتلك المذمة هو تلك الصفات، فيلزم أن كل من كان موصوفا بتلك الصفات أن يكون مستوجبا للذم.وثانيها: أن الحمل على العموم أكثر فائدة، وذلك لأنه يكون زجرا لكل المكلفين عن تلك الطريقة المذمومة.وثالثها: أن هذا أقرب إلى الاحتياط، لأنا إذا حملنا الآية على العموم دخل فيه ذلك الشخص، وأما إذا خصصناه بذلك الشخص لم يثبت الحكم في غيره، فثبت بما ذكرنا أن حمل الآية على العموم أولى» .هذا، وفي هذه الآيات الكريمة زجر شديد ووعيد أليم للمنافقين الذين يقولون بأفواههم ما ليس في قلوبهم ويفسدون في الأرض ولا يصلحون، ويكادون يسطون بالذين ينصحونهم ويتلون عليهم آيات الله لأن المنافقين ما كثروا في أمة إلا وجعلوا بأسها بينها شديدا، روى ابن جرير عن نوف البكالي قال: إنى لأجد صفة ناس من هذه الأمة في كتاب الله المنزل: قوم يحتالون على الدنيا بالدين، ألسنتهم أحلى من العسل، وقلوبهم أمر من الصبر، يلبسون للناس مسوك- أى جلود- الضأن وقلوبهم قلوب الذئاب يقول الله- تعالى- فعلى يجترءون وبي يغترون، حلفت بنفسي لأبعثن عليهم فتنة تترك الحليم حيران» .قال ابن كثير: قال القرظي الذي روى هذا القول عن نوف: تدبرت هذه الصفات في القرآن فإذا هي في المنافقين ووجدتها في قوله- تعالى- وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا .والحق أنه ما ابتليت أمة بتفشى هذا النوع من الناس فيها إلا فسد حالها وهان شأنها وكانت عاقبة أمرها خسرا.أما النوع الثاني من الناس وهم الأخيار الصادقون فقد عبر عنهم القرآن بقوله- تعالى-:
2:207
وَ مِنَ النَّاسِ مَنْ یَّشْرِیْ نَفْسَهُ ابْتِغَآءَ مَرْضَاتِ اللّٰهِؕ-وَ اللّٰهُ رَءُوْفٌۢ بِالْعِبَادِ(۲۰۷)
اور کوئی آدمی اپنی جان بیچتا ہے (ف۳۹۴) اللہ کی مرضی چاہنے میں اور اللہ بندوں پر مہربان ہے،

وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغاءَ مَرْضاتِ اللَّهِ، وَاللَّهُ رَؤُفٌ بِالْعِبادِ.يَشْرِي نَفْسَهُ أى: يبيعها ببذلها في طاعة الله وإعلاء كلمته، وتحقيقه أن المكلف قد بذل نفسه بمعنى أنه أطاع الله- تعالى- وحافظ على فرائضه، وجاهد في سبيله، من أجل أن ينال ثواب الله ومرضاته، فكان ما بذله من طاعات بمثابة السلعة، وكان هو بمنزلة البائع، وكان قبول الله- تعالى- منه ذلك وإثابته عليه في معنى الشراء.وقوله: ابْتِغاءَ مَرْضاتِ اللَّهِ الابتغاء الطلب الشديد للشيء، والرغبة القوية في الحصول عليه، وهو في الآية مفعول لأجله.أى: ومن الناس نوع آخر قد باع نفسه وبذلها في طاعة الله طلبا لرضوانه، وأملا في مثوبته وغفرانه.فهذا النوع التقى المخلص من الناس، يقابل النوع المنافق المفسد الذي سبق الحديث عنه.قال بعضهم: وكان مقتضى هذه المقابلة أن يوصف هذا الفريق الثاني بالعمل الصالح مع عدم التعويض والتبجح بالقول، أو مع مطابقة قوله لعمله وموافقة لسانه لما في قلبه. والآية قد تضمنت هذا الوصف وإن لم تنطق به، فإن من يبيع نفسه لله لا يبغى ثمنا لها سوى مرضاته لا يتحرى إلا العمل الصالح وقول الحق مع الإخلاص في القلب فلا يتكلم بلسانين ولا يقابل الناس بوجهين. ويكون هو المؤمن الذي يعتد القرآن بإيمانه» «2» .وقال أحد العلماء: ومرضاة مصدر ميمى بمعنى الرضا. ولا شك أن التعبير بالمصدر الميمى دون المصدر الأصلى له معنى يدركه السامع بذوقه، ولم نجد النحويين ولا البلاغيين تعرضوا لبيان التفرقة بين المصدر الميمى وغيره والذي يتبدى لنا ونظنه تفرقة بينهما، أن المصدر الميمى يصور المعنى المصدري واقعا قائما متحققا في الوجود، أما المصدر غير الميمى فيصور المعنى مجردا فإذا كانت كلمة مقال بمعنى القول، فإن التعبير بالقول يصور معنى مجردا من غير نظر إلى كونه تحقق وجوده أولا. أما كلمة مقال فتصور معنى وجد وتحقق، أو في صورة الموجود المتحقق، وعلى ذلك معنى «ابتغاء مرضاة الله» أنهم يبيعون أنفسهم طالبين طلبا موثقا رضا الله- سبحانه- حقيقة واقعة مؤكدة، ويتصورون رضاه- سبحانه- حقيقة قائمة قد حلت بهم، فيشتد طلبهم وافتداؤهم للحق بأموالهم وأنفسهم» .ثم ختم- سبحانه- الآية بقوله-: وَاللَّهُ رَؤُفٌ بِالْعِبادِ أى، رفيق رحيم بهم، ومن مظاهر ذلك أنه لم يكلفهم بما هو فوق طاقتهم، وإنما كلفهم بما تطيقه نفوسهم، وأنه أسبغ عليهم نعمه ظاهرة وباطنة في الدنيا مع تقصيرهم فيما أمرهم به أو نهاهم عنه، وأنه كافأهم بالنعيم المقيم على العمل القليل، وأنه جعل العاقبة للمتقين لا للمفسدين، إلى غير ذلك من مظاهر رأفته التي لا تحصى.هذا، وقد أورد المفسرون روايات متعددة في سبب نزول هذه الآية منها أنها نزلت في صهيب بن سنان الرومي، وذلك أنه لما أسلّم بمكة وأراد الهجرة منعه المشركون أن يهاجر بماله، وإن أحب أن يتجرد منه ويهاجر أذنوا له، فنخلص منهم وأعطاهم ماله فأنزل الله فيه هذه الآية. فتلقاه عمر بن الخطاب وجماعة إلى طرف الحرة فقالوا له: ربح البيع يا صهيب، فقال لهم وأنتم فلا أخسر الله تجارتكم وما ذاك؟ فأخبروه أن الله أنزل فيه هذه الآية. ويروى أن الرسول صلّى الله عليه وسلّم قال له عند ما رآه: «ربح البيع، ربح البيع» مرتين.وهناك روايات أنها نزلت فيه وفي عمار بن ياسر وفي خباب بن الأرت وفي غيرهم من المؤمنين المجاهدين.والذي نراه- كما سبق أن بينا- أن الآية الكريمة تتناول كل من أطاع الله- تعالى- وبذل نفسه في سبيل إعلاء كلمته، ويدخل في ذلك دخولا أوليا من نزلت فيهم الآية، إذ العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب كما يرى جمهور العلماء.وبذلك نرى أن الآيات الكريمة قد بينت لنا نوعين من الناس: أحدهما خاسر، والآخر رابح، لكي نتبع طريق الرابحين، ونهجر طريق الخاسرين وَمَنْ تَزَكَّى فَإِنَّما يَتَزَكَّى لِنَفْسِهِ وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ.وبعد أن عرض القرآن هذين النوعين اللذين نجدهما في كل زمان ومكان، وجه نداء إلى المؤمنين دعاهم فيه إلى الاستجابة التامة لخالقهم فقال- تعالى-:
2:208
یٰۤاَیُّهَا الَّذِیْنَ اٰمَنُوا ادْخُلُوْا فِی السِّلْمِ كَآفَّةً۪-وَ لَا تَتَّبِعُوْا خُطُوٰتِ الشَّیْطٰنِؕ-اِنَّهٗ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِیْنٌ(۲۰۸)
اے ایمان والو! اسلام میں پورے داخل ہو (ف۳۹۵) اور شیطان کے قدموں پر نہ چلے (ف۳۹۶) بیشک وہ تمہارا کھلا دشمن ہے،

السِّلْمِ- بكسر السين وفتحها مع إسكان اللام- بمعنى واحد، ويطلقان على الإسلام وعلى المسالمة. وبعضهم فرق بين اللفظين فجعل «السلّم» بكسر السين- للإسلام، و «السلّم» - بفتحها- للمسالمة، وأنكر المبرد هذه التفرقة.قال الفخر الرازي: وأصل هذه الكلمة من الانقياد. قال- تعالى-: إِذْ قالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعالَمِينَ. والإسلام إنما سمى إسلاما لهذا المعنى. وغلب اسم السلّم على الصلح وترك الحرب، وهذا أيضا راجع إلى هذا المعنى. لأن عند الصلح ينقاد كل واحد إلى صاحبه»وكَافَّةً أى جميعا. وهي في الأصل صفة من كف بمعنى منع، واستعملت بمعنى الجملة والجميع بعلاقة أنها مانعة من التفرق وهي حال من قوله: السِّلْمِ أى: يا أيها المؤمنون ادخلوا في الإسلام والتزموا بكل تعاليمه، ونفذوا جميع أحكامه وآدابه، واعملوا بكل أوامره ونواهيه، ولا تكونوا ممن يؤمنون ببعض الكتاب ويكفرون ببعض. فالمقصود التزام جميع شرائع الإسلام وأحكامه وآدابه.وبعضهم يرى أن قوله: كَافَّةً حال من فاعل ادخلوا وهو ضمير الجماعة والمعنى عليه:ادخلوا في الإسلام جميعا، وانقادوا لأحكامه مجتمعين غير متفرقين، لأنه الدين الذي ألف الله به بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخوانا.وسواء أكان لفظ كَافَّةً حالا من السِّلْمِ أو من فاعل ادْخُلُوا فالمقصود من الآية دعوة المؤمنين إلى التمسك بجميع شعب الإسلام وشرائعه مع التزامهم برباط الإخاء الذي ربط الله به بين قلوبهم بسبب اتباعهم لهذا الدين الحنيف.وإذا كان المراد بكلمة السِّلْمِ المسالمة والمصالحة كان المعنى: يا أيها الذين آمنوا إن إيمانكم يوجب عليكم فيما بينكم أن تكونوا متصالحين غير متعادين، متحابين غير متباغضين، متجمعين غير متفرقين، كما أنه يوجب عليكم بالنسبة لغيركم ممن هو ليس على دينكم أن تسالموه متى سالمكم، وأن تحاربوه متى اعتدى عليكم، فإن دينكم ما جاء للحرب والخصام وإنما جاء للهداية وللسلام العزيز القوى الذي يرد الاعتداء بمثله.هذا هو المعنى الذي نراه ظاهرا في الآية، وهو ما سار عليه المحققون من المفسرين.وبعضهم ذكر أن الخطاب في الآية لمؤمنى أهل الكتاب، لما روى عن ابن عباس أنه قال:نزلت في عبد الله بن سلام وأصحابه، وذلك أنهم حين آمنوا بالنبي صلّى الله عليه وسلّم وآمنوا بشرائعه وشرائع موسى عليه السلام- فعظموا السبت وكرهوا لحم الإبل وألبانها بعد أن أسلموا، فأنكر عليهم المسلمون، فقالوا، إنا نقوى على هذا وهذا وقالوا للنبي صلّى الله عليه وسلّم إن التوراة كتاب الله فدعنا فلنعمل بها فأنزل الله هذه الآية. فالخطاب لمؤمنى أهل الكتاب .وبعضهم ذكر أن المراد بالآية المنافقون والتقدير: يا أيها الذين آمنوا بألسنتهم ادخلوا بكليتكم في الإسلام ولا تتبعوا خطوات الشيطان. وهذان القولان ضعفهما ظاهر، إذ لا سند لهما يعتمد عليه، ولا يؤيدهما سياق الآية الكريمة، لأن الآية الكريمة صريحة في دعوة المؤمنين إلى التمسك بجميع تعاليم الإسلام، وإلى الإخاء الجامع ونبذ التفرق والاختلاف والاعتداء.وقوله: وَلا تَتَّبِعُوا خُطُواتِ الشَّيْطانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ تحذير لهم مما يصدهم عن الدخول في السلّم.أى: أدخلوا في السلّم واحذروا أن تتبعوا مدارج الشيطان وطرقه إنه لكم عدو ظاهر العداوة بحيث لا تخفى عداوته على عاقل.والخطوات. جمع خطوة- بفتح الخاء وضمها- وهي ما بين قدمي من يخطو.وفي قوله: وَلا تَتَّبِعُوا خُطُواتِ الشَّيْطانِ إشعار بأن الشيطان كثيرا ما يجر الإنسان إلى الشر خطوة فخطوة ودرجة فدرجة حتى يجعله يألفه ويقتحمه بدون تردد، وبذلك يكون ممن استحوذ عليهم الشيطان فأنساهم ذكر الله. والعاقل من الناس هو الذي يبتعد عن كل ما هو من نزغات الشيطان ووساوسه، فإن صغير الذنوب قد يوصل إلى كبيرها، ومن حام حول الحمى يوشك أن يقع فيه.وقوله: إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ جملة تعليلية، مؤكدة للنهى ومبينة لحكمته.
2:209
فَاِنْ زَلَلْتُمْ مِّنْۢ بَعْدِ مَا جَآءَتْكُمُ الْبَیِّنٰتُ فَاعْلَمُوْۤا اَنَّ اللّٰهَ عَزِیْزٌ حَكِیْمٌ(۲۰۹)
اور اگر اس کے بعد بھی بچلو کہ تمہارے پاس روشن حکم آچکے (ف۳۹۷) تو جان لو کہ اللہ زبردست حکمت والا ہے،

وقوله: فَإِنْ زَلَلْتُمْ مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْكُمُ الْبَيِّناتُ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ تفريع على النهى، وترهيب من العقاب الذي سيصيب المتبعين للشيطان.قال القرطبي: وأصل الزلل في القدم، ثم استعمل في الاعتقادات والآراء وغير ذلك.يقال: زل يزل زلا وزللا وزلولا، أى: دحضت قدمه.والبينات: جمع بينة، وهي الأدلة والمعجزات، ومجيئها: ظهورها.والمعنى: فإن تنحيتم عن طريق الحق، وعدلتم عنه إلى الباطل، من بعد أن ظهرت لكم الأدلة المفرقة بين الصواب والخطأ، والتي تدعوكم إلى اتباع طريق الحق، فاعلموا أن الله عَزِيزٌ لا يقهر ولا يعجزه الانتقام ممن زل حَكِيمٌ لا يترك ما تقتضيه الحكمة وإنما يضع الأمور في مواضعها.وجيء في الشرط بإن، لندرة حصول الزلل من المؤمنين، إذ الشأن فيهم ذلك.وقوله: فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ جواب الشرط.وقوله: مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْكُمُ الْبَيِّناتُ قطع لعذرهم حتى لا يقولوا يوم الحساب إننا زللنا لأننا لا نعرف الحق من الباطل. وفي الآية دليل على أن عقوبة العالم بالذنب أعظم من عقوبة الجاهل به- كما قال القرطبي-.وقال الفخر الرازي ما ملخصه: «وقوله: فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ نهاية في الوعيد،لأنه يجمع من ضروب الخوف ما لا يجمعه الوعيد بذكر العقاب. وربما قال الوالد لولده: إن عصيتني فأنت عارف بي وأنت تعلم قدرتي عليك وشدة سطوتي. فيكون هذا الكلام في الزجر أبلغ من ذكر الضرب وغيره. فإن قيل: أفهذه الآية مشتملة على الوعد كما أنها مشتملة على الوعيد؟ قلنا: نعم من حيث أتبعه بقوله: حَكِيمٌ فإن اللائق بالحكمة أن يميز بين المحسن والمسيء، فكما يحسن من الحكيم إيصال العذاب إلى المسيء فكذلك يحسن منه إيصال الثواب إلى المحسن، بل هذا أليق بالحكمة وأقرب للرحمة» .
2:210
هَلْ یَنْظُرُوْنَ اِلَّاۤ اَنْ یَّاْتِیَهُمُ اللّٰهُ فِیْ ظُلَلٍ مِّنَ الْغَمَامِ وَ الْمَلٰٓىٕكَةُ وَ قُضِیَ الْاَمْرُؕ-وَ اِلَى اللّٰهِ تُرْجَعُ الْاُمُوْرُ۠(۲۱۰)
کاہے کے انتظار میں ہیں (ف۳۹۸) مگر یہی کہ اللہ کا عذاب آئے چھائے ہوئے بادلوں میں اور فرشتے اتریں (ف۳۹۹) اور کام ہوچکے اور سب کاموں کی رجوع اللہ کی طرف ہے،

وبعد أن أمر الله المؤمنين بالدخول في السلّم كافة، ونهاهم عن الزلل عن طريقه المستقيم، عقب ذلك بتهديد الذين امتنعوا عن الدخول في السلّم فقال: هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ فِي ظُلَلٍ....ينظرون: أى ينتظرون. يقال: نظرته وانتظرته بمعنى واحد.وظلل: جمع ظلة. كظلم جمع ظلمة- وهي ما أظلك من شعاع الشمس وغيره.والغمام: اسم جنس جمعى لغمامة، وهي السحاب الرقيق الأبيض، سمى بذلك لأنه يغم، أى يستر. ولا يكون الغمام ظلة إلا حيث يكون متراكبا والاستفهام للإنكار والتوبيخ.والمعنى: ما ينتظر أولئك الذين أبوا الدخول في الإسلام من بعد ما جاءتهم البينات، إلا أن يأتيهم الله يوم القيامة في ظلل كائنة من الغمام الكثيف العظيم ليحاسبهم على أعمالهم، وتأتيهم ملائكته الذين لا يعلم كثرتهم إلا هو- سبحانه- وإتيان الله- تعالى- إنما هو بالمعنى اللائق به- سبحانه- مع تنزيهه عن مشابهة الحوادث، وتفويض علم كيفيته إليه- تعالى-. وهذا هو رأى علماء السلف.وقوله: وَقُضِيَ الْأَمْرُ معناه على هذا الرأى: أتم- سبحانه- أمر العباد وحسابهم فأثيب الطائع وعوقب العاصي، ولم تعد لدى العصاة فرصة للتوبة أو تدارك ما فاتهم. وقد ارتضى هذا الرأى عدد من المفسرين منهم ابن كثير فقد قال في معنى الآية: يقول الله- تعالى- مهددا للكافرين بمحمد صلّى الله عليه وسلّم هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمامِ وَالْمَلائِكَةُ يعنى: يوم القيامة نفصل القضاء بين الأولين والآخرين، فيجزى كل عامل بعمله: إن خيرا فخير وإن شرا فشر!! ولهذا قال- تعالى- وَقُضِيَ الْأَمْرُ وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ .أما علماء الخلف فيؤولون إتيان الله بما يتناسب مع ذاته- سبحانه-، ولذا فسروا إتيانه بأمره أو بأسه في الدنيا.وقد عبر صاحب الكشاف عن وجهة نظر هؤلاء بقوله: «إتيان الله: إتيان أمره وبأسه كقوله وْ يَأْتِيَ أَمْرُ رَبِّكَجاءَهُمْ بَأْسُنا ويجوز أن يكون المأتى به محذوفا، بمعنى أن يأتيهم الله ببأسه أو بنقمته للدلالة عليه بقوله- قبل ذلك- «فإن الله عزيز حكيم» . فإن قلت: لم يأتيهم العذاب في الغمام؟ قلت: لأن الغمام مظنته الرحمة، فإذا نزل منه العذاب كان الأمر أفظع وأهول لأن الشر إذا جاء من حيث لا يحتسب كان أغم كما أن الخير إذا جاء من حيث لا يحتسب كان أسر، فكيف إذا جاء الشر من حيث يحتسب الخير ولذلك كانت الصاعقة من العذاب المستفظع لمجيئها من حيث يتوقع الغيث: وَقُضِيَ الْأَمْرُ أى: تم أمر إهلاكهم وتدميرهم وفرغ منه» .وقال الجمل ما ملخصه: وقوله: إِلَّا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ استئناف مفرغ من مقدر، أى ليس لهم شيء ينتظرونه إلا إتيان العذاب وهذا مبالغة في توبيخهم وقوله: وَالْمَلائِكَةُ بالرفع عطفا على اسم الجلالة أى، وتأتيهم الملائكة فإنهم وسائط في إتيان أمره- تعالى-، بل هم الآتون ببأسه على الحقيقة. وقرأ الحسن وأبو جعفر: والملائكة بالجر عطفا على ظلل، أى إلا أن يأتيهم في ظلل وفي الملائكة. وقوله وَقُضِيَ الْأَمْرُ فيه وجهان:أحدهما: أن يكون معطوفا على يأتيهم داخلا في حيز الانتظار ويكون ذلك من وضع الماضي موضع المستقبل والأصل ويقضى الأمر وإنما جيء به كذلك لأنه محقق كقوله: أَتى أَمْرُ اللَّهِ.والثاني: أن يكون جملة مستأنفة برأسها أخبر الله- تعالى- بأنه قد فرغ من أمرهم فهو من عطف الجمل وليس داخلا في حيز الانتظار» «2» .ثم ختم- سبحانه- هذه الآية بقوله: وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ أى إليه وحده- سبحانه- لا إلى غيره ولا إلى أحد معه تصير الأمور خيرها وشرها وسيجازى الذين أساءوا بما عملوا وسيجازى الذين أحسنوا بالحسنى.فالجملة الكريمة تذييل قصد به تأكيد قضاء أمره، ونفاذ حكمه، وتمام قدرته.
2:211
سَلْ بَنِیْۤ اِسْرَآءِیْلَ كَمْ اٰتَیْنٰهُمْ مِّنْ اٰیَةٍۭ بَیِّنَةٍؕ-وَ مَنْ یُّبَدِّلْ نِعْمَةَ اللّٰهِ مِنْۢ بَعْدِ مَا جَآءَتْهُ فَاِنَّ اللّٰهَ شَدِیْدُ الْعِقَابِ(۲۱۱)
بنی اسرائیل سے پوچھو ہم نے کتنی روشن نشانیاں انہیں دیں (ف۴۰۰) اور جو اللہ کی آئی ہوئی نعمت کو بدل دے (ف۴۰۱) تو بیشک اللہ کا عذاب سخت ہے،

ثم بين- سبحانه- أن كفر الكافرين ليس سيبه نقصان الدليل على صحة إيمان المؤمنين،وإنما سببه الجحود والحسد وإيثار الهوى على الهدى، بدليل أن بنى إسرائيل قد آتاهم الله آيات بينات تهدى إلى الإيمان ومع ذلك كفروا بها. استمع إلى القرآن وهو يصور موقفهم بعد تهديده للكافرين في الآية السابقة فيقول: سَلْ بَنِي إِسْرائِيلَ كَمْ آتَيْناهُمْ مِنْ آيَةٍ بَيِّنَةٍ....قال الفخر الرازي: اعلم أنه ليس المقصود: سل بنى إسرائيل ليخبروك عن تلك الآيات فتعلمها وذلك لأن الرسول صلّى الله عليه وسلّم كان عالما بتلك الأحوال بإعلام الله- تعالى- إياه، بل المقصود منه المبالغة في الزجر عن الإعراض عن دلائل الله- تعالى-.أى: سل هؤلاء الحاضرين أنا لما آتينا أسلافهم آيات بينات فأنكروها، لا جرم استوجبوا العقاب من الله- تعالى-، وذلك تنبيه لهؤلاء الحاضرين على أنهم لو زلوا عن آيات الله لوقعوا في العذاب كما وقع أولئك المتقدمون فيه. والمقصود من ذكر هذه الحكاية أن يعتبروا بغيرهم ... » «1» .وسَلْ فعل أمر من سأل وأصله اسأل فنقلت فتحة الهمزة إلى السين قبلها وصارت ساكنة فحذفت. ولما فتحت السين لم يكن هناك حاجة إلى همزة الوصل فحذفت أيضا.وكَمْ إما خبرية والمسئول عنه محذوف، والجملة ابتدائية لا محل لها من الإعراب مبينة لاستحقاقهم التقريع والتوبيخ. كأنه قيل «سل بنى إسرائيل» عن طغيانهم وجحودهم للحق بعد وضوحه فقد آتيناهم آيات كثيرة بينة ومع ذلك أعرض كثير منهم عنها.وإما استفهامية والجملة في موضع المفعول الثاني لقوله «سل» وقيل: في موضع المصدر، أى: سلهم هذا السؤال. وقيل: في موضع الحال. أى: سلهم قائلا: كم آتيناهم.والاستفهام للتقرير بمعنى حمل المخاطب على الإقرار- بأنه قد خالف ما تقتضيه الآيات من الإيمان بالله- تعالى-.فالمراد بهذا السؤال تقريعهم على جحودهم الحق بعد وضوح الآيات لا معرفة إجابتهم كما إذا أراد واحد منا توبيخ أحد فيقول لمن حضره: سله كم أنعمت عليه؟ومن الآيات البينات والمعجزات الواضحات التي أظهرها الله- تعالى- لبنى إسرائيل على أيدى أنبيائهم ليؤمنوا بهم: عصا موسى التي ألقاها فإذا هي حية تسعى والتي ألقاها فإذا هي تلقف ما صنعه السحرة، والتي ضرب بها البحر فَانْفَلَقَ فَكانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ إلى غير ذلك من الآيات الدالة على وحدانية الله وصدق من جرت على يديه هذه الخوارق، ومع ذلك فمنهم من قال لموسى أَرِنَا اللَّهَ جَهْرَةً ومنهم من كفر وعبد العجل..ثم بين- سبحانه- سوء عاقبة الجاحدين لآياته فقال: وَمَنْ يُبَدِّلْ نِعْمَةَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْهُ فَإِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقابِ.التبديل: جعل شيء بدلا عن آخر، ونعمة الله هنا تتناول آياته الدالة على صدق رسله، كما تتناول ما أسبغه الله على عباده من صحة ومال وعقل وغير ذلك من نعمه الظاهرة والباطنة.أى: ومن يبدل نعم الله بعد ما وصلت إليه واتضحت له، بأن كفر بها مع أنها تدعو إلى الإيمان، وجحد فضلها مع أنها تستلزم منه الشكر لمسديها من يبدل ذلك التبديل فإن الله سيعاقبه عقابا شديدا.وقوله: مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْهُ زيادة توبيخ لهم، وأنهم مستحقون لأشد ألوان العذاب، لأنهم قد كفروا بآيات الله وجحدوا نعمه بعد معرفتها والوقوف على تفاصيلها. فهو كقوله- تعالى-: وَقَدْ كانَ فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلامَ اللَّهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِنْ بَعْدِ ما عَقَلُوهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ. فهو تبديل عن معرفة لا عن جهل أو خطأ.وقوله: فَإِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقابِ تعليل للجواب أقيم مقامه.أى: ومن يبدل نعمة الله عاقبه أشد عقوبة لأنه شديد العقاب فلا يفلت منه أحد. ويحتمل أن يكون هذه الجملة هي الجواب بتقدير الضمير أى شديد العقاب له.والعقاب هو الجزاء عن جناية وجرم، وهو مأخوذ- كما يقول القرطبي- من العقب، كأن المعاقب يمشى بالمحازاة للجاني في آثار عقبه، ومنه عقبة الراكب- أى الموضع الذي يركب منه-، فالعقاب والعقوبة يكونان بعقب الذنب وقد عاقبه بذنبه .فالآية الكريمة وعيد شديد لكل من يبدل نعم الله، ويترك شكرها.
2:212
زُیِّنَ لِلَّذِیْنَ كَفَرُوا الْحَیٰوةُ الدُّنْیَا وَ یَسْخَرُوْنَ مِنَ الَّذِیْنَ اٰمَنُوْاۘ-وَ الَّذِیْنَ اتَّقَوْا فَوْقَهُمْ یَوْمَ الْقِیٰمَةِؕ-وَ اللّٰهُ یَرْزُقُ مَنْ یَّشَآءُ بِغَیْرِ حِسَابٍ(۲۱۲)
کافروں کی نگاہ میں دنیا کی زندگی آراستہ کی گئی (ف۴۰۲) اور مسلمانوں سے ہنستے ہیں (ف۴۰۳) اور ڈر والے ان سے اوپر ہوں گے قیامت کے دن (ف۴۰۴) اور خدا جسے چاہے بے گنتی دے،

وبعد أن ذكر القرآن حال من يبدل نعمة الله من بعد ما جاءته، أتبعه بذكر الأسباب التي حملت أولئك الأشقياء على البقاء في كفرهم وجحودهم فقال- تعالى-: زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا الْحَياةُ الدُّنْيا ... الآية.التزيين: جعل الشيء زينا أى، شديد الحسن. والحياة نائب فاعل، زين، ولم تلحق تاء التأنيث بالفعل لأن نائب الفاعل مجازى التأنيث ولوجود الفاصل بين الفعل ونائب الفاعل.والمعنى، أن الحياة الدنيا قد زينت للكافرين فأحبوها وتهافتوا عليها تهافت الفراش على النار، وصارت متعها وشهواتها كل تفكيرهم، أما الآخرة فلم يفكروا فيها، ولم يهيئوا أنفسهم للقائها.قال القرطبي: والمزين هو خالقها ومخترعها وخالق الكفر، ويزينها أيضا الشيطان بوسوسته وإغوائه وخص الذين كفروا بالذكر لقبولهم التزيين جملة وإقبالهم على الدنيا وإعراضهم عن الآخرة بسببها. وقد جعل الله ما على الأرض زينة لها ليبلو الخلق أيهم أحسن عملا، فالمؤمنون الذين هم على سنن الشرع لم تفتنهم الزينة، والكفار تملكتهم لأنهم لا يعتقدون غيرها».وقوله: وَيَسْخَرُونَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا معطوف على جملة زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا ...أو خبر لمبتدأ محذوف أى وهم يسخرون وتكون الواو للحال.ويسخرون: يضحكون ويهزئون. يقال. سخرت منه وسخرت به وضحكت منه وضحكت به.أى أن الذين كفروا لا يكتفون بحبهم الشديد لزينة الحياة الدنيا وشهواتها وإنما هم بجانب ذلك يسخرون من المؤمنين لزهد هم في متع الحياة، لأن الكفار يعتقدون أن ما يمضى من حياتهم في غير متعة فهو ضياع منها، وأنهم لن يبعثوا ولن يحاسبوا على ما فعلوه في دنياهم، أما المؤمنون فهم يتطلعون إلى نعيم الآخرة الذي هو أسمى وأبقى من نعيم الدنيا.وجيء بقوله: زُيِّنَ ماضيا للدلالة على أنه قد وقع وفرغ منه. وجيء بقوله وَيَسْخَرُونَ مضارعا للدلالة على تجدد سخريتهم من المؤمنين وحدوثها بين وقت آخر. قال- تعالى-: إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا كانُوا مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا يَضْحَكُونَ. وَإِذا مَرُّوا بِهِمْ يَتَغامَزُونَ..:وقد ذكر بعض المفسرين في سبب نزول هذه الآية روايات منها: أنها نزلت في المنافقين عبد الله بن أبى وحزبه، كانوا يتنعمون في الدنيا أو يسخرون من ضعفاء المؤمنين وفقراء المهاجرين، ويقولون: أنظروا إلى هؤلاء الذين يزعم محمد صلّى الله عليه وسلّم أنه يغلب بهم. ومنها. أنها نزلت في أبى جهل ورؤساء قريش كانوا يسخرون من فقراء المسلمين كعمار وخباب وابن مسعود وغيرهم بسبب ما كانوا فيه من الفقر والصبر على البلاء. والحق أنه لا مانع من نزولها في شأن كل الكافرين الذين يسخرون من المؤمنين.وقوله: وَالَّذِينَ اتَّقَوْا فَوْقَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ رد منه- سبحانه- على هؤلاء الكفار الذين يسخرون من المؤمنين، والذين يرون أنفسهم أنهم في زينتهم ولذاتهم أفضل من المؤمنين في نزاهتهم وصبرهم على بأساء الحياة وضرائها.أى، والذين اتقوا الله- تعالى- وصانوا أنفسهم عن كل سوء فوق أولئك الكافرين مكانة ومكانا يوم القيامة، لأن تقواهم قد رفعتهم إلى أعلى عليين، أما الذين كفروا فإن كفرهم قد هبط بهم إلى النار وبئس القرار.قال صاحب الكشاف: فإن قلت: لم قال «من الذين آمنوا» ثم قال: وَالَّذِينَ اتَّقَوْا؟قلت: ليريك أنه لا يسعد عنده إلا المؤمن التقى، وليكون بعثا للمؤمنين على التقوى إذا سمعوا ذلك .وقيدت الفوقية بيوم القيامة للتنصيص على دوامها، لأن ذلك اليوم هو مبدأ الحياة الأبدية، ولإدخال السرور والتسلية على قلوب المؤمنين حتى لا يتسرب اليأس إلى قلوبهم بسبب إيذاء الكافرين لهم في الدنيا.وقوله: وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشاءُ بِغَيْرِ حِسابٍ تذييل قصد به تشريف المؤمنين، وبيان عظم ثوابهم.أى: والله يرزق من يشاء بغير حساب من المرزوق. أو بلا حصر وعد لما يعطيه. أو أنه لا يخاف نفاد ما في خزائنه حتى يحتاج إلى حساب لما يخرج منها. فهو- سبحانه- الذي يعطى ويمنع، وليس عطاؤه في الدنيا دليل رضاه عن المعطى فقد يعطى الكافر وهو غير راض عنه، أما عطاؤه في الآخرة فهو دليل رضاه عمن أعطاه.قال الأستاذ الإمام: إن الرزق بلا حساب ولا سعى في الدنيا إنما يصح بالنسبة إلى الأفراد، فإنك ترى كثيرا من الأبرار وكثيرا من الفجار أغنياء موسرين متمتعين بسعة الرزق، وكثيرا من الفريقين فقراء معسرين، والمتقى يكون دائما أسعد حالا وأكثر احتمالا، ومحلا لعناية الله به فلا يؤلمه الفقر كما يؤلم الفاجر لأنه يجد في التقوى مخرجا من كل ضيق ... وأما الأمم فأمرها على غير هذا، فإن الأمة التي ترونها فقيرة ذليلة لا يمكن أن تكون متقية لأسباب نقم الله وسخطه..وليس من سنة الله أن يرزق الأمة العزة والثروة وهي لا تعمل، وإنما يعطيها بعملها ويسلبها بزللها..» .ثم بين- سبحانه- أحوال الناس، وأنهم في حاجة إلى الرسل ليبشروهم وينذروهم ويحكموا بينهم بالحق فيما اختلفوا فيه فقال- تعالى-:
2:213
كَانَ النَّاسُ اُمَّةً وَّاحِدَةً- فَبَعَثَ اللّٰهُ النَّبِیّٖنَ مُبَشِّرِیْنَ وَ مُنْذِرِیْنَ۪-وَ اَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتٰبَ بِالْحَقِّ لِیَحْكُمَ بَیْنَ النَّاسِ فِیْمَا اخْتَلَفُوْا فِیْهِؕ-وَ مَا اخْتَلَفَ فِیْهِ اِلَّا الَّذِیْنَ اُوْتُوْهُ مِنْۢ بَعْدِ مَا جَآءَتْهُمُ الْبَیِّنٰتُ بَغْیًۢا بَیْنَهُمْۚ-فَهَدَى اللّٰهُ الَّذِیْنَ اٰمَنُوْا لِمَا اخْتَلَفُوْا فِیْهِ مِنَ الْحَقِّ بِاِذْنِهٖؕ-وَ اللّٰهُ یَهْدِیْ مَنْ یَّشَآءُ اِلٰى صِرَاطٍ مُّسْتَقِیْمٍ(۲۱۳)
لوگ ایک دین پر تھے (ف۴۰۵) پھر اللہ نے انبیاء بھیجے خوشخبری دیتے (ف۴۰۶) اور ڈر سناتے (ف۴۰۷) اور ان کے ساتھ سچی کتاب اتاری (ف۴۰۸) کہ وہ لوگوں میں ان کے اختلافوں کا فیصلہ کردے اور کتاب میں اختلاف اُنہیں نے ڈالا جن کو دی گئی تھی (ف۴۰۹) بعداس کے کہ ان کے پاس روشن حکم آچکے (ف۴۱۰) آپس میں سرکشی سے تو اللہ نے ایمان والوں کو وہ حق بات سوجھا دی جس میں جھگڑ رہے تھے اپنے حکم سے، اور اللہ جسے چاہے سیدھی راہ دکھائے،

قال الفخر الرازي: اعلم أنه- تعالى- لما بين في الآية المتقدمة أن سبب إصرار هؤلاء الكفار على كفرهم هو حب الدنيا، بين في هذه الآية أن هذا المعنى غير مختص بهذا الزمان، بل كان حاصلا في الأزمنة المتقادمة، لأن الناس كانوا أمة واحدة قائمة على الحق ثم اختلفوا، وما كان اختلافهم إلا بسبب البغي والتحاسد والتنازع في طلب الدنيا» .والأمة القوم المجتمعون على الشيء الواحد يقتدى بعضهم ببعض مأخوذ من أم بمعنى قصد لأن كل واحد من أفراد القوم يؤم المجموع ويقصده في مختلف شؤونه.وللعلماء أقوال في معنى قوله- تعالى- كانَ النَّاسُ أُمَّةً واحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ.القول الأول الذي عليه جمهور المفسرين أن المعنى: كان الناس أمة واحدة متفقين على توحيد الله- تعالى- مقرين له بالعبودية مجتمعين على شريعة الحق ثم اختلفوا ما بين ضال ومهتد، فبعث الله إليهم النبيين ليبشروا من اهتدى منهم بجزيل الثواب، ولينذروا من ضل بسوء العذاب، وليحكموا بينهم فيما اختلفوا فيه بالحكم العادل، والقول الفاصل.قال القفال: ويشهد لصحة هذا الرأى قوله- تعالى- فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ ... فهذا يدل على أن الأنبياء- عليهم السلام- إنما بعثوا حين الاختلاف، ويتأكد هذا بقوله: «وما كان الناس إلا أمة واحدة فاختلفوا» ويتأكد أيضا بما نقل عن ابن مسعود أنه قرأ كان الناس أمة واحدة فاختلفوا فبعث الله النبيين ...و «كان» على هذا الرأى على بابها من المضي، وعدم استمرار الحكم، وعدم امتداده إلى المستقبل، لأن الناس كانوا مهتدين ثم زالت الهداية عنهم أو عن كثير منهم بسبب اختلافهم فأرسل الله- تعالى- رسله لهدايتهم.القول الثاني يرى أصحابه أن المعنى: كان الناس أمة واحدة مجتمعين على الضلال والكفر فبعث الله النبيين لهدايتهم..و «كان» على هذا الرأى- أيضا- على بابها من المضي والانقضاء، ولا تحتاج على هذا الرأى إلى تقدير كلام محذوف، وهو ثم اختلفوا فبعث.. إلخ.ومن العلماء الذين رجحوا القول الأول الإمام ابن كثير فقد قال: عن قتادة عن عكرمة عن ابن عباس قال: كان بين نوح وآدم عشرة قرون كلهم على شريعة من الحق فاختلفوا فبعث الله النبيين مبشرين ومنذرين.. وهكذا قال قتادة ومجاهد. وقال العوفى عن ابن عباس (كان الناس أمة واحدة) يقول كانوا كفارا (فبعث الله النبيين) والقول الأول عن ابن عباس وهو أصح سندا ومعنى لأن الناس كانوا على ملة آدم حتى عبدوا الأصنام فبعث الله إليهم نوحا- عليه السلام- فكان أول رسول بعثه الله إلى أهل الأرض .أما الرأى الثالث فقد قرره الإمام القرطبي بقوله: ويحتمل أن تكون «كان» للثبوت، والمراد الإخبار عن الناس الذين هم الجنس كله أنهم أمة واحدة في خلوهم عن الشرائع، وجهلهم بالحقائق، لولا منّ الله عليهم وتفضله بالرسل إليهم. فلا يختص «كان» على هذا التأويل بالمضي فقط، بل معناه معنى قوله: وَكانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً .وهذا الرأى قد اختاروه الأستاذ الإمام محمد عبده في تفسيره للآية الكريمة ووافقه عليه بعض العلماء الذين كتبوا في تفسير هذه الآية. قال الأستاذ الإمام ما ملخصه.«خلق الله الإنسان أمة واحدة أى مرتبطا بعضه ببعض في المعاش لا يسهل على أفراده أن يعيشوا في هذه الحياة الدنيا إلا مجتمعين يعاون بعضهم بعضا، فكل واحد منهم يعيش ويحيا بشيء من عمله لكن قواه النفسية والبدنية قاصرة عن توفير جميع ما يحتاج إليه، فلا بد من انضمام قوى الآخرين إلى قوته ... وهذا معنى قولهم: «الإنسان مدني بطبعه» يريدون بذلك أنه لم يوهب من القوى ما يكفى للوصول إلى جميع حاجاته إلا بالاستعانة بغيره.. ولما كان الناس كذلك كان لا بد لهم من الاختلاف بمقتضى فطرهم، وكان من رحمة الله أن يرسل إليهم مبشرين ومنذرين.وترتيب بعثة الرسل على وحدة الأمة في الآية التي نفسرها يكون على هذا المعنى:إن الله قضى أن يكور الناس أمة واحدة يرتبط بعضهم ببعض ولا سبيل لعقولهم، وحدها إلى الوصول إلى ما يلزم لهم في توفير مصالحهم ودفع المضار عنهم، لتفاوت عقولهم، واختلاف فطرهم، وحرمانهم من الإلهام الهادي لكل منهم إلى ما يجب عليه نحو صاحبه، فبعث الله النبيين مبشرين ومنذرين وأيدهم بالدلائل القاطعة على صدقهم، وعلى أن ما يأتون به إنما هو من عند الله- تعالى- القادر على إثابتهم وعقوبتهم ... » .وقال فضيلة الأستاذ الشيخ محمد أبو زهرة ما ملخصه: وإن هذا الرأى الذي اختاره الأستاذ الإمام هو الذي نختاره، وعلى هذا التأويل لا يكون ثمة حاجة إلى تقدير محذوف، لأن ذات حالهم من كونهم لا علم لهم بالشرائع ولا تهتدى عقولهم إلى الحقائق بنفسها توجب البعث، ولأن تلك الحال التي تكون على الفطرة وحدها توجب الاختلاف فتوجب بعث النبيين.. ثم إن نفس كل إنسان فيها نزوع إلى الاجتماع، وحيث كان الاجتماع فلا بد من نظام يربط، وشرع يحكم.وعلى هذا التأويل أيضا تكون الفاء في قوله: فَبَعَثَ ... - وهي التي يقول عنها النحويون إنها للترتيب والتعقيب- في موضعها من غير حاجة إلى تقدير، لأن كون الناس أمة واحدة اقتضت الرسالة واقتضت الاختلاف.و «كان» على هذا التأويل تدل على الاستمرار والثبوت، لأن الناس بمقتضى فطرهم دائما في حاجة إلى شرع السماء لا يهتدون إلا به.ثم قال فضيلته: وقد يقول قائل: إن جعل «كان» للاستمرار يفيد أن وحدة الناس في الفطرة وتأديها إلى التناحر يقتضى بعث النبيين إلى يوم القيامة، وأنه لا بد من نبي لعصرنا، ونحن نسلّم بالاعتراض ولا ندفع إيراده ونقول: نعم إنه لا بد من قيام رسالة إلى يوم القيامة وهي رسالة محمد صلّى الله عليه وسلّم التي جاءت بكتاب تتجدد به الرسالة والبعث إلى أن تفنى الأرض ومن عليها وهذا الكتاب هو القرآن الكريم الذي لا تبلى جدته، والذي تكفل الله بحفظه، وبإعجازه إلى يوم القيامة، والذي من يقرؤه فكأنما يتلقاه عن النبي صلّى الله عليه وسلّم» .هذه هي أشهر الأقوال في معنى قوله- تعالى- كانَ النَّاسُ أُمَّةً واحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وهناك أقوال أخرى لم نذكرها لضعفها.وقوله- تعالى-: وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ معطوف على فَبَعَثَ، والمراد بالكتاب الجنس.والمعنى: وأنزل- سبحانه- مع هؤلاء النبيين الذين بعثهم مبشرين ومنذرين كلامه الملتبس بالحق والجامع لما يحتاجون إليه من أمور الدين والدنيا، لكي يفصلوا بواسطته بين الناس فيما اختلفوا من شئون دينية ودنيوية.وذكر- سبحانه- الكتاب بصيغة المفرد للإشارة إلى أن كتب النبيين وإن تعددت إلا أنها في جوهرها كتاب واحد لاشتمالها على شرع واحد في أصله، وإذا كان هناك خلاف بينها ففي تفاصيل الأحكام وفروعها لا في جوهرها وأصولها، وقوله: بِالْحَقِّ متعلق بأنزل، أو حال من الكتاب أى ملتبسا شاهدا به.والضمير في قوله: لِيَحْكُمَ.. يجوز أن يعود إلى الله- تعالى- أو إلى النبيين، أو إلى الكتاب. ورجح بعضهم عودته إلى الكتاب لأنه أقرب مذكور. والجملة تعليلية للإنزال المذكور.وفي إسناد الحكم إلى الكتاب تنبيه للناس إلى أن من الواجب عليهم أن يرجعوا إليه عند كل اختلاف. لأن هذا هو المقصد الأساسى من إنزال الكتب السماوية.وللأستاذ الإمام محمد عبده كلام نفيس في هذا المعنى فقد قال- رحمه الله- ما ملخصه:«الحكم مسند إلى الكتاب نفسه، فالكتاب ذاته هو الذي يفصل بين الناس فيما اختلفوا فيه، وفيه نداء للحاكمين بالكتاب أن يلزموا حكمه، وألا يعدلوا عنه إلى ما تسوله الأنفس وتزينه الأهواء.. ولو ساغ للناس أن يؤولوا نصا من نصوص الكتب على حسب ما تنزع إليه عقولهم بدون رجوع إلى بقية النصوص، لما كان لإنزال الكتب فائدة، ولما كانت الكتب في الحقيقة حاكمة، بل كانت متحكمة فيها الأهواء، فنعود المصلحة مفسدة، وينقلب الدواء علة، ولهذا رد الله الحكم إلى الكتاب نفسه لا إلى هوى الحاكم به.. ونسبة الحكم إلى الكتاب هي كنسبة النطق والهدى والتبشير إليه في قوله- تعالى-: هذا كِتابُنا يَنْطِقُ عَلَيْكُمْ بِالْحَقِّ وقوله- تعالى-: إِنَّ هذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ..ثم بقول- رحمه الله- «يتخذ الواحد منهم كلمة من الكتاب أو أثرا مما جاء به وسيلة إلى تسخير غيره لما يريد، وذلك قطع الكلمة أو الأثر عن بقية ما جاء في الكتاب والآثار الأخر ولى اللسان أو تأويله بغير ما قصد منه وما هم المؤول أن يعمل بالكتاب وإنما كل ما يقصد هو أن يصل إلى مطلب لشهوته، أو عضد لسطوته، سواء أهدمت أحكام الله أم قامت، واعوجت السبيل أم استقامت، ثم يأتى ضال آخر يريد أن ينال من هذا ما نال غيره، فيحرف ويؤول حتى يجد المخدوعين بقوله، ويتخذهم عونا على الخادع الأول، فيقع الاختلاف والاضطراب، وآلة المختلفين في ذلك هو الكتاب ثم بين- سبحانه- الأسباب التي أدت إلى اختلاف الناس في الكتاب الذي أنزله لهدايتهم فقال وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلَّا الَّذِينَ أُوتُوهُ مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْهُمُ الْبَيِّناتُ بَغْياً بَيْنَهُمْ.والضمير في قوله: فِيهِ وفي قوله: أُوتُوهُ يعود إلى الكتاب، والمعنى عليه:وما اختلف في شأن الكتاب الهادي الذي لا لبس فيه، المنزل لإزالة الاختلاف، إلا الذين أوتوه، أى علموه ووقفوا على تفاصيله، ولم يكن اختلافهم لالتباس عليهم من جهته وإنما كان خلافهم من بعد ما ظهرت لهم الدلائل الواضحة الدالة على صدقه، وما حملهم على هذا الاختلاف إلا البغي والظلم والحسد الذي وقع بينهم.والمراد بالذين اختلفوا فيه أهل الكتاب اليهود والنصارى، واختلافهم في الكتاب يشمل تصديقهم ببعضه وتكذيبهم بالبعض الآخر، كما يشمل اختلافهم في تفسيره وتأويله وتنفيذ أحكامه وعدم تنفيذها، وذهاب كل فريق منهم مذهبا يخالف مذهب الآخر في أصول الشرع لا في فروعه.وعبر عن الإنزال بالإيتاء- كما يقول الآلوسى- للتنبيه من أول الأمر على كمال تمكنهم من الوقوف على ما فيه من الحق، فإن الإنزال لا يفيد ذلك، وقيل: عبر به ليختص الموصول بأرباب العلم والدراسة من أولئك المختلفين، وخصهم بالذكر لمزيد شناعة فعلهم ولأن غيرهم تبع لهم» .وقوله: مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْهُمُ الْبَيِّناتُ متعلق باختلف، وفيه زيادة تشنيع عليهم لأنهم قد اختلفوا فيه بعد أن قامت أمامهم الحجج الناصعة الدالة على الحق.وقوله: بَغْياً مفعول لأجله لاختلفوا وبَيْنَهُمْ متعلق بمحذوف صفة لقوله بَغْياً.أى أن داعي الاختلاف هو البغي والحسد الذي وقع بينهم، فجعل كل فريق منهم يخطئ الآخر، ويجرح رأيه.وفي هذا التعبير إشارة إلى أن البغي قد باض وفرخ عندهم، فهو يحوم عليهم، ويدور بينهم، ولا طمع له في غيرهم، ولا ملجأ له سواهم، لأنهم أربابه الذين تمكنوا منه، وتمكن منهم بقوة ورسوخ.وبعضهم جعل الضمير في قوله: فِيهِ يعود إلى الحق، والضمير في قوله: أُوتُوهُ يعود إلى الكتاب. أى: وما اختلف في الحق إلا الذين أوتوا الكتاب.ويرى بعض العلماء أن عودة الضمير في كليهما إلى الحق أو إلى الكتاب جائز، وأن المعنى على التقديرين واحد، لأن الكتاب أنزل ملابسا للحق ومصاحبا له، فإذا اختلف في الكتاب اختلف في الحق الذي فيه وبالعكس على طريقة قياس المساواة في المنطق والجملة الكريمة تحذير شديد من الوقوع فيما وقع فيه غيرهم من اختلاف يؤدى إلى البغي والتنازع والإعراض عن الحق.ثم بين- سبحانه- حال المؤمنين بعد بيانه لحال الغاوين فقال- تعالى فَهَدَى اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ.أى: فهدى الله الذين آمنوا وصدقوا رسله إلى الحق الذي اختلف فيه أهل الضلالة، وذلك الهدى بفضل توفيقه لهم وتيسيره لأمرهم.والفاء في قوله: فَهَدَى فصيحة لأنها أفصحت عن كلام مقدر وهو المعطوف عليه المحذوف.والتقدير: إذا كان هذا شأن الضالين المختلفين في الحق، فقد هدى الله بفضله الذين آمنوا إلى الصواب.وبين- سبحانه- أن الذين رزقهم الهداية هم الذين آمنوا، للإشعار بأن سبب هدايتهم للحق هو إيمانهم وتقواهم، واستجابتهم للداعي الذي دعاهم إلى الطريق المستقيم.وأسند الهداية إليه- سبحانه- لأنه هو خالقها، ولأن قلوب العباد بيديه فهو يقلبها كيف يشاء، وهذا لا ينافي أن للعبد اختيارا وكسبا فهو إذا سار في طريق الحق رزقه الله النور المشرق الذي يهديه، وإن سار في طريق الضلالة واستحب العمى على الهدى سلب الله عنه توفيقه بسبب إيثاره الضلالة على الهداية.وقوله- تعالى- في ختام هذه الآية: وَاللَّهُ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ تذييل قصد به بيان كمال سلطانه، وتمام قدرته.أى: والله وحده هو الهادي من يشاء من عباده إلى طريق الحق الذي لا يضل سالكه، فليس لأحد سلطان بجوار سلطانه، ولو أراد أن يكون الناس جميعا مهديين لكانوا، ولكن حكمته اقتضت أن يختبرهم ليتميز الخبيث من الطيب، فيجازى كل فريق بما يستحقه.قال ابن كثير: وفي صحيح البخاري ومسلّم عن عائشة أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم كان إذا قام من الليل يصلى يقول: «اللهم رب جبريل وميكائيل وإسرافيل فاطر السموات والأرض عالم الغيب والشهادة أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون، اهدني لما اختلف فيه من الحق بإذنك إنك تهدى من تشاء إلى صراط مستقيم» .وفي الدعاء المأثور: اللهم أرنا الحق حقا وارزقنا اتباعه وأرنا الباطل باطلا وارزقنا اجتنابه ولا تجعله ملتبسا علينا فنضل واجعلنا للمتقين إماما .وبذلك نرى أن الآية قد بينت أن الناس لا يستغنون عن الدين الذي شرعه الله لهم على لسان رسله- عليهم الصلاة والسلام-، وأن الأشرار من الناس هم الذين يحملهم البغي على الاختلاف في الحق بعد ظهوره لهم، أما الأخيار منهم فهم الذين اهتدوا بتوفيق الله وتيسيره إلى طريق الخير والصواب وَاللَّهُ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ.وبعد أن ذكر- سبحانه- حال الناس، واختلاف سفهائهم على أنبيائهم، واهتداء عقلائهم إلى الحق، عقب ذلك بدعوة المؤمنين إلى الاقتداء بمن سبقهم في الصبر والثبات. فقال- تعالى-:
2:214
اَمْ حَسِبْتُمْ اَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَ لَمَّا یَاْتِكُمْ مَّثَلُ الَّذِیْنَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْؕ-مَسَّتْهُمُ الْبَاْسَآءُ وَ الضَّرَّآءُ وَ زُلْزِلُوْا حَتّٰى یَقُوْلَ الرَّسُوْلُ وَ الَّذِیْنَ اٰمَنُوْا مَعَهٗ مَتٰى نَصْرُ اللّٰهِؕ-اَلَاۤ اِنَّ نَصْرَ اللّٰهِ قَرِیْبٌ(۲۱۴)
کیا اس گمان میں ہو کہ جنت میں چلے جاؤ گے اور ابھی تم پر اگلوں کی سی روداد (حالت) نہ آئی (ف۴۱۱) پہنچی انہیں سختی اور شدت اور ہلا ہلا ڈالے گئے یہاں تک کہ کہہ اٹھا رسول (ف۴۱۲) اور اس کے ساتھ ایمان والے کب آئے گی اللہ کی مدد (ف۴۱۳) سن لو بیشک اللہ کی مدد قریب ہے،

قال القرطبي: قال قتادة والسدى وأكثر المفسرين: نزلت هذه الآية في غزوة الخندق حين أصاب المسلمين ما أصابهم من الجهد والشدة والحر والبرد وسوء العيش وأنواع الشدائد، وكانوا كما قال- تعالى-: إِذْ جاؤُكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَإِذْ زاغَتِ الْأَبْصارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَناجِرَ.وقيل نزلت في حرب أحد، ونظيرها- في آل عمران أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جاهَدُوا مِنْكُمْ.. وقالت فرقة: نزلت الآية تسلية للمهاجرين حين تركوا ديارهم وأموالهم بأيدى المشركين، وآثروا رضا الله ورسوله، وأظهرت اليهود العداوة لرسول الله، وأسر قوم من الأغنياء النفاق فأنزل الله ذلك تطييبا لقلوبهم» .وما ذكره المفسرون في سبب نزول هذه الآية الكريمة لا يمنع عمومها، وأنها تدعو المؤمنين في كل زمان ومكان إلى التذرع بالصبر والثبات تأسيا بمن سبقهم من المتقين حتى يفوزوا برضوان الله- تعالى- ونصره.وأَمْ هنا يرى بعضهم أنها للاستفهام الإنكارى، ويرى بعض آخر أنها أم المتصلة، ويرى فريق ثالث أنها أم المنقطعة.قال الجمل: وحسب هنا من أخوات ظن تنصب مفعولين أصلهما المبتدأ والخبر، وأن وما بعدها سادة مسد المفعولين عند سيبويه، ومسد الأول عند الأخفش والثاني محذوف، ومضارعها فيه وجهان: الفتح وهو القياس والكسر .ولَمَّا تدل على النفي مع توقع حصول المنفي بها، كما في قول النابغة:أزف الترحل غير أن ركابنا ... لما تزل برحالنا وكأن قدفنفى بلما ثم قال: وكأن قد، أى وكأنه قد زالت.والْبَأْساءُ ما يصيب الناس في الأموال كالفقر. والضراء: ما يصيبهم في الأنفس كالمرض مشتقان من البؤس والضر.وزُلْزِلُوا من الزلزلة وهي شدة التحريك وتكون في الأشخاص وفي الأحوال. فيقال:زلزلت الأرض، أى تحركت واضطربت، ومعنى زلزلوا: خوفوا وأزعجوا واضطربوا.والمعنى على أن أَمْ للاستفهام الإنكارى: أظننتم أيها المؤمنون أنكم تدخلون الجنة بمجرد الإيمان دون أن يصيبكم ما أصاب الذين سبقوكم من شدائد في الأنفس والأموال، ومن مخاوف أزعجتهم وأفزعتهم حتى بلغ الأمر برسولهم وبالمؤمنين معه أن يقولوا وهم في أقصى ما تحتمله النفوس البشرية من آلام: متى نصر الله؟!!لا- أيها المؤمنون- إنى أنهاكم أن تظنوا هذا الظن، وآمركم أن تتيقنوا من أن الظفر بدخول الجنة يستلزم منكم التأسى بمن سبقكم من المتقين في الصبر والثبات.والمعنى على أن أَمْ هنا هي المتصلة- أى المشعرة بمحذوف دل عليه الكلام-: قد خلت من قبلكم أمم أوتوا الكتاب واهتدوا إلى الحق فآذاهم الناس أذى شديدا فصبروا على ذلك أفتصبرون مثلهم على المكاره وتثبتون ثباتهم على الشدائد؟ أم حسبتم أن تدخلوا الجنة دون أن يصيبكم ما أصابهم؟والمعنى على أن أَمْ هنا منقطعة- أى تدل على الإضراب والاستفهام معا-: لقد أوذيتم أيها المؤمنون في سبيل دينكم أذى عظيما، فعليكم أن تصبروا وأن تثبتوا كما فعل الذين من قبلكم، أم حسبتم أن تدخلوا الجنة دون ابتلاء وصبر.. أى: بل أحسبتم.. إن كان هذا هو حسبانكم فهو حسبان باطل لا ينبغي لكم.وقوله- تعالى-: مَسَّتْهُمُ الْبَأْساءُ.. استئناف وقع جوابا عما ينساق إليه الذهن، كأنه قيل: كيف مثل أولئك الذين خلوا ومضوا؟ فكان الجواب مستهم البأساء.. إلخ.ومستهم أى: حلت بهم. وعبر بمستهم للإشعار بأن تلك الشدائد قد أصابتهم بالآلام التي اتصلت بحواسهم وأجسادهم ولكنها لم تضعف إيمانهم إذ حقيقة المس اتصال الجسم بجسم آخر.قال صاحب الكشاف: وقوله: وَزُلْزِلُوا أى: أزعجوا إزعاجا شديدا شبيها بالزلزلة بما أصابهم من الأهوال والافزاع «حتى يقول الرسول» أى: إلى الغاية التي قال الرسول ومن معه فيها مَتى نَصْرُ اللَّهِ أى بلغ بهم الضجر ولم يبق لهم صبر حتى قالوا ذلك. ومعناه طلب النصر وتمنيه، واستطالة زمان الشدة. وفي هذه الغاية دليل على تناهى الأمر في الشدة وتماديه في العظم لأن الرسل لا يقادر قدر ثباتهم واصطبارهم وضبطهم لأنفسهم، فإذا لم يبق لهم صبر حتى ضجوا كان ذلك الغاية في الشدة التي لا مطمع وراءها » .والمراد بالرسول- كما يقول الآلوسى- الجنس لا واحد بعينه. وقيل: شعياء، وقيل:أشعياء، وقيل اليسع. وعلى التعيين يكون المراد من الذين خلوا قوما بأعيانهم وهم أتباع هؤلاء الرسل » .وقوله- تعالى-: أَلا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ استئناف على تقدير القول. أى فقيل لهم حينما التمسوا من الله النصر بعد تلك الشدائد والأهوال التي نزلت بهم: ألا إن نصر الله قريب.تطييبا لأنفسهم، وبعثا للآمال في قلوبهم.وفي هذه الجملة الكريمة ألوان من المؤكدات والمبشرات بالنصر القريب، ويشهد لذلك التعبير بالجملة الاسمية بدل الفعلية فلم يقل- مثلا- ستنصرون والتعبير بالجملة الاسمية يدل على التوكيد. ويشهد لذلك أيضا تصدير الجملة بأداة الاستفتاح الدالة على تحقيق مضمونها وتقريره، ووقوع إن المؤكدة بعد أداة الاستفتاح، وإضافة النصر إلى الله القادر على كل شيء والذي وعد عباده المؤمنين بالنصر فقال، إنا لننصر رسلنا والذين آمنوا في الحياة الدنيا ويوم يقوم الأشهاد» :هذا، والمتأمل في الآية الكريمة يراها قد بينت للمؤمنين أن طريق الجنة محفوف بالمكاره، وصدق رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في قوله: «حفت الجنة بالمكاره وحفت النار بالشهوات» . وأنهم لكي يصلوا إلى الجنة عليهم أن يتأسوا بالسابقين في جهادهم وصبرهم على الأذى، فقد اقتضت سنة الله أن يجعل هذه الحياة نزالا موصولا بين الأخيار والأشرار، ونزاعا مستمرا بين الأطهار والفجار، وكثيرا ما يضيق البغاة على المؤمنين، وينزلون بهم ما ينزلون من صفوف الاضطهاد إلا أن الله- تعالى- قد تكفل بأن يجعل العاقبة للمتقين.ولقد حكى لنا التاريخ أن المؤمنين السابقين قد صبروا أجمل الصبر وأسماه في سبيل إعلاء كلمة الله.روى البخاري عن خباب بن الأرت- رضى الله عنه- قال: شكونا إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وهو متوسد بردة له في ظل الكعبة فقلنا: ألا تستنصر لنا؟ ألا تدعو لنا؟ فقال: قد كان من قبلكم يؤخذ الرجل فيحفر له في الأرض فيجعل فيها، فيجاء بالمنشار فيوضع على رأسه فيجعل نصفين، ويمشط بأمشاط الحديد ما دون لحمه وعظمه، فما يصده ذلك عن دينه. والله ليتمن الله هذا الأمر حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضر موت لا يخاف إلا الله والذئب على غنمه ولكنكم تستعجلون .وبذلك نرى أن السورة الكريمة من قوله- تعالى- وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا إلى هنا، قد بينت لنا أقسام الناس في هذه الحياة، ودعت المؤمنين إلى أن يتمسكوا بجميع تعاليم الإسلام، وأن يزهدوا في زينة الحياة التي شغلت المشركين عن كل شيء سواها، وأن يشكروا الله على هدايته إياهم إلى الحق الذي اختلف غيرهم فيه، وأن يوطنوا أنفسهم على تحمل الآلام لكي يحقق الله لهم الآمال.ثم أرشد الله- تعالى- المؤمنين بعد ذلك إلى أن مما يعينهم على دفع الأذى وعلى دحر أعدائهم أن يبذلوا أموالهم في طاعة الله، وأن يعدوا أنفسهم للقتال في سبيله فقال- تعالى-:
2:215
یَسْــٴَـلُوْنَكَ مَا ذَا یُنْفِقُوْنَؕ-قُلْ مَاۤ اَنْفَقْتُمْ مِّنْ خَیْرٍ فَلِلْوَالِدَیْنِ وَ الْاَقْرَبِیْنَ وَ الْیَتٰمٰى وَ الْمَسٰكِیْنِ وَ ابْنِ السَّبِیْلِؕ-وَ مَا تَفْعَلُوْا مِنْ خَیْرٍ فَاِنَّ اللّٰهَ بِهٖ عَلِیْمٌ(۲۱۵)
تم سے پوچھتے ہیں (ف۴۱۴) کیا خرچ کریں، تم فرماؤ جو کچھ مال نیکی میں خرچ کرو تو و ہ ماں باپ اور قریب کے رشتہ داروں اور یتیموں اور محتاجوں اور راہ گیر کے لئے ہے اور جو بھلائی کرو (ف۴۱۵) بیشک اللہ اسے جانتا ہے (ف۴۱۶)

قال الآلوسى: عن ابن جريج قال: سأل المؤمنون رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أين يضعون أموالهم فأنزل الله- تعالى- قوله: يَسْئَلُونَكَ ماذا يُنْفِقُونَ. الآية. وعن ابن عباس قال: كان عمرو بن الجموح شيخا كبيرا وعنده مال كثير فقال يا رسول الله: بماذا نتصدق، وعلى من ننفق؟ فنزلت الآية.والمعنى: يسألك أصحابك يا محمد أى شيء ينفقونه من أصناف الأموال؟ قل لهم:ما أنفقتم من أموالكم فاجعلوه للوالدين قبل غيرهما ليكون أداء لحق تربيتهما ووفاء لبعض حقوقهما، وللأقربين وفاء لحق القرابة والرحم ولليتامى لأنهم فقدوا الأب الحانى الذي يسد عوزهم، والمساكين لفقرهم واحتياجهم، وابن السبيل لأنه كالفقير لغيبة ماله وانقطاعه عن بلده.قال الإمام الرازي: فهذا هو الترتيب الصحيح الذي رتبه الله- تعالى- في كيفية الإنفاق.ثم لما فصل هذا التفصيل الحسن الكامل أردفه بعد ذلك بالإجمال فقال: وَما تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ أى: وكل ما فعلمتوه من خير إما مع هؤلاء المذكورين وإما مع غيرهم حسبة لله وطلبا لجزيل ثوابه وهربا من أليم عقابه فإن الله به عليم فيجازيكم احسن الجزاء عليه..» .وظاهر الآية- كما يقول الآلوسى- أن السؤال عن المنفق فأجاب ببيان المصرف صريحا، لأنه أهم لأن اعتداد النفقة باعتباره. وأشار- سبحانه- إجمالا إلى بيان المنفق فإن قوله مِنْ خَيْرٍ يتضمن كونه حلالا إذ لا يسمى ما عداه خيرا، وإنما تعرض لذلك- أى لبيان المنفق عليه- وليس في السؤال ما يقتضيه، لأن السؤال للتعلم لا للجدل، وحق المعلم فيه أن يكون كطبيب رفيق يتحرى ما فيه الشفاء، طلبه المريض أم لم يطلبه. ولما كانت حاجتهم إلى من ينفق عليه كحاجتهم إلى ما ينفق بين الأمرين، (وهذا كمن به صفراء فاستأذن طبيبا، في أكل العسل فقال له: كله مع الخل) . فالكلام إذا من أسلوب الحكيم. ويحتمل أن يكون في الكلام- أى في كلام السائلين- ذكر المصرف- أيضا- كما في سؤال عمرو بن الجموح إلا أنه لم يذكره في الآية للإيجاز في النظم تعويلا على الجواب، فتكون الآية جوابا لأمرين مسئول عنهما. والاقتصار في بيان المنفق على الإجمال من غير تعرض للتفصيل كما في بيان المصرف للإشارة إلى كون الثاني أهم. وهل تخرج الآية بذلك عن كونها من أسلوب الحكيم أولا؟ قولان أشهرهما الثاني» .ولم يتعرض- سبحانه- هنا لبقية المحتاجين كالسائلين والغارمين إما اكتفاء بذكرهم في مواضع أخرى، وإما بناء على دخولهم تحت عموم قوله- تعالى-: في آخر الآية وَما تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ فإنه شامل لكل خير واقع في أى مصرف كان.قال الجمل و «ذا» اسم موصول بمعنى الذي والعائد محذوف، و «ما» على أصلها من الاستفهام ولذلك لم يعمل فيها يسألونك، وهي مبتدأ وذا خبره، والجملة محلها النصب بيسألون. والمعنى يسألونك أى الشيء الذي ينفقونه» .وقوله: وَما تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ تذييل قصد به الحض على فعل الخير، لأن المؤمن عند ما يشعر بأن الله يرى عمله ويجازيه عليه بما يستحقه، يشجعه ذلك على الاستمرار في عمل الخير. وإذا كان بعضنا يكثر من عمل الخير عند ما يعلم أن شخصا ذا جاه يسره هذا العمل، فكيف يكون الحال عند ما يعلم المؤمن التقى أن الذي يرى عمله ويكافئه عليه هو الله الذي لا تخفى عليه خافية، والذي يعطى من يشاء بغير حساب.قال بعض العلماء: وقد اختلف في هذه الآية. فقيل إنها منسوخة بآية الزكاة وهي قوله- تعالى-: إِنَّمَا الصَّدَقاتُ لِلْفُقَراءِ ... وقيل- وهو الأولى- إنها غير منسوخة، وهي لبيان صدقة التطوع فإنه متى أمكن الجمع فلا نسخ».
2:216
كُتِبَ عَلَیْكُمُ الْقِتَالُ وَ هُوَ كُرْهٌ لَّكُمْۚ-وَ عَسٰۤى اَنْ تَكْرَهُوْا شَیْــٴًـا وَّ هُوَ خَیْرٌ لَّكُمْۚ-وَ عَسٰۤى اَنْ تُحِبُّوْا شَیْــٴًـا وَّ هُوَ شَرٌّ لَّكُمْؕ-وَ اللّٰهُ یَعْلَمُ وَ اَنْتُمْ لَا تَعْلَمُوْنَ۠(۲۱۶)
تم پر فرض ہوا خدا کی راہ میں لڑنا اور وہ تمہیں ناگوار ہے (ف۴۱۷) اور قریب ہے کہ کوئی بات تمہیں بری لگے اور وہ تمہارے حق میں بہتر ہو اور قریب ہے کہ کوئی بات تمہیں پسند آئے اور وہ تمہارے حق میں بری ہو اور اللہ جانتا ہے اور تم نہیں جانتے (ف۴۱۸)

وقوله: كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ حض لهم على بذل النفس في سبيل إعلاء كلمة الله، بعد أن حضهم في الآية السابقة على بذل المال.والكره- بضم الكاف- بمعنى الكراهية بدليل قوله- تعالى-: وَعَسى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً.. أى أن القتال لشدة ويلاته، وما فيه من إزهاق الأرواح كأنه الكراهة نفسها فهو من وضع المصدر موضع اسم المفعول مبالغة، وقرئ وهو كره لكم- بفتح الكاف- فيكون فيه معنى الإكراه، لأن الكره بالفتح ما أكرهت عليه. وقيل هما لغتان بمعنى واحد وهو الكراهية.ويرى كثير من المفسرين أن القتال إنما كان مكروها للنفوس لما فيه من التعرض للجراح وقطع الأطراف، وإزهاق الأرواح والإنسان ميال بطبعه إلى الحياة، وأيضا لما فيه من إخراج المال ومفارقة الوطن والأهل، والحيلولة بين المقاتل وبين طمأنينته ونومه وطعامه، فهو مهما يكن أمره فيه ويلات وشدائد، ومشقات تتلوها مشقات، ولكن كون القتال مكروها للنفوس لا ينافي الإيمان ولا يعنى أن المسلمين كرهوا فرضيته، لأن امتثال الأمر قد يتضمن مشقة، ولكن إذا عرف الثواب هان في جنبه اقتحام المشقات. ولا شك أن القتال في سبيل الله- مع ما فيه من صعاب وشدائد- ستكون عاقبته العزة في الدنيا، والسعادة في الأخرى.ويرى بعضهم أن كره المسلمين للقتال ليس سببه ما فيه من شدائد ومخاطر وتضحيات بدليل أنهم كانوا يتنافسون خوض غمراته، وإنما السبب في كراهيتهم له هو أن الإسلام قد غرس في نفوسهم رقة ورحمة وسلاما وحبا، وهذه المعاني جعلتهم يحبون مصابرة المشركين ويكرهون قتالهم أملا في هدايتهم، ورجاء في إيمانهم، ولكن الله- تعالى- كتب على المسلمين قتال أعدائهم لأنه يعلم أن المصلحة في ذلك، فاستجاب المؤمنون بصدق وإخلاص لما فرضه عليهم ربهم.ويبدو لنا أن الرأى الأول أقرب إلى ظاهر الآية، لأن القتال فريضة شاقة على النفس البشرية، بحسب الطبع والقرآن لا يريد أن ينكر مشقتها، ولا أن يهون من أمرها، ولا أن ينكر على النفس البشرية إحساسها الفطري بكراهيتها، ولكنه يعالج الأمر من جانب آخر، بأن يقرر أن من الفرائض ما هو شاق ولكن وراءه حكمة تهون مشقته، وتسهل صعوبته، وتحقق به خيرا مخبوءا قد لا يراه النظر الإنسانى القصير. وقد بين القرآن هذه الحكمة في قوله وَعَسى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ.أى: وعسى أن تكرهوا شيئا كالقتال في سبيل الله- تعالى- وهو خير لكم إذ فيه إحدى الحسنيين: إما الظفر والغنيمة- في الدنيا مع ادخار الجزاء الأخروى وإما الشهادة والجنة، وعسى أن تحبوا شيئا كالقعود عن الجهاد وهو شر لكم في الواقع لما فيه من الذل ووقوعكم تحت طائلة الأعداء.قال الفخر الرازي: معنى الآية أنه ربما كان الشيء شاقا عليكم في الحال، وهو سبب للمنافع الجليلة في المستقبل، ولأجله حسن شرب الدواء المر في الحال لتوقع حصول الصحة في المستقبل، وترك الجهاد، وإن كان يفيد- أى بحسب ظنكم- في الحال صون النفس عن خطر القتل وصون المال عن الإنفاق ولكن فيه أنواع من المضار منها: أن العدو إذا علم ميلكم إلى الدعة والسكون قصد بلادكم وحاول قتلكم ... والحاصل أن القتال في سبيل الله سبب لحصول الأمن من الأعداء في الدنيا وسبب لحصول الثواب العظيم للمجاهد في الآخرة..».وقال القرطبي: والمعنى: عسى أن تكرهوا ما في الجهاد من المشقة وهو خير لكم في أنكم تغلبون وتظفرون وتغنمون وتؤجرون ومن مات منكم مات شهيدا، وعسى أن تحبوا الدعة وترك القتال وهو شر لكم في أنكم تغلبون ويذهب أمركم.وهذا صحيح لا غبار عليه، كما اتفق في بلاد الأندلس، تركوا الجهاد وجبنوا عن القتال وأكثروا من الفرار، فاستولى العدو على البلاد، وأى بلاد؟!! وأسر وقتل وسبى واسترق، فإنا لله وإنا إليه راجعون!! ذلك بما قدمت أيدينا وكسبته!! وقال الحسن في معنى الآية: لا تكرهوا الملمات الواقعة فلرب أمر تكرهه فيه نجاتك، ولرب أمر تحبه فيه عطبك، وأنشد أبو سعيد الضرير:رب أمر تتقيه ... جر أمرا ترتضيهخفى المحبوب منه ... وبدا المكروه فيهوهذا الكلام الذي كتبه الإمام القرطبي من مئات السنين يثير في النفس شجونا وآلاما، فإن المسلمين ما هانوا وضعفوا إلا عند ما تركوا الجهاد في سبيل الله، وتثاقلوا إلى الأرض، ورضوا بالحياة الدنيا واطمأنوا بها، وآثروا متع الدنيا وشهواتها على الحياة العزيزة الكريمة.وقال الإمام ابن كثير عند تفسيره للآية: هذا إيجاب من الله- تعالى- للجهاد على المسلمين وأن يكفوا شر الأعداء من حوزة الإسلام. قال الزهري: الجهاد واجب على كل أحد غزا أو قعد. فالقاعد عليه إذا استعين به أن يعين، وإذا استغيث به أن يغيث، وإذا استنفر أن ينفر، ولهذا ثبت في الصحيح «من مات ولم يغز ولم يحدث نفسه بالغزو مات ميتة جاهلية، وقال: صلّى الله عليه وسلّم يوم الفتح: «لا هجرة بعد الفتح ولكن جهاد ونية وإذا استنفرتم فانفروا».وقد أجمع العلماء على أنه إذا نزل العدو بساحة البلاد وجب القتال على كل المسلمين، كل على حسب قدرته.وقد ختم- سبحانه- هذه الآية الكريمة بقوله: وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ أى: والله يعلم ما هو خير لكم وما هو شر لكم في الواقع وأنتم لا تعلمون ذلك، فبادروا إلى ما يأمركم به لأنه لا يأمركم إلا بما علم فيه خيرا لكم، وانتهوا عما نهاكم عنه لأنه لا ينهاكم إلا عما هو شر لكم، ومفعولا يعلم وتعلمون محذوفان دل عليها ما قبلهما. أى: يعلم الخير والشر وأنتم لا تعلمونهما. والمقصود من هذه الجملة الكريمة الترغيب في الجهاد، والامتثال لما شرعه الله- تعالى- سواء أعرفت حكمته أم لم تعرف، لأن العليم بالحكم والمصالح هو الله رب العالمين.وبذلك نرى أن القرآن الكريم لا ينكر على الناس مشاعرهم الطبيعية، وأحاسيسهم الفطرية من كراهية للقتال، ولكنه يربى نفوسهم على الاستجابة لأوامر الله العليم بالغايات المطلع على العواقب، الخبير بما فيه خيرهم ومصلحتهم، وبهذه التربية الحكيمة بذل المؤمنون نفوسهم وأموالهم في سبيل رضا خالقهم عن طواعية واختيار، لا عن قسر وإجبار.
2:217
یَسْــٴَـلُوْنَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِیْهِؕ-قُلْ قِتَالٌ فِیْهِ كَبِیْرٌؕ-وَ صَدٌّ عَنْ سَبِیْلِ اللّٰهِ وَ كُفْرٌۢ بِهٖ وَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِۗ-وَ اِخْرَاجُ اَهْلِهٖ مِنْهُ اَكْبَرُ عِنْدَ اللّٰهِۚ-وَ الْفِتْنَةُ اَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِؕ-وَ لَا یَزَالُوْنَ یُقَاتِلُوْنَكُمْ حَتّٰى یَرُدُّوْكُمْ عَنْ دِیْنِكُمْ اِنِ اسْتَطَاعُوْاؕ-وَ مَنْ یَّرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِیْنِهٖ فَیَمُتْ وَ هُوَ كَافِرٌ فَاُولٰٓىٕكَ حَبِطَتْ اَعْمَالُهُمْ فِی الدُّنْیَا وَ الْاٰخِرَةِۚ-وَ اُولٰٓىٕكَ اَصْحٰبُ النَّارِۚ-هُمْ فِیْهَا خٰلِدُوْنَ(۲۱۷)
تم سے پوچھتے ہیں ماہ حرام میں لڑنے کا حکم (ف۴۱۹) تم فرماؤ اس میں لڑنا بڑا گناہ ہے (ف۴۲۰) اور اللہ کی راہ سے روکنا اور اس پر ایمان نہ لانا اور مسجد حرام سے روکنا، اور اس کے بسنے والوں کو نکال دینا (ف۴۲۱) اللہ کے نزدیک یہ گناہ اس سے بھی بڑے ہیں اور ان کا فساد (ف۴۲۲) قتل سے سخت تر ہے (ف۴۲۳) اور ہمیشہ تم سے لڑتے رہیں گے یہاں تک کہ تمہیں تمہارے دین سے پھیردیں اگر بن پڑے (ف۳۲۴) اور تم میں جو کوئی اپنے دین سے پھرے پھر کافر ہوکر مرے تو ان لوگوں کا کیا اکارت گیا دنیا میں اور آخرت میں (ف۴۲۵) اور وہ دوزخ والے ہیں انہیں اس میں ہمیشہ رہنا،

وبعد أن حرض الله- تعالى- المؤمنين على بذل أموالهم وأنفسهم في سبيله عقب ذلك ببيان حكم القتال في الأشهر الحرم فقال- تعالى-: يَسْئَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرامِ قِتالٍ فِيهِ، قُلْ قِتالٌ فِيهِ كَبِيرٌ... إلخ.وقد ذكر كثير من المفسرين ومن أصحاب السير في سبب نزول هذه الآية قصة ملخصها: أن النبي صلّى الله عليه وسلّم بعث عبد الله بن جحش ومعه اثنا عشر رجلا كلهم من المهاجرين، وأعطاه كتابا مختوما وأمره ألا يفتحه إلا بعد أن يسير يومين، ثم ينظر فيه فيمضى لما أمره به ولا يستكره أحدا من أصحابه. فسار عبد الله يومين ثم فتح الكتاب فإذا فيه «إذا نظرت في كتابي هذا فامض حتى تنزل بنخلة- مكان بين مكة والطائف- فترصد بها عيرا لقريش وتعلم لنا من أخبارهم» .فقال عبد الله: سمعا وطاعة!! وأخبر أصحابه بذلك وأنه لا يستكرههم فمن أحب الشهادة فلينهض ومن كره الموت فليرجع فأما أنا فناهض! فنهضوا جميعا، فلما كانوا في أثناء الطريق أضل سعد بن أبى وقاص وعتبة بن غزوان بعيرا لهما يعتقبانه. فتخلفا في طلبه، ومضى عبد الله ببقية أصحابه حتى وصلوا نخلة فمرت عير لقريش في طريقها لمكة وكانت في حراسة عمرو بن الخضرمي وعثمان بن المغيرة، وأخوه نوفل والحكم بن كيسان. فتشاور المسلمون وقالوا: نحن في آخر يوم من رجب. لئن تركتم القوم هذه الليلة ليدخلن في الحرم فليمتنعن منكم به، ولئن قتلتموهم لتقتلنهم في الشهر الحرام!! فترددوا وهابوا الإقدام عليهم، ثم شجعوا أنفسهم عليهم، وأجمعوا على قتل من قدروا عليه منهم، فرمى «واقد بن عبد الله» عمرو بن الحضرمي يسهم فقتله، وأسروا عثمان والحكم، وأفلت منهم نوفل فأعجزهم.وقيل كان ذلك في أول ليلة من رجب وقد ظنوها آخر ليلة من جمادى، فإقدامهم على ما أقدموا عليه كان على سبيل الخطأ.ثم أقبل عبد الله ومن معه بالعير والأسيرين حتى قدموا على رسول الله وقد عزلوا من ذلك الخمس فأنكر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ما فعلوه وقال لهم: «ما أمرتكم بقتال في الشهر الحرام» وعنفهم إخوانهم من المسلمين فيما صنعوا. وقالت قريش قد استحل محمد وأصحابه القتال في الشهر الحرام، واشتد ذلك على المسلمين، حتى أنزل الله تعالى قوله: يَسْئَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرامِ قِتالٍ فِيهِ قُلْ قِتالٌ فِيهِ كَبِيرٌ.. .والمعنى: يسألونك يا محمد عن حكم القتال في الشهر الحرام، قل لهم. القتال فيه أمر كبير مستنكر، وذنب عظيم مستقبح، لأن فيه اعتداء على الشهر الحرام المقدس، وانتهاك لمحارم الله- تعالى-.والسائلون قيل هم المؤمنون وقد سألوا عن حكم ذلك على سبيل التعليم والتماس المخرج لما حصل منهم. وقيل هم المشركون وسؤالهم على سبيل التعيير للنبي صلّى الله عليه وسلّم وأصحابه، حيث أقدم بعضهم وهو عبد الله ومن معه على القتال فيه فرد الله عليهم بأن القتال فيه كبير ولكن ما فعله هؤلاء المشركون من صد عن سبيل الله وكفر به ... إلخ أكبر من ذلك بكثير.فالجواب تشريع إن كان السؤال من المسلمين. وتبكيت وتوبيخ إن كان من المشركين، لأنهم توقعوا أن يجيبهم بإباحة القتال فيه فيثيروا الشبهات حول الإسلام والمسلمين، فلما أجابهم بأن القتال فيه كبير وأن ما فعلوه من جرائم في حق المسلمين أكبر وأعظم كبتوا وألقموا حجرا.والمراد بالشهر الحرام الأشهر الحرم جميعها وهي ذو القعدة وذو الحجة والمحرم ورجب.وسميت بذلك لحرمة القتال فيها، فأل في الشهر للجنس. وقيل للعهد والمراد بالشهر الحرام شهر رجب الذي حدثت فيه قصة عبد الله بن جحش وأصحابه. وقوله «قتال فيه» بدل اشتمال من الشهر الحرام، وقِتالٍ مبتدأ وكَبِيرٌ خبر وفِيهِ ظرف صفة لقتال مخصصة له.قال الإمام الرازي: فإن قيل: لم نكر القتال في قوله- تعالى-: قِتالٍ فِيهِ ومن حق النكرة إذا تكررت أن تجيء باللام حتى يكون المذكور الثاني هو الأول، لأنه لو لم يكن كذلك كان المذكور الثاني غير الأول كما في قوله- تعالى-: فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً. إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً.قلنا: نعم ما ذكرتم من أن اللفظ إذا تكرر وكانا نكرتين كان المراد بالثاني غير الأول. والقوم أرادوا بقولهم: «يسألونك عن الشهر الحرام قتال فيه» ذلك القتال المعين الذي أقدم عليه عبد الله وأصحابه فقال- تعالى-: قُلْ قِتالٌ فِيهِ كَبِيرٌ. وفيه تنبيه على أن القتال الذي يكون كبيرا ليس هو القتال الذي سألتم عنه بل هو قتال آخر لأن هذا القتال كان الغرض به نصرة الإسلام وإذلال الكفر فكيف يكون هذا من الكبائر؟ إنما القتال الكبير هو الذي يكون الغرض فيه هدم الإسلام وتقوية الكفر فكان اختيار التنكير في اللفظين لأجل هذه الدقيقة. ولو أنه وقع التعبير عنهما أو عن أحدهما بلفظ التعريف لبطلت هذه الفائدة. فسبحان من له تحت كل كلمة من كلمات هذا الكتاب- بل تحت كل حرف منه- سر لطيف لا يهتدى إليه إلا أولو الألباب» .ثم أخذ القرآن يعدد على المشركين جرائمهم التي كل جريمة منها أكبر من القتال في الشهر الحرام الذي فعله المؤمنون لدفع الضرر عن أنفسهم أو لجهلهم بالميقات فقال- تعالى-:وَصَدٌّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ، وَكُفْرٌ بِهِ، وَالْمَسْجِدِ الْحَرامِ، وَإِخْراجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِنْدَ اللَّهِ.أى: قل يا محمد لهؤلاء المشركين نحن نوافقكم على أن القتال في الشهر الحرام كبير، ثم قل لهم أيضا على سبيل التوبيخ إن ما فعلتموه أنتم من صرفكم المسلمين عن طاعة الله وعن الوصول إلى حرمه، ومن شرككم بالله في بيته، ومن إخراجكم لأهله منه أعظم وزرا عند الله من القتال في الشهر الحرام.فالمقصود من هذه الجملة الكريمة إدخال الطمأنينة على قلوب المؤمنين بسبب ما وقع من عبد الله بن جحش ومن معه، وتبكيت المشركين على جرائمهم التي أولها يتمثل في قوله تعالى-: وَصَدٌّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ أى: منع من يريد الإسلام من دخوله، وابتدأ- سبحانه- ببيان صدهم عن سبيله للإشارة إلى أنهم يعاندون الحق في ذاته.وثانيها قوله: وَكُفْرٌ بِهِ أى: كفر بالله- تعالى- وهو معطوف على ما قبله.وثالثها قوله: وَالْمَسْجِدِ الْحَرامِ وهو معطوف على سبيل الله أى: وصد عن سبيل الله وعن المسجد الحرام بمنعهم المؤمنين من الحج والاعتمار.ورابعها قوله: وَإِخْراجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أى: وإخراج النبي صلّى الله عليه وسلّم وأصحابه من مستقرهم حول المسجد الحرام بمكة وهم القائمون بحقوقه، كل ذلك «أكبر» جرما، وأعظم إثما «عند الله» من القتال في الشهر الحرام.قال الجمل: فقوله «أكبر» خبر عن الثلاثة أعنى: صد وكفر وإخراج وفيه حينئذ احتمالان:أحدهما: أن يكون خبرا عن المجموع.وثانيهما: أن يكون خبرا عنها باعتبار كل واحد كما تقول: زيد وبكر وعمرو أفضل من خالد أى: كل واحد منهم على انفراده أفضل من خالد، وهذا هو الظاهر. والمفضل عليه محذوف أى: أكبر مما فعلته السرية»ثم أضاف- سبحانه- إلى جرائمهم السابقة جريمة خامسة فقال: وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ أى: ما فعله المشركون من إنزال الشدائد بالمؤمنين تارة بإلقاء الشبهات وتارة بالتعذيب ليحملوهم على ترك عقيدتهم أكبر إثما من القتل في الشهر الحرام، لأن الفتنة عن الدين تفضى إلى القتل الكثير في الدنيا وإلى استحقاق العذاب الدائم في الآخرة.وقيل المراد بالفتنة هنا الكفر. أى: كفركم بالله أكبر من القتل في الشهر الحرام.وأصل الفتنة: عرض الذهب على النار، لاستخلاصه من الغش، ثم استعملت في الشرك وفي الامتحان بأنواع الأذى والاضطهاد.ويعزى إلى عبد الله بن جحش أنه قال ردا على المشركين عند ما قالوا: استحل محمد وأصحابه القتال في الشهر الحرام.تعدون قتلا في الحرام عظيمة ... وأعظم منه لو يرى الرشد راشدصدودكم عما يقول محمد ... وكفر به، والله راء وشاهدوإخراجكم من مسجد الله أهله ... لئلا يرى لله في البيت ساجدفإنا وإن عيّرتمونا بقتله ... وأرجف بالإسلام باغ وحاسدسقينا من ابن الحضرمي رماحنا ... بنخلة لما أوقد الحرب واقددما، وابن عبد الله عثمان بيننا ... ينازعه غل من القد عاندوقوله- تعالى-: وَلا يَزالُونَ يُقاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطاعُوا بيان لشدة عداوة الكفار للمؤمنين ودوامها.أى: ولا يزال المشركون يقاتلونكم أيها المؤمنون ويضمرون لكم السوء ويداومون على إيذائكم لكي يرجعوكم عن دين الإسلام إلى الكفر إن استطاعوا ذلك وقدروا عليه. والتعبير بقوله «ولا يزالون» المفيد للدوام والاستمرار للإشعار بأن عداوة المشركين للمسلمين لا تنقطع، وأنهم لن يكفوا عن الإعداد لقتالهم ما استطاعوا إلى ذلك سبيلا، فعلى المؤمنين ألا يغفلوا عن الدفاع عن أنفسهم.وحَتَّى للتعليل أى: لا يزالون يقاتلونكم لكي يردوكم عن دينكم أو بمعنى إلى، أى: إلى أن يردوكم عن دينكم. والرد: الصرف عن الشيء والإرجاع إلى ما كان عليه قبل ذلك: فغاية المشركين أن يردوا المسلمين بعد إيمانهم كافرين.وقوله: إِنِ اسْتَطاعُوا يدل- كما يقول الزمخشري- على استبعاد استطاعتهم رد المسلمين عن دينهم، وذلك كقول الرجل لعدوه: إن ظفرت بي فلا تبق على. وهو واثق من أنه لن يظفر به. ويشهد لذلك التعبير بإن المفيدة للشك.وفائدة التقييد بالشرط «إن» التنبيه على سخافة عقول المشركين، وكون دوام عداوتهم للمؤمنين لن تؤدى إلى النتيجة التي يتمنونها وهي رد المسلمين عن دينهم، لأن لهذا الدين ربا يحميه، وأتباعه يفضلون الموت على الرجوع عنه.ثم بين- سبحانه- سوء عاقبة من يرتد عن الإسلام فقال: وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كافِرٌ، فَأُولئِكَ حَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ وَأُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ.ويرتدد يفتعل من الرد وهو الرجوع عن دينه إلى الكفر.وحَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ أى: بطلت وفسدت وأصله من الحبط، بفتح الباء- وهو أن تأكل الدابة أكلا كثيرا تنتفخ معه بطونها فلا تنتفع بما أكلت ويفسد حالها وربما تموت من ذلك. شبه- سبحانه- حال من يعمل الأعمال الصالحة ثم يفسدها بارتداده فتكون وبالا عليه، بحال الدابة التي أكلت حتى أصابها الحبط ففسد حالها.والمعنى: ومن يرتدد منكم عن دين الإسلام، فيمت وهو كافر دون أن يعود إلى الإيمان، فأولئك الذين ارتدوا وماتوا على الكفر بطلت جميع أعمالهم الصالحة، وصارت غير نافعة لهم لا في الدنيا بسبب انسلاخهم عن جماعة المسلمين، ولا في الآخرة بسبب ردتهم وموتهم على الكفر، وأولئك الذين هذا شأنهم أصحاب النار هم فيها خالدون خلودا أبديا كسائر الكفرة، ولا يغنى عنهم إيمانهم السابق على الردة شيئا.وجيء بصيغة الافتعال من الردة وهي مؤذنة بالتكلف، للإشارة إلى أن من باشر الدين الحق وخالطت بشاشته قلبه كان من المستبعد عليه أن يرجع عنه، فهذا المرتد لم يكن مستقرا على هذا الدين الحق وإنما كان قلقا مضطربا غير مستقر حتى انتهى به الأمر بموته على الكفر لتكلفه الدخول في الدين الحق دون الثبات عليه.وفي قوله: مِنْكُمْ إشعار بأنه لا يتصور أن تتحقق بغية المشركين وهي أن يردوا المسلمين جميعا عن دينهم. بل أقصى ما يتصوره العقلاء أن ينالوا ضعيف الإيمان فيردوه إلى دينهم، فيكون الله- تعالى- قد نفى خبثه عن هذا الدين، إذ لا خير في هؤلاء المشركين ولا فيمن عاد إليهم بعد إيمانه، والكل مأواهم النار وبئس القرار.قال الجمل: ومن شرطية في محل رفع بالابتداء، يرتدد فعل الشرط، ومنكم متعلق بمحذوف لأنه حال من الضمير المستكن في يرتدد ومن للتبعيض، والتقدير: ومن يرتدد في حال كونه كائنا منكم أى بعضكم، وعن دينه متعلق بيرتدد، وقوله فيمت وهو كافر عطف على الشرط والفاء مؤذنة بالتعقيب، وقوله: وَهُوَ كافِرٌ جملة حالية من ضمير يمت. وقوله:فأولئك جواب الشرط. وقوله: وأولئك أصحاب النار مستأنف لمجرد الإخبار بأنهم أصحاب النار أو معطوف على جواب الشرط..» .وفي الإتيان باسم الإشارة «أولئك» في الموضعين تنبيه إلى أنهم أحرياء بتلك العقوبات الأليمة بسبب ردتهم وموتهم على الكفر.وفي التنصيص على حبوط أعمالهم في الدنيا والآخرة زيادة مذمة لهم، فهم في الدنيا- بسبب ردتهم- تسلب عنهم آثار كلمة الشهادتين من حرمة الأنفس والأموال والأعراض والصلاة عليهم بعد الموت، والدفن في مقابر المسلمين، ومن طلاق زوجته المسلمة منه ومن عدم التوارث إلى غير ذلك من حقوق المسلمين، أما في الآخرة فشأنهم شأن الكافرين في ملازمتهم للنار. هذا، ومن الأحكام التي أخذها العلماء من هذه الآية الكريمة.1- حرمة القتال في الشهر الحرام، والجمهور على أن هذا الحكم منسوخ، وأنه لا حرج في قتال المشركين في الأشهر الحرم لقوله- تعالى-: فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ فإن المراد بالأشهر الحرم هنا: هي أشهر العهد الأربعة التي أبيح للمشركين السياحة فيها في الأرض، لا الأشهر الحرم الأربعة المعروفة، فالتقييد بها يفيد أن قتلهم بعد انسلاخها مأمور به في جميع الأزمنة والأمكنة. وأيضا لأن الرسول صلّى الله عليه وسلّم غزا هوازن وثقيف وأرسل بعض أصحابه إلى أوطاس ليحارب من فيها من المشركين، وكان ذلك في بعض الأشهر الحرم، ولو كان القتال فيهن حراما لما فعله النبي صلّى الله عليه وسلّم.قال الآلوسى: وخالف عطاء في ذلك، فقد روى عنه أنه سئل عن القتال في الشهر الحرام فحلف بالله- تعالى- ما يحل للناس أن يغزوا في الحرم ولا في الشهر الحرام إلا أن يقاتلوا فيه وجعل ذلك حكما مستمرا إلى يوم القيامة، والأمة اليوم على خلافه في سائر الأمصار» «2» .وقد رجح بعض العلماء ما ذهب إليه عطاء فقال: ومهما يكن فإن القتال في الأشهر الحرم حرام في حال الاختيار والابتداء فلا يصح البدء بالغزو فيه. ولقد قال جابر: كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لا يقاتل في الشهر الحرام إلا أن يغزى أو يغزو حتى إذا حضر ذلك أقام حتى ينسلخ.ولقد قال بعض العلماء: إن تحريم القتال في الشهر الحرام منسوخ بقوله- تعالى-:وَقاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَما يُقاتِلُونَكُمْ كَافَّةً وبقتال النبي صلّى الله عليه وسلّم أهل الطائف فيه. والحقيقة أنه لم يثبت ناسخ صريح في النسخ فإن قوله- تعالى-: وَقاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً العموم فيه بالنسبة للمقاتلين لا بالنسبة لزمان القتال، وأن النبي صلّى الله عليه وسلّم لم يبتدئ قتالا في الشهر الحرام مختارا قط، والتحريم في الاختيار والابتداء كما بينا لا في البقاء والاضطرار، لذا قال- سبحانه-: فَلا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ، ولأن الأشهر الحرم نص عليها في خطبة الوداع وكل ما جاء فيها غير منسوخ» .2- كذلك من الأحكام التي أخذها العلماء من الآية أن الردة تحبط العمل في الدنيا سواء أمات المرتد على كفره أم عاد إلى الإسلام قبل موته بدليل قوله- تعالى- في آية أخرى لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ فقد علق الحبوط بمجرد الشرك، والخطاب وإن كان للنبي صلّى الله عليه وسلّم فالمراد أمته لاستحالة الشرك عليه. وعلى هذا الرأى سار المالكية والأحناف.ويرى الشافعية أن الردة تحبط العمل في الدنيا متى مات المرتد كافرا، لأن الآية تقول:وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كافِرٌ فَأُولئِكَ حَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ ويظهر أثر الخلاف فيمن حج مسلما، ثم ارتد ثم أسلّم، فالأحناف والمالكية يوجبون عليه إعادة الحج لأن الردة أحبطت حجه. والشافعية يقولون: لا حج عليه لأن حجه قد سبق والردة لا تحبط العمل إلا إذا مات الشخص كافرا.ولكل فريق أدلته المبسوطة في كتب الفقه.
2:218
اِنَّ الَّذِیْنَ اٰمَنُوْا وَ الَّذِیْنَ هَاجَرُوْا وَ جٰهَدُوْا فِیْ سَبِیْلِ اللّٰهِۙ-اُولٰٓىٕكَ یَرْجُوْنَ رَحْمَتَ اللّٰهِؕ-وَ اللّٰهُ غَفُوْرٌ رَّحِیْمٌ(۲۱۸)
وه جو ایمان لائے اور وہ جنہوں نے اللہ کے لئے اپنے گھر بار چھوڑے اور اللہ کی راہ میں لڑے وہ رحمت الٰہی کے امیداور ہیں، اور اللہ بخشنے والا مہربان ہے (ف۴۲۵-الف)

وبعد أن بين- سبحانه- عاقبة من يرتد عن دينه أتبع ذلك ببيان عاقبة المؤمنين الصادقين فقال- تعالى-: إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هاجَرُوا وَجاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ، أُولئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَتَ اللَّهِ، وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ.قال الإمام الرازي: في تعلق هذه الآية بما قبلها وجهان:الأول: أن عبد الله بن جحش قال: يا رسول الله: هب أنه لا عقاب علينا فيما فعلنا، فهل نطمع منه أجرا وثوابا؟ فنزلت الآية، لأن عبد الله كان مؤمنا وكان مهاجرا، وكان مجاهدا بسبب هذه المقاتلة.وفي الثاني: أنه تعالى لما أوجب الجهاد قبل بقوله: كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ وبين أن تركه سبب للوعيد أتبع ذلك بذكر من يقوم به وجزاؤه فقال: إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا، وَالَّذِينَ هاجَرُوا ولا يكاد يوجد وعيد إلا ويعقبه وعد» .والمعنى: إن الذين آمنوا بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر، واستقاموا على طريق الحق، وأذعنوا لحكمه، واستجابوا لأوامر الله ونواهيه: وَالَّذِينَ هاجَرُوا أى: تركوا أموالهم وأوطانهم من أجل نصرة دينهم: وَجاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ لإعلاء كلمته أُولئِكَ الموصوفون بتلك الصفات الثلاثة يَرْجُونَ رَحْمَتَ اللَّهِ. أى: يؤملون تعلق رحمته- تعالى- بهم، أو ثوابه على أعمالهم وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ أى: واسع المغفرة للتائبين المستغفرين، عظيم الرحمة بالمؤمنين المحسنين.قال القرطبي: «والهجرة معناها الانتقال من موضع إلى موضع، والقصد ترك الأول إيثارا للثاني. والهجرة ضد الوصل، والاسم الهجرة. وجاهد مفاعله من جهد إذا استخرج الجهد.والاجتهاد والتجاهد: بذل الوسع والمجهود، والجهاد- بالفتح- الأرض الصلبة.وإنما قال يَرْجُونَ وقد مدحهم، لأنه لا يعلم أحد في هذه الدنيا أنه صائر إلى الجنة ولو بلغ في طاعة الله كل مبلغ لأمرين:أحدهما: أنه لا يدرى بماذا ختم له.والثاني: لئلا يتكل على عمله، والرجاء أبدا معه خوف كما أن الخوف معه رجاء».وجيء بهذه الأوصاف الثلاثة مترتبة على حسب الواقع إذا الإيمان يكون أولا ثم المهاجرة من أرض الظالمين إذا لم يستطع دفع ظلمهم، ثم الجهاد من أجل إعلاء كلمة الحق.وأفرد الإيمان بموصول وحده لأنه أصل الهجرة والجهاد، وجمع الهجرة والجهاد في موصول واحد لأنهما فرعان عنه.وبذلك نرى أن هذه الآية الكريمة قد دعت المؤمنين إلى بذل أموالهم وأنفسهم في سبيل نصرة الحق بأحكم أسلوب، وبرأتهم مما أثاره المشركون حولهم من شبهات، وحذرتهم من السير في طريقهم، وبشرتهم بحسن العاقبة متى استجابوا لتعاليم دينهم، واعتصموا بحبله.وبعد هذا الحديث الجامع عن البذل والتضحية، ساق القرآن في آيتين ثلاثة أسئلة وأجاب عنها بما يشفى الصدور، ويصلح النفوس.فقال تعالى:
2:219
یَسْــٴَـلُوْنَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَ الْمَیْسِرِؕ-قُلْ فِیْهِمَاۤ اِثْمٌ كَبِیْرٌ وَّ مَنَافِعُ لِلنَّاسِ٘-وَ اِثْمُهُمَاۤ اَكْبَرُ مِنْ نَّفْعِهِمَاؕ-وَ یَسْــٴَـلُوْنَكَ مَا ذَا یُنْفِقُوْنَ۬ؕ-قُلِ الْعَفْوَؕ-كَذٰلِكَ یُبَیِّنُ اللّٰهُ لَكُمُ الْاٰیٰتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُوْنَۙ(۲۱۹)
تم سے شراب اور جوئے کا حکم پوچھتے ہیں، تم فرمادو کہ ان دونوں میں بڑا گناہ ہے اور لوگوں کے کچھ دنیوی نفع بھی اور ان کا گناہ ان کے نفع سے بڑا ہے (ف۴۲۶) تم سے پوچھتے ہیں کیا خرچ کریں (ف۳۲۷) تم فرماؤ جو فاضل بچے (ف۳۲۸) اسی طرح اللہ تم سے آیتیں بیان فرماتا ہے کہ کہیں تم دنیا،

قوله: يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ.. السائلون هم المؤمنون وسؤالهم إنما هو عن الحكم الشرعي من حيث الحل والتحريم. لا عن الحقيقة والذات فإنهم يعرفون حقيقة الخمر والميسر وذاتهما.قال القرطبي: والخمر مأخوذة من خمر إذا ستر، ومنه خمار المرأة لأنه يستر وجهها- وكل شيء غطى شيئا فقد خمره. ومنه «خمروا آنيتكم، فالخمر تخمر العقل، أى: تغطيه وتستره..فلما كانت الخمر تستر العقل وتغطيه سميت بذلك، وقيل إنما سميت الخمر خمرا لأنها تركت حتى أدركت كما يقال: قد اختمر العجين، أى: بلغ إدراكه. وخمر الرأى ترك حتى يتبين فيه الوجه. وقيل: إنما سميت الخمر خمرا لأنها تخالط العقل من المخامرة وهي المخالطة ومنه قولهم: دخلت في خمار الناس- بفتح الخاء وضمها- أى: اختلطت بهم. فالمعاني الثلاثة متقاربة. فالخمر تركت وخمرت حتى أدركت، ثم خالطت العقل. ثم خمرته، والأصل الستر .ويرى كثير من العلماء أن هذه الآية هي أول آية نزلت في الخمر. ثم نزلت الآية التي في سورة النساء يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكارى حَتَّى تَعْلَمُوا ما تَقُولُونَ ثم نزلت الآية التي في سورة المائدة يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصابُ وَالْأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ.والدليل على ذلك ما رواه أبو داود وغيره عن عمر بن الخطاب أنه قال «اللهم بين لنا في الخمر بيانا شافيا» فنزلت هذه الآية يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ فدعى عمر فقرئت عليه فقال:اللهم بين لنا في الخمر بيانا شافيا» .فنزلت الآية التي في النساء يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكارى فكان منادى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إذا أقام الصلاة- نادى أن: لا يقربن الصلاة سكران. فدعى عمر فقرئت عليه، فقال: «اللهم بين لنا في الخمر بيانا شافيا» . فنزلت الآية التي في المائدة، فدعى عمر فقرئت عليه، فلما بلغ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ قال عمر: «انتهينا» .وبهذا الرأى قال ابن عمر والشعبي ومجاهد وقتادة والربيع بن أنس وعبد الرحمن بن زيد بن أسلّم.ويرى بعض العلماء أن أول آية نزلت في الخمر هي قوله- تعالى- في سورة النحل: وَمِنْ ثَمَراتِ النَّخِيلِ وَالْأَعْنابِ تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَراً وَرِزْقاً حَسَناً.وعلى هذا الرأى سار صاحب الكشاف وتبعه بعض العلماء، فقد قال: نزلت في الخمر أربع آيات، نزل بمكة قوله- تعالى-: وَمِنْ ثَمَراتِ النَّخِيلِ وَالْأَعْنابِ تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَراً وَرِزْقاً حَسَناً فكان المسلمون يشربونها وهي حلال لهم. ثم إن عمر ومعاذا ونفرا من الصحابة قالوا:يا رسول الله، أفتنا في الخمر فإنها مذهبة للعقل مسلبة للمال، فنزلت: قُلْ فِيهِما إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنافِعُ لِلنَّاسِ فشربها قوم وتركها آخرون. ثم دعا عبد الرحمن بن عوف ناسا منهم فشربوا وسكروا فقام بعضهم يصلّى فقرأ: قل يا أيها الكافرون أعبد ما تعبدون فنزلت: لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكارى فقل من يشربها ثم دعا عتبان بن مالك قوما فيهم سعد بن أبى وقاص فلما سكروا افتخروا وتناشدوا شعرا فيه هجاء للأنصار فضرب أحد الأنصار سعدا بلحى بعير فشجه، فشكا إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ذلك. فقال عمر: اللهم بين لنا في الخمر بيانا شافيا فنزلت «إنما الخمر والميسر.. إلخ الآية» .. فقال عمر: انتهينا يا رب» .وأصحاب الرأى الأول يقولون: إن آية سورة النحل وهي قوله- تعالى-: وَمِنْ ثَمَراتِ النَّخِيلِ وَالْأَعْنابِ تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَراً وَرِزْقاً حَسَناً ليس لها علاقة بموضوع الخمر، ويفسرون السكر بأنه ما أحله الله مما لا يسكر وأنه هو الرزق الحسن وأن العطف بينهما من باب عطف التفسير.ولقد كان موقف الصحابة من هذا التحريم لما يشتهونه ويحبونه من الخمر والميسر، يمثل أسمى ألوان الطاعة والاستجابة لأوامر الله ونواهيه، فعند ما بلغهم تحريم الخمر أراقوا ما عندهم منها في الطرقات. بل وحطموا الأوانى التي كانت توضع فيها الخمر امتثالا وطاعة لله- تعالى-.وهكذا نرى قوة الإيمان التي غرسها الإسلام في نفوس أتباعه عن طريق تعاليمه السامية، وتربيته الحكيمة.. تغلبت على ما أحبته النفوس وأزالت من القلوب ما ألفته الطبائع.هذا وجمهور العلماء على أن كلمة «خمر» تشمل كل شراب مسكر سواء أكان من عصير العنب أم من الشعير أم من التمر أم من غير ذلك، وكلها سواء في التحريم قل المشروب منها أو كثر سكر شاربه أو لم يسكر.ومن أدلتهم ما رواه الإمام مسلّم عن ابن عمر- أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: كل مسكر خمر، وكل مسكر حرام، ومن شرب الخمر في الدنيا ومات وهو يدمنها لم يتب منها لم يشربها في الآخرة» .ومن أدلتهم أيضا أصل الاشتقاق اللغوي لكلمة خمر، فقد عرفنا أنها سميت بهذا الاسم لمخامرتها العقل وستره، فكل ما خامر العقل من الأشربة وجب أن يطلق عليه لفظ خمر سواء أكان من العنب أم من غيره.وقال الأحناف ووافقهم بعض العلماء كإبراهيم النخعي وسفيان الثوري وابن أبى ليلى: إن كلمة خمر لا تطلق إلا على الشراب المسكر من عصير العنب فقط، أما المسكر من غيره كالشراب من التمر أو الشعير فلا يسمى خمرا بل يسمى نبيذا. وقد بنوا على هذا أن المحرم قليله وكثيره إنما هو الخمر من العنب. أما الأنبذة فكثيرها حرام وقليلها حلال.وقد رجح العلماء رأى الجمهور وضعفوا ما ذهب إليه الأحناف ومن وافقهم.قال ابن العربي: وتعلق أبو حنيفة بأحاديث ليس لها خطم ولا أزمة فلا يلتفت إليها.والصحيح ما روى الأئمة أن أنسا قال: «حرمت الخمر يوم حرمت وما بالمدينة خمر الأعناب إلا قليل، وعامة خمرها البسر والتمر» أخرجه البخاري، واتفق الأئمة على رواية أن الصحابة إذ حرمت الخمر لم يكن عندهم يومئذ خمر عنب، وإنما كانوا يشربون خمر النبيذ فكسروا دنانهم- أى أوانى الخمر- وبادروا إلى الامتثال لاعتقادهم أن ذلك كله خمر» أى وأقرهم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم على ذلك .وقال الآلوسى: وعندي أن الحق الذي لا ينبغي العدول عنه أن الشراب المتخذ مما عدا العنب كيف كان وبأى اسم سمى متى كان بحيث يسكر من لم يتعوده حرام، وقليله ككثيره، ويحد شاربه ويقع طلاقه ونجاسته غليظة. وفي الصحيحين أنه صلّى الله عليه وسلّم سئل عن النقيع- وهو نبيذ العسل- فقال: «كل شراب أسكر فهو حرام» وروى أبو داود «نهى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عن كل مسكر ومفتر» وصح «ما أسكر كثيره فقليله حرام» والأحاديث متضافرة على ذلك. ولعمري إن اجتماع الفساق في زماننا على شرب المسكرات مما عدا «الخمر» ورغبتهم فيها، فوق اجتماعهم على شرب «الخمر» ورغبتهم فيه بكثير، وقد وضعوا لها أسماء- كالعنبرية والإكسير- ونحوهما ظنا منهم أن هذه الأسماء تخرجها من الحرمة وتبيح شربها للأمة- وهيهات هيهات- فالأمر وراء ما يظنون وإنا لله وإنا إليه راجعون» .بعد هذه الكلمة التمهيدية عن الآية، وعن مدلول كلمة خمر ننتقل إلى معنى كلمة «الميسر» فنقول: الميسر: القمار- بكسر القاف- وهو في الأصل مصدر ميمى من يسر، كالموعد من وعد. وهو مشتق من اليسر بمعنى السهولة، لأن المال يجيء للكاسب من غير جهد، أو هو مشتق من يسر بمعنى جزر. ثم أصبح علما على ما يتقامر عليه كالجزور ونحوه.قال القرطبي نقلا عن الأزهرى: الميسر: الجزور الذي كانوا يتقامرون عليه، سمى ميسرا لأنه أجزاء، فكأنه موضع التجزئة، وكل شيء جزأته فقد يسرته. والياسر: الجازر لأنه يجزئ لحم الجزور.. ويقال للضاربين بالقداح والمتقامرين على الجزور: يأسرون، لأنهم جازرون إذ كانوا سببا لذلك .وصفة الميسر الذي كانت تستعمله العرب أنهم كانت لهم عشرة أقداح يقال لها الأزلام أو الأقلام، فكانوا إذا أرادوا أن يقامروا أحضروا بعيرا وقسموه ثمانية وعشرين قسما وتترك ثلاثة من تلك الأقداح غفلا لا علامة عليها وكانت تسمى: السفيح، والمنيح، والوغد. ومن طلع له واحد منها لا يأخذ شيئا من الجزور. أما السبعة الأخرى فهي الرابحة وهي الفذ وله سهم واحد، والتوأم وله سهمان، والرقيب وله ثلاثة، والحلس وله أربعة، والنافس وله خمسة والمسبل وله ستة، والمعلى وله سبعة فيكون المجموع ثمانية وعشرين سهما.تلك صورة تقريبية لقمار العرب كما أوردها بعض المفسرين .ولا شك أنه يدخل في حكمها من حيث الحرمة ما كان مشابها لها في المخاطرة والرهان وأخذ الأموال بدون مقابل مشروع، أو ضياعها فيما حرمه الله.ومعنى الآية الكريمة: يسألك أصحابك يا محمد عن حكم شرب الخمر ولعب الميسر، قل لهم على سبيل الإرشاد والإعلام: في تعاطيهما إِثْمٌ كَبِيرٌ أى: ذنب عظيم، وضرر شديد وذلك لما فيهما من القبائح المنافية لمحاسن الشرع من الكذب، والأذى، وشيوع العداوة والبغضاء بين الناس، واستلاب أموالهم بغير حق.وقوله: وَمَنافِعُ لِلنَّاسِ أى وفيهما منافع دنيوية للناس إذ الخمر تدر على المتاجرين فيها أرباحا مالية، والميسر يؤدى إلى إصابة بعض الناس للمال بدون تعب.وأطلق- سبحانه- الإثم وقيد المنافع بأنها للناس، للتنبيه على أن الإثم في الخمر والميسر ذاتى، فهما في ذاتهما رجس كبير، وخطر وبيل، وأن ما فيهما من منافع ضئيل ولا يتجاوز بعض الناس، فهي منافع خاصة وليست عامة، ويشهد لهذا قوله- تعالى- بعد ذلك.وَإِثْمُهُما أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِما أى أن المفاسد والاضرار التي تترتب على تعاطيهما، أعظم من المنافع التي تنشأ عن تعاطيهما، إذ تعاطيهما يؤدى إلى منفعة بعض الناس، أما مضارهما فكثيرة، من ذلك أن تعاطى الخمر يضعف الضمير، ويفسد الأخلاق، ويميت الحياء، ويفقد الرشد ويتلف المال، ويغرى بالتنازع بين الناس، ويتسبب- كما قال الأطباء الثقاة- في كثير من الأمراض كأمراض الكبد والرئتين والقلب.. إلخ.وإن شئت المزيد من معرفة مضار الخمر فراجع ما كتبه العلماء والمتخصصون في ذلك .أما تعاطى الميسر فمن مضاره- كما يقول الأستاذ الإمام محمد عبده- إفساد التربية بتعويد النفس الكسل، وانتظار الرزق من الأسباب الوهمية، وإضعاف القوة العقلية، بترك الأعمال المفيدة في طرق الكسب الطبيعية، وإهمال المقامرين للزراعة والتجارة والصناعة التي هي أركان العمران، وتخريب البيوت فجأة بالانتقال من الغنى إلى الفقر في ساعة واحدة، فكم من عشيرة كبيرة نشأت في العز والغنى وانحصرت ثروتها في رجل أضاعها عليها في ليلة واحدة فأصبحت غنية وأمست فقيرة» .إذن فالمنافع الدنيوية التي تعود إلى بعض الناس من تعاطى الخمر والميسر لا تساوى شيئا بجانب تلك المضار الجسمية التي تعود على أفراد الأمة في دينهم وعقولهم وأجسامهم وأموالهم وترابطهم، وصدق الله إذ يقول: إِنَّما يُرِيدُ الشَّيْطانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَداوَةَ وَالْبَغْضاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ.ثم يأتى بعد ذلك السؤال الثاني الذي ورد في هاتين الآيتين وهو قوله- تعالى-:وَيَسْئَلُونَكَ ماذا يُنْفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ.ومناسبة هذا السؤال لما قبله أنهم بعد أن نهوا عن إنفاق أموالهم في الوجوه المحرمة كتعاطى الخمر والميسر، سألوا عن وجوه الإنفاق الحلال، وعن مقدار ما ينفقون فأجيبوا بهذا الجواب الحكيم.قال الآلوسى: أخرج ابن إسحاق عن ابن عباس أن نفرا من الصحابة حين أمروا بالنفقة في سبيل الله أتوا النبي صلّى الله عليه وسلّم فقالوا: إنا لا ندري ما هذه النفقة التي أمرنا بها في أموالنا وما الذي ننفقه منها فأنزل الله- تعالى- وَيَسْئَلُونَكَ ماذا يُنْفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ وكان الرجل قبل ذلك ينفق ماله حتى لا يجد ما يتصدق ولا ما يأكل» .وأصل العفو في اللغة الزيادة. قال- تعالى-: ثُمَّ بَدَّلْنا مَكانَ السَّيِّئَةِ الْحَسَنَةَ حَتَّى عَفَوْا أى زادوا على ما كانوا عليه من العدد. ويطلق على ما سهل وتيسر مما يكون فاضلا عن الكفاية.يقال: خذ ما عفا لك. أى ما تيسر. كما يطلق على الترك قال- تعالى-: عَفَا اللَّهُ عَمَّا سَلَفَ أى تركه وتجاوز عنه.والمراد به هنا: ما يفضل عن الأهل ويزيد عن الحاجة، إذ هذا القدر الذي يتيسر إخراجه ويسهل بذله، ولا يتضرر صاحبه بتركه.والمعنى، ويسألونك ما الذي يتصدقون به من أموالهم في وجوه البر، فقل لهم تصدقوا بما زاد عن حاجتكم، وسهل عليكم إخراجه، ولا يشق عليكم بذله.وفي هذه الجملة الكريمة إرشاد حكيم إلى التعاون والتراحم بين أفراد المجتمع، وتوجيه إلى المنهاج الوسط الذي يأبى التبذير وينفر من التقتير، وفي أحاديث الرسول صلّى الله عليه وسلّم ما يؤيد هذا الإرشاد والتوجيه، ومن ذلك ما أخرجه البخاري عن أبى هريرة عن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: «خير الصدقة ما كان عن ظهر غنى وابدأ بمن تعول» .وأخرج مسلّم عن جابر أن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: «ابدأ بنفسك فتصدق عليها، فإن فضل شيء فلأهلك، فإن فضل عن أهلك شيء فلذى قرابتك، فإن فضل عن ذي قرابتك شيء فهكذا وهكذا» .إلى غير ذلك من الأحاديث التي وردت في هذا المعنى.وللأستاذ الإمام كلام جيد في هذا المقام، فقد قال- رحمه الله- ما ملخصه: إن الأمة المؤلفة من مليون فرد إذا كانت تبذل من فضل مالها في مصالحها العامة كإعداد القوة وتربية الناشئة.. تكون أعز وأقوى من أمة مؤلفة من مائة مليون فرد لا يبذلون شيئا في مثل ذلك لأن الواحد من الأمة الأولى يعد بأمة، إذ هو يعتبر نفسه جزءا منها وهي كل له، بينما الأمة الثانية لا تعد بواحد لأن كل فرد من أفرادها يخذل الآخر.. وفي الحقيقة أن مثل هذا الجمع لا يسمى أمة، لأن كل واحد من أفراده يعيش وحده وإن كان في جانبه أهل الأرض، فهو لا يتصل بمن معه ليمدهم ويستمد منهم» .ثم ختم- سبحانه- الآية بقوله: كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآياتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ.أى: مثل هذا البيان الحكيم الذي بينه الله لكم فيما سألتم عنه يبين لكم في سائر كتابه آياته وأحكامه وحججه لكي تتفكروا وتتدبروا فيما ينفعكم في دنياكم وآخرتكم، بأن تعملوا في الدنيا العمل الصالح الذي يجعلكم تظفرون برضا الله في أخراكم.قال صاحب الكشاف: «وقوله: فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ إما أن يتعلق بتتفكرون، فيكون المعنى: لعلكم تتفكرون فيما يتعلق بالدارين فتأخذون بما هو أصلح لكم كما بينت لكم أن العفو أصلح من الجهد في النفقة وتتفكرون في الدارين فتؤثرون أبقاهما وأكثرهما منافع. ويجوز أن يكون إشارة إلى قوله وَإِثْمُهُما أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِما فيكون المعنى: لتفكروا في عقاب الإثم في الآخرة والنفع في الدنيا حتى لا تختاروا النفع العاجل على النجاة من العقاب الأليم. وإما أن يتعلق بيبين على معنى: يبين لكم الآيات في أمر الدارين وفيما يتعلق بهما لعلكم تتفكرون» .
2:220
فِی الدُّنْیَا وَ الْاٰخِرَةِؕ-وَ یَسْــٴَـلُوْنَكَ عَنِ الْیَتٰمٰىؕ-قُلْ اِصْلَاحٌ لَّهُمْ خَیْرٌؕ-وَ اِنْ تُخَالِطُوْهُمْ فَاِخْوَانُكُمْؕ-وَ اللّٰهُ یَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِؕ-وَ لَوْ شَآءَ اللّٰهُ لَاَعْنَتَكُمْؕ-اِنَّ اللّٰهَ عَزِیْزٌ حَكِیْمٌ(۲۲۰)
اور ا ٓ خرت کے کام سوچ کر کرو (ف۴۲۹) اور تم سے یتیموں کا مسئلہ پوچھتے ہیں (ف۴۳۰) تم فرماؤ ان کا بھلا کرنا بہتر ہے اور اگر اپنا ان کا خرچ ملالو تو وہ تمہارے بھائی ہیں اور خدا خوب جانتا ہے بگاڑنے والے کو سنوارنے والے سے، اور اللہ چاہتا ہے تو تمہیں مشقت میں ڈالتا، بیشک اللہ زبردست حکمت والا ہے،

أما السؤال الثالث والأخير الذي ورد في هاتين الآيتين فهو قوله تعالى وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الْيَتامى قُلْ إِصْلاحٌ لَهُمْ خَيْرٌ، وَإِنْ تُخالِطُوهُمْ فَإِخْوانُكُمْ.أخرج أبو داود والحاكم والنسائي وغيرهم عن ابن عباس قال:لما نزل قوله- تعالى-: وَلا تَقْرَبُوا مالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُوقوله- تعالى-:إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوالَ الْيَتامى ظُلْماً إِنَّما يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ ناراً وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيراً انطلق من كان عنده يتيم فعزل طعامه من طعامه. وشرابه من شرابه، فجعل يفضل له الشيء من طعامه وشرابه، فيحبس له حتى يأكله أو يفسد، فاشتد ذلك عليهم فذكروا ذلك لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم فأنزل الله- تعالى- وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الْيَتامى قُلْ إِصْلاحٌ لَهُمْ خَيْرٌ وَإِنْ تُخالِطُوهُمْ فَإِخْوانُكُمْ فخلطوا طعامهم وشرابهم بشرابهم «1» .والمعنى: ويسألونك يا محمد عن القيام بأمر اليتامى أو التصرف في أموالهم أو عن أموالهم وكيف يكونون معهم فقل لهم: إن المطلوب هو إصلاحهم بالتهذيب والتربية الرشيدة.والمعاملة الحسنة، وإصلاح أموالهم بالمحافظة عليها وعدم إنفاقها إلا في الوجوه المشروعة فهذا الإصلاح المفيد لهم ولأموالهم خير من مجانبتهم، وتركهم، ولذا قال- تعالى- بعد ذلك:وَإِنْ تُخالِطُوهُمْ فَإِخْوانُكُمْ أى: وإن تعاشروهم وتضموهم إليكم فاعتبروهم إخوانكم في العقيدة والإنسانية، وعاملوهم بمقتضى ما تفرضه الأخوة من تراحم وتعاطف ومساواة.والجملة الكريمة معطوفة على ما قبلها. و «إصلاح» مبتدأ وسوغ الابتداء به مع أنه نكرة وصفه بالجار والمجرور «لهم» و «خير» خبره، وقوله: فَإِخْوانُكُمْ الفاء واقعة في جواب الشرط، وإخوانكم خبر لمبتدأ محذوف والتقدير فهم إخوانكم، والجملة في محل جزم على أنها جواب الشرط.وقوله: وَاللَّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ وعد ووعيد، وترغيب في الإصلاح وترهيب من الإفساد، أى: والله يعلم المفسد لشئون هؤلاء اليتامى من المصلح لها، كما أنه- سبحانه- لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء، وسيجازى كل إنسان على حسب عمله، فاحذروا الإفساد ولا تتحروا غير الإصلاح.ثم قال- تعالى-: وَلَوْ شاءَ اللَّهُ لَأَعْنَتَكُمْ العنت: الشدة والمشقة والتضييق. يقال:أعنته في كذا يعنته إعناتا، إذا أجهده وألزمه ما يشق عليه.أى: ولو شاء الله لضيق عليكم وأحرجكم بتحريم مخالطة هؤلاء اليتامى، وبغير ذلك مما يشرع لكم، ولكنه- سبحانه- وسع عليكم وخفف فأباح لكم مخالطتهم بالتي هي أحسن، فاشكروه على ذلك.ثم ختم- سبحانه- الآية بقوله: إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ أى: إن الله- تعالى- غالب على أمره لا يعجزه أمر من الأمور التي من جملتها إعناتكم قادر على أن يعز من أعز اليتامى ويذل من أذلهم، حكيم في كل تصرفاته وأفعاله، فلا يضع الأشياء إلا في مواضعها.وقد استدل العلماء بهذه الآية على جواز التصرف في أموال اليتامى على وجه الإصلاح، وعلى أن للولي أن يخالط اليتيم بنفسه في المصاهرة والمشاركة وغير ذلك مما تقتضيه المصلحة.وقد وردت أحاديث متعددة في رعاية اليتيم وإصلاح أحواله ومن ذلك ما رواه البخاري عن سهل بن سعد قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم «أنا وكافل اليتيم في الجنة هكذا، وأشار بالسبابة والوسطى وفرق بينهما» .وروى الطبراني عن أبى الدرداء. قال: أتى النبي صلّى الله عليه وسلّم رجل يشكو قسوة قلبه، فقال له النبي صلّى الله عليه وسلّم أتحب أن يلين وتدرك حاجتك؟ ارحم اليتيم، وامسح رأسه، وأطعمه من طعامك يلن قلبك وتدرك حاجتك.وبذلك نرى أن هاتين الآيتين الكريمتين قد اشتملتا على أفضل ألوان الإصلاح للأفراد والجماعات في مطاعمهم ومشاربهم ونفقتهم وعلاقتهم بغيرهم ولا سيما اليتامى الذين فقدوا الأب الحانى، والقلب الرحيم، ومن شأن الأمة التي تعمل بهذا التوجيه السامي الحكيم أن تنال السعادة في دنياها. ورضاه الله- في أخراها.ثم تحدثت السورة بعد ذلك في اثنتين وعشرين آية عن بعض أحكام وآداب الزواج والمعاشرة، والإيلاء والطلاق، والعدة، والنفقة، والرضاعة، والخطبة، والمتعة، وغير ذلك مما يتعلق بصيانة الأسرة وتقويتها، وبنائها على أفضل الدعائم، وأحكم الروابط، إذ الأسرة هي اللبنة الأساسية في بناء المجتمع، ومن مجموعها يتكون، فإذا صلحت الوحدات والمكونات صلح البنيان، وإذا تصدعت تصدع.ولقد ابتدأت الآيات التي معنا حديثها عن الأسرة بالحديث عن الزواج لأنه أعمق الروابط وأقواها ومنه تتأتى الذرية، لذا جعل أساس الاختيار فيه هو التدين السليم، والخلق القويم، الذي يسعد ولا يشقى، ويبنى ولا يهدم، ويحفظ ولا يضيع.. ولا يتأتى ذلك إلا باختيار المسلمة الصالحة والإعراض عن المشركة الكافرة.استمع إلى القرآن الكريم وهو يبين ذلك فيقول:
2:221
وَ لَا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكٰتِ حَتّٰى یُؤْمِنَّؕ-وَ لَاَمَةٌ مُّؤْمِنَةٌ خَیْرٌ مِّنْ مُّشْرِكَةٍ وَّ لَوْ اَعْجَبَتْكُمْۚ-وَ لَا تُنْكِحُوا الْمُشْرِكِیْنَ حَتّٰى یُؤْمِنُوْاؕ-وَ لَعَبْدٌ مُّؤْمِنٌ خَیْرٌ مِّنْ مُّشْرِكٍ وَّ لَوْ اَعْجَبَكُمْؕ-اُولٰٓىٕكَ یَدْعُوْنَ اِلَى النَّارِ ۚۖ-وَ اللّٰهُ یَدْعُوْۤا اِلَى الْجَنَّةِ وَ الْمَغْفِرَةِ بِاِذْنِهٖۚ-وَ یُبَیِّنُ اٰیٰتِهٖ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ یَتَذَكَّرُوْنَ۠(۲۲۱)
اور شرک والی عورتوں سے نکاح نہ کرو جب تک مسلمان نہ ہوجائیں (ف۴۱۳) اور بیشک مسلمان لونڈی مشرکہ سے اچھی ہے (ف۴۳۲) اگرچہ وہ تمہیں بھاتی ہو اور مشرکوں کے نکاح میں نہ دو جب تک وہ ایمان نہ لائیں (ف۴۳۳) اور بیشک مسلمان غلام مشرک سے اچھا ہے اگرچہ وہ تمہیں بھاتا ہو، وہ دوزخ کی طرف بلاتے ہیں (ف۴۳۴) اور اللہ جنت اور بخشش کی طرف بلاتا ہے اپنے حکم سے اور اپنی آیتیں لوگوں کے لئے بیان کرتا ہے کہ کہیں وہ نصیحت مانیں،

قوله- تعالى: وَلا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ النكاح في اللغة الضم وتداخل أجزاء الشيء بعضها في بعض. ثم أطلق على العقد الذي به تكون العلاقة بين الرجل والمرأة علاقة مشروعة.والمشرك في لسان الشرع: من يدين بتعدد الآلهة مع الله- تعالى- وأصله من الإشراك بمعنى أن تجعل الشيء بينك وبين غيرك شركة، فمن يعبد مع الله- تعالى- إلها آخر يعد مشركا، وهو في الآخرة من الخاسرين.ويرى كثير من العلماء أن إطلاق كلمة: مشرك، ومشركين، ومشركات في القرآن الكريم تعنى عبدة الأوثان، وأنها صارت في استعمال القرآن حقيقة عرفية فيهم، ولم يطلقها القرآن على اليهود والنصارى وإنما عبر عنهم بهذا الاسم أو بأهل الكتاب، أو بوصف الكفر دون الشرك كما في قوله- تعالى-: لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرائِيلَ وعليه فالمراد بالمشركات والمشركين في الآية عبدة الأوثان.وذهب بعضهم إلى أن لفظ المشركات يشمل بمقتضى عمومه المرأة الوثنية، واليهودية، والنصرانية.وقد ترتب على هذا الخلاف في إطلاق كلمة «مشرك» أن أصحاب الرأى الأول قالوا: إن النهى في الآية إنما هو عن زواج المشركات اللائي يعبدن الأوثان ولا كتاب لهن، وأنه يجوز- مع الكراهة- أن يتزوج المسلّم الكتابية، لأن القرآن يقول: الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّباتُ، وَطَعامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ حِلٌّ لَكُمْ، وَطَعامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ، وَالْمُحْصَناتُ مِنَ الْمُؤْمِناتِ وَالْمُحْصَناتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ.. الآية . ولأنه قد جاءت الروايات بأن بعض الصحابة قد تزوج بكتابيات. فعثمان بن عفان تزوج نصرانية ثم أسلمت، وطلحة ابن عبيد الله وحذيفة بن اليمان تزوجا يهوديتين.أما من قال بالرأى الثاني فيرى حرمة الزواج بالوثنية واليهودية والنصرانية لأن لفظ المشركات يشملهن جميعا. وأصحاب هذا الرأى- كما يقول الآلوسى- يجعلون آية المائدة وهي قوله- تعالى-: وَالْمُحْصَناتُ مِنَ الْمُؤْمِناتِ.. منسوخة بالآية التي معنا نسخ الخاص بالعام.. وإلى هذا الرأى ذهب الإمامية وبعض الزيدية .وروى عن عمر وعبد الله ابنه- رضي الله عنهما- أنهما حرما ذلك وفي رواية أنها كرهاه.وهي الأصح.قال القرطبي: وروى عن عمر أنه فرق بين طلحة بن عبيد الله وحذيفة بن اليمان وبين كتابيتين وقالا: نطلق يا أمير المؤمنين ولا تغضب. فقال: لو جاز طلاقكما لجاز نكاحكما ولكن أفرق بينكما صغرة قمأة. قال ابن عطية وهذا لا يستند جيدا، وأسند منه أن عمر أراد التفريق بينهما فقال له حذيفة: أتزعم أنها حرام فأخلى سبيلها يا أمير المؤمنين؟ فقال: لا أزعم أنها حرام ولكن أخاف أن تعاطوا المومسات منهن.ثم قال القرطبي: وكان ابن عمر إذا سئل عن نكاح الرجل النصرانية أو اليهودية. قال حرم الله المشركات على المؤمنين ولا أعرف شيئا من الإشراك أعظم من أن تقول المرأة ربها عيسى أو عبد من عباد الله. قال النحاس: وهذا قول خارج عن قول الجماعة الذين تقوم بهم الحجة، لأنه قال بتحليل نكاح نساء أهل الكتاب من الصحابة والتابعين جماعة منهم عثمان وطلحة وابن عباس.. ومن التابعين سعيد بن المسيب وسعيد بن جبير والحسن ومجاهد.. وفقهاء الأمصار عليه، وأيضا فيمتنع أن تكون هذه الآية من سورة البقرة ناسخة للآية التي في سورة المائدة، لأن البقرة من أول ما نزل بالمدينة والمائدة من آخر ما نزل، وإنما الآخر ينسخ الأول- أو يخصصه- وأما قول ابن عمر فلا حجة فيه، لأن ابن عمر- رضي الله عنه- كان متوقفا، فلما سمع الآيتين في واحدة التحليل وفي أخرى التحريم ولم يبلغه النسخ توقف، ولم يؤخذ عنه ذكر النسخ وإنما تؤول عليه، وليس يؤخذ الناسخ والمنسوخ بالتأويل .والذي نراه أن زواج المسلّم بالكتابية جائز لأن القرآن صريح في ذلك، ولأن عمر- رضي الله عنه- أقر بأنه ليس بحرام، فتكون آية المائدة مخصصة لآية البقرة على فرض عمومها، ومبينة لحكم جديد خاص بالكتابيات، وهو الجواز ولكن هذا الجواز لا يمنع كراهته، لأن الزواج بالكتابية كثيرا ما يؤثر في إضعاف العاطفة الدينية عند المسلّم، وعند الأطفال الذين يكونون ثمرة لهذا الزواج، لأنهم يخرجون إلى الحياة وقد رضعوا الميل إلى دين أمهم، ولأن المرأة الكتابية التي تقبل الزواج بالمسلّم كثيرا ما تكون منحرفة في سلوكها وأن الدافع لها إلى هذا الزواج إنما هو المال أو الجمال أو الجاه وليس الدين أو الخلق، لأنه لو كان الدافع ذلك لرضيت بالإسلام دينا، وبآدابه خلقا لها، وما أحكم قول عمر لحذيفة: «لا أزعم أنها حرام ولكن أخاف أن تعاطوا المومسات منهن» .هذه خلاصة لآراء العلماء في هذه المسألة ومن أراد المزيد فليرجع إلى أقوالهم في مظانها .والمعنى: أنها كم أيها المؤمنون أن تتزوجوا بالنساء المشركات حتى يؤمن بالله- تعالى- ويذعن لتعاليم الإسلام وآدابه.وقوله: وَلَأَمَةٌ مُؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ تعليل للنهى، وبيان لفضل المؤمنات على المشركات، ولفضل طهارة النفس على جمال الجسم، والمراد بالأمة هنا الأنثى المملوكة من الرقيق، وبالمشركة الحرة الجميلة بقرينة المقابلة.أى: ولأنثى رقيقة مؤمنة مع ما بها من الرق وقلة الجاه والجمال خير في التزوج بها من امرأة حرة مشركة ولو أعجبتكم بجمالها ونسبها وغير ذلك من منافع دنيوية، لأن ما يتعلق بالمنافع الدينية يجب أن يقدم على المنافع الدنيوية، ولأن الزواج ارتباط روحي بين قلبين، ومن العسير أن يتم هذا الترابط بين قلب يخلص لله في عبادته، وقلب لا يدين بذلك.وصدرت الجملة بلام الابتداء الشبيهة بلام القسم في إفادة التأكيد مبالغة في الحمل على الانزجار، وقد أمر النبي صلّى الله عليه وسلّم أتباعه أن يجعلوا الدين أساس رغبتهم في الزواج، فقد أخرج الشيخان عن أبى هريرة أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «تنكح المرأة لأربع: لمالها ولحسبها ولجمالها ولدينها فاظفر بذات الدين تربت يداك» .وعن عبد الله بن عمرو- رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم «لا تتزوجوا النساء لحسنهن فعسى حسنهن أن يرديهن، ولا تتزوجوهن لأموالهن فعسى أموالهن أن تطغيهن، ولكن تزوجوهن على الدين، ولأمة سوداء ذات دين أفضل» .والأحاديث النبوية في هذا المعنى كثيرة.ثم قال- تعالى-: وَلا تُنْكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُوا أى: لا تزوجوا أيها المؤمنون النساء المؤمنات للرجال المشركين حتى يتركوا ما هم عليه من شرك ويدخلوا في دين الإسلام، فإذا فعلوا ذلك حل لكم أن تزوجوهم النساء المسلمات، لأنهم بدخولهم في الإسلام قد أصبحوا إخوانا لكم.والنهى هنا يتناول المشرك الذي يعبد الأوثان ويتناول غيره ممن لا يدين بالإسلام كأهل الكتاب، لأن القرآن قد جعل الإيمان غاية للنهى، فإذا لم يكن هناك إيمان من الرجل لم يكن له أن يتزوج من المرأة المؤمنة، لأن الله- تعالى- يقول في آية أخرى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا جاءَكُمُ الْمُؤْمِناتُ مُهاجِراتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ اللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمانِهِنَّ فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِناتٍ فَلا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ لا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ، وَآتُوهُمْ ما أَنْفَقُوا، وَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ إِذا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ وَلا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوافِرِ.فهذه الآية صريحة في أن زواج المسلمة بالكافر لا يجوز، وكلمة كافر تشمل أهل الكتاب بدليل قوله- تعالى-: لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرائِيلَ عَلى لِسانِ داوُدَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ.. وقوله تعالى ما يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ وَلَا الْمُشْرِكِينَ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْكُمْ مِنْ خَيْرٍ مِنْ رَبِّكُمْ.قال الفخر الرازي: لا خلاف هاهنا في أن المراد به- أى بلفظ المشركين- الكل، وأن المؤمنة لا يحل تزويجها من الكافر ألبتة على اختلاف أنواع الكفرة .وقوله: وَلَعَبْدٌ مُؤْمِنٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ بيان لفضل الإيمان على الشرك، كما في قوله- تعالى-: وَلَأَمَةٌ مُؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكَةٍ إذ نسبة المؤمن أو المؤمنة إلى هذا الدين الذي ارتضاه الله لعباده أفضل وأجل من الانتساب إلى أى شيء آخر.ثم بين- سبحانه- علة النهى عن الزواج بالمشركين والمشركات فقال- تعالى-: أُولئِكَ يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَاللَّهُ يَدْعُوا إِلَى الْجَنَّةِ وَالْمَغْفِرَةِ بِإِذْنِهِ.أى: أولئك المذكورون من المشركين والمشركات يدعون من يقارنهم ويعاشرهم إلى الأقوال والأفعال والعقائد التي تقضى بصاحبها إلى دخول النار في الآخرة والله- تعالى- يدعو عباده على ألسنة رسله إلى الأقوال والأعمال والعقائد التي توصل إلى جنته ومغفرته.فالمراد بالدعاء إلى النار الدعاء إلى أسبابها وإلى ما يوصل إليها، وكان الاقتران بهؤلاء المشركين والمشركات سببا في الوصول إليها، لأن الزواج من شأنه الألفة والمودة والمحبة وشدة الاتصال، وكل ذلك يجعل المسلّم أو المسلمة يتقبلان ما عليه المشرك أو المشركة من فسوق وعصيان لله- تعالى- بل ربما بمرور الأيام لا يكتفيان بالتقبل بل يستحسنان فعلهما، وبذلك تنحل عرا الإسلام من نفس المسلّم والمسلمة عروة فعروة، حتى لا يبقى منه سوى الاسم، كما نشاهد ذلك في كثير من المسلمين الذين تزوجوا بغير مسلمات.والمقصود من قوله- تعالى-: وَاللَّهُ يَدْعُوا إِلَى الْجَنَّةِ إغراء المؤمنين بالتمسك بتعاليم دينهم، وتنفيرهم من الاقتران بغير من يكون على شاكلتهم في الدين، لأن من يخالفهم في عقيدتهم طريقه يغاير طريقهم، وهدفه يخالف هدفهم، وعاقبته تباين عاقبتهم.والدعاء إلى الجنة والمغفرة المراد به الدعاء إلى أسبابهما كما في الجملة السابقة المقابلة وقيد- سبحانه- الدعاء إلى الجنة والمغفرة بقوله بِإِذْنِهِ أى بأمره وإرادته وعلمه، لأنه- سبحانه- هو المالك لكل شيء، ولا يقع في ملكه إلا ما يريده ويقدره.قال بعض العلماء ما ملخصه: وقد يقول قائل: هذه الدعوة إلى النار قد تكون أيضا في زواج المسلّم بالكتابية، كما هي في زواج المسلّم بالمشركة، وكان مقتضى هذا أن يحرم زواج المسلّم بغير المسلمة مطلقا، كما حرم زواج المسلمة بغير المسلّم مطلقا، وإن لذلك الكلام موضعه، ولذلك أجمع الفقهاء على كراهة زواج المسلّم بالكتابية، بل زعم بعض العلماء أن زواج المسلّم من الكتابية محرم كزواجه من المشركة.ولكن الجمهور لا يقطعون بالتحريم أمام النص القاطع بالحل، ولا يعملون العلة ليهمل النص، بل يرون علة التحريم لا تتوافر في الكتابية توافرها في المشركة، فإن المشركة لا ترتبط بأى قانون خلقي يعصمها من الزلل.. أما الكتابية فإن مجموع الفضائل الإنسانية.. لا تزال باقية في تعاليم دينها فيمكن الاحتكام إليها.والقرآن في جدله مع أهل الكتاب كان يلاحظ إمكان التفاهم معهم على قواعد يمكن حملهم على الإقرار بها كما في قوله- تعالى-: قُلْ يا أَهْلَ الْكِتابِ تَعالَوْا إِلى كَلِمَةٍ سَواءٍ بَيْنَنا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً.. الآية.وأمرنا أن نجادلهم بالتي هي أحسن فقال: وَلا تُجادِلُوا أَهْلَ الْكِتابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ.. الآية.فكان من اطراد تلك المعاملة الحسنة المقربة غير المبعدة، أن أباح الإسلام الزواج من الكتابيات.بيد أنه يلاحظ في إباحة الزواج من الكتابيات أمران:أولهما: أن النص القرآنى المبيح خاص بالمحصنات منهن، إذ قال- سبحانه وَالْمُحْصَناتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ والمحصنات- في أظهر التفسير- هن العفيفات، فأولئك الذين يعمدون إلى المنحرفات منهن في أخلاقهن وعقولهن ولا يتخيرون، خارجون عن موضع الإباحة فيما أحسب، لأن الله أحل المحصنات وهم استحلوا المنحرفات.ثانيهما: أن ولى الأمر إذا رأى خطرا على الدولة الإسلامية أو على المجتمع الإسلامى له أن يمنع الناس من ذلك الزواج بوضع عقوبات لمن يقدم عليه سدا للذريعة ومنعا للشر، وذلك من باب السياسة الشرعية، لا من باب تحريم ما أحل الله، لأن الحل قائم على أصله، والمنع وارد على الضرر الذي يلحق المسلمين، إذ في ذلك من الاعتداء على جماعتهم ما فيه، كما أن أصل الأكل حلال، ولكن اغتصاب أموال الناس لنأكلها حرام، ولذلك سارت الدولة على منع بعض رجالها من الزواج بالأجنبيات .وقوله- تعالى- في ختام الآية: وَيُبَيِّنُ آياتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ معطوف على يدعو إلى الجنة. أى أنه- سبحانه- يدعو الناس إلى ما يوصلهم إلى جنته ومغفرته ويبين لهم آياته وأوامره ونواهيه في شئون الزواج وفي غير ذلك من الأحكام لكي يتعظوا ويعتبروا ويتذكروا ما أمرهم الله به فيعملوه، وما نهاهم عنه فيتركوه.وبذلك نرى أن الآية الكريمة قد رسمت للناس أقوم السبل، لكي يعيشوا في ظل أسرة فاضلة، تظلها السعادة، ويسودها الأمان والاطمئنان ويتعاون أفرادها على البر والتقوى لا على الإثم والعدوان.وبعد أن أمر الله- المسلّم بأن يجعل التدين وحسن الخلق محط اختياره في الزواج، اتبع ذلك بإرشاده إلى بعض الآداب التي يجب عليه أن يسلكها مع زوجه حتى تكون علاقتهما قائمة على ما يقتضيه الطبع السليم والخلق القويم وحتى تكون في أعلى درجات التطهر والتنزه والعفاف فقال- تعالى-:
2:222
وَ یَسْــٴَـلُوْنَكَ عَنِ الْمَحِیْضِؕ-قُلْ هُوَ اَذًىۙ-فَاعْتَزِلُوا النِّسَآءَ فِی الْمَحِیْضِۙ-وَ لَا تَقْرَبُوْهُنَّ حَتّٰى یَطْهُرْنَۚ-فَاِذَا تَطَهَّرْنَ فَاْتُوْهُنَّ مِنْ حَیْثُ اَمَرَكُمُ اللّٰهُؕ-اِنَّ اللّٰهَ یُحِبُّ التَّوَّابِیْنَ وَ یُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِیْنَ(۲۲۲)
اور تم سے پوچھتے ہیں حیض کا حکم (ف۴۳۵) تم فرماؤ وہ ناپاکی ہے تو عورتوں سے الگ رہو حیض کے دنوں اور ان سے نزدیکی نہ کرو جب تک پاک نہ ہولیں پھر جب پاک ہوجائیں تو ان کے پاس جاؤ جہاں سے تمہیں اللہ نے حکم دیا، بیشک اللہ پسند کرتا ہے بہت توبہ کرنے والوں کو اور پسند رکھتا ہے سھتروں کو،

روى الإمام مسلّم في صحيحه عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- أن اليهود كانوا إذا حاضت المرأة فيهم لم يؤاكلوها ولم يجامعوها في البيوت أى لا يسكنون معهن- فسأل الصحابة النبي صلّى الله عليه وسلّم فأنزل الله- تعالى-: وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذىً. الآية فقال رسول الله- صلّى الله عليه وسلّم- اصنعوا كل شيء إلا النكاح. فبلغ ذلك اليهود فقالوا: ما يريد هذا الرجل أن يدع من أمرنا شيئا إلا خالفنا فيه. فجاء أسيد بن حضير وعباد بن بشر فقالا: يا رسول الله، إن اليهود تقول كذا وكذا، أفلا نجامعهن؟ فتغير وجه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حتى ظنا أن قد وجد عليهما- أى غضب- فاستقبلتهما هدية من لبن إلى النبي صلّى الله عليه وسلّم فأرسل في آثارهما فسقاهما، فعرفا أن لم يجد عليهما.والمحيض: الحيض مصدر حاضت المرأة تحيض حيضا ومحاضا ومحيضا فهي حائض، وأصله السيلان. يقال حاض الوادي إذا سال، ومنه الحوض لسيلان الماء إليه.ثم أطلق الحيض على ما يقذفه رحم المرأة من دم في أوقات مخصوصة على وجه مخصوص.والأذى: الشيء الذي يتأذى منه الإنسان ويصيبه الضرر بسببه.والسؤال كان من بعض الصحابة، لأنه لقوة إيمانهم كانوا يحبون أن يعرفوا حكم الإسلام في شئونهم الخاصة والعامة، ولأنهم وجدوا أن اليهود وغيرهم يعاملون المرأة في حال حيضها معاملة غير كريمة فسألوا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عن هذا الأمر الذي يتصل بأدق العلاقات بين الرجل والمرأة وهو حكم مباشرة النساء في حال الحيض، فأجابهم الله- تعالى- جوابا شافيا.والمعنى: ويسألك أصحابك يا محمد عن حكم مباشرة النساء في حال الحيض فقل لهم معلما وموجها: إن الحيض أى الدم الذي يلفظه رحم المرأة في وقت معين أذى يتأذى به الإنسان تأذيا حسيا جسيما، فرائحته يتأذى منها من يشمها، وهو في ذاته شيء متقذر تعافه النفوس، وتنفر منه الطباع.وقوله: فَاعْتَزِلُوا النِّساءَ فِي الْمَحِيضِ وَلا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ بيان للحكم المتفرع على تلك الحالة التي يتأذى منها وهي حالة الحيض.والاعتزال: التباعد، وهو هنا كناية عن ترك الجماع والمباشرة، كما أن النهى عن قربهن كناية عن النهى عن جماعهن، يقال: قرب الرجل امرأته إذا جامعها.ويَطْهُرْنَ من الطهر- بضم الطاء- بمعنى النقاء من الوسخ والقذر-.والمعنى: عليكم أيها المؤمنون أن تمتنعوا عن مباشرة النساء في زمن حيضهن، ولا تجامعوهن حتى يطهرن من ذلك، لأن غشيانهن في هذه الحالة يؤذيكم بسبب عدم نقاء المحل الذي يكون فيه الغشيان للمرأة، والمرأة أيضا تتأذى من مباشرتها في زمن الحيض لأنها لا تكون في حالة تستسيغ معها المباشرة، فجهازها التناسلى في حالة اضطراب، وهيئتها العامة في حالة تجعلها من شأنها أن تنفر من الجماع، والولد الذي يأتى عن طريق الجماع في حالة الحيض- على فرض إتيانه في هذه الحالة- كثيرا ما يأتى مشوها ضعيفا، لأن النطفة إذا اختلطت بدم الحيض، أخذت البويضات في التخلق قبل وقت صلاحيتها للتخلق النافع الذي يكون وقته بعد انتهاء فترة الحيض وقد قال بذلك الأطباء الثقاة . وعرفه العرب القدامى بالتجربة، قال أبو كبير الهذلى.ومبرأ من كل غبّر حيضة ... وفساد مرضعة وداء معضلوقد أجمع العلماء- كما بينا- على أن المراد بالاعتزال هو اجتناب المباشرة، إلا أنهم اختلفوا فيما يجب اعتزاله من المرأة بعد ذلك.فبعضهم يرى اعتزال جميع بدن المرأة، وحجتهم أن الله أمر باعتزال النساء ولم يخصص من ذلك شيئا دون شيء.وبعضهم يرى اعتزال موضع الأذى- أى مكان خروج الدم- لقول النبي صلّى الله عليه وسلّم «اصنعوا كل شيء إلا النكاح» .وبعضهم يرى اعتزال ما بين السرة إلى الركبة من المرأة وله ما سوى ذلك، لقول عائشة:كانت إحدانا إذا كانت حائضة أمرها النبي صلّى الله عليه وسلّم أن تأتزر ثم يباشرها. وقوله: وَلا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ تأكيد لحكم الاعتزال وتقرير له، وتنبيه على أن المراد به عدم جماعهن لا عدم القرب منهن أو مخالطتهن أو الأكل معهن كما كان يفعل اليهود وبعض العرب.والدليل على ذلك ما جاء في الصحيحين عن عائشة- رضي الله عنها- قالت: «كنت أرجل رأس رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وأنا حائض» .وروى البخاري عن عائشة- أيضا- قالت: كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يتكئ في حجري وأنا حائض ثم يقرأ القرآن.وروى مسلّم عنها أيضا قالت: كنت أشرب وأنا حائض، ثم أناوله النبي صلّى الله عليه وسلّم فيضع فاه على موضع فىّ فيشرب.وقوله: حَتَّى يَطْهُرْنَ بيان لغاية الاعتزال. وقرأ حمزة الكسائي حَتَّى يَطْهُرْنَ بفتح الطاء والهاء مع التشديد.ومعناه عند جمهور الفقهاء ولا تجامعوهن حتى يغتسلن، لأن القراءتين معناهما واحد، ولأن الله- تعالى- قد علق الإتيان على التطهر فقال: فَإِذا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ والتطهر هو الاغتسال. فالمرأة إذا انقطع حيضها لا يحل للزوج مجامعتها إلا بعد الاغتسال.ويرى الأحناف أن معنى حَتَّى يَطْهُرْنَ أى حتى ينقطع الدم، لأنه إذا كان سبب الأذى هو الدم فانقطاعه طهور منه، وبناء على ذلك فيجوز للرجل أن يباشر زوجته قبل أن تغتسل متى انقطع دمها لأقصى مدة الحيض، وهو عشرة أيام. أخذا بالقراءة المشهورة يَطْهُرْنَ بالتخفيف. أما إذا انقطع الدم قبل ذلك فلا تحل مباشرتها إلا بالتأكيد من زوال الدم بعمل من جانبها وهو الاغتسال الفعلى، لأن قراءة يَطْهُرْنَ بالتشديد عندهم معناها يغتسلن.وقال بعض الفقهاء يكفى في حلها أن تتوضأ عند انقطاع الدم.ولكل فريق أدلته المبسوطة في كتب الفقه.وفي هاتين الجملتين الكريمتين فَاعْتَزِلُوا النِّساءَ فِي الْمَحِيضِ وَلا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ من سمو التعبير، وبديع الكناية ما يغرس في نفس السامع حسن الأدب، ويصون سمعه عن الألفاظ التي يجافى سماعها الأذواق السليمة، وما أحوج المسلمين إلى التأسى بهذا الأدب الذي يحفظ عليهم مروءتهم وكرامتهم.ثم قال- تعالى-: فَإِذا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ أى: فإذا تطهرن من المحيض فجامعوهن في المكان الذي أمركم الله بتجنبه في الحيض وهو القبل ولا تتعدوه إلى غيره.والأمر في قوله- تعالى-: فَأْتُوهُنَّ المراد به إباحة المباشرة، لأن من المقرر عند العلماء أن الأمر بعد النهى يكون للإباحة، خصوصا إذا كان الموضع موضع حل وإباحة لا موضع تكليف وإلزام، وليس المراد به الحتم واللزوم، لأن الإتيان مبنى على الرغبة والطاقة وشبه بهذا التعبير قوله- تعالى-: فَإِذا قُضِيَتِ الصَّلاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وقوله: وَإِذا حَلَلْتُمْ فَاصْطادُوا.قال الجمل: ومن في قوله: «من حيث» فيها قولان:أحدهما: أنها لابتداء الغاية، أى من الجهة التي تنتهي إلى موضع الحيض.والثاني: أن تكون بمعنى في أى المكان الذي نهيتم عنه في الحيض. ورجح بعضهم هذا بأنه ملائم لقوله فَاعْتَزِلُوا النِّساءَ فِي الْمَحِيضِ .وعلى كلا القولين فالمقصود أن يأتى الرجل زوجته في المكان الفطري الطبيعي لتلك العلاقة الجنسية، وهو القبل إذ هو مكان البذر والإنسال، ولا يخرج عن ذلك إلا الذين أصيبوا بشذوذ في عقولهم، وضعف في دينهم..ثم ختم- سبحانه- الآية بقوله: إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ والتواب صيغة مبالغة من تائب بمعنى راجع إلى ربه إذا زل وهفا.والمتطهر: هو الإنسان المتنزه عن الفواحش والأقذار.أى: إن الله- تعالى- يحب عباده الذين يكثرون الرجوع إليه إذا ما ظلموا أنفسهم بسيئة من السيئات، والذين يصونون أنفسهم وينزهونها عن المعاصي والآثام، ويرضى عنهم في الدنيا والآخرة.قال الآلوسى: إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ مما عسى يبدر منهم من ارتكاب بعض الذنوب كالإتيان في الحيض المستدعى لعقاب الله- تعالى- فقد أخرج الإمام أحمد والترمذي والنسائي عن أبى هريرة عن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: «من أتى حائضا فقد كفر بما أنزل على محمد صلّى الله عليه وسلّم وهو جار مجرى الترهيب فلا يعارض ما أخرجه الطبراني عن ابن عباس قال: جاء رجل إلى النبي صلّى الله عليه وسلّم فقال: يا رسول الله، أصبت امرأتى وهي حائض فأمره رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أن يعتق نسمة» وهذا إذا كان الإتيان في أول الحيض والدم أحمر، أما إذا كان في آخره والدم أصفر فينبغي أن يتصدق بنصف دينار كما دلت عليه الآثار» .
2:223
نِسَآؤُكُمْ حَرْثٌ لَّكُمْ۪-فَاْتُوْا حَرْثَكُمْ اَنّٰى شِئْتُمْ٘-وَ قَدِّمُوْا لِاَنْفُسِكُمْؕ-وَ اتَّقُوا اللّٰهَ وَ اعْلَمُوْۤا اَنَّكُمْ مُّلٰقُوْهُؕ-وَ بَشِّرِ الْمُؤْمِنِیْنَ(۲۲۳)
تمہاری عورتیں تمہارے لئے کھیتیاں ہیں، تو آؤ اپنی کھیتیوں میں جس طرح چاہو (ف۴۳۶) اور اپنے بھلے کا کام پہلے کرو (ف۴۳۷) اور اللہ سے ڈرتے رہو اور جان رکھو کہ تمہیں اس سے ملنا ہے اور اے محبوب بشارت دو ایمان والوں کو،

ثم قال- تعالى-: نِساؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ.روى الشيخان عن جابر قال: كانت اليهود تقول: إذا أتى الرجل امرأته من دبرها في قبلها ثم حملت كان ولدها أحول. فأنزل الله- تعالى- قوله: نِساؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ الآية.والحرث في الأصل: تهيئة الأرض بالحراثة لإلقاء البذر فيها. وقد تطلق كلمة الحرث على الأرض المزروعة كما في قوله- تعالى- أَنِ اغْدُوا عَلى حَرْثِكُمْ أى على حديقتكم لجمع ما فيها من ثمار.وشبهت المرأة بالأرض لأن كليهما يمد الوجود الإنسانى بأسباب بقائه، فالزوجة تمده بعناصر تكوينه، والأرض تمده بأسباب حياته.وأَنَّى شِئْتُمْ بمعنى كيف شئتم، أو متى شئتم في غير وقت الحيض.والمعنى: نساؤكم هن مزرع لكم ومنبت للولد، أعدهن الله لذلك كما أعد الأرض للزراعة والإنبات، فأتوهن إذا تطهرن من الحيض في موضع الحرث كيف شئتم مستلقيات على ظهورهن أو غير ذلك ما دمتم تؤدون شهوتكم في صمام واحد وهو الفرج.وفي هذه الجملة الكريمة إشعار بأن المقصد الأول من الزواج إنما هو النسل، ويشير إلى ذلك قوله نِساؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ إذ من شأن الحرث الصالح الإنتاج وإشعار كذلك بما شرعه الله للزوجين من مؤانسة ومباسطة ويشير إلى ذلك قوله- تعالى-: فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ.ويرى صاحب الكشاف أن التشبيه بين ما يلقى في الأرحام من النطفة وبين البذر الذي يلقى في الأرض من حيث إن كلا منهما ينمو في مستودعه ويكون به البقاء والتوالد، فقد قال- رحمه الله-:نِساؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ مواضع الحرث لكم. وهذا مجاز شبهن بالمحارث تشبيها لما يلقى في أرحامهن من النطف التي منها النسل بالبذور، وقوله: فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ تمثيل، أى فأتوهن كما تأتون أراضيكم التي تحرثونها من أى جهة شئتم، لا تحظر عليكم جهة دون جهة.والمعنى: جامعوهن من أى شق أردتم بعد أن يكون المأتى واحدا وهو موضع الحرث.ثم قال: وقوله- تعالى-: هُوَ أَذىً، فَاعْتَزِلُوا النِّساءَ وقوله مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ وقوله فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ من الكنايات اللطيفة والتعريضات الحسنة. وهذه وأشباهها في كلام الله آداب حسنة على المؤمنين أن يتعلموها ويتأدبوا بها ويتكلفوا مثلها في محاورتهم ومكاتبتهم.فإن قلت: ما موقع قوله نِساؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ مما قبله؟ قلت: موقعه موقع البيان والتوضيح لقوله: فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ يعنى أن المأتى الذي أمركم الله به هو مكان الحرث ترجمة له وتفسيرا، أو إزالة للشبهة ودلالة على أن الغرض الأصيل في الإتيان هو طلب النسل لا قضاء الشهوة فلا تأتوهن إلا من المأتى الذي يتعلق به هذا الغرض» .ثم ختم الله- تعالى- الآية بقوله: وَقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ، وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ مُلاقُوهُ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ.أى: عليكم أيها المؤمنون أن تقدموا في حاضركم لمستقبلكم من الأعمال الصالحة ما ينفعكم في دنياكم وآخرتكم، بأن تختاروا في زواجكم ذات الدين، وأن تسيروا في حياتكم الزوجية على الطريقة التي رسمها لكم خالقكم وعليكم كذلك أن تتقوه بأن تصونوا أنفسكم عن كل ما نهاكم عنه، وأن تعلموا علم اليقين أنكم ستلقونه فيحاسبكم على أعمالكم ويجازيكهم عليها بما تستحقون.وقوله: وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ بشارة طيبة لمن آمن وعمل صالحا، وتلقى ما كلفه الله- تعالى- بالطاعة والامتثال.وبذلك نرى أن هاتين الآيتين قد أرشدتا المسلّم إلى أفضل الوسائل، وأقوى الدعائم التي يقوم عليها صرح الحياة الزوجية السعيدة، والتي عن طريقها تأتى الذرية الصالحة الرشيدة، وأن الإسلام في تعاليمه لا يحاول أن ينكر أو يحطم غرائز الإنسان وضرورياته، وإنما الإسلام يعترف بغرائز الإنسان وضرورياته ثم يعمل على تهذيبها وتقويمها بالطرق التي من شأنه إذا ما اتبعها أن يظفر بالسعادة والطمأنينة في دنياه وأخراه.وبعد أن بينت لنا السورة الكريمة حكم المباشرة في فترة الحيض تابعت حديثها عن شئون الأسرة فذكرت حكم الإيلاء أى الحلف بالامتناع عن المباشرة بعد أن قدمت له بالحديث عن الحلف في ذاته. استمع إلى السورة الكريمة وهي تحكى ذلك فتقول:
2:224
وَ لَا تَجْعَلُوا اللّٰهَ عُرْضَةً لِّاَیْمَانِكُمْ اَنْ تَبَرُّوْا وَ تَتَّقُوْا وَ تُصْلِحُوْا بَیْنَ النَّاسِؕ-وَ اللّٰهُ سَمِیْعٌ عَلِیْمٌ(۲۲۴)
اور اللہ کو اپنی قسموں کا نشانہ نہ بنالو (ف۴۳۸) کہ احسان اور پرہیزگاری او ر لوگوں میں صلح کرنے کی قسم کرلو، اور اللہ سنتا جانتا ہے،

العرضة: فعله- بضم الفاء- بمعنى مفعول كالقبضة والغرفة، وهي اسم لكل ما يعترض الشيء فيمنع من الوصول إليه، واشتقاقها من الشيء الذي يوضع في عرض الطريق فيصير مانعا للناس من السلوك والمرور يقال فلان عرضة دون الخير أى حاجز عنه.وتطلق كذلك على النصبة التي تتعرض للسهام وتكون هدفا لها، ومنه قولهم: فلان عرضة للناس إذا كانوا يقعون فيه ويعرضون له بالمكروه. قال الشاعر:دعوني أنح وجدا كنوح الحمائم ... ولا تجعلوني عرضة للوائميريد اتركوني أنح من الشوق ولا تجعلوني معرضا للوم اللوائم.والأيمان: جمع يمين وتطلق بمعنى الحلف والقسم، واصل ذلك أن العرب كانوا إذا أرادوا توثيق عهودهم بالقسم يقسمونه وضع كل واحد من المتعاهدين يمينه في يمين صاحبه، و «تبروا» من البر وهو الأمر المستحسن شرعا.والمعنى على الوجه الأول: لا تجعلوا الحلف بالله- أيها المؤمنون- حاجزا ومانعا عن البر والتقوى والإصلاح بين الناس، وذلك أن بعض الناس كان إذا دعى إلى فعل الخير وهو لا يريد أن يفعله يقول: حلفت بالله ألا أفعله فنهاهم الله- تعالى- عن سلوك هذا الطريق.وهذا المعنى هو الذي رجحه كثير من المفسرين لأنه هو المناسب لما يجيء بعد ذلك من قوله- تعالى-: لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ ووجه المناسبة أن الله- تعالى- يكره للمؤمن أن يجعل الحلف به مانعا من رجوعه إلى أهله ولأن هناك أحاديث كثيرة تحض من حلف على ترك أمر من أمور الخير أن يكفر عن يمينه وأن يأتى الأمر الذي فيه خير، ومن هذه الأحاديث ما جاء في الصحيحين عن أبى موسى الأشعرى قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إنى والله إن شاء الله، لا أحلف على يمين فأرى غيرها خيرا منها إلا أتيت الذي هو خير وتحللتها» .وروى مسلّم في صحيحه عن أبى هريرة قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: من حلف على يمين فرأى غيرها خيرا منها فليكفر عن يمينه وليفعل الذي هو خير» .وشبيه بهذه الآية في النهى عن الحلف على ترك فعل الخير قوله- تعالى- في شأن سيدنا أبى بكر عند ما أقسم ألا ينفق على قريبه الذي خاض في شأن ابنته عائشة وَلا يَأْتَلِ أُولُوا الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ أَنْ يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبى وَالْمَساكِينَ وَالْمُهاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ .فالآية على هذا الوجه تنهى المؤمن عن المحافظة على اليمين إذا كانت هذه اليمين مانعة من فعل الخير.واللام في قوله: لِأَيْمانِكُمْ متعلق بعرضة، وقوله أَنْ تَبَرُّوا وَتَتَّقُوا وَتُصْلِحُوا مفعول لأجله أى: لا تجعلوا الحلف بالله سببا في الامتناع عن عمل البر والتقوى والإصلاح بين الناس.والمعنى على أن عرضة بمعنى النصبة التي تتعرض للسهام: لا تجعلوا- أيها المؤمنون- اسم الله- تعالى- هدفا لأيمانكم فتبتذلوه بكثرة الحلف به في كل حق وباطل، وذلك لأجل البر والتقوى والإصلاح بين الناس، فإن من شأن الذي يكثر الحلف أن تقل ثقة الناس به وبإيمانه، وقد ذم الله- تعالى- من يكثر الحلف بقوله وَلا تُطِعْ كُلَّ حَلَّافٍ مَهِينٍ وأمر بحفظ الأيمان فقال: وَاحْفَظُوا أَيْمانَكُمْ.قال الإمام الرازي: والحكمة في الأمر بتقليل الأيمان، أن من حلف في كل قليل وكثير بالله انطلق لسانه بذلك، ولا يبقى لليمين في قلبه وقع، فلا يؤمن إقدامه على اليمين الكاذبة، فيختل ما هو الغرض الأصلى في اليمين، وأيضا كلما كان الإنسان أكثر تعظيما لله. كان أكمل في العبودية، ومن كمال التعظيم أن يكون ذكر الله- تعالى- أجل وأعلا عنده من أن يستشهد به في غرض دنيوى، وأما قوله بعد ذلك أَنْ تَبَرُّوا فهو علة لهذا النهى. أى: إرادة أن تبروا والمعنى إنما نهيتم عن هذا- أى عن الإكثار من الحلف- لما أن توقى ذلك من البر والتقوى والإصلاح، فتكونون يا معشر المؤمنين بسبب عدم إكثاركم من الأيمان- بررة أتقياء مصلحين» .وهذا الوجه أيضا استحسنه كثير من العلماء، ولا تنافى بينهما لأن الله- تعالى- ينهانا عن أن نجعل القسم به مانعا من فعل الخير، كما ينهانا في الوقت نفسه عن أن نكثر من الحلف به في عظيم الأمور وحقيرها.ثم ختم- سبحانه- الآية بقوله: وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ أى: سميع لأقوالكم وأيمانكم عند النطق بها عليم بأحوالكم ونياتكم فحافظوا على ما أمركم به، وانتهوا عما نهاكم لتنالوا رضاه ومثوبته.
2:225
لَا یُؤَاخِذُكُمُ اللّٰهُ بِاللَّغْوِ فِیْۤ اَیْمَانِكُمْ وَ لٰكِنْ یُّؤَاخِذُكُمْ بِمَا كَسَبَتْ قُلُوْبُكُمْؕ-وَ اللّٰهُ غَفُوْرٌ حَلِیْمٌ(۲۲۵)
اور تمہیں نہیں پکڑ تا ان قسموں میں جو بے ارادہ زبان سے نکل جائے ہاں اس پر گرفت فرماتا ہے جو کام تمہارے دلوں نے کئے (ف۴۳۹) اور اللہ بخشنے والا حلم والا ہے،

وقوله- تعالى-: لا يُؤاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمانِكُمْ استئناف بيانى، لأن الآية السابقة لما أفادت النهى عن التسرع في الحلف، أو عن اتخاذ الأيمان حاجزا عن عمل الخير، كانت نفوس السامعين مشوقة إلى حكم اليمين التي تجرى على الألسنة بدون قصد.والمؤاخذة: مفاعلة من الأخذ بمعنى المحاسبة أو المعاقبة أو الإلزام بالوفاء بها.واللغو من الكلام: الساقط الذي لا يعتد به ولا يصدر عن فكر وروية مصدر لغا يلغو ويلغى.والمعنى: لا يعاقبكم الله- تعالى- ولا يلزمكم بكفارة ما صدر عنكم من الأيمان اللاغية فضلا منه- سبحانه- وكرما.واليمين اللغو هي التي لا يقصدها الحالف، بل تجرى على لسانه عادة من غير قصد، وقد ذكر العلماء صورا لها منها- كما يقول ابن كثير:ما رواه عطاء عن عائشة أنها قالت: «اللغو في اليمين هو كلام الرجل في بيته كلا والله وبلى والله» وفي رواية عن الزهري عن عروة عنها أنها قالت: «اللغو في اليمين هو ما يكون بين القوم يتدارءون في الأمر- أى يتناقشون ويتذاكرون فيه- فيقول هذا لا والله وبلى والله وكلا والله لا تعقد عليه قلوبهم» أى تجرى على ألسنتهم ألفاظ اليمين ولكن بدون قصد يمين: - ومنها ما جاء عن عروة عنها أنها كانت تتأول هذه الآية يعنى قوله- تعالى-: لا يُؤاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمانِكُمْ وتقول: هو الشيء يحلف عليه أحدكم لا يريد منه إلا الصدق فيكون على غير ما حلف عليه» .ثم بين- سبحانه- اليمين التي هي موضع المحاسبة والمعاقبة فقال: وَلكِنْ يُؤاخِذُكُمْ بِما كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ.أى: لا يؤاخذكم الله في اليمين التي لم تصدر عن روية وتفكير ولكن يؤاخذكم أى يعاقبكم في الآخرة بما قصدته قلوبكم وتعمدتم فيه الكذب في اليمين، بأن يحلف أحدكم على شيء كذب ليعتقد السامع صدقه، وتلك هي اليمين الغموس- أى التي تغمس صاحبها في النار- ويدخل فيها الأيمان التي يحلفها شهود الزور والكاذبون عند التقاضي ومن يشابههم في تعمد الكذب.ويرى جمهور العلماء أن هذه اليمين لا كفارة فيها وإنما كفارتها التوبة الصادقة ورد الحقوق إلى أصحابها إن ترتب على اليمين الكاذبة ضياع حق أو حكم بباطل.ويرى الإمام الشافعى أنه يجب فيها فوق ذلك الكفارة.والباء في قوله: بِما للسببية، وما مصدرية أى، لا يؤاخذكم باللغو ولكن يؤاخذكم بالكسب، أو موصولة والعائد محذوف أى ولكن يؤاخذكم بالذي كسبته قلوبكم.وقوله: وَاللَّهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ تذييل لتأكيد معنى عدم المؤاخذة في اللغو. أى والله غفور حيث لم يؤاخذكم باللغو حليم حيث لم يعاجل المخطئين بالعقوبة.
2:226
لِلَّذِیْنَ یُؤْلُوْنَ مِنْ نِّسَآىٕهِمْ تَرَبُّصُ اَرْبَعَةِ اَشْهُرٍۚ-فَاِنْ فَآءُوْ فَاِنَّ اللّٰهَ غَفُوْرٌ رَّحِیْمٌ(۲۲۶)
اور وہ جو قسم کھا بیٹھتے ہیں اپنی عورتوں کے پاس جانے کی انہیں چار مہینے کی مہلت ہے، پس اگر اس مدت میں پھر آئے تو اللہ بخشنے والا مہربان ہے

وبعد بيان هذه الأحكام في الأيمان العامة، عقب- سبحانه- ذلك ببيان حكم اليمين الخاصة فقال: لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَإِنْ فاؤُ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ.وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلاقَ فَإِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ. ويُؤْلُونَ: من الإيلاء مصدر آلى يؤالى ويؤلي إيلاء بمعنى حلف. قال الشاعر:قليل الألايا حافظ ليمينه ... وإن سبقت منه الألية برتوقد خص الإيلاء في الشرع بالحلف على ترك مباشرة الزوجة. وكانوا في الجاهلية يحلفون ألا يقربوا نساءهم السنة والأكثر إضرارا بهن.والتربص التلبث والانتظار والترقب. قال الشاعر:تربص بها ريب المنون لعلها ... تطلق يوما أو يموت حليلهاوفاؤُ معناه رجعوا. والفيء في اللغة هو رجوع الشيء إلى ما كان عليه من قبل، ولهذا قيل لما تزيله الشمس من الظل ثم يعود فيء. وقيل لما رده الله على المسلمين من مال المشركين فيء كأنه كان لهم فرجع إليهم.قال الشاعر:ففاءت ولم تقض الذي أقبلت له ... ومن حاجة الإنسان ما ليس قاضياوعَزَمُوا من العزم وهو عقد القلب على الشيء، والتصميم عليه. يقال عزم على الشيء يعزم عزما وعزيمة.. إذا عقد نيته عليه.والطَّلاقَ هو حل عقد النكاح الذي بين الرجل والمرأة، وأصله من الانطلاق، وهو الذهاب. يقال: طلقت المرأة تطلق- من باب نصر- طلاقا، إذا أصبحت مخلاة بدون رجل بعد أن كانت في عصمة رجل معين.قال الفخر الرازي: كان الرجل في الجاهلية لا يريد المرأة ولا يحب أن يتزوجها غيره، فيحلف أن لا يقربها، فكان يتركها بذلك لا أيما ولا ذات بعل والغرض منه مضارة المرأة. ثم إن أهل الإسلام كانوا يفعلون ذلك- أيضا- فأزال الله، تعالى- ذلك، وأمهل الزوج مدة حتى يتروى ويتأمل فإن رأى المصلحة في ترك هذه المضارة فعلها، وإن رأى المصلحة في المفارقة عن المرأة فارقها» .ومعنى الآيتين الكريمتين: أن الله- تعالى- جعل للذين يحلفون على ترك مباشرة أزواجهم مدة يراجعون فيها أنفسهم، وينتظرون فيها ما يستقر عليه أمرهم، وهذه المدة هي أربعة أشهر، فإن رجعوا عما حلفوا عليه من ترك مباشرة الزوجة، ورأوا أن المصلحة في الرجوع فإن الله- تعالى- يغفر لهم ما فرط منهم. وإن استمروا على ترك مباشرة نسائهم، وأصروا على ذلك بعد انقضائها فإن شرع الله- تعالى يحكم بالتفريق بينهما، لأن الحياة الزوجية لا تقوم على البغض والكراهية والهجران، وإنما تقوم على المحبة والمودة والرحمة.وقوله: لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ متعلق بمحذوف خبر مقدم. وتربص مبتدأ مؤخر، وقدم الخبر على المبتدأ للاهتمام بهذه التوسعة التي وسع الله بها عليهم، فهي مدة كافية لأن يراجع المرء فيها نفسه، ويعود إلى معاشرة زوجه خلالها.وعدى فعل الإيلاء بمن مع أن حقه أن يتعدى بعلى، لأنه تضمن هنا معنى البعد كأنه قال:للذين يؤلون متباعدين من نسائهم.ومِنْ نِسائِهِمْ على حذف المضاف، أو من إقامة العين مقام الفعل المقصود منه المبالغة أى، للذين يؤلون من مباشرة نسائهم.وأضيف التربص إلى الظرف أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ على الاتساع إذ الأصل تربصهن في أربعة أشهر. وقوله: فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ دليل الجواب. أى فإن فاؤا إلى زوجاتهم وحنثوا في أيمانهم التي حلفوها بالابتعاد عنهن، بأن كفروا عنها وتابوا إلى ربهم فحنثهم مغفور لهم لأنه- سبحانه- غفور لمن تاب من بعد ظلمه وأصلح، رحيم بعباده في كل أوامره وتكاليفه.
2:227
وَ اِنْ عَزَمُوا الطَّلَاقَ فَاِنَّ اللّٰهَ سَمِیْعٌ عَلِیْمٌ(۲۲۷)
اور اگر چھوڑ دینے کا ارادہ پکا کرلیا تو اللہ سنتا جانتا ہے(ف۴۴۰)

وجواب الشرط في قوله وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلاقَ محذوف والتقدير وإن عزموا الطلاق فقد وجب عليهم ما اعتزموه، والطلاق منصوب على نزع الخافض لأن عزم يتعدى بعلى.وفي قوله: فَإِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ وعيد شديد لمن يحلف على ترك مباشرة امرأته أو يمسكها بقصد إيذائها ومضارتها.أى فإن الله- تعالى- سميع لكل ما كان من الزوج الحالف، عليم بما يقع منه من مضار أو غيرها، وسيجزيه يوم القيامة بما يستحقه.قال القرطبي ما ملخصه: وقد جعل الله للزوج مدة أربعة أشهر في تأديب المرأة بالهجر، وقد آلى النبي صلّى الله عليه وسلّم من أزواجه شهرا تأديبا لهن- عند ما طالبنه بزيادة النفقة- وقد قيل: الأربعة الأشهر هي التي لا تستطيع أن تصبر عنه أكثر منها، وقد روى أن عمر بن الخطاب- رضي الله عنه- سأل بعض النساء عن مقدار صبر المرأة عن زوجها فقلن أربعة أشهر، فجعل عمر مدة الرجل في الغزو أربعة أشهر، فإذا مضت أربعة أشهر استرد الغازين ووجه بقوم آخرين، وهذا- والله أعلم- يقوى اختصاص مدة الإيلاء بأربعة أشهر» .وعلى أية حال فإن الطبائع تختلف في مثل هذه الأمور، والأربعة الأشهر مدة كافية ليختبر الرجل نفسه وميوله، فإما أن يعود إلى معاشرة زوجه بالطريقة التي شرعها الله، وإما أن تعاد إلى الزوجة حريتها بالطلاق، ليبدأ كلاهما حياة زوجية جديدة مع شخص آخر. فذلك أكرم للزوجة وأعف وأصون، وأنفع للرجل كذلك وأشرف. وقد اختار الله هذه المدة وهو الأعلم بحكمة اختياره فعلينا أن نتقبل ما شرعه لنا طائعين خاشعين.هذا وجمهور- العلماء على أن الطلاق لا يقع بانتهاء هذه المدة، وإنما بانتهائها يأمره الحاكم بالفيئة، فإن تقبل أمر الحاكم بالرضا أمهله مدة يمكنه الفيئة فيها، وإن لم يتقبله بالرضا أمره بالطلاق، فإن طلق فبها وإلا طلقها الحاكم منه.وعليه فإن الفاء في قوله- تعالى-: فَإِنْ فاؤُ لترتيب الحكم الذي يحصل بعد مدة التربص.وقال الأحناف إن الطلاق يقع بمجرد انتهاء هذه المدة وهي الأربعة الأشهر، والرجوع إنما يكون خلالها فلا زيادة فوقها، ويكفى في مراجعته لنفسه تلك المدة، وما دام لم يرجع إلى معاشرة امرأته خلالها فقد آثر فراقها، ولا يصح أن نعطيه أية مهلة من الوقت بعدها. وعليه تكون الفاء عندهم للتفصيل، أى تفصيل ما يحصل من الزوج في هذه المدة.وبذلك نرى أن هذه الآيات الكريمة قد نهت المسلّم عن اتخاذ الحلف بالله حاجزا بينه وبين فعل الخير، وأمرته بأن يحفظ لسانه عن الإكثار من الحلف بالله في الأمور الصغيرة والكبيرة، وحذرته من تعمد الأيمان الكاذبة التي تؤدى إلى غضب الله- تعالى- لأن اليمين الكاذبة الفاجرة من كبائر الذنوب، وحذرته كذلك من أن يهجر زوجته بقصد إيذائها والإضرار بها، لأن الحياة الزوجية يجب أن تقوم على المودة والرحمة، وأرشدته إلى أن أقصى مدة لهجر الزوجة بقصد تأديبها وعلاج اعوجاجها هي أربعة أشهر يراجع فيها نفسه، فإما أن يعود إليها ويكفر عن يمينه، وإما أن يقع بينهما الفراق وَإِنْ يَتَفَرَّقا يُغْنِ اللَّهُ كُلًّا مِنْ سَعَتِهِ.وبهذه الأحكام السامية يكون الإسلام قد شرع للرجل والمرأة ما ينفعهما ويصون كرامتهما، ويحفظ لهما حريتهما وحسن استمتاعهما بالحياة.ثم ساقت السورة في خمس آيات أحكام الطلاق، وفصلت أحواله، وبينت مراته، وذكرت ما ينبغي أن يكون عليه من عدل وتسامح حتى لا يقع ظلم أو جور على أحد الزوجين. استمع إلى القرآن الكريم وهو يبين ذلك بأسلوبه الحكيم المؤثر فيقول:
2:228
وَ الْمُطَلَّقٰتُ یَتَرَبَّصْنَ بِاَنْفُسِهِنَّ ثَلٰثَةَ قُرُوْٓءٍؕ-وَ لَا یَحِلُّ لَهُنَّ اَنْ یَّكْتُمْنَ مَا خَلَقَ اللّٰهُ فِیْۤ اَرْحَامِهِنَّ اِنْ كُنَّ یُؤْمِنَّ بِاللّٰهِ وَ الْیَوْمِ الْاٰخِرِؕ-وَ بُعُوْلَتُهُنَّ اَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِیْ ذٰلِكَ اِنْ اَرَادُوْۤا اِصْلَاحًاؕ-وَ لَهُنَّ مِثْلُ الَّذِیْ عَلَیْهِنَّ بِالْمَعْرُوْفِ۪-وَ لِلرِّجَالِ عَلَیْهِنَّ دَرَجَةٌؕ-وَ اللّٰهُ عَزِیْزٌ حَكِیْمٌ۠(۲۲۸)
اور طلاق والیاں اپنی جانوں کو روکے رہیں تین حیض تک (ف۴۴۱) اور انہیں حلال نہیں کہ چھپائیں وہ جو اللہ نے ان کے پیٹ میں پیدا کیا (ف۴۴۲) اگر اللہ اور قیامت پر ایمان رکھتی ہیں (ف۴۴۳) اور ان کے شوہروں کو اس مدت کے اندر ان کے پھیر لینے کا حق پہنچتا ہے اگر ملاپ چاہیں (ف۴۴۴) اور عورتوں کا بھی حق ایسا ہی ہے جیسا ان پر ہے شرع کے موافق (ف۴۴۵) اور مردوں کو ان پر فضیلت ہے، اور اللہ غالب حکمت والا ہے،

وقوله- تعالى-: وَالْمُطَلَّقاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ معطوف على ما قبله لشدة المناسبة، وللاتحاد في الحكم وهو التربص الذي سبقت الإشارة إليه في قوله لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ.والتربص: التأنى والتريث والانتظار.والقروء: جمع قرء- بضم القاف وفتحها-.قال الطبرسي: وأصله في اللغة يحتمل وجهين:أحدهما: الاجتماع ومنه القرآن لاجتماع حروفه.. فعلى هذا يقال أقرأت المرأة فهي مقرئ إذا حاضت، وذلك لاجتماع الدم في الرحم.والوجه الثاني: أن أصل القرء الوقت الجاري في الفعل على عادة، يقال: هذا قارئ الرياح أى وقت هبوبها» .والمعنى: أن على المطلقات أن تمكث إحداهن بعد طلاق زوجها لها ثلاثة قروء بدون نكاح ثم لها أن تتزوج بعد ذلك إن شاءت.والمراد بالمطلقات هنا المدخول بهن من ذوات الحيض غير الحوامل، لأن غيرهن قد بين الله- تعالى- عدتهن في مواضع أخرى.والمتوفى عنها زوجها بين الله عدتها بقوله: وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْواجاً يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْراً .ومن لا يحضن ليأس من الحيض، أو لأنهن لم يرين الحيض فقد بين الله- تعالى- عدتهن بقوله: وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلاثَةُ أَشْهُرٍ، وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ أى: واللائي لم يحضن فعدتهن كذلك ثلاثة أشهر.وذوات الحمل بين الله- تعالى- عدتهن بقوله: وَأُولاتُ الْأَحْمالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ .وغير المدخول بها لا عدة عليها لقوله- تعالى-: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِناتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَما لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَها .وقوله: يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ جملة خبرية اللفظ إنشائية المعنى أى «ليتربصن» وإخراج الأمر في صورة الخبر- كما يقول الزمخشري- «تأكيد للأمر، وإشعار بأنه مما يجب أن يتلقى بالمسارعة إلى امتثاله، فكأنهن امتثلن الأمر بالتربص. فهو يخبر عنه موجودا. ونحوه قولهم في الدعاء: «رحمك الله» أخرج في صورة الخبر ثقة بالاستجابة. كأنما وجدت الرحمة فهو يخبر عنها وبناؤه على المبتدأ مما زاده أيضا فضل توكيد. ولو قيل: «ويتربص المطلقات» لم يكن بتلك الوكادة» .وفي قوله- تعالى-: وَالْمُطَلَّقاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ما فيه من الإبداع في الإشارة والنزاهة في العبارة والسمو في المعنى، وذلك لأن المرأة المطلقة كثيرا ما تشعر بعد طلاقها بأنها في حاجة إلى أن تثبت أن إخفاقها في حياتها الزوجية السابقة ليس لنقص فيها، أو لعجز عن إنشاء حياة زوجية أخرى، وهذا الشعور قد يدفعها إلى التسرع والاندفاع من أجل إنشاء هذه الحياة، وهنا تبرز طريقة القرآن الحكيمة في معالجة النفوس، إنه يقول للمطلقة: إن التطلع إلى إنشاء حياة زوجية أخرى ليس عيبا، ولكن الكرامة توجب عليها الانتظار والتريث، إذ لا يليق بالحرة الكريمة أن تتنقل بين الأزواج تنقلا سريعا.. وأيضا فإن نداء الفطرة، وتعاليم الشريعة توجبان عليها الانتظار مدة ثلاثة قروء، لكي تستبرئ رحمها، حتى إذا كان هناك حمل نسب إلى الأب الشرعي له.وفي قوله- تعالى-: يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ إشعار بأن هذا التربص يجب أن يكون من ذات أنفسهن وليس من عامل خارجى، فشأن الحرة الكريمة المؤمنة أن تحجز نفسها بنفسها عن كل ما يتنافى مع الكرامة والشرف، فقد تجوع الحرة ولكنها لا تأكل بثديها- كما يقولون-.وقد أشار صاحب الكشاف إلى المعنى بقوله: فإن قلت وما معنى ذكر الأنفس- هنا-؟قلت: في ذكر الأنفس تهييج لهن على التربص وزيادة بعث، لأن فيه ما يستنكفن منه فيحملهن على أن يتربصن. وذلك أن أنفس النساء طوامح إلى الرجال. فأمرن أن يقمعن أنفسهن، ويغلبنها على الطموح، ويجبرنها على التربص» .وقوله- تعالى-: ثَلاثَةَ قُرُوءٍ نصب ثلاثة على النيابة عن المفعول فيه، لأن الكلام على تقدير مضاف، أى مدة ثلاثة قروء. فلما حذف المضاف خلفه المضاف إليه في الإعراب.هذا وللعلماء رأيان شهيران في المراد بقوله- تعالى-: ثَلاثَةَ قُرُوءٍ.فالأحناف والحنابلة ومن قبلهم عمر وعلى وابن مسعود وغيرهم يرون أن المراد بالقروء هنا الحيضات والمعنى عندهم: أن المطلقات عليهن أن يمكثن بعد طلاقهن من أزواجهن مدة ثلاث حيضات بدون زواج ثم بعد ذلك لهن أن يتزوجن إن شئن.ومن أدلتهم: ان النبي صلّى الله عليه وسلّم قد فسر القرء بمعنى الحيض فقد جاء في الحديث الذي رواه أبو داود والنسائي عن فاطمة بنت أبى حبيش أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال لها: «دعى الصلاة أيام أقرائك» .ولا شك أن المراد بالقرء في هذا الحديث الحيض، لأنه هو الذي لا تصح معه الصلاة.أما المالكية والشافعية ومن قبلهم عائشة وعبد الله بن عمر وزيد بن ثابت والزهري وغيرهم فيرون أن المراد بالقروء هنا الأطهار، أى الأوقات التي تكون بين الحيضتين للنساء.ومعنى الآية عندهم: أن على المطلقات أن يمكثن بعد طلاقهن من أزواجهن ثلاثة أطهار بدون زواج ثم بعد ذلك يتزوجن إذا شئن.ومن أدلتهم: أن الله- تعالى- يقول: فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وقد بينت السنة النبوية أن الطلاق لا يكون في الحيض، فلا يتصور أن يكون الطلاق في العدة إلا إذا فسرنا القرء بالطهر لا بالحيض. وروى عن عائشة أنها قالت: هل تدرون الأقراء؟ الأقراء الأطهار .قال صاحب المنار قال الأستاذ الإمام: والخطب في الخلاف سهل، لأن المقصود من هذا التربص العلم ببراءة الرحم من الزوج السابق، وهو يحصل بثلاث حيض كما يحصل بثلاث أطهار.. ومن النادر أن يستمر الحيض إلى آخر الحمل فكل من القولين موافق لحكمة الشرع في المسألة .ثم قال- تعالى-: وَلا يَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ يَكْتُمْنَ ما خَلَقَ اللَّهُ فِي أَرْحامِهِنَّ. أى: ولا يحل للنساء المطلقات أن يكتمن أمانة الله التي خلقها في أرحامهن من ولد لكي ينسبنه إلى غير أبيه، أو من حيض أو طهر لكي تطول العدة، ويمتد الإنفاق من الأزواج عليهن. فإن هذا الكتمان كذب على الله، وخيانة للأمانة التي أودعها الله في أحشائهن وأمرهن بالوفاء بها، سيحاسب الله من يفعل ذلك منهن حسابا شديدا، ويعاقبه عقابا أليما.وقوله: إِنْ كُنَّ يُؤْمِنَّ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ تحريض لهن على عدم الكتمان وعلى الاخبار الصادق حتى تستقيم الأحكام، وتتقرر الحقوق، وتحذير لهن من الكتمان ومن اتباع الهوى والشيطان أى: أن على المطلقات ألا يكتمن ما خلق الله في أرحامهن إن جرين على ما يقتضيه الإيمان، إذ الإيمان يبعث على الصدق ويدعو إلى المحافظة على الأمانة، فإن لم يفعلن ذلك وكتمن ما خلق الله في أرحامهن، كن ممن لا يؤمن بالله ولا باليوم الآخر إيمانا حقيقيا، لأن من شأن المؤمنات الكاملات في إيمانهن ألا يفعلن ذلك.قال الإمام الرازي: أما قوله إِنْ كُنَّ يُؤْمِنَّ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فليس المراد أن ذلك النهى- عن الكتمان- مشروط بكونها مؤمنة، بل هذا كما تقول للرجل الذي يظلم: إن كنت مؤمنا فلا تظلم. تريد إن كنت مؤمنا فينبغي أن يمنعك إيمانك عن ظلمي، ولا شك أن هذا تهديد شديد للنساء.. والآية دالة على أن كل من جعل أمينا في شيء فخان فيه فأمره عند الله شديد» .هذا، وقد قرر الفقهاء أن القول فيما يتعلق بعدة المرأة ابتداء وانتهاء مرجعه إليها، لأنه أمر يتعلق بها ولا يعلم إلا من جهتها، إلا أنهم مع ذلك قرروا مدة ينتهى قولها عنده، ولا يعمل بقولها إن نقصت عن تلك المدة. فلو ادعت- أنها قد انقضت عدتها بعد شهر من طلاقها لا يقبل قولها.وللفقهاء كلام طويل في هذه المسألة مبسوط في كتب الفقه فليرجع إليه من شاء ذلك.ثم قال- تعالى-: وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذلِكَ إِنْ أَرادُوا إِصْلاحاً.قال القرطبي: البعولة جمع البعل وهو الزوج، سمى بعلا لعلوه على الزوجة بما قد ملكه من زوجيتها، ومنه قوله- تعالى-: أَتَدْعُونَ بَعْلًا أى ربا، لعلوه في الربوبية.. والبعولة أيضا مصدر البعل. وبعل الرجل بيعل- كمنع يمنع- أى صار بعلا. والمباعلة والبعال: الجماع، ومنه قوله صلّى الله عليه وسلّم لأيام التشريق: «إنها أيام أكل وشرب وبعال» .والمعنى: وأزواج المطلقات طلاقا رجعيا أحق بردهن ومراجعتهن في ذلِكَ أى في وقت التربص قبل انقضاء العدة إِنْ أَرادُوا إِصْلاحاً أى إن أرادوا بهذه المراجعة الإصلاح لا الإضرار، كما سيأتى في قوله- تعالى-: وَإِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَلا تُمْسِكُوهُنَّ ضِراراً لِتَعْتَدُوا.قال القرطبي: وأجمع العلماء على أن الحر إذا طلق زوجته الحرة وكانت مدخولا بها تطليقة أو تطليقتين، أنه أحق برجعتها ما لم تنقض عدتها وإن كرهت المرأة، فإن لم يراجعها المطلق حتى انقضت عدتها فهي أحق بنفسها وتصير أجنبية منه، ولا تحل له إلا بخطبة ونكاح مستأنف بولي وإشهاد ليس على صفة المراجعة، وهذا اجماع من العلماء» .وفي هذه الجملة الكريمة بيان لبعض الحكم السامية التي أرادها الله- تعالى- من وراء مشروعية العدة. فالله- تعالى- جعل للمطلق فرصة- هي مدة ثلاثة قروء- لكي يراجع نفسه، ويتدبر أمره، لعله خلال هذه المراجعة وذلك التدبر يرى أن الخير في بقاء زوجته معه فيراجعها، رعاية لرابطة المودة والرحمة التي جعلها الله- تعالى- بين الزوجين.وقوله- تعالى-: إِنْ أَرادُوا إِصْلاحاً شرط المقصود منه حض المطلق على أن ينوى بإرجاعه لمطلقته إصلاح أحوالهما، بإرشادها إلى ما من شأنه أن يجعل حياتهما الزوجية مستمرة لا منقطعة، أما إذا راجعها على نية الكيد والأذى والمضارة ففي هذه الحالة يكون آثما وسيعاقبه الله على ذلك بما يستحقه.قال الآلوسى: وليس المراد من التعليق اشتراط جواز الرجعة بإرادة الإصلاح حتى لو لم يكن قصده لا تجوز، للاجتماع على جوازها مطلقا، بل المراد تحريضهم على قصد الإصلاح حيث جعل كأنه منوط به ينتفى بانتفائه» .ثم ختم- سبحانه- الآية بقوله: وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ.أى: وللنساء على الرجال مثل ما للرجال على النساء. فليؤد كل واحد منهما إلى الآخر ما يجب عليه نحوه بالمعروف.والمراد بالمماثلة- كما يقول الآلوسى- المماثلة في الوجوب لا في جنس الفعل، فلا يجب عليه إذا غسلت ثيابه أو خبزت له أن يفعل لها مثل ذلك، ولكن يقابله بما يليق بالرجال» .أى أن الحقوق والواجبات بينهما متبادلة، وأنهما متماثلان في أن كل واحد منهما عليه أن يؤدى نحو صاحبه ما يجب عليه بالمعروف أى بما عرفته الطباع السليمة ولم تنكره، ووافق ما أوجبه الله على كل منهما في شريعته. فالباء في قوله بِالْمَعْرُوفِ للملابسة.وقد بين النبي صلّى الله عليه وسلّم في أحاديث متعددة حقوق الرجال على النساء، وحقوق النساء على الرجال، ومن ذلك ما أخرجه مسلّم في صحيحه عن جابر بن عبد الله أن رسول صلّى الله عليه وسلّم قال في خطبته في حجة الوداع: اتقوا الله في النساء فإنكم أخذتموهن بأمانة الله. واستحللتم فروجهن بكلمة الله ولكم عليهن أن لا يوطئن فرشكم أحدا تكرهونه. فإن فعلن ذلك فاضربوهن ضربا غير مبرح، ولهن رزقهن وكسوتهن بالمعروف» .وروى الشيخان عن أبى هريرة أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: لا يحل لا مرأة أن تصوم وزوجها شاهد إلا بإذنه، ولا تأذن في بيته إلا بإذنه» وأخرج أبو داود عن معاوية بن حيدة قال: قلت يا رسول الله، ما حق زوجة أحدنا عليه؟قال: أن تطعمها إذا طعمت، وتكسوها إذا اكتسيت، ولا تضرب الوجه، ولا تقبح، ولا تهجر إلا في البيت» .ولقد قام السلف الصالح بأداء هذه الحقوق على أحسن وجه فقد روى عن ابن عباس أنه قال: إنى لأحب أن أتزين لامرأتى كما تتزين لي لأن الله. تعالى- يقول: وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ.أى: أن يحب أن يؤنسها وأن يدخل السرور على قلبها كما أنها هي تحب أن تفعل له ذلك.ولكن لا يفهم أحد أن المراد بهذا المثلية المساواة من كل الوجوه قال- تعالى-: وَلِلرِّجالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ والرجال: جمع رجل. يقال: رجل بين الرجلة أى القوة. وهو أرجل الرجلين أى أقواهما. وفرس رجيل أى قوى على المشي. وارتجل الكلام أى قوى عليه من غير حاجة فيه إلى فكرة وروية، وترجل النهار أى قوى ضياؤه. فأصل كلمة الرجل مأخوذة من الرجولية بمعنى القوة.والدرجة في الأصل: ما يرتقى عليه من سلّم ونحوه، والمراد بها هنا المزية والزيادة أى: لهن عليهم مثل الذي لهم عليهن، وللرجال على النساء مزية وزيادة في الحق، بسبب حمايتهم لهن، وقيامهم بشئونهن ونفقتهن وغير ذلك من واجبات.قال بعض العلماء: وإذا كانت الأسرة لا تتكون إلا من ازدواج هذين العنصرين- الرجل والمرأة- فلا بد أن يشرف على تهذيب الأسرة ويقوم على تربية ناشئتها وتوزيع الحقوق والواجبات فيها أحد العنصرين. وقد نظر الإسلام إلى هذا الأمر نظرة عادلة، فوجد أن الرجل أملك لزمام نفسه، وأقدر على ضبط حسه، ووجده الذي أقام البيت بماله وأن انهياره خراب عليه فجعل له الرياسة، ولذا قال- سبحانه-: الرِّجالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّساءِ بِما فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلى بَعْضٍ وَبِما أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوالِهِمْ....هذه هي الدرجة التي جعلها الإسلام للرجل، وهي درجة تجعل له حقوقا وتجعل عليه واجبات أكثر، فهي موائمة كل المواءمة لصدر الآية، فإذا كان للرجل فضل درجة فعليه فضل واجب» .وقوله: وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ أى غالب في انتقامه ممن عصاه، حكيم في أمره وشرعه وسائر ما يكلف به عباده. فعلى الرجل والمرأة أن يطلبا عزهما فيما شرعه الله فهو الملجأ والمعاذ لكل ذي حق مهضوم، وعليهما كذلك أن يتمسكا بما كلفهما به، لأنه ما كلفهما إلا بما تقتضيه الحكمة، ويؤيده العقل السليم.
2:229
اَلطَّلَاقُ مَرَّتٰنِ۪-فَاِمْسَاكٌۢ بِمَعْرُوْفٍ اَوْ تَسْرِیْحٌۢ بِاِحْسَانٍؕ-وَ لَا یَحِلُّ لَكُمْ اَنْ تَاْخُذُوْا مِمَّاۤ اٰتَیْتُمُوْهُنَّ شَیْــٴًـا اِلَّاۤ اَنْ یَّخَافَاۤ اَلَّا یُقِیْمَا حُدُوْدَ اللّٰهِؕ-فَاِنْ خِفْتُمْ اَلَّا یُقِیْمَا حُدُوْدَ اللّٰهِۙ-فَلَا جُنَاحَ عَلَیْهِمَا فِیْمَا افْتَدَتْ بِهٖؕ-تِلْكَ حُدُوْدُ اللّٰهِ فَلَا تَعْتَدُوْهَاۚ-وَ مَنْ یَّتَعَدَّ حُدُوْدَ اللّٰهِ فَاُولٰٓىٕكَ هُمُ الظّٰلِمُوْنَ(۲۲۹)
یہ طلاق (ف۴۴۶) دو بار تک ہے پھر بھلائی کے ساتھ روک لینا ہے (ف۴۴۷) یا نکوئی (اچھے سلوک) کے ساتھ چھوڑ دینا ہے (ف۴۴۸) اور تمہیں روا نہیں کہ جو کچھ عورتوں کو دیا (ف۴۴۹) اس میں سے کچھ واپس لو (ف۴۵۰) مگر جب دونوں کو اندیشہ ہو کہ اللہ کی حدیں قائم نہ کریں گے (ف۴۵۱) پھر اگر تمہیں خوف ہو کہ وہ دونوں ٹھیک انہیں حدوں پر نہ رہیں گے تو ان پر کچھ گناہ نہیں اس میں جو بدلہ دے کر عورت چھٹی لے، (ف۴۵۲) یہ اللہ کی حدیں ہیں ان سے آگے نہ بڑھو اور جو اللہ کی حدوں سے آگے بڑھے تو وہی لوگ ظالم ہیں،

وبعد أن بين- سبحانه- في هذه الآية شرعية الطلاق ومداه إذا طلق الرجل امرأته المدخول بها طلقة رجعية، ووضع المنهاج العادل الذي يجب أن يتبعه الرجال والنساء.. بعد أن بين ذلك أتبعه ببيان الحد الذي ينتهى عنده ما للرجل من حق المراجعة فقال- تعالى-: الطَّلاقُ مَرَّتانِ فَإِمْساكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسانٍ.قال الإمام ابن كثير: هذه الآية رافعة لما كان عليه الأمر في ابتداء الإسلام: من أن الرجل كان أحق برجعة امرأته وإن طلقها مائة مرة ما دامت في العدة، فلما كان هذا فيه ضرر على الزوجات، قصرهم الله- تعالى- على ثلاث طلقات، وأباح الرجعة في المرة والثنتين، وأبانها بالكلية في الثالثة فقال: الطلاق مرتان ... الآية.وروى ابن أبى حاتم عن هشام بن عروة عن أبيه أن رجلا قال لامرأته: لا أطلقك أبدا ولا آويك أبدا. قالت: وكيف ذلك؟ قال: أطلق حتى إذا دنا أجلك- أى قاربت عدتك أن تنتهي- راجعتك. فأتت المرأة إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فذكرت له ذلك فأنزل الله- تعالى-:الطَّلاقُ مَرَّتانِ- الآية.والطلاق- كما يقول القرطبي- هو حل العصمة المنعقدة بين الأزواج بألفاظ مخصوصة.وأل في قوله: الطَّلاقُ مَرَّتانِ للعهد الذكرى.أى: الطلاق الرجعى المشار إليه في قوله- تعالى-: وَالْمُطَلَّقاتُ يَتَرَبَّصْنَ مرتان، وأمر المطلق بعد إحدى هاتين الطلقتين يدور بين حالتين إما إمساك بمعروف بمعنى أن يراجعها على نية الإبقاء على العلاقة الزوجية، والمعاملة الحسنة وإما تسريح بإحسان بمعنى أن يتركها حتى تنتهي عدتها، ويطلق سراحها بدون ظلم أو إساءة إليها، كما قال- تعالى-: وَسَرِّحُوهُنَّ سَراحاً جَمِيلًا.قال القرطبي: والتسريح: إرسال الشيء، ومنه تسريح الشعر ليخلص البعض من البعض، وسرح الماشية أرسلها..»وعلى هذا التفسير يكون المراد بالطلاق في الآية الطلاق الرجعى وبالمرتين حقيقة التثنية، ويكون وقت الإمساك أو التسريح هو ما بعد الطلقة الأولى أو الثانية بصفة خاصة، وفي كل الأوقات بصفة عامة. وعلى هذا التفسير سار كثير من العلماء.ويرى بعضهم أن المراد بالطلاق في الآية الطلاق الشرعي، وبالمرتين التكرار لا العدد، وأن المراد من التسريح بالإحسان هو الطلقة الثالثة، أى بعد الطلقتين الأوليين يتروى في الأمر فيمسك بالمعروف أو يطلق الطلقة الثالثة. وقد ذكر هذا الرأى صاحب الكشاف فقال:الطَّلاقُ بمعنى التطليق كالسلام بمعنى التسليم، أى التطليق الشرعي تطليقة بعد تطليقة على التفريق دون الجمع والإرسال دفعة واحدة، ولم يرد بالمرتين التثنية ولكن التكرير، كقوله «ثم ارجع البصر كرتين» أى كرة بعد كرة لا كرتين اثنتين، ونحو ذلك من التثانى التي يراد بها التكرير كقولهم: لبيك وسعديك.. وقوله: فَإِمْساكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسانٍ تخيير لهم بعد أن علمهم كيف يطلقون بين أن يمسكوا النساء بحسن العشرة وبين أن يسرحوهن السراح الجميل الذي علمهم إياه.. وروى أن سائلا سأل النبي صلّى الله عليه وسلّم أرأيت قول الله- تعالى-:الطَّلاقُ مَرَّتانِ فأين الثالثة، فقال صلّى الله عليه وسلّم «التسريح بإحسان» .والفاء في قوله- تعالى-: فَإِمْساكٌ.. للتفريع، وإمساك خبر لمبتدأ محذوف والتقدير:فالشأن أو فالأمر إمساك بمعروف أو تسريح بإحسان.قال الفخر الرازي: والحكمة في إثبات حق الرجعة: أن الإنسان ما دام يكون مع صاحبه لا يدرى أنه هل تشق عليه مفارقته أولا؟ فإذا فارقه فعند ذلك يظهر، فلو جعل الله- تعالى- الطلقة الواحدة مانعة من الرجوع لعظمت المشقة على الإنسان بتقدير أن يظهر المحبة بعد المفارقة، ثم لما كان كمال التجربة لا يحصل بالمرة الواحدة، فلا جرم أثبت- سبحانه- حق المراجعة بعد المفارقة مرتين، وعند ذلك يكون قد جرب الإنسان نفسه في تلك المفارقة مرتين وعرف حال قلبه في ذلك الباب. فإن كان الأصلح إمساكها راجعها وأمسكها بالمعروف، وإن كان الأصلح له تسريحها سرحها على أحسن الوجوه، وهذا التدريج والترتيب يدل على كمال رحمته ورأفته بعباده» .هذا، ويرى بعض العلماء كابن تيمية وابن القيم أن الرجل إذا أوقع الطلاق دفعة واحدة،بأن قال لزوجته أنت طالق ثلاث مرات، فطلاقه لا يكون إلا طلقة واحدة، لأن اقتران الطلاق بكلمة ثلاثا لا يجعله ثلاث مرات بل هو مرة واحدة كمن يقول: أحلف بالله ثلاثا فهو يمين واحدة.ويرى الأئمة الأربعة أن طلاق هذا الرجل في مثل هذه الصورة يقع ثلاثا، لأنهم يرون أن الطلاق المقترن بالعدد لفظا أو إشارة يكون ثلاثا أو اثنين على حسب ما اقترن به. ولأن عمر- رضي الله عنه- أفتى بذلك. فقد أخرج مسلّم وأبو داود والنسائي والحاكم عن ابن عباس قال: «كان الطلاق الثلاث على عهد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وعلى عهد أبى بكر، وسنتين من خلافة عمر واحدة، فقال عمر: إن الناس قد استعجلوا في أمر لهم فيه أناة فلو أمضيناه عليهم» فأمضاه.وهذه المسألة مبسوطة بأدلتها في كتب الفقه وبعض كتب التفسير.ثم قال- تعالى-: وَلا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئاً إِلَّا أَنْ يَخافا أَلَّا يُقِيما حُدُودَ اللَّهِ، فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيما حُدُودَ اللَّهِ فَلا جُناحَ عَلَيْهِما فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ.قال الراغب: الخوف: توقع مكروه عن أمارة مظنونة أو معلومة، كما أن الرجاء والطمع توقع محبوب عن أمارة مظنونة أو معلومة. ويضاد الخوف الأمن..» .والجناح: الإثم من جنح بمعنى مال عن القصد- وسمى الآثم به للميل فيه من الحق إلى الباطل-. يقال جنحت السفينة أى مالت إلى أحد جانبيها. والافتداء: تخليص النفس بمال يبذل لتخليصها ودفع الأذى عنها. وأصله من الفدى والفداء بمعنى حفظ الإنسان نفسه عن الشدة بما يبذله من أجل ذلك .والمعنى: ولا يجوز لكم أيها المطلقون أن تأخذوا من زوجاتكم في مقابلة الطلاق شيئا مما أعطيتموهن من صداق أو من غيره من أموال، لأن هذا الأخذ يكون من باب الظلم الذي نهى الله عنه، وليس من باب العدل الذي أمر الله به.ثم استثنى- سبحانه- صورة يجوز فيها الأخذ فقال: إِلَّا أَنْ يَخافا. إلخ أى: لا يجوز لكم أن تأخذوا في حالة من الأحوال إلا في حالة أن يخاف الزوجان كلاهما أو أحدهما ألا يقيما حدود الله ففي هذه الحالة يجوز الأخذ وحدود الله هي ما أوجبه- سبحانه للرجل على زوجته.ولها عليه.ثم خاطب- سبحانه- الحكام وجماعة المؤمنين المتوسطين للإصلاح بين الزوجين فقال:فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيما أى الزوجان حُدُودَ اللَّهِ التي حدها لهم وأمرهم باتباعها في حياتهم الزوجية «فلا جناح عليهما فيما افتدت به» أى: فلا إثم على الزوج في أخذ ما أعطته له الزوجة من مال مقابل انفصالها عنه، ولا إثم عليها كذلك في هذا الإعطاء، لأنهما ما داما قد وصلا إلى هذه الحالة من التنافر، وما دامت الزوجة قد أصبحت تفضل أن تعطيه من المال ما تفدى به نفسها من البقاء في عصمته، ما داما قد أصبحا كذلك. فوقوع الفراق بينهما أولى وأجدى وَإِنْ يَتَفَرَّقا يُغْنِ اللَّهُ كُلًّا مِنْ سَعَتِهِ قال صاحب الكشاف: فإن قلت: لمن الخطاب في قوله: وَلا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا إن قلت: إنه للأزواج لم يطابقه قوله: فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيما حُدُودَ اللَّهِ وإن قلت إنه للأئمة والحكام فهؤلاء ليسوا بآخذين منهن ولا بمؤتيهن؟ قلت: يجوز الأمران جميعا: أن يكون أول الخطاب للأزواج وآخره للأئمة والحكام، ونحو ذلك غير عزيز في القرآن وغيره. ويجوز الخطاب كله للائمة والحكام، لأنهم الذين يأمرون بالأخذ والإيتاء عند الترافع إليهم فكأنهم الآخذون والمؤتون» .والمراد بقوله: مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ أى من المهور وتخصيصها بالذكر وإن شاركها في الحكم سائر أموالهن إما لرعاية العادة وإما للتنبيه على أنه إذا لم يحل لهم أن يأخذوا مما أعطوهن في مقابلة البضع عند خروجه عن ملكهم فلأن لا يحل لهم أن يأخذوا مما لا تعلق له بالبضع أولى وأحرى.وقوله: شَيْئاً مفعول به لتأخذوا. التنوين للتقليل أى: لا يحل لكم أن تأخذوا مما آتيتموهن شيئا ولو كان المأخوذ شيئا غاية في القلة، لأن هذا الأخذ يجافي الإحسان الذي أمرتم به. وقريب من هذه الآية في النهى عن الأخذ قوله- تعالى-:وَإِنْ أَرَدْتُمُ اسْتِبْدالَ زَوْجٍ مَكانَ زَوْجٍ وَآتَيْتُمْ إِحْداهُنَّ قِنْطاراً فَلا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئاً، أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتاناً وَإِثْماً مُبِيناً.وأن والفعل في قوله إِلَّا أَنْ يَخافا في موضع نصب على الحال أى إلا خائفين.وقوله: أَلَّا يُقِيما في موضع نصب على المفعول به ليخافا والتقدير إلا أن يخافا ترك حدود الله.وهذه الآية قد اعتبرها العلماء أصلا في جواز الخلع.قال ابن كثير: وقد ذكر ابن جرير: أن هذه الآية نزلت في شأن ثابت بن قيس، ففي صحيح البخاري عن ابن عباس: أن امرأة ثابت بن قيس أتت النبي صلّى الله عليه وسلّم فقالت: يا رسول الله إن زوجي ثابت بن قيس- ما أعيب عليه في خلق ولا دين، ولكن أكره الكفر في الإسلام- أى أكره عدم الوفاء بحقه لبغضي له-. فقال لها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أتردين عليه حديقته؟ - وهي المهر الذي أمهرها- قالت: نعم، قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لثابت: اقبل الحديقة وطلقها تطليقة».قالوا: ففرق رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بينهما بطريق الخلع فكان أول خلع في الإسلام.ثم ختم- سبحانه- الآية بقوله: تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلا تَعْتَدُوها وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ.أى: تلك الأحكام العظيمة الحكيمة المتقدمة التي بينتها لكم في شأن الطلاق والرجعة والخلع وغير ذلك حدود الله التي حدها، فلا يجوز لكم أن أن تخالفوها، ومن يتعد هذه الحدود فأولئك هم الظالمون لأنفسهم بتعريضها لسخط الله وعقابه.وكانت الإشارة للبعيد تِلْكَ لبيان سمو قدر هذه الأحكام، وعظم منزلتها، وجلال ما فيها من مصالح واضحة لأصحاب العقول السليمة.وسميت هذه الأحكام حدودا للإشارة إلى أنها فواصل بين الحق والباطل، والظلم والعدل والمنفعة والمضرة. إذ الحد هو الحاجز بين الشيئين الذي يمنع اختلاط أحدهما بالآخر. يقال:حددت كذا أى جعلت له حدا يميزه. وحد الدار ما تتميز به عن غيرها..وفي إضافة هذه الحدود إليه- سبحانه- إشعار بأن مخالفتها إنما هي مخالفة له- سبحانه- وأن هذه الحدود لا يتطرق إليها الريب لأنها صادرة من العليم الخبير الذي أحسن كل شيء خلقه.والفاء في قوله: فَلا تَعْتَدُوها للتفريع أى: إذا كانت هذه الأحكام حدود الله فلا يصح لكم أن تتجاوزوها لأن تجاوزها يؤدى إلى سوء العقبى.وعبر في قوله: فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ بفاء السببية وباسم الإشارة وبضمير الفصل وبالجملة الاسمية لتأكيد معنى السببية وللإشارة إلى أن الظلم شأن من شئونهم وصفة يتميزون بها عن غيرهم.وقد جاء- سبحانه- بكل هذه المؤكدات في تلك الجملة الكريمة لكبح جماح غرور الإنسان، وتحذيره من الانقياد لهواه وأوهامه، فكثيرا ما يتوهم بعض الناس أن أحكام الله ليست ملائمة لمقتضى الزمان الذي يعيشون فيه، ويحاولون إخضاع شرع الله- تعالى-لمصالحهم وشهواتهم، أو يتركون ما شرعه الله بتلك الحجة الواهية الساقطة. وأنت ترى هنا أن القرآن قال: تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلا تَعْتَدُوها ... بينما قال هناك في ختام آية الصوم تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلا تَقْرَبُوها.. وذلك لأن الكلام هنا في شأن الأسرة وما يسودها أحيانا من خلافات، واصطدامات، واضطرابات.. والخشية هنا إنما هي من تعدى هذه الحدود التي حدها الله في أى مرة من مرات هذا الخلاف.. فجاء التحذير من التعدي لا من المقاربة، بينما هناك كان الحديث عن محظورات مشتهاة مستلذة تريدها النفس لترضى شهوتي البطن والفرج، فجاء التحذير من مجرد الاقتراب من هذه الحدود التي حدها الله اتقاء لضعف الإرادة أمام جاذبيتها.فسبحان من هذا كلامه وَلَوْ كانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً.
2:230
فَاِنْ طَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ لَهٗ مِنْۢ بَعْدُ حَتّٰى تَنْكِحَ زَوْجًا غَیْرَهٗؕ-فَاِنْ طَلَّقَهَا فَلَا جُنَاحَ عَلَیْهِمَاۤ اَنْ یَّتَرَاجَعَاۤ اِنْ ظَنَّاۤ اَنْ یُّقِیْمَا حُدُوْدَ اللّٰهِؕ-وَ تِلْكَ حُدُوْدُ اللّٰهِ یُبَیِّنُهَا لِقَوْمٍ یَّعْلَمُوْنَ(۲۳۰)
پھر اگر تیسری طلاق اسے دی تو اب وہ عورت اسے حلال نہ ہوگی جب تک دوسرے خاوند کے پاس نہ رہے، (ف۴۵۳) پھر وہ دوسرا اگر اسے طلاق دے دے تو ان دونوں پر گناہ نہیں کہ پھر آپس میں مل جائیں (ف۴۵۴) اگر سمجھتے ہوں کہ اللہ کی حدیں نباہیں گے، اور یہ اللہ کی حدیں ہیں جنہیں بیان کرتا ہے دانش مندوں کے لئے،

ثم بين- سبحانه- أحكام الطلاق المكمل للثلاث، بعد بيانه لأحكام الطلاق الرجعى وأحكام الخلع فقال- تعالى-: فَإِنْ طَلَّقَها فَلا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ.أى: فإن طلق الرجل زوجته طلقة ثالثة بعد الطلقتين اللتين أباح الله له مراجعتها بعد كل منهما في أثناء العدة، فإنه في هذه الحالة تكون زوجته محرمة عليه، ولا تحل له حتى تنكح زوجا غيره نكاحا شرعيا صحيحا، بأن يدخل بها، ويباشرها مباشرة شرعية كما يباشر الأزواج زوجاتهم.فالمراد بالنكاح في قوله تعالى حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ الزواج بشخص آخر يدخل بها دخولا صحيحا. ويؤيد هذا المعنى ويؤكده ما جاء في الحديث المشهور الذي أخرجه البخاري وغيره عن عائشة- رضي الله عنها- قالت: جاءت امرأة رفاعة القرظي إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقالت: يا رسول الله إن رفاعة طلقني فبت طلاقى. وإنى نكحت بعده عبد الرحمن بن الزبير القرظي، وإن ما معه مثل الهدبة، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: لعلك تريدين أن ترجعى إلى رفاعة؟لا حتى تذوقي عسيلته ويذوق عسيلتك».وواضح من ذوق العسيلة أن يدخل بها ويجامعها. وعلى هذا انعقد إجماع الفقهاء. ولم يلتفتوا إلى ما نسبه بعضهم إلى سعيد بن المسيب من أنه أجاز للمرأة أن تعود إلى زوجها الأول بعد عقد زواجها على الثاني دون أن يدخل بها. وحملوا هذا المنسوب إلى سعيد بن المسيب على أنه من شواذ الفتيا التي لا وزن لها لمخالفتها لنص حديث صحيح لعله لم يبلغه.ثم قال- تعالى-: فَإِنْ طَلَّقَها فَلا جُناحَ عَلَيْهِما أَنْ يَتَراجَعا إِنْ ظَنَّا أَنْ يُقِيما حُدُودَ اللَّهِ أى: فإن طلق الزوج الثاني تلك المرأة التي سبق طلاقها من الزوج الأول، فلا إثم عليها وعلى زوجها الأول في أن يرجع كل منهما إلى صاحبه بعقد جديد بعد انقضاء العدة ما داما يغلب على ظنهما أنهما سيقيمان حدود الله، ويؤدى كل واحد منهما ما يجب عليه نحو صاحبه بأمانة وإخلاص.وقوله: أَنْ يَتَراجَعا في موضع جر بإضمار حرف الجر أى في أن يتراجعا وقوله أَنْ يُقِيما في موضع نصب على أنه سد مسد مفعولي ظن.قال صاحب الكشاف: ولم يقل: إن علما أنهما يقيمان حدود الله لأن اليقين مغيب عنهما لا يعلمه إلا الله. ومن فسر الظن ها هنا بالعلم فقدوهم ولأن الإنسان لا يعلم ما في الغد وإنما يظن ظنا» .ثم ختم- سبحانه- هذه الآية بقوله: وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ يُبَيِّنُها لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ.أى: وتلك الأحكام المذكورة عن الطلاق وعن غيره مما كلف الله به عباده يبينها ويوضحها بتلك الطرق الحكيمة لقوم يعلمون الحق، ويعملون بمقتضى علمهم.وبهذا نرى أن الآية الكريمة قد بينت أنه لا يحل للمرأة التي طلقت من زوجها أن تعود إليه بعد الطلقة الثالثة إلا بعد أن تتزوج آخر زواجا صحيحا يدخل بها فيه ويجامعها ثم يطلقها وتنقضي عدتها منه.ومن حكم هذا التشريع الحكيم ردع الأزواج عن الاستخفاف بحقوق زوجاتهم، وزجرهم عن التساهل في إيقاع الطلاق، فإن الرجل الشريف الطبع، العزيز النفس إذا علم أن زوجته لن تحل له بعد الطلقة الثالثة إلا إذا افترشها شخص آخر توقف عن إيقاع الطلاق، وتباعد عن التسرع والاندفاع وحاول أن يصلح ما بينه وبين أهله بالمعالجة الحكيمة التي تتميز بسعة الصدر وضبط النفس.هذا، وقد ساق الإمام ابن كثير سبعة أحاديث في النهى عن نكاح المحلل- وهو أن يعقد رجل على امرأة قد طلقت ثلاثا من زوجها بقصد إحلالها لهذا الزوج لا بقصد الزواج الدائم ثم يدخل بها دخولا صوريا وليس شرعيا- ومن هذه الأحاديث ما رواه الإمام أحمد والترمذي والنسائي عن عبد الله بن مسعود قال: لعن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم المحلل والمحلل له، وآكل الربا وموكله» .وعن عقبة بن عامر قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم «ألا أخبركم بالتيس المستعار» ؟ قالوا: بلى يا رسول الله. قال: هو المحلل لعن الله المحلل والمحلل له» .وعن ابن عباس أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم سئل عن نكاح المحلل فقال: لا إلا نكاح رغبة- لا نكاح دلسة أى لا نكاح غش وتدليس- ولا استهزاء بكتاب الله- ثم يذوق عسيلتها..» .وجاء رجل إلى ابن عمر فسأله عن رجل طلق امرأته ثلاثا فتزوجها أخ له من غير مؤامرة منه- أى من غير مشورة ورغبة منه- ليحلها لأخيه فهل تحل للأول؟ فقال: لا إلا نكاح رغبة.كنا نعد هذا سفاحا على عهد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم.ثم قال ابن كثير: والمقصود أن الزوج الثاني يكون راغبا في المرأة قاصدا لدوام عشرتها كما هو المشروع من التزويج. واشترط الإمام مالك مع ذلك أن يطأها الثاني وطأ مباحا فلو وطئها وهي محرمة أو صائمة أو معتكفة أو حائض.. لم تحل للأول بهذا الوطء والمراد بالعسيلة الجماع لما رواه الإمام أحمد والنسائي عن عائشة أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «ألا إن العسيلة الجماع» .وبعد أن بين- سبحانه- في الآية السابقة أن الزوج مخير بين الإمساك والتسريح في مدة العدة، عقب ذلك ببيان أن هذا التخيير من حقه حتى آخر وقت في العدة، وذلك لتذكيره بأن الإمساك أفضل من التسريح، وأن عليه ألا يلجأ إلى الطلاق إلا إذا سدت طرق الإصلاح والمعالجة، وأنه إذا اختار الطلاق فعليه أن يسلك فيه طريق الحق والعدل لا طريق الباطل والجور.
2:231
وَ اِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَآءَ فَبَلَغْنَ اَجَلَهُنَّ فَاَمْسِكُوْهُنَّ بِمَعْرُوْفٍ اَوْ سَرِّحُوْهُنَّ بِمَعْرُوْفٍ ۪-وَّ لَا تُمْسِكُوْهُنَّ ضِرَارًا لِّتَعْتَدُوْاۚ-وَ مَنْ یَّفْعَلْ ذٰلِكَ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهٗؕ-وَ لَا تَتَّخِذُوْۤا اٰیٰتِ اللّٰهِ هُزُوًا٘-وَّ اذْكُرُوْا نِعْمَتَ اللّٰهِ عَلَیْكُمْ وَ مَاۤ اَنْزَلَ عَلَیْكُمْ مِّنَ الْكِتٰبِ وَ الْحِكْمَةِ یَعِظُكُمْ بِهٖؕ-وَ اتَّقُوا اللّٰهَ وَ اعْلَمُوْۤا اَنَّ اللّٰهَ بِكُلِّ شَیْءٍ عَلِیْمٌ۠(۲۳۱)
اور جب تم عورتوں کو طلاق دو اور ان کی میعاد آلگے (ف۴۵۵) تو اس وقت تک یا بھلائی کے ساتھ روک لو (ف۴۵۶) یا نکوئی (اچھے سلوک) کے ساتھ چھوڑ دو (ف۴۵۷) اور انہیں ضرر دینے کے لئے روکنا نہ ہو کہ حد سے بڑھو اور جو ایسا کرے وہ اپنا ہی نقصان کرتا ہے (ف۴۵۸) اور اللہ کی آیتوں کو ٹھٹھا نہ بنالو (ف۴۵۹) اور یاد کرو اللہ کا احسان جو تم پر ہے (ف۴۶۰) اور و ہ جو تم پر کتاب اور حکمت (ف۴۶۱) اتاری تمہیں نصیحت دینے کو اور اللہ سے ڈرتے رہو اور جان رکھو کہ اللہ سب کچھ جانتا ہے (ف۴۶۲)

قال- تعالى-: وَإِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ، فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ، وَلا تُمْسِكُوهُنَّ ضِراراً لِتَعْتَدُوا، وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ.قال الراغب: الأجل: المدة المضروبة للشيء. قال- تعالى- لِتَبْلُغُوا أَجَلًا مُسَمًّى..- أى مدة معينة- والبلوغ والبلاغ الانتهاء إلى أقصى المقصد والمنتهى مكانا كان أو زمانا أو أمرا من الأمور المقدرة، وربما يعبر به عن المشارفة عليه وإن لم يننه. فمن الانتهاء قوله- تعالى-:حَتَّى إِذا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً.. وأما قوله: فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ فللمشارفة فإنها إذا انتهت إلى أقصى الأجل لا يصح للزوج مراجعتها وإمساكها» .والمراد بالأجل هنا عدة المرأة. وببلوغها قرب انتهائها.والضرار- كما يقول الرازي- هو المضارة. قال- تعالى-: وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِداً ضِراراً أى اتخذوا المسجد ضررا ليضاروا المؤمنين، ومعناه يرجع إلى إثارة العداوة، وإزالة الألفة، وإيقاع الوحشة، وموجبات النفرة» .والمعنى: وإذا طلقتم- أيها المؤمنون- نساءكم طلاقا رجعيا، فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ أى فشارفت عدتهن على الانتهاء، وقاربت الانقضاء، فعليكم أن تتدبروا مليا في أمركم، فإن رأيتم الأصلح في بقائهن معكم فنفذوا ذلك وأمسكوهن بمعروف. أى بما هو المعروف من شرع الله الحكيم، وبما تقره الأخلاق الحسنة والعقول السليمة. وإن رأيتم أنه لا رغبة لكم في البقاء معهن فسرحوهن بمعروف أى فأمضوا الطلاق، وتفارقوا بالطريقة التي يرضاها الحق- سبحانه- بأن تؤدوا لهن حقوقهن. ولا تذكروهن بسوء بعد انفصالكم عنهن، فهذا شأن الأتقياء الصالحين فقد سئل بعضهم، لم طلقت امرأتك؟ فقال: إن العاقل لا يذكر ما بينه وبين أهله.قال القرطبي: معنى فَبَلَغْنَ قاربن بإجماع من العلماء، ولأن المعنى يضطر إلى ذلك، لأنه بعد بلوغ الأجل لا خيار له في الإمساك، وهو في الآية التي بعدها بمعنى الانتهاء، لأن المعنى يقتضى ذلك، فهو حقيقة في الثانية، مجاز في الأولى- أى التي معنا-» .ثم نهى- سبحانه- عن الإمساك الذي يكون معه الضرر فقال. وَلا تُمْسِكُوهُنَّ ضِراراً لِتَعْتَدُوا أى لا تراجعوهن إرادة الضرر بهن والإيذاء لهن لتعتدوا عليهن، والجملة الكريمة تأكيد للأمر بالإمساك بمعروف، وتوضيح لمعناه، وزجر صريح عما كان يفعله يعضهم من مراجعته لامرأته قبل انتهاء عدتها لا لقصد الإبقاء على الزوجية وإنما القصد إطالة عدة الزوجة، أو لقصد أن تفتدى نفسها منه بالمال: وضِراراً منصوب على الحال في تمسكوهن أو على أنه مفعول لأجله. واللام في قوله: لِتَعْتَدُوا هي لام العاقبة أى لتكون عاقبة أمركم الاعتداء.وحذف متعلق «لتعتدوا» ليتناول الاعتداء عليهن وعلى أحكام الله- تعالى-.وقوله: وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ وعيد شديد لمن يقدم على ما نهى الله عنه. أى:ومن يراجع مطلقته بقصد الإضرار بها والاعتداء عليها فقد ظلم نفسه ظلما مؤكدا، لأنه سيعرضها لعقاب الله وسخط الناس.وجعل ظلمهم لنسائهم ظلما لأنفسهم، لأن عملهم هذا سيؤدي إلى اختلال المعاشرة الزوجية واضطرابها، وشيوع العداوة والبغضاء بين الزوجين وبين أهلهما. ثم كرر- سبحانه- تحذير المخالفين لشريعته، وذكرهم بألوان نعمه عليهم ليستجيبوا لأمره فقال: وَلا تَتَّخِذُوا آياتِ اللَّهِ هُزُواً، وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَما أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنَ الْكِتابِ وَالْحِكْمَةِ يَعِظُكُمْ بِهِ.آيات الله: أحكامه التي شرعها في شأن الطلاق وغيره.والهزء- بضمتين- مصدر هزا به إذا سخر ولعب وهو هنا مصدر بمعنى اسم المفعول أى:مهزوءا بها. وقوله هُزُواً مفعول ثان لتتخذوا.والمراد بالحكمة هنا. السنة النبوية المطهرة.والموعظة والعظة: النصح والتذكير بالخير. بما يرقق القلوب، ويحذر النفوس مما نهى الله عنه.أى: ولا تتخذوا- أيها الناس- آيات الله التي شرعها لكم في شأن الطلاق وغيره مهزوءا بها بأن تعرضوا عنها، وتتهاونوا في المحافظة عليها، والتمسك بتعاليمها، ومن مظاهر ذلك أن بعض الناس كان يكثر من التلفظ بالطلاق متوهما أن ذلك لا يضر، أو كان يتخذ المراجعة وسيلة لإيذاء المرأة.قال القرطبي: وفي موطأ مالك أنه بلغه أن رجلا قال لابن عباس: «إنى طلقت امرأتى مائة مرة فماذا ترى على؟ فقال ابن عباس: طلقت منك بثلاث، وسبع وتسعون اتخذت بها آيات الله هزوا» .والجملة الكريمة نهى أريد به الأمر بضده، أى جدوا في العمل بأوامر الله وآياته، وارعوها حق رعايتها.وقوله: وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ. إلخ أى تذكروها في هدايتكم إلى الإسلام، وفي مشروعية الزوجية وفي غير ذلك مما لا يحصى من النعم وتدبروا نعم الله عليكم فقابلوها بالشكر، واستعملوها فيما خلقت له، وتذكروا كذلك ما أنزل الله عليكم بواسطة رسولكم محمد صلّى الله عليه وسلّم من الكتاب وهو القرآن الذي يهدى للتي هي أقوم، ومن الحكمة وهي السنة النبوية المطهرة، بما جاء فيهما من توجيهات سامية، وآداب عالية.و «ما» في قوله: وَما أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ موصولة والعائد محذوف أى ما أنزله و «من» في قوله: مِنَ الْكِتابِ بيانية، وجملة يَعِظُكُمْ بِهِ حال من فاعل أنزل أو من مفعوله، والضمير في بِهِ يعود على الكتاب والحكمة بعد تأويلهما بالمذكور. وجعل ضميرهما واحدا لأنهما في مؤداهما وغايتهما شيء واحد، فالسنة ليست نابعة إلا من الكتاب ومنه أخذت قوتها وسلطانها.وقوله- سبحانه-: في ختام الآية وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ تذكير لهم بتقوى الله وخشيته ومراقبته، وتحذير لهم من مخالفة أمره.أى: صونوا أنفسكم عن كل ما يغضب الله- تعالى- فيما يتعلق بأمور الزوجية وفي غيرها مما شرعه لكم، واعلموا أنه- سبحانه- عليم بكل شيء، عليم بما تسرونه وما تعلنونه، وسيحاسب كل إنسان بما قدمت يداه يَوْمَ لا تَمْلِكُ نَفْسٌ لِنَفْسٍ شَيْئاً وَالْأَمْرُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ.
2:232
وَ اِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَآءَ فَبَلَغْنَ اَجَلَهُنَّ فَلَا تَعْضُلُوْهُنَّ اَنْ یَّنْكِحْنَ اَزْوَاجَهُنَّ اِذَا تَرَاضَوْا بَیْنَهُمْ بِالْمَعْرُوْفِؕ-ذٰلِكَ یُوْعَظُ بِهٖ مَنْ كَانَ مِنْكُمْ یُؤْمِنُ بِاللّٰهِ وَ الْیَوْمِ الْاٰخِرِؕ-ذٰلِكُمْ اَزْكٰى لَكُمْ وَ اَطْهَرُؕ-وَ اللّٰهُ یَعْلَمُ وَ اَنْتُمْ لَا تَعْلَمُوْنَ(۲۳۲)
اور جب تم عورتوں کو طلاق دو اور ان کی میعاد پوری ہوجائے (ف۴۶۳) تو اے عورتوں کے والِیو انہیں نہ روکو اس سے کہ اپنے شوہروں سے نکاح کرلیں (ف۴۶۴) جب کہ آپس میں موافق شرع رضا مند ہوجائیں (ف۴۶۵) یہ نصیحت اسے دی جاتی ہے جو تم میں سے اللہ اور قیامت پر ایمان رکھتا ہو یہ تمہارے لئے زیادہ ستھرا اور پاکیزہ ہے اور اللہ جانتا ہے اور تم نہیں جانتے،

ثم بين- سبحانه- ما ينبغي اتباعه عند حصول الطلاق وإمضائه حتى لا يقع ظلم أو جور فقال- تعالى-: وَإِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْواجَهُنَّ إِذا تَراضَوْا بَيْنَهُمْ بِالْمَعْرُوفِ.قال القرطبي: تعضلوهن معناه تحبسوهن، ودجاجة معضل أى: قد احتبس بيضها، وقيل: العضل التضييق والمنع وهو راجع إلى معنى الحبس. يقال: أعضل الأمر: إذا ضاقت عليك فيه الحيل. قال الأزهرى: وأصل العضل من قولهم: عضلت الناقة إذا نشب ولدها فلم يسهل خروجه. ويقال أعضل الأمر إذا اشتد، وداء عضال أى شديد عسر البرء أعيا الأطباء ... ».والمعنى: وإذا طلقتم النساء فبلغن أجلهن أى: انقضت عدتهن وخلت الموانع من زواجهن، فلا تمنعوهن من الزواج بمن يردن الزواج به، متى حصل التراضي بين الأزواج والزوجات على ما يحسن في الدين، وتقره العقول السليمة، ويجرى به العرف الحسن.والمراد ببلوغ الآجل هنا بلوغ أقصى العدة، بخلاف البلوغ في الآية التي قبل هذه، فإن المراد به المشارفة والمقاربة كما أشرنا من قبل لأن المعنى يحتم ذلك، والخطاب هنا للأزواج وللأولياء ولكل من له تأثير على المرأة المطلقة، وذلك لأن منع الزوجة من الزواج بعد انقضاء عدتها قد يكون من جانب الزوج السابق، لا سيما إذا كان صاحب جاه وسلطان وسطوة، فإنه يعز عليه أن يتزوج مطلقته أحد بعده فيمنعها من الزواج.وقد يكون المنع من جانب الأولياء، وقد أورد المفسرون آثارا تشهد لذلك منها- كما يقول الآلوسى- ما أخرجه البخاري والترمذي والنسائي وابن ماجة وأبو داود من طرق شتى عن معقل بن يسار قال: كانت لي أخت فأتانى ابن عم لي فأنكحتها إياه، فكانت عنده ما كانت ثم طلقها تطليقة، ولم يراجعها حتى انقضت العدة، فهويها وهوته ثم خطبها مع الخطاب. فقلت له: أكرمتك بها وزوجتكها فطلقتها ثم جئت تخطبها، والله لا ترجع إليك أبدا، وكان رجلا لا بأس به، وكانت المرأة تريد أن ترجع إليه، فعلم الله- تعالى- حاجته إليها وحاجتها إلى بعلها فأنزل هذه الآية. ففي نزلت فكفرت عن يميني وأنكحتها إياه..»وعبر- سبحانه- عن الرجال الذين هم محل الرضا من النساء بالأزواج فقال فَلا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْواجَهُنَّ مع أن الزواج لم يتحقق بعد، للإشارة إلى الحقيقة المقررة الثابتة، وهي أن من يقع اختيارها عليه، ولم يكن اقترانها به فيه ما يشينها أو يشين أسرتها، فمن الواجب ألا يمانع أحد في إتمام هذا الزواج، بل على الجميع أن يقروه وينفذوه، لأن شريعة الله والفطرة الإنسانية يقضيان بذلك.وقوله: أَنْ يَنْكِحْنَ تقديره: من أن ينكحن فهو في محل جر عند الخليل والكسائي وفي محل نصب عند غيرهما، وقوله: إِذا تَراضَوْا ظرف لأن ينكحن أو لقوله:فَلا تَعْضُلُوهُنَّ، وقوله: بِالْمَعْرُوفِ متعلق بمحذوف وقع حالا من فاعل تراضوا، أو هو نعت لمصدر محذوف أى تراضيا كائنا بالمعروف أو هو متعلق بتراضوا. أى تراضوا بما يحسن في الدين والمروءة، وفيه إشعار بأن المنع من التزوج بغير كفء أو بما دون مهر المثل ليس من العضل المنهي عنه.ثم ختم- سبحانه- الآية بقوله ذلِكَ يُوعَظُ بِهِ مَنْ كانَ مِنْكُمْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ، ذلِكُمْ أَزْكى لَكُمْ وَأَطْهَرُ، وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ.أى: ذلك القول الحكيم، والتوجيه الكريم المشتمل على أفضل الأحكام وأسماها يوعظ به، ويستجيب له من كان منكم عميق الإيمان بالله- تعالى- وبثوابه وبعقابه يوم القيامة. ذلكم الذي شرعه الله لكم- أيها المؤمنون- من ترك عضل النساء والإضرار بهن وغير ذلك من الأحكام أَزْكى لَكُمْ وَأَطْهَرُ أى أعظم بركة ونفعا، وأكثر تطهيرا من دنس الآثام، فإن المرأة إذا عوملت معاملة كريمة، ولم تظلم في رغباتها المشروعة، التزمت في سلوكها العفاف والخلق الشريف، أما إذا شعرت بالظلم والامتهان فإن هذا الشعور قد يدفعها إلى ارتكاب ما نهى الله عنه. والله تعالى يعلم ما فيه مصلحتكم ومنفعتكم، وأنتم لا تعلمون ذلك، فامتثلوا ما أمركم به واجتنبوا ما نهاكم عنه تفوزوا وتسعدوا.والإشارة بقوله: ذلِكَ إلى ما فصل من أحكام وما أمر به من أفعال والخطاب لكل من يصلح للخطاب من المكلفين.وخصص الوعظ بالمؤمنين لأنهم هم الذين ينتفعون به، وترق معه قلوبهم وتخشع له نفوسهم.وأتى- سبحانه- بضمير الجمع ذلِكُمْ بعد أن قال في صدر الجملة ذلِكَ للإشارة إلى أن حماية المرأة من الهوان ومنع التضييق عليها في اختيار زوجها واجب على جميع المؤمنين، وأن فائدة ذلك ستعود عليهم جميعا ما دام هذا الاختيار في حدود الآداب التي جاء بها الإسلام.وقوله: وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ رد على كل معترض على تطبيق شريعة الله، أو متهاون في ذلك بدعوى أنها ليست صالحة للظروف التي يعيش ذلك المعترض أو هذا المتهاون فيها، لأن شرع الله فيه النفع الدائم والمصلحة الحقيقية، والنتائج المرضية، لأنه شرع من يعلم كل شيء ولا يجهل شيئا، ويعلم ما هو الأنفع والأصلح للناس في كل زمان ومكان، ولم يشرع لهم- سبحانه- إلا ما فيه مصلحتهم ومنفعتهم، وما دام علم الله- تعالى- هو الكامل، وعلم الإنسان علم قاصر، فعلينا أن نتبع شرع الله في كل شئوننا، ولنقل لأولئك المعترضين أو المتهاونين: سيروا معنا في طريق الحق فذلكم أَزْكى لَكُمْ وَأَطْهَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ.وبعد: فهذه خمس آيات قد تحدثت عن جملة من الأحكام التي تتعلق بالطلاق، وإذا كان الإسلام قد شرع الطلاق عند الضرورة التي تحتمها مصلحة الزوجين، فإنه في الوقت نفسه قد وضع كثيرا من التعاليم التي يؤدى اتباعها إلى الإبقاء على الحياة الزوجية، وعلى قيامها على المودة والرحمة، ومن ذلك:1- أنه أرشد أتباعه إلى أفضل السبل لاختيار الزوج، بأن جعل أساس الاختيار الدين والتقوى والخلق القويم، لأنه متى كان كل من الزوجين متحليا بالإيمان والتقوى، استقرت الحياة الزوجية بينهما، وقامت على المودة والرحمة وحسن المعاشرة.2- أنه أمر كلا الزوجين بأن يبذل كل واحد منهما قصارى جهده في أداء حق صاحبه، وإدخال السرور على نفسه، فإذا ما نجم خلاف بينهما فعليهما أن يعالجاه بالحكمة والعدل، وأن يجعلا الأناة والصبر رائدهما، فإن الحياة الزوجية بحكم استمرارها وتشابك مطالبها لا تخلو من اختلاف بين الزوجين.3- دعا الإسلام إلى إصلاح ما بين الزوجين إن ابتدأت العلاقة تسير في غير طريق المودة، فقال- تعالى-: وَإِنِ امْرَأَةٌ خافَتْ مِنْ بَعْلِها نُشُوزاً أَوْ إِعْراضاً فَلا جُناحَ عَلَيْهِما أَنْ يُصْلِحا بَيْنَهُما صُلْحاً وَالصُّلْحُ خَيْرٌ ... كما دعا أولى الأمر أن يتدخلوا للإصلاح بين الزوجين عند نشوب الشقاق بينهما أو عند خوفه فقال- تعالى-: وَإِنْ خِفْتُمْ شِقاقَ بَيْنِهِما فَابْعَثُوا حَكَماً مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَماً مِنْ أَهْلِها إِنْ يُرِيدا إِصْلاحاً يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُما إِنَّ اللَّهَ كانَ عَلِيماً خَبِيراً.4- نهى الإسلام عن إيقاع الطلاق على الزوجة في حال حيضها، أو في حال طهر باشرها فيه، لأن المرأة في هاتين الحالتين قد تكون على هيئة لا تجعل الرجل مشوقا إليها ...وأباح له أن يوقع الطلاق في طهر لم يجامعها فيه، لأن إيقاعه في هذه الحالة يكون دليلا على استحكام النفرة بينهما.5- نهى الإسلام عن الطلاق البات بالنسبة للمرأة المدخول بها، وأمر الزوج بأن يجعل طلاقه رجعيا، وأعطاه فرصة طويلة تقرب من ثلاثة أشهر ليراجع خلالها نفسه، فإن وجد الخير في مراجعة زوجته راجعها بقصد الإصلاح واستمرار الحياة الزوجية، وإن وجد الخير في غير ذلك تركها حتى تنقضي عدتها وفارقها بالمعروف عملا بقوله- تعالى-: فَإِمْساكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسانٍ.6- جعل الإسلام الطلاق بيد الرجل، لأنه هو الذي وقعت عليه معظم أعباء الزواج، وهو الذي سيتحمل ما سيترتب على الطلاق من تكاليف، ولا شك أنه بمقتضى هذه التكاليف وبمقتضى حرصه على استقرار حياته، سيتأنّى ويتروى فلا يوقع الطلاق إلا إذا كان مضطرا إلى ذلك.كما أن الإسلام أباح للمرأة أن تفتدى نفسها من زوجها، أو ترفع أمرها للقاضي ليفرق بينها وبينه إذا تيقنت من استحالة استمرار الحالة الزوجية بينهما لأى سبب من الأسباب. وفي هذه الحال فللقاضى أن يفرق بينهما إذا رأى أن المصلحة تقتضي ذلك.7- أباح الإسلام للرجل الذي طلق امرأته ثلاثا أن يعود إليها من جديد، وذلك بعد طلاقها من رجل آخر يكون قد تزوجها زواجا شرعيا وانقضت عدتها منه، وفي ذلك ما فيه من التأديب لهما، والتهذيب لسلوكهما.8- وردت أحاديث متعددة تنهى عن إيقاع الطلاق إلا عند الضرورة وتتوعد المرأة التي تطلب من زوجها أن يطلقها بدون سبب معقول بالعذاب الشديد، ومن ذلك ما رواه أبو داود والترمذي عن ثوبان أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «أيما امرأة سألت زوجها طلاقها من غير ما بأس- أى من غير عذر شرعي أو سبب قوى- فحرام عليها رائحة الجنة» . وروى أبو داود وغيره عن ابن عمر عن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: أبغض الحلال إلى الله الطلاق».هذه بعض التشريعات التي وضعها الإسلام لصيانة الحياة الزوجية من التصدع والانهيار، ومنها نرى أن الإسلام وإن كان قد شرع الطلاق، إلا أنه لا يدعو إليه إلا إذا كانت مصلحة الزوجين أو أحدهما تقتضيه وتستلزمه.وبعد أن بين- سبحانه- حقوق الزوجين في حالتي اجتماعهما واقترافهما، أردف ذلك ببيان حقوق الأطفال الذين يكونون ثمرة لهذا الزواج. فقال تعالى:
2:233
وَ الْوَالِدٰتُ یُرْضِعْنَ اَوْلَادَهُنَّ حَوْلَیْنِ كَامِلَیْنِ لِمَنْ اَرَادَ اَنْ یُّتِمَّ الرَّضَاعَةَؕ-وَ عَلَى الْمَوْلُوْدِ لَهٗ رِزْقُهُنَّ وَ كِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوْفِؕ-لَا تُكَلَّفُ نَفْسٌ اِلَّا وُسْعَهَاۚ-لَا تُضَآرَّ وَالِدَةٌۢ بِوَلَدِهَا وَ لَا مَوْلُوْدٌ لَّهٗ بِوَلَدِهٖۗ-وَ عَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذٰلِكَۚ-فَاِنْ اَرَادَا فِصَالًا عَنْ تَرَاضٍ مِّنْهُمَا وَ تَشَاوُرٍ فَلَا جُنَاحَ عَلَیْهِمَاؕ-وَ اِنْ اَرَدْتُّمْ اَنْ تَسْتَرْضِعُوْۤا اَوْلَادَكُمْ فَلَا جُنَاحَ عَلَیْكُمْ اِذَا سَلَّمْتُمْ مَّاۤ اٰتَیْتُمْ بِالْمَعْرُوْفِؕ-وَ اتَّقُوا اللّٰهَ وَ اعْلَمُوْۤا اَنَّ اللّٰهَ بِمَا تَعْمَلُوْنَ بَصِیْرٌ(۲۳۳)
اور مائیں دودھ پلائیں اپنے بچوں کو (ف۴۶۶) پورے دو برس اس کے لئے جو دودھ کی مدت پوری کرنی چاہئے (ف۴۶۷) اور جس کا بچہ ہے (ف۲۶۸) اس پر عورتوں کا کھانا پہننا ہے حسب دستور (ف۴۶۹) کسی جان پر بوجھ نہ رکھا جائے گا مگر اس کے مقدور بھر ماں کو ضرر نہ دیا جائے اس کے بچہ سے (ف۴۷۰) اور نہ اولاد والے کو اس کی اولاد سے (ف۴۷۱) یا ماں ضرر نہ دے اپنے بچہ کو اور نہ اولاد والا اپنی اولاد کو (ف۴۷۲) اور جو باپ کا قائم مقام ہے اس پر بھی ایسا ہی واجب ہے پھر اگر ماں باپ دونوں آپس کی رضا اور مشورے سے دودھ چھڑانا چاہیں تو ان پر گناہ نہیں اور اگر تم چاہو کہ دائیوں سے اپنے بچوں کو دودھ پلواؤ تو بھی تم پر مضائقہ نہیں جب کہ جو دینا ٹھہرا تھا بھلائی کے ساتھ انہیں ادا کردو، اور اللہ سے ڈرتے رہو اور جان رکھو کہ اللہ تمہارے کام دیکھ رہا ہے،

والمراد بالوالدات الأمهات سواء أكن في عصمة أزواجهن أم مطلقات لأن اللفظ عام في الكل ولا يوجد ما يقتضى تخصيصه بنوع من الأمهات. ويرى بعض المفسرين أن المراد بالوالدات هنا خصوص المطلقات لأن سياق الآيات قبل ذلك في أحكام الطلاق، ولأن المطلقة عرضة لإهمال العناية بالولد وترك إرضاعه.وحولين أى عامين. وأصل الحول- كما يقول الراغب- تغير الشيء وانفصاله عن غيره.والحول: السنة اعتبارا بانقلابها ودوران الشمس في مطالعها ومغاربها. قال- تعالى-:وَالْوالِداتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كامِلَيْنِ. ومنه حالت السنة تحول وحالت الدار تغيرت، وأحال فلان بمكان كذا أى أقام به حولا» .وعبر عن الأمهات بالوالدات، للإشارة إلى أنهن اللائي ولدن أولادهن، وأنهن الوعاء الذي خرجوا منه إلى الحياة، ومنهن يكون الغذاء الطبيعي المناسب لهذا المولود الذي جاء عن طريقهن.وقوله: يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ جملة خبرية اللفظ إنشائية المعنى، إذ التقدير ليرضعن. أى:عليهن إرضاع أولادهن.وعبر عن الطلب بصيغة الخبر، للإشعار بأن إرضاع الأم لطفلها عمل توجبه الفطرة، وتنادى به طبيعة الأمومة.قال الجمل: وهذا الأمر للندب وللوجوب، فهو يكون للندب عند استجماع شروط ثلاثة، قدرة الأب على استئجار المرضع، ووجود من يرضعه غير الأم، وقبول الولد للبن الغير. ويكون للوجوب عند فقد أحد هذه الشروط».وليس التحديد بالحولين للوجوب، لأنه يجوز الفطام قبل ذلك، بدليل قوله: لِمَنْ أَرادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضاعَةَ وإنما المقصود بهذا التحديد قطع التنازع بين الزوجين إذا تنازعا في مدة الرضاع، فإذا اتفق الأب والأم على أن يفطما ولدهما قبل تمام الحولين كان لهما ذلك إذا لم يتضرر الولد بهذا الفطام، وإن أراد الأب أن يفطمه قبل الحولين ولم ترض الأم أو العكس لم يكن لأحدهما ذلك.قال القرطبي ما ملخصه: وقد انتزع مالك- رحمه الله- ومن تابعه وجماعة من العلماء من هذه الآية أن الرضاعة المحرمة الجارية مجرى النسب إنما هي ما كان في الحولين، لأنه بانقضاء الحولين تمت الرضاعة، ولا رضاعة بعد الحولين معتبرة.. لقوله- تعالى-: وَالْوالِداتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كامِلَيْنِ فهذا يدل على ألا حكم لما ارتضع المولود بعد الحولين.وروى سفيان عن عمرو بن دينار عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم «لا رضاع إلا ما كان في الحولين» وهذا الخبر مع الآية ينفى رضاعة الكبير وأنه لا حرمة له. وقد روى عن عائشة القول به، وروى عن أبى موسى الأشعرى أنه كان يرى رضاع الكبير. وروى عنه الرجوع عنه.وسيأتى تحقيق هذه المسألة في سورة النساء».وفي وصف الحولين بكاملين، تأكيد لرفع توهم أن يكون المراد حولا وبعض الثاني، لأن إطلاق التثنية والجمع في الأزمان والأسنان على بعض المدلول إطلاق شائع عند العرب.فيقولون: هو ابن سنتين، ويريدون سنة وبعض الثانية.وفي هذه الجملة الكريمة وَالْوالِداتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كامِلَيْنِ بيان لمظهر من مظاهر رعاية الله- تعالى- للإنسان منذ ولادته، بل منذ تكوينه في بطن أمه جنينا، فقد أمر- سبحانه- الأمهات أن يقمن بإرضاع أولادهن في تلك المدة، لأن لبن الأم هو أفضل غذاء لطفلها في هذه الفترة، وأسلّم وسيلة لضمان صحته ونموه، ولصيانته من الأمراض النفسية والعقلية، فقد أثبت الأطباء الثقاة أن الطفل كثيرا ما يصاب بأمراض جسمية ونفسية وعقلية نتيجة رضاعته من غير أمه، كما أثبتوا أن عناية الأم بطفلها في هذه الفترة عن طريق إرضاعه ورعايته، تؤدى إلى تحسن أحواله ...وقوله: لِمَنْ أَرادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضاعَةَ بيان لمن توجه إليه الحكم. أى هذا الحكم لمن أراد إتمام الرضاع، فإذا أراد الأبوان أن ينقصا مدة الرضاع عن الحولين كان لهما ذلك. فالجملة الكريمة خير لمبتدأ محذوف أى هذا الحكم لمن أراد أن يتم مدة الرضاعة.وقوله: وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ بيان لما يجب على الآباء.أى: وعلى الآباء أن يقدموا إلى الوالدات ما يلزمهن من نفقة وكسوة بالمعروف أى بالطريقة التي تعارف عليها العقلاء بدون إسراف أو تقتير.قال صاحب الكشاف: فإن قلت لم قيل الْمَوْلُودِ لَهُ دون الوالد؟ قلت: ليعلم أن الوالدات إنما ولدن لهم، لأن الأولاد للآباء، ولذلك ينسبون إليهم لا إلى الأمهات، كما قال المأمون بن الرشيد:فإنما أمهات الناس أوعية ... مستودعات وللآباء أبناءفكان عليهم أن يرزقوهن ويكسوهن إذا أرضعن ولدهم كالأظآر ألا ترى أنه ذكره باسم الوالد حيث لم يكن هذا المعنى وهو قوله- تعالى-: يا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ وَاخْشَوْا يَوْماً لا يَجْزِي والِدٌ عَنْ وَلَدِهِ وَلا مَوْلُودٌ هُوَ جازٍ عَنْ والِدِهِ شَيْئاً ...وقوله: لا تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلَّا وُسْعَها تعليل لإيجاب المؤن بالمعروف. أو تفسير للمعروف ولهذا فصلت هذه الجملة عن سابقتها، وقوله وُسْعَها منصوب على أنه مفعول ثان لتكلف، والاستثناء قبله مفرغ أى أن أبا الولد لا يكلف في الإنفاق عليه وعلى أمه إلا بالقدر الذي تتسع له مقدرته بدون إرهاق أو مشقة.وتلك هي سنة الإسلام في جميع تكاليفه، فالله- تعالى- ما كلف عباده إلا بما يستطيعونه ويطيقونه بدون عسر أو عنت قال- تعالى-: لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها وقال- تعالى-: يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ.وقوله: لا تُضَارَّ والِدَةٌ بِوَلَدِها وَلا مَوْلُودٌ لَهُ بِوَلَدِهِ تعليل للأحكام السابقة الموزعة بين الأب والأم، والتي أساسها رعاية حق هذا الوليد الذي أتى عن طريقهما.والمضارة مفاعلة من الضرر، والمعنى: لا ينبغي أن يقع ضرر على الأم بسبب ولدها، بأن يستغل الأب حنوها على وليدها فيمنعها شيئا من نفقتها، أو يأخذ منها طفلها وهي تريد إرضاعه، أو يكلفها بما ليس في مقدورها أو ما يخالف وظيفتها، ولا ينبغي كذلك أن يقع ضرر على الأب بسبب ولده، بأن تكلفه الأم بما لا تتسع له قدرته مستغلة محبته لولده وعنايته بتنشئته تنشئة حسنة.قال الجمل: ولا في قوله: لا تُضَارَّ يحتمل أن تكون نافية فيكون الفعل مرفوعا، ويحتمل أن تكون ناهية فيكون الفعل مجزوما، وقد قرئ بهما في السبع، وعلى كل يحتمل أن يكون الفعل مبنيا للفاعل وللمفعول» .والمعنى على الاحتمالين واحد وهو أنه لا يجوز أن يضر كل واحد منهما صاحبه أو يضر من صاحبه بسبب حنوه على ولده واهتمامه بشأنه.وأضاف الولد إلى كل منهما في الموضعين للاستعطاف، وللتنبيه على أن هذا الولد الذي رزقهما الله إياه جدير بأن يتفقا على رعايته وحمايته من كل ما يؤذيه، ولا يجوز مطلقا أن يكون مصدر قلق لأى واحد منهما.وقدمت الأم في الجملة الكريمة، لأن الشأن فيها أن يكون حنوها أشد، وعاطفتها أرق، ولأن مظنة إنزال العنف والأذى بها أقرب لضعفها عن الأب.فالجملة الكريمة توجبه سديد، وإرشاد حكيم، للآباء والأمهات إلى أن يقوم كل فريق منهم بواجبه نحو صاحبه ونحو الأولاد الذين هم ثمار لهم.وقوله: وَعَلَى الْوارِثِ مِثْلُ ذلِكَ معطوف على قوله وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ. إلخ وما بينهما تعليل أو تفسير معترض.أى: وعلى وارث الأب أو وارث الصبى- أى من سيرثه بعد موته- عليه مثل ما على الأب من النفقة وترك الإضرار. فهذه الجملة الكريمة سيقت لبيان من تجب عليه نفقة الصبى إذا فقد أباه، أو كان أبوه موجودا ولكنه عاجز عن الإنفاق عليه.قال الآلوسى ما ملخصه: والمراد بالوارث وارث الولد فإنه يجب عليه مثل ما وجب على الأب من الرزق والكسوة بالمعروف إن لم يكن للولد مال. وهو التفسير المأثور عن عمر وابن عباس وقتادة.. وخلق كثير. وخص الإمام أبو حنيفة هذا الوارث بمن كان ذا رحم محرم من الصبى ... وقال الشافعى المراد وارث الأب- يجب عليه عند موت الأب كل ما كان واجبا على الأب- وقيل المراد بالوارث الباقي من الأبوين، وقد جاء الوارث بمعنى الباقي كما في قوله صلّى الله عليه وسلّم اللهم متعني بسمعي وبصرى واجعلهما الوارث منى» وعلى أية حال فالجملة الكريمة تغرس معاني الإخاء والتراحم والتكافل بين أبناء الأسرة الواحدة، فالقادر ينفق على العاجز، والغنى يمد الفقير بحاجته، وبذلك تسعد الأسرة، وتسودها روح المحبة والمودة.وقوله: فَإِنْ أَرادا فِصالًا عَنْ تَراضٍ مِنْهُما وَتَشاوُرٍ فَلا جُناحَ عَلَيْهِما معطوف على قوله يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كامِلَيْنِ لأنه متفرغ عنه. والضمير في قوله فَإِنْ أَرادا يعود على الوالدين.قال القرطبي: والفصال والفصل. الفطام وأصله التفريق، فهو تفريق بين الصبى والثدي.ومنه سمى الفصيل- لولد الضأن- لأنه مفصول عن أمه. والتشاور: استخراج الرأى- بما فيه المصلحة- وكذلك المشاورة. من الشور وهو اجتناء العسل. يقال شرت العسل- إذا استخرجته من مواضعه- والشوار: متاع البيت لأنه يظهر للناظر. والشارة هيئة الرجل.والإشارة: إخراج ما في نفسك وإظهاره» .والمعنى: فإن أراد الأبوان فطاما لولدهما قبل الحولين، وكانت هذه الإرادة عن تراض منهما وتشاور في شأن الصبى وتفحص لأحواله، ورأيا أن هذا الفطام قبل بلوغه الحولين لن يضره فلا إثم عليهما في ذلك.وقال بعضهم: وأيضا لا إثم عليهما إذا فطماه بعد الحولين متى رأيا المصلحة في ذلك، وقد قيد- سبحانه- هذا الفطام للصبي بكونه عن تراض من الأبوين وتشاور منهما، رعاية لمصلحة هذا الصبى، لأن رضا أحدهما فقط قد يضره، بأن تمل الأم الإرضاع أو يبخل الأب بالإنفاق.ولأن إقدام أحدهما على الفطام بدون التشاور مع صاحبه قد يؤثر في صحة الصبى تأثيرا سيئا.لذا أوجب- سبحانه- التراضي والتشاور فيما بينهما من أجل مصلحة صبيهما.ثم قال- تعالى-: وَإِنْ أَرَدْتُمْ أَنْ تَسْتَرْضِعُوا أَوْلادَكُمْ فَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ إِذا سَلَّمْتُمْ ما آتَيْتُمْ بِالْمَعْرُوفِ.أى: وإن أردتم- أيها الآباء- أن تسترضعوا مراضع لأولادكم، ورضى الأمهات بذلك، فلا إثم عليكم فيما تفعلون ما دمتم تقصدون مصلحة أولادكم، وعليكم أن تسلموا هؤلاء المراضع أجرهن بالطريقة التي يقرها الشرع، وتستحسنها العقول السليمة، والأخلاق القويمة.واسترضع- كما يقول الزمخشري- منقول من أرضع. يقال: أرضعت المرأة الصبى، واسترضعتها الصبى فهي متعدية إلى مفعولين، والمعنى: أن تسترضعوا المراضع أولادكم.فحذف أحد المفعولين للاستغناء عنه.وقوله ما آتَيْتُمْ حذف مفعولاه أى آتيتموهن إياه. وبِالْمَعْرُوفِ متعلق بسلمتم أى بالقول الجميل، وبالوجه المتعارف المستحسن شرعا. ويجوز أن يتعلق بآتيتم. وأن يكون حالا من فاعل سلمتم أو آتيتم والعامل فيه محذوف أى متلبسين بالمعروف.ثم ختم- سبحانه- الآية بقوله: وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ.أى: اتقوا الله في كل شئونكم والتزموا ما بينه لكم من أحكام، واعلموا أن الله- تعالى- لا تخفى عليه أعمالكم، فهو محصيها عليكم، وسيجزى المحسن إحسانا والمسيء سوءا.ثم بين- سبحانه- عدة المرأة إذا توفى عنها زوجها، وما يجب عليها من آداب فقال- تعالى-.
2:234
وَ الَّذِیْنَ یُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَ یَذَرُوْنَ اَزْوَاجًا یَّتَرَبَّصْنَ بِاَنْفُسِهِنَّ اَرْبَعَةَ اَشْهُرٍ وَّ عَشْرًاۚ-فَاِذَا بَلَغْنَ اَجَلَهُنَّ فَلَا جُنَاحَ عَلَیْكُمْ فِیْمَا فَعَلْنَ فِیْۤ اَنْفُسِهِنَّ بِالْمَعْرُوْفِؕ-وَ اللّٰهُ بِمَا تَعْمَلُوْنَ خَبِیْرٌ(۲۳۴)
اور تم میں جو مریں اور بیبیاں چھوڑیں وہ چار مہینے دس دن اپن ے آپ کو روکے رہیں (ف۴۷۳) تو جب ان کی عدت پوری ہوجائے تو اے والیو! تم پر مؤاخذہ نہیں اس کام میں جو عورتیں اپنے معاملہ میں موافق شرع کریں، اور اللہ کو تمہارے کاموں کی خبر ہے،

وقوله: يُتَوَفَّوْنَ- بالبناء للمجهول- أى تقبض أرواحهم فإن التوفي هو القبض.يقال: توفيت مالي من فلان واستوفيته منه أى قبضته وأخذته. قال- تعالى-: اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِها أى يقبض الأنفس ويأخذها إليه بالموت حين انتهاء آجالها.والمعنى: والذين يتوفاهم الله- تعالى- منكم- أيها المسلمون- ويتركون من خلفهم أزواجا. فعلى هؤلاء الأزواج اللائي ارتبطن برجالهم ارتباطا قويا متينا ثم فرق الموت بينهم وبينهن، عليهن أن يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْراً أى: عليهن أن ينتظرن انقضاء عدتهن فيحبسن أنفسهن عن الزواج وعن التزين وعن التعرض للخطاب مدة أربعة أشهر وعشر ليال، وفاء لحق الزوج المتوفى، واستبراء للرحم.قال الإمام ابن كثير ما ملخصه: هذا أمر من الله- تعالى- للنساء اللاتي يتوفى عنهن أزواجهن أن يعتددن أربعة أشهر وعشر ليال. وهذا الحكم يشمل الزوجات المدخول بهن وغير المدخول بالإجماع، ومستند هذا الإجماع في غير المدخول بها عموم الآية الكريمة، وهذا الحديث الذي رواه الإمام أحمد وأهل السنن وصححه الترمذي أن ابن مسعود سئل عن رجل تزوج امرأة فمات عنها ولم يدخل بها ولم يفرض لها فقال: أقول فيها برأيى فإن يك صوابا فمن الله، وإن يك خطأ فمنى ومن الشيطان. والله- تعالى- ورسوله بريئان منه: لها الصداق كاملا.وفي لفظ: لها صداق مثلها لا وكس ولا شطط وعليها العدة ولها الميراث. فقام معقل بن يسار فقال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قضى به في بروع بنت واشق. ففرح عبد الله بذلك فرحا شديدا. ولا يخرج من ذلك إلا المتوفى عنها زوجها وهي حامل فإن عدتها بوضع الحمل لعموم قوله- تعالى-: وَأُولاتُ الْأَحْمالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ وكان ابن عباس يرى أن عليها أن تتربص بأبعد الأجلين من الوضع أو أربعة أشهر وعشرة أيام للجمع بين الآيتين» .وقوله: وَالَّذِينَ اسم موصول مبتدأ. ويُتَوَفَّوْنَ صلته، ومِنْكُمْ في موضع النصب على الحال من الواو في يُتَوَفَّوْنَ ويَتَرَبَّصْنَ وما بعده خبر عن الذين والرابط محذوف والتقدير: يتربصن بعدهم أربعة أشهر وعشرا.والتعبير بقوله: يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ تعبير دقيق حكيم أى: عليهن أن يمنعن أنفسهن عن النكاح وعن التزين وعن الخروج من منزل الزوجية- إلا إذا كانت هناك ضرورة لهذا الخروج- مدة أربعة أشهر وعشرة أيام، وذلك لأن المرأة المؤمنة الوفية يأبى عليها دينها ووفاؤها لزوجها المتوفى عنها، أن تعرض نفسها على غيره بعد فترة قصيرة من وفاته، فإن هذا أمر مستهجن في شرع الله وفي عرف العقلاء من الناس. إذ هذه المدة التي جاءت في الآية التي حددها الله- تعالى- لمعرفة براءة الرحم من الحمل، وهي التي تخف فيها مرارة الفراق بين زوجين ربط الله بينهما برابطة المودة والرحمة.ولقد ألغى الإسلام بهذا التشريع عادات جاهلية ظالمة للمرأة فقد كانت المرأة في الجاهلية إذا توفى عنها زوجها تغلق على نفسها مكانا ضيقا في بيتها وتقضى فيه عاما كاملا حدادا على زوجها فأبطل الإسلام ذلك، ومن الأحاديث التي وردت في هذا المعنى ما ثبت في الصحيحين عن أم حبيبة وزينب بنت جحش- رضي الله عنهما- أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تحد على ميت فوق ثلاث إلا على زوج أربعة أشهر وعشرا» .والإحداد هو ترك الزينة، وعدم التعرض للخطاب، وعدم الخروج من منزل الزوجية إلا لضرورة. وفي الصحيحين أيضا عن أم سلمة أن امرأة قالت يا رسول الله إن ابنتي توفى عنها زوجها وقد اشتكت عينها أفتكتحل؟ فقال: لا- مرتين أو ثلاثا- ثم قال: إنما هي أربعة أشهر وعشر وقد كانت إحداكن في الجاهلية تمكث سنة» .قال ابن كثير بعد أن ساق هذين الحديثين: قالت زينب بنت أم سلمة: كانت المرأة إذا توفى عنها زوجها دخلت حفشا- أى مكانا ضيقا من البيت- ولبست شر ثيابها ولم تمس طبيا ولا شيئا حتى تمر سنة» .وقال بعض العلماء: وقد حد الشارع للمتوفى عنها زوجها عدة هي في جملتها أكثر من عدة المطلقات، لأن تلك ثلاثة قروء تجيء عادة في نحو ثلاثة أشهر. وهنا يرد سؤالان:أولهما: لماذا كانت العدة في المتوفى عنها زوجها بالأشهر دون الحيض فلم تجعل أربع حيضات بدل ثلاث؟ ولماذا كانت الزيادة؟ ولم نجد أحدا تصدى لبيان الحكمة في جعلها بالأشهر، ويبدو لنا أن الحكمة التي تدركها عقولنا- وإن كانت الحكمة السامية قد تعلو على مدار كنا-: هي أن عدة الوفاة تكون للمدخول بها وغير المدخول بها وللصغيرة والكبيرة، والأساس فيها هو الحداد على الزواج السابق الذي انتهى بوفاة أحد ركنيه، فلزم أن يكون بأمر يشترك فيه الجميع مادام السبب واحدا في الجميع. وفوق ذلك أن العدة في الوفاة لو قدرت بالحيض وهو أمر لا يعلم إلا من جهة المرأة، فربما تدفعها الرغبة في الزواج إلى الكذب فتدعيه وهو لم يقع، وفي المطلقات العدة حق للمطلق فيستطيع أن ينكر عليها أما في حال الوفاة فصاحب الحق الأول قد مات وصار الحق لله خالصا. فحد ذلك الحق بالأشهر والأيام حتى لا يكون مساغا للكذب وادعاء ما لم يحصل، لأن الأيام والأشهر تعرف بالكتاب والحساب وليست أمرا يعرف من جهتها فقط.أما الجواب عن الأمر الثاني وهو لماذا كانت العدة بالوفاة أكثر في الجملة من العدة الناشئة عن الطلاق؟ فيبدو بادى الرأى من الفرق بين حال الطلاق وحال الوفاة أن الطلاق نتيجة شقاق.فالحداد على الزوج الذي ينشئه ليس قويا، ومعنى براءة الرحم وإعطاء الزوج فرصة للرجعة يكون أوضح في معنى العدة، ويكفى لذلك نحو ثلاثة أشهر. أما حال الموت فمرارة الفراق فيها أوضح وأشد، ومعنى الحداد فيها يغلب معنى براءة الرحم، ولذا تجب على المدخول بها وغير المدخول بها، وإن الشارع قد جعلها لذلك أطول من عدة الطلاق.وقد يرد سؤال ثالث وهو: لماذا حددت العدة بأربعة أشهر وعشر؟ وإن تقدير الأعداد كما يقرر الفقهاء أمر توقيفى خالص لا يجرى فيه القياس ولكن ليس معنى ذلك أنه لا حكمة فيه، وأن الحكمة يقررها العلماء في أمرين:أولهما: أن الأشهر الأربعة هي التي يظهر فيها الحمل ويستبين، وقد جعلت العشر بعدها للاحتياط.وثانيهما: أن مدة أربعة الأشهر هي المدة التي قررها الشارع أقصى مدة للحرمان من الرجال. ولذلك جعل الإيلاء مدته أربعة أشهر.. فكان من التنسيق بين الأحكام الشرعية أن تجعل مدة الإحداد على الزواج في حدود هذه المدة ومقاربة لها في الجملة».وقوله: فَإِذا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ فِيما فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ بيان لما يترتب على انتهاء المدة التي حددها الشرع للمرأة التي مات عنها زوجها. أى: فإذا انتهت المدة التي حددها الشرع للمرأة التي مات عنها زوجها لتتجنب فيها التزين والتعرض للنكاح. فلا حرج عليكم بعد ذلك أيها المسلمون أو أيها الأولياء- في ترك هؤلاء الزوجات الأرامل يفعلن في أنفسهن ما تفعله المرأة الراغبة في الزواج من التزين والتجمل ولكن بالطريقة التي يقرها الشرع، وترضاها العقول السليمة، والأخلاق المستقيمة.وقوله: بِالْمَعْرُوفِ متعلق بفعلن، أو حال من النون أى حالة كونهن متلبسات بالمعروف.ومفهومه أنهن لو خرجن عن المعروف شرعا بأن تبرجن وأظهرن ما أمر الله بستره فإنه في هذه الحالة يجب على أوليائهن أن يمنعوهن من ذلك.ثم ختم- سبحانه- الآية بقوله: وَاللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ أى أنه محيط بدقائق أعمالكم لا يخفى عليه منها شيء فإذا وقفتم أنتم ونساؤكم عند حدوده أسعدكم في الدنيا وأجزل مثوبتكم في الآخرة، وإن تجاورتم حدوده عاقبكم بما تستحقون يَوْمَ لا يَنْفَعُ مالٌ وَلا بَنُونَ إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ.وبذلك نرى الآية الكريمة قد رسمت للناس أفضل وسائل الحياة الشريفة، فأرشدت المرأة التي مات عنها زوجها إلى ما يحفظ لها كرامتها، ويدفع عنها ما يتنافى مع العفة والشرف والوفاء.ثم بين- سبحانه- حكم الخطية للنساء المعتدات بيانا يقوم على أدب النفس، وأدب الاجتماع، ورعاية المشاعر والعواطف مع رعاية المصالح والضرورات فقال- تعالى-:
2:235
وَ لَا جُنَاحَ عَلَیْكُمْ فِیْمَا عَرَّضْتُمْ بِهٖ مِنْ خِطْبَةِ النِّسَآءِ اَوْ اَكْنَنْتُمْ فِیْۤ اَنْفُسِكُمْؕ-عَلِمَ اللّٰهُ اَنَّكُمْ سَتَذْكُرُوْنَهُنَّ وَ لٰكِنْ لَّا تُوَاعِدُوْهُنَّ سِرًّا اِلَّاۤ اَنْ تَقُوْلُوْا قَوْلًا مَّعْرُوْفًا۬ؕ-وَ لَا تَعْزِمُوْا عُقْدَةَ النِّكَاحِ حَتّٰى یَبْلُغَ الْكِتٰبُ اَجَلَهٗؕ-وَ اعْلَمُوْۤا اَنَّ اللّٰهَ یَعْلَمُ مَا فِیْۤ اَنْفُسِكُمْ فَاحْذَرُوْهُۚ-وَ اعْلَمُوْۤا اَنَّ اللّٰهَ غَفُوْرٌ حَلِیْمٌ۠(۲۳۵)
اور تم پر گناہ نہیں اس بات میں جو پردہ رکھ کر تم عورتوں کے نکاح کا پیام د و یا اپنے دل میں چھپا رکھو اللہ جانتا ہے کہ اب تم ان کی یاد کرو گے (ف۴۷۵) ہاں ان سے خفیہ وعدہ نہ کر رکھو مگر یہ کہ اتنی بات کہو جو شرع میں معروف ہے، اور نکاح کی گرہ پکی نہ کرو جب تک لکھا ہوا حکم اپنی میعاد کو نہ پہنچ لے (ف۴۷۶) اور جان لو کہ اللہ تمہارے دل کی جانتا ہے تو اس سے ڈرو اور جان لو کہ اللہ بخشنے والا حلم والا ہے،

وقوله- تعالى-: فِيما عَرَّضْتُمْ بِهِ أى: لو حتم وأشرتم به. من التعريض الذي هو ضد التصريح ومعناه أن يضمن كلامه ما يصلح للدلالة على مقصوده، ويصلح للدلالة على غير مقصوده، إلا أن إشعاره بجانب المقصود أتم وأرجح وأصله من عرض الشيء- بضم العين- أى جانبه ومن أمثلته أن يقول الفقير المحتاج للمحتاج إليه: جئتك لأسلّم عليك.. وهو يقصد عطاءه.وخِطْبَةِ النِّساءِ مخاطبة المرأة أو أوليائها في أمر زواجها. والخطبة- بكسر الخاء كالجلسة- مأخوذة من الخطب أى الشأن لأنها شأن من الشئون وقيل من الخطاب لأنها نوع- مخاطبة تجرى بين جانب الرجل وجانب المرأة. والمراد خطبة النساء اللائي فارقهن أزواجهن.وأَكْنَنْتُمْ فِي أَنْفُسِكُمْ أخفيتم وأسررتم من الإكنان وهو الإضمار من غير إعلان.والمعنى: ولا حرج ولا إثم عليكم أيها الرجال المبتغون للزواج في التعريض بخطبة المرأة أثناء عدتها لتتزوجوهن بعد انقضائها، كما أنه لا إثم عليكم كذلك في الرغبة في الزواج بهن، مع إخفاء ذلك وستره من غير كشف وإعلان لأن التصريح بالخطبة أثناء العدة عمل يتنافى مع آداب الإسلام، ومع تعاليم شريعته، ومع الأخلاق الكريمة، والعقول السليمة، والنفوس الشريفة.قال القرطبي: قال ابن عطية: أجمعت الأمة على أن الكلام مع المعتدة بما هو نص في تزوجها وتنبيه عليه لا يجوز، وكذلك أجمعت على أن الكلام معها بما هو رفث وذكر جماع أو تحريض عليه لا يجوز وكذلك ما أشبهه وجوز ما عدا ذلك. ولا يجوز التعريض لخطبة المطلقةطلاقا رجعيا إجماعا لأنها كالزوجة. وأما من كانت في عدة البينونة فالصحيح جواز التعريض لخطبتها» .والتعريض في خطبة النساء أساليبه مختلفة، ومما ذكره العلماء في هذا الشأن أن يقول الرجل للمرأة: إنى راغب في الزواج أو أن يقول لوليها: لا تسبقني بها إلى غيرى.ومن أساليب التعريض ما فعله النبي صلّى الله عليه وسلّم مع السيدة أم سلمة، فقد دخل عليها وهي متأيمة من زوجها أبى سلمة فقال لها: «لقد علمت أنى رسول الله وخيرته وموضعي في قومي» فكان كلامه خطبة لها بأسلوب التعريض.ومنها ما ذكره صاحب الكشاف عن عبد الله بن سليمان عن خالته- سكينة بنت حنظلة- قالت: دخل على أبو جعفر محمد بن على وأنا في عدتي فقال: قد علمت قرابتي من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وقرابتي من جدي على بن أبى طالب، وموضعي في العرب، وقدمي في الإسلام.قالت: فقلت: غفر الله لك يا أبا جعفر! أتخطبني في عدتي وأنت يؤخذ عنك؟ فقال: أو قد فعلت إنما أخبرتك بقرابتي من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وموضعي».وقوله- تعالى-: وَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ فِيما عَرَّضْتُمْ. إلخ معطوف على ما قبله في الآية السابقة لأن الكلام في الآيتين في الأحكام المتعلقة بعدة النساء.وما في قوله: فِيما عَرَّضْتُمْ موصولة. ومِنْ خِطْبَةِ النِّساءِ بيان لما، وأل في النساء للعهد والمعهودات هن الزوجات اللائي سبق الحديث عنهن في الآيات التي قبل هذه.وأَوْ في قوله: أَوْ أَكْنَنْتُمْ للإباحة أو التخيير، ومفعول أكن محذوف يعود إلى ما الموصولة في قوله: فِيما عَرَّضْتُمْ والتقدير: أو أكننتموه. وفِي أَنْفُسِكُمْ متعلق بأكننتم.وقوله- تعالى-: عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ سَتَذْكُرُونَهُنَّ وَلكِنْ لا تُواعِدُوهُنَّ سِرًّا إِلَّا أَنْ تَقُولُوا قَوْلًا مَعْرُوفاً كالتعليل لما قبله وهو قوله: وَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ فِيما عَرَّضْتُمْ إلخ. ونهى عما يردى ويفسد، وإباحة لما لا ضرر فيه.أى: علم الله أنكم يا معشر الرجال ستذكرون هؤلاء النسوة المعتدات بما لهن من جمال ومن حسن عشرة ومن غير ذلك من شئونهن وأن تفكروا فيهن وتهفوا إليهن نفوسكم، والله- تعالى- فضلا منه وكرما قد أباح لكم أن تذكروهن ولكنه ينهاكم عن أن تواعدوهن وعدا سريا بأن تقولوا لهم في السر ما تستحيون من قوله في العلن لقبحه ومنافاته للشرع.وقوله: إِلَّا أَنْ تَقُولُوا قَوْلًا مَعْرُوفاً استثناء مما يدل عليه النهى لا تواعدوهن مواعدة ما إلا مواعدة معروفة غير منكرة شرعا، وهي ما تكون بطريق التلويح والتعريض.وفي قوله سبحانه: عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ سَتَذْكُرُونَهُنَّ بيان لما جبلت عليه النفس البشرية من ميل فطري بين الرجال والنساء، والإسلام لا ينكر هذا الميل وإنما يهذبه ويقومه ويصقله بآدابه الحميدة، وتعاليمه السامية.وقوله: وَلكِنْ لا تُواعِدُوهُنَّ سِرًّا استدراك على محذوف دل عليه سَتَذْكُرُونَهُنَّ أى:فاذكروهن وَلكِنْ لا تُواعِدُوهُنَّ سِرًّا.قال القرطبي ما ملخصه: واختلف العلماء في المراد بالسر في قوله- تعالى-: وَلكِنْ لا تُواعِدُوهُنَّ سِرًّا فقيل معناه نكاحا، أى لا يقل الرجل لهذه المعتدة تزوجيني بل يعرض إن أراد، ولا يأخذ ميثاقها وعهدها ألا تنكح غيره في استسرار وخفية. هذا قول جمهور أهل العلم.و «سرّا» على هذا التأويل نصب على الحال أى مسرين- وسمى النكاح سرّا لأن مسببه الذي هو الوطء مما يسر- وقيل السر الزنا، أى لا يكونن منكم مواعدة على الزنا في العدة ثم التزوج بعدها. أى لا تواعدوهن زنا. واختاره الطبري. ومنه قول الأعشى:فلا تقربن جارة إن سرها ... عليك حرام فانكحن أو تأبداأى: «فتزوجها أو ابتعد عنها. وقيل السر الجماع».والذي تطمئن إليه النفس أن كلمة (سرا) صفة لموصوف محذوف أى لا تواعدهن وعدا سريا، وأن النهى هنا منصب على كل مواعدة سرية، يقال فيها كل ما ينهى عنه أو يستحيا منه في العلن، لقبحه أو لأن أوانه لم يحن بعد، إذ السرية أو الخلوة بين الرجل والمرأة لا تؤمن مزالقها. وفي الحديث الشريف أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «لا يخلون رجل بامرأة إلا كان الشيطان ثالثهما» «2» وأن المراد بقوله: إِلَّا أَنْ تَقُولُوا قَوْلًا مَعْرُوفاً هو التعريض بالخطبة، وإظهار المودة بطريقة لا تفضى إلى محرم.قال صاحب الكشاف في قوله: إِلَّا أَنْ تَقُولُوا قَوْلًا مَعْرُوفاً وهو أن تعرّضوا ولا تصرحوا.فإن قلت بم يتعلق حرف الاستثناء؟ قلت: بلا تواعدوهن. أى لا تواعدوهن مواعدة قط إلا مواعدة معروفة غير منكرة: أى لا تواعدوهن إلا بالتعريض .ثم قال- تعالى-: وَلا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكاحِ حَتَّى يَبْلُغَ الْكِتابُ أَجَلَهُ.العزم: القطع والتصميم، يقال عزم على الشيء إذا صمم وعقد القلب على فعله، وهو يتعدى بعلى وبنفسه فيقال: عزم الشيء وعزم عليه.وعقدة النكاح: الارتباط الموثق به. وأصل العقد الشد، والعهود والأنكحة تسمى عقودا لأنها تعقد وتوثق كما يوثق بالحبل.والمراد بالكتاب هنا الأمر المكتوب المفروض وهو العدة التي حدد الله لها وقتا معينا.والأجل: هو نهاية المدة التي قررها الشرع للعدة.والمعنى: لا يسوغ لكم يا معشر الرجال الراغبين في الزواج من النساء اللائي فارقهن أزواجهن أن تعقدوا العزم نهائيا في أثناء العدة على أن تتموا الزواج بعدها، بأن تحول الخطبة من التعريض إلى التصريح، أو تبتوا في أمر الزواج بتا قاطعا بمواعدة أو نحوها، إذ العاقل لا يستعجل أمرا قبل حلول وقته، وإنما الذي يسوغ لكم أن تتموا عقد الزواج بعد انتهاء العدة وبعد أن يكون جو الأحزان قد فتر وجفت حدته.والنهى عن العزم على عقد النكاح نهى بالأولى عن إبرامه وتنفيذه، لأن العزم على الفعل يتقدمه، فإذا نهى عنه كان الفعل أنهى، فهو كالنهى عن الاقتراب من حدود الله في قوله:تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلا تَقْرَبُوها.وبذلك نرى أن الآية الكريمة قد أباحت شيئين، ونهت عن شيئين: أباحت التعريض بالخطبة للمرأة أثناء عدتها، كما أباحت إخفاء هذه الرغبة في الأنفس وحديثها بها. ويشهد لذلك قوله- تعالى-: وَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ فِيما عَرَّضْتُمْ بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّساءِ أَوْ أَكْنَنْتُمْ فِي أَنْفُسِكُمْ ونهت عن المواعدة سرا إلا أن يقولوا قولا معروفا عن طريق التعريض، أو أن يسار الرجل المرأة بالقول المعروف الذي أباحه الشرع وارتضته العقول السليمة، والأخلاق الفاضلة، بأن يعدها في السر بالإحسان إليها والاهتمام بشأنها والتكفل بمصالحها حتى يصير ذكر هذه الأشياء الجميلة مؤكدا لذلك التعريض. أما الشيء الثاني الذي نهت عنه فهو العزم على عقدة النكاح قبل انقضاء العدة. ويشهد لهذا قوله- تعالى-: عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ سَتَذْكُرُونَهُنَّ وَلكِنْ لا تُواعِدُوهُنَّ سِرًّا إِلَّا أَنْ تَقُولُوا قَوْلًا مَعْرُوفاً، وَلا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكاحِ حَتَّى يَبْلُغَ الْكِتابُ أَجَلَهُ.وبعد هذه الأوامر والنواهي ختم الله- تعالى- الآية بقوله: وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ ما فِي أَنْفُسِكُمْ فَاحْذَرُوهُ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ.أى: اعلموا أيها الناس أن الله- تعالى- يعلم ما يجول في نفوسكم من خير أو شر، وما تهجس به خطرات قلوبكم من مقاصد واتجاهات، فاحذروا أن تقصدوا ما هو شر، أو تفعلوا ما هو منكر، واعلموا أنه- تعالى- غفور لمن تاب وعمل صالحا، حليم لا يعاجل الناس بالعقوبة، ولا يؤاخذهم إلا بما كسبوا.فالجملة الكريمة تحذير وتبشير، وترغيب وترهيب، لكي لا يتجاسر الناس على ارتكاب ما نهى الله عنه، ولا ييأسوا من رحمته متى تابوا وأنابوا.هذا، وقد أجمع العلماء على تحريم نكاح المرأة في عدتها، وإذا حدث مثل هذا النكاح ودخل بها فرق بينهما وفسخ النكاح.ويرى جمهور العلماء أنها تصير محرمة عليه تحريما مؤبدا، ولا يحل له نكاحها ركلك لأنه استحل ما لا يحل فعوقب بحرمانه، كالقاتل يعاقب بحرمانه من ميراث المقتول. وقيل: يفسخ النكاح ويفرق بينهما فإذا انتهت العدة حلت له ولم يتأبد التحريم. ولكل فريق أدلته المبسوطة في كتب الفقه.وبذلك تكون الآية الكريمة قد أرشدت الناس إلى ما يقره الشرع، ويرتضيه الخلق الكريم، ونهتهم عما يتنافى مع تعاليم الإسلام بأسلوب حكيم جمع بين الشدة واللين، والخوف والرجاء، حتى يثوب المخطئون إلى رشدهم ويقلعوا عن خطئهم.ثم بين- سبحانه- في آيتين كريمتين بعض الأحكام التي تتعلق بالمطلقة قبل الدخول بها، سواء أذكر لها المهر أم لم يذكر، فقال- تعالى-:
2:236
لَا جُنَاحَ عَلَیْكُمْ اِنْ طَلَّقْتُمُ النِّسَآءَ مَا لَمْ تَمَسُّوْهُنَّ اَوْ تَفْرِضُوْا لَهُنَّ فَرِیْضَةً ۚۖ-وَّ مَتِّعُوْهُنَّۚ-عَلَى الْمُوْسِعِ قَدَرُهٗ وَ عَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهٗۚ-مَتَاعًۢا بِالْمَعْرُوْفِۚ-حَقًّا عَلَى الْمُحْسِنِیْنَ(۲۳۶)
تم پر کچھ مطالبہ نہیں (ف۴۷۷) تم عورتوں کو طلاق دو جب تک تم نے ان کو ہاتھ ن ہ لگایا ہو یا کوئی مہر مقرر کرلیا ہو (ف۴۷۸) اور ان کو کچھ برتنے کو دو (ف۴۷۹) مقدور والے پر اس کے لائق اور تنگدست پر اس کے لائق حسب دستور کچھ برتنے کی چیز یہ واجب ہے بھلائی والوں پر (ف۴۸۰)

قوله- تعالى-: ما لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أى ما لم تجامعوهن ولم تدخلوا بهن والمس في أصل معناه: اللمس، ويقال فيما معه إدراك بحاسة اللمس، ثم أطلق على سبيل الكناية على ما يكون بين المرء وزوجه من جماع ومباشرة وعلى غير ذلك مما يكون فيه إصابة حسية أو معنوية.وهذه الكناية من ألطف الكنايات التي تربى في الإنسان حسن الأدب، وسلامة التعبير، وتجنبه النطق بالألفاظ الفاحشة. وقد تكرر هذا التعبير المهذب في القرآن الكريم ومن ذلك قوله- تعالى- حكاية عن مريم: قالَتْ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي وَلَدٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ.. .والمراد بالفريضة هنا المهر الذي يفرضه الرجل على نفسه للمرأة قبل الدخول بها.والمعنى: لا إثم عليكم أيها الرجال إذا طلقتم النساء لأسباب مشروعة، وبطريقة مرضية، قبل الدخول بهن، وقبل أن تقدروا لهن مهرا معينا.ثم بين- سبحانه- ما للمرأة على الرجل في هذه الحالة فقال: وَمَتِّعُوهُنَّ عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ، مَتاعاً بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُحْسِنِينَ..قوله- تعالى-: وَمَتِّعُوهُنَّ أى ملكوهن ما ينتفعن به، ويدخل التسلية والسرور على نفوسهن. وأصل المتعة والمتاع ما ينتفع به الإنسان من مال أو كسوة أو غير ذلك، ثم أطلقت المتعة على ما يعطيه الرجل للمرأة من مال أو غيره عند طلاقها منه لتنتفع به، جبرا لخاطرها، وتعويضا لما نالها بسبب هذا الفراق.والْمُوسِعِ هو الغنى الذي يكون في سعة من غناه. يقال: أوسع الرجل إذ كثر ماله، واتسعت حاله. والْمُقْتِرِ هو الفقير الذي يكون في ضيق من فقره. أقتر الرجل أى افتقر وقل ما في يده.والمعنى: لا حرج عليكم في طلاقكم للنساء قبل أن تدخلوا بهن وقبل أن تقدروا لهن مهرا معينا، وليس من حقهن عليكم في هذه الحالة أن يطالبنكم بالصداق، وإنما من حقهن عليكم أن تمتعوهن بأن تدفعوا لهن ما ينتفعن به كل على حسب حاله وطاقته، فالأغنياء يدفعون ما يناسب غناهم وسعتهم، والفقراء يدفعون ما يناسب حالهم.وقوله: مَتاعاً بِالْمَعْرُوفِ أى أعطوهن ما يتمتعن وينتفعن به بالقدر المتعارف عليه بين العقلاء، فلا يعطى الغنى ما لا يتناسب مع غناه ولا مع حال المرأة التي طلقها، ولا يعطى الفقير شيئا تافها لا يسمى في عرف العقلاء متاعا كما أنه لا يكلف فوق استطاعته، لأن المتاع ما سمى بهذا الاسم إلا لأنه يتمتع به وينتفع به لفترة من الزمان.وقوله: حَقًّا عَلَى الْمُحْسِنِينَ تأكيد لهذا التمتيع الذي هو من حق المرأة على الرجل الذي طلقها قبل أن يدخل بها وقيل أن يسمى لها مهرا.أى: هذا التمتيع حق ثابت على المحسنين الذين يحسنون إلى أنفسهم بامتثالهم لأوامر الله، وبترضيتهم لنفوس هؤلاء المطلقات اللاتي تأثرن بسبب هذا الفراق. فالآية الكريمة ترفع الإثم عن الرجال الذين يطلقون النساء قبل الدخول بهن وقبل تسمية المهر لهن، متى كانت المصلحة تستدعى ذلك، وتبين الحقوق التي للمرأة على الرجل في هذه الحالة.قال القرطبي: قوله- تعالى-: لا جُناحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّساءَ. إلخ هذا أيضا من أحكام المطلقات، وهو ابتداء إخبار برفع الحرج عن المطلق قبل البناء والجماع، فرض مهرا أو لم يفرض. ولما نهى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عن التزوج لمعنى الذوق وقضاء الشهوة، وأمر بالتزوج لطلب العصمة والتماس ثواب الله صلّى الله عليه وسلّم وقصد دوام الصحبة وقع في نفوس المؤمنين أن من طلق قبل البناء قد واقع جزءا من هذا المكروه، فنزلت الآية رافعة للجناح في ذلك إذا كان أصل النكاح على المقصد الحسن» .وقوله: أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً معطوف على تَمَسُّوهُنَّ المنفي، أى لا حرج عليكم في تطليقكم النساء في حالة عدم الدخول بهن وعدم تقدير مهر معين لهن.وقوله: وَمَتِّعُوهُنَّ عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ إلخ تشريع حكيم وتوجيه سديد، لأن فراق المرأة قبل الدخول بها وقبل تقدير مهر لها ينشئ جفوة ممضة بين المرأة وبين مطلقها، وقد يسيء هذا الفراق إليها وإلى أسرتها، فكان هذا الحق الذي جعله الله للمرأة على الرجل هو التمتيع، تسرية لنفسها، وتعويضا عما أصابها بسبب هذا الفراق، وتلطيفا لجو الطلاق وما يصاحبه من جفاء وبغضاء، واستبقاء للمودة الإنسانية بين الطرفين، وإزالة لما عسى أن يقوله البعض من أنه ما طلقها من طلقها إلا لشيء.ولا شك أن إنهاء الحياة الزوجية قبل الدخول فيها، لضرورات اقتضاها هذا الإنهاء، أخف وأيسر من إنهائها بعد الدخول فيها.قال الجمل ما ملخصه: وقوله: عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ جملة من مبتدأ وخبر وفيها قولان:أحدهما: أنها لا محل لها من الإعراب بل هي استئنافية بينت حال المطلق بالنسبة إلى يساره وإقتاره.والثاني: في محل نصب على الحال وصاحب الحال فاعل متعوهن. والرابط بين جملة الحال وصاحبها محذوف والتقدير: على الموسع منكم. ومَتاعاً منصوب على المصدر.وبِالْمَعْرُوفِ جار ومجرور صفة له. وحَقًّا صفة ثانية لقوله: مَتاعاً أو مصدر مؤكد لمضمون الجملة قبله. وعامله محذوف وجوبا والتقدير: حق ذلك حقا».هذا، ويرى بعض العلماء أن المتعة واجبة للمرأة على الرجل في حال مفارقتها قبل الدخول بها وقبل تسمية المهر، لأن الآية الكريمة قد أكدت ذلك وجعلته حقا ثابتا لا يجوز التحلل منه قال- تعالى-: مَتاعاً بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُحْسِنِينَ.ويرى بعضهم أنها مستحبة، لأن التعبير بالمحسنين يدل على أن المتعة غير واجبة وقد رجح المحققون من العلماء الرأى الأول وقالوا: إن الإحسان لا ينافي الوجوب الذي دل عليه الأمر يؤيد هذا قوله: عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ، فقد جعل الله المتعة على الفريقين كل فريق على حسب طاقته وقدرته.والمتعة تختلف باختلاف الأحوال من يسار وإعسار، يقدرها القاضي على الرجل على حسب حالته كما يقدر النفقة.والصالحون من الناس هم الذين يبذلون المتعة للمطلقة بسخاء ومودة، ولقد أثر عن الحسن بن على- رضي الله عنهما- أنه متع امرأة طلقها بعشرة آلاف درهم، فلما تسلمت هذا المال الوفير قالت: «متاع قليل من حبيب مفارق» .
2:237
وَ اِنْ طَلَّقْتُمُوْهُنَّ مِنْ قَبْلِ اَنْ تَمَسُّوْهُنَّ وَ قَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِیْضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ اِلَّاۤ اَنْ یَّعْفُوْنَ اَوْ یَعْفُوَا الَّذِیْ بِیَدِهٖ عُقْدَةُ النِّكَاحِؕ-وَ اَنْ تَعْفُوْۤا اَقْرَبُ لِلتَّقْوٰىؕ-وَ لَا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَیْنَكُمْؕ-اِنَّ اللّٰهَ بِمَا تَعْمَلُوْنَ بَصِیْرٌ(۲۳۷)
اور اگر تم نے عورتوں کو بے چھوئے طلاق دے دی اور ان کے لئے کچھ مہر مقرر کرچکے تھے تو جتنا ٹھہرا تھا اس کا آدھا واجب ہے مگر یہ کہ عورتیں کچھ چھوڑدیں (ف۴۸۱) یا وہ زیاد ه دے (ف۴۸۲) جس کے ہاتھ میں نکاح کی گرہ ہے (ف۴۸۳) اور اے مرَدو تمہارا زیادہ دینا پرہیزگاری سے نزدیک تر ہے اور آپس میں ایک دوسرے پر احسان کو بُھلا نہ دو بیشک اللہ تمہارے کام دیکھ رہا ہے (ف۴۸۴)

ثم بين- سبحانه- حق المرأة فيما لو طلقت قبل الدخول بها وبعد تسمية مهر لها فقال- تعالى-: وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً، فَنِصْفُ ما فَرَضْتُمْ إِلَّا أَنْ يَعْفُونَ أَوْ يَعْفُوَا الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكاحِ.أى: وإن طلقتم يا معشر الرجال النساء من قبل أن تدخلوا بهن وتباشروهن، ومن بعد أن قدرتم لهن صداقا معلوما، فالواجب عليكم في هذه الحالة أن تدفعوا لهن نصف ما قدرتم لهن من صداق، إلا أن تتنازل المرأة عن حقها فتتركه لمطلقها بسماحة نفس، بأن تكون هي الراغبة في الطلاق، أو يتنازل الذي بيده عقدة النكاح وهو الزوج عن حقه بأن يدفع لها المهر كاملا أو ما هو أكثر من النصف لأنه هو الراغب في الطلاق. وجملة وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً في موضع نصب على الحال من فاعل طَلَّقْتُمُوهُنَّ أو من مفعوله. أى وإن طلقتموهن حالة كونكم فارضين لهن المهر أو حالة كونهن مفروضا لهن المهر.والفاء في قوله: فَنِصْفُ ما فَرَضْتُمْ واقعة في جواب الشرط، والجملة في مجل جزم جواب الشرط، و «نصف» مرفوع على أنه خبر لمبتدأ محذوف أى فالواجب نصف، أو هو مبتدأ محذوف الخبر أى فلهن نصف، وقد صرحت الآية الكريمة بوجوب النصف، ولم تصرح بوجوب دفعه، لأنه قد يكون قدم لها المهر كله أو بعضه، فكان التعبير بالوجوب بيانا للحكم حتى يسترد المطلق ما دفعه زيادة عن النصف إن أراد ذلك، أو يكمل لها النصف إن كان قد دفع أقل منه.وقوله: إِلَّا أَنْ يَعْفُونَ أَوْ يَعْفُوَا الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكاحِ استثناء مفرغ من عموم الأحوال.ويَعْفُونَ فعل مضارع الواو فيه لام الفعل، ونونه ضمير جماعة الإناث فهو هنا مبنى على السكون في محل نصب بأن. ووزنه يفعلن أى: فلهن نصف المهر الذي فرضتموه لهن في كل حال إلا في حال عفو المطلقات أى إبرائهن لكم وتنازلهن عن هذا الحق، أو في حال عفو الذي بيده عقدة النكاح، وهو الزوج المطلق- عند الأحناف والشافعية- لأنه هو المالك لعقد النكاح وحله، والمراد بعفوه أن يزيد على نصف المهر المقرر.ويرى المالكية أن الذي بيده عقدة النكاح هو ولى المرأة، لأنه هو الذي بيده عقدة النكاح ثابتة، وأما الزوج فله ذلك حالة العقد المتقدم فقط.وبكون المعنى على هذا الرأى: عليكم يا معشر الرجال أن تدفعوا للنساء نصف المهر إذا طلقتموهن بعد أن قدرتم لهن مهرا وقبل أن تمسوهن إلا أن يتنازل النساء عن هذا الحق، إذا كن يملكن ذلك، أو يتنازل أولياؤهن إن كن لا يملكن حق التنازل، كأن تكون البنت صغيرة، أو غير جائزة التصرف.وقد دل كل فريق على مذهبه بما هو مبسوط في كتب الفقه.ثم حبب- سبحانه- إلى الناس التسامح والتعاطف فقال: وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوى وَلا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ.أى: من حق المرأة المطلقة على مطلقها أن يدفع لها نصف المهر إذا كان الطلاق قبل المباشرة وبعد تحديد المهر، وإذا تنازل أحد الطرفين عن جزء من حقه لصاحبه كان هذا التنازل حسنا.لأن هذا التنازل والتسامح يضفى على جو الطلاق لونا من المودة والتقارب بين النفوس التي آلمها الفراق بتلك الصورة، فاحرصوا- أيها الناس- على هذا العفو بأن يتنازل كل فريق منكم لصاحبه عن شيء من حقه، ويتسامح معه، فإن ذلك أقرب إلى تقوى القلوب، وصفاء النفوس، ولا تتركوا أن يتفضل بعضكم على بعض بالإحسان، وحب الخير، وجميل الذكر، فالله- تعالى- بصير بأعمالكم وسيحاسبكم عليها، وسيجازى كل نفس بما عملت.فالجملة الكريمة توجيه حكيم للناس إلى ما يدفع عنهم التشاحن والتباغض والتخاصم خصوصا في حالات الطلاق التي هي من أشد الأحوال دفعا إلى هذه الرذائل.ولقد حفظ لنا التاريخ الإسلامى صورا مشرقة لهذا العفو والفضل من ذلك ما ذكره الإمام الزمخشري من أن جبير بن مطعم دخل على سعد بن أبى وقاص فعرض عليه بنتا له فتزوجها.ثم طلقها قبل أن يدخل بها وبعث لها المهر كاملا. فقال له: لم تزوجتها؟ فقال: عرضها على فكرهت رده. فقيل له: فلم بعثت بالصداق كاملا؟ قال: فأين الفضل.وروى أن أحد الصحابة تزوج امرأة وطلقها قبل الدخول بها فأعطاها الصداق كاملا، فقيل له في ذلك فقال: أنا أحق بالعفو منها .وهكذا نرى مبلغ استجابة السلف الصالح لتوجيهات القرآن ووصاياه، فأين المسلمون اليوم من هذه الوصايا والأحكام؟وبعد هذا الحديث المستفيض الذي لم ينته بعد عن الطلاق وأحكامه وآدابه، أورد القرآن آيتين كريمتين تأمران بالمحافظة على الصلاة وبالمداومة على طاعة الله، وبالملازمة لذكره- عز وجل- فقال- تعالى-:
2:238
حٰفِظُوْا عَلَى الصَّلَوٰتِ وَ الصَّلٰوةِ الْوُسْطٰىۗ-وَ قُوْمُوْا لِلّٰهِ قٰنِتِیْنَ(۲۳۸)
نگہبانی کرو سب نمازوں کی (ف۴۸۵) اور بیچ کی نماز کی (ف۴۸۶) اور کھڑے ہو اللہ کے حضور ادب سے(ف۴۸۷)

ولعل السر في توسط هاتين الآيتين بين آيات الأحكام التي تحدثت عن الطلاق، والعدة والرضاع والخطبة ... إلخ، لعل السر في ذلك أن هذه الأمور كثيرا ما تكون مثار تنازع وتخاصم وتقاطع بين الناس، فأراد القرآن بطريقته الحكيمة، وبأسلوبه المؤثر أن يقول للناس:إن محافظتكم على الصلاة، ومداومتكم على طاعة الله وذكره كل ذلك سيعرض في نفوسكم المراقبة له- سبحانه-، والخشية من عقابه، وسيعينكم على أن تحلوا قضاياكم التي تتعلق بالطلاق وغيره بالعدل والإحسان والتسامح والتعاطف، لأن من حافظ على فرائض الله وأوامره، انصرفت نفسه عن ظلم الناس، وعاملهم معاملة كريمة حسنة. وقد بين القرآن في كثير من آياته أن المحافظة على الصلاة بخشوع وخضوع لله- تعالى- وأن المداومة على ذكره، والملازمة لطاعته كل ذلك من شأنه أن يمنع الإنسان من الوقوع فيما نهى الله عنه، قال- تعالى-: اتْلُ ما أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتابِ وَأَقِمِ الصَّلاةَ إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهى عَنِ الْفَحْشاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ..وقال- تعالى-: وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ وَإِنَّها لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخاشِعِينَ، وقال- تعالى-: وَأَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفَيِ النَّهارِ وَزُلَفاً مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَناتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئاتِ ذلِكَ ذِكْرى لِلذَّاكِرِينَ.فكأن الله- تعالى- يقول للناس: لقد أمرتكم بالمحافظة على الصلاة، وبالمداومة على طاعتي وذكرى خلال حديثي عن أحكام كثيرا ما تكون هذه الأحكام مثار تنازع بينكم، وذلك لكي تحلوا التسامح والتواصل والتقارب محل التشاحن والتدابر والتجافي، لأن من شأن المحافظة على هذه العبادات، أن تهدى الناس إلى أكمل الأخلاق والصفات.فسبحان من هذا كلامه، ومن تلك إرشاداته وتوجيهاته ووصاياه.وقوله- تعالى-: حافِظُوا من الحفظ بمعنى ضبط الشيء، وصيانته عن كل تضييع، وهو خلاف النسيان. والخطاب لجميع المكلفين من أفراد الأمة.والمعنى: حافظوا يا معشر المسلمين والمسلمات على أداء الصلوات في أوقاتها بخشوع وخضوع وإخلاص لله رب العالمين، وحافظوا بصفة خاصة على الصلاة الوسطى، لما لها من منزلة سامية، ومكانة عالية.فقد أمر الله- تعالى- عباده بالمحافظة على الصلوات بصفة عامة، وأفرد الصلاة الوسطى بالذكر تفخيما لشأنها، وإعلاء لقدرها من بين أفراد جنسها. والمسلّم يكون محافظا على الصلاة إذا أداها في وقتها مستوفية لآدابها وسننها وشرائعها وخشوعها وكل ما يتعلق بها، أما إذا قصر في شيء من ذلك فإنه لا يكون محافظا عليها تلك المحافظة التامة التي أمر الله بها.وفي قوله- تعالى-: حافِظُوا تنبيه إلى أن الصلاة في ذاتها شيء نفيس ثمين تجب المحافظة عليه، لأن هذه الكلمة تدل على الصيانة والضبط بجانب دلالتها على الأداء والإقامة والمداومة.قال الإمام الرازي: وقوله: حافِظُوا بصيغة المفاعلة التي تكون بين اثنين. للدلالة على أن هذه المحافظة تكون بين العبد والرب. فكأنه قيل: احفظ الصلاة ليحفظك الإله الذي أمرك بها. وهذا كقوله: «فاذكروني أذكركم» وفي الحديث «احفظ الله يحفظك» . أو أن تكون المحافظة بين المصلّى والصلاة. فكأنه قيل: احفظ الصلاة حتى تحفظك الصلاة بمعنى أنها تحفظك من ارتكاب المعاصي، وتشفع لمصليها يوم القيامة» .وللعلماء أقوال في المراد بالصلاة الوسطى التي أفردها الله- تعالى- من بين الصلوات.فجمهور العلماء يرون أنها واحدة من بين الصلوات الخمس المفروضة، وأن الوسطى مؤنث الأوسط أى الشيء المتوسط بين شيئين، فالصلاة الوسطى هي الصلاة المتوسطة بين صلاتين، إلا أنهم اختلفوا في تعيينها.فأكثر العلماء على أن الصلاة الوسطى هي صلاة العصر، لأنها تقع في وسط الصلوات الخمس، إذ قبلها اثنتان وبعدها اثنتان، ولأنها وسط بين صلاتي النهار، وصلاتي الليل، فمعنى التوسط فيها واضح، ولأنها مظنة التقصير لمجيئها بعد وقت الظهيرة الذي يكون في الغالب وقت كسل.وفضلا عن ذلك فقد صرحت بعض الأحاديث بأنها صلاة العصر، وقد ساق الإمام ابن كثير عددا من هذه الأحاديث ومنها ما جاء في صحيح مسلّم ومسند الإمام أحمد عن على بن أبى طالب قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يوم الأحزاب: شغلونا عن الصلاة الوسطى صلاة العصر ملأ الله قلوبهم وبيوتهم نارا، ثم صلاها بين العشاءين المغرب والعشاء، وفي مسند الإمام أحمد عن سمرة أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «الصلاة الوسطى صلاة العصر» .وقد خصت صلاة العصر بمزيد من التأكيد، وبالأمر بالمحافظة عليها، وبالتحذير من التقصير فيها، مما يشهد بأنها هي الصلاة الوسطى، فقد روى البخاري ومسلّم عن ابن عمر أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «الذي تفوته صلاة العصر فكأنما وتر أهله وماله» أى: سلب من أهله وماله فبقى وحيدا بدونهما.وقال بعضهم المراد بالصلاة الوسطى صلاة الصبح، وقيل صلاة الظهر، وقيل صلاة المغرب، وقيل العشاء، وقيل الجمعة، وقيل غير ذلك من الأقوال التي لا تبلغ في قوتها مبلغ قول القائلين بأنها صلاة العصر، ولذا قال ابن كثير وكل هذه الأقوال فيها ضعف بالنسبة إلى التي قبلها، ومعترك النزاع في الصبح والعصر، وقد أثبتت السنة أنها العصر فتعين المصير إليها- أى إلى أن المراد بالصلاة الوسطى صلاة العصر «2» .ومن العلماء من اتجه في بيان المراد من الصلاة الوسطى اتجاها آخر فهو يرى أن المراد بالصلاة الوسطى الصلوات كلها، وأن الوسطى ليست بمعنى المتوسطة بين صلاتين، وإنما هي بمعنى الفضل لأن وسط الشيء خياره وأعدله وأفضله فالمقصود بها فعلها أو أداؤها بطريقة سليمة كاملة. والمعنى على هذا الرأى: حافظوا يا معشر المسلمين على الصلوات كلها، وحافظوا على أن يكون أداؤكم لها بطريقة وسطى أى فاضلة بأن تؤدوها في أوقاتها كاملة الأركان والسنن والآداب والخشوع.قال ابن كثير: وقيل بل الصلاة الوسطى مجموع الصلوات الخمس رواه ابن أبى حاتم عن ابن عمر وفي صحته نظر. والعجب أن هذا القول قد اختاره الشيخ أبو عمر بن عبد البر إمام ما وراء البحر، وإنها لإحدى الكبر، إذ اختار مع اطلاعه وحفظه ما لم يقم عليه دليل من كتاب ولا سنة ولا أثر» .ومن العلماء المحدثين الذين استحسنوا هذا الرأى الشيخ محمد عبده- رحمه الله- فقد قال: «ولولا أنهم اتفقوا على أنها- أى الصلاة الوسطى- إحدى الخمس لكان يتبادر إلى فهمي من قوله: «الصلاة الوسطى» أن المراد بالصلاة الفعل وبالوسطى الفضلى أى: حافظوا على أنواع الصلاة وهي الصلاة التي يحضر فيها القلب وتتوجه بها النفس إلى الله- تعالى- وتخشع لذكره، وتدبر كلامه لا صلاة المرائين ولا الغافلين» .والذي نراه أن ما عليه الجمهور من أن الصلاة الوسطى هي واحدة من بين الصلوات الخمس، وأنها صلاة العصر هو أقوى الآراء، لأنه- أولا- يتفق مع أصحاب الاتجاه الثاني الذين يقولون بأن أداء الصلاة يجب أن يكون بطريقة تامة الأركان والسنن والخشوع وما قال أحد منهم بأن تحديدها بصلاة العصر ينفى أداء بقية الفرائض بكمال واطمئنان. ولأنه- ثانيا- قد امتاز عن رأى أصحاب الاتجاه الثاني بأنه أعمل النص الصحيح الثابت عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بأن الصلاة الوسطى هي صلاة العصر، ولا شك أن إعمال النص أولى من إهماله أو من تأويله تأويلا ضعيفا.وقوله: وَقُومُوا لِلَّهِ قانِتِينَ مؤكدا لما قبله من المحافظة والمداومة على أداء الصلاة.والقنوت: لزوم الطاعة مع الخضوع والخشوع. أى قوموا في الصلاة مطيعين لله- تعالى- مؤيدين لها على وجهها الكامل في خشوع وخضوع واطمئنان.
2:239
فَاِنْ خِفْتُمْ فَرِجَالًا اَوْ رُكْبَانًاۚ-فَاِذَاۤ اَمِنْتُمْ فَاذْكُرُوا اللّٰهَ كَمَا عَلَّمَكُمْ مَّا لَمْ تَكُوْنُوْا تَعْلَمُوْنَ(۲۳۹)
پھر اگر خوف میں ہو تو پیادہ یا سوار جیسے بن پڑے پھر جب اطمینان سے ہو تو اللہ کی یاد کرو جیسا اس نے سکھایا جو تم نہ جانتے تھے،

والفاء في قوله: فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجالًا أَوْ رُكْباناً للتفريع أى: حافظوا على الصلاة في كل وقت، وأدوها بخشوع واطمئنان، فإن كان بكم خوف من عدو في حال المقاتلة في الحرب أو من غيره لسبب من الأسباب، فصلوا راجلين أى ماشين على الأقدام، أو راكبين على ركائبكم بإيماء، سواء وليتم وجوهكم شطر القبلة أولا.و (رجالا) جمع راجل. وهو القوى على المشي برجليه. يقال: رجل الإنسان يرجل رجلا إذا لم يحد ما يركبه ومشى على قدميه، والركبان جمع راكب للجمل أو الفرس أو غيرهما.وجواب الشرط محذوف والتقدير: فإن خفتم فصلوا راجلين أو راكبين، وهذان اللفظان أى- رجالا أو ركبانا- حالان من الضمير في «فصلوا» المحذوف.والآية الكريمة تدل على شدة عناية الإسلام بشأن الصلاة، فقد أمر الله- تعالى- عباده بأن يحافظوا عليها في حالتي الأمن والخوف، والصحة والمرض، والسفر والإقامة..وقد بسط هذا المعنى الأستاذ الإمام محمد عبده فقال ما ملخصه: وقوله- تعالى-: فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجالًا أَوْ رُكْباناً هذا تأكيد للمحافظة على الصلاة، وبيان أنها لا تسقط بحال، لأن حال الخوف على النفس أو العرض أو المال هو مظنة العذر في الترك كما يكون السفر عذرا في ترك الصيام.. والسبب في عدم سقوط الصلاة عن المكلف بحال أنها عمل قلبي، وإنما فرضت تلك الأعمال الظاهرة لأنها مساعدة على العمل القلبي المقصود بالذات، وهو تذكر سلطان الله- تعالى- المستولى علينا وعلى العالم كله، ومن شأن الإنسان إذا أراد عملا قلبيا يجتمع فيه الذكر أن يستعين على ذلك ببعض ما يناسبه من قول وعمل.ولا ريب أن هذه الهيأة التي اختارها الله- تعالى- للصلاة هي أفضل معين على استحضار سلطانه فإن قولك «الله أكبر» في فاتحة الصلاة وعند الانتقال فيها من عمل إلى عمل يعطيك من الشعور بكون الله أكبر وأعظم من كل شيء ما يغمر روحك، ويستولى على إرادتك..وكذلك الشأن في سائر أعمال الصلاة.فإذا تعذر عليك الإتيان ببعض تلك الأعمال البدنية فإن ذلك لا يسقط عنك هذه العبادة القلبية التي هي روح الصلاة وغيرها، وهي الإقبال على الله- تعالى- واستحضار سلطانه، مع الإشارة إلى تلك الأعمال بقدر الإمكان الذي لا يمنع من مدافعة الخوف الطارئ من سبع مفترس، أو عدو مغتال، أو لص محتال.. فالآية تعلمنا أنه يجب أن لا يذهلنا عن الله شيء في حال من الأحوال..» .وقال الإمام ابن العربي: قوله- تعالى-: فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجالًا أَوْ رُكْباناً أمر الله- تعالى- بالمحافظة على الصلاة في كل حال من صحة ومرض، وحضر وسفر، وقدرة وعجز، وخوف وأمن، لا تسقط عن المكلف بحال، ولا يتطرق إلى فرضيتها اختلال. وقد قال صلّى الله عليه وسلّم: «صل قائما، فإن لم تستطع فقاعدا، فإن لم تستطع فعلى جنب» .والمقصود من ذلك أن تفعل الصلاة كيفما أمكن، لا تسقط بحال حتى لو لم يتفق فعلها إلا بالإشارة بالعين للزم فعلها كذلك إذا لم يقدر على حركة سائر الجوارح، وبهذا المعنى تميزت عن سائر العبادات، فإن العبادات كلها تسقط بالأعذار، ولذلك قال علماؤنا: إن تارك الصلاة يقتل، لأنها أشبهت الإيمان الذي لا يسقط بحال، ولا تجوز النيابة فيها ببدن ولا مال».ثم قال- تعالى-: فَإِذا أَمِنْتُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَما عَلَّمَكُمْ ما لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ أى فإذا زال خوفكم وصرتم آمنين مطمئنين، «فاذكروا الله» أى فأدوا الصلاة تامة كاملة مثل ما علمكم إياها ربكم على لسان نبيكم صلّى الله عليه وسلّم وقد من الله- تعالى- عليكم بهذا التعليم الذي كنتم تجهلونه فضلا منه وكرما.وعبر- سبحانه- «بإن» المفيدة للشك في حالة الخوف، وبإذا المفيدة للتحقيق في حالة الأمن، للإشعار بأن حالة الأمن هي الحالة الكثيرة الثابتة، وأن حالة الخوف هي الحالة القليلة الطارئة، وفي ذلك فضل جزيل من الله- تعالى- على عباده يحملهم على شكره وطاعته، حيث وهبهم الأمان والاطمئنان في أغلب أوقات حياتهم.وبذلك نرى أن هاتين الآيتين الكريمتين قد أمرتا المسلّم بأن يحافظ على الصلاة محافظة تامة، إذ في هذه المحافظة سعادة للإنسان، ودافع له على أداء الحقوق لأربابها، وزاجر له عن اقتراف.ما نهى الله عنه.ثم ختمت السورة الكريمة حديثها عن أحكام الزواج وما يتعلق به من طلاق ووصية وعدة وغير ذلك من أحكام بقوله- تعالى-:
2:240
وَ الَّذِیْنَ یُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَ یَذَرُوْنَ اَزْوَاجًا ۚۖ-وَّصِیَّةً لِّاَزْوَاجِهِمْ مَّتَاعًا اِلَى الْحَوْلِ غَیْرَ اِخْرَاجٍۚ-فَاِنْ خَرَجْنَ فَلَا جُنَاحَ عَلَیْكُمْ فِیْ مَا فَعَلْنَ فِیْۤ اَنْفُسِهِنَّ مِنْ مَّعْرُوْفٍؕ-وَ اللّٰهُ عَزِیْزٌ حَكِیْمٌ(۲۴۰)
اور جو تم میں مریں اور بیبیاں چھوڑ جائیں، وہ اپنی عورتوں کے لئے وصیت کرجائیں (ف۴۸۸) سال بھر تک نان نفقہ دینے کی بے نکالے (ف۴۸۹) پھر اگر وہ خود نکل جائیں تو تم پر اس کا مؤاخذہ نہیں جو انہوں نے اپنے معاملہ میں مناسب طور پر کیا، اور اللہ غالب حکمت والا ہے،

والآية الأولى من هذه الآيات تبين بعض الحقوق التي شرعها الله- تعالى- للمرأة التي توفى عنها زوجها.والمعنى: لقد شرع الله لكم فيما شرع من أحكام، أن على المسلّم قبل أن يحضره الموت أن يوصى لزوجته التي على قيد الحياة بما تنتفع به انتفاعا مستمرا لمدة حول من وفاته، ولا يصح أن يخرجها أحد من مسكن الزوجية.وقوله: وَصِيَّةً فيه قراءتان مشهورتان.القراءة الأولى بالنصب، والتقدير: والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا فليوصوا وصية، أو كتب الله عليهم وصية لأزواجهم.والقراءة الثانية بالرفع والتقدير: فعليهم وصية لأزواجهم.وعلى قراءة النصب تكون كلمة وَصِيَّةً مفعولا مطلقا أو مفعولا به، وعلى قراء الرفع تكون مبتدأ محذوف الخبر. وقوله: لِأَزْواجِهِمْ جار ومجرور متعلق بمحذوف صفة لكلمة وَصِيَّةً على القراءتين. أى: وصية كائنة لأزواجهم.والمراد بقوله: مَتاعاً ما تتمتع به الزوجة من السكن والنفقة بعد وفاة زوجها بوصية منه.وهو منصوب على المصدر أى متعوهن متاعا أو على المفعولية. أى جعل الله لهن ذلك متاعا.وقال- سبحانه-: مَتاعاً إِلَى الْحَوْلِ للتنصيص على أن هذه المدة تمتد حولا كاملا منذ وفاة زوجها، إذ كلمة حول تدل على التحول أى حتى تعود الأيام التي حدثت فيها الوفاة.وقوله: «غير إخراج» حال من أزواجهم أى غير مخرجات من مسكن الزوجية، فلا يصح لورثة الميت أن يخرجوهن من مسكن الزوجية بغير رضاهن، لأن بقاءهن في مسكن الزوجية حق شرعه الله لهن، فلا يجوز لأحد أن يسلبه منهن بغير رضاهن.ثم قال- تعالى-: فَإِنْ خَرَجْنَ فَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ فِي ما فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ مِنْ مَعْرُوفٍ.أى: فَإِنْ خَرَجْنَ من منزل الزوجية برضاهن ورغبتهن فَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ أى فلا إثم عليكم أيها المسلمون فِي ما فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ مِنْ مَعْرُوفٍ أى فيما فعلن في أنفسهن من أمور لا ينكرها الشرع كالتزين والتطيب والتزوج بعد انتهاء عدتها وهي أربعة أشهر وعشرة أيام.هذا، وللعلماء في تفسير هذه الآية اتجاهان مشهوران:أما الاتجاه الأول: فيرى أصحابه أن هذه الآية منسوخة لأنها توجب على الزوج حين مشارفة الموت أن يوصى لزوجته بالنفقة والسكنى حولا، ويجب عليها الاعتداد حولا، وهي مخيرة بين السكنى في بيته حولا ولها النفقة، وبين أن تخرج منه ولا نفقة لها، ولم يكن لها ميراث من زوجهاقالوا: وكان هذا الحكم في ابتداء الإسلام. وقد نسخ وجوب الوصية بالنفقة والسكنى بآية المواريث وبحديث «ألا لا وصية لوارث» حيث جعل لها الربع أو الثمن عوضا عن النفقة والسكنى ونسخ وجوب العدة حولا بقوله- تعالى- قبل ذلك: وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْواجاً يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْراً الآية.قالوا: ومما يشهد لذلك ما أخرجه أبو داود والنسائي عن ابن عباس أنه قال في هذه الآية:نسخت بآية الميراث بما فرض الله لهن من الربع والثمن «ونسخ أجل الحول بأن جعل أجلها أربعة أشهر وعشرا» .وقد حكى هذا الرأى صاحب الكشاف فقال: والمعنى: أن حق الذين يتوفون عن أزواجهم أن يوصوا قبل أن يحتضروا بأن تمتع أزواجهم بعدهم حولا كاملا، أى: ينفق عليهن من تركته ولا يخرجن من مساكنهن. وكان ذلك في أول الإسلام ثم نسخت المدة بقوله: أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْراً وقيل نسخ ما زاد منه على هذا المقدار. ونسخت النفقة بالإرث الذي هو الربع والثمن.واختلف في السكنى فعند أبى حنيفة لا سكنى. ثم قال: فإن قلت كيف نسخت الآية المتقدمة المتأخرة؟ قلت: قد تكون الآية متقدمة في التلاوة وهي متأخرة في التنزيل. كقوله- تعالى-: سَيَقُولُ السُّفَهاءُ مع قوله قَدْ نَرى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّماءِ .وعلى هذا الاتجاه سار جمهور المفسرين.أما الاتجاه الثاني: فيرى أصحابه أن هذه الآية محكمة وليست منسوخة وممن ذهب إلى هذا الاتجاه مجاهد، فقد قال ما ملخصه: دلت الآية الأولى وهي يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْراً على أن هذه عدتها المفروضة تعتدها عند أهل زوجها. ودلت هذه الآية بزيادة سبعة أشهر وعشرين ليلة على العدة السابقة تمام الحول، وأن ذلك من باب الوصية للزوجات أن يمكن من السكنى في بيوت أزواجهن بعد وفاتهم حولا كاملا ولا يمنعن من ذلك لقوله: غَيْرَ إِخْراجٍ فإذا انقضت عدتهن بالأربعة أشهر والعشر- أو بوضع الحمل- واخترن الخروج والانتقال من ذلك المنزل فإنهن لا يمنعن من ذلك لقوله: فَإِنْ خَرَجْنَ.ومن المفسرين الذين أيدوا هذا الاتجاه الإمام ابن كثير فقد قال- بعد أن ساق قول مجاهد-وهذا القول له اتجاه وفي اللفظ مساعدة له وقد اختاره جماعة منهم الإمام أبو العباس بن تيمية .كما أيده أيضا الإمام الفخر الرازي في تفسيره، فقد قال بعد أن ساق بعض الأدلة التي تثبت ضعف قول من قال بالنسخ: «فكان المصير إلى قول مجاهد أولى من التزام النسخ من غير دليل» .والخلاصة أن أصحاب هذا الاتجاه الثاني لا يرون معارضة بين هذه الآية وبين آية وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْواجاً يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْراً لأن الآية التي معنا لا تتحدث عن عدة المتوفى عنها زوجها وإنما تتحدث عن حقها في البقاء في منزل الزوجية بعد وفاة زوجها، وأن هذا الحق ثابت لها فإن شاءت بقيت فيه، وإن شاءت خرجت منه على حسب ما نراه مصلحة لها، ولأنها لا يوجد في ألفاظها أو معانيها ما يلزم المرأة بالتربص والامتناع عن الأزواج مدة معينة.أما الآية الثانية فنراها واضحة في الأمر بالتربص أربعة أشهر وعشرا، وهي العدة التي يجب أن تمتنع فيها المرأة التي مات عنها زوجها عن التزين والتعرض للزواج. إذن فلا تعارض بين الآيتين ومتى انتفى التعارض انتفى النسخ.ثم ختم- سبحانه- الآية بقوله: وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ أى: عزيز في انتقامه ممن تعدى حدوده، إذ هو القاهر فوق عباده، حكيم فيما شرع لهم من آداب وأحكام فينبغي أن يمتثل الناس أوامره ويجتنبوا ما نهاهم عنه.
  FONT
  THEME
  TRANSLATION
  • English | Ahmed Ali
  • Urdu | Ahmed Raza Khan
  • Turkish | Ali-Bulaç
  • German | Bubenheim Elyas
  • Chinese | Chineese
  • Spanish | Cortes
  • Dutch | Dutch
  • Portuguese | El-Hayek
  • English | English
  • Urdu | Fateh Muhammad Jalandhry
  • French | French
  • Hausa | Hausa
  • Indonesian | Indonesian-Bahasa
  • Italian | Italian
  • Korean | Korean
  • Malay | Malay
  • Russian | Russian
  • Tamil | Tamil
  • Thai | Thai
  • Farsi | مکارم شیرازی
  TAFSEER
  • العربية | التفسير الميسر
  • العربية | تفسير الجلالين
  • العربية | تفسير السعدي
  • العربية | تفسير ابن كثير
  • العربية | تفسير الوسيط لطنطاوي
  • العربية | تفسير البغوي
  • العربية | تفسير القرطبي
  • العربية | تفسير الطبري
  • English | Arberry
  • English | Yusuf Ali
  • Dutch | Keyzer
  • Dutch | Leemhuis
  • Dutch | Siregar
  • Urdu | Sirat ul Jinan
  HELP

اَلْبَقَرَة
اَلْبَقَرَة
  00:00



Download

اَلْبَقَرَة
اَلْبَقَرَة
  00:00



Download