READ

Surah Yusuf

يُوْسُف
111 Ayaat    مکیۃ


12:0
بِسْمِ اللّٰهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحِیْمِ
اللہ کے نام سے شروع جو بہت مہربان رحمت والا

سورة الفاتحة هي السورة الوحيدة التي أمر الإسلام أتباعه أن يقرءوها في كل صلاة. وفي جميع الركعات، وفي كل الأوقات، ولهذا أصبح حفظها ميسورا لكل مؤمن.وهذه السورة على صغر حجمها، وقلة آياتها، قد اشتملت بوجه إجمالي على مقاصد الدين من توحيد، وتعبد، وأحكام، ووعد ووعيد.ونرى من الخير قبل أن نبدأ في تفسيرها بالتفصيل، أن نمهد لذلك بالكلام عما يأتي:أولا: متى نزلت سورة الفاتحة؟للإجابة على هذا السؤال نقول: إن الرأي الراجح بين المحققين من العلماء أنها نزلت بمكة، بل هي من أوائل ما نزل من القرآن بمكة.وقيل: إنها مدنية. وقيل: إنها نزلت مرتين مرة بمكة حين فرضت الصلاة ومرة بالمدينة حين حولت القبلة.قال القرطبي: الأول أصح لقوله- تعالى- في سورة الحجر: وَلَقَدْ آتَيْناكَ سَبْعاً مِنَ الْمَثانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ وسورة الحجر مكية بالإجماع. ولا خلاف في أن فرض الصلاة كان بمكة، وما حفظ أنه لم يكن في الإسلام قط صلاة بغير الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ «يدل على ذلك قوله صلّى الله عليه وسلّم: «لا صلاة إلا بفاتحة الكتاب» . وهذا خبر عن الحكم لا عن الابتداء» .ثانيا: عدد آياتها: وهي سبع آيات لقوله- تعالى-: وَلَقَدْ آتَيْناكَ سَبْعاً مِنَ الْمَثانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ. قال العلماء: السبع المثاني هي الفاتحة.وقال ابن كثير: هي سبع آيات بلا خلاف. وقال عمرو بن عبيد: هي ثماني آيات لأنه جعل إِيَّاكَ نَعْبُدُ آية. وقال حسين الجعفي: هي ست آيات وهذان القولان شاذان» .ثالثا: أسماؤها: لسورة الفاتحة أسماء كثيرة من أشهرها:1- «الفاتحة أو فاتحة الكتاب، وسميت بذلك لأنه تفتتح قراءة القرآن بها لفظا. وتفتتح بها الكتابة في المصحف خطا، وتفتتح بها الصلوات، وإن لم تكن هي أول ما نزل من القرآن. وقد اشتهرت بهذا الاسم في أيام النبوة.وقد أصبح هذا الاسم علما بالغلبة لتلك الطائفة من الآيات التي مبدؤها الْحَمْدُ لِلَّهِ..ونهايتها.. وَلَا الضَّالِّينَ.2- «أم القرآن أو الكتاب» وسميت بذلك لاشتمالها إجمالا على المقاصد التي ذكرت فيه تفصيلا، أو لاشتمالها على ما فيه من الثناء على الله بما هو أهله، والتعبد بأمره ونهيه، وبيان وعده ووعيده، أو على جملة معانيه من الحكم النظرية، والأحكام العملية التي هي سلوك الصراط المستقيم، والاطلاع على معارج السعداء ومنازل الأشقياء.قال ابن جرير: «والعرب تسمى كل أمر جامع أمّا، وكل مقدم له توابع تتبعه «أما» فتقول للجلدة التي تجمع الدماغ: «أم الرأس» . وتسمى لواء الجيش ورايتهم التي يجتمعون تحتها «أما» .3- «السبع المثاني» جمع مثنى كفعلي اسم مكان. أو مثنى- بالتشديد- من التثنية على غير قياس. وسميت بذلك لأنها سبع آيات في الصلاة، أى تكرر فيها أخرج الإمام أحمد، عن أبي هريرة، عن النبي صلّى الله عليه وسلّم أنه قال: «هي أم القرآن، وهي السبع المثاني، وهي القرآن العظيم» .4- وتسمى- أيضا- سورة «الحمد» . 5- و «الكنز» . 6- و «الواقية» .7- و «الشفاء» ، لحديث. هي الشفاء من كل داء.8- و «الكافية» لأنها تكفي عن سواها ولا يكفى سواها عنها.9- و «الأساس» . 10- و «الرقية» .هذا، وقد ذكر القرطبي للفاتحة اثنى عشر اسما، كما ذكر السيوطي لها في كتابه «الإتقان» خمسة وعشرين اسما.رابعا: فضلها: ورد في فضل سورة الفاتحة أحاديث كثيرة منها:ما رواه البخاري في صحيحه عن أبي سعيد بن المعلى- رضي الله عنه- قال:كنت أصلي في المسجد، فدعاني النبي صلّى الله عليه وسلّم فلم أجبه فقلت: يا رسول الله، إني كنت أصلّي.فقال: ألم يقل الله: اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذا دَعاكُمْ.ثم قال لي: «لأعلمنك سورة هي أعظم السور في القرآن قبل أن تخرج من المسجد» . ثم أخذ بيدي، فلما أراد أن يخرج، قلت: يا رسول الله. ألم تقل: لأعلمنك سورة هي أعظم سورة في القرآن. قال: الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ، هي السبع المثاني والقرآن العظيم الذي أوتيته» .وروى مسلّم والنسائي، عن ابن عباس، قال:بينما جبريل قاعد عند النبي صلّى الله عليه وسلّم سمع نقيضا من فوقه- أي: صوتا- فرفع رأسه فقال:هذا باب من السماء فتح اليوم لم يفتح قط إلا اليوم. فسلّم وقال: أبشر بنورين قد أوتيتهما، ولم يؤتهما نبي قبلك: فاتحة الكتاب، وخواتيم سورة البقرة، لم تقرأ بحرف منهما إلا أعطيته» .وروى مسلّم عن أبي هريرة- رضي الله عنه- عن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال:«من صلّى صلاة لم يقرأ فيها بأم القرآن فهي خداج (ثلاثا) : غير تمام» فقيل لأبي هريرة: إنا نكون وراء الإمام؟ فقال: اقرأ بها في نفسك فإني سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: قال الله- تعالى-: «قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين، ولعبدي ما سأل» ، فإذا قال العبد:الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ. قال الله: حمدني عبدي، وإذا قال: الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ. قال الله تعالى: أثنى علي عبدي. وإذا قال: مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ قال الله: مجدني عبدي. فإذا قال:إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ. قال الله: هذا بيني وبين عبدي ولعبدي ما سأل. فإذا قال:اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ. صِراطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ.قال الله: «هذا لعبدي ولعبدي ما سأل» .وأخرج الإمام أحمد في مسنده، عن عبد الله بن جابر، أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال له: ألا أخبرك بأخير سورة في القرآن؟ قلت: بلى يا رسول الله. قال: اقرأ: الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ حتى تختمها .تلك هي بعض الأحاديث التي وردت في فضل هذه السورة الكريمة.وقد ذكر العلماء أنه يسن للمسلّم قبل القراءة أن يستعيذ بالله من الشيطان الرجيم، استجابة لقوله- تعالى- فَإِذا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطانِ الرَّجِيمِ .ومعنى «أعوذ بالله من الشيطان الرجيم» : ألتجئ إلى الله وأتحصن به، واستجير بجنابه من الشيطان الرجيم أن يضرني في ديني أو دنياي.قال ابن كثير: «والشيطان في لغة العرب كل متمرد من الجن والإنس والدواب وكل شيء.وهو مشتق من شطن إذا بعد، فهو بعيد بطبعه عن طباع الشر، وبعيد بفسقه عن كل خير.وقيل: مشتق من شاط لأنه مخلوق من نار. والأول أصح إذ عليه يدل كلام العرب، فهم:يقولون تشيطن فلان إذا فعل أفعال الشيطان، ولو كان من شاط. لقالوا: تشيط، فالشيطان مشتق من البعد على الصحيح» .والرجيم: فعيل بمعنى مفعول أي أنه مرجوم مطرود من رحمة الله ومن كل خير، وقيل:رجيم بمعنى راجم لأنه يرجم الناس بالوساوس والشكوك.قال بعض العلماء: «وإنما خصت القراءة بطلب الاستعاذة مع أنه قد أمر بها على وجه العموم في جميع الشئون، لأن القرآن مصدر الهداية والشيطان مصدر الضلال، فهو يقف للإنسان بالمرصاد في هذا الشأن على وجه خاص، فيثير أمامه ألوانا من الشكوك فيما يقرأ، وفيما يفيد من قراءته، وفيما يقصد بها، فيفوت عليه الانتفاع بهدى الله وآياته، فعلمنا الله أن نتقي ذلك كله بهذه الاستعاذة التي هي في الواقع عنوان صدق، وتعبير حق، عن امتلاء قلب المؤمن بمعنى اللجوء إلى الله، وقوة عزيمته في طرد الوساوس والشكوك، واستقبال الهداية بقلب طاهر،وعقل واع، وإيمان ثابت» .قال القرطبي: وقد أجمع العلماء على أن التعوذ ليس من القرآن ولا آية منه، وهو قول القارئ: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم .والآن وبعد هذا التمهيد الموجز الذي تكلمنا فيه عن نزول سورة الفاتحة، وعن عدد آياتها، وعن أشهر أسمائها، وعن بعض الأحاديث التي وردت في فضلها نحب أن نبدأ في تفسير السورة الكريمة فنقول- وبالله التوفيق-: بسم ٱلله الرَّحْمٰنِ الرَّحِيمِ الاسم: اللفظ الذى يدل على ذات أو معنى. وقد اختلف النحويون في اشتقاقه على وجهين، فقال البصريون: هو مشتق من السمو، وهو العلو والرفعة، فقيل: اسم، لأن صاحبه بمنزلة المرتفع به.وقال الكوفيون: إنه مشتق من السمة وهي العلامة، لأن الاسم علامة لمن وضع له، فأصل اسم على هذا " وسم ".ويرى المحققون أن رأي البصريين أرجح، لأنه يقال في تصغير " اسم " سُمىَ، وفي جمعه أسماء، والتصغير والجمع يردان الأشياء إلى أصولها. ولو كان أصله وسم - كما قال الكوفيون - لقيل في جمعه: أوسام، وفي تصغيره وسيم.ولفظ الجلالة وهو " الله " علم على ذات الخالق - عز وجل - تفرد به - سبحانه - ولا يطلق على غيره، ولا يشاركه فيه أحد.قال القرطبي: قوله " الله " هذا الاسم أكبر أسمائه - سبحانه - وأجمعها حتى قال بعض العلماء: إنه اسم الله الأعظم ولم يتسم به غيره، ولذلك لم يثن ولم يجمع: فالله اسم للموجود الحق الجامع لصفات الإِلهية، المنعوت بنعوت الربوبيه، المنفرد بالوجود الحقيقي، لا إله إلا هو - سبحانه -و ٱلرَّحْمٰنِ ٱلرَّحِيمِ صفتان مشتقتان من الرحمة. والرحمة في أصل اللغة: رقة في القلب تقتضي الإِحسان، وهذا المعنى لا يليق أن يكون وصفاً لله - تعالى-، ولذا فسرها بعض العلماء بإرادة الإِحسان. وفسرها آخرون بالإِحسان نفسه.والموافق لمذهب السلف أن يقال: هي صفة قائمة بذاته - تعالى - لا نعرف حقيقتها، وإنما نعرف أثرها الذي هو الإِحسان.وقد كثرت أقوال المفسرين في العلاقة بين هاتين الصفتين، فبعضهم يرى أن ٱلرَّحْمٰنِ هو المنعم على جميع الخلق. وأن ٱلرَّحِيمِ هو المنعم على المؤمنين خاصه. ويرى آخرون أن ٱلرَّحْمٰنِ هو المنعم بجلائل النعم، وأن ٱلرَّحِيمِ هو المنعم بدقائقها.ويرى فريق ثالث أن الوصفين بمعنى واحد وأن الثاني منهما تأكيد للأول. والذى يراه المحققون من العلماء أن الصفتين ليستا بمعنى واحد، بل روعي فب كل منهما معنى لم يراع في الآخر، فالرحمن بمعنى عظيم الرحمة، لأن فعلان صيغة مبالغة في كثرة الشيء وعظمته، ويلزم منه الدوام كغضبان وسكران. والرحيم بمعنى دائم الرحمة، لأن صيغته فعيل تستعمل في الصفات الدائمة ككريم وظريف. فكأنه قيل: العظيم الرحمة الدائمة.أو أن ٱلرَّحْمٰنِ صفة ذاتية هي مبدأ الرحمة والإِحسان. و ٱلرَّحِيمِ صفة فعل تدل على وصول الرحمة والإِحسان وتعديهما إلى المنعم عليه.ولعل مما يؤيد ذلك أن لفظ الرحمن لم يذكر في القرآن إلا مجرى عليه الصفات كما هو الشأنِ في أسماء الذات. قال - تعالى-: ٱلرَّحْمَٰنُ عَلَّمَ ٱلْقُرْآنَ و ٱلرَّحْمَٰنُ عَلَى ٱلْعَرْشِ ٱسْتَوَىٰ قُلِ ٱدْعُواْ ٱللَّهَ أَوِ ٱدْعُواْ ٱلرَّحْمَٰنَ وهكذا...أما لفظ الرحيم فقد كثر في القرآن استعماله وصفاً فعلياً، وجاء في الغالب بأسلوب التعدية والتعلق بالمنعم عليه. قال - تعالى - إِنَّ ٱللَّهَ بِٱلنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَّحِيمٌ وَكَانَ بِٱلْمُؤْمِنِينَ رَحِيماً إِنَّهُ كَانَ بِكُمْ رَحِيماً إلخ.قال بعض العلماء " وهذا الرأي في نظرنا هو أقوى الآراء، فإن تخصيص أحد الوصفين بدقائق النعم أو ببعض المنعم عليهم لا دليل عليه، كما أنه ليس مستساغاً أن يقال في القرآن: إن كلمة ذكرت بعد أخرى لمجرد تأكيد المعنى المستفاد منها ".والجار والمجرور " بسم " متعلق بمحذوف تقديره ابتدئ.والمعنى: ابتدئ قراءتي متبركاً ومتيمناً باسم الله الذى هو الأول والآخر، والظاهر والباطن، والذى رحمته وسعت كل شيء، وأتبرأ مما كان يفعله المشركون والضالون، من ابتدائهم قراءتهم وأفعالهم باسم اللات أو باسم العزى أو باسم غيرهما من الآلهة الباطلة.هذا وقد أجمع العلماء على أن البسملة جزء آية من سورة النمل فى قوله - تعالى - إِنَّهُ مِن سُلَيْمَانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ ٱللَّهِ ٱلرَّحْمَٰنِ ٱلرَّحِيمِ ثم اختلفوا بعد ذلك في كونها آية مستقلة أنزلت للفصل بين السور مرة واحدة، أو هى آية من سورة الفاتحة ومن كل سورة ألخ.فبعضهم يرى أن البسملة آية من الفاتحة ومن كل سورة، ومن حججهم أن السلف قد أثبتوها في المصحف مع الأمر بتجريد القرآن مما ليس منه، ولذا لم يكتبوا " آمين ". فثبت بهذا أن البسملة جزء من الفاتحة ومن كل سورة.وبهذا الرأي قال ابن عباس وابن عمر وأبو هريرة وسعيد بن جبير والشافعي، وأحمد في أحد قوليه.ويرى آخرون أن البسملة ليست آية من الفاتحة ولا من غيرها من السور، وقالوا: إنها آية فذة. من القرآن أنزلت للفصل والتبرك للابتداء بها، ومن حججهم أنها لو كانت آية من الفاتحة ومن كل سورة، لما اختلف الناس في ذلك، ولما اضطربت أقوالهم في كونها آية من كل سورة أو من الفاتحة فقط.وكما وقع الخلاف بين العلماء في كونها آية مستقلة أو آية من كل سورة، فقد وقع الخلاف بينهم - أيضاً - في وجوب قراءتها فى الصلاة، وفي الجهر بها أو الإِسرار إذا قرئت.وتحقيق القول في ذلك مرجعه إلى كتب الفقه، وإلى كتب التفسير التي عنيت بتفسير آيات الأحكام.
12:1
الٓرٰ- تِلْكَ اٰیٰتُ الْكِتٰبِ الْمُبِیْنِ۫(۱)
یہ روشن کتاب کی آیتیں ہیں (ف۲)

تعريف بسورة يوسف- عليه السلام-1- سورة يوسف- عليه السلام- هي السورة الثانية عشرة في ترتيب المصحف، فقد سبقها في الترتيب سور: الفاتحة، والبقرة، وآل عمران، والنساء، والمائدة، والأنعام، والأعراف، والأنفال، والتوبة، ويونس وهود..أما ترتيبها في النزول، فكانت السورة الثالثة والخمسين، وكان نزولها بعد سورة هود- عليه السلام-.وعدد آياتها إحدى عشرة ومائة آية.وجه تسميتها بهذا الاسم ظاهر، لأنها مشتملة على قصته- عليه السلام- مع إخوته، ومع امرأة العزيز، ومع ملك مصر في ذلك الوقت..ولم يذكر اسم يوسف- عليه السلام- في غير هذه السورة سوى مرتين: إحداهما في سورة الأنعام في قوله- تعالى- وَوَهَبْنا لَهُ إِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ كُلًّا هَدَيْنا، وَنُوحاً هَدَيْنا مِنْ قَبْلُ، وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ داوُدَ وَسُلَيْمانَ وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسى وَهارُونَ ... الآية 84.والثانية في سورة غافر في قوله- تعالى- وَلَقَدْ جاءَكُمْ يُوسُفُ مِنْ قَبْلُ بِالْبَيِّناتِ ...الآية 34.والقول الصحيح أن سورة يوسف جميعها مكية، ولا التفات إلى قول من قال بأن فيها آيات مدنية، لأن هذا القول لا دليل عليه.قال الآلوسى: سورة يوسف مكية كلها على المعتمد، وروى عن ابن عباس وقتادة أنهما قالا: هي مكية إلا ثلاث آيات من أولها. واستثنى بعضهم رابعة وهي قوله- تعالى-:لَقَدْ كانَ فِي يُوسُفَ وَإِخْوَتِهِ آياتٌ لِلسَّائِلِينَ.2- وكل ذلك واه جدا لا يلتفت إليه، وما اعتمدناه- كغيرنا- من أنها كلها مكية- هو الثابت عن الحبر أى عن ابن عباس»3- وقد ورد في سبب نزولها روايات متعددة، منها ما روى عن سعد بن أبى وقاص أنه قال: أنزل القرآن على رسول الله صلى الله عليه وسلم فتلاه على أصحابه زمانا، فقالوا: يا رسول الله، لو قصصت علينا فنزلت سورة يوسف ... » .4- طبيعة الفترة التي نزلت فيها هذه السورة: قلنا إن سورة يوسف كان نزولها بعد سورة هود، وسبق أن بينا عند تفسيرنا لسورة هود، أن هذه السورة الكريمة كان نزولها- على الراجح- في الفترة التي أعقبت حادث الإسراء والمعراج..ويبدو أن سورة يوسف- أيضا- كان نزولها في هذه الفترة، التي تعتبر من أشق الفترات في حياة النبي صلى الله عليه وسلم إذ تعرض خلالها للكثير من أذى المشركين، بعد أن فقد صلى الله عليه وسلم في هذه الفترة عمه أبا طالب، وزوجه السيدة خديجة- رضى الله عنها.ونزول سورة يوسف في هذه الفترة، كان من أعظم المسليات التي واسى الله- تعالى- بها نبيه صلى الله عليه وسلم فقد أخبره عما دار بين يوسف وإخوته، وعما تعرض له هذا النبي الكريم من مصائب وأذى ...ولا شك أن في قصة يوسف وما يشبهها، تسلية للرسول صلى الله عليه وسلم عما أصابه من قومه.5- والذي يطالع هذه السورة الكريمة بتدبر وتأمل، يراها قد اشتملت على أوضح الدلائل، وأنصع البراهين، التي تشهد بأن هذا القرآن من عند الله ...فقد قصت علينا قصة يوسف- عليه السلام- مع إخوته ومع غيرهم بأسلوب مشوق حكيم، يهدى النفوس، ويشرح الصدور، ويكشف عن الخفايا التي لا يعلمها أحد إلا الله- تعالى-، ويصور أحوال النفس الإنسانية تصويرا بديعا معجزا ...كما يراها قد ساقت ما ساقت من حكم وأحكام، وعبر وعظات، بأسلوب يمتاز بحسن التقسيم، وجمال العرض، حتى إننا لنستطيع أن نقسم أهم الموضوعات التي تحدثت عنها إلى عشرة أقسام.(أ) أما القسم الأول منها، فنراها تتحدث فيه عن جانب من فضائل القرآن الكريم، وعن رؤيا يوسف- عليه السلام- وعن نصيحة أبيه له بعد أن قصها عليه ...قال- تعالى- الر. تِلْكَ آياتُ الْكِتابِ الْمُبِينِ إِنَّا أَنْزَلْناهُ قُرْآناً عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِما أَوْحَيْنا إِلَيْكَ هذَا الْقُرْآنَ وَإِنْ كُنْتَ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الْغافِلِينَ إِذْ قالَ يُوسُفُ لِأَبِيهِ يا أَبَتِ إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَباً وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي ساجِدِينَ قالَ يا بُنَيَّ لا تَقْصُصْ رُؤْياكَ عَلى إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُوا لَكَ كَيْداً إِنَّ الشَّيْطانَ لِلْإِنْسانِ عَدُوٌّ مُبِينٌ.(ب) وفي القسم الثاني منها نراها تحدثنا عن مكر إخوة يوسف به، وحسدهم له، وتآمرهم على الانتقام منه وإجماعهم على أن يلقوا به في الجب، وتنفيذهم لذلك بعد خداعهم لأبيهم، وزعمهم له بأنهم سيحافظون على أخيهم يوسف ...استمع إلى القرآن الكريم وهو يحكى كل ذلك بأسلوبه البديع المعجز فيقول: لَقَدْ كانَ فِي يُوسُفَ وَإِخْوَتِهِ آياتٌ لِلسَّائِلِينَ إِذْ قالُوا لَيُوسُفُ وَأَخُوهُ أَحَبُّ إِلى أَبِينا مِنَّا وَنَحْنُ عُصْبَةٌ، إِنَّ أَبانا لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ اقْتُلُوا يُوسُفَ أَوِ اطْرَحُوهُ أَرْضاً يَخْلُ لَكُمْ وَجْهُ أَبِيكُمْ وَتَكُونُوا مِنْ بَعْدِهِ قَوْماً صالِحِينَ قالَ قائِلٌ مِنْهُمْ لا تَقْتُلُوا يُوسُفَ وَأَلْقُوهُ فِي غَيابَتِ الْجُبِّ. يَلْتَقِطْهُ بَعْضُ السَّيَّارَةِ إِنْ كُنْتُمْ فاعِلِينَ.إلى أن يقول- سبحانه-: وَجاؤُ عَلى قَمِيصِهِ بِدَمٍ كَذِبٍ، قالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْراً فَصَبْرٌ جَمِيلٌ، وَاللَّهُ الْمُسْتَعانُ عَلى ما تَصِفُونَ.(ج) ثم نراها في القسم الثالث منها تحدثنا عن انتشال السيارة ليوسف من الجب، وعن بيعهم له بثمن بخس دراهم معدودة، وعن وصية من اشتراه لامرأته بإكرام مثواه، وعن محنته مع تلك المرأة التي راودته عن نفسه وَغَلَّقَتِ الْأَبْوابَ وَقالَتْ هَيْتَ لَكَ وعن خروجه من هذه المحنة بريئا، نقى العرض، طاهر الذيل ... بعد أن شهد ببراءته شاهد من أهلها.قال- تعالى-: وَجاءَتْ سَيَّارَةٌ فَأَرْسَلُوا وارِدَهُمْ فَأَدْلى دَلْوَهُ، قالَ يا بُشْرى هذا غُلامٌ، وَأَسَرُّوهُ بِضاعَةً، وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِما يَعْمَلُونَ وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ دَراهِمَ مَعْدُودَةٍ وَكانُوا فِيهِ مِنَ الزَّاهِدِينَ وَقالَ الَّذِي اشْتَراهُ مِنْ مِصْرَ لِامْرَأَتِهِ أَكْرِمِي مَثْواهُ عَسى أَنْ يَنْفَعَنا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَداً....إلى أن يقول- سبحانه-: وَراوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِها عَنْ نَفْسِهِ وَغَلَّقَتِ الْأَبْوابَ وَقالَتْ هَيْتَ لَكَ، قالَ مَعاذَ اللَّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوايَ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ....ثم يختم- سبحانه- هذا القسم من السورة بحكاية ما قاله الزوج لامرأته وليوسف، بعد أن تبين له صدق يوسف وكذب امرأته فيقول: فَلَمَّا رَأى قَمِيصَهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ قالَ إِنَّهُ مِنْ كَيْدِكُنَّ إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ يُوسُفُ أَعْرِضْ عَنْ هذا وَاسْتَغْفِرِي لِذَنْبِكِ إِنَّكِ كُنْتِ مِنَ الْخاطِئِينَ.(د) ثم تحدثنا السورة بعد ذلك في القسم الرابع منها عن شيوع خبر امرأة العزيز مع فتاها، وعما فعلته تلك المرأة مع من أشاع هذا الخبر، وعن لجوء يوسف- عليه السلام- الى ربه يستجير به من كيد هؤلاء النسوة ...قال- تعالى- حاكيا هذا المشهد بأسلوب معجز: وَقالَ نِسْوَةٌ فِي الْمَدِينَةِ امْرَأَتُ الْعَزِيزِ تُراوِدُ فَتاها عَنْ نَفْسِهِ، قَدْ شَغَفَها حُبًّا، إِنَّا لَنَراها فِي ضَلالٍ مُبِينٍ فَلَمَّا سَمِعَتْ بِمَكْرِهِنَّ أَرْسَلَتْ إِلَيْهِنَّ وَأَعْتَدَتْ لَهُنَّ مُتَّكَأً وَآتَتْ كُلَّ واحِدَةٍ مِنْهُنَّ سِكِّيناً وَقالَتِ اخْرُجْ عَلَيْهِنَّ. فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ وَقَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ، وَقُلْنَ حاشَ لِلَّهِ ما هذا بَشَراً إِنْ هذا إِلَّا مَلَكٌ كَرِيمٌ قالَتْ فَذلِكُنَّ الَّذِي لُمْتُنَّنِي فِيهِ، وَلَقَدْ راوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ فَاسْتَعْصَمَ، وَلَئِنْ لَمْ يَفْعَلْ ما آمُرُهُ لَيُسْجَنَنَّ وَلَيَكُوناً مِنَ الصَّاغِرِينَ قالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ، وَإِلَّا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُنْ مِنَ الْجاهِلِينَ فَاسْتَجابَ لَهُ رَبُّهُ فَصَرَفَ عَنْهُ كَيْدَهُنَّ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ثُمَّ بَدا لَهُمْ مِنْ بَعْدِ ما رَأَوُا الْآياتِ لَيَسْجُنُنَّهُ حَتَّى حِينٍ.(ه) ثم تحدثنا السورة الكريمة بعد ذلك في القسم الخامس منها، عن يوسف السجين المظلوم، وكيف أنه لم يمنعه السجن من دعوة رفاقه فيه إلى وحدانية الله، وإلى إخلاص العبادة له- سبحانه- ...يا صاحِبَيِ السِّجْنِ أَأَرْبابٌ مُتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللَّهُ الْواحِدُ الْقَهَّارُ ما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَّا أَسْماءً سَمَّيْتُمُوها أَنْتُمْ وَآباؤُكُمْ ما أَنْزَلَ اللَّهُ بِها مِنْ سُلْطانٍ، إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ ذلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ، وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ.(و) ثم تحدثنا السورة الكريمة في القسم السادس منها عن الرؤيا المفزعة التي رآها ملك مصر في ذلك الوقت، وكيف أن حاشيته عجزت عن تفسيرها، ولكن يوسف الصديق فسرها تفسيرا صحيحا أعجب الملك، وحمله على دعوته للالتقاء به، إلا أن يوسف- عليه السلام-أبى الالتقاء به إلا بعد أن يحقق الملك في قضيته بنفسه، ويعلن براءته على رءوس الأشهاد ...وبعد أن استجاب الملك لطلب يوسف، وثبتت براءته- عليه السلام- حضر معززا مكرما وقال للملك بعزة وإباء: اجْعَلْنِي عَلى خَزائِنِ الْأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ.استمع إلى السورة الكريمة وهي تحكى هذا المشهد بأسلوبها الزاخر بالمحاورات والمفاجآت، فتقول: وَقالَ الْمَلِكُ إِنِّي أَرى سَبْعَ بَقَراتٍ سِمانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجافٌ، وَسَبْعَ سُنْبُلاتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يابِساتٍ، يا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَفْتُونِي فِي رُءْيايَ إِنْ كُنْتُمْ لِلرُّءْيا تَعْبُرُونَ قالُوا أَضْغاثُ أَحْلامٍ وَما نَحْنُ بِتَأْوِيلِ الْأَحْلامِ بِعالِمِينَ وَقالَ الَّذِي نَجا مِنْهُما وَادَّكَرَ بَعْدَ أُمَّةٍ أَنَا أُنَبِّئُكُمْ بِتَأْوِيلِهِ فَأَرْسِلُونِ يُوسُفُ أَيُّهَا الصِّدِّيقُ أَفْتِنا فِي سَبْعِ بَقَراتٍ سِمانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجافٌ وَسَبْعِ سُنْبُلاتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يابِساتٍ لَعَلِّي أَرْجِعُ إِلَى النَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَعْلَمُونَ قالَ تَزْرَعُونَ سَبْعَ سِنِينَ دَأَباً فَما حَصَدْتُمْ فَذَرُوهُ فِي سُنْبُلِهِ إِلَّا قَلِيلًا مِمَّا تَأْكُلُونَ....وينتهى هذا المشهد ببيان سنة من سنن الله- تعالى- التي لا تتخلف، والتي تتمثل في حسن عاقبة المؤمنين حيث يقول- سبحانه-: وَكَذلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الْأَرْضِ يَتَبَوَّأُ مِنْها حَيْثُ يَشاءُ، نُصِيبُ بِرَحْمَتِنا مَنْ نَشاءُ وَلا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ وَلَأَجْرُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ لِلَّذِينَ آمَنُوا وَكانُوا يَتَّقُونَ.(ز) ثم تنتقل السورة الكريمة في القسم السابع منها إلى الحديث عن اللقاء الأول الذي تم بين يوسف وإخوته، بعد أن حضروا من بلادهم بفلسطين إلى مصر يلتمسون الزاد والطعام ... وكيف أنه عرفهم دون أن يعرفوه.. وكيف أنه- عليه السلام- طلب منهم بعد أن أكرمهم أن يحضروا إليه من بلادهم ومعهم أخوهم من أبيهم- وهو شقيقه «بنيامين» .وكيف أن أباهم وافق على إرسال «بنيامين» معهم بعد أن أخذ عليهم العهود والمواثيق لكي يحافظوا عليه..استمع إلى السورة الكريمة وهي تحكى كل ذلك فتقول: وَجاءَ إِخْوَةُ يُوسُفَ فَدَخَلُوا عَلَيْهِ فَعَرَفَهُمْ وَهُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ وَلَمَّا جَهَّزَهُمْ بِجَهازِهِمْ قالَ ائْتُونِي بِأَخٍ لَكُمْ مِنْ أَبِيكُمْ، أَلا تَرَوْنَ أَنِّي أُوفِي الْكَيْلَ وَأَنَا خَيْرُ الْمُنْزِلِينَ فَإِنْ لَمْ تَأْتُونِي بِهِ فَلا كَيْلَ لَكُمْ عِنْدِي وَلا تَقْرَبُونِ قالُوا سَنُراوِدُ عَنْهُ أَباهُ وَإِنَّا لَفاعِلُونَ وَقالَ لِفِتْيانِهِ اجْعَلُوا بِضاعَتَهُمْ فِي رِحالِهِمْلَعَلَّهُمْ يَعْرِفُونَها إِذَا انْقَلَبُوا إِلى أَهْلِهِمْ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ فَلَمَّا رَجَعُوا إِلى أَبِيهِمْ قالُوا يا أَبانا مُنِعَ مِنَّا الْكَيْلُ فَأَرْسِلْ مَعَنا أَخانا نَكْتَلْ وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ قالَ هَلْ آمَنُكُمْ عَلَيْهِ إِلَّا كَما أَمِنْتُكُمْ عَلى أَخِيهِ مِنْ قَبْلُ، فَاللَّهُ خَيْرٌ حافِظاً وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ....(ح) ثم حدثتنا السورة الكريمة في القسم الثامن منها عن اللقاء الثاني الذي تم بين يوسف وإخوته، بعد أن حضروا إليه في هذه المرة ومعهم «بنيامين» شقيق يوسف، وكيف قام يوسف بالتعرف عليه، ثم كيف احتجزه عنده بحيلة دبرها بإلهام من الله- تعالى- وكيف رد على إخوته الذين طلبوا منه أن يأخذ أحدهم مكان «بنيامين» ...وماذا قال «يعقوب» - عليه السلام- بعد أن عاد إليه أبناؤه، وليس معهم «بنيامين» .استمع الى السورة الكريمة وهي تحكى كل هذه المشاهد والأحداث فتقول:وَلَمَّا دَخَلُوا عَلى يُوسُفَ آوى إِلَيْهِ أَخاهُ قالَ إِنِّي أَنَا أَخُوكَ فَلا تَبْتَئِسْ بِما كانُوا يَعْمَلُونَ فَلَمَّا جَهَّزَهُمْ بِجَهازِهِمْ جَعَلَ السِّقايَةَ فِي رَحْلِ أَخِيهِ، ثُمَّ أَذَّنَ مُؤَذِّنٌ أَيَّتُهَا الْعِيرُ إِنَّكُمْ لَسارِقُونَ قالُوا وَأَقْبَلُوا عَلَيْهِمْ ماذا تَفْقِدُونَ قالُوا نَفْقِدُ صُواعَ الْمَلِكِ وَلِمَنْ جاءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ وَأَنَا بِهِ زَعِيمٌ قالُوا تَاللَّهِ لَقَدْ عَلِمْتُمْ ما جِئْنا لِنُفْسِدَ فِي الْأَرْضِ وَما كُنَّا سارِقِينَ قالُوا فَما جَزاؤُهُ إِنْ كُنْتُمْ كاذِبِينَ قالُوا جَزاؤُهُ مَنْ وُجِدَ فِي رَحْلِهِ فَهُوَ جَزاؤُهُ كَذلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ فَبَدَأَ بِأَوْعِيَتِهِمْ قَبْلَ وِعاءِ أَخِيهِ ثُمَّ اسْتَخْرَجَها مِنْ وِعاءِ أَخِيهِ، كَذلِكَ كِدْنا لِيُوسُفَ، ما كانَ لِيَأْخُذَ أَخاهُ فِي دِينِ الْمَلِكِ إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللَّهُ، نَرْفَعُ دَرَجاتٍ مَنْ نَشاءُ وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ....وينتهى هذا القسم بقول يعقوب- عليه السلام- لأبنائه بعد أن عادوا إليه وليس معهم أخوهم بنيامين: قالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْراً فَصَبْرٌ جَمِيلٌ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَنِي بِهِمْ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ وَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقالَ يا أَسَفى عَلى يُوسُفَ وَابْيَضَّتْ عَيْناهُ مِنَ الْحُزْنِ فَهُوَ كَظِيمٌ قالُوا تَاللَّهِ تَفْتَؤُا تَذْكُرُ يُوسُفَ حَتَّى تَكُونَ حَرَضاً أَوْ تَكُونَ مِنَ الْهالِكِينَ. قالَ إِنَّما أَشْكُوا بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ وَأَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ ما لا تَعْلَمُونَ. يا بَنِيَّ اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِنْ يُوسُفَ وَأَخِيهِ وَلا تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكافِرُونَ.(ط) ثم حدثتنا السورة الكريمة بعد ذلك في القسم التاسع منها عن اللقاء الثالث والأخير بين يوسف وإخوته، فحكت لنا أن يوسف- عليه السلام- كشف لإخوته عن نفسه في هذا اللقاء. وأمرهم بأن يذهبوا بقميصه ليلقوا به على وجه أبيه ... كما أمرهم أن يعودوا إليه ومعهم جميع أهلهم.كما حكت لنا لقاء يوسف بأبويه، وإكرامه لهما، وشكره لله- تعالى- على ما وهبه من نعم..قال- تعالى- حاكيا ما دار بين يوسف وإخوته، وبين يوسف وأبيه في هذا اللقاء:فَلَمَّا دَخَلُوا عَلَيْهِ قالُوا يا أَيُّهَا الْعَزِيزُ مَسَّنا وَأَهْلَنَا الضُّرُّ وَجِئْنا بِبِضاعَةٍ مُزْجاةٍ، فَأَوْفِ لَنَا الْكَيْلَ وَتَصَدَّقْ عَلَيْنا إِنَّ اللَّهَ يَجْزِي الْمُتَصَدِّقِينَ قالَ هَلْ عَلِمْتُمْ ما فَعَلْتُمْ بِيُوسُفَ وَأَخِيهِ إِذْ أَنْتُمْ جاهِلُونَ قالُوا أَإِنَّكَ لَأَنْتَ يُوسُفُ قالَ أَنَا يُوسُفُ وَهذا أَخِي قَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْنا إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ.اذْهَبُوا بِقَمِيصِي هذا فَأَلْقُوهُ عَلى وَجْهِ أَبِي يَأْتِ بَصِيراً. وَأْتُونِي بِأَهْلِكُمْ أَجْمَعِينَ ...فَلَمَّا دَخَلُوا عَلى يُوسُفَ آوى إِلَيْهِ أَبَوَيْهِ وَقالَ ادْخُلُوا مِصْرَ إِنْ شاءَ اللَّهُ آمِنِينَ.ثم ختم- سبحانه- قصة يوسف بهذا الدعاء الذي حكاه- سبحانه- عنه في قوله:رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحادِيثِ، فاطِرَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ، أَنْتَ وَلِيِّي فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ، تَوَفَّنِي مُسْلِماً وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ.(ى) أما القسم العاشر والأخير من السورة الكريمة، فقد كان تعقيبا على ما جاء في تلك القصة من حكم وأحكام، ومن عبر وعظات، ومن آداب وهدايات ...وقد بين- سبحانه- في هذا القسم ما يدل على أن القرآن من عند الله، وما يشهد بصدق النبي صلى الله عليه وسلم فيما يبلغه عن ربه..كما بين- سبحانه- وظيفة الرسول صلى الله عليه وسلم وموقف المشركين من دعوته وأنه صلى الله عليه وسلم ليس بدعا من الرسل وأن العاقبة ستكون له ولأتباعه المؤمنين.قال تعالى: ذلِكَ مِنْ أَنْباءِ الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ، وَما كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ أَجْمَعُوا أَمْرَهُمْ وَهُمْ يَمْكُرُونَ وَما أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ وَما تَسْئَلُهُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعالَمِينَ وَكَأَيِّنْ مِنْ آيَةٍ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ يَمُرُّونَ عَلَيْها وَهُمْ عَنْها مُعْرِضُونَ وَما يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ....ثم يختتم- سبحانه- هذه السورة الكريمة بقوله: لَقَدْ كانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبابِ ما كانَ حَدِيثاً يُفْتَرى وَلكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ، وَهُدىً وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ.6- هذا عرض مجمل لأهم الموضوعات التي اشتملت عليها سورة يوسف- عليه السلام- ومن هذا العرض نرى أن السورة الكريمة قد اهتمت بأمور من أهمها ما يأتى:(أ) إبراز الحقائق والهدايات، بأسلوب المحاورات والمجادلات والمناقشات ... ومن مظاهر ذلك:المحاورات التي دارت حول إخوة يوسف في شأن الانتقام منه، والتي منها قوله- تعالى-: لَقَدْ كانَ فِي يُوسُفَ وَإِخْوَتِهِ آياتٌ لِلسَّائِلِينَ إِذْ قالُوا لَيُوسُفُ وَأَخُوهُ أَحَبُّ إِلى أَبِينا مِنَّا وَنَحْنُ عُصْبَةٌ إِنَّ أَبانا لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ اقْتُلُوا يُوسُفَ أَوِ اطْرَحُوهُ أَرْضاً يَخْلُ لَكُمْ وَجْهُ أَبِيكُمْ، وَتَكُونُوا مِنْ بَعْدِهِ قَوْماً صالِحِينَ قالَ قائِلٌ مِنْهُمْ لا تَقْتُلُوا يُوسُفَ وَأَلْقُوهُ فِي غَيابَتِ الْجُبِّ يَلْتَقِطْهُ بَعْضُ السَّيَّارَةِ إِنْ كُنْتُمْ فاعِلِينَ.والمحاورات التي دارت بينهم وبين أبيهم في شأن اصطحابهم ليوسف، والتي منها قوله- تعالى-: قالُوا يا أَبانا ما لَكَ لا تَأْمَنَّا عَلى يُوسُفَ وَإِنَّا لَهُ لَناصِحُونَ أَرْسِلْهُ مَعَنا غَداً يَرْتَعْ وَيَلْعَبْ وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ قالَ إِنِّي لَيَحْزُنُنِي أَنْ تَذْهَبُوا بِهِ وَأَخافُ أَنْ يَأْكُلَهُ الذِّئْبُ وَأَنْتُمْ عَنْهُ غافِلُونَ قالُوا لَئِنْ أَكَلَهُ الذِّئْبُ وَنَحْنُ عُصْبَةٌ إِنَّا إِذاً لَخاسِرُونَ.والمحاورات التي دارت بين يوسف وإخوته، بعد أن عرفهم وهم له منكرون، وبعد أن ترددوا عليه ثلاث مرات للحصول على حاجتهم من الزاد ... والتي منها قوله- تعالى-:فَلَمَّا دَخَلُوا عَلَيْهِ قالُوا يا أَيُّهَا الْعَزِيزُ مَسَّنا وَأَهْلَنَا الضُّرُّ وَجِئْنا بِبِضاعَةٍ مُزْجاةٍ، فَأَوْفِ لَنَا الْكَيْلَ وَتَصَدَّقْ عَلَيْنا إِنَّ اللَّهَ يَجْزِي الْمُتَصَدِّقِينَ. قالَ هَلْ عَلِمْتُمْ ما فَعَلْتُمْ بِيُوسُفَ وَأَخِيهِ إِذْ أَنْتُمْ جاهِلُونَ قالُوا أَإِنَّكَ لَأَنْتَ يُوسُفُ، قالَ أَنَا يُوسُفُ وَهذا أَخِي قَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْنا، إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ قالُوا تَاللَّهِ لَقَدْ آثَرَكَ اللَّهُ عَلَيْنا وَإِنْ كُنَّا لَخاطِئِينَ قالَ لا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ.وهكذا نجد السورة الكريمة زاخرة بأسلوب المحاورات والمناقشات والمجادلات. تارة بين يوسف وإخوته، وتارة بين إخوته فيما بينهم، وتارة بينهم وبين أبيهم، وتارة بين يوسف وامرأة العزيز، وتارة بينه وبين ملك مصر في ذلك الوقت.وهذه المحاورات التي حفلت بها السورة الكريمة، قد أكسبتها لونا من العرض المشوق، الذي يجعل القارئ لها يتعجل حفظ كل موضوع من موضوعاتها، ليصل الى الموضوع الذي يليه.وهذا الأسلوب في عرض الحقائق من أسمى الأساليب التي تعين القارئ على حفظ القرآن الكريم، وعلى تدبر معانيه، وعلى الانتفاع بهداياته..(ب) إبرازها لجوهر الأحداث ولبابها.. أما تفاصيل هذه الأحداث. فتركت معرفتها لفهم القارئ وفطنته، وسلامة تفكيره، وحسن تدبره لكلام الله- تعالى-..وهذا اللون من العرض للأحداث، يسمى في عرف البلغاء، بأسلوب الإيجاز بالحذف والقارئ لهذه السورة الكريمة بتدبر وتأمل، يراها على رأس السور القرآنية التي كثر فيها هذا الأسلوب البليغ.فمثلا قوله- تعالى-: وَجاؤُ عَلى قَمِيصِهِ بِدَمٍ كَذِبٍ، قالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْراً فَصَبْرٌ جَمِيلٌ ... معطوف على كلام محذوف يفهم من السياق.والتقدير: وبعد أن ألقى إخوة يوسف به في الجب وانصرفوا لشئونهم «جاءوا على قميصه بدم كذب» لكي يخدعوا أباهم، فلما أخبروه بأن الذئب قد أكله قال: بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْراً فَصَبْرٌ جَمِيلٌ....وكذلك قوله- تعالى-: قالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ ... مترتب على كلام محذوف يفهم من سياق الآيات.والتقدير: وبعد أن سمع ما قالته النسوة بشأنه عند ما دخل عليهن بأمر من امرأة العزيز، وسمع تهديد هذه المرأة له بقولها: قالَتْ فَذلِكُنَّ الَّذِي لُمْتُنَّنِي فِيهِ وَلَقَدْ راوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ فَاسْتَعْصَمَ وَلَئِنْ لَمْ يَفْعَلْ ما آمُرُهُ لَيُسْجَنَنَّ وَلَيَكُوناً مِنَ الصَّاغِرِينَ.بعد أن سمع يوسف كل ذلك، وتيقن من مكرهن به، لجأ إلى ربه مستجيرا به من كيدهن فقال: رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ....وأيضا قوله- تعالى-: وَقالَ الَّذِي نَجا مِنْهُما وَادَّكَرَ بَعْدَ أُمَّةٍ أَنَا أُنَبِّئُكُمْ بِتَأْوِيلِهِ فَأَرْسِلُونِ يُوسُفُ أَيُّهَا الصِّدِّيقُ أَفْتِنا فِي سَبْعِ بَقَراتٍ سِمانٍ.... يعتبر من بديع أسلوب الإيجاز بالحذف، إذ تقدير الكلام:وبعد أن عجز الملأ عن تفسير رؤيا الملك، وقالوا له: إن رؤياك أضغاث أحلام وما نحن بتأويل الأحلام بعالمين، قال الذي نجا منهما، أى: من صاحبي يوسف في السجن وهو الساقي وَادَّكَرَ بَعْدَ أُمَّةٍ أى وتذكر بعد نسيان طويل أَنَا أُنَبِّئُكُمْ بِتَأْوِيلِهِ فَأَرْسِلُونِ إلى من عنده تفسير هذه الرؤيا تفسيرا صحيحا- وهو يوسف- فاستجابوا له وأرسلوه إلى يوسف، فذهب إليه في السجن، فلما دخل عليه قال له: يا يوسف يا أيها الصديق، أفتنا في سبع بقرات سمان ... إلخ.وهذا الأسلوب الذي زخرت به السورة الكريمة، وهو أسلوب الإيجاز بالحذف، من شأنه أنه ينشط العقول، ويبعثها على التأمل والتدبر فيما تقرؤه، ويعينها على الاتعاظ والاعتبار..وهو أسلوب أيضا تقتضيه هذه السورة الكريمة، لأنها تتحدث عن قصة نبي من أنبياء الله- تعالى-. والحديث عن ذلك يستلزم إبراز جوهر الأحداث ولبابها، لا إبراز تفاصيلها وما لا فائدة من ذكره.فاشتمال السورة الكريمة على هذا الأسلوب البليغ، هو من باب رعاية الكلام لمقتضى الحال، وهو أصل البلاغة وركنها الركين.(ج) السورة الكريمة اهتمت اهتماما واضحا بشرح أحوال النفس البشرية وتحليل ما يصدر عنها في حال رضاها وغضبها، وفي حال صلاحها وانحرافها، وفي حال غناها وفقرها، وفي حال عسرها ويسرها، وفي حال صفائها وحقدها..وقد حدثتنا عن الشخصيات التي وردت فيها حديثا صادقا أمينا، كشفت لنا فيه عن جوانب متعددة من أخلاقهم، وسلوكهم، وميولهم، وأفكارهم ... وأعطت كل واحد منهم حقه في الحديث عنه.(ا) فيوسف- عليه السلام- وهو الشخصية الرئيسية في القصة- حدثتنا عنه حديثا مستفيضا نستطيع من خلاله، أن نرى له- عليه السلام- مناقب ومزايا متنوعة من أهمها ما يأتى:1- امتلاكه لنفسه ولشهوته مهما كانت المغريات، بسبب خوفه لمقام ربه، ونهيه لنفسه عن الهوى ...ولا أدل على ذلك من قوله- تعالى-: وَراوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِها عَنْ نَفْسِهِ وَغَلَّقَتِ الْأَبْوابَ وَقالَتْ هَيْتَ لَكَ، قالَ مَعاذَ اللَّهِ، إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوايَ، إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ ...قال الشيخ القاسمى: قال الإمام ابن القيم ما ملخصه: «لقد كانت دواعي متعددة تدعو يوسف إلى الاستجابة لطلب امرأة العزيز منها: ما ركبه الله في طبع الرجل من ميله إلى المرأة ...ومنها: أنه كان شابا غير متزوج.. ومنها: أنها كانت ذات منصب وجمال.. وأنها كانت غير آبية ولا ممتنعة ... بل هي التي طلبت وأرادت وبذلت الجهد..ومنها: أنه كان في دارها وتحت سلطانها.. فلا يخشى أن تنم عليه..ومنها: أنها استعانت عليه بأئمة المكر والاحتيال فأرته إياهن، وشكت حالها إليهن ...ومنها: أنها توعدته بالسجن والصغار إن لم يفعل ما تأمره به..ومنها: أن الزوج لم يظهر من الغيرة والقوة ما يجعله يفرق بينه وبينها ...ومع كل هذه الدواعي، فقد آثر يوسف مرضاة الله ومراقبته، وحمله خوفه من خالقه على أن يختار السجن على ارتكاب ما يغضبه ... » .2- صبره الجميل على المحن والبلايا، ولجوؤه إلى ربه ليستجير به من كيد امرأة العزيز وصواحبها: قالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ وَإِلَّا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُنْ مِنَ الْجاهِلِينَ ...3- نشره للدين الحق، ودعوته لعبادة الله وحده، حتى وهو بين جدران السجن، فهو القائل لمن معه في السجن: يا صاحِبَيِ السِّجْنِ أَأَرْبابٌ مُتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ، أَمِ اللَّهُ الْواحِدُ الْقَهَّارُ ما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَّا أَسْماءً سَمَّيْتُمُوها أَنْتُمْ وَآباؤُكُمْ ما أَنْزَلَ اللَّهُ بِها مِنْ سُلْطانٍ....4- حسن تدبيره للأمور، وتوصله إلى ما يريده بأحكم الأساليب، وحرصه الشديد على إنقاذ الأمة مما يضرها ويعرضها للهلاك، قالَ تَزْرَعُونَ سَبْعَ سِنِينَ دَأَباً فَما حَصَدْتُمْ فَذَرُوهُ فِي سُنْبُلِهِ إِلَّا قَلِيلًا مِمَّا تَأْكُلُونَ ...5- عزة نفسه، وسمو خلقه، فقد أبى أن يذهب لمقابلة الملك إلا بعد إعلان براءته وَقالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ، فَلَمَّا جاءَهُ الرَّسُولُ قالَ ارْجِعْ إِلى رَبِّكَ فَسْئَلْهُ ما بالُ النِّسْوَةِ اللَّاتِي قَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ إِنَّ رَبِّي بِكَيْدِهِنَّ عَلِيمٌ ...6- تحدثه بنعمة الله، ومعرفته لنفسه قدرها، وطلبه المنصب الذي يناسبه، ويثق بقدرته على القيام بحقوقه قالَ اجْعَلْنِي عَلى خَزائِنِ الْأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ.7- ذكاؤه وفطنته، فقد تعرف على إخوته مع طول فراقه لهم: وَجاءَ إِخْوَةُ يُوسُفَ فَدَخَلُوا عَلَيْهِ فَعَرَفَهُمْ وَهُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ....8- عفوه وصفحه عمن أساء إليه قالَ لا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ ...9- وفاؤه لأسرته ولعشيرته اذْهَبُوا بِقَمِيصِي هذا فَأَلْقُوهُ عَلى وَجْهِ أَبِي يَأْتِ بَصِيراً وَأْتُونِي بِأَهْلِكُمْ أَجْمَعِينَ.10- شكر الله- تعالى- على نعمه ومننه رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحادِيثِ فاطِرَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ أَنْتَ وَلِيِّي فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ تَوَفَّنِي مُسْلِماً وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ.هذا جانب من حديث السورة الكريمة عن يوسف- عليه السلام-، وهو حديث يدل على أنه كان في الذروة العليا من مكارم الأخلاق، ومحاسن الشيم..(د) وتحدثت السورة الكريمة عن يعقوب- عليه السلام- فذكرت من بين ما ذكرت عنه، صفات الصبر الجميل، والأمل في رحمة الله مهما اشتدت الخطوب، والحرص على سلامة أبنائه من كل ما يؤذيهم حتى ولو أساءوا إليه، والنظر إلى الأمور بعين تختلف عن عيون أبنائه، والحكم عليها بحكم يختلف عن أحكامهم ...يدل على ذلك قوله- تعالى- وَجاؤُ عَلى قَمِيصِهِ بِدَمٍ كَذِبٍ قالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْراً فَصَبْرٌ جَمِيلٌ.وقوله- تعالى-: قالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْراً فَصَبْرٌ جَمِيلٌ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَنِي بِهِمْ جَمِيعاً....وقوله- تعالى-: وَقالَ يا بَنِيَّ لا تَدْخُلُوا مِنْ بابٍ واحِدٍ وَادْخُلُوا مِنْ أَبْوابٍ مُتَفَرِّقَةٍ....وقوله- تعالى-: وَلَمَّا فَصَلَتِ الْعِيرُ قالَ أَبُوهُمْ إِنِّي لَأَجِدُ رِيحَ يُوسُفَ لَوْلا أَنْ تُفَنِّدُونِ. قالُوا تَاللَّهِ إِنَّكَ لَفِي ضَلالِكَ الْقَدِيمِ. فَلَمَّا أَنْ جاءَ الْبَشِيرُ أَلْقاهُ عَلى وَجْهِهِ فَارْتَدَّ بَصِيراً قالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ ما لا تَعْلَمُونَ.(ه) وتحدثت عن إخوة يوسف حديثا مستفيضا، تبدو فيه غيرتهم من يوسف، وحسدهم له، وتآمرهم على حياته، وحقدهم عليه حتى وهو بعيد عنهم ... ثم ندمهم في النهاية على ما فرط منهم في حقه بعد أن مكن الله له في الأرض ...نرى ذلك في مثل قوله- تعالى-: اقْتُلُوا يُوسُفَ أَوِ اطْرَحُوهُ أَرْضاً يَخْلُ لَكُمْ وَجْهُ أَبِيكُمْ ...وفي قوله: قالُوا تَاللَّهِ تَفْتَؤُا تَذْكُرُ يُوسُفَ حَتَّى تَكُونَ حَرَضاً أَوْ تَكُونَ مِنَ الْهالِكِينَ.وفي قوله- سبحانه-: قالُوا إِنْ يَسْرِقْ فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَهُ مِنْ قَبْلُ....وفي قوله- تعالى-: قالُوا تَاللَّهِ لَقَدْ آثَرَكَ اللَّهُ عَلَيْنا وَإِنْ كُنَّا لَخاطِئِينَ.(و) وتحدثت عن امرأة العزيز حديثا يكشف عن حال المرأة عند ما تحب.. وكيف أنها في سبيل الحصول على رغبتها تحطم كل الموانع النفسية والاجتماعية ... وتستخدم كل الوسائل التي تظن أنها ستوصلها إلى مرادها. حتى ولو كانت هذه الوسائل تخالف ما عرف عن المرأة من أنها حريصة على أن تكون مطلوبة من الرجل لا طالبة له..(ز) وتحدثت عن العزيز حديثا قصيرا يناسب حجمه وسلوكه وتبلد شعوره، فهو مع إيقانه بخطإ امرأته لم يزد على أن قال ليوسف ولها يُوسُفُ أَعْرِضْ عَنْ هذا وَاسْتَغْفِرِي لِذَنْبِكِ إِنَّكِ كُنْتِ مِنَ الْخاطِئِينَ.(ح) وتحدثت عن ملك مصر في ذلك الوقت ... وعن البيئة التي وصل الحال بها أن تزج بيوسف البريء في السجن، إرضاء لشهوات النفوس الجامحة ...قال- تعالى-: ثُمَّ بَدا لَهُمْ مِنْ بَعْدِ ما رَأَوُا الْآياتِ لَيَسْجُنُنَّهُ حَتَّى حِينٍ.وهكذا نجد السورة الكريمة تحدثنا عن نماذج من البشر، فتصف كل نموذج بما يناسبه من صفات، بصدق وأمانة، وتحكم عليه بالحكم الذي يناسبه.قال صاحب الظلال ما ملخصه: والسورة كلها لحمة واحدة عليها الطابع المكي واضحا في موضوعها وفي جوها وفي ظلالها وإيحاءاتها، بل إن عليها طابع هذه الفترة الحرجة الموحشة بصفة خاصة ...ففي الوقت الذي كان الرسول صلى الله عليه وسلم يعانى من الوحشة والغربة والانقطاع في جاهلية قريش- منذ عام الحزن- كان الله- تعالى- يقص عليه قصة أخ له كريم هو يوسف بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم، وهو يعانى صنوفا من المحن والابتلاءات..محنة كيد الإخوة، ومحنة الجب، ومحنة الرق، ومحنة كيد امرأة العزيز، ومحنة السجن، ثم محنة الرخاء والجاه والسلطان..فلا عجب أن تكون هذه السورة بما احتوته من قصة ذلك النبي الكريم، ومن التعقيبات عليها بعد ذلك ... تسلية للرسول صلى الله عليه وسلم ولأصحابه عما أصابهم من أعدائهم، وتسرية لقلوبهم وتطمينا لنفوسهم.ولكأن الله- تعالى- يقول لنبيه صلى الله عليه وسلم: كما أخرج يوسف من حضن أبيه ليواجه هذه الابتلاءات كلها، ثم لينتهى بعد ذلك إلى النصر والتمكين..كذلك أنت يا محمد ستخرج من بلدك مكة مهاجرا ... ثم تعود إليها في الوقت الذي يشاؤه الله ظافرا منتصرا .وبعد: فهذا تعريف لسورة يوسف، رأينا أن نسوقه قبل البدء في تفسيرها، لعله يعين على فهم ما اشتملت عليه من حكم وأحكام. ومن عبر وعظات..وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلمافتتحت سورة يوسف- عليه السلام- ببعض الحروف المقطعة. وقد سبق أن تكلمنا عن آراء العلماء في هذه الحروف في سورة البقرة، وآل عمران، والأعراف، ويونس، وهود.وقلنا ما ملخصه: لعل أقرب الأقوال إلى الصواب، أن هذه الحروف المقطعة، قد وردت في افتتاح بعض السور على سبيل الإيقاظ والتنبيه إلى إعجاز القرآن الكريم.فكأن الله- تعالى- يقول لأولئك المعارضين في أن القرآن من عند الله- تعالى-: هاكم القرآن ترونه مؤلفا من كلام هو من جنس ما تؤلفون منه كلامكم، ومنظوما من حروف هي من جنس الحروف الهجائية التي تنظمون منها حروفكم.. فإن كنتم في شك من كونه منزلا من عند الله فهاتوا مثله، وادعوا من شئتم من الخلق لكي يعاونكم في ذلك.ومما يشهد لصحة هذا الرأى: أن الآيات التي تلى هذه الحروف المقطعة تراها تتحدث- صراحة أو ضمنا- عن القرآن الكريم وعن كونه من عند الله- تعالى- وعن كونه معجزة للرسول صلى الله عليه وسلم ففي مطلع سورة البقرة: الم، ذلِكَ الْكِتابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدىً لِلْمُتَّقِينَ....وفي مطلع سورة آل عمران: الم، اللَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ، نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ، وَأَنْزَلَ التَّوْراةَ وَالْإِنْجِيلَ ...وفي أول سورة الأعراف: المص. كِتابٌ أُنْزِلَ إِلَيْكَ فَلا يَكُنْ فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ مِنْهُ ...وفي أول سورة يونس: الر. تِلْكَ آياتُ الْكِتابِ الْحَكِيمِ. أَكانَ لِلنَّاسِ عَجَباً أَنْ أَوْحَيْنا إِلى رَجُلٍ مِنْهُمْ أَنْ أَنْذِرِ النَّاسَ وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا أَنَّ لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ عِنْدَ رَبِّهِمْ....وفي أول سورة هود: الر. كِتابٌ أُحْكِمَتْ آياتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ....وهكذا نجد أن معظم الآيات التي تلى الحروف المقطعة، منها ما يتحدث عن أن هذا الكتاب من عند الله- سبحانه- ومنها ما يتحدث عن وحدانية الله- تعالى-، ومنها ما يتحدث عن صدق الرسول صلى الله عليه وسلم في دعوته..وهذا كله لتنبيه الغافلين إلى أن هذا القرآن من عند الله، وأنه المعجزة الخالدة للرسول صلى الله عليه وسلم.ثم قال- تعالى-: تِلْكَ آياتُ الْكِتابِ الْمُبِينِ.و «تلك» اسم إشارة، المشار إليه الآيات، والمراد بها آيات القرآن الكريم ويندرج فيها آيات السورة التي معنا.والكتاب: مصدر كتب كالكتب. وأصل الكتب ضم أديم الى آخر بالخياطة. واستعمل عرفا في ضم الحروف بعضها إلى بعض بالخط، والمراد به القرآن الكريم.والمبين: أى الواضح الظاهر من أبان بمعنى بان أى ظهر.والمعنى: تلك الآيات التي نتلوها عليك- أيها الرسول الكريم- في هذه السورة وفي غيرها، هي آيات الكتاب الظاهر أمره، الواضح إعجازه، بحيث لا تشتبه على العقلاء حقائقه، ولا تلتبس عليهم هداياته.وصحت الإشارة إلى آيات الكتاب الكريم، مع أنها لم تكن قد نزلت جميعها، لأن الإشارة إلى بعضها كالإشارة إلى جميعها، حيث كانت بصدد الإنزال، ولأن الله- تعالى- قد وعد رسوله صلى الله عليه وسلم بنزول القرآن عليه، كما في قوله إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلًا ثَقِيلًا ووعد الله- تعالى- لا يتخلف.
12:2
اِنَّاۤ اَنْزَلْنٰهُ قُرْءٰنًا عَرَبِیًّا لَّعَلَّكُمْ تَعْقِلُوْنَ(۲)
بیشک ہم نے اسے عربی قرآن اتارا کہ تم سمجھو،

ثم بين- سبحانه- الحكمة من إنزاله بلسان عربي مبين فقال: إِنَّا أَنْزَلْناهُ قُرْآناً عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ.أى: إنا أنزلنا هذا الكتاب الكريم على نبينا محمد صلى الله عليه وسلم بلسان عربي مبين، لعلكم أيها المكلفون بالإيمان به، تعقلون معانيه، وتفهمون ألفاظه، وتنتفعون بهداياته، وتدركون أنه ليس من كلام البشر، وإنما هو كلام خالق القوى والقدر وهو الله- عز وجل-.فالضمير في «أنزلناه» يعود إلى الكتاب، وقرآنا حال من هذا الضمير أو بدلا منه.والتأكيد بحرف إن متوجه إلى خبرها وهو أنزلناه، للرد على أولئك المشركين الذين أنكروا أن يكون هذا القرآن من عند الله.وجملة لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ بيان لحكمة إنزاله بلغة العرب وحذف مفعول «تعقلون» للإشارة إلى أن نزوله بهذه الطريقة، يترتب عليه حصول تعقل أشياء كثيرة لا يحصيها العد.قال الإمام ابن كثير ما ملخصه: قوله: إِنَّا أَنْزَلْناهُ قُرْآناً عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ وذلك لأن لغة العرب أفصح اللغات، وأبينها وأوسعها، وأكثرها تأدية للمعاني التي تقوم بالنفوس، فلهذا أنزل أشرف الكتب، بأشرف اللغات، على أشرف الرسل، بسفارة أشرف الملائكة، وكان ذلك في أشرف بقاع الأرض، وفي أشرف شهور السنة، فكمل له الشرف من كل الوجوه» .وقال الجمل: «واختلف العلماء هل يمكن أن يقال: في القرآن شيء غير عربي.قال أبو عبيدة: من قال بأن في القرآن شيء غير عربي فقد أعظم على الله القول. واحتج بهذه الآية.وروى عن ابن عباس ومجاهد وعكرمة بأن فيه من غير العربي مثل: سجيل، والمشكاة، واليم، وإستبرق ونحو ذلك.وهذا هو الصحيح المختار، لأن هؤلاء أعلم من أبى عبيدة بلسان العرب، وكلا القولين صواب- إن شاء الله-.ووجه الجمع بينهما أن هذه الألفاظ لما تكلمت بها العرب، ودارت على ألسنتهم صارت عربية فصيحة، وإن كانت غير عربية في الأصل، لكنهم لما تكلموا بها نسبت إليهم، وصارت لهم لغة، فظهر بهذا البيان صحة القولين، وأمكن الجمع بينهما» .
12:3
نَحْنُ نَقُصُّ عَلَیْكَ اَحْسَنَ الْقَصَصِ بِمَاۤ اَوْحَیْنَاۤ اِلَیْكَ هٰذَا الْقُرْاٰنَ ﳓ وَ اِنْ كُنْتَ مِنْ قَبْلِهٖ لَمِنَ الْغٰفِلِیْنَ(۳)
ہم تمہیں سب اچھا بیان سناتے ہیں (ف۳) اس لیے کہ ہم نے تمہاری طرف اس قرآن کی وحی بھیجی اگرچہ بیشک اس سے پہلے تمہیں خبر نہ تھی،

ثم بين- سبحانه- أن هذا القرآن مشتمل على أحسن القصص وأحكمها وأصدقها فقال- تعالى-: نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ، بِما أَوْحَيْنا إِلَيْكَ هذَا الْقُرْآنَ، وَإِنْ كُنْتَ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الْغافِلِينَ.قال الفخر الرازي ما ملخصه: «القصص: اتباع الخبر بعضه بعضا، وأصله في اللغة المتابعة قال- تعالى- وَقالَتْ لِأُخْتِهِ قُصِّيهِ.. أى اتبعى أثره. وقال- تعالى-:فَارْتَدَّا عَلى آثارِهِما قَصَصاً أى: اتباعا. وإنما سميت الحكاية قصصا، لأن الذي يقص الحديث يذكر تلك القصة شيئا فشيئا، كما يقال: «تلا فلان القرآن، أى قرأه آية فآية» .والمعنى: نحن نقص عليك- أيها الرسول الكريم «أحسن القصص» أى: أحسن أنواع البيان، وأوفاه بالغرض الذي سيق من أجله.وإنما كان قصص القرآن أحسن القصص، لاشتماله على أصدق الأخبار، وأبلغ الأساليب، وأجمعها للحكم والعبر والعظات.والباء في قوله بِما أَوْحَيْنا إِلَيْكَ هذَا الْقُرْآنَ للسببية متعلقة بنقص، وما مصدرية.أى: نقص عليك أحسن القصص، بسبب إيحائنا إليك هذا القرآن الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، والذي هو في الذروة العليا في بلاغته وتأثيره في النفوس.وجملة وَإِنْ كُنْتَ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الْغافِلِينَ في موضع الحال من كاف الخطاب في إِلَيْكَ و «وإن» مخففة من الثقيلة، واسمها ضمير الشأن محذوف.والضمير في قوله مِنْ قَبْلِهِ يعود إلى الإيحاء المفهوم من قوله أَوْحَيْنا.والمعنى: نحن نقص عليك أحسن القصص بسبب ما أوحيناه إليك من هذا القرآن.والحال أنك كنت قبل إيحائنا إليك بهذا القرآن، من الغافلين عن تفاصيل هذا القصص، وعن دقائق أخباره وأحداثه، شأنك في ذلك شأن قومك الأميين.قال تعالى: تِلْكَ مِنْ أَنْباءِ الْغَيْبِ نُوحِيها إِلَيْكَ ما كُنْتَ تَعْلَمُها أَنْتَ وَلا قَوْمُكَ مِنْ قَبْلِ هذا فَاصْبِرْ إِنَّ الْعاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ.
12:4
اِذْ قَالَ یُوْسُفُ لِاَبِیْهِ یٰۤاَبَتِ اِنِّیْ رَاَیْتُ اَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا وَّ الشَّمْسَ وَ الْقَمَرَ رَاَیْتُهُمْ لِیْ سٰجِدِیْنَ(۴)
یاد کرو جب یوسف نے اپنے با پ (ف۴) سے کہا اے میرے باپ میں نے گیارہ تارے اور سورج اور چاند دیکھے انہیں اپنے لیے سجدہ کرتے دیکھا (ف۵)

ثم حكى- سبحانه- قصة يوسف- عليه السلام- كمثال لأحسن القصص فقال- تعالى- إِذْ قالَ يُوسُفُ لِأَبِيهِ يا أَبَتِ إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَباً، وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي ساجِدِينَ.وإِذْ ظرف متعلق بمحذوف تقديره اذكر.ويوسف: اسم أعجمى، مشتق- كما يقول الآلوسى- من الأسف، وسمى به لأسف أبيه عليه. وأبوه: هو يعقب بن إسحاق بن إبراهيم. وفي الحديث الصحيح عن ابن عمر- رضى الله عنهما- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال: الكريم ابن الكريم ابن الكريم ابن الكريم، يوسف بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم.وقوله: يا أَبَتِ أصله يا أبى، فحذفت الياء وعوض عنها تاء التأنيث، ونقلت إليها كسرة الباء، ثم فتحت الباء لمناسبة تاء التأنيث.والمعنى: اذكر- أيها الرسول الكريم أو أيها المخاطب- وقت أن قال يوسف لأبيه، يا أبت إنى رأيت في منامي أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَباً تسجد لي، ورأيت كذلك الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ لي ساجِدِينَ.ولم يدرج الشمس والقمر في الكواكب مع أنهما منها، لإظهار مزيتهما ورفعا لشأنهما، وجملة رَأَيْتُهُمْ لِي ساجِدِينَ مستأنفة لبيان الحالة التي رآهم عليها.وأجريت هذه الكواكب مجرى العقلاء في الضمير المختص بها، لوصفها بوصفهم حيث إن السجود من صفات العقلاء، والعرب تجمع مالا يعقل جمع من يعقل إذا أنزلوه منزلته.قال ابن كثير: «وقد تكلم المفسرون على تعبير هذا المنام: أن الأحد عشر كوكبا عبارة عن إخوته، وكانوا أحد عشر رجلا، والشمس والقمر عبارة عن أبيه وأمه.روى هذا عن ابن عباس، والضحاك، وقتادة وسفيان الثوري، وعبد الرحمن بن زيد، وقد وقع تفسيرها بعد أربعين سنة، وقيل بعد ثمانين سنة، وذلك حين رفع أبويه على العرش، وهو سريره. وإخوته بين يديه ... وخروا له سجدا وقال: يا أبت هذا تأويل رؤياي من قبل، قد جعلها ربي حقا ... » .
12:5
قَالَ یٰبُنَیَّ لَا تَقْصُصْ رُءْیَاكَ عَلٰۤى اِخْوَتِكَ فَیَكِیْدُوْا لَكَ كَیْدًاؕ-اِنَّ الشَّیْطٰنَ لِلْاِنْسَانِ عَدُوٌّ مُّبِیْنٌ(۵)
کہا اے میرے بچے اپنا خواب اپنے بھائیوں سے نہ کہنا (ف۶) وہ تیرے ساتھ کوئی چا ل چلیں گے (ف۷) بیشک شیطان آدمی کا کھلا دشمن ہے (ف۸)

ثم حكى- سبحانه- بعد ذلك ما قاله يعقوب لابنه يوسف بعد أن قص عليه رؤياه فقال: قالَ يا بُنَيَّ لا تَقْصُصْ رُؤْياكَ عَلى إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُوا لَكَ كَيْداً، إِنَّ الشَّيْطانَ لِلْإِنْسانِ عَدُوٌّ مُبِينٌ.وقوله يا بُنَيَّ تصغير ابن. والتصغير هنا سببه صغر سنه مع الشفقة عليه، والتلطيف معه.وقوله رُؤْياكَ من الرؤيا التي هي مصدر رأى العلمية الدالة على ما وقع للإنسان في نومه، أما رأى البصرية فيقال في مصدرها الرؤية.وقوله «فيكيدوا لك..» من الكيد وهو الاحتيال الخفى بقصد الإضرار والفعل كاد يتعدى بنفسه، فيقال: كاده يكيده كيدا، إذا احتال لإهلاكه. ولتضمنه معنى احتال عدى باللام.والمعنى: قال يعقوب لابنه يوسف- عليهما السلام- بشفقة ورحمة، بعد أن سمع منه ما رآه في منامه: «يا بنى» لا تخبر إخوتك بما رأيته في منامك فإنك إن أخبرتهم بذلك احتالوا لإهلاكك احتيالا خفيا، لا قدرة لك على مقاومته أو دفعه..وإنما قال له ذلك، لأن هذه الرؤيا تدل على أن الله- تعالى- سيعطى يوسف من فضله عطاء عظيما. ويهبه منصبا جليلا، ومن شأن صاحب النعمة أن يكون محسودا من كثير من الناس، فخاف يعقوب من حسد إخوة يوسف له، إذا ما قص عليهم رؤياه، ومن عدوانهم عليه.والتنوين في قوله «كيدا» للتعظيم والتهويل، زيادة في تحذيره من قص الرؤيا عليهم.وجملة «إن الشيطان للإنسان عدو مبين» واقعة موقع التعليل للنهى عن قص الرؤيا على إخوته، وفيها إشارة إلى أن الشيطان هو الذي يغريهم بالكيد له إذا ما قص عليهم ما رآه، وهو بذلك لا يثير في نفسه الكراهة لإخوته.أى: لا تخبر إخوتك بما رأيته في منامك، فيحتالوا للإضرار بك حسدا منهم لك، وهذا الحسد يغرسه الشيطان في نفوس الناس، لتتولد بينهم العداوة والبغضاء، فيفرح هو بذلك، إذ كل قبيح يقوله أو يفعله الناس يفرح له الشيطان.هذا، وقد أخذ العلماء من هذه الآية أحكاما منها:أنه يجوز للإنسان في بعض الأوقات أن يخفى بعض النعم التي أنعم الله بها عليه، خشية حسد الحاسدين، أو عدوان المعتدين.وأن الرؤيا الصادقة حالة يكرم الله بها بعض عباده الذين زكت نفوسهم فيكشف لهم عما يريد أن يطلعهم عليه قبل وقوعه. ومن الأحاديث التي وردت في فضل الرؤيا الصالحة ما رواه البخاري عن عائشة- رضى الله عنها- أنها قالت: «أول ما بدئ به رسول الله صلى الله عليه وسلم من الوحى الرؤيا الصادقة، فكان لا يرى رؤيا إلا جاءت مثل فلق الصبح..» .وفي حديث آخر: «الرؤيا الصالحة من الرجل الصالح، جزء من ستة وأربعين جزءا من النبوة» .وفي حديث ثالث: «لم يبق من النبوة إلا المبشرات، وهي الرؤيا الصالحة للرجل الصالح، يراها أو ترى له» .كذلك أخذ جمهور العلماء من هذه الآية أن إخوة يوسف لم يكونوا أنبياء.قال الآلوسى عند تفسيره لهذه الآية ما ملخصه: «والظاهر أن القوم- أى إخوة يوسف- كانوا بحيث يمكن أن يكون للشيطان عليهم سبيل، ويؤيد هذا أنهم لم يكونوا أنبياء .وهذا ما عليه الأكثرون سلفا وخلفا. أما السلف فإنه لم ينقل عن أحد من الصحابة أو التابعين أنه قال بنبوتهم.وأما الخلف فكثير منهم نفى عنهم أن يكونوا أنبياء، وعلى رأى من قال بذلك الإمام ابن تيمية، في مؤلف له خاص بهذه المسألة، وقد قال فيه:الذي يدل عليه القرآن واللغة والاعتبار، أن إخوة يوسف ليسوا بأنبياء، وليس في القرآن ولا في السنة ما يشير إلى أنهم كانوا أنبياء ... » .
12:6
وَ كَذٰلِكَ یَجْتَبِیْكَ رَبُّكَ وَ یُعَلِّمُكَ مِنْ تَاْوِیْلِ الْاَحَادِیْثِ وَ یُتِمُّ نِعْمَتَهٗ عَلَیْكَ وَ عَلٰۤى اٰلِ یَعْقُوْبَ كَمَاۤ اَتَمَّهَا عَلٰۤى اَبَوَیْكَ مِنْ قَبْلُ اِبْرٰهِیْمَ وَ اِسْحٰقَؕ-اِنَّ رَبَّكَ عَلِیْمٌ حَكِیْمٌ۠(۶)
اور اسی طرح تجھے تیرا رب چن لے گا (ف۹) اور تجھے باتوں کا انجام نکا لنا سکھائے گا (ف۱۰) اور تجھ پر اپنی نعمت پوری کرے گا اور یعقوب کے گھر والوں پر (ف۱۱) جس طرح تیرے پہلے دنوں باپ دادا ابراہیم ؑ اور اسحق ؑ پر پوری کی (ف۱۲) بیشک تیرا رب علم و حکمت والا ہے،

ثم حكى- سبحانه- ما توقعه يعقوب لابنه يوسف من خير وبركة فقال:وَكَذلِكَ يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ وَيُعَلِّمُكَ مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحادِيثِ، وَيُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَعَلى آلِ يَعْقُوبَ، كَما أَتَمَّها عَلى أَبَوَيْكَ مِنْ قَبْلُ إِبْراهِيمَ وَإِسْحاقَ، إِنَّ رَبَّكَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ.والكاف في قوله وَكَذلِكَ حرف تشبيه بمعنى مثل، وهي داخلة على كلام محذوف.وقوله يَجْتَبِيكَ من الاجتباء بمعنى الاصطفاء والاختيار، مأخوذ من جبيت الشيء إذا اخترته لما فيه من النفع والخير.وتَأْوِيلِ الْأَحادِيثِ معناه تفسيرها تفسيرا صحيحا، إذ التأويل مأخوذ من الأول بمعنى الرجوع، وهو رد الشيء إلى الغاية المرادة منه.والأحاديث جمع تكسير مفردة حديث، وسميت الرؤى أحاديث باعتبار حكايتها والتحدث بها.والمعنى: وكما اجتباك ربك واختارك لهذه الرؤيا الحسنة، فإنه- سبحانه- يجتبيك ويختارك لأمور عظام في مستقبل الأيام، حيث يهبك من صدق الحسّ، ونفاذ البصيرة، ما يجعلك تدرك الأحاديث إدراكا سليما، وتعبر الرؤى تعبيرا صحيحا صادقا.«ويتم نعمته عليك» بالنبوة والرسالة والملك والرياسة «وعلى آل يعقوب» وهم إخوته وذريتهم، بأن يسبغ عليهم الكثير من نعمه.كَما أَتَمَّها عَلى أَبَوَيْكَ مِنْ قَبْلُ أى: من قبل هذه الرؤيا أو من قبل هذا الوقت.وقوله «إبراهيم وإسحاق» بيان لأبويه.أى: يتم نعمته عليك إتماما كائنا كإتمام نعمته على أبويك من قبل، وهما إبراهيم وإسحاق بأن وهبهما- سبحانه- النبوة والرسالة.وعبر عنهما بأنهما أبوان ليوسف، مع أن إبراهيم جد أبيه، وإسحاق جده، للإشعار بكمال ارتباطه بالأنبياء عليهم السلام-، وللمبالغة في إدخال السرور على قلبه، ولأن هذا الاستعمال مألوف في لغة العرب، فقد كان أهل مكة يقولون للنبي صلى الله عليه وسلم يا ابن عبد المطلب، وأثر عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: أنا النبي لا كذب- أنا ابن عبد المطلب. وجملة «إن ربك عليم حكيم» مستأنفة لتأكيد ما سبقها من كلام.أى: إن ربك عليم بمن يصطفيه لحمل رسالته، وبمن هو أهل لنعمه وكرامته، حكيم في صنعه وتصرفاته.وبذلك نرى الآيات الكريمة قد نوهت بشأن القرآن الكريم، وساقت بأسلوب حكيم ما قاله يعقوب لابنه يوسف- عليهما السلام- بعد أن قص ما رآه في المنام.ثم حكى- سبحانه- بعد ذلك حالة إخوة يوسف وهم يتآمرون عليه، وحالتهم وهم يجادلون أباهم في شأنه. وحالتهم وهم ينفذون مؤامراتهم المنكرة وحالتهم بعد أن نفذوها وعادوا إلى أبيهم ليلا يتباكون فقال- تعالى-:
12:7
لَقَدْ كَانَ فِیْ یُوْسُفَ وَ اِخْوَتِهٖۤ اٰیٰتٌ لِّلسَّآىٕلِیْنَ(۷)
بیشک یوسف اور اس کے بھائیوں میں (ف۱۳) پوچھنے والوں کے لیے نشانیاں ہیں (ف۱۴)

وقوله- سبحانه-: لَقَدْ كانَ فِي يُوسُفَ وَإِخْوَتِهِ آياتٌ لِلسَّائِلِينَ شروع في حكاية قصة يوسف مع إخوته، بعد أن بين- سبحانه- صفة القرآن الكريم، وبعد أن أخبر عما رآه يوسف في منامه، وما قاله أبوه له.وإخوة يوسف هم: رأوبين، وشمعون، ولاوى، ويهوذا، ويساكر، وزبولون، ودان، ونفتالى، وجاد، وأشير، وبنيامين.والآيات: جمع آية والمراد بها هنا العبر والعظات والدلائل الدالة على قدرة الله- تعالى- ووجوب إخلاص العبادة له.والمعنى: لقد كان في قصة يوسف مع إخوته عبر وعظات عظيمة، ودلائل تدل على قدرة الله القاهرة، وحكمته الباهرة، وعلى ما للصبر وحسن الطوية من عواقب الخير والنصر، وعلى ما للحسد والبغي من شرور وخذلان.وقوله: «للسائلين» أى: لمن يتوقع منهم السؤال، بقصد الانتفاع بما ساقه القرآن الكريم من مواعظ وأحكام.أى: لقد كان فيما حدث بين يوسف وإخوته، آيات عظيمة، لكل من سأل عن قصتهم، وفتح قلبه للانتفاع بما فيها من حكم وأحكام، تشهد بصدق النبي صلى الله عليه وسلم فيما يبلغه عن ربه.وهذا الافتتاح لتلك القصة، كفيل بتحريك الانتباه لما يلقى بعد ذلك منها، ومن تفصيل لأحداثها، وبيان لما جرى فيها.
12:8
اِذْ قَالُوْا لَیُوْسُفُ وَ اَخُوْهُ اَحَبُّ اِلٰۤى اَبِیْنَا مِنَّا وَ نَحْنُ عُصْبَةٌؕ-اِنَّ اَبَانَا لَفِیْ ضَلٰلٍ مُّبِیْنِ ﹰ ۚ ۖ(۸)
جب بولے (ف۱۵) کہ ضرور یوسف اور اس کا بھائی (ف۱۶) ہمارے باپ کو ہم سے زیادہ پیارے ہیں اور ہم ایک جماعت ہیں (ف۱۷) بیشک ہمارے باپ صراحةً ان کی محبت میں ڈوبے ہوئے ہیں (ف۱۸)

وقوله- سبحانه-: إِذْ قالُوا لَيُوسُفُ وَأَخُوهُ أَحَبُّ إِلى أَبِينا مِنَّا وَنَحْنُ عُصْبَةٌ ...بيان لما قاله إخوة يوسف فيما بينهم، قبل أن ينفذوا جريمتهم.و «إذ» ظرف متعلق بالفعل «كان» في قوله- سبحانه- قبل ذلك: لَقَدْ كانَ فِي يُوسُفَ وَإِخْوَتِهِ ...واللام في قوله لَيُوسُفُ لتأكيد أن زيادة محبة أبيهم ليوسف وأخيه، أمر ثابت، لا يقبل التردد أو التشكك.والمراد بأخيه: أخوه من أبيه وأمه وهو «بنيامين» وكان أصغر من يوسف- عليه السلام- أما بقيتهم فكانوا إخوة له من أبيه فقط.ولم يذكروه باسمه، للإشعار بأن محبة يعقوب له، من أسبابها كونه شقيقا ليوسف، ولذا كان حسدهم ليوسف أشد.وجملة «ونحن عصبة» حالية. والعصبة كلمة تطلق على ما بين العشرة إلى الأربعين من الرجال، وهي مأخوذة من العصب بمعنى الشد، لأن كلا من أفرادها يشد الآخر ويقويه ويعضده، أو لأن الأمور تعصب بهم. أى تشتد وتقوى.أى: قال إخوة يوسف وهم يتشاورون في المكر به: ليوسف وأخوه «بنيامين» أحب إلى قلب أبينا منا، مع أننا نحن جماعة من الرجال الأقوياء الذين عندهم القدرة على خدمته ومنفعته والدفاع عنه دون يوسف وأخيه.وقولهم- كما حكى القرآن عنهم-: إِنَّ أَبانا لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ تذييل قصدوا به درء الخطأ عن أنفسهم فيما يفعلونه بيوسف وإلقائه على أبيه الذي فرق بينهم- في زعمهم- في المعاملة.والمراد بالضلال هنا: عدم وضع الأمور المتعلقة بالأبناء في موضعها الصحيح، وليس المراد به الضلال في العقيدة والدين.أى: إن أبانا لفي خطأ ظاهر، حيث فضل في المحبة صبيين صغيرين على مجموعة من الرجال الأشداء النافعين له القادرين على خدمته.قال القرطبي: لم يريدوا بقولهم إِنَّ أَبانا لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ الضلال في الدين إذ لو أرادوه لكانوا كفارا، بل أرادوا: إن أبانا لفي ذهاب عن وجه التدبير في إيثاره اثنين على عشرة، مع استوائهم في الانتساب إليه» .وهذا الحكم منهم على أبيهم ليس في محله، لأن يعقوب- عليه السلام- كان عنده من أسباب التفضيل ليوسف عليهم ما ليس عندهم.قال الآلوسى ما ملخصه: يروى أن يعقوب- عليه السلام- كان يوسف أحب إليه لما يرى فيه من المناقب الحميدة، فلما رأى الرؤيا تضاعفت له المحبة.وقال بعضهم: إن زيادة حبه ليوسف وأخيه، صغرهما، وموت أمهما، وقد قيل لإحدى الأمهات: أى بنيك أحب إليك؟ قالت: الصغير حتى يكبر، والغائب حتى يقدم، والمريض حتى يشفى.ولا لوم على الوالد في تفضيله بعض ولده على بعض في المحبة لمثل ذلك وقد صرح غير واحد أن المحبة ليست مما يدخل تحت وسع البشر ... » .
12:9
اقْتُلُوْا یُوْسُفَ اَوِ اطْرَحُوْهُ اَرْضًا یَّخْلُ لَكُمْ وَجْهُ اَبِیْكُمْ وَ تَكُوْنُوْا مِنْۢ بَعْدِهٖ قَوْمًا صٰلِحِیْنَ(۹)
یوسف کو مار ڈالو یا کہیں زمین میں پھینک آؤ (ف۱۹) کہ تمہارے باپ کا منہ صرف تمہاری ہی طرف رہے (ف۲۰) اور اس کے بعد پھر نیک ہوجانا (ف۲۱)

ثم أخبر- سبحانه- عما اقترحوه للقضاء على يوسف فقال- تعالى-: اقْتُلُوا يُوسُفَ أَوِ اطْرَحُوهُ أَرْضاً يَخْلُ لَكُمْ وَجْهُ أَبِيكُمْ، وَتَكُونُوا مِنْ بَعْدِهِ قَوْماً صالِحِينَ.ولفظ «اطرحوه» مأخوذ من الطرح، ومعناه رمى الشيء وإلقاؤه بعيدا، ولفظ «أرضا» منصوب على نزع الخافض، والتنوين فيه للإبهام. أى: أرضا مجهولة.والمعنى: لقد بالغ أبونا في تفضيل يوسف وأخيه علينا، مع أننا أولى بذلك منهما وما دام هو مصرا على ذلك، فالحل أن تقتلوا يوسف، أو أن تلقوا به في أرض بعيدة مجهولة حتى يموت فيها غريبا.قال الآلوسى: «وحاصل المعنى: اقتلوه أو غربوه، فإن التغريب كالقتل في حصول المقصود، ولعمري لقد ذكروا أمرين مرين، فإن الغربة كربة أية كربة، ولله- تعالى- در القائل:حسنوا القول وقالوا غربة ... إنما الغربة للأحرار ذبحوجملة «يخل لكم وجه أبيكم» جواب الأمر.والخلو: معناه الفراغ. يقال خلا المكان يخلو خلوا وخلاء، إذا لم يكن به أحد.والمعنى: اقتلوا يوسف أو اقذفوا به في أرض بعيدة مجهولة حتى يموت، فإنكم إن فعلتم ذلك، خلصت لكم محبة أبيكم دون أن يشارككم فيها أحد، فيقبل عليكم بكليته، ويكون كل توجهه إليكم وحدكم، بعد أن كان كل توجهه إلى يوسف.قال صاحب الكشاف: «يخل لكم وجه أبيكم» أى: يقبل عليكم إقبالة واحدة، لا يلتفت عنكم إلى غيركم والمراد سلامة محبته لهم ممن يشاركهم فيها، وينازعهم إياها، فكان ذكر الوجه لتصوير معنى إقباله عليهم، لأن الرجل إذا أقبل على الشيء أقبل عليه بوجهه ... » .وقوله: وَتَكُونُوا مِنْ بَعْدِهِ قَوْماً صالِحِينَ معطوف على جواب الأمر.أى: وتكونوا من بعد الفراغ من أمر يوسف بسبب قتله أو طرحه في أرض بعيدة، قوما صالحين في دينكم، بأن تتوبوا إلى الله بعد ذلك فيقبل الله توبتكم، وصالحين في دنياكم بعد أن خلت من المنغصات التي كان يثيرها وجود يوسف بينكم.وهكذا النفوس عند ما تسيطر عليها الأحقاد، وتقوى فيها رذيلة الحسد، تفقد تقديرها الصحيح للأمور، وتحاول التخلص ممن يزاحمها بالقضاء عليه، وتصور الصغائر في صورة الكبائر، والكبائر في صورة الصغائر.فإخوة يوسف هنا، يرون أن محبة أبيهم لأخيهم جرم عظيم، يستحق إزهاق روح الأخ.وفي الوقت نفسه يرون أن هذا الإزهاق للروح البريئة شيء هين، في الإمكان أن يعودوا بعده قوما صالحين أمام خالقهم، وأمام أبيهم، وأمام أنفسهم.
12:10
قَالَ قَآىٕلٌ مِّنْهُمْ لَا تَقْتُلُوْا یُوْسُفَ وَ اَلْقُوْهُ فِیْ غَیٰبَتِ الْجُبِّ یَلْتَقِطْهُ بَعْضُ السَّیَّارَةِ اِنْ كُنْتُمْ فٰعِلِیْنَ(۱۰)
ان میں ایک کہنے والا (ف۲۲) بولا یوسف کو مارو نہیں (ف۲۳) اور اسے اندھے کنویں میں ڈال دو کہ کوئی چلتا اسے آکر لے جائے (ف۲۴) اگر تمہیں کرنا ہے (ف۲۵)

وقوله- سبحانه- قالَ قائِلٌ مِنْهُمْ لا تَقْتُلُوا يُوسُفَ، وَأَلْقُوهُ فِي غَيابَتِ الْجُبِّ يَلْتَقِطْهُ بَعْضُ السَّيَّارَةِ إِنْ كُنْتُمْ فاعِلِينَ بيان للرأى الذي اقترحه أحدهم، واستقر عليه أمرهم.قال القرطبي ما ملخصه: قوله وَأَلْقُوهُ فِي غَيابَتِ الْجُبِّ قرأ أهل مكة وأهل البصرة وأهل الكوفة «في غيابة الجب» بالإفراد- وقرأ أهل المدينة «في غيابات الجب» - بالجمع-.وكل شيء غيب عنك شيئا فهو غيابة، ومنه قيل للقبر غيابة- قال الشاعر:فإن أنا يوما غيبتني غيابتى ... فسيروا بسيرى في العشيرة والأهلوالجب: الركية- أى الحفرة- التي لم تطو- أى لم تبن بالحجارة- فإذا طويت فهي بئر. وسميت جبا لأنها قطعت في الأرض قطعا. وجمع الجب جببة وجباب وأجباب.وجمع بين الغيابة والجب، لأنه أراد ألقوه في موضع مظلم من الجب حتى لا يلحقه نظر الناظرين ... » .والسيارة: جمع سيار، والمراد بهم جماعة المسافرين الذين يبالغون في السير ليصلوا إلى مقصودهم.والمعنى: قال قائل من إخوة يوسف أفزعه ما هم مقدمون عليه بشأن أخيهم الصغير:لا تقتلوا يوسف، لأن قتله جرم عظيم، وبدلا من ذلك، ألقوه في قعر الجب حيث يغيب خبره، إلى أن يلتقطه من الجب بعض المسافرين، فيذهب به إلى ناحية بعيدة عنكم، وبذلك تستريحون منه ويخل لكم وجه أبيكم.ولم يذكر القرآن اسم هذا القائل أو وصفه، لأنه لا يتعلق بذكر ذلك غرض، وقد رجح بعض المفسرين أن المراد بهذا القائل «يهوذا» .والفائدة في وصفه بأنه منهم، الإخبار بأنهم لم يجمعوا على قتله أو طرحه في أرض بعيدة حتى يدركه الموت.وأتى باسم يوسف دون ضميره. لاستدرار عطفهم عليه، وشفقتهم به، واستعظام أمر قتله.وجواب الشرط في قوله «إن كنتم فاعلين» محذوف لدلالة «وألقوه» عليه.والمعنى: إن كنتم فاعلين ما هو خير وصواب، فألقوه في غيابة الجب، ولا تقتلوه ولا تطرحوه أرضا.وفي هذه الجملة من هذا القائل، محاولة منه لتثبيطهم عما اقترحوه من القتل أو التغريب بأسلوب بليغ، حيث فوض الأمر إليهم، تعظيما لهم، وحذرا من سوء ظنهم به، فكان أمثلهم رأيا، وأقربهم إلى التقوى.قالوا: وفي هذا الرأى عبرة في الاقتصاد عند الانتقام، والاكتفاء بما حصل به الغرض دون إفراط، لأن غرضهم إنما هو إبعاد يوسف عن أبيهم. وهذا الإبعاد يتم عن طريق إلقائه في غيابة الجب.
12:11
قَالُوْا یٰۤاَبَانَا مَا لَكَ لَا تَاْمَنَّا عَلٰى یُوْسُفَ وَ اِنَّا لَهٗ لَنٰصِحُوْنَ(۱۱)
بولے اے ہمارے باپ ! آپ کو کیا ہوا کہ یوسف کے معامل ہ میں ہمارا اعتبار نہیں کرتے اور ہم تو اس کے خیر خواہ ہیں،

ثم حكى- سبحانه- محاولاتهم مع أبيهم، ليأذن لهم بخروج يوسف معهم فقال:قالُوا يا أَبانا ما لَكَ لا تَأْمَنَّا عَلى يُوسُفَ وَإِنَّا لَهُ لَناصِحُونَ، أَرْسِلْهُ مَعَنا غَداً يَرْتَعْ وَيَلْعَبْ وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ.أى: قال إخوة يوسف لأبيهم- محاولين استرضاءه لاستصحاب يوسف معهم-: يا أبانا «مالك لا تأمنا على يوسف» أى: أى شيء جعلك لا تأمنا على أخينا يوسف في خروجه معنا، والحال أننا له ناصحون، فهو أخونا ونحن لا نريد له إلا الخير الخالص، والود الصادق.وفي ندائهم له بلفظ «يا أبانا» استمالة لقلبه، وتحريك لعطفه، حتى يعدل عن تصميمه على عدم خروج يوسف معهم.والاستفهام في قولهم «مالك لا تأمنا..» للتعجيب من عدم ائتمانهم عليه مع أنهم إخوته، وهو يوحى بأنهم بذلوا محاولات قبل ذلك في اصطحابه معهم ولكنها جميعا باءت بالفشل.
12:12
اَرْسِلْهُ مَعَنَا غَدًا یَّرْتَعْ وَ یَلْعَبْ وَ اِنَّا لَهٗ لَحٰفِظُوْنَ(۱۲)
کل اسے ہمارے ساتھ بھیج دیجئے کہ میوے کھائے اور کھیلے (ف۲۶) اور بیشک ہم اس کے نگہبان ہیں (ف۲۷)

ثم أضافوا إلى ذلك قولهم أَرْسِلْهُ مَعَنا غَداً يَرْتَعْ وَيَلْعَبْ ...والرتع والرتوع هو الاتساع في الملاذ والتنعم في العيش، يقال: رتع الإنسان في النعمة إذا أكل ما يطيب له ورتعت الدابة إذا أكلت حتى شبعت، وفعله كمنع والمراد باللعب هنا الاستجمام ورفع السآمة، كالتسابق عن طريق العدو، وما يشبه ذلك من ألوان الرياضة المباحة.أى: أرسله معنا غدا ليتسع في أكل الفواكه ونحوها، وليدفع السآمة عن نفسه عن طريق القفز والجري والتسابق معنا.وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ. كل الحفظ من أن يصيبه مكروه، أو يمسه سوء.وقد أكدوا هذه الجملة والتي قبلها وهي قوله «وإنا له لناصحون» بألوان من المؤكدات، لكي يستطيعوا الحصول على مقصودهم في اصطحاب يوسف معهم.وهو أسلوب يبدو فيه التحايل الشديد على أبيهم، لإقناعه بما يريدون تنفيذه وتحقيقه من مآرب سيئة.
12:13
قَالَ اِنِّیْ لَیَحْزُنُنِیْۤ اَنْ تَذْهَبُوْا بِهٖ وَ اَخَافُ اَنْ یَّاْكُلَهُ الذِّئْبُ وَ اَنْتُمْ عَنْهُ غٰفِلُوْنَ(۱۳)
بولا بیشک مجھے رنج دے گا کہ اسے لے جاؤ (ف۲۸) اور ڈرتا ہوں کہ اسے بھیڑیا کھالے (ف۲۹) اور تم اس سے بے خبر رہو (ف۳۰)

ثم أخبر- سبحانه- عما رد به عليهم أبوهم فقال: قالَ إِنِّي لَيَحْزُنُنِي أَنْ تَذْهَبُوا بِهِ وَأَخافُ أَنْ يَأْكُلَهُ الذِّئْبُ وَأَنْتُمْ عَنْهُ غافِلُونَ.والحزن: الغم الحاصل لوقوع مكروه أو فقد محبوب.والخوف: فزع النفس من مكروه يتوقع حصوله.والذئب: حيوان معروف بعدوانه على الضعاف من الإنسان ومن الحيوان، وأل فيه للجنس، والمراد به أى فرد من أفراد الذئاب.أى: قال يعقوب لأبنائه ردا على إلحاحهم في طلب يوسف للذهاب معهم يا أبنائى إننى ليحزنني حزنا شديدا فراق يوسف لي، وفضلا عن ذلك فإننى أخشى إذا أخذتموه معكم في رحلتكم أن يأكله الذئب، وأنتم عنه غافلون، بسبب اشتغالكم بشئون أنفسكم، وقلة اهتمامكم برعايته وحفظه.قالوا: وخص الذئب بالذكر من بين سائر الحيوانات، ليشعرهم بأن خوفه عليه مما هو أعظم من الذئب توحشا وافتراسا أشد وأولى.أو خصه بالذكر لأن الأرض التي عرفوا بالنزول فيها كانت كثيرة الذئاب.
12:14
قَالُوْا لَىٕنْ اَكَلَهُ الذِّئْبُ وَ نَحْنُ عُصْبَةٌ اِنَّاۤ اِذًا لَّخٰسِرُوْنَ(۱۴)
بولے اگر اسے بھیڑیا کھا جائے اور ہم ایک جماعت ہیں جب تو ہم کسی مصرف کے نہیں (ف۳۱)

وقوله- سبحانه-: قالُوا لَئِنْ أَكَلَهُ الذِّئْبُ وَنَحْنُ عُصْبَةٌ إِنَّا إِذاً لَخاسِرُونَ رد مؤكد من إخوة يوسف على تخوف أبيهم وتردده في إرساله معهم. إذ اللام في قوله: «لئن» موطئة للقسم، وجواب القسم قوله: «إنا إذا لخاسرون» .أى: قال إخوة يوسف لأبيهم محاولين إدخال الطمأنينة على قلبه، وإزالة الحزن والخوف عن نفسه: يا أبانا والله لئن أكل الذئب يوسف وهو معنا، ونحن عصابة من الرجال الأقوياء الحريصين على سلامته، إنا إذا في هذه الحالة لخاسرون خسارة عظيمة، نستحق بسببها عدم الصلاح لأى شيء نافع.وأخيرا استسلم الأب، لإلحاح أبنائه الكبار، ليتحقق قدر الله الذي قدره على يوسف.ولتسير قصة حياته في الطريق الذي شاء الله تعالى- له أن تسير فيه.
12:15
فَلَمَّا ذَهَبُوْا بِهٖ وَ اَجْمَعُوْۤا اَنْ یَّجْعَلُوْهُ فِیْ غَیٰبَتِ الْجُبِّۚ-وَ اَوْحَیْنَاۤ اِلَیْهِ لَتُنَبِّئَنَّهُمْ بِاَمْرِهِمْ هٰذَا وَ هُمْ لَا یَشْعُرُوْنَ(۱۵)
پھر جب اسے لے گئے (ف۳۲) اور سب کی رائے یہی ٹھہری کہ اسے اندھے کنویں میں ڈال دیں (ف۳۳) اور ہم نے اسے وحی بھیجی (ف۳۴) کہ ضرور تو انہیں ان کا یہ کام جتادے گا (ف۳۵) ایسے وقت کہ وہ نہ جانتے ہوں گے (ف۳۶)

وقد حكى القرآن ذلك بأسلوبه البليغ فقال: فَلَمَّا ذَهَبُوا بِهِ وَأَجْمَعُوا أَنْ يَجْعَلُوهُ فِي غَيابَتِ الْجُبِّ. وَأَوْحَيْنا إِلَيْهِ لَتُنَبِّئَنَّهُمْ بِأَمْرِهِمْ هذا وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ.أى: فلما أقنعوا أباهم بإرسال يوسف معهم، وذهبوا به في الغد إلى حيث يريدون، وأجمعوا أمرهم على أن يلقوا به في قعر الجب، فعلوا به ما فعلوا من الأذى، ونفذوا ما يريدون تنفيذه بدون رحمة أو شفقة.فالفاء في قوله فلما: للتفريع على كلام مقدر، وجواب «لما» محذوف، دل عليه السياق.وفعل «أجمع» يتعدى إلى المفعول بنفسه، ومعناه العزم والتصميم على الشيء، تقول:أجمعت المسير أى: عزمت عزما قويا عليه.وقوله «أن يجعلوه» مفعول أجمعوا.قال الآلوسى: «والروايات في كيفية إلقائه في الجب، وما قاله لإخوته عند إلقائه وما قالوه له كثيرة، وقد تضمنت ما يلين له الصخر، لكن ليس فيها ما له سند يعول عليه» .والضمير في قوله، وأوحينا إليه يعود على يوسف- عليه السلام-.أى: وأوحينا إليه عند إلقائه في الجب عن طريق الإلهام القلبي، أو عن طريق جبريل- عليه السلام- أو عن طريق الرؤيا الصالحة. لَتُنَبِّئَنَّهُمْ بِأَمْرِهِمْ هذا أى: لتخبرنهم في الوقت الذي يشاؤه الله- تعالى- في مستقبل الأيام، بما فعلوه معك في صغرك من إلقائك في الجب، ومن إنجاء الله- تعالى- لك، فالمراد بأمرهم هذا: إيذاؤهم له وإلقاؤهم إياه في قعر الجب، ولم يصرح- سبحانه- به، لشدة شناعته.وجملة «وهم لا يشعرون» حالية، أى: والحال أنهم لا يحسون ولا يشعرون في ذلك الوقت الذي تخبرهم فيه بأمرهم هذا، بأنك أنت يوسف. لاعتقادهم أنك قد هلكت ولطول المدة التي حصل فيها الفراق بينك وبينهم، ولتباين حالك وحالهم في ذلك الوقت، فأنت ستكون الأمين على خزائن الأرض، وهم سيقدمون عليك فقراء يطلبون عونك ورفدك.وقد تحقق كل ذلك- كما يأتى- عند تفسير قوله تعالى-: فَلَمَّا دَخَلُوا عَلَيْهِ قالُوا يا أَيُّهَا الْعَزِيزُ مَسَّنا وَأَهْلَنَا الضُّرُّ ...وكان هذا الإيحاء- على الراجح- قبل أن يبلغ سن الحلم، وقبل أن يكون نبيا.وكان المقصود منه، إدخال الطمأنينة على قلبه، وتبشيره بما يصير إليه أمره من عز وغنى وسلطان.قالوا: وكان هذا الجب الذي ألقى فيه يوسف على بعد ثلاثة فراسخ من منزل يعقوب- عليه السلام- بفلسطين.ثم حكى- سبحانه- أقوالهم لأبيهم بعد أن فعلوا فعلتهم وعادوا إليه ليلا يبكون فقال:
12:16
وَ جَآءُوْۤ اَبَاهُمْ عِشَآءً یَّبْكُوْنَؕ(۱۶)
اور رات ہوئے اپنے باپ کے پاس روتے ہوئے آئے (ف۳۷)

فقوله: وَجاؤُ أَباهُمْ عِشاءً يَبْكُونَ.والعشاء: وقت غيبوبة الشفق الباقي من بقايا شعاع الشمس، وبدء حلول الظلام والمراد بالبكاء هنا: البكاء المصطنع للتمويه والخداع لأبيهم، حتى يقنعوه- في زعمهم- أنهم لم يقصروا في حق أخيهم.أى: وجاءوا أباهم بعد أن أقبل الليل بظلامه يتباكون، متظاهرين بالحزن والأسى لما حدث ليوسف، وفي الأمثال: «دموع الفاجر بيديه» .
12:17
قَالُوْا یٰۤاَبَانَاۤ اِنَّا ذَهَبْنَا نَسْتَبِقُ وَ تَرَكْنَا یُوْسُفَ عِنْدَ مَتَاعِنَا فَاَكَلَهُ الذِّئْبُۚ-وَ مَاۤ اَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَّنَا وَ لَوْ كُنَّا صٰدِقِیْنَ(۱۷)
بولے اے ہمارے باپ ہم دوڑ کرتے نکل گئے (ف۳۸) اور یوسف کو اپنے اسباب کے پاس چھوڑا تو اسے بھیڑیا کھا گیا اور آپ کسی طرح ہمارا یقین نہ کریں گے اگرچہ ہم سچے ہوں (ف۳۹)

قالُوا يا أَبانا إِنَّا ذَهَبْنا نَسْتَبِقُ أى: نتسابق عن طريق الرمي بالسهام، أو على الخيل، أو على الأقدام. يقال: فلان وفلان استبقا أى: تسابقا حتى ينظر أيهما يسبق الآخر.وَتَرَكْنا يُوسُفَ عِنْدَ مَتاعِنا أى: عند الأشياء التي نتمتع بها وننتفع في رحلتنا، كالثياب والأطعمة وما يشبه ذلك.فَأَكَلَهُ الذِّئْبُ في تلك الفترة التي تركناه فيها عند متاعنا.والمراد: قتله الذئب، ثم أكله دون أن يبقى منه شيئا ندفنه.وَما أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنا وَلَوْ كُنَّا صادِقِينَ أى: وما أنت بمصدق لنا فيما أخبرناك به من أن يوسف قد أكله الذئب، حتى ولو كنا صادقين في ذلك، لسوء ظنك بنا، وشدة محبتك له.وهذه الجملة الكريمة توحى بكذبهم على أبيهم، وبمخادعتهم له، ويكاد المريب أن يقول خذوني- كما يقولون-.
12:18
وَ جَآءُوْ عَلٰى قَمِیْصِهٖ بِدَمٍ كَذِبٍؕ-قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ اَنْفُسُكُمْ اَمْرًاؕ-فَصَبْرٌ جَمِیْلٌؕ-وَ اللّٰهُ الْمُسْتَعَانُ عَلٰى مَا تَصِفُوْنَ(۱۸)
اور اس کے کر ُتے پر ایک جھوٹا خون لگا لائے (ف۴۰) کہا بلکہ تمہارے دلوں نے ایک بات تمہارے واسطے بنالی ہے (ف۴۱) تو صبر اچھا، اور اللہ ہی مدد چاہتا ہوں ان باتوں پر جو تم بتارہے ہو (ف۴۲)

ولكنهم لم يكتفوا بهذا التباكي وبهذا القول، بل أضافوا إلى ذلك تمويها آخر حكاه القرآن في قوله: وَجاؤُ عَلى قَمِيصِهِ بِدَمٍ كَذِبٍ ... أى: بدم ذي كذب، فهو مصدر بتقدير مضافه، أو وصف الدم بالمصدر مبالغة، حتى لكأنه الكذب بعينه، والمصدر هنا بمعنى المفعول، كالخلق بمعنى المخلوق، أى: بدم مكذوب.والمعنى: وبعد أن ألقوا بيوسف في الجب، واحتفظوا بقميصه معهم، ووضعوا على هذا القميص دما مصطنعا ليس من جسم يوسف، وإنما من جسم شيء آخر قد يكون ظبيا وقد يكون خلافه.وقال- سبحانه- عَلى قَمِيصِهِ للإشعار بأنه دم موضوع على ظاهر القميص وضعا متكلفا مصطنعا، ولو كان من أثر افتراس الذئب لصاحبه، لظهر التمزق والتخريق في القميص، ولتغلغل الدم في قطعة منه.ولقد أدرك يعقوب- عليه السلام- من قسمات وجوههم، ومن دلائل حالهم، ومن نداء قلبه المفجوع أن يوسف لم يأكله الذئب، وأن هؤلاء المتباكين هم الذين دبروا له مكيدة ما، وأنهم قد اصطنعوا هذه الحيلة المكشوفة مخادعة له، ولذا جابههم بقوله: قالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْراً....والتسويل: التسهيل والتزيين. يقال: سولت لفلان نفسه هذا الفعل أى زينته وحسنته له، وصورته له في صورة الشيء الحسن مع أنه قبيح.أى: قال يعقوب لأبنائه بأسى ولوعة بعد أن فعلوا ما فعلوا وقالوا ما قالوا: قال لهم ليس الأمر كما زعمتم من أن يوسف قد أكله الذئب، وإنما الحق أن نفوسكم الحاقدة عليه هي التي زينت لكم أن تفعلوا معه فعلا سيئا قبيحا، ستكشف الأيام عنه بإذن ربي ومشيئته.ونكر الأمر في قوله: بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْراً لاحتماله عدة أشياء مما يمكن أن يؤذوا به يوسف، كالقتل، أو التغريب، أو البيع في الأسواق لأنه لم يكن يعلم على سبيل اليقين ما فعلوه به.وفي هذا التنكير والإبهام- أيضا- ما فيه من التهويل والتشنيع لما اقترفوه في حق أخيهم.وقوله فَصَبْرٌ جَمِيلٌ أى: فصبرى صبر جميل، وهو الذي لا شكوى فيه لأحد سوى الله- تعالى- ولا رجاء معه إلا منه- سبحانه-.ثم أضاف إلى ذلك قوله: وَاللَّهُ الْمُسْتَعانُ عَلى ما تَصِفُونَ أى: والله- تعالى- هو الذي أستعين به على احتمال ما تصفون من أن ابني يوسف قد أكله الذئب.أو المعنى: والله- تعالى- وحده هو المطلوب عونه على إظهار حقيقة ما تصفون، وإثبات كونه كذبا، وأن يوسف ما زال حيا، وأنه- سبحانه- سيجمعنى به في الوقت الذي يشاؤه.قال الآلوسى: «أخرج ابن ابى حاتم وأبو الشيخ عن قتادة: أن إخوة يوسف- بعد أن ألقوا به في الجب- أخذوا ظبيا فذبحوه، ولطخوا بدمه قميصه، ولما جاءوا به إلى أبيهم جعل يقلبه ويقول: تالله ما رأيت كاليوم ذئبا أحلم من هذا الذئب!! أكل ابني ولم يمزق عليه قميصه ... » .وقال القرطبي: «استدل الفقهاء بهذه الآية في إعمال الأمارات في مسائل الفقه كالقسامة وغيرها، وأجمعوا على أن يعقوب- عليه السلام- قد استدل على كذب أبنائه بصحة القميص، وهكذا يجب على الحاكم أن يلحظ الأمارات والعلامات ... » .وقال الشيخ القاسمى ما ملخصه: «وفي الآية من الفوائد: أن الحسد يدعو إلى المكر بالمحسود وبمن يراعيه ... وأن الحاسد إذا ادعى النصح والحفظ والمحبة، لم يصدق، وأن من طلب مراده بمعصية الله- تعالى- فضحه الله- عز وجل-، وأن القدر كائن، وأن الحذر لا ينجى منه ... » .وإلى هنا نجد الآيات الكريمة قد حكت لنا بأسلوبها البليغ، وتصويرها المؤثر، ما تآمر به إخوة يوسف عليه، وما اقترحوه لتنفيذ مكرهم، وما قاله لهم أوسطهم عقلا ورأيا، وما تحايلوا به على أبيهم لكي يصلوا إلى مآربهم، وما رد به عليهم أبوهم، وما قالوه له بعد أن نفذوا جريمتهم في أخيهم. بأن ألقوا به في الجب ...ثم انتقلت السورة الكريمة بعد ذلك، لتقص علينا مرحلة أخرى من مراحل حياة يوسف- عليه السلام- حيث حدثتنا عن انتشاله من الجب، وعن بيعه بثمن بخس وعن وصية الذي اشتراه لامرأته، وعن مظاهر رعاية الله- تعالى- له فقال- سبحانه-:
12:19
وَ جَآءَتْ سَیَّارَةٌ فَاَرْسَلُوْا وَارِدَهُمْ فَاَدْلٰى دَلْوَهٗؕ-قَالَ یٰبُشْرٰى هٰذَا غُلٰمٌؕ-وَ اَسَرُّوْهُ بِضَاعَةًؕ-وَ اللّٰهُ عَلِیْمٌۢ بِمَا یَعْمَلُوْنَ(۱۹)
اور ایک قافلہ آیا (ف۴۳) انہوں نے اپنا پانی لانے والا بھیجا (ف۴۴) تو اس نے اپنا ڈول ڈال (ف۴۵) بولا آہا کیسی خوشی کی بات ہے یہ تو ایک لڑکا ہے اور اسے ایک پونجی بناکر چھپالیا (ف۴۶) اور اللہ جانتا ہے جو وہ کرتے ہیں،

فقوله- سبحانه-: وَجاءَتْ سَيَّارَةٌ فَأَرْسَلُوا وارِدَهُمْ، فَأَدْلى دَلْوَهُ ... شروع في الحديث عما جرى ليوسف من أحداث بعد أن ألقى به إخوته في الجب.والسيارة: جماعة المسافرين، وكانوا- كما قيل- متجهين من بلاد الشام إلى مصر.والوارد: هو الذي يرد الماء ليستقى للناس الذين معه. ويقع هذا اللفظ على الفرد والجماعة. فيقال لكل من يرد الماء وارد، كما يقال للماء مورود.وقوله فَأَدْلى من الإدلاء بمعنى إرسال الدلو في البئر لأخذ الماء.والدلو: إناء معروف يوضع فيه الماء.وفي الآية الكريمة كلام محذوف دل عليه المقام، والتقدير:وبعد أن ألقى إخوة يوسف به في الجب وتركوه وانصرفوا لشأنهم، جاءت إلى ذلك المكان قافلة من المسافرين، فأرسلوا واردهم ليبحث لهم عن ماء ليستقوا، فوجد جبا، فأدلى دلوه فيه، فتعلق به يوسف، فلما خرج ورآه فرح به وقال: يا بشرى هذا غلام.وأوقع النداء على البشرى، للتعبير عن ابتهاجه وسروره، حتى لكأنها شخص عاقل يستحق النداء، أى: يا بشارتي أقبلى فهذا أوان إقبالك.وقيل المنادى محذوف والتقدير: يا رفاقى في السفر أبشروا فهذا غلام، وقد خرج من الجب.وقرأ أهل المدينة ومكة: يا بشر اى هذا غلام. بإضافة البشرى إلى ياء المتكلم. والضمير المنصوب وهو الهاء في قوله: وَأَسَرُّوهُ بِضاعَةً يعود إلى يوسف.أما الضمير المرفوع فيعود إلى السيارة. وأسر من الإسرار الذي هو ضد الإعلان.والبضاعة: عروض التجارة ومتاعها. وهذا اللفظ مأخوذ من البضع بمعنى القطع، وأصله جملة من اللحم تبضع أى: تقطع. وهو حال من الضمير المنصوب في وَأَسَرُّوهُ.والمعنى: وأخفى جماعة المسافرين خبر التقاط يوسف من الجب مخافة أن يطلبه أحد من السكان المجاورين للجب، واعتبره بضاعة سرية لهم، وعزموا على بيعه على أنه من العبيد الأرقاء.ولعل يوسف- عليه السلام- قد أخبرهم بقصته بعد إخراجه من الجب.ولكنهم لم يلتفتوا إلى ما أخبرهم به طمعا في بيعه والانتفاع بثمنه.ومن المفسرين من يرى أن الضمير المرفوع في قوله وَأَسَرُّوهُ يعود على الوارد ورفاقه، فيكون المعنى:وأسر الوارد ومن معه أمر يوسف عن بقية أفراد القافلة، مخافة أن يشاركوهم في ثمنه إذا علموا خبره، وزعموا أن أهل هذا المكان الذي به الجب دفعوه إليهم ليبيعوه لهم في مصر على أنه بضاعة لهم.ومنهم من يرى أن الضمير السابق يعود إلى إخوة يوسف.قال الشوكانى ما ملخصه: وذلك أن يهوذا كان يأتى إلى يوسف كل يوم بالطعام. فأتاه يوم خروجه من الجب فلم يجده، فأخبر إخوته بذلك، فأتوا إلى السيارة وقالوا لهم: إن الغلام الذي معكم عبد لنا قد أبق، فاشتروه منهم بثمن بخس، وسكت يوسف مخافة أن يأخذه إخوته فيقتلوه» .وعلى هذا الرأى يكون معنى وَأَسَرُّوهُ بِضاعَةً: أخفى إخوة يوسف كونه أخا لهم،واعتبروه عرضا من عروض التجارة القابلة للبيع والشراء.ويكون المراد بقوله- تعالى- بعد ذلك وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ الشراء الحقيقي، بمعنى أن السيارة اشتروا يوسف من إخوته بثمن بخس.والحق أن الرأى الأول هو الذي تطمئن إليه النفس، لأنه هو الظاهر من معنى الآية، ولأنه بعيد عن التكلف الذي يرى واضحا في القولين الثاني والثالث.وقوله: وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِما يَعْمَلُونَ أى: لا يخفى عليه شيء من أسرارهم. ومن عملهم السيئ في حق يوسف. حيث إنهم استرقوه وباعوه بثمن بخس، وهو الكريم ابن الكريم ابن الكريم. كما جاء في الحديث الشريف.
12:20
وَ شَرَوْهُ بِثَمَنٍۭ بَخْسٍ دَرَاهِمَ مَعْدُوْدَةٍۚ-وَ كَانُوْا فِیْهِ مِنَ الزَّاهِدِیْنَ۠(۲۰)
اور بھائیوں نے اسے کھوٹے داموں گنتی کے روپوں پر بیچ ڈالا (ف۴۷) اور انہیں اس میں کچھ رغبت نہ تھی (ف۴۸)

وقوله: - سبحانه- وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ دَراهِمَ مَعْدُودَةٍ وَكانُوا فِيهِ مِنَ الزَّاهِدِينَ بيان لما فعله السيارة بيوسف بعد أن أسروه بضاعة.وقوله شَرَوْهُ هنا بمعنى باعوه.والبخس: النقص، يقال بخس فلان فلانا حقه، إذا نقصه وعابه. وهو هنا بمعنى المبخوس.ودَراهِمَ جمع درهم، وهي بدل من بِثَمَنٍ.ومَعْدُودَةٍ صفة لدراهم، وهي كناية عن كونها قليلة، لأن الشيء القليل يسهل عده، بخلاف الشيء الكثير، فإنه في الغالب يوزن وزنا.والمعنى: أن هؤلاء المسافرين بعد أن أخذوا يوسف ليجعلوه عرضا من عروض تجارتهم، باعوه في الأسواق بثمن قليل تافه، وهو عبارة عن دراهم معدودة، ذكر بعضهم أنها لا تزيد على عشرين درهما.وقوله: وَكانُوا فِيهِ مِنَ الزَّاهِدِينَ بيان لعدم حرصهم على بقائه معهم، إذ أصل الزهد قلة الرغبة في الشيء، تقول زهدت في هذا الشيء، إذا كنت كارها له غير مقبل عليه.أى: وكان هؤلاء الذين باعوه من الزاهدين في بقائه معهم، الراغبين في التخلص منه بأقل ثمن قبل أن يظهر من يطالبهم به.قال الآلوسى ما ملخصه: «وزهدهم فيه سببه أنهم التقطوه من الجب، والملتقط للشيء متهاون به لا يبالى أن يبيعه بأى ثمن خوفا من أن يعرض له مستحق ينزعه منه ... »
12:21
وَ قَالَ الَّذِی اشْتَرٰىهُ مِنْ مِّصْرَ لِامْرَاَتِهٖۤ اَكْرِمِیْ مَثْوٰىهُ عَسٰۤى اَنْ یَّنْفَعَنَاۤ اَوْ نَتَّخِذَهٗ وَلَدًاؕ-وَ كَذٰلِكَ مَكَّنَّا لِیُوْسُفَ فِی الْاَرْضِ٘-وَ لِنُعَلِّمَهٗ مِنْ تَاْوِیْلِ الْاَحَادِیْثِؕ-وَ اللّٰهُ غَالِبٌ عَلٰۤى اَمْرِهٖ وَ لٰكِنَّ اَكْثَرَ النَّاسِ لَا یَعْلَمُوْنَ(۲۱)
اور مصر کے جس شخص نے اسے خریدا وہ اپنی عورت سے بولا (ف۴۹) انہیں عزت سے رکھو (ف۵۰) شاید ان سے ہمیں نفع پہنچے (ف۵۱) یا ان کو ہم بیٹا بنالیں (ف۵۲) اور اسی طرح ہم نے یوسف کو اس زمین میں جماؤ (رہنے کا ٹھکانا) دیا اور اس لیے کہ اسے باتوں کا انجام سکھائیں ۰ف۵۳) اور اللہ اپنے کام پر غالب ہے مگر اکثر آدمی نہیں جانتے،

وقوله- سبحانه-: وَقالَ الَّذِي اشْتَراهُ مِنْ مِصْرَ لِامْرَأَتِهِ أَكْرِمِي مَثْواهُ عَسى أَنْ يَنْفَعَنا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَداً ... بيان لبعض مظاهر رعاية الله- تعالى- ليوسف- عليه السلام-.والذي اشتراه، قالوا إنه كان رئيس الشرطة لملك مصر في ذلك الوقت ولقبه القرآن بالعزيز كما سيأتى في قوله- تعالى-: قالَتِ امْرَأَةُ الْعَزِيزِ الْآنَ حَصْحَصَ الْحَقُّ....ومِنْ مِصْرَ صفة لقوله الَّذِي اشْتَراهُ.وامرأته: المراد بها زوجته، واسمها كما قيل زليخا أو راعيل.ومثواه من المثوى وهو مكان الإقامة والاستقرار. يقال: ثوى فلان بمكان كذا، إذا أطال الإقامة به. ومنه قوله- تعالى- وَما كُنْتَ ثاوِياً فِي أَهْلِ مَدْيَنَ ... أى مقيما معهم.أى: وقال الرجل المصرى الذي اشترى يوسف لامرأته: اجعلي محل إقامته كريما، وأنزليه منزلا حسنا مرضيا.وهذا كناية عن وصيته لها بإكرامه على أبلغ وجه، لأن من أكرم المحل بتنظيفه وتهيئته تهيئة حسنة فقد أكرم صاحبه.قال صاحب الكشاف: قوله أَكْرِمِي مَثْواهُ أى: اجعلي منزله ومقامه عندنا كريما:أى حسنا مرضيا بدليل قوله بعد ذلك إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوايَ.والمراد: تفقديه بالإحسان، وتعهديه بحسن الملكة، حتى تكون نفسه طيبة في صحبتنا، ساكنة في كنفنا. ويقال للرجل: كيف أبو مثواك وأم مثواك؟ لمن ينزل به من رجل أو امرأة، يراد هل تطيب نفسك بثوائك عنده وهل يراعى حق نزولك به؟ واللام في لِامْرَأَتِهِ متعلق بقال ... » .وقوله: عَسى أَنْ يَنْفَعَنا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَداً ... بيان لسبب أمره لها بإكرام مثواه.أى: عسى هذا الغلام أن ينفعنا في قضاء مصالحنا، وفي مختلف شئوننا، أو نتبناه فيكون منا بمنزلة لولد، فإنى أرى فيه علامات الرشد والنجابة، وأمارات الأدب وحسن الخلق.قالوا وهذه الجملة أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَداً توحى بأنهما لم يكن عندهما أولاد. والكاف في قوله- سبحانه- وَكَذلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الْأَرْضِ في محل نصب، على أنه نعت لمصدر محذوف والإشارة الى ما تقدم من إنجائه من إخوته، وانتشاله من الجب، ومحبة العزيز له..و «مكنا» من التمكين بمعنى التثبيت، والمراد بالأرض: أرض مصر التي نزل فيها.أى: ومثل ذلك التمكين البديع الدال على رعايتنا له، مكنا ليوسف في أرض مصر، حتى صار أهلا للأمر والنهى فيها.وقوله- سبحانه- وَلِنُعَلِّمَهُ مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحادِيثِ علة لمعلل محذوف، فكأنه قيل:وفعلنا ذلك التمكين له، لنعلمه من تأويل الأحاديث، بأن نهبه من صدق اليقين، واستنارة العقل، ما يجعله يدرك معنى الكلام إدراكا سليما، ويفسر الرؤى تفسيرا صحيحا صادقا.وقوله: وَاللَّهُ غالِبٌ عَلى أَمْرِهِ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ تذييل قصد به بيان قدرة الله- تعالى- ونفاذ مشيئته.فأمر الله هنا: هو ما قدره وأراده.أى: والله- تعالى- متمم ما قدره وأراده، لا يمنعه من ذلك مانع، ولا ينازعه منازع، ولكن أكثر الناس لا يعلمون ذلك حق العلم، فيما يأتون ويذرون من أقوال وأفعال.والتعبير بقوله: وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ احتراس لإنصاف ومدح القلة من الناس الذين يعطيهم الله- تعالى- من فضله ما يجعلهم لا يندرجون في الكثرة التي لا تعلم، بل هو- سبحانه- يعطيهم من فضله ما يجعلهم يعلمون ما لا يعلمه غيرهم.
12:22
وَ لَمَّا بَلَغَ اَشُدَّهٗۤ اٰتَیْنٰهُ حُكْمًا وَّ عِلْمًاؕ-وَ كَذٰلِكَ نَجْزِی الْمُحْسِنِیْنَ(۲۲)
اور جب اپنی پوری قوت کو پہنچا (ف۵۴) ہم نے اسے حکم اور علم عطا فرمایا (ف۵۵) اور ہم ایسا ہی صلہ دیتے ہیں نیکوں کو،

ثم بين- سبحانه- مظهرا آخر من مظاهر إنعامه على يوسف فقال: وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ آتَيْناهُ حُكْماً وَعِلْماً وَكَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ.والأشد: قوة الإنسان، وبلوغه النهاية في ذلك، مأخوذ من الشدة بمعنى القوة والارتفاع، يقال: شد النهار إذا ارتفع.ويرى بعضهم أنه مفرد جاء بصيغة الجمع ويرى آخرون أنه جمع لا واحد له من لفظه وقيل هو جمع شدة كأنعم ونعمة.والمعنى: وحين بلغ يوسف- عليه السلام- منتهى شدته وقوته، وهي السن التي كان فيها- على ما قيل- ما بين الثلاثين والأربعين.آتَيْناهُ أى: أعطيناه بفضلنا وإحساننا.حُكْماً أى: حكمة، وهي الإصابة في القول والعمل أو هي النبوة.وعِلْماً أى فقها في الدين. وفهما سليما لتفسير الرؤى، وإدراكا واسعا لشئون الدين والدنيا.وقوله: وَكَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ أى: ومثل هذا الجزاء الحسن والعطاء الكريم،نعطى ونجازي الذين يحسنون أداء ما كلفهم الله- تعالى- به، فكل من أحسن في أقواله وأعماله أحسن الله- تعالى- جزاءه.ثم انتقلت السورة الكريمة بعد ذلك، لتحدثنا عن مرحلة من أدق المراحل وأخطرها، في حياة يوسف- عليه السلام- وهي مرحلة التعرض للفتن والمؤامرات بعد أن بلغ أشده، وآتاه الله- تعالى- حكما وعلما، وقد واجه يوسف- عليه السلام- هذه الفتن بقلب سليم، وخلق قويم، فنجاه الله- تعالى- منها.استمع إلى السورة الكريمة وهي تحكى بأسلوبها البليغ ما فعلته معه امرأة العزيز من ترغيب وترهيب، وإغراء وتهديد ... فتقول:
12:23
وَ رَاوَدَتْهُ الَّتِیْ هُوَ فِیْ بَیْتِهَا عَنْ نَّفْسِهٖ وَ غَلَّقَتِ الْاَبْوَابَ وَ قَالَتْ هَیْتَ لَكَؕ-قَالَ مَعَاذَ اللّٰهِ اِنَّهٗ رَبِّیْۤ اَحْسَنَ مَثْوَایَؕ-اِنَّهٗ لَا یُفْلِحُ الظّٰلِمُوْنَ(۲۳)
اور وہ جس عورت (ف۵۶) کے گھر میں تھا اس نے اسے لبھایا کہ اپنا آپا نہ روکے (ف۵۷) اور دروازے سب بند کردیے (ف۵۸) اور بولی آؤ تمہیں سے کہتی ہوں (ف۵۹) کہا اللہ کی پناہ (ف۶۰) وہ عزیز تو میرا رب یعنی پرورش کرنے والا ہے اس نے مجھے اچھی طرح رکھا (ف۶۱) بیشک ظالموں کا بھلا نہیں ہوتا،

وقوله- سبحانه- وَراوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِها عَنْ نَفْسِهِ ... رجوع إلى شرح ما جرى ليوسف في منزل العزيز بعد أن أمر امرأته بإكرام مثواه، وما كان من حال تلك المرأة مع يوسف، وكيف أنها نظرت إليه بعين، تخالف العين التي نظر بها إليه زوجها.والمراودة- كما يقول صاحب الكشاف- مفاعلة من راد يرود إذا جاء وذهب، كأن المعنى: خادعته عن نفسه، أى: فعلت معه ما يفعله المخادع لصاحبه عن الشيء الذي لا يريد أن يخرجه من يده، يحتال أن يغلبه عليه ويأخذه منه، وهو عبارة عن التحايل لمواقعته إياها «1» .والتعبير عن حالها معه بالمراودة المقتضية لتكرار المحاولة، للإشعار بأنها كان منها الطلب المستمر، المصحوب بالإغراء والترفق والتحايل على ما تشتهيه منه بشتى الوسائل والحيل.وكان منه- عليه السلام- الإباء والامتناع عما تريده خوفا من الله- تعالى..وقال- سبحانه- الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِها دون ذكر لاسمها، سترا لها، وابتعادا عن التشهير بها، وهذا من الأدب السامي الذي التزمه القرآن في تعبيراته وأساليبه، حتى يتأسى أتباعه بهذا اللون من الأدب في التعبير.والمراد ببيتها: بيت سكناها، والإخبار عن المراودة بأنها كانت في بيتها. أدعى لإظهار كمال نزاهته عليه السلام- فإن كونه في بيتها يغرى بالاستجابة لها، ومع ذلك فقد أعرض عنها، ولم يطاوعها في مرادها.وعدى فعل المراودة بعن، لتضمنه معنى المخادعة.قال بعض العلماء: و «عن» هنا للمجاوزة، أى: راودته مباعدة له عن نفسه، أى: بأن يجعل نفسه لها، والظاهر أن هذا التركيب من مبتكرات القرآن الكريم، فالنفس هنا كناية عن غرض المواقعة، قاله ابن عطية، أى: فالنفس أريد بها عفافه وتمكينها منه لما تريد، فكأنها تراوده عن أن يسلم إليها إرادته وحكمه في نفسه» .وقوله وَغَلَّقَتِ الْأَبْوابَ أى: أبواب بيت سكناها الذي تبيت فيه بابا فبابا، قيل:كانت الأبواب سبعة.والمراد أنها أغلقت جميع الأبواب الموصلة إلى المكان الذي راودته فيه إغلاقا شديدا محكما، كما يشعر بذلك التضعيف في «غلّقت» زيادة في حمله على الاستجابة لها.ثم أضافت إلى كل تلك المغريات أنها قالت له: هيت لك، أى: ها أنا ذا مهيئة لك فأسرع في الإقبال على ...وهذه الدعوة السافرة منها له، تدل على أن تلك المرأة كانت قد بلغت النهاية في الكشف عن رغبتها، وأنها قد خرجت عن المألوف من بنات جنسها، فقد جرت العادة أن تكون المرأة مطلوبة لا طالبة ...و «هيت» اسم فعل أمر بمعنى أقبل وأسرع، فهي كلمة حض وحث على الفعل، واللام في «لك» لزيادة بيان المقصود بالخطاب، كما في قولهم: سقيا لك وشكرا لك. وهي متعلقة بمحذوف فكأنما تقول: إرادتى كائنة لك.قال الجمل ما ملخصه: «ورد في هذه الكلمة قراءات: «هيت» كليت، و «هيت» كفيل و «هيت» كحيث، و «هئت» بكسر الهاء وضم التاء، و «هئت» بكسر الهاء وفتح التاء.ثم قال: فالقراءات السبعية خمسة، وهذه كلها لغات في هذه الكلمة، وهي في كلها اسم فعل بمعنى هلم أى أقبل وتعال .وقوله- سبحانه- قالَ مَعاذَ اللَّهِ، إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوايَ، إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ بيان لما ردّ به يوسف عليها، بعد أن تجاوزت في إثارته كل حد.و «معاذ» مصدر أضيف إلى لفظ الجلالة، وهو منصوب بفعل محذوف أى: قال يوسف في الرد عليها: أعوذ بالله معاذا مما تطلبينه منى، وأعتصم به اعتصاما مما تحاولينه معى، فإن ما تطلبينه وتلحين في طلبه يتنافى مع الدين والمروءة والشرف.. ولا يفعله إلا من خبث منبته، وساء طبعه، وأظلم قلبه.وقوله إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوايَ تعليل لنفوره مما دعته إليه، واستعاذ بالله منه.والضمير في «إنه» يصح أن يعود إلى الله- تعالى- فيكون لفظ ربي بمعنى خالقي.والتقدير: قال يوسف في الرد عليها: معاذ الله أن أفعل الفحشاء والمنكر، بعد أن أكرمنى الله- تعالى- بما أكرمنى به من النجاة من الجب، ومن تهيئة الأسباب التي جعلتني أعيش معززا مكرما، وإذا كان- سبحانه- قد حباني كل هذه النعم فكيف أرتكب ما يغضبه؟.وجوز بعضهم عودة الضمير في «إنه» إلى زوجها، فيكون لفظ ربي بمعنى سيدي ومالكى، والتقدير: معاذ الله أن أقابل من اشترانى بماله، وأحسن منزلي، وأمرك بإكرامى- بالخيانة له في عرضه.وفي هذه الجملة الكريمة تذكير لها بألطف أسلوب بحقوق الله- تعالى- وبحقوق زوجها، وتنبيه لها إلى وجوب الإقلاع عما تريده منه من مواقعتها، لأنه يؤدى إلى غضب الله وغضب زوجها عليها.وجملة إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ تعليل آخر لصدها عما تريده منه.والفلاح: الظفر وإدراك المأمول.أى: إن كل من ارتكب ما نهى الله- تعالى- عنه، تكون عاقبته الخيبة والخسران وعدم الفلاح في الدنيا والآخرة فكيف تريدين منى أن أكون كذلك؟.هذا، والمتأمل في هذه الآية الكريمة يرى أن القرآن الكريم قد قابل دواعي الغواية الثلاث التي جاهرت بها امرأة العزيز والمتمثلة في المراودة، وتغليق الأبواب، وقولها، هيت لك:بدواعى العفاف الثلاث التي رد بها عليها يوسف، والمتمثلة في قوله- كما حكى القرآن عنه- مَعاذَ اللَّهِ، إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوايَ، إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ.وذلك ليثبت أن الاعتصام بالعفاف والشرف والأمانة، كان سلاح يوسف- عليه السلام- في تلك المعركة العنيفة بين نداء العقل ونداء الشهوة ...ولكن نداء العقل ونداء الشهوة الجامحة لم ينته عند هذا الحد، بل نرى القرآن الكريم يحكي لنا بعد ذلك صداما آخر بينهما فيقول: وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِها لَوْلا أَنْ رَأى بُرْهانَ رَبِّهِ....وهذه الآية الكريمة من الآيات التي خلط المفسرون فيها بين الأقوال الصحيحة والأقوال السقيمة.وسنبين أولا الرأى الذي نختاره في تفسيرها، ثم نتبعه بعد ذلك بغيره فنقول: الهمّ:المقاربة من الفعل من غير دخول فيه، تقول هممت على فعل هذا الشيء، إذا أقبلت نفسك عليه دون أن تفعله.وقال: بعض العلماء: الهم نوعان: هم ثابت معه عزم وعقد ورضا، وهو مذموم مؤاخذ به صاحبه، وهمّ بمعنى خاطر وحديث نفس، من غير تصميم وهو غير مؤاخذ به صاحبه، لأن خطور المناهي في الصدور، وتصورها في الأذهان، لا مؤاخذة بها ما لم توجد في الأعيان.روى الشيخان وأهل السنن عن أبى هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «إن الله تجاوز لأمتى عما حدثت به أنفسها، ما لم تتكلم به، أو تعمل به» .وقد أجمع العلماء على أن همّ امرأة العزيز بيوسف كان هما بمعصية، وكان مقرونا بالعزم والجزم والقصد، بدليل المراودة وتغليق الأبواب، وقولها «هيت لك» .كما أجمعوا على أن يوسف- عليه السلام- لم يأت بفاحشة، وأن همه كان مجرد خاطرة قلب بمقتضى الطبيعة البشرية: من غير جزم وعزم ...وهذا اللون من الهم لا يدخل تحت التكليف، ولا يخل بمقام النبوّة، كالصائم يرى الماء البارد في اليوم الشديد الحرارة، فتميل نفسه إليه، ولكن دينه يمنعه من الشرب منه، فلا يؤاخذ بهذا الميل.والمراد ببرهان ربه هو: ما غرسه الله- تعالى- في قلبه من العلم المصحوب بالعمل، بأن هذا الفعل الذي دعته إليه امرأة العزيز قبيح، ولا يليق به.أو هو- كما يقول ابن جرير- رؤيته من آيات الله ما زجره عما كان همّ به..والمعنى: ولقد همت به، أى: ولقد قصدت امرأة العزيز مواقعة يوسف- عليه السلام- قصدا جازما، بعد أن أغرته بشتى الوسائل فلم يستجب لها ...وَهَمَّ بِها لَوْلا أَنْ رَأى بُرْهانَ رَبِّهِ أى: ومال إلى مطاوعتها بمقتضى طبيعته البشرية وبمقتضى توفر كل الدواعي لهذا الميل ...ولكن مشاهدته للأدلة على شناعة المعصية، وخوفه لمقام ربه، وعون الله- تعالى- له على مقاومة شهوته ... كل ذلك حال بينه وبين تنفيذ هذا الميل، وصرفه عنه صرفا كليا، وجعله يفر هاربا طالبا النجاة مما تريده منه تلك المرأة.هذا هو الرأى الذي نختاره في تفسير هذه الآية الكريمة، وقد استخلصناه من أقوال المفسرين القدامى والمحدثين.فمن المفسرين القدامى الذين ذكروا هذا الرأى صاحب الكشاف، فقد قال ما ملخصه.
12:24
وَ لَقَدْ هَمَّتْ بِهٖۚ-وَ هَمَّ بِهَا لَوْ لَاۤ اَنْ رَّاٰ بُرْهَانَ رَبِّهٖؕ-كَذٰلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوْٓءَ وَ الْفَحْشَآءَؕ-اِنَّهٗ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِیْنَ(۲۴)
اور بیشک عورت نے اس کا ارادہ کیا اور وہ بھی عورت کا ارادہ کرتا اگر اپنے رب کی دلیل نہ دیکھ لیتا (ف۶۲) ہم نے یوں ہی کیا کہ اس سے برائی اور بے حیائی کو پھیر دیں (ف۶۳) بیشک وہ ہمارے چنے ہوئے بندوں میں سے ہے (ف۶۴)

وقوله- تعالى- وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ معناه: ولقد همت بمخالطته «وهم بها» أى: وهم بمخالطتها «لولا أن رأى برهان ربه» جوابه محذوف تقديره لولا أن رأى برهان ربه لخالطها، فحذف لأن قوله وهم بها يدل عليه، كقولك: هممت بقتله لولا أنى خفت الله معناه: لولا أنى خفت الله لقتلته.فإن قلت: كيف جاز على نبي الله أن يكون منه هم بالمعصية؟.قلت: المراد أن نفسه مالت إلى المخالطة، ونازعت إليها عن شهوة الشباب، ميلا يشبه الهم به، وكما تقتضيه تلك الحال التي تكاد تذهب بالعقول والعزائم، وهو يكسر ما به، ويرده بالنظر في برهان الله المأخوذ على المكلفين بوجوب اجتناب المحارم، ولو لم يكن ذلك الميل الشديد المسمى هما لشدته، لما كان صاحبه ممدوحا عند الله بالامتناع، لأن استعظام الصبر على الابتلاء، على حسب عظم الابتلاء وشدته، ولو كان همه كهمها عن عزيمة لما مدحه بأنه من عباده المخلصين» .ومن المفسرين المحدثين الذين ذكروا هذا الرأى الإمام الآلوسى، فقد قال ما ملخصه:قوله: «ولقد همت به» أى: بمخالطته ... والمعنى: أنها قصدت المخالطة وعزمت عليها عزما جازما، لا يلويها عنها صارف بعد ما باشرت مباديها ...والتأكيد- باللام وقد- لدفع ما يتوهم من احتمال إقلاعها عما كانت عليه.وَهَمَّ بِها أى: مال إلى مخالطتها بمقتضى الطبيعة البشرية ... ومثل ذلك لا يكاد يدخل تحت التكليف، وليس المراد أنه قصدها قصدا اختياريا، لأن ذلك أمر مذموم تنادى الآيات بعدم اتصافه به، وإنما عبر عنه بالهم لمجرد وقوعه في صحبة همها في الذكر على سبيل المشاكلة لا لشبهه به ... «لولا أن رأى برهان ربه» أى محبته الباهرة الدالة على كمال قبح الزنا، وسوء سبيله.والمراد برؤيته له: كمال إيقانه به، ومشاهدته له مشاهدة وصلت إلى مرتبة عين اليقين ... » .ومن المفسرين من يرى أن المراد بهمها به: الهم بضربه نتيجة عصيانه لأمرها.وأن المراد بهمه بها: الدفاع عن نفسه برد الاعتداء، ولكنه آثر الهرب.وقد قرر هذا الرأى ودافع عنه وأنكر سواه صاحب المنار، فقد قال ما ملخصه:«ولقد همت به» أى: وتالله لقد همت المرأة بالبطش به لعصيانه لأمرها، وهي في نظرها سيدته وهو عبدها، وقد أذلت نفسها له بدعوته الصريحة إلى نفسها، بعد الاحتيال عليه بمراودته عن نفسه ... فخرجت بذلك عن طبع أنوثتها في التمنع ... مما جعلها تحاول البطش بهبعد أن أذل كرامتها، وهو انتقام معهود من مثلها، وممن دونها في كل زمان ومكان ...وكاد يرد صيالها ويدفعه بمثله، وهو قوله- تعالى- وَهَمَّ بِها لَوْلا أَنْ رَأى بُرْهانَ رَبِّهِ ولكنه رأى من برهان ربه في سريرة نفسه، ما هو مصداق قوله- تعالى- وَاللَّهُ غالِبٌ عَلى أَمْرِهِ وهو إما النبوة ... وإما معجزتها ... وإما مقدمتها من مقام الصديقية العليا، وهي مراقبته لله- تعالى- ورؤيته ربه متجليا له، ناظرا إليه» .وما ذهب إليه صاحب المنار من تفسير الهم منها بالبطش بيوسف، وتفسير الهم منه برد الاعتداء الذي وقع عليه منها ... أقول: ما ذهب إليه صاحب المنار من تفسير الهم بذلك، لا أرى دليلا عليه من الآية، لا عن طريق الإشارة، ولا عن طريق العبارة ...ولعل صاحب المنار- رحمه الله- أراد بهذا التفسير أن يبعد يوسف- عليه السلام- عن أن يكون قد هم بها هم ميل بمقتضى الطبيعة البشرية، ونحن لا نرى مقتضيا لهذا الإبعاد، لأن خطور المناهي في الأذهان، لا مؤاخذة عليه، ما دامت لم يصاحبها عزم أو قصد- كما سبق أن أشرنا إلى ذلك من قبل.هذا وهناك أقوال أخرى لبعض المفسرين في معنى الآية الكريمة، رأينا أن نضرب عنها صفحا لأنه لا دليل عليها لا من العقل ولا من النقل ولا من اللغة ... وإنما هي من الأوهام الإسرائيلية التي تتنافى كل التنافي مع أخلاق عباد الله المخلصين، الذين على رأسهم يوسف- عليه السلام.قوله- سبحانه- كَذلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبادِنَا الْمُخْلَصِينَ بيان لمظهر من مظاهر رحمة الله- تعالى- به، ورعايته له.والكاف: نعت لمصدر محذوف والإشارة بذلك إلى الإراءة المدلول عليها بقوله «لولا أن رأى برهان ربه» أو إلى التثبيت المفهوم من ذلك.والصرف: نقل الشيء من مكان إلى مكان والمراد به هنا: الحفظ من الوقوع فيما نهى الله عنه، أى: أريناه مثل هذه الإراءة أو ثبتناه تثبيتا مثل هذا التثبيت لنعصمه ونحفظه ونصونه عن الوقوع في السوء- أى في المنكر والفجور والمكروه- والفحشاء- أى كل ما فحش وقبح من الأفعال كالزنا ونحوه.«إنه من عبادنا المخلصين» - بفتح اللام- أى: إنه من عبادنا الذين أخلصناهم لطاعتنا وعصمناهم من كل ما يغضبنا.وقرأ ابن عامر وابن كثير وأبو عمرو «المخلصين» - بكسر اللام- أى: إنه من عبادنا الذين أخلصوا دينهم لنا.والجملة الكريمة على القراءتين تعليل لحكمة صرفه- عليه السلام- عن السوء والفحشاء.
12:25
وَ اسْتَبَقَا الْبَابَ وَ قَدَّتْ قَمِیْصَهٗ مِنْ دُبُرٍ وَّ اَلْفَیَا سَیِّدَهَا لَدَا الْبَابِؕ-قَالَتْ مَا جَزَآءُ مَنْ اَرَادَ بِاَهْلِكَ سُوْٓءًا اِلَّاۤ اَنْ یُّسْجَنَ اَوْ عَذَابٌ اَلِیْمٌ(۲۵)
اور دونوں دروازے کی طرف دوڑے (ف۶۵) اور عورت نے اس کا کر ُتا پیچھے سے چیر لیا اور دونوں کو عورت کا میاں (ف۶۶) دروازے کے پاس ملا (ف۶۷) بولی کیا سزا ہے اس کی جس نے تیری گھر والی سے بدی چاہی (ف۶۸) مگر یہ کہ قید کیا جائے یا دکھ کی مار (ف۶۹)

وقوله- سبحانه- وَاسْتَبَقَا الْبابَ ... متصل بقوله- سبحانه- قبل ذلك وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ ... وقوله كَذلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشاءَ ... اعتراض جيء به بين المتعاطفين تقريرا لنزاهته.وقوله وَاسْتَبَقَا.. من الاستباق وهو افتعال من السبق بمعنى أن كل واحد منهما يحاول أن يكون هو السابق إلى الباب.ووجه تسابقهما: أن يوسف- عليه السلام- أسرع بالفرار من أمامها إلى الباب هروبا من الفاحشة التي طلبتها منه. وهي أسرعت خلفه لتمنعه من الوصول إلى الباب ومن الخروج منه.وأفرد- سبحانه- الباب هنا، وجمعه فيما تقدم، لأن المراد به هنا الباب الخارجي، الذي يخلص منه يوسف إلى خارج الدار، وهو منصوب هنا على نزع الخافض أى: واستبقا إلى الباب.وجملة «وقدت قميصه من دبر» حالية، والقد: القطع والشق، وأكثر استعماله في الشق والقطع الذي يكون طولا، وهو المراد هنا، لأن الغالب أنها جذبته من الخلف وهو يجرى أمامها فانخرق القميص إلى أسفله.وقوله: وَأَلْفَيا سَيِّدَها لَدَى الْبابِ أى: وصادفا ووجدا زوجها عند الباب الذي تسابقا للوصول إليه.قالوا: والتعبير عن الزوج بالسيد، كان عادة من عادات القوم في ذلك الوقت، فعبر عنه القرآن بذلك حكاية لدقائق ما كان متبعا في التاريخ القديم.وقال- سبحانه- وَأَلْفَيا سَيِّدَها لأن ملك العزيز ليوسف- عليه السلام- لم يكن ملكا صحيحا، فيوسف ليس رقيقا يباع ويشترى، وإنما هو الكريم ابن الكريم ابن الكريم، وبيع السيارة له، إنما كان على سبيل التخلص منه بعد أن التقطوه من الجب.وقوله- سبحانه- قالَتْ ما جَزاءُ مَنْ أَرادَ بِأَهْلِكَ سُوءاً إِلَّا أَنْ يُسْجَنَ أَوْ عَذابٌ أَلِيمٌ حكاية لما قالته لزوجها عند ما فوجئت به عند الباب وهي تسرع وراء يوسف.أى قالت تلك المرأة لزوجها عند ما فوجئت به لدى الباب: ليس من جزاء لمن أراد بأهلك- تعنى نفسها- سوءا، أى ما يسوؤك ويؤلمك، إلا أن يسجن، عقوبة له، أو أن يعذب عذابا أليما عن طريق الضرب او الجلد، لتجاوزه الحدود، واعتدائه على أهلك.وهذه الجملة الكريمة التي حكاها القرآن الكريم عنها، تدل على أن تلك المرأة كانت في نهاية المكر والدهاء والتحكم في إرادة زوجها ...ورحم الله الآلوسى فقد علق على قولها هذا الذي حكاه القرآن عنها بقوله ما ملخصه:«ولقد آتت- تلك المرأة- في هذه الحالة التي يدهش فيها الفطن اللوذعي- حيث شاهدها زوجها على تلك الحالة المريبة- بحيلة جمعت فيها غرضيها، وهما تبرئة ساحتها مما يلوح من ظاهر حالها، واستنزال يوسف عن رأيه في استعصائه عليها، وعدم طاعته لها، بإلقاء الرعب في قلبه ...ولم تصرح بالاسم، بل أتت بلفظ عام «من أراد بأهلك سوءا..» تهويلا للأمر، ومبالغة في التخويف، كأن ذلك قانون مطرد في حق كل من أراد بأهله سوءا.وذكرت نفسها بعنوان أهلية العزيز، إعظاما للخطب ...ثم إن حبها الشديد ليوسف- عليه السلام- حملها على أن تبدأ بذكر السجن، وتؤخر ذكر العذاب لأن المحب لا يسعى في إيلام المحبوب، لا سيما أن قولها: «إلا أن يسجن ... »قد يكون المراد منه السجن لمدة يوم أو يومين ... » .والحق أن هذه الجملة التي حكاها القرآن عنها، تدل على اكتمال قدرتها على المكر والدهاء- كما سبق أن أشرنا- ومن مظاهر ذلك، محاولتها إيهام زوجها بأن يوسف قد اعتدى عليها بما يسوؤها ويسوؤه، ولكن بدون تصريح بهذا العدوان- شأن العاشق مع معشوقه- حتى لا يسعى زوجها في التخلص منه ببيعه- مثلا-.وفي الوقت نفسه إفهام يوسف عن طريق مباشر، بأن أمره بيدها لا بيد زوجها، وأنها هي الآمرة الناهية، فعليه أن يخضع لما تريده منه، وإلا فالسجن أو العذاب الأليم هو مصيره المحتوم.
12:26
قَالَ هِیَ رَاوَدَتْنِیْ عَنْ نَّفْسِیْ وَ شَهِدَ شَاهِدٌ مِّنْ اَهْلِهَاۚ-اِنْ كَانَ قَمِیْصُهٗ قُدَّ مِنْ قُبُلٍ فَصَدَقَتْ وَ هُوَ مِنَ الْكٰذِبِیْنَ(۲۶)
کہا اس نے مجھ کو لبھایا کہ میں اپنی حفاظت نہ کروں (ف۷۰) اور عورت کے گھر والوں میں سے ایک گواہ نے (ف۷۱) گواہی دی اگر ان کا کر ُتا آگے سے چرا ہے تو عورت سچی ہے اور انہوں نے غلط کہا (ف۷۲)

وهنا نجد يوسف- عليه السلام- لا يجد مفرا من الرد على هذا الاتهام الباطل، فيقول- كما حكى القرآن عنه-: قالَ هِيَ راوَدَتْنِي عَنْ نَفْسِي....أى: قال يوسف مدافعا عن نفسه: إنى ما أردت بها سوءا كما تزعم وإنما هي التي بالغت في ترغيبى وإغرائى بارتكاب ما لا يليق معها..ثم قال- تعالى-: وَشَهِدَ شاهِدٌ مِنْ أَهْلِها إِنْ كانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ قُبُلٍ فَصَدَقَتْ وَهُوَ مِنَ الْكاذِبِينَ وَإِنْ كانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ فَكَذَبَتْ وَهُوَ مِنَ الصَّادِقِينَ.وهذا الشاهد ذهب بعضهم إلى أنه كان ابن خال لها، وقيل ابن عم لها ...قال صاحب المنار: «ولكن الرواية عن ابن عباس وسعيد بن جبير والضحاك، أنه كان صبيا في المهد، ويؤيدها ما رواه أحمد وابن جرير والبيهقي في الدلائل عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «تكلم في المهد أربعة وهم: صغار ابن ماشطة ابنة فرعون. وشاهد يوسف وصاحب جريج وعيسى ابن مريم» .وروى ابن جرير عن أبى هريرة قال: «عيسى بن مريم وصاحب يوسف وصاحب جريج تكلموا في المهد» وهذا موقوف، والمرفوع ضعيف، وقد اختاره ابن جرير، وحكاه ابن كثير بدون تأييد ولا تضعيف ... » .وعلى أية حال فالذي يهمنا أن الله- تعالى- قد سخر في تلك اللحظة الحرجة، من يدلى بشهادته لتثبت براءة يوسف أمام العزيز.وألقى الله- تعالى- هذه الشهادة على لسان من هو من أهلها، لتكون أوجب للحجة عليها، وأوثق لبراءة يوسف، وأنفى للتهمة عنه.وقد قال هذا الشاهد في شهادته- كما حكى القرآن عنه- إِنْ كانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ قُبُلٍ أى: من أمام «فصدقت» في أنه أراد بها سوءا، لأن ذلك يدل على أنها دافعته من الأمام وهو يريد الاعتداء عليها. «وهو من الكاذبين» في قوله «هي راودتني عن نفسي» .
12:27
وَ اِنْ كَانَ قَمِیْصُهٗ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ فَكَذَبَتْ وَ هُوَ مِنَ الصّٰدِقِیْنَ(۲۷)
اور اگر ان کا کر ُتا پیچھے سے چاک ہوا تو عورت جھوٹی ہے اور یہ سچے (ف۷۳)

وَإِنْ كانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ أى من خلف فَكَذَبَتْ في دعواها على أنه أراد بها سوءا، لأن ذلك يدل على أنه حاول الهرب منها، فتعقبته حتى الباب، وأمسكت به من الخلف وَهُوَ مِنَ الصَّادِقِينَ في دعواه أنها راودته عن نفسه.وسمى القرآن الكريم ذلك الحكم بينهما شهادة، لأن قوله هذا يساعد على الوصول إلى الحق في قضية التبس فيها الأمر على العزيز.وقدم الشاهد في شهادته الغرض الأول وهو- إن كان قميصه قد من قبل- لأنه إن صح يقتضى صدقها، وقد يكون هو حريصا على ذلك بمقتضى قرابته لها، إلا أن الله- تعالى- أظهر ما هو الحق، تكريما ليوسف- عليه السلام- أو يكون قد قدم ذلك باعتبارها سيدة، ويوسف فتى، فمن باب اللياقة أن يذكر الفرض الأول رحمة بها.وزيادة جملة «وهو من الكاذبين» بعد «فصدقت» وزيادة جملة «وهو من الصادقين» بعد «فكذبت» تأكيد لزيادة تقرير الحق كما هو الشأن في إصدار الأحكام.
12:28
فَلَمَّا رَاٰ قَمِیْصَهٗ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ قَالَ اِنَّهٗ مِنْ كَیْدِكُنَّؕ-اِنَّ كَیْدَكُنَّ عَظِیْمٌ(۲۸)
پھر جب عزیز نے اس کا کر ُتا پیچھے سے چرا دیکھا (ف۷۴) بولا بیشک یہ تم عورتوں کا چرتر (فریب) ہے بیشک تمہارا چرتر (فریب) بڑا ہے (ف۷۵)

وقوله- سبحانه- فَلَمَّا رَأى قَمِيصَهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ قالَ إِنَّهُ مِنْ كَيْدِكُنَّ إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ ... بيان لما قاله زوجها بعد أن انكشفت له الحقيقة انكشافا تاما.أى: فلما رأى العزيز قميص يوسف قد قطع من الخلف. وجه كلامه إلى زوجته معاتبا إياها بقوله: إن محاولتك اتهام يوسف بما هو برىء منه، هو نوع من «كيدكن» ومكركن وحيلكن «إن كيدكن عظيم» في بابه، لأن كثيرا من الرجال لا يفطنون إلى مراميه.وهكذا واجه ذلك الرجل خيانة زوجه له بهذا الأسلوب الناعم الهادئ، بأن نسب كيدها ومكرها لا إليها وحدها بل الجنس كله «إنه من كيدكن» .
12:29
یُوْسُفُ اَعْرِضْ عَنْ هٰذَاٚ-وَ اسْتَغْفِرِیْ لِذَنْۢبِكِ ۚۖ-اِنَّكِ كُنْتِ مِنَ الْخٰطِـٕیْنَ۠(۲۹)
اے یوسف! تم اس کا خیال نہ کرو (ف۷۶) اور اے عورت! تو اپنے گناہ کی معافی مانگ (ف۷۷) بیشک تو خطاواروں میں ہے (ف۷۸)

ثم وجه كلامه إلى يوسف فقال له «يوسف أعرض عن هذا» أى: يا يوسف أعرض عن هذا الأمر الذي دار بينك وبينها فاكتمه. ولا تتحدث به خوفا من الفضيحة، وحفاظا على كرامتي وكرامتها.وقوله: وَاسْتَغْفِرِي لِذَنْبِكِ إِنَّكِ كُنْتِ مِنَ الْخاطِئِينَ خطاب منه لزوجته التي ثبتت عليها الجريمة ثبوتا تاما.أى: واستغفري الله من ذنبك الذي وقع منك، بإساءتك فعل السوء مع يوسف، ثم اتهامك له بما هو برىء منه.وجملة: «إنك كنت من الخاطئين» تعليل لطلب الاستغفار. أى توبي إلى الله مما حدث منك، لأن ما حدث منك مع يوسف جعلك من جملة القوم المتعمدين لارتكاب الذنوب، وجعلها من جملة الخاطئين للتخفيف عليها في المؤاخذة.وهكذا نجد هذا الرجل- صاحب المنصب الكبير- يعالج الجريمة التي تثور لها الدماء في العروق، وتستلزم حسما وحزما في الأحكام، بهذا الأسلوب الهادئ البارد، شأن المترفين في كل زمان ومكان، الذين يهمهم ظواهر الأمور دون حقائقها وأشكالها دون جواهرها، فهو يلوم امرأته لوما خفيفا يشبه المدح، ثم يطلب من يوسف كتمان الأمر، ثم يطلب منها التوبة من ذنوبها المتعمدة.. ثم تستمر الأمور بعد ذلك على ما هي عليه من بقاء يوسف معها في بيتها، بعد أن كان منها معه ما يستلزم عدم اجتماعهما.هذا ومن العبر والعظات والأحكام التي نأخذها من هذه الآيات الكريمة:1- أن اختلاط الرجال بالنساء. كثيرا ما يؤدى إلى الوقوع في الفاحشة وذلك لأن ميل الرجل إلى المرأة وميل المرأة إلى الرجل أمر طبيعي، وما بالذات لا يتغير.ووجود يوسف- عليه السلام- مع امرأة العزيز تحت سقف واحد في سن كانت هي فيه مكتملة الأنوثة، وكان هو فيها فتى شابا جميلا ... أدى إلى فتنتها به، وإلى أن تقول له في نهاية الأمر بعد إغراءات شتى له منها: «هيت لك» .ولا شك أن من الأسباب الأساسية التي جعلتها تقول هذا القول العجيب وجودهما لفترة طويلة تحت سقف واحد.لذا حرم الإسلام تحريما قاطعا الخلوة بالأجنبية، سدا لباب الوقوع في الفتن، ومنعا من تهيئة الوسائل للوقوع في الفاحشة.ومن الأحاديث التي وردت في ذلك ما رواه الشيخان عن عقبة بن عامر، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إياكم والدخول على النساء، فقال رجل من الأنصار، أفرأيت الحمو يا رسول الله؟ قال: الحمو الموت » . والحمو هو قريب الزوج كأخيه وابن عمه.وسئلت امرأة انحرفت عن طريق العفاف، لماذا كان منك ذلك فقالت: قرب الوساد، وطول السواد .أى: حملني على ذلك قربى ممن أحبه وكثرة محادثتى له! 2- أن هم الإنسان بالفعل، ثم رجوعه عنه قبل الدخول في مرحلة التصميم والتنفيذ، لا مؤاخذة فيه.قال القرطبي ما ملخصه: «الهم الذي هم به يوسف، من نوع ما يخطر في النفس، ولا يثبت في الصدر، وهو الذي رفع الله فيه المؤاخذة عن الخلق، إذ لا قدرة للمكلف على دفعه.وفي صحيح مسلم عن أبى هريرة- رضى الله عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «قالت الملائكة يا ربنا ذلك عبدك يريد أن يعمل سيئة- وهو أبصر به- فقال: ارقبوه فإن قالوا: وهذه الكلمة كانت لابنة الخص، اعتذرت بها عن نفسها بعد أن فتنت فقيل لها لماذا هذا السلوك وأنت سيدة قومك؟عملها فاكتبوها له بمثلها وإن تركها فاكتبوها له حسنة إنما تركها من أجلى» .وفي الصحيح: «إن الله تجاوز لأمتى عما حدثت به أنفسها ما لم تعمل أو تتكلم به » .3- أن من الواجب على المؤمن إذا ما دعى إلى معصية أن يستعيذ بالله من ذلك، وأن يذكّر الداعي له بضررها، وبسوء عاقبة المرتكب لها ... كما قال يوسف- عليه السلام- مَعاذَ اللَّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوايَ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ.4- أن يوسف- عليه السلام- قد خرج من هذه المحنة مشهودا له بالبراءة ونقاء العرض، من الله- تعالى- ومن خلقه الذين سخرهم لهذه الشهادة.قال الإمام الرازي ما ملخصه: واعلم أن الذين لهم تعلق بهذه الواقعة، يوسف- عليه السلام- وتلك المرأة وزوجها، ورب العالمين.. والكل شهد ببراءة يوسف عن المعصية، أما يوسف- عليه السلام- فقد قال «هي راودتني عن نفسي» وقال: «رب السجن أحب إلى مما يدعونني إليه» ..وأما امرأة العزيز فقد قالت: «أنا راودته عن نفسه وإنه لمن الصادقين» .وأما زوجها فقد قال: «إنه من كيدكن إن كيدكن عظيم..» .أما شهادة رب العالمين ببراءته ففي قوله- تعالى-: كَذلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشاءَ، إِنَّهُ مِنْ عِبادِنَا الْمُخْلَصِينَ.فقد شهد الله- تعالى- على طهارته في هذه الآية أربع مرات، أولها: لنصرف عنه السوء» وثانيها «الفحشاء» وثالثها «إنه من عبادنا» ورابعها «المخلصين» .5- أن موقف العزيز من امرأته كان موقفا ضعيفا متراخيا ... وهذا الموقف هو الذي جعل تلك المرأة المتحكمة في زمام زوجها، تقول بعد ذلك بكل تبجح وتكشف واستهتار: «ولقد راودته عن نفسه فاستعصم، ولئن لم يفعل ما آمره ليسجنن، وليكونا من الصاغرين» .6- أن القرآن الكريم صور تلك المحنة في حياة يوسف وامرأة العزيز، تصويرا واقعيا صادقا، ولكن بأسلوب حكيم، بعيد عما يخدش الحياء أو يجرح الشعور قال بعض العلماء: «والذي خطر لي أن قوله- تعالى-: وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِها لَوْلا أَنْ رَأى بُرْهانَ رَبِّهِ هو نهاية موقف طويل من الإغراء، بعد ما أبى يوسف في أول الأمر واستعصم، وهو تصوير واقعي صادق لحالة النفس البشرية الصالحة في المقاومة والضعف، ثم الاعتصام بالله في النهاية والنجاة، ولكن السياق القرآنى لم يفصل في تلك المشاعر البشرية المتداخلة المتعارضة المتغالبة، لأنه المنهج القرآنى لا يريد أن يجعل من هذه اللحظة معرضا يستغرق أكثر من مساحته المناسبة في محيط القصة وفي محيط الحياة البشرية المكتملة كذلك فذكر طرفي الموقف بين الاعتصام في أوله والاعتصام في نهايته، مع الإلمام بلحظة الضعف بينهما، ليكتمل الصدق والواقعية والجو النظيف جميعا..» .ثم حكت السورة الكريمة بعد ذلك ما قالته بعض النساء، بعد أن شاع خبر امرأة العزيز مع فتاها، وما فعلته معهن من أفعال تدل على شدة مكرها ودهائها، وما قاله يوسف- عليه السلام- بعد ان سمع ما سمع من تهديدهن وإغرائهن.. قال- تعالى-:
12:30
وَ قَالَ نِسْوَةٌ فِی الْمَدِیْنَةِ امْرَاَتُ الْعَزِیْزِ تُرَاوِدُ فَتٰىهَا عَنْ نَّفْسِهٖۚ-قَدْ شَغَفَهَا حُبًّاؕ-اِنَّا لَنَرٰىهَا فِیْ ضَلٰلٍ مُّبِیْنٍ(۳۰)
اور شہر میں کچھ عورتیں بولیں (ف۷۹) کہ عزیز کی بی بی اپنے نوجوان کا دل لبھاتی ہ ے بیشک ان کی محبت اس کے دل میں پَیر گئی (سماگئی) ہے ہم تو اسے صر یح خود رفتہ پاتے ہیں (ف۸۰)

قوله- سبحانه- وَقالَ نِسْوَةٌ فِي الْمَدِينَةِ امْرَأَتُ الْعَزِيزِ تُراوِدُ فَتاها عَنْ نَفْسِهِ..حكاية لما تناقلته الألسنة عن امرأة العزيز، فقد جرت العادة بين النساء، أن يتحدثن عن أمثال هذه الأمور في مجالسهن، ولا يكتمنها خصوصا إذا كانت صاحبة الحادثة من نساء الطبقة المرموقة.. كامرأة العزيز.والنسوة: اسم جمع لا واحد له من لفظه، ومفردة من حيث المعنى: امرأة.والمراد بالمدينة: مدينة مصر التي كان يعيش فيها العزيز وزوجته والجار والمجرور متعلق بمحذوف صفة لنسوة.أى: وقال نسوة من نساء مدينة مصر- على سبيل النقد والتشهير والتعجب- إن امرأة العزيز، صاحبة المكانة العالية، والمنزلة الرفيعة، بلغ بها الحال في انقيادها لهواها، وفي خروجها عن طريق العفة.. أنها تراود فتاها عن نفسه، أى: تطلب منه مواقعتها، وتتخذ لبلوغ غرضها شتى الوسائل والحيل.ولم يبين لنا القرآن الكريم عدد هؤلاء النسوة ولا صفاتهم، لأنه لا يتعلق بذلك غرض نافع، ولأن الذي يهدف إليه القرآن الكريم هو بيان أن ما حدث بين يوسف وامرأة العزيز، قد شاع أمره بين عدد من النساء في مدينة كبيرة كمصر وفي وصفها بأنها «امرأة العزيز» زيادة في التشهير بها. فقد جرت العادة بين الناس، بأن ما يتعلق بأصحاب المناصب الرفيعة من أحداث، يكون أكثر انتشارا بينهم، وأشد في النقد والتجريح.والتعبير بالمضارع في قوله- سبحانه- تُراوِدُ يشعر بأنها كانت مستمرة على ذلك، دون أن يمنعها منه افتضاح أمرها، وقول زوجها لها «واستغفري لذنبك إنك كنت من الخاطئين» .والمراد بفتاها يوسف- عليه السلام- ووصفنه بذلك لأنه كان في خدمتها، والمبالغة في رميها بسوء السلوك، حيث بلغ بها الحال في احتقار نفسها، أن تكون مراودة لشخص هو خادم لها..وجملة «قد شغفها حبا» بيان لحالها معه، وهي في محل نصب حال من فاعل تراود أو من مفعوله والمقصود بها تكرير لومها، وتأكيد انقيادها لشهواتها.وشغف مأخوذ من الشغاف- بكسر الشين- وهو غلاف القلب، أو سويداؤه أو حجابه، يقال: شغف الهوى قلب فلان شغفا، أى بلغ شغافه.والمراد أن حبها إياه قد شق شغاف قلبها. وتمكن منه تمكنا لا مزيد عليه و «حبا» تمييز محول عن الفاعل، والأصل: شغفها حبها إياه.وجملة إِنَّا لَنَراها فِي ضَلالٍ مُبِينٍ مقررة لمضمون ما قبلها من لوم امرأة العزيز، وتحقير سلوكها، والمراد بالضلال: مخالفة طريق الصواب.أى: إنا لنرى هذه المرأة بعين بصيرتنا، وصادق علمنا. في خطأ عظيم واضح بحيث لا يخفى على أحد من العقلاء، لأنها- وهي المرأة المرموقة وزوجة الرجل الكبير- تراود خادمها عن نفسه.والتعبير «بإنا لنراها ... » للإشعار بأن حكمهن عليها بالضلال ليس عن جهل، وإنما هو عن علم وروية، مع التلويح بأنهن يتنزهن عن مثل هذا الضلال المبين الصادر عنها.قال صاحب المنار: «وهن ما قلن هذا إنكارا للمنكر، وكرها للرذيلة، ولا حبا في المعروف، ونصرا للفضيلة. وإنما قلنه مكرا وحيلة، ليصل إليها قولهن فيحملها على دعوتهن، وإراءتهن بأعين أبصارهن، ما يبطل ما يدعين رؤيته بأعين بصائرهن، فيعذرنها فيما عذلنها عليه فهو مكر لا رأى» .وهنا تحكى السورة الكريمة كيف قابلت تلك المرأة الداهية الجريئة، مكر بنات جنسها وطبقتها بمكر أشد من مكرهن بها فقال- تعالى-:فَلَمَّا سَمِعَتْ بِمَكْرِهِنَّ أى: باغتيابهن لها. وسوء مقالتهن فيها، وسمى ذلك مكرا لشبهه به في الإخفاء والخداع.أو قصدن بما قلنه- كما سبق أن أشرنا- إثارتها، لكي تطلعهن على فتاها الذي راودته عن نفسه، ليعرفن السر في هذه المراودة، وعلى هذا يكون المكر على حقيقته. ومثل هذا المكر ليس غريبا على النساء في مثل هذه الأحوال.
12:31
فَلَمَّا سَمِعَتْ بِمَكْرِهِنَّ اَرْسَلَتْ اِلَیْهِنَّ وَ اَعْتَدَتْ لَهُنَّ مُتَّكَاً وَّ اٰتَتْ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِّنْهُنَّ سِكِّیْنًا وَّ قَالَتِ اخْرُ جْ عَلَیْهِنَّۚ-فَلَمَّا رَاَیْنَهٗۤ اَكْبَرْنَهٗ وَ قَطَّعْنَ اَیْدِیَهُنَّ وَ قُلْنَ حَاشَ لِلّٰهِ مَا هٰذَا بَشَرًاؕ-اِنْ هٰذَاۤ اِلَّا مَلَكٌ كَرِیْمٌ(۳۱)
تو جب زلیخا نے ان کا چرچا سنا تو ان عورتوں کو بلا بھیجا (ف۸۱) اور ان کے لیے مسندیں تیار کیں (ف۸۲) اور ان میں ہر ایک کو ایک چھری دی (ف۸۳) اور یوسف (ف۸۴) سے کہا ان پر نکل آؤ (ف۸۵) جب عورتوں نے یوسف کو دیکھا اس کی بڑائی بولنے لگیں (ف۸۶) اور اپنے ہاتھ کاٹ لیے (ف۸۷) اور بولیں اللہ کو پاکی ہے یہ تو جنس بشر سے نہیں (ف۸۸) یہ تو نہیں مگر کوئی معزز فرشتہ،

وقوله: أَرْسَلَتْ إِلَيْهِنَّ.. إلخ بيان لما فعلته معهن.أى: أرسلت إلى النسوة اللائي وصفنها بأنها في ضلال مبين، ودعتهن إلى الحضور إليها في دارها لتناول الطعام.وَأَعْتَدَتْ لَهُنَّ مُتَّكَأً أى: وهيأت لهن في مجلس طعامها، ما يتكئن عليه من الوسائد والنمارق وما يشبه ذلك.فالمتكأ: اسم مفعول من الاتكاء، وهو الميل إلى أحد الجانبين في الجلوس كما جرت بذلك عادة المترفين عند تناول الطعام، وعند ما يريدون إطالة المكث مع انتصاب قليل في النصف الأعلى من الجسم والاستراحة بعد الأكل.أخرج ابن شيبة عن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه نهى أن يأكل الرجل بشماله، وأن يأكل متكئا .وَآتَتْ كُلَّ واحِدَةٍ مِنْهُنَّ سِكِّيناً أى: وأعطت كل واحدة من هؤلاء النسوة سكينا ليقطعن به ما يأكلن من لحم وفاكهة.ويؤخذ من هذه الآية الكريمة أن الحضارة المادية في مصر في ذلك الوقت كانت قد بلغت شأوا بعيدا، وأن الترف في القصور كان عظيما، فإن استعمال السكاكين في الأكل قبل هذه الآلاف من السنين له قيمته في تصوير الترف والحضارة المادية» .وهنا نجد المرأة الجريئة الماكرة، تقول ليوسف- عليه السلام- كما حكى القرآن عنها:«اخرج عليهن» أى ابرز لهن، وادخل عليهن، وهن على تلك الحالة من الأكل والاتكاء وتقطيع ما يحتاج إلى تقطيع الطعام..وهي ترمى من وراء خروجه عليهن إلى اطلاعهن عليه حتى يعذرنها في حبها له وقد كان لهذه المفاجأة من يوسف لهن وهن مشغولات بما يقطعنه ويأكلنه، أثرها الشديد في نفوسهن، وهذا ما حكاه القرآن الكريم في قوله: فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ وَقَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ وَقُلْنَ حاشَ لِلَّهِ ما هذا بَشَراً إِنْ هذا إِلَّا مَلَكٌ كَرِيمٌ.والجملة الكريمة معطوفة على كلام محذوف دل عليه السياق، والتقدير: قالت امرأة العزيز ليوسف اخرج عليهن، فخرج عليهن وهن على تلك الحالة فلما رأينه أكبرنه، أى: أعظمنه، ودهشن لهيئته، وجمال طلعته وحسن شمائله.وَقَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ أى: جرحن أيديهن وخدشنها بالسكاكين التي في أيديهن دون أن يشعرن بذلك، لشدة دهشتهن المفاجئة بهيئة يوسف..وَقُلْنَ حاشَ لِلَّهِ ما هذا بَشَراً وحاش فعل ماض، واللام في «لله» للتعليل، والمراد بهذه الجملة الكريمة التعبير عن عجيب صنع الله في خلقه أى: وقلن عند ما فوجئن بخروج يوسف عليهن: ننزه الله- تعالى- تنزيها كبيرا عن صفات العجز، ونتعجب تعجبا شديدا من قدرته- سبحانه- على خلق هذا الجمال البديع، وما هذا الذي نراه أمامنا بشرا كسائر البشر، لتفوقه في الحسن عنهم، وإنما هو ملك كريم من الملائكة المقربين تمثل في هذه الصورة البديعة التي تخلب الألباب.ووصفوه بذلك بناء على ما ركز في الطباع من تشبيه ما هو مفرط في الجمال والعفة بالملك وتشبيه ما هو شديد القبح والسوء بالشيطان.
12:32
قَالَتْ فَذٰلِكُنَّ الَّذِیْ لُمْتُنَّنِیْ فِیْهِؕ-وَ لَقَدْ رَاوَدْتُّهٗ عَنْ نَّفْسِهٖ فَاسْتَعْصَمَؕ-وَ لَىٕنْ لَّمْ یَفْعَلْ مَاۤ اٰمُرُهٗ لَیُسْجَنَنَّ وَ لَیَكُوْنًا مِّنَ الصّٰغِرِیْنَ(۳۲)
زلیخا نے کہا تو يہ ہیں وہ جن پر مجھے طعنہ دیتی تھیں (ف۸۹) اور بیشک میں نے ان کا جِی لبھانا چاہا تو انہوں نے اپنے آپ کو بچا یا (ف۹۰) اور بیشک اگر وہ یہ کام نہ کریں گے جو میں ان سے کہتی ہوں تو ضرور قید میں پڑیں گے اور وہ ضرور ذلت اٹھائیں گے (ف۹۱)

وهنا شعرت امرأة العزيز بانتصارها على بنات جنسها، اللائي عذلنها في حبها ليوسف، فقالت لهن على سبيل التفاخر والتشفي، وبدون استحياء أو تلميح: قالَتْ فَذلِكُنَّ الَّذِي لُمْتُنَّنِي فِيهِ.والفاء هنا فصيحة، والخطاب للنسوة اللائي قطعن أيديهن دهشا من جمال يوسف، والإشارة إليه- عليه السلام-.أى: قالت لهن على سبيل التشفي والتباهي والاعتذار عما صدر منها معه: إن كان الأمر كما قلتن، فذلك هو الملك الكريم الذي لمتنني في حبى له، وقلتن ما قلتن في شأنى لافتتاني به، فالآن بعد رؤيتكن له، وتقطيع أيديكم ذهولا لطلعته، قد علمتن أنى معذورة فيما حدث منى معه ...ثم جاهرت أمامهن بأنها أغرته بمواقعتها فلم يستجب فقالت:وَلَقَدْ راوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ فَاسْتَعْصَمَ ... أى: والله لقد حاولت معه بشتى المغريات أن يطوع نفسه لي، فأبى وامتنع امتناعا بليغا، وتحفظ تحفظا شديدا.والتعبير بقوله «فاستعصم» للمبالغة في عصمته لنفسه من الزلل، فالسين والتاء للمبالغة، وهو من العصمة بمعنى المنع. يقال: عصمه الطعام أى: منعه من الجوع. وعصم القربة أى:شدها بالعصام ليمنع نزول الماء منها.وفي الآية- كما يقول الآلوسى- دليل على أنه- عليه السلام- لم يصدر منه ما سوّد به القصّاص وجوه الطروس - أى الأوراق.ثم قالت أمامهن بعد ذلك في تبجح واستهتار وتهديد: وَلَئِنْ لَمْ يَفْعَلْ ما آمُرُهُ لَيُسْجَنَنَّ وَلَيَكُوناً مِنَ الصَّاغِرِينَ.أى: والله لقد راودته عن نفسه فاستعصم، والله لئن لم يفعل ما آمره به، - وأنا سيدته الآمرة الناهية لا غيرى- ليسجنن عقوبة له، وليكونا من الصاغرين، أى: من الأذلاء المهانين المقهورين، من الصغار. يقال: صغر فلان- كفرح- يصغر صغارا، إذا ذل وهان.قالوا: وأكدت السجن بالنون الثقيلة وبالقسم لتحققه في نظرها، وأكدت الصغار بالنون الخفيفة لأنه غير متحقق فيه، ولأنه من توابع السجن ولوازمه.وفي هذا التهديد ما فيه من الدلالة على ثقتها من سلطانها على زوجها، وأنه لا يستطيع أن يعصى لها أمرا، مع أنه عزيز مصر..
12:33
قَالَ رَبِّ السِّجْنُ اَحَبُّ اِلَیَّ مِمَّا یَدْعُوْنَنِیْۤ اِلَیْهِۚ-وَ اِلَّا تَصْرِفْ عَنِّیْ كَیْدَهُنَّ اَصْبُ اِلَیْهِنَّ وَ اَكُنْ مِّنَ الْجٰهِلِیْنَ(۳۳)
یوسف نے عرض کی اے میرے رب! مجھے قید خانہ زیادہ پسند ہے اس کام سے جس کی طرف یہ مجھے بلاتی ہیں اور اگر تو مجھ سے ان کا مکر نہ پھیرے گا (ف۹۲) تو میں ان کی طرف مائل ہوں گا اور نادان بنوں گا،

ويترامى على مسامع يوسف- عليه السلام- هذا التهديد السافر ... فيلجأ إلى ربه مستجيرا به. ومحتميا بحماه ويقول: «رب السجن أحب إلى مما يدعونني إليه..» .أى: قال يوسف- عليه السلام- متضرعا إلى ربه- تعالى- يا رب السجن الذي هددتنى به تلك المرأة ومن معها، أحب إلى، وآثر عندي مما يدعونني إليه من ارتكاب الفواحش.وقال أحب إلى مما يدعونني إليه، ولم يقل مما تدعوني إليه امرأة العزيز، لأنهن جميعا كن مشتركات في دعوته إلى الفاحشة سواء بطريق مباشر أو غير مباشر، بعد أن شاهدن هيئته وحسنه، وبعد أن سمعن ما قالته في شأنه ربة الدار..قال الآلوسى: «وإسناد الدعوة إليهن، لأنهن خوفنه من مخالفتها، وزين له مطاوعتها.فقد روى أنهن قلن له أطع مولاتك، واقض حاجتها، لتأمن عقوبتها.. وروى أن كل واحدة منهن طلبت الخلوة به لنصيحته، فلما خلت به دعته إلى نفسها ...وقوله: وَإِلَّا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُنْ مِنَ الْجاهِلِينَ واعتراف منه- عليه السلام- بضعفه البشرى الذي لا قدرة له على الصمود أمام الإغراء، إذا لم يكن معه عون الله- تعالى- وعنايته ورعايته.وأَصْبُ من الصبوة وهي الميل إلى الهوى، يقال: صبا فلان يصبو صبوا وصبوة، إذا مال إلى شهوات نفسه واتبع طريق الشر، ومنه ريح الصبا، وهي التي تميل إليها النفوس لطيب نسيمها واعتدال هوائها.والمعنى: وإلا تدفع عنى يا إلهى كيد هؤلاء النسوة، ومحاولاتهن إيقاعى في حبائلهن، أمل إليهن. وأطاوعهن على ما يردنه منى، وأكن بذلك من الجاهلين السفهاء الذين يخضعون لأهوائهم وشهواتهم، فيقعون في القبائح والمنكرات.
12:34
فَاسْتَجَابَ لَهٗ رَبُّهٗ فَصَرَفَ عَنْهُ كَیْدَهُنَّؕ-اِنَّهٗ هُوَ السَّمِیْعُ الْعَلِیْمُ(۳۴)
تو اس کے رب نے اس کی سن لی اور اس سے عورتوں کا مکر پھیردیا، بیشک وہی سنتا جانتا ہے (ف۹۳)

وقوله- سبحانه- فَاسْتَجابَ لَهُ رَبُّهُ فَصَرَفَ عَنْهُ كَيْدَهُنَّ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ بيان لتقبل الله- تعالى- لدعائه بفضله ورحمته.أى: فاستجاب الله- تعالى- ليوسف دعاءه وضراعته، فدفع عنه بلطفه وقدرته كيد هؤلاء النسوة ومكرهن، بأن أدخل اليأس في نفوسهن من الطمع في استجابته لهن، وبأن زاده ثباتا على ثباته، وقوة على قوته، فلم ينخدع بمكرهن، ولم تلن له قناة أمام ترغيبهن أو ترهيبهن.«إنه» سبحانه «هو السميع» لدعاء الداعين، والمجيب لضراعة المخلصين «العليم» بأحوال القلوب، وبما تنطوى عليه من خير أو شر.وقال- سبحانه- فَاسْتَجابَ بفاء التعقيب للإشارة إلى أنه- سبحانه- بفضله وكرمه، قد أجاب دعاء عبده يوسف- عليه السلام- بدون تأخير أو إبطاء.قال الإمام ابن كثير: وقوله- سبحانه- فَاسْتَجابَ لَهُ رَبُّهُ فَصَرَفَ عَنْهُ كَيْدَهُنَّ ...وذلك لأن يوسف- عليه السلام- عصمه الله عصمة عظيمة، وحماه فامتنع منها أشد الامتناع، واختار السجن على ذلك، وهذا في غاية مقامات الكمال، أنه مع شبابه وجماله وكماله، تدعوه سيدته، وهي امرأة عزيز مصر، وهي مع هذا في غاية الجمال والمال والرياسة، فيمتنع من ذلك ويختار السجن خوفا من الله، ورجاء في ثوابه.ولهذا ثبت في الصحيحين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «سبعة يظلمهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله: إمام عادل، وشاب نشأ في عبادة الله، ورجل قلبه معلق بالمساجد، ورجلان تحابا في الله اجتمعا عليه وتفرقا عليه، ورجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما أنفقت يمينه، ورجل ذكر الله خاليا ففاضت عيناه، ورجل دعته امرأة ذات منصب وجمال فقال إنى أخاف الله» .ثم ساقت لنا السورة الكريمة بعد ذلك قصة دخول يوسف- عليه السلام- السجن، مع ثبوت براءته، مما نسب إليه، وكيف أنه وهو في السجن لم ينس الدعوة إلى عبادة الله- تعالى- وحده، وترك عبادة ما سواه، وكيف أنه أقام الأدلة على صحة ما يدعو إليه، وفسر لصاحبيه في السجن رؤياهما تفسيرا صادقا صحيحا..استمع إلى القرآن الكريم وهو يحكى كل ذلك بأسلوبه البليغ المؤثر فيقول:
12:35
ثُمَّ بَدَا لَهُمْ مِّنْۢ بَعْدِ مَا رَاَوُا الْاٰیٰتِ لَیَسْجُنُنَّهٗ حَتّٰى حِیْنٍ۠(۳۵)
پھر سب کچھ نشانیاں دیکھ دکھا کر پچھلی مت انہیں یہی آئی کہ ضرور ایک مدت تک اسے قیدخانہ میں ڈالیں (ف۹۴)

وقوله- سبحانه- ثُمَّ بَدا لَهُمْ مِنْ بَعْدِ ما رَأَوُا الْآياتِ لَيَسْجُنُنَّهُ حَتَّى حِينٍ بيان لما فعله العزيز وحاشيته مع يوسف- عليه السلام- بعد أن ثبتت براءته.وبدا هنا من البداء- بالفتح- وهو- كما يقول الإمام الرازي- عبارة عن تغير الرأى عما كان عليه في السابق.والضمير في «لهم» يعود إلى العزيز وأهل مشورته.والمراد بالآيات: الحجج والبراهين الدالة على براءة يوسف ونزاهته، كانشقاق قميصه من دبر، وقول امرأة العزيز ولقد راودته عن نفسه فاستعصم، وشهادة الشاهد بأن يوسف هو الصادق وهي الكاذبة ... والحين: الزمن غير المحدد بمدة معينة.والمعنى: ثم ظهر للعزيز وحاشيته، من بعد ما رأوا وعاينوا البراهين المتعددة الدالة على صدق يوسف- عليه السلام- وطهارة عرضه ... بدا لهم بعد كل ذلك أن يغيروا رأيهم في شأنه، وأن يسجنوه في المكان المعد لذلك، إلى مدة غير معلومة من الزمان.واللام في قوله «ليسجننه» جواب لقسم محذوف على تقدير القول أى: ظهر لهم من بعد ما رأوا الآيات قائلين، والله ليسجننه حتى حين.ولا شك أن الأمر بسجن يوسف- عليه السلام- كان بتأثير من امرأة العزيز، تنفيذا لتهديدها بعد أن صمم يوسف- عليه السلام- على عصيانها فيما تدعوه إليه، فقد سبق أن حكى القرآن عنها قولها وَلَئِنْ لَمْ يَفْعَلْ ما آمُرُهُ لَيُسْجَنَنَّ وَلَيَكُوناً مِنَ الصَّاغِرِينَ .ولا شك- أيضا- أن هذا القرار بسجن يوسف يدل على أن امرأة العزيز كانت مالكة لقياد زوجها صاحب المنصب الكبير، فهي تقوده حيث تريد كما يقود الرجل دابته.ولقد عبر عن هذا المعنى صاحب الكشاف فقال ما ملخصه: قوله ثُمَّ بَدا لَهُمْ مِنْ بَعْدِ ما رَأَوُا الْآياتِ ...وهي الشواهد على براءته، وما كان ذلك إلا باستنزال المرأة لزوجها، وفتلها منه في الذروة والغارب، وكان مطواعا لها، وجملا ذلولا زمامه في يدها، حتى أنساه ذلك ما عاين من الآيات، وعمل برأيها في سجنه، لإلحاق الصغار به كما أوعدته، وذلك لما أيست من طاعته لها، وطمعت في أن يذلله السجن ويسخره لها .
12:36
وَ دَخَلَ مَعَهُ السِّجْنَ فَتَیٰنِؕ-قَالَ اَحَدُهُمَاۤ اِنِّیْۤ اَرٰىنِیْۤ اَعْصِرُ خَمْرًاۚ-وَ قَالَ الْاٰخَرُ اِنِّیْۤ اَرٰىنِیْۤ اَحْمِلُ فَوْقَ رَاْسِیْ خُبْزًا تَاْكُلُ الطَّیْرُ مِنْهُؕ-نَبِّئْنَا بِتَاْوِیْلِهٖۚ-اِنَّا نَرٰىكَ مِنَ الْمُحْسِنِیْنَ(۳۶)
اور اس کے ساتھ قیدخانہ میں دو جوان داخل ہوئے (ف۹۵) ان میں ایک (ف۹۶) بولا میں نے خواب میں دیکھا کہ (ف۹۷) شراب نچوڑتا ہوں اور دوسرا بولا (ف۹۸) میں نے خواب دیکھا کہ میرے سر پر کچھ روٹیاں ہیں جن میں سے پرند کھاتے ہیں، ہمیں اس کی تعبیر بتایے، بیشک ہم آپ کو نیکو کار دیکھتے ہیں (ف۹۹)

ثم بين- سبحانه- جانبا من أحواله بعد أن دخل السجن فقال: وَدَخَلَ مَعَهُ السِّجْنَ فَتَيانِ....والفتيان: تثنية فتى، وهو من جاوز الحلم ودخل في سن الشباب.قالوا: وهذان الفتيان كان أحدهما: خبازا للملك وصاحب طعامه وكان الثاني: ساقيا للملك، وصاحب شرابه.وقد أدخلهما الملك السجن غضبا عليهما، لأنهما اتهما بخيانته.والجملة الكريمة عطف على كلام محذوف يفهم من السياق، والتقدير بعد أن بدا للعزيز وحاشيته سجن يوسف. نفذا ما بدا لهم فسجنوه، ودخل معه في السجن فتيان من خدم الملك «قال أحدهما» وهو ساقى الملك ليوسف- عليه السلام-:«إنى أرانى أعصر خمرا» أى: إنى رأيت فيما يرى النائم. أنى أعصر عنبا ليصير خمرا.سماه بما يؤول إليه.«وقال الآخر إنى أرانى أحمل فوق رأسى خبزا تأكل الطير منه» أى: وقال الثاني وهو خباز الملك، إنى رأيت في المنام أنى أحمل فوق رأسى سلالا بها خبز، وهذا الخبز تأكل الطير منه وهو فوق رأسى.والضمير المجرور في قوله: نَبِّئْنا بِتَأْوِيلِهِ إِنَّا نَراكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ يعود إلى المرئي في المنام أى: أخبرنا بتفسير ما رأيناه في منامنا، إذ نراك ونعتقدك من القوم الذين يحسنون تأويل الرؤى، كما أننا نتوسم فيك الخير والصلاح، لإحسانك إلى غيرك، من السجناء الذين أنت واحد منهم.وقبل أن يبدأ يوسف- عليه السلام- في تأويل رؤياهما، أخذ يمهد لذلك بأن يعرفهما بنفسه، وبعقيدته، ويدعوهما إلى عبادة الله وحده ويقيم لهما الأدلة على ذلك ...وهذا شأن المصلحين العقلاء المخلصين لعقيدتهم الغيورين على نشرها بين الناس، إنهم يسوقون لغيرهم من الكلام الحكيم ما يجعل هذا الغير يثق بهم، ويقبل عليهم، ويستجيب لهم..
12:37
قَالَ لَا یَاْتِیْكُمَا طَعَامٌ تُرْزَقٰنِهٖۤ اِلَّا نَبَّاْتُكُمَا بِتَاْوِیْلِهٖ قَبْلَ اَنْ یَّاْتِیَكُمَاؕ-ذٰلِكُمَا مِمَّا عَلَّمَنِیْ رَبِّیْؕ-اِنِّیْ تَرَكْتُ مِلَّةَ قَوْمٍ لَّا یُؤْمِنُوْنَ بِاللّٰهِ وَ هُمْ بِالْاٰخِرَةِ هُمْ كٰفِرُوْنَ(۳۷)
یوسف نے کہا جو کھانا تمہیں ملا کرتا ہے وہ تمہارے پاس نہ آنے پائے گا کہ میں اس کی تعبیر اس کے آنے سے پہلے تمہیں بتادوں گا (ف۱۰۰) یہ ان علموں میں سے ہے جو مجھے میرے رب نے سکھایا ہے، بیشک میں نے ان لوگوں کا دین نہ مانا جو اللہ پر ایمان نہیں لاتے اور وہ آخرت سے منکر ہیں،

وهذا ما كان من يوسف- عليه السلام- فقد بدأ في رده عليهما بقوله: قالَ لا يَأْتِيكُما طَعامٌ تُرْزَقانِهِ إِلَّا نَبَّأْتُكُما بِتَأْوِيلِهِ قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَكُما ...أى: قال يوسف لرفيقيه في السجن اللذين سألاه أن يفسر لهما رؤياهما: «لا يأتيكما» أيها الرفيقان «طعام ترزقانه» في سجنكما، في حال من الأحوال، إلا وأخبرتكما بماهيته وكيفيته وسائر أحواله قبل أن يصل إليكما.وإنما قال لهما ذلك ليبرهن على صدقه فيما يقول، فيستجيبا لدعوته لهما إلى وحدانية الله بعد ذلك.وقوله «ذلكما مما علمني ربي» نفى لما قد يتبادر إلى ذهنهما من أن علمه مأخوذ عن الكهانة أو التنجيم أو غير ذلك مما لا يقره الدين.أى: ذلك التفسير الصحيح للرؤيا، والأخبار عن المغيبات، كإخباركما عن أحوال طعامكما قبل أن يصل إليكما..ذلك كله إنما هو العلم الذي علمني إياه ربي وخالقي ومالك أمرى، وليس عن طريق الكهانة أو التنجيم كما يفعل غيرى.وقوله: «مما علمني ربي» فيه إشعار بأن ما أخبرهما به من مغيبات هو جزء من علوم كثيرة علمها إياه ربه- عز وجل- فضلا منه- سبحانه- وكرما.ثم أضاف إلى ذلك قوله: «إنى تركت ملة قوم» أى دين قوم «لا يؤمنون بالله» أى لا يدينون بالعبودية لله- تعالى- وحده الذي خلقهم ورزقهم، وإنما يدينون بالعبودية لآلهة أخرى لا تنفع ولا تضر.«وهم بالآخرة» وما فيها من ثواب وعقاب «هم كافرون» جاحدون لما يجب الإيمان به.وفي هذه الجملة الكريمة تعريض بما كان عليه العزيز وقومه، من إشراك وكفر، ولم يواجه الفتيان بأنهما على دين قومهما، وإنما ساق كلامه على سبيل العموم، لكي يزيد في استمالتهما إليه، وإقبالهما عليه..وهذا شأن الدعاة العقلاء، يلتزمون في دعوتهم إلى الله الحكمة والموعظة الحسنة، بدون إحراج أو تنفير.
12:38
وَ اتَّبَعْتُ مِلَّةَ اٰبَآءِیْۤ اِبْرٰهِیْمَ وَ اِسْحٰقَ وَ یَعْقُوْبَؕ-مَا كَانَ لَنَاۤ اَنْ نُّشْرِكَ بِاللّٰهِ مِنْ شَیْءٍؕ-ذٰلِكَ مِنْ فَضْلِ اللّٰهِ عَلَیْنَا وَ عَلَى النَّاسِ وَ لٰكِنَّ اَكْثَرَ النَّاسِ لَا یَشْكُرُوْنَ(۳۸)
اور میں نے اپنے باپ دادا ابراہیم ؑ اور اسحق ؑ اور یعقوب کا دین اختیار کیا (ف۱۰۱) ہمیں نہیں پہنچتا کہ کسی چیز کو اللہ کا شریک ٹھہرائیں، یہ (ف۱۰۲) اللہ کا ایک فضل ہے ہم پر اور لوگوں پر مگر اکثر لوگ شکر نہیں کرتے (ف۱۰۳)

ولما كان تركه لملة هؤلاء القوم، يقتضى دخوله في ملة قوم آخرين، تراه يصرح بالملة التي اتبعها فيقول: وَاتَّبَعْتُ مِلَّةَ آبائِي الكرام المؤمنين بوحدانية الله وبالآخرة وما فيها من حساب وجزاء.إِبْراهِيمَ وَإِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ. وسماهم آباء جميعا، لأن الأجداد آباء، وقدم الجد الأعلى ثم الجد الأقرب ثم الأب، لكون ابراهيم هو أصل تلك الملة التي اتبعها، ثم تلقاها عنه إسحاق، ثم تلقاها عن إسحاق يعقوب- عليهم السلام-.وفي هذه الجملة الكريمة، بيان منه- عليه السلام- لرفيقيه في السجن، بأنه من سلسلة كريمة، كلها أنبياء، فحصل له بذلك الشرف الذي ليس بعده شرف، وقوله ما كانَ لَنا أَنْ نُشْرِكَ بِاللَّهِ مِنْ شَيْءٍ تنزه عن الشرك بأبلغ وجه.أى: ما صح وما استقام لنا أن نشرك بالله- تعالى- أى شيء من الإشراك، فنحن أهل بيت النبوة الذين عصمهم الله- تعالى- عن ذلك.و «من» في قوله «من شيء» لتأكيد النفي وتعميمه. أى: ما كان لنا أهل هذا البيت الكريم أن نشرك بالله شيئا من الإشراك، قليلا ذلك الشيء أو حقيرا.وقوله ذلِكَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ عَلَيْنا وَعَلَى النَّاسِ ... اعتراف منه- عليه السلام- برعاية الله- تعالى- له ولآبائه.واسم الإشارة. يعود إلى الإيمان بالله- تعالى- المدلول عليه بنفي الشرك.أى: ذلك الإخلاص لله- تعالى- في العبادة، كائن من فضله- سبحانه- علينا معاشر هذا البيت، وعلى غيرنا من الناس، الذين هداهم إلى الإيمان الحق.وقوله: وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَشْكُرُونَ إنصاف للقلة الشاكرة لله- تعالى-.أى: ولكن أكثر الناس لا يشكرون الله- تعالى- على نعمه الجزيلة وآلائه التي لا تحصى.
12:39
یٰصَاحِبَیِ السِّجْنِ ءَاَرْبَابٌ مُّتَفَرِّقُوْنَ خَیْرٌ اَمِ اللّٰهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُؕ(۳۹)
اے میرے قیدخانہ کے دونوں ساتھیو! کیا جدا جدا رب (ف۱۰۴) اچھے یا ایک اللہ جو سب پر غالب، (ف۱۰۵)

وبعد أن عرف يوسف صاحبيه في السجن بنفسه وبملته وبآبائه. شرع يقيم لهم الأدلة على صحة عقيدته، وعلى فساد عقيدتهما فقال- كما حكى القرآن عنه: يا صاحِبَيِ السِّجْنِ أَأَرْبابٌ مُتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللَّهُ الْواحِدُ الْقَهَّارُ.أى: يا صاحبي ورفيقي في السجن أخبرانى بربكما، أعبادة عدد من الأرباب المتفرقة في ذواتها وصفاتها «خير» لكما «أم» عبادة الله- تعالى- «الواحد» في ذاته وصفاته «القهار» لكل من غالبه أو نازعه؟وكرر نداءهما بالصحبة ليتحبب إليهما بهذه الصفة التي فيها إيناس للقلوب، وليسترعى انتباههما إلى ما يقوله لهما.قال صاحب المنار ما ملخصه: «وقوله: أأرباب متفرقون خير ... » هذا استفهام تقرير بعد تخيير، ومقدمة لأظهر برهان على التوحيد، وكان المصريون المخاطبون به، يعبدون كغيرهم من الأمم أربابا متفرقين في ذواتهم وفي صفاتهم وفي الأعمال التي يسندونها إليهم بزعمهم، فهو يقول لصاحبيه أأرباب متفرقون، أى عديدون هذا شأنهم في التفرق والانقسام «خير» لكما ولغيركما «أم الله الواحد القهار..» .ولا شك أن الجواب الذي لا يختلف فيه عاقلان، أن عبادة الله- تعالى- الواحد القهار، هي العبادة الصحيحة التي توافق الفطرة السليمة والعقول القويمة.
12:40
مَا تَعْبُدُوْنَ مِنْ دُوْنِهٖۤ اِلَّاۤ اَسْمَآءً سَمَّیْتُمُوْهَاۤ اَنْتُمْ وَ اٰبَآؤُكُمْ مَّاۤ اَنْزَلَ اللّٰهُ بِهَا مِنْ سُلْطٰنٍؕ-اِنِ الْحُكْمُ اِلَّا لِلّٰهِؕ-اَمَرَ اَلَّا تَعْبُدُوْۤا اِلَّاۤ اِیَّاهُؕ-ذٰلِكَ الدِّیْنُ الْقَیِّمُ وَ لٰكِنَّ اَكْثَرَ النَّاسِ لَا یَعْلَمُوْنَ(۴۰)
تم اس کے سوا نہیں پوجتے مگر نرے نام (فرضی نام) جو تم نے اور تمہارے باپ دادا نے تراش لیے ہیں (ف۱۰۶) اللہ نے ان کی کوئی سند نہ اتاری، حکم نہیں مگر اللہ کا اس نے فرمایا کہ اس کے سوا کسی کو نہ پوجو (ف۱۰۷) یہ سیدھا دین ہے (ف۱۰۸) لیکن اکثر لوگ نہیں جانتے (ف۱۰۹)

ثم انتقل يوسف- عليه السلام- إلى تفنيد العقائد الباطلة والأوهام الكاذبة فقال: «ما تعبدون من دونه» أى من دون الله- تعالى- المستحق للعبادة.إِلَّا أَسْماءً أى ألفاظا فارغة لا قيمة لها.سَمَّيْتُمُوها آلهة بزعمكم «أنتم وآباؤكم» أما هي فليس لها من هذا الاسم المزعوم ظل من الحقيقة، لأنها مخلوقة وليست خالقة، ومرزوقة وليست رازقة، وزائلة وليست باقية، وما كان كذلك لا يستحق أن يكون إلها.ومفعول سَمَّيْتُمُوها الثاني محذوف. والتقدير سميتموها آلهة.وقوله «وآباؤكم» لقطع عذرهم، حتى لا يقولوا: إنا وجدنا آباءنا كذلك يفعلون، فكأنه- تعالى- يقول لهم: إن آباءكم كانوا أشد منكم جهلا وضلالا، فلا يصح لكم أن تقتدوا بهم.والمراد بالسلطان في قوله- تعالى- ما أَنْزَلَ اللَّهُ بِها مِنْ سُلْطانٍ الحجة والبرهان.أى: ما أنزل الله- تعالى- بتسميتها أربابا- كما سميتموها بزعمكم- من برهان أو دليل يشعر بتسميتها بذلك، وإنما أنتم الذين خلعتم عليها هذه الأسماء.وقوله: إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ إبطال لجميع التصرفات المزعومة لآلهتهم..أى: ما الحكم في شأن العقائد والعبادات والمعاملات وفي صحتها أو عدم صحتها إلا لله- تعالى- وحده، لأنه الخالق لكل شيء، والعليم بكل شيء.وقوله أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ انتقال من الأدلة الدالة على وحدانيته- سبحانه- إلى الأمر بإخلاص العبادة له وحده.أى: أمر- سبحانه- عباده أن لا يجعلوا عبادتهم إلا له وحده، لأنه هو خالقهم ورازقهم، وهو يحييهم ويميتهم.ثم ختم- سبحانه- الآية الكريمة بقوله: ذلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ.أى: ذلك الذي أمرناكم به من وجوب إخلاص العبادة لله- تعالى- وحده، هو الدين القيم.أى: الحق المستقيم الثابت، ولكن أكثر الناس لا يعلمون ذلك حق العلم، لاستيلاء الشهوات والمطامع على نفوسهم.
  FONT
  THEME
  TRANSLATION
  • English | Ahmed Ali
  • Urdu | Ahmed Raza Khan
  • Turkish | Ali-Bulaç
  • German | Bubenheim Elyas
  • Chinese | Chineese
  • Spanish | Cortes
  • Dutch | Dutch
  • Portuguese | El-Hayek
  • English | English
  • Urdu | Fateh Muhammad Jalandhry
  • French | French
  • Hausa | Hausa
  • Indonesian | Indonesian-Bahasa
  • Italian | Italian
  • Korean | Korean
  • Malay | Malay
  • Russian | Russian
  • Tamil | Tamil
  • Thai | Thai
  • Farsi | مکارم شیرازی
  TAFSEER
  • العربية | التفسير الميسر
  • العربية | تفسير الجلالين
  • العربية | تفسير السعدي
  • العربية | تفسير ابن كثير
  • العربية | تفسير الوسيط لطنطاوي
  • العربية | تفسير البغوي
  • العربية | تفسير القرطبي
  • العربية | تفسير الطبري
  • English | Arberry
  • English | Yusuf Ali
  • Dutch | Keyzer
  • Dutch | Leemhuis
  • Dutch | Siregar
  • Urdu | Sirat ul Jinan
  HELP

يُوْسُف
يُوْسُف
  00:00



Download

يُوْسُف
يُوْسُف
  00:00



Download