READ
Surah Az-Zumar
اَلزُّمَر
75 Ayaat مکیۃ
39:0
بِسْمِ اللّٰهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحِیْمِ
اللہ کے نام سے شروع جو بہت مہربان رحمت والا
سورة الفاتحة هي السورة الوحيدة التي أمر الإسلام أتباعه أن يقرءوها في كل صلاة. وفي جميع الركعات، وفي كل الأوقات، ولهذا أصبح حفظها ميسورا لكل مؤمن.وهذه السورة على صغر حجمها، وقلة آياتها، قد اشتملت بوجه إجمالي على مقاصد الدين من توحيد، وتعبد، وأحكام، ووعد ووعيد.ونرى من الخير قبل أن نبدأ في تفسيرها بالتفصيل، أن نمهد لذلك بالكلام عما يأتي:أولا: متى نزلت سورة الفاتحة؟للإجابة على هذا السؤال نقول: إن الرأي الراجح بين المحققين من العلماء أنها نزلت بمكة، بل هي من أوائل ما نزل من القرآن بمكة.وقيل: إنها مدنية. وقيل: إنها نزلت مرتين مرة بمكة حين فرضت الصلاة ومرة بالمدينة حين حولت القبلة.قال القرطبي: الأول أصح لقوله- تعالى- في سورة الحجر: وَلَقَدْ آتَيْناكَ سَبْعاً مِنَ الْمَثانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ وسورة الحجر مكية بالإجماع. ولا خلاف في أن فرض الصلاة كان بمكة، وما حفظ أنه لم يكن في الإسلام قط صلاة بغير الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ «يدل على ذلك قوله صلّى الله عليه وسلّم: «لا صلاة إلا بفاتحة الكتاب» . وهذا خبر عن الحكم لا عن الابتداء» .ثانيا: عدد آياتها: وهي سبع آيات لقوله- تعالى-: وَلَقَدْ آتَيْناكَ سَبْعاً مِنَ الْمَثانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ. قال العلماء: السبع المثاني هي الفاتحة.وقال ابن كثير: هي سبع آيات بلا خلاف. وقال عمرو بن عبيد: هي ثماني آيات لأنه جعل إِيَّاكَ نَعْبُدُ آية. وقال حسين الجعفي: هي ست آيات وهذان القولان شاذان» .ثالثا: أسماؤها: لسورة الفاتحة أسماء كثيرة من أشهرها:1- «الفاتحة أو فاتحة الكتاب، وسميت بذلك لأنه تفتتح قراءة القرآن بها لفظا. وتفتتح بها الكتابة في المصحف خطا، وتفتتح بها الصلوات، وإن لم تكن هي أول ما نزل من القرآن. وقد اشتهرت بهذا الاسم في أيام النبوة.وقد أصبح هذا الاسم علما بالغلبة لتلك الطائفة من الآيات التي مبدؤها الْحَمْدُ لِلَّهِ..ونهايتها.. وَلَا الضَّالِّينَ.2- «أم القرآن أو الكتاب» وسميت بذلك لاشتمالها إجمالا على المقاصد التي ذكرت فيه تفصيلا، أو لاشتمالها على ما فيه من الثناء على الله بما هو أهله، والتعبد بأمره ونهيه، وبيان وعده ووعيده، أو على جملة معانيه من الحكم النظرية، والأحكام العملية التي هي سلوك الصراط المستقيم، والاطلاع على معارج السعداء ومنازل الأشقياء.قال ابن جرير: «والعرب تسمى كل أمر جامع أمّا، وكل مقدم له توابع تتبعه «أما» فتقول للجلدة التي تجمع الدماغ: «أم الرأس» . وتسمى لواء الجيش ورايتهم التي يجتمعون تحتها «أما» .3- «السبع المثاني» جمع مثنى كفعلي اسم مكان. أو مثنى- بالتشديد- من التثنية على غير قياس. وسميت بذلك لأنها سبع آيات في الصلاة، أى تكرر فيها أخرج الإمام أحمد، عن أبي هريرة، عن النبي صلّى الله عليه وسلّم أنه قال: «هي أم القرآن، وهي السبع المثاني، وهي القرآن العظيم» .4- وتسمى- أيضا- سورة «الحمد» . 5- و «الكنز» . 6- و «الواقية» .7- و «الشفاء» ، لحديث. هي الشفاء من كل داء.8- و «الكافية» لأنها تكفي عن سواها ولا يكفى سواها عنها.9- و «الأساس» . 10- و «الرقية» .هذا، وقد ذكر القرطبي للفاتحة اثنى عشر اسما، كما ذكر السيوطي لها في كتابه «الإتقان» خمسة وعشرين اسما.رابعا: فضلها: ورد في فضل سورة الفاتحة أحاديث كثيرة منها:ما رواه البخاري في صحيحه عن أبي سعيد بن المعلى- رضي الله عنه- قال:كنت أصلي في المسجد، فدعاني النبي صلّى الله عليه وسلّم فلم أجبه فقلت: يا رسول الله، إني كنت أصلّي.فقال: ألم يقل الله: اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذا دَعاكُمْ.ثم قال لي: «لأعلمنك سورة هي أعظم السور في القرآن قبل أن تخرج من المسجد» . ثم أخذ بيدي، فلما أراد أن يخرج، قلت: يا رسول الله. ألم تقل: لأعلمنك سورة هي أعظم سورة في القرآن. قال: الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ، هي السبع المثاني والقرآن العظيم الذي أوتيته» .وروى مسلّم والنسائي، عن ابن عباس، قال:بينما جبريل قاعد عند النبي صلّى الله عليه وسلّم سمع نقيضا من فوقه- أي: صوتا- فرفع رأسه فقال:هذا باب من السماء فتح اليوم لم يفتح قط إلا اليوم. فسلّم وقال: أبشر بنورين قد أوتيتهما، ولم يؤتهما نبي قبلك: فاتحة الكتاب، وخواتيم سورة البقرة، لم تقرأ بحرف منهما إلا أعطيته» .وروى مسلّم عن أبي هريرة- رضي الله عنه- عن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال:«من صلّى صلاة لم يقرأ فيها بأم القرآن فهي خداج (ثلاثا) : غير تمام» فقيل لأبي هريرة: إنا نكون وراء الإمام؟ فقال: اقرأ بها في نفسك فإني سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: قال الله- تعالى-: «قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين، ولعبدي ما سأل» ، فإذا قال العبد:الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ. قال الله: حمدني عبدي، وإذا قال: الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ. قال الله تعالى: أثنى علي عبدي. وإذا قال: مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ قال الله: مجدني عبدي. فإذا قال:إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ. قال الله: هذا بيني وبين عبدي ولعبدي ما سأل. فإذا قال:اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ. صِراطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ.قال الله: «هذا لعبدي ولعبدي ما سأل» .وأخرج الإمام أحمد في مسنده، عن عبد الله بن جابر، أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال له: ألا أخبرك بأخير سورة في القرآن؟ قلت: بلى يا رسول الله. قال: اقرأ: الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ حتى تختمها .تلك هي بعض الأحاديث التي وردت في فضل هذه السورة الكريمة.وقد ذكر العلماء أنه يسن للمسلّم قبل القراءة أن يستعيذ بالله من الشيطان الرجيم، استجابة لقوله- تعالى- فَإِذا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطانِ الرَّجِيمِ .ومعنى «أعوذ بالله من الشيطان الرجيم» : ألتجئ إلى الله وأتحصن به، واستجير بجنابه من الشيطان الرجيم أن يضرني في ديني أو دنياي.قال ابن كثير: «والشيطان في لغة العرب كل متمرد من الجن والإنس والدواب وكل شيء.وهو مشتق من شطن إذا بعد، فهو بعيد بطبعه عن طباع الشر، وبعيد بفسقه عن كل خير.وقيل: مشتق من شاط لأنه مخلوق من نار. والأول أصح إذ عليه يدل كلام العرب، فهم:يقولون تشيطن فلان إذا فعل أفعال الشيطان، ولو كان من شاط. لقالوا: تشيط، فالشيطان مشتق من البعد على الصحيح» .والرجيم: فعيل بمعنى مفعول أي أنه مرجوم مطرود من رحمة الله ومن كل خير، وقيل:رجيم بمعنى راجم لأنه يرجم الناس بالوساوس والشكوك.قال بعض العلماء: «وإنما خصت القراءة بطلب الاستعاذة مع أنه قد أمر بها على وجه العموم في جميع الشئون، لأن القرآن مصدر الهداية والشيطان مصدر الضلال، فهو يقف للإنسان بالمرصاد في هذا الشأن على وجه خاص، فيثير أمامه ألوانا من الشكوك فيما يقرأ، وفيما يفيد من قراءته، وفيما يقصد بها، فيفوت عليه الانتفاع بهدى الله وآياته، فعلمنا الله أن نتقي ذلك كله بهذه الاستعاذة التي هي في الواقع عنوان صدق، وتعبير حق، عن امتلاء قلب المؤمن بمعنى اللجوء إلى الله، وقوة عزيمته في طرد الوساوس والشكوك، واستقبال الهداية بقلب طاهر،وعقل واع، وإيمان ثابت» .قال القرطبي: وقد أجمع العلماء على أن التعوذ ليس من القرآن ولا آية منه، وهو قول القارئ: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم .والآن وبعد هذا التمهيد الموجز الذي تكلمنا فيه عن نزول سورة الفاتحة، وعن عدد آياتها، وعن أشهر أسمائها، وعن بعض الأحاديث التي وردت في فضلها نحب أن نبدأ في تفسير السورة الكريمة فنقول- وبالله التوفيق-: بسم ٱلله الرَّحْمٰنِ الرَّحِيمِ الاسم: اللفظ الذى يدل على ذات أو معنى. وقد اختلف النحويون في اشتقاقه على وجهين، فقال البصريون: هو مشتق من السمو، وهو العلو والرفعة، فقيل: اسم، لأن صاحبه بمنزلة المرتفع به.وقال الكوفيون: إنه مشتق من السمة وهي العلامة، لأن الاسم علامة لمن وضع له، فأصل اسم على هذا " وسم ".ويرى المحققون أن رأي البصريين أرجح، لأنه يقال في تصغير " اسم " سُمىَ، وفي جمعه أسماء، والتصغير والجمع يردان الأشياء إلى أصولها. ولو كان أصله وسم - كما قال الكوفيون - لقيل في جمعه: أوسام، وفي تصغيره وسيم.ولفظ الجلالة وهو " الله " علم على ذات الخالق - عز وجل - تفرد به - سبحانه - ولا يطلق على غيره، ولا يشاركه فيه أحد.قال القرطبي: قوله " الله " هذا الاسم أكبر أسمائه - سبحانه - وأجمعها حتى قال بعض العلماء: إنه اسم الله الأعظم ولم يتسم به غيره، ولذلك لم يثن ولم يجمع: فالله اسم للموجود الحق الجامع لصفات الإِلهية، المنعوت بنعوت الربوبيه، المنفرد بالوجود الحقيقي، لا إله إلا هو - سبحانه -و ٱلرَّحْمٰنِ ٱلرَّحِيمِ صفتان مشتقتان من الرحمة. والرحمة في أصل اللغة: رقة في القلب تقتضي الإِحسان، وهذا المعنى لا يليق أن يكون وصفاً لله - تعالى-، ولذا فسرها بعض العلماء بإرادة الإِحسان. وفسرها آخرون بالإِحسان نفسه.والموافق لمذهب السلف أن يقال: هي صفة قائمة بذاته - تعالى - لا نعرف حقيقتها، وإنما نعرف أثرها الذي هو الإِحسان.وقد كثرت أقوال المفسرين في العلاقة بين هاتين الصفتين، فبعضهم يرى أن ٱلرَّحْمٰنِ هو المنعم على جميع الخلق. وأن ٱلرَّحِيمِ هو المنعم على المؤمنين خاصه. ويرى آخرون أن ٱلرَّحْمٰنِ هو المنعم بجلائل النعم، وأن ٱلرَّحِيمِ هو المنعم بدقائقها.ويرى فريق ثالث أن الوصفين بمعنى واحد وأن الثاني منهما تأكيد للأول. والذى يراه المحققون من العلماء أن الصفتين ليستا بمعنى واحد، بل روعي فب كل منهما معنى لم يراع في الآخر، فالرحمن بمعنى عظيم الرحمة، لأن فعلان صيغة مبالغة في كثرة الشيء وعظمته، ويلزم منه الدوام كغضبان وسكران. والرحيم بمعنى دائم الرحمة، لأن صيغته فعيل تستعمل في الصفات الدائمة ككريم وظريف. فكأنه قيل: العظيم الرحمة الدائمة.أو أن ٱلرَّحْمٰنِ صفة ذاتية هي مبدأ الرحمة والإِحسان. و ٱلرَّحِيمِ صفة فعل تدل على وصول الرحمة والإِحسان وتعديهما إلى المنعم عليه.ولعل مما يؤيد ذلك أن لفظ الرحمن لم يذكر في القرآن إلا مجرى عليه الصفات كما هو الشأنِ في أسماء الذات. قال - تعالى-: ٱلرَّحْمَٰنُ عَلَّمَ ٱلْقُرْآنَ و ٱلرَّحْمَٰنُ عَلَى ٱلْعَرْشِ ٱسْتَوَىٰ قُلِ ٱدْعُواْ ٱللَّهَ أَوِ ٱدْعُواْ ٱلرَّحْمَٰنَ وهكذا...أما لفظ الرحيم فقد كثر في القرآن استعماله وصفاً فعلياً، وجاء في الغالب بأسلوب التعدية والتعلق بالمنعم عليه. قال - تعالى - إِنَّ ٱللَّهَ بِٱلنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَّحِيمٌ وَكَانَ بِٱلْمُؤْمِنِينَ رَحِيماً إِنَّهُ كَانَ بِكُمْ رَحِيماً إلخ.قال بعض العلماء " وهذا الرأي في نظرنا هو أقوى الآراء، فإن تخصيص أحد الوصفين بدقائق النعم أو ببعض المنعم عليهم لا دليل عليه، كما أنه ليس مستساغاً أن يقال في القرآن: إن كلمة ذكرت بعد أخرى لمجرد تأكيد المعنى المستفاد منها ".والجار والمجرور " بسم " متعلق بمحذوف تقديره ابتدئ.والمعنى: ابتدئ قراءتي متبركاً ومتيمناً باسم الله الذى هو الأول والآخر، والظاهر والباطن، والذى رحمته وسعت كل شيء، وأتبرأ مما كان يفعله المشركون والضالون، من ابتدائهم قراءتهم وأفعالهم باسم اللات أو باسم العزى أو باسم غيرهما من الآلهة الباطلة.هذا وقد أجمع العلماء على أن البسملة جزء آية من سورة النمل فى قوله - تعالى - إِنَّهُ مِن سُلَيْمَانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ ٱللَّهِ ٱلرَّحْمَٰنِ ٱلرَّحِيمِ ثم اختلفوا بعد ذلك في كونها آية مستقلة أنزلت للفصل بين السور مرة واحدة، أو هى آية من سورة الفاتحة ومن كل سورة ألخ.فبعضهم يرى أن البسملة آية من الفاتحة ومن كل سورة، ومن حججهم أن السلف قد أثبتوها في المصحف مع الأمر بتجريد القرآن مما ليس منه، ولذا لم يكتبوا " آمين ". فثبت بهذا أن البسملة جزء من الفاتحة ومن كل سورة.وبهذا الرأي قال ابن عباس وابن عمر وأبو هريرة وسعيد بن جبير والشافعي، وأحمد في أحد قوليه.ويرى آخرون أن البسملة ليست آية من الفاتحة ولا من غيرها من السور، وقالوا: إنها آية فذة. من القرآن أنزلت للفصل والتبرك للابتداء بها، ومن حججهم أنها لو كانت آية من الفاتحة ومن كل سورة، لما اختلف الناس في ذلك، ولما اضطربت أقوالهم في كونها آية من كل سورة أو من الفاتحة فقط.وكما وقع الخلاف بين العلماء في كونها آية مستقلة أو آية من كل سورة، فقد وقع الخلاف بينهم - أيضاً - في وجوب قراءتها فى الصلاة، وفي الجهر بها أو الإِسرار إذا قرئت.وتحقيق القول في ذلك مرجعه إلى كتب الفقه، وإلى كتب التفسير التي عنيت بتفسير آيات الأحكام.
تَنْزِیْلُ الْكِتٰبِ مِنَ اللّٰهِ الْعَزِیْزِ الْحَكِیْمِ(۱)
کتاب (ف۲) اتارنا ہے اللہ عزت و حکمت والے کی طرف سے،
مقدّمة1- سورة «الزمر» هي السورة التاسعة والثلاثون في ترتيب المصحف أما ترتيبها في النزول فهي السورة الثامنة والخمسون من السور المكية، وكان نزولها بعد سورة سبأ.وقد ذكر صاحب الإتقان أنها تسمى- أيضا- سورة «الغرف» ، لقوله- تعالى-:لكِنِ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ لَهُمْ غُرَفٌ مِنْ فَوْقِها غُرَفٌ مَبْنِيَّةٌ.2- ويرى المحققون أن السورة بكاملها مكية.قال الآلوسى: عن ابن عباس أنها نزلت بمكة ولم يستثن، وأخرج النحاس عنه أنه قال: نزلت سورة الزمر بمكة سوى ثلاث آيات نزلت بالمدينة في وحشي قاتل حمزة، وهي قوله- تعالى: - قُلْ يا عِبادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ.3- وآياتها خمس وسبعون آية في المصحف الكوفي، وثلاث وسبعون في المصحف الشامي، واثنتان وسبعون في غيرهما .4- وتبدأ السورة الكريمة بالثناء على الله- تعالى- الذي أنزل القرآن بالحق على نبيه محمد صلّى الله عليه وسلم والذي خلق السموات والأرض بالحق والذي خلق الناس جميعا من نفس واحدة، قال- تعالى-: تَنْزِيلُ الْكِتابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ، إِنَّا أَنْزَلْنا إِلَيْكَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ، فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصاً لَهُ الدِّينَ. أَلا لِلَّهِ الدِّينُ الْخالِصُ ...5- ثم تنتقل السورة إلى الحديث عن حالة الإنسان عند ما ينزل به الضر، وعن الجزاء الحسن الذي أعده- سبحانه- للصابرين، وعن العقاب الأليم الذي أعده للخاسرين.قُلْ يا عِبادِ الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا رَبَّكُمْ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هذِهِ الدُّنْيا حَسَنَةٌ، وَأَرْضُ اللَّهِ واسِعَةٌ إِنَّما يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسابٍ. قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ مُخْلِصاً لَهُ الدِّينَ. وَأُمِرْتُ لِأَنْ أَكُونَ أَوَّلَ الْمُسْلِمِينَ. قُلْ إِنِّي أَخافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ. قُلِ اللَّهَ أَعْبُدُ مُخْلِصاً لَهُ دِينِي. فَاعْبُدُوا ما شِئْتُمْ مِنْ دُونِهِ، قُلْ إِنَّ الْخاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ، أَلا ذلِكَ هُوَ الْخُسْرانُ الْمُبِينُ.6- ثم بين- سبحانه- مظاهر قدرته في هذا الكون عن طريق إنزاله الماء من السماء، وعن طريق إنزاله أحسن الحديث. كتابا متشابها مثاني تقشعر منه جلود الذين يخشون ربهم.قال- تعالى-: أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَسَلَكَهُ يَنابِيعَ فِي الْأَرْضِ ثُمَّ يُخْرِجُ بِهِ زَرْعاً مُخْتَلِفاً أَلْوانُهُ، ثُمَّ يَهِيجُ فَتَراهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَجْعَلُهُ حُطاماً، إِنَّ فِي ذلِكَ لَذِكْرى لِأُولِي الْأَلْبابِ.7- ثم دعا- سبحانه- الناس بعد ذلك إلى تدبر آيات القرآن، المشتمل على الهدايات والإرشادات والأمثال، وإلى اتباع الرسول صلّى الله عليه وسلم الذي جاءهم بالصدق، لأن هذا الاتباع يؤدى إلى تكفير سيئاتهم، ورفع درجاتهم عند ربهم.قال- تعالى-: وَلَقَدْ ضَرَبْنا لِلنَّاسِ فِي هذَا الْقُرْآنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ. قُرْآناً عَرَبِيًّا غَيْرَ ذِي عِوَجٍ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ.8- وبعد أن عادت السورة الكريمة إلى الحديث عن مظاهر قدرة الله- تعالى- في قبضه للأرواح، وفي كشفه الضر عن خلقه.. أتبعت ذلك بمحاجة المشركين، وببيان ما هم عليه من ضلال، وبيان أحوالهم عند ما يذكر الله- تعالى- وحده، وببيان سوء عاقبتهم.قال- تعالى-: وَإِذا ذُكِرَ اللَّهُ وَحْدَهُ اشْمَأَزَّتْ قُلُوبُ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ، وَإِذا ذُكِرَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ إِذا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ. قُلِ اللَّهُمَّ فاطِرَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ عالِمَ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ أَنْتَ تَحْكُمُ بَيْنَ عِبادِكَ فِي ما كانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ.9- ثم ساق- سبحانه- لعباده ما يدل على سعة رحمته بهم، ودعاهم إلى الإنابة إليه، من قبل أن يأتى اليوم الذي لا ينفع فيه الندم.قال- تعالى-: قُلْ يا عِبادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ، إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ. وَأَنِيبُوا إِلى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذابُ ثُمَّ لا تُنْصَرُونَ.10- ثم تحدثت السورة في أواخرها عن أحوال السعداء والأشقياء يوم القيامة، وعن أهوال هذا اليوم.قال- تعالى-: وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّماواتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شاءَ اللَّهُ، ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرى فَإِذا هُمْ قِيامٌ يَنْظُرُونَ.وختمت ببيان ما أعده- سبحانه- للكافرين من شديد العقاب، وما أعده للمتقين من كريم الثواب.قال- تعالى-: وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَراً، حَتَّى إِذا جاءوها وَفُتِحَتْ أَبْوابُها وَقالَ لَهُمْ خَزَنَتُها سَلامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوها خالِدِينَ. وَقالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَنا وَعْدَهُ، وَأَوْرَثَنَا الْأَرْضَ نَتَبَوَّأُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ نَشاءُ، فَنِعْمَ أَجْرُ الْعامِلِينَ. وَتَرَى الْمَلائِكَةَ حَافِّينَ مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ وَقِيلَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ.11- هذا، والمتأمل في سورة «الزمر» بعد هذا العرض المجمل لها. يراها قد اشتملت على مقاصد متنوعة من أهمها ما يأتى:(أ) إقامة الأدلة المتعددة على وحدانية الله- تعالى- وعلى وجوب إخلاص العبادة له، تارة عن طريق خلق السموات والأرض، وتكوين الليل والنهار، وتسخير الشمس والقمر، وخلق الناس جميعا من نفس واحدة ... وتارة عن طريق لجوء المشركين إليه وحده عند الشدائد، وتارة عن طريق توفى الأنفس حين موتها، وتارة عن طريق ضرب الأمثال، كما في قوله- تعالى-: ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا رَجُلًا فِيهِ شُرَكاءُ مُتَشاكِسُونَ وَرَجُلًا سَلَماً لِرَجُلٍ، هَلْ يَسْتَوِيانِ مَثَلًا. الْحَمْدُ لِلَّهِ، بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ.(ب) تذكير الناس بأهوال الآخرة وما فيها من ثواب وعقاب. وبعث ونشور، وفرح يعلو وجوه المتقين، وكآبة تجلل وجوه الكافرين.نرى ذلك في مثل قوله- تعالى-: وَيَوْمَ الْقِيامَةِ تَرَى الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى اللَّهِ وُجُوهُهُمْ مُسْوَدَّةٌ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوىً لِلْمُتَكَبِّرِينَ. وَيُنَجِّي اللَّهُ الَّذِينَ اتَّقَوْا بِمَفازَتِهِمْ، لا يَمَسُّهُمُ السُّوءُ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ.وفي مثل قوله- تعالى-: وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّماواتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شاءَ اللَّهُ، ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرى فَإِذا هُمْ قِيامٌ يَنْظُرُونَ. وَأَشْرَقَتِ الْأَرْضُ بِنُورِ رَبِّها وَوُضِعَ الْكِتابُ وَجِيءَ بِالنَّبِيِّينَ وَالشُّهَداءِ، وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ. وَوُفِّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ ما عَمِلَتْ وَهُوَ أَعْلَمُ بِما يَفْعَلُونَ.(ج) تلقين الرسول صلّى الله عليه وسلم الحجج والإجابات التي يرد بها على شبهات المشركين، وعلى دعاواهم الباطلة، فقد تكرر لفظ «قل» في هذه السورة كثيرا، ومن ذلك قوله- تعالى-:قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ مُخْلِصاً لَهُ الدِّينَ ... ... قُلْ أَفَرَأَيْتُمْ ما تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ أَرادَنِيَ اللَّهُ بِضُرٍّ هَلْ هُنَّ كاشِفاتُ ضُرِّهِ....قُلْ يا قَوْمِ اعْمَلُوا عَلى مَكانَتِكُمْ إِنِّي عامِلٌ فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ مَنْ يَأْتِيهِ عَذابٌ يُخْزِيهِ وَيَحِلُّ عَلَيْهِ عَذابٌ مُقِيمٌ. قُلْ أَفَغَيْرَ اللَّهِ تَأْمُرُونِّي أَعْبُدُ أَيُّهَا الْجاهِلُونَ.قُلْ لِلَّهِ الشَّفاعَةُ جَمِيعاً لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ.(د) الإكثار من المقارنة بين عاقبة الأخيار وعاقبة الأشرار، بأسلوب يغلب عليه طابع الاستفهام الإنكارى، الذي حذف فيه الخبر للعلم به من سياق الكلام.ومن ذلك قوله- تعالى-: أَمَّنْ هُوَ قانِتٌ آناءَ اللَّيْلِ ساجِداً وَقائِماً يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُوا رَحْمَةَ رَبِّهِ، قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ.وقوله- تعالى-: أَفَمَنْ حَقَّ عَلَيْهِ كَلِمَةُ الْعَذابِ أَفَأَنْتَ تُنْقِذُ مَنْ فِي النَّارِ.وقوله- سبحانه-: أَفَمَنْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلامِ فَهُوَ عَلى نُورٍ مِنْ رَبِّهِ فَوَيْلٌ لِلْقاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ.وقوله- عز وجل-: أَفَمَنْ يَتَّقِي بِوَجْهِهِ سُوءَ الْعَذابِ يَوْمَ الْقِيامَةِ، وَقِيلَ لِلظَّالِمِينَ ذُوقُوا ما كُنْتُمْ تَكْسِبُونَ.هذه بعض المقاصد التي اشتملت عليها السورة الكريمة، وهناك مقاصد أخرى يدركها القارئ لهذه السورة الكريمة بتدبر وتفكر.نسأل الله- تعالى- أن يجعل القرآن الكريم ربيع قلوبنا وأنس نفوسنا. والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات، وصلّى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.افتتحت سورة " الزمر " بالثناء على القرآن الكريم ، وببيان مصدره ، قال - تعالى - : ( تَنزِيلُ الكتاب مِنَ الله العزيز الحكيم ) .أى : هذا الكتاب وهو القرآن الكريم . قد نزلي عليك - يا محمد - من لدن الله - تعالى - ( العزيز ) أى : الغالب على كل شئ ( الحكيم ) فى كل تصرفاته وأفعاله ، وليس هذا القرآن قولا مفترى كما زعم الجاحدون الذين انطمست بصائرهم ، واستحبوا العمى على الهدى .والذى يتتبع آيات القرآن الكريم ، يرى أن الله - تعالى - إذا ذكر تنزيله لكتابه أتبع ذلك ببعض أسمائه الحسنى ، المتضمنة لصفاته الجليلة .ففى أول سورة غافر نجد قوله - تعالى - : ( حم . تَنزِيلُ الكتاب مِنَ الله العزيز العليم ) .وفى أول سورة الجاثية نجد قوله - تعالى - : ( حم . تَنزِيلُ الكتاب مِنَ الله العزيز الحكيم ) .وفى أول سورة الأحقاف نجد مثل هذا الافتتاح .وفى أول سورة فصلت نجد قوله - تعالى - : ( حم . تَنزِيلٌ مِّنَ الرحمن الرحيم ) وفى صدر سورة " يس " نجد قوله - سبحانه - ( تَنزِيلَ العزيز الرحيم . لِتُنذِرَ قَوْماً مَّآ أُنذِرَ آبَآؤُهُمْ . . . ) ولا يخفى أن ذكره - سبحانه - لبعض أسمائه الحسنى ، بعد ذكره لتنزيل هذا القرآن على قلب رسوله صلى الله عليه وسلم فيه ما فيه من الثناء على القرآن الكريم ، ومن بيان أنه قد نزل من عند الله - تعالى - وحده ، الذى له الخق والأمر . تبارك الله رب العالمين .
اِنَّاۤ اَنْزَلْنَاۤ اِلَیْكَ الْكِتٰبَ بِالْحَقِّ فَاعْبُدِ اللّٰهَ مُخْلِصًا لَّهُ الدِّیْنَؕ(۲)
بیشک ہم نے تمہاری طرف (ف۳) یہ کتاب حق کے ساتھ اتاری تو اللہ کو کو پوجو نرے اس کے بندے ہوکر،
ثم ساق- سبحانه- بعد ذلك ما يدعو الناس إلى قبول هذا الكتاب، وإلى العمل بهداياته، فقال- تعالى-: إِنَّا أَنْزَلْنا إِلَيْكَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ....أى: هذا الكتاب هو تنزيل من عند الله- تعالى- الغالب على كل شيء. والحكيم في أقواله وأفعاله. وقد أنزله- سبحانه- عليك- يا محمد- تنزيلا ملتبسا بالحق الذي لا يحوم حوله باطل، أو ما يشبه الباطل، وذلك يوجب قبوله والعمل بكل ما فيه.قال الآلوسى: قوله- تعالى-: إِنَّا أَنْزَلْنا إِلَيْكَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ بيان لكونه نازلا بالحق، وتوطئة لما يذكر بعد ... أو شروع في بيان المنزل إليه، وما يجب عليه إثر بيان شأن المنزل ... والباء متعلقة بالإنزال، وهي للسببية، أى: أنزلناه بسبب الحق. أى: إثباته وإظهاره. أو بمحذوف وقع حالا من المفعول وهي للملابسة. أى: أنزلناه ملتبسا بالحق والصواب.والمراد أن كل ما فيه موجب للعمل والقبول حتما .والفاء في قوله- تعالى-: فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصاً لَهُ الدِّينَ لترتيب ما بعدها على ما قبلها. والعبادة: أقصى درجات التذلل والخضوع للمعبود- عز وجل- والإخلاص معناه: أن يقصد المسلم بعبادته وقوله وعمله وجه الله- تعالى-.أى: أنزلنا إليك- أيها الرسول الكريم- هذا الكتاب بالحق الذي لا يشوبه باطل، وما دام الأمر كذلك فعليك أن تخلص لربك عبادتك وطاعتك ودينك إخلاصا تاما، لا يحوم حوله رياء أو تفاخر، أو غير ذلك مما يتنافى مع إخلاص الخضوع لله- تعالى- وحده.قال الشوكانى: وفي الآية دليل على وجوب النية، وإخلاصها من الشوائب لأن الإخلاص من الأمور القلبية التي لا تكون إلا بأعمال القلب، وقد جاءت السنة الصحيحة أن ملاك الأمر في الأقوال والأفعال النية، كما في حديث: «إنما الأعمال بالنيات» وحديث: «لا قول ولا عمل إلا بنية» .
اَلَا لِلّٰهِ الدِّیْنُ الْخَالِصُؕ-وَ الَّذِیْنَ اتَّخَذُوْا مِنْ دُوْنِهٖۤ اَوْلِیَآءَۘ-مَا نَعْبُدُهُمْ اِلَّا لِیُقَرِّبُوْنَاۤ اِلَى اللّٰهِ زُلْفٰىؕ-اِنَّ اللّٰهَ یَحْكُمُ بَیْنَهُمْ فِیْ مَا هُمْ فِیْهِ یَخْتَلِفُوْنَ۬ؕ-اِنَّ اللّٰهَ لَا یَهْدِیْ مَنْ هُوَ كٰذِبٌ كَفَّارٌ(۳)
ہاں خالص اللہ ہی کی بندگی ہے (ف۴) اور وہ جنہوں نے اس کے سوا اور والی بنالیے (ف۵) کہتے ہیں ہم تو انہیں (ف۶) صرف اتنی بات کے لیے پوجتے ہیں کہ یہ ہمیں اللہ کے پاس نزدیک کردیں، اللہ ان پر فیصلہ کردے گا اس بات کا جس میں اختلاف کررہے ہیں (ف۷) بیشک اللہ راہ نہیں دیتا اسے جو جھوٹا بڑا ناشکرا ہو (ف۸)
وجملة أَلا لِلَّهِ الدِّينُ الْخالِصُ مؤكدة ومقررة لمضمون ما قبلها من وجوب إفراد العبادة والطاعة لله- تعالى-: وزادها تأكيدا وتقريرا لما قبلها تصديرها بأداة الاستفتاح أَلا واشتمالها على أسلوب القصر.أى: ألا إن لله- تعالى- وحده- وليس لأحد سواه- الدين الخالص من شوائب الشرك والرياء. والعبادة لوجهه وحده، والخضوع لقدرته التي لا يعجزها شيء.ثم بين- سبحانه- ما عليه المشركون من ضلال فقال: وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءَ ما نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونا إِلَى اللَّهِ زُلْفى، إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ ...فالمراد بالموصول المشركون، ومحله الرفع على الابتداء، وخبره قوله- تعالى- بعد ذلك: إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ وجملة ما نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونا إِلَى اللَّهِ زُلْفى في محل نصب على الحال بتقدير القول، والاستثناء مفرغ من أعم العلل. والزلفى: اسم أقيم مقام المصدر الذي يتلاقى معه في المعنى، والمأخوذ من قوله لِيُقَرِّبُونا.أى: لله- تعالى- وحده الدين الخالص، والمشركون الذين اتخذوا معبودات باطلة ليعبدوها من دون الله، كانوا يقولون في الرد على من ينهاهم عن ذلك: إننا ما نعبد هذه المعبودات إلا من أجل أن نتوسل بها، لكي تقربنا إلى الله قربى، ولتكون شفيعة لنا عنده حتى يرفع عنا البلاء والمحن.إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ أى: بين هؤلاء المشركين وبين غيرهم من المؤمنين الذين أخلصوا لله- تعالى- العبادة والطاعة فِي ما هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ من أمر التوحيد والشرك، بأن يجازى المؤمنين بحسن الثواب، ويجازى الكافرين بسوء العقاب.إِنَّ اللَّهَ- تعالى- لا يَهْدِي أى: لا يوفق للاهتداء للحق مَنْ هُوَ كاذِبٌ كَفَّارٌ.أى: من كان دائم الكذب على دين الله، شديد الجحود لآيات الله وبراهينه الدالة على وحدانيته، وعلى أنه لا رب لهذا الكون سواه.
لَوْ اَرَادَ اللّٰهُ اَنْ یَّتَّخِذَ وَلَدًا لَّاصْطَفٰى مِمَّا یَخْلُقُ مَا یَشَآءُۙ-سُبْحٰنَهٗؕ-هُوَ اللّٰهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ(۴)
اللہ اپنے لیے بچہ بناتا تو اپنی مخلوق میں سے جسے چاہتا چن لیتا (ف۹) پاکی ہے اسے (ف۱۰) وہی ہے ایک اللہ (ف۱۱) سب پر غالب،
ثم أبطل- سبحانه- كل تصور للشرك والشركاء، بأن نزه- تعالى- ذاته عن اتخاذ الولد فقال: لَوْ أَرادَ اللَّهُ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَداً لَاصْطَفى مِمَّا يَخْلُقُ ما يَشاءُ، سُبْحانَهُ هُوَ اللَّهُ الْواحِدُ الْقَهَّارُ.أى: لو أراد الله- تعالى- على سبيل الفرض والتقدير- أن يتخذ ولدا، لاختار من خلقه ما يريده هو، لا ما يريده الضالون، لكنه- سبحانه- لم يختر أحدا ليكون ولدا له، فدل ذلك على بطلان زعم الزاعمين بأن الملائكة بنات الله، أو بأن عزيرا ابن الله، أو بأن المسيح ابن الله.سُبْحانَهُ هُوَ اللَّهُ الْواحِدُ الْقَهَّارُ أى: تنزه- عز وجل- عن كل شيء من ذلك، فإنه هو الله الواحد في ذاته وفي صفاته، القهار لكل مخلوقاته.قال الإمام ابن كثير: بيّن- تعالى- في هذه الآية أنه لا ولد له كما يزعمه جهلة المشركين في الملائكة، والمعاندون من اليهود والنصارى في العزيز وعيسى فقال: لَوْ أَرادَ اللَّهُ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَداً لَاصْطَفى مِمَّا يَخْلُقُ ما يَشاءُ أى. لكان الأمر على خلاف ما يزعمون.وهذا شرط لا يلزم وقوعه ولا جوازه، بل هو محال، وإنما قصد تجهيلهم فيما ادعوه وزعموه، كما قال: لَوْ أَرَدْنا أَنْ نَتَّخِذَ لَهْواً لَاتَّخَذْناهُ مِنْ لَدُنَّا إِنْ كُنَّا فاعِلِينَ وكما قال:قُلْ إِنْ كانَ لِلرَّحْمنِ وَلَدٌ فَأَنَا أَوَّلُ الْعابِدِينَ.كل هذا من باب الشرط، ويجوز تعليق الشرط على المستحيل لقصد المتكلم .وقال بعض العلماء ما ملخصه: إرادة اتخاذ الولد هنا ممتنعة، لأن الإرادة لا تتعلق إلا بالممكنات، واتخاذ الولد محال، كما ثبت بالبرهان القطعي فتستحيل إرادته. وجعلها في الآية شرطا وتعليق الجواب عليها، لا يقتضى إمكانها فضلا عن وقوعها، وقد عرف في فصيح الكلام: تعليق المحال على المحال جوازا ووقوعا.على أن الوالدية تقتضي التجانس بين الوالد والولد. إذ هو قطعة منه. وقد ثبت أن كل ما عداه- سبحانه- مخلوق له. فيلزم بموجب التجانس أن يكون المخلوق من جنس الخالق، وهو يستلزم حدوث الخالق، أو قدم المخلوق، وكلاهما محال .ثم أقام- سبحانه- المزيد من الأدلة على وحدانيته وقدرته، عن طريق التأمل في ملكوت السموات والأرض، وفي ظاهرة الليل والنهار، وفي تسخير الشمس والقمر، وفي خلق بنى آدم من نفس واحدة ... فقال- تعالى-:
خَلَقَ السَّمٰوٰتِ وَ الْاَرْضَ بِالْحَقِّۚ-یُكَوِّرُ الَّیْلَ عَلَى النَّهَارِ وَ یُكَوِّرُ النَّهَارَ عَلَى الَّیْلِ وَ سَخَّرَ الشَّمْسَ وَ الْقَمَرَؕ-كُلٌّ یَّجْرِیْ لِاَجَلٍ مُّسَمًّىؕ-اَلَا هُوَ الْعَزِیْزُ الْغَفَّارُ(۵)
اس نے آسمان اور زمین حق بنائے رات کو دن پر لپیٹتا ہے اور دن کو رات پر لپیٹتا ہے (ف۱۲) اور اس نے سورج اور چاند کو کام میں لگایا ہر ایک، ایک ٹھہرائی میعاد کے لیے چلتا ہے (ف۱۳) سنتا ہے وہی صاحب عزت بخشنے والا ہے،
فقوله- تعالى-: خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ تفصيل لبعض أفعاله الدالة على وحدانيته- سبحانه- وقدرته.أى: الله وحده هو الذي أوجد هذه السموات وتلك الأرض، إيجادا ملتبسا بالحق والحكمة والمصلحة التي تعود عليكم- أيها الناس- بالخير والمنفعة ومن كان شأنه كذلك، استحال أن يكون له شريك أو ولد.ثم ساق- سبحانه- دليلا ثانيا على وحدانيته فقال: يُكَوِّرُ اللَّيْلَ عَلَى النَّهارِ، وَيُكَوِّرُ النَّهارَ عَلَى اللَّيْلِ.والتكوير في اللغة: طرح الشيء بعضه على بعض. يقال: كور فلان المتاع، إذا ألقى بعضه على بعض، ومنه كور العمامة. أى: انضمام بعض أجزائها على بعض.والمقصود أن الليل والنهار كلاهما يكر على الآخر فيذهبه ويحل محله، بطريقة متناسقة محكمة لا اختلال معها ولا اضطراب.قال صاحب الكشاف: «والتكوير: اللف واللى. يقال: كار العمامة على رأسه وكوّرها.وفيه أوجه، منها: أن الليل والنهار خلفة يذهب هذا ويأتى مكانه هذا، وإذا غشى مكانه، فكأنما ألبسه ولف عليه، كما يلف اللباس على اللابس.ومنها: أن كل واحد منهما يغيب الآخر إذا طرأ عليه، فشبه في تغييبه إياه بشيء ظاهر لف عليه ما غيبه عن مطامح الأبصار.ومنها: أن هذا يكر على هذا كرورا متتابعا، فشبه ذلك بتتابع أكوار العمامة بعضها على إثر بعض» .قال بعض العلماء ما ملخصه: «والتعبير بقوله «يكور..» تعبير عجيب، يقسر الناظر فيه قسرا على الالتفات إلى ما كشف حديثا عن كروية الأرض فهو يصور حقيقة مادية ملحوظة على وجه الأرض، فالأرض الكروية تدور حول نفسها في مواجهة الشمس، فالجزء الذي يواجه الشمس من سطحها المكور يغمره الضوء ويكون نهارا. ولكن هذا الجزء لا يثبت لأن الأرض تدور. وكلما تحركت بدأ الليل يغمر السطح الذي كان عليه النهار. وهذا السطح مكور، فالنهار كان عليه مكورا، والليل يتبعه مكورا كذلك، وبعد فترة يبدأ النهار من الناحية الأخرى يتكور على الليل، وهكذا في حركة دائبة «يكور- سبحانه- الليل على النهار ويكور النهار على الليل» .واللفظ يرسم الشكل، ويحدد الوضع، ويعين نوع طبيعة الأرض وحركتها. وكروية الأرض ودورانها، يفسران هذا التعبير تفسيرا أدق من أى تفسير آخر لا يستصحب هذه النظرية» .ثم ذكر- سبحانه- دليلا ثالثا على وحدانيته وقدرته فقال: وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى.والتسخير: التذليل والانقياد والطاعة التامة. أى: وجعل- سبحانه- الشمس والقمر منقادين لأمره انقيادا تاما وكلاهما يجرى في مداره إلى الوقت المحدد في علم الله- تعالى- لنهاية دورانه، وانقطاع حركته.وهما في جريانهما يسيران بنظام محكم دقيق غاية الدقة، كما قال- تعالى-:لَا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَها أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ، وَلَا اللَّيْلُ سابِقُ النَّهارِ. وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ.ثم ختم- سبحانه- الآية الكريمة بقوله أَلا هُوَ الْعَزِيزُ الْغَفَّارُ.وفي تصدير الجملة الكريمة بأداة الاستفتاح أَلا إشارة إلى كمال الاعتناء بمضمونها، وإلى وجوب التدبر فيما اشتملت عليه.أى: ألا إن الله- تعالى-: وحده هو الخالق لكل تلك المخلوقات، وهو وحده المتصرف فيها، والمهيمن عليها، وهو وحده الْعَزِيزُ الغالب على كل ما سواه، الكثير المغفرة لذنوب عباده التائبين إليه توبة نصوحا.
خَلَقَكُمْ مِّنْ نَّفْسٍ وَّاحِدَةٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَ اَنْزَلَ لَكُمْ مِّنَ الْاَنْعَامِ ثَمٰنِیَةَ اَزْوَاجٍؕ-یَخْلُقُكُمْ فِیْ بُطُوْنِ اُمَّهٰتِكُمْ خَلْقًا مِّنْۢ بَعْدِ خَلْقٍ فِیْ ظُلُمٰتٍ ثَلٰثٍؕ-ذٰلِكُمُ اللّٰهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُؕ-لَاۤ اِلٰهَ اِلَّا هُوَۚ-فَاَنّٰى تُصْرَفُوْنَ(۶)
اس نے تمہیں ایک جان سے بنایا (ف۱۴) پھر اسی سے اس کا جوڑ پیدا کیا (ف۱۵) اور تمہارے لیے چوپایوں میں سے (ف۱۶) آٹھ جوڑے تھے (ف۱۷) تمہیں تمہاری ماؤں کے پیٹ میں بناتا ہے ایک طرح کے بعد اور طرح (ف۱۸) تین اندھیریوں میں (ف۱۹) یہ ہے اللہ تمہارا رب اسی کی بادشاہی ہے، اس کے سوا کسی کی بندگی نہیں، پھر کہیں پھیرے جاتے ہو (ف۲۰)
ثم ساق- سبحانه- أدلة أخرى على وحدانيته فقال: خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْها زَوْجَها.أى خلقكم- سبحانه- من نفس واحدة هي نفس أبيكم آدم ثم خلق من هذه النفس الواحدة، زوجها وهي أمكم حواء.قال الشوكانى: والتعبير بالجعل دون الخلق مع العطف بثم. للدلالة على أن خلق حواء من ضلع آدم، أدخل في كونه آية باهرة دالة على كمال القدرة لأن خلق آدم هو على عادة الله المستمرة في خلقه، وخلق حواء على الصفة المذكورة لم تجربه عادة لكونه- تعالى- لم يخلق أنثى من ضلع رجل غيرها .وقال الجمل: فإن قلت كيف عطف بثم مع أن خلق حواء من آدم سابق على خلقنا منه؟ أجيب بأن ثم هنا للترتيب في الإخبار لا في الإيجاد. أو المعطوف متعلق بمعنى واحدة، فثم عاطفة عليه لا على خلقكم، فمعناه: خلقكم من نفس واحدة أفردت بالإيجاد، ثم شفعت بزوجة. أو هو معطوف على خلقكم، لكن المراد بخلقهم، خلقهم يوم أخذ الميثاق دفعة لا على هذا الخلق، الذي هم فيه الآن بالتوالد والتناسل .وقوله- تعالى-: وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ الْأَنْعامِ ثَمانِيَةَ أَزْواجٍ بيان لبعض آخر من أفعاله- تعالى- الدالة على وحدانيته وقدرته. والجملة الكريمة معطوفة على ما قبلها وهي قوله: خَلَقَكُمْ.أى: وأنزل لكم من كل من الإبل والبقر والغنم والمعز زوجين: ذكرا وأنثى يتم بهما التناسل وبقاء النوع.قالوا: وعبر- سبحانه- عن الخلق بالإنزال، لما يروى أنه- تعالى- خلق هذه الأنواع في الجنة ثم أنزلها. فيكون الإنزال على سبيل الحقيقة.أو أن الكلام على سبيل المجاز، لأن هذه الأنعام لا تعيش إلا عن طريق ما تأكله من نبات، والنبات لا يخرج إلا بالماء النازل من السماء فكأن الأنعام نازلة من السماء، لأن سبب سببها منزل منها.. أو أن «أنزل» هنا بمعنى أنشأ وأوجد. أو لأن الخلق إنما يكون بأمر من السماء.وقوله- تعالى- يَخْلُقُكُمْ فِي بُطُونِ أُمَّهاتِكُمْ خَلْقاً مِنْ بَعْدِ خَلْقٍ فِي ظُلُماتٍ ثَلاثٍ بيان لكيفية خلق ما خلقه الله من الأناسى والأنعام بتلك الطريقة العجيبة.أى أنه- تعالى- يخلقكم- أيها الناس- بقدرته في بطون أمهاتكم خلقا من بعد خلق، بأن يحولكم من نطفة إلى علقة إلى مضغة، إلى عظام مكسوة باللحم، ثم يحولكم بعد ذلك إلى خلق آخر، وهذه المراحل كلها تتم وأنتم في ظلمات بطون أمهاتكم، وظلمات الأرحام التي بداخل البطون وظلمات الغشاء الذي بداخل الأرحام والبطون، وذلك كله من أقوى الأدلة على قدرة الله- تعالى- ورعايته لخلقه.وصدق الله إذ يقول: أَلَمْ نَخْلُقْكُمْ مِنْ ماءٍ مَهِينٍ. فَجَعَلْناهُ فِي قَرارٍ مَكِينٍ. إِلى قَدَرٍ مَعْلُومٍ. فَقَدَرْنا فَنِعْمَ الْقادِرُونَ .واسم الإشارة في قوله- تعالى- ذلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ، لا إِلهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ يعود إليه- سبحانه- باعتبار أفعاله السابقة. وتصرفون: من الصرف بمعنى الابتعاد عن الشيء إلى غيره.أى: ذلكم العظيم الشأن الذي ذكرنا لكم بعض مظاهر قدرته، هو الله ربكم الذي له ملك كل شيء، والذي لا معبود بحق سواه، فكيف تصرفون عن عبادته إلى عبادة غيره؟ وكيف تزعمون أن له شريكا أو ولدا ... مع توفر الأدلة على بطلان ذلك.والمتأمل في هاتين الآيتين يراهما قد ذكرتا ألوانا من البراهين على وحدانية الله- تعالى- وقدرته، كخلق السموات والأرض بالحق، وتكوير الليل على النهار، والنهار على الليل، وتسخير الشمس والقمر لمنافع الناس، وخلق الناس جميعا من نفس واحدة، ورعايتهم بلطفه وإحسانه في مراحل حياتهم، وإيجاد الأنعام التي تنفعهم في شئونهم المختلفة.
اِنْ تَكْفُرُوْا فَاِنَّ اللّٰهَ غَنِیٌّ عَنْكُمْ- وَ لَا یَرْضٰى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَۚ-وَ اِنْ تَشْكُرُوْا یَرْضَهُ لَكُمْؕ-وَ لَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِّزْرَ اُخْرٰىؕ-ثُمَّ اِلٰى رَبِّكُمْ مَّرْجِعُكُمْ فَیُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُوْنَؕ-اِنَّهٗ عَلِیْمٌۢ بِذَاتِ الصُّدُوْرِ(۷)
اگر تم ناشکری کرو تو بیشک اللہ بے نیاز ہے تم سے (ف۲۱) اور اپنے بندوں کی ناشکری اسے پسند نہیں، اور اگر شکر کرو تو اسے تمہارے لیے پسند فرماتا ہے (ف۲۲) اور کوئی بوجھ اٹھانے والی جان دوسرے کا بوجھ نہیں اٹھائے گی (ف۲۳) پھر تمہیں اپنے رب ہی کی طرف پھرنا ہے (ف۲۴) تو وہ تمہیں بتادے گا جو تم کرتے تھے (ف۲۵) بیشک وہ دلوں کی بات جانتا ہے،
ثم بين- سبحانه- أنه غنى عن خلقه، وأنهم هم الفقراء إليه فقال: إِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنْكُمْ، وَلا يَرْضى لِعِبادِهِ الْكُفْرَ، وَإِنْ تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ.أى: إن تكفروا- أيها الناس- بعد أن سقنا لكم من الأدلة ما سقنا على صحة الإيمان وفساد الكفر، فإن الله- تعالى- غنى عنكم وعن إيمانكم وعبادتكم وعن الخلق أجمعين.ومع ذلك فإنه- سبحانه- لرحمته بكم، لا يرضى لعباده الكفر، أى: لا يحبه منهم ولا يحمده لهم، ولا يجازى الكافر المجازاة التي يجازى بها المؤمن فإن المؤمن له جنات النعيم، أما الكافر فله نار الجحيم.وإن تشكروا الله على نعمه- أيها الناس- بأن تخلصوا له العبادة والطاعة وتستعملوا نعمه فيما خلقت له، يرض لكم هذا الشكر، ويكافئكم عليه مكافأة جزيلة. بأن يزيدكم من نعمه وإحسانه وخيره.وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى أى: ولا تحمل نفس يوم القيامة حمل أخرى، وإنما كل نفس تجازى على حسب أعمالها في الدنيا.ثُمَّ إِلى رَبِّكُمْ مَرْجِعُكُمْ يوم القيامة فَيُنَبِّئُكُمْ أى: فيخبركم بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ في دنياكم، ويجازى الذين أساءوا بما عملوا، ويجازى الذين أحسنوا بالحسنى.إِنَّهُ- سبحانه- عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ أى: عليم بما تخفيه الصدور من أسرار، وبما تضمره القلوب من أقوال وأفعال ... لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء.قال الجمل في حاشيته: قوله: وَلا يَرْضى لِعِبادِهِ الْكُفْرَ معنى عدم الرضا به، لا يفعل فعل الراضي، بأن يأذن فيه ويقر عليه، ويثيب فاعله ويمدحه، بل يفعل فعل الساخط بأن ينهى عنه، ويذم عليه، ويعاقب مرتكبه وإن كان بإرادته، إذ لا يخرج شيء عنها.أو المعنى: ولا يرضى لعباده المؤمنين الكفر، وهم الذين قال الله- تعالى- في شأنهم:إِنَّ عِبادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطانٌ فيكون الكلام عاما في اللفظ خاصا في المعنى، كقوله- تعالى-: عَيْناً يَشْرَبُ بِها عِبادُ اللَّهِ أى بعض العباد وبذلك ترى هذه الآية الكريمة قد أقامت الأدلة المتعددة على وحدانية الله- تعالى- وعلى كمال قدرته، وعلى أن من شكر الله- تعالى- على نعمه، فإن عاقبة هذا الشكر تعود على الشاكر بالخير الجزيل، أما من جحد نعم الله- تعالى- وأشرك معه في العبادة غيره، فإن عاقبة هذا الجحود، تعود على الجاحد بالشر الوبيل، وبالشقاء في الدنيا والآخرة.وبعد أن أقام- سبحانه- الأدلة المتعددة على وحدانيته وكمال قدرته، أتبع ذلك بالحديث عن طبيعة الإنسان في حالتي السراء والضراء، ونفى- سبحانه- المساواة بين المؤمنين والكافرين، والعلماء والجهلاء فقال- تعالى-:
وَ اِذَا مَسَّ الْاِنْسَانَ ضُرٌّ دَعَا رَبَّهٗ مُنِیْبًا اِلَیْهِ ثُمَّ اِذَا خَوَّلَهٗ نِعْمَةً مِّنْهُ نَسِیَ مَا كَانَ یَدْعُوْۤا اِلَیْهِ مِنْ قَبْلُ وَ جَعَلَ لِلّٰهِ اَنْدَادًا لِّیُضِلَّ عَنْ سَبِیْلِهٖؕ-قُلْ تَمَتَّعْ بِكُفْرِكَ قَلِیْلًا ﳓ اِنَّكَ مِنْ اَصْحٰبِ النَّارِ(۸)
اور جب آدمی کو کوئی تکلیف پہنچتی ہے (ف۲۶) اپنے رب کو پکارتا ہے اسی طرف جھکا ہوا (ف۲۷) پھر جب اللہ نے اسے اپنے پاس سے کوئی نعمت دی تو بھول جاتا ہے جس لیے پہلے پکارا تھا (ف۲۸) اور اللہ کے برابر والے ٹھہرانے لگتا ہے (ف۲۹) تاکہ اس کی راہ سے بہکادے تم فرماؤ (ف۳۰) تھوڑے دن اپنے کفر کے ساتھ برت لے (ف۳۱) بیشک تو دوزخیوں میں ہے،
والمراد بالإنسان هنا: الكافر، بدليل قوله- تعالى- وَجَعَلَ لِلَّهِ أَنْداداً لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِهِ.والمراد بالضر: ما يصيب الإنسان من مصائب في نفسه أو ماله أو أهله.أى: وإذا نزل بالإنسان ضر من مرض أو غيره من المكاره دَعا رَبَّهُ مُنِيباً إِلَيْهِ أي:أسرع إلى الله- تعالى- بالدعاء والإنابة والتضرع، وترك الآلهة التي كان يدعوها في حالة الرخاء.كما قال- تعالى-: بَلْ إِيَّاهُ تَدْعُونَ فَيَكْشِفُ ما تَدْعُونَ إِلَيْهِ إِنْ شاءَ وَتَنْسَوْنَ ما تُشْرِكُونَ.وقوله- تعالى-: ثُمَّ إِذا خَوَّلَهُ نِعْمَةً مِنْهُ نَسِيَ ما كانَ يَدْعُوا إِلَيْهِ مِنْ قَبْلُ.. بيان لحالة هذا الإنسان بعد أن كشف الله- تعالى- عنه الضر.وخوله من التخويل بمعنى الإعطاء مرة بعد أخرى، ومنه الحديث الشريف: كان رسول الله صلّى الله عليه وسلم يتخولنا بالموعظة مخافة السآمة علينا أى: يتعهدنا بها وقتا بعد وقت.وما في قوله نَسِيَ ما كانَ يَدْعُوا إِلَيْهِ مِنْ قَبْلُ موصولة مرادا بها الضر، أو مرادا بها الباري- عز وجل-.أى: هذا هو حال ذلك الإنسان عند نزول الضّرّ به، فإذا ما كشفنا عنه ضره، وأعطيناه نعما عظيمة على سبيل التفضل منا.. نسى الضر الذي كان يتضرع إلينا من قبل لنزيله عنه، أو نسى الخالق- عز وجل- الذي كشف عنه بقدرته ذلك الضر.ولم يكتف بهذا النسيان، بل جعل لله- تعالى- أندادا أى: أمثالا وأشباها ونظائر يعبدها من دونه.واللام في قوله- تعالى-: لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِهِ للتعليل. أى فعل ما فعل من جعله شركاء لله- تعالى- في العبادة، ليضل الناس بذلك الفعل عن سبيل الله وعن دينه الذي ارتضاه لعباده.وقرأ ابن كثير وأبو عمرو لِيُضِلَّ بفتح الياء. أى: ليزداد ضلالا على ضلاله.وقوله- تعالى-: قُلْ تَمَتَّعْ بِكُفْرِكَ قَلِيلًا إِنَّكَ مِنْ أَصْحابِ النَّارِ، بيان لسوء عاقبة هذا الإنسان المشرك.أى: قل- أيها الرسول الكريم- لهذا الإنسان الذي جعل لله شركاء في العبادة ... قل له تمتع بكفرك تمتعا قليلا، أو زمانا قليلا إنك من أصحاب النار الملازمين لها، والخالدين فيها.
اَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ اٰنَآءَ الَّیْلِ سَاجِدًا وَّ قَآىٕمًا یَّحْذَرُ الْاٰخِرَةَ وَ یَرْجُوْا رَحْمَةَ رَبِّهٖؕ-قُلْ هَلْ یَسْتَوِی الَّذِیْنَ یَعْلَمُوْنَ وَ الَّذِیْنَ لَا یَعْلَمُوْنَؕ-اِنَّمَا یَتَذَكَّرُ اُولُوا الْاَلْبَابِ۠(۹)
کیا وہ جسے فرمانبرداری میں رات کی گھڑیاں گزریں سجود میں اور قیام میں (ف۳۲) آخرت سے ڈرتا اور اپنے رب کی رحمت کی آس لگائے (ف۳۳) کیا وہ نافرمانوں جیسا ہو جائے گا تم فرماؤ کیا برابر ہیں جاننے والے اور انجان، نصیحت تو وہی مانتے ہیں جو عقل والے ہیں،
ثم نفى- سبحانه- المساواة بين هذا الإنسان المشرك وبين الإنسان الملازم لطاعة ربه فقال: أَمَّنْ هُوَ قانِتٌ آناءَ اللَّيْلِ ساجِداً وَقائِماً يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُوا رَحْمَةَ رَبِّهِ ...وكلمة «أمّن» أصلها «أم» التي بمعنى بل وهمزة الاستفهام. و «من» التي هي اسم موصول وهي هنا مبتدأ وخبره محذوف. والقانت: من القنوت بمعنى ملازمة الطاعة والمواظبة عليها بخشوع وإخلاص.وآناء الليل: ساعاته: والاستفهام للإنكار والنفي.أى: بل أمن هو قائم ساعات الليل لعبادة الله- ساجدا وقائما يحذر عذاب الآخرة، ويرجو رحمة ربه، كمن هو جاعل لله- تعالى- شركاء في العبادة؟مما لا شك أنهما لا يستويان في عرف أى عاقل، وفي نظر أى ناظر.ويصح أن تكون «أم» متصلة. وقد حذف معادلها ثقة بدلالة الكلام عليه، فيكون المعنى:أهذا الكافر الذي جعل لله أندادا ليضل عن سبيله أحسن حالا، أم الذي هو ملازم للطاعات آناء الليل ساجدا وقائما يحذر الآخرة ويرجو رحمة ربه؟ووصف القنوت بأنه في آناء الليل، لأن العبادة في تلك الأوقات أقرب إلى القبول وقدم السجود على القيام، لأن السجود أدخل في معنى العبادة.قال الآلوسى ما ملخصه: وقد ذكروا أن هذه الآية نزلت في عثمان بن عفان، وقيل في عمار بن ياسر.. والظاهر أن المراد المتصف بذلك من غير تعيين، ولا يمنع من ذلك نزولها فيمن علمت، وفيها دليل على فضل الخوف والرجاء.وقد أخرج الترمذي والنسائي وابن ماجة عن أنس قال: دخل رسول الله صلّى الله عليه وسلم على رجل وهو في الموت، فقال له: كيف تجدك؟قال: أرجو وأخاف. فقال صلّى الله عليه وسلم: «لا يجتمعان في قلب عبد في مثل هذا الموطن إلا أعطاه الذي يرجو، وآمنه الذي يخاف» .ثم نفى- سبحانه- أيضا المساواة بين العالم والجاهل فقال: قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ.أى: قل- أيها الرسول الكريم- لهؤلاء المشركين الذين جعلوا لله أندادا: إنه لا يستوي عند الله- تعالى- المشرك والمؤمن، ولا يستوي عنده- أيضا- الذين يعلمون الحق، ويعملون بمقتضى علمهم، والذين لا يعلمونه ويعملون بمقتضى جهلهم وضلالهم، ويعرضون عن كل من يدعوهم إلى الحق وإلى الصراط المستقيم.ثم ختم- سبحانه- الآية الكريمة بقوله: إِنَّما يَتَذَكَّرُ أُولُوا الْأَلْبابِ أى: إنما يعتبر ويتعظ بهذه التوجيهات والإرشادات، أصحاب العقول السليمة والمدارك القويمة. ثم أمر الله- تعالى- رسوله صلّى الله عليه وسلم أن يذكر المؤمنين بأن يواظبوا على إخلاص العبادة لله- تعالى- وأن يهاجروا إلى الأرض التي يتمكنون فيها من نشر دينه وإعلاء كلمته، وأن ينذر المشركين بسوء المصير إذا ما استمروا في كفرهم وضلالهم.. فقال- تعالى-:
قُلْ یٰعِبَادِ الَّذِیْنَ اٰمَنُوا اتَّقُوْا رَبَّكُمْؕ-لِلَّذِیْنَ اَحْسَنُوْا فِیْ هٰذِهِ الدُّنْیَا حَسَنَةٌؕ-وَ اَرْضُ اللّٰهِ وَاسِعَةٌؕ-اِنَّمَا یُوَفَّى الصّٰبِرُوْنَ اَجْرَهُمْ بِغَیْرِ حِسَابٍ(۱۰)
تم فرماؤ اے میرے بندو! جو ایمان لائے اپنے سے ڈرو، جنہوں نے بھلائی کی (ف۳۴) ان کے لیے اس دنیا میں بھلائی ہے (ف۳۵) اور اللہ کی زمین وسیع ہے (ف۳۶) صابروں ہی کو ان کا ثواب بھرپور دیا جائے گا بے گنتی (ف۳۷)
والمعنى: قل- أيها الرسول الكريم- لعبادي المؤمنين الصادقين: داوموا على الخوف من ربكم، وعلى صيانة أنفسكم من كل ما يغضبه.وفي التعبير بقوله- تعالى-: قُلْ يا عِبادِ الَّذِينَ آمَنُوا دون قوله: قل لعبادي الذين آمنوا.. تكريم وتشريف لهم، لأنه- سبحانه- أمر رسوله صلّى الله عليه وسلم أن يناديهم بهذا النداء الذي فيه ما فيه من التكريم لهم، حيث أضافهم إلى ذاته- تعالى- وجعل وظيفة الرسول صلّى الله عليه وسلم إنما هي التبليغ عنه- عز وجل-.قال الآلوسى: قوله- تعالى-: قُلْ يا عِبادِ الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا رَبَّكُمْ: أمر رسول الله صلّى الله عليه وسلم أن يذكر المؤمنين ويحملهم على التقوى والطاعة، إثر تخصيص التذكر بأولى الألباب، وفيه إيذان بأنهم هم.أى: قل لهم قولي هذا بعينه، وفيه تشريف لهم بإضافتهم إلى ضمير الجلالة ومزيد اعتناء بشأن المأمور به، فإن نقل عين أمر الله- تعالى- أدخل في إيجاب الامتثال به وجملة لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هذِهِ الدُّنْيا حَسَنَةٌ تعليل لوجوب الامتثال لما أمروا به من تقوى الله- تعالى- والاستجابة لإرشاداته.وقوله: لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا متعلق بمحذوف خبر مقدم، وقوله فِي هذِهِ الدُّنْيا متعلق بقوله: أحسنوا، وقوله حَسَنَةٌ مبتدأ مؤخر.أى: للذين أحسنوا في هذه الدنيا أقوالهم وأعمالهم.. حسنة عظيمة في الآخرة، ألا وهي جنة عرضها السموات والأرض.وقوله- تعالى-: وَأَرْضُ اللَّهِ واسِعَةٌ جملة معترضة لإزاحة ما عسى أن يتعللوا به من أعذار، إذا ما حملهم البقاء في أوطانهم على التفريط في أداء حقوق الله.قال صاحب الكشاف: ومعنى: وَأَرْضُ اللَّهِ واسِعَةٌ أن لا عذر للمفرطين في الإحسان ألبتة، حتى إن اعتلوا بأوطانهم وبلادهم، وأنهم لا يتمكنون فيها من التوفر على الإحسان، وصرف الهمم إليه قيل لهم: فإن أرض الله واسعة، وبلاده كثيرة، فلا تجتمعوا مع العجز، وتحولوا إلى بلاد أخر، واقتدوا بالأنبياء والصالحين في مهاجرتهم إلى غير بلادهم ليزدادوا إحسانا إلى إحسانهم، وطاعة إلى طاعتهم .ومن الآيات التي وردت في هذا المعنى قوله- تعالى-: يا عِبادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ أَرْضِي واسِعَةٌ فَإِيَّايَ فَاعْبُدُونِ. كُلُّ نَفْسٍ ذائِقَةُ الْمَوْتِ ثُمَّ إِلَيْنا تُرْجَعُونَ.ثم بين- سبحانه- حسن عاقبة الصابرين فقال: إِنَّما يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسابٍ أى: إنما يوفى الصابرون على مفارقة الأوطان، وعلى تحمل الشدائد والمصائب في سبيل إعلاء كلمة الله ... يوفون أجرهم العظيم على كل ذلك بغير حساب من الحاسبين. لأنهم لا يستطيعون معرفة ما أعده- سبحانه- لهؤلاء الصابرين من عطاء جزيل، ومن ثواب عظيم، وإنما الذي يعرف ذلك هو الله- تعالى- وحده.قال الإمام الشوكانى: أى: يوفيهم الله أجرهم في مقابلة صبرهم بما لا يقدر على حصره حاصر، ولا يستطيع حسبانه حاسب.والحاصل أن الآية تدل على أن ثواب الصابرين وأجرهم لا نهاية له، لأن كل شيء يدخل تحت الحساب فهو متناه، وما كان لا يدخل تحت الحساب فهو غير متناه. وهي فضيلة عظيمة ومثوبة جليلة، تقتضي أن على كل راغب في ثواب الله، وطامع فيما عنده من الخير، أن يتوفر على الصبر، ويزم نفسه بزمامه، ويقيدها بقيده، فإن الجزع لا يرد قضاء قد نزل، ولا يجلب خيرا قد سلب، ولا يدفع مكروها قد وقع.. .
قُلْ اِنِّیْۤ اُمِرْتُ اَنْ اَعْبُدَ اللّٰهَ مُخْلِصًا لَّهُ الدِّیْنَۙ(۱۱)
تم فرماؤ (ف۳۸) مجھے حکم ہے کہ اللہ کو پوجوں نرا اس کا بندہ ہوکر،
ثم أمر- سبحانه- رسوله صلّى الله عليه وسلم أن يبين للناس ما أمره به خالقه فقال: إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ مُخْلِصاً لَهُ الدِّينَ.أى: قل لهم يا محمد إنى أمرت من قبل الله- عز وجل- أن أعبده عبادة خالصة لا مجال معها للشرك أو الرياء، أو غير ذلك مما يتنافى مع الطاعة التامة لخالقي- سبحانه-.
وَ اُمِرْتُ لِاَنْ اَكُوْنَ اَوَّلَ الْمُسْلِمِیْنَ(۱۲)
اور مجھے حکم ہے کہ میں سب سے پہلے گردن رکھوں (ف۳۹)
وَأُمِرْتُ لِأَنْ أَكُونَ أَوَّلَ الْمُسْلِمِينَ أى: أمرنى ربي بأن أخلص له العبادة إخلاصا تاما وكاملا، لكي أكون على رأس المسلمين وجوههم له، حتى يقتدى بي الناس في إخلاصى وطاعتي له- عز وجل-.قال- تعالى-: قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيايَ وَمَماتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ، لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ.
قُلْ اِنِّیْۤ اَخَافُ اِنْ عَصَیْتُ رَبِّیْ عَذَابَ یَوْمٍ عَظِیْمٍ(۱۳)
تم فرماؤ بالفرض اگر مجھ سے نافرمانی ہوجائے تو مجھے اپنے رب سے ایک بڑے دن کے عذاب کا ڈر ہے (ف۴۰)
وقوله- سبحانه-: قُلْ إِنِّي أَخافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ بيان لسوء عاقبة الشرك والمشركين.أى: وقل لهم- أيها الرسول الكريم- إنى أخاف إن عصيت ربي، فلم أخلص له العبادة والطاعة، عذاب يوم عظيم الأهوال: شديد الحساب، وهو يوم القيامة، ولذلك فأنا لشدة خوفي من عذاب خالقي، أكثرهم إخلاصا له- عز وجل- وامتثالا لأمره، ومحافظة على طاعته.
قُلِ اللّٰهَ اَعْبُدُ مُخْلِصًا لَّهٗ دِیْنِیْۙ(۱۴)
تم فرماؤ میں اللہ ہی کو پوجتا ہوں نرا اس کا بندہ ہوکر،
قُلِ اللَّهَ أَعْبُدُ مُخْلِصاً لَهُ دِينِي أى. وقل لهم- أيضا-: الله- تعالى- وحده هو الذي أعبده عبادة لا يحوم حولها شرك، ولا يخالطها شيء من الرياء أو التكلف.فأنت ترى أن الله- تعالى- قد أمر نبيه صلّى الله عليه وسلم أن يعلن للناس بأساليب متنوعة، أنه لن يتراجع عن طاعته التامة لربه، وأن عليهم أن يتأسوا به في ذلك.قال الجمل: أمر الله- تعالى- رسوله صلّى الله عليه وسلم أولا: بأن يخبرهم بأنه مأمور بالعبادة والإخلاص فيها. وثانيا: بأن يخبرهم بأنه مأمور بأن يكون أول من أطاع وانقاد وأسلم.وثالثا: بأن يخبرهم بخوفه من العذاب على تقدير العصيان.ورابعا: بأن يخبرهم بأنه امتثل الأمر وانقاد وعبد الله- تعالى- وأخلص له الدين على أبلغ وجه وآكده، إظهارا لتصلبه في الدين، وحسما لأطماعهم الفارغة،
فَاعْبُدُوْا مَا شِئْتُمْ مِّنْ دُوْنِهٖؕ-قُلْ اِنَّ الْخٰسِرِیْنَ الَّذِیْنَ خَسِرُوْۤا اَنْفُسَهُمْ وَ اَهْلِیْهِمْ یَوْمَ الْقِیٰمَةِؕ-اَلَا ذٰلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِیْنُ(۱۵)
تو تم اس کے سوا جسے چاہو پوجو(ف۴۱) تم فرماؤ پوری ہار انہیں جو اپنی جان اور اپنے گھر والے قیامت کے دن ہار بیٹھے (ف۴۲) ہاں ہاں یہی کھلی ہار ہے،
وتمهيدا لتهديدهم بقوله: فَاعْبُدُوا ما شِئْتُمْ مِنْ دُونِهِ ... .فالأمر في قوله- تعالى-: فَاعْبُدُوا ما شِئْتُمْ مِنْ دُونِهِ ... للتهديد والتقريع والفاء لترتيب ما بعدها على ما قبلها.والمعنى. إذا كان الأمر كما ذكرت لكم- أيها المشركون- من أنى أول المسلمين وجوههم لله- تعالى- وحده، فاعبدوا ما شئتم أن تعبدوه من دونه- عز وجل- فسترون عما قريب سوء عاقبة شرككم وجحودكم لنعم الله- تعالى-.وقوله: قُلْ إِنَّ الْخاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ بيان لسوء عاقبة من أعرض عن دعوة الحق، وقوله: الَّذِينَ خَسِرُوا.. خبر إن.أى: قل يا محمد لهؤلاء المشركين: ليس الخاسرون هم الذين أخلصوا عبادتهم لله- تعالى- وحده- كما زعمتم- وإنما الخاسرون هم الذين خسروا أنفسهم وأهليهم يوم القيامة، بسبب إلقائهم في النار، وحرمانهم من النعيم الذين أعده الله- تعالى- لعباده المؤمنين.وقال- سبحانه- خسروا أنفسهم وأهليهم للإشعار بأن هؤلاء المشركين لم يخسروا أنفسهم فقط بسبب دخلوهم النار، وإنما خسروا فوق ذلك أهليهم لأنهم حيل بينهم وبين أهليهم، لأن أهليهم إن كانوا من أهل النار فقد خسروهم كما خسروا أنفسهم، وإن كانوا من أهل الجنة فقد ذهبوا عنهم ذهابا لا رجوع بعده.وجملة: أَلا ذلِكَ هُوَ الْخُسْرانُ الْمُبِينُ مستأنفة لتأكيد ما قبلها، وتصديرها بحرف التنبيه، للإشعار بأن هذا الخسران الذي حل بهم قد بلغ الغاية والنهاية في بابه.
لَهُمْ مِّنْ فَوْقِهِمْ ظُلَلٌ مِّنَ النَّارِ وَ مِنْ تَحْتِهِمْ ظُلَلٌؕ-ذٰلِكَ یُخَوِّفُ اللّٰهُ بِهٖ عِبَادَهٗؕ-یٰعِبَادِ فَاتَّقُوْنِ(۱۶)
ان کے اوپر آگ کے پہاڑ ہیں اور ان کے نیچے پہاڑ (ف۴۳) اس سے اللہ ڈراتا ہے اپنے بندوں (ف۴۴) اے میرے بندو! تم مجھ سے ڈرو (ف۴۵)
وقوله- سبحانه-: لَهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ ظُلَلٌ مِنَ النَّارِ وَمِنْ تَحْتِهِمْ ظُلَلٌ ... تفصيل لهذا الخسران بعد تهويله عن طريق الإبهام والإجمال.والظلل: جمع ظلة، وأصلها السحابة التي تظل ما تحتها، والمراد بها هنا طبقات النار التي تكون من فوقهم ومن تحتهم. وأطلق عليها هذا الاسم من باب التهكم بهم، إذ الأصل في الظلل أنها تقى من الحر، بينما الظلل التي فوق المشركين وتحتهم محرقة.أى: لهؤلاء المشركين طبقات من النار من فوقهم، وطبقات أخرى من النار من تحتهم، فهم محاطون بها من كل جانب، ولا يستطيعون التفلت منها.قال الجمل في حاشيته: «فإن قلت: الظلة ما فوق الإنسان فكيف سمى ما تحته بالظلة؟.قلت: فيه وجوه: الأول: أنه من باب إطلاق اسم أحد الضدين على الآخر. الثاني: أن الذي تحته من النار يكون ظلة لآخر تحته في النار لأنها دركات. الثالث: أن الظلة التحتانية إذا كانت مشابهة الفوقانية في الإيذاء والحرارة، سميت باسمها لأجل المماثلة والمشابهة» .واسم الإشارة في قوله: ذلِكَ يُخَوِّفُ اللَّهُ بِهِ عِبادَهُ ... يعود إلى العذاب الشديد الذي أعده- سبحانه- لأولئك المشركين.أى: ذلك العذاب الشديد يخوف الله- تعالى- به عباده، حتى يحذروا ما يوصل إليه، ويجتنبوا كل قول أو فعل من شأنه أن يفضى إلى النار.وقوله- تعالى-: يا عِبادِ فَاتَّقُونِ نداء منه- تعالى- للناس يدل على رحمته بهم، وفضله عليهم، أى: عليكم يا عبادي أن تلتزموا طاعتي، وتجتنبوا معصيتي، لكي تنالوا رضائى وجنتي، وتبتعدوا عن سخطى وناري.وإلى هنا نرى هذه الآيات الكريمة قد بشرت الصابرين بالعطاء الذي لا يعلم مقدار فضله إلا الله- تعالى-، وأمرت بإخلاص العبادة لله- سبحانه- بأساليب متنوعة، وحذرت المشركين من سوء المصير إذا ما استمروا في شركهم وكفرهم.وبعد أن بين- سبحانه- ما أعده للخاسرين من عذاب أليم، أتبع ذلك ببيان ما أعده للمتقين من نعيم مقيم، فقال- تعالى-:
وَ الَّذِیْنَ اجْتَنَبُوا الطَّاغُوْتَ اَنْ یَّعْبُدُوْهَا وَ اَنَابُوْۤا اِلَى اللّٰهِ لَهُمُ الْبُشْرٰىۚ-فَبَشِّرْ عِبَادِۙ(۱۷)
اور وہ جو بتوں کی پوجا سے بچے اور اللہ کی طرف رجوع ہوئے انہیں کے لیے خوشخبری ہے تو خوشی سناؤ میرے ان بندوں کو،
الطاغوت: يطلق على كل معبود سوى الله- تعالى- كالشيطان والأصنام وما يشبههما، مأخوذ من الطغيان، وهو مجاوزة الحد في كل شيء. ويستعمل في الواحد والجمع والمذكر والمؤنث.والاسم الموصول مبتدأ. وجملة «أن يعبدوها» بدل اشتمال من الطاغوت، وجملة «لهم البشرى» هي الخبر.والمعنى: والذين اجتنبوا عبادة الطاغوت، وكرهوا عبادة غير الله- تعالى- أيا كان هذا المعبود، وأقبلوا على الخضوع والخشوع له وحده- عز وجل-.أولئك الذين يفعلون ذلك «لهم البشرى» العظيمة في حياتهم، وعند مماتهم، وحين يقفون بين يدي الله- تعالى-: فَبَشِّرْ عِبادِ أى: فبشر- أيها الرسول الكريم- عبادي الذين هذه مناقبهم، وتلك صفاتهم....
الَّذِیْنَ یَسْتَمِعُوْنَ الْقَوْلَ فَیَتَّبِعُوْنَ اَحْسَنَهٗؕ-اُولٰٓىٕكَ الَّذِیْنَ هَدٰىهُمُ اللّٰهُ وَ اُولٰٓىٕكَ هُمْ اُولُوا الْاَلْبَابِ(۱۸)
جو کان لگا کر بات سنیں پھر اس کے بہتر پر چلیں (ف۴۶) یہ ہیں جن کو اللہ نے ہدایت فرمائی اور یہ ہیں جن کو عقل ہیں (ف۴۷)
ثم وصفهم- سبحانه- بما يدل على صفاء عقولهم، وطهارة قلوبهم، فقال: الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ....وللعلماء في تفسير هذه الجملة الكريمة أقوال منها: أن المراد بالقول الذي يتبعون أحسنه.ما يشمل تعاليم الإسلام كلها النابعة من الكتاب والسنة.والمراد بالأحسن الواجب والأفضل، مع جواز الأخذ بالمندوب والحسن.فهم يتركون العقاب مع أنه جائز، ويأخذون بالعفو لأنه الأفضل، كما قال- تعالى- وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوى....وكما قال- سبحانه-: وَإِنْ عاقَبْتُمْ فَعاقِبُوا بِمِثْلِ ما عُوقِبْتُمْ بِهِ، وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ.فيكون المعنى: الذين يستمعون الأقوال الحسنة والأشد حسنا فيأخذون بما هو أشد حسنا ومنها أن المراد بالقول هنا ما يشمل الأقوال كلها سواء أكانت طيبة أم غير طيبة. فهم يستمعون من الناس إلى أقوال متباينة، فيتبعون الطيب منها، وينبذون غيره.قال صاحب الكشاف ما ملخصه: قوله: الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ. هم الذين اجتنبوا وأنابوا لا غيرهم، وإنما أراد بهم أن يكونوا مع الاجتناب والإنابة على هذه الصفة ... وأراد أن يكونوا نقادا في الدين، مميزين بين الحسن والأحسن، والفاضل والأفضل، فإذا اعترضهم أمران: واجب ومندوب، اختاروا الواجب ... فهم حريصون على فعل ما هو أكثر ثوابا عند الله..وقيل: يستمعون القرآن وغيره فيتبعون القرآن. وقيل: يستمعون أوامر الله فيتبعون أحسنها. نحو القصاص والعفو، والانتصار والإغضاء..وعن ابن عباس: هو الرجل يجلس مع القوم فيسمع الحديث فيه محاسن ومساوئ، فيحدث بأحسن ما سمع، ويكف عما سواه. .ويبدو لنا أن هذا القول الأخير المأثور عن ابن عباس- رضى الله عنهما- هو أقرب الأقوال إلى الصواب، لأنه هو الظاهر من معنى الجملة الكريمة.وقوله- سبحانه-: أُولئِكَ الَّذِينَ هَداهُمُ اللَّهُ وَأُولئِكَ هُمْ أُولُوا الْأَلْبابِ ثناء آخر من الله- تعالى- على هؤلاء المؤمنين الذين اجتنبوا عبادة الطاغوت، وأخلصوا لله- تعالى- العبادة.أى: أولئك الذين هداهم الله- تعالى- إلى دينه الحق، وإلى الصراط المستقيم، وأولئك هم أصحاب العقول السليمة، والمدارك القويمة، والقلوب الطاهرة النقية..قال الآلوسى: وفي الآية دلالة على حط قدر التقليد المحض، ولذا قيل:شمر وكن في أمور الدين مجتهدا ... ولا تكن مثل عير قيد فانقاداواستدل بها على أن الهداية تحصل بفعل الله- تعالى- وقبول النفس لها ... . ثم بين- سبحانه- أن من أحاطت به خطيئته، لن يستطيع أحد إنقاذه من العذاب.
اَفَمَنْ حَقَّ عَلَیْهِ كَلِمَةُ الْعَذَابِؕ-اَفَاَنْتَ تُنْقِذُ مَنْ فِی النَّارِۚ(۱۹)
تو کیا وہ جس پر عذاب کی بات ثابت ہوچکی نجات والوں کے برابر ہوجائے گا تو کیا تم ہدایت دے کر آگ کے مستحق کو بچالو گے (ف۴۸)
فقال- تعالى- أَفَمَنْ حَقَّ عَلَيْهِ كَلِمَةُ الْعَذابِ، أَفَأَنْتَ تُنْقِذُ مَنْ فِي النَّارِ.والاستفهام للنفي، والتقدير: أفمن وجب عليه العذاب بسبب إصراره على كفره حتى النهاية، أفتستطيع أنت- أيها الرسول الكريم- أن تنقذه من هذا المصير الأليم؟ لا- أيها الرسول الكريم- إنك لا تستطيع ذلك. لأن من سبق عليه قضاؤنا بأنه من أهل النار، بسبب استحبابه الكفر على الإيمان لن تستطيع أنت أو غيرك إنقاذه منها.
لٰكِنِ الَّذِیْنَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ لَهُمْ غُرَفٌ مِّنْ فَوْقِهَا غُرَفٌ مَّبْنِیَّةٌۙ-تَجْرِیْ مِنْ تَحْتِهَا الْاَنْهٰرُ۬ؕ-وَعْدَ اللّٰهِؕ-لَا یُخْلِفُ اللّٰهُ الْمِیْعَادَ(۲۰)
لیکن جو اپنے رب سے ڈرے (ف۴۹) ان کے لیے بالا خانے ہیں ان پر بالا خانے بنے (ف۵۰) ان کے نیچے نہریں بہیں، اللہ کا وعدہ، اللہ وعدہ خلاف نہیں کرتا،
وقوله- تعالى-: لكِنِ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ لَهُمْ غُرَفٌ مِنْ فَوْقِها غُرَفٌ مَبْنِيَّةٌ ... بيان لحسن عاقبة المؤمنين، بعد بيان سوء عاقبة من حقت عليهم كلمة العذاب..والغرف جمع غرفة، وتطلق على الحجرة التي تكون مرتفعة عن الأرض.أى: هذا حال الذين حقت عليهم كلمة العذاب، أما حال الذين اتقوا ربهم فيختلف اختلافا تاما عن غيرهم، فإن الله- تعالى- قد أعد لهم- على سبيل التكريم والتشريف- غرفا من فوقها غرف أخرى مبنية..ووصفت بذلك للإشارة إلى أنها معدة ومهيأة لنزولهم فيها، قبل أن يقدموا عليها، زيادة في تكريمهم وحسن لقائهم.وهذه الغرف جميعها «تجرى من تحتها الأنهار» ليكون ذلك أدعى إلى زيادة سرورهم.وقوله- تعالى- وَعْدَ اللَّهِ لا يُخْلِفُ اللَّهُ الْمِيعادَ تذييل مؤكد لمضمون ما قبله من كون المتقين لهم تلك الغرف المبنية. ولفظ «وعد» مصدر منصوب بفعل مقدر.أى: وعدهم- تعالى- بذلك وعدا لا يخلفه، لأنه- سبحانه- ليس من شأنه أن يخلف الموعد الذي يعده لعباده.وقد ذكر الإمام ابن كثير عند تفسيره لهذه الآية بعض الأحاديث، منها ما رواه الإمام أحمد عن أبى مالك الأشعرى، قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم «إن في الجنة غرفا يرى ظاهرها من باطنها وباطنها من ظاهرها، أعدها الله لمن أطعم الطعام، وألان الكلام، وتابع الصيام، وصلّى والناس نيام» .وبذلك نرى هذه الآيات الكريمة قد بشرت المتقين بأحسن البشارات وأكرمها، وتوعدت المصرين على كفرهم وفجورهم باستحالة إنقاذهم من عذاب النار.
اَلَمْ تَرَ اَنَّ اللّٰهَ اَنْزَلَ مِنَ السَّمَآءِ مَآءً فَسَلَكَهٗ یَنَابِیْعَ فِی الْاَرْضِ ثُمَّ یُخْرِ جُ بِهٖ زَرْعًا مُّخْتَلِفًا اَلْوَانُهٗ ثُمَّ یَهِیْجُ فَتَرٰىهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ یَجْعَلُهٗ حُطَامًاؕ-اِنَّ فِیْ ذٰلِكَ لَذِكْرٰى لِاُولِی الْاَلْبَابِ۠(۲۱)
کیا تو نے نہ دیکھا کہ اللہ نے آسمان سے پانی اتارا پھر اس سے زمین میں چشمے بنائے پھر اس سے کھیتی نکالتا ہے کئی رنگت کی (ف۵۱) پھر سوکھ جاتی ہے تو تُو دیکھے کہ وہ (ف۵۲) پیلی پڑ گئی پھر اسے ریزہ ریزہ کردیتا ہے، بیشک اس میں دھیان کی بات ہے عقل مندوں کو (ف۵۳)
ثم ضرب- سبحانه- مثلا لسرعة زوال الحياة الدنيا، وقرب اضمحلال بهجتها. كما بين حال من شرح الله صدره للإسلام فقال- تعالى-:.والاستفهام في قوله- تعالى-: أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً ... للتقرير.والينابيع: جمع ينبوع، وهو المنبع أو المجرى الذي يكون في باطن الأرض، والذي يحمل الكثير من المياه الجارية أو المخزونة في جوف الأرض.والمعنى: لقد علمت- أيها العاقل- أن الله- تعالى- أنزل من السحب المرتفعة في جو السماء، ماء كثيرا، فأدخله بقدرته في عيون ومسارب في الأرض، هذه العيون والمسارب تارة تكون ظاهرة على وجه الأرض، وتارة تكون في باطنها، وكل ذلك من أعظم الأدلة على قدرة الله- تعالى- ورحمته بعباده.ثم بين- سبحانه- مظهرا آخر من مظاهر قدرته فقال: ثُمَّ يُخْرِجُ بِهِ زَرْعاً مُخْتَلِفاً أَلْوانُهُ....أى: هذا الماء الذي أنزله- سبحانه- بقدرته من السماء، قد سلكه ينابيع في الأرض، ثم يخرج بسبب هذا الماء زرعا مختلفا في ألوانه وفي أشكاله، فمنه ما هو أخضر ومنه ما هو أصفر، ومنه ما ليس كذلك مما يدل على كمال قدرة الله- تعالى-.وقوله- تعالى-: ثُمَّ يَهِيجُ فَتَراهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَجْعَلُهُ حُطاماً بيان لمظهر ثالث من مظاهر قدرته- عز وجل-.والفعل «يهيج» مأخوذ من الهيج بمعنى اليبس والجفاف. يقال: هاج النبات هيجا وهياجا، إذا يبس وأصفر. أو مأخوذ من الهيج بمعنى شدة الحركة. يقال: هاج الشيء يهيج، إذا ثار لمشقة أو ضرر، ثم يعقب ذلك الهيجان الجفاف واليبس.أى: ثم يصاب هذا الزرع المختلف الألوان بالجفاف والضمور، فتراه مصفرا من بعد اخضراره ونضارته، ثم يجعله- سبحانه- «حطاما» أى: فتاتا متكسرا. يقال: حطم الشيء حطما- من باب تعب- إذا تكسر وتفتت وتحطم.إِنَّ فِي ذلِكَ الذي ذكرناه من إنزال الماء من السماء، ومن سلكه ينابيع في الأرض، ومن إخراج النبات المختلف الألوان بسببه لَذِكْرى عظيمة لِأُولِي الْأَلْبابِ.أى: لأصحاب العقول السليمة، والأفكار القويمة.والمقصود من هذه الآية الكريمة، التحذير من الانهماك في الحياة الدنيا ومتعها، حيث شبهها- سبحانه- في سرعة زوالها وقرب اضمحلالها- بالزرع الذي يبدو مخضرا وناضرا ... ثم يعقب ذلك الجفاف والذبول والاضمحلال.وفي هذا المعنى وردت آيات كثيرة، منها قوله- تعالى-: وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلَ الْحَياةِ الدُّنْيا كَماءٍ أَنْزَلْناهُ مِنَ السَّماءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَباتُ الْأَرْضِ، فَأَصْبَحَ هَشِيماً تَذْرُوهُ الرِّياحُ، وَكانَ اللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ مُقْتَدِراً .
اَفَمَنْ شَرَحَ اللّٰهُ صَدْرَهٗ لِلْاِسْلَامِ فَهُوَ عَلٰى نُوْرٍ مِّنْ رَّبِّهٖؕ-فَوَیْلٌ لِّلْقٰسِیَةِ قُلُوْبُهُمْ مِّنْ ذِكْرِ اللّٰهِؕ-اُولٰٓىٕكَ فِیْ ضَلٰلٍ مُّبِیْنٍ(۲۲)
تو کیا وہ جس کا سینہ اللہ نے اسلام کے لیے کھول دیا (ف۵۴) تو وہ اپنے رب کی طرف سے نور پر ہے (ف۵۵) اس جیسا ہوجائے گا جو سنگدل ہے تو خرابی ہے ان کی جن کے دل یادِ خدا کی طرف سے سخت ہوگئے ہیں (ف۵۶) وہ کھلی گمراہی میں ہیں،
ثم نفى- سبحانه- المساواة بين المؤمن والكافر، وبين المهتدى والضال فقال: أَفَمَنْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلامِ فَهُوَ عَلى نُورٍ مِنْ رَبِّهِ ...أى: أفمن شرح الله- تعالى- صدره للإسلام، وجعله مستعدا لقبول الحق فهو بمقتضى هذا الشرح والقبول صار على نور وهداية من ربه، كمن قسا قلبه وغلظ، وأصبح أسيرا للظلمات والأوهام..لا شك أنهما لا يستويان في عقل أى عاقل.فالاستفهام للإنكار والنفي، و «من» اسم موصول مبتدأ، والخبر محذوف لدلالة قوله- تعالى- فَوَيْلٌ لِلْقاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ عليه.أى: فهلاك وخزي لأولئك المشركين الذين قست قلوبهم من أجل ذكر الله- تعالى-، الذي من شأنه أن تلين له القلوب، ولكن هؤلاء الكافرين إذا ما ذكر الله- تعالى-، اشمأزت قلوبهم، وقست نفوسهم، لانطماس بصائرهم. واستحواذ الشيطان عليهم.ومنهم من جعل «من» في قوله مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ بمعنى عن. أى: فويل للقاسية قلوبهم عن قبول ذكر الله وطاعته وخشيته.قال صاحب الكشاف: قوله: مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ أى: من أجل ذكره، أى: إذا ذكر الله عندهم أو آياته اشمأزوا، وازدادت قلوبهم قساوة، كقوله- تعالى-: فَزادَتْهُمْ رِجْساً إِلَى رِجْسِهِمْ وقرئ: عن ذكر الله.فإن قلت: ما الفرق بين من وعن في هذا؟ قلت: إذا قلت قسا قلبه من ذكر الله، فالمعنى ما ذكرت، من أن القسوة من أجل الذكر وبسببه. وإذا قلت: عن ذكر الله، فالمعنى: غلظ عن قبول الذكر وجفا عنه. ونظيره: سقاه من العيمة. أى: من أجل عطشه. وسقاه عن العيمة، إذا أرواه حتى أبعده عن العطش» .ثم ختم- سبحانه- الآية الكريمة ببيان مآل هؤلاء الذين قست قلوبهم فقال: أُولئِكَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ.أى: أولئك المتصفون بتلك الصفات الذميمة في ضلال واضح عن الصراط المستقيم.وشبيه بهذه الآية قوله- تعالى-: فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلامِ، وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقاً حَرَجاً كَأَنَّما يَصَّعَّدُ فِي السَّماءِ، كَذلِكَ يَجْعَلُ اللَّهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ .ثم مدح- سبحانه- كتابه مدحا يليق به، وبين حال المؤمنين الصادقين عند سماعه، وسلى نبيه صلّى الله عليه وسلم عما أصابه من أعدائه. فقال- تعالى-:
اَللّٰهُ نَزَّلَ اَحْسَنَ الْحَدِیْثِ كِتٰبًا مُّتَشَابِهًا مَّثَانِیَ ﳓ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُوْدُ الَّذِیْنَ یَخْشَوْنَ رَبَّهُمْۚ-ثُمَّ تَلِیْنُ جُلُوْدُهُمْ وَ قُلُوْبُهُمْ اِلٰى ذِكْرِ اللّٰهِؕ-ذٰلِكَ هُدَى اللّٰهِ یَهْدِیْ بِهٖ مَنْ یَّشَآءُؕ-وَ مَنْ یُّضْلِلِ اللّٰهُ فَمَا لَهٗ مِنْ هَادٍ(۲۳)
اللہ نے اتاری سب سے اچھی کتاب (ف۵۷) کہ اول سے آخر تک ایک سی ہے (ف۵۸) دوہرے بیان والی (ف۵۹) اس سے بال کھڑے ہوتے ہیں ان کے بدن پر جو اپنے رب سے ڈرتے ہیں، پھر ان کی کھالیں اور دل نرم پڑتے ہیں یادِ خدا کی طرف رغبت میں (ف۶۰) یہ اللہ کی ہدایت ہے راہ دکھائے اس سے جسے چاہے، اور جسے اللہ گمراہ کرے اسے کوئی راہ دکھانے والا نہیں،
وقوله- تعالى-: «مثاني» جمع مثنى من التثنية بمعنى التكرار والإعادة ولذا سميت سورة الفاتحة بالسبع المثاني، لأنها تكرر وتعاد مع كل صلاة.أى: الله- تعالى- نزل بفضله ورحمته عليك- يا محمد- أحسن الحديث «كتابا متشابها» أى: يشبه بعضه بعضا في فصاحته وبلاغته، وفي نظمه وإعجازه، وفي صحة معانيه وأحكامه، وفي صدقه وهداياته وإرشاداته إلى ما يسعد الناس في دنياهم وآخرتهم ...«مثاني» أى: تثنى وتكرر فيه القصص والمواعظ، والأمثال والأحكام والوعد والوعيد، كما تثنى وتكرر قراءته فلا تمل على كثرة الترداد، وإنما يزداد المؤمنون حبا وتعلقا بتلاوته كلما أكثروا من هذه التلاوة.وسمى- سبحانه- كتابه حديثا، لأن النبي صلّى الله عليه وسلم كان يحدث به قومه، ويخبرهم بما كان ينزل عليه منه. فلفظ الحديث هنا بمعنى المحدث به لا بمعنى كونه مقابلا للقديم.ولفظ «كتابا» بدل من قوله أَحْسَنَ الْحَدِيثِ. وقوله: مُتَشابِهاً مَثانِيَ صفتان للكتاب.ووصف بهما وهو مفرد وكلمة «مثاني» جمع، باعتبار اشتماله على الكثير من السور والآيات والقصص والمواعظ والأحكام..أى: الله- تعالى- أنزل أحسن الحديث كتابا مشتملا على السور والآيات والمواعظ.. التي يشبه بعضها في الإعجاز ... والتي تثنى وتكرر فلا تمل على كثرة التكرار.ورحم الله صاحب الكشاف فقد أجاد عند تفسيره لهذه الآية فقال ما ملخصه: «وإيقاع اسم الله مبتدأ، وبناء «نزل» عليه، فيه تفخيم لأحسن الحديث ورفع منه، واستشهاد على حسنه، وتأكيد لاستناده إلى الله، وأنه من عنده، وأن مثله لا يجوز أن يصدر إلا عنه، وتنبيه على أنه وحى معجز مباين لسائر الأحاديث.فإن قلت: كيف وصف الواحد بالجمع؟ قلت: إنما صح ذلك لأن الكتاب جملة ذات تفاصيل، وتفاصيل الشيء هي جملته لا غير، ألا تراك تقول: القرآن سور وآيات ... كما تقول الإنسان عظام وعروق، فإن قلت: ما فائدة التثنية والتكرير؟ قلت: النفوس أنفر شيء عن حديث الوعظ والنصيحة، فما لم يكرر عليها عودا عن بدء لم يرسخ فيها، ولم يعمل عمله، ومن ثم كانت عادة رسول الله صلّى الله عليه وسلم أن يكرر عليهم ما كان يعظ به وينصح ثلاث مرات، ليركزه في قلوبهم، كي يغرسه في صدورهم ...وقوله- تعالى-: تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ، ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلى ذِكْرِ اللَّهِ....استئناف مسوق لبيان آثار هذا القرآن الكريم في نفوس قارئيه وسامعيه بعد بيان أوصافه في ذاته.وقوله «تقشعر» من الاقشعرار، وهو الانقباض الشديد للبدن. يقال: اقشعر جسد فلان، إذا انقبض جلده واهتز ... وهو هنا كناية عن الخوف الشديد من الله- تعالى-.أى: أن هذا الكتاب العظيم عند ما يقرؤه أو يسمعه المؤمنون الصادقون الذين يخشون ربهم تقشعر جلودهم من شدة ما اشتمل عليه من زواجر ونذر. ثم تلين جلودهم وقلوبهم إذا ما قرءوا أو استمعوا إلى آيات الرحمة والمغفرة.قال الجمل: «فإن قلت: لم ذكرت الجلود وحدها أولا ثم قرنت القلوب بها ثانيا؟.قلت: ذكر الخشية التي تحملها القلوب مستلزم لذكر القلوب، فكأنه قيل: تقشعر جلودهم وتخشى قلوبهم في أول الأمر، فإذا ذكروا الله- تعالى- وذكروا رحمته وسعتها، استبدلوا بالخشية رجاء في قلوبهم، وبالقشعريرة لينا في جلودهم.. .والخلاصة أن من صفات هؤلاء المؤمنين الصادقين، أنهم يجمعون عند قراءتهم أو سماعهم للقرآن الكريم بين الخوف والرجاء، الخوف من عذاب الله- تعالى- والرجاء في رحمته ومغفرته، إذ أن اقشعرار الجلود كناية عن الخوف الشديد، ولين الجلود والقلوب كناية عن السرور والارتياح، وعدى الفعل «تلين» بإلى لتضمينه معنى تسكن وتطمئن.ومفعول «ذكر الله» محذوف للعلم به، أى: ثم تلين جلودهم وقلوبهم إلى ذكر الله رحمته وثوابه وجنته.قال ابن كثير ما ملخصه: هؤلاء المؤمنون يخالفون غيرهم من وجوه:أحدها: أن سماع هؤلاء تلاوة الآيات، وسماع أولئك نغمات الأبيات.الثاني: أنهم إذا تليت عليهم آيات الرحمن خروا سجدا وبكيا، بأدب وخشية ورجاء ومحبة وفهم وعلم، ولم يكونوا- كغيرهم- متشاغلين لاهين عنها.الثالث: أنهم يلزمون الأدب عند سماعها ... ولم يكونوا يتصارخون ويتكلفون ما ليس فيهم.قال قتادة عند قراءته لهذه الآية: هذا نعت أولياء الله، نعتهم الله بأنهم تقشعر جلودهم وتبكى أعينهم، وتطمئن قلوبهم إلى ذكر الله، ولم ينعتهم بذهاب عقولهم، والغشيان عليهم، إنما هذا في أهل البدع. وهذا من الشيطان ... .واسم الإشارة في قوله- تعالى-: ذلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشاءُ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَما لَهُ مِنْ هادٍ يعود إلى الكتاب الذي مرت أوصافه، وأوصاف القارئين له والمستمعين إليه.أى: ذلك الكتاب العظيم المشتمل على أحسن الإرشادات وأحكمها، هدى الله الذي يهدى بسببه من يشاء من عباده إلى الصراط المستقيم، ومن يضلله- سبحانه- عن طريق الحق، فما له من هاد يهديه إلى هذا الطريق القويم.
اَفَمَنْ یَّتَّقِیْ بِوَجْهِهٖ سُوْٓءَ الْعَذَابِ یَوْمَ الْقِیٰمَةِؕ-وَ قِیْلَ لِلظّٰلِمِیْنَ ذُوْقُوْا مَا كُنْتُمْ تَكْسِبُوْنَ(۲۴)
تو کیا وہ جو قیامت کے دن برے عذاب کی ڈھال نہ پائے گا اپنے چہرے کے سوا (ف۶۱) نجات والے کی طرح ہوجائے گا (ف۶۲) اور ظالموں سے فرمایا جائے گا اپنا کمایا چکھو (ف۶۳)
ثم نفى- سبحانه- المساواة بين هؤلاء الذين يخشون ربهم، وبين غيرهم ممن قست قلوبهم، وانحرفت نفوسهم عن الحق، فقال- تعالى-: أَفَمَنْ يَتَّقِي بِوَجْهِهِ سُوءَ الْعَذابِ يَوْمَ الْقِيامَةِ، وَقِيلَ لِلظَّالِمِينَ ذُوقُوا ما كُنْتُمْ تَكْسِبُونَ.والاستفهام: للنفي والإنكار، و «من» اسم موصول مبتدأ، والخبر محذوف أى: أفمن كان يوم القيامة مصيره إلى النار المحرقة التي يتقيها ويحاول درأها عن نفسه بوجهه الذي هو أشرف أعضائه، كمن يأتى يوم القيامة آمنا مطمئنا بعيدا عن النار وسعيرها؟.وفي الآية الكريمة ما فيها من تهويل عذاب يوم القيامة، إذ جرت عادة الإنسان أن يتقى الآلام بيديه وجوارحه، فإذا ما اتقاها بوجهه الذي هو أشرف أعضائه، كان ذلك دليلا على أن ما نزل به في نهاية الفظاعة والشدة.وفي قوله- تعالى-: سُوءَ الْعَذابِ مبالغة أخرى، إذ نفس العذاب سوء، فإذا ما وصف بعد ذلك بالسوء، كان أشد في الفظاعة والإهانة والألم.وجملة: «وقيل للظالمين ... » عطف على «يتقى ... » أى: هذا هو مصير الظالمين، إنهم يتقون النار بوجوههم التي هي أشرف أعضائهم، وهذا الاتقاء لن يفيدهم شيئا، بل ستغشاهم النار بلهبها، ويقال لهم: ذوقوا العذاب الأليم بسبب ما كنتم تكسبون في الدنيا من أقوال باطلة، وأفعال قبيحة.
كَذَّبَ الَّذِیْنَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَاَتٰىهُمُ الْعَذَابُ مِنْ حَیْثُ لَا یَشْعُرُوْنَ(۲۵)
ان سے اگلوں نے جھٹلایا (ف۶۴) تو انہیں عذاب آیا جہاں سے انہیں خبر نہ تھی (ف۶۵)
كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ من أمم الكفر والضلال فَأَتاهُمُ الْعَذابُ المقدر لكل أمة من أمم الكفر.مِنْ حَيْثُ لا يَشْعُرُونَ أى: من الجهة التي لا تخطر لهم على بال، أن العذاب يأتيهم منها، فيكون وقعه عليهم أشد وأفظع.
فَاَذَاقَهُمُ اللّٰهُ الْخِزْیَ فِی الْحَیٰوةِ الدُّنْیَاۚ-وَ لَعَذَابُ الْاٰخِرَةِ اَكْبَرُۘ-لَوْ كَانُوْا یَعْلَمُوْنَ(۲۶)
اور اللہ نے انہیں دنیا کی زندگی میں رسوائی کا مز ہ چکھایا (ف۶۶) اور بیشک آخرت کا عذاب سب سے بڑا، کیا اچھا تھا اگر وہ جانتے (ف۶۷)
فَأَذاقَهُمُ اللَّهُ الْخِزْيَ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا أى: العذاب الذي يذلهم ويخزيهم في الحياة الدنيا وَلَعَذابُ الْآخِرَةِ. المعد لهم أَكْبَرُ كيفا وكمّا لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ أى: لو كانوا من أهل العلم والفهم لما ارتكبوا ما ارتكبوا من كفر وفسوق وعصيان، أدى بهم إلى العذاب المهين.ثم كرر- سبحانه- مدحه للقرآن الكريم، بأن بين أنه مشتمل على كل مثل نافع للناس، وأنه لا لبس فيه ولا اختلاف، وساق مثلا للمشرك الذي يعبد آلهة كثيرة، وللمؤمن الذي يعبد إلها واحدا، وبين أن جميع الناس سيعمهم الموت. وأنهم جميعا سيرجعون إلى الله للحساب، فقال- تعالى-:.
وَ لَقَدْ ضَرَبْنَا لِلنَّاسِ فِیْ هٰذَا الْقُرْاٰنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ لَّعَلَّهُمْ یَتَذَكَّرُوْنَۚ(۲۷)
اور بیشک ہم نے لوگوں کے لیے اس قرآن میں ہر قسم کی کہاوت بیان فرمائی کہ کسی طرح انہیں دھیان ہو (ف۶۸)
واللام في قوله- تعالى-: وَلَقَدْ ضَرَبْنا لِلنَّاسِ ... موطئة للقسم.أى: والله لقد ضربنا وكررنا بأساليب متنوعة في هذا القرآن العظيم، من كل مثل يحتاج إليه الناس في أمورهم وشئونهم، وينتفعون به في دنياهم ودينهم.وقوله- تعالى-: لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ تعليل لضرب المثل. أى فعلنا ذلك في كتابنا الذي هو أحسن الحديث، كي يتعظوا ويعتبروا ويتذكروا ما أمرناهم به، أو نهيناهم عنه.فلعل هنا بمعنى كي التعليلية، وهذا التعليل إنما هو بالنسبة إلى غيره- تعالى-.
قُرْاٰنًا عَرَبِیًّا غَیْرَ ذِیْ عِوَجٍ لَّعَلَّهُمْ یَتَّقُوْنَ(۲۸)
عربی زبان کا قرآن (ف۶۹) جس میں اصلاً کجی نہیں (ف۷۰) کہ کہیں وہ ڈریں (ف۷۱)
وقوله- سبحانه- قُرْآناً عَرَبِيًّا غَيْرَ ذِي عِوَجٍ ... ثناء آخر منه- تعالى- على كتابه الكريم.والجملة الكريمة حال مؤكدة من قوله قبل ذلك: هذَا الْقُرْآنِ....أى: هذا القرآن قرآنا عربيا لا لبس فيه ولا اختلاف ولا اضطراب ولا تناقض.قال صاحب الكشاف: قوله: قُرْآناً عَرَبِيًّا حال مؤكدة كقولك: جاءني زيد رجلا صالحا، وإنسانا عاقلا. ويجوز أن ينتصب على المدح غَيْرَ ذِي عِوَجٍ أى: مستقيما بريئا من التناقض والاختلاف.فإن قلت: فهلا قيل مستقيما، أو غير معوج؟ قلت: فيه فائدتان:إحداهما: نفى أن يكون فيه عوج قط، كما قال: وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجاً.والثانية: أن لفظ العوج مختص بالمعاني دون الأعيان ... وقيل: المراد بالعوج: الشك واللبس، وأنشد:وقد أتاك يقين غير ذي عوج ... من الإله وقول غير مكذوبوقوله: لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ علة أخرى لاشتمال القرآن على الأمثال المتكررة المتنوعة.أى: كررنا الأمثال النافعة في هذا القرآن للناس، كي يتقوا الله- تعالى- ويخشوا عقابه.
ضَرَبَ اللّٰهُ مَثَلًا رَّجُلًا فِیْهِ شُرَكَآءُ مُتَشٰكِسُوْنَ وَ رَجُلًا سَلَمًا لِّرَجُلٍؕ-هَلْ یَسْتَوِیٰنِ مَثَلًاؕ-اَلْحَمْدُ لِلّٰهِۚ-بَلْ اَكْثَرُهُمْ لَا یَعْلَمُوْنَ(۲۹)
اللہ ایک مثال بیان فرماتا ہے (ف۷۲) ایک غلام میں کئی بدخو آقا شریک اور ایک نرے ایک مولیٰ کا، کیا ان دونوں کا حال ایک سا ہے (ف۷۳) سب خوبیاں اللہ کو (ف۷۴) بلکہ ان کے اکثر نہیں جانتے (ف۷۵)
ثم ضرب- سبحانه- مثلا للعبد المشرك وللعبد المؤمن، فقال: ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا، رَجُلًا فِيهِ شُرَكاءُ مُتَشاكِسُونَ وَرَجُلًا سَلَماً لِرَجُلٍ....وقوله مَثَلًا مفعول ثان لضرب، ورَجُلًا مفعوله الأول. وأخر عن المفعول الثاني للتشويق إليه، وليتصل به ما هو من تتمته، وهو التمثيل لحال الكافر والمؤمن.وقوله مُتَشاكِسُونَ من التشاكس بمعنى التنازع والتخاصم وسوء الخلق، يقال: رجل شكس وشكس- بفتح الشين مع إسكان الكاف أو كسرها وفعله من باب كرم- إذا كان صعب الطباع، عسر الخلق.وقوله سلما» بفتح السين واللام- مصدر وصف به على سبيل المبالغة.وقرأ ابن كثير وأبو عمرو: «سالما» : أى خالصا لسيده دون أن ينازعه فيه منازع. والمعنى: إن مثل المشرك الذي يعبد آلهة متعددة، كمثل عبد مملوك لجماعة متشاكسين متنازعين لسوء أخلاقهم وطباعهم، وهذا العبد موزع وممزق بينهم، لأن أحدهم يطلب منه شيئا معينا، والثاني يطلب منه شيئا يباين ما طلبه الأول، والثالث يطلب منه ما يتناقض مع ما طلبه الأول والثاني ... وهو حائر بينهم جميعا، لا يدرى أيطيع ما أمره به الأول أم الثاني أم الثالث ... ؟ لأنه لا يملك أن يطيع أهواءهم المتنازعة التي تمزق أفكاره وقواه.هذا هو مثل المشرك في حيرته وضلاله وانتكاس حاله.أما مثل المؤمن فهو كمثل عبد مملوك لسيد واحد، وخالص لفرد واحد، وليس لغيره من سبيل إليه، فهو يخدم سيده بإخلاص وطاعة، لأنه يعرف ماله وما عليه، وفي راحة تامة من الحيرة والمتاعب التي انغمس فيها ذلك العبد الذي يملكه الشركاء المتشاكسون. فالمقصود بهذين المثلين بيان ما عليه العبد المشرك من ضلال وتحير وتمزق، وما عليه العبد المؤمن من هداية واستقرار واطمئنان.واختار- سبحانه- الرجل لضرب المثلين، لأنه أتم معرفة من غيره لما يتعبه ولما يريحه ولما يسعده ولما يشقيه.قال صاحب الكشاف- رحمه الله- عند تفسيره لهذه الآية: واضرب- يا محمد- لقومك مثلا وقول لهم: ما تقولون في رجل من المماليك قد اشترك فيه شركاء، بينهم اختلاف وتنازع.كل واحد منهم يدعى أنه عبده، فهم يتجاذبونه، ويتعاورونه في مهن شتى، وإذا عنت له حاجة تدافعوه، فهو متحير في أمره، قد تشعبت الهموم قلبه، وتوزعت أفكاره، لا يدرى أيهم يرضى بخدمته، وعلى أيهم يعتمد في حاجاته.وفي آخر: قد سلم لمالك واحد وخلص له، فهو معتتق لما لزمه من خدمته، معتمد عليه فيما يصلحه، فهمه واحد، وقلبه مجتمع، أى هذين العبدين أحسن وأجمل شأنا؟.والمراد تمثيل حال من يثبت آلهة شتى.. ويبقى متحيرا ضائعا لا يدرى أيهم يعبد، وممن يطلب رزقه؟ فهمّه شعاع- بفتح الشين أى: متفرق-، وقلبه أوزاع، وحال من لم يثبت إلا إلها واحدا، فهو قائم بما كلفه، عارف بما أرضاه وما أسخطه، متفضل عليه في عاجله، مؤمل للثواب في آجله، .والاستفهام في قوله- تعالى-: هَلْ يَسْتَوِيانِ مَثَلًا للإنكار والاستبعاد.أى: لا يستوي الرجل الذي فيه شركاء متشاكسون، والرجل الذي سلم لرجل آخر،في رأى أى ناظر، وفي عقل أى عاقل، فالأول في حيرة من أمره، والثاني على بينة من شأنه.وساق- سبحانه- هذا المعنى في صورة الاستفهام، للإشعار بأن ذلك من الجلاء والوضوح بحيث لا يخفى على كل ذي عقل سليم.وانتصب لفظ «مثلا» على التمييز المحول عن الفاعل، لأن الأصل هل يستوي مثلهما وحالهما؟.وجملة الْحَمْدُ لِلَّهِ تقرير وتأكيد لما قبلها من نفى الاستواء واستبعاده، وتصريح بأن ما عليه المؤمنون من إخلاص في العبودية لله- تعالى- يستحق منهم كل شكر وثناء على الله- عز وجل- حيث وفقهم لذلك.وقوله- تعالى-: بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ إضراب وانتقال من بيان عدم الاستواء على الوجه المذكور، إلى بيان أن أكثر الناس وهم المشركون لا يعلمون هذه الحقيقة مع ظهورها ووضوحها لكل ذي عينين يبصرهما، وعقل يعقل به.
اِنَّكَ مَیِّتٌ وَّ اِنَّهُمْ مَّیِّتُوْنَ٘(۳۰)
بیشک تمہیں انتقال فرمانا ہے اور ان کو بھی مرنا ہے (ف۷۶)
ثم أخبر- سبحانه- رسوله صلّى الله عليه وسلم بأن الموت سينزل به كما سينزل بأعدائه الذين يتربصون به ريب المنون، ولكن في الوقت الذي يشاؤه الله- تعالى- فقال-: إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ.أى: إنك- أيها الرسول الكريم- سيلحقك الموت، كما أنه سيلحق هؤلاء المشركين لا محالة، وما دام الأمر كذلك فأى موجب لتعجل الموت الذي يعم الخلق جميعا.وجاء الحديث عن حلول الموت به صلّى الله عليه وسلم وبأعدائه، بأسلوب التأكيد، للإيذان بأنه لا معنى لاستبطائهم لموته صلّى الله عليه وسلم ولا للشماتة به صلّى الله عليه وسلم إذا ما نزل به الموت، إذ لا يشمت الفاني في الفاني مثله.
ثُمَّ اِنَّكُمْ یَوْمَ الْقِیٰمَةِ عِنْدَ رَبِّكُمْ تَخْتَصِمُوْنَ۠(۳۱)
پھر تم قیامت کے دن اپنے رب کے پاس جھگڑو گے (ف۷۷)
ثم بين- سبحانه- ما يكون بينه وبينهم يوم القيامة فقال ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ عِنْدَ رَبِّكُمْ تَخْتَصِمُونَ.أى: ثم إنكم جميعا يوم القيامة عند ربكم وخالقكم تختصمون وتحتكمون، فتقيم عليهم- أيها الرسول الكريم- الحجة، بأنك قد بلغت الرسالة، وهم يعتذرون بالأباطيل والتعليلات الكاذبة، والأقوال الفاسدة، وسينتقم ربك من الظالم للمظلوم، ومن المبطل للمحق.هذا، وقد ساق الإمام ابن كثير عند تفسيره لهذه الآية، جملة من الأحاديث والآثار فقال ما ملخصه: ثم إن هذه الآية- وإن كان سياقها في المؤمنين والكافرين، وذكر الخصومة بينهم في الدار الآخرة- فإنها شاملة لكل متنازعين في الدنيا، فإنه تعاد عليهم الخصومة في الدار الآخرة.روى ابن أبى حاتم عن الزبير بن العوام- رضى الله عنه- قال: لما نزلت هذه الآية قلت: يا رسول الله أتكرر علينا الخصومة؟ قال: نعم. قلت: إن الأمر إذا لشديد.وروى الإمام أحمد عن أبى سعيد الخدري قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم «والذي نفسي بيده إنه ليختصم حتى الشاتان فيما انتطحتا» .وقال ابن عباس: يخاصم الصادق الكاذب، والمظلوم الظالم، والمهدىّ الضالّ، والضعيف المستكبر .ثم بين- سبحانه- أنه لا أحد أشد ظلما ممن كذب على الله- تعالى- وكذب بالصدق إذ جاءه، وأن من صفات المتقين أنهم يؤمنون بالحق، ويدافعون عنه، وأنه- سبحانه- سيكفر عنهم سيئاتهم ... فقال- تعالى-:.
فَمَنْ اَظْلَمُ مِمَّنْ كَذَبَ عَلَى اللّٰهِ وَ كَذَّبَ بِالصِّدْقِ اِذْ جَآءَهٗؕ-اَلَیْسَ فِیْ جَهَنَّمَ مَثْوًى لِّلْكٰفِرِیْنَ(۳۲)
تو اس سے بڑھ کر ظالم کون جو اللہ پر جھوٹ باندھے (ف۷۸) اور حق کو جھٹلائے (ف۷۹) جب اس کے پاس آئے، کیا جہنم میں کافروں کا ٹھکانہ نہیں،
والفاء في قوله- تعالى-: فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَذَبَ عَلَى اللَّهِ ... لترتيب ما بعدها على ما قبلها، والاستفهام للإنكار والنفي.أى مادام الأمر كما ذكرنا لك- أيها الرسول الكريم- من أنك ستموت وهم سيموتون، وأنكم جميعا ستقفون أمام ربكم للحساب والجزاء.. فلا أحد أشد ظلما من هؤلاء المشركين الذين كذبوا على الله، بأن عبدوا من دونه آلهة أخرى، ونسبوا إليه الشريك أو الولد، ولم يكتفوا بكل ذلك، بل كذبوا بالأمر الصدق وقت أن جئتهم به من عند ربك.والتعبير بقوله: وَكَذَّبَ بِالصِّدْقِ إِذْ جاءَهُ يدل على أنهم بادروا بتكذيب ما جاءهم به الرسول صلّى الله عليه وسلم من عند ربه، بمجرد أن سمعوه، ودون أن يتدبروه أو يفكروا فيه.وتكذيبهم بالصدق، يشمل تكذيبهم للقرآن الكريم، ولكل ما جاءهم به الرسول صلّى الله عليه وسلم والاستفهام في قوله- تعالى- أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوىً لِلْكافِرِينَ للتقرير.والمثوى: المكان مأخوذ من قولهم ثوى فلان بمكان كذا، إذا أقام به. يقال: ثوى يثوى ثواء، كمضى يمضى مضاء ...أى: أليس في جهنم مكانا يكفى لإهانة الكافرين وإذلالهم وتعذيبهم؟ بل إن فيها لمكانا يذلهم ويذوقون فيه سوء العذاب.
وَ الَّذِیْ جَآءَ بِالصِّدْقِ وَ صَدَّقَ بِهٖۤ اُولٰٓىٕكَ هُمُ الْمُتَّقُوْنَ(۳۳)
اور وہ جو یہ سچ لے کر تشریف لائے (ف۸۰) اور وہ جنہوں نے ان کی تصدیق کی (ف۸۱)
ثم بين- سبحانه- حسن عاقبة أهل الصدق والإيمان فقال: وَالَّذِي جاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ أُولئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ.والمراد بالذي جاء بالصدق: رسول الله صلّى الله عليه وسلم والمراد بالذي صدق به: ما يشمل الرسول صلّى الله عليه وسلم ويشمل كل من آمن به واتبعه فيما جاء به، كأبى بكر الصديق وغيره من الصحابة.قال الآلوسى ما ملخصه: قوله- تعالى-: وَالَّذِي جاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ الموصول عبارة عن رسول الله صلّى الله عليه وسلم كما أخرجه ابن جرير وغيره عن ابن عباس ...والمؤمنون داخلون بدلالة السياق وحكم التبعية، دخول الجند في قولك: نزل الأمير موضع كذا ...والجمع في قوله- تعالى-: أُولئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ باعتبار دخول الأتباع تباعا:ومراتب التقوى متفاوتة، ولرسول الله صلّى الله عليه وسلم أعلاها ... .
لَهُمْ مَّا یَشَآءُوْنَ عِنْدَ رَبِّهِمْؕ-ذٰلِكَ جَزٰٓؤُا الْمُحْسِنِیْنَۚۖ(۳۴)
یہی ڈر والے ہیں، ان کے لےیے ہے، جو وہ چاہیں اپنے رب کے پاس، نیکوں کا یہی صلہ ہے،
ثم بين- سبحانه- ما أعده لهؤلاء المتقين من نعيم فقال لَهُمْ ما يَشاؤُنَ عِنْدَ رَبِّهِمْ....أى: لهؤلاء المتقين كل ما يشاءونه عند ربهم ومالك أمرهم، بسبب تصديقهم للحق، واتباعهم لما جاءهم به رسولهم صلّى الله عليه وسلم.وفي قوله: «عند ربهم» تكريم وتشريف لهم.وقوله: ذلِكَ جَزاءُ الْمُحْسِنِينَ أى: ذلك الذي ذكرناه من حصولهم على ما يشتهونه، جزاء من أحسنوا في أقوالهم وأفعالهم.
لِیُكَفِّرَ اللّٰهُ عَنْهُمْ اَسْوَاَ الَّذِیْ عَمِلُوْا وَ یَجْزِیَهُمْ اَجْرَهُمْ بِاَحْسَنِ الَّذِیْ كَانُوْا یَعْمَلُوْنَ(۳۵)
تاکہ اللہ ان سے اتار دے برے سے برا کام جو انہوں نے کیا اور انہیں ان کے ثواب کا صلہ دے اچھے سے اچھے کام پر (ف۸۲) جو وہ کرتے تھے،
ثم بين- سبحانه- جانبا من مظاهر تكريمه لهم، ورحمته بهم فقال: لِيُكَفِّرَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَسْوَأَ الَّذِي عَمِلُوا، وَيَجْزِيَهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ الَّذِي كانُوا يَعْمَلُونَ.واللام في قوله: «ليكفر ... » متعلقة بمحذوف، أى: أعطاهم- سبحانه- ما أعطاهم من فضله ورحمته ليكفر عنهم أسوأ الذنوب التي عملوها، كالكفر قبل الإسلام، بأن يغفر لهم ذلك ولا يؤاخذهم عليه.وإذا غفر الله- تعالى- لهؤلاء المتقين أسوأ أعمالهم، غفر لهم- بفضله ورحمته ما هو دونه بالطريق الأولى.«ويجزيهم أجرهم» أى: ويعطيهم ثواب أعمالهم «بأحسن الذي كانوا يعملون» أى:يعطيهم في مقابل عملهم الصالح في الدنيا جنات فيها ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر.وعلى هذا التفسير يكون قوله- تعالى-: أسوأ وأحسن، أفعل تفضيل حيث كفر- سبحانه- عنهم أسوأ أعمالهم، وكافأهم على أعمالهم بما هو أحسن منها وهو الجنة.وهذا منتهى الفضل والإحسان من الله- تعالى- لعباده المتقين، حيث عاملهم بالفضل ولم يعاملهم بالعدل.ومنهم من يرى أن قوله: أسوأ وأحسن، بمعنى السيئ والحسن، فيكون أفعل التفضيل ليس على بابه، وإلى هذا المعنى أشار صاحب الكشاف بقوله: ما معنى إضافة الأسوأ والأحسن إلى الذي عملوا؟ وما معنى التفضيل فيهما؟.قلت: أما الإضافة فما هي من إضافة أفعل إلى الجملة التي يفضل عليها، ولكن من إضافة الشيء إلى ما هو بعضه من غير تفضيل. كقولك: الأشج أعدل بنى مروان.وأما التفضيل فإيذان بأن السيئ الذي يفرط منهم من الصغائر والزلات المكفرة، هو عندهم الأسوأ لاستعظامهم المعصية، والحسن الذي يعملونه هو عند الله الأحسن لحسن إخلاصهم فيه، فلذلك ذكر سيئهم بالأسوإ، وحسنهم بالأحسن» .
اَلَیْسَ اللّٰهُ بِكَافٍ عَبْدَهٗؕ-وَ یُخَوِّفُوْنَكَ بِالَّذِیْنَ مِنْ دُوْنِهٖؕ-وَ مَنْ یُّضْلِلِ اللّٰهُ فَمَا لَهٗ مِنْ هَادٍۚ(۳۶)
کیا اللہ اپنے بندے کو کافی نہیں (ف۸۳) اور تمہیں ڈراتے ہیں اس کے سوا اوروں سے (ف۸۴) اور جسے اللہ گمراہ کرے اس کی کوئی ہدایت کرنے والا نہیں،
ثم بين- سبحانه- عصمته لنبيه صلّى الله عليه وسلم بأبلغ وجه وأتمه فقال أَلَيْسَ اللَّهُ بِكافٍ عَبْدَهُ، وَيُخَوِّفُونَكَ بِالَّذِينَ مِنْ دُونِهِ.وقراءة الجمهور: عَبْدَهُ بالإفراد وقرأ حمزة والكسائي: عباده، والاستفهام للتقرير.قال القرطبي: وذلك أنهم خوفوا النبي صلّى الله عليه وسلم مضرة الأوثان فقالوا له: أتسب آلهتنا لئن لم تنته عن ذكرها لتصيبنك بالسوء.وقال قتادة: مشى خالد بن الوليد إلى العزى ليكسرها بالفأس، فقال له سادنها: أحذرك منها يا خالد، فإن لها شدة لا يقوم لها شيء. فعمد خالد إلى العزى فهشم أنفها حتى كسرها، وتخويفهم لخالد تخويف للنبي صلّى الله عليه وسلم لأنه هو الذي أرسله. ويدخل في الآية تخويفهم النبي صلّى الله عليه وسلم بكثرة جمعهم وقوتهم..» .والمعنى: أليس الله- تعالى- بكاف عبده محمدا صلّى الله عليه وسلم من كل سوء؟ وكاف عباده المؤمنين الصادقين من أعدائهم؟ بلى إنه- سبحانه- لعاصم نبيه صلّى الله عليه وسلم من أعدائه، ولناصر عباده المتقين على من ناوأهم.والحال أن هؤلاء المشركين يخوفونك- أيها الرسول الكريم- من أصنامهم التي يعبدونها من دونه- تعالى-، مع أن هذه الآلهة الباطلة أتفه من أن تدافع عن نفسها فضلا عن غيرها.وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ أى: من يضلله الله- تعالى- فَما لَهُ مِنْ هادٍ يهديه إلى الصراط المستقيم.
وَ مَنْ یَّهْدِ اللّٰهُ فَمَا لَهٗ مِنْ مُّضِلٍّؕ-اَلَیْسَ اللّٰهُ بِعَزِیْزٍ ذِی انْتِقَامٍ(۳۷)
اور جسے اللہ ہدایت دے اسے کوئی بہکانے والا نہیں، کیا اللہ عزت والا بدلہ لینے والا نہیں (ف۸۵)
وَمَنْ يَهْدِ اللَّهُ أى: ومن يهده الله- تعالى- إلى طريق الحق والصواب.فَما لَهُ مِنْ مُضِلٍّ أى: فما له من أحد كائنا من كان يستطيع إضلاله.أَلَيْسَ اللَّهُ بِعَزِيزٍ ذِي انْتِقامٍ بلى إنه- سبحانه- لعزيز إذ لا يغلبه غالب، ولا يمانعه مانع، ولا ينازعه منازع. ولذو انتقام شديد من أعدائه، ولا يستطيع أحد أن يمنع انتقامه منهم.ثم حكى- سبحانه- ما كان عليه هؤلاء المشركون من تناقض بين أقوالهم وأفعالهم.وأمر النبي صلّى الله عليه وسلم أن يهددهم بسوء المصير إذا ما استمروا على كفرهم ... فقال- تعالى-
وَ لَىٕنْ سَاَلْتَهُمْ مَّنْ خَلَقَ السَّمٰوٰتِ وَ الْاَرْضَ لَیَقُوْلُنَّ اللّٰهُؕ-قُلْ اَفَرَءَیْتُمْ مَّا تَدْعُوْنَ مِنْ دُوْنِ اللّٰهِ اِنْ اَرَادَنِیَ اللّٰهُ بِضُرٍّ هَلْ هُنَّ كٰشِفٰتُ ضُرِّهٖۤ اَوْ اَرَادَنِیْ بِرَحْمَةٍ هَلْ هُنَّ مُمْسِكٰتُ رَحْمَتِهٖؕ-قُلْ حَسْبِیَ اللّٰهُؕ-عَلَیْهِ یَتَوَكَّلُ الْمُتَوَكِّلُوْنَ(۳۸)
اور اگر تم ان سے پوچھو آسمان اور زمین کس نے بنائے تو ضرور کہیں گے اللہ نے (ف۸۶) تم فرماؤ بھلا بتاؤ تو وہ جنہیں تم اللہ کے سوا پوجتے ہو (ف۸۷) اگر اللہ مجھے کوئی تکلیف پہنچانا چاہے (ف۸۸) تو کیا وہ اس کی بھیجی تکلیف ٹال دیں گے یا وہ مجھ پر مہر (رحم) فرمانا چاہے تو کیا وہ اس کی مہر کو روک رکھیں گے (ف۸۹) تم فرماؤ اللہ مجھے بس ہے (ف۹۰) بھروسے والے اس پر بھروسہ کریں،
والمعنى: ولئن سألت- أيها الرسول الكريم- هؤلاء المشركين: من الذي خلق هذه السموات التي ترونها بأعينكم، وخلق هذه الأرض التي فوقها تعيشون ...لئن سألتهم هذا السؤال، لا يملكون في الإجابة عليه إلا أن يقولوا: خلقهم الله، فلفظ الله فاعل لفعل محذوف.وقولهم هذا دليل واضح على تناقضهم مع أنفسهم. لأنهم يعترفون بأن الخالق هو الله، ولكنهم يشركون معه في العبادة آلهة أخرى لا تنفع ولا تضر..ولذا أمر الله- تعالى- نبيه صلّى الله عليه وسلم أن يقول لهم مبكتا وموبخا: قُلْ أَفَرَأَيْتُمْ ما تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ، إِنْ أَرادَنِيَ اللَّهُ بِضُرٍّ هَلْ هُنَّ كاشِفاتُ ضُرِّهِ. أَوْ أَرادَنِي بِرَحْمَةٍ هَلْ هُنَّ مُمْسِكاتُ رَحْمَتِهِ؟.أى: قل- أيها الرسول الكريم- لهؤلاء الجاهلين: إذا كان الأمر كما ذكرتم من أن الخالق لهذا الكون هو الله، فأخبرونى عن هذه الآلهة التي تعبدونها من دونه- سبحانه-:أتستطيع أن تدفع ضرا أراده الله- تعالى- بي؟ أم تستطيع أن تمنع رحمة أو خيرا أعطاه الله لي؟ كلا إنها لا تستطيع شيئا من ذلك، وعبادتكم لها إنما هي نوع من السفه والحماقة.وقال- سبحانه-: هَلْ هُنَّ.. بالتأنيث على سبيل التحقير لتلك الآلهة المزعومة، ولأنهم كانوا يسمونها بأسماء الإناث، كاللات، والعزى، ومناة. إلخ.وقدم الضر لأن دفعه أهم، وعلق- سبحانه- إرادة الضر والرحمة بذاته صلّى الله عليه وسلم فقال:إِنْ أَرادَنِيَ اللَّهُ بِضُرٍّ ... ليرد عليهم ردا يخرس ألسنتهم، حيث خوفوه صلّى الله عليه وسلم منها وزعموا أنه لو استمر في تحقيرها فإنها ستؤذيه.قال صاحب الكشاف: فإن قلت: لم فرض المسألة في نفسه دونهم؟ قلت: لأنهم خوفوه مضرة الأوثان وتخبيلها، فأمر بأن يقررهم- أولا- بأن خالق العالم هو الله وحده، ثم يقول لهم بعد التقرير: فإذا أرادنى خالق العالم الذي أقررتم به بضر من مرض أو فقر أو غير ذلك من النوازل، أو برحمة من صحة أو غنى أو نحوهما. هل هؤلاء اللائي خوفتمونى إياهن كاشفات عنى ضره، أو ممسكات رحمته، حتى إذا ألقمهم الحجر وقطعهم، حتى لا يحيروا ببنت شفة قال: حَسْبِيَ اللَّهُ كافيا لمضرة أوثانكم عَلَيْهِ يَتَوَكَّلُ الْمُتَوَكِّلُونَ وفيه تهكم.ويروى أنه صلّى الله عليه وسلم سألهم فسكتوا، فنزل: قُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ ... .أى: قل- أيها الرسول الكريم- في الرد عليهم وفي السخرية من آلهتهم: الله- تعالى- الخالق لكل شيء، كافينى في جميع أمورى، وعاصمنى من كيدكم وكيد من تتوهمون كيده، وعليه وحده لا على غيره يتوكل المتوكلون، لعلمهم أن كل ما سواه تحت ملكوته وقدرته.
قُلْ یٰقَوْمِ اعْمَلُوْا عَلٰى مَكَانَتِكُمْ اِنِّیْ عَامِلٌۚ-فَسَوْفَ تَعْلَمُوْنَۙ(۳۹)
تم فرماؤ، اے میری قوم! اپنی جگہ کام کیے جاؤ (ف۹۱) میں اپنا کام کرتا ہوں (ف۹۲) تو آگے جان جاؤ گے،
ثم أمره- سبحانه- مرة أخرى أن يتحداهم وأن يتهددهم فقال: قُلْ يا قَوْمِ اعْمَلُوا عَلى مَكانَتِكُمْ. أى: وقل لهم للمرة الثالثة: اعملوا ما شئتم عمله من العداوة لي، والتهديد بآلهتكم.والمكانة مصدر مكن- ككرم-، يقال: مكن فلان من الشيء مكانة، إذا تمكن منه أبلغ تمكن.أى: اعملوا ما في إمكانكم عمله معى. والأمر للتهديد والوعيد.إِنِّي عامِلٌ أى: إنى سأقابل عملكم السيئ بعمل أحسن من جانبي، وهو الدعوة إلى وحدانية الله، وإلى مكارم الأخلاق.
مَنْ یَّاْتِیْهِ عَذَابٌ یُّخْزِیْهِ وَ یَحِلُّ عَلَیْهِ عَذَابٌ مُّقِیْمٌ(۴۰)
کس پر آتا ہے وہ عذاب کہ اسے رسوا کرے گا (ف۹۳) اور کس پر اترتا ہے عذاب کہ رہ پڑے گا (ف۹۴)
فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ من منا الذي ينجح في عمله، ومن منا يأتيه عذاب يخزيه ويفضحه ويهينه في الدنيا، ومن منا الذي يحل عليه عذاب مقيم في الآخرة. فالمراد بالعذاب المخزى عذاب الدنيا، والمراد بالعذاب المقيم عذاب الآخرة.ولقد تحقق ما توعدهم- سبحانه- به، حيث أنزل عليهم عقابه في بدر وفي غيرها فأخزاهم وهزمهم، أما عذاب الآخرة فهو أشد وأبقى.
- English | Ahmed Ali
- Urdu | Ahmed Raza Khan
- Turkish | Ali-Bulaç
- German | Bubenheim Elyas
- Chinese | Chineese
- Spanish | Cortes
- Dutch | Dutch
- Portuguese | El-Hayek
- English | English
- Urdu | Fateh Muhammad Jalandhry
- French | French
- Hausa | Hausa
- Indonesian | Indonesian-Bahasa
- Italian | Italian
- Korean | Korean
- Malay | Malay
- Russian | Russian
- Tamil | Tamil
- Thai | Thai
- Farsi | مکارم شیرازی
- العربية | التفسير الميسر
- العربية | تفسير الجلالين
- العربية | تفسير السعدي
- العربية | تفسير ابن كثير
- العربية | تفسير الوسيط لطنطاوي
- العربية | تفسير البغوي
- العربية | تفسير القرطبي
- العربية | تفسير الطبري
- English | Arberry
- English | Yusuf Ali
- Dutch | Keyzer
- Dutch | Leemhuis
- Dutch | Siregar
- Urdu | Sirat ul Jinan