READ

Surah al-Baqarah

اَلْبَقَرَة
286 Ayaat    مدنیۃ


2:241
وَ لِلْمُطَلَّقٰتِ مَتَاعٌۢ بِالْمَعْرُوْفِؕ-حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِیْنَ(۲۴۱)
اور طلاق والیوں کے لئے بھی مناسب طور پر نان و نفقہ ہے، یہ واجب ہے پرہیزگاروں پر،

القول في تأويل قوله جل ذكره وَلِلْمُطَلَّقَاتِ مَتَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ (241)قال أبو جعفر: يعني تعالى ذكره بذلك: ولمن طلق من النساء على مطلقها من الأزواج،" متاع ". يعني بذلك: ما تستمتع به من ثياب وكسوة أو نفقة أو خادم، وغير ذلك مما يستمتع به. وقد بينا فيما مضى قبل معنى ذلك, واختلاف أهل العلم فيه، والصواب من القول من ذلك عندنا، بما فيه الكفاية من إعادته. (159)* * *وقد اختلف أهل العلم في المعنية بهذه الآية من المطلقات.فقال بعضهم: عني بها الثيِّبات اللواتي قد جومعن. قالوا: وإنما قلنا ذلك، لأن [الحقوق اللازمة للمطلقات] غير المدخول بهن في المتعة، (160) قد بينها الله تعالى ذكره في الآيات قبلها, فعلمنا بذلك أن في هذه الآية بيان أمر المدخول بهن في ذلك.* ذكر من قال ذلك:5590- حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى بن ميمون, عن ابن أبي نجيح, عن عطاء في قوله: " وللمطلقات متاع بالمعروف حقا على المتقين "، قال: المرأة الثيب يمتعها زوجها إذا جامعها بالمعروف.5591- حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد مثله= وزاد فيه: ذكره شبل, عن ابن أبي نجيح, عن عطاء.* * *وقال آخرون: بل في هذه الآية دلالة على أن لكل مطلقة متعة، وإنما أنزلها الله تعالى ذكره على نبيه صلى الله عليه وسلم، لما فيها من زيادة المعنى الذي فيها على ما سواها من آي المتعة, إذ كان ما سواها من آي المتعة إنما فيه بيان حكم غير الممسوسة إذا طلقت, وفي هذه بيان حكم جميع المطلقات في المتعة.* ذكر من قال ذلك:5592- حدثنا ابن بشار قال، حدثنا عبد الوهاب قال، حدثنا أيوب, عن سعيد بن جبير في هذه الآية: " وللمطلقات متاع بالمعروف حقا على المتقين "، قال: لكل مطلقة متاع بالمعروف حقا على المتقين.5593- حدثنا المثنى قال، حدثنا حبان بن موسى قال، أخبرنا ابن المبارك قال، أخبرنا يونس، عن الزهري- في الأمة يطلقها زوجها وهي حبلى- قال: تعتد في بيتها. وقال: لم أسمع في متعة المملوكة شيئا أذكره, (161) وقد قال الله تعالى ذكره: " متاع بالمعروف حقا على المتقين "، ولها المتعة حتى تضع.5594- حدثني المثنى قال، حدثنا حبان بن موسى (162) قال، أخبرنا ابن المبارك قال، أخبرنا ابن جريج, عن عطاء قال: قلت له: أللأمة من الحر متعة؟ قال: لا. قلت: فالحرة عند العبد؟ قال: لا= وقال عمرو بن دينار: نعم," وللمطلقات متاع بالمعروف حقا على المتقين ".* * *وقال آخرون: إنما نزلت هذه الآية, لأن الله تعالى ذكره لما أنزل قوله : وَمَتِّعُوهُنَّ عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ مَتَاعًا بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُحْسِنِينَ [سورة البقرة: 236]، قال رجل من المسلمين: فإنا لا نفعل إن لم نرد أن نحسن. فأنزل الله: " وللمطلقات متاع بالمعروف حقا على المتقين "، فوجب ذلك عليهم.* ذكر من قال ذلك:5595- حدثني يونس بن عبد الأعلى قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في قوله: وَمَتِّعُوهُنَّ عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ مَتَاعًا بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُحْسِنِينَ ، فقال رجل: فإن أحسنت فعلت, وإن لم أرد ذلك لم أفعل! فأنزل الله: " وللمطلقات متاع بالمعروف حقا على المتقين ".* * *قال أبو جعفر: والصواب من القول في ذلك ما قاله سعيد بن جبير, من أن الله تعالى ذكره أنزلها دليلا لعباده على أن لكل مطلقة متعة. لأن الله تعالى ذكره ذكر في سائر آي القرآن التي فيها ذكر متعة النساء، خصوصا من النساء, فبين في الآية التي قال فيها: لا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً [سورة البقرة: 236]، وفي قوله: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ [سورة الأحزاب: 49]، ما لهن من المتعة إذا طلقن قبل المسيس, وبقوله: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لأَزْوَاجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ [سورة الأحزاب: 28]، حكم المدخول بهن، وبقي حكم الصبايا إذا طلقن بعد الابتناء بهن, وحكم الكوافر والإماء. فعم الله تعالى ذكره بقوله: " وللمطلقات متاع بالمعروف " ذكر جميعهن, وأخبر بأن لهن المتاع, كما خص المطلقات الموصوفات بصفاتهن في سائر آي القرآن، (163) ولذلك كرر ذكر جميعهن في هذه الآية.* * *وأما قوله: ( حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ )، فإنا قد بينا معنى قوله: " حقا ", ووجه نصبه, والاختلاف من أهل العربية في قوله: حَقًّا عَلَى الْمُحْسِنِينَ [سورة البقرة: 236]، ففي ذلك مستغنى عن إعادته في هذا الموضع. (164)* * *فأما " المتقون ": فهم الذين اتقوا الله في أمره ونهيه وحدوده, فقاموا بها على ما كلفهم القيام بها خشية منهم له, ووجلا منهم من عقابه.وقد تقدم بيان تأويل ذلك نصا بالرواية. (165)---------------الهوامش :(159) انظر معنى"المتاع" فيما سلف 1 : 539 ، 540 /ثم 3 : 53-55 /ثم الموضع الذي عناه الطبري هنا : 120-135 .(160) في المخطوطة : "لأن غير المدخول بهن" ، وبينهما بياض ، فجاءت المطبوعة وصلت الكلام : "لأن غير المدخول بهن" فاختلت الجملة ، واستظهرت ما زدته بين القوسين من معنى الآيات .(161) في المطبوعة : "وقال : لم أسمع . . . " ، وأثبت ما في المخطوطة .(162) في المخطوطة والمطبوعة : "هناد بن موسى" ، وليس في الرواة أحد بهذا الاسم . والصواب ما أثبت/ انظر الأثر قبله رقم : 5593 ، وفي مواضع كثيرة قبل ذلك بمثل هذا الإسناد .(163) في المطبوعة : "كما أبان المطلقات . . . " ، وفي المخطوطة : "كما المطلقات" وما بين الكلامين بياض ، واستظهرت من قوله : "نعم الله تعالى . . . " ، أن اللفظ الناقص في البياض هو"خص" ، أو معنى يشبهه ويقاربه .(164) انظر ما سلف في هذا الجزء : 137 ، 138 .(165) انظر فهارس اللغة فيما سلف مادة"وقى" .
2:242
كَذٰلِكَ یُبَیِّنُ اللّٰهُ لَكُمْ اٰیٰتِهٖ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُوْنَ۠ (۲۴۲)
اللہ یونہی بیان کرتا ہے تمہارے لئے اپنی آیتیں کہ کہیں تمہیں سمجھ ہو،

القول في تأويل قوله : كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (242)قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره، كما بينت لكم ما يلزمكم لأزواجكم ويلزم أزواجكم لكم، أيها المؤمنون, وعرفتكم أحكامي والحق الواجب لبعضكم على بعض في هذه الآيات, فكذلك أبين لكم سائر الأحكام في آياتي التي أنزلتها على نبيي محمد صلى الله عليه وسلم في هذا الكتاب, لتعقلوا- أيها المؤمنون بي وبرسولي- حدودي, فتفهموا اللازم لكم من فرائضي, وتعرفوا بذلك ما فيه صلاح دينكم ودنياكم، وعاجلكم وآجلكم, فتعلموا به ليصلح ذات بينكم، وتنالوا به الجزيل من ثوابي في معادكم.
2:243
اَلَمْ تَرَ اِلَى الَّذِیْنَ خَرَجُوْا مِنْ دِیَارِهِمْ وَ هُمْ اُلُوْفٌ حَذَرَ الْمَوْتِ۪- فَقَالَ لَهُمُ اللّٰهُ مُوْتُوْا۫- ثُمَّ اَحْیَاهُمْؕ-اِنَّ اللّٰهَ لَذُوْ فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَ لٰكِنَّ اَكْثَرَ النَّاسِ لَا یَشْكُرُوْنَ(۲۴۳)
اے محبوب کیا تم نے نہ دیکھا تھا انہیں جو اپنے گھروں سے نکلے اور وہ ہزاروں تھے موت کے ڈر سے، تو اللہ نے ان سے فرمایا مرجاؤ پھر انہیں زندہ فرمادیا، بیشک اللہ لوگوں پر فضل کرنے والا ہے مگر اکثر لوگ ناشکرے ہیں (ف۴۹۰)

القول في تأويل قوله : أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَهُمْ أُلُوفٌ حَذَرَ الْمَوْتِ فَقَالَ لَهُمُ اللَّهُ مُوتُوا ثُمَّ أَحْيَاهُمْقال أبو جعفر: يعني تعالى ذكره: " ألم تر "، ألم تعلم، يا محمد؟= وهو من " رؤية القلب " لا " رؤية العين "، (166) لأن نبينا محمدا صلى الله عليه وسلم لم يدرك الذين أخبر الله عنهم هذا الخبر، و " رؤية القلب ": ما رآه، وعلمه به. (167) فمعنى ذلك: ألم تعلم يا محمد، الذين خرجوا من ديارهم وهم ألوف؟* * *ثم اختلف أهل التأويل في تأويل قوله : " وهم ألوف " .فقال بعضهم: في العدد، بمعنى جماع " ألف ".* ذكر من قال ذلك:5596- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبي= وحدثنا عمرو بن علي قال، حدثنا وكيع= قال، حدثنا سفيان, عن ميسرة النهدي, عن المنهال بن عمرو, عن سعيد بن جبير, عن ابن عباس في قوله: " ألم تر إلى الذين خرجوا من ديارهم وهم ألوف حذر الموت "، كانوا أربعة آلاف، خرجوا فرارا من الطاعون, قالوا: " نأتي أرضا ليس فيها موت "! حتى إذا كانوا بموضع كذا وكذا, قال لهم الله : " موتوا ". فمر عليهم نبي من الأنبياء, فدعا ربه أن يحييهم, فأحياهم، فتلا هذه الآية: إِنَّ اللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَشْكُرُونَ . (168)5597- حدثنا أحمد بن إسحاق قال، حدثنا أبو أحمد قال، حدثنا سفيان, عن ميسرة النهدي, عن المنهال, عن سعيد بن جبير, عن ابن عباس: " ألم تر إلى الذين خرجوا من ديارهم وهم ألوف حذر الموت "، قال: كانوا أربعة آلاف خرجوا فرارا من الطاعون, فأماتهم الله, فمر عليهم نبي من الأنبياء, فدعا ربه أن يحييهم حتى يعبدوه, فأحياهم.5598- حدثنا محمد بن سهل بن عسكر قال، أخبرنا إسماعيل بن عبد الكريم قال، حدثني عبد الصمد: أنه سمع وهب بن منبه يقول: أصاب ناسا من بني إسرائيل بلاء وشدة من الزمان, فشكوا ما أصابهم وقالوا: " يا ليتنا قد متنا فاسترحنا مما نحن فيه "! فأوحى الله إلى حزقيل: إن قومك صاحوا من البلاء, وزعموا أنهم ودوا لو ماتوا فاستراحوا, وأي راحة لهم في الموت؟ أيظنون أني لا أقدر أن أبعثهم بعد الموت؟ فانطلق إلى جبانة كذا وكذا, فإن فيها أربعة آلاف= قال وهب: وهم الذين قال الله: " ألم تر إلى الذين خرجوا من ديارهم وهم ألوف حذر الموت "= فقم فيهم فنادهم، وكانت عظامهم قد تفرقت, فرقتها الطير والسباع. فناداهم حزقيل فقال: (169) " يا أيتها العظام إن الله يأمرك أن تجتمعي" ! فاجتمع عظام كل إنسان منهم معا. (170) ثم نادى ثانية حزقيل فقال: " أيتها العظام, إن الله يأمرك أن تكتسي اللحم "، فاكتست اللحم, وبعد اللحم جلدا, فكانت أجسادا. ثم نادى حزقيل الثالثة فقال: " أيتها الأرواح، إن الله يأمرك أن تعودي في أجسادك "! (171) فقاموا بإذن الله, وكبروا تكبيرة واحدة. (172)5599- حدثني محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال، حدثني عمي قال، حدثني أبي, عن أبيه, عن ابن عباس قوله: " ألم تر إلى الذين خرجوا من ديارهم وهم ألوف "، يقول: عدد كثير خرجوا فرارا من الجهاد في سبيل الله, فأماتهم الله, ثم أحياهم وأمرهم أن يجاهدوا عدوهم، فذلك قوله: وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ .5600- حدثنا ابن حميد قال، حدثنا حكام, عن عنبسة, عن أشعث بن أسلم البصري قال: بينما عمر يصلي ويهوديان خلفه = وكان عمر إذا أراد أن يركع خوى= (173) فقال أحدهم لصاحبه، (174) أهو هو؟ فلما انفتل عمر قال: (175) أرأيت قول أحدكما لصاحبه: أهو هو؟ (176) فقالا إنا نجده في كتابنا: (177) " قرنا من حديد، يعطى ما يعطى حزقيل الذي أحيى الموتى بإذن الله ". فقال عمر: ما نجد في كتاب الله " حزقيل " ولا " أحيى الموتى بإذن الله "، إلا عيسى. فقالا أما تجد في كتاب الله وَرُسُلا لَمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ ، (178) [سورة النساء: 164]، فقال عمر: بلى! قالا وأما إحياء الموتى فسنحدثك: إن بني إسرائيل وقع عليهم الوباء, فخرج منهم قوم حتى إذا كانوا على رأس ميل أماتهم الله, فبنوا عليهم حائطا, حتى إذا بليت عظامهم بعث الله حزقيل فقام عليهم فقال شاء الله, (179) فبعثهم الله له, فأنزل الله في ذلك: " ألم تر إلى الذين خرجوا من ديارهم وهم ألوف "، الآية. (180)5601- حدثنا ابن حميد قال، حدثنا حكام, عن عنبسة, عن الحجاج بن أرطأة قال: كانوا أربعة آلاف.5602- حدثني موسى بن هارون قال، حدثنا عمرو قال، حدثنا أسباط, عن السدي: " ألم تر إلى الذين خرجوا من ديارهم وهم ألوف "، إلى قوله: ( ثُمَّ أَحْيَاهُمْ )، قال: كانت قرية يقال لها داوردان قبل واسط، (181) وقع بها الطاعون, فهرب عامة أهلها فنزلوا ناحية منها, فهلك من بقي في القرية وسلم الآخرون, فلم يمت منهم كبير. (182) فلما ارتفع الطاعون رجعوا سالمين, فقال الذين بقوا: أصحابنا هؤلاء كانوا أحزم منا, لو صنعنا كما صنعوا بقينا! ولئن وقع الطاعون ثانية لنخرجن معهم! فوقع في قابل فهربوا, وهم بضعة وثلاثون ألفا, حتى نزلوا ذلك المكان, وهو واد أفيح, (183) فناداهم ملك من أسفل الوادي وآخر من أعلاه: أن موتوا ! فماتوا, حتى إذا هلكوا وبليت أجسادهم, مر بهم نبي يقال له حزقيل، فلما رآهم وقف عليهم فجعل يتفكر فيهم ويلوى شدقه وأصابعه, (184) فأوحى الله إليه: يا حزقيل, أتريد أن أريك فيهم كيف أحييهم؟ = قال: وإنما كان تفكره أنه تعجب من قدرة الله عليهم= فقال: نعم! فقيل له: ناد! فنادى: " يا أيتها العظام، إن الله يأمرك أن تجتمعي!"، فجعلت تطير العظام بعضها إلى بعض، حتى كانت أجسادا من عظام، ثم أوحى الله إليه أن ناد: " يا أيتها العظام, إن الله يأمرك أن تكتسي لحما "، فاكتست لحما ودما، وثيابها التي ماتت فيها وهي عليها. ثم قيل له: ناد ! فنادى: " يا أيتها الأجساد إن الله يأمرك أن تقومي", فقاموا.5603- حدثني موسى قال، حدثنا عمرو قال، حدثنا أسباط, قال: فزعم منصور بن المعتمر, عن مجاهد: أنهم قالوا حين أحيوا: " سبحانك ربنا وبحمدك لا إله إلا أنت "، فرجعوا إلى قومهم أحياء يعرفون أنهم كانوا موتى, سحنة الموت على وجوههم، (185) لا يلبسون ثوبا إلا عاد دسما مثل الكفن، (186) حتى ماتوا لآجالهم التي كتبت لهم. (187)5604- حدثنا أحمد بن إسحاق قال، حدثنا أبو أحمد قال، حدثنا عبد الرحمن بن عوسجة, عن عطاء الخراساني: " ألم تر إلى الذين خرجوا من ديارهم وهم ألوف "، قال: كانوا ثلاثة آلاف أو أكثر.5605- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج, عن ابن جريج قال، قال ابن عباس: كانوا أربعين ألفا وثمانية آلاف، (188) حظر عليهم حظائر, وقد أروحت أجسادهم وأنتنوا، (189) فإنها لتوجد اليوم في ذلك السبط من اليهود تلك الريح, وهم ألوف فرارا من الجهاد في سبيل الله, فأماتهم الله ثم أحياهم, فأمرهم بالجهاد, فذلك قوله: وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الآية.5606- حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة قال، حدثنا محمد بن إسحاق, عن وهب بن منبه أن كالب بن يوقنا لما قبضه الله بعد يوشع, (190) خلف فيهم - يعني في بني إسرائيل - حزقيل بن بوزي= (191) وهو ابن العجوز، وإنما سمي" ابن العجوز " أنها سألت الله الولد وقد كبرت وعقمت, فوهبه الله لها, فلذلك قيل له " ابن العجوز "= وهو الذي دعا للقوم الذين ذكر الله في الكتاب لمحمد صلى الله عليه وسلم كما بلغنا: " ألم تر إلى الذين خرجوا من ديارهم وهم ألوف حذر الموت فقال لهم الله موتوا ثم أحياهم إن الله لذو فضل على الناس ولكن أكثر الناس لا يشكرون ". (192) .5607- حدثني ابن حميد قال، حدثنا سلمة قال، حدثني محمد بن إسحاق قال: بلغني أنه كان من حديثهم أنهم خرجوا فرارا من بعض الأوباء= من الطاعون، أو من سقم كان يصيب الناس= حذرا من الموت, وهم ألوف، حتى إذا نزلوا بصعيد من البلاد قال لهم الله: " موتوا "، فماتوا جميعا. فعمد أهل تلك البلاد فحظروا عليهم حظيرة دون السباع, ثم تركوهم فيها, وذلك أنهم كثروا عن أن يغيبوا. فمرت بهم الأزمان والدهور, حتى صاروا عظاما نخرة، فمر بهم حزقيل بن بوزى, (193) فوقف عليهم, فتعجب لأمرهم ودخلته رحمة لهم، (194) فقيل له: أتحب أن يحييهم الله؟ فقال: نعم! فقيل له: نادهم فقل: (195) " أيتها العظام الرميم التي قد رمت وبليت, ليرجع كل عظم إلى صاحبه ". فناداهم بذلك, فنظر إلى العظام تواثب يأخذ بعضها بعضا. ثم قيل له: قل: " أيها اللحم والعصب والجلد، اكس العظام بإذن ربك "، قال: فنظر إليها والعصب يأخذ العظام ثم اللحم والجلد والأشعار, حتى استووا خلقا ليست فيهم الأرواح. ثم دعا لهم بالحياة, فتغشاه من السماء شيء كربه حتى غشي عليه منه، (196) ثم أفاق والقوم جلوس يقولون: " سبحان الله, سبحان الله " قد أحياهم الله. (197)* * *وقال آخرون: معنى قوله " وهم ألوف " وهم مؤتلفون. (198)* ذكر من قال ذلك:5608- حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب، قال ابن زيد في قول الله: " ألم تر إلى الذين خرجوا من ديارهم وهم ألوف حذر الموت فقال لهم الله موتوا ثم أحياهم "، قال: قرية كانت نزل بها الطاعون, فخرجت طائفة منهم وأقامت طائفة، فألح الطاعون بالطائفة التي أقامت, والتي خرجت لم يصبهم شيء. (199) ثم ارتفع, ثم نزل العام القابل, فخرجت طائفة أكثر من التي خرجت أولا فاستحر الطاعون بالطائفة التي أقامت. فلما كان العام الثالث، نزل فخرجوا بأجمعهم وتركوا ديارهم, فقال الله تعالى ذكره: " ألم تر إلى الذين خرجوا من ديارهم وهم ألوف "، ليست الفرقة أخرجتهم، كما يخرج للحرب والقتال، قلوبهم مؤتلفة, إنما خرجوا فرارا. فلما كانوا حيث ذهبوا يبتغون الحياة, قال لهم الله: " موتوا "، في المكان الذي ذهبوا إليه يبتغون فيه الحياة. فماتوا، ثم أحياهم الله، إِنَّ اللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَشْكُرُونَ . قال: ومر بها رجل وهي عظام تلوح، (200) فوقف ينظر فقال: " أنى يحيي هذه الله بعد موتها؟"، فأماته الله مائة عام. (201)* * ** ذكر الأخبار عمن قال: كان خروج هؤلاء القوم من ديارهم فرارا من الطاعون.5609- حدثنا عمرو بن علي قال، حدثنا ابن أبي عدي, عن الأشعث, عن الحسن في قوله: " ألم تر إلى الذين خرجوا من ديارهم وهم ألوف حذر الموت "، قال. خرجوا فرارا من الطاعون, فأماتهم قبل آجالهم, ثم أحياهم إلى آجالهم.5610- حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا معمر, عن الحسن في قوله: " ألم تر إلى الذين خرجوا من ديارهم وهم ألوف حذر الموت "، قال: فروا من الطاعون, فقال لهم الله: (مُوتُوا) ثم أحياهم ليكملوا بقية آجالهم.5611- حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم, عن عيسى , عن ابن أبي نجيح, عن عمرو بن دينار في قول الله تعالى ذكره: " ألم تر إلى الذين خرجوا من ديارهم وهم ألوف حذر الموت "، قال: وقع الطاعون في قريتهم, فخرج أناس وبقي أناس، فهلك الذين بقوا في القرية، وبقي الآخرون. ثم وقع الطاعون في قريتهم الثانية, فخرج أناس وبقي أناس، ومن خرج أكثر ممن بقي. فنجى الله الذين خرجوا, وهلك الذين بقوا. فلما كانت الثالثة خرجوا بأجمعهم إلا قليلا فأماتهم الله ودوابهم، ثم أحياهم فرجعوا إلى بلادهم [وقد أنكروا قريتهم، ومن تركوا]. وكثروا بها, حتى يقول بعضهم لبعض: من أنتم؟ (202)5612- حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل, عن ابن أبي نجيح قال: سمعت عمرو بن دينار يقول: وقع الطاعون في قريتهم= ثم ذكر نحو حديث محمد بن عمرو, عن أبي عاصم.5613- حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا سويد قال، حدثنا سعيد, عن قتادة: " ألم تر إلى الذين خرجوا من ديارهم وهم ألوف " الآية، مقتهم الله على فرارهم من الموت, فأماتهم الله عقوبة، ثم بعثهم إلى بقية آجالهم ليستوفوها, ولو كانت آجال القوم جاءت ما بعثوا بعد موتهم.5614- حدثت عن عمار بن الحسن قال، حدثنا ابن أبي جعفر, عن أبيه, عن حصين, عن هلال بن يساف في قوله تعالى: " ألم تر إلى الذين خرجوا " الآية، قال: هؤلاء القوم من بني إسرائيل، (203) كان إذا وقع فيهم الطاعون خرج أغنياؤهم وأشرافهم، وأقام فقراؤهم وسفلتهم. قال: فاستحر الموت على المقيمين منهم, ونجا من خرج منهم. فقال الذين خرجوا: لو أقمنا كما أقام هؤلاء، لهلكنا كما هلكوا ! وقال المقيمون: لو ظعنا كما ظعن هؤلاء، لنجونا كما نجوا ! فظعنوا جميعا في عام واحد, أغنياؤهم وأشرافهم وفقراؤهم وسفلتهم. فأرسل عليهم الموت فصاروا عظاما تبرق. قال: فجاءهم أهل القرى فجمعوهم في مكان واحد, فمر بهم نبي فقال: يا رب لو شئت أحييت هؤلاء فعمروا بلادك وعبدوك! قال: أو أحب إليك أن أفعل؟ قال نعم! قال: فقل: كذا وكذا، فتكلم به, فنظر إلى العظام , وإن العظم ليخرج من عند العظم الذي ليس منه إلى العظم الذي هو منه. ثم تكلم بما أمر, فإذا العظام تكسى لحما. ثم أمر بأمر فتكلم به, فإذا هم قعود يسبحون ويكبرون. ثم قيل لهم: وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ5615- حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، أخبرني سعيد بن أبي أيوب، عن حماد بن عثمان, عن الحسن: أنه قال في الذين أماتهم الله ثم أحياهم قال: هم قوم فروا من الطاعون, فأماتهم الله عقوبة ومقتا, ثم أحياهم لآجالهم. (204)* * *قال أبو جعفر: وأولى القولين في تأويل قوله: " وهم ألوف " بالصواب, قول من قال: " عنى بالألوف كثرة العدد "= دون قول من قال: " عنى به الائتلاف "، بمعنى ائتلاف قلوبهم, وأنهم خرجوا من ديارهم من غير افتراق كان منهم ولا تباغض, ولكن فرارا: إما من الجهاد, وإما من الطاعون= لإجماع الحجة على أن ذلك تأويل الآية, ولا يعارض بالقول الشاذ ما استفاض به القول من الصحابة والتابعين.* * *وأولى الأقوال- في مبلغ عدد القوم الذين وصف الله خروجهم من ديارهم- بالصواب, قول من حد عددهم بزيادة عن عشرة آلاف، دون من حده بأربعة آلاف، وثلاثة آلاف، وثمانية آلاف. وذلك أن الله تعالى ذكره أخبر عنهم أنهم كانوا ألوفا, وما دون العشرة آلاف لا يقال لهم: " ألوف ". وإنما يقال " هم آلاف "، إذا كانوا ثلاثة آلاف فصاعدا إلى العشرة آلاف. وغير جائز أن يقال: هم خمسة ألوف، أو عشرة ألوف.وإنما جمع قليله على " أفعال "، (205) ولم يجمع على " أفعل "= مثل سائر الجمع القليل الذي يكون ثاني مفرده ساكنا (206) للألف التي في أوله. وشأن العرب في كل حرف كان أوله، ياء أو واوا أو ألفا، اختيار جمع قليله على أفعال, كما جمعوا " الوقت "" أوقاتا " و " اليوم "" أياما ", و " اليسر " و " أيسارا "، للواو والياء اللتين في أول ذلك. وقد يجمع ذلك أحيانا على " أفعل ", إلا أن الفصيح من كلامهم ما ذكرنا, ومنه قول الشاعر: (207)كانوا ثلاثة آلف وكتيبةألفين أعجم من بني الفدام (208)* * *وأما قوله: " حذر الموت "، فإنه يعني: أنهم خرجوا من حذر الموت، فرارا منه. (209) كما: -5616- حدثني محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال، حدثني عمي قال، حدثني أبي, عن أبيه, عن ابن عباس قوله: " حذر الموت "، فرارا من عدوهم, حتى ذاقوا الموت الذي فروا منه. فأمرهم فرجعوا، وأمرهم أن يقاتلوا في سبيل الله، وهم الذين قالوا لنبيهم: ابْعَثْ لَنَا مَلِكًا نُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ [سورة البقرة: 246]* * *قال أبو جعفر: وإنما حث الله تعالى ذكره عباده بهذه الآية، على المواظبة على الجهاد في سبيله، (210) والصبر على قتال أعداء دينه. وشجعهم بإعلامه إياهم وتذكيره لهم، أن الإماتة والإحياء بيديه وإليه، دون خلقه= وأن الفرار من القتال والهرب من الجهاد ولقاء الأعداء، إلى التحصن في الحصون، والاختباء في المنازل والدور، غير منج أحدا من قضائه إذا حل بساحته, ولا دافع عنه أسباب منيته إذا نزل بعقوته, (211) كما لم ينفع الهاربين من الطاعون= الذين وصف الله تعالى ذكره صفتهم في قوله: " ألم تر إلى الذين خرجوا من ديارهم وهم ألوف حذر الموت "= فرارهم من أوطانهم, وانتقالهم من منازلهم إلى الموضع الذي أملوا بالمصير إليه السلامة, وبالموئل النجاة من المنية, حتى أتاهم أمر الله, فتركهم جميعا خمودا صرعى، وفي الأرض هلكى, ونجا مما حل بهم الذين باشروا كرب الوباء، وخالطوا بأنفسهم عظيم البلاء.* * *القول في تأويل قوله : إِنَّ اللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَشْكُرُونَ (243)قال أبو جعفر: يعني تعالى ذكره بذلك: إن الله لذو فضل ومن. على خلقه، بتبصيره إياهم سبيل الهدى، وتحذيره لهم طرق الردى, وغير ذلك من نعمه التي ينعمها عليهم في دنياهم ودينهم، وأنفسهم وأموالهم- كما أحيى الذين خرجوا من ديارهم وهم ألوف حذر الموت بعد إماتته إياهم، وجعلهم لخلقه مثلا وعظة يتعظون بهم، عبرة يعتبرون بهم، وليعلموا أن الأمور كلها بيده, فيستسلموا لقضائه, ويصرفوا الرغبة كلها والرهبة إليه. (212)ثم أخبر تعالى ذكره أن أكثر من ينعم عليه من عباده بنعمه الجليلة، ويمن عليه بمننه الجسيمة, يكفر به ويصرف الرغبة والرهبة إلى غيره, ويتخذ إلها من دونه, كفرانا منه لنعمه التي توجب أصغرها عليه من الشكر ما يفدحه، ومن الحمد ما يثقله, فقال تعالى ذكره: " ولكن أكثر الناس لا يشكرون "، يقول: لا يشكرون نعمتي التي أنعمتها عليهم، وفضلي الذي تفضلت به عليهم, بعبادتهم غيري، وصرفهم رغبتهم ورهبتهم إلى من دوني ممن لا يملك لهم ضرا ولا نفعا, ولا يملك موتا ولا حياة ولا نشورا. (213)--------------الهوامش :(166) انظر ما سلف في معنى"الرؤية" 3 : 75-79 .(167) في المطبوعة : "وعلمه به" بزيادة الواو ، وهي فاسدة ، والصواب من المخطوطة .(168) الأثران : 5596 ، 5597- أخرجه الحاكم في المستدرك 2 : 281 ، وقال : "هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه" ، وقال الذهبي"ميسرة ، لم يرويا له وروى له البخاري في الأدب المفرد . وانظر ابن كثير 1 : 590 ، والدر المنثور 1 : 310 . و"ميسرة" ، هو : "ميسرة بن حبيب النهدي" ، مترجم في التهذيب .(169) في المخطوطة : "فناداه" ، وعلى الهاء من فوق حرف"ط" ، وفي الدر المنثور 1 : 311"فنادى حزقيل" ، وفي المطبوعة : "فناداهم" ، وأثبت ما في تاريخ الطبري 1 : 237 .(170) بعد هذا في الدر المنثور 1 : 311 : [ثم قال : "أيتها العظام ، إن الله يأمرك أن ينبت العصب والعقب" فتلازمت واشتدت بالعصب والعقب] . وفي تاريخ الطبري : "يا أيتها العظام النخرة"(171) في المطبوعة : "إلى أجسادك" ، وأثبت ما في المخطوطة ، وتاريخ الطبري ، والدر المنثور .(172) الأثر : 5598 : "محمد بن سهل بن عسكر" التميمي ، أبو بكر النجاري الحافظ الجوال قال النسائي وابن عدي : "ثقة" سكن بغداد ومات بها سنة 251 ، مترجم في التهذيب و"إسماعيل بن عبد الكريم بن معقل بن منبه الصنعاني" ، روى عن ابن عمه إبراهيم بن عقيل ، وعمه عبد الصمد بن معقل ، وروى عنه أحمد بن حنبل ، قال النسائي : ليس به بأس ، وذكره ابن حبان في الثقات . توفي باليمن سنة 210 . مترجم في التهذيب . والأثر رواه الطبري بهذا الإسناد في التاريخ 1 : 237 ، والدر المنثور 1 : 311 .(173) خوى الرجل في سجوده : تجافى وفرج ما بين عضديه وجنبيه وفي الحديث : أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا سجد خوى .(174) في المطبوعة : "فقال أحدهم" ، والصواب من المخطوطة وتاريخ الطبري .(175) انفتل فلان من صلاته : انصرف بعد قضائها ، ومثله : "فتل وجهه عن القوم" ، صرفه ولواه عنهم .(176) في المخطوطة والمطبوعة : "رأيت" بغير همزة استفهام ، والصواب من الطبري ، والدر المنثور . وقول العرب"أرأيت كذا" ، يريدون به معنى الاستخبار ، بمعنى أخبرني عن كذا .(177) في المطبوعة وتاريخ الطبري : "إنا نجد في كتابنا" ، وفي المخطوطة والد المنثور : "نجده" وهو الذي أثبت . وفي تاريخ الطبري بعد"يعطي ما أعطى حزقيل" . والقرن (بفتح فسكون) : الحصن ، والقرن أيضًا : الجبيل المنفرد . وقرن الجبل : أعلاه .(178) في المطبوعة : "رسلا لم يقصصهم" بحذف الواو ، وبالياء من"يقصصهم" ، وفي المخطوطة كذلك إلا أن"الياء" غير منقوطة ، وأثبت نص الآية ، على ما جاءت في تاريخ الطبري .(179) في المطبوعة : "فقام عليهم ما شاء الله" ، والصواب من المراجع والمخطوطة .(180) الأثر : 5600- رواه الطبري في تاريخه 1 : 238 ، وأخرجه السيوطي في الدر المنثور 1 : 311 . وفي المطبوعة والمخطوطة والدر : "أشعث بن أسلم البصري" ، وفي التاريخ"أشعث عن سالم النصري" ، و"أشعث بن أسلم العجلي البصري ثم الربعي" ، روى عن أبيه أنه رأى أبا موسى الأشعري ، روى عنه سعيد بن أبي عروبة . مترجم في ابن أبي حاتم 1 /1 /269 . وأما"سالم النصري" ، فهو : سالم بن عبد الله النصري ، هو"سالم سبلان" ، مترجم في التهذيب وابن أبي حاتم 2 /1 /184 ، روى عن عمان وعائشة وأبي سعيد ، وأبي هريرة . روى عنه سعيد المقبري ، وبكير بن عبد الله وغيرهما . وأنا أظن أن الذي في التاريخ أقرب إلى الصواب .(181) في المخطوطة : "دار وردان" بزيادة راء ، والصواب ما في تاريخ الطبري ، والدر المنثور ، ومعجم البلدان ، وهي من نواحي شرقي واسط ، بينهما فرسخ .(182) في التاريخ : "فلم يمت منهم كثير" .(183) الأفيح والفياح : الواسع المنتشر النواحي ، ويقال : روضة فيحاء ، من ذلك .(184) في المطبوعة : "يلوي شدقيه" ، وأثبت ما في المخطوطة وتاريخ الطبري . ولوى شدقه : أماله متعجبا مما يرى ويشهد .(185) السحنة (بفتح فسكون) : الهيئة واللون والحال ، وبشرة الوجه والمنظر .(186) في المخطوطة والمطبوعة : "إلا عاد كفنا دسما" ، وضبط في التاريخ بضم الدال وسكون السين ، وهو خطأ ، فإن هذا جمع أدسم ودسما ، وليس هذا مقام جمع . وقوله : "كفنا دسما مثل الكفن" ليس بلبسان عربي ، فحذفتها وأثبت ما في التاريخ ، وأما الرواية الأخرى في الدر المنثور فهي : "إلا عاد كفنا دسما" ، بحذف"مثل الكفن" ، فهذه أو تلك هي الصواب .والدسم : ودك اللحم والشحم . وفلان : دسم الثوب وأدسم الثوب ، إذا كان ثوبه متلطخا وسخا قد علق به وضر اللحم والشحم . وأكفان الموتى دسم ، لما يسيل من أجسادهم بعد تهرئهم وتعفن أبدانهم .(187) الأثران : 5602 ، 5603- في تاريخ الطبري 1 : 237 ، 238 ، والدر المنثور 1 : 310 بغير هذا اللفظ .(188) في المخطوطة والمطبوعة"أو ثمانية آلاف" ، وهو لا يستقيم ، والصواب في الدر المنثور 1 : 311 .(189) الحظائر جمع حظيرة : ما أحاط بالشيء ، تكون من قصب وخشب ، ليقي البرد والريح والعادية . وحظ حظيرة : اتخذها . والحظر : الحبس والمنع . أروح الماء واللحم وغيرهما وأراح : تغيرت رائحته وأنتن .(190) في التاريخ : "يوفنا" بالفاء .(191) في التاريخ : "بوذي" بالذال .(192) الأثر : 5606- في تاريخ الطبري 1 : 237 ، ثم 238 مختصرا ، والدر المنثور : 1 : 311 .(193) في التاريخ : "بوذى" بالذال .(194) في المخطوطة والمطبوعة : "ودخله رحمة . . . " ، وأثبت ما في تاريخ الطبري .(195) في المخطوطة والمطبوعة : "نادهم فقال . . . " ، والصواب من التاريخ .(196) في المخطوطة : "فتغساه من السماء كربه" غير منقوطة . وفي المطبوعة : "فتغشاهم من السماء كدية" ، وهذا كلام بلا معنى ، وما أثبته هو نص الطبري في التاريخ . وكربه الأمر : غشيه واشتد عليه وأخذ بنفسه ، فهو مكروب النفس .(197) الأثر : 5607- في تاريخ الطبري 1 : 238 .(198) يعني أنه جمع"إلف" (بكسر الهمزة وسكون اللام) . وقال ابن سيده في"ألوف" : "وعندي أنه جمع آلف ، كشاهد وشهود" ، وانظر سائر كتب التفسير .(199) في المطبوعة : "لم يصبها" ، وأثبت ما في المخطوطة .(200) لاح البرق والسيف والعظم يلوح : تلألأ ولمح ، وذلك لبياض العظام في ضوء الشمس .(201) الأثر : 5608- أخرجه السيوطي في الدر المنثور 1 : 311 مختصرا . وسيأتي مختصرا برقم : 5905 .(202) في المخطوطة : "فرجعوا إلى بلادهم ، وقد قريتهم ومن تركوا ، وكثروا بها ، يقول بعضهم لبعض" ، بياض بين الكلام ، أما المطبوعة فقد أسقطت هذا البياض ، فجعلت الكلام : "فرجعوا إلى بلادهم وكروا بها ، حتى يقول بعضهم لبعض" ، بزيادة"حتى" ، فآثرت أن استظهر معنى الكلام ، فأثبت ما في المخطوطة ، وظننت أن مكان البياض ما أثبت . هذا ولم أجد هذا الأثر في مكان آخر .(203) في المطبوعة : "كان هؤلاء القوم من بني إسرائيل ، إذا وقع فيهم الطاعون" وفي المخطوطة : "كان هؤلاء قوما من بني إسرائيل ، كان إذا وقع . . . " ، وضرب الناسخ على ألف"قوما" ، وجعلها"قوم" ، فتبين لي أن"كان" زائدة من الناسخ ، كما جاءت على الصواب في الدر المنثور 1 : 311 .(204) الأثر : 5615-"حماد بن عثمان" ، وروى عن عبد العزيز الأعمى عن أنس . روى عنه سعيد بن أبي أيوب ، وروى عن الحسن البصري قال ابن أبي حاتم : "سألت أبي عن حماد بن عثمان فقال : هو مجهول" . ترجم له البخاري في الكبير 2 /1 /20 ، وابن أبي حاتم 1 /2 /144 .(205) في المخطوطة : "وإنما جمع قليله وكثيره على أفعال" ، وزيادة"كثيره" خطأ ، والصواب ما في المطبوعة .(206) في المخطوطة : "وعلى سائر مثل الجمع القليل" ، والصواب ما في المطبوعة .(207) هو بكير ، أصم بني الحارث بن عباد .(208) النقائض : 645 ، وتاريخ الطبري 2 : 155 ، والأغاني 20 : 139 ، واللسان (ألف) وغيرها . وهذا البيت من أبيات له في يوم ذي قار ، وهو اليوم الذي انتصفت فيه العرب من العجم ، وهزمت كسرى أبرويز بن هرمز . وكانت وقعة ذي قار بعد يوم بدر بأشهر ، فلما بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم خبرها قال : "هذا يوم انتصفت فيه العرب من العجم ، وبي نصروا" . وكانت بنو شيبان في هذا اليوم أهل جد وحد ، فمدحهم الأعشى وبكير الأصم .هذا وقد روى الطبري هنا"كانوا ثلاثة آلف" ، ورواية المراجع جميعا :"عربا ثلاثة آلف . . . "وذلك أن كسرى عقد للنعمان بن زرعة على تغلب والنمر ، وعقد لخالد بن يزيد البهراني على قضاعة وإياد ، وعقد لإياس بن قبيصة على جميع العرب ، ومعه كتيبتاه : الشهباء والدوسر ، فكانت العرب ثلاثة آلف . وعقد أيضًا للهامرز التستري على ألف من الأساورة ، وعقد الخنابزين على ألف ، فكانت العجم ألفين . (الأغاني 20/134) ، فهذا تصحيح الرواية المجمع عليها وبيانها ، وأول هذه الأبيات :إن كنت ساقية المدامة أهلهافاسقي على كرم بني هماموأبا ربيعة كلها ومحلماسبقا بغاية أمجد الأيامضربوا بني الأحرار يوم لقوهمبالمشرفي على مقيل الهامعربا ثلاثة آلف . . .. . . . . . . . . . . . . . . . . . .وعنى بقوله : "بني الفدام" ، الفرس . وذلك أن المجوس كان مما يتدينون به أنهم إذا شرابا ، شدوا على أفواههم خرقة كاللثام ، فسميت هذه الطائفة منهم : بنو الفدام .(209) انظر ما سلف 1 : 354 ، 355 في تفسير : "حذر الموت" وإعرابها .(210) في المطبوعة : "في سبيل الله" وأثبت ما في المخطوطة .(211) في المخطوطة والمطبوعة : "بعقوبته" ، وهي في المخطوطة غير منقوطة . وعقوة الدار : ساحتها وما حولها قريبا منها . يقال : نزل بعقوته ، ونزلت الخيل بعقوة العدو .(212) في المطبوعة : "فيستسلمون . . . ويصرفون" ، وفي المخطوطة : "فيستسلمون . . . ويصرفوا"(213) عند هذا الموضع انتهى جزء من التقسيم القديم ، وفي المخطوطة بعده ما نصه :"وصلى الله على سيدنا محمد النبي وعلى آله وسلم كثيرا" .ثم يبدأ التقسيم التالي بما نصه :"بسم الله الرحمن الرحيمرب أعن"
2:244
وَ قَاتِلُوْا فِیْ سَبِیْلِ اللّٰهِ وَ اعْلَمُوْۤا اَنَّ اللّٰهَ سَمِیْعٌ عَلِیْمٌ(۲۴۴)
اور لڑو اللہ کی راہ میں (ف۴۹۱) اور جان لو کہ اللہ سنتا جانتا ہے،

القول في تأويل قوله : وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (244)قال أبو جعفر: يعني تعالى ذكره بذلك: " وقاتلوا "، أيها المؤمنون=" في سبيل الله "، يعني: في دينه الذي هداكم له, (214) لا في طاعة الشيطان= أعداء دينكم, (215) الصادين عن سبيل ربكم, ولا تحتموا عن قتالهم عند لقائهم, ولا تجبنوا عن حربهم، (216) فإن بيدي حياتكم وموتكم. ولا يمنعن أحدكم من لقائهم وقتالهم حذر الموت وخوف المنية على نفسه بقتالهم, فيدعوه ذلك إلى التعريد عنهم والفرار منهم, (217) فتذلوا, ويأتيكم الموت الذي خفتموه في مأمنكم الذي وألتم إليه, (218) كما أتى الذين خرجوا من ديارهم فرارا من الموت, الذين قصصت عليكم قصتهم, فلم ينجهم فرارهم منه من نزوله بهم حين جاءهم أمري، وحل بهم قضائي, ولا ضر المتخلفين وراءهم ما كانوا لم يحذروه، إذ دافعت عنهم مناياهم , وصرفتها عن حوبائهم, (219) فقاتلوا في سبيل الله من أمرتكم بقتاله من أعدائي وأعداء ديني, فإن من حيي منكم فأنا أحييه, (220) ومن قتل منكم فبقضائي كان قتله.ثم قال تعالى ذكره لهم: واعلموا، أيها المؤمنون، أن ربكم " سميع " لقول من يقول من منافقيكم لمن قتل منكم في سبيلي: لو أطاعونا فجلسوا في منازلهم ما قتلوا=" عليم " بما تجنه صدورهم من النفاق والكفر وقلة الشكر لنعمتي عليهم، (221) وآلائي لديهم في أنفسهم وأهليهم، ولغير ذلك من أمورهم وأمور عبادي.يقول تعالى ذكره لعباده المؤمنين: فاشكروني أنتم بطاعتي فيما أمرتكم من جهاد عدوكم في سبيلي, وغير ذلك من أمري ونهيي, إذ كفر هؤلاء نعمي. واعلموا أن الله سميع لقولهم، وعليم بهم وبغيرهم وبما هم عليه مقيمون من الإيمان والكفر، والطاعة والمعصية، محيط بذلك كله, حتى أجازي كلا بعمله, إن خيرا فخيرا، وإن شرا فشرا.* * *قال أبو جعفر: ولا وجه لقول من زعم أن قوله: " وقاتلوا في سبيل الله "، أمر من الله الذين خرجوا من ديارهم وهم ألوف بالقتال، بعد ما أحياهم. لأن قوله: " وقاتلوا في سبيل الله "، لا يخلو- إن كان الأمر على ما تأولوه- من أحد أمور ثلاثة:= إما أن يكون عطفا على قوله: فَقَالَ لَهُمُ اللَّهُ مُوتُوا ، وذلك من المحال أن يميتهم، ويأمرهم وهم موتى بالقتال في سبيله.= أو يكون عطفا على قوله: ثُمَّ أَحْيَاهُمْ ، وذلك أيضا مما لا معنى له. لأن قوله: " وقاتلوا في سبيل الله "، أمر من الله بالقتال, وقوله: ثُمَّ أَحْيَاهُمْ ، خبر عن فعل قد مضى. وغير فصيح العطف بخبر مستقبل على خبر ماض، لو كانا جميعا خبرين، لاختلاف معنييهما. فكيف عطف الأمر على خبر ماض؟= أو يكون معناه: ثم أحياهم وقال لهم: قاتلوا في سبيل الله, ثم أسقط" القول " كما قال تعالى ذكره: إِذِ الْمُجْرِمُونَ نَاكِسُو رُءُوسِهِمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ رَبَّنَا أَبْصَرْنَا وَسَمِعْنَا [سورة السجدة: 12]، بمعنى يقولون: ربنا أبصرنا وسمعنا. وذلك أيضا إنما يجوز في الموضع الذي يدل ظاهر الكلام على حاجته إليه، ويفهم السامع أنه مراد به الكلام وإن لم يذكر. فأما في الأماكن التي لا دلالة على حاجة الكلام إليه, فلا وجه لدعوى مدع أنه مراد فيها.-----------------الهوامش :(214) انظر ما سلف في تفسير : "سبيل الله" 3 : 583 ، 592 ، والمراجع هناك .(215) "أعداء . . . " مفعول"قاتلوا" ، والسياق : "قاتلوا أيها المؤمنون . . . أعداء دينكم" .(216) في المخطوطة"ولا تحموا عن قتاله عند لقائهم ، ولا تحبوا عن حربهم" غير منقوطة ، بإفراد ضمير"قتاله" ، فغيرها مصححوا المطبوعة ، إذ لم يحسنوا قراءتها فجعلوها : "ولا تجبنوا عن لقائهم ، ولا تقعدوا عن حربهم" غيروا وبدلوا واسقطوا وفعلوا ما شاءوا!! . وقوله : "ولا تحتموا عن قتالهم" من قولهم : احتميت من كذا وتحاميته : إذا اتقيته وامتنعت منه . و"من" و"عن" في هذا الموضع سواء .(217) في المطبوعة : "فيدعوه ذلك إلى التفريد" ، وهو خطأ ، وزاده خطأ بعض من علق على التفسير ، بشرح هذا اللفظ المنكر . والتعريد : الفرار وسرعة الذهاب في الهزيمة . يقال : "عرد الرجل عن قوله" ، إذا أحجم عنه ونكل وفر .(218) وأل إلى المكان يئل ، وؤولا ووئيلا ووألا : لجأ إليه طلب النجاة . والموئل : الملجأ .(219) الحوباء : النفس ، أو ورع القلب .(220) في المطبوعة : "فأنا أحيحه" ، وأثبت ما في المخطوطة .(221) في المطبوعة : "بما تخفيه صدورهم" ، وأثبت ما في المخطوطة . وأجن الشيء : ستره وكتمه وأخفاه .
2:245
مَنْ ذَا الَّذِیْ یُقْرِضُ اللّٰهَ قَرْضًا حَسَنًا فَیُضٰعِفَهٗ لَهٗۤ اَضْعَافًا كَثِیْرَةًؕ-وَ اللّٰهُ یَقْبِضُ وَ یَبْصُۜطُ۪-وَ اِلَیْهِ تُرْجَعُوْنَ(۲۴۵)
ہے کوئی جو اللہ کو قرض حسن دے (ف۴۹۲) تو اللہ اس کے لئے بہت گنُا بڑھا دے اور اللہ تنگی اور کشائیش کرتا ہے (ف۴۹۳) اور تمہیں اسی کی طرف پھر جانا،

القول في تأويل قوله : مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةًقال أبو جعفر: يعني تعالى ذكره بذلك: من هذا الذي ينفق في سبيل الله, فيعين مضعفا، (222) أو يقوي ذا فاقة أراد الجهاد في سبيل الله, ويعطي منهم مقترا؟ وذلك هو القرض الحسن الذي يقرض العبد ربه.وإنما سماه الله تعالى ذكره " قرضا ", لأن معنى " القرض " إعطاء الرجل غيره ماله مملكا له، ليقضيه مثله إذا اقتضاه. فلما كان إعطاء من أعطى أهل الحاجة والفاقة في سبيل الله، إنما يعطيهم ما يعطيهم من ذلك ابتغاء ما وعده الله عليه من جزيل الثواب عنده يوم القيامة, سماه " قرضا ", إذ كان معنى " القرض " في لغة العرب ما وصفنا.وإنما جعله تعالى ذكره " حسنا ", لأن المعطي يعطي ذلك عن ندب الله إياه وحثه له عليه، احتسابا منه. فهو لله طاعة، وللشياطين معصية. (223) وليس ذلك لحاجة بالله إلى أحد من خلقه, ولكن ذلك كقول العرب: " عندي لك قرض صدق، وقرض سوء "، للأمر يأتي فيه للرجل مسرته أو مساءته, (224) كما قال الشاعر: (225)كل امرئ سوف يجزى قرضه حسناأو سيئا, ومدينا بالذي دانا (226)* * *فقرض المرء: ما سلف من صالح عمله أو سيئه. وهذه الآية نظيرة الآية التي قال الله فيها تعالى ذكره: (227) مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ [سورة البقرة: 261].* * *وبنحو الذي قلنا في ذلك كان ابن زيد يقول:5617- حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في قوله: " من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا "، قال : هذا في سبيل الله=" فيضاعفه له أضعافا كثيرة "، قال: بالواحد سبعمئة ضعف.5618- حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا معمر , عن زيد بن أسلم قال: لما نزلت: " من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا فيضاعفه له أضعافا كثيرة "، جاء ابن الدحداح إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا نبي الله, ألا أرى ربنا يستقرضنا؟ مما أعطانا لأنفسنا! وإن لي أرضين: إحداهما بالعالية, والأخرى بالسافلة, وإني قد جعلت خيرهما صدقة! قال: فكان النبي صلى الله عليه وسلم يقول: " كم من عذق مذلل لابن الدحداح في الجنة " ! (228) .5619- حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد, عن قتادة: أن رجلا على عهد النبي صلى الله عليه وسلم لما سمع بهذه الآية قال: " أنا أقرض الله "، فعمد إلى خير حائط له فتصدق به. قال، وقال قتادة: يستقرضكم ربكم كما تسمعون، وهو الولي الحميد ويستقرض عباده. (229)5620- حدثنا محمد بن معاوية الأنماطي النيسابوري قال، حدثنا خلف بن خليفة, عن حميد الأعرج, عن عبد الله بن الحارث, عن عبد الله بن مسعود قال: لما نزلت: " من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا "، قال أبو الدحداح: يا رسول الله, أو إن الله يريد منا القرض؟! قال: نعم يا أبا الدحداح! قال: يدك! قال: (230) .فناوله يده، قال: فإني قد أقرضت ربي حائطي، حائطا فيه ستمئة نخلة. ثم جاء يمشي حتى أتى الحائط وأم الدحداح فيه في عيالها, فناداها: يا أم الدحداح! قالت: لبيك ! قال: اخرجي! قد أقرضت ربي حائطا فيه ستمئة نخلة. (231)* * *وأما قوله: " فيضاعفه له أضعافا كثيرة "، فإنه عدة من الله تعالى ذكره مقرضه ومنفق ماله في سبيل الله من إضعاف الجزاء له على قرضه ونفقته، ما لا حد له ولا نهاية، كما: -5621- حدثني موسى بن هارون قال، حدثنا عمرو قال، حدثنا أسباط, عن السدي: " من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا فيضاعفه له أضعافا كثيرة "، قال: هذا التضعيف لا يعلم أحد ما هو.وقد: -5622- وقد حدثني المثنى قال، حدثنا سويد بن نصر قال، أخبرنا ابن المبارك, عن ابن عيينة, عن صاحب له يذكر عن بعض العلماء قال: إن الله أعطاكم الدنيا قرضا، وسألكموها قرضا, فإن أعطيتموها طيبة بها أنفسكم، ضاعف لكم ما بين الحسنة إلى العشر إلى السبعمئة، إلى أكثر من ذلك. وإن أخذها منكم وأنتم كارهون، فصبرتم وأحسنتم، كانت لكم الصلاة والرحمة، وأوجب لكم الهدى. (232)* * *قال أبو جعفر: وقد اختلفت القرأة في قراءة قوله: (فيضاعفه) بالألف ورفعه، بمعنى: الذي يقرض الله قرضا حسنا فيضاعفه له= نسق " يضاعف " على قوله: " يقرض ".* * *وقرأه آخرون بذلك المعنى: (فيضعفه), غير أنهم قرءوا بتشديد " العين " وإسقاط" الألف ".* * *وقرأه آخرون: (فيضاعفه له) بإثبات " الألف " في" يضاعف " ونصبه، بمعنى الاستفهام. فكأنهم تأولوا الكلام: من المقرض الله قرضا حسنا فيضاعفه له؟ فجعلوا قوله: " فيضاعفه " جوابا للاستفهام, وجعلوا: " من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا " اسما. لأن " الذي" وصلته، بمنزلة " عمرو " و " زيد ". فكأنهم وجهوا تأويل الكلام إلى قول القائل: " من أخوك فتكرمه "، لأن الأفصح في جواب الاستفهام بالفاء= إذا لم يكن قبله ما يعطف به عليه من فعل مستقبل= نصبه.* * *قال أبو جعفر: وأولى هذه القراءات عندنا بالصواب، قراءة من قرأ: (فيضاعفه له) بإثبات " الألف ". ورفع " يضاعف ". لأن في قوله: " من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا " معنى الجزاء . والجزاء إذا دخل في جوابه " الفاء "، لم يكن جوابه ب " الفاء " لا رفعا. فلذلك كان الرفع في" يضاعفه " أولى بالصواب عندنا من النصب. وإنما اخترنا " الألف " في" يضاعف " من حذفها وتشديد " العين ", لأن ذلك أفصح اللغتين وأكثرهما على ألسنة العرب.* * *القول في تأويل قوله : وَاللَّهُ يَقْبِضُ وَيَبْسُطُقال أبو جعفر: يعني تعالى ذكره بذلك: أنه الذي بيده قبض أرزاق العباد وبسطها، دون غيره ممن ادعى أهل الشرك به أنهم آلهة، واتخذوه ربا دونه يعبدونه. وذلك نظير الخبر الذي روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، الذي: -5623- حدثنا به محمد بن المثنى ومحمد بن بشار قالا حدثنا حجاج= وحدثني عبد الملك بن محمد الرقاشي قال، حدثنا حجاج وأبو ربيعة قالا= حدثنا حماد بن سلمة, عن ثابت وحميد وقتادة, عن أنس قال: غلا السعر على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال فقالوا: يا رسول الله، غلا السعر فأسعر لنا! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إن الله الباسط القابض الرازق, وإني لأرجو أن ألقى الله ليس أحد يطلبني بمظلمة في نفس ومال ". (233) .* * *قال أبو جعفر: يعني بذلك صلى الله عليه وسلم: أن الغلاء والرخص والسعة والضيق بيد الله دون غيره. فكذلك قوله تعالى ذكره:،" والله يقبض ويبسط"، يعني بقوله: " يقبض "، يقتر بقبضه الرزق عمن يشاء من خلقه= ويعني بقوله: و " يبسط" يوسع ببسطة الرزق على من يشاء منهم.وإنما أراد تعالى ذكره بقيله ذلك، حث عباده المؤمنين- الذين قد بسط عليهم من فضله, فوسع عليهم من رزقه- على تقوية ذوي الإقتار منهم بماله, ومعونته بالإنفاق عليه وحمولته على النهوض لقتال عدوه من المشركين في سبيله, (234) فقال تعالى ذكره: من يقدم لنفسه ذخرا عندي بإعطائه ضعفاء المؤمنين وأهل الحاجة منهم ما يستعين به على القتال في سبيلي, فأضاعف له من ثوابي أضعافا كثيرة مما أعطاه وقواه به؟ فإني -أيها الموسع- (235) الذي قبضت الرزق عمن ندبتك إلى معونته وإعطائه, لأبتليه بالصبر على ما ابتليته به= والذي بسطت عليك لأمتحنك بعملك فيما بسطت عليك, فأنظر كيف طاعتك إياي فيه, فأجازي كل واحد منكما على قدر طاعتكما لي فيما ابتليتكما فيه وامتحنتكما به، من غنى وفاقة، وسعة وضيق, عند رجوعكما إلي في آخرتكما، ومصيركما إلي في معادكما.* * *وبنحو الذي قلنا في ذلك قال من بلغنا قوله من أهل التأويل.* ذكر من قال ذلك:5624- حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في قوله: مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا الآية، قال: علم أن فيمن يقاتل في سبيله من لا يجد قوة , وفيمن لا يقاتل في سبيله من يجد غنى, فندب هؤلاء فقال: " من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا فيضاعفه له أضعافا كثيرة والله يقبض ويبسط"؟ قال: بسط عليك وأنت ثقيل عن الخروج لا تريده, (236) وقبض عن هذا وهو يطيب نفسا بالخروج ويخف له, فقوه مما في يدك، يكن لك في ذلك حظ.* * *القول في تأويل قوله : وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (245)قال أبو جعفر: يعني تعالى ذكره بذلك: وإلى الله معادكم، أيها الناس, فاتقوا الله في أنفسكم أن تضيعوا فرائضه وتتعدوا حدوده, وأن يعمل من بسط عليه منكم من رزقه بغير ما أذن له بالعمل فيه ربه, وأن يحمل المقتر منكم- إذ قبض عن رزقه- إقتاره على معصيته, والتقدم على ما نهاه، (237) فيستوجب بذلك عند مصيره إلى خالقه، ما لا قبل له به من أليم عقابه. (238)* * *وكان قتادة يتأول قوله: " وإليه ترجعون "، وإلى التراب ترجعون. (239)5625- حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد, عن قتادة: " وإليه ترجعون "، من التراب خلقهم, وإلى التراب يعودون. (240)* * *---------------------------الهوامش :(222) أضعف الرجل فهو مضعف : ضعفت دابته ، يعينه بإبداله دابة غيرها .(223) في المطبوعة : "وللشياطين معصية" ، وفي المخطوطة : "وللسلطان" ، وهو سهو من الناسخ .(224) في المطبوعة"يأتي فيه الرجل . . . " ، وفي المخطوطة : "يأتي فيه الرجل" غير منقوطة ، ونقل أبو حيان في تفسيره 2 : 248 هذا القول عن الأخفش ، ونصه : "لأمر تأتي مسرته أو مساءته" ، ولكني استظهرت قراءتها كما أثبت ، فجميع ما مضى تحريف .(225) هو أمية بن أبي الصلت .(226) ديوانه : 63 ، واللسان (قرض) ، وروايته"أو مدينا مثل ما دنا" ، وفي الديوان : "كالذي دانا" .(227) في المطبوعة : "قال الله فيها تعالى ذكره" ، وأثبت ما في المخطوطة .(228) الحديث : 5618 - هذا حديث مرسل ، فهو ضعيف الإسناد ، لأن زيد بن أسلم تابعي ، ولم يذكر من حدثه به من الصحابة .والحديث ثابت في تفسير عبد الرزاق ، ص : 31 (مخطوط مصور) ، عن معمر ، به .وهو عند السيوطي 1 : 312 ، ولم ينسبه لغير عبد الرزاق والطبري .وقد ذكر ابن كثير 1 : 594 أن ابن مردويه روى نحو الحديث الآتي : 5620"من حديث عبد الرحمن بن زيد بن أسلم ، عن أبيه ، عن عمر ، مرفوعا بنحوه" .وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم : ضعيف جدا ، كما بينا في : 185 فلا قيمة لهذا الرواية .وسيأتي عقب هذا حديث آخر مرسل بمعناه ، ثم : 5620 ، من حديث ابن مسعود . ونرجئ بيان أصل القصة حتى نتحدث عنها هناك .قوله"ابن الدحداح" و"لابن الدحاح" : هذا هو الثابت في تفسير عبد الرزاق ، وهو الذي أثبتناه هنا . وفي المخطوطة -فيهما-"الدحداحة" . وفي المطبعة"أبو الدحداح" ، و"لأبي الدحداح" . وما في تفسير عبد الرزاق أرجح ، لأنه الأصل الذي روى عنه الطبري .قوله : "إنما أعطانا لأنفسنا" : هو الثابت عند عبد الرزاق ، وهو أجود . وكان في المطبوعة"مما" بدل"إنما" ."العذق" (بفتح فسكون) : النخلة . أما"العذق" -بكسر العين : فهو عرجون النخلة . و"المذلل"- بفتح اللام الأولى مشددة : الذي قد دليت عناقيده ، حتى يسهل اجتناء ثمرته ، لدنوها من قاطفها .(229) الحديث : 5619- وهذا مرسل أيضًا ، فهو ضعيف الإسناد ، وآخره موقوف من كلام قتادة . وذكره السيوطي 1 : 312 ، ونسبه لعبد بن حميد ، وابن جرير ، فقط . ولم يذكر كلام قتادة في آخره .في المخطوطة : "ويسعر عباده" ، هكذا غير معجمة ولا مبينة ، وتركت ما في المطبوعة على حاله ، فهو في سياقة المعنى . والأثر في الدر المنثور 1 : 321 ، ولكنه أسقط هذه الجملة الأخيرة عن قتادة .(230) في المطبوعة : "قال : يدك قبل ، فناوله" ، وفي المخطوطة : "يدك قيل" ثم وضع ألفا على رأس الياء بعد القاف ، كأن أراد أن يجعلها"قال" كما أثبتها ورجحتها ، لنص مجمع الزوائد 9 : 324 : "قال : أرنا يدك . قال : فناوله يده" .(231) الحديث : 5620 - وهذا إسناد ضعيف جدا .محمد بن معاوية بن يزيد الأنماطي - شيخ الطبري : ثقة مترجم في التهذيب ، وتاريخ بغداد 3 : 274- 275 .خلف بن خليفة بن صاعد الأشجعي : ثقة ، تغير في آخر عمره ، مات نحو سنة 181 ، وهو ابن 101 سنة ، وقد فصلنا القول في ترجمته في المسند : 5885 .حميد الأعرج الكوفي القاص : هو حميد بن علي ، على ما جزم به البخاري في +الكثير 1/ 2 / 351 ، والضعفاء ، ص : 9 . ويقال : "حميد بن عطاء" وهو الذي جزم به ابن أبي حاتم 1 / 2 / 226 - 227 ، وابن حبان في كتاب المجروحين ، رقم : 265 . وهو ضعيف جدا . قال البخاري : "منكر الحديث" . وقال أبو حاتم : "ضعيف الحديث ، منكر الحديث ، قد لزم عبد الله بن الحارث عن ابن مسعود ، ولا يعرف لعبد الله بن الحارث عن ابن مسعود شيء!" . وقال ابن حبان : "يروى عن عبد الله بن الحرث عن ابن مسعود- نسخة كأنها موضوعة . لا يحتج بخبره إذا انفرد" .عبد الله بن الحارث الزبيدي النجراني المكتب : ثقة . سبق في ترجمة الراوي عنه قول أبي حاتم أنه لا يعرف له شيء عن ابن مسعود . فالبلاء في هذه الرواية من حميد الأعرج .وهذا الحديث رواه أيضًا ابن أبي حاتم ، عن الحسن بن عرفة ، عن خلف بن خليفة ، بهذا الإسناد . على ما نقله عنه ابن كثير 1 : 593- 594 .وذكره السيوطي 1 : 312 ، وزاد نسبته لسعيد بن منصور ، وابن سعد ، والبزار ، وابن المنذر ، والحكيم الترمذي في نوادر الأصول ، والطبراني ، والبيهقي في شعب الإيمان .وذكره الهيثمي في مجمع الزوائد 6 : 320 ، بنحوه . وقال : "رواه البزار ، ورجاله ثقات" . ثم ذكره مرة أخرى 9 : 324 بلفظ آخر نحوه . وقال : " رواه أبو يعلى ، والطبراني ، ورجالهما ثقات . ورجال أبي يعلى رجال الصحيح" .هكذا قال الهيثمي في الموضعين . وليس عندي إسناد من الأسانيد التي نسبه إليها ، ولا الكتب التي ذكرها السيوطي ، إلا ابن سعد . ولم أجده فيه ، لأن النسخة المطبوعة من طبقات ابن سعد تنقص كثيرا من الكتاب ، كما هو معروف .ولقصة أبي الدحداح أصل آخر صحيح . من حديث أنس ، رواه أحمد في المسند : 12509 (3 : 146 حلبي) ، بإسناد صحيح : "عن أنس : أن رجلا قال : يا رسول الله ، إن لفلان نخلة ، وأنا أقيم حائطي بها ، فأمره أن يعطيني حتى أقيم حائطي بها ، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم : أعطها إياه بنخلة في الجنة ، فأبى ، فأتاه أبو الدحداح ، فقال : بعني نخلتك بحائطي! ففعل ، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم ، . فقال : يا رسول الله ، إني قد ابتعت النخلة بحائطي ، قال : فاجعلها له ، فقد أعطيتكها . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : كم من عذق راح ، لأبي الدحداح ، في الجنة . قالها مرارا ، قال : فأتى امرأته فقال : يا أم الدحداح ، اخرجي من الحائط ، فإني قد بعته بنخلة في الجنة . فقالت : ربح البيع ، أو كلمة تشبهها" .وحديث أنس هذا في مجمع الزوائد 9 : 323-324 . وقال : "رواه أحمد ، والطبراني ، ورجالهما رجال الصحيح" . ووقع في مطبوعة مجمع الزوائد سقط نحو سطر أثناء الحديث ، يصحح من هذا الموضع .وله أصل ثان صحيح . فروى مسلم في صحيحه 1 : 264 ، عن جابر بن سمرة ، قال : "صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم على ابن الدحداح ، ثم أتى بفرس عري ، فعقله رجل فركبه ، فجعل يتوقص به ، ونحن نتبعه نسعى خلفه ، قال : فقال رجل من القوم : إن لنبي صلى الله عليه وسلم قال : كم من عذق معلق أو مدلى في الجنة لابن الدحداح" . "أو قال شعبة : لأبي الدحداح" .و"أبو الدحداح" : هو ثابت بن الدحداح ، أو ابن الدحداحة . ويكنى"أبا الدحداح" أو"أبا الدحداحة" ، مترجم في الإصابة 1 : 199 . ثم ترجمه في الكنى 7 : 57 - 58 ، وذكر الخلاف في أنه واحد أو اثنان . ثم زعم أن الحق أن الثاني غير الأول! واستدل بحديث نقله من رواية أبي نعيم ضعيف ، وأن في إسناده رجلا"واهى الحديث" !! فسقط الاستدلال به دون ريب .الحائط : بستان النخيل إذا كان عليه جدار يحيط به ، فإن لم يكن عليه الحائط فهو"ضاحية" .(232) يريد قول الله تعالى في [سورة البقرة : 156 ، 157] الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ (233) الحديث : 5623 -عبد الملك بن محمد الرقاشي أبو قلابة- شيخ الطبري : مضت ترجمته في : 4331 .الحجاج؛ هو ابن المنهال الأنماطي .أبو ربيعة : هو زيد بن عوف القطعي ، ولقبه"فهد" . تكلموا فيه كثيرا لأحاديث رواها عن حماد بن سلمة . وأما البخاري فقال في الكبير 2/1/ 369 : "سكتوا عته" . وهو مترجم أيضًا في ابن أبي حاتم 1/2/ 570 - 571 ، ولسان الميزان .ومهما يكن من شأنه ، فإنه لم ينفرد بهذا الحديث ، فلا يؤثر فيه ضعفه إن كان ضعيفا .والحديث صحيح بهذا الإسناد ، من جهة الحجاج بن المنهال ، ومن الروايات الأخر التي سنذكر .فرواه أحمد في المسند : 12618 (3 : 156 حلبي) ، عن سريج ويونس بن محمد ، عن حماد ابن سلمة ، عن قتادة وثابت البناني ، عن أنس .ورواه أيضًا : 14102 ( 3 : 286 حلي) ، عن عفان ، عن حماد بن سلمة ، عن قتادة وثابت وحميد ، عن أنس .ورواه الترمذي 2 : 271- 272 ، وابن ماجه : 2200- كلاهما من طريق الحجاج بن النهال بهذا الإسناد . قال الترمذي : "هذا حديث حسن صحيح" .ورواه أبو دواد : 3451 ، من طريق عفان ، عن حماد ، به .وذكره السيوطي 1 : 313 ، وزاد نسبته للبيهقي في السنن .(234) الحمولة (بفتح الحاء) : كل ما يحمل عليه الناس من إبل وحمير وغيرها . والحمولة (بضم الحاء) الأحمال والأثقال . هذا وأخشى أن يكون صواب العبارة في الأصل"بالأنفاق عليه وعلىحملته" وقوله : "علي النهوض" متعلق بقوله : "ومعونته" .(235) في المطبوعة : "فإني أنا الموسع الذى قبضت" ، وهو كلام لا يستقيم أبدا ، و الصواب ما في المخطوطة . و"الموسع" : الغني الذى كثر ماله . من قولهم : "أوسع الرجل" ، صار ذا سعة وغنى وكثر ماله . وقال الله تعالى : "علي الموسع قدره وعلي المقتر قدره" . وانظر ما سلف في تفسير"الوسع" في هذا الجزء : 45 . وسياق العبارة"فانى .... الذي قبضت" .(236) في المطبوعة والمخطوطة : "يبسط عليك" مضارعا ، وهو لا يطابق قوله بعد : "وقبض" . فجعلتها"بسط" ، وإن شئت جعلت الأخرى : "ويقبض" ، كما في الدر المنثور 1 : 313 ، وأنا أرجع الأولى .(237) في المطبوعة : "وأن يحل بالمقتر منكم فقبض عنه رزقه ، إقتاره ...." ، وهو كلام فاسد وفي المخطوطة : "وأن يحمل المقتر منكم فقبض عنه رزقه . . . " وهو لا يستقيم أيضًا ، ورجحت أن تكون الأولى" المقتر" كما في المخطوطة ، وأن تكون الأخرى"إذ قبض" ، أو"بقبضه عنه ..." وسياق الجملة : "وأن يحمل المقتر منكم ... إقتاره علي معصيته) .(238) في المطبوعة : "فيستوجب بذلك منه بمصيره . . . وهو كلام شديد الخلل . وفي المخطوطة : "عنه مصيره" ، وظاهر أن الهاء المرسلة من"عنه" ، دال"عند" .(239) في المخطوطة : "و إلى الثواب" ، و"من الثواب ..." وهو ظاهر الفساد ، ولكنه دليل علي شدة سهو الناسخ في هذا الموضع من الكتاب ، كما رأيت من تصحيفه وتحريفه في المواضع السابقة من التعليق .(240) في المخطوطة : "و إلى الثواب" ، و"من الثواب..." وهو ظاهر الفساد ، ولكنه دليل علي شدة سهو الناسخ في هذا الموضع من الكتاب ، كما رأيت من تصحيفه وتحريفه في المواضع السابقة من التعليق .
2:246
اَلَمْ تَرَ اِلَى الْمَلَاِ مِنْۢ بَنِیْۤ اِسْرَآءِیْلَ مِنْۢ بَعْدِ مُوْسٰىۘ-اِذْ قَالُوْا لِنَبِیٍّ لَّهُمُ ابْعَثْ لَنَا مَلِكًا نُّقَاتِلْ فِیْ سَبِیْلِ اللّٰهِؕ-قَالَ هَلْ عَسَیْتُمْ اِنْ كُتِبَ عَلَیْكُمُ الْقِتَالُ اَلَّا تُقَاتِلُوْاؕ-قَالُوْا وَ مَا لَنَاۤ اَلَّا نُقَاتِلَ فِیْ سَبِیْلِ اللّٰهِ وَ قَدْ اُخْرِجْنَا مِنْ دِیَارِنَا وَ اَبْنَآىٕنَاؕ-فَلَمَّا كُتِبَ عَلَیْهِمُ الْقِتَالُ تَوَلَّوْا اِلَّا قَلِیْلًا مِّنْهُمْؕ-وَ اللّٰهُ عَلِیْمٌۢ بِالظّٰلِمِیْنَ(۲۴۶)
اے محبوب !کیا تم نے نہ دیکھا بنی اسرائیل کے ایک گروہ کو جو موسیٰ کے بعد ہوا (ف۴۹۴) جب اپنے ایک پیغمبر سے بولے ہمارے لیے کھڑا کردو ایک بادشاہ کہ ہم خدا کی راہ میں لڑیں، نبی نے فرمایا کیا تمہارے انداز ایسے ہیں کہ تم پر جہاد فرض کیا جائے تو پھر نہ کرو، بولے ہمیں کیا ہوا کہ ہم اللہ کی راہ میں نہ لڑیں حالانکہ ہم نکالے گئے ہیں اپنے وطن اور اپنی اولاد سے (ف۴۹۵) تو پھر جب ان پر جہاد فرض کیا گیا منہ پھیر گئے مگر ان میں کے تھوڑے (ف۴۹۶) اور اللہ خوب جانتا ہے ظالموں کو،

القول في تأويل قوله : أَلَمْ تَرَ إِلَى الْمَلإِ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى إِذْ قَالُوا لِنَبِيٍّ لَهُمُ ابْعَثْ لَنَا مَلِكًا نُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِقال أبو جعفر: يعني تعالى ذكره بقوله: " ألم تر "، ألم تر، يا محمد، بقلبك, (1) فتعلم بخبري إياك، يا محمد=" إلى الملأ "، يعني: إلى وجوه بني إسرائيل وأشرافهم ورؤسائهم=" من بعد موسى "، يقول: من بعد ما قبض موسى فمات=" إذ قالوا لنبي لهم ابعث لنا ملكا نقاتل في سبيل الله ". فذكر لي أن النبي الذي قال لهم ذلك شمويل (2) بن بالى (3) بن علقمة (4) بن يرحام (5) بن إليهو (6) بن تهو بن صوف (7) بن علقمة بن ماحث (8) بن عموصا (9) بن عزريا بن صفنية (10) بن علقمة بن أبي ياسف (11) بن قارون (12) بن يصهر (13) بن قاهث (14) بن لاوي بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم.5626- حدثنا بذلك ابن حميد قال، حدثنا سلمة, عن ابن إسحاق, (15) عن وهب بن منبه.5627- وحدثني أيضا المثنى بن إبراهيم قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا إسماعيل بن عبد الكريم قال، حدثني عبد الصمد بن معقل: أنه سمع وهب بن منبه يقول: هو شمويل، هو شمويل- ولم ينسبه كما نسبه ابن إسحاق. (16)* * *وقال السدي: بل اسمه شمعون. وقال: إنما سمي" شمعون "، لأن أمه دعت الله أن يرزقها غلاما, فاستجاب الله لها دعاءها، فرزقها, فولدت غلاما فسمته " شمعون "، تقول: الله تعالى سمع دعائي.5628- حدثني [بذلك] موسى قال، حدثنا عمرو قال، حدثنا أسباط, عن السدي. (17)* * *فكأن " شمعون "" فعلون " عند السدي, من قولها: إنَّه سمع الله دعاءها. (18)* * *5629- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج, عن ابن جريج, عن مجاهد قوله: " ألم تر إلى الملإ من بني إسرائيل من بعد موسى إذ قالوا لنبي لهم "، قال: شمؤل. (19)* * *وقال آخرون : بل الذي سأله قومه من بني إسرائيل أن يبعث لهم ملكا يقاتلون في سبيل الله، يوشع (20) بن نون بن أفراثيم (21) بن يوسف بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم.5630- حدثني بذلك الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا معمر, عن قتادة في قوله: وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ ، قال: كان نبيهم الذي بعد موسى يوشع بن نون، قال: وهو أحد الرجلين اللذين أنعم الله عليهما. (22)* * *وأما قوله: " ابْعَثْ لَنَا مَلِكًا نُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ" ، فاختلف أهل التأويل في السبب الذي من أجله سأل الملأ من بني إسرائيل نبيهم ذلك.فقال بعضهم: كان سبب مسألتهم إياه، ما: -5631- حدثنا به محمد بن حميد قال، حدثنا سلمة بن الفضل قال، حدثني محمد بن إسحاق, عن وهب بن منبه قال: خلف بعد موسى في بني إسرائيل يوشع بن نون، يقيم فيهم التوراة وأمر الله حتى قبضه الله. ثم خلف فيهم كالب بن يوفنا (23) يقيم فيهم التوراة وأمر الله حتى قبضه الله تعالى. ثم خلف فيهم حزقيل (24) بن بوزي، وهو ابن العجوز. ثم إن الله قبض حزقيل, وعظمت في بني إسرائيل الأحداث, ونسوا ما كان من عهد الله إليهم, حتى نصبوا الأوثان وعبدوها من دون الله. فبعث الله إليهم إلياس (25) بن نسى (26) بن فنحاص (27) بن العيزار (28) بن هارون بن عمران نبيا. وإنما كانت الأنبياء من بني إسرائيل بعد موسى، يبعثون إليهم بتجديد ما نسوا من التوراة. وكان إلياس مع ملك من ملوك بني إسرائيل يقال له أحاب, (29) وكان يسمع منه ويصدقه. فكان إلياس يقيم له أمره. وكان سائر بني إسرائيل قد اتخذوا صنما يعبدونه من دون الله, فجعل إلياس يدعوهم إلى الله, وجعلوا لا يسمعون منه شيئا, إلا ما كان من ذلك الملك. والملوك متفرقة بالشام, كل ملك &; 5-295 &; له ناحية منها يأكلها. (30) فقال ذلك الملك= الذي كان إلياس معه يقوم له أمره، ويراه على هدى من بين أصحابه = يوما: يا إلياس، والله ما أرى ما تدعو إليه الناس إلا باطلا! والله ما أرى فلانا وفلانا- وعدد ملوكا من ملوك بني إسرائيل (31) - قد عبدوا الأوثان من دون الله، إلا على مثل ما نحن عليه, يأكلون ويشربون ويتنعمون مملكين، (32) ما ينقص من دنياهم [أمرهم الذي تزعم أنه باطل]؟ (33) وما نرى لنا عليهم من فضل. ويزعمون - (34) والله أعلم - أن إلياس استرجع وقام شعر رأسه وجلده، ثم رفضه وخرج عنه. ففعل ذلك الملك فعل أصحابه, عبد الأوثان, وصنع ما يصنعون. (35) ثم خلف من بعده فيهم اليسع, (36) فكان فيهم ما شاء الله أن يكون, ثم قبضه الله إليه. وخلفت فيهم الخلوف, وعظمت فيهم الخطايا, وعندهم التابوت يتوارثونه كابرا عن كابر, فيه السكينة وبقية مما ترك آل موسى وآل هارون. فكانوا لا يلقاهم عدو فيقدمون التابوت ويزحفون به معهم, (37) إلا هزم الله ذلك العدو. (38) ثم خلف فيهم ملك يقال له إيلاء , (39) وكان الله قد بارك لهم في جبلهم من إيليا، لا يدخله عليهم عدو، ولا يحتاجون معه إلى غيره. وكان أحدهم -فيما يذكرون- يجمع التراب على الصخرة, ثم ينبذ فيه الحب , فيخرج الله له ما يأكل سنته هو وعياله. ويكون لأحدهم الزيتونة، فيعتصر منها ما يأكل هو وعياله سنته. فلما عظمت أحداثهم، وتركوا عهد الله إليهم, نزل بهم عدو فخرجوا إليه, وأخرجوا معهم التابوت كما كانوا يخرجونه, ثم زحفوا به, فقوتلوا حتى استلب من بين أيديهم. فأتى ملكهم إيلاء فأخبر أن التابوت قد أخذ واستلب, فمالت عنقه, فمات كمدا عليه. فمرج أمرهم عليهم، (40) ووطئهم عدوهم, حتى أصيب من أبنائهم ونسائهم. (41) وفيهم نبي لهم قد كان الله بعثه إليهم، فكانوا لا يقبلون منه شيئا، يقال له " شمويل ", (42) وهو الذي ذكر الله لنبيه محمد: " ألم تر إلى الملأ من بني إسرائيل من بعد موسى إذ قالوا لنبي لهم ابعث لنا ملكا نقاتل في سبيل الله " إلى قوله: وَقَدْ أُخْرِجْنَا مِنْ دِيَارِنَا وَأَبْنَائِنَا ، يقول الله: فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ تَوَلَّوْا إِلا قَلِيلا مِنْهُمْ ، إلى قوله: إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ .= قال ابن إسحاق: فكان من حديثهم فيما حدثني به بعض أهل العلم، عن وهب بن منبه: أنه لما نزل بهم البلاء ووطئت بلادهم, كلموا نبيهم شمويل بن بالي فقالوا: " ابعث لنا ملكا نقاتل في سبيل الله ". وإنما كان قوام بني إسرائيل الاجتماع على الملوك, وطاعة الملوك أنبياءهم. وكان الملك هو يسير بالجموع، والنبي يقوم له أمره ويأتيه بالخبر من ربه. فإذا فعلوا ذلك صلح أمرهم, فإذا عتت ملوكهم وتركوا أمر أنبيائهم فسد أمرهم. فكانت الملوك إذا تابعتها الجماعة على الضلالة تركوا أمر الرسل, ففريقا يكذبون فلا يقبلون منه شيئا, وفريقا يقتلون. فلم يزل ذلك البلاء بهم حتى قالوا له: " ابعث لنا ملكا نقاتل في سبيل الله ". فقال لهم: إنه ليس عندكم وفاء ولا صدق ولا رغبة في الجهاد. فقالوا: إنما كنا نهاب الجهاد ونزهد فيه، أنا كنا ممنوعين في بلادنا لا يطؤها أحد، فلا يظهر علينا فيها عدو, فأما إذ بلغ ذلك، فإنه لا بد من الجهاد, فنطيع ربنا في جهاد عدونا، ونمنع أبناءها ونساءنا وذرارينا.5632- حدثت عن عمار بن الحسن قال، حدثنا ابن أبي جعفر, عن أبيه, عن الربيع في قوله: " ألم تر إلى الملإ من بني إسرائيل " إلى: وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ ، قال الربيع: ذكر لنا -والله أعلم- أن موسى لما حضرته الوفاة، استخلف فتاه يوشع بن نون على بني إسرائيل, وأن يوشع بن نون سار فيهم بكتاب الله التوراة وسنة نبيه موسى. ثم إن وشع بن نون توفي، واستخلف فيهم آخر, فسار فيهم بكتاب الله وسنة نبيه موسى صلى الله عليه وسلم. ثم استخلف آخر فسار فيهم بسيرة صاحبيه. ثم استخلف آخر فعرفوا وأنكروا. ثم استخلف آخر، فأنكروا عامة أمره. ثم استخلف آخر فأنكروا أمره كله. ثم إن بني إسرائيل أتوا نبيا من أنبيائهم حين أوذوا في أنفسهم وأموالهم, (43) فقالوا له: سل ربك أن يكتب علينا القتال! فقال لهم ذلك النبي: هَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ أَلا تُقَاتِلُوا ، إلى قوله: وَاللَّهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ .5633- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج, عن ابن جريج في قوله: " ألم تر إلى الملإ من بني إسرائيل من بعد موسى إذ قالوا لنبي لهم ابعث لنا ملكا "، قال قال ابن عباس: هذا حين رفعت التوراة واستخرج أهل الإيمان, وكانت الجبابرة قد أخرجتهم من ديارهم وأبنائهم. (44)5634- حدثت عن الحسين بن الفرج قال، سمعت أبا معاذ قال، أخبرنا عبيد بن سليمان قال، سمعت الضحاك يقول في قوله : " إذ قالوا لنبي لهم ابعث لنا ملكا "، قال: هذا حين رفعت التوراة واستخرج أهل الإيمان.* * *وقال آخرون: كان سبب مسألتهم نبيهم ذلك, ما: -5635- حدثني به موسى بن هارون قال، حدثنا عمرو قال، حدثنا أسباط, عن السدي: " ألم تر إلى الملإ من بني إسرائيل من بعد موسى إذ قالوا لنبي لهم ابعث لنا ملكا نقاتل في سبيل الله "، قال: كانت بنو إسرائيل يقاتلون العمالقة, وكان ملك العمالقة جالوت، (45) وأنهم ظهروا على بني إسرائيل فضربوا عليهم الجزية وأخذوا توراتهم. وكانت بنو إسرائيل يسألون الله أن يبعث لهم نبيا يقاتلون معه. وكان سبط النبوة قد هلكوا, فلم يبق منهم إلا امرأة حبلى, فأخذوها فحبسوها في بيت، رهبة أن تلد جارية فتبدلها بغلام, لما ترى من رغبة بني إسرائيل في ولدها. فجعلت المرأة تدعو الله أن يرزقها غلاما, فولدت غلاما فسمته شمعون. (46) فكبر الغلام، فأرسلته يتعلم التوراة في بيت المقدس, (47) وكفله شيخ من علمائهم وتبناه. فلما بلغ الغلام أن يبعثه الله نبيا، أتاه جبريل والغلام نائم إلى جنب الشيخ= وكان لا يتمن عليه أحدا غيره= (48) فدعاه بلحن الشيخ: " يا شماول!"، (49) فقام الغلام فزعا إلى الشيخ, فقال: يا أبتاه، دعوتني؟ فكره الشيخ أن يقول: " لا " فيفزع الغلام, فقال: يا بني ارجع فنم! فرجع فنام. ثم دعاه الثانية, فأتاه الغلام أيضا فقال: دعوتني؟ فقال: ارجع فنم, فإن دعوتك الثالثة فلا تجبني! فلما كانت الثالثة، ظهر له جبريل فقال: اذهب إلى قومك فبلغهم رسالة ربك, فإن الله قد بعثك فيهم نبيا. فلما أتاهم كذبوه وقالوا: استعجلت بالنبوة ولم تئن لك! (50) وقالوا: إن كنت صادقا فابعث لنا ملكا نقاتل في سبيل الله، آية من نبوتك! فقال لهم شمعون: عسى إن كتب عليكم القتال أن لا تقاتلوا. (51)* * *قال أبو جعفر: وغير جائز في قول الله تعالى ذكره: " نُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ" إذا قرئ " بالنون " غير الجزم، على معنى المجازاة وشرط الأمر. فإن ظن ظان أن الرفع فيه جائز وقد قرئ بالنون، بمعنى: الذي نقاتل به في سبيل الله, (52) فإن ذلك غير جائز. لأن العرب لا تضمر حرفين. (53) ولكن لو كان قرئ ذلك " بالياء " لجاز رفعه, لأنه يكون لو قرئ كذلك صلة ل " الملك ", فيصير تأويل الكلام حينئذ: ابعث لنا الذي يقاتل في سبيل الله, كما قال تعالى ذكره: وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ [سورة البقرة: 129]، لأن قوله يَتْلُو من صلة الرسول. (54)القول في تأويل قوله : قَالَ هَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ أَلا تُقَاتِلُوا قَالُوا وَمَا لَنَا أَلا نُقَاتِلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقَدْ أُخْرِجْنَا مِنْ دِيَارِنَا وَأَبْنَائِنَا فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ تَوَلَّوْا إِلا قَلِيلا مِنْهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ (246)قال أبو جعفر: يعني تعالى ذكره بذلك: قال النبي الذي سألوه أن يبعث لهم ملكا يقاتلوا في سبيل الله: " هل عسيتم "، هل، تعدون (55) " إن كتب ", يعني: إن فرض عليكم القتال (56) =" ألا تقاتلوا "، يعني: أن لا تفوا بما تعدون الله من أنفسكم، من الجهاد في سبيله، فإنكم أهل نكث وغدر وقلة وفاء بما تعدون؟=" قالوا وما لنا ألا نقاتل في سبيل الله "، يعني: قال الملأ من بني إسرائيل لنبيهم ذلك: وأي شيء يمنعنا أن نقاتل في سبيل الله عدونا وعدو الله=" وقد أخرجنا من ديارنا وأبنائنا "، بالقهر والغلبة؟* * *فإن قال لنا قائل: وما وجه دخول " أن " في قوله: " وما لنا ألا نقاتل في سبيل الله "، وحذفه من قوله: وَمَا لَكُمْ لا تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ ؟ [سورة الحديد: 8]قيل: هما لغتان فصيحتان للعرب: تحذف " أن " مرة مع قولها: (57) " ما لك ", فتقول: " ما لك لا تفعل كذا "، بمعنى: ما لك غير فاعله, كما قال الشاعر: (58)* ما لك ترغين ولا ترغو الخلف *وذلك هو الكلام الذي لا حاجة بالمتكلم به إلى الاستشهاد على صحته، لفشو ذلك على ألسن العرب.= وتثبت " أن " فيه أخرى, توجيها لقولها: " ما لك " إلى معناه, إذ كان معناه: ما منعك؟ كما قال تعالى ذكره: مَا مَنَعَكَ أَلا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ [سورة الأعراف: 12]، ثم قال في سورة أخرى في نظيره : مَا لَكَ أَلا تَكُونَ مَعَ السَّاجِدِينَ [سورة الحجر: 32]، فوضع " مَا مَنَعَكَ " موضع " ما لك "، و " ما لك " موضع " ما منعك "، لاتفاق معنييهما، وإن اختلفت ألفاظهما, كما تفعل العرب ذلك في نظائره مما تتفق معانيه وتختلف ألفاظه, كما قال الشاعر: (59)يقول إذا اقلولى عليها وأقردت:ألا هل أخو عيش لذيذ بدائم? (60)فأدخل في" دائم "" الباء " مع " هل "، وهي استفهام. وإنما تدخل في خبر " ما " التي في معنى الجحد، لتقارب معنى الاستفهام والجحد. (61)* * *وكان بعض أهل العربية يقول: (62) أدخلت " أن " في: " ألا تقاتلوا "، لأنه بمعنى قول القائل: ما لك في ألا تقاتل. ولو كان ذلك جائزا، لجاز أن يقال: " ما لك أن قمت= وما لك أنك قائم "، وذلك غير جائز. لأن المنع إنما يكون للمستقبل من الأفعال, كما يقال: " منعتك أن تقوم "، ولا يقال: " منعتك أن قمت "، فلذلك قيل في" مالك ": " مالك ألا تقوم " ولم يقل: " ما لك أن قمت ".* * *وقال آخرون منهم: (63) " أن " ها هنا زائدة بعد " ما لنا "، كما تزاد بعد " لما " و " لو "، (64) وهي تزاد في هذا المعنى كثيرا. قال: ومعناه: وما لنا لا نقاتل في سبيل الله؟ فأعمل " أن " وهي زائدة، وقال الفرزدق:لو لم تكن غطفان لا ذنوب لهاإذن للام ذوو أحسابها عمرا (65)والمعنى: لو لم تكن غطفان لها ذنوب=" ولا " زائدة فأعملها. (66)= وأنكر ما قال هذا القائل من قوله الذي حكينا عنه، آخرون. وقالوا: غير جائز أن تجعل " أن " زائدة في الكلام وهو صحيح في المعنى وبالكلام إليه الحاجة قالوا: والمعنى: ما يمنعنا ألا نقاتل- فلا وجه لدعوى مدع أن " أن " زائدة, معنى مفهوم صحيح. قالوا: وأما قوله:* لو لم تكن غطفان لا ذنوب لها *= فإن " لا " غير زائدة في هذا الموضع, لأنه جحد, والجحد إذا جحد صار إثباتا. قالوا: فقوله: " لو لم تكن غطفان لا ذنوب لها "، إثبات الذنوب لها, كما يقال: " ما أخوك ليس يقوم "، بمعنى: هو يقوم.* * *وقال آخرون: معنى قوله: " ما لنا ألا نقاتل ": ما لنا ولأن لا نقاتل, ثم حذفت " الواو " فتركت, كما يقال في الكلام: " ما لك ولأن تذهب إلى فلان "، فألقي منها " الواو ", لأن " أن " حرف غير متمكن في الأسماء. وقالوا: نجيز أن يقال: " ما لك أن تقوم "، ولا نجيز: " ما لك القيام "، لأن القيام اسم صحيح و " أن " اسم غير صحيح. وقالوا: قد تقول العرب: " إياك أن تتكلم "، بمعنى: إياك وأن تتكلم.* * *وأنكر ذلك من قولهم آخرون وقالوا: لو جاز أن يقال ذلك على التأويل الذي تأوله قائل من حكينا قوله, لوجب أن يكون جائزا: " ضربتك بالجارية وأنت كفيل ", بمعنى: وأنت كفيل بالجارية= وأن تقول: " رأيتك إيانا وتريد ", بمعنى : " رأيتك وإيانا تريد ". (67) لأن العرب تقول: " إياك بالباطل تنطق "، قالوا: فلو كانت " الواو " مضمرة في" أن "، لجاز جميع ما ذكرنا، ولكن ذلك غير جائز, لأن ما بعد " الواو " من الأفاعيل غير جائز له أن يقع على ما قبلها، (68) واستشهدوا على فساد قول من زعم أن " الواو " مضمرة مع " أن " بقول الشاعر:فبح بالسرائر في أهلهاإياك في غيرهم أن تبوحا (69)= وأنَّ " أن تبوحا "، لو كان فيها " واو " مضمرة، لم يجز تقديم " في غيرهم " عليها. (70)* * *وأما تأويل قوله تعالى: " وَقَدْ أُخْرِجْنَا مِنْ دِيَارِنَا وَأَبْنَائِنَا " ، فإنه يعني: وقد أخرج من غلب عليه من رجالنا ونسائنا من ديارهم وأولادهم، ومن سبي. وهذا الكلام ظاهره العموم وباطنه الخصوص، لأن الذين قالوا لنبيهم: " ابعث لنا ملكا نقاتل في سبيل الله "، كانوا في ديارهم وأوطانهم, وإنما كان أخرج من داره وولده من أسر وقهر منهم.* * *وأما قوله: " فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ تَوَلَّوْا إِلا قَلِيلا مِنْهُمْ" ، يقول: فلما فرض عليهم قتال عدوهم والجهاد في سبيله=" تولوا إلا قليلا منهم "، يقول: أدبروا مولين عن القتال, وضيعوا ما سألوه نبيهم من فرض الجهاد.والقليل الذي استثناهم الله منهم, هم الذين عبروا النهر مع طالوت. وسنذكر سبب تولي من تولى منهم، وعبور من عبر منهم النهر بعد إن شاء الله، إذا أتينا عليه.* * *يقول الله تعالى ذكره: " وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ" ، يعني: والله ذو علم بمن ظلم منهم نفسه, فأخلف الله ما وعده من نفسه، وخالف أمر ربه فيما سأله ابتداء أن يوجبه عليه.* * *وهذا من الله تعالى ذكره تقريع لليهود الذين كانوا بين ظهراني مهاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم، في تكذيبهم نبينا محمدا صلى الله عليه وسلم، ومخالفتهم أمر ربهم. يقول الله تعالى ذكره لهم: إنكم، يا معشر اليهود، عصيتم الله وخالفتم أمره فيما سألتموه أن يفرضه عليكم ابتداء، من غير أن يبتدئكم ربكم بفرض ما عصيتموه فيه, فأنتم بمعصيته - فيما ابتدأكم به من إلزام فرضه- أحرى.* * *وفي هذا الكلام متروك قد استغني بذكر ما ذكر عما ترك منه. وذلك أن معنى الكلام: " قالوا: وما لنا ألا نقاتل في سبيل الله وقد أخرجنا من ديارنا وأبنائنا "= فسأل نبيهم ربهم أن يبعث لهم ملكا يقاتلون معه في سبيل الله، فبعث لهم ملكا, وكتب عليهم القتال=" فلما كتب عليهم القتال تولوا إلا قليلا منهم والله عليم بالظالمين ".----------------الهوامش :(1) انظر معنى"ألم تر" ، و" الرؤية" فيما سلف : ص : 266 ، والمراجع في التعليق .(2) ساذكر في التعليقات الآتية ما جاء في هذا النسب من الأسماء ، على رسمها في كتاب القوم الذي بين أيدينا ، من أخبار الأيام الأول . في الإصحاح السادس . و"شمويل" هناك هو"صموئيل" .(3) "بالي" ، لم يرد له ذكر في نسب"شمويل" من كتاب القوم ، بل هو عندهم"صموئيل بن"القانة" .(4) (ألقانة)(5) ( يروحام) . وفي المطبوعة : "برحام" خطأ ، وهو في المخطوطة غير منقوط وأما في تاريخ الطبري 1 : 242 فهو بالحاء المعجمة .(6) ( إيليئيل) . الظاهر أنه هو"إليهو" .(7) (توح) ، وفي المطبوعة : "يهو صوق" ، وهو خطأ ، وفي المخطوطة"بهو صوف" غير منقوط ، وكلاهما أسقط"بن" بين الكلمتين . و الصواب من تاريخ الطبري . و" توح" مذكور في كتاب القوم ، في كتاب صموئيل الأول ، الإصحاح الأول برسم : "توحو" .(8) ( محث) .(9) (عما ساى) والنسب في كتاب القوم بعد ذلك : "عما ساى بن ألقانة بن يوثيل بن عز ريا بن صفنيا بن تحث بن أسير بن أبياساف" ، وبعضه لم يذكر في النسب الذي رواه الطبري ، وفيما رواه بعد ذلك تقديم و تاخير كما ترى .(10) (صفنيا) ، وفي المطبوعة و المخطوطة : " صفية" .(11) ( أبياساف) وفي المطبوعة : "أبى ياسق" ، وفي المخطوطة" أبي ياسف" .(12) (قورح) .(13) ( يصهار) .(14) ( قهات) .(15) في المطبوعة و المخطوطة : "عن أبي إسحق" ، وهو خطأ ، وهو إسناد دائر في الطبري عن"محمد بن إسحق" صاحب السيرة .(16) في المخطوطة و المطبوعة : "كما نسبه إسحاق" ، وهو خطأ ظاهر ، وانظر التعليق السالف .(17) ما بين القوسين زيادة يقتضيها السياق ، كما في إسناد الأثر السالف ،(18) في المطبوعة : "من قولها سمع" أسقط" أنه" وأثبت ما في المخطوطة .(19) في المطبوعة : " شمعون" ، وهو خطأ لا شك فيه ، و الصواب ما في المخطوطة والدر المنثور 1 : 315 .(20) (يشوع) .(21) (أفرايم) ، وفي المطبوعة( أفراثيم) ، و الصواب ما أثبت من التاريخ 1 : 225 ، وفي المخطوطة غير منقوطة .(22) يعني المذكورين في قوله تعالى في [ سورة المائدة : 23] قَالَ رَجُلَانِ مِنَ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمَا ، الآية .(23) ( يفنة) وفي المطبوعة : " يوقنا" ، و الصواب من المخطوطة و التاريخ 1 : 238 .(24) ( حزقيال) في كتاب القوم .(25) (إيليا) ، وهو"إيليا التشبى" مذكور في"الملوك الأول" إصحاح : 17 .(26) لم أجد نسب"إيليا" ، وقوله : "نسى"لم أجده . وهو في المخطوطة"سى" غير منقوطة ولا واضحة ، وفي تاريخ الطبري 1 : 239"إلياس بن ياسين" .(27) ( فينحاس) .(28) (العازار) .(29) (أخاب)"في الملوك الأول" الإصحاح : 16 ، 17 . وهو في المطبوعة والتاريخ والمخطوطة : "أحاب" ، مهمل الحاء .(30) (يأكلها) أي يغلب عليها ، ويصير له ما لها وخراجها . وفي حديث عمرو بن عنبسة : ( ومأكول حمير من آكلها ، الماكول : الرعية -والآكلون : الملوك . وهم يسمون سادة الأحياء الذين يأخذون المرباع وغيره" الآكال" ، وفي الحديث : "أمرت بقرية تأكل القرى" ، هي المدنية ، أي يغلب أهلها بالإسلام على غيرها من القرى .(31) في المطبوعة : "يعدد ملوكا . . " وأثبت ما في المخطوطة ، وفي تاريخ الطبري : "يعد" .(32) في المطبوعة : "مالكين" ، وفي المخطوطة : "ملكين" ، وأثبت ما في تاريخ الطبري .(33) الزيادة التي بين القوسين من تاريخ الطبري ، ولا يستقيم الكلام إلا بها .(34) في المطبوعة : "ويزعمون" وأثبت ما في المخطوطة والتاريخ .(35) إلى هذا الموضع رواه الطبري بإسناده هذا في تاريخه1 : 239 / ثم الذي يليه في 1 / 240 فصلت بينهما روايات أخرى .(36) (أليشع) في كتاب القوم .(37) في المطبوعة والمخطوطة : "وكانوا . . . " ، وأثبت ما في التاريخ ، فهو أجود .(38) بعد هذا في التاريخ ما نصه : "والسكنية - فيما ذكر ابن إسحق ، عن وهب بن منبه ، من بعض أهل إسرائيل -رأس هرة ميتة ، فإذا صرخت في التابوت بصراخ هرة ، أيقنوا بالنصر وجاءهم الفتح .(39) ( عالي) في كتاب القوم وفي تاريخ الطبري"إيلاف" . والمرجح أن الذي في المطبوعة والمخطوطة هو الصواب ، لقربه من لفظ"عالي" وإن كان الطبري قد ذكر في تاريخه 1 : 243"عيلى" ، . وعالي ، من عظماء كهنة بني إسرائيل وقضى لهم أربعين سنة . وخبر موت عالي عند استلاب التابوت ، مذكور في كتاب القوم"صموئيل الأول" الإصحاح الرابع .(40) في تاريخ الطبري : "فمرج أمرهم بينهم" . ومرج الأمر : اختلط والتبس واضطرب في الفتنة .(41) إلى هذا الموضع ، انتهى ما رواه الطبري في التاريخ 1 : 240-241 .(42) (صموئيل) في كتاب القوم .(43) في المطبوعة : "في نفوسهم" ، وأثبت ما في المخطوطة .(44) استخرج (بالبناء للمجهول) : حمل على الخروج من بلاده . وهذا لفظ لم يذكره أصحاب المعاجم ، وهو عربية معرقة .(45) ( جليات) في كتاب القوم .(46) في تاريخ الطبري بعد قوله شمعون : "تقول" : الله سمع دعائي" . وانظر الأثر السالف رقم : 5628 وما قبله وما بعده .(47) في المطبوعة : "فأرسلته يتعلم" ، وأثبت ما في المخطوطة والتاريخ .(48) في المطبوعة : "لا يأتمن" ، وفي تاريخ الطبري مطبوعة مصر : "لايئتمن" في الأوربية والمخطوطة : "لا يتمن" . وأمنه وأمنه وائتمنه واتمنه (بتشديد التاء) سواء ، وانظر تعليق صاحب اللسان على قول من قال إن الأخيرة نادرة .(49) اللحن : اللغة و اللهجة . وفي التاريخ : "شمويل" ، وظاهر هذا الخبر يدل على أن"شمعون" هو"شمويل" وأنهما لغتان بمعنى واحد . وانظر الآثار السالفة 5626 -5629 ، والتعليقات عليها .(50) في المطبوعة"ولم تنل لك" وهو تصحيف . وفي تاريخ الطبري : "ولم تبالك" ، من المبالاة ، وهي ليست بشيء . وفي الدر المنثور : "ولم يأن لك" ، وفي المخطوطة : "ولم تنل لك" وظاهر أنها"تئن" . من"آن يئين أينا" : أي حان . مثل"أني لك يأني" ، بمعناه ، أي لم تبلغ بعد أوان أن تكون نبيا .(51) الأثر : 5635- في تاريخ الطبري 1: 242 ، والدر المنثور 1: 315 ، وفي المطبوعة ختم الأثر بقوله : "والله أعلم" ، وهي زيادة من ناسخ لا معنى لها هنا ، وليست في المخطوطة .(52) في المخطوطة والمطبوعة : " الذي نقاتل" بحذف"به" ، وهو خطأ يدل عليه السياق ، وما جاء في معاني القرآن للفراء 1 : 157 .(53) يعني"الذي" و"به" .(54) انظر معاني القرآن للفراء 1 : 157- 162 ، فهو قد استوعب القول في هذه القراءة ، وفي هذا الباب من العربية . و"الصلة" : التابع ، كالنعت والحال ، ويعني به نعت النكرة ، هنا .(55) انظر هذا التفسير في مجاز القرآن لأبي عبيدة 1 : 77 .(56) انظر معنى" كتب" فيما سلف 3 : 357 ، 364- 365 ، 409/ 4 : 297 .(57) في المطبوعة والمخطوطة : "مع قولنا" ، والسياق الآتي يقتضي ما أثبت .(58) لم أعرف قائله ، وإن كنت أذكر أنى قرأته مع أبيات أخر من الرجز . وهو في معاني القرآن للفراء 1 : 163 ، واللسان (خلف) . والخلفة (بفتح الخاء وكسر اللام) الناقة الحامل ، وجمعها خلف ، وهو نادر ، وهذا البيت شاهده ، وإنما الجمع السائر أن يقال للنوق الحوامل"مخاض" ، كقولهم : "امرأة ، ونسوه" ، وهذا الراجز يقول لناقته : ما زغاؤك ، والحوامل لا ترغو؟ يعني أنها إنما ترغو حنينا إلى بلاده وبلادها . حيث فارق من كان يحب ، كما قال الشماطيط الغطفاني لناقته :أرار الله مخك في السلامىإلى من بالحنين تشوقينا!!فإني مثل ما تجدين وجدي,ولكني أسر وتعلنينا!وبي مثل الذي بك, غير أنيأجل عن العقال, وتعقلينا!هذا ، وقد كان في المطبوعة"ملك ترعين ولا ترعوا الخلف" ، وهو في المخطوطة على الصواب ، ولكنه غير منقوط كعادة ناسخها في كثير من المواضع .(59) هو الفرزدق .(60) ديوانه : 863 ، والنقائض : 753 ، ومعاني القرآن للفراء 1 : 164 ، واللسان (قرد) (قلا) (هلل) يهجمو جريرا ، ويعرض بالبعث ، وقبله ، يعرض بأن قوم جرير ، وهم كليب بن يربوع ، كان يغشون الأتن :وليس كليبي, إذا جن ليلهإذا لم يجد ريح الأتان, بنائميقول- إذا اقلولي. . . . . . . . . . . . . . . . . . . .وفي المطبوعة : "تقول" . وقد شرحه ابن بري على هذه الرواية شرحا فاسدا جدا في"قرد" ، وشرحه ابن الأعرابي أيضًا في (قلا) على هذه الرواية ، فكان أيضًا شرحا شديد الفساد . ورغم أنه أراد امرأة يزنى بها . والصواب أنه أراد ما ذكرت من غشيان إناث الحمير ، لا إناث البشر!! وقوله : "اقلولي" أي علا على ظهرها مستوفزا قلقا لا يستقر ، واختيار الفرزدق لهذا الحرف عجب من العجب في تصوير ما أراد . وأقرد الرجل وغيره : سكن وتماوت . يريد أن الأتان قد رضيت فأسمحت فسكت له . فلما بلغ ذلك منه ومنها قال : "ألا هل أخو عيش لذيذ بدائم" ، يكشف عن شدة حبه وشغفه بذلك ، وأنه يأسف ويتحسر علي أنه أمر ينقضي ولا يدوم . وقد زعموا أن"هل" هنا بمعنى الجحد أي ليس أخو عيش لذيذ بدائم . (اللسان : هلل) .(61) انظر معاني القرآن للفراء 1 : 163- 164 ، وقد استوفى الكلام فيما فتحه الطبري .(62) هو الكسائي ، كما صرح به الفراء في معاني القرآن 1 : 165 .(63) هو أبو الحسن الأخفش ، كما يتبين من تفسير أبي حيان والقرطبي والمغني .(64) في المطبوعة : " زائدة بعد فلما ولما ولو" ، وهو تخليط . وفي المخطوطة "بعد مليما . . . " مضطربة الكتبة ، فالصواب عندي أن تكون : "مالنا" ، ولما أخطأ الناسخ الكتابة والقراءة ، حذف "كما تزاد" ، وهذا هو صواب المعنى والحمد لله(65) ديوانه : 283 ، وسيأتي في التفسير 9 : 165 ، والخزانة 2 : 87 ، والعيى (الخزانة) 2 : 322 يهجو عمر بن هبيرة الفزاري وهو أحد الأمراء وعمال سليمان بن عبد الملك . وقومه . فزارة ابن ذبيان ، من ولد غطفان بن سعد بن قيس عيلان بن مضر . وهو شعر جيد في بابه ، وقبل البيت أبيات منها :يا قيس عيلان, إني كنت قلت لكميا قيس عيلان : أن لا تسرعوا الضجراإني متى أهج قوما لا أدع لهمسمعا, إذ استمعوا صوتي, ولا بصراثم قال بعد ذلك أبيات :لو لم تكن غطفان . . . . . . .هذا مجمع من رأيت يذهب إلى إن"الذنوب"جمع"ذنب" ، وهو عندي ليس بشيء ، وإنما انحطوا في آثار الأخفش ، حين استشهد بالبيت على إعمال"لا" الزائدة . وصواب البيت عندي (لا ذنوب لها) وليس في البيت شاهد عندئذ . والظاهر أن الأخفش أخطأ في الاستشهاد به . والذنوب( بفتح الذال) : الخط والنصب ، وأصله الدلو الملأى . وهو بهذا المعنى في قوله تعالى : فَإِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا ذَنُوبًا مِثْلَ ذَنُوبِ أَصْحَابِهِمْ ، أي حظا من العذاب . قال الفراء : " الذنوب الدلو العظيمة ، ولكن العرب تذهب به إلى الحظ والنصيب" . وقال الزمخشري : "ولهم ذنوب من كذا" أي نصيب ، قال عمرو ابن شأس :وفي كل حي قد خبطت بنعمةفحق لشأس من نداك ذنوبأقول : يقول الفرزدق : لو لم تكن غطفان خسيسة لاحظ لها من الشرف والحسب والمروءة -"إذن للام ذوو أحسابها عمرا" . وبذلك يبرأ البيت من السخف ومن تكلف النحاة . هذا وانظر هجاء الفرزدق لعمر بن هبيرة في طبقات فحول الشعراء : 287- 288وقوله :فسد الزمان وبدلت أعلامهحتى أمية عن فزارة تنزعيقول : تبدلت الدنيا ، حتى صارت أمية تحتمي بفزارة وتصدر عن رأيها . يتعجب من ذلك لخسة فزارة عنده .(66) استشهد بهذا على إعمال الزائدة وهو"لا" ، كما أعملت"أن" في الآية .(67) في المطبوعة : "رأيتك أبانا ويزيد ، بمعنى : رأيتك وأبانا يزيد" ، وهو كلام ساقط هالك . والصواب من المخطوطة ، وإن كان غير منقوط الحروف ، ومن معاني القرآن للفراء 1 : 165 .(68) "الأفاعيل" الأفعال . ووقوعها على ما قبلها ، إما بالعمل فيه أو بالتعليق به .(69) لم أعرف قائله ، وهو في معاني القرآن للفراء 1 : 165 ، والسرائر جمع سريرة ، والسريرة : السر هنا .(70) في المخطوطة والمطبوعة : " تقديم غيرهم" بإسقاط"في" ، والصواب من معاني القرآن للفراء 1 : 166 ، وقد استوفى الكلام في ذلك ، وكأن ما هنا منقول عنه بنصه .
2:247
وَ قَالَ لَهُمْ نَبِیُّهُمْ اِنَّ اللّٰهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طَالُوْتَ مَلِكًاؕ-قَالُوْۤا اَنّٰى یَكُوْنُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَیْنَا وَ نَحْنُ اَحَقُّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ وَ لَمْ یُؤْتَ سَعَةً مِّنَ الْمَالِؕ-قَالَ اِنَّ اللّٰهَ اصْطَفٰىهُ عَلَیْكُمْ وَ زَادَهٗ بَسْطَةً فِی الْعِلْمِ وَ الْجِسْمِؕ-وَ اللّٰهُ یُؤْتِیْ مُلْكَهٗ مَنْ یَّشَآءُؕ-وَ اللّٰهُ وَاسِعٌ عَلِیْمٌ(۲۴۷)
اور ان سے ان کے نبی نے فرمایا بیشک اللہ نے طالوت کو تمہارا بادشاہ بنا کر بھیجا ہے (ف۴۹۷) بولے اسے ہم پر بادشاہی کیونکر ہوگی (ف۴۹۸) اور ہم اس سے زیادہ سلطنت کے مستحق ہیں اور اسے مال میں بھی وسعت نہیں دی گئی (ف۴۹۹) فرمایا اسے اللہ نے تم پر چن لیا (ف۵۰۰) اور اسے علم اور جسم میں کشادگی زیادہ دی (ف۵۰۱) اور اللہ اپنا ملک جسے چاہ ے دے (ف۵۰۲) اور اللہ وسعت والا علم والا ہے (ف۵۰۳)

القول في تأويل قوله تعالى : وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ اللَّهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طَالُوتَ مَلِكًا قَالُوا أَنَّى يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنَا وَنَحْنُ أَحَقُّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ وَلَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِنَ الْمَالِقال أبو جعفر: يعني تعالى ذكره بذلك: وقال للملأ من بني إسرائيل نبيهم شمويل: إن الله قد أعطاكم ما سألتم, وبعث لكم طالوت ملكا. فلما قال لهم نبيهم شمويل ذلك، قالوا: أنى يكون لطالوت الملك علينا, وهو من سبط بنيامين بن يعقوب= وسبط بنيامين سبط لا ملك فيهم ولا نبوة= ونحن أحق بالملك منه, لأنا من سبط يهوذا بن يعقوب=" ولم يؤت سعة من المال "، يعني: ولم يؤت طالوت كثيرا من المال, لأنه سقاء= وقيل: كان دباغا.* * *وكان سبب تمليك الله طالوت على بني إسرائيل، وقولهم ما قالوا لنبيهم شمويل: " أنى يكون له الملك علينا ونحن أحق بالملك منه ولم يؤت سعة من المال "، ما: -5636- حدثنا به ابن حميد قال، حدثنا سلمة بن الفضل قال، حدثني محمد بن إسحاق قال، حدثني بعض أهل العلم, عن وهب بن منبه قال: لما قال الملأ من بني إسرائيل لشمويل بن بالي ما قالوا له, سأل الله نبيهم شمويل أن يبعث لهم ملكا, فقال الله له: انظر القرن الذي فيه الدهن في بيتك, (71) فإذا دخل عليك رجل فنش الدهن الذي في القرن, (72) فهو ملك بني إسرائيل, فادهن رأسه منه وملكه عليهم، وأخبره بالذي جاءه- (73) فأقام ينتظر متى ذلك الرجل داخلا عليه. (74) وكان طالوت رجلا دباغا يعمل الأدم, (75) وكان من سبط بنيامين بن يعقوب. وكان سبط بنيامين سبطا لم يكن فيه نبوة ولا ملك. فخرج طالوت في طلب دابة له أضلته، (76) ومعه غلام له. فمرا ببيت النبي عليه السلام, فقال غلام طالوت لطالوت: لو دخلت بنا على هذا النبي فسألناه عن أمر دابتنا، فيرشدنا ويدعو لنا فيها بخير! فقال طالوت. ما بما قلت من بأس! فدخلا عليه, فبينما هما عنده يذكران له شأن دابتهما ويسألانه أن يدعو لهما فيها, إذ نش الدهن الذي في القرن, فقام إليه النبي عليه السلام فأخذه, ثم قال لطالوت: قرب رأسك! فقربه, فدهنه منه، ثم قال: أنت ملك بني إسرائيل الذي أمرني الله أن أملكك عليهم!= وكان اسم " طالوت " بالسريانية: شاول (77) بن قيس بن أبيال (78) بن ضرار (79) بن يحرب (80) بن أفيح بن آيس (81) بن بنيامين بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم= فجلس عنده، وقال الناس: ملك طالوت!! فأتت عظماء بني إسرائيل نبيهم وقالوا له: ما شأن طالوت يملك علينا، وليس في بيت النبوة المملكة ؟ قد عرفت أن النبوة والملك في آل لاوي وآل يهوذا ! فقال لهم: إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ .5637- حدثنا المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا إسماعيل, عن عبد الكريم, عن عبد الصمد بن معقل, عن وهب بن منبه قال : قالت بنو إسرائيل لأشمويل: (82) ابعث لنا ملكا نقاتل في سبيل الله ! قال: قد كفاكم الله القتال ! قالوا: إنا نتخوف من حولنا، فيكون لنا ملك نفزع إليه ! فأوحى الله إلى أشمويل: أن ابعث لهم طالوت ملكا, وادهنه بدهن القدس. فضلت حمر لأبي طالوت, (83)فأرسله وغلاما له يطلبانها, فجاءا إلى أشمويل يسألانه عنها, (84) فقال: إن الله قد بعثك ملكا على بني إسرائيل. قال: أنا؟ قال: نعم! قال: أو ما علمت أن سبطي أدنى أسباط بني إسرائيل؟ (85) قال : بلى. قال: أفما علمت أن قبيلتي أدنى قبائل سبطي؟! قال: بلى! قال: أما علمت أن بيتي أدنى بيوت قبيلتي؟ قال: بلى! قال: فبأية آية؟ قال: بآية أنك ترجع وقد وجد أبوك حمره, وإذا كنت بمكان كذا وكذا نزل عليك الوحي! فدهنه بدهن القدس. فقال لبني إسرائيل: " إن الله قد بعث لكم طالوت ملكا قالوا أنى يكون له الملك علينا ونحن أحق بالملك منه ولم يؤت سعة من المال قال إن الله اصطفاه عليكم وزاده بسطة في العلم والجسم ".5638- حدثني موسى بن هارون قال، حدثنا عمرو بن حماد قال، حدثنا أسباط , عن السدي قال: لما كذبت بنو إسرائيل شمعون, (86) =وقالوا له: إن كنت صادقا، فابعث لنا ملكا نقاتل في سبيل الله آية من نبوتك. قال لهم شمعون: عسى إن كتب عليكم القتال ألا تقاتلوا؟ قَالُوا وَمَا لَنَا أَلا نُقَاتِلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ الآية= دعا الله، فأتي بعصا تكون مقدارا على طول الرجل الذي يبعث فيهم ملكا, فقال: إن صاحبكم يكون طوله طول هذه العصا، فقاسوا أنفسهم بها فلم يكونوا مثلها. وكان طالوت رجلا سقاء يسقي على حمار له, فضل حماره, فانطلق يطلبه في الطريق. فلما رأوه دعوه فقاسوه بها, فكان مثلها , فقال لهم نبيهم: " إن الله قد بعث لكم طالوت ملكا ". قال القوم: ما كنت قط أكذب منك الساعة! ونحن من سبط المملكة، وليس هو من سبط المملكة, ولم يؤت سعة من المال فنتبعه لذلك! فقال النبي: إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ . (87)5639- حدثنا أحمد بن إسحاق الأهوازي قال، حدثنا أبو أحمد الزبيري قال، حدثنا شريك , عن عمرو بن دينار, عن عكرمة قال: كان طالوت سقاء يبيع الماء.5640- حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة قال: بعث الله طالوت ملكا , وكان من سبط بنيامين، سبط لم يكن فيهم مملكة ولا نبوة. وكان في بني إسرائيل سبطان: سبط نبوة, وسبط مملكة. وكان سبط النبوة سبط لاوي، إليه موسى = وسبط المملكة يهوذا، إليه داود وسليمان. فلما بعث من غير سبط النبوة والمملكة، أنكروا ذلك وعجبوا منه وقالوا: " أنى يكون له الملك علينا ونحن أحق بالملك منه "؟ قالوا: وكيف يكون له الملك علينا وليس من سبط النبوة ولا من سبط المملكة ! فقال الله تعالى ذكره: إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ .5641- حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا معمر, عن قتادة في قوله: ابْعَثْ لَنَا مَلِكًا ، قال لهم نبيهم: " إن الله قد بعث لكم طالوت ملكا " . قالوا: " أنى يكون له الملك علينا "؟ قال: وكان من سبط لم يكن فيهم ملك ولا نبوة, فقال: إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ .5642- حدثني المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا أبو زهير, عن جويبر, عن الضحاك في قوله: " وقال لهم نبيهم إن الله قد بعث لكم طالوت ملكا "، وكان في بني إسرائيل سبطان : سبط نبوة, وسبط خلافة، فلذلك قالوا: " أنى يكون له الملك علينا " ؟ يقولون: " ومن أين يكون له الملك علينا, وليس من سبط النبوة ولا سبط الخلافة "؟ قال: إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ .5643- حدثت عن الحسين بن الفرج قال، سمعت أبا معاذ قال، حدثنا عبيد بن سليمان, قال، سمعت الضحاك بن مزاحم يقول في قوله: " أَنَّى يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنَا "، فذكر نحوه.5644- حدثت عن عمار بن الحسن قال، حدثنا ابن أبي جعفر, عن أبيه, عن الربيع قال: لما قالت بنو إسرائيل لنبيهم: سل ربك أن يكتب علينا القتال! فقال لهم ذلك النبي: هَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ ؟ الآية، قال: فبعث الله طالوت ملكا. قال: وكان في بني إسرائيل سبطان: سبط نبوة وسبط مملكة, ولم يكن طالوت من سبط النبوة ولا من سبط المملكة. فلما بعث لهم ملكا، أنكروا ذلك وعجبوا وقالوا: " أنى يكون له الملك علينا ونحن أحق بالملك منه ولم يؤت سعة من المال "؟ قالوا: وكيف يكون له الملك علينا وليس من سبط النبوة ولا من سبط المملكة؟ فقال: إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ الآية.5645- حدثني محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال، حدثني عمي قال، حدثني أبي, عن أبيه, عن ابن عباس قال: أما ذكر طالوت إذ قالوا: " أنى يكون له الملك علينا ونحن أحق بالملك منه ولم يؤت سعة من المال " ؟ فإنهم لم يقولوا ذلك إلا أنه كان في بني إسرائيل سبطان: كان في أحدهما النبوة, وكان في الآخر الملك، فلا يبعث إلا من كان من سبط النبوة, ولا يملك على الأرض أحد إلا من كان من سبط الملك. وأنه ابتعث طالوت حين ابتعثه وليس من أحد السبطين، واختاره عليهم، وزاده بسطة في العلم والجسم. ومن أجل ذلك قالوا: " أنى يكون له الملك علينا ونحن أحق بالملك منه "، وليس من واحد من السبطين؟ قال: ف إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ إلى: وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ .5646- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج, عن ابن جريج قال، قال ابن عباس قوله: أَلَمْ تَرَ إِلَى الْمَلإِ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى الآية، هذا حين رفعت التوراة واستخرج أهل الإيمان, وكانت الجبابرة قد أخرجتهم من ديارهم وأبنائهم =" فلما كتب عليهم القتال "، وذلك حين أتاهم التابوت. قال: وكان من بني إسرائيل سبطان: سبط نبوة وسبط خلافة, فلا تكون الخلافة إلا في سبط الخلافة, ولا تكون النبوة إلا في سبط النبوة, = فقال لهم نبيهم: " إن الله قد بعث لكم طالوت ملكا قالوا أنى يكون له الملك علينا ونحن أحق بالملك منه "، وليس من أحد السبطين: لا من سبط النبوة، ولا سبط الخلافة؟ قَالَ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ ، الآية. (88)* * *وقد قيل: إن معنى " الْمُلْكُ" في هذا الموضع: الإمرة على الجيش.* ذكر من قال ذلك:5647- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج, عن ابن جريج قال، قال مجاهد قوله: " إن الله قد بعث لكم طالوت ملكا "، قال: كان أمير الجيش.5648- حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم, عن عيسى, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد بمثله= إلا أنه قال: كان أميرا على الجيش.* * *قال أبو جعفر: وقد بينا معنى " أنى ", ومعنى " الملك "، فيما مضى, فأغنى ذلك عن إعادته في هذا الموضع. (89)* * *القول في تأويل قوله : قَالَ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِقال أبو جعفر: يعني تعالى ذكره بقوله: " إن الله اصطفاه عليكم "، قال نبيهم شمويل لهم: " إن الله اصطفاه عليكم "، يعني: اختاره عليكم، كما: -5649- حدثني محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال، حدثني عمي قال، حدثني أبي, عن أبيه, عن ابن عباس: " اصطفاه عليكم "، اختاره. (90)5650- حدثني المثنى قال حدثنا إسحاق قال، حدثنا أبو زهير, عن جويبر, عن الضحاك : " إن الله اصطفاه عليكم "، قال: اختاره عليكم.5651- حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد: " إن الله اصطفاه عليكم "، اختاره.* * *وأما قوله: " وزاده بسطة في العلم والجسم "، فإنه يعني بذلك أن الله بسط له في العلم والجسم, وآتاه من العلم فضلا على ما أتى غيره من الذين خوطبوا بهذا الخطاب. وذلك أنه ذكر أنه أتاه وحي من الله، وأما " في الجسم ", فإنه أوتي من الزيادة في طوله عليهم ما لم يؤته غيره منهم. كما: -5652- حدثني المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا إسماعيل بن عبد الكريم قال، حدثني عبد الصمد بن معقل, عن وهب بن منبه قال: لما قالت بنو إسرائيل: " أنى يكون له الملك علينا ونحن أحق بالملك منه ولم يؤت سعة من المال قال إن الله اصطفاه عليكم وزاده بسطة في العلم والجسم " . قال: واجتمع بنو إسرائيل فكان طالوت فوقهم من منكبيه فصاعدا.* * *وقال السدي: أتى النبي صلى الله عليه وسلم بعصا تكون مقدارا على طول الرجل الذي يبعث فيهم ملكا، فقال: إن صاحبكم يكون طوله طول هذه العصا. فقاسوا أنفسهم بها، فلم يكونوا مثلها. فقاسوا طالوت بها فكان مثلها.5653- حدثني بذلك موسى قال، حدثنا عمرو قال، حدثنا أسباط, عن السدي. (91)* * *وقال آخرون: بل معنى ذلك: " إن الله اصطفاه عليكم وزاده " مع اصطفائه إياه " بسطة في العلم والجسم ". يعني بذلك: بسط له مع ذلك في العلم والجسم.* ذكر من قال ذلك:5654- حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد: " إن الله اصطفاه عليكم وزاده بسطة في العلم والجسم "، بعد هذا.* * *القول في تأويل قوله : وَاللَّهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ (247)قال أبو جعفر: يعني تعالى ذكره بذلك: أن الملك لله وبيده دون غيره يؤتيه=" يؤتيه "، يقول: يؤتي ذلك من يشاء، فيضعه عنده ويخصه به, ويمنعه من أحب من خلقه. (92) يقول: فلا تستنكروا، يا معشر الملإ من بني إسرائيل، أن يبعث الله طالوت ملكا عليكم، وإن لم يكن من أهل بيت المملكة, فإن الملك ليس بميراث عن الآباء والأسلاف, ولكنه بيد الله يعطيه من يشاء من خلقه, فلا تتخيروا على الله.وبنحو الذي قلنا في ذلك قال جماعة من أهل التأويل.* ذكر من قال ذلك:5655- حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة قال، حدثني ابن إسحاق قال، حدثني بعض أهل العلم, عن وهب بن منبه: " والله يؤتي ملكه من يشاء "، الملك بيد الله يضعه حيث شاء, ليس لكم أن تختاروا فيه.5656- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج قال، قال ابن جريج قال، مجاهد: ملكه سلطانه.5657- حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم, عن عيسى, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد: " والله يؤتي ملكه من يشاء "، سلطانه.* * *وأما قوله: " والله واسع عليم "، فإنه يعني بذلك " والله واسع " بفضله فينعم به على من أحب, ويريد به من يشاء= (93) " عليم " بمن هو أهل لملكه الذي يؤتيه, وفضله الذي يعطيه, فيعطيه ذلك لعلمه به, وبأنه لما أعطاه أهل: إما للإصلاح به، وإما لأن ينتفع هو به. (94)-----------الهوامش :(71) القرن : قرن الثور وغيره ، وكأنه أراد هنا : القنينة التي يكون فيها الدهن والطيب ، وكأنهم كانوا يتخذونها من قرون البقر وغيرها ، وقد سموا المحجمة التي يحتجم بها"قرنا" ولم أجد هذا الحرف بهذا المعنى في كتب اللغة ، ولكنه صحيح كما رأيت .(72) نش الماء ينش نشا : ونشيشا : صوت عند الغليان .(73) في المخطوطة"بالذي حاه" غير منقوطة ، ولولا أن في المطبوعة ، صواب أيضًا ، لقلت إنها : "بالذي حباه الله" ، يعني الملك .(74) هكذا جاءت هذه الجملة في المطبوعة والمخطوطة والدر المنثور 1 : 351 . وأخشى أن تكون"متى" زائدة ، أو تكون"مأتى ذلك الرجل 00" .(75) الأدم جمع أديم . وهو جمع عزيز ، وقال سيبوله : هو اسم للجمع . قال التوزي : "الجلد أول ما يدبغ فهو أديم ، فإذا رد في الدباغ مرة أخرى فهو اللديم" .(76) يقال : أضله الأمر : إذا ذهب عنه وفارقه فلم يقدر عليه . وهذا من عجيب العربية . وفي المخطوطة : "أطلته" ، وهو خطأ ، والصواب ما في المطبوعة والدر المنثور .(77) في المخطوطة والمطبوعة : "شادل" . والصواب من التاريخ 1 : 247 ، والدر المنثور 1 : 315 ، وهو كذلك في كتاب القوم .(78) (أبيئيل) في كتاب القوم .(79) (صرور) في كتاب القوم .(80) (بكورة) في كتاب القوم ، وفي التاريخ"بحرت" ، وكأنها الصواب .(81) لم أجد في كتاب القوم ، وفي التاريخ (أيش) .(82) في تاريخ الطبري 1 : 244"لأشمويل" ، وفيما سيأتي بعد"أشمويل" في سائر المواضع .وكذلك في المخطوطة ، أما المطبوعة ، فكان فيما"لشمويل" ، وفي سائر المواضع"شمويل" فأثبيت ما في المخطوطة والتاريخ .(83) في المطبوعة : " وضلت" ، وأثبت ما في المخطوطة والتاريخ .(84) في المخطوطة والمطبوعة : "فجاؤوا . . . يسألونه عنها" ، والصواب ما في التاريخ كما أثبته .(85) في المخطوطة والمطبوعة : " وما علمت" وأثبت ما في التاريخ ، وهو مقتضى السياق .(86) انظر الأثر السالف : 5635 ، وما قبله في الاختلاف في اسم هذا النبي عليه السلام .(87) الأثر : 5638- هو تتمة الأثر السالف : 5635 ، وهو في تاريخ الطبري بعلوله 1 : 242- 243 .(88) الأثر : 5646- هو تتمة الأثر السالف : 5633 .(89) انظر تفسير"أنى" فيما سلف 4 : 398- 416 ، وتفسير معنى"الملك" فيما سلف 1 : 148- 150 ، ثم 2 : 488 .(90) انظر تفسير"الاصطفاء" فيما سلف 3 : 91 .(91) الأثر : 5653- هو بعض الأثر السالف : 5638 .(92) في المطبوعة : "ويمنحه من أحب..." ، وأثبت ما في المخطوطة .(93) في المخطوطة : "فينعم له ، والصواب ما في المطبوعة : وفي المطبوعة : "ويريد به من يشاء" ، وفي المخطوطة : " ويريد فيه..." غير منقوطة وصواب قراءتها ما أثبت .(94) في المخطوطة : "وإما لا نه" وبينهما بياض على قدر كلمة ، ولم أستطع أن أجد كلمة في البياض ، وتركت ما في المطبوعة على حاله ، وإن كنت لا أرضاه كل الرضى .
2:248
وَ قَالَ لَهُمْ نَبِیُّهُمْ اِنَّ اٰیَةَ مُلْكِهٖۤ اَنْ یَّاْتِیَكُمُ التَّابُوْتُ فِیْهِ سَكِیْنَةٌ مِّنْ رَّبِّكُمْ وَ بَقِیَّةٌ مِّمَّا تَرَكَ اٰلُ مُوْسٰى وَ اٰلُ هٰرُوْنَ تَحْمِلُهُ الْمَلٰٓىٕكَةُؕ-اِنَّ فِیْ ذٰلِكَ لَاٰیَةً لَّكُمْ اِنْ كُنْتُمْ مُّؤْمِنِیْنَ۠(۲۴۸)
اور ان سے ان کے نبی نے فرمایا اس کی بادشاہی کی نشانی یہ ہے کہ آئے تمہارے پاس تابوت (ف۵۰۴) جس میں تمہارے رب کی طرف سے دلوں کا چین ہے اور کچھ بچی ہوئی چیزیں معزز موسی ٰ او ر معزز ہارون کے ترکہ کی اٹھاتے لائیں گے اسے فرشتے، بیشک اس میں بڑی نشانی ہے تمہارے لئے اگر ایمان رکھتے ہو،

القول في تأويل قوله : وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ آيَةَ مُلْكِهِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ التَّابُوتُقال أبو جعفر: وهذا الخبر من الله تعالى ذكره عن نبيه الذي أخبر عنه به، دليل على أن الملأ من بني إسرائيل الذين قيل لهم هذا القول، لم يقروا ببعثة الله طالوت عليهم ملكا إذ أخبرهم نبيهم بذلك، وعرفهم فضيلته التي فضله الله بها، ولكنهم سألوه الدلالة على صدق ما قال لهم من ذلك وأخبرهم به. فتأويل الكلام، إذ كان الأمر على ما وصفنا : " والله يؤتي ملكه من يشاء والله واسع عليم "، فقالوا له: ما آية ذلك إن كنت من الصادقين؟ (95) =" قال لهم نبيهم إن آية ملكه أن يأتيكم التابوت " . وهذه القصة = (96) وإن كانت خبرا من الله تعالى ذكره عن الملإ من بني إسرائيل ونبيهم، وما كان من ابتدائهم نبيهم بما ابتدءوا به من مسألته أن يسأل الله لهم أن يبعث لهم ملكا يقاتلون معه في سبيله, ونبأً عما كان منهم من تكذيبهم نبيهم بعد علمهم بنبوته، (97) ثم إخلافهم الموعد الذي وعدوا الله ووعدوا رسوله، من الجهاد في سبيل الله، بالتخلف عنه حين استنهضوا لحرب من استنهضوا لحربه, وفتح الله على القليل من الفئة، مع تخذيل الكثير منهم عن ملكهم وقعودهم عن الجهاد معه= (98) فإنه تأديب لمن كان بين ظهراني مهاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم من ذراريهم وأبنائهم يهود قريظة والنضير, وأنهم لن يعدوا في تكذيبهم محمدا صلى الله عليه وسلم فيما أمرهم به ونهاهم عنه= مع علمهم بصدقه، ومعرفتهم بحقيقة نبوته, بعد ما كانوا يستنصرون الله به على أعدائهم قبل رسالته, وقبل بعثة الله إياه إليهم وإلى غيرهم = (99) أن يكونوا كأسلافهم وأوائلهم الذين كذبوا نبيهم شمويل بن بالي, مع علمهم بصدقه، ومعرفتهم بحقية نبوته, وامتناعهم من الجهاد مع طالوت لما ابتعثه الله ملكا عليهم، بعد مسألتهم نبيهم ابتعاث ملك يقاتلون معه عدوهم ويجاهدون معه في سبيل ربهم، ابتداء منهم بذلك نبيهم, وبعد مراجعة نبيهم شمويل إياهم في ذلك= (100) وحض لأهل الإيمان بالله وبرسوله من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم على الجهاد في سبيله, وتحذير منه لهم أن يكونوا في التخلف عن نبيهم محمد صلى الله عليه وسلم عند لقائه العدو، ومناهضته أهل الكفر بالله وبه، على مثل الذي كان عليه الملأ من بني إسرائيل في تخلفهم عن ملكهم طالوت إذ زحف لحرب عدو الله جالوت, وإيثارهم الدعة والخفض على مباشرة حر الجهاد والقتال في سبيل الله= (101) وشحذ منه لهم على الإقدام على مناجزة أهل الكفر به الحرب, وترك تهيب قتالهم أن قل عددهم وكثر عدد أعدائهم واشتدت شوكتهم بقوله: قَالَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلاقُو اللَّهِ كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ [سورة البقرة: 249] ,= (102) وإعلام منه تعالى ذكره عباده المؤمنين به أن بيده النصر والظفر والخير والشر.* * *وأما تأويل قوله: " قال لهم نبيهم "، فإنه يعني: للملأ من بني إسرائيل الذين قالوا لنبيهم: " ابعث لنا ملكا نقاتل في سبيل الله " .* * *وقوله: " إن آية ملكه "، : إن علامة ملك طالوت= (103) التي سألتمونيها دلالة على صدقي في قولي: إن الله بعثه عليكم ملكا, وإن كان من غير سبط المملكة=" أن يأتيكم التابوت فيه سكينة من ربكم "، وهو التابوت الذي كانت بنو إسرائيل إذا لقوا عدوا لهم قدموه أمامهم، وزحفوا معه, فلا يقوم لهم معه عدو، ولا يظهر عليهم أحد ناوأهم, حتى ضيعوا أمر الله، (104) وكثر اختلافهم على أنبيائهم, فسلبهم الله إياه مرة بعد مرة، يرده إليهم في كل ذلك, حتى سلبهم آخرها مرة فلم يرده عليهم، (105) ولن يرد إليهم آخر الأبد. (106)* * *ثم اختلف أهل التأويل في سبب مجيء التابوت الذي جعل الله مجيئه إلى بني إسرائيل آية لصدق نبيهم شمويل على قوله: إِنَّ اللَّهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طَالُوتَ مَلِكًا ، وهل كانت بنو إسرائيل سلبوه قبل ذلك فرده الله عليهم حين جعل مجيئه آية لملك طالوت, أو لم يكونوا سلبوه قبل ذلك، ولكن الله ابتدأهم به ابتداء؟فقال بعضهم: بل كان ذلك عندهم من عهد موسى وهارون يتوارثونه، (107) حتى سلبهم إياه ملوك من أهل الكفر به, ثم رده الله عليهم آية لملك طالوت. وقال في سبب رده عليهم ما أنا ذاكره وهو ما: -5658- حدثني به المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا إسماعيل بن عبد الكريم قال، حدثني عبد الصمد بن معقل: أنه سمع وهب بن منبه قال: كان لعيلي الذي ربى شمويل، ابنان شابان أحدثا في القربان شيئا لم يكن فيه. كان مسوط القربان الذي كانوا يسوطونه به كلابين (108) فما أخرجا كان للكاهن الذي يسوطه، (109) فجعله ابناه كلاليب. (110) وكانا إذا جاء النساء يصلين في القدس يتشبثان بهن. فبينا شمويل نائم قبل البيت الذي كان ينام فيه عيلي, إذ سمع صوتا يقول: أشمويل!! (111) فوثب إلى عيلي فقال: لبيك! ما لك! دعوتني؟ فقال: لا! ارجع فنم! فرجع فنام، ثم سمع صوتا آخر يقول: أشمويل !! فوثب إلى عيلي أيضا, فقال: لبيك ! ما لك ! دعوتني؟ فقال: لم أفعل، ارجع فنم, فإن سمعت شيئا فقل: " لبيك " مكانك،" مرني فأفعل "! فرجع فنام, فسمع صوتا أيضا يقول: أشمويل !! فقال: لبيك أنا هذا! مرني أفعل! قال: انطلق إلى عيلي فقل له: " منعه حب الولد أن يزجر ابنيه أن يحدثا في قدسي وقرباني، وأن يعصياني, فلأنزعن منه الكهانة ومن ولده, ولأهلكنه وإياهما "! فلما أصبح سأله عيلي فأخبره, ففزع لذلك فزعا شديدا. فسار إليهم عدو ممن حولهم, فأمر ابنيه أن يخرجا بالناس فيقاتلا ذلك العدو. فخرجا وأخرجا معهما التابوت الذي كان فيه اللوحان وعصا موسى لينصروا به. (112) فلما تهيئوا للقتال هم وعدوهم, جعل عيلي يتوقع الخبر: ماذا صنعوا؟ فجاءه رجل يخبره وهو قاعد على كرسيه: إن ابنيك قد قتلا وإن الناس قد انهزموا! قال : فما فعل التابوت؟ قال: ذهب به العدو! قال: فشهق ووقع على قفاه من كرسيه فمات. وذهب الذين سبوا التابوت حتى وضعوه في بيت آلهتهم، ولهم صنم يعبدونه, فوضعوه تحت الصنم، والصنم من فوقه, فأصبح من الغد والصنم تحته وهو فوق الصنم. ثم أخذوه فوضعوه فوقه وسمروا قدميه في التابوت, فأصبح من الغد قد تقطعت يدا الصنم ورجلاه, وأصبح ملقى تحت التابوت. فقال بعضهم لبعض: قد علمتم أن إله بني إسرائيل لا يقوم له شيء, فأخرجوه من بيت آلهتكم! فأخرجوا التابوت فوضعوه في ناحية من قريتهم, فأخذ أهل تلك الناحية التي وضعوا فيها التابوت وجع في أعناقهم, فقالوا: ما هذا؟! فقالت لهم جارية كانت عندهم من سبي بني إسرائيل: لا تزالون ترون ما تكرهون ما كان هذا التابوت فيكم! فأخرجوه من قريتكم! قالوا: كذبت! قالت: إن آية ذلك أن تأتوا ببقرتين لهما أولاد لم يوضع عليهما نير قط , ثم تضعوا وراءهم العجل, (113) ثم تضعوا التابوت على العجل وتسيروهما وتحبسوا أولادهما، فإنهما تنطلقان به مذعنتين, (114) حتى إذا خرجتا من أرضكم ووقعتا في أرض بني إسرائيل كسرتا نيرهما, وأقبلتا إلى أولادهما. ففعلوا ذلك، فلما خرجتا من أرضهم ووقعتا في أدنى أرض بني إسرائيل كسرتا نيرهما, وأقبلتا إلى أولادهما. ووضعتاه في خربة فيها حصاد من بني إسرائيل، (115) ففزع إليه بنو إسرائيل وأقبلوا إليه, فجعل لا يدنو منه أحد إلا مات. فقال لهم نبيهم شمويل: اعترضوا, (116) فمن آنس من نفسه قوة فليدن منه. فعرضوا عليه الناس , فلم يقدر أحد يدنو منه إلا رجلان من بني إسرائيل، (117) أذن لهما بأن يحملاه إلى بيت أمهما, وهي أرملة. فكان في بيت أمهما حتى ملك طالوت, فصلح أمر بني إسرائيل مع أشمويل. (118)5659- حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة, عن ابن إسحاق قال، حدثني بعض أهل العلم , عن وهب بن منبه قال: قال شمويل لبني إسرائيل لما قالوا له: أنى يكون له الملك علينا ونحن أحق بالملك منه ولم يؤت سعة من المال؟ قال إن الله اصطفاه عليكم وزاده بسطة في العلم والجسم، وإن آية ملكه= وإن تمليكه من قبل الله= أن يأتيكم التابوت, فيرد عليكم الذي فيه من السكينة وبقية مما ترك آل موسى وآل هارون, وهو الذي كنتم تهزمون به من لقيكم من العدو, وتظهرون به عليه. قالوا: فإن جاءنا التابوت فقد رضينا وسلمنا! وكان العدو الذين أصابوا التابوت أسفل من الجبل جبل إيليا فيما بينهم وبين مصر, وكانوا أصحاب أوثان, وكان فيهم جالوت. وكان جالوت رجلا قد أعطي بسطة في الجسم، وقوة في البطش، وشدة في الحرب, مذكورا بذلك في الناس. وكان التابوت حين استبي قد جعل في قرية من قرى فلسطين يقال لها: " أزدود ", (119) فكانوا قد جعلوا التابوت في كنيسة فيها أصنامهم. فلما كان من أمر النبي صلى الله عليه وسلم ما كان: من وعد بني إسرائيل أن التابوت سيأتيهم- جعلت أصنامهم تصبح في الكنيسة منكسة على رؤوسها, وبعث الله على أهل تلك القرية فأرا, تبيت الفأرة الرجل فيصبح ميتا، (120) قد أكلت ما في جوفه من دبره. قالوا: تعلمون والله، لقد أصابكم بلاء ما أصاب أمة من الأمم مثله, (121) وما نعلمه أصابنا إلا مذ كان هذا التابوت بين أظهرنا!! مع أنكم قد رأيتم أصنامكم تصبح كل غداة منكسة، شيء لم يكن يصنع بها حتى كان هذا التابوت معها! فأخرجوه من بين أظهركم. فدعوا بعجلة فحملوا عليها التابوت, ثم علقوها بثورين, ثم ضربوا على جنوبهما, وخرجت الملائكة بالثورين تسوقهما, فلم يمر التابوت بشيء من الأرض إلا كان قدسا. فلم يرعهم إلا التابوت على عجلة يجرها الثوران, حتى وقف على بني إسرائيل, فكبروا وحمدوا الله, وجدوا في حربهم، واستوسقوا على طالوت. (122)5660- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج, عن ابن جريج قال: قال ابن عباس: لما قال لهم نبيهم: إن الله اصطفى طالوت عليكم وزاده بسطة في العلم والجسم- أبوا أن يسلموا له الرياسة، حتى قال لهم: " إن آية ملكه أن يأتيكم التابوت فيه سكينة من ربكم " . فقال لهم: أرأيتم إن جاءكم التابوت فيه سكينة من ربكم وبقية مما ترك آل موسى وآل هارون تحمله للملائكة!! = وكان موسى حين ألقى الألواح تكسرت ورفع منها. فنزل فجمع ما بقي فجعله في ذلك التابوت= قال ابن جريج، أخبرني يعلى بن مسلم , عن سعيد بن جبير, عن ابن عباس: أنه لم يبق من الألواح إلا سدسها. قال: وكانت العمالقة قد سبت ذلك التابوت- والعمالقة فرقة من عاد كانوا بأريحا- فجاءت الملائكة بالتابوت تحمله بين السماء والأرض وهم ينظرون إلى التابوت، حتى وضعته عند طالوت. فلما رأوا ذلك قالوا: نعم ! فسلموا له وملكوه. قال: وكان الأنبياء إذا حضروا قتالا قدموا التابوت بين يديهم. ويقولون: إن آدم نزل بذلك التابوت وبالركن. وبلغني أن التابوت وعصا موسى في بحيرة طبرية, وأنهما يخرجان قبل يوم القيامة.5661- حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا عبد الصمد بن معقل: أنه سمع وهب بن منبه يقول: إن أرميا لما خرب بيت المقدس وحرقت الكتب, وقف في ناحية الجبل فقال: " أنى يحيى هذه الله بعد موتها، فأماته الله مئة عام " . ثم رد الله من رد من بني إسرائيل على رأس سبعين سنة من حين أماته, يعمرونها ثلاثين سنة تمام المئة. فلما ذهبت المئة، رد الله إليه روحه، وقد عمرت, فهي على حالتها الأولى. (123)(124) .........................................................................................................................................................................................................................................................فلما أراد أن يرد عليهم التابوت , أوحى الله إلى نبي من أنبيائهم: إما دانيال وإما غيره: إن كنتم تريدون أن يرفع عنكم المرض, فأخرجوا عنكم هذا التابوت ! قالوا: بآية ماذا؟ قال: بآية أنكم تأتون ببقرتين صعبتين لم تعملا عملا قط, فإذا نطرتا إليه وضعتا أعناقهم للنير حتى يشد عليهما, (125) ثم يشد التابوت على عجل, ثم يعلق على البقرتين, ثم يخليان فيسيران حيث يريد الله أن يبلغهما. ففعلوا ذلك، ووكل الله بهما أربعة من الملائكة يسوقونهما، فسارت البقرتان سيرا سريعا , حتى إذا بلغتا طرف القدس كسرتا نيرهما, وقطعتا حبالهما, وذهبتا. فنزل إليهما داود ومن معه، فلما رأى داود التابوت حجل إليه فرحا به = فقلنا لوهب: ما حجل إليه، قال : شبيه بالرقص= فقالت له امرأته: لقد خففت حتى كاد الناس يمقتونك لما صنعت! قال: أتبطئيني عن طاعة ربي!! لا تكونين لي زوجة بعد هذا. ففارقها.* * *وقال آخرون: بل التابوت= الذي جعله الله آية لملك طالوت= كان في البرية, وكان موسى صلى الله عليه وسلم خلفه عند فتاه يوشع, فحملته الملائكة حتى وضعته في دار طالوت. (126)* ذكر من قال ذلك:5662- حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد, قال، حدثنا سعيد, عن قتادة في قوله: " إن آية ملكه أن يأتيكم التابوت فيه سكينة من ربكم "، الآية: كان موسى تركه عند فتاه يوشع بن نون وهو بالبرية, وأقبلت به الملائكة تحمله حتى وضعته في دار طالوت فأصبح في داره.5663- حدثني المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا ابن أبي جعفر, عن أبيه, عن الربيع في قوله: " إن آية ملكه أن يأتيكم التابوت " الآية, قال: كان موسى - فيما ذكر لنا - ترك التابوت عند فتاه يوشع بن نون وهو في البرية. فذكر لنا أن الملائكة حملته من البرية حتى وضعته في دار طالوت, فأصبح التابوت في داره.* * *قال أبو جعفر: وأولى القولين في ذلك بالصواب ما قاله ابن عباس ووهب بن منبه: من أن التابوت كان عند عدو لبني إسرائيل كان سلبهموه. وذلك أن الله تعالى ذكره قال مخبرا عن نبيه في ذلك الزمان قوله لقومه من بني إسرائيل : " إن آية ملكه أن يأتيكم التابوت "، و " الألف واللام " لا تدخلان في مثل هذا من الأسماء إلا في معروف عند المتخاطبين به. وقد عرفه المخبر والمخبر. فقد علم بذلك أن معنى الكلام : إن آية ملكه أن يأتيكم التابوت الذي قد عرفتموه، الذي كنتم تستنصرون به, فيه سكينة من ربكم. ولو كان ذلك تابوتا من التوابيت غير معلوم عندهم قدره ومبلغ نفعه قبل ذلك، لقيل: إن آية ملكه أن يأتيكم تابوت فيه سكينة من ربكم.* * *فإن ظن ذو غفلة أنهم كانوا قد عرفوا ذلك التابوت وقدر نفعه وما فيه وهو عند موسى ويوشع, فإن ذلك ما لا يخفى خطؤه. وذلك أنه لم يبلغنا أن موسى لاقى عدوا قط بالتابوت ولا فتاه يوشع, بل الذي يعرف من أمر موسى وأمر فرعون ما قص الله من شأنهما, وكذلك أمره وأمر الجبارين. وأما فتاه يوشع, فإن الذين قالوا هذه المقالة، زعموا أن يوشع خلفه في التيه حتى رد عليهم حين ملك طالوت. فإن كان الأمر على ما وصفوه, فأي الأحوال للتابوت الحال التي عرفوه فيها, فجاز أن يقال: إن آية ملكه أن يأتيكم التابوت الذي قد عرفتموه وعرفتم أمره؟ وفي فساد هذا القول بالذي ذكرنا، (127) أبين الدلالة على صحة القول الآخر, إذ لا قول في ذلك لأهل التأويل غيرهما.* * *وكانت صفة التابوت فيما بلغنا، كما: -5664- حدثنا محمد بن عسكر والحسن بن يحيى قالا أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا بكار بن عبد الله قال: سألنا وهب بن منبه عن تابوت موسى: ما كان؟ قال: كان نحوا من ثلاثة أذرع في ذراعين. (128)* * *القول في تأويل قوله : فِيهِ سَكِينَةٌ مِنْ رَبِّكُمْقال أبو جعفر: يعني تعالى ذكره بقوله: " فيه "، في التابوت=" سكينة من ربكم ".* * *واختلف أهل التأويل في معنى " السكينة ".فقال بعضهم: هي ريح هفافة لها وجه كوجه الإنسان.* ذكر من قال ذلك:5665- حدثنا عمران بن موسى قال، حدثنا عبد الوارث بن سعيد قال، حدثنا محمد بن جحادة, عن سلمة بن كهيل, عن أبي وائل, عن علي بن أبي طالب قال: السكينة، ريح هفافة لها وجه كوجه الإنسان.5666- حدثنا محمد بن بشار قال، حدثنا عبد الرحمن بن مهدي قال، حدثنا سفيان= وحدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا سفيان= عن سلمة بن كهيل, عن أبي الأحوص, عن علي قال: السكينة لها وجه كوجه الإنسان, ثم هي ريح هفافة.5667- حدثني يعقوب بن إبراهيم قال، حدثنا هشيم, عن العوام بن حوشب, عن سلمة بن كهيل, عن علي بن أبي طالب في قوله: " فيه سكينة من ربكم "، قال: ريح هفافة لها صورة= وقال يعقوب في حديثه: لها وجه= (129) وقال ابن المثنى: كوجه الإنسان.5668- حدثنا ابن حميد قال، حدثنا جرير, عن منصور, عن سلمة بن كهيل قال، قال علي: السكينة لها وجه كوجه الإنسان, وهي ريح هفافة. (130)5669- حدثنا هناد بن السري قال، حدثنا أبو الأحوص, عن سماك بن حرب, عن خالد بن عرعرة قال، قال علي: السكينة ريح خجوج, ولها رأسان. (131)5670- حدثنا محمد بن المثنى قال، حدثنا محمد بن جعفر قال، حدثنا شعبة, عن سماك قال: سمعت خالد بن عرعرة، يحدث عن علي, نحوه.5671- حدثنا ابن المثنى قال، حدثنا أبو داود قال، حدثنا شعبة, وحماد بن سلمة, وأبو الأحوص, كلهم عن سماك, عن خالد بن عرعرة, عن علي, نحوه. (132)* * *وقال آخرون: لها رأس كرأس الهرة وجناحان.* ذكر من قال ذلك:5672- حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد في قول الله تعالى: " فيه سكينة من ربكم "، قال: أقبلت السكينة [ والصرد] وجبريل مع إبراهيم من الشأم= (133) قال ابن أبي نجيح، سمعت مجاهدا يقول: السكينة لها رأس كرأس الهرة وجناحان.5673- حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد نحوه.5674- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبي قال، حدثنا سفيان, عن ليث, عن مجاهد قال: السكينة لها جناحان وذنب.5675-حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا الثوري, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد قال: لها جناحان وَذَنَب مثل ذنب الهرة.* * *وقال آخرون: بل هي رأس هرة ميتة.* * ** ذكر من قال ذلك:5677- حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة, عن ابن إسحاق, عن وهب بن منبه, عن بعض أهل العلم من بني إسرائيل قال: السكينة رأس هرة ميتة، كانت إذا صرخت في التابوت بصراخ هر، أيقنوا بالنصر وجاءهم الفتح.* * *وقال آخرون: إنما هي طست من ذهب من الجنة، كان يغسل فيه قلوب الأنبياء.* ذكر من قال ذلك:5678- حدثنا أبو كريب قال، حدثنا عثمان بن سعيد قال، حدثنا الحكم بن ظهير, عن السدي, عن أبي مالك, عن ابن عباس : " فيه سكينة من ربكم "، قال: طست من ذهب من الجنة, كان يغسل فيه قلوب الأنبياء.5679- حدثني موسى بن هارون قال، حدثنا عمرو قال، حدثنا أسباط, عن السدي: " فيه سكينة من ربكم "، السكينة: طست من ذهب يغسل فيها قلوب الأنبياء, أعطاها الله موسى, وفيها وضع الألواح. وكانت الألواح، فيما بلغنا، من در وياقوت وزبرجد.* * *وقال آخرون: " السكينة "، روح من الله تتكلم.* ذكر من قال ذلك:5680- حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا بكار بن عبد الله، قال، سألنا وهب بن منبه فقلنا له: السكينة؟ قال: روح من الله يتكلم، إذا اختلفوا في شيء تكلم فأخبرهم ببيان ما يريدون.5681- حدثنا محمد بن عسكر قال، حدثنا عبد الرزاق قال، حدثنا بكار بن عبد الله: أنه سمع وهب بن منبه، فذكر نحوه. (134)وقال آخرون: " السكينة "، ما يعرفون من الآيات فيسكنون إليه.* ذكر من قال ذلك:5682- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج, عن ابن جريج قال: سألت عطاء بن أبي رباح عن قوله: " فيه سكينة من ربكم "، الآية، قال: أما السكينة فما يعرفون من الآيات، يسكنون إليها.* * *وقال آخرون: " السكينة "، الرحمة.* ذكر من قال ذلك:5683- حدثت عن عمار بن الحسن قال، حدثنا ابن أبي جعفر, عن أبيه, عن الربيع: " فيه سكينة من ربكم "، أي رحمة من ربكم.* * *وقال آخرون: " السكينة "، هي الوقار.* ذكر من قال ذلك:5684- حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا معمر, عن قتادة في قوله: " فيه سكينة من ربكم "، أي وقار.* * *قال أبو جعفر: وأولى هذه الأقوال بالحق في معنى " السكينة " , ما قاله عطاء بن أبي رباح: من الشيء تسكن إليه النفوس من الآيات التي تعرفونها. وذلك أن " السكينة " في كلام العرب " الفعيلة "، من قول القائل: " سكن فلان إلى كذا وكذا "= إذا اطمأن إليه وهدأت عنده نفسه=" فهو يسكن سكونا وسكينة ", مثل قولك: " عزم فلان هذا الأمر عزما وعزيمة ", و " قضى الحاكم بين القوم قضاء وقضية ", ومنه قول الشاعر: (135)لله قبر غالها! ماذا يجن?لقد أجن سكينة ووقارا* * *وإذا كان معنى " السكينة " ما وصفت, فجائز أن يكون ذلك على ما قاله علي بن أبي طالب على ما روينا عنه, وجائز أن يكون ذلك على ما قاله مجاهد على ما حكينا عنه, وجائز أن يكون ما قاله وهب بن منبه وما قاله السدي، لأن كل ذلك آيات كافيات تسكن إليهن النفوس، وتثلج بهن الصدور. وإذا كان معنى " السكينة " ما وصفنا, فقد اتضح أن الآية التي كانت في التابوت، التي كانت النفوس تسكن إليها لمعرفتها بصحة أمرها، إنما هي مسماة بالفعل وهي غيره، (136) لدلالة الكلام عليه.* * *القول في تأويل قوله : وَبَقِيَّةٌ مِمَّا تَرَكَ آلُ مُوسَى وَآلُ هَارُونَقال أبو جعفر: يعني تعالى ذكره بقوله: " وبقية "، الشيء الباقي، من قول القائل: " قد بقي من هذا الأمر بقية ", وهي" فعلية " منه, نظير " السكينة " من " سكن ".* * *وقوله: " مما ترك آل موسى وآل هارون "، يعني به: من تركة آل موسى , وآل هارون.* * *واختلف أهل التأويل في" البقية " التي كانت بقيت من تركتهم.فقال بعضهم : كانت تلك " البقية " عصا موسى ورضاض الألواح. (137)* ذكر من قال ذلك:5685- حدثنا حميد بن مسعدة قال، حدثنا بشر بن المفضل قال، حدثنا داود, عن عكرمة قال: أحسبه عن ابن عباس أنه قال في هذه الآية: " وبقية مما ترك آل موسى وآل هارون "، قال: رضاض الألواح.5686- حدثنا محمد بن عبد الله بن بزيع قال، حدثنا بشر قال، حدثنا داود، عن عكرمة= قال داود: وأحسبه عن ابن عباس= مثله.5687- حدثنا ابن المثنى قال، حدثنا أبو الوليد قال، حدثنا حماد, عن داود بن أبي هند, عن عكرمة, عن ابن عباس في هذه الآية: " وبقية مما ترك آل موسى وآل هارون "، قال: عصا موسى ورضاض الألواح .5688- حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد, عن قتادة: " وبقية مما ترك آل موسى وآل هارون "، قال: فكان في التابوت عصا موسى ورضاض الألواح, فيما ذكر لنا .5689- حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا معمر, عن قتادة في قوله: " وبقية مما ترك آل موسى وآل هارون "، قال: البقية عصا موسى ورضاض الألواح.5690- حدثني موسى قال، حدثنا عمرو قال، حدثنا أسباط, عن السدي: " وبقية مما ترك آل موسى وآل هارون "، أما البقية، فإنها عصا موسى ورضاضة الألواح. (138)5691- حدثني المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا ابن أبي جعفر, عن أبيه, عن الربيع : " وبقية مما ترك آل موسى وآل هارون "، عصا موسى وأثور من التوراة. (139)5692- حدثني المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا عبد الوهاب الثقفي, عن خالد الحذاء, عن عكرمة في هذه الآية: " وبقية مما ترك آل موسى وآل هارون "، قال: التوراة ورضاض الألواح والعصا= قال إسحاق، قال وكيع: ورضاضه كسره.5693- حدثني يعقوب قال، حدثنا ابن علية, عن خالد, عن عكرمة في قوله: " وبقية مما ترك آل موسى وآل هارون "، قال: رضاض الألواح.* * *وقال آخرون: بل تلك " البقية " عصا موسى وعصا هارون, وشيء من الألواح. (140)* ذكر من قال ذلك:5694- حدثنا أبو كريب قال، حدثنا جابر بن نوح, عن إسماعيل, عن ابن أبي خالد, عن أبي صالح: " أن يأتيكم التابوت فيه سكينة من ربكم وبقية مما ترك آل موسى وآل هارون "، قال: كان فيه عصا موسى وعصا هارون, ولوحان من التوراة, والمن. (141)5695- حدثنا أبو كريب قال، حدثنا ابن إدريس قال، سمعت أبي, عن عطية بن سعد في قوله: " وبقية مما ترك آل موسى وآل هارون "، قال: عصا موسى، وعصا هارون, وثياب موسى, وثياب هارون, ورضاض الألواح.* * *وقال آخرون: بل هي العصا والنعلان.* ذكر من قال ذلك:5696- حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، سألت الثوري عن قوله: " وبقية مما ترك آل موسى وآل هارون "، قال: منهم من يقول: البقية قفيز من من ورضاض الألواح- ومنهم من يقول: العصا والنعلان. (142)* * *وقال آخرون: بل كان ذلك العصا وحدها.* ذكر من قال ذلك:5697- حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا بكار بن عبد الله قال، قلنا لوهب بن منبه: ما كان فيه؟ = يعني في التابوت= قال: كان فيه عصا موسى والسكينة. (143)* * *وقال آخرون: بل كان ذلك، رضاض الألواح وما تكسر منها.* ذكر من قال ذلك:5698- حدثنا القاسم قال، حدثني حجاج قال، قال ابن جريج، قال ابن عباس في قوله: " وبقية مما ترك آل موسى وآل هارون "، قال: كان موسى حين ألقى الألواح تكسرت ورفع منها, فجعل الباقي في ذلك التابوت.5699- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج, عن ابن جريج قال، سألت عطاء بن أبي رباح عن قوله: " وبقية مما ترك آل موسى وآل هارون "، [قال] العلم والتوراة. (144)* * *وقال آخرون: بل ذلك الجهاد في سبيل الله.* ذكر من قال ذلك:5700- حدثت عن الحسين بن الفرج قال، سمعت أبا معاذ قال، أخبرنا عبيد الله بن سليمان قال، سمعت الضحاك يقول في قوله: " وبقية مما ترك آل موسى وآل هارون "، يعني ب " البقية "، القتال في سبيل الله, وبذلك قاتلوا مع طالوت, وبذلك أمروا.قال أبو جعفر: وأولى الأقوال في ذلك بالصواب أن يقال: إن الله تعالى ذكره أخبر عن التابوت الذي جعله آية لصدق قول نبيه صلى الله عليه = الذي قال لأمته: (145) " إن الله قد بعث لكم طالوت ملكا " = أن فيه سكينة منه, وبقية مما تركه آل موسى وآل هارون. (146) وجائز أن يكون تلك البقية: العصا, وكسر الألواح، والتوراة, أو بعضها، والنعلين, والثياب, والجهاد في سبيل الله = وجائز أن يكون بعض ذلك، وذلك أمر لا يدرك علمه من جهة الاستخراج ولا اللغة, ولا يدرك علم ذلك إلا بخبر يوجب عنه العلم. ولا خبر عند أهل الإسلام في ذلك للصفة التي وصفنا. وإذ كان كذلك, فغير جائز فيه تصويب قول وتضعيف آخر غيره, إذ كان جائزا فيه ما قلنا من القول.* * *القول في تأويل قوله : تَحْمِلُهُ الْمَلائِكَةُقال أبو جعفر: اختلف أهل التأويل في صفة حمل الملائكة ذلك التابوت.فقال بعضهم: معنى ذلك: تحمله بين السماء والأرض، حتى تضعه بين أظهرهم.* ذكر من قال ذلك:5701- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج, عن ابن جريج قال، قال ابن عباس: جاءت الملائكة بالتابوت تحمله بين السماء والأرض وهم ينظرون إليه, حتى وضعته عند طالوت.5702- حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد: لما قال لهم= يعني النبي، لبني إسرائيل: =" والله يؤتي ملكه من يشاء ". قالوا: فمن لنا بأن الله هو آتاه هذا! ما هو إلا لهواك فيه! قال: إن كنتم قد كذبتموني واتهمتمون، فإن آية ملكه: أَنْ يَأْتِيَكُمُ التَّابُوتُ فِيهِ سَكِينَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ ، الآية. قال: فنزلت الملائكة بالتابوت نهارا ينظرون إليه عيانا, حتى وضعوه بين أظهرهم, فأقروا غير راضين, وخرجوا ساخطين، وقرأ حتى بلغ: وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ .5703- حدثني موسى قال، حدثنا عمرو قال، حدثنا أسباط, عن السدي قال: لما قال لهم نبيهم: " إن الله اصطفاه عليكم وزاده بسطة في العلم والجسم "، قالوا: فإن كنت صادقا فأتنا بآية أن هذا ملك ! قال: " إن آية ملكه أن يأتيكم التابوت فيه سكينة من ربكم وبقية مما ترك آل موسى وآل هارون تحمله الملائكة " . وأصبح التابوت وما فيه في دار طالوت, فآمنوا بنبوة شمعون, وسلموا ملك طالوت.5704- حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا معمر, عن قتادة في قوله: " تحمله الملائكة "، قال : تحمله حتى تضعه في بيت طالوت.* * *وقال آخرون: معنى ذلك: تسوق الملائكة الدواب التي تحمله.* ذكر من قال ذلك:5705- حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا الثوري, عن بعض أشياخه قال: تحمله الملائكة على عجلة على بقرة.5706- حدثنا الحسن قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا عبد الصمد بن معقل: أنه سمع وهب بن منبه يقول: وكل بالبقرتين اللتين سارتا بالتابوت أربعة من الملائكة يسوقونهما, فسارت البقرتان بهما سيرا سريعا، حتى إذا بلغتا طرف القدس ذهبتا.* * *قال أبو جعفر: وأولى القولين في ذلك بالصواب قول من قال: " حملت التابوت الملائكة حتى وضعته لها في دار طالوت قائما بين أظهر بني إسرائيل ". (147) وذلك أن الله تعالى ذكره قال: " تحمله الملائكة "، ولم يقل: تأتي به الملائكة. وما جرته البقر على عجل. وإن كانت الملائكة هي سائقتها, فهي غير حاملته. لأن " الحمل " المعروف، هو مباشرة الحامل بنفسه حمل ما حمل, فأما ما حمله على غيره = وإن كان جائزا في اللغة أن يقال " حمله " بمعنى معونته الحامل, (148) وبأن حمله كان عن سببه= فليس سبيله سبيل ما باشر حمله بنفسه، في تعارف الناس إياه بينهم. وتوجيه تأويل القرآن إلى الأشهر من اللغات، أولى من توجيهه إلى الأنكر، (149) ما وُجد إلى ذلك سبيل.* * *القول في تأويل قوله : إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (248)قال أبو جعفر: يعني تعالى ذكره بذلك: أن نبيه أشمويل قال لبني إسرائيل: إن في مجيئكم التابوت فيه سكينة من ربكم وبقية مما ترك آل موسى وآل هارون حاملته الملائكة=" لآية لكم "، يعني: لعلامة لكم ودلالة، (150) أيها الناس، على صدقي فيما أخبرتكم: أن الله بعث لكم طالوت ملكا، أن كنتم قد كذبتموني فيما أخبرتكم به من تمليك الله إياه عليكم، واتهمتموني في خبري إياكم بذلك=" إن كنتم مؤمنين "، يعني بذلك: (151) إن كنتم مصدقي عند مجيء الآية التي سألتمونيها على صدقي فيما أخبرتكم به من أمر طالوت وملكه.* * *وإنما قلنا ذلك معناه، لأن القوم قد كانوا كفروا بالله في تكذيبهم نبيهم وردهم عليه قوله: إِنَّ اللَّهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طَالُوتَ مَلِكًا ، بقولهم: " أنى يكون له الملك علينا ونحن أحق بالملك منه "، = وفي مسألتهم إياه الآية على صدقه. فإذ كان ذلك منهم كفرا, (152)فغير جائز أن يقال لهم وهم كفار: لكم في مجيء التابوت آية إن كنتم من أهل الإيمان بالله ورسوله: = وليسوا من أهل الإيمان بالله ولا برسوله. ولكن الأمر في ذلك على ما وصفنا من معناه, لأنهم سألوا الآية على صدق خبره إياهم ليقروا بصدقه, فقال لهم: في مجيء التابوت- على ما وصفه لهم - آية لكم إن كنتم عند مجيئه كذلك مصدقي بما قلت لكم وأخبرتكم به.* * *---------------------------(95) في المطبوعة : "فقالوا له : ائت بآية على ذلك ... " ، وفي المخطوطة : " مما أتى به ذلك" وقد ضرب على الباء من"أتى" . واستظهرت قراءتها كما أثبتها ، لقوله تعالى بعد : " إن آية ملكه" .(96) في المطبوعة : " هذه القصة" بإسقاط الواو ، وإسقاطها مخل بالكلام .(97) في المطبوعة : " بناء عما كان منهم من تكذيبهم" ، وهو غث من الكلام . وفي المخطوطة : "بنا عما كان . . . " غير منقوطة ، و الصواب ما أثبت مع زيادة"الواو" عطفا على قوله : "وإن كانت خبرا . . . " .(98) سياق الجملة : وهذه القصة ، وإن كانت خبرا من الله00 0 ونبأ عما كان منهم... فإنه تأديب..." .(99) سياق هذه الجملة : "وأنهم لن يعدوا في تكذيبهم محمدا... أن يكونوا كأسلافهم..." .(100) قوله : "وحض..." معطوف على قوله آنفًا : "فإنه تأديب..." .(101) قوله : "وشخذ..." معطوف ثان على قوله آنفًا : " فإنه تأديب..." .(102) قوله : " وإعلام..." معطوف ثالث على قوله : "فإنه تأديب..." .(103) انظر تفسير"آية" فيما سلف 1 : 106 / 2 : 397 ، 398 ، 553 / 3 : 184 / 4 : 271 .(104) في المطبوعة والمخطوطة : "حتى منعوا أمر الله" . وهو تصحيف لا معنى له ، والصواب ما أثبت .(105) في المطبوعة : "حتى سلبهم آخر مرة" ، والذي في المخطوطة هو الصواب الجيد ، وإن كانت الأخرى قريبة من الصواب على ضعف .(106) في المخطوطة : "ولم يرده إليهم آخر الأبد" ، وهو خطأ بين .(107) في المطبوعة : " كان ذلك عندهم" ، بحذف"بل" .(108) في المطبوعة والمخطوطة : " كان مشرط القربان الذي يشرطونه به" ، وهو خطأ لا معنى له ، والصواب من تاريخ الطبري 1 : 243 . والمسوط (بكسر الميم) : المسواط خشبة أو ما يشبهها ، يحرك بها ما في القدر ليختلط . ساط الشيء في القدر يسوطه سوطا : إذا حركة وخاصه ، ليختلط ويمتزج . وقربان اليهود هذا هو"التقدمة" ، كانت من دقيق مع زيت ولبان ، يؤخذ قليل من الدقيق المقدم والزيت وكل اللبان ، ويوقد على المذبح ، أو يعمل منه قطائف علي صاج ، وأما البقية فكانت للكمهنة (قاموس الكتاب المقدس 2 : 208) . والكلاب (يضم الكاف وتشديد اللام) : سفود من حديد أو خشب ، في رأسه عقافة معطوفة كالخطاف ، وجمعه : "كلاليب" .(109) في المطبوعة والمخطوطة : "للكاهن الذي يستوطنه" ، وهو خطأ ، صوابه من التاريخ .(110) في المطبوعة والمخطوطة : "فجعل ابناه..." ، والصواب من التاريخ .(111) في المخطوطة والتاريخ في هذا الموضع و ما بعده : "أشمويل" ، والذي قبله : "شمويل" ، وأثبت ما فيهما ، كما سلف قريبا ص : 308 ، تعليق : 5 .(112) في التاريخ : "لينتصروا به" ، أي ليجلبوا النصر لأنفسهم به .(113) في المطبوعة : "وراءهم" والصواب من التاريخ والمخطوطة . والنير : الخشبة التي تكون على عنق الثور بأداتها .(114) في المطبوعة : " ينطلقان مذعنين" ، والصواب من المخطوطة والتاريخ .(115) في المطبوعة : "حضار" ، وفي المخطوطة : "حصار" ، غير منقوطة ، والصواب ما في التاريخ .(116) في التاريخ : "اعرضوا" ، وهما سواء .(117) في التاريخ : "فلم يقدر أحد على أن يدنو منه" ، والذي في المخطوطة والمطبوعة حسن .(118) الأثر : 5658- في التاريخ 1 : 243- 244 ، وهو صدر الأثر السالف رقم : 5637 ، وساقهما الطبري في التاريخ سياقا واحدا .(119) في المطبوعة : "يقال لها : أردن" ، وهو خطأ لا شك فيه ، وأما ما في المخطوطة فهو ، "أردود" بالراء ، وأنا أظنه بالزاي وأثبته كذلك . فإنه الذي في كتاب القوم في"كتاب صموئيل الأول" الإصحاح الخامس : "أشدود" ، وقال صاحب قاموسهم : "أشدود" (حصن ، معقل) ، إحدى مدن فلسطين الخمس المحالفة... وموقعها على ثلاثة أميال من البحر المتوسط بين غزة ويافا . قال : وهي الآن قرية حقيرة تسمى : أسدود ، وفي جوارها خرائب كثيرة" . والذي يرجع ما ظننته أنها بالزاي أن ابن كثير قال في تفسيره 1 : 602 أنه يقال لها : " أزدوه" ، وقال مصحح التفسير بهامشه أنها في نسخة الأزهر : "أزدرد" . وفي البغوي بهامش ابن كثير 1 : 601"أزدود" كما أثبتها .(120) في المطبوعة : "تثبت الفأرة" ، وليست صوابا ، والذي في المخطوطة" تبيت" غير منقوطة وصواب قراءتها ما أثبت . بيت القوم العدو : أتوهم في جوف الليل فأوقعوا بهم وهم في غفلة عنه . والاسم : "البيات" ، وفي البغوي 1 : 601 (بهامش ابن كثير) : "فكانت الفأرة تبيت مع الرجل" .(121) في المطبوعة : "أمة من الأمم قبلكم" ، وفي المخطوطة : "أمة من الأمم قبله" ، والذي أثبت أقرب إلى رسم المخطوطة ، مع التصحيف فيها .(122) في المطبوعة : "واستوثقوا" . وهو خطأ والصواب ما في المخطوطة . ومعناه : اجتمعوا على طاعته . وأصله من"الوسق"وهو ضم الشيء إلى الشيء ، وفي حديث أحد : "استوسقوا كما يستوسق جرب الغم . أي : استجمعوا وانضموا . وفي حديث النجاشي : "واستوسق عليه أمر الحبشة" ، أي اجتمعوا على طاعته . وهو المراد هنا . وانظر ما سيأتي في الأثر : 5707 .(123) الأثر : 5661- سيأتي هذا الأثر نفسه برقم : 5912 وهو أثر"مبتور" بلا شك ولم أستطع أن أتمه ، وانظر التعليق على الأثر التالي المذكور آنفًا .(124) أما موضع النقط هذا ، فإنه سقط بلا شك فيه ، فإن خبر أرميا السالف ، لا يمكن أن يكون هذا الكلام من صلته ، فإن فيه ذكر رد التابوت في عهد طالوت وداود ، وهما قبل أرميا بدهر طويل . وأخشى أن يكون الناسخ قد قدم ورقة على ورقة في النسخة العتيقة ، أو تخطى وجها من الكتاب الذي نسخ منه . وليس من الممكن إتمام هذا النقص ، فلذلك فصلت بين الكلامين بهذه النقط ، حتى يتيح الله نسخة أقدم من النسخ التي بين أيدينا تسد هذا الخرم أو تصحح مكان الكلام .وهذا الذي بعد النقط ، خبر عن القرية التي وضع فيها التابوت حين سبي ، كما ذكر في الأثر رقم : 5658 ، وهو أثر ضاع صدره عن وهب بن منبه ، كما هو واضح في السياق الآتي . ولم أجد صدره في شيء من الكتب التي بين يدي . هذا ونسختنا في الموضع كثيرة الخطأ السهو ، كما يتبين ذلك من خط كاتبها ، ومن الأخطاء السالفة التي ذكرتها في التعليقات .(125) في المخطوطة : "فإذا نظرتا إليها" ، والصواب ما في المطبوعة .(126) عند هذا الموضع انتهى جزء من التقسيم القديم الذي نقلت عنه نسختنا ، وفيها هنا ما نصه :"يتلوه إن شاء الله تعالى : ذكر من قال ذلك :وصلى الله على محمد النبي و على آله وسلم كثيرا .على الأصل .بلغت بالقراءة من أوله والسماع على القاضي أبي الحسن الخصيب ، عن عبدالله ، عن أبي محمد الفرغاني ، عن أبي جعفر الطبري ، والقاضي ينظر في كتابه . وسمع معي أخي على حرسه الله ، وأبو الفتح أحمد بن عمر الجهاري (؟ ؟) ونصر بن الحسين الطبري ، ومحمد بن علي ... وعبدالرحيم بن أحمد البخاري . وكتب محمد بن أحمد بن عيسى السعدي ، في شعبان سنة ثمان وأربعمئة بمصر""ثم يتلو في أول الجزء التالي :"بسم الله الرحمن الرحيمرب يسر" .(127) في المطبوعة : "ففساد هذا القول" ، "والصواب ما في المخطوطة .(128) الأثر : 5664-"محمد بن عسكر" ، هو محمد بن سهل بن عسكر ، سلف في رقم : 5598 . بكار بن عبدالله اليماني ، روي عن وهب منبه . روى عنه بن ابن المبارك ، وهشام بن يوسف وعبدالرزاق . قال أحمد : ثقة . مترجم في الكبير 1/2/120 ، وابن أبي حاتم 1/1 /408 .(129) في المخطوطة : "كما وجه" ، وما بينهما بياض ، ولعل أقرب ذلك ما في المطبوعة .(130) في المخطوطة : "هى ريح" بإسقاط الواو .(131) الأثر : 5669- هو بعض الأثر السالف رقم : 2058 في ذكر بناء الكعبة .(132) الأثران : 5670 ، 5671- انظر الأثران السالفان : 2059 ، 2060 .(133) ما بين القوسين ، زيادة من الأثار التي رويت عن مجاهد في ذلك ، في تاريخ مكة للأزرقي 1 : 22-28 ، ونصه في لسان العرب (صرد) . والصرد(بضم الصاد وفتح الراء : طائر أبقع ضخم يكون في الشجر وشعب الجبال لا يقدر عليه أحد ، وهو من سباع الطير .(134) الأثران : 5680 ، 5681-"محمد بن عسكر" ، و"بكار بن عبد الله" . انظر التعليق على الأثر رقم : 5664 .(135) أنشده ابن بري لأبي عريف الكليبي . وأنا في شك من صحة اسمه .(136) يعني بقوله : " الفعل" مصدر الفعل"سكن" ، وهو"السكينة" ، كما يقال : "رجل عدل" ، فلو سميت الرجل"عدلا" ، كان مسمى بالفعل ، وهو غيره .(137) انظر صفحة 332 ، تعليق : 1 .(138) رضاض الشيء (بضم الراء) : كساره (بضم الكاف) ، وهو ما تكسر منه ، وقطعه . ورض الشيء رضا : كسره فصار قطعا . و"رضاضة" بالتاء في آخر رقم : 5690 ، وهي عربية صحيحة ، وإن لم تذكر في المعاجم . ومثلها في مطول هذا الأثر في التاريخ 1 : 243 .(139) في المطبوعة : "وأمور من التوراة" . وفي المخطوطة : "وأسور من التوارة" . ورجحت قراءتها"وأثور" جمع أثر : وهو بقية الشيء ، وما بقى من رسم الشيء ، وجمعه آثار وأثور . وهي هنا بمعنى الرضاض .(140) في المخطوطة : "بل ذلك البقية..." ، والذي في المطبوعة أجود الصواب .(141) الأثر : 5694- في الدر المنثور 1 : 317 مطولا . وفي المخطوطة والمطبوعة : "عن إسماعيل عن ابن أبي خالد" ، والصواب ما أثبت ، وهو الذي يروي عنه جابر بن نوح ، مترجم التهذيب .(142) القفيز : مكيال من المكاييل ، كان عند أهل العراق ثمانية مكاكيك .(143) الأثر 5697- بكار بن عبدالله اليماني ، مضى في الآثار : 5664 ، 5680 ، 5681 ، وكان في المطبوعة والمحفوظة"بكار عن عبدالله" ، وهو خطأ محض .(144) زدت ما بين القوسين : لظني أنها سقطت من الناسخ لعجلته ، كما يتبين من خطه في هذا الموضع .(145) في المطبوعة : "لصدق قول نبيه صلى الله عليه وسلم لأمته" ، زاد : "وسلم" ، وأسقط"الذي قال" ، والصواب من المخطوطة .(146) في المطبوعة : "مما تركه آل موسى" ، وأثبت ما في المخطوطة .(147) في المطبوعة : "حتى وضعته في دار طالوت" بإسقاط"لها" ، أي لبني إسرائيل . وفي المطبوعة : "في دار طالوت بين أظهر بني إسرائيل" بإسقاط"قائما" ، وكانت هذه اللفظة في المخطوطة : "ما بين أظهر لبني إسرائيل" ، وقرأتها : "قائما" .(148) في المخطوطة والمطبوعة : "أن يقال في حمله بمعنى معونته" ، والصواب إسقاط"في" .(149) في المطبوعة : "أولى من توجيهه إلى أن لا يكون الأشهر00" ، وهو خلط من كلم الموسومين!! وفي المخطوطة"إلى إلى أن لا يلر" . وضرب على"إلى" الثانية . وصواب قراءته ما قرأت ، وقد مضى مثله مرارا في كلام الطبري .(150) انظر معنى"آية" فيما سلف قريبا : 317 تعليق : 1 وفيه المراجع .(151) انظر تفسير"الإيمان" بمعنى"التصديق" فيما سلف من الأجزاء . في فهارس للغة .(152) في المطبوعة : "فإن كان ذلك منهم" ، والصواب ما في المخطوطة .
2:249
فَلَمَّا فَصَلَ طَالُوْتُ بِالْجُنُوْدِۙ-قَالَ اِنَّ اللّٰهَ مُبْتَلِیْكُمْ بِنَهَرٍۚ-فَمَنْ شَرِبَ مِنْهُ فَلَیْسَ مِنِّیْۚ-وَ مَنْ لَّمْ یَطْعَمْهُ فَاِنَّهٗ مِنِّیْۤ اِلَّا مَنِ اغْتَرَفَ غُرْفَةًۢ بِیَدِهٖۚ-فَشَرِبُوْا مِنْهُ اِلَّا قَلِیْلًا مِّنْهُمْؕ-فَلَمَّا جَاوَزَهٗ هُوَ وَ الَّذِیْنَ اٰمَنُوْا مَعَهٗۙ-قَالُوْا لَا طَاقَةَ لَنَا الْیَوْمَ بِجَالُوْتَ وَ جُنُوْدِهٖؕ-قَالَ الَّذِیْنَ یَظُنُّوْنَ اَنَّهُمْ مُّلٰقُوا اللّٰهِۙ- كَمْ مِّنْ فِئَةٍ قَلِیْلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِیْرَةًۢ بِاِذْنِ اللّٰهِؕ-وَ اللّٰهُ مَعَ الصّٰبِرِیْنَ(۲۴۹)
پھر جب طالوت لشکروں کو لے کر شہر سے جدا ہوا بولا بیشک اللہ تمہیں ایک نہر سے آزمانے والا ہے تو جو اس کا پانی پئے وہ میرا نہیں اور جو نہ پیئے وہ میرا ہے مگر وہ جو ایک چلُو اپنے ہاتھ سے لے لے (ف۵۰۶) تو سب نے اس سے پیا مگر تھوڑوں نے (ف۵۰۷) پھر جب طالوت اور اس کے ساتھ کے مسلمان نہر کے پار گئے بولے ہم میں آج طاقت نہیں جالوت اور اس کے لشکروں کی بولے وہ جنہیں اللہ سے ملنے کا یقین تھا کہ بارہا کم جماعت غالب آئی ہے زیادہ گروہ پر اللہ کے حکم سے، اور اللہ صابروں کے ساتھ ہے (ف۵۰۸)

القول في تأويل قوله تعالى : فَلَمَّا فَصَلَ طَالُوتُ بِالْجُنُودِ قَالَ إِنَّ اللَّهَ مُبْتَلِيكُمْ بِنَهَرٍ فَمَنْ شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي وَمَنْ لَمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي إِلا مَنِ اغْتَرَفَ غُرْفَةً بِيَدِهِ فَشَرِبُوا مِنْهُ إِلا قَلِيلا مِنْهُمْقال أبو جعفر: وفي هذا الخبر من الله تعالى ذكره، متروك قد استغني بدلالة ما ذكر عليه عن ذكره. ومعنى الكلام: إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ , فأتاهم التابوت فيه سكينة من ربهم وبقية مما ترك آل موسى وآل هارون تحمله الملائكة, فصدقوا عند ذلك نبيهم وأقروا بأن الله قد بعث طالوت ملكا عليهم, وأذعنوا له بذلك. يدل على ذلك قوله: " فلما فصل طالوت بالجنود ". وما كان ليفصل بهم إلا بعد رضاهم به وتسليمهم الملك له, لأنه لم يكن ممن يقدر على إكراههم على ذلك، فيظن به أنه حملهم على ذلك كرها.* * *وأما قوله: " فصل " فإنه يعني به: شخص بالجند ورحل بهم.* * *وأصل " الفصل " القطع, يقال، منه: " فصل الرجل من موضع كذا وكذا ", يعني به قطع ذلك, فجاوزه شاخصا إلى غيره," يفصل فصولا "، و " فصل العظم والقول من غيره، فهو يفصله فصلا "، إذا قطعه فأبانه، و " فصل الصبي فصالا "، إذا قطعه عن اللبن (1) . و " قول فصل "، يقطع فيفرق بين الحق والباطل لا يرد.* * *وقيل: إن طالوت فصل بالجنود يومئذ من بيت المقدس وهم ثمانون ألف مقاتل, لم يتخلف من بني إسرائيل عن الفصول معه إلا ذو علة لعلته, أو كبير لهرمه, أو معذور لا طاقة له بالنهوض معه.* ذكر من قال ذلك:5707- حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة, عن ابن إسحاق قال، حدثني بعض أهل العلم, عن وهب بن منبه قال: خرج بهم طالوت حين استوسقوا له, ولم يتخلف عنه إلا كبير ذو علة, أو ضرير معذور, أو رجل في ضيعة لا بد له من تخلف فيها. (2)5708- حدثني موسى قال، حدثنا عمرو قال، حدثنا أسباط, عن السدي قال: لما جاءهم التابوت آمنوا بنبوة شمعون, وسلموا ملك طالوت, فخرجوا معه وهم ثمانون ألفا. (3)* * *قال أبو جعفر: فلما فصل بهم طالوت على ما وصفنا، قال: " إن الله مبتليكم بنهر "، يقول: إن الله مختبركم بنهر, ليعلم كيف طاعتكم له.* * *وقد دللنا على أن معنى " الابتلاء "، الاختبار، فيما مضى بما أغنى عن إعادته. (4)* وبما قلنا في ذلك كان قتادة يقول.5709- حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد, عن قتادة في قول الله تعالى: " إن الله مبتليكم بنهر "، قال: إن الله يبتلي خلقه بما يشاء، ليعلم من يطيعه ممن يعصيه.* * *وقيل: إن طالوت قال: " إن الله مبتليكم بنهر "، لأنهم شكوا إلى طالوت قلة المياه بينهم وبين عدوهم, وسألوه أن يدعو الله لهم أن يجري بينهم وبين عدوهم نهرا, فقال لهم طالوت حينئذ ما أخبر عنه أنه قاله من قوله: " إن الله مبتليكم بنهر ".* ذكر من قال ذلك:5710- حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة, عن ابن إسحاق قال، حدثني بعض أهل العلم, عن وهب بن منبه قال: لما فصل طالوت بالجنود قالوا: إن المياه لا تحملنا, فادع الله لنا يجري لنا نهرا! فقال لهم طالوت: " إن الله مبتليكم بنهر " الآية.* * *" والنهر " الذي أخبرهم طالوت أن الله مبتليهم به، قيل: هو نهر بين الأردن وفلسطين.* ذكر من قال ذلك:5712- حدثني المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا ابن أبي جعفر, عن أبيه, عن الربيع قال: " إن الله مبتليكم بنهر "، قال الربيع: ذكر لنا، والله أعلم، أنه نهر بين الأردن وفلسطين.5712- حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد, عن قتادة: " إن الله مبتليكم بنهر "، قال: ذكر لنا أنه نهر بين الأردن وفلسطين.5713- حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا معمر, عن قتادة قوله: " إن الله مبتليكم بنهر "، قال: هو نهر بين الأردن وفلسطين.5714- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج, عن ابن جريج, عن ابن عباس: فلما فصل طالوت بالجنود غازيا إلى جالوت, قال طالوت لبني إسرائيل: " إن الله مبتليكم بنهر "، قال: نهر بين فلسطين والأردن, نهر عذب الماء طيبه.وقال آخرون: بل هو نهر فلسطين.* ذكر من قال ذلك:5715- حدثني محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال، حدثني عمي قال، حدثني أبي, عن أبيه, عن ابن عباس قال: " إن الله مبتليكم بنهر "، فالنهر الذي ابتلي به بنو إسرائيل، نهر فلسطين.5716- حدثني موسى قال، حدثنا عمرو قال، حدثنا أسباط, عن السدي: " إن الله مبتليكم بنهر "، هو نهر فلسطين.* * *وأما قوله: " فمن شرب منه فليس مني ومن لم يطعمه فإنه مني إلا من اغترف غرفة بيده فشربوا منه إلا قليلا منهم ". فإنه خبر من الله تعالى ذكره عن طالوت بما قال لجنوده، إذ شكوا إليه العطش, فأخبر أن الله مبتليهم بنهر, (5) ثم أعلمهم أن الابتلاء الذي أخبرهم عن الله به من ذلك النهر, هو أن من شرب من مائه فليس هو منه= يعني بذلك: أنه ليس من أهل ولايته وطاعته, ولا من المؤمنين بالله وبلقائه. ويدل على أن ذلك كذلك قول الله تعالى ذكره: فَلَمَّا جَاوَزَهُ هُوَ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ ، فأخرج من لم يجاوز النهر من الذين آمنوا، ثم أخلص ذكر المؤمنين بالله ولقائه عند دنوهم من جالوت وجنوده بقوله: قَالَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلاقُو اللَّهِ كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ ، وأخبرهم أنه من لم يطعمه= يعني: من لم يطعم الماء من ذلك النهر." والهاء " في قوله: " فمن شرب منه "، وفي قوله: " ومن لم يطعمه "، عائدة على " النهر ",والمعنى لمائه. وإنما ترك ذكر " الماء " اكتفاء بفهم السامع بذكر النهر لذلك: (6) أن المراد به الماء الذي فيه.* * *ومعنى قوله: " لم يطعمه "، لم يذقه, يعني: ومن لم يذق ماء ذلك النهر فهو مني= يقول: هو من أهل ولايتي وطاعتي، والمؤمنين بالله وبلقائه. ثم استثنى من " من " في قوله: " ومن لم يطعمه "، المغترفين بأيديهم غرفة, (7) فقال: ومن لم يطعم ماء ذلك النهر، (8) إلا غرفة يغترفها بيده، فإنه مني.* * *ثم اختلفت القرأة في قراءة قوله: " إلا من اغترف غرفة بيده " .فقرأه عامة قرأة أهل المدينة والبصرة: (غرفة)، بنصب " الغين " من " الغرفة " بمعنى الغرفة الواحدة, من قولك،" اغترفت غرفة ", و " الغرفة "، و " الغرفة " هي الفعل بعينه من " الاغتراف ". (9) .* * *وقرأه آخرون بالضم, بمعنى الماء الذي يصير في كف المغترف. ف " الغرفة " الاسم, و " الغرفة " المصدر.* * *وأعجب القراءتين في ذلك إلي، ضم " الغين " في" الغرفة "، بمعنى: إلا من اغترف كفا من ماء= لاختلاف " غرفة " إذا فتحت غينها, وما هي له مصدر. وذلك أن مصدر " اغترف "،" اغترافة ", وإنما " غرفة " مصدر: " غرفت ". فلما كانت " غرفة " مخالفة مصدر " اغترف "، كانت " الغرفة " التي بمعنى الاسم على ما قد وصفنا، أشبه منها ب " الغرفة " التي هي بمعنى الفعل. (10)* * *قال أبو جعفر: وذكر لنا أن عامتهم شربوا من ذلك الماء, فكان من شرب منه عطش, ومن اغترف غرفة روي .* ذكر من قال ذلك:5717- حدثني بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد, عن قتادة: " فمن شرب منه فليس مني ومن لم يطعمه فإنه مني إلا من اغترف غرفة بيده فشربوا منه إلا قليلا منهم "، فشرب القوم على قدر يقينهم. أما الكفار فجعلوا يشربون فلا يروون, وأما المؤمنون فجعل الرجل يغترف غرفة بيده فتجزيه وترويه.5718- حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا معمر, عن قتادة: " فمن شرب منه فليس مني ومن لم يطعمه فإنه مني إلا من اغترف غرفة بيده "، قال: كان الكفار يشربون فلا يروون, وكان المسلمون يغترفون غرفة فيجزيهم ذلك.5719- حدثني المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا ابن أبي جعفر, عن أبيه, عن الربيع: " فمن شرب منه فليس مني ومن لم يطعمه فإنه مني إلا من اغترف غرفة بيده فشربوا منه إلا قليلا منهم "، يعني المؤمنين منهم. وكان القوم كثيرا، فشربوا منه إلا قليلا منهم= يعني المؤمنين منهم. كان أحدهم يغترف الغرفة فيجزيه ذلك ويرويه.5720- حدثني موسى قال، حدثنا عمرو قال، حدثنا أسباط, عن السدي: قال لما أصبح التابوت وما فيه في دار طالوت, آمنوا بنبوة شمعون, وسلموا ملك طالوت, فخرجوا معه وهم ثمانون ألفا. وكان جالوت من أعظم الناس وأشدهم بأسا, فخرج يسير بين يدي الجند, ولا يجتمع إليه أصحابه حتى يهزم هو من لقي. فلما خرجوا قال لهم طالوت: " إن الله مبتليكم بنهر فمن شرب منه فليس مني ومن لم يطعمه فإنه مني"، فشربوا منه هيبة من جالوت, فعبر منهم أربعة آلاف, (11) ورجع ستة وسبعون ألفا، فمن شرب منه عطش, ومن لم يشرب منه إلا غرفة روي. (12) .5721- حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد: ألقى الله على لسان طالوت حين فصل بالجنود, فقال: لا يصحبني أحد إلا أحد له نية في الجهاد. فلم يتخلف عنه مؤمن, ولم يتبعه منافق،... رجعوا كفارا، لكذبهم في قيلهم إذ قالوا: " لن نمس هذا الماء غرفة ولا غير " = (13) وذلك أنه قال لهم: " إن الله مبتليكم بنهر "، الآية، فقالوا: لن نمس من هذا، غرفة ولا غير غرفة = (14) قال: وأخذ البقية الغرفة فشربوا منها حتى كفتهم, وفضل منهم. (15) قال: والذين لم يأخذوا الغرفة أقوى من الذين أخذوها.5722- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج, عن ابن جريج قال، قال ابن عباس في قوله: " فمن شرب منه فليس مني ومن لم يطعمه فإنه مني إلا من اغترف غرفة بيده "، فشرب كل إنسان كقدر الذي في قلبه. فمن اغترف غرفة وأطاعه، روي لطاعته. (16) ومن شرب فأكثر، عصى فلم يرو لمعصيته.5723- حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة, عن ابن إسحاق في حديث ذكره, عن بعض أهل العلم, عن وهب بن منبه في قوله: " فمن شرب منه فليس مني ومن لم يطعمه فإنه مني إلا من اغترف غرفة بيده "، يقول الله تعالى ذكره: " فشربوا منه إلا قليلا منهم "، وكان -فيما يزعمون- من تتابع منهم في الشرب الذي نهي عنه لم يروه, ومن لم يطعمه إلا كما أمر: غرفة بيده، أجزاه وكفاه.* * *القول في تأويل قوله تعالى : فَلَمَّا جَاوَزَهُ هُوَ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ قَالُوا لا طَاقَةَ لَنَا الْيَوْمَ بِجَالُوتَ وَجُنُودِهِقال أبو جعفر: يعني تعالى ذكره بقوله: " فلما جاوزه هو "، فلما جاوز النهر طالوت." والهاء " في" جاوزه " عائدة على " النهر ", و " هو " كناية اسم طالوت= وقوله: " والذين آمنوا معه "، يعني: وجاوز النهر معه الذين آمنوا، قالوا: لا طاقة لنا اليوم بجالوت وجنوده.* * *ثم اختلف في عدة من جاوز النهر معه يومئذ، ومن قال منهم: " لا طاقة لنا اليوم بجالوت وجنوده ".فقال بعضهم: كانت عدتهم عدة أهل بدر: ثلثمئة رجل وبضعة عشر رجلا.* ذكر من قال ذلك:5724- حدثنا هارون بن إسحاق الهمداني قال، حدثنا مصعب بن المقدام= وحدثنا أحمد بن إسحاق قال، حدثنا أبو أحمد الزبيري= قالا جميعا، حدثنا إسرائيل قال، حدثنا أبو إسحاق, عن البراء بن عازب قال: كنا نتحدث أن عدة أصحاب بدر على عدة أصحاب طالوت الذين جاوزوا النهر معه, ولم يجز معه إلا مؤمن: ثلثمئة وبضعة عشر رجلا. (17)5725- حدثنا أبو كريب قال، حدثنا أبو بكر قال، حدثنا أبو إسحاق, عن البراء قال: كنا نتحدث أنَّ أصحاب بدر يوم بدر كعدة أصحاب طالوت، ثلثمئة رجل وثلاثة عشر رجلا الذين جاوزوا النهر. (18)5726- حدثنا محمد بن بشار قال، حدثنا أبو عامر قال، حدثنا سفيان, عن أبي إسحاق, عن البراء قال: كنا نتحدث أن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم كانوا يوم بدر ثلثمئة وبضعة عشر رجلا على عدة أصحاب طالوت من جاز معه, وما جاز معه إلا مؤمن. (19)5727- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبي, عن سفيان, عن أبي إسحاق, عن البراء بنحوه. (20)5728- حدثنا ابن بشار قال، حدثنا مؤمل قال، حدثنا سفيان, عن أبي إسحاق, عن البراء قال: كنا نتحدث أن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم كانوا يوم بدر على عدة أصحاب طالوت يوم جاوزوا النهر, وما جاوز معه إلا مسلم. (21)5729- حدثنا أحمد بن إسحاق قال، حدثنا أبو أحمد قال، حدثنا مسعر, عن أبي إسحاق, عن البراء مثله. (22)5730- حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد, عن قتادة قال: ذكر لنا أن نبي الله صلى الله عليه وسلم قال لأصحابه يوم بدر: أنتم بعدة أصحاب طالوت يوم لقي. وكان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم بدر ثلثمئة وبضعة عشر رجلا.5731- حدثني المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا ابن أبي جعفر, عن أبيه, عن الربيع قال: محص الله الذين آمنوا عند النهر، وكانوا ثلثمئة, وفوق العشرة ودون العشرين, فجاء داود صلى الله عليه وسلم فأكمل به العدة.* * *وقال آخرون: بل جاوز معه النهر أربعة آلاف, وإنما خلص أهل الإيمان منهم من أهل الكفر والنفاق، حين لقوا جالوت.* ذكر من قال ذلك:5732- حدثني موسى بن هارون قال، حدثنا عمرو قال، حدثنا أسباط, عن السدي قال: عبر مع طالوت النهر من بني إسرائيل أربعة آلاف, فلما جاوزه هو والذين آمنوا معه فنظروا إلى جالوت، رجعوا أيضا وقالوا: " لا طاقة لنا اليوم بجالوت وجنوده ". فرجع عنه أيضا ثلاثة آلاف وستمئة وبضعة وثمانون, وخلص في ثلثمئة وبضعة عشر، عدة أهل بدر. (23)5733- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج, عن ابن جريج قال، قال ابن عباس: لما جاوزه هو والذين آمنوا معه, قال الذين شربوا: " لا طاقة لنا اليوم بجالوت وجنوده ".* * *قال أبو جعفر: وأولى القولين في ذلك بالصواب ما روي عن ابن عباس وقاله السدي; وهو أنه جاوز النهر مع طالوت المؤمن الذي لم يشرب من النهر إلا الغرفة, والكافر الذي شرب منه الكثير. ثم وقع التمييز بينهم بعد ذلك برؤية جالوت ولقائه, وانخزل عنه أهل الشرك والنفاق= (24) وهم الذين قالوا: " لا طاقة لنا اليوم بجالوت وجنوده " = ومضى أهل البصيرة بأمر الله على بصائرهم, وهم أهل الثبات على الإيمان, فقالوا: كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ .* * *فإن ظن ذو غفلة أنه غير جائز أن يكون جاوز النهر مع طالوت إلا أهل الإيمان الذين ثبتوا معه على إيمانهم, ومن لم يشرب من النهر إلا الغرفة, لأن الله تعالى ذكره قال: " فَلَمَّا جَاوَزَهُ هُوَ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ"، فكان معلوما أنه لم يجاوز معه إلا أهل الإيمان, على ما روي به الخبر عن البراء بن عازب, ولأن أهل الكفر لو كانوا جاوزوا النهر كما جاوزه أهل الإيمان، لما خص الله بالذكر في ذلك أهل الإيمان= (25) فإن الأمر في ذلك بخلاف ما ظن. وذلك أنه غير مستنكر أن يكون الفريقان- أعني فريق الإيمان وفريق الكفر جاوزوا النهر, وأخبر الله نبيه محمدا صلى الله عليه وسلم, عن المؤمنين بالمجاوزة, لأنهم كانوا من الذين جاوزوه مع ملكهم وترك ذكر أهل الكفر, وإن كانوا قد جاوزوا النهر مع المؤمنين .والذي يدل على صحة ما قلنا في ذلك، قول الله تعالى ذكره: " فلما جاوزه هو والذين آمنوا معه قالوا: لا طاقة لنا اليوم بجالوت وجنوده قال الذين يظنون أنهم ملاقو الله كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله "، فأوجب الله تعالى ذكره أن الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلاقُو اللَّهِ ، هم الذين قالوا عند مجاوزة النهر: كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ ، دون غيرهم الذين لا يظنون أنهم ملاقو الله- وأن " الذين لا يظنون أنهم ملاقو الله "، هم الذين قالوا: (لا طَاقَةَ لَنَا الْيَوْمَ بِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ) وغير جائز أن يضاف الإيمان إلى من جحد أنه ملاقي الله، أو شك فيه. (26)* * *القول في تأويل قوله تعالى : قَالُوا لا طَاقَةَ لَنَا الْيَوْمَ بِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ قَالَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلاقُو اللَّهِ كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ (249)قال أبو جعفر: اختلف أهل التأويل في أمر هذين الفريقين= أعني القائلين: " لا طاقة لنا اليوم بجالوت وجنوده "، والقائلين: " كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله "، من هما؟فقال بعضهم: الفريق الذين قالوا: " لا طاقة لنا اليوم بجالوت وجنوده "، هم أهل كفر بالله ونفاق, وليسوا ممن شهد قتال جالوت وجنوده, لأنهم انصرفوا عن طالوت ومن ثبت معه لقتال عدو الله جالوت ومن معه, وهم الذين عصوا أمر الله لشربهم من النهر.* ذكر من قال ذلك:5734- حدثني موسى قال، حدثنا عمرو قال، حدثنا أسباط, عن السدي بذلك.* * *وهو قول ابن عباس. وقد ذكرنا الرواية بذلك عنه آنفا. (27)* * *5735- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج, عن ابن جريج: " قال الذين يظنون أنهم ملاقو الله "، الذين اغترفوا وأطاعوا، الذين مضوا مع طالوت المؤمنون, وجلس الذين شكوا.* * *وقال آخرون: كلا الفريقين كان أهل إيمان, ولم يكن منهم أحد شرب من الماء إلا غرفة, بل كانوا جميعا أهل طاعة, ولكن بعضهم كان أصح يقينا من بعض. وهم الذين أخبر الله عنهم أنهم قالوا: " كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله ". والآخرون كانوا أضعف يقينا. وهم الذين قالوا: " لا طاقة لنا اليوم بجالوت وجنوده ".* ذكر من قال ذلك:5736- حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد, عن قتادة: " فلما جاوزه هو والذين آمنوا معه قالوا لا طاقة لنا اليوم بجالوت وجنوده قال الذين يظنون أنهم ملاقو الله كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله والله مع الصابرين "، ويكون [والله] المؤمنون بعضهم أفضل جدا وعزما من بعض, وهم مؤمنون كلهم. (28)5737- حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا معمر, عن قتادة في قوله: " كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله "، أن النبي قال لأصحابه يوم بدر: أنتم بعدة أصحاب طالوت: ثلثمئة. = قال قتادة: وكان مع النبي صلى الله عليه وسلم يوم بدر ثلثمئة وبضعة عشر.5438- حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد: الذين لم يأخذوا الغرفة أقوى من الذين أخذوا, وهم الذين قالوا : " كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله والله مع الصابرين ".* * *ويجب على القول الذي روي عن البراء بن عازب: أنه لم يجاوز النهر مع طالوت إلا عدة أصحاب بدر- أن يكون كلا الفريقين اللذين وصفهما الله بما وصفهما به، أمرهما على نحو ما قال فيهما قتادة وابن زيد.* * *قال أبو جعفر: وأولى القولين في تأويل الآية ما قاله ابن عباس والسدي وابن جريج، وقد ذكرنا الحجة في ذلك فيما مضى قبل آنفا. (29)* * *وأما تأويل قوله: " قال الذين يظنون أنهم ملاقو الله "، فإنه يعني: قال الذين يعلمون ويستيقنون أنهم ملاقو الله. (30)5739- حدثني موسى قال، حدثنا عمرو قال، حدثنا أسباط, عن السدي" قال الذين يظنون أنهم ملاقو الله "، الذين يستيقنون.* * *فتأويل الكلام: قال الذين يوقنون بالمعاد ويصدقون بالمرجع إلى الله، للذين قالوا: " لا طاقة لنا اليوم بجالوت وجنوده "=" كم من فئة قليلة "، يعني ب " كم "، كثيرا، غلبت فئة قليلة=" فئة كثيرة بإذن الله ", يعني: بقضاء الله وقدره= (31) " والله مع الصابرين "، يقول : مع الحابسين أنفسهم على رضاه وطاعته. (32)* * *وقد أتينا على البيان عن وجوه " الظن "، وأن أحد معانيه: العلم اليقين، بما يدل على صحة ذلك فيما مضى, فكرهنا إعادته. (33)* * *وأما " الفئة "، فإنهم الجماعة من الناس، لا واحد له من لفظه, وهو مثل " الرهط" و " النفر "، يجمع (34) " فئات "، و " فئون " في الرفع، و " فئين " في النصب والخفض، بفتح نونها في كل حال. و " فئين " بالرفع بإعراب نونها بالرفع وترك الياء فيها, وفي النصب " فئينا ", وفي الخفض " فئين ", فيكون الإعراب في الخفض والنصب في نونها. وفي كل ذلك مقرة فيها " الياء " على حالها. فإن أضيفت قيل: " هؤلاء فئينك "، (35) بإقرار النون وحذف التنوين, كما قال الذين لغتهم: " هذه سنين "، في جمع " السنة "=: " هذه سنينك "، بإثبات النون وإعرابها وحذف التنوين منها للإضافة. وكذلك العمل في كل منقوص مثل " مئة " و " ثبة " و " قلة " و " عزة ": فأما ما كان نقصه من أوله، فإن جمعه بالتاء، مثل " عدة وعدات "، و " صلة وصلات ".* * *وأما قوله: " والله مع الصابرين " فإنه يعني: والله معين الصابرين على الجهاد في سبيله وغير ذلك من طاعته, وظهورهم ونصرهم على أعدائه الصادين عن سبيله, المخالفين منهاج دينه.* * *وكذلك يقال لكل معين رجلا على غيره: " هو معه "، بمعنى هو معه بالعون له والنصرة. (36)----------------الهوامش :(1) انظر تفسير"الفصال" فيما سلف من هذا الجزء : 67 .(2) الأثر : 5707- استوسقوا له : اجتمعوا له بالطاعة : ودانوا ، (انظر ما سلف ص : 231) في آخر الأثر : 5659 ، والتعليق عليه . والضرير : المرض المهزول ، قد أضر به المرض .(3) الأثر : 5708- في التاريخ 1 : 243 من خبر طويل مضى أكثره فيما سلف .(4) انظر ما سلف 2 : 49/3 : 7 ، 220 .(5) في المخطوطة والمطبوعة : "00 عن طالوت أنه قال لجنوده ، 00 فأخبر أن الله" ، وهي عبارة لا تستقيم علي جادة الكلام ، فجعلت"أنه" ، "بما" ، وجعلت"فأخبر" ، "فأخبرهم" . وأعود فأقول إن الناسخ في هذا الموضع كثير السهو والخطأ من فرط عجلته .(6) في المخطوطة والمطبوعة : "كذلك" ، والصواب ما أثبت ، وسياق العبارة : اكتفاء بفهم السامع لذلك بذكر النهر : أن المراد00(7) أكثر المفسرين قد جعل الاستثناء من قوله : "فن شرب منه" ، وقال أبوحيان في تفسيره 1 : 265 وقال : "وقع في بعض التصانيف ما نصه : "إلا من اغترف" ، استثناء من الأولى ، وإن شئت من الثانية ، لأنه حكم على أن من لم يطعمه فإنه منه ، فيلزم في الاستثناء من هذا أن من اغترف منه بيده غرفة فليس منه . والأمر ليس كذلك ، لأنه مفسوح لهم الاغتراف غرفة باليد دون الكروع فيه . وهو ظاهر الاستثناء من الأولى ، لأنه حكم فيها : أن من شرب منه فليس منه ، فيلزم في الاستثناء أن من اغترف غرفة بيده منه ، فإنه منه ، إذ هو مفسوح له في ذلك . وهكذا الإستثناء ، يكون من النفى إثباتا ، ومن الإثبات نفيا ، على الصحيح من المذاهب في هذه المسالة" .وانظر أيضًا تعليق ابن المنير على الكشاف بهامش 1 : 149- 150 ، وأما العكبري في إعراب القرآن إنه قال : "إلا من اغترب-استثناء من الجنس ، وموضعه نصب . وأنت بالخيار ، إن شئت جعلته استثناء من"من الأولى ، وإن شئت من"من"الثانية" . وهذا يرجع صواب معنى الطبري ، وصواب ما صححناه ، فإنهكان في المخطوطة والمطبوعة : "ثم استثنى من قوله00" . والمخطوطة كما أسلف مرارا مضطربة في هذا الموضع ، وفي مواضع من أشياء ذلك . وسترى ذلك في التعليق التالي .والظاهر أن الطبري أراد أن القوم كانوا فئتين : فئه شربت من الماء ، وفئة مؤمنة لم تطعم من الماء إلا غرفة . وبذلك يصح كل ما قاله . وهذا بين سيأتي بعد في ص 348- 350 أن من جاوز مع طالوت النهر : الذي لم يشرب من الماء إلا الغرفة ، والكافر الذي شرب منه الكثير" . وكأن المؤمنين جميعا -عنده- قد شربوا من الماء غرفة . هذا ما أرجحه ، والله ولى التوفيق .(8) في المخطوطة : "فقالوا : من لم يطعم ومن لم يطعم ماء ذلك النهر00" وهو خلط من الكلام .(9) "الفعل" يعني المصدر ، كما سلف آنفًا ص : 330 تعليق : 1 ، وكما سيصرح به الجمل التالية إلى آخر الكلام .(10) هذا تفصيل جيد قلما تصيبه في كتب اللغة . وانظر اللسان مادة (غرف) وقوله الكسائي وغيره في ذلك .(11) في المطبوعة والمخطوطة : "فعبر منهم" بإسقاط"معه" ، وأثبتها من التاريخ .(12) الأثر : 5720-هو جزء من الخبر الذي في التاريخ 1 : 242- 243 ، وقد جزأه الطبري في هذا التفسير في مواضع كثيرة أشرنا إليها رقم : 5635 ، 5638 ، 5679 ، 5690 ، 5708 .(13) في المخطوطة : "ولم تتبعه منافق ، رجعوا كفارا ، فلما رأى قلتهم قالوا : لن نمس هذه الماء" وكلتا العبارتين لا تستقيم في الحالتين . وأنا أرجح أنه قد سقط من الناسخ سطر أو بعض سطر ، معناه : أن بعض الذين خرجوا معه ، رجعوا كفارا لكذبهم في قيلهم ذلك . و الذى يرجح ذلك عندي أنه يقول بعد"قال : وأخذ البقية الغرفة" ، فهذا دليل على أنه قد أجرى قبل ذلك ذكر الذين شربوا من النهر . فن هذا ، وقد كان في المطبوعة : "ولا غيرها" ، فأثبت ما في المخطوطة ، فهو صواب .(14) في المطبوعة : "لن نمس من هذا" بزيادة"من" ، وأثبت ما في المخطوطة .(15) في المطبوعة : "فشربوا منها" ، وأثبت ما في المخطوطة .(16) في المطبوعة : "روي بطاعته" والذي أثبت ، أشبه بالمخطوطة وبالصواب .(17) الحديث : 5724 - هذا الحديث عن البراء بن عازب في عدة أهل بدر . وقد رواه الطبري بستة أسانيد ، كلها عن أبي إسحاق السبيعي ، عن البراء بن عازب .ورواه أحمد في المسند 4 : 290 (حلبي) ، عن وكيع عن أبيه -هو الجراح بن مليح- وسفيان . وهو الثوري ، وإسرائيل ، ثلاثتهم عن أبي إسحاق ، عن البراء .ورواه البخاري 8 : 228 ، من طريق زهير ، ومن طريق إسرائيل ، ومن طريق الثوري - ثلاثتهم عن أبي إسحاق ، به .وذكره ابن كثير 1 : 603 ، عن روايات الطبري ، ملخصة الأسانيد . ثم ذكر أنه رواه البخاري .وذكره السيوطي 1 : 318 ، وزاد نسبته لابن أبي شيبة ، وعبد بن حميد ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، والبيهقي في الدلائل . ولكنه نسي أن ينسبه لأحمد .(18) الحديث : 5725-أبو بكر-الراوى عن أبي إسحاق : هو ابن عياش .وقد ذكر أخي السيد محمود محمد شاكر أنه وجد في المخطوطة ، في آخر هذا الحديث"كلمة غريبة جدا ، بعد قوله" الذين جاوزوا النهر" وهي"فسكت"-واضحة جدا . ولم أجدها في مكان آخر ولم أستطع أن أعرف ما هي . وقد حذفت في المطبوعة" .وأقول : إني لم أجد-أيضًا- هذه الكلمة ، ولم أستطع أن أعرف ما هي؟ ولذلك رأينا حذفها من مطبوعتنا هذه ، مع بيان ذلك ، أداء للأمانة العلمية .(19) احديث : 5726-أبو عامر : هو العقدي ، عبد الملك بن عمرو .(20) الحديث : 5727-والد وكيع : هو الجراح بن مليح بن عدي الرؤاسي ، وهو ثقة ، تكلم فيه بغير حجة ، كما بينا في شرح المسند ، في الحديث : 650 . ورواية وكيع عن أبيه هذا الحديث- هي إحدى روايات المسند ، التي أشرنا إليها في الحديث الماضي : 5724 .(21) الحديث : 5728-مؤمل : هو ابن إسماعيل العدوى . وسفيان-في هذا والذي قبله : هو الثوري .(22) الحديث : 5729 -أبو أحمد : هو الزبيري ، محمد بن عبدالله بن الزبير الأسدي . مسعر : هو ابن كدام ، مضت ترجمته في : 1974 .(23) الأثر : 5732 -هو جزء من الأثر الطويل الذى رواه في التاريخ 1 : 242- 243 ، وجزأه في التفسير ، كما أشرنا إليه في التعليق على الأثر : 5720 . ورواية أبي جعفر هنا : "وخلص في ثلثمئة وبضعة عشر" ، وفي التاريخ"وتسعة عشر" .(24) في المطبوعة : "وانخذل عنه" ، بالذال ، وهو خطأ غث لا يقال هنا ، والصواب في المخطوطة . وانخزل عنه : انقطع وانفرد ، وفي حديث آخر : "انخزل عبدالله بن أبي من ذلك المكان" ، أي انفرد ورجع بقومه .(25) السياق : "فإن ظن ذو غفلة00 فإن الأمر في ذلك بخلاف ما ظن" .(26) هذه حجة بينة ماضية ، تتضمن من البصر والفهم والدقة ما ينبغي أن يوقف عنده .(27) انظر الأثر رقم : 5722 .(28) ما بين القوسين زيادة من المخطوطة .(29) انظرما سلف : 349 ، 350 .(30) انظر القول في قوله : "ملاقو الله" فيما سلف 2 : 20-22 /4 : 419 .(31) انظر تفسي"الإذن" فيما سلف 2 : 449 ، 450/ 4 : 287 ، 371 .(32) انظر معنى"الصبر" فيما سلف 2 : 11 ، 124/ 3 : 214 ، 349 ، وفهارس اللغة .(33) انظر ما سلف 2 : 17 - 20/ ثم : 265 .(34) في المطبوعة : "جمعه" ، وأثبت ما في المخطوطة .(35) في المطبوعة : " فئنك" ، وهو خطأ .(36) انظر تفسير"فيما سلف 3 : 214 .
2:250
وَ لَمَّا بَرَزُوْا لِجَالُوْتَ وَ جُنُوْدِهٖ قَالُوْا رَبَّنَاۤ اَفْرِغْ عَلَیْنَا صَبْرًا وَّ ثَبِّتْ اَقْدَامَنَا وَ انْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكٰفِرِیْنَؕ(۲۵۰)
پھر جب سامنے آئے جالوت اور اس کے لشکروں کے عرض کی اے رب ہمارے ہم پر صبر انڈیل اور ہمارے پاؤں جمے رکھ کافر لوگوں پرہماری مدد کر،

القول في تأويل قوله تعالى : وَلَمَّا بَرَزُوا لِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ قَالُوا رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ (250)قال أبو جعفر: يعني تعالى ذكره بقوله : " ولما برزوا لجالوت وجنوده "، ولما برز طالوت وجنوده لجالوت وجنوده.* * *ومعنى قوله: " برزوا " صاروا بالبراز من الأرض, وهو ما ظهر منها واستوى. ولذلك قيل للرجل القاضي حاجته: " تبرز "، لأن الناس قديما في الجاهلية، إنما كانوا يقضون حاجتهم في البراز من الأرض. وذلك كما قيل: (37) " تغوط"، لأنهم كانوا يقضون حاجتهم في" الغائط" من الأرض، وهو المطمئن منها, فقيل للرجال: " تغوط" أي صار إلى الغائط من الأرض.* * *وأما قوله: " ربنا أفرغ علينا صبرا "، فإنه يعني أن طالوت وأصحابه قالوا: " ربنا أفرغ علينا صبرا "، يعني أنزل علينا صبرا.* * *وقوله: " وثبت أقدامنا "، يعني: وقو قلوبنا على جهادهم، لتثبت أقدامنا فلا نهزم عنهم=" وانصرنا على القوم الكافرين "، الذين كفروا بك فجحدوك إلها وعبدوا غيرك، واتخذوا الأوثان أربابا.----------الهوامش :(37) في المخطوطة والمطبوعة : "لذلك كما قيل" ، والسياق يقتضي ما أثبت ، وليست"لذلك" من تمام الجملة السالفة .
2:251
فَهَزَمُوْهُمْ بِاِذْنِ اللّٰهِ ﳜ وَ قَتَلَ دَاوٗدُ جَالُوْتَ وَ اٰتٰىهُ اللّٰهُ الْمُلْكَ وَ الْحِكْمَةَ وَ عَلَّمَهٗ مِمَّا یَشَآءُؕ-وَ لَوْ لَا دَفْعُ اللّٰهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍۙ-لَّفَسَدَتِ الْاَرْضُ وَ لٰكِنَّ اللّٰهَ ذُوْ فَضْلٍ عَلَى الْعٰلَمِیْنَ(۲۵۱)
تو انہوں نے ان کو بھگا دیا اللہ کے حکم سے، اور قتل کیا داؤد نے جالوت کو (ف۵۰۹) اور اللہ نے اسے سلطنت اور حکمت (ف۵۱۰) عطا فرمائی اور اسے جو چاہا سکھایا (ف۵۱۱) اور اگر اللہ لوگوں میں بعض سے بعض کو دفع نہ کرے (ف۵۱۲) تو ضرور زمین تباہ ہوجائے مگر اللہ سارے جہان پر فضل کرنے والا ہے،

فهزموهم بإذن الله وقتل داود جالوتالقول في تأويل قوله تعالى : فهزموهم بإذن الله وقتل داود جالوت يعني تعالى ذكره بقوله : فهزم طالوت وجنوده أصحاب جالوت , وقتل داود جالوت . وفي هذا الكلام متروك ترك ذكره اكتفاء بدلالة ما ظهر منه عليه . وذلك أن معنى الكلام : ولما برزوا لجالوت وجنوده , قالوا : ربنا أفرغ علينا صبرا , وثبت أقدامنا وانصرنا على القوم الكافرين ! فاستجاب لهم ربهم , فأفرغ عليهم صبره , وثبت أقدامهم ونصرهم على القوم الكافرين , فهزموهم بإذن الله . ولكنه ترك ذكر ذلك اكتفاء بدلالة قوله : فهزموهم بإذن الله على أن الله قد أجاب دعاءهم الذي دعوه به . ومعنى قوله : فهزموهم بإذن الله قتلوهم بقضاء الله وقدره , يقال منه : هزم القوم الجيش هزيمة وهزيمي . وقتل داود جالوت وداود هذا هو داود بن إيشا نبي الله صلى الله عليه وسلم . وكان سبب قتله إياه كما : 4477 - حدثنا الحسن بن يحيى , قال : أخبرنا عبد الرزاق , قال : أخبرنا بكار بن عبد الله , قال : سمعت وهب بن منبه يحدث , قال : لما خرج , أو قال : لما برز طالوت لجالوت , قال جالوت : أبرزوا لي من يقاتلني , فإن قتلني , فلكم ملكي , وإن قتلته فلي ملككم ! فأتي بداود إلى طالوت , فقاضاه إن قتله أن ينكحه ابنته وأن يحكمه في ماله . فألبسه طالوت سلاحا , فكره داود أن يقاتله , وقال : إن الله لم ينصرني عليه لم يغن السلاح . فخرج إليه بالمقلاع وبمخلاة فيها أحجار , ثم برز له , قال له جالوت : أنت تقاتلني ؟ قال داود : نعم . قال : ويلك أما تخرج إلي إلا كما يخرج إلى الكلب بالمقلاع والحجارة ؟ لأبددن لحمك , ولأطعمنه اليوم الطير والسباع ! فقال له داود : بل أنت عدو الله شر من الكلب . فأخذ داود حجرا ورماه بالمقلاع , فأصابت بين عينيه حتى نفذت في دماغه , فصرع جالوت , وانهزم من معه , واحتز داود رأسه . فلما رجعوا إلى طالوت ادعى الناس قتل جالوت , فمنهم من يأتي بالسيف وبالشيء من سلاحه أو جسده , وخبأ داود رأسه , فقال طالوت : من جاء برأسه فهو الذي قتله . فجاء به داود . ثم قال لطالوت : أعطني ما وعدتني ! فندم طالوت على ما كان شرط له , وقال : إن بنات الملوك لا بد لهن من صداق , وأنت رجل جريء شجاع , فاحتمل صداقها ثلثمائة غلفة من أعدائنا ! وكان يرجو بذلك أن يقتل داود . فغزا داود وأسر منهم ثلثمائة , وقطع غلفهم وجاء بها , فلم يجد طالوت بدا من أن يزوجه . ثم أدركته الندامة , فأراد قتل داود حتى هرب منه إلى الجبل , فنهض إليه طالوت فحاصره . فلما كان ذات ليلة سلط النوم على طالوت وحرسه , فهبط إليهم داود , فأخذ إبريق طالوت الذي كان يشرب منه ويتوضأ , وقطع شعرات من لحيته وشيئا من هدب ثيابه , ثم رجع داود إلى مكانه , فناده أن حرسك , فإني لو شئت أقتلك البارحة فعلت , فإنه هذا إبريقك وشيء من شعر لحيتك وهدب ثيابك , وبعث إليه . فعلم طالوت أنه لو شاء قتله , فعطفه ذلك عليه فأمنه , وعاهده بالله لا يرى منه بأسا . ثم انصرف . ثم كان في آخر أمر طالوت أنه كان يدس لقتله , وكان طالوت لا يقاتل عدوا إلا هزم , حتى مات . قال بكار : وسئل وهب وأنا أسمع : أنبيا كان طالوت يوحى إليه ؟ فقال : لم يأته وحي , ولكن كان معه نبي يقال له أشمويل , يوحى إليه , وهو الذي ملك طالوت . 4478 - حدثنا ابن حميد , قال : ثنا سلمة , عن ابن إسحاق , قال : كان داود النبي وإخوة له أربعة , معهم أبوهم شيخ كبير , فتخلف أبوهم وتخلف معه داود من بين إخوته في غنم أبيه يرعاها له , وكان من أصغرهم وخرج إخوته الأربعة مع طالوت , فدعاه أبوه وقد تقارب الناس ودنا بعضهم من بعض . قال ابن إسحاق : وكان داود فيما ذكر لي بعض أهل العلم عن وهب بن منبه رجلا قصيرا أزرق قليل شعر الرأس , وكان طاهر القلب نقيه , فقال له أبوه : يا بني إنا قد صنعنا لإخوتك زادا يتقوون به على عدوهم , فاخرج به إليهم , فإذا دفعته إليهم فأقبل إلي سريعا ! فقال : أفعل . فخرج وأخذ معه ما حمل لإخوته , ومعه مخلاته التي يحمل فيها الحجارة ومقلاعه الذي كان يرمي به عن غنمه . حتى إذا فصل من عند أبيه , فمر بحجر , فقال : يا داود خذني فاجعلني في مخلاتك تقتل بي جالوت , فإني حجر يعقوب ! فأخذه فجعله في مخلاته , ومشى . فبينا هو يمشي إذ مر بحجر آخر , فقال : يا داود خذني فاجعلني في مخلاتك تقتل بي جالوت , فإني حجر إسحاق ! فأخذه فجعله في مخلاته , ثم مضى . فبينا هو يمشي إذ مر بحجر , فقال : يا داود خذني فاجعلني في مخلاتك تقتل بي جالوت , فإني حجر إبراهيم ! فأخذه فجعله في مخلاته . ثم مضى بما معه حتى انتهى إلى القوم , فأعطى إخوته ما بعث إليهم معه . وسمع في العسكر خوض الناس بذكر جالوت , وعظم شأنه فيهم , وبهيبة الناس إياه , ومما يعظمون من أمره , فقال لهم : والله إنكم لتعظمون من أمر هذا العدو شيئا ما أدري ما هو , والله إني لو أراه لقتلته , فأدخلوني على الملك ! فأدخل على الملك طالوت , فقال : أيها الملك إني أراكم تعظمون شأن هذا العدو , والله إني لو أراه لقتلته ! فقال : يا بني ما عندك من القوة على ذلك ؟ وما جربت من نفسك ؟ قال : قد كان الأسد يعدو على الشاة من غنمي , فأدركه فآخذ برأسه , فأفك لحييه عنها , فآخذها من فيه , فادع لي بدرع حتى ألقيها علي ! فأتي بدرع , فقذفها في عنقه ومثل فيها فملأ عين طالوت ونفسه ومن حضر من بني إسرائيل , فقال طالوت : والله لعسى الله أن يهلكه به ! فلما أصبحوا رجعوا إلى جالوت , فلما التقى الناس قال داود : أروني جالوت ! فأروه إياه على فرس عليه لامته ; فلما رآه جعلت الأحجار الثلاثة تواثب من مخلاته , فيقول هذا : خذني ! ويقول هذا : خذني ! ويقول هذا : خذني ! فأخذ أحدها فجعله في مقذافه , ثم قتله به , ثم أرسله فصك بين عيني جالوت فدمغه , وتنكس عن دابته فقتله . ثم انهزم جنده , وقال الناس : قتل داود جالوت , وخلع طالوت . وأقبل الناس على داود مكانه , حتى لم يسمع لطالوت بذكر ; إلا أن أهل الكتاب يزعمون أنه لما رأى انصراف بني إسرائيل عنه إلى داود , هم بأن يغتال داود وأراد قتله فصرف الله ذلك عنه وعن داود وعرف خطيئته , والتمس التوبة منها إلى الله . وقد روي عن وهب بن منبه في أمر طالوت وداود قول خلاف الروايتين اللتين ذكرنا قبل , وهو ما : 4479 - حدثني به المثنى , قال : ثنا إسحاق , قال : ثنا إسماعيل بن عبد الكريم , قال : ثني عبد الصمد بن معقل أنه سمع وهب بن منبه , قال : لما سلمت بنو إسرائيل الملك لطالوت أوحى إلى نبي بني إسرائيل أن قل لطالوت : فليغز أهل مدين , فلا يترك فيها حيا إلا قتله , فإني سأظهره عليهم ! فخرج بالناس حتى أتى مدين , فقتل من كان فيها إلا ملكهم , فإنه أسره , وساق مواشيهم . فأوحى الله إلى أشمويل : ألا تعجب من طالوت إذ أمرته فاختان فيه , فجاء بملكهم أسيرا , وساق مواشيهم , فالقه فقل له : لأنزعن الملك من بيته , ثم لا يعود فيه إلى يوم القيامة , فإني إنما أكرم من أطاعني , وأهين من هان عليه أمري ! فلقيه , فقال ما صنعت ؟ لم جئت بملكهم أسيرا , ولم سقت مواشيهم ؟ قال : إنما سقت المواشي لأقربها . قال له أشمويل : إن الله قد نزع من بيتك الملك , ثم لا يعود فيه إلى يوم القيامة . فأوحى الله إلى أشمويل أن انطلق إلى إيشا , فيعرض عليك بنيه , فادهن الذي آمرك بدهن القدس يكن ملكا على بني إسرائيل ! فانطلق حتى أتى إيشا , فقال : اعرض علي بنيك ! فدعا إيشا أكبر ولده , فأقبل رجل جسيم حسن المنظر , فلما نظر إليه أشمويل أعجبه , فقال : الحمد لله إن الله لبصير بالعباد ! فأوحى الله إليه : إن عينيك تبصران ما ظهر , وإني أطلع على ما في القلوب ليس بهذا , اعرض علي غيره , فعرض عليه ستة في كل ذلك يقول : ليس بهذا , فقال : هل لك من ولد غيرهم ؟ فقال : بني لي غلام وهو راع في الغنم . فقال : أرسل إليه ! فلما أن جاء داود جاء غلام أمعر , فدهنه بدهن القدس , وقال لأبيه : اكتم هذا , فإن طالوت لو يطلع عليه قتله ; فسار جالوت في قومه إلى بني إسرائيل , فعسكر وسار طالوت ببني إسرائيل وعسكر , وتهيئوا للقتال , فأرسل جالوت إلى طالوت : لم تقتل قومي وأقتل قومك ؟ ابرز لي أو أبرز لي من شئت , فإن قتلتك كان الملك لي , وإن قتلتني كان الملك لك ! فأرسل طالوت في عسكره صائحا من يبرز لجالوت , فإن قتله , فإن الملك ينكحه ابنته , ويشركه في ملكه . فأرسل إيشا داود إلى إخوته وكانوا في العسكر , فقال : اذهب فرد إخوتك , وأخبرني خبر الناس ماذا صنعوا . فجاء إلى إخوته , وسمع صوتا : إن الملك يقول : من يبرز لجالوت فإن قتله أنكحه الملك ابنته . فقال داود لإخوته : ما منكم رجل يبرز لجالوت فيقتله , وينكح ابنة الملك ؟ فقالوا : إنك غلام أحمق , ومن يطيق جالوت وهو من بقية الجبارين ؟ فلما لم يرهم رغبوا في ذلك , قال : فأنا أذهب فأقتله ! فانتهروه وغضبوا عليه . فلما غفلوا عنه , ذهب حتى جاء الصائح , فقال : أنا أبرز لجالوت . فذهب به إلى الملك , فقال له : لم يجبني أحد إلا غلام من بني إسرائيل هو هذا ؟ قال : يا بني أنت تبرز لجالوت فتقاتله ؟ قال : نعم . قال : وهل آنست من نفسك شيئا ؟ قال : نعم , كنت راعيا في الغنم , فأغار علي الأسد , فأخذت بلحييه ففككتهما . فدعا له بقوس وأداة كاملة , فلبسها وركب الفرس , ثم سار منهم قريبا . ثم صرف فرسه , فرجع إلى الملك , فقال الملك ومن حوله : جبن الغلام ! فجاء فوقف على الملك , فقال : ما شأنك ؟ قال داود : إن لم يقتله الله لي لم يقتله هذا الفرس وهذا السلاح , فدعني فأقاتل كما أريد . فقال : نعم يا بني . فأخذ داود مخلاته , فتقلدها وألقى فيها أحجارا , وأخذ مقلاعه الذي كان يرعى به . ثم مضى نحو جالوت ; فلما دنا من عسكره , قال : أين جالوت يبرز لي ؟ فبرز له على فرس عليه السلاح كله , فلما رآه جالوت قال : إليك أبرز ؟ قال نعم . قال : فأتيتني بالمقلاع والحجر كما يؤتى إلى الكلب ؟ قال : هو ذاك . قال : لا جرم إني سوف أقسم لحمك بين طير السماء وسباع الأرض . قال داود : أو يقسم الله لحمك . فوضع داود حجرا في مقلاعه , ثم دوره فأرسله نحو جالوت , فأصاب أنف البيضة التي على جالوت حتى خالط دماغه , فوقع من فرسه , فمضى داود إليه , فقطع رأسه بسيفه , فأقبل به في مخلاته , وبسلبه يجره , حتى ألقاه بين يدي طالوت , ففرحوا فرحا شديدا , وانصرف طالوت . فلما كان داخل المدينة , سمع الناس يذكرون داود , فوجد في نفسه , فجاءه داود , فقال : أعطني امرأتي ! فقال : أتريد ابنة الملك بغير صداق ؟ فقال داود : ما اشترطت علي صداقا , وما لي من شيء . قال : لا أكلفك إلا ما تطيق , أنت رجل جريء , وفي جبالنا هذه جراجمة يحتربون الناس وهم غلف , فإذا قتلت منهم مائتي رجل , فأتني بغلفهم . فجعل كلما قتل منهم رجلا نظم غلفته في خيط , حتى نظم مائتي غلفة , ثم جاء بهم إلى طالوت , فألقى إليه , فقال : ادفع لي امرأتي قد جئت بما اشترطت ! فزوجه ابنته . وأكثر الناس ذكر داود , وزاده عند الناس عجبا , فقال طالوت لابنه : لتقتلن داود ! قال : سبحان الله ليس بأهل ذلك منك ! قال : إنك غلام أحمق , ما أراه إلا سوف يخرجك وأهل بيتك من الملك . فلما سمع ذلك من أبيه , انطلق إلى أخته , فقال لها : إني قد خفت أباك أن يقتل زوجك داود , فمريه أن يأخذ حذره , ويتغيب منه . فقالت له امرأته ذلك فتغيب . فلما أصبح أرسل طالوت من يدعو له داود , وقد صنعت امرأته على فراشه كهيئة النائم ولحفته . فلما جاء رسول طالوت قال : أين داود ؟ ليجب الملك ! فقالت له : بات شاكيا ونام الآن ترونه على الفراش . فرجعوا إلى طالوت فأخبروه ذلك , فمكث ساعة ثم أرسل إليه , فقالت : هو نائم لم يستيقظ بعد . فرجعوا إلى الملك فقال : ائتوني به وإن كان نائما ! فجاءوا إلى الفراش , فلم يجدوا عليه أحدا . فجاءوا الملك فأخبروه , فأرسل إلى ابنته فقال : ما حملك على أن تكذبيني ؟ قالت : هو أمرني بذلك , وخفت إن لم أفعل أمره أن يقتلني . وكان داود فارا في الجبل حتى قتل طالوت , وملك داود بعده . 4480 - حدثني محمد بن عمرو , قال : ثنا أبو عاصم , عن عيسى , عن ابن أبي نجيح , عن مجاهد , قال : كان طالوت أميرا على الجيش , فبعث أبو داود مع داود بشيء إلى إخوته , فقال داود لطالوت : ماذا لي فأقتل جالوت ؟ قال : لك ثلث مالي , وأنكحك ابنتي . فأخذ مخلاته , فجعل فيها ثلاث مروات , ثم سمى حجارته تلك إبراهيم وإسحاق ويعقوب , ثم أدخل يده فقال : باسم إلهي وإله آبائي إبراهيم وإسحاق ويعقوب ! فخرج على إبراهيم , فجعله في مرجمته , فخرقت ثلاثا وثلاثين بيضة عن رأسه , وقتلت ثلاثين ألفا من ورائه . 4481 - حدثني موسى , قال : ثنا عمرو , قال : ثنا أسباط , عن السدي , قال : عبر يومئذ النهر مع طالوت أبو داود فيمن عبر مع ثلاثة عشر ابنا له , وكان داود أصغر بنيه . فأتاه ذات يوم فقال : يا أبتاه ما أرمي بقذافتي شيئا إلا صرعته . فقال : أبشر يا بني , فإن الله قد جعل رزقك في قذافتك ! ثم أتاه مرة أخرى قال : يا أبتاه لقد دخلت بين الجبال , فوجدت أسدا رابضا , فركبت عليه , فأخذت بأذنيه , فلم يهجني . قال : أبشر يا بني , فإن هذا خير يعطيكه الله ! ثم أتاه يوما آخر فقال : يا أبتاه إني لأمشي بين الجبال , فأسبح , فما يبقى جبل إلا سبح معي . فقال : أبشر يا بني , فإن هذا خير أعطاكه الله ! . وكان داود راعيا , وكان أبوه خلفه يأتي إليه وإلى إخوته بالطعام . فأتى النبي بقرن فيه دهن وبثوب من حديد , فبعث به إلى طالوت , فقال : إن صاحبكم الذي يقتل جالوت يوضع هذا القرن على رأسه فيغلي حتى يدهن منه ولا يسيل على وجهه , يكون على رأسه كهيئة الإكليل , ويدخل في هذا الثوب فيملؤه . فدعا طالوت بني إسرائيل فجربهم , فلم يوافقه منهم أحد . فلما فرغوا , قال طالوت لأبي داود : هل بقي لك من ولد لم يشهدنا ؟ قال : نعم , بقي ابني داود , وهو يأتينا بطعامنا . فلما أتاه داود مر في الطريق بثلاثة أحجار , فكلمنه , وقلن له : خذنا يا داود تقتل بنا جالوت ! قال : فأخذهن فجعلهن في مخلاته . وكان طالوت قال : من قتل جالوت زوجته ابنتي , وأجريت خاتمه في ملكي . فلما جاء داود وضعوا القرن على رأسه , فغلى حتى ادهن منه , ولبس الثوب فملأه , وكان رجلا مسقاما مصفارا , ولم يلبسه أحد إلا تقلقل فيه . فلما لبسه داود تضايق الثوب عليه حتى تنقض . ثم مشى إلى جالوت , وكان جالوت من أجسم الناس وأشدهم ; فلما نظر إلى داود قذف في قلبه الرعب منه , فقال له : يا فتى ارجع فإني أرحمك أن أقتلك ! قال داود : لا , بل أنا أقتلك . فأخرج الحجارة فجعلها في القذافة , كلما رفع حجرا سماه , فقال : هذا باسم أبي إبراهيم , والثاني باسم أبي إسحاق , والثالث باسم أبي إسرائيل . ثم أدار القذافة فعادت الأحجار حجرا واحدا , ثم أرسله فصك به بين عيني جالوت , فنقب رأسه فقتله . ثم لم تزل تقتل كل إنسان تصيبه تنفذ منه , حتى لم يكن بحيالها أحد . فهزموهم عند ذلك , وقتل داود جالوت . ورجع طالوت , فأنكح داود ابنته , وأجرى خاتمه في ملكه ; فمال الناس إلى داود فأحبوه . فلما رأى ذلك طالوت وجد في نفسه وحسده , فأراد قتله . فعلم به داود أنه يريد به ذلك , فسجى له زق خمر في مضجعه , فدخل طالوت إلى منام داود , وقد هرب داود فضرب الزق ضربة فخرقه , فسالت الخمر منه , فوقعت قطرة من خمر في فيه , فقال : يرحم الله داود ما كان أكثر شربه للخمر ! ثم إن داود أتاه من القابلة في بيته وهو نائم , فوضع سهمين عند رأسه وعند رجليه وعن يمينه وعن شماله سهمين ; فلما استيقظ طالوت بصر بالسهام فعرفها , فقال : يرحم الله داود هو خير مني , ظفرت به فقتلته , وظفر بي فكف عني . ثم إنه ركب يوما فوجده يمشي في البرية وطالوت على فرس , فقال طالوت : اليوم أقتل داود ! وكان داود إذا فزع لا يدرك , فركض على أثره طالوت , ففزع داود , فاشتد فدخل غارا , وأوحى الله إلى العنكبوت فضربت عليه بيتا ; فلما انتهى طالوت إلى الغار نظر إلى بناء العنكبوت , فقال : لو كان دخل ها هنا لخرق بيت العنكبوت , فخيل إليه فتركه . 4482 - حدثت عن عمار بن الحسن , قال : ثنا ابن أبي جعفر , عن أبيه , عن الربيع , قال : ذكر لنا أن داود حين أتاهم كان قد جعل معه مخلاة فيها ثلاثة أحجار . وإن جالوت برز لهم , فنادى : ألا رجل لرجل ! فقال طالوت : من يبرز له , وإلا برزت له . فقام داود فقال : أنا فقام له طالوت فشد عليه درعه , فجعل يراه يشخص فيها ويرتفع . فعجب من ذلك طالوت , فشد عليه أداته كلها . وإن داود رماهم بحجر من تلك الحجارة فأصاب في القوم , ثم رمى الثانية بحجر فأصاب فيهم , ثم رمى الثالثة فقتل جالوت . فآتاه الله الملك والحكمة , وعلمه مما يشاء , وصار هو الرئيس عليهم , وأعطوه الطاعة . 4483 - حدثني يونس , قال : أخبرنا ابن وهب , قال : ثني ابن زيد في قول الله تعالى ذكره : ألم تر إلى الملإ من بني إسرائيل فقرأ حتى بلغ : فلما كتب عليهم القتال تولوا إلا قليلا منهم والله عليم بالظالمين قال : أوحى الله إلى نبيهم إن في ولد فلان رجلا يقتل الله به جالوت , ومن علامته هذا القرن تضعه على رأسه , فيفيض ماء . فأتاه فقال : إن الله أوحى إلي أن في ولد فلان رجلا يقتل الله به جالوت , فقال : نعم يا نبي الله , قال : فأخرج له اثني عشر رجلا أمثال السواري , وفيهم رجل بارع عليهم , فجعل يعرضهم على القرن فلا يرى شيئا , فيقول لذلك الجسيم : ارجع فيرده عليه , فأوحى الله إليه : إنا لا نأخذ الرجال على صورهم , ولكن نأخذهم على صلاح قلوبهم , قال : يا رب قد زعم أنه ليس له ولد غيره , فقال : كذب , فقال : إن ربي قد كذبك , وقال : إن لك ولدا غيرهم , فقال : صدق يا نبي الله , لي ولد قصير استحييت أن يراه الناس , فجعلته في الغنم , قال : فأين هو ؟ قال في شعب كذا وكذا من جبل كذا وكذا , فخرج إليه , فوجد الوادي قد سال بينه وبين التي كان يريح إليها قال : ووجده يحمل شاتين يجيز بهما , ولا يخوض بهما السيل , فلما رآه قال : هذا هو لا شك فيه , هذا يرحم البهائم فهو بالناس أرحم , قال : فوضع القرن على رأسه ففاض , فقال له : ابن أخي هل رأيت ها هنا من شيء يعجبك ؟ قال : نعم إذا سبحت , سبحت معي الجبال , وإذا أتى النمر أو الذئب أو السبع أخذ شاة قمت إليه , فافتح لحييه عنها فلا يهيجني , وألفى معه صفنه , قال : فمر بثلاثة أحجار يأثر بعضها على بعض : كل واحد منها يقول : أنا الذي يأخذ , ويقول هذا : لا بل إياي يأخذ , ويقول الآخر مثل ذلك , قال : فأخذهن جميعا , فطرحهن في صفنه ; فلما جاء مع النبي صلى الله عليه وسلم وخرجوا قال لهم نبيهم : إن الله قد بعث لكم طالوت ملكا فكان من قصة نبيهم وقصتهم ما ذكر الله في كتابه , وقرأ حتى بلغ : والله مع الصابرين قال : واجتمع أمرهم وكانوا جميعا , وقرأ : وانصرنا على القوم الكافرين وبرز جالوت على برذون له أبلق , في يده قوس ونشاب , فقال : من يبرز ؟ أبرزوا إلي رأسكم , قال : ففظع به طالوت , قال : فالتفت إلى أصحابه فقال : من رجل يكفيني اليوم جالوت , فقال داود أنا , فقال تعال , قال : فنزع درعا له , فألبسه إياها , قال : ونفخ الله من روحه فيه حتى ملأه , قال : فرمى بنشابة , فوضعها في الدرع , قال : فكسرها داود ولم تضره شيئا ثلاث مرات , ثم قال له : خذ الآن , فقال داود : اللهم اجعله حجرا واحدا , قال : وسمى واحدا إبراهيم , وآخر إسحاق , وآخر يعقوب , قال : فجمعهن جميعا فكن حجرا واحدا , قال : فأخذهن وأخذ مقلاعا , فأدارها ليرمي بها , فقال : أترميني كما ترمي السبع والذئب , ارمني بالقوس , قال : لا أرميك اليوم إلا بها , فقال له مثل ذلك أيضا , فقال نعم , وأنت أهون علي من الذئب , فأدارها وفيها أمر الله وسلطان الله , قال : فخلى سبيلها مأمورة , قال : فجاءت مظلة فضربت بين عينيه حتى خرجت من قفاه , ثم قتلت من أصحابه وراءه كذا وكذا , وهزمهم الله . 4484 - حدثنا القاسم , قال : ثنا الحسين , قال : ثني حجاج , عن ابن جريج , قال : لما قطعوا ذلك يعني النهر الذي قال الله فيه مخبرا عن قيل طالوت لجنوده : إن الله مبتليكم بنهر وجاء جالوت وشق على طالوت قتاله , فقال طالوت للناس : لو أن جالوت قتل أعطيت الذي يقتله نصف ملكي , وناصفته كل شيء أملكه , فبعث الله داود , وداود يومئذ في الجبل راعي غنم , وقد غزا مع طالوت تسعة إخوة لداود , وهم أند منه وأعتى منه , وأعرف في الناس منه , وأوجه عند طالوت منه , فغزا وتركوه في غنمهم , فقال داود حين ألقى الله في نفسه ما ألقى وأكرمه : لأستودعن ربي غنمي اليوم , ولآتين الناس فلأنظرن ما الذي بلغني من قول الملك لمن قتل جالوت , فأتى داود إخوته , فلاموه حين أتاهم , فقالوا : لم جئت ؟ قال : لأقتل جالوت , فإن الله قادر أن أقتله , فسخروا منه . قال ابن جريج : قال مجاهد : كان بعث أبو داود مع داود بشيء إلى إخوته , فأخذ مخلاة فجعل فيها ثلاث مروات , ثم سماهن إبراهيم وإسحاق ويعقوب . قال ابن جريج : قالوا : وهو ضعيف رث الحال , فمر بثلاثة أحجار , فقلن له : خذنا يا داود فقاتل بنا جالوت . فأخذهن داود وألقاهن في مخلاته , فلما ألقاهن سمع حجرا منهن يقول لصاحبه : أنا حجر هارون الذي قتل بي ملك كذا وكذا ; وقال الثاني : أنا حجر موسى الذي قتل بي ملك كذا وكذا ; وقال الثالث : أنا حجر داود الذي أقتل جالوت , فقال الحجران : يا حجر داود نحن أعوان لك , فصرن حجرا واحدا ; وقال الحجر : يا داود اقذف بي فإني سأستعين بالريح , وكانت بيضته فيما يقولون والله أعلم فيها ستمائة رطل , فأقع في رأس جالوت فأقتله . قال ابن جريج : وقال مجاهد : سمى واحدا إبراهيم , والآخر إسحاق , والآخر يعقوب , وقال : باسم إلهي وإله آبائي إبراهيم وإسحاق ويعقوب , وجعلهن في مرجمته . قال ابن جريج : فانطلق حتى نفذ إلى طالوت , فقال : إنك قد جعلت لمن قتل جالوت نصف ملكك ونصف كل شيء تملك . أفلي ذلك إن قتلته ؟ قال : نعم , والناس يستهزءون بداود , وإخوة داود أشد من هنالك عليه , وكان طالوت لا ينتدب إليه أحد زعم أنه يقتل جالوت إلا ألبسه درعا عنده , فإذا لم تكن قدرا عليه نزعها عنها , وكانت درعا سابغة من دروع طالوت , فألبسها داود ; فلما رأى قدرها عليه أمره أن يتقدم , فتقدم داود , فقام مقاما لا يقوم فيه أحد وعليه الدرع , فقال له جالوت : ويحك من أنت إني أرحمك , ليتقدم إلي غيرك من هذه الملوك , أنت إنسان ضعيف مسكين , فارجع , فقال داود : أنا الذي أقتلك بإذن الله , ولن أرجع حتى أقتلك , فلما أبى داود إلا قتاله , تقدم جالوت إليه ليأخذه بيده مقتدرا عليه , فأخرج الحجر من المخلاة , فدعا ربه , ورماه بالحجر , فألقت الريح بيضته عن رأسه , فوقع الحجر في رأس جالوت حتى دخل في جوفه , فقتله . قال ابن جريج : وقال مجاهد : لما رمى جالوت بالحجر خرق ثلاثا وثلاثين بيضة عن رأسه , وقتلت من ورائه ثلاثين ألفا , قال الله تعالى : وقتل داود جالوت فقال داود لطالوت : وف بما جعلت , فأبى طالوت أن يعطيه ذلك , فانطلق داود , فسكن مدينة من مدائن بني إسرائيل , حتى مات طالوت ; فلما مات عمد بنو إسرائيل إلى داود , فجاءوا به , فملكوه , وأعطوه خزائن طالوت , وقالوا : لم يقتل جالوت إلا نبي , قال الله : وقتل داود جالوت وآتاه الله الملك والحكمة وعلمه مما يشاء وآتاه الله الملك والحكمة وعلمه مما يشاءالقول في تأويل قوله تعالى : وآتاه الله الملك والحكمة وعلمه مما يشاء يعني تعالى ذكره بذلك : وأعطى الله داود الملك والحكمة وعلمه مما يشاء . والهاء في قوله : وآتاه الله عائدة على داود والملك السلطان والحكمة النبوة . وقوله : وعلمه مما يشاء يعني علمه صنعة الدروع , والتقدير في السرد , كما قال الله تعالى ذكره : وعلمناه صنعة لبوس لكم لتحصنكم من بأسكم 21 80 وقد قيل : إن معنى قوله : وآتاه الله الملك والحكمة أن الله آتى داود ملك طالوت ونبوة أشمويل . ذكر من قال ذلك : 4485 - حدثني موسى , قال : ثنا عمرو , قال : ثنا أسباط , عن السدي , قال : ملك داود بعدما قتل طالوت , وجعله الله نبيا , وذلك قوله : وآتاه الله الملك والحكمة قال : الحكمة : هي النبوة , آتاه نبوة شمعون , وملك طالوت .ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض ولكن الله ذو فضل على العالمينالقول في تأويل قوله تعالى : ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض ولكن الله ذو فضل على العالمين يعني تعالى ذكره بذلك : ولولا أن الله يدفع ببعض الناس , وهم أهل الطاعة له والإيمان به , بعضا وهم أهل المعصية لله , والشرك به , كما دفع عن المتخلفين عن طالوت يوم جالوت من أهل الكفر بالله والمعصية له وقد أعطاهم ما سألوا ربهم ابتداء من بعثة ملك عليهم ليجاهدوا معه في سبيله بمن جاهد معه من أهل الإيمان بالله واليقين والصبر , جالوت وجنوده , لفسدت الأرض , يعني لهلك أهلها بعقوبة الله إياهم , ففسدت بذلك الأرض , ولكن الله ذو من على خلقه , وتطول عليهم بدفعه بالبر من خلقه عن الفاجر , وبالمطيع عن العاصي منهم , وبالمؤمن عن الكافر . وهذه الآية إعلام من الله تعالى ذكره أهل النفاق الذين كانوا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم المتخلفين عن مشاهده والجهاد معه للشك الذي في نفوسهم ومرض قلوبهم والمشركين وأهل الكفر منهم , وأنه إنما يدفع عنهم معاجلتهم العقوبة , على كفرهم ونفاقهم بإيمان المؤمنين به وبرسوله , الذين هم أهل البصائر والجد في أمر الله , وذوو اليقين بإنجاز الله إياهم وعده على جهاد أعدائه , وأعداء رسوله من النصر في العاجل , والفوز بجناته في الآخرة . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك : 4486 - حدثني محمد بن عمر , قال : ثنا أبو عاصم عن عيسى , عن ابن أبي نجيح , عن مجاهد في قول الله : ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض يقول : ولولا دفع الله بالبار عن الفاجر , ودفعه ببقية أخلاف الناس بعضهم عن بعض لفسدت الأرض بهلاك أهلها . * حدثني المثنى , قال : ثنا أبو حذيفة , قال : ثنا سبل , عن ابن أبي نجيح , عن مجاهد : ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض يقول : ولولا دفاع الله بالبر عن الفاجر , وببقية أخلاف الناس بعضهم عن بعض لهلك أهلها . 4487 - حدثنا ابن وكيع , قال : ثنا أبي , عن حنظلة , عن أبي مسلم , قال : سمعت عليا يقول : لولا بقية من المسلمين فيكم لهلكتم . 4488 - حدثني المثنى , قال : ثنا إسحاق , قال : ثنا ابن أبي جعفر , عن أبيه , عن الربيع في قوله : ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض يقول : لهلك من في الأرض . 4489 - حدثني أبو حميد الحمصي أحمد بن المغيرة , قال : ثنا يحيى بن سعيد , قال : ثنا حفص بن سليمان , عن محمد بن سوقة , عن وبرة بن عبد الرحمن , عن ابن عمر , قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن الله ليدفع بالمؤمن الصالح عن مائة أهل بيت من جيرانه البلاء " ثم قرأ ابن عمر : ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض 4490 - حدثني أحمد أبو حميد الحمصي , قال : ثنا يحيى بن سعيد , قال : ثنا عثمان بن عبد الرحمن , عن محمد بن المنكدر , عن جابر بن عبد الله , قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن الله ليصلح بصلاح الرجل المسلم ولده وولد ولده وأهل دويرته ودويرات حوله , ولا يزالون في حفظ الله ما دام فيهم " . وقد دللنا على قوله العالمين , وذكرنا الرواية فيه . وأما القراء فإنها اختلفت في قراءة قوله : ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض . فقرأته جماعة من القراء : ولولا دفع الله على وجه المصدر من قول القائل : دفع الله عن خلقه , فهو يدفع دفعا . واحتجت لاختيارها ذلك بأن الله تعالى ذكره , هو المتفرد بالدفع عن خلقه , ولا أحد يدافعه فيغالبه . وقرأت ذلك جماعة أخرى من القراء : " ولولا دفاع الله الناس " على وجه المصدر من قول القائل : دافع الله عن خلقه , فهو يدافع مدافعة ودفاعا . واحتجت لاختيارها ذلك بأن كثيرا من خلقه يعادون أهل دين الله , وولايته والمؤمنين به , فهو بمحاربتهم إياهم ومعاداتهم لهم لله مدافعون بباطلهم , ومغالبون بجهلهم , والله مدافعهم عن أوليائه وأهل طاعته والإيمان به . والقول في ذلك عندي أنهما قراءتان قد قرأت بهما القراء وجاءت بهما جماعة الأمة , وليس في القراءة بأحد الحرفين إحالة معنى الآخر . وذلك أن من دافع غيره عن شيء , فمدافعه عنه دافع , ومتى امتنع المدفوع عن الاندفاع , فهو لمدافعه مدافع ; ولا شك أن جالوت وجنوده كانوا بقتالهم طالوت وجنوده , محاولين مغالبة حزب الله وجنده , وكان في محاولتهم ذلك محاولة مغالبة الله ودفاعه عما قد تضمن لهم من النصرة , وذلك هو معنى مدافعة الله عن الذين دافع الله عنهم بمن قاتل جالوت وجنوده من أوليائه . فتبين إذا أن سواء قراءة من قرأ : ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض وقراءة من قرأ : " ولولا دفاع الله الناس بعضهم ببعض " في التأويل والمعنى .
2:252
تِلْكَ اٰیٰتُ اللّٰهِ نَتْلُوْهَا عَلَیْكَ بِالْحَقِّؕ-وَ اِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِیْنَ(۲۵۲)
یہ اللہ کی آیتیں ہیں کہ ہم اے محبوب تم پر ٹھیک ٹھیک پڑھتے ہیں، اور تم بےشک رسولوں میں ہو۔

القول في تأويل قوله تعالى : تِلْكَ آيَاتُ اللَّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ (252)قال أبو جعفر: يعني تعالى ذكره بقوله: " تلك آيات الله " (135) هذه الآيات التي اقتص الله فيها أمر الذين خرجوا من ديارهم وهم ألوف حذر الموت، وأمر الملأ من بني إسرائيل من بعد موسى الذين سألوا نبيهم أن يبعث لهم طالوت ملكا وما بعدها من الآيات إلى قوله : وَلَكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ .ويعني بقوله : " آيات الله "، حججه وأعلامه وأدلته. (136) .* * *يقول الله تعالى ذكره: فهذه الحجج التي أخبرتك بها يا محمد، وأعلمتك= من قدرتي على إماتة من هرب من الموت في ساعة واحدة وهم ألوف، وإحيائي إياهم بعد ذلك، وتمليكي طالوت أمر بني إسرائيل، بعد إذ كان سقاء أو دباغا من غير أهل بيت المملكة، وسلبي ذلك إياه بمعصيته أمري، وصرفي ملكه إلى داود لطاعته إياي، ونصرتي أصحاب طالوت، مع قلة عددهم، وضعف شوكتهم على جالوت وجنوده، مع كثرة عددهم، وشدة بطشهم= (137) حججي على من جحد نعمتي، وخالف أمري، وكفر برسولي من أهل الكتابين التوراة والإنجيل، العالمين بما اقتصصت عليك من الأنباء الخفية، التي يعلمون أنها من عندي، (138) .لم تتخرصها ولم تتقولها أنت يا محمد، لأنك أمي، ولست ممن قرأ الكتب، فيلتبس عليهم أمرك، ويدعوا أنك قرأت ذلك فعلمته من بعض أسفارهم= ولكنها حججي عليهم أتلوها عليك يا محمد، بالحق اليقين كما كان، لا زيادة فيه، ولا تحريف، ولا تغيير شيء منه عما كان=" وإنك " يا محمد " لمن المرسلين " ، يقول: إنك لمرسل متبع في طاعتي، وإيثار مرضاتي على هواك، فسالكٌ في ذلك من أمرك سبيل من قبلك من رسلي الذين أقاموا على أمري، وآثروا رضاي على هواهم، ولم تغيرهم الأهواء، ومطامع الدنيا، كما غير طالوت هواه، وإيثاره ملكه، على ما عندي لأهل ولايتي، ولكنك مؤثر أمري كما آثره المرسلون الذين قبلك.* * *---------------------------الهوامش :(135) انظر مجيء"ذلك"و"تلك" بمعنى : "هذا ، وهذه" ، فيما سلف 1 : 225 -227/ 3 : 335 .(136) انظر تفسير"الآية" فيما سلف 1 : 106 ، ثم هذا الجزء : 337 والمراجع في التعليق هناك .(137) في المطبوعة : "حجج على من جحد" ، وأثبت ما في المخطوطة . والسياق : "فهذه الحجج... حججي" .(138) في المخطوطة : "من الأنباء الحصه" غير منقوطة ولا بينة ، وما في المطبوعة صحيح المعنى .
2:253
تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلٰى بَعْضٍۘ-مِنْهُمْ مَّنْ كَلَّمَ اللّٰهُ وَ رَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجٰتٍؕ-وَ اٰتَیْنَا عِیْسَى ابْنَ مَرْیَمَ الْبَیِّنٰتِ وَ اَیَّدْنٰهُ بِرُوْحِ الْقُدُسِؕ-وَ لَوْ شَآءَ اللّٰهُ مَا اقْتَتَلَ الَّذِیْنَ مِنْۢ بَعْدِهِمْ مِّنْۢ بَعْدِ مَا جَآءَتْهُمُ الْبَیِّنٰتُ وَ لٰكِنِ اخْتَلَفُوْا فَمِنْهُمْ مَّنْ اٰمَنَ وَ مِنْهُمْ مَّنْ كَفَرَؕ-وَ لَوْ شَآءَ اللّٰهُ مَا اقْتَتَلُوْا۫-وَ لٰكِنَّ اللّٰهَ یَفْعَلُ مَا یُرِیْدُ۠(۲۵۳)
یہ (ف۵۱۳) رسول ہیں کہ ہم نے ان میں ایک کو دوسرے پر افضل کیا (ف۵۱۴) ان میں کسی سے اللہ نے کلام فرمایا (ف۵۱۵) اور کوئی وہ ہے جسے سب پر درجوں بلند کیا (ف۵۱۶) اور ہم نے مریم کے بیٹے عیسیٰ کو کھلی نشانیاں دیں (ف۵۱۷) اور پاکیزہ روح سے اس کی مدد کی (ف۵۱۸) اور اللہ چاہتا تو ان کے بعد والے آپس میں نہ لڑتے نہ اس کے کہ ان کے پاس کھلی نشانیاں آچکیں (ف۵۱۹) لیکن وہ مختلف ہوگئے ان میں کوئی ایمان پر رہا اور کوئی کافر ہوگیا (ف۵۲۰) اور اللہ چاہتا تو وہ نہ لڑتے مگر اللہ جو چاہے کرے(ف۵۲۱)

القول في تأويل قوله تعالى : تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللَّهُ وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجَاتٍقال أبو جعفر: يعني تعالى ذكره بقوله: " تلك "، الرسل الذين قص الله قصصهم في هذه السورة، كموسى بن عمران وإبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب وشمويل وداود، وسائر من ذكر نبأهم في هذه السورة. يقول تعالى ذكره: هؤلاء رسلي فضلت بعضهم على بعض، فكلمت بعضهم = والذي كلمته منهم موسى صلى الله عليه وسلم = ورفعت بعضهم درجات على بعض بالكرامة ورفعة المنزلة، كما:-5755 - حدثني محمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قول الله تعالى ذكره: " تلك الرسل فضلنا بعضهم على بعض "، قال: يقول: منهم من كلم الله، ورفع بعضهم على بعض درجات. يقول: كلم الله موسى، وأرسل محمدا إلى الناس كافة.5756 - حدثني المثنى، قال: حدثنا أبو حذيفة، قال: حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد بنحوه.* * *ومما يدل على صحة ما قلنا في ذلك:=5757 - قول النبي صلى الله عليه وسلم: " أعطيت خمسا لم يعطهن أحد قبلي: بعثت إلى الأحمر والأسود، ونصرت بالرعب، فإن العدو ليرعب مني على مسيرة شهر، وجعلت لي الأرض مسجدا وطهورا، وأحلت لي الغنائم ولم تحل لأحد كان قبلي، وقيل لي: سل تعطه، فاختبأتها شفاعة لأمتي، فهي نائلة منكم إن شاء الله من لا يشرك بالله شيئا " (1) .* * *القول في تأويل قوله تعالى : وَآتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِقال أبو جعفر :يعني تعالى ذكره بقوله: (2) " وآتينا عيسى ابن مريم البينات "، وآتينا عيسى ابن مريم الحجج والأدلة على نبوته: (3) من إبراء الأكمه والأبرص، وإحياء الموتى، وما أشبه ذلك، مع الإنجيل الذي أنزلته إليه، فبينت فيه ما فرضت عليه.* * *ويعني تعالى ذكره بقوله: " وأيدناه "، وقويناه وأعناه= (4) " بروح القدس "، يعني بروح الله، وهو جبريل. وقد ذكرنا اختلاف أهل العلم في معنى روح القدس والذي هو أولى بالصواب من القول في ذلك فيما مضى قبل، فأغنى ذلك عن إعادته في هذا الموضع (5) .* * *القول في تأويل قوله تعالى : وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلَ الَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُقال أبو جعفر: يعني تعالى ذكره بذلك: ولو أراد الله=" ما اقتتل الذين من بعدهم "، (6) يعني من بعد الرسل الذين وصفهم بأنه فضل بعضهم على بعض، ورفع بعضهم درجات، وبعد عيسى ابن مريم، وقد جاءهم من الآيات بما فيه مزدجر لمن هداه الله ووفقه.* * *ويعني بقوله: " من بعد ما جاءتهم البينات "، يعني: من بعد ما جاءهم من آيات الله ما أبان لهم الحق، وأوضح لهم السبيل.* * *وقد قيل: إن " الهاء " و " الميم " في قوله: " من بعدهم "، من ذكر موسى وعيسى. * ذكر من قال ذلك:5758 - حدثنا بشر بن معاذ، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة: " ولو شاء الله ما اقتتل الذين من بعدهم من بعد ما جاءتهم البينات "، يقول: من بعد موسى وعيسى.5759 - حدثت عن عمار، قال: حدثنا ابن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع قوله: " ولو شاء الله ما اقتتل الذين من بعدهم من بعد ما جاءتهم البينات " يقول: من بعد موسى وعيسى.* * *القول في تأويل قوله تعالى : وَلَكِنِ اخْتَلَفُوا فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ وَمِنْهُمْ مَنْ كَفَرَ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلُوا وَلَكِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ (253)قال أبو جعفر: يعني تعالى ذكره بذلك: ولكن اختلف هؤلاء الذين من بعد الرسل، لما لم يشأ الله منهم تعالى ذكره أن لا يقتتلوا، فاقتتلوا من بعد ما جاءتهم البينات من عند ربهم بتحريم الاقتتال والاختلاف، وبعد ثبوت الحجة عليهم بوحدانية الله ورسالة رسله ووحي كتابه، فكفر بالله وبآياته بعضهم، وآمن بذلك بعضهم. فأخبر تعالى ذكره: أنهم أتوا ما أتوا من الكفر والمعاصي، (7) بعد علمهم بقيام الحجة عليهم بأنهم على خطأ، تعمدا منهم للكفر بالله وآياته.ثم قال تعالى ذكره لعباده: " ولو شاء الله ما اقتتلوا "، يقول: ولو أراد الله أن يحجزهم - بعصمته وتوفيقه إياهم- عن معصيته فلا يقتتلوا، ما اقتتلوا ولا اختلفوا=" ولكن الله يفعل ما يريد "، بأن يوفق هذا لطاعته والإيمان به فيؤمن به ويطيعه، ويخذل هذا فيكفر به ويعصيه.----------------الهوامش :(1) الأثر : 5757 -ساقه بغير إسناد ، وقد اختلف ألفاظه ، وهو من حديث ابن عباس في المسند رقم : 2742 ، والمسند 5 : 145 ، 147 ، 148 ، 161 ، 162 (حلبي) والمستدرك 2 : 424 ورواه مسلم بغير اللفظ 5 : 3 ، والبخاري ، (الفتح 1 : 369 ، 444) مواضع أخرى . وهو حديث صحيح .(2) في المطبوعة والمخطوطة : "يعنى تعالى ذكره بذلك" ، وهو لا يستقيم .(3) انظر تفسير"البينات"فيما سلف 2 : 328/ 4 : 271 ، والمراجع هناك ، وانظر فهرس اللغة .(4) انظر تفسير"أيد"فيما سلف 2 : 319 ، 320 .(5) انظر ما سلف 2 : 320- 323 .(6) في المطبوعة ، أتم الآية : "من بعد ما جاءتهم البينات" ، وأثبت ما في المخطوطة .(7) في المخطوطة : "أتوا ما أنزل من الكفر" ، وهو سهو فاحش من شدة عجلة الكاتب ، كما تتبين ذلك جليا من تغيُّر خطه في هذا الموضع أيضًا .
2:254
یٰۤاَیُّهَا الَّذِیْنَ اٰمَنُوْۤا اَنْفِقُوْا مِمَّا رَزَقْنٰكُمْ مِّنْ قَبْلِ اَنْ یَّاْتِیَ یَوْمٌ لَّا بَیْعٌ فِیْهِ وَ لَا خُلَّةٌ وَّ لَا شَفَاعَةٌؕ-وَ الْكٰفِرُوْنَ هُمُ الظّٰلِمُوْنَ(۲۵۴)
اے ایمان والو! اللہ کی راہ میں ہمارے دیئے میں سے خرچ کرو وہ دن آنے سے پہلے جس میں نہ خرید و فروخت ہے اور نہ کافروں کے لئے دوستی اور نہ شفاعت، اور کافر خود ہی ظالم ہیں (ف۵۲۲)

القول في تأويل قوله تعالى : يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِمَّا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لا بَيْعٌ فِيهِ وَلا خُلَّةٌ وَلا شَفَاعَةٌ وَالْكَافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ (254)قال أبو جعفر: يعني تعالى ذكره بذلك: يا أيها الذين آمنوا أنفقوا في سبيل الله مما رزقناكم من أموالكم، وتصدقوا منها، وآتوا منها الحقوق التي فرضناها عليكم. وكذلك كان ابن جريج يقول فيما بلغنا عنه:5760 - حدثنا القاسم، قال: حدثنا الحسين، قال: حدثني حجاج، عن ابن جريج قوله: " يا أيها الذين آمنوا أنفقوا مما رزقناكم "، قال: من الزكاة والتطوع.* * *=" من قبل أن يأتي يوم لا بيع فيه ولا خلة ولا شفاعة "، يقول: ادخروا لأنفسكم عند الله في دنياكم من أموالكم، بالنفقة منها في سبيل الله، والصدقة على أهل المسكنة والحاجة، وإيتاء ما فرض الله عليكم فيها، وابتاعوا بها ما عنده مما أعده لأوليائه من الكرامة، بتقديم ذلك لأنفسكم، ما دام لكم السبيل إلى ابتياعه، بما ندبتكم إليه، وأمرتكم به من النفقة من أموالكم=" من قبل أن يأتي يوم لا بيع فيه "، يعني من قبل مجيء يوم لا بيع فيه، يقول: لا تقدرون فيه على ابتياع ما كنتم على ابتياعه- بالنفقة من أموالكم التي رزقتكموها- بما أمرتكم به، أو ندبتكم إليه في الدنيا قادرين، (8) لأنه يوم جزاء وثواب وعقاب، لا يوم عمل واكتساب وطاعة ومعصية، فيكون لكم إلى ابتياع منازل أهل الكرامة بالنفقة حينئذ- أو بالعمل بطاعة الله، سبيل (9) .ثم أعلمهم تعالى ذكره أن ذلك اليوم = مع ارتفاع العمل الذي ينال به رضى الله أو الوصول إلى كرامته بالنفقة من الأموال، (10) إذ كان لا مال هنالك يمكن إدراك ذلك به = يوم لا مخالة فيه نافعة كما كانت في الدنيا، فإن خليل الرجل في الدنيا قد كان ينفعه فيها بالنصرة له على من حاوله بمكروه وأراده بسوء، والمظاهرة له على ذلك. فآيسهم تعالى ذكره أيضا من ذلك، لأنه لا أحد يوم القيامة ينصر أحدا من الله، بل الأَخِلاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلا الْمُتَّقِينَ كما قال الله تعالى ذكره، (11) وأخبرهم أيضا أنهم يومئذ= مع فقدهم السبيل إلى ابتياع ما كان لهم إلى ابتياعه سبيل في الدنيا بالنفقة من أموالهم، والعمل بأبدانهم، وعدمهم النصراء من الخلان، والظهراء من الإخوان (12) = لا شافع لهم يشفع عند الله كما كان ذلك لهم في الدنيا، فقد كان بعضهم يشفع في الدنيا لبعض بالقرابة والجوار والخلة، وغير ذلك من الأسباب، فبطل ذلك كله يومئذ، كما أخبر تعالى ذكره عن قيل أعدائه من أهل الجحيم في الآخرة إذا صاروا فيها: ( فَمَا لَنَا مِنْ شَافِعِينَ * وَلا صَدِيقٍ حَمِيمٍ [الشعراء: 100-101]* * *وهذه الآية مخرجها في الشفاعة عام والمراد بها خاص، وإنما معناه: " من قبل أن يأتي يوم لا بيع فيه ولا خلة ولا شفاعة "، لأهل الكفر بالله، لأن أهل ولاية الله والإيمان به، يشفع بعضهم لبعض. وقد بينا صحة ذلك بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع (13) .* * *وكان قتادة يقول في ذلك بما:-5761 - حدثنا به بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة في قوله: " يا أيها الذين آمنوا أنفقوا مما رزقناكم من قبل أن يأتي يوم لا بيع فيه ولا خلة ولا شفاعة "، قد علم الله أن ناسا يتحابون في الدنيا، ويشفع بعضهم لبعض، فأما يوم القيامة فلا خلة إلا خلة المتقين.* * *وأما قوله: " والكافرون هم الظالمون "، فإنه يعني تعالى ذكره بذلك: والجاحدون لله المكذبون به وبرسله=" هم الظالمون "، يقول: هم الواضعون جحودهم في غير موضعه، والفاعلون غير ما لهم فعله، والقائلون ما ليس لهم قوله.* * *وقد دللنا على معنى " الظلم " بشواهده فيما مضى قبل بما أغنى عن إعادته (14) .* * *قال أبو جعفر: وفي قوله تعالى ذكره في هذا الموضع: " والكافرون هم الظالمون "، دلالة واضحة على صحة ما قلناه، وأن قوله: " ولا خلة ولا شفاعة "، إنما هو مراد به أهل الكفر، فلذلك أتبع قوله ذلك: " والكافرون هم الظالمون " . فدل بذلك على أن معنى ذلك: حرمنا الكفار النصرة من الأخلاء، والشفاعة من الأولياء والأقرباء، ولم نكن لهم في فعلنا ذلك بهم ظالمين، إذ كان ذلك جزاء منا لما سلف منهم من الكفر بالله في الدنيا، بل الكافرون هم الظالمون أنفسهم بما أتوا من الأفعال التي أوجبوا لها العقوبة من ربهم.* * *فإن قال قائل: وكيف صرف الوعيد إلى الكفار والآية مبتدأة بذكر أهل الإيمان؟قيل له: إن الآية قد تقدمها ذكر صنفين من الناس: أحدهما أهل كفر، والآخر أهل إيمان، وذلك قوله: وَلَكِنِ اخْتَلَفُوا فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ وَمِنْهُمْ مَنْ كَفَرَ . ثم عقب الله تعالى ذكره الصنفين بما ذكرهم به، بحض أهل الإيمان به على ما يقربهم إليه من النفقة في طاعته (15) وفي جهاد أعدائه من أهل الكفر به، قبل مجيء اليوم الذي وصف صفته. وأخبر فيه عن حال أعدائه من أهل الكفر به، إذ كان قتال أهل الكفر به في معصيته ونفقتهم في الصد عن سبيله، فقال تعالى ذكره: يا أيها الذين آمنوا أنفقوا أنتم مما رزقناكم في طاعتي، إذ كان أهل الكفر بي ينفقون في معصيتي= من قبل أن يأتي يوم لا بيع فيه فيدرك أهل الكفر فيه ابتياع ما فرطوا في ابتياعه في دنياهم= ولا خلة لهم يومئذ تنصرهم مني، ولا شافع لهم يشفع عندي فتنجيهم شفاعته لهم من عقابي. وهذا يومئذ فعلي بهم جزاء لهم على كفرهم، (16) وهم الظالمون أنفسهم دوني، لأني غير ظلام لعبيدي. وقد:-5762 - حدثني محمد بن عبد الرحيم، قال: حدثني عمرو بن أبي سلمة، قال: سمعت عمر بن سليمان، يحدث عن عطاء بن دينار أنه قال: الحمد لله الذي قال: " والكافرون هم الظالمون "، ولم يقل: " الظالمون هم الكافرون ".---------------الهوامش :(8) في المطبوعة والمخطوطة : "بالنفقة من أموالكم التي أمرتكم به" ، وهو كلام مختل ، سقط فيما أرجح ما أثبته : "رزقتكموها ، بما" . وسياق العبارة : ما كنتم على ابتياعه...بما أمرتكم به... قادرين" . والذي بينهما فواصل .(9) في المطبوعة و المخطوطة : "فيكون لهم إلى ابتياع..." والصواب في هذا السياق : "لكم وقوله : "سبيل" اسم كان في"فيكون لكم إلى ابتياع..." .(10) ارتفاع العمل : انقضاؤه وذهابه . يقال : "ارتفع الخصام بينهما" ، و"ارتفع الخلاف" أي انقضى وذهب ، فلم يبق ما يختلفان عليه أو يختصمان . وهو مجاز من"ارتفع الشيء ارتفاعا" : إذا علا . وهذا معنى لم تقيده المعاجم ، وهو عربى صحيح كثير الورود في كتب العلماء ، ن وقد سلف في كلام أبي جعفر ، وشرحته ولا أعرف موضعه الساعة .(11) هى آية"سورة الزخرف" : 67 .(12) النصراء جمع نصير . والخلان جمع خليل : والظهراء جمع ظهير : وهو المعين الذي يقوى ظهرك ويشد أزرك .(13) انظر ما سلف 2 : 23 ، 33 .(14) انظر معنى"الكفر" فيما سلف من فهارس اللغة / ومعنى"الظلم" فيما سلف 1 : 523 ، 524 ، وفي فهارس اللغة .(15) في المطبوعة : "يحض" بالياء في أوله ، فعلا . وهي في المخطوطة غير منقوطة ، وصواب قراءتها بباء الجر ، اسما . وقوله : "بحض" ، متعلق بقوله : "ثم عقب الله" .(16) في المخطوطة والمطبوعة : "وهذا يومئذ فعل بهم" ، وصواب السياق يقتضى ما أثبت .
2:255
اَللّٰهُ لَاۤ اِلٰهَ اِلَّا هُوَۚ-اَلْحَیُّ الْقَیُّوْمُ ﳛ لَا تَاْخُذُهٗ سِنَةٌ وَّ لَا نَوْمٌؕ-لَهٗ مَا فِی السَّمٰوٰتِ وَ مَا فِی الْاَرْضِؕ-مَنْ ذَا الَّذِیْ یَشْفَعُ عِنْدَهٗۤ اِلَّا بِاِذْنِهٖؕ-یَعْلَمُ مَا بَیْنَ اَیْدِیْهِمْ وَ مَا خَلْفَهُمْۚ-وَ لَا یُحِیْطُوْنَ بِشَیْءٍ مِّنْ عِلْمِهٖۤ اِلَّا بِمَا شَآءَۚ-وَسِعَ كُرْسِیُّهُ السَّمٰوٰتِ وَ الْاَرْضَۚ-وَ لَا یَـُٔوْدُهٗ حِفْظُهُمَاۚ-وَ هُوَ الْعَلِیُّ الْعَظِیْمُ(۲۵۵)
اللہ ہے جس کے سوا کوئی معبود نہیں (ف۵۲۳) وہ آپ زندہ اور اوروں کا قائم رکھنے والا (ف۵۲۴) اسے نہ اونگھ آئے نہ نیند (ف۵۲۵) اسی کا ہے جو کچھ آسمانوں میں ہے اور جو کچھ زمین میں (ف۵۲۶) وہ کون ہے جو اس کے یہاں سفارش کرے بغیر اس کے حکم کے (ف۵۲۷) جانتا ہے جو کچھ ان کے آگے ہے اور جو کچھ ان کے پیچھے (ف۵۲۹) اور وہ نہیں پاتے اس کے علم میں سے مگر جتنا وہ چاہے (ف۵۲۹) اس کی کرسی میں سمائے ہوئے آسمان اور زمین (ف۵۳۰) اور اسے بھاری نہیں ان کی نگہبانی اور وہی ہے بلند بڑائی والا (ف۵۳۱)

القول في تأويل قوله تعالى : اللَّهُ لا إِلَهَ إِلا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُقال أبو جعفر: قد دللنا فيما مضى على تأويل قوله: " الله " (17) .* * *وأما تأويل قوله: " لا إله إلا هو " فإن معناه: النهي عن أن يعبد شيء غير الله الحي القيوم الذي صفته ما وصف به نفسه تعالى ذكره في هذه الآية. يقول: " الله " الذي له عبادة الخلق=" الحي القيوم "، لا إله سواه، لا معبود سواه، يعني: ولا تعبدوا شيئا سوى الحي القيوم الذي لا يأخذه سِنة ولا نوم، (18) والذي صفته ما وصف في هذه الآية.* * *وهذه الآية إبانة من الله تعالى ذكره للمؤمنين به وبرسوله عما جاءت به أقوال المختلفين في البينات= (19) من بعد الرسل الذين أخبرنا تعالى ذكره أنه فضل بعضهم على بعض= واختلفوا فيه، فاقتتلوا فيه كفرا به من بعض، وإيمانا به من بعض. فالحمد لله الذي هدانا للتصديق به، ووفقنا للإقرار.* * *وأما قوله: " الحي" فإنه يعني: الذي له الحياة الدائمة، والبقاء الذي لا أول له بحد، ولا آخر له بأمد، (20) إذ كان كل ما سواه فإنه وإن كان حيا فلحياته أول محدود، وآخر ممدود، ينقطع بانقطاع أمدها، (21) وينقضي بانقضاء غايتها.* * *وبما قلنا في ذلك قال جماعة من أهل التأويل.* ذكر من قال ذلك:5763 - حدثت عن عمار بن الحسن، قال: حدثنا ابن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع قوله: " الحي" حي لا يموت.5764 - حدثني المثنى، قال: حدثنا إسحاق، قال: حدثنا ابن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع، مثله.* * *قال أبو جعفر: وقد اختلف أهل البحث في تأويل ذلك (22) .فقال بعضهم: إنما سمى الله نفسه " حيا "، لصرفه الأمور مصارفها وتقديره الأشياء مقاديرها، فهو حي بالتدبير لا بحياة.وقال آخرون: بل هو حي بحياة هي له صفة.وقال آخرون: بل ذلك اسم من الأسماء تسمى به، فقلناه تسليما لأمره (23) .* * *وأما قوله: " القيوم "، فإنه " الفيعول " من " القيام " وأصله " القيووم "،: سبق عين الفعل، وهي" واو " ،" ياء " ساكنة، فأدغمتا فصارتا " ياء " مشددة.وكذلك تفعل العرب في كل " واو " كانت للفعل عينا، سبقتها " ياء " ساكنة. ومعنى قوله: " القيوم "، القائم برزق ما خلق وحفظه، كما قال أمية: (24) .لم تخلق السماء والنجوموالشمس معها قمر يعوم (25)قدره المهيمن القيوموالجسر والجنة والجحيم (26)إلا لأمر شأنه عظيم* * *وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.* ذكر من قال ذلك:5765 - حدثني محمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قول الله: " القيوم "، قال: القائم على كل شيء.5766 - حدثني المثنى، قال: حدثنا إسحاق، عن ابن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع: " القيوم "، قيم كل شيء، يكلؤه ويرزقه ويحفظه.5767 - حدثني موسى، قال: حدثنا عمرو، قال، حدثنا أسباط، عن السدي: " القيوم " وهو القائم.5768 - حدثني المثنى، قال: حدثنا إسحاق، قال: حدثنا أبو زهير، عن جويبر، عن الضحاك: " الحي القيوم "، قال: القائم الدائم.* * *القول في تأويل قوله تعالى : لا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلا نَوْمٌقال أبو جعفر: يعني تعالى ذكره بقوله: " لا تأخذه سنة "، لا يأخذه نعاس فينعس، ولا نوم فيستثقل نوما.* * *" والوسن " خثورة النوم، (27) ومنه قول عدي بن الرقاع:وسنان أقصده النعاس فرنقتفي عينه سنة وليس بنائم (28)ومن الدليل على ما قلنا: من أنها خثورة النوم في عين الإنسان، قول الأعشى ميمون بن قيس:تعاطى الضجيع إذا أقبلتبعيد النعاس وقبل الوسن (29)وقال آخر: (30)باكرتها الأغراب في سنة النوم فتجري خلال شوك السيال (31)يعني عند هبوبها من النوم ووسن النوم في عينها، يقال منه: " وسن فلان فهو يوسن وسنا وسنة وهو وسنان "، إذا كان كذلك.* * *وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.* ذكر من قال ذلك:5769 - حدثني المثنى، قال: حدثنا عبد الله بن صالح، قال: حدثني معاوية بن صالح، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس قوله تعالى: " لا تأخذه سنة " قال: السنة: النعاس، والنوم: هو النوم (32) .5770 - حدثني محمد بن سعد، قال: حدثني أبي، قال: حدثني عمي، قال: حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس: " لا تأخذه سنة " السنة: النعاس.5771 - حدثنا الحسن بن يحيي، قال: أخبرنا عبد الرازق، قال: أخبرنا معمر، عن قتادة والحسن في قوله: " لا تأخذه سنة " قالا نعسة.5772 - حدثني المثنى، قال، حدثنا عمرو بن عون، قال: أخبرنا هشيم، عن جويبر، عن الضحاك في قوله: " لا تأخذه سنة ولا نوم " قال: السنة: الوسنة، وهو دون النوم، والنوم: الاستثقال،5773 - حدثني المثنى، قال: حدثنا إسحاق، قال: حدثنا أبو زهير، عن جويبر، عن الضحاك: " لا تأخذه سنة ولا نوم " السنة: النعاس، والنوم: الاستثقال.5774 - حدثني يحيي بن أبي طالب، قال: أخبرنا يزيد، قال: أخبرنا جويبر، عن الضحاك، مثله سواء.5775 - حدثني موسى، قال: حدثنا عمرو، قال: حدثنا أسباط، عن السدي: " لا تأخذه سنة ولا نوم " أما " سنة "، فهو ريح النوم الذي يأخذ في الوجه فينعس الإنسان (33) .5776 - حدثت عن عمار، قال: حدثنا ابن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع: " لا تأخذه سنة ولا نوم " قال: " السنة "، الوسنان بين النائم واليقظان.5777 - حدثني عباس بن أبي طالب، قال: حدثنا منجاب بن الحرث، قال: حدثنا علي بن مسهر، عن إسماعيل عن يحيى بن رافع: " لا تأخذه سنة " قال: النعاس (34) .5778 - حدثني يونس، قال أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد في قوله: " لا تأخذه سنة ولا نوم " قال: " الوسنان ": الذي يقوم من النوم لا يعقل، حتى ربما أخذ السيف على أهله.* * *قال أبو جعفر: وإنما عنى تعالى ذكره بقوله: " لا تأخذه سنة ولا نوم " لا تحله الآفات، ولا تناله العاهات. وذلك أن " السنة " و " النوم "، معنيان يغمران فهم ذي الفهم، ويزيلان من أصاباه عن الحال التي كان عليها قبل أن يصيباه.* * *فتأويل الكلام، إذ كان الأمر على ما وصفنا: اللَّهُ لا إِلَهَ إِلا هُوَ الْحَيُّ الذي لا يموت= الْقَيُّومُ على كل ما هو دونه بالرزق والكلاءة والتدبير والتصريف من حال إلى حال=" لا تأخذه سنة ولا نوم "، لا يغيره ما يغير غيره، ولا يزيله عما لم يزل عليه تنقل الأحوال وتصريف الليالي والأيام، بل هو الدائم على حال، والقيوم على جميع الأنام، لو نام كان مغلوبا مقهورا، لأن النوم غالب النائم قاهره، ولو وسن لكانت السماوات والأرض وما فيهما دكا، لأن قيام جميع ذلك بتدبيره وقدرته، والنوم شاغل المدبر عن التدبير، والنعاس مانع المقدر عن التقدير بوسنه. (35) كما:5779 - حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر= قال: أخبرني الحكم بن أبان، (36) عن عكرمة مولى ابن عباس في قوله: " لا يأخذه سنة ولا نوم " أن موسى سأل الملائكة: هل ينام الله؟ فأوحى الله إلى الملائكة، وأمرهم أن يؤرقوه ثلاثا فلا يتركوه ينام. ففعلوا، ثم أعطوه قارورتين فأمسكوه، ثم تركوه وحذروه أن يكسرهما. قال: فجعل ينعس وهما في يديه، في كل يد واحدة. قال: فجعل ينعس وينتبه، وينعس وينتبه، حتى نعس نعسة، فضرب بإحداهما الأخرى فكسرهما= قال معمر: إنما هو مثل ضربه الله، يقول: فكذلك السماوات والأرض في يديه.5780 - حدثنا إسحاق بن أبي إسرائيل، قال: حدثنا هشام بن يوسف، عن أمية بن شبل، عن الحكم بن أبان، عن عكرمة، عن أبي هريرة، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يحكي عن موسى صلى الله عليه وسلم على المنبر، قال: وقع في نفس موسى: هل ينام الله تعالى ذكره؟ فأرسل الله إليه ملكا فأرّقه ثلاثا، ثم أعطاه قارورتين في كل يد قارورة، أمره أن يحتفظ بهما. قال: فجعل ينام وتكاد يداه تلتقيان، ثم يستيقظ فيحبس إحداهما عن الأخرى، ثم نام نومة فاصطفقت يداه وانكسرت القارورتان. قال: ضرب الله مثلا له أن الله لو كان ينام لم تستمسك السماء والأرض (37) .* * *القول في تأويل قوله تعالى : لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلا بِإِذْنِهِقال أبو جعفر: يعني تعالى ذكره بقوله: " له ما في السماوات وما في الأرض " أنه مالك جميع ذلك بغير شريك ولا نديد، وخالق جميعه دون كل آلهة ومعبود (38) .وإنما يعنى بذلك أنه لا تنبغي العبادة لشيء سواه، لأن المملوك إنما هو طوع يد مالكه، وليس له خدمة غيره إلا بأمره. يقول: فجميع ما في السموات والأرض ملكي وخلقي، فلا ينبغي أن يعبد أحد من خلقي غيري وأنا مالكه، لأنه لا ينبغي للعبد أن يعبد غير مالكه، ولا يطيع سوى مولاه.* * *وأما قوله: " من ذا الذي يشفع عنده إلا بإذنه " يعني بذلك: من ذا الذي يشفع لمماليكه إن أراد عقوبتهم، إلا أن يخليه، ويأذن له بالشفاعة لهم. (39) وإنما قال ذلك تعالى ذكره لأن المشركين قالوا: ما نعبد أوثاننا هذه إلا ليقربونا إلى الله زلفى! (40) فقال الله تعالى ذكره لهم: لي ما في السموات وما في الأرض مع السموات والأرض ملكا، فلا ينبغي العبادة لغيري، فلا تعبدوا الأوثان التي تزعمون أنها تقربكم مني زلفى، فإنها لا تنفعكم عندي ولا تغني عنكم شيئا، ولا يشفع عندي أحد لأحد إلا بتخليتي إياه والشفاعة لمن يشفع له، من رسلي وأوليائي وأهل طاعتي.* * *القول في تأويل قوله تعالى : يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلا بِمَا شَاءَقال أبو جعفر: يعني تعالى ذكره بذلك أنه المحيط بكل ما كان وبكل ما هو كائن علما، لا يخفى عليه شيء منه.* * *وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.* ذكر من قال ذلك:5781 - حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا جرير، عن منصور، عن الحكم: " يعلم ما بين أيديهم "، الدنيا=" وما خلفهم "، الآخرة.5782 - حدثني المثنى، قال: حدثنا أبو حذيفة، قال: حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: " يعلم ما بين أيديهم "، ما مضى من الدنيا=" وما خلفهم " من الآخرة.5783 - حدثنا القاسم، قال: حدثنا الحسين، قال: حدثني حجاج، قال: قال ابن جريج قوله: " يعلم ما بين أيديهم " ما مضى أمامهم من الدنيا=" وما خلفهم " ما يكون بعدهم من الدنيا والآخرة.5784 - حدثني موسى، قال: حدثنا عمرو، قال: حدثنا أسباط، عن السدي: " يعلم ما بين أيديهم "، قال: [ وأما ]" ما بين أيديهم "، فالدنيا=" وما خلفهم "، فالآخرة (41) .* * *وأما قوله: " ولا يحيطون بشيء من علمه إلا بما شاء "، فإنه يعني تعالى ذكره: أنه العالم الذي لا يخفي عليه شيء محيط بذلك كله، (42) محص له دون سائر من دونه= وأنه لا يعلم أحد سواه شيئا إلا بما شاء هو أن يعلمه، فأراد فعلمه، وإنما يعني بذلك: أن العبادة لا تنبغي لمن كان بالأشياء جاهلا فكيف يعبد من لا يعقل شيئا البتة من وثن وصنم ؟! يقول: أخلصوا العبادة لمن هو محيط بالأشياء كلها، (43) يعلمها، لا يخفي عليه صغيرها وكبيرها.* * *وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.* ذكر من قال ذلك:5786 - حدثني موسى بن هارون، قال: حدثنا عمرو، قال: حدثنا أسباط، عن السدي: " ولا يحيطون بشيء من علمه " يقول: لا يعلمون بشيء من علمه =" إلا بما شاء "، هو أن يعلمهم (44) .* * *القول في تأويل قوله تعالى : وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَقال أبو جعفر: اختلف أهل التأويل في معنى " الكرسي" الذي أخبر الله تعالى ذكره في هذه الآية أنه وسع السماوات والأرض.فقال بعضهم: هو علم الله تعالى ذكره.* ذكر من قال ذلك:5787 - حدثنا أبو كريب وسلم بن جنادة، قالا حدثنا ابن إدريس، عن مطرف، عن جعفر بن أبي المغيرة، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس: " وسع كرسيه " قال: كرسيه علمه.5788 - حدثني يعقوب بن إبراهيم، قال: حدثنا هشيم، قال: أخبرنا مطرف، عن جعفر بن أبي المغيرة، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، مثله= وزاد فيه: ألا ترى إلى قوله: وَلا يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا ؟* * *وقال آخرون: " الكرسي": موضع القدمين.* ذكر من قال ذلك:5789 - حدثني علي بن مسلم الطوسي، قال: حدثنا عبد الصمد بن عبد الوارث، قال: حدثني أبي، قال: حدثني محمد بن جحادة، عن سلمة بن كهيل، عن عمارة بن عمير، عن أبي موسى، قال: الكرسي: موضع القدمين، وله أطيط كأطيط الرحل (45) .5790 - حدثني موسى بن هاوون، قال: حدثنا عمرو، قال: حدثنا أسباط، عن السدي: " وسع كرسيه السماوات والأرض "، فإن السماوات والأرض في جوف الكرسي، والكرسي بين يدي العرش، وهو موضع قدميه.5791 - حدثني المثنى، قال: حدثنا إسحاق، قال: حدثنا أبو زهير، عن جويبر، عن الضحاك قوله: " وسع كرسيه السماوات والأرض "، قال: كرسيه الذي يوضع تحت العرش، الذي يجعل الملوك عليه أقدامهم،5792 - حدثنا أحمد بن إسحاق، قال: حدثنا أبو أحمد الزبيري، عن سفيان، عن عمار الدهني، عن مسلم البطين، قال: الكرسي: موضع القدمين (46) .5793 - حدثني عن عمار، قال: حدثنا ابن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع: " وسع كرسيه السماوات والأرض "، قال: لما نزلت: " وسع كرسيه السماوات والأرض " قال أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم: يا رسول الله هذا الكرسي وسع السموات والأرض، فكيف العرش؟ فأنزل الله تعالى: وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إلى قوله: سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ [الزمر: 67] (47) .5794 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد في قوله: " وسع كرسيه السماوات والأرض " قال ابن زيد: فحدثني أبي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ما السماوات السبع في الكرسي إلا كدراهم سبعة ألقيت في ترس "= قال: وقال أبو ذر: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ما الكرسي في العرش إلا كحلقة من حديد ألقيت بين ظهري فلاة من الأرض (48) .* * *وقال آخرون: الكرسي: هو العرش نفسه.* ذكر من قال ذلك:5795 - حدثني المثنى، قال: حدثنا إسحاق، قال: حدثنا أبو زهير، عن جويبر، عن الضحاك، قال: كان الحسن يقول: الكرسي هو العرش.* * *قال أبو جعفر: ولكل قول من هذه الأقوال وجه ومذهب، غير أن الذي هو أولى بتأويل الآية ما جاء به الأثر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو ما:-5796 - حدثني به عبد الله بن أبي زياد القطواني، قال: حدثنا عبيد الله بن موسى، قال: أخبرنا إسرائيل، عن أبى إسحاق، عن عبد الله بن خليفة، قال: أتت امرأة النبي صلى الله عليه وسلم، فقالت: ادع الله أن يدخلني الجنة! فعظم الرب تعالى ذكره، ثم قال: " إن كرسيه وسع السماوات والأرض، وأنه ليقعد عليه فما يفضل منه مقدار أربع أصابع- ثم قال بأصابعه فجمعها - وإن له أطيطا كأطيط الرحل الجديد، إذا ركب، من ثقله " (49) .5797 - حدثني عبد الله بن أبى زياد، قال: حدثنا يحيى بن أبي بكر، عن إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن عبد الله بن خليفة، عن عمر، عن النبي صلى الله عليه وسلم، بنحوه.5798 - حدثنا أحمد بن إسحاق، قال: حدثنا أبو أحمد، قال: حدثنا إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن عبد الله بن خليفة، قال: جاءت امرأة، فذكر نحوه (50) .* * *وأما الذي يدل على صحته ظاهر القرآن فقول ابن عباس الذي رواه جعفر بن أبي المغيرة، عن سعيد بن جبير، عنه أنه قال: " هو علمه " (51) . وذلك لدلالة قوله تعالى ذكره: وَلا يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا على أن ذلك كذلك، فأخبر أنه لا يؤوده حفظ ما علم، وأحاط به مما في السماوات والأرض، وكما أخبر عن ملائكته أنهم قالوا في دعائهم: رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْمًا [غافر: 7]، فأخبر تعالى ذكره أن علمه وسع كل شيء، فكذلك قوله: " وسع كرسيه السماوات والأرض ".* * *قال أبو جعفر: وأصل " الكرسي" العلم. (52) ومنه قيل للصحيفة يكون فيها علم مكتوب " كراسة "، ومنه قول الراجز في صفة قانص:* حتى إذا ما احتازها تكرسا * (53).يعني علم. ومنه يقال للعلماء " الكراسي"، لأنهم المعتمد عليهم، كما يقال: " أوتاد الأرض ". يعني بذلك أنهم العلماء الذي تصلح بهم الأرض، (54) ومنه قول الشاعر: (55)يحف بهم بيض الوجوه وعصبةكراسي بالأحداث حين تنوب (56)يعني بذلك علماء بحوادث الأمور ونوازلها. والعرب تسمي أصل كل شيء " الكرس "، يقال منه: " فلان كريم الكرس "، أي كريم الأصل، قال العجاج:قد علم القدوس مولى القدسأن أبا العباس أولى نفس* بمعدن الملك الكريم الكِرْس * (57)يعني بذلك: الكريم الأصل، ويروى:* في معدن العز الكريم الكِرْس ** * *القول في تأويل قوله تعالى : وَلا يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ (255)قال أبو جعفر: يعني تعالى ذكره بقوله: " ولا يئوده حفظهما "، ولا يشق عليه ولا يثقله.* * *يقال منه: " قد آدني هذا الأمر فهو يؤودني أودا وإيادا "، (58) ويقال: " ما آدك فهو لي آئد "، يعني بذلك: ما أثقلك فهو لي مثقل.* * *وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.* ذكر من قال ذلك:5799 - حدثنا المثنى بن إبراهيم، قال: حدثنا عبد الله بن صالح، قال: حدثني معاوية بن صالح، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس: " ولا يؤوده حفظهما " يقول: لا يثقل عليه.5800 - حدثني محمد بن سعد، قال: حدثني أبي، قال: حدثني عمي، قال: حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس: " ولا يؤوده حفظهما " قال: لا يثقل عليه حفظهما.5801 - حدثنا بشر بن معاذ، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة قوله: " ولا يؤوده حفظهما " لا يثقل عليه لا يجهده حفظهما.5802 - حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر عن الحسن وقتادة في قوله: " ولا يؤوده حفظهما " قال: لا يثقل عليه شيء.5803 - حدثني محمد بن عبد الله بن بزيع، قال: حدثنا يوسف بن خالد السمتي، قال: حدثنا نافع بن مالك، عن عكرمة، عن ابن عباس في قوله: " ولا يؤود حفظهما " قال: لا يثقل عليه حفظهما.5804 - حدثنا أبو كريب، قال: حدثنا ابن أبي زائدة= وحدثنا يحيى بن أبي طالب، قال: أخبرنا يزيد= قالا جميعا: أخبرنا جويبر، عن الضحاك: " ولا يؤوده حفظهما " قال: لا يثقل عليه.5805 - حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا يحيى بن واضح، عن عبيد، عن الضحاك، مثله.5806 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: سمعته = يعني خلادا = يقول: سمعت أبا عبد الرحمن المديني يقول في هذه الآية: " ولا يؤوده حفظهما "، قال: لا يكبر عليه (59) .5807 - حدثنا محمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، عن عيسى بن ميمون، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قول الله: " ولا يؤوده حفظهما " قال: لا يكرثه (60) .5808 - حدثني موسى، قال: حدثنا عمرو، قال: حدثنا أسباط، عن السدي: " ولا يؤوده حفظهما " قال: لا يثقل عليه.5809 - حدثت عن عمار، قال: حدثنا ابن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع قوله: " ولا يؤوده حفظهما " يقول: لا يثقل عليه حفظهما.5810 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد في قوله: " ولا يؤوده حفظهما " قال: لا يعز عليه حفظهما.* * *قال أبو جعفر: " والهاء "، و " الميم " و " الألف " في قوله: " حفظهما "، من ذكر السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ . فتأويل الكلام: وسع كرسيه السماوات والأرض، ولا يثقل عليه حفظ السموات والأرض.* * *وأما تأويل قوله: " وهو العلي" فإنه يعني: والله العلي.* * *و " العلي" " الفعيل " من قولك: " علا يعلو علوا "، إذا ارتفع،" فهو عال وعلي"،" والعلي" ذو العلو والارتفاع على خلقه بقدرته.* * *وكذلك قوله: " العظيم "، ذو العظمة، الذي كل شيء دونه، فلا شيء أعظم منه. كما:-5811 - حدثني المثنى، قال: حدثنا عبد الله بن صالح، قال: حدثني معاوية بن صالح، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس: " العظيم "، الذي قد كمل في عظمته.* * *قال أبو جعفر: واختلف أهل البحث في معنى قوله: (61) ." وهو العلي".فقال بعضهم: يعني بذلك; وهو العلي عن النظير والأشباه، (62) وأنكروا أن يكون معنى ذلك: " وهو العلي المكان ". وقالوا: غير جائز أن يخلو منه مكان، ولا معنى لوصفه بعلو المكان، لأن ذلك وصفه بأنه في مكان دون مكان.* * *وقال آخرون: معنى ذلك: وهو العلي على خلقه بارتفاع مكانه عن أماكن خلقه، لأنه تعالى ذكره فوق جميع خلقه وخلقه دونه، كما وصف به نفسه أنه على العرش، فهو عال بذلك عليهم.* * *وكذلك اختلفوا في معنى قوله: " العظيم ".فقال بعضهم: معنى " العظيم " في هذا الموضع: المعظم، صرف " المفعل " إلى " فعيل "، كما قيل للخمر المعتقة،" خمر عتيق "، كما قال الشاعر: (63) .وكأن الخمر العتيق من الإسفنط ممزوجة بماء زلال (64)وإنما هي" معتقة ". قالوا: فقوله " العظيم " معناه: المعظم الذي يعظمه خلقه ويهابونه ويتقونه. قالوا: وإنما يحتمل قول القائل: " هو عظيم "، أحد معنين: أحدهما: ما وصفنا من أنه معظم، والآخر: أنه عظيم في المساحة والوزن. قالوا: وفي بطول القول بأن يكون معنى ذلك: أنه عظيم في المساحة والوزن، صحة القول بما قلنا.* * *وقال آخرون: بل تأويل قوله: " العظيم " هو أن له عظمة هي له صفة.وقالوا: لا نصف عظمته بكيفية، ولكنا نضيف ذلك إليه من جهة الإثبات، (65) .وننفي عنه أن يكون ذلك على معنى مشابهة العظم المعروف من العباد. لأن ذلك تشبيه له بخلقه، وليس كذلك. وأنكر هؤلاء ما قاله أهل المقالة التي قدمنا ذكرها، وقالوا: لو كان معنى ذلك أنه " معظم "، لوجب أن يكون قد كان غير عظيم قبل أن يخلق الخلق، وأن يبطل معنى ذلك عند فناء الخلق، لأنه لا معظم له في هذه الأحوال.* * *وقال آخرون: بل قوله: إنه " العظيم " وصف منه نفسه بالعظم. وقالوا: كل ما دونه من خلقه فبمعنى الصغر لصغرهم عن عظمته.------------------الهوامش :(17) انظر تفسير"الله" فيما سلف 1 : 122- 126 .(18) في المطبوعة : "ولا تعبدوا شيئا سواه الحي القيوم" ، والصواب من المخطوطة .(19) في المطبوعة : "المختلفين في البينات" ، بزيادة"في" ، وهو خطأ مخل بالكلام ، والصواب ما في المخطوطة ، و"البينات"فاعل"جاءت به" ، و"المختلفين"مفعوله . والجملة التي بين الخطين ، معترضة ، وقةله : بعد"واختلفوا فيه فاقتتلوا فيه..." ، عطف على قوله : "عما جاءت به..." .(20) في المطبوعة : "لا أول له يحد" بالياء ، فعلا ، ثم جعل التي تليها"ولا آخر له يؤمد" ، فأتى بفعل عجيب لا وجود له في العربية ، وفي المخطوطة : "بحد" غير منقوطة وصواب قراءتها بباء الجر في أوله . وفيها"بأمد" كما أثبت ، والأمد : الغاية التي ينتهى إليها . بقول : ليس له أول له حد يبدأ منه وليس له آخر له أمد ينتهى إليه .(21) في المطبوعة : "وآخر مأمود" ، أتى أيضًا بالعجب في تغيير المخطوطة ، وباستخراج كلمة لا يجيزها اشتقاق العربية ، ولم تستعمل في كلام قط . وفي المخطوطة"ممدود"كما أثبتها . وهي من قولهم : "مد له في كذا" أي طويل له فيه . بل أولى من ذلك أن يقال إنها من"المد" ، وهي الطائفة من الزمان .وقد استعملو من المدة : "ماددت القوم" . أي جعلت لهم مدة ينهون إليها . وفي الحديث : "يا ويح قريش ، لقد نهكتهم الحرب! ما ضرهم لو ماددناهم مدة" ، أي جعلنا لهم مدة ، وهي زمان الهدنة . وقال ابن حجر في مقدمته الفتح : 182"قوله : (في المدة التي فيها أبا سفيان) : أي جعل بينه وبينه مدة صلح ، ومنه : (إن شاؤوا ماددتهم) . فهو"فاعل" من"المد" . ولا شك أن الثلاثى منه جائز أن يقال : " مد له مدة" أي جعل له مدة ينتهى من عند آخرها . وكأتى قرأتها في بعض كتب السير ، فأرجو أن أظفر بها فأقيدها إن شاء الله ، فمعنى قوله : "وآخر ممدود ينقطع بانقطاع أمدها" أي : آخر قد ضربت له مدة ينقطع بانقطاع غايتها .(22) هذه أول مرة يستعمل فيها الطبري : "أهل البحث" ، ويعنى بذلك أهل النظر من المتكلمين .(23) في المطبوعة : "فقلناه" ، وما في المخطوطة صواب أيضًا جيد .(24) هو : أمية بن أبي الصلت الثقفى .(25) ديوانه : 57 ، والقرطبي 3 : 271 ، وتفسير أبي حيان 25 : 277 . وفي المطبوعة والقرطبي"قمر يقوم" ، وهو لا معنى له ، والصواب في المخطوطة وتفسير أبي حيان . عامت النجوم تعوم عوما : جرب ، مثل قولهم : "سبحت النجوم في الفلك تسبح سبحا"(26) في المراجع كلها"والحشر" ، وهو خطأ وتصحيف لا ريب فيه عندي ، وهو في المخطوطة"والحسر" غير منقوطة ، وصواب قراءتها"الجسر" كما أثبت . وفي حديث البخاري : "ثم يؤتى بالجسر" قال ابن حجر : أي الصراط ، وهو كالقنطرة بين الجنة والنار ، يمر عليها المؤمنون . ولم يذكر في بابه في كتب اللغة ، فليقيد هناك ، فإن هذا هو سبب تصحيف هذه الكلمة . وفي بعض المراجع : "والجنة والنعيم" ، والذي في الطبري هو الصواب . هذا وشعر أمية كثير خلطه .(27) الخثورة : نقيض الرقة ، يقال : "خثر اللبن والعسل ونحوهما" ، إذا ثقل وتجمع ، والمجاز منه قولهم : "فلان خاثر النفس" أي ثقيلها ، غير طيب ولا نشيط ، قد فتر فتورا . واستعمله الطبري استعمالا بارعا ، فجعل للنوم"خثورة" ، وهي شدة الفتور ، كأنه زالت رقته واستغلط فثقل ، وهذا تعبير لم أجده قبله .(28) من أبيات له في الشعر والشعراء : 602 ، والأغانى 9 : 311 ، ومجاز القرآن 1 : 78 ، واللسان (وسن) (رنق) ، وفي جميعها مراجع كثيرة ، وقبل البيت في ذكرها صاحبته"أم القاسم" :وكأنها وسط النساء أعارهاعينيه أحور من جاذر جاسموسنان أقصده النعاس ........... . . . . . . . . . . . . . . . . . .يصطاد يقظان الرجال حديثهاوتطير بهجتها بروح الحالموالجآذر بقر الوحش ، وهي حسان العيون . وجاسم : موضع تكثر فيه الجآذر . و" أقصده النعاس" قتله النعاس وأماته . يقال : "عضته حبة فإقصدته" ، أي قتلته على المكان -أي من فوره . و"رفقت" أي خالطت عينه . وأصله من ترنيق الماء ، وهو تكديره بالطين حتى يغلب على الماء . وحسن أن يقال هو من ترنيق الطائر بجناحيه ، وهو رفرفته إذا خفق بجناحيه في الهواء فثبت ولم يطر ، وهذا المجازأعجب إلى في الشعر .(29) ديوانه : 15 ، وهو يلي البيت الذي سلف 1 : 345 ، 346 ، وفي ذكر نساء استمع بهن :إذا هن نازلن أقرانهنوكان المصاع بما في الجونتعاطى الضجيع............ . . . . . . . . . . . . . . . . . .صريفية طيبا طعمهالها زبد بين كوب ودنوقوله"تعاطى" من قولهم للمرأة : "هى تعاطى خلها" أي صاحبها -أن تناوله قبلها وريقها .وقوله : "أقبلت" ، هو عندي بمعنى : سامحت وطاوعت وانقادت ، من"القبول" وهو الرضا . ولم يذكر ذلك أصحاب اللغة ، ولكنه جيد في العربية ، شبيه بقولهم : "أسمحت" ، من السماح ، إذا أسهلت وانقادت ووافقت ما يطلبه صاحبها . وذلك هو الجيد عندي . ليس من الإقبال على الشيء . بل من القبول . ويروي مكمان ذلك : "إذا سامها" ، ورواية الديوان :"بعيد الرقاد وعند الوسن"والصريفية : الخمر الطيبة ، جعلها صريفية ، لأنها أخذت من الدن ساعتئذ ، كاللبن الصريف وهو اللبن الذي ينصرف من الضرع حارا إذا حلب . وفي الديون : "صليفية" ، باللام ، والصواب بالراء يقول : إذا انقادت لصاحبها بعيد رقادها ، أو قبل وسنها ، عاطته من ريقها خمرا صرفا تفور بالزبد بين الكوب و الدن ، ولم يمض وقت عليها فتفسد . يقول : ريفها هو الخمر ، في يقظتها قبل الوسن -وذلك بدء فتور الفس وتغير الطباع -وبعد لومها ، وقد تغيرت أفواه البشر واستكرهت روائحها ينفي عنها العيب في الحالين . وذلك قل أن يكون في النساء أو غيرهن .(30) هو الاعشى أيضًا(31) ديوانه : 5 ، واللسان (غرب) ، من قصيدة جليلة ، أفضى فيها إلى ذكر صاحبته له يقول قبله :وكأن الخمر العتيق من الإسفنطممزوجة بماء زلالباكرتها الأغراب ......................................................الإسفنط : أجود أنواع الخمر وأغلاها . وباكرتها ، أي في أول النهار مبادرة إليها .والأغراب جمع غرب (بفتح فسكمون) ، وهو القدح . والسيال : شجر سبط الأغصان ، عليه شوك أبيض أصوله أمثال ثنايا اعذارى ، وتشبه به أسنانهن يقول : إذا نامت لم يتغير طيب ثغرها ، بل كأن الخمر تجرى بين ثناياها طيبة الشذا . وقوله : "باكرتها الأغراب" ، وهو كفوله في الشعر السالف أنها"صريفية" أي أخذت من دنها لسعتها . يقول : ملئت الأقداح منها بكرة ، يعنى تبادرت إليها الأقداح من دنها ، وذلك أطيب لها .هذا ، وقد جاء في شرح الديوان : الأغراب : حد الأسنان وبياضها ، وأظال في شرحه ، ولكنى لا أرتضيه ، والذي شرحته موجود في اللسان ، وهو أعرق في الشعر ، وفي فهمه .(32) يعنى أن النوم معروف ، والسنة غير النوم ، وانظر الأثر الآتي : 5772 وما بعده .(33) في المخطوطة"ريح" غير منقوطة . والريح هنا : الغلبة والقوة ، كما جاء في شعر أعشى فهو أو سليك بن السلكة .أتنظران قليلا ريث غفلتهمأوتعدوان فإن الريح للعادىأي الغلبة . وربما قرئت أيضًا : "الرنح" (بفتح الراء وسكون النون) وهو الدوار . ومنه : "ترنح من السكر" إذا تمايل ، و"رنح به" (بالبناء للمجهول مشددة النون) إذا دير به كالمغشى عليه ، أو اعتراه وهن في عظامه من ضرب أو فزع أو سكر .(34) الأثر : 5777 -"عباس بن أبي طالب" ، هو : "عباس جعفر بن الزبرقان" مضت ترجمته في رقم : 880 ، و"المنجاب بن الحارث" ، مضت ترجمته في رقم : 322 -328 ، و"على بن مسهر القرشي" الكوفي الحافظ ، روي عن يحيى بن سعيد الأنصاري ، وهشام بن عروة ، واسماعيل بن أبي خلد . ثقة ، مات سنة 189 . مترجم في التهذيب . و" اسناعيل" هو" اسماعيل بن أبي خالد الأحمس" روي عن أبيه ، وأبيجحيفة ، ن وعبدالله بن أبي أوفى ، وعمرو بن حريث ، وأبي كاهل ، وهؤلاء صحابة . وعن زيد بن وهب والشعبي وغيرهما من كبار التابعين . كان ثقة ثبتا . مات سنه 146 . مترجم في التهذيب . و"يحيى بن رافع" أبو عيسى الثقفى . روي عن عثمان وأبي هريرة ، وروى عنه إسماعيل بن أبي خالد . مترجم في الكبير 4/ 2/ 273 ، وابن أبي حاتم 4/2/ 143 .(35) في المطبوعة : "يمانع" بالياء في أوله ، وهو خطأ لا خير فيه . وإنما أخطأ قراءة المخطوطة للفتحة على الميم ، اتصلت بأولها .(36) في المطبوعة والمخطوطة"وأخبرنى الحكم" ، وكأن الصواب حذف الواو"أخبرنا معمر قال ، أخبرنى الحكم بن أبان" كما أثبته فإن معمرا يروي عن الحكم بن أبان . انظر ترجمته في التهذيب ، وكما جاء في ابن كثير 2 : 11 على الصواب . وقال بمقبه : "وهو من أخبار بني إسرائيل ، وهو مما يعلم أن موسى عليه السلام لا يخفى عليه مثل هذا من أمر الله عز وجل ، وهو منزه عنه" . وأصاب ابن كثير الحق ، فإن أهل الكتاب ينسبون إلى أنبياء الله ، ما لو تركوه لكان خيرا لهم .(37) الأثر : 5780 -"إسحق بن أبى إسرائيل-واسمه إبراهيم- بن كما مجرا ، أبو يعقوب المروزي" نزيل بغداد . روى عنه البخاري في الأدب المفرد ، وأبو داود والنسائى وغيرهم . قال ابن معين : "من ثقات المسلمين ، ما كتب حديثا قط عن أحد من الناس ، إلا ما خطه هو في ألواحه أو كتابه" .وكرهه أحمد لوقفه في أن القرآن كلام الله غير مخلوق ، فتركه الناس حتى كان الناس يمرون بمسجده ، وهو فيه وحيد لا يقربه أحد . وقال أبو زرعة : "عندي أنه لا يكذب ، وحدث بحديث منكر" . مات سنه 240 . مترجم في التهذيب .و"هشام بن يوسف الصنعائي"قاضي صنعاء ، ثقة . روى عنه الأئمة كلهم . روي عن معمر ، وابن جريج ، والقاسم بن فياض ، والثوري ، وغيرهم . قال عبد الرزاق : "إن حدثكم القاضي -يعنى هشام بن يوسف- فلا عليكم أن لا تكتبوا عن غيره" . مترجم في التهذيب .و"أمية بن شبل الصنعائي" ، سمع الحكم بن أبان طاوس . روى عنه هشام بن يوسف وعبدالرزاق ، وثقه ابن معين ، مترجم في الكبير 1/2/ 12 ، ولم يذكر فيه جرحا ، وابن أبي حاتم 1/ 1/ 302 ، ولسان الميزان 1 : 467 . وقال الحافظ في لسان الميزان : "له حديث منكر ، رواه عن الحكم بن أبان عن عكرمة ، عن أبي هريرة ، مرفوعا ، قال"وقع في نفس موسى عليه السلام ، هل ينام الله" ، الحديث ، رواه عنه هشام بن يوسف ، وخالفه معمر ، عن الحكم ، عن عكمرمة ، فوقفة ، وهو أقرب . ولا يسوغ أن يكون هذا وقعا في نفس موسى عليه السلام ، وإنما روي أن بني إسرائيل سألوا موسى عن ذلك" .وساق ابن كثير في تفسير 1 : 11 ، هذه الآثار ، ثم قال : "وأغرب من هذا كله ، الحديث الذي رواه ابن جرير : حدثنا إسحق بن أبي إسرائيل..." ، وساق الخبر ، ثم قال : " وهذا حديث غريب ، والأظهر أنه إسرائيل لا مرفوع ، والله أعلم" . والذي قاله ابن حجر قاطع في أمر هذا الخبر .(38) انظر ما سلف في تفسير : "له ما في السموات..." ، 2 : 537 .(39) انظر معنى"شفع" فيما سلف 2 : 31 - 33 ، وما سلف قريبا : 382 - 384 . ومعنى"الإذن" فيما سلف 2 : 449 ، 450/ ثم4 : 286 ، 370/ ثم هذا 352 ، 355 .(40) هذا تأويل آية"سورة الزمر" : 3 .(41) زيادة ما بين القوسين ، لاغنى عنها .(42) انظر تفسير"الإحاطة" فيما سلف 2 : 284 .(43) في المطبوعة : "أخلصوا" ، وأثبت ما في المخطوطة ، وهو الصواب .(44) سقط من الترقيم : 5785 ، سهوا .(45) الأثر : 5789 -"علي بن مسلم بن سعيد الطوسي" نزيل بغداد . روى عنه البخاري ، وأبو داود ، والنسائي ، ثقة ، مات سنة 253 ، مترجم في التهذيب . و"عمارة بن عمير التيمي" ، رأى عبدالله لابن عمرو ، وروي عن الأسود بن يزيد النخعي ، والحارث بن سويد التيمي ، وإبراهيم بن أبي موسى الأشعري . لم يدرك أبا موسى . والحديث منقطع . وخرجه السيوطي في الدر المنثور 1 : 327 ، ونسبه لابن المنذر ، وأبي الشيخ ، والبيهقى في الأسماء والصفات .الأطيط : صوت الرحل والنسع الجديد ، وصوت الباب ، وهو صوت متمدد خشن ليس كالصرير بل أخشن .(46) الأثر : 5792 -خرجه ابن كثير في تفسيره 2 : 13 من طريق سفيان عن عمار الدهني ، عن مسلم البطين ، عن سعيد بن جبير عن ابن عباس ، ونسبه لوكيع في تفسيره . ورواه الكاكم في المستدرك 2 : 282 مثله ، موقوفا علي ابن عباس ، وقال : "صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه" . ووافقه الذهبى قال ابن كثير : " وقد رواه ابن مردويه ، من طريق الحاكم بن ظهير الفزارى الكوفي ، وهو متروك ، عن السدى عن أبيه عن أبي هريرة مرفوعا ، ولا يصح أيضًا" . وانظر مجمع الزوائد 6 : 323 : والفتح 8 : 149 .(47) الأثر : 5793 - لم يرد في تفسير الآية من"سورة الزمر" .(48) الأثر : 5794 -أثر أبي ذر ، خرجه السيوطي في الدر المنثور 1 : 328 ، ونسبه لأبي الشيخ في العظمة ، وابن مردويه ، والبيهقي في الأسماء والصفات ، وخرجه ابن كثير في تفسيره 2 : 13 وساق لفظ ابن مردويه وإسناده ، من طريق محمد بن عبدالتميمي ، عن القاسم بن محمد الثقفي ، عن أبي إدريس الخولاني ، عن أبي ذر .(49) الأثر : 5796 -"عبدالله بن أبي زياد القطواني" ، هو"عبدالله بن الحكم بن أبي زيادة" سلفت ترجمته برقم : 2247 . و"عبيدالله بن موسي بن أبي المختار ، وأسمه باذام ، العبسى مولاهم" ، روى عنه البخاري ، وروى عنه هو والباقون بواسطة أحمد بن أبي سريج الرازى ، وأحمد بن إسحق البخاري ، وأبي بكر بن أبي شبية ، وعبدالله بن الحكم القطواني وغيرهم . ثقة صدوق حسن الحديث ، كان عالما بالقرآن رأسا فيه ، وأثبت أصحاب إسرائيل . مترجم في التهذيب .و"عبدالله بن خليفة الهمداني الكوفي" روي عن عمر وجابر ، روى عنه أبو إسحق السبيعى ذكره ابن حبان في الثقات . مترجم في التهذيب . وهكذا روى الطبري هذا الأثر موقوفا ، وخرجه ابن كثير وفي تفسيره 2 : 13 من طريق إسرائيل ، عن أبي إسحق ، عن عبدالله بن خليفة ، عن عمر رضي الله عنه .قال ابن كثير : "وقد رواه الحافظ البزار في مسنده المشهور ، وعبد بن بن حميد ، وابن جرير في تفسيريهما ، والطبراني ، وابن أبي عاصم في كتابي السنة ، لها ، والحافظ الضياء في كتابه المختار من حديث أبي إسحق السبيعي ، عن عبدالله بن خليفة ، وليس بذاك المشهور . وفي سماعه من عمر نظطر : ثم منهم من يرويه عنه ، عن عمر موقوفا -قلت : كما رواه الطبري هنا -ومنهم من يرويه عن عمر مرسلا ، ومنهم من يزيد في متنه زيادة غربية -قلت : وهي زيادة الطبري في هذا الحديث -ومنهم من يحذفها . وأغرب من هذا حديث جبير بن مطعم في صفة العرش ، كما رواه أبو داود في كتاب السنة من سنته (رقم : 4726) ، والله أعلم" .قال بيده : أشار بها ، وانظر ما سلف من تفسير الطبري لذلك في 2 : 546 -548 .(50) الأثران : 5797 ، 5798 -يحيى بن أبي بكير ، واسمه نسر ، الأسدي" ، أبو زكريا الكرماني الأصل . سكن بغداد ، روي عن بن عثمان ، وإبراهيم بن طهمان ، وإسرائيل ، وزائدة .روى عنه الستة ، ويعقوب بن إبراهيم الدورقي ، ومحمد بن أحمد بن أحمد بن أبي خلف ، وغيرهم . ذكره ابن حبان في الثقات . مات سنة 208 أو 209 . مترجم في التهذيب . وكان في المطبوعة"يحيى بن أبي بكر" وهو خطأ .وهذا الأثر ، والذي يليه ، إسنادان آخران للأثر السالف رقم : 5796 ، فانظر التعليق عليهما .(51) العجب لأبي جعفر ، كيف تناقض قوله في هذا الموضع ! فإنه بدأ فقال : إن الذي هو أولى بتأويل الآية ما جاء به الأثر عن رسول الله صلي الله عليه وسلم ، من الحديث في صفة الكرسي ، ثم عاد في هذا الموضع يقول : وأما الذي يدل على صحته ظاهر القرآن ، فقول ابن عباس أنه علم الله سبحانه . فإما هذا وإما هذا ، وغير ممكن أن يكون أولى التأويلات في معنى"الكرسي" هو الذي جاء في الحديث الأول ، ويكون معناه أيضًا "العلم" ، كما زعم أنه دل على صحته ظاهر القرآن . وكيف يجمع في تأويل واحد ، معنيان مختلفان في الصفة والجوهر ! ! وإذا كان خبر جعفر بن أبي المغيرة ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس ، صحيح الإسناد ، فإن الخبر الآخر الذي رواه مسلم البطين ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس ، صحيح الإسناد علىشرط الشيخين ، كما قال الحاكم ، وكما في مجمع الزوائد 6 : 323" رواه الطبراني ، ورجاله رجال الصحيح" ، كما بينته في التعليق على الأثر : 5792 . ومهما قيل فيها ، فلن يكون أحدهما أرجح من الآخر إلا بمرجح يجب التسليم له . وأما أبو منصور الأزهري فقد قال في ذكر الكرسي : "والصحيح عن ابن عباس ما رواه عمار الدهنى ، عن مسلم البطين ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس أنه قال : "الكرسي موضع القدمين ، وأما العرش فإنه لا يقدر قدره . قال : وهذه رواية اتفق أهل العلم على صحتها . قال : ومن روى عنه في الكرسي أنه العلم ، فقد أبطل" ، وهذا هو قول أهل الحق إن شاء الله .وقد أراد الطبري أن يستدل بعد بأن الكرسي هو"العلم" ، بقوله تعالى : "ربنا وسعت كل شيء رحمة وعلما" ، فلم لم يجعل"الكرسي" هو"الرحمة" ، وهما في آية واحدة؟ ولم يجعلها كذلك لقوله تعالى في سورة الأعراف : 156 : "قال عذابي أصيب به من أشاء ورحمتي وسعت كل شيء"؟ واستخراج معنى الكرسي من هذه الآية كما فعل الطبري ، ضعيف جدا ، يجل عنه من كان مثله حذرا ولطفا ودقة .وأما ما ساقه بعد من الشواهد في معنى"الكرسي" ، فإن أكثره لا يقوم على شيء ، وبعضه منكر التأويل ، كما سأبينه بعد إن شاء الله . وكان يحسبه شاهدا ودليلا أنه لم يأت في القرآن في غير هذا الموضع ، بالمعنى الذي قالوه ، وأنه جاء في الآية الأخرى بما ثبت في صحيح اللغة من معنى"الكرسي" ، وذلك قوله تعالى في"سورة ص" : "ولقد فتنا سليمان وألقينا على كرسيه جسدا ثم أناب" . وكتبه محمود محمد شاكر .(52) أخشى أن يكون الصواب : "وأصل الكرس : العلم" (بفتح الكاف وسكون الراء) مما رواه ابن العرابى من قولهم : "كرس الرجل" (بفتح ثم كسر) : إذا ازدحم علمه على قلبه . وجعل أبي جعفر هذا أصلا ، عجب أي عجب! فمادة اللغة تشهد على خلافه ، وتفسير ابن الأعرابى هذا أيضًا شاهد على خلافه . وأنما أصل المادة (كرس) من تراكم الشيء وتلبد بعضه على وتجمعه . وقوله بعد : " ومنه قيل للصحيفة كراسة" ، والأجود أن يقال : إنه من تجمع أوراقه بعضها على بعض ، أو ضم بعضها إلى بعض .(53) لم أجد الرجز ، وقوله : "احتازها" ، أي حازها وضمها إلى نفسه . ولا أدرى إلى أي شيء يعود الضمير : إلى القانص أم إلى كلبه؟ والاستدلال بهذا الرجز على أنه يعنى بقوله : "تكرس" ، علم ، لا دليل عليه ، حتى نجد سائر الشعر ، ولم يذكره أحد من أصحاب اللغة .(54) هذا التفسير مأخوذ من قول قطرب كما سيأتى ، أنهم العلماء ، ولكن أصل مادة اللغة يدل على أن أصل ذلك هو ذلك هو الشيء الثابت الذي يعتمد عليه ، كالكرسي الذي يجلس عليه ، وتسمية العلماء بذلك مجاز محض .(55) لم أعرف قائله .(56) لم أجد البيت ، إلا فيمن نقل عن الطبري ، وفي أساس البلاغة (كرس) أنشده بعد قوله : "ويقال للعلماء الكراسي -عن قطرب" وأنشد البت . ولم أجد من ذكر ذلك من ثقات أهل اللغة .(57) ديوانه : 78 ، واللسان (قدس) (كرس) . و"القدس" هو الله -سبحانه الطاهر المنزه عن العيوب والنقائص . والقدس . ومولاها : ربها . وقد سلف تفسير معنى"القدس" و"القدس" في هذا التفسير 1 : 475 ، 476/ 2 : 322 ، 323 . و"أبو العباس" هو أبو العباس السفاح ، الخليفة العباسي . وروى صاحب اللسان" القديم الكرس" ، و"المعدن" (بفتح الميم وكسر الدال) : مكان كل شيء وأصله الثابت ، ومنه : "معدن الذهب والفضة" ، وهو الموضع الذي ينبت الل فيه الذهب والفضة ، ثم تستخرج منه ، وهو المسمى في زماننا"المنجم" . يقول : أبو العباس أولى نفس بالخلافة ، الثابتة الأصل الكريمته .(58) قوله : "إيادا" مصدر لم أجده في كتب اللغة ، زادناه الطبري .(59) في المخطوطة والمطبوعة : "يكثر عليه" والصواب ما أثبت : "كبر عليه" ، ثقل عليه .(60) كرثه الأمر يكرثه : اشتد عليه وبلغ منه المشقة .(61) انظر ما سلف في ذكره" أهل البحث" فيما سلف قريبا : 387 ، التعليق : 2 .(62) في المخطوطة : "النظر" ، بغير ياء . و"النظر" (بكسر فسكون) ، مثل"النظير" ، مثل : "ند ونديد" . وجائز أن يكون"النظر" (بضمتين) جمع"نظير" ، وهم يكسر"فعيلا" الصفة ، على"فعل" ، بضمتين تشبيها له"بفعيل" الاسم ، كما قالوا في"جديد ، جدد" ، و"نذير ، نذر" . أما النظائر جمع نظير ، فهو شاذ عن بابه .(63) هو الأعشى .(64) ديوانه : 5 ، وقد مضى هذا البيت في تعليقنا آنفًا : 390 ، تعليق : 3 . والزلال : الماء الصافى العذب البارد السائغ في الحلق .(65) الإثبات: إثبات الصفات لله سبحانه كما وصف نفسه ، بلا تأويل ، خلافا للمعتزلة وغيرهم وانظر ما سلف 1 : 189 ، تعليق : 1 .
2:256
لَاۤ اِكْرَاهَ فِی الدِّیْنِ ﳜ قَدْ تَّبَیَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَیِّۚ-فَمَنْ یَّكْفُرْ بِالطَّاغُوْتِ وَ یُؤْمِنْۢ بِاللّٰهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقٰىۗ-لَا انْفِصَامَ لَهَاؕ-وَ اللّٰهُ سَمِیْعٌ عَلِیْمٌ(۲۵۶)
کچھ زبردستی نہیں (ف۵۳۲) دین میں بیشک خوب جدا ہوگئی ہے نیک راہ گمراہی سے تو جو شیطان کو نہ مانے اور اللہ پر ایمان لائے (ف۵۳۳) اس نے بڑی محکم گرہ تھامی جسے کبھی کھلنا نہیں، اور اللہ سنتا جانتا ہے،

القول في تأويل قوله : لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّقال أبو جعفر: اختلف أهل التأويل في معنى ذلك.فقال بعضهم: نزلت هذه الآية في قوم من الأنصار- أو في رجل منهم - كان لهم أولاد قد هودوهم أو نصروهم، فلما جاء الله بالإسلام أرادوا إكراههم عليه، فنهاهم الله عن ذلك، حتى يكونوا هم يختارون الدخول في الإسلام.* ذكر من قال ذلك:5812 - حدثنا محمد بن بشار، قال: حدثنا ابن أبي عدي، عن شعبة، عن أبي بشر، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس قال: كانت المرأة تكون مقلاتا، فتجعل على نفسها إن عاش لها ولد أن تهوده. فلما أجليت بنو النضير كان فيهم من أبناء الأنصار، فقالوا: لا ندع أبناءنا! فأنزل الله تعالى ذكره: " لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي".5813 - حدثنا ابن بشار، قال: حدثنا محمد بن جعفر، قال: حدثنا سعيد، عن أبي بشر، عن سعيد بن جبير، قال: كانت المرأة تكون مقلى ولا يعيش لها ولد = قال شعبة. وإنما هو مقلات = فتجعل عليها إن بقي لها ولد لتهودنه. قال: فلما أجليت بنو النضير كان فيهم منهم، فقالت الأنصار: كيف نصنع بأبنائنا؟ فنزلت هذه الآية: " لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي". قال: من شاء أن يقيم أقام، ومن شاء أن يذهب ذهب (66) .5814 - حدثنا حميد بن مسعدة، قال: حدثنا بشر بن المفضل، قال: حدثنا داود= وحدثني يعقوب قال: حدثنا ابن علية، عن داود= عن عامر، قال: كانت المرأة من الأنصار تكون مقلاتا لا يعيش لها ولد، فتنذر إن عاش ولدها أن تجعله مع أهل الكتاب على دينهم، فجاء الإسلام وطوائف من أبناء الأنصار على دينهم، فقالوا: إنما جعلناهم على دينهم، ونحن نرى أن دينهم أفضل من ديننا‍‍! وإذ جاء الله بالإسلام فلنكرهنهم! فنزلت: " لا إكراه في الدين "، فكان فصل ما بين من اختار اليهودية والإسلام، فمن لحق بهم اختار اليهودية، ومن أقام اختار الإسلام= ولفظ الحديث لحميد.5815 - حدثنا محمد بن عبد الأعلى، قال: حدثنا معتمر بن سليمان، قال: سمعت داود، عن عامر، بنحو معناه= إلا أنه قال: فكان فصل ما بينهم، إجلاء رسول الله صلى الله عليه وسلم بني النضير، فلحق بهم من كان يهوديا ولم يسلم منهم، وبقي من أسلم.5816 - حدثنا ابن المثنى، قال: حدثنا عبد الأعلى، قال: حدثنا داود، عن عامر بنحوه= إلا أنه قال: إجلاء النضير إلى خيبر، فمن اختار الإسلام أقام، ومن كره لحق بخيبر (67) .5817 - حدثني ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، عن أبي إسحاق، عن محمد بن أبي محمد الحرشي مولى زيد بن ثابت عن عكرمة، أو عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس قوله: " لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي"، قال: نزلت في رجل من الأنصار من بني سالم بن عوف يقال له الحصين، كان له ابنان نصرانيان، وكان هو رجلا مسلما، فقال للنبي صلى الله عليه وسلم: ألا أستكرههما فإنهما قد أبيا إلا النصرانية؟ فأنزل الله فيه ذلك (68) .5818 - حدثني المثنى قال: حدثنا حجاج بن المنهال، قال: حدثنا أبو عوانة، عن أبي بشر، قال: سألت سعيد بن جبير عن قوله: " لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي" قال: نزلت هذه في الأنصار، قال: قلت خاصة! قال: خاصة! قال: كانت المرأة في الجاهلية تنذر إن ولدت ولدا أن تجعله في اليهود، تلتمس بذلك طول بقائه. قال: فجاء الإسلام وفيهم منهم، فلما أجليت النضير قالوا: يا رسول الله، أبناؤنا وإخواننا فيهم، قال: فسكت عنهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأنزل الله تعالى ذكره: " لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي" قال: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " قد خير أصحابكم، فإن اختاروكم فهم منكم، وإن اختاروهم فهم منهم " قال: فأجلوهم معهم (69) .5819 - حدثني موسى بن هارون، قال: حدثنا عمرو، قال: حدثنا أسباط، عن السدي قوله: " لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي" إلى: لا انْفِصَامَ لَهَا قال: نزلت في رجل من الأنصار يقال له أبو الحصين: كان له ابنان، فقدم تجار من الشام إلى المدينة يحملون الزيت. فلما باعوا وأرادوا أن يرجعوا أتاهم ابنا أبي الحصين، فدعوهما إلى النصرانية، فتنصرا فرجعا إلى الشام معهم. فأتى أبوهما إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال (70) إن ابني تنصرا وخرجا، فأطلبهما؟ فقال: " لا إكراه في الدين " (71) .ولم يؤمر يومئذ بقتال أهل الكتاب، وقال: أبعدهما الله! هما أول من كفر! فوجد أبو الحصين في نفسه على النبي صلى الله عليه وسلم حين لم يبعث في طلبهما، فنزلت: فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا [ سورة النساء: 65] ثم إنه نسخ: " لا إكراه في الدين " فأمر بقتال أهل الكتاب في" سورة براءة " (72) .5820 - حدثني محمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، عن عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قول الله: " لا إكراه في الدين " قال: كانت اليهود ، يهود بني النضير، (73) أرضعوا رجالا من الأوس، فلما أمر النبي صلى الله عليه وسلم بإجلائهم، قال أبناؤهم من الأوس: لنذهبن معهم، ولندينن بدينهم! فمنعهم أهلوهم، وأكرهوهم على الإسلام، ففيهم نزلت هذه الآية.5821 - حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا أبي، عن سفيان= وحدثنا أحمد بن إسحاق، قال: حدثنا أبو أحمد = جميعا، عن سفيان، عن خصيف، عن مجاهد: " لا إكراه في الدين "، قال: كان ناس من الأنصار مسترضعين في بني قريظة، فأرادوا أن يكرهوهم على الإسلام، فنزلت: " لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي".5822 - حدثنا القاسم، قال: حدثنا الحسين، قال: حدثني الحجاج، عن ابن جريج، قال: قال مجاهد: كانت النضير يهودا فأرضعوا،= ثم ذكر نحو حديث محمد بن عمرو، عن أبي عاصم= قال ابن جريج، وأخبرني عبد الكريم، عن مجاهد: أنهم كانوا قد دان بدينهم أبناء الأوس، (74) دانوا بدين النضير.5823 - حدثني المثنى، قال: لنا إسحاق، قال: حدثنا ابن أبي جعفر، عن أبيه، عن داود بن أبي هند، عن الشعبي: أن المرأة من الأنصار كانت تنذر إن عاش ولدها لتجعلنه في أهل الكتاب، فلما جاء الإسلام قالت الأنصار: يا رسول الله ألا نكره أولادنا الذين هم في يهود على الإسلام، فإنا إنما جعلناهم فيها ونحن نرى أن اليهودية أفضل الأديان؟ فلما إذ جاء الله بالإسلام، (75) .أفلا نكرههم على الإسلام؟ فأنزل الله تعالى ذكره: " لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي".5824 - حدثت عن عمار، قال: حدثنا ابن أبي جعفر، عن أبيه، عن داود، عن الشعبي مثله = وزاد: قال: كان فصل ما بين من اختار اليهود منهم وبين من اختار الإسلام، إجلاء بني النضير، فمن خرج مع بني النضير كان منهم، ومن تركهم اختار الإسلام (76) .5825 - حدثني يونس، قال: أخبرنا بن وهب، قال: قال ابن زيد في قوله: " لا إكراه في الدين " إلى قوله: " العروة الوثقى " قال: قال منسوخ.5826 - حدثني سعيد بن الربيع الرازي، قال: حدثنا سفيان، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، ووائل، عن الحسن: أن أناسا من الأنصار كانوا مسترضعين في بني النضير، فلما أجلوا أراد أهلوهم أن يلحقوهم بدينهم، فنزلت: " لا إكراه في الدين ".* * *وقال آخرون: بل معنى ذلك: لا يكره أهل الكتاب على الدين إذا بذلوا الجزية، ولكنهم يقرون على دينهم. وقالوا: الآية في خاص من الكفار، ولم ينسخ منها شيء.* ذكر من قال ذلك:5827 - حدثنا بشر بن معاذ، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة: " لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي"، قال: أكره عليه هذا الحي من العرب، لأنهم كانوا أمة أميه ليس لهم كتاب يعرفونه، فلم يقبل منهم غير الإسلام. ولا يكره عليه أهل الكتاب إذا أقروا بالجزية أو بالخراج، ولم يفتنوا عن دينهم، فيخلى عنهم (77) .5828 - حدثنا محمد بن بشار، قال: حدثنا سليمان قال: حدثنا أبو هلال، قال: حدثنا قتادة في قوله: " لا إكراه في الدين "، قال: هو هذا الحي من العرب، أكرهوا على الدين، لم يقبل منهم إلا القتل أو الإسلام، وأهل الكتاب قبلت معهم الجزية، ولم يقتلوا.5829 - حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا الحكم بن بشير، قال: حدثنا عمرو بن قيس، عن جويبر، عن الضحاك في قوله: " لا إكراه في الدين "، قال: أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقاتل جزيرة العرب من أهل الأوثان، فلم يقبل منهم إلا " لا إله إلا الله "، أو السيف. ثم أمر فيمن سواهم بأن يقبل منهم الجزية، فقال: " لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي".5830 - حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن قتادة في قوله: " لا إكراه في الدين "، قال: كانت العرب ليس لها دين، فأكرهوا على الدين بالسيف. قال: ولا يكره اليهود ولا النصارى والمجوس، إذا أعطوا الجزية.5831 - حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا ابن عيينة، عن ابن أبي نجيح، قال: سمعت مجاهدا يقول لغلام له نصراني: يا جرير أسلم. ثم قال: هكذا كان يقال لهم.5832 - حدثني محمد بن سعد، قال: حدثني أبي، قال: حدثني عمي، قال: حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس: " لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي"، قال: وذلك لما دخل الناس في الإسلام، وأعطى أهل الكتاب الجزية.* * *وقال آخرون: هذه الآية منسوخة، وإنما نزلت قبل أن يفرض القتال.* ذكر من قال ذلك:5833 - حدثني يونس بن عبد الأعلى، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: أخبرني يعقوب بن عبد الرحمن الزهري قال: سألت زيد بن أسلم عن قول الله تعالى ذكره: " لا إكراه في الدين "، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة عشر سنين لا يكره أحدا في الدين، فأبى المشركون إلا أن يقاتلوهم، فاستأذن الله في قتالهم فأذن له.* * *قال أبو جعفر: وأولى هذه الأقوال بالصواب قول من قال: نزلت هذه الآية في خاص من الناس- وقال: عنى بقوله تعالى ذكره: " لا إكراه في الدين "، أهل الكتابين والمجوس وكل من جاء إقراره على دينه المخالف دين الحق، وأخذ الجزية منه، وأنكروا أن يكون شيء منها منسوخا (78) .وإنما قلنا هذا القول أولى الأقوال في ذلك بالصواب، لما قد دللنا عليه في كتابنا( كتاب اللطيف من البيان عن أصول الأحكام ): من أن الناسخ غير كائن ناسخا إلا ما نفى حكم المنسوخ، فلم يجز اجتماعهما. فأما ما كان ظاهره العموم من الأمر والنهي، وباطنه الخصوص، فهو من الناس والمنسوخ بمعزل (79) .وإذ كان ذلك كذلك = وكان غير مستحيل أن يقال: لا إكراه لأحد ممن أخذت منه الجزية في الدين، ولم يكن في الآية دليل على أن تأويلها بخلاف ذلك، وكان المسلمون جميعا قد نقلوا عن نبيهم صلى الله عليه وسلم أنه أكره على الإسلام قوما فأبى أن يقبل منهم إلا الإسلام، وحكم بقتلهم إن امتنعوا منه، وذلك كعبدة الأوثان من مشركي العرب، وكالمرتد عن دينه دين الحق إلى الكفر ومن أشبههم، وأنه ترك إكراه الآخرين على الإسلام بقبوله الجزية منه وإقراره على دينه الباطل، وذلك كأهل الكتابين ومن أشبههم = (80) كان بينا بذلك أن معنى قوله: " لا إكراه في الدين "، إنما هو لا إكراه في الدين لأحد ممن حل قبول الجزية منه بأدائه الجزية، ورضاه بحكم الإسلام.ولا معنى لقول من زعم أن الآية منسوخة الحكم، بالإذن بالمحاربة.* * *فإن قال قائل: فما أنت قائل فيما روي عن ابن عباس وعمن روي عنه: من أنها نزلت في قوم من الأنصار أرادوا أن يكرهوا أولادهم على الإسلام؟قلنا: ذلك غير مدفوعة صحته، ولكن الآية قد تنزل في خاص من الأمر، ثم يكون حكمها عاما في كل ما جانس المعنى الذي أنزلت فيه. فالذين أنزلت فيهم هذه الآية - على ما ذكر ابن عباس وغيره - إنما كانوا قوما دانوا بدين أهل التوراة قبل ثبوت عقد الإسلام لهم، فنهى الله تعالى ذكره عن إكراههم على الإسلام، وأنزل بالنهي عن ذلك آية يعم حكمها كل من كان في مثل معناهم، ممن كان على دين من الأديان التي يجوز أخذ الجزية من أهلها، وإقرارهم عليها، على النحو الذي قلنا في ذلك.* * *قال أبو جعفر: ومعنى قوله: " لا إكراه في الدين ". لا يكره أحد في دين الإسلام عليه، (81) وإنما أدخلت " الألف واللام " في" الدين "، تعريفا للدين الذي عنى الله بقوله: (82) " لا إكراه فيه "، وأنه هو الإسلام.وقد يحتمل أن يكون أدخلتا عقيبا من " الهاء " المنوية في" الدين "، (83) فيكون معنى الكلام حينئذ: وهو العلي العظيم، لا إكراه في دينه، قد تبين الرشد من الغي. وكأن هذا القول أشبه بتأويل الآية عندي.* * *قال أبو جعفر: وأما قوله: " قد تبين الرشد "، فإنه مصدر من قول القائل: " رشدت فأنا أرشد رشدا ورشدا ورشادا "، وذلك إذا أصاب الحق والصواب (84) .* * *وأما " الغي"، فإنه مصدر من قول القائل: " قد غوى فلان فهو يغوى غيا وغواية "، وبعض العرب يقول: " غوى فلان يغوى "، والذي عليه قراءة القرأة: مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى [ سورة النجم: 2] بالفتح، وهي أفصح اللغتين، وذلك إذا عدا الحق وتجاوزه، فضل.* * *فتأويل الكلام إذا: قد وضح الحق من الباطل، واستبان لطالب الحق والرشاد وجه مطلبه، فتميز من الضلالة والغواية، فلا تكرهوا من أهل الكتابين= ومن أبحت لكم أخذ الجزية منه=، (85) .[ أحدا] على دينكم، دين الحق، فإن من حاد عن الرشاد بعد استبانته له، فإلى ربه أمره، وهو ولي عقوبته في معاده.* * *القول في تأويل قوله : فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِقال أبو جعفر: اختلف أهل التأويل في معنى " الطاغوت ".فقال بعضهم: هو الشيطان.* ذكر من قال ذلك:5834 - حدثنا محمد بن بشار قال: حدثنا عبد الرحمن، قال: حدثنا سفيان، عن أبي إسحاق، عن حسان بن فائد العبسي قال: قال عمر بن الخطاب: الطاغوت: الشيطان (86) .5835 - حدثني محمد بن المثنى، قال: حدثني ابن أبي عدي، عن شعبة، عن أبي إسحاق، عن حسان بن فائد، عن عمر، مثله.5836 - حدثني يعقوب بن إبراهيم، قال: حدثنا هشيم، قال: أخبرنا عبد الملك، عمن حدثه، عن مجاهد، قال: الطاغوت: الشيطان.5837 - حدثني يعقوب، قال: حدثنا هشيم، قال: أخبرنا زكريا، عن الشعبي، قال: الطاغوت: الشيطان.5838 - حدثنا المثنى، قال: حدثنا إسحاق، قال: حدثنا أبو زهير، عن جويبر، عن الضحاك في قوله: " فمن يكفر بالطاغوت " قال: الشيطان.5839 - حدثنا بشر بن معاذ، قال، حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة: الطاغوت: الشيطان.5840 - حدثني موسى، قال: حدثنا عمرو، قال: حدثنا أسباط، عن السدي في قوله: " فمن يكفر بالطاغوت " بالشيطان.* * *وقال آخرون: الطاغوت: هو الساحر.* ذكر من قال ذلك:5841 - حدثنا محمد بن المثنى، قال: حدثنا عبد الأعلى قال: حدثنا داود، عن أبي العالية، أنه قال: الطاغوت: الساحر.* * *وقد خولف عبد الأعلى في هذه الرواية، وأنا أذكر الخلاف بعد (87) .* * *5842 - حدثنا محمد بن بشار، قال: حدثنا حميد بن مسعدة، قال: حدثنا عوف، عن محمد، قال: الطاغوت: الساحر (88) .* * *وقال آخرون: بل " الطاغوت " هو الكاهن.* ذكر من قال ذلك:5843 - حدثني ابن بشار، قال: حدثنا محمد بن جعفر، قال: حدثنا شعبة، عن أبي بشر، عن سعيد بن جبير، قال: الطاغوت: الكاهن (89) .5844 - حدثنا ابن المثنى، قال: حدثنا عبد الوهاب، قال: حدثنا داود، عن رفيع، قال: الطاغوت: الكاهن (90) .5845 - حدثنا القاسم، قال: حدثنا الحسين، قال: حدثني حجاج، عن ابن جريج: " فمن يكفر بالطاغوت "، قال: كهان تنزل عليها شياطين، يلقون على ألسنتهم وقلوبهم = أخبرني أبو الزبير، عن جابر بن عبد الله، أنه سمعه يقول: - وسئل عن الطواغيت التي كانوا يتحاكمون إليها فقال-: كان في جهينة واحد، وفي أسلم واحد، وفي كل حي واحد، وهي كهان ينزل عليها الشيطان.* * *قال أبو جعفر: والصواب من القول عندي في" الطاغوت "، أنه كل ذي طغيان على الله، فعبد من دونه، إما بقهر منه لمن عبده، وإما بطاعة ممن عبده له، وإنسانا كان ذلك المعبود، أو شيطانا، أو وثنا، أو صنما، أو كائنا ما كان من شيء.* * *وأرى أن أصل " الطاغوت "،" الطغووت " من قول القائل: " طغا فلان يطغوا "، إذا عدا قدره، فتجاوز حده، ك " الجبروت "" من التجبر "، و " الخلبوت " من " الخلب "، (91) . ونحو ذلك من الأسماء التي تأتي على تقدير " فعلوت " بزيادة الواو والتاء. ثم نقلت لامه - أعني لام " الطغووت " فجعلت له عينا، وحولت عينه فجعلت مكان لامه، كما قيل: " جذب وجبذ "، و " جاذب وجابذ "، و " صاعقة وصاقعه "، وما أشبه ذلك من الأسماء التي على هذا المثال.* * *فتأويل الكلام إذا: فمن يجحد ربوبية كل معبود من دون الله، فيكفر به=" ويؤمن بالله "، يقول: ويصدق بالله أنه إلهه وربه ومعبوده (92) = فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى ، يقول: فقد تمسك بأوثق ما يتمسك به من طلب الخلاص لنفسه من عذاب الله وعقابه، كما:-5846 - حدثني أحمد بن سعيد بن يعقوب الكندي، قال: حدثنا بقية بن الوليد، قال: حدثنا ابن أبي مريم، عن حميد بن عقبة، عن أبي الدرداء: أنه عاد مريضا من جيرته، فوجده في السوق وهو يغرغر، لا يفقهون ما يريد.فسألهم: يريد أن ينطق؟ قالوا: نعم يريد أن يقول: "آمنت بالله وكفرت بالطاغوت ". قال أبو الدرداء: وما علمكم بذلك؟ قالوا: لم يزل يرددها حتى انكسر لسانه، فنحن نعلم أنه إنما يريد أن ينطق بها. فقال أبو الدرداء: أفلح صاحبكم ! إن الله يقول: " فمن يكفر بالطاغوت ويؤمن بالله فقد استمسك بالعروة الوثقى لا الفصام لها والله سميع عليم " (93) .* * *القول في تأويل قوله : فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَىقال أبو جعفر: " والعروة "، في هذا المكان، مثل للإيمان الذي اعتصم به المؤمن، فشبهه في تعلقه به وتمسكه به، بالمتمسك بعروة الشيء الذي له عروة يتمسك بها، إذ كان كل ذي عروة فإنما يتعلق من أراده بعروته.وجعل تعالى ذكره الإيمان الذي تمسك به الكافر بالطاغوت المؤمن بالله، ومن أوثق عرى الأشياء بقوله: " الوثقى "* * *و " الوثقى "،" فعلى " من " الوثاقة ". يقال في الذكر: " هو الأوثق "، وفي الأنثى: " هي الوثقى "، كما يقال: " فلان الأفضل، وفلانة الفضلى ".* * *وبنحو ما قلنا في ذلك قال أهل التأويل.* ذكر من قال ذلك:5847 - حدثني محمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، عن عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قوله: " بالعروة الوثقى "، قال: الإيمان.5848 - حدثني المثنى، قال: حدثنا أبو حذيفة، قال: حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله.5849 - حدثني موسى، قال: حدثنا عمرو، قال: حدثنا أسباط، عن السدي، قال: " العروة الوثقى "، هو الإسلام.5850 - حدثنا أحمد بن إسحاق، قال: حدثنا أبو أحمد، قال: حدثنا سفيان، عن أبي السوداء، عن جعفر - يعني ابن أبي المغيرة - عن سعيد بن جبير قوله: " فقد استمسك بالعروة الوثقى "، قال: لا إله إلا الله (94) .5851 - حدثنا ابن بشار، قال: حدثنا عبد الرحمن، قال: حدثنا سفيان، عن أبي السوداء النهدي، عن سعيد بن جبير مثله.5852 - حدثني المثنى، قال: حدثنا إسحاق، قال: حدثنا أبو زهير، عن جويبر، الضحاك: " فقد استمسك بالعروة الوثقى "، مثله.* * *القول في تأويل قوله : لا انْفِصَامَ لَهَاقال أبو جعفر: يعني تعالى ذكره بقوله: " لا انفصام لها "، لا انكسار لها." والهاء والألف "، في قوله: " لها " عائد على " العروة ".* * *ومعنى الكلام: فمن يكفر بالطاغوت ويؤمن بالله، فقد اعتصم من طاعة الله بما لا يخشى مع اعتصامه خذلانه إياه، وإسلامه عند حاجته إليه في أهوال الآخرة، كالمتمسك بالوثيق من عرى الأشياء التي لا يخشى انكسار عراها (95) .* * *وأصل " الفصم " الكسر، ومنه قول أعشى بني ثعلبة:ومبسمها عن شتيت النباتغير أكس ولا منفصم (96)* * *وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.* ذكر من قال ذلك:5853 - حدثني محمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، عن عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قوله: " لا انفصام لها "، قال: لا يغير الله ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم.5854 - حدثني المثنى، قال: حدثنا أبو حذيفة، قال: حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله.5855 - حدثني موسى بن هارون، قال: حدثنا عمرو، قال: حدثنا أسباط، عن السدي: " لا انفصام لها "، قال: لا انقطاع لها.* * *القول في تأويل قوله : وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (256)قال أبو جعفر: يعني تعالى ذكره: " والله سميع "، إيمان المؤمن بالله وحده، الكافر بالطاغوت، عند إقراره بوحدانية الله، وتبرئه من الأنداد والأوثان التي تعبد من دون الله=" عليم " بما عزم عليه من توحيد الله وإخلاص ربوبيته قلبه، (97) وما انطوى عليه من البراءة من الآلهة والأصنام والطواغيت ضميره، وبغير ذلك مما أخفته نفس كل أحد من خلقه، لا ينكتم عنه سر، ولا يخفى عليه أمر، حتى يجازي كلا يوم القيامة بما نطق به لسانه، وأضمرته نفسه، إن خيرا فخيرا، وإن شرا فشرا.---------------------------الهوامش :(66) الأثران : 5812 ، 5813 -في ابن كثير 2 : 15 ، والدر المنثور 1: 329 قال ابن كثير : "رواه أبو داود والنسائي جميعا عن بندار به ، ومن وجوه أخرى عن شعبة به نحوه . ورواه ابن أبي حاتم وابن حبان في صحيحه من حديث شعبة به" . والسنن الكبرى للبيهقى 9 : 186 ، وسنن أبي داود -3 : 78 -79 رقم : 2682 . وكان في المطبوعة والمخطوطة في رقم 5813 ، "حدثنا محمد بن جعفر ، عن سعيد" ، وهو خطأ صوابه"شعبة" . وقوله : "قال : من شاء أن يقيم أقام" وهو من كلام سعيد بن جبير ، كما في السنن للبيهقى . والحديث مرفوع هناك إلى ابن عباس وهو الصواب ولكني تركت ما في الطبري على حاله .وامرأة مقلت (بضم الميم) ومقلات (بكسر الميم) ، هى المرأة التي لايعيش لها ولد . ويأتى أيضًا "مقلات" ، أنها المرأة التي ليس لها إلا ولد واحد . ولكن الأول هو المراد في هذا الأثر .(67) الآثار 5814 -5816- هى ألفاظ مختلفة لحديث واحد ، وانظر 1 : 329 ، وقال" : أخرجه عبد بن حميد وابن المنذر" ، ثم انظر الأثرين رقم : 5823 ، 5824 فيما يأتي بعد .(68) الأثر : 5817 -انظر ما قاله الحافظ ابن حجر في تحقيق اسم الصحابي في"حصين الأنصاري" غير منسوب ، ثم في باب الكنى"أبو الحصين الأنصاري السالمي" ، وفيهما تحقيق جيد .وانظر تفسير ابن 2 : 15 ، والدر المنثور 1 : 329 . وانظر الأثر التالي رقم : 5819 .(69) الأثر : 5818 -في السنن الكبرى للبيهقى 9 : 186 من طريق سعيد بن منصور عن أبي عوانة ، وذكره السيوطي في الدر المنثور 1 : 329 وزاد نسبته إلى"سعيد بن منصور ، وعبدبن حميد ، وابن المنذر" وفيها زيادة : "كانت المرأة في الجاهلية إذا كانت نزورا مقلاتا تنذر لئن ولدت ولدا لتجعلنه في اليهود" وسائر الخبر سواء . وكتب في البيهقي والدر المنثور"مقلاة" بالتاء المربوطة وهو خطأ ، و"امرأة نزرة" (بفتح وكسر" وامرأة نزور" قليلة الولد . وفي الدر"نزورة" وهو خطأ .(70) في المطبوعة : "إلى رسول الله صلى عليه وسلم" ، والصواب من المخطوطة والدر المنثور .(71) في المطبوعة : إتمام الآية"قد تبين الرشد من الغى" ، وليس في المخطوطة ولا الدر المنثور .(72) الأثر : 5819 -في الدر المنثور 1 : 329 ، وزاد نسبته إلى أبي داود في ناسخه ، وابن المنذر ، وأشار إليه ابن كثير في تفسيره 2 : 15 . هذا ولم يذكر أبو جعفر هذا الأثر في تفسير آية"سورة النساء" ، ولم يجعلها قولا غير الأقوال التي ذكرها . وهو دليل على اختصاره هذا التفسير ، كما رووا عنه .(73) في المطبوعة : "كانت في اليهود يهود أرضعوا..." ، وفي المخطوطة كانت اليهود يهودا أرضعوا" وهما خطأ . وفي الدر المنثور 1 : 329 : " كانت النضير أرضعت" . واستظهرت أن تكون العبارة أثبتها ، سقط من الناسخ"بني النضير" -أو يكون صوابها كما سيأتى في الأثر رقم : 5822 : "كانت النضير يهودا..." .(74) في المخطوطة : "قد دانوا بدينهم أبناء الأوس" ، وأخشى أن يكون ما في المطبوعة أصح .(75) في المطبوعة : "فلما أن جاء الإسلام" ، وفي المخطوطة : "فلما إذ جاء" ، وصواب ذلك ما أثبت .(76) الأثران : 5823 ، 5824 -انظر الآثار السالفة : 5814 -5816 .(77) في المخطوطة : " فخلى عنهم" ، وهما سواء .(78) في المخطوطة : "منسوخ" ، والصواب ما في المطبوعة .(79) انظر ما قاله فيما سلف في شرط النسخ 3 : 358 ، 563 .(80) سياق الجملة : "وإذ كان ذلك كذلك ... كان بينا" . وما بين الخطين ، عطوف متتابعة فاصلة بينهما .(81) "عليه" ، أي على الإسلام .(82) في المطبوعة والمخطوطة : "تصريفا للدّين" ، وهو تحريف ، والصواب الواضح ما أثبت .(83) قوله : "عقيبا" أي بدلا وخلفا منه . أصله من العقيب : وهو كل شيء أعقب شيئا .وعقيبك : هو الذي يعاقبك في العمل ، يعمل مرة ، وتعمل أنت مرة .(84) انظر ما سلف في معنى"رشد" 3 : 484 ، 485 .(85) أي ، فلا تكرهوا من أهل الكتاب... أحدا على دينكم...والزيادة مما يقتضيه السياق .(86) الأثر : 5834 -"حسان بن فائد العبسي" . روى عنه أبو إسحق السبيعي . قال أبو حاتم"شيخ" ، وقال البخاري يعد في الكوفيين . وذكره ابن حبان في ثقات التابعين . مترجم في التهذيب ، والكبير 2/ 1/ 28 ، وابن أبي حاتم 1/2 /223 . وكان في المطبوعة : "العنسي" ، والصواب من المخطوطة . وهذا الأثر ساقه ابن كثير بتمامه في تفسيره 2 : 16 -17(87) في لأثر الآتي رقم : 5844 .(88) الأثر : 5842 -حماد بن مسعدة ، سلف ترجمته في رقم : 3056 . وكان في المطبوعة"حميد بن مسعدة" ، وهو هنا خطأ ، صوابه من المخطوطة . أما"حميد بن مسعدة ، فهو شيخ الطبري ، سلف ترجمته في الأثر رقم : 196 .(89) الأثر : 5843 -كان في المطبوعة والمخطوطة : "حدثنا محمد بن جعفر ، قال حدثنا سعيد" ، والصواب"شعبة" ، وانظر مثل ذلك في هذا الإسناد نفسه مما سلف رقم : 5813 ، والتعليق عليه .(90) الأثر 5844 -رفيع ، هو أبو العالية الرياحي ، وقد مضت ترجمته مرارا فيما سلف .(91) في المطبوعة والمخطوطة"الحلبوت من الحلب" بالحاء المملة ، والصواب ما أثبت . يقال : "رجل خلبوت وامرأة خلبوت" ، وهو المخادع الكذوب ، وجاء في الشعر ، وما أصدق ما قال هذا العربى ، وما أبصره بطباع الناس ، وما أصدقه على زماننا هذا :ملكتم فلما أن ملكتم خلبتموشرالملوك الغادر الخلبوت.(92) اطلب معنى"الإيمان" فيما سلف في فهارس اللغة .(93) الأثر : 5846-"أحمد بن سعيد بن يعقوب الكندي" ، أبو العباس ، روي عن بقية بن الوليد ، وعثمان بن سعيد الحمصي ، روى عنه النسائي . وذكره ابن حبان في الثقات . مترجم في التهذيب وابن أبي حاتم 1/1 / 53 . و"حميد بن عقبة" ، هو : حميد بن عقبة بن رومان بن زرارة القرشي و"يقال ، الفلسطيني . سمع ابن عمر ، وأبا الدرداء . وروى عنه أبو بكر بن مريم والوليد بن سليمان بن أبي السائب . قال أحمد : "حدثنا أبو الغيرة : سألت أبا بكر فقلت : حميد بن عقبة أراه كبيرا ، وأنت تحدث عنه عن أبي الدرداء؟ قال : حدثني أن كل شيء حدثني عن أبي الدرداء ، سمعه من أبي الدرداء" ، مترجم في الكبير 1/ 2/ 347 ، وابن أبي حاتم 1/ 2 /226 ، وتعجيل المنفعة : 106 .يقال : "فلان في السوق ، وفي السياق" أي في النزع عند الموت ، كأن روحه تساق لتخرج من بدنه . و"هو يسوق نفسه ويسوق بنفسه" : أي يعالج سكرة الموت ونزعه . ويقال : "غرغر فلان يغرغر" جاد بنفسه عند الموت ، و"الغرغرة" تردد الروح في الحلق ، وأكثر ذلك أن يكون معها صوت ، كغرغرة الماء في الحلق . وقوله : "حتى انكسر لسانه" : أي عجز عن النطق . وكل من عجز عن شيء ، فقد انكسر عنه . وهو هنا عبارة جيدة تصور ما يكون في لسان الميت .* * *وعند هذا الموضع انتهى جزء من التقسيم القديم الذي نقلت عنه نسختنا ، وفيها ما نصه :" يتلوه القول في تأويل قوله : فقد استمسك بالعروة الوثقى .وصلى الله على سيدنا محمد النبي وعلى آله وسلم كثيرا"ثم يبدا الجزء بعده :"بسم الله الرحمن الرحيم ،رب يسر" .(94) الأثر : 5850 ، 5851-"أبو السوداء" ، هو : "عمرو بن عمران النهدي" ، روي عن المسيب بن عبدخير ، وأبي مجلز ، وعبدالرحمن بن باسط والضحاك بن مزاحم ، وروى عنه حفص ابن عبدالرحمن بن سوقة والسفيانان . ثقه ، مترجم في التهذيب .(95) في المطبوعة والمخطوطة : "كالتمسك بالوثيق" . والصواب الذي يقتضيه السياق ما أثبت .(96) ديوانه : 2 من قصيدة من جيد شعر الأعشى ، وقبله أبيات من تمام معناه: أتهجر غانية أم تلمأم الحبل واه بها منجذمأم الرشد أحجى فإن امرءاسينفعه علمه إن علمكما راشد تجدن امرءاتبين , ثم انتهى إذ قدمعصى المشفقين إلى غيهوكل نصيح له يتهموما كان ذلك إلا الصباوإلا عقاب امرئ قد أثمونظرة عين على غرةمحل الخليط بصحراء زمومبسمها ............... . . . . . . . . . . . . . . . . . .فبانت وفي الصدر صدع لهاكصدع الزجاجة ما يلتئموقوله : "ومبسهما" منصوب عطفا ما قبله ، وهو مصدر ميمى ، أي ابتسامها . والشتيت : المتفرق المفلج ، يعنى : عن ثغرها شتيت النبات ، غير متراكب نبتة الأسنان . والأكس ، من الكسس (بفتحتين) : وهو أن يكون الحنك الأعلى أقصر من الأسفل ، فتكون الثنيتان العلييان وراء السفليين من داخل الفم . وهو عيب في الخلفية . ورواية الديوان : "منقصم" وهي أجود معنى . يقال : ينصدع الشيء دون أن يبين . وأما"القصم" فهو أن ينكسر كسرا فيه بينونة . ولكن الطبري استشهد به على"الفصم" بالفاء . وكلاهما عيب .وكان البيت مصحفا في المطبوعة : "... عن سنب النبات غير كسر" ، والصواب في المخطوطة ، ولكنه غير منقوط فأساؤوا قراءته .(97) السياق : "بما عزم عليه... قلبه" ، مرفوعا فاعل"عزم" .
2:257
اَللّٰهُ وَلِیُّ الَّذِیْنَ اٰمَنُوْاۙ-یُخْرِجُهُمْ مِّنَ الظُّلُمٰتِ اِلَى النُّوْرِ۬ؕ-وَ الَّذِیْنَ كَفَرُوْۤا اَوْلِیٰٓـٴُـھُمُ الطَّاغُوْتُۙ- یُخْرِجُوْنَهُمْ مِّنَ النُّوْرِ اِلَى الظُّلُمٰتِؕ-اُولٰٓىٕكَ اَصْحٰبُ النَّارِۚ-هُمْ فِیْهَا خٰلِدُوْنَ۠(۲۵۷)
اللہ والی ہے مسلمانوں کا انہیں اندھیریوں سے (ف۵۳۴) نور کی طرف نکلتا ہے، اور کافروں کے حمایتی شیطان ہیں وہ انہیں نور سے اندھیریوں کی طرف نکالتے ہیں یہی لوگ دوزخ والے ہیں انہیں ہمیشہ اس میں رہنا،

القول في تأويل قوله : اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِيَاؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِقال أبو جعفر: يعني تعالى ذكره بقوله: " الله ولي الذين آمنوا "، نصيرهم وظهيرهم، يتولاهم بعونه وتوفيقه= (1) " يخرجهم من الظلمات " يعني بذلك: (2) .يخرجهم من ظلمات الكفر إلى نور الإيمان. وإنما عنى ب " الظلمات " في هذا الموضع، الكفر. وإنما جعل " الظلمات " للكفر مثلا لأن الظلمات حاجبة للأبصار عن إدراك الأشياء وإثباتها، وكذلك الكفر حاجب أبصار القلوب عن إدراك حقائق الإيمان والعلم بصحته وصحة أسبابه. فأخبر تعالى ذكره عباده أنه ولي المؤمنين، ومبصرهم حقيقة الإيمان وسبله وشرائعه وحججه، وهاديهم، فموفقهم لأدلته المزيلة عنهم الشكوك، بكشفه عنهم دواعي الكفر، وظلم سواتر [عن ] أبصار القلوب. (3) .ثم أخبر تعالى ذكره عن أهل الكفر به، فقال: " والذين كفروا "، يعني الجاحدين وحدانيته=" أولياؤهم "، يعني نصراؤهم وظهراؤهم الذين يتولونهم=" الطاغوت "، يعني الأنداد والأوثان الذين يعبدونهم من دون الله=" يخرجونهم من النور إلى الظلمات "، يعني ب " النور " الإيمان، على نحو ما بينا=" إلى الظلمات "، ويعني ب " الظلمات " ظلمات الكفر وشكوكه، الحائلة دون أبصار القلوب ورؤية ضياء الإيمان وحقائق أدلته وسبله.* * *وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل:* ذكر من قال ذلك:5856 - حدثنا بشر بن معاذ، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة قوله: " الله ولي الذين آمنوا يخرجهم من الظلمات إلى النور "، يقول: من الضلالة إلى الهدى=" والذين كفروا أولياؤهم الطاغوت "، الشيطان: =" يخرجونهم من النور إلى الظلمات "، يقول: من الهدى إلى الضلالة.5857 - حدثني المثنى، قال: حدثنا إسحاق، قال: حدثنا أبو زهير، عن جويبر، عن الضحاك: " الله ولي الذين آمنوا يخرجهم من الظلمات إلى النور "، الظلمات: الكفر، والنور: الإيمان=" والذين كفروا أولياؤهم الطاغوت يخرجونهم من النور إلى الظلمات "، يخرجونهم من الإيمان إلى الكفر. (4) .5858 - حدثت عن عمار، قال: حدثنا ابن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع، في قوله تعالى ذكره: " الله ولي الذين آمنوا يخرجهم من الظلمات إلى النور "، يقول: من الكفر إلى الإيمان=" والذين كفروا أولياؤهم الطاغوت يخرجونهم من النور إلى الظلمات "، يقول: من الإيمان إلى الكفر.5859- حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا جرير، عن منصور، عن عبدة بن أبي لبابة، عن مجاهد أو مقسم في قول الله: " الله ولي الذين آمنوا يخرجهم من الظلمات إلى النور والذين كفروا أولياؤهم الطاغوت يخرجونهم من النور إلى الظلمات "، قال: كان قوم آمنوا بعيسى، وقوم كفروا به، فلما بعث الله محمدا صلى الله عليه وسلم آمن به الذين كفروا بعيسى، وكفر به الذين آمنوا بعيسى= أي: يخرج الذين كفروا بعيسى إلى الإيمان بمحمد صلى الله عليه وسلم= (5) " والذين كفروا أولياؤهم الطاغوت "، آمنوا بعيسى وكفروا بمحمد صلى الله عليه وسلم= قال: " يخرجونهم من النور إلى الظلمات ". (6) .5860 - حدثنا المثنى، قال: حدثنا الحجاج بن المنهال، قال: حدثنا المعتمر بن سليمان، قال: سمعت منصورا، عن رجل، عن عبدة بن أبي لبابة قال في هذه الآية: " الله ولي الذين آمنوا يخرجهم من الظلمات إلى النور "، إلى أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ، قال: هم الذين كانوا آمنوا بعيسى ابن مريم، فلما جاءهم محمد صلى الله عليه وسلم كفروا به، وأنزلت فيهم هذه الآية. (7) .* * *قال أبو جعفر: وهذا القول الذي ذكرناه عن مجاهد وعبدة بن أبي لبابة يدل على أن الآية معناها الخصوص، وأنها -إذ كان الأمر كما وصفنا- نزلت فيمن كفر من النصارى بمحمد صلى الله عليه وسلم، وفيمن آمن بمحمد صلى الله عليه وسلم من عبدة الأوثان الذين لم يكونوا مقرين بنبوة عيسى، وسائر الملل التي كان أهلها يكذِّب بعيسى.* * *فإن قال قائل: أو كانت النصارى على حق قبل أن يبعث محمد صلى الله عليه وسلم فكذَّبوا به؟قيل: من كان منهم على ملة عيسى ابن مريم صلى الله عليه وسلم فكان على حق، وإياهم عنى الله تعالى ذكره بقوله: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ [النساء: 136].* * *فإن قال قائل: فهل يحتمل أن يكون قوله: " والذين كفروا أولياؤهم الطاغوت يخرجونهم من النور إلى الظلمات "، أن يكون معنيا به غير الذين ذكر مجاهد وعبدة: (8) أنهم عنوا به من المؤمنين بعيسى، أو غير أهل الردة والإسلام؟ (9) .قيل: نعم يحتمل أن يكون معنى ذلك: والذين كفروا أولياؤهم الطاغوت يحولون بينهم وبين الإيمان، ويضلونهم فيكفرون، فيكون تضليلهم إياهم حتى يكفروا إخراجا منهم لهم من الإيمان، يعني صدهم إياهم عنه، وحرمانهم إياهم خيره، وإن لم يكونوا كانوا فيه قبل، كقول الرجل: " أخرجني والدي من ميراثه "، إذا ملك ذلك في حياته غيره، فحرمه منه حظَّه= (10) ولم يملك ذلك القائل هذا الميراث قط فيخرج منه، ولكنه لما حرمه، وحيل بينه وبين ما كان يكون له لو لم يحرمه، قيل: " أخرجه منه "، وكقول القائل: " أخبرني فلان من كتيبته "، يعني لم يجعلني من أهلها، ولم يكن فيها قط قبل ذلك. فكذلك قوله: " يخرجونهم من النور إلى الظلمات "، محتمل أن يكون إخراجهم إياهم من الإيمان إلى الكفر على هذا المعنى، (11) وإن كان الذي قاله مجاهد وغيره أشبه بتأويل الآية. (12) .* * *فإن قال لنا قائل: وكيف قال: " والذين كفروا أولياؤهم الطاغوت يخرجونهم من النور "، فجمع خبر " الطاغوت " بقوله: " يخرجونهم "، و " الطاغوت " واحد؟قيل: إن " الطاغوت " اسم لجماع وواحد، وقد يجمع " طواغيت ". وإذا جعل واحده وجمعه بلفظ واحد، كان نظير قولهم: " رجل عدل، وقوم عدل " و " رجل فطر وقوم فطر "، (13) وما أشبه ذلك من الأسماء التي تأتي موحدا في اللفظ واحدها وجمعها، (14) وكما قال العباس بن مرداس:فَقُلْنَا أَسْلِمُوا إِنَّا أَخُوكُمْفَقَدْ بَرِئَتْ مِنَ الإِحَنِ الصُّدُورُ (15)* * *القول في تأويل قوله : أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (257)قال أبو جعفر: يعني تعالى ذكره بذلك: هؤلاء الذين كفروا=" أصحاب النار "، أهل النار الذين يخلدون فيها- يعني في نار جهنم- دون غيرهم من أهل الإيمان، إلى غير غاية ولا نهاية أبدا. (16) .---------------الهوامش :(1) انظر تفسيره"الولى" فيما سلف 2 : 488 ، 489 / ثم : 563 ، 564 .(2) انظر القول في"الظلمات" فيما سلف 1 : 338 .(3) الزيادة بين القوسين ، لا غنى عنها ، وليست في المطبوعة ولا المخطوطة .(4) في المخطوطة : "من الظلمات إلى الكفر" ، وهو خطأ بين جدا .(5) في المطبوعة : "أي : يخرج الذين آمنوا إلى الإيمان بمحمد..." ، وهو لايستقيم ، وفي المخطوطة : "فلما بعث الله محمدا آمن به الذين كفروا بعيسى ، وكفر به الذين آمنوا بعيسى إلى الإيمان بمحمد..." سقط من الناسخ لعجلته : "أي يخرج الذين كفروا بعيسى" ، وهو ما أثبته استظهارا من سياق الكلام ، ومن الأثر بالتالي ، على خطئه فيه ، ومن الدر المنثور 1 : 230 ، وانظر التعليق على الأثر التالي .(6) الأثر : 5859 ، -"عبدة بن أبي لبابة الأسدي" روي عن ابن عمر وزر بن حبيش وأبي وائل ومجاهد وغيرها من ثقات أهل الكوفة . مترجم في التهذيب ، وكان في المطبوعة والمخطوطة في هذا الموضع"عبدالله بن أبي لبابة"" ، وهو خطأ ، وسيأتي فيهما على الصواب في الأثر التالي .(7) في المطبوعة والمخطوطة : "فلما جاءهم محمد صلى الله عليه آمنوا به" . والصواب ما أثبت ، أخطأ في نسخه وعجل . وانظر الدر المنثور 1 : 230 ، ففيه الصواب ، وهو الذي يدل عليه سياق الطبري فيما سيأتي أيضًا .(8) في المطبوعة : "مجاهد وغيره" . وهي في المخطوطة : "عنده" غير منقوطة وإنما عنى عبدة ابن أبي لبابة ، كما في الآثار السالفة ، وما بعدها .(9) في المخطوطة والمطبوعة : "الردة والإسلام" وهو هنا عطف لا يستقيم ، فإنه إنما عنى المرتدة عن الإسلام .(10) في المطبوعة : "فحرمه منه خطيئة" ، وهو كلام خلو من المعنى . وفي المخطوطة : "فحرمه منه حطه" غير منقوطة ، وكلها فاسدة . أن المعنى : إذا ملك الميراث غير أبيه ، فحرمه حظه من ميراث أبيه . والحظ : النصيب .(11) في المطبوعة : "يحتمل" بالياء في أوله ، وأثبت ما في المخطوطة .(12) في المطبوعة والمخطوطة معا : "مجاهد وغيره" ، وهو خطأ ، وانظر التعليق السالف : ص : 427 تعليق : 1 .(13) أي رجل مفطر ، وقوم مفطرون .(14) في المطبوعة : "التي تأتي موحدة في اللفظ..." ، وفي المخطوطة : "التي يأتي موحد في اللفظ"والصواب ما أثبت .(15) سيرة ابن هشام 4 : 95 واللسان (أخو) ومجاز القرآن 1 : 79 ، من قصيدة له طويلة في يوم حنين ، وفي هزيمة هوازن : ويذكر قارب بن الأسود وفراره من بني أبيه ، وذا الخمار وحبسه قومه للموت ، وبعد البيت: كأن القوم - إذ جاؤوا إلينامن البغضاء بعد السلم - عوروهو يخاطب هوازن بن منصور بن عكرمة ، إخوة سليم بن منصور ، وهم قوم العباس بن مرداس السلمي . وهذا البيت يجعلونه شاهدا على جمع"أخ" بالواو والنون كقول عقيل بن علقة المري: وكان بنو فزارة شر عموكنت لهم كشر بني الأخينافقوله : "أخوكم" ، أي : إخوتكم . فهذا وجه آخر غير الذي استشهد له بهذا البيت والشاهد على قوله الطبري ما جاء في الأثر : "أنتم الوالد ونحن الولد" . والإحن جمع إحنة : وهي الحقد الغالب .(16) انظر تفسير"أصحاب النار""وخالدون" فيما سلف 2 : 286 ، 287/ 4 : 317 .
2:258
اَلَمْ تَرَ اِلَى الَّذِیْ حَآجَّ اِبْرٰهٖمَ فِیْ رَبِّهٖۤ اَنْ اٰتٰىهُ اللّٰهُ الْمُلْكَۘ-اِذْ قَالَ اِبْرٰهٖمُ رَبِّیَ الَّذِیْ یُحْیٖ وَ یُمِیْتُۙ-قَالَ اَنَا اُحْیٖ وَ اُمِیْتُؕ-قَالَ اِبْرٰهٖمُ فَاِنَّ اللّٰهَ یَاْتِیْ بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَاْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِیْ كَفَرَؕ-وَ اللّٰهُ لَا یَهْدِی الْقَوْمَ الظّٰلِمِیْنَۚ(۲۵۸)
اے محبوب! کیا تم نے نہ دیکھا تھا اسے جو ابراہیم سے جھگڑا اس کے رب کے بارے میں اس پر (ف۵۳۵) کہ اللہ نے اسے بادشاہی دی (ف۵۳۶) جبکہ ابراہیم نے کہا کہ میرا رب وہ ہے جو جِلاتا اور مارتا ہے (ف۵۳۷) بولا میں جِلاتا اور مارتا ہوں (ف۵۳۸) ابراہیم نے فرمایا تو اللہ سورج کو لاتا ہے پورب (مشرق) سے تو اس کو پچھم (مغرب) سے لے آ (ف۵۳۹) تو ہوش اڑ گئے کافروں کے، اور اللہ راہ نہیں دکھاتا ظالموں کو،

القول في تأويل قوله : أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ أَنْ آتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَقال أبو جعفر: يعني تعالى ذكره بقوله: " ألم تر إلى الذي حاج إبراهيم في ربه " ألم تر، يا محمد، بقلبك (17) .=" الذي حاج إبراهيم "، يعني الذي خاصم (18) " إبراهيم "، يعني: إبراهيم نبي الله صلى الله عليه وسلم =" في ربه أن آتاه الله الملك "، يعني بذلك: حاجه فخاصمه في ربه، لأن الله آتاه الملك.* * *وهذا تعجيب من الله تعالى ذكره نبيه محمدا صلى الله عليه وسلم، من الذي حاج إبراهيم في ربه. ولذلك أدخلت " إلى " في قوله: " ألم تر إلى الذي حاج "، وكذلك تفعل العرب إذا أرادت التعجيب من رجل في بعض ما أنكرت من فعله، قالوا: " ما ترى إلى هذا "؟! والمعنى: هل رأيت مثل هذا، أو كهذا؟! (19) .* * *وقيل: إن " الذي حاج إبراهيم في ربه " جبار كان ببابل يقال له: نمرود بن كنعان بن كوش بن سام بن نوح = وقيل: إنه نمرود بن فالخ بن عابر بن شالخ بن أرفخشذ بن سام بن نوح.* ذكر من قال ذلك:5861 - حدثني محمد بن عمرو، حدثنا أبو عاصم، عن عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قول الله: " ألم تر إلى الذي حاج إبراهيم في ربه أن آتاه الله الملك "، قال: هو نمرود بن كنعان.5862 - حدثني المثنى، قال: حدثنا أبو حذيفة، قال: حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله.5863 - حدثني المثنى، قال: حدثنا أبو نعيم، عن سفيان، عن ليث، عن مجاهد، مثله.5864 - حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا أبي، عن النضر بن عربي، عن مجاهد، مثله. (20) .5865 - حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة: " ألم تر إلى الذي حاج إبراهيم في ربه "، قال: كنا نحدث أنه ملك يقال له نمروذ، (21) وهو أول ملك تجبر في الأرض، وهو صاحب الصرح ببابل.5866 - حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن قتادة، قال: هو اسمه نمروذ، وهو أول ملك تجبر في الأرض، حاج إبراهيم في ربه.5867 - حدثني المثنى، قال: حدثنا إسحاق، قال: حدثنا ابن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع في قوله: " ألم تر إلى الذي حاج إبراهيم في ربه أن آتاه الله الملك "، قال: ذكر لنا أن الذي حاج إبراهيم في ربه كان ملكا يقال له نمروذ، وهو أول جبار تجبر في الأرض، وهو صاحب الصرح ببابل.5868 - حدثنا موسى، قال: حدثنا عمرو، قال: حدثنا أسباط، عن السدي، قال: هو نمروذ بن كنعان.5869 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد: هو نمروذ.5870 - حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق، مثله.5871 - حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، قال: أخبرني زيد بن أسلم، بمثله.5872 - حدثنا القاسم، قال: حدثنا الحسين، قال: حدثني حجاج، عن ابن جريج، قال: أخبرني عبد الله بن كثير أنه سمع مجاهدا يقول: هو نمرود= قال ابن جريج: هو نمرود، ويقال إنه أول ملك في الأرض.* * *القول في تأويل قوله : إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ قَالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ قَالَ إِبْرَاهِيمُ فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (258)قال أبو جعفر: يعني تعالى ذكره بذلك: ألم تر، يا محمد، إلى الذي حاج إبراهيم في ربه حين قال له إبراهيم: " ربي الذي يحيي ويميت "، يعني بذلك: ربي الذي بيده الحياة والموت، يحيي من يشاء ويميت من أراد بعد الإحياء. قال: أنا أفعل ذلك، فأحيي وأميت، أستحيي من أردت قتله فلا أقتله، فيكون ذلك مني إحياء له= وذلك عند العرب يسمى " إحياء "، كما قال تعالى ذكره: وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا [سورة المائدة: 32]= وأقتل آخر، فيكون ذلك مني إماتة له. قال إبراهيم صلى الله عليه وسلم: فإن الله الذي هو ربي يأتي بالشمس من مشرقها، فأت بها- إن كنت صادقا أنك إله- من مغربها! قال الله تعالى ذكره: " فبهت الذي كفر "، يعني انقطع وبطلت حجته.* * *يقال منه: " بهت يبهت بهتا ". وقد حكي عن بعض العرب أنها تقول بهذا المعنى: " بهت ". ويقال: " بهت الرجل "= إذا افتريت عليه كذبا=" بهتا وبهتانا وبهاتة ". (22) .* * *وقد روي عن بعض القرأة أنه قرأ: " فبهت الذي كفر "، بمعنى: فبهت إبراهيم الذي كفر.* * *وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.* ذكر من قال ذلك:5873 - حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة في قوله: " إذ قال إبراهيم ربي الذي يحيي ويميت، قال أنا أحيي وأميت "، وذكر لنا أنه دعا برجلين ففتل أحدهما واستحي الآخر، فقال: أنا أحيي هذا‍! أنا أستحيي من شئت، وأقتل من شئت! قال إبراهيم عند ذلك: " فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ"،" فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ".5874 - حدثني المثنى، قال: حدثنا أبو حذيفة، قال: حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قال: " أنا أحيي وأميت "، أقتل من شئت، وأستحيي من شئت، أدعه حيا فلا أقتله. وقال: ملك الأرض مشرقها ومغربها أربعة نفر: مؤمنان وكافران، فالمؤمنان: سليمان بن داود وذو القرنين، والكافران: بختنصر ونمرود بن كنعان، لم يملكها غيرهم.5875 - حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن زيد بن أسلم: أول جبار كان في الأرض نمروذ، (23) . فكان الناس يخرجون فيمتارون من عنده الطعام، فخرج إبراهيم يمتار مع من يمتار، فإذا مر به ناس قال: من ربكم؟ قالوا: أنت! حتى مر إبراهيم، قال: من ربك؟ قال: الذي يحيي ويميت؟ قال: أنا أحيي وأميت! قال إبراهيم: فإن الله يأتي بالشمس من المشرق فأت بها من المغرب! فبهت الذي كفر. قال: فرده بغير طعام. قال: فرجع إبراهيم على أهله، (24) .فمر على كثيب أعفر، (25) فقال: ألا آخذ من هذا، فآتي به أهلي، (26) فتطيب أنفسهم حين أدل عليهم! فأخذ منه فأتى أهله. قال: فوضع متاعه ثم نام، فقامت امرأته إلى متاعه، ففتحته، فإذا هي بأجود طعام رآه أحد (27) ، فصنعت له منه، فقربته إليه، وكان عَهِد أهلَه ليس عندهم طعام، (28) فقال: من أين هذا؟ قالت: من الطعام الذي جئت به! فعلم أن الله رزقه، فحمد الله. ثم بعث الله إلى الجبار ملكا أن آمن بي وأتركك على ملكك! قال: وهل رب غيري؟! فجاءه الثانية، فقال له ذلك، فأبى عليه. ثم أتاه الثالثة فأبى عليه، فقال له الملك: اجمع جموعك إلى ثلاثة أيام! فجمع الجبار جموعه، فأمر الله الملك، ففتح عليه بابا من البعوض، فطلعت الشمس، فلم يروها من كثرتها، فبعثها الله عليهم فأكلت لحومهم، وشربت دماءهم، فلم يبق إلا العظام، والملك كما هو لم يصبه من ذلك شيء. فبعث الله عليه بعوضة، فدخلت في منخره، فمكث أربعمئة سنة يضرب رأسه بالمطارق، وأرحم الناس به من جمع يديه وضرب بهما رأسه. وكان جبارا أربعمئة عام، فعذبه الله أربعمائة سنة كملكه، وأماته الله. (29) وهو الذي بنى صرحا إلى السماء فأتى الله بنيانه من القواعد، وهو الذي قال الله: فَأَتَى اللَّهُ بُنْيَانَهُمْ مِنَ الْقَوَاعِدِ (30) [النحل: 26].5876 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: أخبرني عبد الرحمن بن زيد بن أسلم في قول الله: أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ ، قال: هو نمروذ كان بالموصل والناس يأتونه، فإذا دخلوا عليه، قال: من ربكم؟ فيقولون: أنت! فيقول: أميروهم. (31) فلما دخل إبراهيم، ومعه بعير خرج يمتار به لولده، قال: فعرضهم كلهم، فيقول: من ربكم؟ فيقولون: أنت! فيقول: أميروهم! (32) حتى عرض إبراهيم مرتين، فقال: من ربك!؟ قال: ربي الذي يحيي ويميت! قال: أنا أحيي وأميت، إن شئت قتلتك فأمتك، وإن شئت استحييتك. قال إبراهيم: فإن الله يأتي بالشمس من المشرق فأت بها من المغرب!!" فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ". قال: أخرجوا هذا عني فلا تميروه شيئا! فخرج القوم كلهم قد امتاروا، وجوالقا إبراهيم يصطفقان، (33) حتى إذا نظر إلى سواد جبال أهله، قال: ليحزني صبيتي إسماعيل وإسحاق! (34) لو أني ملأت هذين الجوالقين من هذه البطحاء، فذهبت بهما، قرت عينا صبيي، حتى إذا كان الليل أهرقته! قال: فملأهما، ثم خيطهما، ثم جاء بهما. فترامى عليهما الصبيان فرحا، وألقى رأسه في حجر سارة ساعة، ثم قالت: ما يجلسني! قد جاء إبراهيم تعبا لغبا، (35) لو قمت فصنعت له طعاما إلى أن يقوم! قال: فأخذت وسادة فأدخلتها مكانها، وانسلت قليلا قليلا لئلا توقظه. قال: فجاءت إلى إحدى الغرارتين ففتقتها، فإذا حواري من النقي لم يروا مثله عند أحد قط، (36) فأخذت منه فعجنته وخبزته، (37) فلما أتت توقظ إبراهيم جاءته حتى وضعته بين يديه، فقال: أي شيء هذا يا سارة؟ قالت: من جوالقك، لقد جئت وما عندنا قليل ولا كثير‍ قال: فذهب ينظر إلى الجوالق الآخر فإذا هو مثله، فعرف من أين ذاك.5877 - حدثني المثنى، قال: حدثنا إسحاق، قال: حدثنا ابن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع، قال: لما قال له إبراهيم: ربي الذي يحيي ويميت‍ قال هو -يعني نمروذ: فأنا أحيي وأميت‍ فدعا برجلين، فاستحي أحدهما، وقتل الآخر، قال: أنا أحيي وأميت ،‍= قال: أي أستحيي من شئت= فقال إبراهيم: فإن الله يأتي بالشمس من المشرق فأت بها من المغرب‍" فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ".5878 - حدثني موسى، قال: حدثنا عمرو، قال: حدثنا أسباط، عن السدي، قال: لما خرج إبراهيم من النار، أدخلوه على الملك، ولم يكن قبل ذلك دخل عليه فكلمه، وقال له: من ربك؟ قال: ربي الذي يحيي ويميت‍ قال نمروذ: أنا أحيي وأميت‍‍! أنا أدخل أربعة نفر بيتا، فلا يطعمون ولا يسقون، حتى إذا هلكوا من الجوع أطعمت اثنين وسقيتهما فعاشا، وتركت اثنين فماتا. فعرف إبراهيم أن له قدرة بسلطانه وملكه على أن يفعل ذلك، قال له إبراهيم: فإن ربي الذي يأتي بالشمس من المشرق، فأت بها من المغرب! فبهت الذي كفر، وقال: إن هذا إنسان مجنون! فأخرجوه، ألا ترون أنه من جنونه اجترأ على آلهتكم فكسرها، وأن النار لم تأكله! وخشي أن يفتضح في قومه = أعني نمروذ = وهو قول الله تعالى ذكره: وَتِلْكَ حُجَّتُنَا آتَيْنَاهَا إِبْرَاهِيمَ عَلَى قَوْمِهِ [سورة الأنعام: 83]، فكان يزعم أنه رب= وأمر بإبراهيم فأخرج.5879 - حدثنا القاسم، قال: حدثنا الحسين، قال: حدثني حجاج، عن ابن جريج، قال: أخبرني عبد الله بن كثير أنه سمع مجاهدا يقول: قال: أنا أحيي وأميت، أحيي فلا أقتل، وأميت من قتلت= قال ابن جريج، كان أتى برجلين، فقتل أحدهما، وترك الآخر، فقال: أنا أحيي وأميت، قال: أقتل فأميت من قتلت، وأحيي= قال: استحيي= فلا أقتل.5880 - حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، قال: حدثني محمد بن إسحاق، قال: ذكر لنا والله أعلم: أن نمروذ قال لإبراهيم فيما يقول: أرأيت إلهك هذا الذي تعبد وتدعو إلى عبادته، (38) وتذكر من قدرته التي تعظمه بها على غيره، ما هو؟ قال له إبراهيم: ربي الذي يحيي ويميت. قال نمرود: فأنا أحيي وأميت! فقال له إبراهيم: كيف تحيي وتميت؟ قال: آخذ رجلين قد استوجبا القتل في حكمي، فأقتل أحدهما فأكون قد أمته، وأعفو عن الآخر فأتركه وأكون قد أحييته! فقال له إبراهيم عند ذلك: فإن الله يأتي بالشمس من المشرق، فأت بها من المغرب، أعرف أنه كما تقول! فبهت عند ذلك نمروذ، ولم يرجع إليه شيئا، وعرف أنه لا يطيق ذلك. يقول تعالى ذكره: " فبهت الذي كفر "، يعني وقعت عليه الحجة= يعني نمروذ.* * *قال أبو جعفر: وقوله: " وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ"، يقول: والله لا يهدي أهل الكفر إلى حجة يدحضون بها حجة أهل الحق عند المحاجة والمخاصمة، لأن أهل الباطل حججهم داحضة.* * *وقد بينا أن معنى " الظلم " وضع الشيء في غير موضعه، (39) والكافر وضع جحوده ما جحد في غير موضعه، فهو بذلك من فعله ظالم لنفسه.* * *وبنحو الذي قلنا في ذلك قال ابن إسحاق.5881 - حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، قال: حدثني محمد بن إسحاق: " وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ"، أي: لا يهديهم في الحجة عند الخصومة، لما هم عليه من الضلالة.-----------------الهوامش :(17) انظر تفسير"الرؤية"فيما سلف 3 : 75 -79 /3 : 160 / وهذا الجزء : 266 ، 291 .(18) انظر معنى"حاج" فيما سلف 3 : 121 -200 .(19) انظر معاني القرآن للفراء 1 : 170 .(20) الأثر : 5864 -"النضر بن عربي الباهلي" مضت ترجمته في : 1307 ، وكان في المطبوعة والمخطوطة : "بن عدي" ، وهو خطأ .(21) في المطبوعة والمخطوطة : "كنا نتحدث" ، وما أثبت هو الصواب .(22) "بهاتة" ، مصدر لم أجده في كتب اللغة ، وهو صحيح في القياس .(23) في التاريخ : "نمرود" بالدال المهملة ، وفي المخطوطة كذلك ، إلا أنها لا تعجم المعجم .وكلاهما جائز ، بالدال المهملة والذال المعجمة .(24) في المخطوطة والمطبوعة : "على أهله" ، والجيد ما في تاريخ الطبري ، وهو ما أثبت .(25) في المطبوعة : "على كثيب من رمل أعفر" بهذه الزيادة ، وليست في المخطوطة ولا في التاريخ والأعفر : الرمل الأحمر ، أو تخالطه الحمرة .(26) في التاريخ : "هلاّ" (بفتح الهاء وتشديد اللام) وهما سواء ، "ألاّ" أيضًا مشددة اللام .(27) في المطبوعة : "فإذا هى بأجود طعام رأته" ، والذي أثبت نص المخطوطة والتاريخ ، فليت شعرى لم غيره المغيرون في الطبع ! ! .(28) الأثر : 5875 -في المطبوعة : "وكان عهده بأهله أنه ليس عندهم طعام" ، وأثبت ما في المخطوطة . والتاريخ ، وعجب لهؤلاء المبدلين ، استدلوا الركيك الموضوع ، بالجزء المرفوع! ! والأثر في التاريخ الطبري 1 : 148 .(29) في المطبوعة : "ثم أماته الله" ، وأثبت ما في المخطوطة والتاريخ .(30) في المخطوطة : "فأتي الله بنيانه من القواعد" ، ثم أراد أن يصححها ، فكررها كما هى ، ولم يضرب على الأولى .(31) في المطبوعة : "ميروهم" ، وأثبت ما في المخطوطة ، وهما صواب . ماره يميره ، وأماره : إذا أتاهم بالميرة (وهى الطعام المجلوب) ، ومار القوم وأمارهم أيضًا : إذا أعطاهم الميرة .(32) في المطبوعة : "ميروهم" ، وأثبت ما في المخطوطة ، وهما صواب . ماره يميره ، وأماره : إذا أتاهم بالميرة (وهى الطعام المجلوب) ، ومار القوم وأمارهم أيضًا : إذا أعطاهم الميرة .(33) الجُوالق (يضم الجيم ، وكسر اللام أو فتحها) ، وجمعه جوالق وجوالقات ، وهو وعاء من الأوعية ، نسميه ونحرفه اليوم"شوال" . واصطفق الشيء : اضطرب ، يعنى من فراغهما .(34) في المطبوعة : "ليحزنني" ، والصواب ما في المخطوطة .(35) لغب : قد أعيى أشد الإعياء . من اللغوب . وأكثر ما يقولون : لاغب ، أما"لغب" ، فهو قليل في كلامهم ، وهو هنا اتباع .(36) الحواري (بضم الخاء وتشديد الواو ، والراء مفتوحة) : وهو لباب الدقيق الأبيض وأخلصه وأجوده . والنقى : وهو البر إذا جرى فيه الدقيق .(37) في المطبوعة : "فطحنته وعجنته" ، وفي المخطوطة"فعجنته وعجنته" . واستظهرت أن تكون كما أثبتها .(38) في المطبوعة : "الذي تعبده وتدعو إلى عبادته" ، وفي المخطوطة"الذي تعبدونه وتدعو ..." صواب قراءتها ما أثبت .(39) انظر تفسير"الظلم" فيما سلف 1 : 523 ، 524 / 2 : 369 ، 519 ، ثم أخيرا ما سلف قريبا : 384 .
2:259
اَوْ كَالَّذِیْ مَرَّ عَلٰى قَرْیَةٍ وَّ هِیَ خَاوِیَةٌ عَلٰى عُرُوْشِهَاۚ-قَالَ اَنّٰى یُحْیٖ هٰذِهِ اللّٰهُ بَعْدَ مَوْتِهَاۚ-فَاَمَاتَهُ اللّٰهُ مِائَةَ عَامٍ ثُمَّ بَعَثَهٗؕ-قَالَ كَمْ لَبِثْتَؕ-قَالَ لَبِثْتُ یَوْمًا اَوْ بَعْضَ یَوْمٍؕ-قَالَ بَلْ لَّبِثْتَ مِائَةَ عَامٍ فَانْظُرْ اِلٰى طَعَامِكَ وَ شَرَابِكَ لَمْ یَتَسَنَّهْۚ-وَ انْظُرْ اِلٰى حِمَارِكَ وَ لِنَجْعَلَكَ اٰیَةً لِّلنَّاسِ وَ انْظُرْ اِلَى الْعِظَامِ كَیْفَ نُنْشِزُهَا ثُمَّ نَكْسُوْهَا لَحْمًاؕ-فَلَمَّا تَبَیَّنَ لَهٗۙ-قَالَ اَعْلَمُ اَنَّ اللّٰهَ عَلٰى كُلِّ شَیْءٍ قَدِیْرٌ(۲۵۹)
یا اس کی طرح جو گزرا ایک بستی پر (ف۵۴۰) اور وہ ڈھئی (مسمار ہوئی) پڑی تھی اپنی چھتوں پر (ف۵۴۱) بولا اسے کیونکر جِلائے گا اللہ اس کی موت کے بعد تو اللہ نے اسے مردہ رکھا سو برس پھر زندہ کردیا، فرمایا تو یہاں کتنا ٹھہرا، عرض کی دن بھر ٹھہرا ہوں گا یا کچھ کم، فرمایا نہیں تجھے سو برس گزر گئے اور اپنے کھانے اور پانی کو دیکھ کہ اب تک بو نہ لایا اور اپنے گدھے کو دیکھ کہ جس کی ہڈیاں تک سلامت نہ رہیں اور یہ اس لئے کہ تجھے ہم لوگوں کے واسطے نشانی کریں اور ان ہڈیوں کو دیکھ کیونکر ہم انہیں اٹھان دیتے پھر انہیں گوشت پہناتے ہیں جب یہ معاملہ اس پر ظاہر ہوگیا بولا میں خوب جانتا ہوں کہ اللہ سب کچھ کرسکتا ہے،

أو كالذي مر على قريةالقول في تأويل قوله تعالى : أو كالذي مر على قرية يعني تعالى ذكره بقوله : أو كالذي مر على قريه نظير الذي عنى بقوله : ألم تر إلى الذي حاج إبراهيم في ربه من تعجيب محمد صلى الله عليه وسلم منه . وقوله : أو كالذي مر على قريه عطف على قوله : ألم تر إلى الذي حاج إبراهيم في ربه . وإنما عطف قوله : أو كالذي على قوله : إلى الذي حاج إبراهيم في ربه وإن اختلف لفظاهما , لتشابه جنسهما , لأن قوله , ألم تر إلى الذي حاج إبراهيم في ربه بمعنى : هل رأيت يا محمد كالذي حاج إبراهيم في ربه , ثم عطف عليه بقوله : أو كالذي مر على قريه لأن من شأن العرب العطف بالكلام على معنى نظير له قد تقدمه وإن خالف لفظه لفظه . وقد زعم بعض نحويي البصرة أن " الكاف " في قوله , أو كالذي مر على قريه زائدة , وأن المعنى : ألم ترى إلى الذي حاج إبراهيم جميعا , أو الذي مر على قرية . وقد بينا قبل فيما مضى أنه غير جائز أن يكون في كتاب الله شيء لا معنى له بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع . واختلف أهل التأويل في الذي مر على قرية وهي خاوية على عروشها , فقال بعضهم : هو عزير . ذكر من قال ذلك : 4591 - حدثنا محمد بن بشار , قال , ثنا عبد الرحمن , قال : ثنا سفيان , عن أبي إسحاق , عن ناجية بن كعب . أو كالذي مر على قرية وهي خاوية على عروشها قال : عزير . 4592 - حدثنا ابن حميد . قال : ثنا يحيى بن واضح , قال : ثنا أبو خزيمة , قال : سمعت سليمان بن بريدة في قوله : أو كالذي مر على قريه قال : هو عزير . 4593 - حدثنا بشر , قال , ثنا يزيد . قال : ثنا سعيد , عن قتادة : أو كالذي مر على قريه خاوية على عروشها قال , ذكر لنا أنه عزير . 4594 - حدثنا الحسن بن يحيى , قال : أخبرنا عبد الرزاق , قال : أخبرنا معمر , عن قتاده مثله . 4595 - حدثت عن عمار , قال : ثنا ابن أبي جعفر , عن أبيه قوله : أو كالذي مر على قريه قال : قال الربيع : ذكر لنا والله أعلم أن الذي أتى على القرية هو عزير . 4596 - حدثنا القاسم , قال : ثنا الحسين قال : ثني حجاج عن ابن جريج , عن عكرمة : أو كالذي مر على قريه وهي خاوية على عروشها قال : عزير . 4597 - حدثني موسى , قال : ثنا عمرو , قال : ثنا أسباط عن السدي : أو كالذي مر على قرية قال : عزير . 4598 - حدثت عن الحسين , قال : سمعت أبا معاذ يقول : أخبرنا عبيد بن سليمان , قال : سمعت الضحاك يقول في قوله : أو كالذي مر على قريه وهي خاويه على عروشها إنه هو عزير . 4599 - حدثني يونس , قال : قال لنا سلم الخواص : كان ابن عباس يقول : هو عزير . وقال آخرون : هو إرميا بن حلقيا وزعم محمد بن إسحاق أن إرميا هو الخضر . 4600 - حدثنا بذلك ابن حميد , قال : ثنا سلمة , قال : ثنا ابن إسحاق , قال : اسم الخضر فيما كان وهب بن منبه يزعم عن بني إسرائيل , إرميا بن حلقيا , وكان من سبط هارون بن عمران . ذكر من قال ذلك : 4601 - حدثنا الحسن بن يحيى , قال : أخبرنا عبد الرزاق , قال : ثنا عبد الصمد بن معقل أنه سمع وهب بن منبه يقول في قوله : أنى يحيي هذه الله بعد موتها إن إرميا لما خرب بيت المقدس وحرقت الكتب , وقف في ناحية الجبل , فقال : أنى يحيي هذه الله بعد موتها . 4602 - حدثنا ابن حميد , قال : ثنا سلمة , قال : ثني ابن إسحاق , عمن لا يتهم , عن وهب بن منبه , قال : هو إرميا . * - حدثني محمد بن عسكر , قال : ثنا إسماعيل بن عبد الكريم , قال : سمعت عبد الصمد بن معقل , عن وهب بن منبه , مثله . 4603 - حدثني محمد بن عمرو , قال : ثنا أبو عاصم , عن عيسى بن ميمون , عن قيس بن سعد , عن عبد الله بن عبيد بن عمير في قول الله : أو كالذي مر على قريه وهي خاوية على عروشها قال : كان نبيا وكان اسمه إرميا . * - حدثني المثنى , قال : ثنا أبو حذيفة , قال : ثنا شبل , عن قيس بن سعد , عن عبد الله بن عبيد , مثله . 4604 - حدثني يونس , قال : أخبرنا ابن وهب , قال : أخبرني بكر بن مضر قال : يقولون والله أعلم : إنه إرميا . وأولى الأقوال في ذلك بالصواب أن يقال : إن الله تعالى ذكره عجب نبيه صلى الله عليه وسلم ممن قال إذ رأى قرية خاوية على عروشها : أنى يحيي هذه الله بعد موتها مع علمه أنه ابتدأ خلقها من غير شيء , فلم يقنعه علمه بقدرته على ابتدائها , حتى قال : أنى يحييها الله بعد موتها ! ولا بيان عندنا من الوجه الذي يصح من قبله البيان على اسم قائل ذلك , وجائز أن يكون ذلك عزيرا , وجائز أن يكون إرميا , ولا حاجة بنا إلى معرفة اسمه , إذ لم يكن المقصود بالآية تعريف الخلق اسم قائل ذلك . وإنما المقصود بها تعريف المنكرين قدرة الله على إحيائه خلقه بعد مماتهم , وإعادتهم بعد فنائهم , وأنه الذي بيده الحياة والموت من قريش , ومن كان يكذب بذلك من سائر العرب , وتثبيت الحجة بذلك على من كان بين ظهراني مهاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم من يهود بني إسرائيل بإطلاعه نبيه محمد صلى الله عليه وسلم على ما يزيل شكهم في نبوته , ويقطع عذرهم في رسالته , إذ كانت هذه الأنباء التي أوحاها إلى نبيه محمد صلى الله عليه وسلم في كتابه من الأنباء التي لم يكن يعلمها محمد صلى الله عليه وسلم وقومه , ولم يكن علم ذلك إلا عند أهل الكتاب , ولم يكن محمد صلى الله عليه وسلم وقومه منهم , بل كان أميا وقومه أميون , فكان معلوما بذلك عند أهل الكتاب من اليهود الذين كانوا بين ظهراني مهاجره أن محمدا صلى الله عليه وسلم لم يعلم ذلك إلا بوحي من الله إليه . ولو كان المقصود بذلك الخبر عن اسم قائل ذلك لكانت الدلالة منصوبة عليه نصبا يقطع العذر ويزيل الشك , ولكن القصد كان إلى ذم قيله , فأبان تعالى ذكره ذلك لخلقه . واختلف أهل التأويل في القرية التي مر عليها القائل : أنى يحيي هذه الله بعد موتها فقال بعضهم : هي بيت المقدس . ذكر من قال ذلك : 4605 - حدثني محمد بن سهل بن عسكر ومحمد بن عبد الملك , قالا : ثنا إسماعيل بن عبد الكريم , قال : ثني عبد الصمد بن معقل أنه سمع وهب بن منبه , قال : لما رأى إرميا هدم بيت المقدس كالجبل العظيم , قال : أنى يحيي هذه الله بعد موتها . 4606 - ثنا الحسن بن يحيى , قال : أخبرنا عبد الرزاق , قال : أخبرنا عبد الصمد بن معقل أنه سمع وهب بن منبه , قال : هي بيت المقدس . * - حدثنا ابن حميد , قال : ثنا سلمة , قال : ثني ابن إسحاق عمن لا يتهم أنه سمع وهب بن منبه يقول ذلك . 4607 - حدثنا بشر , قال : ثنا يزيد , قال : ثنا سعيد , عن قتادة , قال : ذكر لنا أنه بيت المقدس , أتى عزير بعدما خربه بختنصر البابلي . 4608 - حدثنا عن الحسين , قال : سمعت أبا معاذ , قال : ثنا عبيد بن سليمان , قال : سمعت الضحاك يقول في قوله : أو كالذي مر على قريه وهي خاوية على عروشها أنه مر على الأرض المقدسة . 4609 - حدثنا القاسم , قال : ثنا الحسين , قال : ثني حجاج , عن ابن جريج , عن عكرمة في قوله : أو كالذي مر على قرية قال : القرية : بيت المقدس , مر بها عزير بعد إذ خربها بختنصر . 4610 - حدثنا عن عمار , قال : ثنا ابن أبي جعفر , عن أبيه , عن الربيع : أو كالذي مر على قريه قال : القرية بيت المقدس , مر عليها عزير وقد خربها بختنصر . وقال آخرون : بل هي القرية التي كان الله أهلك فيها الذين خرجوا من ديارهم وهم ألوف حذر الموت , فقال لهم الله موتوا . ذكر من قال ذلك : 4611 - حدثني يونس , قال : أخبرنا ابن وهب , قال : قال ابن زيد في قول الله تعالى ذكره : ألم تر إلى الذين خرجوا من ديارهم وهم ألوف قال : قرية كان نزل بها الطاعون , ثم اقتص قصتهم التي ذكرناها في موضعها عنه , إلى أن بلغ فقال لهم الله موتوا في المكان الذي ذهبوا يبتغون فيه الحياة , فماتوا ثم أحياهم الله إن الله لذو فضل على الناس ولكن أكثر الناس لا يشكرون . 2 243 قال : ومر بها رجل وهي عظام تلوح , فوقف ينظر , فقال أنى يحيي هذه الله بعد موتها , فأماته الله مائة عام ثم بعثه إلى قوله لم يتسنه . والصواب من القول في ذلك كالقول في اسم القائل : أنى يحيي هذه الله بعد موتها سواء لا يختلفان .وهي خاوية على عروشهاالقول في تأويل قوله تعالى : وهي خاوية على عروشها . يعني تعالى ذكره بقوله : وهي خاويه وهي خالية من أهلها وسكانها , يقال من ذلك : خوت الدار تخوي خواء وخويا , وقد يقال للقرية : خويت , والأول أعرب وأفصح . وأما في المرأة إذا كانت نفساء فإنه يقال : خويت تخوى خوى منقوصا , وقد يقال فيها : خوت تخوي , كما يقال في الدار , وكذلك خوي الجوف يخوى خواء شديدا , ولو قيل في الجوف ما قيل في الدار وفي الدار ما قيل في الجوف كان صوابا , غير أن الفصيح ما ذكرت . وأما العروش : فإنها الأبنية والبيوت , واحدها عرش , وجمع قليله أعرش , وكل بناء فإنه عرش , ويقال : عرش فلان دارا يعرش ويعرش , وعرش تعريشا , ومنه قول الله تعالى ذكره : وما كانوا يعرشون 7 137 يعني يبنون , ومنه قيل عريش مكه , يعني به : خيامها وأبنيتها . وبمثل الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك . 4612 - حدثنا القاسم , قال : ثنا الحسين , قال : ثني حجاج , قال , قال ابن جريج , قال ابن عباس : خاوية : خراب . قال ابن جريج : بلغنا أن عزيرا خرج فوقف على بيت المقدس وقد خربه بختنصر , فوقف فقال : أبعد ما كان لك من القدس والمقاتلة والمال ما كان ! فحزن . 4613 - حدثت عن الحسين , قال : سمعت أبا معاذ , قال : ثنا عبيد بن سليمان , قال : سمعت الضحاك يقول في قوله : وهي خاوية على عروشها قال : هي خراب . 4614 - حدثنا عن عمار , قال : ثنا ابن أبي جعفر , عن أبيه , عن الربيع , قال : مر عليها عزير وقد خربها بختنصر . 4615 - حدثت عن موسى , قال : ثنا عمرو , قال : ثنا أسباط , عن السدي : وهي خاوية على عروشها يقول : ساقطة على سقفها .قال أنى يحيي هذه الله بعد موتها فأماته الله مائة عامالقول في تأويل قوله تعالى : قال أنى يحيي هذه الله بعد موتها فأماته الله مائة عام ومعنى ذلك فيما ذكرت : أن قائله لما مر ببيت المقدس , أو بالموضع الذي ذكر الله أنه مر به خرابا بعدما عهده عامرا , قال : أنى يحيي هذه الله بعد موتها لا ؟ فقال بعضهم : كان قيله ما قال من ذلك شكا في قدرة الله على إحيائه . فأراه الله قدرته على ذلك بضربه المثل له في نفسه , ثم أراه الموضع الذي أنكر قدرته على عمارته وإحيائه , أحيا ما رآه قبل خرابه , وأعمر ما كان قبل خرابه . وذلك أن قائل ذلك كان فيما ذكر لنا عهده عامرا بأهله وسكانه , ثم رآه خاويا على عروشه , قد باد أهله وشتتهم القتل والسباء , فلم يبق منهم بذلك المكان أحد , وخربت منازلهم ودورهم , فلم يبق إلا الأثر . فلما رآه كذلك بعد الحال التي عهده عليها , قال : على أي وجه يحيي هذه الله بعد خرابها فيعمرها ! استنكارا فيما قاله بعض أهل التأويل . فأراه كيفية إحيائه ذلك بما ضربه له في نفسه . وفيما كان من شرابه وطعامه , ثم عرفه قدرته على ذلك وعلى غيره بإظهاره إحياء ما كان عجيبا عنده في قدرة الله إحياؤه لرأي عينه حتى أبصره ببصره , فلما رأى ذلك قال : أعلم أن الله على كل شيء قدير . وكان سبب قيله ذلك كالذي : 4616 - حدثنا ابن حميد , قال : ثنا سلمة , عن ابن إسحاق , عمن لا يتهم , عن وهب بن منبه اليماني أنه كان يقول : قال الله لإرميا حين بعثه نبيا إلى بني إسرائيل : يا إرميا من قبل أن أخلقك اخترتك , ومن قبل أن أصورك في رحم أمك قدستك , ومن قبل أن أخرجك من بطنها طهرتك , ومن قبل أن تبلغ السعي نبأتك , ومن قبل أن تبلغ الأشد اخترتك , ولأمر عظيم اجتبيتك , فبعث الله تعالى ذكره إرميا إلى ملك بني إسرائيل يسدده ويرشده , ويأتيه بالبر من الله فيما بينه وبينه ; قال : ثم عظمت الأحداث في بني إسرائيل , وركبوا المعاصي , واستحلوا المحارم , ونسوا ما كان الله صنع بهم , وما نجاهم من عدوهم سنحاريب , فأوحى الله إلى إرميا : أن ائت قومك من بني إسرائيل , فاقصص عليهم ما آمرك به , وذكرهم نعمتي عليهم وعرفهم أحداثهم , ثم ذكر ما أرسل الله به إرميا إلى قومه من بني إسرائيل , قال : ثم أوحى الله إلى إرميا : إني مهلك بني إسرائيل بيافث , ويافث أهل بابل , وهم من ولد يافث بن نوح ; فلما سمع إرميا وحي ربه , صاح وبكى وشق ثيابه , ونبذ الرماد على رأسه , فقال : ملعون يوم ولدت فيه , ويوم لقيت التوراة , ومن شر أيامي يوم ولدت فيه , فما أبقيت آخر الأنبياء إلا لما هو شر علي , لو أراد بي خيرا ما جعلني آخر الأنبياء من بني إسرائيل , فمن أجلي تصيبهم الشقوة والهلاك ; فلما سمع الله تضرع الخضر وبكاءه وكيف يقول : ناداه : إرميا أشق عليك ما أوحيت إليك ؟ قال : نعم يا رب أهلكني في بني إسرائيل ما لا أسر به , فقال الله : وعزتي العزيزة لا أهلك بيت المقدس وبني إسرائيل حتى يكون الأمر من قبلك في ذلك , ففرح عند ذلك إرميا لما قال له ربه , وطابت نفسه , وقال : لا والذي بعث موسى وأنبياءه بالحق , لا آمر ربي بهلاك بني إسرائيل أبدا , ثم أتى ملك بني إسرائيل , وأخبره بما أوحى الله إليه , ففرح واستبشر , وقال : إن يعذبنا ربنا فبذنوب كثيرة قدمناها لأنفسنا , وإن عفا عنا فبقدرته ; ثم إنهم لبثوا بعد هذا الوحي ثلاث سنين لم يزدادوا إلا معصية , وتمادوا في الشر , وذلك حين اقترب هلاكهم , فقل الوحي , حتى لم يكونوا يتذكرون الآخرة , وأمسك عنهم حين ألهتهم الدنيا وشأنها , فقال ملكهم : يا بني إسرائيل انتهوا عما أنتم عليه قبل أن يمسكم بأس من الله , وقبل أن يبعث عليكم ملوك لا رحمة لهم بكم , فإن ربكم قريب التوبة , مبسوط اليدين بالخير , رحيم من تاب إليه , فأبوا عليه أن ينزعوا عن شيء مما هم عليه , وإن الله ألقى في قلب بختنصر بن نعون بن زادان أن يسير إلى بيت المقدس , ثم يفعل فيه ما كان جده سنحاريب أراد أن يفعله , فخرج في ستمائة ألف راية يريد أهل بيت المقدس ; فلما فصل سائرا أتى ملك بني إسرائيل الخبر أن بختنصر أقبل هو وجنوده يريدكم , فأرسل الملك إلى إرميا , فجاءه فقال : يا إرميا أين ما زعمت لنا أن ربنا أوحى إليك أن لا يهلك أهل بيت المقدس حتى يكون منك الأمر في ذلك , فقال إرميا للملك : إن ربي لا يخلف الميعاد , وأنا به واثق ; فلما اقترب الأجل , ودنا انقطاع ملكهم , وعزم الله على هلاكهم , بعث الله ملكا من عنده , فقال له : اذهب إلى إرميا فاستفته , وأمره بالذي يستفتيه فيه , فأقبل الملك إلى إرميا , وقد تمثل له رجلا من بني إسرائيل , فقال له إرميا : من أنت ؟ قال : رجل من بني إسرائيل أستفتيك في بعض أمري , فأذن له , فقال الملك : يا نبي الله أتيتك أستفتيك في أهل رحمي , وصلت أرحامهم بما أمرني الله به , لم آت إليهم إلا حسنا , ولم آلهم كرامة , فلا تزيدهم كرامتي إياهم إلا إسخاطا لي , فأفتني فيهم يا نبي الله , فقال له : أحسن فيما بينك وبين الله , وصل ما أمرك الله به أن تصل , وأبشر بخير , فانصرف عنه الملك ; فمكث أياما ثم أقبل إليه في صورة ذلك الرجل الذي جاءه , فقعد بين يديه , فقال له إرميا : من أنت ؟ قال : أنا الرجل الذي أتيتك في شأن أهلي , فقال له نبي الله , أوما طهرت لك أخلاقهم بعد , ولم تر منهم الذي تحب , فقال : يا نبي الله , والذي بعثك بالحق ما أعلم كرامة يأتيها أحد من الناس إلى أهل رحمه إلا وقد أتيتها إليهم وأفضل من ذلك , فقال النبي صلى الله عليه وسلم : ارجع إلى أهلك فأحسن إليهم , أسأل الله الذي يصلح عباده الصالحين أن يصلح ذات بينكم , وأن يجمعكم على مرضاته , ويجنبكم سخطه , فقال الملك من عنده , فلبث أياما , وقد نزل بختنصر بجنوده حول بيت المقدس أكثر من الجراد , ففزع بنو إسرائيل فزعا شديدا , وشق ذلك على ملك بني إسرائيل , فدعا إرميا , فقال : يا نبي الله , أين ما وعدك الله , إني بربي واثق , ثم إن الملك أقبل إلى إرميا وهو قاعد على جدار بيت المقدس يضحك ويستبشر بنصر ربه الذي وعده , فقعد بين يديه , فقال له إرميا : من أنت ؟ قال : أنا الذي كنت استفتيتك في شأن أهلي مرتين , فقال له النبي صلى الله عليه وسلم : أولم يأن لهم أن يفيقوا من الذي هم فيه ؟ فقال الملك : يا نبي الله كل شيء كان يصيبني منهم قبل اليوم كنت أصبر عليه , وأعلم أنما قصدهم في ذلك سخطي , فلما أتيتهم اليوم رأيتهم في عمل لا يرضي الله , ولا يحبه الله , فقال النبي صلى الله عليه وسلم : على أي عمل رأيتهم ؟ قال : يا نبي الله رأيتهم على عمل عظيم من سخط الله , ولو كانوا على مثل ما كانوا عليه قبل اليوم لم يشتد عليهم غضبي , وصبرت لهم ورجوتهم , ولكن غضبت اليوم لله ولك , فأتيتك لأخبرك خبرهم , وإني أسألك بالله الذي بعثك بالحق إلا ما دعوت عليهم ربك أن يهلكهم , فقال إرميا : يا مالك السموات والأرض , إن كانوا على حق وصواب فأبقهم , وإن كانوا على سخطك وعمل لا ترضاه , فأهلكهم ; فلما خرجت الكلمة من في إرميا أرسل الله صاعقة من السماء في بيت المقدس , فالتهب مكان القربان وخسف بسبعة أبواب من أبوابها ; فلما رأى ذلك إرميا صاح وشق ثيابه , ونبذ الرماد على رأسه , فقال يا ملك السماء , ويا أرحم الراحمين أين ميعادك الذي وعدتني ؟ فنودي إرميا إنه لم يصبهم الذي أصابهم إلا بفتياك التي أفتيت بها رسولنا , فاستيقن النبي صلى الله عليه وسلم أنها فتياه التي أفتى بها ثلاث مرات , وأنه رسول ربه , فطار إرميا حتى خالط الوحوش , ودخل بختنصر وجنوده بيت المقدس , فوطئ الشام وقتل بني إسرائيل حتى أفناهم , وخرب بيت المقدس , ثم أمر جنوده أن يملأ كل رجل منهم ترسه ترابا ثم يقذفه في بيت المقدس , فقذفوا فيه التراب حتى ملئوه , ثم انصرف راجعا إلى أرض بابل , واحتمل معه سبايا بني إسرائيل , وأمرهم أن يجمعوا من كان في بيت المقدس كلهم , فاجتمع عنده كل صغير وكبير من بني إسرائيل , فاختار منهم تسعين ألف صبي ; فلما خرجت غنائم جنده , وأراد أن يقسمهم فيهم , قالت له الملوك الذين كانوا معه : أيها الملك , لك غنائمنا كلها , واقسم بيننا هؤلاء الصبيان الذين اخترتهم من بني إسرائيل , ففعل , فأصاب كل واحد منهم أربعة غلمة , وكان من أولئك الغلمان : دانيال , وعزاريا , ومسايل , وحنانيا . وجعلهم بختنصر ثلاث فرق : فثلثا أقر بالشام , وثلثا سبى , وثلثا قتل , وذهب بأسبية بيت المقدس حتى أقدمها بابل وبالصبيان التسعين الألف حتى أقدمهم بابل , فكانت هذه الواقعة الأولى التي ذكر الله تعالى ذكره نبي الله بأحداثهم وظلمهم , فلما ولى بختنصر عنه راجعا إلى بابل بمن معه من سبايا بني إسرائيل , أقبل إرميا على حمار له معه عصير من عنب في زكرة وسلة تين , حتى أتى إيليا , فلما وقف عليها , ورأى ما بها من الخراب دخله شك , فقال : أنى يحيي هذه الله بعد موتها فأماته الله مائة عام وحماره وعصيره وسلة تينه عنده حيث أماته الله , ومات حماره معه , فأعمى الله عنه العيون , فلم يره أحد , ثم بعثه الله تعالى , فقال له : كم لبثت قال لبثت يوما أو بعض يوم قال بل لبثت مائة عام فانظر إلى طعامك وشرابك لم يتسنه يقول : لم يتغير وانظر إلى حمارك ولنجعلك آية للناس وانظر إلى العظام كيف ننشزها ثم نكسوها لحما فنظر إلى حماره يتصل بعضه إلى بعض , وقد مات معه بالعروق والعصب , ثم كيف كسي ذلك منه اللحم , حتى استوى , ثم جرى فيه الروح , فقام ينهق , ونظر إلى عصيره وتينه , فإذا هو على هيئته حين وضعه لم يتغير . فلما عاين من قدرة الله ما عاين قال : أعلم أن الله على كل شيء قدير , ثم عمر الله إرميا بعد ذلك , فهو الذي يرى بفلوات الأرض والبلدان . 4617 - حدثني محمد بن عسكر وابن زنجويه , قالا : ثنا إسماعيل بن عبد الكريم , قال : ثني عبد الصمد بن معقل أنه سمع وهب بن منبه يقول : أوحى الله إلى إرميا وهو بأرض مصر أن الحق بأرض إيليا , فإن هذه ليست لك بأرض مقام , فركب حماره , حتى إذا كان ببعض الطريق , ومعه سلة من عنب وتين , وكان معه سقاء حديد , فملأه ماء , فلما بدا له شخص بيت المقدس وما حوله من القرى والمساجد , ونظر إلى خراب لا يوصف , ورأى هدم بيت المقدس كالجبل العظيم , قال : أنى يحيي هذه الله بعد موتها وسار حتى تبوأ منها منزلا , فربط حماره بحبل جديد . وعلق سقاءه , وألقى الله عليه السبات ; فلما نام نزع الله روحه مائة عام ; فلما مرت من المائة سبعون عاما , أرسل الله ملكا إلى ملك من ملوك فارس عظيم يقال له يوسك , فقال : إن الله يأمرك أن تنفر بقومك فتعمر بيت المقدس وإيلياء وأرضها , حتى تعود أعمر ما كانت , فقال الملك : أنظرني ثلاثه أيام حتى أتأهب لهذا العمل ولما يصلحه من أداء العمل , فأنظره ثلاثة أيام , فانتدب ثلاثمائة قهرمان , ودفع إلى كل قهرمان ألف عامل , وما يصلحه من أداة العمل , فسار إليها قهارمته , ومعهم ثلاثمائة ألف عامل ; فلما وقعوا في العمل رد الله روح الحياة في عين إرميا , وأخر جسده ميتا , فنظر إلى إيليا وما حولها من القرى والمساجد والأنهار والحروث تعمل وتعمر وتجدد , حتى صارت كما كانت . وبعد ثلاثين سنة تمام المائه , رد إليه الروح , فنظر إلى طعامه وشرابه لم يتسنه , ونظر إلى حماره واقفا كهيئته يوم ربطه لم يطعم ولم يشرب , ونظر إلى الرمة في عنق الحمار لم تتغير جديدة , وقد أتى على ذلك ريح مائة عام وبرد مائة عام وحر مائة عام , لم تتغير ولم تنتقض شيئا , وقد نحل جسم إرميا من البلى , فأنبت الله له لحما جديدا , ونشز عظامه وهو ينظر , فقال له الله : انظر إلى طعامك وشرابك لم يتسنه وانظر إلى حمارك ولنجعلك آية للناس وانظر إلى العظام كيف ننشزها ثم نكسوها لحما فلما تبين له قال أعلم أن الله على كل شيء قدير . 4618 - حدثنا الحسن بن يحيى , قال : أخبرنا عبد الرزاق , قال : أخبرنا عبد الصمد بن معقل أنه سمع وهب بن منبه يقول في قوله : أنى يحيي هذه الله بعد موتها إن إرميا لما خرب بيت المقدس وحرقت الكتب , وقف في ناحية الجبل , فقال : أنى يحيي هذه الله بعد موتها فأماته الله مائة عام ثم رد الله من رد من بني إسرائيل على رأس سبعين سنة من حين أماته يعمرونها ثلاثين سنة تمام المائة ; فلما ذهبت المائة رد الله روحه وقد عمرت على حالها الأولى , فجعل ينظر إلى العظام كيف تلتام بعضها إلى بعض , ثم نظر إلى العظام كيف تكسى عصبا ولحما . فلما تبين له ذلك قال أعلم أن الله على كل شيء قدير فقال الله تعالى ذكره : انظر إلى طعامك وشرابك لم يتسنه قال : فكان طعامه تينا في مكتل , وقلة فيها ماء . 4619 - حدثني موسى , قال : ثنا عمرو , قال : ثنا أسباط , عن السدي : أو كالذي مر على قريه وهي خاويه على عروشها وذلك أن عزيرا مر جائيا من الشام على حمار له معه عصير وعنب وتين ; فلما مر بالقرية فرآها , وقف عليها وقلب يده وقال : كيف يحيي هذه الله بعد موتها ؟ ليس تكذيبا منه وشكا . فأماته الله وأمات حماره , فهلكا ومر عليهما مائة سنة . ثم إن الله أحيا عزيرا فقال له : كم لبثت ؟ قال له : لبثت يوما أو بعض . قيل له : بل لبثت مائة عام , فانظر إلى طعامك من التين والعنب , وشرابك من العصير لم يتسنه . الآية .ثم بعثه قال كم لبثت قال لبثت يوما أو بعض يوم قال بل لبثت مائة عامالقول في تأويل قوله تعالى : ثم بعثه قال كم لبثت قال لبثت يوما أو بعض يوم قال بل مائة عام . يعني تعالى ذكره بقوله : ثم بعثه ثم أثاره حيا من بعد مماته . وقد دللنا على معنى البعث فيما مضى قبل . وأما معنى قوله : كم لبثت فإن كم استفهام في كلام العرب عن مبلغ العدد , وهو في هذا الموضع نصب ب " لبثت " , وتأويله : قال الله له : كم قدر الزمان الذي لبثت ميتا قبل . أن أبعثك من مماتك حيا ؟ قال المبعوث بعد مماته : لبثت ميتا إلى أن بعثتني حيا يوما واحدا أو بعض يوم . وذكر أن المبعوث هو إرميا أو عزير , أو من كان ممن أخبر الله عنه هذا الخبر . وإنما قال : لبثت يوما أو بعض يوم لأن الله تعالى ذكره كان قبض روحه أول النهار , ثم رد روحه آخر النهار بعد المائة عام فقيل له : كم لبثت ؟ قال : لبثت يوما ; وهو يرى أن الشمس قد غربت فكان ذلك عنده يوما لأنه ذكر أنه قبض روحه أول النهار وسئل عن مقدار لبثه ميتا آخر النهار وهو يرى أن الشمس قد غربت , فقال : لبثت يوما , ثم رأى بقية من الشمس قد بقيت لم تغرب , فقال : أو بعض يوم , بمعنى : بل بعض يوم , كما قال تعالى ذكره : وأرسلناه إلى مائة ألف أو يزيدون 37 147 بمعنى : بل يزيدون . فكان قوله : أو بعض يوم رجوعا منه عن قوله : لبثت يوما . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال جماعة من أهل التأويل . ذكر من قال ذلك : 4620 - حدثنا بشر , قال : ثنا يزيد , قال : ثنا سعيد , عن قتادة قوله : ثم بعثه قال كم لبثت قال لبثت يوما أو بعض يوم قال : ذكر لنا أنه مات ضحى , ثم بعثه قبل غيبوبة الشمس , فقال : لبثت يوما . ثم التفت فرأى بقية من الشمس , فقال : أو بعض يوم . فقال : بل لبثت مائة عام . * - حدثنا الحسن بن يحيى , قال : أخبرنا عبد الرزاق , قال : أخبرنا معمر , عن قتادة : أنى يحيي هذه الله بعد موتها قال : مر على قرية فتعجب , فقال : أنى يحيي هذه الله بعد موتها ! فأماته الله أول النهار , فلبث مائة عام , ثم بعثه في آخر النهار , فقال : كم لبثت ؟ قال : لبثت يوما أو بعض يوم , قال : بل لبثت مائة عام . 4621 - حدثت عن عمار بن الحسن , قال : ثنا ابن أبي جعفر , عن أبيه , قال : قال الربيع : أماته الله مائة عام , ثم بعثه , قال : كم لبثت ؟ قال : لبثت يوما أو بعض يوم . قال : بل لبثت مائة عام . 4622 - حدثنا القاسم , قال : ثنا الحسين , قال , ثني حجاج , قال : قال ابن جريج : لما وقف على بيت المقدس وقد خربه بختنصر , قال : أنى يحيي هذه الله بعد موتها ! كيف يعيدها كما كانت ؟ فأماته الله . قال : وذكر لنا أنه مات ضحى , وبعث قبل غروب الشمس بعد مائة عام , فقال : كم لبثت ؟ قال : يوما . فلما رأى الشمس , قال : أو بعض يوم .فانظر إلى طعامك وشرابك لم يتسنهالقول في تأويل قوله تعالى : فانطر إلى طعامك وشرابك لم يتسنه . يعني تعالى ذكره بقوله : فانطر إلى طعامك وشرابك لم يتسنه لم تغيره السنون التي أتت عليه . وكان طعامه فيما ذكر بعضهم سلة تين وعنب وشرابه قلة ماء . وقال بعضهم : بل كان طعامه سلة عنب وسلة تين وشرابه زق من عصير . وقال آخرون : بل كان طعامه سلة تين , وشرابه دن خمر أو زكرة خمر . وقد ذكرنا فيما مضى قول بعضهم في ذلك ونذكر ما فيه فيما يستقبل إن شاء الله . وأما قوله لم يتسنه ففيه وجهان من القراءة : أحدهما : " لم يتسن " بحذف الهاء في الوصل وإثباتها في الوقف . ومن قرأه كذلك فإنه يجعل الهاء في يتسنه زائدة صلة كقوله : فبهداهم اقتده 6 90 وجعل فعلت منه : تسنيت تسنيا , واعتل في ذلك بأن السنة تجمع سنوات , فيكون تفعلت على نهجه . ومن قال في السنه سنينة فجائز على ذلك وإن كان قليلا أن يكون تسننت تفعلت , أبدلت النون ياء لما كثرت النونات كما قالوا : تظنيت وأصله الظن ; وقد قال قوم . هو مأخوذ من قوله : من حمإ مسنون 15 26 وهو المتغير . وذلك أيضا إذا كان كذلك , فهو أيضا مما بدلت نونه ياء , وهو قراءة عامة قراء الكوفة . والآخر منهما : إثبات الهاء في الوصل والوقف , ومن قرأه كذلك فإنه يجعل الهاء في يتسنه لام الفعل ويحملها مجزومة بلم , ويحصل فعلت منه تسنهت , ويفعل : أتسنه تسنها , وقال في تصغير السنه : سنيهة , ومنه : أسنهت عند القوم , وتسنهت عندهم : إذا أقمت سنة , هذه قراءة عامة قراء أهل المدينة والحجاز . والصواب من القراءة عندي في ذلك , إثبات الهاء في الوصل والوقف , لأنها مثبتة في مصحف المسلمين , ولإثباتها وجه صحيح في كلتا الحالتين في ذلك . ومعنى قوله : لم يتسنه لم يأت عليه السنون فيتغير , على لغة من قال : أسنهت عندكم أسنه : إذا أقام سنة , وكما قال الشاعر : وليست بسنهاء ولا رجبية ولكن عرايا في السنين الجوائح فجعل الهاء في السنة أصلا , وهي اللغة الفصحى , وغير جائز حذف حرف من كتاب الله في حال وقف أو وصل لإثباته وجه معروف في كلامها . فإن اعتل معتل بأن المصحف قد ألحقت فيه حروف هن زوائد على نية الوقف , والوجه في الأصل عند القراءة حذفهن , وذلك كقوله : فبهداهم اقتده 6 90 وقوله : يا ليتني لم أوت كتابيه 69 25 فإن ذلك هو مما لم يكن فيه شك أنه من الزوائد , وأنه ألحق على نية الوقف . فأما ما كان محتملا أن يكون أصلا للحرف غير زائد فغير جائز , وهو في مصحف المسلمين مثبت صرفه إلى أنه من الزوائد والصلات . على أن ذلك وإن كان زائدا فيما لا شك أنه من الزوائد , فإن العرب قد تصل الكلام بزائد , فتنطق به على نحو منطقها به في حال القطع , فيكون وصلها إياه وقطعها سواء . وذلك من فعلها دلالة على صحة قراءة من قرأ جميع ذلك بإثبات الهاء في الوصل والوقف , غير أن ذلك وإن كان كذلك فلقوله : لم يتسنه حكم مفارق حكم ما كان هاؤه زائدا لا شك في زيادته فيه . ومما يدل على صحة ما قلنا , من أن الهاء في يتسنه من لغة من قال : " قد أسنهت " و " المسانهة " , ما : 4623 - حدثت به عن القاسم بن سلام , قال : ثنا ابن مهدي , عن أبي الجراح , عن سليمان بن عمير , قال : ثني هانئ مولى عثمان , قال : كنت الرسول بين عثمان وزيد بن ثابت , فقال زيد : سله عن قوله : لم يتسن , أو لم يتسنه ؟ فقال عثمان : اجعلوا فيها هاء . 4624 - حدثت عن القاسم , وحدثنا محمد بن محمد العطار , عن القاسم , وحدثنا أحمد والعطار جميعا , عن القاسم , قال : ثنا ابن مهدي , عن ابن المبارك , قال : ثني أبو وائل شيخ من أهل اليمن عن هانئ البربري , قال : كنت عند عثمان وهم يعرضون المصاحف , فأرسلني بكتف شاة إلى أبي بن كعب فيها : " لم يتسن " و " فأمهل الكافرين " و " لا تبديل للخلق " . قال : فدعا بالدواة , فمحا إحدى اللامين وكتب : لا تبديل لخلق الله 30 30 ومحا " فأمهل " وكتب : فمهل الكافرين 86 17 وكتب : " لم يتسنه " ألحق فيها الهاء . ولو كان ذلك من " يتسنى " أو " يتسنن " لما ألحق فيه أبي هاء لا موضع لها فيه , ولا أمر عثمان بإلحاقها فيها . وقد روي عن زيد بن ثابت في ذلك نحو الذي روي فيه عن أبي بن كعب . واختلف أهل التأويل في تأويل قوله لم يتسنه فقال بعضهم بمثل الذي قلنا فيه من أن معناه لم يتغير . ذكر من قال ذلك : 4625 - حدثنا ابن حميد , قال : ثنا سلمة بن المفضل , عن محمد بن إسحاق , عمن لا يتهم , عن وهب بن منبه : لم يتسنه لم يتغير . 4626 - حدثنا بشر , قال : ثنا يزيد , قال : ثنا سعيد , عن قتادة قوله : لم يتسنه لم يتغير . * - حدثنا الحسن بن يحيى , قال : أخبرنا عبد الرزاق , قال : أخبرنا معمر , عن قتادة , مثله . 4627 - حدثني موسى بن هارون , قال : ثنا عمرو , قال : ثنا أسباط , عن السدي : فانظر إلى طعامك وشرابك لم يتسنه يقول : فانظر إلى طعامك من التين والعنب , وشرابك من العصير لم يتسنه , يقول : لم يتغير فيحمض التين والعنب , ولم يختمر العصير هما حلوان كما هما . وذلك أنه مر جائيا من الشام على حمار له معه عصير وعنب وتين , فأماته الله , وأمات حماره , ومر عليهما مائة سنة . 4628 - حدثت عن الحسين بن الفرج , قال : سمعت أبا معاذ , قال : أخبرنا عبيد بن سليمان , قال : سمعت الضحاك يقول في قوله : فانظر إلى طعامك وشرابك لم يتسنه يقول : لم يتغير , وقد أتى عليه مائة عام . * - حدثني المثنى , قال : أخبرنا إسحاق , قال : ثنا أبو زهير , عن جويبر , عن الضحاك , بنحوه . 4629 - حدثني المثنى , قال : ثنا عبد الله , قال : ثني معاوية , عن علي , عن ابن عباس قوله : لم يتسنه لم يتغير . 4630 - حدثنا سفيان , قال : ثنا أبي , عن النضر , عن عكرمة : لم يتسنه لم يتغير . 4631 - حدثني يونس , قال : أخبرنا ابن وهب , قال : قال ابن زيد : لم يتسنه لم يتغير في مائة سنة . 4632 - حدثني يونس , قال : أخبرنا ابن وهب , قال : أخبرني بكر بن مضر , قال : يزعمون في بعض الكتب أن إرميا كان بإيليا حين خربها بختنصر , فخرج منها إلى مصر فكان بها , فأوحى الله إليه أن اخرج منها إلى بيت المقدس . فأتاها فإذا هي خربة , فنظر إليها فقال : أنى يحيي هذه الله بعد موتها ! فأماته الله مائة عام ثم بعثه , فإذا حماره حي قائم على رباطه , وإذا طعامه سل عنب وسل تين لم يتغير عن حاله . قال يونس : قال لنا سلم الخواص : كان طعامه وشرابه سل عنب وسل تين وزق عصير . وقال آخرون : معنى ذلك : لم ينتن . ذكر من قال ذلك : 4633 - حدثني محمد بن عمرو , قال : ثنا أبو عاصم , عن عيسى , عن ابن أبي نجيح , عن مجاهد قوله : لم يتسنه لم ينتن . * - حدثني المثنى , قال : ثنا أبو حذيفة , قال : ثنا شبل , عن ابن أبي نجيح , عن مجاهد , مثله . 4634 - حدثني القاسم , قال : ثنا الحسن , قال : ثني حجاج , عن ابن جريج , قال : قال مجاهد قوله : إلى طعامك قال : سل تين , وشرابك دن خمر , لم يتسنه يقول : لم ينتن . وأحسب أن مجاهدا والربيع ومن قال في ذلك بقولهما رأوا أن قوله : لم يتسنه من قول الله تعالى ذكره : من حمإ مسنون 15 26 بمعنى المتغير الريح بالنتن من قول القائل : تسنن . وقد بينت الدلالة فيما مضى على أن ذلك ليس كذلك . فإن ظن ظان أنه من الآسن من قول القائل : أسن هذا الماء يأسن أسنا , كما قال الله تعالى ذكره : فيها أنهار من ماء غير آسن 47 15 فإنه ذلك لو كان كذلك لكان الكلام : فانطر إلى طعامك وشرابك لم يتأسن , ولم يكن يتسنه . فإنه منه , غير أنه ترك همزة , قيل : فإنه وإن ترك همزه فغير جائز تشديد نونه , لأن النون غير مشددة , وهي في يتسنه مشددة , ولو نطق من يتأسن بترك الهمزة لقيل يتسن بتخفيف نونه بغير هاء تلحق فيه , ففي ذلك بيان واضح أنه غير جائز أن يكون من الأسن .وانظر إلى حماركالقول في تأويل قوله تعالى : وانظر إلى حمارك اختلف أهل التأويل في تأويل قوله : وانظر إلى حمارك فقال بعضهم : معنى ذلك : وانظر إلى إحيائي حمارك , وإلى عظامه كيف أنشزها ثم أكسوها لحما . ثم اختلف متأولو ذلك في هذا التأويل , فقال بعضهم : قال الله تعالى ذكره ذلك له بعد أن أحياه خلقا سويا , ثم أراد أن يحيي حماره ; تعريفا منه تعالى ذكره له كيفية إحيائه القرية التي رآها خاوية على عروشها , فقال : أنى يحيي هذه الله بعد موتها مستنكرا إحياء الله إياها . ذكر من قال ذلك : 4635 - حدثنا ابن حميد , قال : ثنا سلمة , عن ابن إسحاق , عمن لا يتهم , عن وهب بن منبه , قال : بعثه الله فقال : كم لبثت قال لبثت يوما أو بعض يوم إلى قوله : ثم نكسوها لحما قال : فنظر إلى حماره يتصل بعض إلى بعض , وقد كان مات معه بالعروق والعصب , ثم كسا ذلك منه اللحم حتى استوى ثم جرى فيه الروح , فقام ينهق . ونظر إلى عصيره وتينه , فإذا هو على هيئته حين وضعه لم يتغير . فلما عاين من قدرة الله ما عاين , قال : أعلم أن الله على كل شيء قدير . 4636 - حدثني موسى , قال : ثنا عمرو , قال : ثنا أسباط , عن السدي : ثم إن الله أحيا عزيرا , فقال : كم لبثت ؟ قال : لبثت يوما أو بعض يوم . قال : بل لبثت مائة عام , فانظر إلى طعامك وشرابك لم يتسنه , وانظر إلى حمارك قد هلك وبليت عظامه , وانظر إلى عظامه كيف ننشزها ثم نكسوها لحما . فبعث الله ريحا , فجاءت بعظام الحمار من كل سهل وجبل ذهبت به الطير والسباع , فاجتمعت , فركب بعضها في بعض وهو ينظر , فصار حمارا من عظام ليس له لحم ولا دم . ثم إن الله كسا العظام لحما ودما , فقام حمارا من لحم ودم وليس فيه روح . ثم أقبل ملك يمشي حتى أخذ بمنخر الحمار , فنفخ فيه فنهق الحمار , فقال : أعلم أن الله على كل شيء قدير . فتأويل الكلام على ما تأوله قائل هذا القول : وانظر إلى إحيائنا حمارك , وإلى عظامه كيف ننشزها ثم نكسوها لحما , ولنجعلك آية للناس . فيكون في قوله : وانظر إلى حمارك متروك من الكلام , استغني بدلالة ظاهره عليه من ذكره , وتكون الألف واللام في قوله : وانظر إلى العظام بدلا من الهاء المرادة في المعنى , لأن معناه : وانظر إلى عظامه : يعني إلى عظام الحمار . وقال آخرون منهم : بل قال الله تعالى ذكره ذلك له بعد أن نفخ فيه الروح في عينه , قالوا : وهي أول عضو من أعضائه نفخ الله فيه الروح , وذلك بعد أن سواه خلقا سويا , وقبل أن يحيي حماره . ذكر من قال ذلك : 4637 - حدثني محمد بن عمرو , قال : ثنا أبو عاصم , قال : ثنا عيسى , عن ابن أبي نجيح , عن مجاهد , قال : كان هذا رجلا من بني إسرائيل نفخ الروح في عينيه , فنظر إلى خلقه كله حين يحييه الله , وإلى حماره حين يحييه الله . * - حدثني المثنى , قال : ثنا أبو حذيفة , قال : ثنا شبل , عن ابن أبي نجيح , عن مجاهد مثله . 4638 - حدثنا القاسم , قال : حدثنا الحسين , قال : ثني حجاج , عن ابن جريج , قال : بدأ بعينيه فنفخ فيهما الروح , ثم بعظامه فأنشزها , ثم وصل بعضها إلى بعض , ثم كساها العصب , ثم العروق , ثم اللحم . ثم نظر إلى حماره , فإذا حماره قد بلي وابيضت عظامه في المكان الذي ربطه فيه , فنودي : يا عظام اجتمعي , فإن الله منزل عليك روحا ! فسعى كل عظم إلى صاحبه , فوصل العظام , ثم العصب , ثم العروق . ثم اللحم , ثم الجلد , ثم الشعر , وكان حماره جذعا , فأحياه الله كبيرا قد تشنن , فلم يبق منه إلا الجلد من طول الزمن , وكان طعامه سل عنب وشرابه دن خمر . قال ابن جريج عن مجاهد : نفخ الروح في عينيه , ثم نظر بهما إلى خلقه كله حين نشره الله , وإلى حماره حين يحييه الله . وقال آخرون : بل جعل الله الروح في رأسه وبصره وجسده ميتا , فرأى حماره قائما كهيئته يوم ربطه وطعامه وشرابه كهيئته يوم حل البقعة , ثم قال الله له : انظر إلى عظام نفسك كيف ننشزها . ذكر من قال ذلك : 4639 - حدثني محمد بن سهل بن عسكر , قال : ثنا إسماعيل بن عبد الكريم , قال : ثني عبد الصمد بن معقل أنه سمع وهب بن منبه يقول : رد الله روح الحياة في عين إرميا وآخر جسده ميت , فنظر إلى طعامه وشرابه لم يتسنه , ونظر إلى حماره واقفا كهيئته يوم ربطه , لم يطعم ولم يشرب , ونظر إلى الرمة في عنق الحمار لم تتغير جديدة . 4640 - حدثت عن الحسين , قال : سمعت أبا معاذ , قال : ثنا عبيد بن سليمان , قال : سمعت الضحاك يقول في قوله : فأماته الله مائة عام ثم بعثه فنظر إلى حماره قائما قد مكث مائة عام , وإلى طعامه لم يتغير قد أتى عليه مائة عام , وانظر إلى العظام كيف ننشزها ثم نكسوها لحما فكان أول شيء أحيا الله منه رأسه , فجعل ينظر إلى سائر خلقه يخلق . * - حدثني المثنى , قال : ثنا إسحاق , قال : ثنا أبو زهير , عن جويبر , عن الضحاك في قوله : فأماته الله مائة عام ثم بعثه فنظر إلى حماره قائما , وإلى طعامه وشرابه لم يتغير , فكان أول شيء خلق منه رأسه , فجعل ينظر إلى كل شيء منه يوصل بعضه إلى بعض . فلما تبين له , قال : أعلم أن الله على كل شيء قدير . 4641 - حدثنا بشر بن معاذ , قال : ثنا يزيد , قال : ثنا سعيد , عن قتادة , قال : ذكر لنا أنه أول ما خلق الله منه رأسه , ثم ركبت فيه عيناه , ثم قيل له : انظر ! فجعل ينظر , فجعلت عظامه تواصل بعضها إلى بعض , وبعين نبي الله عليه السلام كان ذلك . فقال : أعلم أن الله على كل شيء قدير . 4642 - حدثنا عن عمار , قال : ثنا ابن أبي جعفر , عن أبيه , عن الربيع : وانظر إلى طعامك وشرابك لم يتسنه وانظر إلى حمارك وكان حماره عنده كما هو , ولنجعلك آية للناس وانظر إلى العظام كيف ننشزها . قال الربيع : ذكر لنا والله أعلم أنه أول ما خلق منه عيناه , ثم قيل انظر , فجعل ينظر إلى العظام يتواصل بعضها إلى بعض وذلك بعينيه . فقيل : أعلم أن الله على كل شيء قدير . 4643 - حدثني يونس , قال : أخبرنا ابن وهب , قال : أخبرنا ابن زيد قال قوله : وانظر إلى طعامك وشرابك لم يتسنه وانظر إلى حمارك واقفا عليك منذ مائة سنة , ولنجعلك آية للناس وانظر إلى العظام يقول : وانظر إلى عظامك كيف نحييها حين سألتنا كيف نحيي هذه الأرض بعد موتها . قال : فجعل الله الروح في بصره وفي لسانه , ثم قال : ادع الآن بلسانك الذي جعل الله فيه الروح , وانظر ببصرك ! قال : فكان ينظر إلى الجمجمة , قال : فنادى : ليلحق كل عظم بأليفه , قال : فجاء كل عظم إلى صاحبه , حتى اتصلت وهو يراها , حتى أن الكسرة من العظم لتأتي إلى الموضع الذي انكسرت منه , فتلصق به حتى وصل إلى جمجمته , وهو يرى ذلك . فلما اتصلت شدها بالعصب والعروق , وأجرى عليها اللحم والجلد , ثم نفخ فيها الروح , ثم قال : انظر إلى العظام كيف ننشزها ثم نكسوها لحما فلما تبين له ذلك قال أعلم أن الله على شيء قدير . قال : ثم أمر فنادى تلك العظام التي قال : أنى يحيي هذه الله بعد موتها كما نادى عظام نفسه , ثم أحياها الله كما أحياه . 4644 - حدثني يونس , قال : أخبرنا ابن وهب , قال : أخبرني بكر بن مضر , قال : يزعمون في بعض الكتب أن الله أمات إرميا مائة عام , ثم بعثه , فإذا حماره حي قائم على رباطه . قال : ورد الله إليه بصره وجعل الروح فيه قبل أن يبعث بثلاثين سنة , ثم نظر إلى بيت المقدس وكيف عمر وما حوله . قال : فيقولون والله أعلم : إنه الذي قال الله تعالى ذكره : أو كالذي مر على قرية وهي خاوية . .. آية . ومعنى الآية على تأويل هؤلاء : وانظر إلى حمارك , ولنجعلك آية للناس , وانظر إلى عظامك كيف ننشزها بعد بلاها , ثم نكسوها لحما , فنحييها بحياتك , فتعلم كيف يحيي الله القرى وأهلها بعد مماتها . وأولى الأقوال في هذه الآية بالصواب قول من قال : إن الله تعالى ذكره بعث قائل أنى يحيي هذه الله بعد موتها من مماته , ثم أراه نظير ما استنكر من إحياء الله القرية التي مر بها بعد مماتها عيانا من نفسه وطعامه وحماره , فحمل تعالى ذكره ما أراه من إحيائه نفسه وحماره مثلا لما استنكر من إحيائه أهل القرية التي مر بها خاويه على عروشها , وحمل ما أراه من العبرة في طعامه وشرابه عبرة له وحجة عليه في كيفية إحيائه منازل القرية وجنانها , وذلك هو معنى قول مجاهد الذي ذكرناه قبل . وإنما قلنا ذلك أولى بتأويل الآية , لأن قوله : وانظر إلى العظام إنما هو بمعنى : وانظر إلى العظام التي تراها ببصرك كيف ننشزها , ثم نكسوها لحما , وقد كان حماره أدركه من البلى في قول أهل التأويل جميعا نظير الذي لحق عظام من خوطب بهذا الخطاب , فلم يمكن صرف معنى قوله : وانظر إلى العظام إلى أنه أمر له بالنظر إلى عظام الحمار دون عظام المأمور بالنظر إليها , ولا إلى أنه أمر له بالنطر إلى عظام نفسه دون عظام الحمار . وإذا كان ذلك كذلك , وكان البلى قد لحق عظامه وعظام حماره , كان الأولى بالتأويل أن يكون الأمر بالنظر إلى كل ما أدركه طرفه مما قد كان البلى لحقه لأن الله تعالى ذكره جعل جميع ذلك عليه حجة وله عبرة وعظة .ولنجعلك آية للناسالقول في تأويل قوله تعالى : ولنجعلك آية للناس يعني تعالى ذكره بذلك : ولنجعلك آية للناس أمتناك مائة عام ثم بعثناك . وإنما أدخلت الواو مع اللام التي في قوله : ولنجعلك آية للناس وهو بمعنى " كي " , لأن في دخولها في كي وأخواتها دلالة على أنها شرط لفعل بعدها , يعني : ولنجعلك كذا وكذا فعلنا ذلك , ولو لم تكن قبل اللام أعني لام كي واو كانت اللام شرطا للفعل الذي قبلها , وكان يكون معناه : وانظر إلى حمارك , لنجعلك آية للناس . وإنما عنى بقوله : ولنجعلك آية ولنجعلك حجة على من جهل قدرتي , وشك في عظمتي , وأنا القادر على فعل ما أشاء من إماتة وإحياء , وإنشاء , وإنعام وإذلال , وإقتار وإغناء , بيدي ذلك كله , لا يملكه أحد دوني , ولا يقدر عليه غيري . وكان بعض أهل التأويل يقول : كان آية للناس بأنه جاء بعد مائة عام إلى ولده وولد ولده شابا وهم شيوخ . ذكر من قال ذلك : 4645 - حدثني المثنى , قال : أخبرنا إسحاق , قال : ثنا قبيصة بن عقبة , عن سفيان , قال : سمعت الأعمش يقول : ولنجعلك آية للناس قال : جاء شابا وولده شيوخ . وقال آخرون : معنى ذلك أنه جاء وقد هلك من يعرفه , فكان آية لمن قدم عليه من قومه . ذكر من قال ذلك : 4646 - حدثني موسى , قال , ثنا عمرو , قال : ثنا أسباط , عن السدي , قال : رجع إلى أهله , فوجد داره قد بيعت وبنيت , وهلك من كان يعرفه , فقال : اخرجوا من داري ! قالوا : ومن أنت ؟ قال : أنا عزير . قالوا : أليس قد هلك عزير منذ كذا وكذا ؟ قال : فإن عزيرا أنا هو , كان من حالي وكان . فلما عرفوا ذلك , خرجوا له من الدار ودفعوها إليه . والذي هو أولى بتأويل الآية من القول , أن يقال : إن الله تعالى ذكره , أخبر أنه حمل الذي وصف صفته في هذه الآية حجة للناس , فكان ذلك حجة على من عرفه من ولده وقومه ممن علم موته , وإحياء الله إياه بعد مماته , وعلى من بعث إليه منهم .وانظر إلى العظام كيف ننشزهاالقول في تأويل قوله تعالى : وانظر إلى العظام كيف ننشزها قد دللنا فيما مضى قبل على أن العظام التي أمر بالنظر إليها هي عظام نفسه وحماره , وذكرنا اختلاف المختلفين في تأويل ذلك وما يعني كل قائل بما قاله في ذلك بما أغنى عن إعادته . وأما قوله : كيف ننشزها فإن القراء اختلفت في قراءته , فقرأ بعضهم : وانظر إلى العظام كيف ننشزها بضم النون وبالزاي , وذلك قراءة عامة قراء الكوفيين , بمعنى : وانظر كيف نركب بعضها على بعض , وننقل ذلك إلى مواضع من الجسم . وأصل النشز : الارتفاع , ومنه قيل : قد نشز الغلام إذا ارتفع طوله وشب , ومنه نشوز المرأة على زوجها , ومن ذلك قيل للمكان المرتفع من الأرض : نشز ونشز ونشاز , فإذا أردت أنك رفعته , قلت : أنشزته إنشازا , ونشز هو : إذا ارتفع . فمعنى قوله : وانظر إلى العظام كيف ننشزها في قراءة من قرأ ذلك بالزاي : كيف نرفعها من أماكنها من الأرض فنردها إلى أماكنها من الجسم . وممن تأول ذلك هذا التأويل جماعة من أهل التأويل . ذكر من قال ذلك : 4647 - حدثني المثنى , قال : ثنا عبد الله بن صالح , قال : ثني معاوية , عن علي , عن ابن عباس في قوله : كيف ننشزها كيف نخرجها . 4648 - حدثني موسى , قال : ثنا عمرو , قال : ثنا أسباط , عن السدي : كيف ننشزها قال : نحركها . وقرأ ذلك آخرون : " وانظر إلى العظام كيف ننشرها " بضم النون , قالوا من قول القائل : أنشر الله الموتى فهو ينشرهم إنشارا . وذلك قراءة عامة قراء أهل المدينة , بمعنى : وانظر إلى العظام كيف نحييها ثم نكسوها لحما . ذكر من قال ذلك : 4649 - حدثني محمد بن عمرو , قال : ثنا أبو عاصم , قال : ثنا عيسى , عن ابن أبي نجيح , عن مجاهد : " كيف ننشرها " قال : انظر إليها حين يحييها الله . * - حدثنا المثنى قال : ثنا أبو حذيفة , قال : ثنا شبل , عن ابن أبي نجيح , عن مجاهد , مثله . 4650 - حدثنا بشر , قال : ثنا يزيد , قال : ثنا سعيد , عن قتادة مثله . 4651 - حدثنا يونس , قال : أخبرنا ابن وهب , قال : قال ابن زيد في قوله : " وانظر إلى العظام كيف ننشرها " قال : كيف نحييها . واحتج بعض قراء ذلك بالراء وضم نون أوله بقوله : ثم إذا شاء أن
2:260
وَ اِذْ قَالَ اِبْرٰهٖمُ رَبِّ اَرِنِیْ كَیْفَ تُحْیِ الْمَوْتٰىؕ-قَالَ اَوَ لَمْ تُؤْمِنْؕ-قَالَ بَلٰى وَ لٰكِنْ لِّیَطْمَىٕنَّ قَلْبِیْؕ-قَالَ فَخُذْ اَرْبَعَةً مِّنَ الطَّیْرِ فَصُرْهُنَّ اِلَیْكَ ثُمَّ اجْعَلْ عَلٰى كُلِّ جَبَلٍ مِّنْهُنَّ جُزْءًا ثُمَّ ادْعُهُنَّ یَاْتِیْنَكَ سَعْیًاؕ-وَ اعْلَمْ اَنَّ اللّٰهَ عَزِیْزٌ حَكِیْمٌ۠(۲۶۰)
اور جب عرض کی ابراہیم نے (ف۵۴۲) اے رب میرے مجھے دکھا دے تو کیونکر مردے جِلائے گا فرمایا کیا تجھے یقین نہیں (ف۵۴۳) عرض کی یقین کیوں نہیں مگر یہ چاہتا ہوں کہ میرے دل کو قرار آجائے (ف۵۴۴) فرمایا تو اچھا، چار پرندے لے کر اپنے ساتھ ہلالے (ف۵۴۵) پھر ان کا ایک ایک ٹکڑا ہر پہاڑ پر رکھ دے پھر انہیں بلا وہ تیرے پاس چلے آئیں گے پاؤں سے دوڑتے (ف۵۴۶) اور جان رکھ کہ اللہ غالب حکمت والا ہے

وإذ قال إبراهيم رب أرني كيف تحي الموتى قال أولم تؤمن قال بلى ولكن ليطمئن قلبيالقول في تأويل قوله تعالى : وإذ قال إبراهيم رب أرني كيف تحيي الموتى قال أولم تؤمن قال بلى ولكن ليطمئن قلبي يعني تعالى ذكره بذلك : ألم تر إذ قال إبراهيم رب أرني . وإنما صلح أن يعطف بقوله : . وإذ قال إبراهيم على قوله : أو كالذي مر على قرية وقوله : ألم تر إلى الذي حاج إبراهيم في ربه لأن قوله : ألم تر ليس معناه : ألم تر بعينيك , وإنما معناه : ألم تر بقلبك , فمعناه : ألم تعلم فتذكر , فهو وإن كان لفظه لفظ الرؤية فيعطف عليه أحيانا بما يوافق لفظه من الكلام , وأحيانا بما يوافق معناه . واختلف أهل التأويل في سبب مسألة إبراهيم ربه أن يريه كيف يحيي الموت ؟ فقال بعضهم : كانت مسألته ذلك ربه , أنه رأى دابة قد تقسمتها السباع والطير , فسأل ربه أن يريه كيفية إحيائه إياها مع تفرق لحومها في بطون طير الهواء وسباع الأرض ليرى ذلك عيانا , فيزداد يقينا برؤيته ذلك عيانا إلى علمه به خبرا , فأراه الله ذلك مثلا بما أخبر أنه أمره به . ذكر من قال ذلك : 4661 - حدثنا بشر بن معاذ , قال : ثنا يزيد بن زريع , قال : حدثنا سعيد , عن قتادة قوله : وإذ قال إبراهيم رب أرني كيف تحيي الموتى ذكر لنا أن خليل الله إبراهيم صلى الله عليه وسلم أتى على دابة توزعتها الدواب والسباع , فقال : رب أرني كيف تحيي الموتى قال أولم تؤمن قال بلى ولكن ليطمئن قلبي . 4662 - حدثنا عن الحسن , قال : سمعت أبا معاذ , قال : أخبرنا عبيد , قال : سمعت الضحاك يقول في قوله : رب أرني كيف تحيي الموتى قال : مر إبراهيم على دابة ميت قد بلي وتقسمته الرياح والسباع , فقام ينظر , فقال : سبحان الله , كيف يحيي الله هذا ؟ وقد علم أن الله قادر على ذلك , فذلك قوله : رب أرني كيف تحيي الموتى . 4663 - حدثنا القاسم , قال : ثنا الحسين , قال : ثني حجاج , قال : قال ابن جريج : بلغني أن إبراهيم بينا هو يسير على الطريق , إذا هو بجيفة حمار عليها السباع والطير قد تمزعت لحمها وبقي عظامها . فلما ذهبت السباع , وطارت الطير على الجبال والآكام , فوقف وتعجب ثم قال : رب قد علمت لتجمعنها من بطون هذه السباع والطير رب أرني كيف تحيي الموتى قال أولم تؤمن قال بلى ولكن ليس الخبر كالمعاينة . 4664 - حدثني يونس , قال : أخبرنا ابن وهب , قال : قال ابن زيد : مر إبراهيم بحوت نصفه في البر , ونصفه في البحر , فما كان منه في البحر فدواب البحر تأكله , وما كان منه في البر فالسباع ودواب البر تأكله , فقال له الخبيث : يا إبراهيم متى يجمع الله هذا من بطون هؤلاء ؟ فقال : يا رب أرني كيف تحيي الموتى ! قال : أولم تؤمن ؟ قال : بلى ولكن ليطمئن قلبي . وقال آخرون : بل كان سبب مسألته ربه ذلك , المناظرة والمحاجة التي جرت بينه وبين نمرود في ذلك . ذكر من قال ذلك : 4665 - حدثنا ابن حميد , قال : ثنا سلمة , قال : ثني محمد بن إسحاق , قال : لما جرى بين إبراهيم وبين قومه ما جرى مما قصه الله في سورة الأنبياء , قال نمرود فيما يذكرون لإبراهيم : أرأيت إلهك هذا الذي تعبد وتدعو إلى عبادته وتذكر من قدرته التي تعظمه بها على غيره ما هو ؟ قال له إبراهيم : ربي الذي يحيي ويميت . قال نمرود : أنا أحيي وأميت . فقال له إبراهيم : كيف تحيي وتميت ؟ ثم ذكر ما قص الله من محاجته إياه . قال : فقال إبراهيم عند ذلك : رب أرني كيف تحيي الموتى قال أولم تؤمن قال بلى ولكن ليطمئن قلبي من غير شك في الله تعالى ذكره ولا في قدرته , ولكنه أحب أن يعلم ذلك وتاق إليه قلبه , فقال : ليطمئن قلبي , أي ما تاق إليه إذا هو علمه . وهذان القولان , أعني الأول وهذا الآخر , متقاربا المعنى في أن مسألة إبراهيم ربه أن يريه كيف يحيي الموتى كانت ليرى عيانا ما كان عنده من علم ذلك خبرا . وقال آخرون : بل كانت مسألته ذلك ربه عند البشارة التي أتته من الله بأنه اتخذه خليلا , فسأل ربه أن يريه عاجلا من العلامة له على ذلك ليطمئن قلبه بأنه قد اصطفاه لنفسه خليلا , ويكون ذلك لما عنده من اليقين مؤيدا . ذكر من قال ذلك : 4666 - حدثني موسى بن هارون , قال : ثنا عمرو , قال : ثنا أسباط , عن السدي , قال : لما اتخذ الله إبراهيم خليلا سأل ملك الموت ربه أن يأذن له أن يبشر إبراهيم بذلك , فأذن له , فأتى إبراهيم وليس في البيت فدخل داره , وكان إبراهيم أغير الناس , إن خرج أغلق الباب ; فلما جاء وجد في داره رجلا , فثار إليه ليأخذه , قال : من أذن لك أن تدخل داري ؟ قال ملك الموت : أذن لي رب هذه الدار , قال إبراهيم : صدقت ! وعرف أنه ملك الموت , قال : من أنت ؟ قال : أنا ملك الموت جئتك أبشرك بأن الله قد اتخذك خليلا . فحمد الله وقال : يا ملك الموت أرني الصورة التي تقبض فيها أنفاس الكفار . قال : يا إبراهيم لا تطيق ذلك . قال : بلى . قال : فأعرض ! فأعرض إبراهيم ثم نظر إليه , فإذا هو برجل أسود تنال رأسه السماء يخرج من فيه لهب النار , ليس من شعرة في جسده إلا في صورة رجل أسود يخرج من فيه ومسامعه لهب النار . فغشي على إبراهيم , ثم أفاق وقد تحول ملك الموت في الصورة الأولى , فقال : يا ملك الموت لو لم يلق الكافر عند الموت من البلاء والحزن إلا صورتك لكفاه , فأرني كيف تقبض أنفاس المؤمنين ! قال : فأعرض ! فأعرض إبراهيم ثم التفت , فإذا هو برجل شاب أحسن الناس وجها وأطيبه ريحا , في ثياب بيض , فقال : يا ملك الموت لو لم يكن للمؤمن عند ربه من قرة العين والكرامة إلا صورتك هذه لكان يكفيه . فانطلق ملك الموت , وقام إبراهيم يدعو ربه يقول : رب أرني كيف تحيي الموتى حتى أعلم أني خليلك قال أولم تؤمن بأني خليلك , يقول تصدق , قال بلى ولكن ليطمئن قلبي بخلولتك . 4667 - حدثنا أحمد بن إسحاق , قال : ثنا أبو أحمد الزبيري , قال : ثنا عمرو بن ثابت , عن أبيه , عن سعيد بن جبير : ولكن ليطمئن قلبي قال : بالخلة . وقال آخرون : قال ذلك لربه لأنه شك في قدرة الله على إحياء الموتى . ذكر من قال ذلك : 4668 - حدثنا الحسن بن يحيى , قال : أخبرنا عبد الرزاق , قال : أخبرنا معمر , عن أيوب في قوله : ولكن ليطمئن قلبي قال : قال ابن عباس : ما في القرآن آية أرجى عندي منها . 4669 - حدثنا محمد بن المثنى , قال : ثنا محمد بن جعفر , قال : ثنا شعبة , قال : سمعت زيد بن علي يحدث عن رجل , عن سعيد بن المسيب , قال : أتعد عبد الله بن عباس وعبد الله بن عمرو أن يجتمعا , قال : ونحن يومئذ شببة , فقال أحدهما لصاحبه : أي آية في كتاب الله أرجى لهذه الأمة ؟ فقال عبد الله بن عمرو يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم 39 53 حتى ختم الآية , فقال ابن عباس : أما إن كنت تقول إنها , وإن أرجى منها لهذه الأمة قول إبراهيم صلى الله عليه وسلم رب أرني كيف تحيي الموتى قال أولم تؤمن قال بلى ولكن ليطمئن قلبي . 4670 - حدثنا القاسم , قال : ثني الحسين , قال : ثني حجاج , عن ابن جريج , قال : سألت عطاء بن أبي رباح , عن قوله : وإذ قال إبراهيم رب أرني كيف تحيي الموتى قال أولم تؤمن قال بلى ولكن ليطمئن قلبي قال : دخل قلب إبراهيم بعض ما يدخل قلوب الناس , فقال : رب أرني كيف تحيي الموتى قال أولم تؤمن قال بلى . .. قال فخذ أربعة من الطير ليريه . 4671 - حدثني زكريا بن يحيى بن أبان المصري , قالا : ثنا سعيد بن تليد , قال : ثنا عبد الرحمن بن القاسم , قال : ثني بكر بن مضر , عن عمرو بن الحارث , عن يونس بن يزيد , عن ابن شهاب , قال : أخبرني أبو سلمة بن عبد الرحمن وسعيد بن المسيب , عن أبي هريرة : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " نحن أحق بالشك من إبراهيم , قال : رب أرني كيف تحيي الموتى , قال أولم تؤمن ؟ قال بلى ولكن ليطمئن قلبي " . * - حدثني يونس , قال : أخبرنا ابن وهب , قال : أخبرني يونس عن ابن شهاب وسعيد بن المسيب , عن أبي هريرة , أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : فذكر نحوه . وأولى هذه الأقوال بتأويل الآية , ما صح به الخبر عن رسول الله صلى أنه قال , وهو قوله : " نحن أحق بالشك من إبراهيم , قال رب أرني كيف تحيي الموتى , قال أولم تؤمن " وإن تكون مسألته ربه ما سأله أن يريه من إحياء الموتى لعارض من الشيطان عرض في قلبه , كالذي ذكرنا عن ابن زيد آنفا من أن إبراهيم لما رأى الحوت الذي بعضه في البر وبعضه في البحر قد تعاوره دواب البر ودواب البحر وطير الهواء , ألقى الشيطان في نفسه فقال : متى يجمع الله هذا من بطون هؤلاء ؟ فسأل إبراهيم حينئذ ربه أن يريه كيف يحيي الموتى ليعاين ذلك عيانا , فلا يقدر بعد ذلك الشيطان أن يلقي في قلبه مثل الذي ألقي فيه عند رؤيته ما رأى من ذلك , فقال له ربه : أولم تؤمن يقول : أولم تصدق يا إبراهيم بأني على ذلك قادر ؟ قال : بلى يا رب , لكن سألتك أن تريني ذلك ليطمئن قلبي , فلا يقدر الشيطان أن يلقي في قلبي مثل الذي فعل عند رؤيتي هذا الحوت . 4672 - حدثني بذلك يونس , قال : أخبرنا ابن وهب , عن ابن زيد . ومعنى قوله : ليطمئن قلبي ليسكن ويهدأ باليقين الذي يستيقنه . وهذا التأويل الذي . قلناه في ذلك هو تأويل الذين وجهوا معنى قوله : ليطمئن قلبي إلى أنه ليزداد إيمانا , أو إلى أنه ليوفق . ذكر من قال ذلك : ليوفق , أو ليزداد يقينا أو إيمانا : 4673 - حدثنا أبو كريب , قال : ثنا أبو نعيم , عن سفيان , عن قيس بن مسلم , عن سعيد بن جبير : ليطمئن قلبي قال : ليوفق . 4674 - حدثنا محمد بن بشار , قال : ثنا عبد الرحمن , قال : ثنا سفيان . وحدثنا أحمد بن إسحاق , قال : ثنا أبو أحمد , قال : ثنا سفيان , عن أبي الهيثم , عن سعيد بن جبير : ليطمئن قلبي قال : ليزداد يقيني . 4675 - حدثني المثنى , قال : ثنا إسحاق , قال : ثنا أبو زهير , عن جويبر , عن الضحاك : ولكن ليطمئن قلبي يقول : ليزداد يقينا . 4676 - حدثنا بشر بن معاذ , قال : ثنا يزيد , قال : ثنا سعيد , عن قتادة : ولكن ليطمئن قلبي قال : وأراد نبي الله إبراهيم ليزداد يقينا إلى يقينه . * - حدثنا الحسن بن يحيى , قال : أخبرنا عبد الرزاق , قال : قال معمر وقال قتادة : ليزداد يقينا . 4677 - حدثنا عن عمار , قال : ثنا ابن أبي جعفر , عن أبيه , عن الربيع : ولكن ليطمئن قلبي قال : أراد إبراهيم أن يزداد يقينا . * - حدثني المثنى , قال : ثنا محمد بن كثير البصري , قال : ثنا إسرائيل , قال : ثنا أبو الهيثم , عن سعيد بن جبير : ليطمئن قلبي قال : ليزداد يقيني . * - حدثني المثنى , قال : ثنا الفضل بن دكين , قال : ثنا سفيان , عن أبي الهيثم , عن سعيد بن جبير : ولكن ليطمئن قلبي قال : ليزداد يقينا . 4678 - حدثنا صالح بن مسمار , قال : ثنا زيد بن الحباب , قال : ثنا خلف بن خليفة , قال : ثنا ليث بن أبي سليم , عن مجاهد وإبراهيم في قوله : ليطمئن قلبي قال : لأزداد إيمانا مع إيماني . * - حدثنا صالح , قال : ثنا زيد , قال : أخبرنا زياد , عن عبد الله العامري , قال : ثنا ليث , عن أبي الهيثم , عن سعيد بن جبير في قول الله : ليطمئن قلبي قال : لأزداد إيمانا مع إيماني . وقد ذكرنا فيما مضى قول من قال : معنى قوله : ليطمئن قلبي بأني خليلك . وقال آخرون : معنى قوله : ليطمئن قلبي لأعلم أنك تجيبني إذا دعوتك وتعطيني إذا سألتك . ذكر من قال ذلك : 4679 - حدثني المثنى , قال : ثنا عبد الله بن صالح , قال : ثني معاوية , عن علي , عن ابن عباس قوله : ليطمئن قلبي قال : أعلم أنك تجيبني إذا دعوتك , وتعطيني إذا سألتك . وأما تأويل قوله : قال أولم تؤمن فإنه : أولم تصدق ؟ كما : 4680 - حدثني موسى , قال : ثنا عمرو , قال : ثنا أسباط , عن السدي , وحدثنا أحمد بن إسحاق , قال : ثنا أبو أحمد , قال : ثنا سفيان , عن قيس بن مسلم , عن سعيد بن جبير قوله : أولم تؤمن قال : أولم توقن بأني خليلك ؟ 4681 - حدثني يونس , قال : أخبرنا ابن وهب , قال : قال ابن زيد في قوله : أولم تؤمن قال : أولم توقن.قال فخذ أربعة من الطيرالقول في تأويل قوله تعالى : قال فخذ أربعة من الطير . يعني تعالى ذكره بذلك : قال الله له : فخذ أربعة من الطير . فذكر أن الأربعة من الطير : الديك , والطاووس , والغراب , والحمام . ذكر من قال ذلك : 4682 - حدثنا ابن حميد , قال : ثنا سلمة , قال : ثني محمد بن إسحاق , عن بعض أهل العلم : أن أهل الكتاب الأول يذكرون أنه أخذ طاووسا , وديكا , وغرابا , وحماما . 4683 - حدثنا المثنى , قال : ثنا أبو حذيفة , قال : ثنا شبل , عن ابن أبي نجيح , عن مجاهد , قال : الأربعة من الطير : الديك , والطاووس , والغراب , والحمام . 4684 - حدثنا القاسم , قال : ثنا الحسين , قال : ثني حجاج : قال فخذ أربعة من الطير قال ابن جريج : زعموا أنه ديك , وغراب , وطاووس , وحمامة . 4685 - حدثني يونس , قال : أخبرنا ابن وهب , قال : قال ابن زيد : قال فخذ أربعة من الطير قال : فأخذ طاووسا , وحماما , وغرابا , وديكا ; مخالفا أجناسها وألوانها .فصرهن إليكالقول في تأويل قوله تعالى : فصرهن إليك . اختلفت القراء في قراءة ذلك , فقرأته عامة قراء أهل المدينة والحجاز والبصرة : فصرهن إليك بضم الصاد من قول قائل : صرت إلى هذا الأمر : إذا ملت إليه أصور صورا , ويقال : إني إليكم لأصور أي مشتاق مائل , ومنه قول الشاعر : الله يعلم أنا في تلفتنا يوم الفراق إلى أحبابنا صور وهو جمع أصور وصوراء وصور , مثل أسود وسوداء . ومنه قول الطرماح : عفائف إلا ذاك أو أن يصورها هوى والهوى للعاشقين صروع يعني بقوله : " أو أن يصورها هوى " : يميلها . فمعنى قوله : فصرهن إليك اضممهن إليك ووجههن إليك ووجههن نحوك , كما يقال : صر وجهك إلي , أي أقبل به إلي . ومن وجه قوله : فصرهن إليك إلى هذا التأويل كان في الكلام عنده متروك قد ترك ذكره استغناء بدلالة الظاهر عليه , ويكون معناه حينئذ عنده , قال : فخذ أربعة من الطير فصرهن إليك , ثم قطعهن , ثم اجعل على كل جبل منهن جزءا . وقد يحتمل أن يكون معنى ذلك إذا قرئ كذلك بضم الصاد : قطعهن , كما قال توبة بن الحمير : فلما جذبت الحبل أطت نسوعه بأطراف عيدان شديد أسورها فأدنت لي الأسباب حتى بلغتها بنهضي وقد كان ارتقائي يصورها يعني يقطعها . وإذا كان ذلك تأويل قوله : فصرهن , ويكون إليك من صلة " خذ " . وقرأ ذلك جماعة من أهل الكوفة : " فصرهن إليك " بالكسر , بمعنى قطعهن . وقد زعم جماعة من نحويي الكوفة أنهم لا يعرفون فصرهن ولا فصرهن , بمعنى قطعهن في كلام العرب , وأنهم لا يعرفون كسر الصاد منها لغة في هذيل وسليم ; وأنشدوا لبعض بني سليم : وفرع يصير الجيد وحف كأنه على الليت قنوان الكروم الدوالح يعني بقوله يصير : يميل , وأن أهل هذه اللغة يقولون : صاروه وهو يصيره صيرا , وصر وجهك إلي : أي أمله , كما تقول : صره . وزعم بعض نحويي الكوفة أنه لا يعرف لقوله : فصرهن ولا لقراءة من قرأ : " فصرهن " بضم الصاد وكسرها وجها في التقطيع , إلا أن يكون " فصرهن إليك " في قراءة من قرأه بكسر الصاد من المقلوب , وذلك أن تكون لام فعله جعلت مكان عينه , وعينه مكان لامه , فيكون من صرى يصري صريا , فإن العرب تقول : بات يصري في حوضه : إذا استقى , ثم قطع واستقى , ومن ذلك قول الشاعر : صرت نطرة لو صادفت جوز دارع غدا والعواصي من دم الجوف تنعر صرت : قطعت نظرة . ومنه قول الآخر : يقولون إن الشام يقتل أهله فمن لي إذا لم آته بخلود تعرب آبائي فهلا صراهم من الموت أن لم يذهبوا وجدودي يعني قطعهم , ثم نقلت ياؤها التي هي لام الفعل فجعلت عينا للفعل , وحولت عينها فجعلت لامها , فقيل صار يصير , كما قيل : عثي يعثى عثا , ثم حولت لامها , فجعلت عينها , فقيل عاث يعيث . فأما نحويو البصرة فإنهم قالوا : فصرهن إليك سواء معناه إذا قرئ بالضم من الصاد وبالكسر في أنه معني به في هذا الموضع التقطيع , قالوا : وهما لغتان : إحداهما صار يصور , والأخرى صار يصير , واستشهدوا على ذلك ببيت توبة بن الحمير الذي ذكرنا قبل , وببيت المعلى بن جمال العبدي : وجاءت خلعة دهس صفايا يصور عنوقها أحوى زنيم بمعنى يفرق عنوقها ويقطعها , وببيت خنساء : لظلت الشم منها وهي تنصار يعني بالشم : الجبال أنها تتصدع وتتفرق . وببيت أبي ذؤيب : فانصرن من فزع وسد فروجه غبر ضوار وافيان وأجدع قالوا : فلقول القائل : صرت الشيء معنيان : أملته , وقطعته , وحكوا سماعا : صرنا به الحكم : فصلنا به الحكم . وهذا القول الذي ذكرناه عن البصريين من أن معنى الضم في الصاد من قوله : فصرهن إليك والكسر سواء بمعنى واحد , وأنهما لغتان معناهما في هذا الموضع فقطعهن , وأن معنى إليك تقديمها قبل فصرهن من أجل أنها صلة قوله : " فخذ " , أولى بالصواب من قول الذين حكينا قولهم من نحويي الكوفيين الذي أنكروا أن يكون للتقطيع في ذلك وجه مفهوم إلا على معنى القلب الذي ذكرت , لإجماع أهل التأويل على أن معنى قوله : فصرهن غير خارج من أحد معنيين : إما قطعهن , وإما اضممهن إليك , بالكسر قرئ ذلك أو بالضم . ففي إجماع جميعهم على ذلك على غير مراعاة منهم كسر الصاد وضمها , ولا تفريق منهم بين معنيي القراءتين أعني الكسر والضم , أوضح الدليل على صحة قول القائلين من نحويي أهل البصرة في ذلك ما حكينا عنهم من القول , وخطأ قول نحويي الكوفيين ; لأنهم لو كانوا إنما تأولوا قوله : فصرهن بمعنى فقطعهن , على أن أصل الكلام فاصرهن , ثم قلبت فقيل فصرهن بكسر الصاد لتحول ياء فاصرهن مكان رائه , وانتقال رائه مكان يائه , لكان لا شك مع معرفتهم بلغتهم وعلمهم بمنطقهم , قد فصلوا بين معنى ذلك إذا قرئ بكسر صاده , وبينه إذا قرئ بضمها , إذ كان غير جائز لمن قلب فاصرهن إلى فصرهن أن يقرأه فصرهن بضم الصاد , وهم مع اختلاف قراءتهم ذلك قد تأولوه تأويلا واحدا على أحد الوجهين اللذين ذكرنا . ففي ذلك أوضح الدليل على خطأ قول من قال : إن ذلك إذا قرئ بكسر الصاد بتأويل التقطيع مقلوب من صرى يصري إلى صار يصير , وجهل من زعم أن قول القائل صار يصور وصار يصير غير معروف في كلام العرب بمعنى قطع . ذكر من حضرنا قوله في تأويل قول الله تعالى ذكره : فصرهن أنه بمعنى فقطعهن . 4686 - حدثنا سليمان بن عبد الجبار , قال : ثنا محمد بن الصلت , قال : ثنا أبو كدينة , عن عطاء , عن سعيد بن جبير , عن ابن عباس : فصرهن قال : هي نبطية فشققهن . 4687 - حدثني محمد بن المثنى , قال : ثنا محمد بن جعفر , قال : ثنا شعبة , عن أبي جمرة , عن ابن عباس أنه قال في هذه الآية : فخذ أربعة من الطير فصرهن إليك قال : إنما هو مثل . قال : قطعهن ثم اجعلهن في أرباع الدنيا , ربعا ههنا , وربعا ههنا , ثم ادعهن يأتينك سعيا . 4688 - حدثني المثنى , قال : ثنا عبد الله بن صالح , قال : ثني معاوية , عن علي بن أبي طلحة , عن ابن عباس : فصرهن قال : قطعهن . 4689 - حدثني يعقوب , قال : ثنا هشيم , قال : أخبرنا حصين , عن أبي مالك في قوله : فصرهن إليك يقول : قطعهن . * - حدثني المثنى , قال : ثنا عمرو بن عون , قال : أخبرنا هشيم , عن حصين , عن أبي مالك , مثله . 4690 - حدثنا أبو كريب , قال : ثنا يحيى بن يمان , عن أشعث , عن جعفر , عن سعيد : فصرهن قال : قال جناح ذه عند رأس ذه , ورأس ذه عند جناح ذه . 4691 - حدثنا محمد بن عبد الأعلى , قال : حدثنا المعتمر بن سليمان , عن أبيه , قال : زعم أبو عمرو , عن عكرمة في قوله : فصرهن إليك قال : قال عكرمة بالنبطية : قطعهن . 4692 - حدثنا أحمد بن إسحاق , قال : ثنا أبو أحمد , قال : ثنا إسرائيل , عن يحيى , عن مجاهد : فصرهن إليك قال : قطعهن . 4693 - حدثني المثنى , قال : ثنا أبو حذيفة , قال : ثنا شبل , عن ابن أبي نجيح , عن مجاهد : فصرهن إليك انتفهن بريشهن ولحومهن تمزيقا , ثم اخلط لحومهن بريشهن . * - حدثني محمد بن عمرو , قال : ثنا أبو عاصم , عن عيسى , عن ابن أبي نجيح , عن مجاهد : فصرهن إليك قال : انتفهن بريشهن ولحومهن تمزيقا . 4694 - حدثنا بشر بن معاذ , قال : ثنا يزيد بن زريع , قال : ثنا سعيد , عن قتادة : فصرهن إليك أمر نبي الله عليه السلام أن يأخذ أربعة من الطير فيذبحهن , ثم يخلط بين لحومهن وريشهن ودمائهن . 4695 - حدثنا الحسن بن يحيى , قال : أخبرنا عبد الرزاق , قال : أخبرنا معمر , عن قتادة في قوله : فصرهن إليك قال : فمزقهن , قال : أمر أن يخلط الدماء بالدماء , والريش بالريش , ثم اجعل على كل جبل منهن جزءا . 4696 - حدثنا عن الحسين بن الفرج , قال : سمعت أبا معاذ , قال : أخبرنا عبيد بن سليمان , قال : سمعت الضحاك : فصرهن إليك يقول : فشققهن وهو بالنبطية صرى , وهو التشقيق . 4697 - حدثني موسى , قال : ثنا عمرو , قال : ثنا أسباط , عن السدي : فصرهن إليك يقول قطعهن . 4698 - حدثنا عن عمار , قال : ثنا ابن أبي جعفر , عن أبيه , عن الربيع في قوله : فصرهن إليك يقول قطعهن إليك ومزقهن تمزيقا . 4699 - حدثنا ابن حميد , قال : ثنا سلمة , عن ابن إسحاق : فصرهن إليك أي قطعهن , وهو الصور في كلام العرب . ففيما ذكرنا من أقوال من روينا في تأويل قوله : فصرهن إليك أنه بمعنى فقطعهن إليك , دلالة واضحة على صحة ما قلنا في ذلك , وفساد قول من خالفنا فيه . وإذ كان ذلك كذلك , فسواء قرأ القارئ ذلك بضم الصاد فصرهن إليك أو كسرها فصرهن إذ كانت اللغتان معروفتين بمعنى واحد , غير أن الأمر وإن كان كذلك , فإن أحبهما إلي أن أقرأ به " فصرهن إليك " بضم الصاد , لأنها أعلى اللغتين وأشهرهما وأكثرهما في إحياء العرب . وعند نفر قليل من أهل التأويل أنها بمعنى أوثق . ذكر من قال ذلك : 4700 - حدثني محمد بن سعد , قال : ثني أبي , قال : ثني عمي , قال : ثني أبي , عن أبيه , عن ابن عباس : فصرهن إليك صرهن : أوثقهن . 4701 - حدثنا القاسم , قال : ثنا الحسين , قال : ثني حجاج , عن ابن جريج , قال : قلت لعطاء قوله : فصرهن إليك قال : اضممهن إليك . 4702 - حدثني يونس , قال : أخبرنا ابن وهب , قال : قال ابن زيد : فصرهن إليك قال : اجمعهن .ثم اجعل على كل جبل منهن جزءا ثم ادعهن يأتينك سعياالقول في تأويل قوله تعالى : ثم اجعل على كل جبل منهن جزءا ثم ادعهن يأتينك سعيا . اختلف أهل التأويل في تأويل قوله : ثم اجعل على كل جبل منهن جزءا فقال بعضهم : يعني بذلك على كل ربع من أرباع الدنيا جزءا منهن . ذكر من قال ذلك : 4703 - حدثني المثنى , قال : ثنا محمد بن جعفر , قال : ثنا شعبة , عن أبي جمرة , عن ابن عباس : ثم اجعل على كل جبل منهن جزءا قال : اجعلهن في أرباع الدنيا : ربعا ههنا , وربعا ههنا , وربعا ههنا , وربعا ههنا , ثم ادعهن يأتينك سعيا . * - حدثني محمد بن سعد , قال : ثني أبي , قال : ثني عمي , قال : ثني أبي , عن أبيه , عن ابن عباس : ثم اجعل على كل جبل منهن جزءا قال : لما أوثقهن ذبحهن , ثم جعل على كل جبل منهن جزءا . 4704 - حدثنا بشر , قال : ثنا يزيد , قال : ثنا سعيد , عن قتادة : قال : أمر نبي الله أن يأخذ أربعة من الطير فيذبحهن , ثم يخلط بين لحومهن وريشهن ودمائهن , ثم يجزئهن على أربعة أجبل , فذكر لنا أنه شكل على أجنحتهن , وأمسك برءوسهن بيده , فجعل العظم يذهب إلى العظم , والريشة إلى الريشة , والبضعة إلى البضعة , وذلك بعين خليل الله إبراهيم صلى الله عليه وسلم . ثم دعاهن فأتينه سعيا على أرجلهن , ويلقى كل طير برأسه . وهذا مثل آتاه الله إبراهيم . يقول : كما بعث هذه الأطيار من هذه الأجبل الأربعة , كذلك يبعث الله الناس يوم القيامة من أرباع الأرض ونواحيها . 4705 - حدثت عن عمار , قال : ثنا ابن أبي جعفر , عن أبيه , عن الربيع , قال : ذبحهن , ثم قطعهن , ثم خلط بين لحومهن وريشهن , ثم قسمهن على أربعة أجزاء , فجعل على كل جبل منهن جزءا , فجعل العظم يذهب إلى العظم , والريشة إلى الريشة , والبضعة إلى البضعة , وذلك بعين خليل الله إبراهيم , ثم دعاهن فأتينه سعيا , يقول : شدا على أرجلهن . وهذا مثل أراه الله إبراهيم , يقول : كما بعثت هذه الأطيار من هذه الأجبل الأربعة , كذلك يبعث الله الناس يوم القيامة من أرباع الأرض ونواحيها . 4706 - حدثنا ابن حميد , قال : ثنا سلمة , قال : ثنا ابن إسحاق , عن بعض أهل العلم : أن أهل الكتاب يذكرون أنه أخذ الأطيار الأربعة , ثم قطع كل طير بأربعة أجزاء , ثم عمد إلى أربعة أجبال , فجعل على كل جبل ربعا من كل طائر , فكان على كل جبل ربع من الطاووس , وربع من الديك , وربع من الغراب وربع من الحمام . ثم دعاهن فقال : تعالين بإذن الله كما كنتم ! فوثب كل ربع منها إلى صاحبه حتى اجتمعن , فكان كل طائر كما كان قبل أن يقطعه , ثم أقبلن إليه سعيا , كما قال الله . وقيل : يا إبراهيم هكذا يجمع الله العباد , ويحيي الموتى للبعث من مشارق الأرض ومغاربها , وشامها ويمنها . فأراه الله إحياء الموتى بقدرته , حتى عرف ذلك بغير ما قال نمرود من الكذب والباطل . 4707 - حدثني يونس , قال : أخبرنا ابن وهب , قال : قال ابن زيد : ثم اجعل على كل جبل منهن جزءا قال : فأخذ طاووسا , وحمامة , وغرابا , وديكا , ثم قال : فرقهن , اجعل رأس كل واحد وجؤشوش الآخر وجناحي الآخر ورجلي الآخر معه ! فقطعهن وفرقهن أرباعا على الجبال , ثم دعاهن فجئنه جميعا , فقال الله : كما ناديتهن فجئنك , فكما أحييت هؤلاء وجمعتهن بعد هذا , فكذلك أجمع هؤلاء أيضا ; يعني الموتى . وقال آخرون : بل معنى ذلك : ثم اجعل على كل جبل من الأجبال التي كانت الأطيار والسباع التي كانت تأكل من لحم الدابة التي رآها إبراهيم ميتة , فسأل إبراهيم عند رؤيته إياها أن يريه كيف يحييها وسائر الأموات غيرها . وقالوا : كانت سبعة أجبال . ذكر من قال ذلك : 4708 - حدثنا القاسم , قال : ثنا الحسين , قال : ثني حجاج , عن ابن جريج , قال : لما قال إبراهيم ما قال عند رؤيته الدابة التي تفرقت الطير والسباع عنها حين دنا منها , وسأل ربه ما سأل , قال : فخذ أربعة من الطير - قال ابن جريج : فذبحها - ثم أخلط بين دمائهن وريشهن ولحومهن , ثم اجعل على كل جبل منهن جزءا حيث رأيت الطير ذهبت والسباع ! قال : فجعلهن سبعة أجزاء , وأمسك رءوسهن عنده , ثم دعاهن بإذن الله , فنظر إلى كل قطرة من دم تطير إلى القطرة الأخرى , وكل ريشة تطير إلى الريشة الأخرى , وكل بضعة وكل عظم يطير بعضه إلى بعض من رءوس الجبال , حتى لقيت كل جثة بعضها بعضا في السماء , ثم أقبلن يسعين حتى وصلت رأسها . 4709 - حدثني موسى , قال : ثنا عمرو , قال : ثنا أسباط , عن السدي , قال : فخذ أربعة من الطير فصرهن إليك , ثم اجعل على سبعة أجبال , فاجعل على كل جبل منهن جزءا , ثم ادعهن يأتينك سعيا ! فأخذ إبراهيم أربعة من الطير , فقطعهن أعضاء , لم يجعل عضوا من طير مع صاحبه , ثم جعل رأس هذا مع رجل هذا , وصدر هذا مع جناح هذا , وقسمهن على سبعة أجبال , ثم دعاهن فطار كل عضو إلى صاحبه , ثم أقبلن إليه جميعا . وقال آخرون : بل أمره الله أن يجعل ذلك على كل جبل . ذكر من قال ذلك : 4710 - حدثني محمد بن عمرو , قال : ثنا أبو عاصم , عن عيسى , عن ابن أبي نجيح , عن مجاهد : ثم اجعل على كل جبل منهن جزءا قال : ثم بددهن على كل جبل يأتينك سعيا , وكذلك يحيي الله الموتى . * - حدثني المثنى , قال : ثنا أبو حذيفة , قال : ثنا شبل عن ابن أبي نجيح , عن مجاهد : ثم اجعلهن أجزاء على كل جبل , ثم ادعهن يأتينك سعيا , كذلك يحيى الله الموتى ; هو مثل ضربه الله لإبراهيم . * - حدثنا القاسم , قال : ثنا الحسين , قال : ثنا حجاج , قال : قال ابن جريج , قال مجاهد : ثم اجعل على كل جبل منهن جزءا ثم بددهن أجزاء على كل جبل , ثم ادعهن : تعالين بإذن الله ! فكذلك يحيي الله الموتى ; مثل ضربه الله لإبراهيم صلى الله عليه وسلم . 4711 - حدثني المثنى , قال : ثني إسحاق , قال : ثنا أبو زهير , عن جويبر , عن الضحاك , قال : أمره أن يخالف بين قوائمهن ورءوسهن وأجنحتهن , ثم يجعل على كل جبل منهن جزءا . * - حدثت عن الحسين بن الفرج , قال : سمعت أبا معاذ , قال : أخبرنا عبيد , قال : سمعت الضحاك يقول في قوله : ثم اجعل على كل جبل منهن جزءا فخالف إبراهيم بين قوائمهن وأجنحتهن . وأولى التأويلات بالآية ما قاله مجاهد , وهو أن الله تعالى ذكره أمر إبراهيم بتفريق أعضاء الأطيار الأربعة بعد تقطيعه إياهن على جميع الأجبال التي كان يصل إبراهيم في وقت تكليف الله إياه تفريق ذلك وتبديدها عليها أجزاء , لأن الله تعالى ذكره قال له : ثم اجعل على كل جبل منهن جزءا والكل حرف يدل على الإحاطة بما أضيف إليه لفظه واحد ومعناه الجمع . فإذا كان ذلك كذلك فلن يجوز أن تكون الجبال التي أمر الله إبراهيم بتفريق أجزاء الأطيار الأربعة عليها خارجة من أحد معنيين : إما أن تكون بعضا أو جميعا ; فإن كانت بعضا فغير جائز أن يكون ذلك البعض إلا ما كان لإبراهيم السبيل إلى تفريق أعضاء الأطيار الأربعة عليه . أو يكون جميعا , فيكون أيضا كذلك . وقد أخبر الله تعالى ذكره أنه أمره بأن يجعل ذلك على كل جبل , وذلك إما كل جبل وقد عرفهن إبراهيم بأعيانهن , وإما ما في الأرض من الجبال . فأما قول من قال : إن ذلك أربعة أجبل , وقول من قال : هن سبعة ; فلا دلالة عندنا على صحة شيء من ذلك فنستجيز القول به . وإنما أمر الله إبراهيم صلى الله عليه وسلم أن يجعل الأطيار الأربعة أجزاء متفرقة على كل جبل ليري إبراهيم قدرته على جمع أجزائهن وهن متفرقات متبددات في أماكن مختلفة شتى , حتى يؤلف بعضهن إلى بعض , فيعدن كهيئتهن قبل تقطيعهن وتمزيقهن وقبل تفريق أجزائهن على الجبال أطيارا أحياء يطرن , فيطمئن قلب إبراهيم ويعلم أن كذلك يجمع الله أوصال الموتى لبعث القيامة وتأليفه أجزاءهم بعد البلى ورد كل عضو من أعضائهم إلى موضعه كالذي كان قبل الرد . والجزء من كل شيء هو البعض منه كان منقسما جميعه عليه على صحة أو غير منقسم , فهو بذلك من معناه مخالف معنى السهم ; لأن السهم من الشيء : هو البعض المنقسم عليه جميعه على صحة , ولذلك كثر استعمال الناس في كلامهم عند ذكرهم أنصباءهم من المواريث السهام دون الأجزاء . وأما قوله : ثم ادعهن فإن معناه ما ذكرت آنفا عن مجاهد أنه قال : هو أنه أمر أن يقول لأجزاء الأطيار بعد تفريقهن على كل جبل تعالين بإذن الله . فإن قال قائل : أمر إبراهيم أن يدعوهن وهن ممزقات أجزاء على رءوس الجبال أمواتا , أم بعد ما أحيين ؟ فإن كان أمر أن يدعوهن وهن ممزقات لا أرواح فيهن , فما وجه أمر من لا حياة فيه بالإقبال ؟ وإن كان أمر بدعائهن بعد ما أحيين , فما كانت حاجة إبراهيم إلى دعائهن وقد أبصرهن ينشرن على رءوس الجبال ؟ قيل : إن أمر الله تعالى ذكره إبراهيم صلى الله عليه وسلم بدعائهن وهن أجزاء متفرقات إنما هو أمر تكوين , كقول الله للذين مسخهم قردة بعد ما كانوا إنسا : كونوا قردة خاسئين 2 65 لا أمر عبادة , فيكون محالا إلا بعد وجود المأمور المتعبد .واعلم أن الله عزيز حكيمالقول في تأويل قوله تعالى : واعلم أن الله عزيز حكيم . يعني تعالى ذكره بذلك : واعلم يا إبراهيم أن الذي أحيا هذه الأطيار بعد تمزيقك إياهن , وتفريقك أجزاءهن على الجبال , فجمعهن ورد إليهن الروح , حتى أعادهن كهيئتهن قبل تفريقهن , عزيز في بطشه إذا بطش بمن بطش من الجبابرة والمتكبرة الذين خالفوا أمره , وعصوا رسله , وعبدوا غيره , وفي نقمته حتى ينتقم منهم , حكي في أمره . 4712 - حدثنا ابن حميد , قال : ثنا سلمة , قال : ثنا ابن إسحاق : واعلم أن الله عزيز حكيم قال : عزيز في بطشه , حكيم في أمره . 4713 - حدثني المثنى , قال : ثنا إسحاق , قال : ثنا ابن أبي جعفر , عن أبيه , عن الربيع : واعلم أن الله عزيز في نقمته حكيم في أمره .
2:261
مَثَلُ الَّذِیْنَ یُنْفِقُوْنَ اَمْوَالَهُمْ فِیْ سَبِیْلِ اللّٰهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ اَنْۢبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِیْ كُلِّ سُنْۢبُلَةٍ مِّائَةُ حَبَّةٍؕ-وَ اللّٰهُ یُضٰعِفُ لِمَنْ یَّشَآءُؕ-وَ اللّٰهُ وَاسِعٌ عَلِیْمٌ(۲۶۱)
ان کی کہاوت جو اپنے مال اللہ کی راہ میں خرچ کرتے ہیں (ف۵۴۷) اس دانہ کی طرح جس نے اگائیں سات بالیں (ف۵۴۸) ہر بال میں سو دانے (ف۵۴۹) اور اللہ اس سے بھی زیادہ بڑھائے جس کے لئے چاہے اور اللہ وسعت والا علم والا ہے،

القول في تأويل قوله : مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍقال أبو جعفر: وهذه الآية مردودة إلى قوله: مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً وَاللَّهُ يَقْبِضُ وَيَبْسُطُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ [ البقرة: 245 ] والآياتُ التي بعدها إلى قوله: ( مثل الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله )، من قصص بني إسرائيل وخبرهم مع طالوت وجالوت, وما بعد ذلك من نبإ الذي حاجّ إبراهيم مع إبراهيم, وأمْرِ الذي مرّ على القرية الخاوية على عروشها, وقصة إبراهيم ومسألته ربَّه ما سأل، مما قد ذكرناه قبل = (62) . اعتراض من الله تعالى ذكره بما اعترضَ به من قصصهم بين ذلك، احتجاجًا منه ببعضه على المشركين الذين كانوا يكذبون بالبعث وقيام الساعة = وحضًّا منه ببعضه للمؤمنين على الجهاد في سبيله الذي أمرهم به في قوله: وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ [ البقرة: 244 ]، يعرّفهم فيه أنه ناصرهم وإن قل عددهم وكثر عدَد عدوّهم, ويعدهم النصرة عليهم, ويعلّمهم سنته فيمن كان على منهاجهم من ابتغاء رضوان الله أنه مؤيدهم, وفيمن كان على سبيل أعدائهم من الكفار بأنه خاذلهم ومفرِّق جمعهم ومُوهِنُ كيدهم = وقطعًا منه ببعض عذرَ اليهود الذين كانوا بين ظهرَانَيْ مُهاجرَ رسول الله صلى الله عليه وسلم, بما أطلع نبيَّه عليه من خفي أمورهم, ومكتوم أسرار أوائلهم وأسلافهم التي لم يعلمها سواهم, ليعلموا أن ما آتاهم به محمد صلى الله عليه وسلم من عند الله, وأنه ليس بتخرُّص ولا اختلاق, = وإعذارًا منه به إلى أهل النفاق منهم, ليحذروا بشكِّهم في أمر محمد صلى الله عليه وسلم أن يُحلَّ بهم من بأسه وسطوته, مثل الذي أحلَّهما بأسلافهم الذين كانوا في القرية التي أهلكها, فتركها خاوية على عروشها.ثم عاد تعالى ذكره إلى الخبر عن الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا وما عنده له من الثواب على قَرْضه, فقال: ( مثل الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله ) يعني بذلك: مثل الذين ينفقون أموالهم على أنفسهم في جهاد أعداء الله بأنفسهم وأموالهم =( كمثل حبة ) من حبات الحنطة أو الشعير, أو غير ذلك من نبات الأرض التي تُسَنْبل رَيْعَها سنبلة بذرها زارع (63) . =" فأنبتت ", يعني: فأخرجت =( سبع سنابلَ في كل سنبلة مائة حبة ), يقول: فكذلك المنفق ماله على نفسه في سبيل الله, له أجره سبعمائة ضعف على الواحد من نفقته. كما: -6028 - حدثني موسى بن هارون قال، حدثنا عمرو بن حماد قال، حدثنا أسباط, عن السدي: ( كمثل حبة أنبتت سبع سنابل في كل سنبلة مائة حبة ) فهذا لمن أنفق في سبيل الله, فله أجره سبعمائة. (64) .6029 - حدثنا يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في قوله: ( مثل الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله كمثل حبة أنبتت سبع سنابل في كل سنبلة مائة حبة والله يضاعف لمن يشاء )، قال: هذا الذي ينفق على نفسه في سبيل الله ويخرُج.6030 - حدثنا عن عمار قال، حدثنا ابن أبي جعفر, عن أبيه, عن الربيع قوله: ( مثل الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله كمثل حبة أنبتت سبع سنابل في كل سنبلة مائة حبة ) الآية، فكان من بايع النبي صلى الله عليه وسلم على الهجرة, ورابط مع النبي صلى الله عليه وسلم بالمدينة, ولم يلق وجهًا إلا بإذنه, (65) . كانت الحسنة له بسبعمائة ضعف, ومن بايع على الإسلام كانت الحسنة له عشر أمثالها.* * *قال أبو جعفر: فإن قال قائل: وهل رأيتَ سنبلة فيها مائة حبة أو بلغتْك فضرب بها مثل المنفقَ في سبيل الله ماله؟ (66) .قيل: إن يكن ذلك موجودًا فهو ذاك, (67) . وإلا فجائز أن يكون معناه: كمثل سنبلة أنبتت سبع سنابل في كل سنبلة مائة حبة, إنْ جَعل الله ذلك فيها.ويحتمل أن يكون معناه: في كل سنبلة مائة حبة; يعني أنها إذا هي بذرت أنبتت مائة حبة = فيكون ما حدث عن البذر الذي كان منها من المائة الحبة، مضافًا إليها، لأنه كان عنها. وقد تأوّل ذلك على هذا الوجه بعض أهل التأويل.* ذكر من قال ذلك:6031 - حدثني المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا أبو زهير, عن جويبر, عن الضحاك قوله: ( مثل الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله كمثل حبة أنبتت سبع سنابل في كل سنبلة مائة حبة )، قال: كل سنبلة أنبتت مائة حبة, فهذا لمن أنفق في سبيل الله =: وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ .* * *القول في تأويل قوله : وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُقال أبو جعفر: اختلف أهل التأويل في تأويل قوله: ( والله يضاعف لمن يشاء ). فقال بعضهم: الله يضاعف لمن يشاء من عباده أجرَ حسناته = بعد الذي أعطى غير منفق في سبيله، دون ما وعد المنفق في سبيله من تضعيف الواحدة سبعمائة. فأما المنفق في سبيله, فلا ينقصة عما وعده من تضعيف السبعمائة بالواحدة. (68) .* ذكر من قال ذلك:6032 - حدثني المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا أبو زهير, عن جويبر, عن الضحاك, قال: هذا يضاعف لمن أنفق في سبيل الله -يعني السبعمائة- ( والله يضاعف لمن يشاء والله واسع عليم )، يعني لغير المنفق في سبيله.* * *وقال آخرون: بل معنى ذلك: والله يضاعف لمن يشاء من المنفقين في سبيله على السبعمائة إلى ألفي ألف ضعف. وهذا قول ذكر عن ابن عباس من وجه لم أجد إسناده، فتركت ذكره.* * *قال أبو جعفر: والذي هو أولى بتأويل قوله: ( والله يضاعف لمن يشاء ) والله يضاعف على السبعمائة إلى ما يشاء من التضعيف، لمن يشاء من المنفقين في سبيله. لأنه لم يجر ذكر الثواب والتضعيف لغير المنفق في سبيل الله، فيجوز لنا توجيه ما وعد تعالى ذكره في هذه الآية من التضعيف، إلى أنه عِدَة منه على [ العمل في غير سبيله، أو ] على غير النفقة في سبيل الله. (69) .* * *القول في تأويل قوله : وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ (261)قال أبو جعفر: يعني تعالى ذكره بذلك: ( والله واسع )، أن يزيد من يشاء من خلقه المنفقين في سبيله على أضعاف السبعمائة التي وعده أن يزيده = (70) .( عليم ) من يستحق منهم الزيادة، كما: -6033 - حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في قوله: ( والله يضاعف لمن يشاء والله واسع عليم ) قال: ( واسع ) أن يزيد من سعته =( عليم )، عالم بمن يزيده.* * *وقال آخرون: معنى ذلك: ( والله واسع )، لتلك الأضعاف =( عليم ) بما ينفق الذين ينفقون أموالهم في طاعة الله.---------------الهوامش :(62) سياق الجملة : "والآيات التي بعدها... اعتراض من الله تعالى..." مبتدأ وخبره .(63) في المطبوعة : "تسنبل سنبلة بذرها زارع" ، وضع"سنبلة" مكان"ريعها" ، ظنها محرفة .وريع البذر : فضل ما يخرج من البزر على أصله . وهو من"الريع" بمعنى النماء والزيادة . والمعنى : تسنبل أضعافها زيادة وكثرة .(64) في المطبوعة : "فله سبع مائة" بحذف"أجره" ، وفيالمخطوطة : "فله سبعمائة" بياض بين الكلمتين ، وأتممت العبارة من الدر المنثور 1 : 336 ، وفيه : "فله أجره سبعمائة مرة" .(65) في المخطوطة : "لم يلف وجها" ، والذي في المطبوعة لا بأس به ، وإن كنت في شك منه .وفي الدر المنثور 1 : 336"لم يذهب وجها" .(66) في هامش المخطوطة تعليق على هذا السؤال ، وهو أول تعليق أجده على هذه النسخة بخط غير حط كاتبها ، وهو مغربي كما سيتبين مما كتب ، وبعض الحروف متآكل عند طرف الهامش ، فاجتهدت في قراءتها :"أقول : بل ذلك ثابت محقّق مشاهدٌ في البلاد ، وأكثر منه . فإن سنبل تلك البلاد يكثر حبّه وفروعه إلى ما يقارب الفتر . ولقد عدت من فروع حبة واحدة ثلاثة وستين فرعًا ، وشاهدت من ذلك مرارًا . فقد أراني بعض أصحابي جملة من ذلك... ، كان أقل ما عددناه للحبة ثلاثة عشر سنبلة إلى ما يبلغ أو يزيد على ما ذكرت أولًا من العدد . كتبه محمد بن محمود الجزائري الحنفي"ثم انظر ما قاله القرطبي وغيره في سائر كتب التفسير .(67) في المخطوطة : "قيل قيل أن يكون ذلك موجود فهو ذاك" ، وهو خطأ ولا شك ، وما في المطبوعة جيد في السياق .(68) كانت هذه الجملة كلها في المطبوعة : "والله يضاعف لمن يشاء من عباده أجر حسناته ، بعد الذي أعطى المنفق في سبيله من التضعيف الواحدة سبعمائة . فأما المنفق في سبيله فلا نفقة ما وعده من تضعيف السبعمائة بالواحدة" . وقد غيروا ما كان في المخطوطة لأنه فاسد بلا شك وهذا نصه : "والله يضاعف لمن يشاء أجر حسناته ، بعد الذي أعطى المنفق في سبيله من التضعيف الواحدة سبعمائة . فأما المنفق في سبيله عما وعده من تضعيف السبعمائة بالواحدة" . ولكنى استظهرت من سياق التفسير بعد ، أن الصواب غير ما في المطبوعة ، وأن في الكلام تصحيفًا وسقطًا ، أتممته بما يوافق المعنى الذي قاله هؤلاء ، كما يتبين من كلام أبي جعفر فيما بعد .(69) زدت ما بين القوسين ، لأنه مما يقتضيه سياق الكلام والتركيب .(70) انظر تفسير"واسع" و"عليم" فيما سلف 2 : 537 ، وانظر فهارس اللغة أيضًا .
2:262
اَلَّذِیْنَ یُنْفِقُوْنَ اَمْوَالَهُمْ فِیْ سَبِیْلِ اللّٰهِ ثُمَّ لَا یُتْبِعُوْنَ مَاۤ اَنْفَقُوْا مَنًّا وَّ لَاۤ اَذًىۙ-لَّهُمْ اَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْۚ-وَ لَا خَوْفٌ عَلَیْهِمْ وَ لَا هُمْ یَحْزَنُوْنَ(۲۶۲)
وہ جو اپنے مال اللہ کی راہ میں خرچ کرتے ہیں (ف۵۵۰) پھر دیئے پیچھے نہ احسان رکھیں نہ تکلیف دیں (ف۵۵۱) ان کا نیگ (انعام) ان کے رب کے پاس ہے اور انہیں نہ کچھ اندیشہ ہو نہ کچھ غم،

القول في تأويل قوله : الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ لا يُتْبِعُونَ مَا أَنْفَقُوا مَنًّا وَلا أَذًى لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ (262)قال أبو جعفر: يعني تعالى ذكره بذلك: المعطيَ ماله المجاهدين في سبيل الله معونةً لهم على جهاد أعداء الله. يقول تعالى ذكره: الذين يعينون المجاهدين في سبيل الله بالإنفاق عليهم وفي حَمُولاتهم, وغير ذلك من مؤنهم, (71) . ثم لم يتْبع نفقته التي أنفقها عليهم منًّا عليهم بإنفاق ذلك عليهم، ولا أذى لهم. فامتنانه به عليهم، بأن يظهر لهم أنه قد اصطنع إليهم -بفعله وعطائه الذي أعطاهموه تقوية لهم على جهاد عدوهم- معروفا, ويبدي ذلك إما بلسان أو فعل. وأما " الأذى " فهو شكايته إياهم بسبب ما أعطاهم وقوّاهم من النفقة في سبيل الله، أنهم لم يقوموا بالواجب عليهم في الجهاد, وما أشبه ذلك من القول الذي يؤذي به من أنفَق عليه.وإنما شَرَط ذلك في المنفق في سبيل الله, وأوجبَ الأجر لمن كان غير مانٍّ ولا مؤذٍ مَن أنفق عليه في سبيل الله, لأن النفقة التي هي في سبيل الله: ما ابتغي به وجه الله وطلب به ما عنده. (72) . فإذا كان معنى النفقة في سبيل الله هو ما وصفنا, فلا وجه لمنّ المنفق على من أنفق عليه, لأنه لا يدَ له قِبَله ولا صَنيعة يستحق بها عليه -إن لم يكافئه- عليها المنَّ والأذى, إذ كانت نفقته ما أنفق عليه احتسابًا وابتغاءَ ثواب الله وطلبَ مرضاته، وعلى الله مثوبته، دون من أنفق ذلك عليه.* * *وبنحو المعنى الذي قلنا في ذلك قال جماعة من أهل التأويل.* ذكر من قال ذلك:6034 - حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد, عن قتادة قوله: ( الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله ثم لا يتبعون ما أنفقوا منًّا ولا أذى لهم أجرهم عند ربهم )، (73) . علم الله أن أناسًا يمنون بعطيَّتهم, فكره ذلك وقدَّم فيه فقال: قَوْلٌ مَعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مِنْ صَدَقَةٍ يَتْبَعُهَا أَذًى وَاللَّهُ غَنِيٌّ حَلِيمٌ . (74) .6035 - حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد: قال للآخرين = يعني: قال الله للآخرين, وهم الذين لا يخرجون في جهاد عدوهم =: ( الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله ثم لا يتبعون ما أنفقوا منًّا ولا أذى )، قال: فشرَط عليهم. قال: والخارجُ لم يشرُط عليه قليلا ولا كثيرًا - يعني بالخارج، الخارجَ في الجهاد الذي ذكر الله في قوله: مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ الآية = قال ابن زيد: وكان أبي يقول: إن آذاك من يعطي من هذا شيئًا أو يقوِّي فقويت في سبيل الله, (75) . فظننتَ أنه يثقل عليه سلامُك، فكفَّ سلامَك عنه. قال ابن زيد: فنهى عن خير الإسلام. (76) . قال: وقالت امرأة لأبي: يا أبا أسامة, تدلُّني على رجل يخرج في سبيل الله حقًّا, فإنهم لا يخرجون إلا ليأكلوا الفواكه!! عندي جعبة وأسهُمٌ فيها. (77) . فقال لها: لا بارك الله لك في جعبتك, ولا في أسهمك, فقد آذيتيهم قبل أن تعطيهم! قال: وكان رجل يقول لهم: اخرجوا وكلوا الفواكه!6036 - حدثني المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا أبو زهير, عن جويبر, عن الضحاك قوله: ( لا يتبعون ما أنفقوا منًّا ولا أذى ) قال: أن لا ينفق الرجل ماله، خيرٌ من أن ينفقه ثم يتبعه منًّا وأذى.* * *وأما قوله: ( لهم أجرهم عند ربهم )، فإنه يعني للذين ينفقون أموالهم في سبيل الله على ما بيَّنَ. و " الهاء والميم " في" لهم " عائدة على " الذين ".* * *ومعنى قوله: ( لهم أجرهم عند ربهم )، لهم ثوابهم وجزاؤهم على نفقتهم التي أنفقوها في سبيل الله, ثم لم يتبعوها منًّا ولا أذى. (78) .* * *وقوله: ( ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون )، (79) . يقول: وهم = مع ما لهم من الجزاء والثواب على نفقتهم التي أنفقوها على ما شرطنا =( لا خوف عليهم ) عند مقدمهم على الله وفراقهم الدنيا, ولا في أهوال القيامة, وأن ينالهم من مكارهها أو يصيبهم فيها من عقاب الله =( ولا هم يحزنون ) على ما خلفوا وراءهم في الدنيا. (80) .---------------الهوامش :(71) في المخطوطة والمطبوعة : "الذين يعينون المجاهدين" بالجمع/ وسياق الجمل بعده بالإفراد ، وهو غير جائز .(72) في المطبوعة : "مما ابتغى به" ، والصواب ما في المخطوطة .(73) أتم الآية في المطبوعة ، وأثبت ما في المخطوطة .(74) في المخطوطة : "قول معروف ومعرفة" ، وهو دال على كثرة سهو الناسخ في هذا الموضع من المخطوطة كما أسلفت مرارًا .(75) في المطبوعة : "إن أذن لك أن تعطي من هذا شيئًا أو تقوى فقويت في سبيل الله" وهو غير مفهوم ، وهو تصرف فيما كان في المخطوطة ، ونصه : "إن أذن لك أن تعطي من هذا شيئًا أو تقوى في سبيل الله" . واستظهرت صواب قراءتها كما أثبته ، وقد أشرت مرارًا لكثرة سهو الناسخ في هذا من كتابته . والذي أثبته أشبه بما دل عليه سائر قوله .(76) في المطبوعة : "فهو خير من السلام" ، ولا معنى له وفي المخطوطة"فنهي خير من الإسلام" وهو أيضًا بلا معنى ، وأظن الصواب ما أثبت . وذلك أن زيد بن أسلم قال : "فكف عنه سلامك" فنهاه عن أن يلقي عليه السلام . فعلق ابنه ابن زيد على قول أبيه أنه : "نهى عن خير الإسلام" ، إشارة إلى ما رواه البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجه ، عن عبد الله بن عمرو بن العاص : "أن رجلًا سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم : أي الإسلام خير؟ قال : تطعم الطعام ، وتقرأ السلام على من عرفت ومن لم تعرف" فالسلام خير الإسلام ، وهو ما نهى عنه ابن زيد من أوذي .(77) أخشى أن يكون الناسخ سها كما سها فيما سلف ، وأن يكون صوابها"وفيها أسهم" ، والذي هنا مقبول .(78) انظر معنى"أجر" فيما سلف 2 : 148 ، 513 .(79) انظر تفسير : "ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون" فيما سلف 2 : 148 ، 513 .(80) عند هذا الموضع انتهى المجلد الرابع من مخطوطتنا ، وفي آخره ما نصه :"آخر المجلد الرابع من كتاب البيان يتلوه في الخامس إن شاء الله تعالى ، القول في تأويل قوله : "قول معروف ومغفرة خير من صدقة يتبعها أذى والله غني حليم"وكان الفراغ منه في شهر ذي الحجة سنة أربع عشرة وسبعمائة والحمد لله رب العالمين وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا"
2:263
قَوْلٌ مَّعْرُوْفٌ وَّ مَغْفِرَةٌ خَیْرٌ مِّنْ صَدَقَةٍ یَّتْبَعُهَاۤ اَذًىؕ-وَ اللّٰهُ غَنِیٌّ حَلِیْمٌ(۲۶۳)
اچھی بات کہنا اور درگزر کرنا (ف۵۵۲) اس خیرات سے بہتر ہے جس کے بعد ستانا ہو (ف۵۵۳) اور اللہ بے پراہ حلم والا ہے،

القول في تأويل قوله : قَوْلٌ مَعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مِنْ صَدَقَةٍ يَتْبَعُهَا أَذًى وَاللَّهُ غَنِيٌّ حَلِيمٌ (263)قال أبو جعفر: يعني تعالى ذكره بقوله: ( قول معروف )، قولٌ جميل, ودعاءُ الرجل لأخيه المسلم (81) .. =( ومغفرة )، يعني: وسترٌ منه عليه لما علم من خَلَّته وسوء حالته (82) . =( خير ) عند الله =( من صدقة ) يتصدقها عليه =( يتبعها أذى ), يعني يشتكيه عليها، ويؤذيه بسببها، كما: -6037 - حدثني المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا أبو زهير, عن جويبر, عن الضحاك: ( قول معروف ومغفرة خير من صدقة يتبعها أذى ) يقول: أن يمسك ماله خير من أن ينفق ماله ثم يتبعه منًّا وأذى.* * *وأما قوله: ( غنيّ حليم ) فإنه يعني: " والله غني" عما يتصدقون به =( حليم )، حين لا يعجل بالعقوبة على من يَمنُّ بصدقته منكم, ويؤذي فيها من يتصدق بها عليه. (83) .وروي عن ابن عباس في ذلك، ما: -6038 - حدثنا به المثنى قال، حدثنا عبد الله بن صالح, قال: حدثني معاوية, عن علي بن أبي طلحة, عن ابن عباس: ( الغني )، الذي كمل في غناه, و ( الحليم )، الذي قد كمل في حلمه.-----------------الهوامش :(81) انظر تفسير"المعروف" فيما سلف 3 : 371 ، 372 / ثم 4 : 547 ، 548 / 5 : 7 ، 44 ، 76 ، 93 ، 173 .(82) انظر تفسير"المغفرة" 2 : 109 ، 110 ، وفهارس اللغة .(83) انظر تفسير"حليم" فيما سلف 5 : 117 .
2:264
یٰۤاَیُّهَا الَّذِیْنَ اٰمَنُوْا لَا تُبْطِلُوْا صَدَقٰتِكُمْ بِالْمَنِّ وَ الْاَذٰىۙ-كَالَّذِیْ یُنْفِقُ مَالَهٗ رِئَآءَ النَّاسِ وَ لَا یُؤْمِنُ بِاللّٰهِ وَ الْیَوْمِ الْاٰخِرِؕ-فَمَثَلُهٗ كَمَثَلِ صَفْوَانٍ عَلَیْهِ تُرَابٌ فَاَصَابَهٗ وَابِلٌ فَتَرَكَهٗ صَلْدًاؕ-لَا یَقْدِرُوْنَ عَلٰى شَیْءٍ مِّمَّا كَسَبُوْاؕ-وَ اللّٰهُ لَا یَهْدِی الْقَوْمَ الْكٰفِرِیْنَ(۲۶۴)
اے ایمان والوں اپنے صدقے باطل نہ کردو احسان رکھ کر اور ایذا دے کر (ف۵۵۴) اس کی طرح جو اپنا مال لوگوں کے دکھاوے کے لئے خرچ کرے اور اللہ اور قیامت پر ایمان نہ لائے، تو اس کی کہاوت ایسی ہے جیسے ایک چٹان کہ اس پر مٹی ہے اب اس پر زور کا پانی پڑا جس نے اسے نرا پتھر کر چھوڑا (ف۵۵۵) اپنی کمائی سے کسی چیز پر قابو نہ پائیں گے، اور اللہ کافروں کو راہ نہیں دیتا،

القول في تأويل قوله : يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالأَذَى كَالَّذِي يُنْفِقُ مَالَهُ رِئَاءَ النَّاسِ وَلا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِقال أبو جعفر: يعني تعالى ذكره بذلك: ( يا أيها الذين آمنوا )، صدّقوا الله ورسوله =( لا تبطلوا صدقاتكم ), يقول: لا تبطلوا أجورَ صدَقاتكم بالمنّ والأذى, كما أبطل كفر الذي ينفق ماله =( رئاء الناس ), وهو مراءاته إياهم بعمله، وذلك أن ينفق ماله فيما يرى الناسُ في الظاهر أنه يريد الله تعالى ذكره فيحمدونه عليه، وهو غيرُ مريدٍ به الله ولا طالب منه الثواب، (84) . وإنما ينفقه كذلك ظاهرًا ليحمده الناس عليه فيقولوا: " هو سخيّ كريم, وهو رجل صالحٌ" فيحسنوا عليه به الثناء، وهم لا يعلمون ما هو مستبطن من النية في إنفاقه ما أنفق, فلا يدرون ما هو عليه من التكذيب بالله تعالى ذكره واليوم الآخر.* * *وأما قوله: ( ولا يؤمن بالله واليوم الآخر )، فإن معناه: ولا يصدق بوحدانية الله ورُبوبيته, ولا بأنه مبعوث بعد مماته فمجازًى على عمله, فيجعل عمله لوجه الله وطلب ثوابه وما عنده في معاده. وهذه صفة المنافق; وإنما قلنا إنه منافق, لأن المظهرَ كفرَه والمعلنَ شركه، معلوم أنه لا يكون بشيء من أعماله مرائيًا. لأن المرائي هو الذي يرائي الناس بالعمل الذي هو في الظاهر لله، وفي الباطن مريبة سريرةُ عامله، مرادٌه به حمد الناس عليه. (85) . والكافر لا يُخِيلُ على أحدٍ أمرُه أن أفعاله كلها إنما هي للشيطان (86) - إذا كان معلنًا كفرَه - لا لله. ومن كان كذلك، فغير كائن مرائيًا بأعماله.* * *وبنحو ما قلنا في ذلك قال أهل التأويل.* ذكر من قال ذلك:6039 - حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال أبو هانئ الخولاني, عن عمرو بن حريث, قال: إن الرجل يغزو, لا يسرق ولا يزني ولا يَغُلّ, لا يرجع بالكفاف! فقيل له: لم ذاك؟ قال: إن الرجل ليخرج، (87) . فإذا أصابه من بلاءِ الله الذي قد حكم عليه، سبَّ ولعَن إمامَه ولعَن ساعة غزا, وقال: لا أعود لغزوة معه أبدًا! فهذا عليه, وليس له = مثلُ النفقة في سبيل الله يتبعها منٌّ وأذى. فقد ضرب الله مثلها في القرآن: ( يا أيها الذين آمنوا لا تبطلوا صَدقاتكم بالمنّ والأذى )، حتى ختم الآية. (88) .* * *القول في تأويل قوله تعالى : فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ صَفْوَانٍ عَلَيْهِ تُرَابٌ فَأَصَابَهُ وَابِلٌ فَتَرَكَهُ صَلْدًا لا يَقْدِرُونَ عَلَى شَيْءٍ مِمَّا كَسَبُوا وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ (264)قال أبو جعفر: يعني تعالى ذكره بذلك: فمثل هذا الذي ينفق ماله رئاء الناس, ولا يؤمن بالله واليوم الآخر = و " الهاء " في قوله: ( فمثله ) عائدة على " الذي" =( كمثل صفوان )، و " الصفوان " واحدٌ وجمعٌ, فمن جعله جمعًا فالواحدة " صفوانة "، (89) . بمنزلة " تمرة وتمر " و " نخلة ونخل ". ومن جعله واحدًا، جمعه " صِفْوان، وصُفِيّ، وصِفِيّ", (90) . كما قال الشاعر: (91) .* مَوَاقعُ الطَّيْرِ عَلَى الصُّفِيِّ * (92)و " الصفوان " هو " الصفا ", وهي الحجارة الملس.* * *وقوله: ( عليه تراب )، يعني: على الصفوان ترابٌ =( فأصابه ) يعني: أصاب الصفوان =( وابل )، وهو المطر الشديد العظيم, كما قال امرؤ القيس:سَاعَةً ثُمَّ انْتَحَاهَا وَابِلٌسَاقِطُ الأكْنَافِ وَاهٍ مُنْهَمِرُ (93)يقال منه: " وَبلت السماء فهي تَبِل وَبْلا ", وقد: " وُبلت الأرض فهي تُوبَل ".* * *وقوله: ( فتركه صلدًا ) يقول: فترك الوابلُ الصفوانَ صَلدًا.و " الصلد " من الحجارة: الصلب الذي لا شيء عليه من نبات ولا غيره, وهو من الأرَضين ما لا ينبت فيه شيء, وكذلك من الرؤوس, (94) . كما قال رؤبة:لَمَّا رَأَتْنِي خَلَقَ المُمَوَّهِبَرَّاقَ أَصْلادِ الجَبِينِ الأجْلَهِ (95)ومن ذلك يقال للقدر الثخينة البطيئة الغلي: " قِدْرٌ صَلود "," وقد صَلدت تصْلُدُ صُلودًا " , ومنه قول تأبط شرًّا:وَلَسْتُ بِجِلْبٍ جِلْبِ رَعْدٍ وَقِرَّةٍوَلا بِصَفًا صَلْدٍ عَنِ الخَيْرِ أعْزَلِ (96)* * *ثم رجع تعالى ذكره إلى ذكر المنافقين الذين ضرب المثلَ لأعمالهم, فقال: فكذلك أعمالهم بمنزلة الصَّفوان الذي كان عليه تراب, (97) . فأصابه الوابلُ من المطر, فذهب بما عليه من التراب, فتركه نقيًّا لا تراب عليه ولا شيء = يراهُم المسلمون في الظاهر أنّ لهم أعمالا - كما يُرى التراب على هذا الصفوان - بما يراؤونهم به, فإذا كان يوم القيامة وصاروا إلى الله، اضمحلّ ذلك كله, لأنه لم يكن لله، كما ذهب الوابل من المطر بما كانَ على الصفوان من التراب, فتركه أملسَ لا شيء عليه= فذلك قوله: ( لا يقدرون ), يعني به: الذين ينفقون أموالهم رئاء الناس, ولا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر, يقول: لا يقدرون يوم القيامة على ثواب شيء مما كسبوا في الدنيا, لأنهم لم يعملوا لمعادهم، ولا لطلب ما عند الله في الآخرة, ولكنهم عملوه رئاء الناس وطلبَ حمدهم. وإنما حظهم من أعمالهم، ما أرادوه وطلبوه بها.* * *ثم أخبر تعالى ذكره أنه ( لا يهدي القوم الكافرين ), يقول: لا يسدّدهم لإصابة الحق في نفقاتهم وغيرها، فيوفقهم لها, وهم للباطل عليها مؤثرون, ولكنه يتركهم في ضلالتهم يعمهون (98) .فقال تعالى ذكره للمؤمنين: لا تكونوا كالمنافقين الذين هذا المثل صفةُ أعمالهم, فتبطلوا أجور صدقاتكم بمنِّكم على من تصدقتم بها عليه وأذاكم لهم, كما أبطل أجر نفقة المنافق الذي أنفق ماله رئاء الناس, وهو غير مؤمن بالله واليوم الآخر، عند الله. (99) .* * *وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.* ذكر من قال ذلك:6040 - حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد, عن قتادة قوله: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالأَذَى فقرأ حتى بلغ: (عَلَى شَيْءٍ مِمَّا كَسَبُوا)، فهذا مثل ضربه الله لأعمال الكفار يوم القيامة يقول: لا يقدرون على شيء مما كسبوا يومئذ, كما ترك هذا المطر الصفاةَ الحجرَ ليس عليه شيء، أنقى ما كان عليه. (100) .6041 - حدثني المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا ابن أبي جعفر, عن أبيه, عن الربيع: لا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ إلى قوله: ( والله لا يهدي القوم الكافرين )، هذا مثل ضربه الله لأعمال الكافرين يوم القيامة, يقول: لا يقدرون على شيء مما كسبوا يومئذ, كما ترك هذا المطر الصفا نقيًّا لا شيء عليه.6042 - حدثني موسى قال، حدثنا عمرو قال، حدثنا أسباط, عن السدي: لا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالأَذَى إلى قوله: ( على شيء مما كسبوا ) أما الصفوان الذي عليه تراب، فأصابه المطر فذهب ترابه فتركه صلدًا. فكذلك هذا الذي ينفق ماله رياء الناس، (101) . ذهب الرياءُ بنفقته, كما ذهب هذا المطر بتراب هذا الصفا فتركه نقيًّا, فكذلك تركه الرياء لا يقدر على شيء مما قدم. فقال للمؤمنين: لا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالأَذَى فتبطل كما بطلت صَدقة الرياء.6043 - حدثني المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا أبو زهير, عن جويبر, عن الضحاك, قال: أن لا ينفق الرجل ماله, خير من أن ينفقه ثم يتبعه منًّا وأذى. فضرب الله مثله كمثل كافر أنفق ماله لا يؤمن بالله ولا باليوم الآخر, فضرب الله مثلهما جميعًا: ( كمثل صفوان عليه تراب فأصابه وابل فتركه صلدًا ) فكذلك من أنفق ماله ثم أتبعه منًّا وأذى.6044 - حدثني محمد بن سعد, قال: حدثنى أبي, قال: حدثني عمي, قال: حدثني أبي, عن أبيه, عن ابن عباس قوله: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالأَذَى إلى ( كمثل صفوان عليه تراب فأصابه وابل فتركه صلدًا ) ليس عليه شيء, وكذلك المنافق يوم القيامة لا يقدر على شيء مما كسب.6045 - حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج, قال: قال ابن جريج في قوله: لا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالأَذَى قال: يمنّ بصدقته ويؤذيه فيها حتى يبطلها.6046 - حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد في قوله: ثُمَّ لا يُتْبِعُونَ مَا أَنْفَقُوا مَنًّا وَلا أَذًى ، فقرأ: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالأَذَى حتى بلغ: ( لا يقدرون على شيء مما كسبوا ) ثم قال: أترى الوابل يدع من التراب على الصفوان شيئًا؟ فكذلك منُّك وأذاك لم يدع مما أنفقت شيئًا. وقرأ قوله: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالأَذَى ، وقرأ: وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ نَفَقَةٍ ، فقرأ حتى بلغ: وَأَنْتُمْ لا تُظْلَمُونَ . [البقرة: 270-272]. (102) .* * *القول في تأويل قوله عز وجل : صَفْوَانٍقد بينا معنى " الصفوان " بما فيه الكفاية, (103) . غير أنا أردنا ذكر من قال مثل قولنا في ذلك من أهل التأويل.6047 - حدثني محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال، حدثني عمي قال، حدثني أبي, عن أبيه, عن ابن عباس قوله: ( كمثل صفوان ) كمثل الصفاة.6048 - حدثني المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا أبو زهير, عن جويبر, عن الضحاك: ( كمثل صفوان ) والصفوان: الصفا.6049 - حدثني المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا ابن أبي جعفر, عن أبيه, عن الربيع, مثله.6050 - حدثني موسى قال، حدثنا عمرو قال، حدثنا أسباط, عن السدي: أما( صفوان ), فهو الحجر الذي يسمى " الصَّفاة ".6051 - حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد, عن قتادة, مثله.6052 - حدثني المثنى قال، حدثنا أبو صالح قال، حدثني معاوية, عن علي, عن ابن عباس قوله: ( صفوان ) يعني الحجر.* * *القول في تأويل قوله عز وجل : فَأَصَابَهُ وَابِلٌقد مضى البيان عنه. (104) . وهذا ذكر من قال قولنا فيه:6053 - حدثني موسى قال، حدثنا عمرو قال، حدثنا أسباط, عن السدي: أما وابل: فمطر شديد.6054 - حدثني المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا أبو زهير, عن جويبر, عن الضحاك: ( فأصابه وابل ) والوابل: المطر الشديد.6055 - حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد, عن قتادة, مثله.6056 - حدثت عن عمار قال، حدثنا ابن أبي جعفر, عن أبيه, عن الربيع, مثله.* * *القول في تأويل قوله عز وجل : فَتَرَكَهُ صَلْدًا* ذكر من قال نحو ما قلنا في ذلك:6057 - حدثني موسى قال، حدثنا عمرو قال، حدثنا أسباط, عن السدي: ( فتركه صلدًا ) يقول نقيًّا.6058 - حدثني محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال، حدثني عمي, قال: حدثني أبي, عن أبيه, عن ابن عباس: ( فتركه صلدًا ) قال: تركها نقية ليس عليها شيء.6059- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج, قال: قال ابن جريج, قال ابن عباس قوله: ( فتركه صلدًا ) قال: ليس عليه شيء.6060 - حدثني المثنى قال، حدثنا إسحاق, قال حدثنا، أبو زهير, عن جويبر, عن الضحاك: ( صلدًا) فتركه جردًا.6061 - حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال: خبرنا معمر, عن قتادة: (، فتركه صلدًا ) ليس عليه شيء.6062 - حدثني المثنى قال: حدثنا أبو صالح قال، حدثني معاوية, عن علي, عن ابن عباس: ( فتركه صلدًا ) ليس عليه شيء.* * *------------------------الهوامش :(84) في المخطوطة والمطبوعة : "وهو مريد به غير الله" ، وهو سهو من الناسخ ، والسياق يقتضي أن تقدم"غير" ، وهو نص المعنى .(85) في المطبوعة : "وفي الباطن عامله مراده به حمد الناس عليه" ، وهو تصرف من الطابع ، وفي المخطوطة : "وفي الباطن مربيه عامله مراد به حمد الناس عليه" ، وهي غير مفهومة المعنى ، وبين أنه قد سقط منها"سريرة" من قوله"مربية سريرة عامله" ، وهو إشارة إلى ما مر في تفسيره قبل من قوله : "فلا يدرون ما هو عليه من التكذيب بالله تعالى ذكره واليوم الآخر" . فاستظهرت أن الصواب زيادة"سريرة" ، لتتفق مع معاني ما قال أبو جعفر رحمه الله .(86) أخال عليه الأمر يخيل : أشكل عليه واستبهم . وسياق الجملة بعد ذلك : "إنما هي للشيطان لا لله" .(87) في المطبوعة : "قال : فإن الرجل" ، وفي المخطوطة : "فإن إن الرجل" تصحيف والصواب ما أثبت .(88) الأثر : 6039 -"أبو هانئ الخولاني" : هو : حميد بن هانئ المصري من ثفات التابعين ، روى عن عمرو بن حريث وغيره . وروى عنه الليث وابن لهيعة وابن وهب وغيرهم من أهل مصر مات سنة 142 . و"عمرو بن حريث" ، هو الذي يروي عنه أهل الشام ، وهو غير"عمرو بن حريث بن عمرو بن عثمان المخزومي الكوفي . وانظر ترجمته في التهذيب 8 : 18 .(89) في المطبوعة : "واحد وجمع ، فمن جعله جمعا" ، وأثبت ما في المخطوطة .(90) انظر ما سلف في تفسير"الصفا" 3 : 224 ، 225 ، وقوله : جمعه صفوان" يعنى : بكسر الصاد وسكون الفاء ، وهو قول الكسائي ، وقد تعقبوه وخطئوه في شاذ مذهبه . انظر القرطبي 3 : 313 ، وتفسير أبي حيان 2 : 302 ، ومن أجل ذلك أسقطه أصحاب اللغة من كتبهم .(91) هو الأخيل الطائي .(92) سلف شرح هذا البيت وتخريجه 3 : 224 ، وسقط ذكر هذا الموضع في التخريج السالف فأثبته هناك .(93) ديوانه : 90 ، وطبقات فحول الشعراء : 79 ، وغيرهما كثير . وهو من أبيات روائع ، في صفة المطر والسيل أولها :دِيَمةٌ هَطْلاَءُ فِيهَا وَطَفٌطَبَقَ الأَرْضِ تَحَرَّي, وَتَدِرّْثم قال بعد قليل : "ساعة" أي فعلت ذلك ساعة ، "ثم انتحاها" أي قصدها ، والضمير فيه إلى"الشجراء" في بيت سباق . و"ساقط الأكناف" ، قد دنا من الأرض دنوًّا شديدًا ، كأن نواحيه تتهدم على الشجراء . "منهمر" : متتابع متدفق . واقرأ تمام ذلك في شرح الطبقات .(94) هذا البيان عن معاني"صلد" ، لا تصيبه في كثير من كتب اللغة .(95) ديوانه : 165 من قصيدة مضى الاستشهاد بأبيات منها في 1 : 123 ، 309 ، 310 /2 : 222 ، والضمير في"رأتني" إلى صحابته التي ذكرها في أول الشعر و"خلق" : بال . و"المموه" يقال : : وجه مموه" أي مزين بماء الشباب ، ترقرق شبابه وحسنه . وقوله"خلق المموه" ، بحذف"الوجه" الموصوف بذلك . يقول : قد بلي شبابي وأخلق . "أصلاد الجبين" ، يعني أن جبينه قد زال شعره ، فهو يبرق كأنه صفاة ملساء لا نبات عليها . و"الأجله" . الأنزع الذي انحسر شعره عن جانبي جبهته ومقدم جبينه ، وذلك كله بعد أن كان كما وصف نفسه :* بَعْدَ غُدَانِيِّ الشَّبَابِ الأَبْلَهِ *فاستنكرته صاحبته ، بعد ما كان بينه وبينها في شبابه ما كان ، وليت شعري ماذا كان يبغي رؤبة منها ، وقد صار إلى المصير الذي وصف نفسه! ! .(96) اللسان (جلب) (عزل) ، وغيرهما . ولم أجد القصيدة ، ولكني وجدت منها أبياتًا متفرقة ورواية اللسان والمطبوعة وغيرهما :وَلَسْتُ بِجِلْبٍ جِلْبِ رِيحٍ وَقِرَّةٍوَلاَ بِصَفًا صَلْدٍ عَنِ الخَيْرِ مَعْزِلِولكنه في المطبوعة واللسان أيضًا"جلب ليل" ، والظاهر أن المطبوعة نقلت البيت من اللسان (جلب) دون إشارة إلى ما كان في المخطوطة ، ولكنى أثبت رواية المخطوطة ، فإنها لا تغير وهي سليمة المعاني .الجلب (بكسر الجيم أو ضمها وسكون اللام) : هو السحاب المعترض تراه كأنه جبل ، ويقال أيضًا : هو السحاب الرقيق الذي لا ماء فيه . ورواية الطبري في المخطوطة تقتضي المعنى الأول : والقرة (بكسر القاف) والقر (بضمها) : البرد الشديد ، يقول : لست امرءًا خاليا من الخير ، بل مطيفًا بالأذى ، كهذا السحاب المخيل المتراكم ، مخيف برعده ، ويلذغ ببرده ، ولا غيث معه . أما رواية اللسان وغيره ، فشرحها على معنى السحاب الرقيق جيد . وقوله : "أعزل" من"عزل الشيء يعزله" إذا نحاه جانبًا وأبعده ، كما سموا الزمل المنقطع المنفرد المنعزل"أعزل" ، فهو من صميم مادة اللغة ، وإن لم يأتوا عليه في كتب اللغة بشاهد . وهذا شاهده بلا شك . أما قوله في الرواية الأخرى"معزل" فهو بمعنى ذلك أيضًا : معتزل عن الخير ، أو معزول عنه . وهو مصدر ميمي من ذلك ، جاء صفة ، كما قالوا : "رجل عدل" ، وكما قالوا"فلان شاهد مقنع" أي رضا يقنع به ، مصدر ميمي من"قنع" ، وهذا بيان لا تجده في كتب اللغة فقيده واحفظه .(97) في المخطوطة : "عليه ثواب" ، وهو تصحيف غث ، ولكنه دليل على شدة إهمال الناسخ وعجلته .(98) في المخطوطة : "ولكنه تركهم" ، والصواب ما في المخطوطة .(99) في المخطوطة : "واليوم عند الله" سقط منه "الآخر" ، وهو دليل على ما أسلفت من عجلته .(100) في المطبوعة : "أنقى ما كان" ، حذف"عليه" ، كأنه استنكرها ، وهي معرقة في الصواب .أي : أنقى ما كان عليه من النقاء .(101) في المطبوعة : "فكذا هذا الذي ينفق" ، لا أدرى لم غير ما في المخطوطة .(102) ما في المخطوطة والمطبوعة : "وما أنفقتم من خير فلأنفسكم" ، وهو خطأ ظاهر ، والصواب أنه يعني آيات سورة البقرة التي بينتها كما أثبتها .(103) انظر ما سلف قريبًا ص : 523 ، 524 والمراجع في التعليق عليه .(104) انظر ما سلف قريبا ص : 524 .
2:265
وَ مَثَلُ الَّذِیْنَ یُنْفِقُوْنَ اَمْوَالَهُمُ ابْتِغَآءَ مَرْضَاتِ اللّٰهِ وَ تَثْبِیْتًا مِّنْ اَنْفُسِهِمْ كَمَثَلِ جَنَّةٍۭ بِرَبْوَةٍ اَصَابَهَا وَابِلٌ فَاٰتَتْ اُكُلَهَا ضِعْفَیْنِۚ-فَاِنْ لَّمْ یُصِبْهَا وَابِلٌ فَطَلٌّؕ-وَ اللّٰهُ بِمَا تَعْمَلُوْنَ بَصِیْرٌ(۲۶۵)
اور ان کی کہاوت جو اپنے مال اللہ کی رضا چاہنے میں خرچ کرتے ہیں اور اپنے دل جمانے کو (ف۵۵۶) اس باغ کی سی ہے جو بھوڑ (رتیلی زمین) پر ہو اس پر زور کا پانی پڑا تو دُونے میوے لایا پھر اگر زور کا مینھ اسے نہ پہنچے تو اوس کافی ہے (ف۵۵۷) اور اللہ تمہارے کام دیکھ رہا ہے (ف۵۵۸)

القول في تأويل قوله عز وجل : وَمَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ وَتَثْبِيتًا مِنْ أَنْفُسِهِمْقال أبو جعفر: يعني بذلك جل ثناؤه: ( ومثل الذين ينفقون أموالهم ) فيصَّدَّقون بها، ويحملون عليها في سبيل الله، ويقوُّون بها أهل الحاجة من الغزاة والمجاهدين في سبيل الله، وفي غير ذلك من طاعات الله، طلب مرضاته = (1) . =( وتثبيتًا من أنفسهم ) يعني بذلك: وتثبيتًا لهم على إنفاق ذلك في طاعة الله وتحقيقًا, من قول القائل: " ثَبَّتُّ فلانًا في هذا الأمر " - إذ صححت عزمَه، وحققته، وقويت فيه رأيه -" أثبته تثبيتًا ", كما قال ابن رواحة:فَثَبَّتَ اللهُ مَا آتَاكَ مِنْ حَسَنٍتَثْبِيتَ مُوسَى, وَنَصْرًا كَالَّذِي نُصِرُوا (2)* * *وإنما عنى الله جل وعز بذلك: أن أنفسهم كانت موقنة مصدقة بوعد الله إياها فيما أنفقت في طاعته بغير منّ ولا أذى, فثبتَتْهم في إنفاق أموالهم ابتغاء مرضاة الله, وصححت عزمهم وآراءهم، (3) . يقينًا منها بذلك, (4) . وتصديقًا بوعد الله إياها ما وعدها. ولذلك قال من قال من أهل التأويل في قوله: ( وتثبيتًا )، وتصديقًا = ومن قال منهم: ويقينًا = لأن تثبيت أنفس المنفقين أموالَهم ابتغاء مرضاة الله إياهم, (5) . إنما كان عن يقين منها وتصديق بوعد الله.* ذكر من قال ذلك من أهل التأويل:6063 - حدثنا ابن بشار قال، حدثنا يحيى قال، حدثنا سفيان, عن أبي موسى, عن الشعبي: ( وتثبيتًا من أنفسهم )، قال: تصديقًا ويقينًا.6064 - حدثنا أحمد بن إسحاق الأهوازي قال، حدثنا أبو أحمد قال، حدثنا سفيان, عن أبي موسى, عن الشعبي: ( وتثبيتًا من أنفسهم ) قال: وتصديقًا من أنفسهم ثبات ونُصرة.6065 - حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا معمر, عن قتادة في قوله: ( وتثبيتًا من أنفسهم )، قال: يقينًا من أنفسهم. قال: التثبيت اليقين.6066 - حدثني يونس قال، حدثنا علي بن معبد, عن أبي معاوية, عن إسماعيل, عن أبي صالح في قوله: ( وتثبيتًا من أنفسهم ) يقول: يقينًا من عند أنفسهم.* * *وقال آخرون: معنى قوله: ( وتثبيتًا من أنفسهم ) أنهم كانوا يتثبتون في الموضع الذي يضعون فيه صدقاتهم.* ذكر من قال ذلك:6067 - حدثنا محمد بن بشار قال، حدثنا مؤمل قال، حدثنا سفيان, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد: ( وتثبيتًا من أنفسهم ) قال: يتثبتون أين يضعون أموالهم.6068 - حدثني المثنى قال، حدثنا سويد بن نصر قال، حدثنا ابن المبارك, عن عثمان بن الأسود, عن مجاهد: ( وتثبيتًا من أنفسهم )، فقلت له: ما ذلك التثبيت؟ قال: يتثبتون أين يضعون أموالهم.6069 - حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبي، عن عثمان بن الأسود, عن مجاهد: ( وتثبيتًا من أنفسهم )، قال: كانوا يتثبتون أين يضعونها.6070 - حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبي, عن علي بن علي بن رفاعة, عن الحسن في قوله: ( وتثبيتًا من أنفسهم )، قال: كانوا يتثبتون أين يضعون أموالهم -يعني زكاتهم.6071 - حدثني المثنى قال، حدثنا سويد قال، حدثنا ابن المبارك, عن علي بن علي, قال: سمعت الحسن قرأ: ( ابتغاء مرضاة الله وتثبيتًا من أنفسهم )، قال: كان الرجل إذا همّ بصدقة تثبّت, فإن كان لله مضى, وإن خالطه شك أمسك.* * *قال أبو جعفر: وهذا التأويل الذي ذكرناه عن مجاهد والحسن، تأويل بعيد المعنى مما يدل عليه ظاهر التلاوة, وذلك أنهم تأولوا قوله: ( وتثبيتًا من أنفسهم )، بمعنى: " وتثبُّتًا ", فزعموا أنّ ذلك إنما قيل كذلك، لأن القوم كانوا يتثبتون أين يضعون أموالهم. ولو كان التأويل كذلك, لكان: " وتثبتًا من أنفسهم "; لأن المصدر من الكلام إن كان على " تفعَّلت "" التفعُّل ", (6) . فيقال: " تكرمت تكرمًا ", و " تكلمت تكلمًا ", وكما قال جل ثناؤه: أَوْ يَأْخُذَهُمْ عَلَى تَخَوُّفٍ [النحل: 47]، من قول القائل: " تخوّف فلان هذا الأمر تخوفًا ". فكذلك قوله: ( وتثبيتًا من أنفسهم )، لو كان من " تثبَّت القومُ في وضع صدقاتهم مواضعها "، لكان الكلام: " وتثبُّتًا من أنفسهم ", لا " وتثبيتًا ". ولكن معنى ذلك ما قلنا: من أنه: وتثبيتٌ من أنفس القوم إياهم، بصحة العزم واليقين بوعد الله تعالى ذكره.* * *فإن قال قائل: وما تنكر أن يكون ذلك نظيرَ قول الله عز وجل: وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلا [المزمل: 8]، ولم يقل: " تبتُّلا ".قيل: إن هذا مخالف لذلك. وذلك أن هذا إنما جاز أن يقال فيه: " تبتيلا " لظهور " وتبتَّل إليه ", فكان في ظهوره دلالةٌ على متروك من الكلام الذي منه قيل: " تبتيلا ". وذلك أن المتروك هو: " تبتل فيبتلك الله إليه تبتيلا ". وقد تفعل العرب مثلَ ذلك أحيانا: تخرج المصادر على غير ألفاظ الأفعال التي تقدمتها، إذا كانت الأفعال المتقدمة تدل على ما أخرجت منه, كما قال جل وعز: وَاللَّهُ أَنْبَتَكُمْ مِنَ الأَرْضِ نَبَاتًا [نوح: 17]، وقال: وَأَنْبَتَهَا نَبَاتًا حَسَنًا [آل عمران: 37]، و " النبات ": مصدر " نبت ". وإنما جاز ذلك لمجيء " أنبت " قبله, فدل على المتروك الذي منه قيل " نباتًا ", والمعنى: " والله أنبتكم فنبتم من الأرض نباتًا ". وليس [ في ] قوله: ( وتثبيتًا من أنفسهم ) كلامًا يجوز أن يكون متوهَّمًا به أنه معدول عن بنائه، (7) . ومعنى الكلام: " ويتثبتون في وضع الصدقات مواضعها ", فيصرف إلى المعاني التي صرف إليها قوله: وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلا ، وما أشبه ذلك من المصادر المعدولة عن الأفعال التي هي ظاهرة قبلها.* * *وقال آخرون: معنى قوله: ( وتثبيتًا من أنفسهم )، احتسابًا من أنفسهم.* ذكر من قال ذلك:6073 - حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد, عن قتادة: ( وتثبيتًا من أنفسهم ) يقول: احتسابًا من أنفسهم. (8) .* * *قال أبو جعفر: وهذا القول أيضًا بعيد المعنى من معنى " التثبيت ", لأن التثبيت لا يعرف في شيء من الكلام بمعنى " الاحتساب ", إلا أن يكون أراد مفسِّرُه كذلك: أن أنفس المنفقين كانت محتسبة في تثبيتها أصحابها. فإن كان ذلك كان عنده معنى الكلام, فليس الاحتساب بمعنًى حينئذ للتثبيت، فيترجَم عنه به.* * *القول في تأويل قوله تعالى : كَمَثَلِ جَنَّةٍ بِرَبْوَةٍ أَصَابَهَا وَابِلٌ فَآتَتْ أُكُلَهَا ضِعْفَيْنِ فَإِنْ لَمْ يُصِبْهَا وَابِلٌ فَطَلٌّقال أبو جعفر: يعني بذلك جل وعز: ومثل الذين ينفقون أموالهم, فيتصدقون بها, ويُسبِّلُونها في طاعة الله بغير منٍّ على من تصدقوا بها عليه، ولا أذى منهم لهم بها، ابتغاء رضوان الله وتصديقًا من أنفسهم بوعده =( كمثل جنة ) .* * *و " الجنة ": البستان. وقد دللنا فيما مضى على أن " الجنة " البستان، بما فيه الكفاية من إعادته. (9) .* * *=( برَبْوة ) والرَّبوة من الأرض: ما نشز منها فارتفع عن السيل. وإنما وصفها بذلك جل ثناؤه, لأن ما ارتفع عن المسايل والأودية أغلظ, وجنان ما غُلظ من الأرض أحسنُ وأزكى ثمرًا وغرسًا وزرعًا، مما رقَّ منها, ولذلك قال أعشى بني ثعلبة في وصف روضة:مَا رَوْضَةٌ مِنْ رِيَاضِ الحَزْنِ مُعْشِبَةٌخَضْرَاءُ جَادَ عَلَيْهَا مُسْبِلٌ هَطِلُ (10)فوصفها بأنها من رياض الحزن, لأن الحزون: غرسها ونباتها أحسن وأقوى من غروس الأودية والتلاع وزروعها.* * *وفي" الربوة " لغات ثلاث, وقد قرأ بكل لغة منهنّ جماعة من القرأة, وهي" رُبوة " بضم الراء, وبها قرأت عامة قرأة أهل المدينة والحجاز والعراق.و " رَبوة " بفتح الراء, وبها قرأ بعض أهل الشام, وبعض أهل الكوفة, ويقال إنها لغة لتميم. و " رِبوه " بكسر الراء, وبها قرأ -فيما ذكر- ابن عباس.* * *قال أبو جعفر: وغير جائز عندي أن يقرأ ذلك إلا بإحدى اللغتين: إما بفتح " الراء ", وإما بضمها, لأن قراءة الناس في أمصارهم بإحداهما. وأنا لقراءتها بضمها أشدّ إيثارًا مني بفتحها, لأنها أشهر اللغتين في العرب. فأما الكسر، فإنّ في رفض القراءة به، دِلالةٌ واضحة على أن القراءة به غير جائزة.* * *وإنما سميت " الربوة " لأنها " ربت " فغلظت وعلت, من قول القائل: " ربا هذا الشيء يربو "، إذا انتفخ فعظُم.* * *وبنحو ما قلنا في ذلك قال أهل التأويل.* ذكر من قال ذلك:6074 - حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد في قوله: ( كمثل جنة بربوة )، قال: الربوة المكان الظاهرُ المستوي.6075 - حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا معمر قال، قال مجاهد: هي الأرض المستوية المرتفعة.6076 - حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد, عن قتادة: ( كمثل جنة بربوة ) يقولا بنشز من الأرض.6077 - حدثني المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا أبو زهير, عن جويبر, عن الضحاك: ( كمثل جنة بربوة ) والربوة: المكان المرتفع الذي لا تجري فيه الأنهار، (11) والذي فيه الجِنان.6078 - حدثني موسى قال، حدثنا عمرو قال، حدثنا أسباط, عن السدي قوله: (بربوة )، برابية من الأرض.6079 - حدثنا عن عمار قال، حدثنا ابن أبي جعفر, عن أبيه, عن الربيع: ( كمثل جنة بربوة )، والربوة النشز من الأرض.6080 - حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين, قال: حدثني حجاج, قال: قال ابن جريج, قال ابن عباس: ( كمثل جنه بربوة )، قال: المكان المرتفع الذي لا تجري فيه الأنهار.* * *وكان آخرون يقولون: هي المستوية.* ذكر من قال ذلك:6081 - حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا معمر, عن الحسن في قوله: ( كمثل جنه بربوة )، قال: هي الأرض المستوية التي تعلو فوق المياه.* * *قال أبو جعفر: وأما قوله: ( أصابها وابل ) فإنه يعني جل ثناؤه: أصاب الجنة التي بالربوة من الأرض، وابلٌ من المطر, وهو الشديد العظيم القطر منه. (12) .* * *وقوله: ( فآتت أكلها ضعفين )، فإنه يعني الجنة: أنها أضعف ثمرها ضعفين حين أصابها الوابل من المطر.* * *و " الأكل ": هو الشيء المأكول, وهو مثل " الرُّعْب والهُزْء "، (13) . وما أشبه ذلك من الأسماء التي تأتي على " فُعْل ". وأما " الأكل " بفتح " الألف " وتسكين " الكاف ", فهو فِعْل الآكل, يقال منه: " أكلت أكلا وأكلتُ أكلة واحدة ", كما قال الشاعر: (14) .وَمَا أَكْلَةٌ إنْ نِلْتُها بِغَنِيمَةٍ,وَلا جَوْعَةٌ إِنْ جُعْتُهَا بِغَرَام (15)ففتح " الألف "، لأنها بمعنى الفعل. ويدلك على أن ذلك كذلك قوله: " ولا جَوْعة ", وإن ضُمت الألف من " الأكلة " كان معناه: الطعام الذي أكلته, فيكون معنى ذلك حينئذ: ما طعام أكلته بغنيمة.* * *وأما قوله: ( فإن لم يصبها وابل فطلّ ) فإن " الطل "، هو النَّدَى والليِّن من المطر، كما: -6082 - حدثنا عباس بن محمد قال، حدثنا حجاج قال، قال ابن جريج: ( فطل ) ندى = عن عطاء الخراساني, عن ابن عباس.6083 - حدثني موسى قال، حدثنا عمرو قال، حدثنا أسباط، عن السدي: أما " الطل "، فالندى.6084 - حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد, عن قتادة: ( فإن لم يصبها وابل فطلّ )، أي طشٌ.6085 - حدثني المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا أبو زهير, عن جويبر, عن الضحاك: ( فطلّ ) قال: الطل: الرذاذ من المطر, يعني: الليّن منه.6086 - حدثت عن عمار قال، حدثنا ابن أبي جعفر, عن أبيه, عن الربيع: ( فطل) أي طشٌ.* * *قال أبو جعفر: وإنما يعني تعالى ذكره بهذا المثل: كما ضعَّفتُ ثمرة هذه الجنة التي وصفتُ صفتها حين جاد الوابل، فإن أخطأ هذا الوابل، فالطل كذلك. يضعِّف الله صَدقة المتصدِّق والمنفق ماله ابتغاء مرضاته وتثبيتًا من نفسه، من غير مَنِّ ولا أذى, قلَّت نفقته أو كثرت، لا تخيب ولا تُخلِف نفقته, كما تضعَّف الجنة التي وصف جل ثناؤه صفتها، قل ما أصابها من المطر أو كثُر لا يُخلِف خيرُها بحال من الأحوال.* * *وبنحو الذي قلنا في ذلك قال جماعة أهل التأويل.* ذكر من قال ذلك:6087 - حدثني موسى قال، حدثنا عمرو قال، حدثنا أسباط, عن السدي قوله: (فآتت أكلها ضعفين فإن لم يصبها وابل فطل )، يقول: كما أضعفتُ ثمرة تلك الجنة, فكذلك تُضاعف ثمرة هذا المنفق ضِعفين.6088 - حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد, عن قتادة: ( فآتت أكلها ضعفين فإن لم يصبها وابل فطل )، هذا مثل ضربه الله لعمل المؤمن, يقول: ليس لخيره خُلْف, كما ليس لخير هذه الجنة خُلْف على أيّ حال, إمَّا وابلٌ, وإمّا طلّ.6089 - حدثني المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا أبو زهير, عن جويبر, عن الضحاك, قال: هذا مثل من أنفق ماله ابتغاء مرضاة الله.6090 - حدثت عن عمار قال، حدثنا ابن أبي جعفر, عن أبيه, عن الربيع قوله: الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ . الآية, قال: هذا مثل ضربه الله لعمل المؤمن.* * *فإن قال قائل: وكيف قيل: ( فإن لم يصبها وابل فطل ) وهذا خبرٌ عن أمر قد مضى؟قيل: يراد فيه " كان ", ومعنى الكلام: فآتت أكلها ضعفين, فإن لم يكن الوابلُ أصابها, أصابها طل. وذلك في الكلام نحو قول القائل: " حَبَست فرسين, فإن لم أحبس اثنين فواحدًا بقيمته ", بمعنى: " إلا أكن " - لا بدَّ من إضمار " كان ", لأنه خبر. (16) . ومنه قول الشاعر: (17) .إِذَا مَا انْتَسَبْنَا لَمْ تَلِدْنِي لَئِيمَةٌوَلَمْ تَجِدِي مِنْ أَنْ تُقِرِّي بها بُدَّا (18)* * *القول في تأويل قوله : وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (265)قال أبو جعفر: يعني بذلك: ( والله بما تعملون ) أيها الناس، في نفقاتكم التي تنفقونها =( بصير ), لا يخفي عليه منها ولا من أعمالكم فيها وفي غيرها شيء، يعلم مَنِ المنفق منكم بالمنّ والأذى، والمنفق ابتغاء مرضاة الله وتثبيتًا من نفسه, فيُحصي عليكم حتى يجازيَ جميعكم جزاءه على عمله, إن خيرًا فخيرًا, وإن شرًّا فشرًّا.وإنما يعني بهذا القول جل ذكره, التحذيرَ من عقابه في النفقات التي ينفقها عباده وغير ذلك من الأعمال أن يأتي أحدٌ من خلقه ما قد تقدّم فيه بالنهي عنه, أو يفرّطَ فيما قد أمر به, لأن ذلك بمرأى من الله ومَسمَع, يعلمه ويحصيه عليهم, وهو لخلقه بالمرصاد. (19) .--------الهوامش:(1) في المطبوعة والمخطوطة : "طلب مرضاته ، وتثبيتًا يعنى بذلك وتثبيتًا من أنفسهم يعنى لهم وهو كلام مختل ، والظاهر أن الناسخ لجلج في كتابته فأعاد وكرر ، فحذفت"وتثبيتًا يعني بذلك" وأضفت"بذلك وتثبيتا" بعد"يعنى الثانية التي بقيت .(2) سيرة ابن هشام 4 : 16 ، وابن سعد 3/ 2 /81 ، والمختلف والمؤتلف للآمدي : 126 والاستيعاب 1 : 305 ، وطبقات فحول الشعراء : 188 ، من أبيات يثني فيها على رسول رب العالمين . وروى الآمدي وابن هشام السطر الثاني"في المرسلين ونصرًا كالذي نصروا" . ولما سمع رسول الله عليه وسلم هذا البيت ، أقبل عليه بوجهه مبتسمًا وقال : "وإياك فثبت الله" .(3) في المخطوطة : "فيثبتهم في إنفاق أموالهم..." ، وهو سهو من الناسخ ، أو خطأ في قراءة النسخة التي نقل عنها . وفي المطبوعة : "فثبتهم...وصحح عزمهم" ، فغير ما في المخطوطة ، وجعل"صححت" ، "صحح" ، لم يفهم ما أراد الطبري . وانظر التعليق التالي .(4) في المطبوعة : "وأراهم" ، ومثلها في المخطوطة ، والصواب"وآراءهم" كما أثبتها . يعنى أن نفوسهم صححت عزمهم وآراءهم في إنفاق أموالهم . وهذا ما يدل عليه تفسير الطبري . لقولهم"ثبت فلانا في الأمر" ، كما سلف منذ قليل .(5) "إياهم" مفعول المصدر"تثبيت" ، أي أن أنفسهم ثبتتهم في الإنفاق .(6) في المطبوعة : "إن كان على تفعلت" ، وأثبت ما في المخطوطة ، وعبارة الطبري عربية محكمة ، بمعنى : لأن المصدر من الكلام الذي كان..." .(7) في المطبوعة : "وليس قوله...كلامًا يجوز" بالنصب ، وفي المخطوطة : "وليس قوله...كلام يجوز" بالرفع ، وظاهر أن الصواب ما أثبت من زيادة : "في" ، بمعنى أنه ليس في الجملة فعل سابق يتوهم به أن المصدر معدول به عن بنائه .(8) سقط من الترقيم سهوا رقم : 6072 .(9) انظر ما سلف 1 : 384 .(10) ديوانه : 43 ، وسيأتي هو والأبيات التي تليه في التفسير 21 : 19 (بولاق) ، من قصيدته البارعة المشهورة . يصف شذا صاحبته حين تقوم :إِذَا تَقُومُ يَضُوعُ المِسْكُ أَصْوِرَةًوَالزَّنْبَقُ الوَرْدُ مِن أَرْدَانِهَا شَمِلُمَا رَوْضَةٌ مِن رِيَاضِ الحَزْنِ مُعْشِبَةٌخَضْرَاءُ جَادَ عَلَيْها مُسْبِلٌ هَطِلُيُضَاحِكُ الشَّمسَ مِنْهَا كَوْكَبٌ شَرِقٌمُؤَزَّرٌ بعَميم النَّبْتِ مُكْتَهِلُيَوْمًا بِأَطْيَبَ منها نَشْرَ رَائِحَةٍوَلا بِأَحْسَنَ مِنْهَا إِذْ دَنَا الأُْصُلُضاع المسك يضوع ، وتضوع : تحرك وسطع رائحته . وأصورة جمع صوار : وهو وعاء المسك ، أو القطعة منه . والورد : الأحمر ، وهو أجود الزنبق . وشمل : شامل ، عدل به من"فاعل" إلى"فعل" . والحزن : موضع في أرضى بني أسد وبني يربوع ، وهو أرض غليظة كثيرة الرياض ممرعة ، وهو مربع من أجل مرابع العرب . مسبل : مرسل ماء على الأرض . هطل : متفرق غزيز دائم= والكوكب : النور والزهر ، يلمع كأنه كوكب . شرق : ريان ، فهو أشد لبريقه وصفائه .مؤزر : قد صار عليه النبات كالإزار يلبسه اللابس ، تغطى الخضرة أعواده . ونبت عميم : ثم وطال والتف .واكتهل النور : بلغ منتهى نمائه ، وذلك أحسن له . يقول : ما هذه الروضة التي وصف زهرها ونباتها ما وصف... بأطيب من صاحبته إذا قامت في أول يومها ، حين تتغير الأفواه والأبدان من وخم النوم .والأصل جمع أصيل : وهو وقت العشي ، حين تفتر الأبدان من طول تعب يومها ، فيفسد رائحتها الجهد والعرق .(11) في المخطوطة : "الذي تجري فيه الأنهار" ، وأثبت ما في المطبوعة ، لأنه موافق ما في الدر المنثور 1 : 339 ، ولأنه هو صواب المعنى ، ولأنه سيأتي على الصواب بعد قليل في الأثر : 6080 .(12) انظر تفسير"وابل" فيما سلف قريبا ص : 524 .(13) في المطبوعة : "والهدء" ، وأثبت ما في المخطوطة . ولم يشر الطبري إلى ضم الكاف في"الأكل" وهي قراءتنا في مصحفنا .(14) أبو مضرس النهدي .(15) حماسة الشجري : 24 ، من أبيات جياد ، وقبله ، بروايته ، وهي التي أثبتها :وإنِّي لَمِنْ قَوْمٍ إذا حَارَبُوا العِدَىسَمَوا فَوْقَ جُرْدٍ للطِّعَانِ كِرَامِوإنِّي إذَا مَا القُوتُ قَلَّ لَمُؤْثِرٌرَفِيقِي عَلى نفْسِي بِجُلِّ طَعَامِيفمَا أكْلَةٌ إنْ نِلْتُهَا بِغَنِيمَةٍ. . . . . . . . . . . . . . . . . . .وكان في المطبوعة : "وما أكلة أكلتها" ، وفي المخطوطة : "وما أكله إن أكلتها" ، وظاهر أن الناسخ أخطأ فوضع"أكلتها" مكان"نلتها" ، وإن كلام الطبري في شرح البيت يوهم روايته : "وما أكلته أكلتها..." . وقوله : "بغرام" ، أي بعذاب شديد . والغرام : اللازم من العذاب والشر الدائم .(16) هذا كله في معاني القرآن للفراء 1 : 178 .(17) زائدة بن صعصعة الفقعسي .(18) سلف تخريجه وبيانه في 2 : 165 ، 353 .(19) في المطبوعة : "بخلقه" . لم يحسن قراءة المخطوطة .
2:266
اَیَوَدُّ اَحَدُكُمْ اَنْ تَكُوْنَ لَهٗ جَنَّةٌ مِّنْ نَّخِیْلٍ وَّ اَعْنَابٍ تَجْرِیْ مِنْ تَحْتِهَا الْاَنْهٰرُۙ-لَهٗ فِیْهَا مِنْ كُلِّ الثَّمَرٰتِۙ- وَ اَصَابَهُ الْكِبَرُ وَ لَهٗ ذُرِّیَّةٌ ضُعَفَآءُﳚ -فَاَصَابَهَاۤ اِعْصَارٌ فِیْهِ نَارٌ فَاحْتَرَقَتْؕ-كَذٰلِكَ یُبَیِّنُ اللّٰهُ لَكُمُ الْاٰیٰتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُوْنَ۠(۲۶۶)
کیا تم میں کوئی اسے پسند رکھے گا (ف۵۵۹) کہ اس کے پاس ایک باغ ہو کھجوروں اور انگوروں کا (ف۵۶۰) جس کے نیچے ندیاں بہتیں اس کے لئے اس میں ہر قسم کے پھلوں سے ہے (ف۵۶۱) اور اسے بڑھاپا آیا (ف۵۶۲) اور اس کے ناتوان بچے ہیں (ف۵۶۳) تو آیا اس پر ایک بگولا جس میں آگ تھی تو جل گیا (ف۵۶۴) ایسا ہی بیان کرتا ہے اللہ تم سے اپنی آیتیں کہ کہیں تم دھیان لگاؤ (ف۵۶۵)

القول في تأويل قوله : أَيَوَدُّ أَحَدُكُمْ أَنْ تَكُونَ لَهُ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنَابٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ لَهُ فِيهَا مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ وَأَصَابَهُ الْكِبَرُ وَلَهُ ذُرِّيَّةٌ ضُعَفَاءُ فَأَصَابَهَا إِعْصَارٌ فِيهِ نَارٌ فَاحْتَرَقَتْقال أبو جعفر: ومعنى ذلك: (20) . يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالأَذَى كَالَّذِي يُنْفِقُ مَالَهُ رِئَاءَ النَّاسِ وَلا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ صَفْوَانٍ عَلَيْهِ تُرَابٌ فَأَصَابَهُ وَابِلٌ فَتَرَكَهُ صَلْدًا لا يَقْدِرُونَ عَلَى شَيْءٍ مِمَّا كَسَبُوا =( أيود أحدكم أن تكون له جنة من نخيل وأعناب تجري من تحتها الأنهار له فيها من كل الثمرات وأصَابه الكبر)، الآية. (21)* * *ومعنى قوله: ( أيود أحدكم )، أيحب أحدكم، (22) . أن تكون له جنة - يعني بستانًا (23) . =( من نخيل وأعناب تجري من تحتها الأنهار )، يعني: من تحت الجنة =(وله فيها من كل الثمرات )، و " الهاء " في قوله: ( له ) عائدة على " أحد ", و " الهاء " و " الألف " في: ( فيها ) على الجنة,( وأصابه )، يعني: وأصاب أحدكم =( الكبر وله ذريه ضعفاء ).* * *وإنما جعل جل ثناؤه البستانَ من النخيل والأعناب = الذي قال جل ثناؤه لعباده المؤمنين: أيود أحدكم أن تكون له = (24) . مثلا لنفقة المنافق التي ينفقها رياء الناس, لا ابتغاء مرضاة الله, فالناس -بما يظهر لهم من صدقته, وإعطائه لما يعطى وعمله الظاهر - يثنون عليه ويحمدونه بعمله ذلك أيام حياته = (25) . في حسنه كحسن البستان وهي الجنة التي ضربها الله عز وجل لعمله مثلا (26) . من نخيل وأعناب, له فيها من كل الثمرات, لأن عمله ذلك الذي يعمله في الظاهر في الدنيا, له فيه من كل خير من عاجل الدنيا, يدفع به عن نفسه ودمه وماله وذريته, ويكتسب به المحمَدة وحسن الثناء عند الناس, ويأخذ به سهمه من المغنم مع أشياء كثيرة يكثر إحصاؤها, فله في ذلك من كل خير في الدنيا, كما وصف جل ثناؤه الجنة التي وصف مثلا لعمله, بأن فيها من كل الثمرات. (27) .* * *ثم قال جل ثناؤه: ( وأصابه الكبر وله ذرية ضعفاء)، يعني أنّ صاحب الجنة أصابه الكبر =( وله ذرية ضعفاء ) صغارٌ أطفال = (28) .( فأصابها ) يعني: فأصاب الجنة -( إعصار فيه نار فاحترقت )، يعني بذلك أنّ جنته تلك أحرقتها الريح التي فيها النار، في حال حاجته إليها, وضرورته إلى ثمرتها بكبره، وضعفه عن عمارتها, وفي حال صغر ولده وعجزه عن إحيائها والقيام عليها. فبقي لا شيء له، أحوج ما كان إلى جنته وثمارها، بالآفة التي أصابتها من الإعصار الذي فيه النار.يقول: فكذلك المنفق ماله رياء الناس, أطفأ الله نوره, وأذهب بهاء عمله, وأحبط أجره حتى لقيه, وعاد إليه أحوج ما كان إلى عمله, حين لا مُسْتَعْتَبَ له، (29) . ولا إقالة من ذنوبه ولا توبة, واضمحل عمله كما احترقت الجنة التي وصف جل ثناؤه صفتها عند كبر صاحبها وطفولة ذريته أحوجَ ما كان إليها فبطلت منافعها عنه.* * *وهذا المثل الذي ضربه الله للمنفقين أموالهم رياء الناس في هذه الآية، نظير المثل الآخر الذي ضربه لهم بقوله: فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ صَفْوَانٍ عَلَيْهِ تُرَابٌ فَأَصَابَهُ وَابِلٌ فَتَرَكَهُ صَلْدًا لا يَقْدِرُونَ عَلَى شَيْءٍ مِمَّا كَسَبُوا .* * *قال أبو جعفر: وقد تنازع أهل التأويل في تأويل هذه الآية, إلا أن معاني قولهم في ذلك وإن اختلفت تصاريفهم فيها عائدةٌ إلى المعنى الذي قلنا في ذلك, وأحسنهم إبانة لمعناها وأقربهم إلى الصواب قولا فيها السدي.6091 - حدثني موسى قال، حدثنا عمرو قال، حدثنا أسباط, عن السدي: ( أيود أحدكم أن تكون له جنةٌ من نخيل وأعناب تجري من تحتها الأنهار له فيها من كل الثمرات وأصابه الكبر وله ذرية ضعفاء فأصابها إعصار فيه نار فاحترقت ) هذا مثل آخر لنفقة الرياء. إنه ينفق ماله يرائي الناس به, فيذهب ماله منه وهو يرائي, فلا يأجره الله فيه. فإذا كان يوم القيامة واحتاجَ إلى نفقته, وجدها قد أحرقها الرياء, فذهبت كما أنفق هذا الرجل على جنته, حتى إذا بلغت وكثر عياله واحتاج إلى جنته جاءت ريح فيها سَموم فأحرقت جنته, فلم يجد منها شيئًا. (30) . فكذلك المنفق رياء.6092 - حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم, عن عيسى, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد في قول الله عز وجل: ( أيود أحدكم أن تكون له جنة من نخيل وأعناب ) كمثل المفرِّط في طاعة الله حتى يموت. قال، يقول: أيود أحدكم أن يكون له دنيا لا يعمل فيها بطاعة الله, كمثل هذا الذي له جنات تجري من تحتها الأنهار,( له فيها من كل الثمرات وأصابه الكبر وله ذرية ضعفاء فأصابها إعصارٌ فيه نار فاحترقت ), فمثله بعد موته كمثل هذا حين أحرقت جنته وهو كبير, لا يغني عنها شيئًا, وولده صغار لا يغنون عنها شيئًا, وكذلك المفرِّط بعد الموت كل شيء عليه حَسْرة.6093 - حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, مثله.6094 - حدثنا ابن حميد قال، حدثنا جرير, عن عبد الملك, عن عطاء, قال: سأل عُمر الناس عن هذه الآية فما وجد أحدًا يشفيه, حتى قال ابن عباس وهو خلفه: يا أمير المؤمنين، إنِّي أجد في نفسي منها شيئًا, قال: فتلفت إليه, فقال: تحوَّل ههنا، لم تحقّر نفسك؟ قال: هذا مثل ضربه الله عز وجل فقال: أيودُّ أحدكم أن يعمل عمره بعمل أهل الخير وأهل السعادة, حتى إذا كان أحوجَ ما يكون إلى أن يختمه بخير حين فني عمره, واقترب أجله, ختم ذلك بعمل من عمل أهل الشقاء، فأفسده كله فحرقه أحوج ما كان إليه.6095 - حدثنا ابن وكيع قال: حدثنا أبي، عن محمد بن سليم، عن ابن أبي مليكة: أن عمر تلا هذه الآية: " أيود أحدكم أن تكون له جنة من نخيل وأعناب "، قال: هذا مثل ضرب للإنسان: يعمل عملا صالحًا، حتى إذا كان عنده آخر عمره أحوجَ ما يكون إليه، عمل عمل السوء. (31) .6096 - حدثني المثنى، قال: حدثنا سويد، قال: أخبرنا ابن المبارك، عن ابن جريج، قال: سمعت أبا بكر بن أبي مليكة يخبر عن عبيد بن عمير أنه سمعه يقول: سأل عمر أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: فيم تَرَون أنزلت: " أيود أحدكم أن تكون له جنة من نخيل وأعناب " ؟ فقالوا: الله أعلم. فغضب عمر فقال: قولوا: " نعلم " أو " لا نعلم ". فقال ابن عباس: في نفسي منها شيء، يا أمير المؤمنين. فقال عمر: قل يا ابن أخي، ولا تحقِّر نفسك! قال ابن عباس: ضربت مثلا لعمل. قال عمر: أي عمل؟ قال: لعمل. فقال عمر: رجل عنيٌّ يعمل الحسنات، ثم بعث الله له الشيطان، فعمل بالمعاصي حتى أغرق أعماله كلها= قال: وسمعت عبد الله بن أبي مليكة يحدث نحو هذا عن ابن عباس، سمعه منه. (32) .6097 - حدثنا القاسم، قال: حدثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، قال: سمعت أبا بكر بن أبي مليكة يخبر أنه سمع عبيد بن عمير= قال: ابن جريج: وسمعت عبد الله بن أبي مليكة، قال: سمعت ابن عباس= قالا جميعًا: إن عمر بن الخطاب سأل أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر نحوه= إلا أنه قال عمر: للرجل يعمل بالحسنات، ثم يُبعث له الشيطان فيعمل بالمعاصي. (33) .6098 - حدثنا القاسم، قال: حدثنا الحسين، قال: حدثني حجاج، عن ابن جريج، قال: سألت عطاء عنها= ثم قال ابن جريج: وأخبرني عبد الله بن كثير، عن مجاهد= قالا ضربت مثلا للأعمال = قال ابن جريج: وقال ابن عباس: ضربت مثلا للعمل، يبدأ فيعمل عملا صالحًا، فيكون مثلا للجنة التي من نخيل وأعناب تجري من تحتها الأنهار، له فيها من كل الثمرات - ثم يسيء في آخر عمره، فيتمادى على الإساءة حتى يموت على ذلك، فيكون الإعصار الذي فيه النار التي أحرقت الجنة، مثلا لإساءته التي مات وهو عليها. قال ابن عباس: الجنة عيشُه وعيش ولده فاحترقت، فلم يستطع أن يدفع عن جنته من أجل كبره، ولم يستطع ذريته أن يدفعوا عن جنتهم من أجل صغرهم حتى احترقت.يقول: هذا مثله، تلقاه وهو أفقر ما كان إليّ، فلا يجد له عندي شيئًا، (34) ولا يستطيع أن يدفع عن نفسه من عذاب الله شيئًا، ولا يستطيع من كبره وصغر أولاده أن يعملوا جنة، (35) كذلك لا توبة إذا انقطع العمل حين مات= قال ابن جريج، عن مجاهد: سمعت ابن عباس قال: هو مثل المفرِّط في طاعة الله حتى يموت = قال ابن جريج، وقال مجاهد: أيود أحدكم أن تكون له دنيا لا يعمل فيها بطاعة الله، كمثل هذا الذي له جنة ؟ فمثله بعد موته كمثل هذا حين أحرقت جنته وهو كبير لا يغني عنها شيئًا، (36) وأولاده صغار ولا يغنون عنه شيئًا. وكذلك المفرِّط بعد الموت، كل شيء عليه حسرة.6099 - حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة قوله: " أيود أحدكم أن تكون له جنة من نخيل وأعناب تجري من تحتها الأنهار " الآية، يقول: أصابها ريح فيها سموم شديدة (37) كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ ،: فهذا مثلٌ، فاعقلوا عن الله جل وعز أمثاله، فإنه قال: وَتِلْكَ الأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلا الْعَالِمُونَ [سورة العنكبوت: 43]، هذا رجل كبرت سنه، ورَقَّ عظمه، وكثر عياله، (38) ثم احترقت جنته على بقية ذلك، كأحوج ما يكون إليه، يقول: أيحب أحدكم أن يضلَّ عنه عمله يوم القيامة كأحوج ما يكون إليه؟6100 - حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن قتادة في قوله: " أيود أحدكم أن تكون له جنةٌ" إلى قوله: " فاحترقت " يقول: فذهبت جنته كأحوج ما كان إليها حين كبرت سِنُّه وضعُف عن الكسب=" وله ذرية ضعفاء " لا ينفعونه. قال: وكان الحسن يقول: " فاحترقت " فذهبت أحوجَ ما كان إليها، فذلك قوله: أيود أحدكم أن يذهب عمله أحوجَ ما كان إليه؟6101 - حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس: ضرب الله مثلا حسنًا، وكل أمثاله حسنٌ تبارك وتعالى. وقال قال: (39) " أيود أحدكم أن تكون له جنة من نخيل " إلى قوله: " فيها من كل الثمرات " يقول: صنعه في شبيبته، فأصابه الكبر وله ذرية ضعفاء عند آخر عمره، فجاءه إعصار فيه نار فاحترق بستانه، فلم يكن عنده قوة أن يغرس مثله، ولم يكن عند نسله خير يعودون عليه. وكذلك الكافر يوم القيامة، إذا رُدّ إلى الله تعالى ليس له خيرٌ فيستعتب، (40) كما ليس له قوة فيغرس مثل بستانه، (41) ولا يجد خيرًا قدم لنفسه يعود عليه، كما لم يغن عن هذا ولده، وحُرِم أجره عند أفقرِ ما كان إليه، كما حرم هذا جنته عند أفقر ما كان إليها عند كبره وضعف ذريته. وهو مثل ضربه الله للمؤمن والكافر فيما أوتيا في الدنيا: كيف نجَّى المؤمنَ في الآخرة، وذخر له من الكرامة والنعيم، وخزَن عنه المال في الدنيا، وبسط للكافر في الدنيا من المال ما هو منقطعٌ، وخزَن له من الشر ما ليس بمفارقه أبدًا، ويخلد فيها مهانًا، من أجل أنه [ فخر على صاحبه] ووثق بما عنده، (42) ولم يستيقن أنه ملاق ربه. (43) .6102 - حدثت عن عمار، قال: حدثنا ابن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع: " أيود أحدكم أن تكون له جنة "، الآية، قال: [هذا مثل ضربه الله]: أيود أحدكم أن تكون له جنة من نخيل وأعناب [ له فيها من كل الثمرات]، والرجل [قد كبر سنه وضعف]، وله أولاد صغار [وابتلاهم الله] في جنتهم، (44) فبعث الله عليها إعصارًا فيه نار فاحترقت، (45) فلم يستطع الرجل أن يدفع عن جنته من الكبر، (46) ولا ولده لصغرهم، فذهبت جنته أحوجَ ما كان إليها. يقول: أيحب أحدكم أن يعيش في الضلالة والمعاصي حتى يأتيه الموت، فيجيء يوم القيامة قد ضلّ عنه عمله أحوجَ ما كان إليه؟ فيقول: ابن آدم، أتيتني أحوجَ ما كنت قطُّ إلى خير، فأين ما قدمت لنفسك؟6103 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد: وقرأ قول الله عز وجل: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالأَذَى ، ثم ضرب ذلك مثلا فقال: " أيود أحدكم أن تكون له جنّة من نخيل وأعناب "، حتى بلغ " فأصابها إعصار فيه نار فاحترقت ". قال: جرت أنهارها وثمارها، وله ذرية ضعفاء، فأصابها إعصار فيه نار فاحترقت. أيودُّ أحدكم هذا؟ كما يتجمَّل أحدكم إذ يخرُج من صدقته ونفقته، (47) حتى إذا كان له عندي جنّة وجرت أنهارها وثمارها،وكانت لولده وولد ولده أصابها ريح إعصار فحرقها.6104 - حدثني المثنى، قال: حدثنا إسحاق، قال: حدثنا زهير، عن جويبر، عن الضحاك في قوله: " أيود أحدكم أن تكون له جنة من نخيل وأعناب تجري من تحتها الأنهار "، رجل غرس بستانًا فيه من كل الثمرات، فأصابه الكبر، وله ذرية ضعفاء، فأصابها إعصار فيه نار فاحترقت، فلا يستطيع أن يدفع عن بستانه من كبره، ولم يستطع ذريته أن يدفعوا عن بستانه، فذهبت معيشته ومعيشة ذريته. فهذا مثل ضربه الله للكافر، يقول: يلقاني يوم القيامة وهو أحوج ما يكون إلى خير يصيبه، فلا يجد له عندي خيرًا، ولا يستطيع أن يدفع عن نفسه من عذاب الله شيئًا.* * *قال أبو جعفر: وإنما دللنا أن الذي هو أولى بتأويل ذلك ما ذكرناه، لأن الله جل ثناؤه تقدَّم إلى عباده المؤمنين بالنهي عن المنّ والأذى في صدقاتهم، ثم ضرب مثلا لمن منَّ وآذى من تصدق عليه بصدقة، فمثَّله بالمرائي من المنافقين المنفقين أموالهم رئاء الناس. وكانت قصة هذه الآية وما قبلها من المثل، نظيرةَ ما ضرب لهم من المثل قبلها، فكان إلحاقُها بنظيرتها أولى من حمل تأويلها على أنه مثلُ ما لم يَجر له ذكر قبلها ولا معها. (48)* * *فإن قال لنا قائل: وكيف قيل: " وأصابه الكبر "، وهو فعل ماض، فعطف به على قوله: " أيود أحدكم "؟قيل: إن ذلك كذلك، لأن قوله: " أيود "، يصح أن يوضع فيه " لو " مكان " أن " فلما صلحت ب " لو " و " أن " ومعناهما جميعًا الاستقبال، استجازت العرب أن يردّوا " فعل " بتأويل " لو " على " يفعل " مع " أن " (49) فلذلك قال: " فأصابها "، وهو في مذهبه بمنزلة " لو "، إذْ ضارعت " أن " في معنى الجزاء، فوضعت في مواضعها، وأجيبت " أن " بجواب " لو " و " لو " بجواب " أن "، فكأنه قيل: أيود أحدكم لو كانت له جنة من نخيل وأعناب، تجري من تحتها الأنهار، له فيها من كل الثمرات وأصابه الكبر؟ (50) .فإن قال: وكيف قيل ههنا: " وله ذرية ضعفاء "، وقال في [النساء:9]، وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافًا ؟قيل: لأن " فعيلا " يجمع على " فعلاء " و " فِعال "، فيقال: " رجل ظريف من قوم ظرفاء وظراف ".* * *وأما " الإعصار "، فإنه الريح العاصف، تهب من الأرض إلى السماء كأنها عمود، تجمع " أعاصير "، ومنه قول يزيد بن مفرغ الحميري:أُنَاسٌ أَجَارُونَا فَكَانَ جِوارُهُمْأَعَاصِيرَ مِنْ فَسْوِ العِرَاقِ المُبَذَّرِ (51)* * *قال أبو جعفر: واختلف أهل التأويل في تأويل قوله: " إعصار فيه نار فاحترقت " .فقال بعضهم: معنى ذلك: ريح فيها سموم شديدةٌ.* ذكر من قال ذلك:6105 - حدثني محمد بن عبد الله بن بزيع، قال: حدثنا يوسف بن خالد السمتي، قال: حدثنا نافع بن مالك، عن عكرمة، عن ابن عباس في قوله: " إعصار فيه نار "، ريح فيها سموم شديدةٌ.6106 - حدثنا أبو كريب، قال: حدثنا ابن عطية، قال: حدثنا إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن التميمي، عن ابن عباس في: " إعصارٌ فيه نار "، قال: السموم الحارة التي خلق منها الجانّ، التي تحرق.6107 - حدثنا أحمد (52) قال: حدثنا أبو أحمد، قال: حدثنا شريك، عن أبي إسحاق، عن التميمي، عن ابن عباس: " فأصابها إعصار فيه نار فاحترقت "، قال: هي السموم الحارة التي لا تبقى أحدًا. (53) .6108 - حدثنا المثنى، قال: حدثنا الحماني، قال: حدثنا شريك، عن أبي إسحاق، عن التميمي، عن ابن عباس: " إعصار فيه نار فاحترقت " التي تقتل.6109 - حدثنا أحمد بن إسحاق، قال: حدثنا أبو أحمد، قال: حدثنا إسرائيل، عن أبي إسحاق، عمن ذكره، عن ابن عباس، قال: إن السموم التي خلق منها الجان جزء من سبعين جزءًا من النار.6110 - حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس: " إعصار فيه نار فاحترقت "، هي ريح فيها سموم شديدٌ.6111 - حدثنا القاسم، قال: حدثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، قال: قال ابن عباس: " إعصار فيه نار "، قال: سموم شديد.6112 - حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة: " إعصار فيه نار "، يقول: أصابها ريح فيها سموم شديدة.6113 - حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن قتادة، نحوه.6114 - حدثني موسى، قال: حدثنا عمرو، قال: حدثنا أسباط، عن السدي: " إعصار فيه نار فاحترقت " أما الإعصار فالريح، وأما النار فالسموم.6115 - حدثت عن عمار، قال: حدثنا ابن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع: " إعصار فيه نار "، يقول: ريح فيها سموم شديد.* * *وقال آخرون: هي ريح فيها برد شديد.* ذكر من قال ذلك:6116 - حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، قال: كان الحسن يقول في قوله: " إعصار فيه نار فاحترقت "، فيها صِرٌّ وبرد. (54)6117 - حدثني المثنى، قال: حدثنا إسحاق، قال: حدثنا أبو زهير، عن جويبر، عن الضحاك: " إعصار فيه نار فاحترقت "، يعني بالإعصار، ريح فيها بَرْدٌ.* * *القول في تأويل قوله : كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ (266)قال أبو جعفر: يعني بذلك جل ثناؤه: كما بيَّن لكم ربُّكم تبارك وتعالى أمَر النفقة في سبيله، وكيف وجْهُها، وما لكم وما ليس لكم فعله فيها = كذلك يبين لكم الآيات سوى ذلك، فيعرّفكم أحكامها وحلالها وحرامها، ويوضح لكم حُججها، إنعامًا منه بذلك عليكم =" لعلكم تتفكرون "، يقول: لتتفكروا بعقولكم، فتتدبّروا وتعتبروا بحجج الله فيها، وتعملوا بما فيها من أحكامها، فتطيعوا الله به.* * *وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.* ذكر من قال ذلك:6118 - حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا الثوري، قال: قال مجاهد: " لعلكم تتفكرون " قال: تطيعون.6119 - حدثني المثنى، قال: حدثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس: " كذلك يبين الله لكم الآيات لعلكم تتفكرون " يعني في زوال الدنيا وفنائها، وإقبال الآخرة وبقائها.------------(20) في المطبوعة : "يعنى تعالى ذكره" . لا أدرى لم غيره الطابع .(21) يعنى أبو جعفر : أن هذه الآية ، مردودة على الآية السابقة التي ساقها .(22) انظر تفسير"ود" فيما سلف 2 : 470 .(23) انظر تفسير"جنة" فيما سلف قريبا : 535 تعليق : 1 ، ومراجعه .(24) وضعت هذا الرقم على هذه المواضع جميعًا لكي أبين سياق هذه الجملة المتراكبة ، وهذا سياقها ، وما بين ذلك فصول متتابعة : "وإنما جعل ثناؤه البستان... مثلا لنفقة المنافق... في حسنه كحسن البستان وهي الجنة... من نخيل وأعناب..." .(25) وضعت هذا الرقم على هذه المواضع جميعا لكي أبين سياق هذه الجملة المتراكبة ، وهذا سياقها ، وما بين ذلك فصول متتابعة : "وإنما جعل ثناؤه البستان... مثلا لنفقة المنافق... في حسنه كحسن البستان وهي الجنة... من نخيل وأعناب..." .(26) وضعت هذا الرقم علىهذه المواضع جميعا لكي أبين سياق هذه الجملة المتراكبة ، وهذا سياقها ، وما بين ذلك فصول متتابعة : "وإنما جعل ثناؤه البستان... مثلا لنفقة المنافق... في حسنه كحسن البستان وهي الجنة... من نخيل وأعناب..." .(27) في المطبوعة والمخطوطة : "بعمله" والصواب ما أثبت ، وسياق الجملة : "كما وصف جل ثناؤه الجنة ، ... بأن فيها من كل الثمرات" .(28) قد مضت"ذرية" فيما سلف 3 : 19 ، 73 ، ولم يفسرها . وذلك من اختصاره لتفسيره كما بينا في مقدمة الجزء الأول ، وكما جاء في ترجمته .(29) لا مستعتب : أي لا استقالة ولا استدراك ولا استرضاء لله تعالى : من قولهم : "استعتبت فلانًا" أي استقلت مما فعلت ، وطلبت رضاه ، ورجعت عن الإساءة إليه .(30) في المخطوطة : "ريح فيها سمره" الهاء الأخيرة متصلة بالراء ، ولم أجد لها وجها ، والذي في المطبوعة ، هو ما في الدر المنثور 1 : 340 ، وفي سائر الآثار الأخرى .(31) الأثر : 6095 -"محمد بن سليم المكي أبو عثمان" . روي عن ابن أبي مليكة ، قال الحافظ ابن حجر : "ولم أر له رواية عن غيره" . روى عنه وكيع بن الجراح ، وعبد الله بن داود الخريبي ، وأبو عاصم النبيل . مترجم في التهذيب . وهذا الأثر أشار إليه في الفتح 8 : 151 في كلامه عن الأثر : 6096 .(32) الأثر : 6096 -رواه البخاري من طريق هشام بن يوسف ، عن ابن جريج ، وأشار الحافظ في الفتح 8 : 151 ، إلى رواية الطبري له من طريق ابن المبارك ، عن ابن جريج . وكان فيالمطبوعة : "رحل عنى" مهملة ، والصواب ما أثبت من المراجع . وانظر التعليق التالي .(33) الأثر : 6097 -رواه الحاكم في المستدرك 2 : 283 ، وأشار إليه الحافظ في الفتح 8 : 151 وهو مكرر الذي قبله . وسلقه الحاكم بلفظة وقال"وهذا حديث صحيح على شرط الشيخين ، ولم يخرجاه" ووافقه الذهبي .(34) في المطبوعة : "تلقاه" ، وفي المخطوطة "للعال" مصحفة مضطربة الخط ، وهذا صواب قراءتها .(35) في المخطوطة : "من كبره وصغره أن يعملوا جنته" ، وما في المطبوعة أشبه بالصواب .(36) في المطبوعة : "حين أحرقت جنته" ، وأثبت ما في المخطوطة .(37) في المطبوعة : "سموم شديدة" ، و"السموم" مذكر ، ويؤنث ، لمعنى الريح الحارة .(38) في المخطوطة والمطبوعة : "دق عظمه" ، والصواب بالراء ، وفي حديث عثمان : "كبرت سني ، ورق عظمي" ، وقولهم : "رق عظم فلان" ، أي كبر وضعف . والرقق (بفتحتين) . ضعف العظام ، قال الشاعر في ناقته: خَطَّارَةٌ بَعْدَ غِبّ الجَهْدِ نَاجِيةٌلم تَلْقَ فِي عَظْمِهَا وَهْنًا وَلا رَقَقَا.(39) في المخطوطة : "وقال قال أيوب : أيود أحدكم" ، وقوله : "أيوب" لا معنى له هنا ، ليس في هذا الإسناد من اسمه"أيوب" ، ولو كان أيضًا ، لكان سياقًا مضطربًا . وظاهر أن"أيوب" هي"أيود" ، والناسخ في هذا الموضع قد اضطرب . كما سترى في التعليق التالي . وصحته ما جاء في الدر المنثور 1 : 340 ، كما سترى بعد .(40) كان بين الكلمات في المخطوطة بياض هكذا : "ذرية ضعفاء عمره فجاءه إعصار فيه نار فاحترقت عنده قوة إن نسله خير يعودون الكافر يوم القيامة إذا رد إلى خير فيستعتب"، وهو مع البياض خلط من الكلام ! وأثبت ما في المطبوعة، وهو نص الأثر كما أخرجه السيوطي في الدر المنثور 1: 340 ، ونسبه لابن جرير ، وأبي حاتم . وابن كثير في التفسير 2: 38، 39 .(41) في المخطوطة والمطبوعة : "كما ليس له قوة" ، والصواب من الدر المنثور ، وابن كثير .(42) الذي بين القوسين هو ما ثبت في المطبوعة ، أما المخطوطة فكانت : "من أكل أنه ووثق بما عنده" بياض . ولم أجد بقية الأثر في المراجع السالفة ، فتركت ما استظهره طابع المطبوعة على حاله . ولو استظهرته لقلت : "من أجل أنه كفر بلقاء ربه" ، والله أعلم .(43) الأثر : 6101 -في الدر المنثور 1 : 340 ، وابن كثير 2 : 38 ، 39 ، كما أسلفت .(44) الذي وضعته بين الأقواس ، هو ما استظهر الطابع في المطبوعة فيما أرجح ، وكان مكانه في المخطوطة بياض .(45) كان في المخطوطة : "فبعث الله عنها إعصار فيه نار" ، وهو تحريف وخطأ ، وما في المطبوعة أشبه بالصواب .(46) في المخطوطة : "من الكفر" . وهو خطأ بين .(47) في المطبوعة"فما يحمل" ، وفي المخطوطة"كما يحمل" ، ثم فيهما جميعًا : "أن يخرج" ، وهو كلام لا مفهوم له . واستظهرت قراءاتها كذلك ، لأن الذي يخرج نفقته رئاء الناس ، إنما يتجمل بذلك عندهم . وهذا هو الصواب سياق الأثر . والمخطوطة كما تبين من التعليقات السالفة ، فاسدة كل الفساد من اضطراب كتابة الناسخ ، ومن عجلته ، أو عجزه عن قراءة النسخة التي نقل عنها .(48) انظر ما قاله القرطبي في تفسيره 3 : 318 ، في رد اختيار ابن جرير في تفسيره . ومذهب ابن جرير أوثق وأضبط في البيان ، وفي الاستدلال .(49) أي : أن يردوا الفعل الماضي بتأويل"لو" على الفعل المضارع مع"أن" .(50) هذا نص مقالة الفراء في معاني القرآن 1 : 175 ، وقد استوفى الباب هناك . وانظر ما سلف في جواب"لو" بالماضي من الفعل 2 : 458 /3 : 184 ، 185 ، والتعليق هناك .(51) تاريخ الطبري 6 : 178 ، والأغاني 17 : 178 : وسيأتي في التفسير 15 : 53 مصحفًا أيضًا : "من فسق العراق المبذر" . والبيت في المطبوعة والمخطوطة هنا : "من سوء العراق المنذر" ، وهو كلام بلا معنى ، ولكنى رأيت شارحًا شرحه على ذلك ، فأشهد الله كاد يقتلني من فرط الضحك ! وهو من أبيات ثلاثة قالها ابن مفرغ في خبره مع بن زياد ، حين هجاه ، وهجا معاوية بن أبي سفيان (وانظر ما سلف 4 : 293 وتعليق : 2) وفارق عبادًا مقبلًا إلى البصرة ، فطاف بأشرافها من قريش يسجير بهم ، فما كان منهم إلا الوعد ، ثم أتي المنذر بن الجارود (من عبد القيس) فأجاره وأدخله داره ، ووشى الوشاة به إلى عبيد الله بن زيادة أنه دار المنذر . وكان المنذر في مجلس عبيد الله ، فلم يشعر إلى بابن مفرغ قد أقيم على رأسه ، فقام المنذر فقال : أيها الأمير ، قد أجرته! فقال : يا منذر ، واله يمدحنك وأباك ويهجوني أنا وأبي ، ثم تجيره على ! فأمر به فسقى دواء وحمل على حمار يطاف به وهو يسلح في ثيابه من جراء الدواء ، فقال عندئذ لعبيد الله بن زياد: يَغْسِلُ المَاءُ مَا صَنَعْتَ وَقَولِيراَسِخٌ مِنْكَ فِي العِظَامِ البَوالِىثم هجا المنذر بن الجارود فقال: تَرَكْتُ قُرَيْشًا أَنْ أُجَاوِرَ فِيهمُوَجَاورْتُ عبدَ القَيْس أَهْلَ المُشَقَّرِأُناسٌ أَجَارُونَا فَكَانَ جِوَارُهُمْأَعَاصِيرَ مِنْ فَسْوِ العِرَاقِ المبَذَّرِفَأَصْبَحَ جَارِي مِنْ جَذِيمةَ نَائمًاولا يمنَعُ الجِيرَانَ غَيْرُ المُشَمِّرِوقوله : "من فسو العراق" ، وذلك أن عبد القيس ونبي حنيفة وغيرهم من أهل البحرين وما جاورها ، كانوا يعيرون بالفسو ، لأن بلادهم بلاد نخل فيأكلونه ، ويحدث في أجوافهم الرياح والقراقير . والمبذر : من التبذير ، وهو الإسراف في المال وتشتيه وتفريقه . وهذه صفة قد انتزعها ابن مفرغ أحسن انتزاع في هذا الموضع ، فجعلت سخرتته بالمنذر بن الجارود ، ألذع ما تكون ، مع روعة قوله : "أعاصير"!!قد جاء الأخطل بعد ذلك فهجا ابنه أيضًا مالك بن المنذر بن الجارود ، فقال له: وَعَبْدُ القَيْسِ مُصْفَرٌ لِحَاهَاكَأَنَّ فُسَاءَهَا قِطَعُ الضَّبَابِ!!فبلغ منه ما بلغ!! ، وانظر طبقات فحول الشعراء : 298 ، 299 ، والتعليق هناك .(52) في المطبوعة والمخطوطة : "حدثنا حميد" ، والصواب : "أحمد" ، وهو : "أحمد بن إسحق الأهوازي" ، كما سلف مئات من المرات في روايته عن أبي أحمد الزبيري ، فاطلبه في الفهارس ، وانظر الآتي رقم : 6109 .(53) في المطبوعة حذف قوله : "لا تبقي أحدًا" ، وعلق عليه بقوله : "في بعض النسخ زيادة : "التي لا تضر أحدًا" ، وهي في المخطوطة كذلك ، ولكن الناسخ أفسد الكلمة ، وصوابها كما أثبت : "لا تبقى أحدًا" . وسيأتي في حديث التميمي عن عباس ، وهو الحديث التالي : "التي تقتل" . فهذا هذا .(54) الصر (بكسر الصاد) . البرد الذي يضرب النبات ويحرقه .
2:267
یٰۤاَیُّهَا الَّذِیْنَ اٰمَنُوْۤا اَنْفِقُوْا مِنْ طَیِّبٰتِ مَا كَسَبْتُمْ وَ مِمَّاۤ اَخْرَجْنَا لَكُمْ مِّنَ الْاَرْضِ۪-وَ لَا تَیَمَّمُوا الْخَبِیْثَ مِنْهُ تُنْفِقُوْنَ وَ لَسْتُمْ بِاٰخِذِیْهِ اِلَّاۤ اَنْ تُغْمِضُوْا فِیْهِؕ-وَ اعْلَمُوْۤا اَنَّ اللّٰهَ غَنِیٌّ حَمِیْدٌ(۲۶۷)
اے ایمان والو! اپنی پاک کمائیوں میں سے کچھ دو (ف۵۶۶) اور اس میں سے جو ہم نے تمہارے لئے زمین سے نکالا (ف۵۶۷) اور خاص ناقص کا ارادہ نہ کرو کہ دو تو اس میں سے (ف۵۶۸) اور تمہیں ملے تو نہ لوگے جب تک اس میں چشم پوشی نہ کرو اور جان رکھو کہ اللہ بے پروانہ سراہا گیا ہے۔

القول في تأويل قوله : يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُواقال أبو جعفر: يعني جل ثناؤه بقوله: " يا أيها الذين آمنوا "، صدقوا بالله ورسوله وآي كتابه.* * *ويعني بقوله: " أنفقوا "، زكُّوا وتصدقوا، كما:-6120 - حدثني المثنى، قال: حدثنا عبد الله، قال: حدثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس قوله: " أنفقوا من طيبات ما كسبتم " يقول: تصدَّقوا.* * *القول في تأويل قوله : مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْيعني بذلك جل ثناؤه: زكوا من طيّب ما كسبتم بتصرُّفكم= إما بتجارة، وإما بصناعة= من الذهب والفضة.ويعني ب " الطيبات "، الجياد، يقول: زكوا أموالكم التي اكتسبتموها حلالا وأعطوا في زكاتكم الذهبَ والفضة، الجيادَ منها دون الرديء، كما:-6121 - حدثنا محمد بن المثنى، قال: حدثنا محمد بن جعفر، عن شعبة، عن الحكم، عن مجاهد في هذه الآية: " يا أيها الذين آمنوا أنفقوا من طيبات ما كسبتم " قال: من التجارة.6122 - حدثني موسى بن عبد الرحمن، قال: حدثنا زيد بن الحباب، قال: وأخبرني شعبة، عن الحكم، عن مجاهد، مثله.6123 - حدثني حاتم بن بكر الضبّي، قال: حدثنا وهب، عن شعبة، عن الحكم، عن مجاهد ، مثله.6124 - حدثني المثنى، قال: حدثنا آدم، قال: حدثنا شعبة، عن الحكم، عن مجاهد في قوله: " أنفقوا من طيبات ما كسبتم "، قال: التجارة الحلال.6125 - حدثنا محمد بن بشار، قال: حدثنا عبد الرحمن، قال: حدثنا سفيان، عن عطاء بن السائب، عن عبد الله بن معقل: " أنفقوا من طيبات ما كسبتم "، قال: ليس في مال المؤمن من خبيث، ولكن لا تيمموا الخبيث منه تنفقون.6126 - حدثني عصام بن روّاد بن الجراح، قال: حدثنا أبي، قال: حدثنا أبو بكر الهذلي، عن محمد بن سيرين، عن عبيدة، قال: سألت علي بن أبي طالب صلوات الله عليه عن قوله: " يا أيها الذين آمنوا أنفقوا من طيبات ما كسبتم " قال: من الذهب والفضة.6127 - حدثني محمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، عن عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قوله: " من طيبات ما كسبتم "، قال: التجارة.6128 - حدثني المثنى، قال: حدثنا أبو حذيفة، قال: حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله.6129 - حدثني المثنى، قال: حدثنا عبد الله بن صالح، قال: ثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس قوله: " أنفقوا من طيبات ما كسبتم " يقول: من أطيب أموالكم وأنفَسِه. (55) .6130 - حدثني موسى، قال: حدثنا عمرو، قال: حدثنا أسباط، عن السدي: " يا أيها الذين آمنوا أنفقوا من طيبات ما كسبتم "، قال: من هذا الذهب والفضة. (56) .* * *القول في تأويل قوله جل وعز : وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الأَرْضِقال أبو جعفر: يعني بذلك جل ثناؤه: وأنفقوا أيضا مما أخرجنا لكم من الأرض، فتصدقوا وزكوا من النخل والكرم والحنطة والشعير، وما أوجبت فيه الصدقة من نبات الأرض. كما:-6131 - حدثني عصام بن رواد، قال: ثني أبي، قال: حدثنا أبو بكر الهذلي، عن محمد بن سيرين، عن عبيدة، قال: سألت عليا صلوات الله عليه عن قول الله عز وجل: " ومما أخرجنا لكم من الأرض "، قال: يعني من الحب والثمر وكل شيء عليه زكاة.6132 - حدثني محمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، عن عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد قوله: " ومما أخرجنا لكم من الأرض "، قال: النخل.6133 - حدثنا القاسم، قال: حدثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد: " ومما أخرجنا لكم من الأرض "، قال: من ثمر النخل.6134 - حدثنا القاسم، قال: حدثنا الحسين، قال: حدثنا هشيم، قال: حدثنا شعبة، عن الحكم، عن مجاهد قوله: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ ، قال: من التجارة=" ومما أخرجنا لكم من الأرض "، من الثمار.6135 - حدثني موسى، قال: حدثنا عمرو، قال: حدثنا أسباط، عن السدي: " ومما أخرجنا لكم من الأرض "، قال: هذا في التمر والحب.* * *القول في تأويل قوله جل وعز : وَلا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَقال أبو جعفر: يعني بقوله جل ثناؤه " ولا تيمموا الخبيث "، ولا تعمدوا، ولا تقصدوا.* * *وقد ذكر أن ذلك في قراءة عبد الله: ( ولا تؤموا) من " أممت "، (57) وهذه من " يممت "، (58) والمعنى واحد وإن اختلفت الألفاظ.* * *يقال: " تأممت فلانا "، و " تيممته "، و " أممته "، بمعنى: قصدته وتعمدته، كما قال ميمون بن قيس الأعشى:تيممت قيسا وكم دونهمن الأرض من مهمه ذي شزن (59)وكما:-6136 - حدثنا موسى، قال: حدثنا عمرو، قال: حدثنا أسباط، عن السدي: " ولا تيمموا الخبيث "، ولا تعمدوا.6137 - حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن قتادة: " ولا تيمموا " لا تعمدوا.6138 - حدثت عن عمار، قال: حدثنا ابن أبي جعفر، عن أبيه، عن قتادة، مثله.* * *القول في تأويل قوله : وَلا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَقال أبو جعفر: يعني جل ثناؤه ب " الخبيث ": الرديء، غير الجيد، يقول: لا تعمدوا الرديء من أموالكم في صدقاتكم فتصدقوا منه، ولكن تصدقوا من الطيب الجيد.* * *وذلك أن هذه الآية نزلت في سبب رجل من الأنصار علق قنوا من حشف - (60) في الموضع الذي كان المسلمون يعلقون صدقة ثمارهم- صدقة من تمره.* ذكر من قال ذلك:6139 - حدثني الحسين بن عمرو بن محمد العنقزي، قال: حدثنا أبي، عن أسباط، عن السدي، عن عدي بن ثابت، عن البراء بن عازب في قول الله عز وجل: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الأَرْضِ إلى قوله: أَنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ ، قال: نزلت في الأنصار، كانت الأنصار إذا كان أيام جذاذ النخل أخرجت من حيطانها أقناء البسر، فعلقوه على حبل بين الأسطوانتين في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيأكل فقراء المهاجرين منه. فيعمد الرجل منهم إلى الحشف فيدخله مع أقناء البسر، يظن أن ذلك جائز.فأنزل الله عز وجل فيمن فعل ذلك: " ولا تيمموا الخبيث منه تنفقون "، قال لا تيمموا الحشف منه تنفقون. (61) .6140 - حدثني موسى، قال: حدثنا عمرو، قال: حدثنا أسباط، زعم السدي، عن عدي بن ثابت، عن البراء بن عازب بنحوه= إلا أنه قال: فكان يعمد بعضهم، فيدخل قنو الحشف= ويظن أنه جائز عنه= في كثرة ما يوضع من الأقناء، فنزل فيمن فعل ذلك: " ولا تيمموا الخبيث منه تنفقون "، القنو الذي قد حشف، ولو أهدي إليكم ما قبلتموه. (62) .6141 - حدثنا ابن بشار، قال: حدثنا مؤمل، قال: حدثنا سفيان، عن السدي، عن أبي مالك، عن البراء بن عازب، قال: كانوا يجيئون في الصدقة بأردإ تمرهم وأردإ طعامهم، فنزلت: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ الآية. (63) .6142 - حدثني عصام بن رواد، قال: حدثنا أبي، قال: حدثنا أبو بكر الهذلي، عن ابن سيرين، عن عبيدة السلماني، قال: سألت عليا عن قول الله: " يا أيها الذين آمنوا أنفقوا من طيبات ما كسبتم ومما أخرجنا لكم من الأرض ولا تيمموا الخبيث منه تنفقون "، قال: فقال علي: نزلت هذه الآية في الزكاة المفروضة، كان الرجل يعمد إلى التمر فيصرمه، (64) فيعزل الجيد ناحية. فإذا جاء صاحب الصدقة أعطاه من الرديء، فقال عز وجل: " ولا تيمموا الخبيث منه تنفقون ".6143 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: ثني عبد الجليل بن حميد اليحصبي، أن ابن شهاب حدثه، قال: ثني أبو أمامة بن سهل بن حنيف في الآية التي قال الله عز وجل: " ولا تيمموا الخبيث منه تنفقون " قال: هو الجعرور، ولون حبيق، فنهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يؤخذ في الصدقة. (65) .6144 - حدثني محمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، عن عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: " ولا تيمموا الخبيث منه تنفقون "، قال: كانوا يتصدقون - يعني من النخل- بحشفه وشراره، فنهوا عن ذلك، وأمروا أن يتصدقوا بطيبه.6145 - حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ إلى قوله: وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ ، ذكر لنا أن الرجل كان يكون له الحائطان على عهد نبي الله صلى الله عليه وسلم، فيعمد إلى أردئهما تمرا فيتصدق به، ويخلط فيه من الحشف، فعاب الله ذلك عليهم ونهاهم عنه.6146 - حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن قتادة في قوله: " ولا تيمموا الخبيث منه تنفقون "، قال: تعمد إلى رذالة مالك فتصدق به، (66) ولست بآخذه إلا أن تغمض فيه.6147 - حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا أبي، عن يزيد بن إبراهيم، عن الحسن قال: كان الرجل يتصدق برذالة ماله، فنزلت: " ولا تيمموا الخبيث منه تنفقون ".6148 - حدثنا المثنى، قال: حدثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، قال: أخبرنا عبد الله بن كثير: أنه سمع مجاهدا يقول: " ولا تيمموا الخبيث منه تنفقون "، قال: في الأقناء التي تعلق، (67) فرأى فيها حشفا، فقال: ما هذا؟= قال ابن جريج: سمعت عطاء يقول: علق إنسان حشفا في الأقناء التي تعلق بالمدينة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما هذا؟ بئسما علق هذا!! فنزلت: " ولا تيمموا الخبيث منه تنفقون ".* * *وقال آخرون: معنى ذلك: ولا تيمموا الخبيث من الحرام منه تنفقون، (68) .وتدعوا أن تنفقوا الحلال الطيب.* ذكر من قال ذلك:6149 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد - وسألته عن قول الله عز وجل: " ولا تيمموا الخبيث منه تنفقون "، - قال: الخبيث: الحرام، لا تتيممه تنفق منه، فإن الله عز وجل لا يقبله.* * *قال أبو جعفر: وتأويل الآية هو التأويل الذي حكيناه عمن حكينا [عنه] من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم،[لصحة إسناده]، واتفاق أهل التأويل في ذلك= (69)دون الذي قاله ابن زيد. (70) .* * *القول في تأويل قوله : وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ إِلا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِقال أبو جعفر: يعني بذلك جل ثناؤه: ولستم بآخذي الخبيث في حقوقكم، و " الهاء " في قوله: " بآخذيه " من ذكر الخبيث=" إلا أن تغمضوا فيه "، يعني: إلا أن تتجافوا في أخذكم إياه عن بعض الواجب لكم من حقكم، فترخصوا فيه لأنفسكم.يقال منه: " أغمض فلان لفلان عن بعض حقه، فهو يغمض "، ومن ذلك قول الطرماح بن حكيم:لم يفتنا بالوتر قوم وللضيم رجال يرضون بالإغماض (71)* * *قال أبو جعفر: واختلف أهل التأويل في تأويل ذلك.فقال بعضهم: معنى ذلك: ولستم بآخذي الرديء من غرمائكم في واجب حقوقكم قبلهم، إلا عن إغماض منكم لهم في الواجب لكم عليهم.* ذكر من قال ذلك:6150 - حدثنا عصام بن رواد، قال: حدثنا أبي، قال: حدثنا أبو بكر الهذلي، عن محمد بن سيرين، عن عبيدة قال: سألت عليا عنه فقال: " ولستم بآخذيه إلا أن تغمضوا فيه "، يقول: ولا يأخذ أحدكم هذا الرديء حتى يهضم له.6151 - حدثنا ابن بشار، قال: حدثنا مؤمل، قال: حدثنا سفيان، عن السدي، عن أبي مالك، عن البراء بن عازب: " ولستم بآخذيه إلا أن تغمضوا فيه "، يقول: لو كان لرجل على رجل، فأعطاه ذلك لم يأخذه، إلا أن يرى أنه قد نقصه من حقه. (72) .6152 - حدثني المثنى، قال: حدثنا عبد الله، قال: حدثنا معاوية، عن علي، عن ابن عباس قوله: " ولا تيمموا الخبيث منه تنفقون ولستم بآخذيه إلا أن تغمضوا فيه "، يقول: لو كان لكم على أحد حق، فجاءكم بحق دون حقكم، لم تأخذوا بحساب الجيد حتى تنقصوه، فذلك قوله: " إلا أن تغمضوا فيه "، فكيف ترضون لي ما لا ترضون لأنفسكم، وحقي عليكم من أطيب أموالكم وأنفسها؟ (73) .وهو قوله: لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ . [ سورة آل عمران: 92].6153 - حدثني محمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، عن عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: " ولستم بآخذيه إلا أن تغمضوا فيه " قال: لا تأخذونه من غرمائكم ولا في بيوعكم إلا بزيادة على الطيب في الكيل.6154 - حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: حدثنا أبي، عن أبيه، عن ابن عباس قوله: " يا أيها الذين آمنوا أنفقوا من طيبات ما كسبتم ومما أخرجنا لكم من الأرض ولا تيمموا الخبيث منه تنفقون ولستم بآخذيه إلا أن تغمضوا فيه "، وذلك أن رجالا كانوا يعطون زكاة أموالهم من التمر، فكانوا يعطون الحشف في الزكاة، فقال: لو كان بعضهم يطلب بعضا ثم قضاه، لم يأخذه إلا أن يرى أنه قد أغمض عنه حقه.6155 - حدثت عن عمار، قال: حدثنا ابن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع قوله: " ولستم بآخذيه إلا أن تغمضوا فيه " يقول: لو كان لك على رجل دين فقضاك أردأ مما كان لك عليه، هل كنت تأخذ ذلك منه إلا وأنت له كاره؟6156 - حدثني يحيى بن أبي طالب، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا جويبر، عن الضحاك في قوله: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ إلى قوله: " إلا أن تغمضوا فيه " قال: كانوا -حين أمر الله أن يؤدوا الزكاة- يجيء الرجل من المنافقين بأردإ طعام له من تمر وغيره، فكره الله ذلك وقال: أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الأَرْضِ ، يقول: " لستم بآخذيه إلا أن تغمضوا فيه "، يقول: لم يكن رجل منكم له حق على رجل فيعطيه دون حقه فيأخذه، إلا وهو يعلم أنه قد نقصه= فلا ترضوا لي ما لا ترضون لأنفسكم= فيأخذ شيئا، وهو مغمض عليه، أنقص من حقه.* * *وقال آخرون: معنى ذلك: ولستم بآخذي هذا الرديء الخبيث - إذا اشتريتموه من أهله -بسعر الجيد، إلا بإغماض منهم لكم في ثمنه.* ذكر من قال ذلك:6157 - حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا أبي، عن عمران بن حدير، عن الحسن: " ولستم بآخذيه إلا أن تغمضوا فيه "، قال: لو وجدتموه في السوق يباع، ما أخذتموه حتى يهضم لكم من ثمنه.6158 - حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة قوله: " ولستم بآخذيه إلا أن تغمضوا فيه "، يقول: لستم بآخذي هذا الرديء بسعر هذا الطيب إلا أن يغمض لكم فيه.* * *وقال آخرون: معناه: ولستم بآخذي هذا الرديء الخبيث لو أهدي لكم، إلا أن تغمضوا فيه، فتأخذوه وأنتم له كارهون، على استحياء منكم ممن أهداه لكم.* ذكر من قال ذلك:6159 - حدثني الحسين بن عمرو بن محمد العنقزي، قال: حدثنا أبي، عن أسباط، عن السدي، عن عدي بن ثابت، عن البراء بن عازب: " ولستم بآخذيه إلا أن تغمضوا فيه "، قال: لو أهدي لكم ما قبلتموه إلا على استحياء من صاحبه، أنه بعث إليك بما لم يكن له فيه حاجة. (74) .6160 - حدثني موسى، قال: حدثنا عمرو، قال: حدثنا أسباط، قال: زعم السدي، عن عدي بن ثابت، عن البراء نحوه= إلا أنه قال: إلا على استحياء من صاحبه، وغيظا أنه بعث إليك بما لم يكن له فيه حاجة. (75) .* * *وقال آخرون: معنى ذلك: ولستم بآخذي هذا الرديء من حقكم إلا أن تغمضوا من حقكم.* ذكر من قال ذلك:6161 - حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا جرير، عن عطاء، عن ابن معقل: " ولستم بآخذيه "، يقول: ولستم بآخذيه من حق هو لكم=" إلا أن تغمضوا فيه "، يقول: أغمض لك من حقي.* * *وقال آخرون: معنى ذلك: ولستم بآخذي الحرام إلا أن تغمضوا على ما فيه من الإثم عليكم في أخذه.* ذكر من قال ذلك:6162 - حدثني يونس، قال: حدثنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد: وسألته عن قوله: " ولستم بآخذيه إلا أن تغمضوا فيه " -قال: يقول: لست آخذا ذلك الحرام حتى تغمض على ما فيه من الإثم = قال: وفي كلام العرب: " أما والله لقد أخذه، ولقد أغمض على ما فيه " = وهو يعلم أنه حرام باطل.* * *قال أبو جعفر: والذي هو أولى بتأويل ذلك عندنا أن يقال: إن الله عز وجل حث عباده على الصدقة وأداء الزكاة من أموالهم، وفرضها عليهم فيها، (76) .فصار ما فرض من ذلك في أموالهم، حقا لأهل سهمان الصدقة. ثم أمرهم تعالى ذكره أن يخرجوا من الطيب- وهو الجيد من أموالهم- الطيب. (77) وذلك أن أهل السهمان شركاء أرباب الأموال في أموالهم، بما وجب لهم فيها من الصدقة بعد وجوبها.فلا شك أن كل شريكين في مال فلكل واحد منهما بقدر ملكه، وليس لأحدهما منع شريكه من حقه من الملك الذي هو فيه شريكه، بإعطائه -بمقدار حقه منه- من غيره مما هو أردأ منه أو أخس. (78) فكذلك المزكي ماله، حرم الله عليه أن يعطي أهل السهمان= مما وجب لهم في ماله من الطيب الجيد من الحق، فصاروا فيه شركاء= (79) من الخبيث الرديء غيره، ويمنعهم ما هو لهم من حقوقهم في الطيب من ماله الجيد، كما لو كان مال رب المال رديئا كله غير جيد، فوجبت فيه الزكاة وصار أهل سهمان الصدقة فيه شركاء بما أوجب الله لهم فيه لم يكن عليه أن يعطيهم الطيب الجيد من غير ماله الذي منه حقهم.فقال تبارك وتعالى لأرباب الأموال: زكوا من جيد أموالكم الجيد، ولا تيمموا الخبيث الرديء، تعطونه أهل سهمان الصدقة، وتمنعونهم الواجب لهم من الجيد الطيب في أموالكم، (80) ولستم بآخذي الرديء لأنفسكم مكان الجيد الواجب لكم قبل من وجب لكم عليه ذلك من شركائكم وغرمائكم وغيرهم، إلا عن إغماض منكم وهضم لهم وكراهة منكم لأخذه. يقول: ولا تأتوا من الفعل إلى من وجب له في أموالكم حق، ما لا ترضون من غيركم أن يأتيه إليكم في حقوقكم الواجبة لكم في أموالهم.فأما إذا تطوع الرجل بصدقة غير مفروضة، فإني وإن كرهت له أن يعطي فيها إلا أجود ماله وأطيبه، لأن الله عز وجل أحق من تقرب إليه بأكرم الأموال وأطيبها، والصدقة قربان المؤمن= فلست أحرم عليه أن يعطي فيها غير الجيد، لأن ما دون الجيد ربما كان أعم نفعا لكثرته، أو لعظم خطره= وأحسن موقعا من المسكين، وممن أعطيه قربة إلى الله عز وجل= من الجيد، لقلته أو لصغر خطره وقلة جدوى نفعه على من أعطيه. (81) .* * *وبمثل ما قلنا في ذلك قال جماعة أهل العلم.* ذكر من قال ذلك:6163 - حدثنا محمد بن عبد الملك بن أبي الشوارب، قال: حدثنا يزيد بن زريع، قال: حدثنا سلمة بن علقمة، عن محمد بن سيرين، قال: سألت عبيدة عن هذه الآية: " يا أيها الذين آمنوا أنفقوا من طيبات ما كسبتم ومما أخرجنا لكم من الأرض ولا تيمموا الخبيث منه تنفقون ولستم بآخذيه إلا أن تغمضوا فيه "، قال: ذلك في الزكاة، الدرهم الزائف أحب إلي من التمرة.6164 - حدثني يعقوب، قال: حدثنا ابن علية، قال: حدثنا سلمة بن علقمة، عن محمد بن سيرين، قال: سألت عبيدة عن ذلك، فقال: إنما ذلك في الزكاة، والدرهم الزائف أحب إلي من التمرة.6165 - حدثنا أبو كريب، قال: حدثنا ابن إدريس، عن هشام، عن ابن سيرين، قال: سألت عبيدة عن هذه الآية: " يا أيها الذين آمنوا أنفقوا من طيبات ما كسبتم ومما أخرجنا لكم من الأرض ولا تيمموا الخبيث منه تنفقون ولستم بآخذيه "، فقال عبيدة: إنما هذا في الواجب، ولا بأس أن يتطوع الرجل بالتمرة، والدرهم الزائف خير من التمرة.6166 - حدثني أبو السائب، قال: حدثنا ابن إدريس، عن هشام، عن ابن سيرين في قوله: وَلا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ قال: إنما هذا في الزكاة المفروضة، فأما التطوع فلا بأس أن يتصدق الرجل بالدرهم الزائف، والدرهم الزائف خير من التمرة.* * *القول في تأويل قوله : وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ (267)قال أبو جعفر: يعني بذلك جل ثناؤه: واعلموا أيها الناس أن الله عز وجل غني عن صدقاتكم وعن غيرها، (82) وإنما أمركم بها، وفرضها في أموالكم، رحمة منه لكم ليغني بها عائلكم، (83) .ويقوي بها ضعيفكم، ويجزل لكم عليها في الآخرة مثوبتكم، لا من حاجة به فيها إليكم.* * *ويعني بقوله: " حميد "، أنه محمود عند خلقه بما أولاهم من نعمه، وبسط لهم من فضله. كما:-6167 - حدثني الحسين بن عمرو بن محمد العنقزي، قال: حدثنا أبي، عن أسباط، عن السدي، عن عدي بن ثابت، عن البراء بن عازب في قوله: " أن الله غني حميد " عن صدقاتكم. (84) .-------------------الهوامش :(55) الأثر : 6129 -في الدر المنثور 1 : 346 ، وسيأتي الأثر بتمامه في رقم : 6152 وقوله : "من أطيب أموالكم وأنفسه" ، وهو صحيح في العربية ، يعود ضمير المفرد ، على الجمع في"أفعل" ، وقد مضى ما قلنا في ذلك التعليق على الأثر : 5968 ، وإن اختلفت العبارتان وافترقتا . وانظر همع الهوامع 1 : 59 .(56) في المطبوعة : حذف"هذا" لغير شيء !! .(57) في المطبوعة : "ولا تأمموا" ، وكذلك في القرطبي ، ولكن أبا حيان في تفسيره 1 : 328 قد نص على أن الطبري حكى قراءة عبد الله : "ولا تأملوا" من"أمت" ، فوافق ما في المخطوطة ، فأثبتها كذلك ، وهي الصواب إن شاء الله .(58) في المخطوطة والمطبوعة : "تيممت" ، وهو سقيم ، والصواب ما أثبت . وأموا المكان ويموه ، بمعنى واحد ، وهي على البدل ، أبدلت الهمزة ياء ، ولذلك كانت في مادة (أمم) من دواوين اللغة ، غير الجوهري .(59) ديوانه : 16 ، وسيأتي في التفسير 5 : 69 (بولاق) . وهو من قصيدته التي أثنى فيها على قيس بن معد يكرب الكندي ، وهي أول كلمة قالها له . وقد مضت منها أبيات في 1 : 345 ، 346 ، /3 : 191/5 : 390 وامهمه : الفلاة المقفرة البعيدة ، لا ماء بها ولا أنيس ، والشزن والشزونة : الغلظ من الأرض .(60) القنو : الكباسة ، وهي العذق التام بشماريخه ورطبه ، هو في التمر ، بمنزله العنقود من العنب ، وجمعه : أقناء . والحشف : هو من التمر ما لم ينو ، فإذا يبس صلب وفسد ، لا طعم له ولا لحاء ولا حلاوة .(61) الأثر : 6139 -الحسين بن عمرو بن محمد العنقزي ، مضى في رقم 1625 : 1883 ، وهو لين يتكلمون فيه . وأبوة : عمرو بن محمد ، ثقة جائز الحديث . أخرجه الحاكم في المستدرك ، : 2 : 285 من طريق عمرو بن طلحة القناد ، عن أسباط بن نصر ، وقال : "هذا حديث غريب صحيح على شرطه مسلم ، ولم يخرجاه" ، وافقه الذهبى . وذكره ابن كثير في تفسير 2 : 40 ، 41 ونسبه للحاكم ، وأنه قال : "صحيح على شرط البخاري ومسلم ولم يخرجاه" فاختلف نص كلام الحاكم .وسيأتي تمامه برقم : 6159 ، 6167 .قوله : "جذاذ النخل"بالذال هنا وفي المستدرك . وجذ النخل جذاذا ، صرمه . والأشهر فيه بالدال المهملة : "جد النخل يجده جدادا" ، صرمه وقطف ثمره . والحيطان جمع حائط : وهو بستان النخل يكون عليه حائط ، فإذا لم يكن عليه حائط . فهو ضاحية .وقوله : "أقناء البسر" الأقناء جمع قنو ، وقد سلف في التعليق الماضي . والبسر : التمر قبل أن يرطب ، سمى كذلك لغضاضته ، واحدته بسرة ، ثم هو بعد البسر ، رطب ، ثم تمر .(62) الأثر : 6140 -هذا إسناد آخر للخبر السالف وسيأتي تمامه برقم : 6160 وحشف التمر : صار حشفا . وقد مضى تفسيره في التعليق ص : 559 رقم : 1 . وقوله : "جائز عنه" ، أي سائغ مجزي عنه من قولهم : "جاز جوازا" ، وأجاز له الشيء وجوزه : إذا سوغ له ما صنعه وأمضاه . وهو تعبير نادر لم تقيده كتب اللغة ، ولكنه عربي معرق .(63) الأثر : 6141 -رواه البيهقي في السنن 4 : 136 من طريق أبي حذيفة ، عن سفيان ، عن السدي بغير هذا اللفظ ، وأتم منه .(64) صرم النخل والشجر يصرمه صرما وصراما : قطع ثمرها واجتناها ، مثل الجذاذ والجداد فيما سلف في التعليقات ص : 560 .(65) الأثر : 6143 -عبد الجليل بن حميد اليحصبي ، أبو مالك المصري . روي عن الزهري ، ويحيى بن سعيد وأيوب السختياني ، وروى عنه ابن عجلان ، وهو من أقرانه ، وموسى بن سلمة ، وابن وهب ، وغيرهم من المصريين . قال النسائي ، "ليس به بأس" ، وذكره ابن حبان في الثقات . مات سنة 148 ، مترجم في التهذيب . وهذا الأثر روته النسائي ، عن يونس بن عبد الأعلى والحارث بن مسكين ، عن ابن وهب ، عن عبد الجليلي بن حميد ، في السنن 5 : 43 ، وآخره"... أن تؤخذ الصدقة الرذالة" . وروي من طرق أخرى في سنن أبي داود 2 : 149 رقم : 1607 ، والحاكم في المستدرك 2 : 284 من طريق سفيان ابن حسين عن الزهري ، ومن طريق سليمان بن كثير عن الزهري وقال : "صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه" ووافقه الذهبي ، والبيهقي في السنن 4 : 136 ، وانظر تفسير ابن كثير 2 : 42 ، 43 .الجعرور (بضم الجيم) . ضرب من التمر صغار لا خير فيه . واللون : نوع من النخل ، قيل : هو الدقل ، وقيل : النخل كله ما خلا البرني والعجوة ، تسميه أهل المدينة"الألوان" . وابن حبيق : رجل نسب إليه هذا النخل الرديء ، فقيل : لون الحبيق . وتمره رديء أغبر صغير ، مع طول فيه .(66) رذالة كل شيء : أردؤه حين ينتقى جيده ، ويبقي رديئه . وهو من رذالة الناس ورذالهم . (بضم الراء فيها جميعا) .(67) قوله : "التي تعلق" مكانها بياض في المخطوطة . وقوله بعد : "فرأى فيها حشفا" ، أي رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم .(68) في المخطوطة والمطبوعة : "فيه تنفقون" ، وهو خطأ بين .(69) الزيادة بين الأقواس لا بد منها حتى يستقيم الكلام . (عنه) ساقطة من المخطوطة والمطبوعة .أما الزيادة الثانية ، فمكانها بياض في المخطوطة ، فأغفله الطابع وساق الكلام سياقا واحدا(70) في المخطوطة : "قاله ابن" وبعد ذلك بياض . والذي في المطبوعة هو الصواب .(71) ديوانه : 86 ، من قصيدة مجد فيها قومه ، وقبله: :إننا معشر شمائلنا الصبر ,إذا الخوف مال بالأحفاضنصر للذليل في ندوة الحي ,مرائيب للثأي المنهاضمن يرم جمعهم يجدهم مراجيح حماة للعزل الأحراضالأحفاض : الإبل الصغار الضعاف ، ويعنى الضعاف من الناس ، لا يصبرون في حرب . مرائيب : من الرأب ، وهو الإصلاح ، مصلحون . والثأى : الفساد . والمنهاض : الذي فسد بعد صلاح فلا يرجى إصلاح إلا بمشقة . مراجيح : حلماء لا يستخفهم شيء . والأحراض : الضعاف الذين لا يقاتلون . والإغماض : التغاضي والمساهلة . يقول نحن أهل بأس وسطوة ، فما أصاب منا أحد فنجا من انتقامنا ، ولسنا كأقوام يرضون بالضيم ، فيتغاضون عن إدراك تأثرهم ممن نال منهم .(72) الأثر : 6151 -هو من تمام الأثر : 6141 .(73) في المطبوعة : "وأنفسها" وأثبت ما في المخطوطة . وهذا الأثر بنصه وتمامه في الدر المنثور 1 : 346 ، وانظر التعليق على الأثر : 6129 ، وقوله : "وأنفسه" بضمير الإفراد .(74) الأثر : 6159 -هو تمام الأثر السالف : 6139 .(75) الأثر : 6160 -هو تمام الأثر السالف : 6140 .(76) "وفرضها عليهم" أي الزكاة . "فيها" : في أموالهم .(77) قوله : "الطيب" الثانية ، مفعول"يخرجوا" .(78) في المطبوعة"أو أحسن" ، وهو فاسد كل الفساد . والصواب من المخطوطة .(79) سياق الجملة : أن يعطى أهل السهمان... من الخبيث الرديء غيره .(80) في المطبوعة : "وتمنعونهم الواجب..." ، والذي في المخطوطة صواب ، معطوف على : "ولا تيمموا الخبيث" .(81) سياق هذه الجملة : ربما كان أعم نفعا لكثرته...وأحسن موقعا من المسكين... من الجيد لقلته...(82) انظر تفسير"غنى"فيما سلف من هذا الجزء 5 : 521 .(83) العائل : الفقير . عال الرجل يعيل علية : افتقر .(84) الأثر : 6167 -هو تمام الأثر السالف : 6139 .
2:268
اَلشَّیْطٰنُ یَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَ یَاْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَآءِۚ-وَ اللّٰهُ یَعِدُكُمْ مَّغْفِرَةً مِّنْهُ وَ فَضْلًاؕ-وَ اللّٰهُ وَاسِعٌ عَلِیْمٌۖۙ(۲۶۸)
شیطان تمہیں اندیشہ دلاتا ہے (ف۵۶۹) محتاجی کا اور حکم دیتا ہے بے حیائی کا (ف۵۷۰) اور اللہ تم سے وعدہ فرماتا ہے بخشش اور فضل کا (ف۵۷۱) اور اللہ وسعت و الا علم والا ہے،

القول في تأويل قوله : الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ وَاللَّهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلاقال أبو جعفر: يعني بذلك تعالى ذكره: " الشيطان يعدكم "، أيها الناس- بالصدقة وأدائكم الزكاة الواجبة عليكم في أموالكم (85) - أن تفتقروا=" ويأمركم بالفحشاء "، يعني: ويأمركم بمعاصي الله عز وجل، وترك طاعته= (86) " والله يعدكم مغفرة منه " (87) يعني أن الله عز وجل يعدكم أيها المؤمنون، أن يستر عليكم فحشاءكم، بصفحه لكم عن عقوبتكم عليها، فيغفر لكم ذنوبكم بالصدقة التي تتصدقون=" وفضلا " يعني: ويعدكم أن يخلف عليكم من صدقتكم، فيتفضل عليكم من عطاياه ويسبغ عليكم في أرزاقكم. (88) .كما:-6168 - حدثنا محمد بن حميد، قال: حدثنا يحيى بن واضح، قال: حدثنا الحسين بن واقد، عن يزيد النحوي، عن عكرمة، عن ابن عباس، قال: اثنان من الله، واثنان من الشيطان: " الشيطان يعدكم الفقر "، يقول: لا تنفق مالك، وأمسكه عليك، فإنك تحتاج إليه= ويأمركم بالفحشاء " والله يعدكم مغفرة منه "، على هذه المعاصي=" وفضلا " في الرزق.6169 - حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة قوله: " الشيطان يعدكم الفقر ويأمركم بالفحشاء والله يعدكم مغفرة منه وفضلا "، يقول: مغفرة لفحشائكم، وفضلا لفقركم.6170 - حدثنا هناد، قال: حدثنا أبو الأحوص، عن عطاء بن السائب، عن مرة، عن عبد الله، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن للشيطان لمة من ابن آدم، وللملك لمة: فأما لمة الشيطان، فإيعاد بالشر وتكذيب بالحق. وأما لمة الملك، فإيعاد بالخير، وتصديق بالحق. فمن وجد ذلك، فليعلم أنه من الله وليحمد الله، ومن وجد الأخرى فليتعوذ بالله من الشيطان، ثم قرأ: " الشيطان يعدكم الفقر ويأمركم بالفحشاء ". (89)6171 - حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا الحكم بن بشير بن سليمان، قال: حدثنا عمرو، عن عطاء بن السائب، عن مرة، عن عبد الله، قال: إن للإنسان من الملك لمة، ومن الشيطان لمة. فاللمة من الملك إيعاد بالخير، وتصديق بالحق، واللمة من الشيطان إيعاد بالشر وتكذيب بالحق. وتلا عبد الله: " الشيطان يعدكم الفقر ويأمركم بالفحشاء والله يعدكم مغفرة منه وفضلا "= قال عمرو: وسمعنا في هذا الحديث أنه كان يقال: إذا أحس أحدكم من لمة الملك شيئا فليحمد الله، وليسأله من فضله، وإذا أحس من لمة الشيطان شيئا، فليستغفر الله وليتعوذ من الشيطان. (90) .6172 - حدثني يعقوب، قال: حدثنا ابن علية، قال: حدثنا عطاء بن السائب، عن أبي الأحوص= أو عن مرة= قال: قال عبد الله: ألا إن للملك لمة وللشيطان لمة. فلمة الملك: إيعاد بالخير وتصديق بالحق، ولمة الشيطان إيعاد بالشر وتكذيب بالحق، وذلكم بأن الله يقول: (91) ." الشيطان يعدكم الفقر ويأمركم بالفحشاء والله يعدكم مغفرة منه وفضلا والله واسع عليم "، فإذا وجدتم من هذه شيئا فاحمدوا الله عليه، وإذا وجدتم من هذه شيئا فتعوذوا بالله من الشيطان. (92) .6173 - حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن الزهري، عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة، عن عبد الله بن مسعود في قوله: " الشيطان يعدكم الفقر ويأمركم بالفحشاء "، قال: إن للملك لمة، وللشيطان لمة. فلمة الملك إيعاد بالخير وتصديق بالحق، فمن وجدها فليحمد الله؛ ولمة الشيطان: إيعاد بالشر وتكذيب بالحق، فمن وجدها فليستعذ بالله. (93) .6174 - حدثني المثنى بن إبراهيم، قال: حدثنا حجاج بن المنهال، قال: حدثنا حماد بن سلمة، قال: أخبرنا عطاء بن السائب، عن مرة الهمداني أن ابن مسعود قال: إن للملك لمة، وللشيطان لمة. فلمة الملك: إيعاده بالخير وتصديق بالحق، ولمة الشيطان: إيعاد بالشر وتكذيب بالحق. (94) فمن أحس من لمة الملك شيئا فليحمد الله عليه، ومن أحس من لمة الشيطان شيئا فليتعوذ بالله منه. ثم تلا هذه الآية: " الشيطان يعدكم الفقر ويأمركم بالفحشاء والله يعدكم مغفرة منه وفضلا والله واسع عليم ". (95) .6175 - حدثني المثنى، قال: حدثنا سويد بن نصر، قال: أخبرنا ابن المبارك، عن فطر، عن المسيب بن رافع، عن عامر بن عبدة، عن عبد الله، بنحوه. (96) .6176 - حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا جرير، عن عطاء، عن مرة بن شراحيل، عن عبد الله بن مسعود، قال: إن للشيطان لمة، وللملك لمة، فأما لمة الشيطان فتكذيب بالحق وإيعاد بالشر، وأما لمة الملك: فإيعاد بالخير وتصديق بالحق. فمن وجد ذلك فليعلم أنه من الله وليحمد الله عليه. ومن وجد الأخرى فليستعذ من الشيطان. ثم قرأ: " الشيطان يعدكم الفقر ويأمركم بالفحشاء والله يعدكم مغفرة منه وفضلا ". (97) .* * *القول في تأويل قوله : وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ (268)قال أبو جعفر: يعني تعالى ذكره: " والله واسع " الفضل الذي يعدكم أن يعطيكموه من فضله وسعة خزائنه= (98) " عليم " بنفقاتكم وصدقاتكم التي تنفقون وتصدقون بها، يحصيها لكم حتى يجازيكم بها عند مقدمكم عليه في آخرتكم.-------------------الهوامش :(85) قوله : "بالصدقة..." ، أي بسبب الصدقة ، وهي جملة فاصلة ، والسياق"يعدكم... أن تفتقروا" ، كما هو بين .(86) انظر ما سلف في تفسير"الفحشاء" 3 : 302 .(87) انظر تفسير"المغفرة" ، فيما سلف من فهارس اللغة .(88) انظر تفسير"الفضل" فيما سلف 2 : 344 /ثم 5 : 164 .(89) الحديث : 6170 -أبو الأحوص : هو سلام بن سليم الكوفي الحافظ . سبق توثيقه : 20158 .عطاء بن السائب : مضى في : 158 ، 4433 أنه تغير في آخر عمره ، وأن من سمع منه قديما فحديثه صحيح . والظاهر من مجموع كلامهم أن اختلاطه كان حين قدم البصرة . قال أبو حاتم : "في حديث البصريين عنه تخاليط كثيرة ، لأنه قدم عليهم في آخر عمره" . وعطاء كوفي ، والراوي عنه هنا أبو الأحوص كوفي أيضًا . فالظاهر أنه سمع منه قبل الاختلاط .مرة : هو مرة الطيب ، وهو ابن شراحيل الهمداني الكوفي . مضت ترجمته : 2521 .عبد الله : هو ابن مسعود .والحديث رواه الترمذي 4 : 77 -78 ، عن هناد -وهو ابن السري ، شيخ الطبري هنا -بهذا الإسناد . وقال : "هذا حديث حسن غريب [وفي بعض نسخه : حسن صحيح غريب] . وهو حديث أبي الأحوص . لا نعرفه مرفوعا إلا من حديث أبي الأحوص" .وذكره ابن كثير 2 : 44 ، من رواية ابن أبي حاتم ، عن أبي زرعة ، عن هناد . ووقع في إسناده هناك تخليط من الناسخين . ثم أشار إلى بعض رواياته مرفوعا وموقوفا .وذكر ابن كثير أنه رواه أيضًا النسائي في كتاب التفسير من سننه ، عن هناد بن السري . وأنه رواه ابن حبان في صحيحه ، عن أبي يعلي الموصلي ، عن هناد . وكتاب التفسير في النسائي إنما هو في السنن الكبرى .وذكره السيوطي 1 : 348 ، وزاد نسبته لابن المنذر ، والبيهقي في الشعب .وسيأتي بنحوه ، موقونا على ابن مسعود : 6171 ، 6172 ، 6174 ، 6176 ، من رواية عطاء ، عن مرة ، عن مسعود . ويأتي موقونا أيضًا : 6173 ، من رواية الزهري ، عن عبيد الله ، عن ابن مسعود . و : 6175 ، من رواية المسيب بن رافع ، عن عامر بن عبدة ، عن ابن مسعود .وكأن الترمذي -وتبعه ابن كثير -يريدان الإشارة إلى تعليل هذا الإسناد المرفوع ، برواية الحديث موقوفا . ولكن هذه علة غير قادحة بعد صحة الإسناد . فإن الرفع زيادة من ثقة ، فهي مقبولة .وأيضًا : فإن هذا الحديث مما يعلم بالرأي ، ولا يدخله القياس ، فلا يعلم إلا بالوحي من المعصوم صلى الله عليه وسلم . فالروايات الموقوفة لفظا ، هي مرفوعة حكما .(90) الحديث : 6171 -الحكم بن بشير بن سلمان : مضت ترجمته في : 1497 . ووقع اسم جده في المطبوعة هنا"سليمان" ، وهو خطأ .عمرو : هو ابن قيس الملائي . مضت ترجمته في : 886 .والحديث في معنى ما قبله . وهو هنا موقوف لفظا ، ولكنه مرفوع حكما ، كما ذكرنا . ولكن قول عمرو بن قيس في آخره : "وسمعنا في هذا الحديث أنه كان يقال..." -يكون بلاغا منقطعا في هذا الإسناد ، وأن كان صحيحا في ذاته بالأسانيد الأخر .(91) في المطبوعة : "وذلكم بأن الله..." بزيادة واو ، وأثبت ما في المخطوطة .(92) الحديث : 6172 -أبو الأحوص -شيخ عطاء بن السائب : هو عوف بن مالك ابن نضلة ، وهو تابعي ثقة معروف ، وثقه ابن معين وغيره .وتردد عطاء بن السائب في أنه عن"أبي الأحوص" هذا ، أو عن"مرة الطيب" -لا يؤثر في صحة الحديث ، فأنه انتقال من ثقة إلى ثقة . ولعله مما أخطأ فيه عطاء ، لأن ابن علية بصري ، فيكون ممن سمع منه بعد تغيره . وقد نص على ذلك الدار قطي ، كما في ترجمة عطاء في التهذيب .ولكن ذكر ابن كثير 2 : 44 أنه رواه"مسعر ، عن عطاء بن السائب ، عن أبي الأحوص عوف بن مالك بن نضلة ، عن ابن مسعود . فجعله من قوله . فهذا يثبت حفظ رواية عطاء إياه عن أبي الأحوص أيضًا . لأن مسعر بن كدام كوفي قديم ، من طبقة شعبة والثوري ، فهو ممن سمع من عطاء قبل تغيره .ولم يشر ابن كثير إلى شيء من الروايات الموقوفة لهذا الحديث ، إلا إلى رواية مسعر وحده . والروايات الموقوفة بين يديه في الطبري ستة كما ترى .(93) الحديث : 6173 -وهذا إسناد صحيح آخر للحديث ، من وجه آخر ، يؤيد رواية عطاء بن السائب . وهو وإن كان موقوفا لفظا فهو مرفوع حكما ، كما قلنا من قبل .(94) في المطبوعة : "إيعاد بالخير ... إيعاد بالشر" بغير إضافتها إلى الضمير . وأثبت ما في المخطوطة ، وهو صواب . وصواب أيضًا يقرآا جميعا"ايعادةٌ" ، على معنى المرة من"الإيعاد" .(95) الحديث : 6174 -وهذا إسناد صحيح . لأن حماد بن سلمة سمع من عطاء قبل تغيره ، كما نص عليه يعقوب بن سفيان وابن الجارود ، في نقل التهذيب عنهما 7 : 207 .(96) الحديث : 6175 -فطر -بكسر الفاء وسكون الطاء المهملة وآخره راء : هو ابن خليفة الكوفي ، وهو ثقة ، وثقه أحمد ، وابن معين ، وغيرهما .المسيب بن رافع الكاهلي الكوفي : تابعي ثقة ، مضى في : 128 .عامر بن عبدة -بفتح العين المهملة والباء الموحدة -البجلي ، أبو إياس الكوفي : تابعي ثقة ، والكني للدولابي 1 : 115 ، والمشتبه للذهبي ، ص : 339 .وهذا إسناد ثالث للحديث صحيح ، من وجه آخر ، يؤيد روايات عطاء عن مرة ، وأبي الأحوص عن ابن مسعود ، ورواية الزهري عن عبيد الله بن عبدالله بن عتبة عن ابن مسعود .(97) الحديث : 6176 -وهذا إسناد حسن ، لأن سماع جرير -وهو ابن عبدالحميد الضبي -من عطاء كان بعد تغيره ولكنه يرتفع إلى درجة الصحة بالمتابعات السابقة الصحيحة .(98) انظر تفسير"واسع عليم"فيما سلف 2 : 537 /ثم 5 : 516 .
2:269
یُّؤْتِی الْحِكْمَةَ مَنْ یَّشَآءُۚ-وَ مَنْ یُّؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ اُوْتِیَ خَیْرًا كَثِیْرًاؕ-وَ مَا یَذَّكَّرُ اِلَّاۤ اُولُوا الْاَلْبَابِ(۲۶۹)
اللہ حکمت دیتا ہے (ف۵۷۲) جسے چاہے اور جسے حکمت ملی اسے بہت بھلائی ملی، اور نصیحت نہیں مانتے مگر عقل والے،

القول في تأويل قوله : يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًاقال أبو جعفر: يعني بذلك جل ثناؤه: يؤتي الله الإصابة في القول والفعل من يشاء من عباده، ومن يؤت الإصابة في ذلك منهم، فقد أوتي خيرا كثيرا.* * *واختلف أهل التأويل في ذلك.فقال بعضهم،" الحكمة " التي ذكرها الله في هذا الموضع، هي: القرآن والفقه به.* ذكر من قال ذلك:6177 - حدثنا المثنى، قال: حدثنا عبد الله بن صالح، قال: حدثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس في قوله: ( وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا ) ، يعني: المعرفة بالقرآن ناسخه ومنسوخه، ومحكمه ومتشابهه، ومقدمه ومؤخره، وحلاله وحرامه، وأمثاله.6178 - حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن قتادة في قوله: " يؤتي الحكمة من يشاء "، قال: الحكمة: القرآن، والفقه في القرآن.6179 - حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة قوله: " يؤتي الحكمة من يشاء ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيرا كثيرا "، والحكمة: الفقه في القرآن.6180 - حدثنا محمد بن عبد الله الهلالي، قال: حدثنا مسلم بن إبراهيم، قال: حدثنا مهدي بن ميمون، قال: حدثنا شعيب بن الحبحاب، عن أبي العالية:" ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيرا كثيرا "، قال: الكتاب والفهم به. (99) .6181 - حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا جرير، عن ليث، عن مجاهد قوله: " يؤتي الحكمة من يشاء " الآية، قال: ليست بالنبوة، ولكنه القرآن والعلم والفقه.6182 - حدثنا القاسم، قال: حدثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، قال: قال ابن عباس: الفقه في القرآن.* * *وقال آخرون: معنى " الحكمة "، الإصابة في القول والفعل.* ذكر من قال ذلك:6183 - حدثنا ابن بشار، قال: حدثنا عبد الرحمن، قال: حدثنا سفيان، عن ابن أبي نجيح، قال: سمعت مجاهدا قال: " ومن يؤت الحكمة "، قال: الإصابة.6184 - حدثني محمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، عن عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قول الله عز وجل: " يؤتي الحكمة من يشاء "، قال: يؤتي إصابته من يشاء.6185 - حدثني المثنى، قال: حدثنا أبو حذيفة، قال: حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: " يؤتي الحكمة من يشاء "، قال: الكتاب، يؤتي إصابته من يشاء .* * *وقال آخرون: هو العلم بالدين.* ذكر من قال ذلك:6186 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد: " يؤتي الحكمة من يشاء " العقل في الدين، وقرأ: " ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيرا كثيرا ".6187 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد: الحكمة: العقل.6188 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قلت لمالك: وما الحكمة؟ قال: المعرفة بالدين، والفقه فيه، والاتباع له.* * *وقال آخرون: " الحكمة " الفهم.* ذكر من قال ذلك:6190 - حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا أبي قال: حدثنا سفيان، عن أبي حمزة، عن إبراهيم، قال: الحكمة: هي الفهم. (100) .* * *وقال آخرون: هي الخشية.* ذكر من قال ذلك:6191 - حدثني المثنى، قال: حدثنا إسحاق، قال: حدثنا ابن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع في قوله: " يؤتي الحكمة من يشاء ومن يؤت الحكمة " الآية، قال: " الحكمة " الخشية، لأن رأس كل شيء خشية الله. وقرأ: إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ . [ سورة فاطر: 28].* * *وقال آخرون: هي النبوة.* ذكر من قال ذلك:6192 - حدثني موسى قال: حدثنا عمرو، قال: حدثنا أسباط، عن السدي قوله: " يؤتي الحكمة من يشاء ومن يؤت الحكمة "، الآية، قال: الحكمة: هي النبوة.* * *وقد بينا فيما مضى معنى " الحكمة "- وأنها مأخوذة من " الحكم " وفصل القضاء، وأنها الإصابة - بما دل على صحته، فأغنى ذلك عن تكريره في هذا الموضع. (101) .* * *وإذا كان ذلك كذلك معناه، (102) كان جميع الأقوال التي قالها القائلون الذين ذكرنا قولهم في ذلك داخلا فيما قلنا من ذلك، لأن الإصابة في الأمور إنما تكون عن فهم بها وعلم ومعرفة. وإذا كان ذلك كذلك، كان المصيب عن فهم منه بمواضع الصواب في أموره مفهما خاشيا لله فقيها عالما، (103) .وكانت النبوة من أقسامه. لأن الأنبياء مسددون مفهمون، وموفقون لإصابة الصواب في بعض الأمور،" والنبوة " بعض معاني" الحكمة ".* * *فتأويل الكلام: يؤتي الله إصابة الصواب في القول والفعل من يشاء، ومن يؤته الله ذلك فقد آتاه خيرا كثيرا.* * *القول في تأويل قوله : وَمَا يَذَّكَّرُ إِلا أُولُو الأَلْبَابِ (269)قال أبو جعفر: يعني بذلك جل ثناؤه: وما يتعظ بما وعظ به ربه في هذه الآيات = التي وعظ فيها المنفقين أموالهم بما وعظهم به غيرهم= (104) فيها وفي غيرها من آي كتابه= (105) فيذكر وعده ووعيده فيها، فينزجر عما زجره عنه ربه، ويطيعه فيما أمره به=" إلا أولوا الألباب "، يعني: إلا أولوا العقول، الذين عقلوا عن الله عز وجل أمره ونهيه. (106) .فأخبر جل ثناؤه أن المواعظ غير نافعة إلا أولي الحجا والحلوم، وأن الذكرى غير ناهية إلا أهل النهي والعقول.------------------------------الهوامش :(99) الأثر : 6180 -"محمد بن عبد الله الهلالي" هو : محمد بن عبد الله بن عبيد بن عقيل الهلالي ، أبو مسعود البصري ، روي عن جده عبيد بن عقيل ، وعثمان بن عمر بن فارس ، وعمرو ابن عاصم الكلابى وغيرهم ، وروى عنه أبو داود ، والنسائي ، وابن ماجه وغيرهم . قال النسائي : "لا بأس به" . وقال مسلمة : "ثقة" . "مسلم بن إبراهيم" الأزدي الفراهيدي ، أبو عمرو البصري الحافظ . قال ابن معين : "ثقة مأمون" . وكان يقول : "ما أتيت حلالا ولا حراما قط" ، وقال أبو حاتم : "كان لا يحتاج إليه" . وكان من المتقنين . مات سنة 222 . "مهدي بن ميمون" الأزدي المعولي . كان ثقة وذكره ابن حبان في الثقات . مات سنة 171 . "شعيب بن الحبحاب" و"المعولي" بكسر الميم وسكون العين المهملة وفتح الواو .وكان في المطبوعة : "والفهم فيه" . وهي صواب في المعنى ، جيد في العربية وأثبت ما في المخطوطة ، وهو أيضًا صواب جيد .(100) الأثر : 6190 -"أبو حمزة" هو أبو حمزة الأعور القصاب الكوفي ، وهو صاحب إبراهيم النخعي . قال البخاري : "ليس بذاك" . وقال : "ضعيف ذاهب الحديث" . قال أبو موسى : "ما سمعت يحيى ولا عبد الرحمن يحدثان عن : سفيان ، عن أبي حمزة ، قط" . وقال ابن عدي : "وأحاديثه خاصة عن إبراهيم ، مما لا يتابع عليه" . مترجم في التهذيب .(101) انظر تفسير"الحكمة"فيما سلف 3 : 87 ، 88 ، 211 /ثم 5 : 15 ، 16 ، 371 .(102) في المطبوعة : "فإذا كان ذلك..." بالفاء ، ولا معنى لتغيير ما هو في المخطوطة .(103) في المطبوعة : "فهما خاشيا..." . وفي المخطوطة : "ففهما" ، والصواب قراءتها كما أثبت ، بدليل معناه الذي أراده ، من إدخال الأنبياء في معنى ذلك ، وبدليل قوله بعد : "مفهمون..." .(104) في المطبوعة : "بما وعظ به غيرهم" ، وهو غير مستقيم تمام الاستقامة في السياق . وفي المخطوطة : "بما وعظهم به غيرهم" ، والصواب أن تزاد"الواو" قبل"غيرهم" ، ليستقيم السياق .(105) سياق الجملة : "وما يتعظ بما وعظه به ربه في هذه الآيات... فيذكر وعده ووعيده..." وما بينهما فصل .(106) انظر تفسير"الألباب"فيما سلف 3 : 383 / 4 : 162 .
2:270
وَ مَاۤ اَنْفَقْتُمْ مِّنْ نَّفَقَةٍ اَوْ نَذَرْتُمْ مِّنْ نَّذْرٍ فَاِنَّ اللّٰهَ یَعْلَمُهٗؕ-وَ مَا لِلظّٰلِمِیْنَ مِنْ اَنْصَارٍ(۲۷۰)
اور تم جو خرچ کرو (ف۵۷۳) یا منت مانو (ف۵۷۴) اللہ کو اس کی خبر ہے (ف۵۷۵) اور ظالموں کا کوئی مددگار نہیں،

القول في تأويل قوله : وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ نَفَقَةٍ أَوْ نَذَرْتُمْ مِنْ نَذْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُهُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ (270)قال أبو جعفر: يعني بذلك جل ثناؤه: وأي نفقة أنفقتم- يعني أي صدقة تصدقتم- (1) أو أي نذر نذرتم= يعني" بالنذر "، ما أوجبه المرء على نفسه تبررا في طاعة الله، وتقربا به إليه: من صدقة أو عمل خير=" فإن الله يعلمه "، أي أن جميع ذلك بعلم الله، (2) لا يعزب عنه منه شيء، ولا يخفى عليه منه قليل ولا كثير، ولكنه يحصيه أيها الناس عليكم حتى يجازيكم جميعكم على جميع ذلك.فمن كانت نفقته منكم وصدقته ونذره ابتغاء مرضاة الله وتثبيتا من نفسه، جازاه بالذي وعده من التضعيف، ومن كانت نفقته وصدقته رئاء الناس ونذوره للشيطان، جازاه بالذي أوعده، من العقاب وأليم العذاب، كالذي:-6193 - حدثني محمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، عن عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قول الله عز وجل: " وما أنفقتم من نفقة أو نذرتم من نذر فإن الله يعلمه "، ويحصيه.6194 - حدثني المثنى، قال: حدثنا أبو حذيفة، قال: حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله.* * *ثم أوعد جل ثناؤه من كانت نفقته رياء ونذوره طاعة للشيطان فقال: " وما للظالمين من أنصار "، يعني: وما لمن أنفق ماله رئاء الناس وفي معصية الله، وكانت نذوره للشيطان وفي طاعته=" من أنصار "، وهم جمع " نصير "، كما " الأشراف " جمع " شريف ". (3) ويعني بقوله: " من أنصار "، من ينصرهم من الله يوم القيامة، فيدفع عنهم عقابه يومئذ بقوة وشدة بطش، ولا بفدية.* * *وقد دللنا على أن " الظالم " هو الواضع للشيء في غير موضعه. (4) .* * *وإنما سمى الله المنفق رياء الناس، والناذر في غير طاعته، ظالما، لوضعه إنفاق ماله في غير موضعه، ونذره في غير ماله وضعه فيه، فكان ذلك ظلمه.* * *قال أبو جعفر: فإن قال لنا قائل: فكيف قال: " فإن الله يعلمه "، ولم يقل: " يعلمهما "، وقد ذكر النذر والنفقة.قيل: إنما قال: " فإن الله يعلمه "، لأنه أراد: فإن الله يعلم ما أنفقتم أو نذرتم، فلذلك وحد الكناية. (5) .--------------الهوامش :(1) انظر تفسير"النفقة" فيما سلف 5 : 555 .(2) في المخطوطة : "فإن الله يعلم" ، والصواب هنا ما في المطبوعة . ثم في المطبوعة : "جميع ذلك بعلم الله" ، وأثبت الصواب من المخطوطة .(3) انظر معنى"النصر" و"النصير" فيما سلف 2 : 489 ، 564 .(4) انظر تفسير"الظلم" فيما سلف 1 : 523 ، 524 /2 : 369 ، 519/ 4 : 584 ، وغيرها من المواضع ، اطلبها في فهرس اللغة .(5) الكناية ، والمكني : هو الضمير ، في اصطلاح الكوفيين والبغداديين وغيرهم .
2:271
اِنْ تُبْدُوا الصَّدَقٰتِ فَنِعِمَّا هِیَۚ-وَ اِنْ تُخْفُوْهَا وَ تُؤْتُوْهَا الْفُقَرَآءَ فَهُوَ خَیْرٌ لَّكُمْؕ-وَ یُكَفِّرُ عَنْكُمْ مِّنْ سَیِّاٰتِكُمْؕ-وَ اللّٰهُ بِمَا تَعْمَلُوْنَ خَبِیْرٌ(۲۷۱)
اگر خیرات اعلانیہ دو تو وہ کیا ہی اچھی بات ہے اور اگر چھپا کر فقیروں کو دو یہ تمہارے لئے سب سے بہتر ہے (ف۵۷۶) اور اسمیں تمہارے کچھ گناہ گھٹیں گے، اور اللہ کو تمہارے کاموں کی خبر ہے،

القول في تأويل قوله : إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ وَإِنْ تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْقال أبو جعفر: يعني بقوله جل ثناؤه: " إن تبدوا الصدقات "، إن تعلنوا الصدقات فتعطوها من تصدقتم بها عليه=" فنعما هي"، يقول: فنعم الشيء هي=" وإن تخفوها "، يقول: وإن تستروها فلم تعلنوها= (6) " وتؤتوها الفقراء "، يعني: وتعطوها الفقراء في السر= (7) " فهو خير لكم "، يقول: فإخفاؤكم إياها خير لكم من إعلانها. وذلك في صدقة التطوع، كما:-6195 - حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة قوله: " إن تبدوا الصدقات فنعما هي وإن تخفوها وتؤتوها الفقراء فهو خير لكم "، كل مقبول إذا كانت النية صادقة، وصدقة السر أفضل. وذكر لنا أن الصدقة تطفئ الخطيئة كما يطفئ الماء النار.6196 - حدثني المثنى، قال: حدثنا إسحاق، قال: حدثنا ابن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع، في قوله: " إن تبدوا الصدقات فنعما هي وإن تخفوها وتؤتوها الفقراء فهو خير لكم "، قال: كل مقبول إذا كانت النية صادقة، والصدقة في السر أفضل. وكان يقول: إن الصدقة تطفئ الخطيئة كما يطفئ الماء النار.6197 - حدثني المثنى، قال: حدثنا عبد الله، قال: حدثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس قوله: " إن تبدوا الصدقات فنعما هي وإن تخفوها وتؤتوها الفقراء فهو خير لكم "، فجعل الله صدقة السر في التطوع تفضل علانيتها بسبعين ضعفا، وجعل صدقة الفريضة: علانيتها أفضل من سرها، يقال بخمسة وعشرين ضعفا، وكذلك جميع الفرائض والنوافل في الأشياء كلها. (8) .6198 - حدثني عبد الله بن محمد الحنفي، قال: حدثنا عبد الله بن عثمان، قال: حدثنا عبد الله بن المبارك، قال: سمعت سفيان يقول في قوله: " إن تبدوا الصدقات فنعما هي وإن تخفوها وتؤتوها الفقراء فهو خير لكم "، قال: يقول: هو سوى الزكاة. (9) .* * *وقال آخرون: إنما عنى الله عز وجل بقوله: " إن تبدوا الصدقات فنعما هي"، إن تبدوا الصدقات على أهل الكتابين من اليهود والنصارى فنعما هي، وإن تخفوها وتؤتوها فقراءهم فهو خير لكم. قالوا: وأما ما أعطى فقراء المسلمين من زكاة وصدقة تطوع، فإخفاؤه أفضل من علانيته.* ذكر من قال ذلك:6199 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: ثني عبد الرحمن بن شريح، أنه سمع يزيد بن أبي حبيب يقول: إنما نزلت هذه الآية: (10) " إن تبدوا الصدقات فنعما هي"، في الصدقة على اليهود والنصارى. (11) .6200 - حدثني عبد الله بن محمد الحنفي، قال: أخبرنا عبد الله بن عثمان، قال: أخبرنا ابن المبارك، قال: أخبرنا ابن لهيعة، قال: كان يزيد بن أبي حبيب يأمر بقسم الزكاة في السر= قال عبد الله: أحب أن تعطى في العلانية= يعني الزكاة.* * *قال أبو جعفر: ولم يخصص الله من قوله: " إن تبدوا الصدقات فنعما هي" [ شيئا دون شيء]، فذلك على العموم إلا ما كان من زكاة واجبة، (12) فإن الواجب من الفرائض قد أجمع الجميع على أن الفضل في إعلانه وإظهاره سوى الزكاة التي ذكرنا اختلاف المختلفين فيها مع إجماع جميعهم على أنها واجبة، فحكمها في أن الفضل في أدائها علانية، حكم سائر الفرائض غيرها.* * *القول في تأويل قوله : وَيُكَفِّرُ عَنْكُمْ مِنْ سَيِّئَاتِكُمْقال أبو جعفر: اختلف القراء في قراءة ذلك.فروي عن ابن عباس أنه كان يقرؤه: ( وتكفر عنكم ) بالتاء.ومن قرأه كذلك. فإنه يعني به: وتكفر الصدقات عنكم من سيئاتكم.* * *وقرأ آخرون: ( وَيُكَفِّرُ عَنْكُمْ ) بالياء، بمعنى: ويكفر الله عنكم بصدقاتكم، على ما ذكر في الآية من سيئاتكم.* * *وقرأ ذلك بعد عامة قراء أهل المدينة والكوفة والبصرة، ( ونكفر عنكم ) بالنون وجزم الحرف، يعني: وإن تخفوها وتؤتوها الفقراء نكفر عنكم من سيئاتكم= بمعنى: مجازاة الله عز وجل مخفي الصدقة بتكفير بعض سيئاته بصدقته التي أخفاها.* * *قال أبو جعفر: وأولى القراءات في ذلك عندنا بالصواب قراءة من قرأ: ( ونكفر عنكم ) بالنون وجزم الحرف، على معنى الخبر من الله عن نفسه أنه يجازي المخفي صدقته من التطوع ابتغاء وجهه من صدقته، بتكفير سيئاته. وإذا قرئ كذلك، فهو مجزوم على موضع " الفاء " في قوله: " فهو خير لكم ". لأن " الفاء " هنالك حلت محل جواب الجزاء.* * *فإن قال لنا قائل: وكيف اخترت الجزم على النسق على موضع " الفاء "، وتركت اختيار نسقه على ما بعد الفاء، وقد علمت أن الأفصح من الكلام في النسق على جواب الجزاء الرفع، وإنما الجزم تجويزه ؟ (13) .قيل: اخترنا ذلك ليؤذن بجزمه أن التكفير- أعني تكفير الله من سيئات المصدق= لا محالة داخل فيما وعد الله المصدق أن يجازيه به على صدقته. لأن ذلك إذا جزم، مؤذن بما قلنا لا محالة، ولو رفع كان قد يحتمل أن يكون داخلا فيما وعده الله أن يجازيه به، وأن يكون خبرا مستأنفا أنه يكفر من سيئات عباده المؤمنين، على غير المجازاة لهم بذلك على صدقاتهم، لأن ما بعد " الفاء " في جواب الجزاء استئناف، فالمعطوف على الخبر المستأنف في حكم المعطوف عليه، في أنه غير داخل في الجزاء، ولذلك من العلة، اخترنا جزم " نكفر " عطفا به على موضع الفاء من قوله: " فهو خير لكم " وقراءته بالنون. (14) .* * *فإن قال قائل: وما وجه دخول " من " في قوله: " ونكفر عنكم من سيئاتكم " قيل: وجه دخولها في ذلك بمعنى: ونكفر عنكم من سيئاتكم ما نشاء تكفيره منها دون جميعها، ليكون العباد على وجل من الله فلا يتكلوا على وعده ما وعد على الصدقات التي يخفيها المتصدق فيجترئوا على حدوده ومعاصيه.* * *وقال بعض نحويي البصرة: معنى " من " الإسقاط من هذا الموضع، (15) ويتأول معنى ذلك: ونكفر عنكم سيئاتكم.* * *القول في تأويل قوله : وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (271)قال أبو جعفر: يعني بذلك جل ثناؤه: " والله بما تعملون " في صدقاتكم، من إخفائها، وإعلان وإسرار بها وجهار، (16) وفي غير ذلك من أعمالكم=" خبير " يعني بذلك ذو خبرة وعلم، (17) لا يخفى عليه شيء من ذلك، فهو بجميعه محيط، ولكله محص على أهله، حتى يوفيهم ثواب جميعه، وجزاء قليله وكثيره.-----------------الهوامش :(6) في المخطوطة والمطبوعة : "فلن تعلنوها" ، وهو فاسد السياق ، والصواب ما أثبت,(7) انظر معنى"الإيتاء" ، في مادة "أتى" من فهارس اللغة فيما سلف .(8) في المطبوعة : "في الأشياء كلها" ، وأثبت ما في المخطوطة .(9) الأثر 6198 -مضى رجال هذا الإسناد برقم : 5000 ، 5009 ، ويأتي برقم : 6200 .(10) في المطبوعة : "هذه آية" وهو خطأ ، والصواب من المخطوطة .(11) الأثر : 6199 -"عبد الرحمن بن شريح بن عبد الله بن محمود بن المعافري" ، أبو شريح الاسكندراني . قال أحمد : ثقة : توفي بالإسكندرية سنة 167 ، وكانت له عبادة وفضل .مترجم في التهذيب .(12) هكذا جاءت الجملة في المخطوطة والمطبوعة ، فزدت ما بين القوسين لتستقيم العبارة بعض الاستقامة ، ولا أشك أنه كان في الكلام سقط من ناسخ ، فأتمته بأقل الألفاظ دلالة على المعنى .وقد مضى كثير من سهو الناسخ في القسم من التفسير ، وسيأتي في هذا القسم من التفسير ، وسيأتي بعد قليل دليل على ذلك في رقم : 6209 .(13) في المطبوعة : "تجويز" بغير إضافة ، وأثبت ما في المخطوطة .(14) هذا من دقيق نظر أبي جعفر في معاني التأويل ، ووجوده اختيار القراءات . ولو قد وصلنا كتابه في القراءات ، الذي ذكره في الجزء الأول : 148 ، وذكر فيه اختياره من القراءة ، والعلل الموجبة صحة ما اختاره - لجاءنا كتاب لطيف المداخل والمخارج ، فيما نستظهر .(15) "الإسقاط" يعنى به : الزيادة ، والحذف ، وهو الذي يسمى أيضًا"صلة" ، كما مضى مرارا ، واطلبه في فهرس المصطلحات .(16) في المطبوعة : "وإجهار" ، والصواب من المخطوطة .(17) انظر تفسير"خبير"فيما سلف 1 : 496 /ثم 5 : 94 .
2:272
لَیْسَ عَلَیْكَ هُدٰىهُمْ وَ لٰكِنَّ اللّٰهَ یَهْدِیْ مَنْ یَّشَآءُؕ-وَ مَا تُنْفِقُوْا مِنْ خَیْرٍ فَلِاَنْفُسِكُمْؕ-وَ مَا تُنْفِقُوْنَ اِلَّا ابْتِغَآءَ وَجْهِ اللّٰهِؕ-وَ مَا تُنْفِقُوْا مِنْ خَیْرٍ یُّوَفَّ اِلَیْكُمْ وَ اَنْتُمْ لَا تُظْلَمُوْنَ(۲۷۲)
انہیں راہ دینا تمہارے ذمہ لازم نہیں، (ف۵۷۷) ہاں اللہ راہ دیتا ہے جسے چاہتا ہے، اور تم جو اچھی چیز دو تو تمہارا ہی بھلا ہے (ف۵۷۸) اور تمہیں خرچ کرنا مناسب نہیں مگر اللہ کی مرضی چاہنے کے لئے، اور جو مال دو تمہیں پورا ملے گا اور نقصان نہ دیئے جاؤ گے،

القول في تأويل قوله عز وجل : لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَلأَنْفُسِكُمْ وَمَا تُنْفِقُونَ إِلا ابْتِغَاءَ وَجْهِ اللَّهِ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لا تُظْلَمُونَ (272)قال أبو جعفر: يعني تعالى ذكره بذلك: ليس عليك يا محمد هدى المشركين إلى الإسلام، فتمنعهم صدقة التطوع، ولا تعطيهم منها ليدخلوا في الإسلام حاجة منهم إليها، ولكن الله هو يهدي من يشاء من خلقه إلى الإسلام فيوفقهم له، فلا تمنعهم الصدقة، كما:-6201 - حدثنا أبو كريب، قال: حدثنا ابن يمان، عن أشعث، عن جعفر، عن شعبة، قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم لا يتصدق على المشركين، فنزلت: " وما تنفقون إلا ابتغاء وجه الله "، فتصدق عليهم.6202 - حدثنا أبو كريب، قال: حدثنا أبو داود، عن سفيان، عن الأعمش، عن جعفر بن إياس، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، قال: كانوا لا يرضخون لقراباتهم من المشركين، فنزلت: " ليس عليك هداهم ولكن الله يهدي من يشاء ". (18) .6203 - حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا أبي، عن سفيان، عن رجل، عن سعيد بن جبير، قال: كانوا يتقون أن يرضخوا لقراباتهم من المشركين، حتى نزلت: " ليس عليك هداهم ولكن الله يهدي من يشاء ".6204 - حدثنا محمد بن بشار وأحمد بن إسحاق، قالا حدثنا أبو أحمد، قال: حدثنا سفيان، عن الأعمش، عن جعفر بن إياس، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، قال: كانوا لا يرضخون لأنسبائهم من المشركين، فنزلت: " ليس عليك هداهم ولكن الله يهدي من يشاء " فرخص لهم.6205 - حدثنا المثنى، قال: حدثنا سويد، قال: أخبرنا ابن المبارك، عن سفيان، عن الأعمش، عن جعفر بن إياس، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، قال: كان أناس من الأنصار لهم أنسباء وقرابة من قريظة والنضير، وكانوا يتقون أن يتصدقوا عليهم، ويريدونهم أن يسلموا، فنزلت: " ليس عليك هداهم..." الآية.6206 - حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة، وذكر لنا أن رجالا من أصحاب نبي الله قالوا: أنتصدق على من ليس من أهل ديننا؟ فأنزل الله في ذلك القرآن: " ليس عليك هداهم ".6207 - حدثني المثنى، قال: حدثنا إسحاق، قال: حدثنا ابن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع في قوله: " ليس عليك هداهم ولكن الله يهدي من يشاء "، قال: كان الرجل من المسلمين إذا كان بينه وبين الرجل من المشركين قرابة وهو محتاج، فلا يتصدق عليه، يقول: ليس من أهل ديني!! فأنزل الله عز وجل: " ليس عليك هداهم " الآية.6208 - حدثني موسى ، قال: (19) حدثنا عمرو، قال: حدثنا أسباط، عن السدي قوله: " ليس عليك هداهم ولكن الله يهدي من يشاء، وما تنفقوا من خير فلأنفسكم "، أما " ليس عليك هداهم "، فيعني المشركين، وأما " النفقة " فبين أهلها.6209 - حدثني المثنى، قال: حدثنا الحماني، قال: حدثنا يعقوب القمي، عن جعفر بن أبي المغيرة، عن سعيد بن جبير قال: كانوا يتصدقون [ على فقراء أهل الذمة ، فلما كثر فقراء المسلمين قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لا تتصدقوا إلا على أهل دينكم . فنزلت : هذه الآية ، مبيحة للصدقة على من ليس من دين الإسلام ]. (20) .* * *..........................................................................................................................................................* * *كما:-6210 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد في قوله: " يوف إليكم وأنتم لا تظلمون "، قال: هو مردود عليك، فمالك ولهذا تؤذيه وتمن عليه؟ إنما نفقتك لنفسك وابتغاء وجه الله، والله يجزيك. (21) .---------------------الهوامش :(18) الأثر : 6202 -"جعفر بن إياس" ، هو ابن أبي وحشية اليشكري ، أبو بشر الواسطي . ثقة ، وهو من أثبت الناس في سعيد بن جبير . واختلف في سنة وفاته بين سنة 123 وسنة : 131 . مترجم في التهذيب . وروي الأثر ابن كثير في تفسيره 2 : 49 عن أبي عبدالرحمن النسائي بإسناده ، وقال : وكذا رواه أبو حذيفة ، وابن المبارك ، وأبو أحمد الزبيري ، وأبو داود الحضرمي ، عن سفيان -وهو الثوري - به" . ولم ينسبه لأبي جعفر ، وهذا دليل على ما قدمته في تصدير الأجزاء السالفة أن ابن كثير وغيره ، قد أقلوا النقل عن أبي جعفر بعد الجزء الأول من تفسيره ."رضخ له من ماله يرضخ رضخا ، ورضخ له من ماله رضيخة" : أعطاه عطية مقاربة ، بين القليل والكثير .(19) الأثر : 6208 -في المطبوعة والمخطوطة : "حدثنا محمد ، قال حدثنا عمرو..." ، والصواب"موسى" وهو موسى بن هارون ، عن عمرو بن حماد" وهو إسناد دائر من أول التفسير . وسيأتي هذا الأثر نفسه ، وتتمته برقم : 6211 ، وبإسناده على صوابه . وقد مضى بيان أخي السيد أحمد عن هذا الإسناد في الأثر رقم : 168 .(20) الأثر : 6209 -كان الكلام مبتورا في الموضع من المخطوطة والمطبوعة ، ولكن الناسخ ساقه سياقا واحدا هكذا : "كانوا يتصدقون ، كما حدثني يونس قال ، أخبرنا ابن وهب..." وقد أشرت في ص : 584 ، التعليق : وغيره من تعليقاتي السالفة ، إلى ما وقع فيه الناسخ من الغفلة والسهو .وقد زدت ما بين القوسين مما رواه القرطبي في تفسيره 3 : 337 ، قال روي سعيد بن جبير مرسلا عن النبي صلى الله عليه وسلم في سبب نزول هذه الآية : "أن المسلمين كانوا يتصدقون على فقراء أهل الذمة . . . " إلى آخر ما نقلت . فرجحت أن هذا الأثر الساقط من هذا الموضع ، فأثبته بنصه من القرطبي ، ولكن بقى صدر الكلام الآتي مبتورا ، فوضعت نقطا مكان هذا البتر .(21) الأثر : 6210 -ما قبل هذا الأثر بتر لا أستطيع أن أقدر مبلغه . وأخرج الأثر السيوطي في الدر المنثور 1 : 357 -358 .
2:273
لِلْفُقَرَآءِ الَّذِیْنَ اُحْصِرُوْا فِیْ سَبِیْلِ اللّٰهِ لَا یَسْتَطِیْعُوْنَ ضَرْبًا فِی الْاَرْضِ٘-یَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ اَغْنِیَآءَ مِنَ التَّعَفُّفِۚ-تَعْرِفُهُمْ بِسِیْمٰىهُمْۚ-لَا یَسْــٴَـلُوْنَ النَّاسَ اِلْحَافًاؕ-وَ مَا تُنْفِقُوْا مِنْ خَیْرٍ فَاِنَّ اللّٰهَ بِهٖ عَلِیْمٌ۠(۲۷۳)
ان فقیروں کے لئے جو راہ خدا میں روکے گئے (ف۵۷۹) زمین میں چل نہیں سکتے (ف۵۸۰) نادان انہیں تونگر سمجھے بچنے کے سبب (ف۵۸۱) تو انہیں ان کی صورت سے پہچان لے گا (ف۵۸۲) لوگوں سے سوال نہیں کرتے کہ گڑ گڑانا پڑے اور تم جو خیرات کرو اللہ اسے جانتا ہے،

القول في تأويل قوله : لِلْفُقَرَاءِ الَّذِينَ أُحْصِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ لا يَسْتَطِيعُونَ ضَرْبًا فِي الأَرْضِ يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاءَ مِنَ التَّعَفُّفِ تَعْرِفُهُمْ بِسِيمَاهُمْ لا يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافًا وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ (273)قال أبو جعفر: أما قوله: " للفقراء الذين أحصروا في سبيل الله "، فبيان من الله عز وجل عن سبيل النفقة ووجهها. ومعنى الكلام: وما تنفقوا من خير فلأنفسكم تنفقون للفقراء الذين أحصروا في سبيل الله." واللام " التي في" الفقراء " مردودة على موضع " اللام " في" فلأنفسكم " كأنه قال: " وما تنفقوا من خير " - يعني به: وما تتصدقوا به من مال فللفقراء الذين أحصروا في سبيل الله. فلما اعترض في الكلام بقوله: " فلأنفسكم "، فأدخل " الفاء " التي هي جواب الجزاء فيه، تركت إعادتها في قوله: " للفقراء "، إذ كان الكلام مفهوما معناه، كما:-6211 - حدثني موسى، قال: حدثنا عمرو، قال: حدثنا أسباط، عن السدي قوله: لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَلأَنْفُسِكُمْ ، أما: " ليس عليك هداهم "، فيعني المشركين. وأما " النفقة " فبين أهلها، فقال: " للفقراء الذين أحصروا في سبيل الله ". (22) .* * *وقيل: إن هؤلاء الفقراء الذين ذكرهم الله في هذه الآية، هم فقراء المهاجرين عامة دون غيرهم من الفقراء.* ذكر من قال ذلك:6212 - حدثني محمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قوله: " للفقراء الذين أحصروا في سبيل الله "، مهاجري قريش بالمدينة مع النبي صلى الله عليه وسلم، أمر بالصدقة عليهم.6213 - حدثني المثنى، قال: حدثنا إسحاق، قال: حدثنا ابن أبي جعفر، عن أبيه قوله: " للفقراء الذين أحصروا في سبيل الله " الآية، قال: هم فقراء المهاجرين بالمدينة.6214 - حدثني موسى، قال: حدثنا عمرو، قال: حدثنا أسباط، عن السدى: " للفقراء الذين أحصروا في سبيل الله "، قال: فقراء المهاجرين.* * *القول في تأويل قوله عز وجل : الَّذِينَ أُحْصِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِقال أبو جعفر: يعني تعالى ذكره بذلك: الذين جَعلهم جهادُهم عدوَّهم يُحْصِرون أنفسَهم فيحبسونها عن التصرُّف فلا يستطيعون تصرّفًا. (23) .* * *وقد دللنا فيما مضى قبلُ على أن معنى " الإحصار "، تصيير الرجل المحصَر بمرضه أو فاقته أو جهاده عدوَّه، وغير ذلك من علله، إلى حالة يحبس نفسَه فيها عن التصرُّف في أسبابه، بما فيه الكفاية فيما مضى قبل. (24) .* * *وقد اختلف أهل التأويل في تأويل ذلك، (25) .فقال بعضهم: في ذلك بنحو الذي قلنا فيه.* ذكر من قال ذلك:6215 - حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن قتادة في قوله: " الذين أحصروا في سبيل الله "، قال: حَصَروا أنفسهم في سبيل الله للغزو.6216 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد في قوله: " للفقراء الذين أحصروا في سبيل الله "، قال: كانت الأرض كلُّها كفرًا، لا يستطيع أحدٌ أن يخرج يبتغي من فضل الله، إذا خرج خرج في كُفر= وقيل: كانت الأرضُ كلها حربًا على أهل هذا البلد، وكانوا لا يتوجَّهون جهة إلا لهم فيها عدوّ، فقال الله عز وجل: " للفقراء الذين أحصروا في سبيل الله " الآية، كانوا ههنا في سبيل الله.* * *وقال آخرون: بل معنى ذلك: الذين أحصرهم المشركون فمنعوهم التصرُّف.* ذكر من قال ذلك:6217 - حدثني موسى بن هارون، قال: حدثنا عمرو، قال: حدثنا أسباط، عن السدي: " للفقراء الذين أحصروا في سبيل الله "، حصرهم المشركون في المدينة.* * *قال أبو جعفر: ولو كان تأويل الآية على ما تأوله السدّيّ، لكان الكلام: للفقراء الذين حُصروا في سبيل الله، ولكنه " أحصِروا "، فدلّ ذلك على أن خوفهم من العدوّ الذي صيَّر هؤلاء الفقراء إلى الحال التي حَبَسوا -وهم في سبيل الله- أنفسَهم، لا أنّ العدوَّ هم كانوا الحابِسِيهم.وإنما يقال لمن حبسه العدوّ: " حصره العدوّ"، وإذا كان الرّجل المحبَّس من خوف العدوّ، قيل: " أحصره خوفُ العدّو ". (26) .* * *القول في تأويل قوله : لا يَسْتَطِيعُونَ ضَرْبًا فِي الأَرْضِقال أبو جعفر: يعني بذلك جل ثناؤه: لا يستطيعون تقلُّبًا في الأرض، وسفرًا في البلاد، ابتغاءَ المعاش وطَلبَ المكاسب، (27) فيستغنوا عن الصدقات، رهبةَ العدوّ وخوفًا على أنفسهم منهم. كما:-6218 - حدثني الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن قتادة: " لا يستطيعون ضربًا في الأرض " حبسوا أنفسهم في سبيل الله للعدوّ، فلا يستطيعون تجارةً.6219 - حدثني موسى، قال: حدثنا عمرو، قال: حدثنا أسباط، عن السدي: " لا يستطيعون ضربًا في الأرض "، يعني التجارة.6220 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد قوله: " لا يستطيعون ضربًا في الأرض "، كان أحدهم لا يستطيع أن يخرج يبتغي من فَضْل الله.* * *القول في تأويل قوله : يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاءَ مِنَ التَّعَفُّفِقال أبو جعفر: يعني بذلك: " يحسبهم الجاهل " بأمرهم وحالهم=" أغنياء " من تعففهم عن المسألة، وتركهم التعرض لما في أيدي الناس، صبرًا منهم على البأساء والضراء. كما:-6221 - حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة قوله: " يحسبهم الجاهل أغنياء "، يقول: يحسبهم الجاهل بأمرهم أغنياء من التعفف. (28) .* * *ويعني بقوله: " منَ التعفف "، من تَرْك مسألة الناس.* * *وهو " التفعُّل " من " العفة " عن الشيء، والعفة عن الشيء، تركه، كما قال رؤبة:* فَعَفَّ عَنْ أسْرَارِهَا بَعْدَ العَسَقْ* (29)يعني بَرئ وتجنَّبَ.* * *القول في تأويل قوله : تَعْرِفُهُمْ بِسِيمَاهُمْقال أبو جعفر: يعني بذلك جل ثناؤه: " تعرفهم " يا محمد=" بسيماهم "، يعني بعلامتهم وآثارهم، من قول الله عز وجل: سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ [سورة الفتح: 29]، هذه لغة قريش. ومن العرب من يقول: " بسيمائهم " فيمدها.وأما ثقيف وبعض أسَدٍ، فإنهم يقولون: " بسيميائهم "; ومن ذلك قول الشاعر: (30) .غُلامٌ رَمَاهُ اللهُ بالحُسْنِ يَافِعًالَهُ سِيمِيَاءٌ لا تَشُقُّ عَلَى البَصَرْ (31)* * *وقد اختلف أهل التأويل في" السيما " التي أخبر الله جل ثناؤه أنها لهؤلاء الفقراء الذين وصفَ صفتهم، وأنهم يعرفون بها. (32)فقال بعضهم: هو التخشُّع والتواضع.ذكر من قال ذلك:6222 - حدثني محمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، عن عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قوله: " تعرفهم بسيماهم " قال: التخشُّع.6223 - حدثني المثنى، قال: حدثنا أبو حذيفة، قال: حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله.6224 - حدثني المثنى، قال: حدثنا ابن أبي جعفر، عن أبيه، عن ليث، قال: كان مجاهد يقول: هو التخشُّع.* * *وقال آخرون يعني بذلك: تعرفهم بسيما الفقر وجَهد الحاجة في وجُوههم.* ذكر من قال ذلك:6225 - حدثني موسى، قال: حدثنا عمرو، قال: حدثنا أسباط، عن السدي: " تعرفهم بسيماهم "، بسيما الفقر عليهم.6226 - حدثني المثنى، قال: حدثنا إسحاق، قال: حدثنا ابن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع في قوله: " تعرفهم بسيماهم "، يقول: تعرف في وجوههم الجَهد من الحاجة.* * *وقال آخرون: معنى ذلك: تعرفهم برثاثة ثيابهم. وقالوا: الجوعُ خفيّ.* ذكر من قال ذلك:6227 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد: " تعرفهم بسيماهم " قال: السيما: رثاثة ثيابهم، والجوع خفي على الناس، ولم تستطع الثياب التي يخرجون فيها [أن] تخفى على الناس. (33) .* * *قال أبو جعفر: وأول الأقوال في ذلك بالصواب: أن يقال: إن الله عز وجل أخبر نبيَّه صلى الله عليه وسلم أنه يعرفهم بعلاماتهم وآثار الحاجة فيهم. وإنما كان النبيُّ صلى الله عليه وسلم يدرك تلك العلامات والآثار منهم عند المشاهدة بالعِيان، فيعرفُهم وأصحابه بها، كما يُدرك المريضُ فيعلم أنه مريض بالمعاينة.وقد يجوز أن تكون تلك السيما كانت تخشُّعًا منهم، وأن تكون كانت أثر الحاجة والضرّ، وأن تكون كانت رثاثة الثياب، وأن تكون كانت جميعَ ذلك، وإنما تُدرك علامات الحاجة وآثار الضر في الإنسان، ويعلم أنها من الحاجة والضر، بالمعاينة دون الوصف. وذلك أن المريض قد يصير به في بعض أحوال مرضه من المرض، نظيرُ آثار المجهود من الفاقة والحاجة، وقد يلبس الغني ذو المال الكثير الثيابَ الرثة، فيتزيّى بزيّ أهل الحاجة، فلا يكون في شيء من ذلك دلالة بالصّفة على أنّ الموصوف به مختلٌّ ذو فاقة. وإنما يدري ذلك عند المعاينة بسيماه، كما وصف الله (34) نظير ما يُعرف أنه مريض عند المعاينة، دون وَصْفه بصفته.* * *القول في تأويل قوله : لا يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافًاقال أبو جعفر: يقال: " قد ألحف السائل في مسألته "، إذا ألحّ=" فهو يُلحف فيها إلحافًا ".* * *فإن قال قائل: أفكان هؤلاء القوم يسألون الناس غيرَ إلحاف؟قيل: غير جائز أن يكون كانوا يسألون الناس شيئًا على وجه الصدقة إلحافًا أو غير إلحاف، (35) وذلك أن الله عز وجل وصفهم بأنهم كانوا أهل تعفف، وأنهم إنما كانوا يُعرفون بسيماهم. فلو كانت المسألة من شأنهم، لم تكن صفتُهم التعفف، ولم يكن بالنبي صلى الله عليه وسلم إلى علم معرفتهم بالأدلة والعلامة حاجة، وكانت المسألة الظاهرة تُنبئ عن حالهم وأمرهم.وفي الخبر الذي:-6228 - حدثنا به‌ بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة، عن هلال بن حصن، عن أبي سعيد الخدري، قال: أعوزنا مرة فقيل لي: لو أتيتَ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم فسألته! فانطلقت إليه مُعْنِقًا، فكان أوّل ما واجهني به: " من استعفّ أعفَّه الله، ومَن استغنى أغناهُ الله، ومن سألنا لم ندّخر عنه شيئًا نجده ". قال: فرجعت إلى نفسي، فقلت: ألا أستعفّ فيُعِفَّني الله! فرجعت، فما سألتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئًا بعد ذلك من أمر حاجة، حتى مالت علينا الدنيا فغرَّقَتنا، إلا من عَصَم الله. (36) .* * *(37) .=الدلالةُ الواضحةُ على أنّ التعفف معنى ينفي معنى المسألة من الشخص الواحد، وأنَّ من كان موصوفًا بالتعفف فغير موصوف بالمسألة إلحافًا أو غير إلحاف. (38) .* * *فإن قال قائل: فإن كان الأمر على ما وصفت، فما وجه قوله: " لا يسألون الناس إلحافا "، وهم لا يسألون الناس إلحافًا أو غير إلحاف (39) .قيل له: وجه ذلك أن الله تعالى ذكره لما وصفهم بالتعفف، وعرّف عبادَه أنهم ليسوا أهل مسألة بحالٍ بقوله: يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاءَ مِنَ التَّعَفُّفِ ، وأنهم إنما يُعرفون بالسيما- زاد عبادَه إبانة لأمرهم، وحُسنَ ثناءٍ عليهم، بنفي الشَّره والضراعة التي تكون في الملحِّين من السُّؤَّال، عنهم. (40) .وقد كان بعضُ القائلين يقول: (41) ذلك نظيرُ قول القائل: " قلَّما رأيتُ مثلَ فلان "! ولعله لم يَرَ مثله أحدًا ولا نظيرًا.* * *وبنحو الذي قلنا في معنى الإلحاف قال أهل التأويل.* ذكر من قال ذلك:6229 - حدثني موسى بن هارون، قال: حدثنا عمرو، قال: حدثنا أسباط، عن السدي: " لا يسألون الناس إلحافًا "، قال: لا يلحفون في المسألة.6230 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد في قوله: " لا يسألون الناس إلحافًا "، قال: هو الذي يلح في المسألة.6231 - حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة قوله: " لا يسألون الناس إلحافًا "، ذكر لنا أن نبيّ الله صلى الله عليه وسلم كان يقول: " إن الله يحب الحليمَ الغنيّ المتعفف، ويبغض الغنيّ الفاحشَ البذِىء السائلَ الملحفَ= قال: وذكر لنا أن نبيّ الله صلى الله عليه وسلم كان يقول: إن الله عز وجل كره لكم ثلاثًا: قيلا وقالا (42) وإضاعةَ المال، وكثرةَ السؤال. فإذا شئت رأيته في قيل وقال يومه أجمع وصدرَ ليلته، حتى يُلقى جيفةً على فراشه، لا يجعلُ الله له من نهاره ولا ليلته نصيبًا. وإذا شئت رأيته ذَا مال[ ينفقه] في شهوته ولذاته وملاعبه، (43) .وَيعدِ له عن حقّ الله، فذلك إضاعة المال، وإذا شئت رأيته باسطًا ذراعيه، يسأل الناس في كفيه، فإذا أعطي أفرط في مدحهم، وإنْ مُنع أفرط في ذَمهم...........................................................................................................................................................(44) .-------------------الهوامش :(22) الأثر : 6211- انظر الأثر السالف رقم : 6208 والتعليق عليه .(23) التصرف : الكسب . يقال "فلان يصرف لعياله ، ويتصرف لهم ، ويصطرف" ، أي يكتسب لهم. وهو من الصرف والتصرف : وهو التقلب والحيلة .(24) انظر ما سلف 4 : 21 -26 .(25) في المخطوطة : "وقال : اختلف أهل التأويل..." . وهما سواء .(26) انظر تفضيل ذلك فيما سلف 4 : 21 -26 .(27) في المخطوطة : "المكاسر" ، وهو دليل مبين عن غفلة الناسخ وعجلته ، كما أسلفت مرارًا كثيرة .(28) الأثر : 6221 -كان الإسناد في المطبوعة والمخطوطة : "كما حدثنا يزيد قال حدثنا سعيد..." أسقط الناسخ من الإسناد"حدثنا بشر قال" ، كما زدته ، وهو إسناد دائر دورانًا في التفسير أقربه رقم : 6206 .(29) مضى تخريج هذا البيت وتفسيره في 5 : 110 ، ولم يذكر هناك مجيء ذكره في هذا الموضع من التفسير ، فقيده هناك .(30) هو ابن عنقاء الفزاري ، وعنقاء أمه ، وقد اختلف في اسمه ، فقال القالي في أماليه 1 : 237 : "أسيد" ، وقال الآمدي في المؤلف والمختلف : 159 ، وقال المرزباني في معجم الشعراء : "فيس بن بجرة" (بالجيم) ، أو"عبد قيس بن بجرة" ، وفي النقائض : 106"عبد قيس ابن بحرة" بالحاء الساكنة وفتح الباء ، وهكذا كان في أصل اللآليء شرح أماني القالي : 543 ، وغيره العلامة الراجكوتي"بجرة" بضم الباء وبالجيم الساكنة عن الإصابة في ترجمة"قيس بن بجرة" وفي هذه الترجمة أخطاء كثيرة . وذكر شيخنا سيد بن علي المرصفي في شرح الكامل 1 : 108 أنه أسيد بن ثعلبة ابن عمرو . وهذا كاف في تعيين الاختلاف . وابن عنقاء ، عاش في الجاهلية دهرًا ، وأدرك الإسلام كبيرًا ، وأسلم .(31) يأتي في التفسير 4 : 55 /8 : 141 (بولاق) والأغاني 17 : 117 ، الكامل 1 : 14 ، المؤلف والمختلف ، ومعجم الشعراء : 159 ، 323 ، أمالى القالي 1 : 237 ، الحماسة 4 : 68 ، وسمط اللآليء : 543 ، وغيرها كثير . من أبيات جياد في قصة ، ذكرها القالي في أماليه . وذلك أن ابن عنقاء كان من أكثر أهل زمانه وأشدهم عارضة ولسانًا ، فطال عمره ، ونكبه دهره ، فاختلت حاله ، فمر عميلة بن كلدة الفزاري ، وهو غلام جميل من سادات فزارة ، فسلم عليه وقال : ياعم ، ما أصارك إلى ما أدري؟ فقال : بخل مثلك بماله ، وصوني وجهى عن مسألة الناس! فقال والله لئن بقيت إلى غد لأغيرن ما أردي من حالك . فرجع ابن عنقاء فأخبر أهله ، فقالت : لقد غرك كلام جنح ليل!! فبات متململا بين اليأس والرجاء . فلما كان السحر ، سمع رغاء الإبل ، وثغاء الشاء وصهيل الخيل ، ولجب الأموال ، فقال : ما هذا؟ فقال : هذا عميلة ساق إليك ماله! ثم قسم عميلة ماله شطرين وساهمه عليه ، فقال ابن عنقاء فيه يمجده: رَآنِي عَلَى مَا بِي عُمَيْلَةُ فَاشْتَكَىإِلَى مَالِهِ حَالي أسرَّ كَمَا جَهَرْدَعَانِي فآسَانِي وَلَوْ ضَنَّ لَمْ أَلُمْعَلَى حِينَ لاَ بَدْوٌ يُرجَّى ولا حَضَرْفَقُلْتُ لَهُ خيرًا وأَثْنَيْتُ فِعْلَهُوَأَوْفَاكَ مَا أَبْلَيْتَ مَنْ ذَمَّ أَوْ شَكَرْغُلاَمٌ رَمَاهُ الله بِالخَيْرِ يافِعًالَهُ سِيمِيَاءُ لا تَشُقُّ عَلَى البَصَرْكَأَنَّ الثُريَّا عُلِّقَتْ في جَبِينِهِوَفِي خَدِّهِ الشِّعْرَي وَفِي وَجْهِهِ القَمَرْإذا قِيلَتِ العَوْرَاءُ أَغْضَى كَأَنّهُذَلِيلٌ بِلاَ ذُلّ وَلَوْ شَاءَ لاَنْتَصَرْكَرِيمٌ نَمَتْهُ لِلمكَارِمِ حُرَّةٌفَجَاءَ وَلاَ بُخْلٌ لَدَيْهِ ولا حَصَرْوَلَمَّا رَأَى المَجْدَ استُعيرت ثِيَابُهتَرَدَّى رِدَاءً وَاسِعَ الذّيْلِ وَأتْزَرْوهذا شعر حر ، ينبع من نفس حرة . هذا وقد روي الطبري في 8 : 141"رماه الله بالحسن إذ رمي" . وقال أبو رياش فيما انتقده على أبي العباس المبرد : "لا يروي بيت ابن عنقاء : "رماه الله بالحسن..." إلا أعمى البصيرة ، لأن الحسن مولود ، وإنما هو : رماه الله بالخير يافعًا" .وقوله : "لا تشق على البصر" ، أي لا تؤذيه بقبح أو ردة أو غيرهما ، بل تجلي بها العين ، وتسر النفس وترتاح إليها .(32) في المخطوطة والمطبوعة : "وصفت صفتهم" ، وهو مخالف للسياق ، والصواب ما أثبت ، وصف الله صفتهم .(33) ما بين القوسين زيادة لا بد منها ، لتستقيم العبارة .(34) في المخطوطة والمطبوعة : "كما وصفهم الله" ، والسياق يقتضي ما أثبت . والمخطوطة التي نقلت عنها ، فيما نظن ، كل النسخ المخطوطة التي طبع عنها، مضطربة الخط ، كما سلف الدليل على ذلك مرارًا ، وفي هذا الموضع من كتابة الناسخ بخاصة .(35) في المطبوعة : "إلحافا وغير إلحاف" ، بالواو ، وهو لا يستقيم ، والصواب ما أثبت . وانظر معاني القرآن للفراء 1 : 181 ، وقد قال : "ومثله قولك في الكلام : قلما رأيت مثل هذا الرجل! ، ولعلك لم تر قليلًا ولا كثيرًا من أشباهه" وسيأتي بعد ، في ص : 599 ، وفي اللسان (لحف) ، وذكر الآية : "أي ليس منهم سؤال فيكون إلحاف، كما قال امرؤ القيس [يصف طريقًا غير مسلوكة: عَلَى لاَحِبٍ لاَ يُهْتَدَي بِمَنَارِهِ[ إِذَا سَافَهُ العَوْدُ النُّبَاطِيُّ جَرْجَرا ]المعنى : "ليس به منار فيهتدى به" .(36) الحديث : 6228 -إسناده صحيح .هلال بن حصن ، أخو بني مرة بن عباد ، من بني قيس بن ثعلبة : تابعى ثقة . ذكره ابن حبّان في الثقات ، ص : 364 ، وترجمه البخاري في الكبير 4 / 2/ 204 ، وابن أبي حاتم 4 /2/ 73 -فلم يذكرا فيه جرحا . وهو مترجم في التعجيل ، ص : 434 .والحديث رواه أحمد في المسند : 14221 ، 14222 (ج 3 ص 44 حلبي) ، عن محمد بن جعفر وحجاج ، ثم عن حسين بن محمد -ثلاثتهم عن شعبة ، عن أبي حمزة ، عن هلال بن حصن ، عن أبي سعيد . فذكر نحوه بأطول منه .وهذا أيضًا إسناد صحيح .أبو حمزة : هو البصري"جار شعبة" ، عرف بهذا . واسمه : عبد الرحمن بن عبد الله المازني" ، ثقة ، مترجم في التهذيب 6 : 219 .وقد ثبت في ترجمة"هلال بن حصن" -في الكبير ، وابن أبي حاتم ، والثقات ، والتعجيل ، أنه روى عنه أيضًا"أبو حمزة" . وشك في صحة ذلك العلامة الشيخ عبد الرحمن اليماني مصحح التاريخ الكبير ، واستظهر أن يكون صوابه "أبو جمرة" ، يعنى نصر بن عمران الضبعي . ولكن يرفع هذا الشك أنه في المسند أيضًا "أبو حمزة" . لاتفاقه مع ما ثبت في التراجم ." أعوز الرجل فهو معوز" : ساءت حاله وحل عليه الفقر ."أعنق الرجل إلى الشيء يعنق" : أسرع إليه إسراعًا .(37) سياق الكلام : "وفي الخبر... الدلالة الواضحة..."(38) في المخطوطة والمطبوعة في الموضعين : "إلحافا وغير إلحاف""بالواو ، وانظر التعليق السالف رقم : 1 ص598 .(39) في المخطوطة والمطبوعة في الموضعين : "إلحافا وغير إلحاف""بالواو ، وانظر التعليق السالف رقم : 1 ص598 .(40) "السؤال" جمع سائل ، على زنة""جاهل وجهال" . والسياق : "بنفي الشره...عنهم" .(41) في المطبوعة : و "قال : كان بعض القائلين يقول في ذلك نظير قول القائل" هو كلام شديد الخلل . وفي المخطوطة : "وقال كاد بعض القائلين يقول ... "وسائره كالذي كان في المطبوعة" وهو أشدّ اختلالا وفسادًا . وصواب العبارة ما استظهرته فأثبته . وهذا الذي حكاه أبو جعفر هو قول الفراء في معاني القرآن 1 : 181 ، كما سلف في ص : 598 التعليق : 1 .(42) في المطبوعة : "قيل وقال" وهو صواب ، وهما فعلان من قولهم"قيل كذا" و"قال كذا" ، وهو نهى عن القول بما لا يصح و لا يعلم . وأثبت ما في المخطوطة ، وهما مصدران بمعنى الإشارة إلى هذين الفعلين الماضين ، يجعلان حكاية متضمنة للضمير والإعراب ، على إجرائهما مجرى الأسماء خلوين من الضمير ، فيدخل عليهما حرف التعريف لذلك فيقال : "القيل والقال" .(43) في المخطوطة : "ذا مال في شهوته" وبين الكلامين بياض ، أما في المطبوعة والدر المنثور 1 : 363 ، فساقه سياقًا مطردًا : "ذا مال في شهوته" ، ولكنه لا يستقم مع قوله بعد : "ويعدله عن حق الله" ، فلذلك وضعت ما بين القوسين استظهارًا حتى يعتدل جانبا هذه العبارة .(44) هذه النقط دلالة على أنه قد سقط من الناسخ كلام لا ندري ما هو ، ففي المخطوطة في إثر الأثر السالف 6231 ، الأثر الآتي : 6232 "حدثنا يعقوب بن إبراهيم . . . " . وقد تنبه طابع المطبوعة ، فرأي أن الأثر الآتي ، هو من تفسير الآية التي أثبتها وأثبتناها اتباعًا له ، والذي لا شك فيه أنه قد سقط من الكلام في هذا الموضع تفسير بقية الآتية : "وما تنفقوا من خير فإن الله به عليم" وشيء قبله ، وشيء بعده ، لم أستطع أن أجد ما يدلني عليه في كتاب آخر ، ولكن سياق الأقوال التي ساقها الطبري دال على هذا الخرم . وهذا دليل آخر على شدة سهو الناسخ في هذا الموضع من الكتاب .
2:274
اَلَّذِیْنَ یُنْفِقُوْنَ اَمْوَالَهُمْ بِالَّیْلِ وَ النَّهَارِ سِرًّا وَّ عَلَانِیَةً فَلَهُمْ اَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْۚ-وَ لَا خَوْفٌ عَلَیْهِمْ وَ لَا هُمْ یَحْزَنُوْنَ(ؔ۲۷۴)
وہ جو اپنے مال خیرات کرتے ہیں رات میں اور دن میں چھپے اور ظاہر (ف۵۸۳) ان کے لئے ان کا نیگ (انعام، حصہ) ہے ان کے رب کے پاس ان کو نہ کچھ اندیشہ ہو نہ کچھ غم،

القول في تأويل قوله تعالى : الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ سِرًّا وَعَلانِيَةً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ (274)[قال أبو جعفر]:..........................................................................................................................................................* * *6232 - حدثنا يعقوب بن إبراهيم، قال: حدثنا معتمر، عن أيمن بن نابل، قال: حدثني شيخ من غافق: أن أبا الدرداء كان ينظر إلى الخيل مربوطةً بين البرَاذين والهُجْن. فيقول: أهل هذه - يعني الخيل- من الذين ينفقون أموالهم بالليل والنهار سرًّا وعلانية، فلهم أجرهم عند ربهم، ولا خوفٌ عليهم ولا هُمْ يحزَنون. (45) .* * *وقال آخرون: عنى بذلك قومًا أنفقوا في سبيل الله في غير إسراف ولا تقتير.* ذكر من قال ذلك:6233 - حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة قوله: " الذين ينفقون أموالهم " إلى قوله: " ولا هم يحزنون "، هؤلاء أهلُ الجنة.ذكر لنا أن نبيّ الله صلى الله عليه وسلم كان يقول: المكثِرون هم الأسفلون. قالوا: يا نبيّ الله إلا مَنْ؟ قال: المكثرون هم الأسفلون، قالوا: يا نبيّ الله إلا مَنْ؟ قال: المكثرون هم الأسفلون. قالوا: يا نبيّ الله، إلا مَنْ؟ حتى خشوا أن تكون قد مَضَت فليس لها رَدّ، حتى قال: " إلا من قال بالمال هكذا وهكذا، عن يمينه وعن شماله، وهكذا بين يديه، وهكذا خلفه، وقليلٌ ما هُمْ [قال]: (46) هؤلاء قوم أنفقوا في سبيل الله التي افترض وارتضى، في غير سَرَف ولا إملاق ولا تَبذير ولا فَساد " (47) .* * *وقد قيل إنّ هذه الآيات من قوله: " إن تُبدوا الصدقات فنعمَّا هي" إلى قوله: " ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون "، كان مما يُعملَ به قبل نزول ما في" سورة براءة " من تفصيل الزَّكوات، فلما نزلت " براءة "، قُصِروا عليها.* ذكر من قال ذلك:6234 - حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس: " إن تبدوا الصدقات فنعمَّا هي" إلى قوله: " ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون "، فكان هذا يُعمل به قبل أن تنزل " براءة "، فلما نزلت " براءة " بفرائض الصَّدقات وتفصيلها انتهت الصّدَقاتُ إليها.* * *---------------------------(45) الأثر : 6232 -"أيمن بن نابل الحبشي" أبو عمران المكي ، نزيل عسقلان ، مولي آل أبي بكر . روي عن قدامة بن عبدالله العامرى ، وعن أبيه نابل ، والقاسم بن محمد ، وطاوس . وروى عنه موسى بن عقبة ، وهو من أقرانه ، ومعتمر بن سليمان ، ووكيع وابن مهدي ، وعبدالرزاق ، وغيرهم . وهو ثقة ، وكان لا يفصح ، فيه لكنه . وعاش إلى خلافة المهدي . مترجم في التهذيب .والبراذين جمع برذون (بكسر الباء وسكون الراء وفتح الذال وسكون الواو) : وهو ما كان من الخيل من نتاج غير العراب ، وهو دون الفرس وأضعف منه . والهجن جمع هجين : وهو من الخيل الذي ولدته برذونة من حصان غير عربي ، وهي دون العرب أيضًا ، ليس من عتاق الخيل ، وكلاهما معيب عندهم .(46) ما بين القوسين ، زيادة لا بد منها ، فإن هذا الكلام الآتي ولا شك من كلام قتادة ، وكذلك خرجه السيوطي في الدر المنثور 1 : 363 قال : "وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن قتادة . . . " ، وساق هذا الشطر الآتي من هذا الأثر . وأما صدره ، فهو خبر مرسل كسائر الأخبار السالفة .(47) قوله : "إملاق" هو من قولهم : "ملق الرجل ما معه ملقًا ، وأملقه إملاقًا" ، إذا أنفقه وأخرجه من يده ولم يحبسه وبذره تبذيرًا . والفقر تابع للإنفاق والتبذير ، فاستعملوا لفظ السبب في موضع المسبب ، فقالوا : "أملق الرجل إملاقًا" ، إذا افتقر فهو"مملق" أي فقير لا شيء معه .
2:275
اَلَّذِیْنَ یَاْكُلُوْنَ الرِّبٰوا لَا یَقُوْمُوْنَ اِلَّا كَمَا یَقُوْمُ الَّذِیْ یَتَخَبَّطُهُ الشَّیْطٰنُ مِنَ الْمَسِّؕ-ذٰلِكَ بِاَنَّهُمْ قَالُوْۤا اِنَّمَا الْبَیْعُ مِثْلُ الرِّبٰواۘ-وَ اَحَلَّ اللّٰهُ الْبَیْعَ وَ حَرَّمَ الرِّبٰواؕ-فَمَنْ جَآءَهٗ مَوْعِظَةٌ مِّنْ رَّبِّهٖ فَانْتَهٰى فَلَهٗ مَا سَلَفَؕ-وَ اَمْرُهٗۤ اِلَى اللّٰهِؕ-وَ مَنْ عَادَ فَاُولٰٓىٕكَ اَصْحٰبُ النَّارِۚ-هُمْ فِیْهَا خٰلِدُوْنَ(۲۷۵)
وہ جو سود کھاتے ہیں (ف۵۸۴) قیامت کے دن نہ کھڑے ہوں گے مگر، جیسے کھڑا ہوتا ہے وہ جسے آسیب نے چھو کر مخبوط بنادیا ہو (ف۵۸۵) اس لئے کہ انہوں نے کہا بیع بھی تو سود ہی کے مانند ہے، اور اللہ نے حلال کیا بیع کو اور حرام کیا سود، تو جسے اس کے رب کے پاس سے نصیحت آئی اور وہ باز رہا تو اسے حلال ہے جو پہلے لے چکا، (ف۵۸۶) اور اس کا کام خدا کے سپرد ہے (ف۵۸۷) اور جو اب ایسی حرکت کرے گا تو وہ دوزخی ہے وہ اس میں مدتو ں رہیں گے (ف۵۸۸)

القول في تأويل قوله تعالى : الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لا يَقُومُونَ إِلا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّقال أبو جعفر: يعني بذلك جل ثناؤه: الذين يُرْبون.* * *و " الإرباء " الزيادة على الشيء، يقال منه: " أرْبى فلان على فلان "، إذا زاد عليه،" يربي إرباءً"، والزيادة هي" الربا "،" وربا الشيء "، إذا زاد على ما كان عليه فعظم،" فهو يَرْبو رَبْوًا ". وإنما قيل للرابية [رابية]، (1) لزيادتها في العظم والإشراف على ما استوى من الأرض مما حولها، من قولهم: " ربا يربو ". ومن ذلك قيل: " فلان في رَباوَة قومه "، (2) يراد أنه في رفعة وشرف منهم، فأصل " الربا "، الإنافة والزيادة، ثم يقال: " أربى فلان " أي أناف [ماله، حين] صيَّره زائدًا. (3) وإنما قيل للمربي: " مُرْبٍ"، لتضعيفه المال، الذي كان له على غريمه حالا أو لزيادته عليه فيه لسبب الأجل الذي يؤخره إليه فيزيده إلى أجله الذي كان له قبلَ حَلّ دينه عليه. ولذلك قال جل ثناؤه: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا الرِّبَا أَضْعَافًا مُضَاعَفَةً . [آل عمران: 130].* * *وبمثل الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل:ذكر من قال ذلك:6235 - حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم، عن عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد قال، في الربا الذي نهى الله عنه: كانوا في الجاهلية يكون للرجل على الرجل الدّينُ فيقول: لك كذا وكذا وتؤخِّر عني! فيؤخَّر عنه.* - حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله.6237 - حدثني بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة: أن ربا أهل الجاهلية: يبيعُ الرجل البيع إلى أجل مسمًّى، فإذا حل الأجل ولم يكن عند صاحبه قضاء، زاده وأخَّر عنه.* * *قال أبو جعفر: فقال جل ثناؤه: الذين يُرْبون الربا الذي وصفنا صفته في الدنيا=" لا يقومون " في الآخرة من قبورهم =" إلا كما يقوم الذي يتخبَّطه الشيطانُ من المس "، يعني بذلك: يتخبَّله الشيطان في الدنيا، (4) وهو الذي يخنقه فيصرعه (5) =" من المس "، يعني: من الجنون.وبمثل ما قلنا في ذلك قال أهل التأويل.ذكر من قال ذلك:6238 - حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم، عن عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قول الله عز وجل: " الذين يأكلون الرّبا لا يقومون إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المسّ"، يوم القيامة، في أكل الرِّبا في الدنيا.6239 - حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة، قال: حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد مثله.6240 - حدثني المثنى قال، حدثنا الحجاج بن المنهال قال، حدثنا ربيعة بن كلثوم قال، حدثني أبي، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس: " الذين يأكلون الرّبا لا يقومون إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس "، قال: ذلك حين يُبعث من قبره. (6)6241 - حدثني المثنى قال، حدثنا مسلم بن إبراهيم قال، حدثنا ربيعة بن كلثوم قال، حدثني أبي، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس قال: يُقال يوم القيامة لآكل الرّبا: " خذْ سلاحك للحرب "، وقرأ: " لا يقومون إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المسّ"، قال: ذلك حين يبعث من قبره.6242 - حدثنا ابن حميد قال، حدثنا جرير، عن أشعث، عن جعفر، عن سعيد بن جبير: " الذين يأكلون الربا لا يقومون إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المسّ". الآية، قال: يبعث آكل الربا يوم القيامة مَجْنونًا يُخنق. (7)6243 - حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة قوله: " الذين يأكلون الربا لا يقومون "، الآية، وتلك علامةُ أهل الرّبا يوم القيامة، بُعثوا وبهم خَبَلٌ من الشيطان.6244 - حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا معمر، عن قتادة في قوله: " لا يقومون إلا كما يقومُ الذي يتخبطه الشيطان من المس " قال: هو التخبُّل الذي يتخبَّله الشيطان من الجنون.6245 - حدثت عن عمار قال، حدثنا ابن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع في قوله: " الذين يأكلون الربا لا يقومون إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المسّ"، قال: يبعثون يوم القيامة وبهم خَبَل من الشيطان. وهي في بعض القراءة: ( لا يَقُومُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ) .6246 - حدثنا المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا أبو زهير، عن جويبر، عن الضحاك في قوله: " الذين يأكلون الربا لا يقومون إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس "، قال: من مات وهو يأكل الربا، بعث يوم القيامة متخبِّطًا، كالذي يتخبطه الشيطان من المسّ.6247 - حدثني موسى قال، حدثنا عمرو قال، حدثنا أسباط، عن السدي: " الذين يأكلون الربا لا يقومون إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المسّ"، يعني: من الجنون.6248 - حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في قوله: " الذين يأكلون الربا لا يقومون إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المسّ". قال: هذا مثلهم يومَ القيامة، لا يقومون يوم القيامة مع الناس، إلا كما يقوم الذي يُخنق من الناس، كأنه خُنق، كأنه مجنون (8) .* * *قال أبو جعفر: ومعنى قوله: " يتخبطه الشيطانُ من المسّ"، يتخبله من مَسِّه إياه. يقال منه: " قد مُسّ الرجل وأُلقِ، فهو مَمسوس ومَألوق "، كل ذلك إذا ألمّ به اللَّمَمُ فجُنّ. ومنه قول الله عز وجلّ: إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا [الأعراف: 201]، ومنه قول الأعشى:وَتُصْبحُ عَنْ غِبِّ السُّرَى, وكأَنَّمَاأَلَمَّ بِهَا مِنْ طَائِفِ الجِنِّ أَوْلَقُ (9)* * *فإن قال لنا قائل: أفرأيت من عمل ما نهى الله عنه من الرِّبا في تجارته ولم يأكله، أيستحقّ هذا الوعيدَ من الله؟قيل: نعم، وليس المقصود من الربا في هذه الآية الأكلُ، إلا أنّ الذين نزلت فيهم هذه الآيات يوم نزلت، كانت طُعمتهم ومأكلُهم من الربا، فذكرهم بصفتهم، معظّمًا بذلك عليهم أمرَ الرّبا، ومقبِّحًا إليهم الحال التي هم عليها في مطاعمهم، وفي قوله جل ثناؤه: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ * فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ [سورة البقرة: 278-279] الآية، ما ينبئ عن صحة ما قلنا في ذلك، وأنّ التحريم من الله في ذلك كان لكل معاني الرّبا، وأنّ سواءً العملُ به وأكلُه وأخذُه وإعطاؤُه، (10) كالذي تظاهرت به الأخبار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من قوله:6249-" لعن الله آكلَ الرّبا، وُمؤْكِلَه، وكاتبَه، وشاهدَيْه إذا علموا به ". (11)* * *القول في تأويل قوله : ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَاقال أبو جعفر: يعني ب" ذلك " جل ثناؤه: ذلك الذي وصفهم به من قيامهم يوم القيامة من قبورهم، كقيام الذي يتخبطه الشيطان من المسّ من الجنون، فقال تعالى ذكره: هذا الذي ذكرنا أنه يصيبهم يوم القيامة من قُبْح حالهم، ووَحشة قيامهم من قبورهم، وسوء ما حلّ بهم، من أجل أنهم كانوا في الدنيا يكذبون ويفترون ويقولون: " إنما البيع " الذي أحله الله لعباده =" مثلُ الرّبا ". وذلك أن الذين كانوا يأكلون من الرّبا من أهل الجاهلية، كان إذا حلّ مالُ أحدهم على غريمه، يقول الغَريم لغريم الحق: " زدني في الأجل وأزيدك في مالك ". فكان يقال لهما إذا فعلا ذلك: " هذا ربًا لا يحل ". فإذا قيل لهما ذلك قالا " سواء علينا زدنا في أول البيع، أو عند مَحِلّ المال "! فكذَّبهم الله في قيلهم فقال: وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ .* * *القول في تأويل قوله تعالى : وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ وَمَنْ عَادَ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (275)قال أبو جعفر: يعني جل ثناؤه: وأحلّ الله الأرباح في التجارة والشراء والبيع (12) =" وحرّم الربا "، يعني الزيادةَ التي يزاد رب المال بسبب زيادته غريمه في الأجل، وتأخيره دَيْنه عليه. يقول عز وجل: فليست الزيادتان اللتان إحداهما من وَجه البيع، (13) والأخرى من وجه تأخير المال والزيادة في الأجل، سواء. وذلك أنِّي حرّمت إحدى الزيادتين = وهي التي من وجه تأخير المال والزيادة في الأجل = وأحللتُ الأخرى منهما، وهي التي من وجه الزيادة على رأس المال الذي ابتاع به البائع سلعته التي يبيعها، فيستفضلُ فَضْلها. فقال الله عز وجل: ليست الزيادة من وجه البيع نظيرَ الزيادة من وجه الربا، لأنّي أحللت البيع، وحرَّمت الرّبا، والأمر أمري والخلق خلقي، أقضي فيهم ما أشاء، وأستعبدهم بما أريد، ليس لأحد منهم أن يعترض في حكمي، ولا أن يخالف أمري، وإنما عليهم طاعتي والتسليمُ لحكمي.* * *ثم قال جل ثناؤه: " فمن جاءه موعظة من ربه فانتهى "، يعني ب" الموعظة ": التذكير، والتخويفَ الذي ذكَّرهم وخوّفهم به في آي القرآن، (14) وأوعدهم على أكلهم الربا من العقاب، يقول جل ثناؤه: فمن جاءه ذلك،" فانتهى " عن أكل الربا وارتدع عن العمل به وانزجر عنه (15) =" فله ما سلف "، يعني: ما أكل، وأخذ فمَضَى، قبل مجيء الموعظة والتحريم من ربه في ذلك =" وأمرُه إلى الله "، يعني: وأمر آكله بعد مجيئه الموعظة من ربه والتحريم، وبعد انتهاء آكله عن أكله، إلى الله في عصمته وتوفيقه، إن شاء عصمه عن أكله وثبَّته في انتهائه عنه، وإن شاء خَذَله عن ذلك =" ومن عاد "، يقول: ومن عاد لأكل الربا بعد التحريم، وقال ما كان يقوله قبل مجيء الموعظة من الله بالتحريم، من قوله: إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا =" فأولئك أصْحاب النار هم فيها خالدون "، يعني: ففاعلو ذلك وقائلوه هم أهل النار، يعني نار جهنم، فيها خالدون. (16)* * *وبنحو ما قلنا في ذلك قال أهل التأويل.ذكر من قال ذلك:6250 - حدثني موسى قال، حدثنا عمرو قال، حدثنا أسباط، عن السديّ: " فمن جاءه موعظة من ربه فانتهى فله ما سلف وأمره إلى الله "، أما " الموعظة " فالقرآن، وأما " ما سلف "، فله ما أكل من الربا.--------------الهوامش :(1) هذه الزيادة بين القوسين لا بد منها لسياق الكلام .(2) في المطبوعة : "في ربا قومه" وفي المخطوطة : "في رباء قومه" ، ولا أظنهما صوابًا ، والصواب ما ذكر الزمخشري في الأساس : "وفلان في رباوة قومه : في أشرافهم . وهو : في الروابي من قريش" ، فأثبت ما في الأساس .(3) في المخطوطة والمطبوعة : "أي أناف صيره زائدًا" ، وهو كلام غير مستقيم ولا تام . والمخطوطة كما أسلفت مرارًا ، قد عجل عليها ناسخها حتى أسقط منها كثيرًا كما رأيت آنفًا . فزدت ما بين القوسين استظهارًا من معنى كلام أبي جعفر ، حتى يستقيم الكلام على وجه يرتضى .(4) تخبله : أفسد عقله وأعضاءه .(5) في المطبوعة : "وهو الذي يتخبطه فيصرعه" ، وهو لا شيء ، إنما استبهمت عليه حروف المخطوطة ، فبدل اللفظ إلى لفظ الآية نفسها ، وهو لا يعد تفسيرًا عندئذ!! وفي المخطوطة : "+يحفه" غير منقوطة إلا نقطة على"الفاء" ، وآثرت قراءتها"يخنقه" ، لما سيأتي في الأثر رقم : 6242 عن ابن عباس : "يبعث آكل الربا يوم القيامة مجنونًا يخنق" ، وما جاء في الأثر : 6247 . وهذا هو الصواب إن شاء الله ، لذلك ، ولأن من صفة الجنون وأعراضه أنه خناق يأخذ من يصيبه ، أعاذنا الله وإياك .(6) الأثر : 6240-"ربيعة بن كلثوم بن جبر البصري" ، روى عن أبيه ، وبكر ابن عبد الله المزني ، والحسن البصري . وروى عنه القطان ، وعبد الصمد بن عبد الوارث ، ومسلم ابن إبراهيم ، وحجاج بن منهال . قال النسائي : "ليس به بأس" ، وقال في الضعفاء : "ليس بالقوي" ، وقال أحمد وابن معين : "ثقة" . وأبوه : "كلثوم بن جبر" ، قال أحمد : "ثقة" ، وقال النسائي : "ليس بالقوي" . مات سنة : 130 .(7) انظر ما سلف في ص : 8 ، تعليق : 2 .(8) في المطبوعة : "إلا كما يقوم الذي يخنق مع الناس يوم القيامة" ، وهو كلام فاسد . وكذلك هو في المخطوطة أيضًا مع ضرب الناسخ على كلام كتبه ، فدل على خلطه وسهوه . فحذفت من هذه الجملة"يوم القيامة" وجعلت"مع الناس" ، "من الناس" ، فصارت أقرب إلى المعنى والسياق ، وكأنه الصواب إن شاء الله .(9) ديوانه : 147 ، وروايته"من غب السرى" ، ورواية اللسان (ألق) ، "ولق" ، وهو من قصيدته البارعة في المحرق . ويصف ناقته فيقول قبل البيت ، وفيها معنى جيد في صحبة الناقة :وَخَرْقٍ مَخُوفٍ قَدْ قَطَعْتُ بِجَسْرَةٍإذَا خَبَّ آلٌ فَوْقَهُ يَتَرَقْرقُهِيَ الصَّاحِبُ الأدْنَى, وَبَيْنى وَبَيْنَهامَجُوفٌ عِلاَفِيُّ وقِطْعٌ ونُمْرُقُوَتُصْبِحُ عَنْ غبّ السُّرَى . . . . .. . . . . . . . . . . . . . . . . . ."الخرق" : المفازة الواسعة تتخرق فيها الرياح . "وناقة جسرة" : طويلة شديدة جريئة على السير . و"خب" : جرى . و"الآل" : سراب أول النهار . "يترقرق" : يذهب ويجيء . وقوله : "هي الصاحب الأدنى" ، أي هي صاحبه الذي يألفه ولا يكاد يفارقه ، وينصره في الملمات . و"المجوف" : الضخم الجوف . و"العلافى" : هو أعظم الرجال أخرة ووسطًا ، منسوبة إلى رجل من الأزد يقال له"علاف" . و"القطع" : طنفسة تكون تحت الرحل على كتفي البعير . و"النمرق والنمرقة" : وسادة تكون فوق الرحل ، يفترشها الراكب ، مؤخرها أعظم من مقدمها ، ولها أربعة سيور تشد بآخرة الرحل وواسطته . و"غب السرى" : أي بعد سير الليل الطويل . و"الأولق" : الجنون . ووصفها بالجنون عند ذلك ، من نشاطها واجتماع قوتها ، لم يضعفها طول السرى .(10) ولكن أهل الفتنة في زماننا ، يحاولون أن يهونوا على الناس أمر الربا ، وقد عظمه الله وقبحه ، وآذن العامل به بحرب من الله ورسوله ، في الدنيا والآخرة ، ومن أضل ممن يهون على الناس حرب ربه يوم يقوم الناس لرب العالمين . فاللهم اهدنا ولا تفتنا كما فتنت رجالا قبلنا ، وثبتنا على دينك الحق ، وأعذنا من شر أنفسنا في هذه الأيام التي بقيت لنا ، وهي الفانية وإن طالت ، وصدق رسول الله بأبي هو وأمي إذ قال : "يأتي على الناس زمان يأكلون فيه الربا . قيل له : الناس كلهم؟! قال : من لم يأكله ناله من غباره" . (سنن البيهقي 5 : 275) ، فاللهم انفض عنا وعن قومنا غبار هذا العذاب الموبق .(11) الأثر : 6249- رواه الطبري بغير إسناد مختصرًا ، وقد استوفى تخريجه ابن كثير في تفسيره 1 : 550-551 وساق طرقه مطولا . والسيوطي في الدر المنثور 1 : 367 ، من حديث عبد الله بن مسعود ونسبه لأحمد ، وأبي يعلى ، وابن خزيمة ، وابن حبان . وانظر سنن البيهقي 5 : 275 .(12) انظر معنى : "البيع" فيما سلف 2 : 342 ، 343 .(13) في المطبوعة : "وليست الزيادتان" ، والصواب ما في المخطوطة .(14) انظر تفسير : "موعظة" فيما سلف 2 : 180 ، 181 .(15) انظر تفسير : "انتهى" فيما سلف 3 : 569 .(16) انظر تفسير : "أصحاب النار" و"خالدون" فيما سلف 2 : 286 ، 287/4 : 316 ، 317/5 : 429 .
2:276
یَمْحَقُ اللّٰهُ الرِّبٰوا وَ یُرْبِی الصَّدَقٰتِؕ-وَ اللّٰهُ لَا یُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ اَثِیْمٍ(۲۷۶)
اللہ ہلاک کرتا ہے سود کو (ف۵۸۹) اور بڑھاتا ہے خیرات کو (ف۵۹۰) اور اللہ کو پسند نہیں آتا کوئی ناشکرا بڑا گنہگار،

القول في تأويل قوله تعالى : يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ (276)قال أبو جعفر: يعني عز وجل بقوله: " يمحق الله الربا "، ينقُصُ الله الرّبا فيذْهبه، كما:-6251 - حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج قال، قال ابن عباس: " يمحق الله الربا "، قال: يَنقص.* * *وهذا نظير الخبر الذي روي عن عبد الله بن مسعود، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:6252-" الرّبا وَإن كثُر فإلى قُلّ". (17) .* * *وأما قوله: " ويُرْبي الصّدَقات "، فإنه جل ثناؤه يعني أنه يُضاعف أجرَها، يَرُبُّها وينمِّيها له. (18)* * *وقد بينا معنى " الرّبا " قبلُ" والإرباء "، وما أصله، بما فيه الكفاية من إعادته. (19)* * *فإن قال لنا قائل: وكيف إرباء الله الصدقات؟قيل: إضعافه الأجرَ لربِّها، كما قال جل ثناؤه: مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ [سورة البقرة: 261]، وكما قال: مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً [سورة البقرة: 245]، وكما:-6253 - حدثنا أبو كريب قال، حدثنا وكيع قال، حدثنا عباد بن منصور، عن القاسم: أنه سمع أبا هريرة يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إنّ الله عز وجل يقبلُ الصّدقة ويأخذها بيمينه فيربِّيها لأحدكم كما يربِّي أحدُكم مُهْرَه، حتى إن اللقمة لتصير مثل أُحُد، وتصديقُ ذلك في كتاب الله عز وجل: أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ هُوَ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَأْخُذُ الصَّدَقَاتِ [سورة التوبة: 104]، و " يمحق الله الرّبا ويُرْبي الصّدَقات " . (20) .6254 - حدثني سليمان بن عمر بن خالد الأقطع قال، حدثنا ابن المبارك، عن سفيان، عن عباد بن منصور، عن القاسم بن محمد، عن أبي هريرة = ولا أراه إلا قد رفعه = قال: " إن الله عز وجل يقبَلُ الصدقة، ولا يقبلُ إلا الطيب." (21) .6255- حدثني محمد بن عُمر بن علي المقدّمي، قال: حدثنا ريحان بن سعيد، قال: حدثنا عباد، عن القاسم، عن عائشة قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إن الله تبارك وتعالى يقبل الصدقة ولا يقبل منها إلا الطيب ، ويربّيها لصاحبها كما يربِّي أحدُكم مُهره أو فَصيله، حتى إنّ اللقمة لتصيرُ مثل أحُد، وتصديق ذلك في كتاب الله عز وجل: (يمحق الله الرّبا ويُرْبي الصدقات )" . (22) .6256 - حدثني محمد بن عبد الملك، قال: حدثنا عبد الرزاق قال، حدثنا معمر، عن أيوب، عن القاسم بن محمد، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنّ العبد إذا تصدق من طيّب تقبلها الله منه، ويأخذها بيمينه ويربِّيها كما يربِّي أحدكم مهرَه أو فصيله. وإنّ الرجل ليتصدّق باللقمة فتربو في يد الله = أو قال: في كفِّ الله عز وجلّ = حتى تكون مثلَ أحُد، فتصدّقوا (23) .6257- حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال، حدثنا المعتمر بن سليمان قال، سمعت يونس، عن صاحب له، عن القاسم بن محمد قال، قال أبو هريرة: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إن الله عز وجل يقبل الصدقة بيمينه، ولا يقبل منها إلا ما كان طيِّبًا، والله يربِّي لأحدكم لقمته كما يربِّي أحدكم مُهره وفصيله، حتى يوافَي بها يوم القيامة وهي أعظم من أحُد ". (24) .* * *قال أبو جعفر: وأما قوله: " والله لا يحب كل كفار أثيم "، فإنه يعني به: والله لا يحب كل مُصرٍّ على كفر بربه، مقيم عليه، مستحِلّ أكل الربا وإطعامه،" أثيم "، متماد في الإثم، فيما نهاه عنه من أكل الربا والحرام وغير ذلك من معاصيه، لا ينزجر عن ذلك ولا يرعوي عنه، ولا يتعظ بموعظة ربه التي وعظه بها في تنزيله وآي كتابه.-----------------------الهوامش:(17) 6252- أخرجه الحاكم في المستدرك 2 : 37 من طريق إسرائيل ، عن الركين بن الربيع ، عن أبيه الربيع بن عميلة ، عن عبد الله بن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : "الربا إن كثر ، فإن عاقبته تصير إلى قل" ، وكذلك ذكره ابن كثير من المسند من طريق شريك عن الركين بن الربيع ، بلفظه . ثم ساق ما رواه ابن ماجه . غير أن ابن كثير (2 : 61) نقل لفظ الطبري ، وساق الخبر كنصه في الحديث ، لا كما جاء في المطبوعة والمخطوطة . وانظر الدر المنثور 1 : 365 .(18) في المخطوطة والمطبوعة : "يضاعف أجرها لربها" ، كأنه يريد لصاحبها ، وكأن صواب قراءتها ما أثبت ، رب المعروف والصنيعة والنعمة وغيرها - يريها ربًا +ورببها (كلها بالتشديد) : نماها وزادها وأتمها ، وجملة"يربها وينميها له" تفسير لقوله : "يضاعف أجرها" . وانظر الأثر الآتي رقم : 6253 .(19) انظر ما سلف قريبا ص : 7 .(20) الحديث : 6253- عباد بن منصور الناجي البصري القاضي : ثقة ، من تكلم فيه تكلم بغير حجة . وقد حققنا توثيقه في شرح المسند : 2131 ، 3316 ، وبينا خطأ من جرحه بغير حق .القاسم : هو ابن محمد بن أبي بكر الصديق ، التابعي الثقة الفقيه الإمام .والحديث سيأتي في تفسير سورة التوبة (ج 11 ص 15 بولاق) ، عن أبي كريب ، بهذا الإسناد ولكن سقط منه هناك"حدثنا وكيع" . وهو خطأ ظاهر .ورواه أحمد في المسند : 10090 (2 : 371 حلبي) ، عن وكيع ، وعن إسماعيل - وهو ابن علية - كلاهما عن عباد بن منصور . بهذا الإسناد . وساقه على لفظ وكيع ، كرواية الطبري هنا .ولكن وقع في المسند خطأ غريب في تلاوة الآية الأولى ، ففيه : "وهو الذي يقبل التوبة عن عباده ويأخذ الصدقات" . والآية المتلوة في الحديث هي التي في رواية الطبري هنا : (ألم يعلموا أن الله هو يقبل التوبة عن عباده ويأخذ الصدقات) ، وهي الآية : 104 من سورة التوبة . وأما الأخرى فالآية : 25 من سورة الشورى ، وتلاوتها : (وهو الذي يقبل التوبة عن عباده ويعفو عن السيئات) وليست تكون موضع الاستشهاد في هذا الحديث .وهذا الخطأ قديم في نسخ المسند ، من الناسخين القدماء ، بدلالة أنه ثبت هذا الخطأ أيضًا في نقل الحافظ ابن كثير هذا الحديث عن المسند ، في جامع المسانيد والسنن 7 : 320 (مخطوط مصور) .بل ظهر لي بعد ذلك أن الخطأ أقدم من هذا . لعله من وكيع ، أو من عباد بن منصور . لأن الترمذي روى الحديث 2 : 23 ، عن أبي كريب -شيخ الطبري هنا - عن وكيع ، به . وثبتت فيه تلاوة الآية على الخطأ ، كرواية أحمد عن وكيع . ونقل شارحه المباركفوري عن الحافظ العراقي أنه قال : "في هذا تخليط من بعض الرواة . والصواب : (ألم يعلموا أن الله هو يقبل التوبة) - الآية . وقد رويناه في كتاب الزكاة ليوسف القاضي ، على الصواب" .بل إن الحافظ المنذري غفل عن هذا الخطأ أيضًا . فذكر الحديث في الترغيب والترهيب 2 : 19 ، عن رواية الترمذي ، وذكر الآية كرواية المسند والترمذي - مخالفة للتلاوة .فإذا كان ذلك كذلك ، فأنا أرجح أن أبا جعفر الطبري رحمه الله سمعه من أبي كريب عن وكيع ، كرواية الترمذي عن أبي كريب ، وكرواية أحمد عن وكيع ، فلم يستجز أن يذكر الآية على الخطأ في التلاوة ، فذكرها على الصواب . وقد أصاب في ذلك وأجاد وأحسن .وقال الترمذي - بعد روايته : "هذا حديث حسن صحيح . وقد روي عن عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم - نحو هذا" .ورواية عائشة ستأتي : 6255 .وذكره ابن كثير في التفسير 2 : 62 ، من رواية ابن أبي حاتم في تفسيره ، عن عمرو بن عبد الله الأودي ، عن وكيع ، بهذا الإسناد ، لكنه لم يذكر الآية الأولى التي وقع فيها الخطأ .وذكره السيوطي 1 : 365 ، وزاد نسبته للشافعي ، وابن أبي شيبة ، وعبد بن حميد ، وابن خزيمة ، وابن المنذر ، والدارقطني في الصفات .ورواه أحمد أيضًا : 9234 ، عن خلف بن الوليد ، عن المبارك ، وهو ابن فضالة ، عن عبد الواحد ابن صبرة ، وعباد بن منصور ، عن القاسم ، عن أبي هريرة - فذكره بنحوه ، مختصرًا ، ولم يذكر فيه الآيتين .وأشار ابن كثير 2 : 62 ، إلى رواية المسند هذه ، ولكن وقع فيه تخليط من الناسخين .والحديث سيأتي نحو معناه ، مطولا ومختصرًا ، عن أبي هريرة : 6254 ، 6256 ، 6257 . وعن عائشة : 6255 .وسنشير إلى بقية تخريجه في آخرها : 6257 .(21) الحديث : 6254- سليمان بن عمر بن خالد الأقطع ، القرشي العامري الرقي : ترجمه ابن أبي حاتم 2/1/131 ، وذكر أن أباه كتب عنه . ولم يذكر فيه جرحًا .ابن المبارك : هو عبد الله . وسفيان : هو الثوري .والحديث مختصر ما قبله . والشك في رفعه - هنا - لا يضر ، فقد صح الحديث مرفوعًا بالإسناد السابق والأسانيد الأخر .وسيأتي الحديث أيضًا ، بهذا الإسناد (ج 11 ص 15 بولاق) ، ولم يذكر لفظه ، بل ذكر أوله ، ثم قال : "ثم ذكر نحوه" . إحالة على الحديث السابق . فكأنه رواه هناك مطولا ، ولكن دون ذكر سياقه كاملا .وأشار ابن كثير ، في تفسير سورة التوبة 4 : 235- إلى هذه الرواية والتي قبلها ، جعلهما حديثًا واحدًا ، عن الثوري ووكيع ، عن عباد بن منصور ، به . ولكنه لم يذكر تخريجه .(22) الحديث : 6255- محمد بن عمر بن علي بن عطاء بن مقدم ، المقدمي البصري ، ثقة ، مترجم في التهذيب ، والكبير 1/1/179 ، وابن أبي حاتم 4/1/21 . ووقع في المطبوعة هنا غلط في اسم أبيه : "عمرو" بدل"عمر" . وسيأتي بتخليط أشد في المطبوعة : 6809 ، هكذا : "محمد ابن عمرو وابن علي عن عطاء المقدمي"!!و"المقدمي" : بتشديد الدال المهملة المفتوحة ، نسبة إلى جده الأعلى"مقدم" .ريحان بن سعيد الناجي البصري : من شيوخ أحمد وإسحاق . وقال يحيى بن معين : "ما أرى به بأسا" . وتكلم فيه بعضهم ، ولكن البخاري ترجمه في الكبير 2/1/301 ، فلم يذكر فيه جرحًا . وكان إمام مسجد عباد بن منصور ، كما في الكبير ، وابن أبي حاتم 1/2/517 . وتكلم فيه ابن حبان والعجلي باستنكار بعض ما روى عن عباد . ولعله كان أعرف به إذ كان إمام مسجده .وأيا ما كان ، فإنه لم ينفرد عن عباد بهذه الرواية ، كما سيظهر من التخريج .فرواه أحمد في المسند 6 : 251 (حلبي) ، عن عبد الصمد ، عن حماد ، عن ثابت ، عن القاسم ابن محمد ، عن عائشة : "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : إن الله ليربي لأحدكم التمرة واللقمة ، كما يربي أحدكم فلوه أو فصيله ، حتى يكون مثل أحد" .وهذا إسناد صحيح . ولكن الحديث مختصر .وكذلك رواه ابن حبان في صحيحه 5 : 234-235 (من مخطوطة الإحسان) . من طريق عبد الصمد ، عن حماد بن سلمة ، عن ثابت البناني ، عن القاسم .ورواه البزار مطولا ، من طريق يحيى بن سعيد ، عن عمرة ، عن عائشة - ومن طريق الضحاك بن عثمان ، عن أبي هريرة ، بنحو رواية الطبري هنا ، إلا أنه لم يذكر الآية في آخره . نقله ابن كثير 2 : 62-63 .ولكن رواه الضحاك بن عثمان عن أبي هريرة منقطعة ، لأنه إنما يروى عن التابعين .وذكره الهيثمي في مجمع الزوائد 3 : 111 مختصرًا كرواية المسند ، وقال : "رواه الطبراني في الأوسط ، ورجاله رجال الصحيح" . ثم ذكره مطولا 3 : 112 ، وقال : "رواه البزار ، ورجاله ثقات" . ولكنه ذكره من حديث عائشة وحدها .وذكر السيوطي 1 : 365 لفظ الطبري هنا . ثم تساهل في نسبته ، فنسبه للبزار ، وابن جرير ، وابن حبان ، والطبراني .(23) الحديث : 6256-"محمد بن عبد الملك" : الراجح عندي أنه"محمد بن عبد الملك بن زنجويه البغدادي" ، فإنه يروي عن عبد الرزاق ، وهو من طبقة شيوخ الطبري ، وإن لم أجد نصا يدل على روايته عنه . ولكنه بغدادي مثله . فمن المحتمل جدا أن يروى عنه ، بل هو هو الأغلب الأكثر في مثل هذه الحال . وهو ثقة ، وثقه النسائي وغيره . مترجم في التهذيب ، وابن أبي حاتم 4/1/5 . وتاريخ بغداد 2 : 345-346 .ومن شيوخ الطبري الذين روى عنهم في التاريخ : "محمد بن عبد الملك بن أبي الشوارب" ، وهو ثقة أيضًا ، ولكن لم يذكر عنه أنه روى عن عبد الرزاق ، والغالب أن ينص على مثل هذا . وهو مترجم في التهذيب ، وابن أبي حاتم 4/1/5 ، وتاريخ بغداد 2 : 344-345 .وقد انفرد ابن كثير بشيء لا أدري ما هو؟ فحين ذكر هذا الحديث 2 : 62 ، ذكر أنه"رواه ابن جرير ، عن محمد بن عبد الملك بن إسحاق"!! ولم أجد في الرواة من يسمى بهذا . فلا أدري أهو سهو منه ، أم تخليط من الناسخين؟والحديث رواه أحمد في المسند : 7622 ، عن عبد الرزاق ، بهذا الإسناد .ورواه إمام الأئمة ابن خزيمة ، في كتاب التوحيد ، ص : 44 ، عن محمد بن رافع ، وعبد الرحمن ابن بشر بن الحكم - كلاهما عن عبد الرزاق ، به .وذكر المنذري في الترغيب والترهيب 2 : 19 ، أنه رواه ابن خزيمة في صحيحه أيضًا .ونقله ابن كثير عن هذا الموضع من الطبري - كما أشرنا ، ثم قال : "وهكذا رواه أحمد عن عبد الرزاق . وهذا طريق غريب صحيح الإسناد ، ولكن لفظه عجيب . والمحفوظ ما تقدم"! يعني رواية عباد بن منصور .ولسنا نرى في هذا اللفظ عجبا ، ولا في الإسناد غرابةّ! وهو صحيح على شرط الشيخين .ثم إن عبد الرزاق لم ينفرد به عن معمر ، فقد تابعه عليه محمد بن ثور . فرواه الطبري - فيما سيأتي (ج 11 ص 15-16 بولاق) ، عن محمد بن عبد الأعلى ، عن محمد بن ثور ، عن معمر ، به . نحوه . وهذا إسناد صحيح أيضًا . فإن محمد بن ثور الصنعاني العابد : ثقة ، وثقه ابن معين ، وأبو حاتم ، بل فضله أبو زرعة على عبد الرزاق .(24) الحديث : 6257- وهذا إسناد فيه راو مبهم ، هو الذي روى عنه يونس ، ومن المحتمل جدا أن يكون هو أيوب . ولكن لا يزال الإسناد ضعيفا حتى نجد الدلالة على هذا المبهم .وأما الحديث في ذاته فصحيح بالأسانيد السابقة وغيرها .وأصل المعنى ثابت من حديث أبي هريرة ، من أوجه كثيرة :فرواه البخاري 3 : 220-223 ، و 13 : 352 ومسلم ، 1 : 277-278 ، والترمذي 2 : 22-23 ، والنسائي 1 : 349 ، وابن ماجه : 1842 ، وابن حبان في صحيحه 5 : 234-237 (من مخطوطة الإحسان) ، وابن خزيمة في كتاب التوحيد . ص : 41-44 .ورواه أحمد في المسند -غير ما أشرنا إليه سابقا- : 8363 (2 : 331 حلبي) ، 8948 ، 8949 (ص : 381-382) ، 9234 (ص404) ، 9413 (ص : 418) ، 9423 (ص : 419) ، 9561 (ص : 431) ، 10958 (ص : 538) ، 10992 (ص : 541) .ورواه البخاري في الكبير ، بالإشارة الموجزة كعادته 2/1/476 .وقد جاء في ألفاظ هذا الحديث : "في يد الله" ، و"في كف الله" ، و"كف الرحمن" ، ونحو هذه الألفاظ . فقال الترمذي 2 : 23-24 ."وقال غير واحد من أهل العلم ، في هذا الحديث ، وما يشبه هذا من الروايات من الصفات ، وتزول الرب تبارك وتعالى كل ليلة إلى السماء الدنيا - قال : قد ثبتت الروايات في هذا ، ونؤمن بها . ولا يتوهم ، ولا يقال : كيف؟ هكذا رُوي عن مالك ابن أنس ، وسفيان بن عيينة ، وعبد الله بن المبارك ، انهم قالوا في هذه الأحاديث : أَمِرُّوها بلا كيفَ . وهكذا قول أهل العلم من أهل السنة والجماعة ، وأما الجهمية ، فأنكرت هذه الروايات ، وقالوا : هذا تشبيه! وقد ذكر الله تبارك وتعالى في غير موضع من كتابه - : اليد ، والسمع والبصر . فتأولت الجهمية هذه الآيات ، وفَّسروها على غير ما فَّسر أهلُ العلمّ! وقالوا : إن الله لم يَخْلق آدم بيده! وقالوا : إنما معنى اليد القوة!! وقال إسحاق بن إبراهيم : إنما يكون التشبيه إذا قال يد كَيدٍ ، أو مِثْل يَدٍ ، أو سمع كسَمْعٍ ، أو مثلَ سمعٍ . فإذا قال سمع كسمعٍ أو مثل سمع- فهذا تشبيه . وأما إذا قال كما قال الله : يد ، وسمع ، وبصر . ولا يقول : كيف ، ولا يقول : مثل سمع ولا كسمعٍ - فهذا لا يكون تشبيهاً . وهو كما قال الله تبارك وتعال : (ليس كَمِثْلهِ شيءٌ وهو السَّميعُ البَصير)" .
2:277
اِنَّ الَّذِیْنَ اٰمَنُوْا وَ عَمِلُوا الصّٰلِحٰتِ وَ اَقَامُوا الصَّلٰوةَ وَ اٰتَوُا الزَّكٰوةَ لَهُمْ اَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْۚ-وَ لَا خَوْفٌ عَلَیْهِمْ وَ لَا هُمْ یَحْزَنُوْنَ(۲۷۷)
بیشک وہ جو ایمان لائے اور اچھے کام کئے اور نماز قائم کی اور زکوٰة دی ان کا نیگ (انعام) ان کے رب کے پاس ہے، اور نہ انہیں کچھ اندیشہ ہو، نہ کچھ غم،

القول في تأويل قوله تعالى : إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ (277)قال أبو جعفر: وهذا خبر من الله عز وجل بأن الذين آمنوا = يعني الذين صدقوا بالله وبرسوله، وبما جاء به من عند ربهم، من تحريم الربا وأكله، وغير ذلك من سائر شرائع دينه =" وعملوا الصالحات " التي أمرهم الله عز وجل بها، والتي نَدَبهم إليها =" وأقاموا الصلاة " المفروضة بحدودها، وأدّوها بسُنَنها =" وآتوا الزكاة " المفروضة عليهم في أموالهم، بعد الذي سلف منهم من أكل الرّبا، قبل مجيء الموعظة فيه من عند ربهم =" لهم أجرهم "، يعني ثواب ذلك من أعمالهم وإيمانهم وصَدَقتهم =" عند ربهم " يوم حاجتهم إليه في معادهم = " ولا خوف عليهم " يومئذ من عقابه على ما كان سلف منهم في جاهليتهم وكفرهم قبل مجيئهم موعظة من ربهم، من أكل ما كانوا أكلوا من الربا، بما كان من إنابتهم، وتوبتهم إلى الله عز وجل من ذلك عند مجيئهم الموعظة من ربهم، وتصديقهم بوعد الله ووعيده =" ولا هم يحزنون " على تركهم ما كانوا تركوا في الدنيا من أكل الربا والعمل به، إذا عاينوا جزيل ثواب الله تبارك وتعالى، وهم على تركهم ما ترَكوا من ذلك في الدنيا ابتغاءَ رضوانه في الآخرة، فوصلوا إلى ما وُعدوا على تركه.
2:278
یٰۤاَیُّهَا الَّذِیْنَ اٰمَنُوا اتَّقُوا اللّٰهَ وَ ذَرُوْا مَا بَقِیَ مِنَ الرِّبٰۤوا اِنْ كُنْتُمْ مُّؤْمِنِیْنَ(۲۷۸)
اے ایمان والو! اللہ سے ڈرو اور چھوڑ دو جو باقی رہ گیا ہے سود اگر مسلمان ہو (ف۵۹۱)

القول في تأويل قوله تعالى : يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (278)قال أبو جعفر: يعني جل ثناؤه بذلك: " يا أيها الذين آمنوا "، صدّقوا بالله وبرسوله=" اتقوا الله "، يقول: خافوا الله على أنفسكم، فاتقوه بطاعته فيما أمركم به، والانتهاء عما نهاكم عنه=" وذروا "، يعني: ودعوا=" ما بقي من الربا "، يقول: اتركوا طلب ما بقي لكم من فَضْل على رءوس أموالكم التي كانت لكم قبل أن تُربوا عليها =" إن كنتم مؤمنين "، يقول: إن كنتم محققين إيمانكم قولا وتصديقكم بألسنتكم، بأفعالكم. (25) .* * *قال أبو جعفر: وذكر أن هذه الآية نزلت في قوم أسلموا ولهم على قوم أموالٌ من رباً كانوا أرْبوه عليهم، فكانوا قد قبضوا بعضَه منهم، وبقي بعضٌ، فعفا الله جل ثناؤه لهم عما كانوا قد قبضوه قبل نزول هذه الآية، (26) وحرّم عليهم اقتضاءَ ما بقي منه.* ذكر من قال ذلك:6258 - حدثني موسى بن هارون قال، حدثنا عمرو قال، حدثنا أسباط، عن السدي: " يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وذروا ما بقي من الربا " إلى: وَلا تُظْلَمُونَ ، قال: نزلت هذه الآية في العباس بن عبد المطلب ورجلٍ من بني المغيرة، كانا شريكين في الجاهلية، يُسلِفان في الرِّبا إلى أناس من ثقيف من بني عمرو = (27) وهم بنو عمرو بن عمير، فجاء الإسلام ولهما أموال عظيمة في الربا، فأنزل الله " ذروا ما بقي" من فضل كان في الجاهلية =" من الربا ".6259 - حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج قوله: " يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وذروا ما بقي من الرّبا إن كنتم مؤمنين "، قال: كانت ثقيف قد صالحت النبيّ صلى الله عليه وسلم على أنّ ما لهم من ربًا على الناس وما كان للناس عليهم من ربًا فهو موضوع. فلما كان الفتحُ، استعمل عتَّاب بن أسِيد على مكةَ، وكانت بنو عمرو بن عُمير بن عوف يأخذون الرِّبا من بني المغيرة، وكانت بنو المغيرة يُرْبون لهم في الجاهلية، فجاء الإسلام ولهم عليهم مال كثير. فأتاهم بنو عمرو يطلبون رباهم، فأبي بنو المغيرة أن يعطوهم في الإسلام، ورفعوا ذلك إلى عتّاب بن أسيد، فكتب عتّاب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فنزلت: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ * فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ ، إلى وَلا تُظْلَمُونَ . فكتب بها رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى عتّاب وقال: " إن رَضوا وإلا فآذنهم بحرب " = وقال ابن جريج، عن عكرمة، قوله: " اتقوا الله وذروا ما بقي من الرّبا "، قال: كانوا يأخذون الرّبا على بني المغيرة، يزعمون أنهم مسعود وعبد ياليل وحبيب وربيعة، بنو عمرو بن عمير، فهم الذين كان لهم الرّبا على بني المغيرة، فأسلم عبد ياليل وحَبيب وربيعة وهلالٌ ومسعود. (28)6260 - حدثني يحيى بن أبي طالب، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا جويبر، عن الضحاك في قوله: " اتقوا الله وذروا ما بقي من الرّبا إن كنتم مؤمنين "، قال: كان ربًا يتبايعون به في الجاهلية، فلما أسلموا أمِروا أن يأخذوا رؤوس أموالهم.------------الهوامش :(25) قوله : "بأفعالكم" متعلق بقوله : "محققين . . . " ، أي محققين ذلك بأفعالكم .(26) في المخطوطة : "عما كان قد اقتضوه . . . " ، وهو فاسد ، والصواب ما في المطبوعة .(27) في المخطوطة والمطبوعة : "سلفا في الربا إلى أناس . . . " بالفعل الماضي ، والصواب ما أثبت من الدر المنثور 1 : 366 ، والبغوي (بهامش ابن كثير) 2 : 63 . والسلف (بفتحتين) : القرض . والفعل : أسلف وسلف (بتشديد اللام) .(28) الأثر : 6259- انظر ما قاله الحافظ في الإصابة في ترجمة"هلال الثقفي" . وقال : "وفي ذكر مصالحة ثقيف قبل قوله : "فلما كان الفتح" نظر ، ذكرت توجيهه في أسباب النزول" .
2:279
فَاِنْ لَّمْ تَفْعَلُوْا فَاْذَنُوْا بِحَرْبٍ مِّنَ اللّٰهِ وَ رَسُوْلِهٖۚ-وَ اِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوْسُ اَمْوَالِكُمْۚ-لَا تَظْلِمُوْنَ وَ لَا تُظْلَمُوْنَ(۲۷۹)
پھر اگر ایسا نہ کرو تو یقین کرلو اللہ اور اللہ کے رسول سے لڑائی کا (ف۵۹۲) اور اگر تم توبہ کرو تو اپنا اصل مال لے لو نہ تم کسی کو نقصان پہچاؤ (ف۵۹۳) نہ تمہیں نقصان ہو (ف۵۹۴)

القول في تأويل قوله تعالى : فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِقال أبو جعفر: يعني جل ثناؤه بقوله: (فإن لم تفعلوا) فإن لم تذَروا ما بقي من الربا.* * *واختلف القرأة في قراءة قوله: " فأذنوا بحرب من الله ورسوله ".فقرأته عامة قرأة أهل المدينة: " فَأْذَنُوْا " بقصر الألف من " فآذنوا "، وفتح ذالها، بمعنى: كونوا على علم وإذن.* * *وقرأه آخرون وهي قراءة عامة قرأة الكوفيين: " فَآذِنُوا " بمدّ الألف من قوله: " فأذنوا " وكسر ذالها، بمعنى: فآذنوا غيرَكم، أعلمُوهم وأخبروهم بأنكم علىَ حرْبهم.* * *قال أبو جعفر : وأولى القراءتين بالصواب في ذلك قراءة من قرأ: " فأذَنوا " بقصر ألفها وفتح ذالها، بمعنى: اعلموا ذلك واستيقنوه، وكونوا على إذن من الله عز وجل لكم بذلك.وإنما اخترنا ذلك، لأن الله عز وجل أمر نبيه صلى الله عليه وسلم أن ينبذ إلى من أقام على شركه الذي لا يُقَرُّ على المقام عليه، وأن يقتُل المرتدّ عن الإسلام منهم بكل حال إلا أن يراجع الإسلام، آذنه المشركون بأنهم على حربه أو لم يُؤذنوه. (29) فإذْ كان المأمور بذلك لا يخلو من أحد أمرين، إما أن يكون كان مشركا مقيمًا على شركه الذي لا يُقَرُّ عليه، أو يكون كان مسلمًا فارتدَّ وأذن بحرب. فأي الأمرين كان، فإنما نُبذ إليه بحرب، لا أنه أمر بالإيذان بها إن عَزَم على ذلك. (30) لأن الأمر إن كان إليه، فأقام على أكل الربا مستحلا له ولم يؤذن المسلمون بالحرب، لم يَلزمهم حرْبُه، وليس ذلك حُكمه في واحدة من الحالين، فقد علم أنه المأذون بالحرب لا الآذن بها.وعلى هذا التأويل تأوله أهل التأويل.ذكر من قال ذلك:6261 - حدثني المثنى قال، حدثنا عبد الله بن صالح قال، حدثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس في قوله: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا ، إلى قوله: (فأذنوا بحرب من الله ورسوله): فمن كان مقيمًا على الرّبا لا ينزعُ عنه، فحقٌّ على إمام المسلمين أن يستتيبه، فإن نزع، وإلا ضَرب عنقه.6262 - حدثني المثنى قال، حدثنا مسلم بن إبراهيم قال، حدثنا ربيعة بن كلثوم قال، حدثني أبي، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، قال: يُقال يوم القيامة لآكل الرّبا: " خذ سلاحك للحرْب ". (31)6263- حدثني المثنى قال، حدثنا الحجاج، قال، حدثنا ربيعة بن كلثوم، قال: حدثنا أبي، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس مثله.6264 - حدثنا بشر، قال، حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة قوله: وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ * فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ أوْعدهم الله بالقتل كما تسمعون، فجعلهم بَهْرَجًا أينما ثقفوا. (32)6265 - حدثني يعقوب بن إبراهيم قال، حدثنا ابن علية، عن سعيد بن أبي عروبة، عن قتادة، مثله.6266 - حدثني المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا ابن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع: " فإن لم تفعلوا فأذنوا بحرب من الله ورسوله "، أوعد الآكلَ الرّبا بالقتل. (33)6267 - حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج قال، قال ابن عباس: قوله: (فأذنوا بحرب من الله ورسوله) فاستيقنوا بحرب من الله ورسوله.* * *قال أبو جعفر: وهذه الأخبار كلها تنبئ عن أن قوله: (فأذنوا بحرب من الله) إيذان من الله عز وجل لهم بالحرب والقتل، لا أمر لهم بإيذان غيرهم.* * *القول في تأويل قوله تعالى : وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْقال أبو جعفر: يعني جل ثناؤه بذلك: " إن تبتم " فتركتم أكلَ الربا وأنبتم إلى الله عز وجل =" فلكم رؤوس أموالكم " من الديون التي لكم على الناس، دون الزيادة التي أحدثتموها على ذلك ربًا منكم، كما:6268 - حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة: " وإن تبتم فلكم رؤوس أموالكم "، والمال الذي لهم على ظهور الرجال، (34) جعل لهم رءوس أموالهم حين نزلت هذه الآية، فأما الربح والفضل فليس لهم، ولا ينبغي لهم أن يأخذوا منه شيئًا.6269 - حدثني المثنى قال، حدثنا عمرو بن عون قال، حدثنا هشيم، عن جويبر، عن الضحاك قال: وضع الله الرّبا، وجعل لهم رءوس أموالهم.6270 - حدثني يعقوب قال، حدثنا ابن علية، عن سعيد بن أبي عروبة، عن قتادة في قوله: " وإن تبتم فلكم رؤوس أموالكم " ، قال: ما كان لهم من دَين، فجعل لهم أن يأخذوا رءوس أموالهم، ولا يزدادُوا عليه شيئًا.6271- حدثني موسى بن هارون قال، حدثنا عمرو قال، حدثنا أسباط، عن السدي: " وإن تبتم فلكم رؤوس أموالكم " الذي أسلفتم، وسقط الربا.6272 - حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة: ذكر لنا أنّ نبيّ الله صلى الله عليه وسلم قال في خطبته يوم الفتح: " ألا إن ربا الجاهلية موضوعٌ كله، وأوَّل ربا أبتدئ به ربا العباس بن عبد المطلب ".6273- حدثنا المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا ابن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في خطبته: " إنّ كل ربا موضوع، وأول ربًا يوضع ربا العباس ". (35) .* * *القول في تأويل قوله تعالى : لا تَظْلِمُونَ وَلا تُظْلَمُونَ (279)قال أبو جعفر: يعني بقوله: " لا تَظلمون " بأخذكم رؤوس أموالكم التي كانت لكم قبل الإرباء على غُرمائكم منهم، دون أرباحها التي زدتموها ربًا على من أخذتم ذلك منه من غرمائكم، فتأخذوا منهم ما ليس لكم أخذُه، أو لم يكن لكم قبلُ=" ولا تُظلمون "، يقول: ولا الغريم الذي يعطيكم ذلك دون الرّبا الذي كنتم ألزمتموه من أجل الزيادة في الأجل، يبخسُكم حقًّا لكم عليه فيمنعكموه، لأن ما زاد على رؤوس أموالكم لم يكن حقًّا لكم عليه، فيكون بمنعه إياكم ذلك ظالما لكم.* * *وبنحو الذي قلنا في ذلك كان ابن عباس يقول، وغيرُه من أهل التأويل.ذكر من قال ذلك:6274 - حدثني المثنى قال، حدثنا أبو صالح قال، حدثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس: " وإن تبتم فلكم رؤوس أموالكم لا تَظلمون "، فتُربون،" ولا تظلمون " فتنقصون.6275 - وحدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في قوله: " فلكم رؤوس أموالكم لا تظلمون ولا تظلمون "، قال: لا تنقصون من أموالكم، ولا تأخذون باطلا لا يحلُّ لكم.----------------(29) في المطبوعة : "أذنه المشركون بأنهم على حربه أو لم يأذنوه" . وهو خطأ في الرسم ، وفساد في المعنى بهذا الرسم . وصواب رسمه في المخطوطة ، وهو صواب المعنى .(30) في المخطوطة : "بالإنذار بها إن عزم على ذلك" ، وهي صواب في المعنى ، ولكن ما في المطبوعة عندي أرجح .(31) الأثر : 6262- انظر الأثر السالف رقم : 6241 ، والتعليق عليه .(32) البهرج : الشيء المباح . والمكان بهرج : غير حمى . وبهرج دمه : أهدره وأبطله . وفي الحديث : أنه بهرج دم ابن الحارث .(33) في المطبوعة والمخطوطة : "أوعد لآكل الربا . . . " وهو لا شيء ، والصواب ما أثبت .(34) في المطبوعة : "المال الذي لهم" بإسقاط الواو ، وأثبت ما في المخطوطة وسيأتي على الصواب رقم : 6297 . وفي المخطوطة"ظهور الرحال" بالحاء .(35) الأثران : 6272 ، 6273- حديث خطبته صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع ، رواه مسلم 8 : 182 ، 183 في حديث جابر بن عبد الله في حجة الوداع . وسنن البيهقي 5 : 274 ، 275 . وخرجه السيوطي في الدر المنثور 1 : 367 ، وقال"أخرج أبو داود والترمذي وصححه ، والنسائي ، وابن ماجه ، وابن أبي حاتم ، والبيهقي في سننه عن عمرو بن الأحوص أنه شهد حجة الوداع . . . " ، وانظر ابن كثير 2 : 65 .
2:280
وَ اِنْ كَانَ ذُوْ عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ اِلٰى مَیْسَرَةٍؕ-وَ اَنْ تَصَدَّقُوْا خَیْرٌ لَّكُمْ اِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُوْنَ(۲۸۰)
اور اگر قرضدار تنگی والا ہے تو اسے مہلت دو آسانی تک، اور قرض اس پر بالکل چھوڑ دینا تمہارے لئے اور بھلا ہے اگر جانو(ف۵۹۵)

القول في تأويل قوله تعالى : وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍقال أبو جعفر: يعني جل ثناؤه بذلك: " وإن كان " ممن تقبضون منه من غرمائكم رؤوسَ أموالكم =" ذو عُسْرَة " يعني: معسرًا برؤوس أموالكم التي كانت لكم عليهم قبلَ الإرباء، فأنظروهم إلى ميسرتهم.وقوله: " ذو عسرة "، مرفوع ب " كان "، فالخبر متروك، وهو ما ذكرنا. وإنما صلح ترك خبرها، من أجل أنّ النكرات تضمِرُ لها العربُ أخبارَها، ولو وُجِّهت " كان " في هذا الموضع، إلى أنها بمعنى الفعل المكتفِي بنفسه التام، لكان وجهًا صحيحًا، ولم يكن بها حاجة حينئذ إلى خبر. فيكون تأويلُ الكلام عند ذلك: وإن وُجد ذُو عسرة من غرمائكم برؤوس أموالكم، فنَظِرة إلى ميسرة.وقد ذكر أنّ ذلك في قراءة أبي بن كعب: ( وَإِنْ كَانَ ذَا عُسْرَةٍ )، بمعنى: وإن كان الغريم ذا عسرة =" فنظرة إلى ميسرة ". وذلك وإن كان في العربية جائزا فغيرُ جائز القراءة به عندنا، لخلافه خطوط مصاحف المسلمين. (36)* * *وأما قوله: ( فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ )، فإنه يعني: فعليكم أن تنظروه إلى ميسرة، كما قال: فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ [سورة البقرة: 196]، وقد ذكرنا وجه رفع ما كان من نظائرها فيما مضى قبلُ، فأغنى عن تكريره. (37) .* * *و " الميسرَة "، المفعلة من " اليُسر "، مثل " المرْحمة " و " والمشأمة ".* * *ومعنى الكلام: وإن كان من غرمائكم ذو عسرة، فعليكم أن تنظروه حتى يُوسر بالدَّين الذي لكم، (38) فيصيرَ من أهل اليُسر به.وبنحو الذي قلنا في ذلك، قال أهل التأويل.ذكر من قال ذلك:6277 - حدثني واصل بن عبد الأعلى قال، حدثنا محمد بن فضيل، عن يزيد بن أبي زياد، عن مجاهد، عن ابن عباس في قوله: " وإن كان ذو عسرة فنظرة إلى ميسرة "، قال: نزلت في الربا.6278 - حدثني يعقوب قال، حدثنا هشيم قال، حدثنا هشام، عن ابن سيرين: أن رجلا خاصَم رجلا إلى شُرَيح، قال: فقضى عليه وأمرَ بحبسه، قال: فقال رجل عند شريح: إنه مُعسرٌ، والله يقول في كتابه: " وإن كان ذو عسرة فنَظِرة إلى ميسرة "! قال: فقال شريح: إنما ذلك في الربا! وإن الله قال في كتابه: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ [سورة النساء: 58] ولا يأمرنا الله بشيء ثم يعذبنا عليه.6279 - حدثني يعقوب قال، حدثنا هشيم قال، أخبرنا مغيرة، عن إبراهيم في قوله: " وإن كان ذو عسرة فنظرة إلى ميسرة "، قال: ذلك في الربا.6280 - حدثني يعقوب قال، حدثنا هشيم قال، أخبرنا مغيرة، عن الشعبيّ أن الربيع بن خثيم كان له على رجل حق، فكان يأتيه ويقوم على بابه ويقول: أيْ فلان، إن كنت مُوسرًا فأدِّ، وإن كنت مُعسرًا فإلى مَيسرة. (39)6281- حدثنا يعقوب قال، حدثنا ابن علية، عن أيوب، عن محمد، قال: جاء رجل إلى شريح فكلَّمه فجعل يقول: إنه معسر، إنه مُعسر! ! قال: فظننت أنه يكلِّمه في محبوس، فقال شريح: إن الربا كان في هذا الحي من الأنصار، فأنزل الله عز وجل: " وإنْ كان ذُو عُسْرَة فَنظِرة إلى ميسرة " وقال الله عز وجل: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا ، فما كان الله عز وجل يأمرنا بأمر ثم يعذبنا عليه، أدّوا الأمانات إلى أهلها.6282- حدثني يعقوب قال، حدثنا ابن علية، عن سعيد، عن قتادة في قوله: " وإن كان ذو عسرة فنطرة إلى ميسرة "، قال: فنظرة إلى ميسرة برأس ماله.6283 - حدثني محمد بن سعد، قال: حدثني أبي قال، حدثني عمي قال، حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس: " وإن كان ذو عسرة فنظرة إلى ميسرة "، إنما أمر في الربا أن ينظر المعسر، وليست النَّظِرة في الأمانة، ولكن يؤدِّي الأمانة إلى أهلها. (40)6284 - حدثني موسى قال، حدثنا عمرو بن حماد قال، حدثنا أسباط، عن السدي: " وإن كان ذو عسرة فنظرة " برأس المال =" إلى ميسرة "، يقول: إلى غنى.6285- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج قال: قال ابن عباس: " وإن كان ذو عسرة فنظرة إلى ميسرة "، هذا في شأن الربا.6286 - حدثت عن الحسين قال، سمعت أبا معاذ، قال: أخبرنا عبيد بن سليمان قال (41) سمعت الضحاك في قوله: (وإن كان ذو عسرة فنظرة إلى ميسرة) ، هذا في شأن الربا، وكان أهل الجاهلية بها يتبايعون، فلما أسلم من أسلم منهم، أمِروا أن يأخذوا رءوس أموالهم.6287 - حدثني المثنى قال، حدثنا عبد الله قال، حدثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس: " وإن كان ذو عسرة فنظرة إلى ميسرة "، يعني المطلوب.6288 - حدثني ابن وكيع قال، حدثنا أبي، عن إسرائيل، عن جابر، عن أبي جعفر في قوله: " وإن كان ذُو عسرة فنظِرةَ إلى ميسرة "، قال: الموت.6289 - حدثنا أحمد بن إسحاق قال، حدثنا أبو أحمد قال، حدثنا إسرائيل، عن جابر، عن محمد بن علي مثله.6290- حدثني المثنى قال، حدثنا قبيصة بن عقبة قال، حدثنا سفيان، عن المغيرة، عن إبراهيم: " وإن كان ذُو عسرة فنظرة إلى ميسرة "، قال: هذا في الربا.6291- حدثنا أحمد بن إسحاق قال، حدثنا أبو أحمد قال، حدثنا شريك، عن منصور، عن إبراهيم في الرجل يتزوج إلى الميسرة، قال: إلى الموت، أو إلى فُرْقة.6292- حدثنا أحمد قال، حدثنا أبو أحمد قال، حدثنا هشيم، عن مغيرة، عن إبراهيم: " فنظرة إلى ميسرة "، قال: ذلك في الربا.6293 - حدثنا أحمد قال، حدثنا أبو أحمد قال، حدثنا مندل، عن ليث، عن مجاهد: " فنظرة إلى ميسرة "، قال: يؤخّره، ولا يزدْ عليه. وكان إذا حلّ دين أحدهم فلم يجد ما يعطيه، زاد عليه وأخَّره.6294 - وحدثني أحمد بن حازم قال، حدثنا أبو نعيم، قال: حدثنا مندل، عن ليث، عن مجاهد: " وإن كان ذو عسرة فنظرة إلى ميسرة " قال: يؤخره ولا يزدْ عليه.* * *وقال آخرون: هذه الآية عامة في كل من كان له قِبَل رجل معسر حقٌّ (42) من أيّ وجهة كان ذلك الحق، من دين حلال أو ربا.ذكر من قال ذلك:6295 - حدثني يحيى بن أبي طالب قال، أخبرنا يزيد قال، أخبرنا جويبر، عن الضحاك قال: من كان ذا عُسرة فنظرة إلى ميسرة، وأن تصدّقوا خير لكم. قال: وكذلك كل دين على مسلم، فلا يحلّ لمسلم له دَين على أخيه يعلم منه عُسرة أن يسجنه، ولا يطلبه حتى ييسره الله عليه. وإنما جعل النظرة في الحلال، فمن أجل ذلك كانت الدّيون على ذلك.6296- حدثني علي بن حرب قال، حدثنا ابن فضيل، عن يزيد بن أبي زياد، عن مجاهد، عن ابن عباس: " وإن كان ذو عسرة فنظرة إلى ميسرة " قال: نزلت في الدَّين. (43)* * *قال أبو جعفر: والصواب من القول في قوله: " وإن كان ذو عسرة فنظرة إلى ميسرة "، أنه معنيٌّ به غرماء الذين كانوا أسلموا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولهم عليهم ديون قد أربَوْا فيها في الجاهلية، فأدركهم الإسلام قبل أن يقبضوها منهم، فأمر الله بوضع ما بقي من الربا بعد ما أسلموا، وبقبض رؤوس أموالهم، ممن كان منهم من غرمائهم موسرا، أو إنظار من كان منهم معسرا برؤوس أموالهم إلى ميسرتهم. فذلك حكم كل من أسلم وله ربا قد أربى على غريم له، فإن الإسلام يبطل عن غريمه ما كان له عليه من قِبْل الربا، ويلزمه أداء رأس ماله - الذي كان أخذ منه، أو لزمه من قبل الإرباء - إليه، إن كان موسرا. (44) وإن كان معسرا، كان منظرا برأس مال صاحبه إلى ميسرته، وكان الفضل على رأس المال مبطلا عنه.غير أن الآية وإن كانت نزلت فيمن ذكرنا، وإياهم عنى بها، فإن الحكم الذي حكم الله به: من إنظاره المعسر برأس مال المربي بعد بطول الربا عنه، حكم واجب لكل من كان عليه دين لرجل قد حل عليه، وهو بقضائه معسر: في أنه منظر إلى ميسرته، لأن دين كل ذي دين، في مال غريمه، وعلى غريمه قضاؤه منه - لا في رقبته. فإذا عدم ماله، فلا سبيل له على رقبته بحبس ولا بيع، وذلك أن مال رب الدين لن يخلو من أحد وجوه ثلاثة: إما أن يكون في رقبة غريمه، أو في ذمته يقضيه من ماله، أو في مال له بعينه.= فإن يكن في مال له بعينه، فمتى بطل ذلك المال وعدم، فقد بطل دين رب المال، وذلك ما لا يقوله أحد.= ويكون في رقبته، (45) فإن يكن كذلك، فمتى عدمت نفسه، فقد بطل دين رب الدين، وإن خلف الغريم وفاء بحقه وأضعاف ذلك، وذلك أيضا لا يقوله أحد.فقد تبين إذا، إذ كان ذلك كذلك، أن دين رب المال في ذمة غريمه يقضيه من ماله، فإذا عدم ماله فلا سبيل له على رقبته، لأنه قد عدم ما كان عليه أن يؤدي منه حق صاحبه لو كان موجودا، وإذا لم يكن على رقبته سبيل، لم يكن إلى حبسه وهو معدوم بحقه، سبيل. (46) لأنه غير مانعه حقا، له إلى قضائه سبيل، فيعاقب بمطله إياه بالحبس. (47)* * *القول في تأويل قوله تعالى : وَأَنْ تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (280)قال أبو جعفر: يعني جل وعز بذلك: وأن تتصدقوا برؤوس أموالكم على هذا المعسر، =" خير لكم " أيها القوم من أن تنظروه إلى ميسرته، لتقبضوا رؤوس أموالكم منه إذا أيسر =" إن كنتم تعلمون " موضع الفضل في الصدقة، وما أوجب الله من الثواب لمن وضع عن غريمه المعسر دينه.* * *واختلف أهل التأويل في تأويل ذلك.فقال بعضهم: معنى ذلك: " وأن تصدقوا " برؤوس أموالكم على الغني والفقير منهم =" خير لكم ".ذكر من قال ذلك:6297 - حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة: وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ ، والمال الذي لهم على ظهور الرجال جعل لهم رؤوس أموالهم حين نزلت هذه الآية. فأما الربح والفضل فليس لهم، ولا ينبغي لهم أن يأخذوا منه شيئا =" وأن تصدقوا خير لكم " ، يقول: أن تصدقوا بأصل المال، خير لكم. (48)6298 - حدثني يعقوب قال حدثنا ابن علية، عن سعيد، عن قتادة: " وأن تصدقوا "، أي برأس المال، فهو خير لكم.6299 - حدثنا ابن بشار قال، حدثنا عبد الرحمن قال، حدثنا سفيان، عن مغيرة، عن إبراهيم: (وأن تصدقوا خير لكم) قال: من رؤوس أموالكم.6300 - حدثنا ابن بشار قال، حدثنا يحيى، عن سفيان، عن المغيرة، عن إبراهيم بمثله.6301- حدثني المثنى قال، حدثنا قبيصة بن عقبة قال، حدثنا سفيان، عن مغيرة، عن إبراهيم: " وأن تصدقوا خير لكم "، قال: أن تصدقوا برؤوس أموالكم.* * *وقال آخرون: معنى ذلك: وأن تصدقوا به على المعسر، خير لكم - نحو ما قلنا في ذلك.ذكر من قال ذلك:6302 - حدثني موسى قال، حدثنا عمرو قال، حدثنا أسباط، عن السدي: " وأن تصدقوا خير لكم "، قال: وأن تصدقوا برؤوس أموالكم على الفقير، فهو خير لكم، فتصدق به العباس.6303 - حدثني المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا ابن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع: ( وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ وَأَنْ تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَكُمْ )، يقول: وإن تصدقت عليه برأس مالك فهو خير لك.6304 - حدثت عن الحسين قال، سمعت أبا معاذ، قال أخبرنا عبيد قال، سمعت الضحاك في قوله: ( وأن تصدقوا خير لكم) ، يعني: على المعسر، فأما الموسر فلا ولكن يؤخذ منه رأس المال، والمعسر الأخذ منه حلال والصدقة عليه أفضل.6305 - حدثني المثنى قال، حدثنا عمرو بن عون قال: أخبرنا هشيم، عن جويبر، عن الضحاك: وأن تصدقوا برؤوس أموالكم، خير لكم من نظرة إلى ميسرة. فاختار الله عز وجل الصدقة على النظارة. (49)6306 - حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في قوله: " وإن كان ذو عسرة فنظرة إلى ميسرة وأن تصدقوا خير لكم "، قال: من النظرة =" إن كنتم تعلمون ".6307- حدثني يحيى بن أبي طالب قال، أخبرنا يزيد قال، أخبرنا جويبر، عن الضحاك: (فنظرة إلى ميسرة وأن تصدقوا خير لكم)، والنظرة واجبة، وخير الله عز وجل الصدقة على النظرة، (50) والصدقة لكل معسر، فأما الموسر فلا.* * *قال أبو جعفر: وأولى التأويلين بالصواب تأويل من قال: معناه: " وأن تصدقوا على المعسر برءوس أموالكم خير لكم " لأنه يلي ذكر حكمه في المعنيين. وإلحاقه بالذي يليه، أحب إلي من إلحاقه بالذي بعد منه.* * *قال أبو جعفر: وقد قيل إن هذه الآيات في أحكام الربا، هن آخر آيات نزلت من القرآن.ذكر من قال ذلك:6308 - حدثنا محمد بن بشار قال، حدثنا ابن أبي عدي، عن سعيد = وحدثني يعقوب قال، حدثنا ابن علية، عن سعيد، = عن قتادة، عن سعيد بن المسيب: أن عمر بن الخطاب قال: كان آخر ما نزل من القرآن آية الربا، وإن نبي الله صلى الله عليه وسلم قبض قبل أن يفسرها، فدعوا الربا والريبة. (51)6039- حدثنا حميد بن مسعدة قال، حدثنا بشر بن المفضل قال، حدثنا داود، عن عامر: أن عمر رضي الله عنه قام فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: " أما بعد، فإنه والله ما أدري لعلنا نأمركم بأمر لا يصلح لكم، وما أدري لعلنا ننهاكم عن أمر يصلح لكم، وإنه كان من آخر القرآن تنزيلا آيات الربا، فتوفي رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل أن يبينه لنا، فدعوا ما يريبكم إلى ما لا يريبكم ". (52)6310 - حدثني أبو زيد عمر بن شبة قال، حدثنا قبيصة قال، حدثنا سفيان الثوري، عن عاصم الأحول، عن الشعبي، عن ابن عباس قال: آخر ما أنزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم آية الربا، وإنا لنأمر بالشيء لا ندري لعل به بأسا، وننهى عن الشيء لعله ليس به بأس. (53)-------------------(36) انظر معاني القرآن للفراء 1 : 186 .(37) انظر ما سلف 4 : 34 .(38) في المخطوطة والمطبوعة : "حتى يوسر بما ليس لكم" ، واجتهد مصحح المطبوعة وقال : "لعل (ليس) زائدة من الناسخ" . ولا أراه كذلك ، بل قوله"بما ليس" ، هي في الأصل الذي نقل عنه الناسخ"بالدين" مرتبطة الحروف ، كما يكون كثيرا في المخطوطة القديمة ، فلم يحسن الناسخ قراءتها ، فقرأها"بما ليس" ، وحذف"الذي" ، لظنه أنها زائدة سهوا من الناسخ قبله ، وتبين صحة ما أثبتناه ، من كلام الطبري بعد في آخر تفسير الآية . ولو قرئت : "برأس ما لكم" ، لكان صوابا في المعنى ، كما يتبين من الآثار الآتية .(39) الأثر : 6280 - كان في المطبوعة : "مغيرة ، عن الحسن . . . " ، وفي المخطوطة"مغيرة ، عن الحسى" مشددة الياء بالقلم ، والناسخ كثير السهو والغفلة والتصحيف كما أسلفنا . وإنما هو"الشعبي" ، وهذا الإسناد إلى الشعبي قد مضى مئات من المرات ، انظر مثلا : 4385 . وكان في المطبوعة : "الربيع بن خيثم" وهو تصحيف والصواب ما أثبت ، وقد مضت ترجمته في رقم : 1430 .(40) في المخطوطة : "ولكن مؤدي الأمانة . . . " ، وهو تصحيف من الناسخ .(41) في المطبوعة : "عبيد بن سلمان" ، والصواب من المخطوطة ، وقد مضى الكلام على هذا الإسناد فيما سلف .(42) في المخطوطة : "هذه الآية عام . . . " تصحيف من الناسخ وسهو .(43) الأثر : 6296-"علي بن حرب بن محمد بن علي الطائي" . قال النسائي : "صالح" ، وقال أبو حاتم : "صدوق" توفي سنة 265 ، مترجم في التهذيب .(44) سياق العبارة"ويلزمه أداء رأس ماله . . . إليه . . . " ، وما بينهما فصل .(45) في المطبوعة : "ويكون في رقبته" ، والصواب من المخطوطة .(46) في المطبوعة : "لم يكن إلى حبسه بحقه وهو معدوم سبيل" قدم"بحقه" ، وأثبت ما في المخطوطة ، فهو صواب جيد .(47) في المطبوعة : "فيعاقب بظلمه إياه . . . " ، وفي المخطوطة"فيعاقب بطله إياه . . " وصواب قراءتها ما أثبت . مطله حقه يمطله مطلا ، وماطله مطالا : سوفه ودافعه بالعدة والدين . هذا ، وأبو جعفر رضي الله عنه ، رجل قويم الحجة ، أسد اللسان ، سديد المنطق ، عارف بالمعاني ومنازلها من الرأي ، ومساقطها من الصواب . وهذه حجة بينة فاصلة من حججه التي أشرت إليها كثيرا في بعض تعليقي على هذا التفسير الجليل .(48) الأثر : 6297- سلف برقم : 6268 . وانظر التعليق هناك .(49) النظارة (بكسر النون) : الإنظار وهو الإمهال . وهو مصدر لم أجده في كتب اللغة ، ولكنه عريق في عربيته . كالنذارة ، من الإنذار ، وهو عزيز ، ولكنه عربي البناء والقياس .(50) يقال : "اخترت فلانا على فلان" بمعنى : فضلت فلانا على فلان ، ولذلك عدى بعلى . ومثله"خير فلانا على فلان" ، أي فضله عليه . وقد جاء في الأثر : "خير بين دور الأنصار" ، أي فضل بعضها على بعض . وقلما تجد هذا التعبير .(51) الحديث : 6308- سعيد : هو ابن أبي عروبة .والحديث رواه أحمد في المسند : 246 ، عن يحيى ، وهو القطان .و : 350 ، عن ابن علية - كلاهما عن ابن أبي عروبة . بهذا الإسناد .ورواه ابن ماجه : 2276 ، من طريق خالد بن الحارث ، عن سعيد ، وهو ابن أبي عروبة ، به .وذكره ابن كثير 2 : 58 ، عن الموضع الأول من المسند .وذكره السيوطي في الدر المنثور 1 : 365 ، وزاد نسبته لابن الضريس ، وابن المنذر . وأشار إليه في الإتقان 1 : 33 ، موجزا ، منسوبا لأحمد وابن ماجه فقط .وهذا الحديث - على جلالة رواته وثقتهم - ضعيف الإسناد ، لانقطاعه . فإن سعيد بن المسيب لم يسمع من عمر ، كما بينا في شرح المسند : 109 ، وانظر كتاب المراسيل لابن أبي حاتم ، ص : 26-27 .(52) الحديث : 6309- داود : هو ابن أبي هند . عامر : هو الشعبي .وهذا الإسناد ضعيف أيضًا ، فإن الشعبي لم يدرك عمر ، كما قلنا فيما مضى : 1608 ، نقلا عن ابن كثير .وذكره الحافظ في الفتح 8 : 153 ، منسوبا للطبري ، وقال : "وهو منقطع ، فإن الشعبي لم يدرك عمر" .وذكر ابن كثير 2 : 58 ، نحو معناه ، قال : "رواه ابن ماجه وابن مردويه ، من طريق هياج ابن بسطام ، عن داود بن أبي هند ، عن أبي نضرة ، عن أبي سعيد الخدري ، قال : خطبنا عمر . . . " إلخ .وهياج بن بسطام الهروي : اختلفوا فيه جدا ، فضعفه أحمد ، وابن معين ، وابن أبي حاتم ، وغيرهم . وقال المكي بن إبراهيم - شيخ البخاري : "ما علمنا الهياج إلا ثقة صادقا عالما" . ووثقه محمد ابن يحيى الذهلي . وقد أنكروا عليه أحاديث ، ثم ظهر أن الحمل فيها على ابنه خالد الذي رواها عنه . والراجح عندنا هذا ، فإن البخاري ترجمه في الكبير 4/2/242 ، فلم يذكر فيه جرحا . وكأنه ذهب فيه إلى ما اختاره شيخاه : المكي بن إبراهيم ، ومحمد بن يحيى الذهلي .وابن كثير لم يبين من رواه عن الهياج . ثم لم أعرف موضعه في ابن ماجه ، وليس عندي كتاب ابن مردويه .ولكني وجدت له إسنادا إلى الهياج . فرواه الخطيب في ترجمته في تاريخ بغداد 14 : 80-81 ، من طريق محمد بن بكار بن الريان ، -وهو ثقة- عن الهياج ، بهذا الإسناد .فعن هذا ظهر أن إسناده صحيح ، والحمد لله .(53) الحديث : 6310- أبو زيد عمر بن شبة - بفتح الشين المعجمة وتشديد الباء الموحدة - النميري النحوي : ثقة صاحب عربية وأدب . قال الخطيب : "كان ثقة عالما بالسير وأيام الناس" . مترجم في التهذيب ، وابن أبي حاتم 3/1/116 ، وتاريخ بغداد 11 : 208-210 .قبيصة : هو ابن عقبة . مضت ترجمته في : 489 ، 2792 . وهذا الحديث من روايته عن سفيان الثوري . وقد بينا هناك أن روايته عنه صحيحة ، خلافا لمن تكلم فيها .عاصم الأحول : هو عاصم بن سليمان . وقد مضى مرارا . ووقع في المطبوعة هنا"عاصم عن الأحول" . وهو خطأ مطبعي . وثبت على الصواب في المخطوطة .وهذا الحديث رواه البخاري في الصحيح 8 : 153 (فتح) ، عن قبيصة ، بهذا الإسناد . ولكنه اقتصر على أوله ، إلى قوله"آية الربا" لأن الباقي موقوف من كلام ابن عباس .وذكر السيوطي 1 : 365 رواية البخاري ، وزاد نسبتها لأبي عبيد ، والبيهقي في الدلائل .وقال الحافظ في الفتح : "المراد بالآخرية في الربا : تأخر نزول الآيات المتعلقة به من سورة البقرة . وأما حكم تحريم الربا فنزوله سابق لذلك بمدة طويلة ، على ما يدل عليه قوله تعالى في آل عمران ، في أثناء قصة أحد : (يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا الربا أضعافا مضاعفة) الآية" .
  FONT
  THEME
  TRANSLATION
  • English | Ahmed Ali
  • Urdu | Ahmed Raza Khan
  • Turkish | Ali-Bulaç
  • German | Bubenheim Elyas
  • Chinese | Chineese
  • Spanish | Cortes
  • Dutch | Dutch
  • Portuguese | El-Hayek
  • English | English
  • Urdu | Fateh Muhammad Jalandhry
  • French | French
  • Hausa | Hausa
  • Indonesian | Indonesian-Bahasa
  • Italian | Italian
  • Korean | Korean
  • Malay | Malay
  • Russian | Russian
  • Tamil | Tamil
  • Thai | Thai
  • Farsi | مکارم شیرازی
  TAFSEER
  • العربية | التفسير الميسر
  • العربية | تفسير الجلالين
  • العربية | تفسير السعدي
  • العربية | تفسير ابن كثير
  • العربية | تفسير الوسيط لطنطاوي
  • العربية | تفسير البغوي
  • العربية | تفسير القرطبي
  • العربية | تفسير الطبري
  • English | Arberry
  • English | Yusuf Ali
  • Dutch | Keyzer
  • Dutch | Leemhuis
  • Dutch | Siregar
  • Urdu | Sirat ul Jinan
  HELP

اَلْبَقَرَة
اَلْبَقَرَة
  00:00



Download

اَلْبَقَرَة
اَلْبَقَرَة
  00:00



Download