READ

Surah An-Nisaa

اَلنِّسَآء
176 Ayaat    مدنیۃ


4:161
وَّ اَخْذِهِمُ الرِّبٰوا وَ قَدْ نُهُوْا عَنْهُ وَ اَكْلِهِمْ اَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِؕ-وَ اَعْتَدْنَا لِلْكٰفِرِیْنَ مِنْهُمْ عَذَابًا اَلِیْمًا(۱۶۱)
اور اس لئے کہ وہ سود لیتے حالانکہ وہ اس سے منع کیے گئے تھے اور لوگوں کا مال ناحق کھا جاتے (ف۴۰۶) اور ان میں جو کافر ہوئے ہم نے ان کے لئے دردناک عذاب تیار کر رکھا ہے،

وقوله: وَأَخْذِهِمُ ٱلرِّبَا وَقَدْ نُهُواْ عَنْهُ وَأَكْلِهِمْ أَمْوَالَ ٱلنَّاسِ بِٱلْبَاطِلِ بيان للون آخر من رذائلهم وقبائحهم. أى: ومن أسباب تحريم بعض الطيبات عليهم ولعنهم، أخذهم الربا مع نهيهم عنه على ألسنة رسلنا، وأكلهم أموال الناس بالباطل، أى على طريق الرشوة والخيانة، والسرقة وغير ذلك من سائر الوجوه المحرمة.وما حملهم على هذا الولوغ فى المحرمات بشراهة وعدم مبالاة إلا أنانيتهم وبيعهم الدين بالدنيا. وقوله. وَقَدْ نُهُواْ عَنْهُ جملة حالية فى محل نصب.قال الآلوسى. وفى الآية دلالة على أن الربا كان محرما عليهم كما هو محرم علينا لأن النهى يدل على حرمة المنهى عنه، وإلا لما توعد - سبحانه - على مخالفته.تلك هى بعض العقوبات التى عاقبهم الله بها فى الدنيا. أما عقوبة هؤلاء اليهود فى الآخرة فقد بينها - سبحانه - فى قوله وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ مِنْهُمْ عَذَاباً أَلِيماً .أى. وهيأنا وأعددنا للكافرين من أولئك اليهود الذين فسدت نفوسهم عذابا موجعا أليما، جزاء ظلمهم وفسوقهم عن أمر الله.وقوله لِلْكَافِرِينَ مِنْهُمْ احتراس قصد به إخراج من آمن منهم من هذا العذاب الأليم، لأن العذاب إنما هو للكافرين منهم فسحب، أما من آمن منهم كعبد الله بن سلام وأشباهه فلهم أجرهم عند ربهم.
4:162
لٰكِنِ الرّٰسِخُوْنَ فِی الْعِلْمِ مِنْهُمْ وَ الْمُؤْمِنُوْنَ یُؤْمِنُوْنَ بِمَاۤ اُنْزِلَ اِلَیْكَ وَ مَاۤ اُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَ الْمُقِیْمِیْنَ الصَّلٰوةَ وَ الْمُؤْتُوْنَ الزَّكٰوةَ وَ الْمُؤْمِنُوْنَ بِاللّٰهِ وَ الْیَوْمِ الْاٰخِرِؕ-اُولٰٓىٕكَ سَنُؤْتِیْهِمْ اَجْرًا عَظِیْمًا۠(۱۶۲)
ہاں جو اُن میں علم کے پکے (ف۴۰۷) اور ایمان والے ہیں وہ ایمان لاتے ہیں اس پر جو اے محبوب تمہاری طرف اُترا اور جو تم سے پہلے اُترا (ف۴۰۸) اور نماز قائم رکھنے والے اور زکوٰة دینے والے اور اللہ اور قیامت پر ایمان لانے والے ایسوں کو عنقریب ہم بڑا ثواب دیں گے،

وقد أكد - سبحانه - هذا المعنى بعد ذلك، بأن أكرم من يستحق الإِكرام منهم، وبشره بالأجر بالعظيم فقال، لَّٰكِنِ ٱلرَّاسِخُونَ فِي ٱلْعِلْمِ مِنْهُمْ وَٱلْمُؤْمِنُونَ يُؤْمِنُونَ بِمَآ أُنزِلَ إِلَيكَ وَمَآ أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ وَٱلْمُقِيمِينَ ٱلصَّلاَةَ وَٱلْمُؤْتُونَ ٱلزَّكَاةَ وَٱلْمُؤْمِنُونَ بِٱللَّهِ وَٱلْيَوْمِ ٱلآخِرِ أُوْلَۤئِكَ سَنُؤْتِيهِمْ أَجْراً عَظِيماً .وقوله ٱلرَّاسِخُونَ جمع راسخ. ورسوخ الشئ ثباته وتمكنه. يقال شجرة راسخة، أى ثابتة قوية لا تزحزحها الرياح ولا العواصف. والراسخ فى العلم هو المتحقق فيه، الذى لا تؤثر فيه الشبهات المتقن لما يعلمه إتقانا يبعده عن الميل والانحراف عن الحق.وقوله، لَّٰكِنِ ٱلرَّاسِخُونَ فِي ٱلْعِلْمِ استدراك من قوله قبل ذلك وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ مِنْهُمْ عَذَاباً أَلِيماً وبيان لكونه بعض أهل الكتاب على خلاف حال عامتهم فى العاجل والآجل.والمعنى: إن حال اليهود على ما وصف لكم من سوء خلق فى الدنيا، ومن سوء عاقبة فى الآخرة، لَّٰكِنِ ٱلرَّاسِخُونَ فِي ٱلْعِلْمِ مِنْهُمْ أى الثابتون فيه، المتقنون المستبصرون الذين أدركوا حقائقه وصدقوها وأذعنوا لها، ورسخت فى نفوسهم رسوخا ليس معه شبهة تفسده، أو هوى يعبث به، أو ريب يزعزعه. وَٱلْمُؤْمِنُونَ أى منهم. وقد وصفوا بالإِيمان بعد وصفهم بما يوجبه وهو الرسوخ فى العلم بطريق العطف المبنى على المغايرة المتعاطفين تنزيلا للاختلاف العنوانى منزلة الاختلاف الذاتى.وقوله يُؤْمِنُونَ بِمَآ أُنزِلَ إِلَيكَ خبر لقوله ٱلرَّاسِخُونَ . أى هؤلاء الراسخون فى العلم من أهل الكتاب والمؤمنين منهم بالحق، يؤمنون بما أنزل إليك من قرآن، ويؤمنون بما أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ من كتب سماوية على أنبياء الله ورسله.وقوله: وَٱلْمُقِيمِينَ ٱلصَّلاَةَ للعلماء فيه وجوه من الإعراب أشهرها أنه منصوب على المدح. أى: وأمدح المقيمين الصلاة.قال صاحب الكشاف: وقوله وَٱلْمُقِيمِينَ ٱلصَّلاَةَ نصب على المدح لبيان فضل الصلاة وهو باب واسع. وقد كسره سيبويه على أمثله وشواهد. ولا يلتفت إلى ما زعموا من وقوعه لحنا فى خط المصحف: ورما التفت إليه من لم ينظر فى الكتاب، ولم يعرف مذاهب العرب، وما لهم فى النصب على الاختصاص من الافتنان وغبى عليه أن السابقين الأولين الذين مثلهم فى التوراة ومثلهم فى الإِنجيل، كانوا أبعد همة فى الغيرة على الإِسلام، وذب المطاعن عنه، من أن يتركوا فى كتاب الله ثلمة ليسدها من بعدهم. وخرقا يوفوه من يلحق بهم وقيل: هو عطف على بِمَآ أُنزِلَ إِلَيكَ أى: يؤمنون بالكتاب وبالمقيمين الصلاة وهم الأنبياء.وفى مصحف عبد الله: وَٱلْمُقِيمِينَ بالواو: وهى قراءة مالك بن دينار، والجحدرى، وعيسى الثقفى.وقوله: وَٱلْمُؤْتُونَ ٱلزَّكَاةَ وَٱلْمُؤْمِنُونَ بِٱللَّهِ وَٱلْيَوْمِ ٱلآخِرِ معطوف على ٱلرَّاسِخُونَ أو على الضمير المرفوع فى يُؤْمِنُونَ . أو على أنه مبتدأ والخبر ما بعده وهو قوله. أُوْلَٰئِكَ سَنُؤْتِيهِمْ أَجْراً عَظِيماً .والمراد بالجميع مؤمنو أهل الكتاب الصادقون فى إيمانهم. فقد وصفهم - أولا - بالرسوخ فى العلم، ثم وصفهم - ثانيا - بالإِيمان الكامل بما أوحاه الله على أنبيائه من كتب وهدايات، ثم مدحهم - ثالثا - بإقامة الصلاة إقامة مستوفية لكل أركانها وسننها وآدابها وخشوعها، ثم وصفهم - رابعاً - بإيتاء الزكاة لمستحقيها، ثم وصفهم - خامسا - بالإِيمان بالله إيماناً حقاً، وبالإِيمان باليوم الآخر وما فيه من حساب وثواب وعقاب.وبعد هذا الوصف الكريم لهؤلاء المؤمنين الصادقين، بين - سبحانه - حسن عاقبتهم فقال: أُوْلَٰئِكَ سَنُؤْتِيهِمْ أَجْراً عَظِيماً .أى: أولئك الموصفون بتلك الصفات الجليلة سنؤتيهم يوم القيامة أجرا عظيم لا يعلم كنهه إلا علام الغيوب، لأنهم جمعوا بين الإِيمان الصحيح وبين العمل الصالح.هذا. والمتأمل فى هذه الآيات الكريمة، يراها من أجمع الآيات التى تحدثت عن أحوال اليهود، وعن أخلاقهم السيئة، وعن فنون من راذئلهم وقبائحهم... فأنت تراها - أولا - تسجل عليهم أسئلتهم المتعنتة وسوء أدبهم مع الله، وعبادتهم للعجل من بعد أن قامت لديهم الأدلة على أن العبادة لا تكون إلا لله وحده، وعصيانهم لأوامر الله ونواهيه، ونقضهم للعهود والمواثيق، وكفرهم بآيات الله، وقتلهم الأنبياء بغير حق، وقولهم قلوبنا غلف، وبتهتهم لمريم القانتة العابدة الطاهرة، وقولهم: إنا قتلنا المسيح عيسى ابن مريم رسول الله... إلى غير ذلك من الرذائل التى سجلها الله عليهم.ثم تراها - ثانيا - تذكرهم وتذكر الناس جميعا ببعض مظاهر رحمة الله بهم، وعفوه عنهم، ونعمه عليهم، كما تذكرهم - أيضا - وتذكر الناس جميعا، ببعض العقوبات التى عاقبهم بها بسبب ظلمهم وبغيهم.وكأن الآيات الكريمة تقول لهم وللناس إن نعم الله على عباده لا تحصى ورحمته بهم واسعة، فاشكروه على نعمه، وتوبوا إليه من ذنوبكم، فإن الإِصرار على الماصى يؤدى إلى سوء العاقبة فى الدنيا والآخرة.ثم تراها - ثالثاً - تدافع عن عيسى وأمه دفاعا عادلا مقنعاً وتبرئهما مما نسبه أهل الكتاب إليهما من زور وبهتان، وتصرح بأن أهل الكتاب لا حجة عندهم فيما تقولوه على عيسى وعلى أمه مريم، وأنهم فى أقوالهم ما يتبعون إلا الظن، وَإِنَّ ٱلظَّنَّ لاَ يُغْنِي مِنَ ٱلْحَقِّ شَيْئاً ثم تسوق الحقيقة التى لا باطل معها في شأن عيسى، بأن تبين بأن الذين زعموا أنهم قتلوه كاذبون مفترون فإنهم ما قتلوه وما صلبوه ولكن شبه لهم، وسيؤمنون به عند نزوله فى آخر الزمان، أو عندما يكونون فى اللحظات الأخيرة من حياتهم، حين لا ينفع الإِيمان.ثم تراها - رابعاً - لا تعمم فى أحكامها، وإنما تحق الحق وتبطل الباطل فهى بعد أن تبين ما عليه اليهود من كفر وظلم وفسوق عن أمر الله، وتتوعدهم بالعذاب الشديد فى الآخرة. بعد كل ذلك تمدح الراسخين فى العلم منهم مدحا عظيما، وتكرم المؤمنين الصادقين منهم تكريما عظيما، وتبشرهم بالأجر الجزيل الذى يشرح صدورهم، ويطمئن قلوبهم. ذَلِكَ فَضْلُ ٱللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَآءُ وَٱللَّهُ ذُو ٱلْفَضْلِ ٱلْعَظِيمِ هذا جانب مما اشتملت عليه هذه الآيات من عبر وعظات لِمَن كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى ٱلسَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ وبعد هذا الحديث المستفيض عن شبهات اليهود وسوء طباعهم. ساق - سبحانه - ما يشهد بصدق النبى صلى الله عليه وسلم فى دعوته، وأنه ليس بدعا من الرسل، بل هو واحد منهم إلا أنه خاتمهم، وأرفعهم منزلة عند الله - تعالى - فقال - سبحانه -: إِنَّآ أَوْحَيْنَآ....بِٱللَّهِ شَهِيداً .
4:163
اِنَّاۤ اَوْحَیْنَاۤ اِلَیْكَ كَمَاۤ اَوْحَیْنَاۤ اِلٰى نُوْحٍ وَّ النَّبِیّٖنَ مِنْۢ بَعْدِهٖۚ-وَ اَوْحَیْنَاۤ اِلٰۤى اِبْرٰهِیْمَ وَ اِسْمٰعِیْلَ وَ اِسْحٰقَ وَ یَعْقُوْبَ وَ الْاَسْبَاطِ وَ عِیْسٰى وَ اَیُّوْبَ وَ یُوْنُسَ وَ هٰرُوْنَ وَ سُلَیْمٰنَۚ-وَ اٰتَیْنَا دَاوٗدَ زَبُوْرًاۚ(۱۶۳)
بیشک اے محبوب! ہم نے تمہاری طرف وحی بھیجی جیسے دحی نوح اور اس کے بعد پیغمبروں کو بھیجی (ف۴۰۹) اور ہم نے ابراہیم اور اسمٰعیل اور اسحاق اور یعقوب اور ان کے بیٹوں اور عیسیٰ اور ایوب اور یونس اور ہارون اور سلیمان کو وحی کی اور ہم نے داؤد کو زبور عطا فرمائی

قال الإِمام الرازى: اعلم أنه - تعالى - لما حكى أن اليهود سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ينزل عليهم كتابا من السماء، وذكر - سبحانه - بعد ذلك أنهم لا يسألون لأجل الاسترشاد، ولكن لأجل العناد واللجاج، وحكى أنواعا كثيرة من فضائحهم وقبائحهم... شرع - سبحانه - بعد ذلك فى الجواب عن شبهاتهم فقال: إِنَّآ أَوْحَيْنَآ إِلَيْكَ كَمَآ أَوْحَيْنَآ إِلَىٰ نُوحٍ وَٱلنَّبِيِّينَ مِن بَعْدِهِ .وقوله أَوْحَيْنَآ من الإِيحاء و الوحى. والوحى فى الأصل: الإِعلام فى خفاء عن طريق الإِشارة، أو الإِيماء، أو الإِلهام، أو غير ذلك من المعانى التى تدل على أنه إعلام خاص، وليس أعلاما ظاهراً.والمراد به هنا إعلام الله - تعالى - نبيه محمدا صلى الله عليه وسلم ما أراد إعلامه به من قرآن أو غيره.والمعنى: إنا أوحينا إليك يا محمد بكلامنا وأوامرنا ونواهينا وهداياتنا.. كما اوحينا إلى نبينا نوح وإلى سائر الأنبياء الذين جاءوا من بعده. فأنت يا محمد لست بدعا من الرسل، وإنما أنت رسول من عند الله - تعالى - تلقيت رسالتك منه - سبحانه - كما تلقاها غيرك من الرسل.وأكد - سبحانه - خبر إيحائه صلى الله عليه وسلم، للاهتمام بهذا الخبر، ولإِبطال ما أنكره المنكرون لوحى الله - تعالى - على أنبيائه ورسله فقد حكى القرآن عن الجاحدين للحق أنهم قالوا: مَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ عَلَىٰ بَشَرٍ مِّن شَيْءٍ وبدأ سبحانه؛ بنوح عليه السلام، لأنه الأب الثانى للبشرية بعد آدم عليه السلام، ولأن فى ذكره معنى التهديد لأولئك الجاحدين للرسالة السماوية، فقد أجاب الله تعالى، دعاءه فى الكافرين فأغرقهم أجمعين.قال الجمل: وإنما بدأ الله - تعالى - بذكر نوح - عليه السلام - لأنه أول نبى بعث بشريعة، وأول نذير على الشرك. وكان أول من عذبت أمته لردهم دعوته. وكان أطول الأنبياء عمرا.والتشبيه فى قوله: كَمَآ أَوْحَيْنَآ إِلَىٰ نُوحٍ تشبيه بجنس الوحى، وإن اختلفت أنواعه، واختلف الموحى به.والكاف فى قوله كَمَآ نعت لمصدر محذوف، مَآ مصدرية. أى: إنا أوحينا إليك إيحاءً مثل إيحائنا إلى نوح - عليه السلام -.وقوله مِن بَعْدِهِ جار ومجرور متعلق بمحذوف صفة للبنيين أى: والنبيين الكائنين من بعده أى: من بعد نوح.وقوله: وَأَوْحَيْنَآ إِلَىٰ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَٱلأَسْبَاطِ معطوف على أوحينا إلى نوح، داخل معه فى حكم التشبيه.أى: أوحينا إليك يا محمد كما أوحينا إلى نوح والنبيين من بعده، وكما أوحينا إلى إبراهيم من آزر، وكما أوحينا إلى ابنه اسماعيل، وابنه إسحاق، وكما أوحينا إلى يعقوب بن إسحاق، وكما أوحينا إلى الأسباط وهم أولاد يعقوب.قال الآلوسى: والأسباط هم أولاد يعقوب - عليه السلام - فى المشهور. وقال غير واحد: إن الأسباط فى ولد إسحاق كالقبائل فى أولاد إسماعيل وقد بعث منهم عدة رسل. فيجوز أن يكون - سبحانه - أراد بالوحى إليهم، الوحى إلى الأنبياء منهم. كما تقول: أرسلت إلى بنى تميم، وتريد أرسلت إلى وجوههم ولم يصح أن الأسباط الذين هم إخوة يوسف كانوا أنبياء، بل الذى صح عندى - وألف فيه الجلال السيوطى رسالة - خلافه ".وكرر - سبحانه - كلمة وَأَوْحَيْنَآ للإِشعار بوجود فترة زمنية طويلة بين نوح وبين إبراهيم - عليهما السلام -.ثم ذكر - سبحانه - عدداً آخر من الأنبياء تشريفا وتكريما لهم فقال وَعِيسَىٰ وَأَيُّوبَ وَيُونُسَ وَهَارُونَ وَسُلَيْمَانَ وَآتَيْنَا دَاوُودَ زَبُوراً .أى: أوحينا إليك يا محمد كما أوحينا إلى هؤلاء الأنبياء السابقين، وكما أوحينا إلى عيسى ابن مريم الذى أنكر نبوته اليهود الذين يسألونك الأسئلة المتعنتة، وإلى أيوب الذى ضرب به المثل فى الصبر، وإلى يونس بن متى الذى لم ينس ذكر الله وهو فى بطن الحوت، وإلى هارون أخى موسى، وإلى سليمان بن داود الذى آتاه الله ملكا لم يؤته لأحد من بعده.وقوله: وَآتَيْنَا دَاوُودَ زَبُوراً معطوف على قوله: أوحينا، وداخل فى حكمه لأن إيتاء الزبور من باب الإِيحاء.وأوثر. قوله هنا: وآتينا على أوحينا؛ لتحقق المماثلة فى أمر خاص وهو إيتاء الكتاب بعد تحققها فى مطلق الإِيحاء.والزبور - بفتح الزاى - اسم الكتاب الذى أنزله الله على داود - عليه السلام - قالوا: ولم يكن فيه أحكام، بل كان كله مواعظ وحكم وتقديس وتحميد وثناء على الله - تعالى -.ولفظ (زبور) هنا بمعنى مزبور أى متكوب. فهو على وزن فعول ولكن بمعنى مفعول. وزبر معناه كتب. أى: وآتينا داود كتابا مكتوبا.
4:164
وَ رُسُلًا قَدْ قَصَصْنٰهُمْ عَلَیْكَ مِنْ قَبْلُ وَ رُسُلًا لَّمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَیْكَؕ-وَ كَلَّمَ اللّٰهُ مُوْسٰى تَكْلِیْمًاۚ(۱۶۴)
اور رسولوں کو جن کا ذکر آگے ہم تم سے (ف۴۱۰) فرماچکے اور ان رسولوں کو جن کا ذکر تم سے نہ فرمایا (ف۴۱۱) اور اللہ نے موسیٰ سے حقیقتاً کلام فرمایا (ف۴۱۲)

ثم أجمل - سبحانه - بيان الرسل الذين أرسلهم فقال: وَرُسُلاً قَدْ قَصَصْنَاهُمْ عَلَيْكَ مِن قَبْلُ وَرُسُلاً لَّمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ .وقوله: وَرُسُلاً منصوب بفعل مقدر قبله. أى: وأرسلنا رسلا قد أخبرناك عنهم، وقصصنا عليك أنباءهم فيما نزل عليك من قرآن قبل نزول الآيات عليك. وأرسلنا رسلا آخرين غيرهم لم نقصص عليك أخبارهم؛ لأن حكمتنا تقتضى ذلك، ولأن فيما قصصناه عليك من أخبار بعضهم عظات وعبرا لقوم يؤمنون.هذا، وقد تكلم بعض العلماء عن عدد الأنبياء والرسل، واستندوا فى كلامهم على أخبار وأحاديث لم تسلم أسانيدها من الطعن فيها.قال ابن كثير: وقد اختلف فى عدد الأنبياء والمرسلين، والمشهور فى ذلك حديث أبى ذر الطويل، وذلك فيما رواه ابن مردويه فى تفسيره حيث قال: حدثنا إبراهيم بن محمد. عن أبى إدريس الخولانى " عن أبى ذر قال: قلت يا رسول الله: كم عدد الأنبياء؟ قال: " مائة ألف وأربعة وعشرون ألفا. قلت يا رسول الله. كم الرسل منهم؟ قال: ثلاثمائة وثلاثة عشر.. " ".وقوله: وَكَلَّمَ ٱللَّهُ مُوسَىٰ تَكْلِيماً تشريف لموسى - عليه السلام - بهذه الصفة ولهذا يقال له: موسى الكليم. أى. وخاطب الله موسى مخاطبة من غير واسطة.قال الجمل: والجملة إما معطوفة على قوله: إِنَّآ أَوْحَيْنَآ إِلَيْكَ عطف القصة على القصة، وإما حال بتقدير قد كما ينبئ عنه تغيير الأسلوب بالالتفات.وقوله تَكْلِيماً مصدر مؤكد لعامله رافع لاحتمال المجاز.قال الفراء: العرب تسمى ما وصل إلى الإِنسان كلاما بأى طريق وصل. ما لم يؤكد بالمصدر. فإن أكد به لم يكن إلا حقيقة الكلام.فدل قوله تَكْلِيماً على أن موسى قد سمع كلام الله - تعالى - حقيقة من غير واسطة، ولكن بكيفية لا يعلمها إلا هو - سبحانه -.وقد سابق بعض المفسرين نقولا حسنة فى مسألة كلام الله - تعالى - فارجع إليها إن شئت.
4:165
رُسُلًا مُّبَشِّرِیْنَ وَ مُنْذِرِیْنَ لِئَلَّا یَكُوْنَ لِلنَّاسِ عَلَى اللّٰهِ حُجَّةٌۢ بَعْدَ الرُّسُلِؕ-وَ كَانَ اللّٰهُ عَزِیْزًا حَكِیْمًا(۱۶۵)
رسول خوشخبری دیتے (ف۴۱۳) اور ڈر سناتے (ف۴۱۴) کہ رسولوں کے بعد اللہ کے یہاں لوگوں کو کوئی عذر نہ رہے (ف۴۱۵) اور اللہ غالب حکمت والا ہے،

وقوله: رُّسُلاً مُّبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى ٱللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ ٱلرُّسُلِ .بيان لوظيفة الرسل - عليهم الصلاة والسلام - وللحكمة من إرسالهم. وقوله: رُّسُلاً منصوب على المدح، أو بفعل مقدر قبله، أى: وأرسلنا رسلا. والمراد بالحجة هنا: المعذرة التى يعتذر بها الكافرون والعصاة.أى: وكما أوحينا إليك يا محمد بما أوحينا من قرآن وهدايات. وأرسلناك للناس رسولا، فقد أرسلنا من قبلك رسلا كثيرين مبشرين من آمن وعمل صالحا يرضاه الله عنه فى الدنيا والآخرة، ومنذرين من كفر وعصى بسوء العقبى، وقد أرسل - سبحانه - الرسل مبشرين ومنذرين لكى لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى ٱللَّهِ حُجَّةٌ يوم القيامة، أى لكى لا تكون لهم معذرة يعتذرون بها كأن يقولوا. يا ربنا هلا أرسلت إلينا رسولا فيبين لنا شرائعك، ويعلمنا أحكامك وأوامرك ونواهيك، فقد أرسلنا إليهم الرسل مبشرين ومنذرين لكى لا تكون لهم حجة يحتجون بها، كما قال - تعالى - وَلَوْ أَنَّآ أَهْلَكْنَاهُمْ بِعَذَابٍ مِّن قَبْلِهِ لَقَالُواْ رَبَّنَا لَوْلاۤ أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولاً فَنَتَّبِعَ آيَاتِكَ مِن قَبْلِ أَن نَّذِلَّ وَنَخْزَىٰ قال الآلوسى: فالآية ظاهرة فى أنه لا بد من الشرع وإرسال الرسل. وأن العقل لا يغنى عن ذلك. وزعم المعتزلة أن العقل كاف وأن مسألة الرسل إنما هو للتنبيه عن سنة الغفلة التى تعترى الإِنسان من دون اختيار. فمعنى الآية عندهم: لئلا يبقى للناس على الله حجة.وتسمية ما يقال عند ترك الإِرسال حجة مع استحالة أن يكون لأحد عليه - سبحانه - حجة مجاز. بتنزيل المعذرة فى القبول عنده - تعالى - بمقتضى كرمه ولطفه منزلة الحجة القاطعة التى لا مرد لها ".وقوله: حُجَّةٌ اسم يكون.وخبره قوله " للناس " وقوله: على الله حال من حجة. وقوله: بَعْدَ ٱلرُّسُلِ أى: بعد إرسال الرسل وتبليغ الشريعة على ألسنتهم وهو متعلق بالنفى أى: لتنفى حجتهم واعتذارهم بعد إرسال الرسل.قال ابن كثير: وقد ثبت فى الصحيحين عن ابن مسعود قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " لا أحد أغير من الله، ومن أجل ذلك حرم الفواحش ما ظهر منها وما بطن. ولا أحد أحب إليه المدح من الله، ومن أجل ذلك مدح نفسه، ولا أحد أحب إليه العذر من الله، ومن أجل ذلك بعث النبيين مبشرين ومنذرين " وفى لفظ آخر: " ومن أجل ذلك أرسل رسله وأنزل كتبه ".وقوله: وَكَانَ ٱللَّهُ عَزِيزاً حَكِيماً تذييل قصد به بيان قدرته التى لا تغالب وحكمته التى لا تحيط أحد بكنهها. أى: وكان الله - تعالى - وما زال هو القادر الغالب على كل شئ، الحكيم فى جميع أفعاله وتصرفاته، وسيجازى الذين أساؤوا بما عملوا، وسيجازى الذين أحسنوا بالحسنى.هذا وللمرحوم الأستاذ الإِمام محمد عبده كلام نفس فى كتابه (رسالة التوحيد) عن: حاجة البشر إلى إرسال الرسل، وعن وظيفتهم - عليهم الصلاة والسلام - وما قاله فى ذلك: الرسل يرشدون العقل إلى معرفة الله وما يجب أن يعرف من صفاته. ويبينون الحد الذى يجب أن ييقف عنده فى طلب ذلك العرفان. على وجه لا يشق عليه الاطمئنان إليه، ولا يرفع ثقته بما آتاه الله من القوة.الرسل يبينون للناس ما اختلفت عليه عقولهم وشهواتهم. وتنازعته مصالحهم ولذاتهم. فيفصلون فى تلك المخاصمات بأمر الله الصادع. ويؤيدون بما يبلغون عنه ما تقوم به المصالح العامة. ولا يفوت به المصالح الخاصة.الرسل يضعون لهم بأمر الله حدودا عامة. يسهل عليهم أن يردوا إليها أعمالهم. كاحترام الدماء البشرية إلا بحق. مع بيان الحق الذى تهدر له، وحظر تناول شئ ما كسبه الغير إلا بحق. مع بيان الحق الذى يبيح تناوله. واحترام الأعراض. مع بيان ما يباح وما يحرم من الأبضاع.يحملونهم على تحويل أهوائهم عن اللذائذ الفانية إلى طلب الرغائب السامية آخذين فى ذلك كله بطرف من الترغيب والترهيب والإِنذار والتبشير حسبما أمرهم الله - جل شأنه -.يفصلون فى جميع ذلك للناس ما يؤهلهم لرضا الله عنهم وما يعرضهم لسخطه عليهم. ثم يحيطون بيانهم بنبأ الدار الآخرة، وما أعد الله فيها من الثواب وحسن العقبى، لمن وقف عند حدوده. وأخذ بأوامره.وبهذا تطمئن النفوس، وتثلج الصدور، ويعتصم المرزوء بالصبر، انتظارا لجزيل الأجر. أو إرضاء لمن بيده الأمر. وبهذا ينحل أعظم مشكل فى الاجتماع الإِنسانى، لا يزال العقلاء يجهدون أنفسهم فى حلة إلى اليوم.
4:166
لٰكِنِ اللّٰهُ یَشْهَدُ بِمَاۤ اَنْزَلَ اِلَیْكَ اَنْزَلَهٗ بِعِلْمِهٖۚ-وَ الْمَلٰٓىٕكَةُ یَشْهَدُوْنَؕ-وَ كَفٰى بِاللّٰهِ شَهِیْدًاؕ(۱۶۶)
لیکن اے محبوب! اللہ اس کا گواہ ہے جو اس نے تمہاری طرف اتارا وہ اس نے اپنے علم سے اتارا ہے اور فرشتے گواہ ہیں اور اللہ کی گواہی کافی،

وقوله - سبحانه -: لَّٰكِنِ ٱللَّهُ يَشْهَدُ بِمَآ أَنزَلَ إِلَيْكَ أَنزَلَهُ بِعِلْمِهِ وَٱلْمَلاۤئِكَةُ يَشْهَدُونَ وَكَفَىٰ بِٱللَّهِ شَهِيداً استدراك قصد به الرد على جحود أهل الكتاب للحق الذى جاء به النبى صلى الله عليه وسلم فقد أخرج ابن جرير عن ابن عباس قال:" دخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم جماعة من اليهود فقال لهم: " إنى والله أعلم أنكم لتعلمون أنى رسول الله. فقالوا: ما نعلم ذلك " فأنزل الله قوله: لَّٰكِنِ ٱللَّهُ يَشْهَدُ . الآية.والمقصود من الآية الكريمة تسلية النبى صلى الله عليه وسلم عن تكذيب كثير من الناس له، وإدخال الطمأنينة على قلبه، فكأنه - سبحانه - يقول له:لم يشهد أهل الكتاب بأنك رسول من عند الله وصادق فيما تبلغه عنه لَّٰكِنِ ٱللَّهُ يَشْهَدُ بِمَآ أَنزَلَ إِلَيْكَ أى: لكن الله يشهد بأن الذى أنزله إليك من قرآن هو الحق الذى لا ريب فيه.وقوله: أَنزَلَهُ بِعِلْمِهِ أى: أنزله بعلم تام، وحكمة بالغة، أو بما علمه من مصالح عباده فى إنزاله عليك.وقوله: وَٱلْمَلاۤئِكَةُ يَشْهَدُونَ أى: والملائكة يشهدون بأنك صادق فى رسالتك، وبأن ما أنزله الله عليك هو الحق الذى لا تحوم حوله شبهة.وقوله. وَكَفَىٰ بِٱللَّهِ شَهِيداً أى: وكفى بشهادة الله شهادة بأنك على الحق وإن لم يشهد غيره لك. فإنه لا عبرة لإِنكار المنكرين لنبوتك، ولا قيمة لجحود الجاحدين لما نزل عليك بعد شهادة الله لك بأنك نبيه ورسوله، لتخرج الناس بإذنه من ظلمات الجاهلية إلى نور الإِسلام.وقد أجاد صاحب الكشاف فى توضيح تلك المعانى حيث قال: فإن قلت الاستدارك لا بد له من مستدرك فما هو فى قوله: لَّٰكِنِ ٱللَّهُ يَشْهَدُ .قلت: لما سأل أهل الكتاب إنزال كتاب من السماء، واحتج عليهم بقوله إِنَّآ أَوْحَيْنَآ إِلَيْكَ قال: لكن الله يشهد. بمعنى: أنهم لا يشهدون لكن الله يشهد...ومعنى شهادة الله بما أنزل إليه، إثباته لصحته بإظهار المعجزات، كما تثبت الدعاوى بالبينات وشهادة الملائكة: شهادة بأنه حق وصدق.فإن قلت: ما معنى قوله: أَنزَلَهُ بِعِلْمِهِ قلت: معناه أنزله متلبسا بعلمه الخاص الذى لا يعلمه غيره. وهو تأليفه على نظم وأسلوب يعجز عنه كل بليغ وصاحب بيان، وموقعه مما قبله موقع الجملة المفسرة، لأنه بيان للشهادة. وقيل: أنزله وهو عالم بأنك أهل لإِنزاله إليك وأنك مبلغه. ويحتمل: أنه أنزله وهو عالم به رقيب عليه حافظ له من الشيطان برصد من الملائكة، والملائكة يشهدون بذلك.هذا، والمتأمل فى هذه الآيات الكريمة يراها قد أثبتت صدق النبى صلى الله عليه وسلم فى رسالته بالأدلة الساطعة. والحجج الواضحة؛ وبينت وظيفة الرسل - عليهم السلام - وحكمة الله فى إرسالهم، وزادت للنبى صلى الله عليه وسلم طمأنينة بأنه على الحق، لأن الله قد شهد له بذلك، وكفى بشهادة الله شهادة مهما خالفها المخالفون، وأعرض عنها المعرضون.ثم بين - سبحانه - بعد ذلك ما عليه الكافرون من ضلال وخسران، وما سيصير إليه حالهم يوم القيامة من ذل ومهانة، ووجه إلى الناس جميعا نداء أمرهم فيه بالإِيمان وترك الكفر والعصيان فقال - تعالى -: إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ...عَلِيماً حَكِيماً .
4:167
اِنَّ الَّذِیْنَ كَفَرُوْا وَ صَدُّوْا عَنْ سَبِیْلِ اللّٰهِ قَدْ ضَلُّوْا ضَلٰلًۢا بَعِیْدًا(۱۶۷)
وہ جنہوں نے کفر کیا (ف۴۱۶) اور اللہ کی راہ سے روکا (ف۴۱۷) بیشک وہ دور کی گمراہی میں پڑے،

وقوله: وَصَدُّواْ من الصد بمعنى المنع والانصراف عن الشئ.قال الراغب: والصد قد يكون انصرافا عن الشئ وامتناعا نحو: يَصُدُّونَ عَنكَ صُدُوداً وقد يكون صرفا ومنعا نحو: وَزَيَّنَ لَهُمُ ٱلشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ ٱلسَّبِيلِ والمعنى: إن الذين كفروا بالحق الذى جاءهم به محمد صلى الله عليه وسلم وَصَدُّواْ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ أى: وأعرضوا عن الطريق الذى أمر الله بسلوكه وهو طريق الإِسلام ولم يكتفوا بذلك بل منعوا غيرهم أيضا عن سلوكه.إنهم بفعلهم هذا قَدْ ضَلُّواْ ضَلَٰلاً بَعِيداً أى: قد ضلوا - بسبب كفرهم وصدهم أنفسهم والناس عن الحق - ضلالا بلغ الغاية فى الشدة والشناعة.
4:168
اِنَّ الَّذِیْنَ كَفَرُوْا وَ ظَلَمُوْا لَمْ یَكُنِ اللّٰهُ لِیَغْفِرَ لَهُمْ وَ لَا لِیَهْدِیَهُمْ طَرِیْقًاۙ(۱۶۸)
بیشک جنہوں نے کفر کیا (ف۳۱۸) اور حد سے بڑھے (ف۴۱۹) اللہ ہرگز انہیں نہ بخشے گا(ف۴۲۰) اور نہ انہیں کوئی راہ دکھائے،

ثم أكد - سبحانه - هذا المعنى بقوله: إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ بما يجب الإِيمان به وَظَلَمُواْ أنفسهم بإيرادها موارد التهلكة، وظلموا غيرهم بأن حببوا إليه الفسوق والعصيان وكرهوا إليه الطاعة والإِيمان.إن هؤلاء الذين جمعوا بين الكفر والظلم لَمْ يَكُنِ ٱللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلاَ لِيَهْدِيَهُمْ طَرِيقاً إِلاَّ طَرِيقَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَآ أَبَداً .أى: لم يكن الله ليغفر لهم، لأنه - سبحانه - لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء، ولم يكن - سبحانه - ليهديهم طريق من طرق الخير، لكنه - سبحانه - يهديهم إلى طريق تؤدى بهم إلى جهنم خالدين فيها أبدا، بسبب إيثارهم الغى على الرشد، والضلالة على الهداية، وبسبب فساد استعدادهم، وسوء اختيارهم.والتعبير بالهداية فى جانب طريق النار من باب التهكم بهم.
4:169
اِلَّا طَرِیْقَ جَهَنَّمَ خٰلِدِیْنَ فِیْهَاۤ اَبَدًاؕ-وَ كَانَ ذٰلِكَ عَلَى اللّٰهِ یَسِیْرًا(۱۶۹)
مگر جہنم کا راستہ کہ اس میں ہمیشہ ہمیشہ رہیتں گے اور یہ اللہ کو آسان ہے،

وقوله خَالِدِينَ فِيهَآ حال مقدرة من الضمير المنصوب فى يَهْدِيَهُمْ ، لأن المراد بالهداية هداتيهم فى الدنيا إلى طريق جهنم. أى: ما يؤدى بهم إلى الدخول فيها.وقوله أَبَداً منصوب على الظرفية، وهو مؤكد للخلود فى النار؛ رافع لاحتمال أن يراد بالخلود المكث الطويل.أى: خالدين فيها خلودا أبديا بحيث لا يخرجون منها.وقوله: وَكَانَ ذٰلِكَ عَلَى ٱللَّهِ يَسِيراً تذييل قصد به تحقير شأنهم، وبيان أنه - سبحانه - لا يعبأ بهم.والمراد: وكان ذلك - أى: انتفاء غفران ذنبوهم، وانتفاء هدايتهم إلى طريق الخير، وقذفهم فى جهنم وبئس المهاد - كان كل ذلك على الله يسيرا. أى: هينا سهلا لأنه - سبحانه - لا يستعصى على قدرته شئ.
4:170
یٰۤاَیُّهَا النَّاسُ قَدْ جَآءَكُمُ الرَّسُوْلُ بِالْحَقِّ مِنْ رَّبِّكُمْ فَاٰمِنُوْا خَیْرًا لَّكُمْؕ-وَ اِنْ تَكْفُرُوْا فَاِنَّ لِلّٰهِ مَا فِی السَّمٰوٰتِ وَ الْاَرْضِؕ-وَ كَانَ اللّٰهُ عَلِیْمًا حَكِیْمًا(۱۷۰)
اے لوگو! تمہارے پاس یہ رسول (ف۴۲۱) حق کے ساتھ تمہارے رب کی طرف سے تشریف لائے تو ایمان لاؤ اپنے بھلے کو اور اگر تم کفر کرو (ف۴۲۲) تو بیشک اللہ ہی کا ہے جو کچھ آسمانوں اور زمین میں ہے، اور اللہ علم و حکمت والا ہے،

ثم وجه - سبحانه - نداء إلى الناس جميعا يأمرهم فيه بالإِيمان وينهاهم عن الكفر فقال: يٰأَيُّهَا ٱلنَّاسُ قَدْ جَآءَكُمُ ٱلرَّسُولُ بِٱلْحَقِّ مِن رَّبِّكُمْ فَآمِنُواْ خَيْراً لَّكُمْ .أى: يأيها المكلفون من الناس جميعا، قد جاءكم الرسول المشهود له بالصدق فى رسالته، بالهدى ودين الحق من ربكم، فآمنوا به وصدقوه وأطيعوه، يكن إيمانكم خيرا لكم فى الدنيا والآخرة.فالخطاب فى الآية الكريمة للناس أجمعين، سواء أكان عربيا أم غير عربى أبيض أم أسود، بعيدا أم قريبا... لأن رسالته صلى الله عليه وسلم عامة وشاملة للناس جميعا.والمراد بالرسول محمد صلى الله عليه وسلم فأل فيه للعهد: وإيراده بعنوان الرسالة لتأكيد وجوب طاعته.وقوله: بِٱلْحَقِّ متعلق بمحذوف على أنه حال من الرسول. أى: جاءكم الرسول ملتبسا بالحق الذى لا يحوم حوله باطل.وقوله: مِن رَّبِّكُمْ متعلق بمحذوف على أنه حال أيضا من الحق. أو متعلق بجاء. أى: جاءكم من عند الله - تعالى - وليس منقولا.ويرى بعضهم أن قوله خَيْراً خبر لكان المحذوفة مع اسمها، أى: فآمنوا به يكن إيمانكم خيرا لكم.ويرى آخرون أنه صفة لمصدر محذوف. أى: فآمنوا إيمانا خيرا لكم. وهى صفة مؤكدة على حد أمس الدابر لا يعود، لأن الإِيمان لا يكون إلا خيراً.فأنت ترى أن هذه الجملة الكريمة قد حضت الناس على الإِيمان بالرسول صلى الله عليه وسلم لأنه لم يجئهم بشئ باطل وإنما جاءهم بالحق الثابت الموافق لفطرة البشر أجمعين، ولأنه لم يجئهم بما جاءهم به من عند نفسه وإنما جاءهم بما جاءهم به من عند الله - تعالى - ولأنه لم يجئهم بما يفضى بهم إلى الشرور والآثام، وإنما جاءهم بما يوصلهم إلى السعادة فى الدنيا وإلى الفوز برضا الله فى الآخرة.تلك هى عاقبة المؤمنين، أما عاقبة الكافرين فقد حذر - سبحانه - منها بقوله: وَإِن تَكْفُرُواْ فَإِنَّ للَّهِ مَا فِي ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضِ وَكَانَ ٱللَّهُ عَلِيماً حَكِيماً .أى: وإن تكفروا - أيها الناس - فلن يضر الله كفركم، فإنه - سبحانه - له ما فى السماوات والأرض خلقا وملكا وتصرفا، وكان الله - تعالى - عليما علما تاما بأحوال خلقه، حكيما فى جميع أفعاله وتدبيراته.وبذلك نرى أن هذه الآيات الكريمة قد توعدت الكافرين بسوء المصير، وحضت الناس على الدخول فى زمرة المؤمنين، وحذرتهم من الكفر حتى ينجوا يوم القيامة من عذاب السعير.ثم وجهت السورة الكريمة بعد ذلك نداء إلى أهل الكتاب حذرتهم فيه من المغالاة فى شأن عيسى - عليه السلام - وبينت لهم وللناس أن عيسى إنما هو عبد الله ورسوله، وبشرت المؤمنين بالأجر الجزيل، وأنذرت المستكبرين بالعذاب الأليم. استمع إلى القرآن الكريم وهو يرشد إلى كل ذلك فيقول: يٰأَهْلَ....صِرَاطاً مُّسْتَقِيماً .
4:171
یٰۤاَهْلَ الْكِتٰبِ لَا تَغْلُوْا فِیْ دِیْنِكُمْ وَ لَا تَقُوْلُوْا عَلَى اللّٰهِ اِلَّا الْحَقَّؕ-اِنَّمَا الْمَسِیْحُ عِیْسَى ابْنُ مَرْیَمَ رَسُوْلُ اللّٰهِ وَ كَلِمَتُهٗۚ-اَلْقٰىهَاۤ اِلٰى مَرْیَمَ وَ رُوْحٌ مِّنْهُ٘-فَاٰمِنُوْا بِاللّٰهِ وَ رُسُلِهٖ ۚ۫-وَ لَا تَقُوْلُوْا ثَلٰثَةٌؕ-اِنْتَهُوْا خَیْرًا لَّكُمْؕ-اِنَّمَا اللّٰهُ اِلٰهٌ وَّاحِدٌؕ-سُبْحٰنَهٗۤ اَنْ یَّكُوْنَ لَهٗ وَلَدٌۘ-لَهٗ مَا فِی السَّمٰوٰتِ وَ مَا فِی الْاَرْضِؕ-وَ كَفٰى بِاللّٰهِ وَكِیْلًا۠(۱۷۱)
اے کتاب والو! اپنے دین میں زیادتی نہ کرو (ف۴۲۳) اور اللہ پر نہ کہو مگر سچ (ف۴۲۴) مسیح عیسیٰ مریم کا بیٹا (ف۴۲۵) ا لله کا رسول ہی ہے اور اس کا ایک کلمہ (ف۴۲۶) کہ مریم کی طرف بھیجا اور اس کے یہاں کی ایک روح تو اللہ اور اس کے رسولوں پر ایمان لاؤ (ف۴۲۷) اور تین نہ کہو (ف۴۲۸) باز رہو اپنے بھلے کو اللہ تو ایک ہی خدا ہے (ف۴۲۹) پاکی اُسے اس سے کہ اس کے کوئی بچہ ہو اسی کا مال ہے جو کچھ آسمانوں میں ہے اور جو کچھ زمین میں ہے (ف۴۳۰) اور اللہ کافی کارساز،

وقوله: لاَ تَغْلُواْ أى: لا تتجاوزوا الحد المشروع. مأخوذ من الغلو، وهو - كما يقول القرطبى - التجاوز فى الحد ومنه: غلا السعر يغلو غلاء. وغلا الرجل فى الأمر غلوا. وغلا الجارية لحمها وعظمها، إذا أسرعت الشباب فجاوزت لداتها - أى: أترابها -.وقد تجاوز أهل الكتاب الحد وغالوا فى شأن عيسى. أما اليهود فقد أنكروا رسالته واتهموا أمه مريم بما هى منه بريئة.وأما النصارى فقد رفعوا عيسى - عليه السلام - إلى مرتبة فوق مرتبة البشرية، واعتبره بعضهم إلها، واعتبره بعض آخر منهم ابنا لله، تعالى الله عما يقولون علوا كبيرا.والمعنى: يا أهل الكتاب لا تتجاوزوا الحد المشروع والمعقول فى شأن دينكم، ولا تقولوا على الله إلا القول الحق الذى شرعه الله - تعالى -، وارتضته العقول السليمة.وقد ناداهم - سبحانه - بعنوان أهل الكتاب. للتعريض بهم، حيث إنهم خالفوا كتبهم التى بين أيديهم.والخطاب هنا وإن كان يشمل أهل الكتاب جميعا من يهود ونصارى، إلا أن النصارى هم المقصودون هنا قصدا أوليا، بدليل سياق الآية الكريمة، فقد ذكرت حججا تبطل ما زعمه النصارى فى شأن عيسى، ولذا قال ابن كثير ما ملخصه: قوله - تعالى - يٰأَهْلَ ٱلْكِتَابِ لاَ تَغْلُواْ : ينهى - سبحانه - أهل الكتاب عن الغلو والإِطراء. وهذا كثير فى النصارى، فإنهم تجاوزا الحد فى عيسى حتى رفعوه فوق المنزلة التى أعطاه الله إياها، فنقلوه من حيز النبوة إلى أن اتخذوه إلها من دون الله يعبدونه كما يعبدونه. بل قد غلوا فى أتباعه وأشياعه ممن زعم أنه على دينه فادعوا فيهم العصمة واتبعوهم فى كل ما قالوه سواء أكان حقا أم باطلا، أم ضلالا أم رشادا، ولهذا قال - تعالى - ٱتَّخَذُوۤاْ أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِّن دُونِ ٱللَّهِ وفى الصحيح عن عمر بن الخطاب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " لا تطرونى كما أطرت النصارى عيسى ابن مريم فإنما أنا عبده فقولوا: عبد الله ورسوله ".وقوله: وَلاَ تَقُولُواْ عَلَى ٱللَّهِ إِلاَّ ٱلْحَقَّ من باب عطف الخاص على العام، للاهتمام بالنهى عن الافتراء الشنيع الذى افتروه على الله.أى: لا تصفوه - سبحانه - بما يستحيل اتصافه به من الحلول والاتحاد واتخاذ الصاحبة والولد، ولا تقولوا عليه - سبحانه - إلا القول الحق الثابت القائم على الدليل المقنع، والبرهان الواضح.وعدى - سبحانه - قولهم بحرف على، لتضمنه معنى الافتراء والكذب، فقد قالوا قولا وزعموا أنه من دينهم، مع أن الأديان السماوية بريئة مما زعموه وافتروه.ثم بين - سبحانه - القول الفصل فى شأن عيسى فقال: إِنَّمَا ٱلْمَسِيحُ عِيسَى ٱبْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ ٱللَّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَىٰ مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِّنْهُ .أى: إنما المسيح عيسى ابن مريم رسول الله. أرسله - سبحانه - لهداية الناس إلى الحق، وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَىٰ مَرْيَمَ أى: أن عيسى مكون ومخلوق بكلمة من الله وكلمة (كن) من غير واسطة أب ولا نطفة. وهذه الكلمة ألقاها - سبحانه - إلى مريم، أى: أوصلها إليها بنفخ جبريل فيها فكان عيسى بإذن الله بشراً سويا.وقوله: وَرُوحٌ مِّنْهُ أى: ونفخة منه، لأن عيسى حدث بسبب نفخة جبريل فى درع مريم فكان عيسى بإذن الله. فنسب إلى أنه روح من الله، لأنه بأمره كان. وسمى النفخ روحاً لأنه ريح تخرج من الروح. قال - تعالى -: وَٱلَّتِيۤ أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهَا مِن رُّوحِنَا وَجَعَلْنَاهَا وَٱبْنَهَآ آيَةً لِّلْعَالَمِينَ وقيل المراد بقوله: وَرُوحٌ مِّنْهُ أى: وذو روح من أمر الله، لأنه - سبحانه - خلقه كما يخلق سائر الأرواح.وقيل: الروح هنا بمعنى الرحمة. كما فى قوله - تعالى - وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِّنْهُ أى: برحمة منه. وصدر - سبحانه الجملة الكريمة بأداة القصر (إنما) للتنبيه على أن عيسى - عليه السلام - ليس إلا رسولا أرسله الله لهداية الناس إلى الحق.وذكره - سبحانه بلقبه وباسمه وببنوته لمريم، للاشارة إلى أنه إنسان كسائر الناس، وبشر كسائر البشر، فهو مولود خرج من رحم انثى كما يخرج الأولاد من أمهاتهم. وإذا كان لم يخرج من صلب أب، فيكفى أنه قد خرج من رحم أم، وكفى بذلك دليلا على بشريته.قال بعض العلماء ما ملخصه: وقوله: وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَىٰ مَرْيَمَ أى: خلقه بكلمة منه وهى (كن) كما خلق آدم. وكان عيسى بهذا كلمة الله لأنه خلقه بها، فقد خلق من غير بذر ببذر فى رحم أمه، فما كان تكوينه نماء لبذر وجد، وللأسباب التى تجرى بين الناس، بل كان السبب هو إرادة الله وحده وكلمته (كن) وبذلك سمى كلمة الله.وتعلق النصارى بأن كون عيسى كلمة الله دليل على ألوهيته - تعلق باطل - فما كانت الكلمة من الله إلها يعبد. وإنما سمى بذلك، لأنه نشأ بكلمة لا بمنى من الرجل يمنى.... وقوله: وَرُوحٌ مِّنْهُ أى أنه - سبحانه - أنشأه بروح مرسل منه وهو جبريل الأمين. وقد يقال: إنه نشأ بروح منه - سبحانه - أنه أفاض بروحه فى جسمه كما أفاض بها على كل إنسان كما قال - تعالى -: ٱلَّذِيۤ أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ وَبَدَأَ خَلْقَ ٱلإِنْسَانِ مِن طِينٍ ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ مِن سُلاَلَةٍ مِّن مَّآءٍ مَّهِينٍ ثُمَّ سَوَّاهُ وَنَفَخَ فِيهِ مِن رُّوحِهِ وَجَعَلَ لَكُمُ ٱلسَّمْعَ وَٱلأَبْصَارَ وَٱلأَفْئِدَةَ قَلِيلاً مَّا تَشْكُرُونَ والرأى الأول أولى. وعلى ذلك يكون معنى قوله: وَرُوحٌ مِّنْهُ أى: أنه نشأ بنفخ الله الروح فيه من غير توسيط سلالة بشرية، ونطفة تتشكل إنسانا، وذلك بالملك الذى أرسله وهو جبريل.وسمى الله - تعالى - عيسى روحا باعتباره نشأ من الروح مباشرة، ولأنه غلبت عليه الروحانية..وبهذا يزول الوهم الذى سيطر على عقول من غالوا فى شأن عيسى فنحلوه ما ليس له، وما ليس من شأنه، إذ جعلوه إلها، أو ابن إله....وقوله ٱلْمَسِيحُ مبتدأ، و عِيسَى عطف بيان أو بدل منه. وقوله ٱبْنُ مَرْيَمَ صفة له وقوله رَسُولُ ٱللَّهِ خبر للمبتدأ. وقوله وَكَلِمَتُهُ معطوف على ما قبله وهو رسول الله. أو قوله أَلْقَاهَا إِلَىٰ مَرْيَمَ جملة حالية من الضمير المجرور فى كَلِمَتُهُ بتقدير قد، والعامل فيها معنى الإِضافة. والتقدير. وكلمته ملقيا إياها إلى مريم.وقوله وَرُوحٌ مِّنْهُ معطوف على كَلِمَتُهُ والجار والمجرور متعلق بمحذوف صفة لروح. ومن لابتداء الغاية مجازا وليست تبعيضية، أى أن الروح كائن من عند الله - تعالى - ونافخ بإذنه.وبعد أن بين - سبحانه - القول الحق فى شأن عيسى، دعا أهل الكتاب إلى الإِيمان به وبجميع رسله. ونهاهم عن التمسك بالضلال والوهم فقال - تعالى - فَآمِنُواْ بِٱللَّهِ وَرُسُلِهِ وَلاَ تَقُولُواْ ثَلاَثَةٌ ٱنتَهُواْ خَيْراً لَّكُمْ إِنَّمَا ٱللَّهُ إِلَٰهٌ وَاحِدٌ سُبْحَانَهُ أَن يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ لَّهُ مَا فِي ٱلسَّمَاوَاتِ وَمَا فِي ٱلأَرْضِ وَكَفَىٰ بِٱللَّهِ وَكِيلاً .والفاء فى قوله: فَآمِنُواْ للافصاح عن جواب شرط مقدر.أى: إذا كان ذلك هو الحق فى شأن عيسى، فآمنوا بالله إيمانا حقا بأن تفردوه بالألوهية والعبادة، وآمنوا برسله جميعا بدون تفريق بينهم، ولا تغالوا فى أحدهم منهم بأن تخرجوه عن طبيعته وعن وظيفته..وقوله: وَلاَ تَقُولُواْ ثَلاَثَةٌ نهى لهم عن النطق بالكلام بالباطل.أى: ولا تقولوا الآلهة ثلاثة، أو المعبودات ثلاثة. فثلاثة خبر لمبتدأ محذوف وعبر - سبحانه - بقوله: وَلاَ تَقُولُواْ ثَلاَثَةٌ بدل قوله - مثلا -: ولا تؤمنن بثلاثة؛ لأن أمر الثلاثة قول يقولونه، فإن سألتهم عن معناه قالوا تارة معناه: الآب والإِبن والروح والقدس، أى أنهم ثلاثة متفرقون. وتارة يقولون معناه: أن الأقانيم ثلاثة والذات واحدة.. إلى غير ذلك من الأقوال التى ما أنزل الله بها من سلطان.قال صاحب الكشاف: والذى يدل عليه القرآن التصريح منهم بأن الله والمسيح ومريم ثلاثة آلهة. وأن المسيح ولد الله من مريم. ألا ترى إلى قوله - تعالى -: أَأَنتَ قُلتَ لِلنَّاسِ ٱتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَٰهَيْنِ مِن دُونِ ٱللَّهِ وَقَالَتْ ٱلنَّصَارَى ٱلْمَسِيحُ ٱبْنُ ٱللَّهِ والمشهور المستفيض عنهم أنهم يقولون: فى المسيح لاهوتيه وناسوتيه من جهة الأب والأم...).هذا، وقد أفاض بعض العلماء فى الرد على مزاعم أهل الكتاب فى عقائدهم..وقوله: ٱنتَهُواْ خَيْراً لَّكُمْ أمر لهم بسلوك الطريق الحق، والإِقلاع عن الضلالات والأوهام.أى: انتهوا عما أنتم فيه من ضلال يا معشر أهل الكتاب، واتركوا القول بالتثليث، يكن انتهاؤكم خيرا لكم، بعبادتكم لله وحده تكونون قد خرجتم من ظلمات الشرك إلى نور الوحدانية.وقوله: إِنَّمَا ٱللَّهُ إِلَٰهٌ وَاحِدٌ إثبات لوحدانية الله - تعالى - بأقوى طريق. أى: إن المعبود بحق ليس إلا واحد، وهو الله - تعالى - ذو الجلال والإِكرام، الخالق لهذا الكون، والمدبر لأمره.وقوله: سُبْحَانَهُ أَن يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ تنزيه له - جل وعلا - عن صفات المخلوقين، وتوبيخ لمن وصفه بصفات لا تليق به.وسبحان منصوب بفعل مقدر من لظفه: أى: أسبحه تسبيحا وأنزهه تنزيها عن أن يكون له ولد، لأن الأبوة والبنوة من صفات المخلوقين، وهو - سبحانه - منزله عن صفات المخلوقين، قال - تعالى -: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلْبَصِيرُ وقوله: لَّهُ مَا فِي ٱلسَّمَاوَاتِ وَمَا فِي ٱلأَرْضِ جملة مستأنفة مسبوقة لتعليل التنزيه أى أنه - سبحانه - مالك لجميع الموجودات علويها وسفليها، ولا يخرج من ملكه منها شئ.قال - تعالى - إِن كُلُّ مَن فِي ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضِ إِلاَّ آتِي ٱلرَّحْمَٰنِ عَبْداً ومن كان شأنه كذلك تنزه عن أن يلد أو يولد أو يكون له شريك فى ملكه.وقوله: وَكَفَىٰ بِٱللَّهِ وَكِيلاً تذييل قصد به بيان سعة قدرته - سبحانه وهيمنته على هذا الكون. والوكيل: هو الحافظ والمدبر لأمر غيره.أى: وكفى بالله وكيلا يكل إليه الخلق كلهم أمورهم، فهو الغنى عنهم وهم الفقراء إليه.ومفعول كفى محذوف للعموم.أى: كفى كل أحد وكالة الله وحفظه وتدبيره، فتوكلوا عليه وحده، ولا تتوكلوا على من تزعمونه ابنا له.
4:172
لَنْ یَّسْتَنْكِفَ الْمَسِیْحُ اَنْ یَّكُوْنَ عَبْدًا لِّلّٰهِ وَ لَا الْمَلٰٓىٕكَةُ الْمُقَرَّبُوْنَؕ-وَ مَنْ یَّسْتَنْكِفْ عَنْ عِبَادَتِهٖ وَ یَسْتَكْبِرْ فَسَیَحْشُرُهُمْ اِلَیْهِ جَمِیْعًا(۱۷۲)
مسیح اللہ کا بندہ بننے سے کچھ نفرت نہیں کرتا (ف۴۳۱) اور نہ مقرب فرشتے اور جو اللہ کی بندگی سے نفرت اور تکبر کرے تو کوئی دم جاتا ہے کہ وہ ان سب کو اپنی طرف ہانکے گا (ف۴۳۲)

ثم بين - سبحانه - أن المسيح عيسى - عليه السلام - عبد من عباد الله - تعالى -، وأنه لن يستنكف أبدا عن عبادة الله والإِذعان لأمره فقال: لَّن يَسْتَنكِفَ ٱلْمَسِيحُ أَن يَكُونَ عَبْداً للَّهِ وَلاَ ٱلْمَلاۤئِكَةُ ٱلْمُقَرَّبُونَ .وأصل يَسْتَنكِفَ - يقول القرطبى: نكف، فالياء والسين والتاء زوائد. يقال: نكفت من الشئ واستنكفت منه وأنكفته أى: نزهته عما يستنكف منه. ومنه الحديث: " سُئل - رسول الله صلى الله عليه وسلم عن سُبْحَانَ ٱللَّهِ فقال: " إنكاف الله من كل سوء " ".يعنى: تنزيهه وتقديسه عن الأنداد والأولاد.قال الزجاج: استنكف أى: أنف مأخوذ من نكفت الدمع إذا نحيته بإصبعك عن خدك ومنه الحديث " ما ينكف العرق عن جبينه " أى: ما ينقطع.وقيل: هو من النِّكْف وهو العيب. يقال: ما عليه فى هذا الأمر من نِكْفٍ ولا وَكَف. أى عيب. أى لن يمتنع المسيح ولن يتنزه عن العبودية لله - تعالى - ولن ينقطع عنها. ولن يعاب أن يكون عبداً لله تعالى.والجملة الكريمة مستأنفة لتقرير ما سبقها من تنزيه لله - تعالى - عن أن يكون له ولد، وإثبات لوحدانيته - عز وجل - وإفراده بالعبادة.وقد روى المفسرون فى سبب نزولها " أن وفد نجران قالوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم: لم تعيب صاحبنا يا محمد؟ قال: ومن صاحبكم؟ قالوا: عيسى، قال صلى الله عليه وسلم: وأى شئ قلت؟ قالوا تقول: إنه عبد الله ورسوله. قال صلى الله عليه وسلم: إنه ليس بعار أن يكون عبداً لله ".والمعنى: لن يأنف المسيح ولن يمتنع أن يكون عبداً لله، وكذلك الملائكة المقربون لن يأنفوا ولن يمتنعوا عن ذلك، فإن خضوع المخلوقات لخالقها شرف ليس بعده شرف. والله - تعالى - ما خلق الخلق إلا لعبادته وطاعته.قال - تعالى - وَمَا خَلَقْتُ ٱلْجِنَّ وَٱلإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ مَآ أُرِيدُ مِنْهُم مِّن رِّزْقٍ وَمَآ أُرِيدُ أَن يُطْعِمُونِ وصدر - سبحانه - الجملة بحرف (لن) المفيدة للنفى المؤكد، لبيان أن عدم استنكاف المسيح والملائكة المقربين عن عبادة الله والخضوع له أمر مستمر وثابت ثبوتا لا شك فيه، لأنه - سبحانه - هو الذى خلق الخلق ورزقهم. ومن حقه عليهم أن يعبدوه، ويذعنوا لأمره، بل ويشعروا باللذة والأنس والشرف لعبادتهم له - سبحانه - كما قال الشاعر الحكيم:ومما زادنى عجباً وتيها وكدت بإخمصى أطأ الثريادخولى تحت قولك يا عبادى وجعلك خير خلقك لى نبياًهذا، وقد فهم بعض العلماء من هذه الآية أن الملائكة أفضل من الأنبياء، وممن فهم هذا الفهم الإِمام الزمخشرى فقد قال:وقوله: لَّن يَسْتَنكِفَ ٱلْمَسِيحُ أى: لن يأنف ولن يذهب بنفسه عزة، (من نكفت الدمع إذا نحيته عن خدك بإصبعك) وَلاَ ٱلْمَلاۤئِكَةُ ٱلْمُقَرَّبُونَ أى: ولا من هو أعلى منه قدرا، وأعظم منه خطرا وهم الملائكة الذين حول العرش كجبريل وميكائيل وإسرافيل ومن فى طبقتهم.ثم قال: فإن قلت: من أين دل قوله وَلاَ ٱلْمَلاۤئِكَةُ ٱلْمُقَرَّبُونَ على أن المعنى: ولا من فوقه؟ قلت: من حيث إن علم المعانى لا يقتضى غير ذلك. وذلك أن الكلام إنما سبق لرد مذهب النصارى وغلوهم فى رفع عيسى عن منزلة العبودية. فوجب أن يقال لهم: لن يترفع عيسى عن العبودية ولا من هو أعلى منه درجة. فكأنه قيل: لن يستنكف الملائكة المقربون من العبودية فكيف بالمسيح؟ ويدل عليه دلالة ظاهرة بينة، تخصيص المقربين لكونهم أرفع الملائكة درجة وأعلاهم منزلة.وهذا الفهم الذى اتجه إليه الزمخشرى من أن الملائكة أفضل من الأنبياء، لم يوافقه عليه أكثر العلماء، فقد قال الإِمام ابن كثير:وقد استدل بعض من ذهب إلى تفضيل الملائكة على البشر بهذه الآية حيث قال: وَلاَ ٱلْمَلاۤئِكَةُ ٱلْمُقَرَّبُونَ . وليس له فى ذلك دلالة، لأنه إنما عطف الملائكة على المسيح، لأن الاستنكاف هو الامتناع.والملائكة أقدر على ذلك من المسيح، فلهذا قال وَلاَ ٱلْمَلاۤئِكَةُ ٱلْمُقَرَّبُونَ ولا يلزم من كونهم أقوى وأقدر على الامتناع أن يكونوا أفضل. وقيل إنما ذكروا لأن بعض الناس اتخذهم آلهة مع الله كما اتخذ الضالون المسيح إلها أو ابنا لله. فأخبر - سبحانه - أنهم عبيد من عباده، وخلق من خلقه.وقد حاول بعض العلماء أن يجعل الآية الكريمة بعيدة عن موطن النزاع فقال: وعندى أن الترقى قائم، ولكن فى المعنى الذى سيق له الكلام. وذلك أن النصارى غلوا غلواً كبيرا فى المسيح، لأنه ولد من غير أب، ولأنه جرت على يديه معجزات كثيرة، ولأنه روحانى المعانى، فيبين الله - تعالى - أنه مع كل هذا لن يستنكف أن يكون عبدا لله، ولا يستنكف من هو أعلى منه فى هذه المعانى أن يكون عبداً لله، وهم الملائكة الذين خلقوا من غير أب ولا أم. وأجرى على أيديهم ما هو أشد وأعظم من معجزات، ومنهم من كان الروح الذى نفخ فى مريم، وهم أرواح طاهرة مطهرة. فكان الترقى فى هذه المعانى، وهم فيها يفضلون عيسى وغيره. وبذلك تكون الآية بعيدة عن الأفضلية المطلقة، فلا تدل على أفضلية الملائكة على الرسل فى المنزلة عند الله. وتكون الآية بعيدة عن موطن الخلاف، والترقى دائما يكون فى المعانى التى سيق لها الكلام دون غيرها. وليس المتأخر أعلى فى ذاته من المتقدم وأفضل، ولكنه أعلى فى الفعل الذى كان فيه كقول القائل: لا تضرب حراب ولا عبدا. فالتدرج هنا فى النهى عن الضرب، لأنه إذا كان ضرب العبد غير جائز فأولى أن يكون ضرب الحر غير جائز.وذكر وصف المقربين، لأنهم إذا كانوا لا يستنكفون فأولى بذلك غيرهم.ثم هدد - سبحانه - كل من يمتنع عن عبادته والخضوع له فقال: وَمَن يَسْتَنْكِفْ عَنْ عِبَادَتِهِ وَيَسْتَكْبِرْ فَسَيَحْشُرُهُمْ إِلَيهِ جَمِيعاً .أى: ومن يأنف من عباده الله ويمتنع عنها، ويأبى الخضوع لطاعة الله ويستكبر عن كل ذلك، فسيجد يوم القيامة ما يستحقه من عقاب بسبب استنكافه واستكباره، فإن مرد العباد جميعا إليه - سبحانه - وسيجازى المحسن بإحسانه، والمسئ بإساءته.فالمضير فى قوله فَسَيَحْشُرُهُمْ يعود إلى المستنكفين والمستكبرين وإلى غيرهم من المؤمنين المطيعين بدليل أن الحشر عام للمؤمنين والكافرين، وبدليل التفصيل المفرع على هذا الحشر فى قوله - تعالى - بعد ذلك:
4:173
فَاَمَّا الَّذِیْنَ اٰمَنُوْا وَ عَمِلُوا الصّٰلِحٰتِ فَیُوَفِّیْهِمْ اُجُوْرَهُمْ وَ یَزِیْدُهُمْ مِّنْ فَضْلِهٖۚ-وَ اَمَّا الَّذِیْنَ اسْتَنْكَفُوْا وَ اسْتَكْبَرُوْا فَیُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا اَلِیْمًا ﳔ وَّ لَا یَجِدُوْنَ لَهُمْ مِّنْ دُوْنِ اللّٰهِ وَلِیًّا وَّ لَا نَصِیْرًا(۱۷۳)
تو وہ جو ایمان لائے اور اچھے کام کیے ان کی مزدوری انہیں بھرپور دے کر اپنے فضل سے انہیں اور زیادہ دے گا اور وہ جنہوں نے (ف۴۳۳) نفرت اور تکبر کیا تھا انہیں دردناک سزا دے گا اور اللہ کے سوا نہ اپنا کوئی حمایتی پائیں گے نہ مددگار،

فَأَمَّا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ فَيُوَفِّيهِمْ أُجُورَهُمْ وَيَزيدُهُمْ مِّن فَضْلِهِ أى: أن مرجع العباد جميعا إلى الله من استكبر عن عبادته وامتنع ومن لم يفعل ذلك بل آمن وأطاع. فأما الذين آمنوا عملوا الأعمال الصالحات، ولم يستنكفوا ولم يستكبروا، فيسعطيهم - سبحانه - ثواب أعمالهم كاملة غير منقوصة، ويزيدهم على ذلك شئنا عظيما من الرضا والفضل ومضاعفة الأجر. وَأَمَّا ٱلَّذِينَ ٱسْتَنكَفُواْ وَٱسْتَكْبَرُواْ عن عبادة الله وطاعته فَيُعَذِّبُهُمْ عَذَاباً أَلِيماً لا يحيط به الوصف وَلاَ يَجِدُونَ لَهُمْ مِّن دُونِ ٱللَّهِ وَلِيّاً أى أحدا يدافع عنهم ويلى أمورهم، ولا يجدون كذلك " نصيرا " ينصرهم وينجيهم من عذاب الله وبأسه.
4:174
یٰۤاَیُّهَا النَّاسُ قَدْ جَآءَكُمْ بُرْهَانٌ مِّنْ رَّبِّكُمْ وَ اَنْزَلْنَاۤ اِلَیْكُمْ نُوْرًا مُّبِیْنًا(۱۷۴)
اے لوگو! بیشک تمہارے پاس اللہ کی طرف سے واضح دلیل آئی (ف۴۳۴) اور ہم نے تمہاری طرف روشن نور اتارا (ف۴۳۵)

وبعد هذا الوعد والوعيد والتبشير والإِنذار، والترغيب والترهيب، وجه - سبحانه - نداء عاما إلى الناس أمرهم فيه باتباع طريق الحق فقال - تعالى - يَا أَيُّهَا ٱلنَّاسُ قَدْ جَآءَكُمْ بُرْهَانٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَأَنْزَلْنَآ إِلَيْكُمْ نُوراً مُّبِيناً .والمراد بالبرهان هنا الدلائل والمعجزات الدالة على صدق النبى صلى الله عليه وسلم فيما يبلغه عن ربه. ويصح أن يكون المراد به النبى صلى الله عليه وسلم وسماه - سبحانه - بذلك بسبب ما أعطاه من البراهين القاطعة التى شهدت بصدقه صلى الله عليه وسلم، والمراد بالنور المبين: القرآن الكريم.قال الفخر الرازى: اعلم أنه - تعالى - لما أورد الحجة على جميع الفرق من المنافقين والكفار واليهود والنصارى، وأجاب عن جميع شبهاتهم عمم الخطاب. ودعا جميع الناس إلى الاعتراف برسالة محمد صلى الله عليه وسلم فقال: يَا أَيُّهَا ٱلنَّاسُ قَدْ جَآءَكُمْ بُرْهَانٌ مِّن رَّبِّكُمْ .والبرهان: هو محمد صلى الله عليه وسلم وإنما سماه برهانا، لأن حرفته إقامة البرهان على تحقيق الحق وإبطال الباطل. والنور المبين هو القرآن الكريم. وسماه نورا، لأنه سبب لوقوع نور الإِيمان فى القلب...و مِّن فى قوله: مِّن رَّبِّكُمْ لابتداء الغاية مجازا، والجار والمجرور متعلق بمحذوف صفة لبرهان. أى: قد جاءكم برهان كائن من ربكم.وفى وصف البرهان بأنه من الله - تعالى - تقوية وتشريف لمعنى البرهان، لأنه ما دام قد جاء من عند من له الخلق والأمر - سبحانه - فلا بد أن يكون برهانا صادقا مقنعا لمن يريد أن تبع الحق.وقال - سبحانه - وَأَنْزَلْنَآ إِلَيْكُمْ بإسناد الإِنزال إلى ذاته - تعالى -، للإِشارة إلى أنه هو مصدر الإِنزال.وقال إِلَيْكُمْ مع أن المنزل عليه هو النبى صلى الله عليه وسلم للإِشعار بكمال اللطف بهم، وللمبالغة فى إزالة أعذارهم.ووصف الشرائع والمواعظ والآداب والحكم التى اشتمل عليها القرآن الكريم بالنور المبين أى الواضح الظاهر، لأن هذه الشرائع والآداب. لا يخفى صدقها واشتمالها على الحق إلا على من انطمست بصيرته، وفسدت مداركه.
4:175
فَاَمَّا الَّذِیْنَ اٰمَنُوْا بِاللّٰهِ وَ اعْتَصَمُوْا بِهٖ فَسَیُدْخِلُهُمْ فِیْ رَحْمَةٍ مِّنْهُ وَ فَضْلٍۙ-وَّ یَهْدِیْهِمْ اِلَیْهِ صِرَاطًا مُّسْتَقِیْمًاؕ(۱۷۵)
تو وہ جو اللہ پر ایمان لائے اور اس کی رسی مضبوط تھامی تو عنقریب اللہ انہیں اپنی رحمت اور اپنے فضل میں داخل کرے گا (ف۴۳۶) اور انہیں اپنی طرف سیدھی راہ دکھائے گا،

ثم بين - سبحانه - حسن عاقبة المستجيبين للحق، السالكين الطريق المستقيم، فقال: فَأَمَّا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ بِٱللَّهِ وَٱعْتَصَمُواْ بِهِ فَسَيُدْخِلُهُمْ فِي رَحْمَةٍ مِّنْهُ وَفَضْلٍ وَيَهْدِيهِمْ إِلَيْهِ صِرَاطاً مُّسْتَقِيماً .أى: أن الله - تعالى - قد ارسل إلى الناس رسوله وأنزل عليهم بواسطته قرآنه، فمنهم من آمن واهتدى، ومنهم من كفر وغوى، فأما الذين آمنوا بالله - تعالى - حق الإِيمان، واعتصموا به - سبحانه - مما يضرهم ويؤذيهم، فلم يستجيروا إلا به، ولم يخضعوا إلا له، ولم يعتمدوا إلا عليه.هؤلاء الذين فعلوا ذلك سيدخلهم الله - تعالى - فى رحمة منه وفضل أى سيدخلهم فى جنته ورضوانه، ويضفى عليهم من فضله وإحسانه بما يشرح صدورهم، ويبهج نفوسهم، ويصلح بالهم.وقوله وَيَهْدِيهِمْ إِلَيْهِ صِرَاطاً مُّسْتَقِيماً أى: ويوفقهم فى دنياهم إلى سلوك الطريق الحق وهو طريق الإِسلام، الذى يفضى بهم فى آخرتهم إلى السعادة والأمان والفوز برضا الله - عز وجل -.وقد ذكرت الآية ثواب الذين آمنوا بالله واعتصموا به، ولم تذكر عقاب الذين كفروا إهمالا لهم، لأنهم فى حيز الطرد والطرح، أو لأن عاقبتهم السيئة معروفة لكل عاقل بسب كفرهم وسوقهم عن أمر الله.والسين فى قوله فَسَيُدْخِلُهُمْ فِي رَحْمَةٍ مِّنْهُ وَفَضْلٍ للتأكيد. أى فسيدخلهم فى رحمة كائنة منه وفى فضل عظيم من عنده إدخالا لا شك فى حصوله ووقوعه.وقوله صِرَاطاً مفعول ثان ليهدى لتضمنه معنى يعرفهم.وبذلك نرى أن هذه الآيات الكريمة قد نهت أهل الكتاب عن المغالاة فى شأن عيسى - عليه السلام -، وعرفتهم حقيقته، ودعتهم إلى الإِيمان بوحدانية الله، وبينت لهم ولغيرهم أن عيسى وغيره من الملائكة المقربين لن يستنكفوا عن عبادة الله، وان من امتنع عن عابدة الله فسيحاسبه - سبحانه - حسابا عسيرا، ويجازيه بما يستحقه من عقاب. أما من آمن بالله - تعالى - واتبع الحق الذى أنزله على رسله، فسينال منه - سبحانه - الرحمة الواسعة، والفضل العظيم، والسعادة التى ليست بعدها سعادة.هذا، وكما اشتملت سورة النساء فى مطلعها على الحديث عن أحكام الأسرة وأحكام الزواج والمواريث. فقد اختتمت بهذه الآية المتعلقة ببعض أحكام المواريث وهى قوله - تعالى -: يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ ٱللَّهُ يُفْتِيكُمْ .
4:176
یَسْتَفْتُوْنَكَؕ-قُلِ اللّٰهُ یُفْتِیْكُمْ فِی الْكَلٰلَةِؕ-اِنِ امْرُؤٌا هَلَكَ لَیْسَ لَهٗ وَلَدٌ وَّ لَهٗۤ اُخْتٌ فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَۚ-وَ هُوَ یَرِثُهَاۤ اِنْ لَّمْ یَكُنْ لَّهَا وَلَدٌؕ-فَاِنْ كَانَتَا اثْنَتَیْنِ فَلَهُمَا الثُّلُثٰنِ مِمَّا تَرَكَؕ-وَ اِنْ كَانُوْۤا اِخْوَةً رِّجَالًا وَّ نِسَآءً فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْاُنْثَیَیْنِؕ-یُبَیِّنُ اللّٰهُ لَكُمْ اَنْ تَضِلُّوْاؕ-وَ اللّٰهُ بِكُلِّ شَیْءٍ عَلِیْمٌ۠(۱۷۶)
اے محبوب! تم سے فتویٰ پوچھتے ہیں تم فرمادو کہ اللہ تمہیں کلالہ (ف۴۳۷) میں فتویٰ دیتا ہے، اگر کسی مرد کا انتقال ہو جو بے اولاد ہے (ف۴۳۸) اور اس کی ایک بہن ہو تو ترکہ میں اس کی بہن کا آدھا ہے (ف۴۳۹) اور مرد اپنی بہن کا وارث ہوگا اگر بہن کی اولاد نہ ہو (ف۴۴۰) پھر اگر دو بہنیں ہوں ترکہ میں ان کا دو تہائی اور اگر بھائی بہن ہوں مرد بھی اور عورتیں بھی تو مرد کا حصہ دو عورتوں کے برابر، ا لله تمہارے لئے صاف بیان فرماتا ہے کہ کہیں بہک نہ جاؤ، اور اللہ ہرچیز جانتا ہے،

أورد المفسرون فى سبب نزول هذه الآية روايات منها ما أخرجه الشيخان وغيرهما عن جابر بن عبد الله قال: دخل على النبى صلى الله عليه وسلم وأنا مريض لا أعقل. فتوضأ فصب على أو قال: صبوا عليه. فعقلت فقلت: إنه لا يرثنى إلا كلالة. فكيف الميراث؟ فأنزل الله آية الفرائض. وفى بعض الألفاظ فأنزل الله آية الميراث يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ ٱللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي ٱلْكَلاَلَةِ الآية. وفى رواية قال جابر: نزلت فى: يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ ٱللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي ٱلْكَلاَلَةِ .ويبدو أن عدداً من الصحابة قد سألوا النبى صلى الله عليه وسلم فى شأن ميراث الكلالة فى أزمنة متفرقة فنزلت هذه الآية للأجابة عن أسئلتهم المتعلقة بها. وقد سمى النبى صلى الله عليه وسلم هذه الآية بآية الصيف، لأنها نزلت فى هذا الوقت.قال القرطبى: " قال عمر: إنى والله لا أدع شيئا أهم إلى من أمر الكلالة. وقد سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عنها فما أغلظ لى فى شئ ما أغلظ لى فيها، حتى طعن بإصبعه فى جنبى أو فى صدرى ثم قال: " يا عمر، ألا تكفيك آية الصيف التى أنزلت فى آخر سورة النساء " ".وقوله: يَسْتَفْتُونَكَ من الاستفتاء بمعنى طلب الفتيا أو الفتوى. يقال: استفتيت العالم فى مسألة كذا. أى: سألته أن يبين حكمها. فالإِفتاء معناه: إظهار المشكل من الأحكام وتبينه.والكلالة.. كما يقول الراغب -: اسم لما عدا الولد والوالد من الورثة وروى " أن النبى صلى الله عليه وسلم سئل عن الكلالة فقال: " من مات وليس له ولد ولا والد " ، فجعله اسما للميت. وقال ابن عباس: هو اسم لمن عدا الولد ".وقال ابن كثير ما ملخصه: وكان - رضى الله عنه - يقول: الكلالة من لا ولد له. وكان أبو بكر - رضى الله عنه - يقول: الكلالة ما عدا الولد والوالد.ثم قال: وعن عمر أنه قال: إنى لأستحى أن أخالف أبا بكر. وهذا الذى قاله الصديق، هو الذى عليه جمهور الصحابة والتابعين والأئمة فى قديم الزمان وحديثه. وهو مذهب الأئمة الأربعة والفقهاء السبعة، وقول علماء الأمصار قاطبة، وهو الذى يدل عليه القرآن.وقد ذكرت كلمة الكلالة مرتين فى هذه السورة.أما المرة الأولى ففى قوله - تعالى -. فى آيات المواريث: وَإِن كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلاَلَةً أَو ٱمْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا ٱلسُّدُسُ فَإِن كَانُوۤاْ أَكْثَرَ مِن ذٰلِكَ فَهُمْ شُرَكَآءُ فِي ٱلثُّلُثِ وقد بينا عند تفسيرنا لهذه الجملة الكريمة أن المراد بالإِخوة والأخوات فيها: الإِخوة لأم والأخوات لأم.أما هنا فالأمر يختلف إذا المراد بالإِخوة والأخوات فى الآية التى معنا: الإِخوة والأخوات الأشقاء أو من الأب فقظ.والمعنى: يسألك أصحابك يا محمد فى كيفية ميراث الكلالة، قل الله يفتيكم فى ذلك، فاسمعوا حكمه وأطيعوه ولا تخالفوه.وقوله فِي ٱلْكَلاَلَةِ متعلق بقوله يُفْتِيكُمْ .وقد تولى - سبحانه - الإِجابة مع أن المسئول هو النبى صلى الله عليه وسلم، للتنويه بشأن الحكم المسئول عنه، ولتأكيد أن المواريث من الأمور التى تكفل الله ببيانها وتوزيعها وحده، فلا يصح لأحد أن يخالف ما شرعه الحكيم الخبير فى شأنها فهو - سبحانه - أعلم بمصالح عباده، وأرحم بهم من آبائهم ومن أبنائهم، ومن كل مخلوق.وقوله: إِن ٱمْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ وَهُوَ يَرِثُهَآ إِن لَّمْ يَكُنْ لَّهَآ وَلَدٌ كلام مستأنف مبين للاجابة عما سألوا عنه فى شأن ميراث الكلالة.والمختار الذى عليه المحققون من العلماء أن الولد هنا عام يتناول الذكر والأنثى، لأن الكلام فى الكلالة وهو من ليس له ولد أصلا ولا ذكر ولا أنثى وليس له والد - أيضا إلا أنه اقتصر على ذكر الولد ثقة بظهور الأمر. ولأن الولد مشترك معنوى وقع نكرة فى سياق النفى فيعم الإِبن والبنت.وقيل: المراد بالولد هنا الذكر خاصة لأنه المتبادر من معنى اللفظ.والمراد بالأخت هنا - كما سبق أن أشرنا - الأخت الشقيقة أو الأخت لأب.والمعنى: يسألك أصحابك يا محمد عن توريث الكلالة فقل لهم: الله يفتيكم فى ذلك، إذا مات إنسان ولم يترك أولاداً لا من الذكور ولا من الإِناث. ولم يترك كذلك والداً، وترك أختا شقيقة أو من أبيه، فلأخته فى تلك الحالة نصف ما تركه هذا الميت بالفرض، والباقى للعصبة، أولها بالرد إن لم يترك عصبة.وإذا ماتت الأخت قبل أخيها ولم يكن لها ولد - ذكراً كان أو أنثى -، ولم يكن لها كذلك والد، فإن الأخ فى تلك الحالة يحرز جميع مالها.وقوله: ٱمْرُؤٌ مرفوع بفعل محذوف يفسره ما بعده أى: إن هلك امرؤ وقوله: لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ فى محل رفع على أنه صفة لقوله ٱمْرُؤٌ أى: هلك امرؤ غير ذى ولد ولا والد.والفاء فى قوله فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ واقعة فى جواب الشرط.وقوله وَهُوَ يَرِثُهَآ إِن لَّمْ يَكُنْ لَّهَآ وَلَدٌ جملة مستأنفة. سدت مسد جواب الشرط فى قوله: إِن لَّمْ يَكُنْ لَّهَآ وَلَدٌ .قال الألوسى: والآية كما أنها لم تدل على سقوط الإِخوة بغير الولد، فإنها لم تدل على عدم سقوطهم به. وقد دلت السنة على أنهم لا يرثون مع الأب. إذ صح عنه - صلى الله عليه وسلم أنه قال: " ألحقوا الفرائض بأهلها فما بقى فلأولى عصبة ذكر "ولا ريب فى أن الأب أولى من الأخ. وليس ما ذكر بأول حكمين بين أحدهما بالكتاب والآخر بالسنة.ثم بين - سبحانه - صورتين أخريين من صور الكلالة فقال: فَإِن كَانَتَا ٱثْنَتَيْنِ فَلَهُمَا ٱلثُّلُثَانِ مِمَّا تَرَكَ وَإِن كَانُوۤاْ إِخْوَةً رِّجَالاً وَنِسَآءً فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ ٱلأُنثَيَيْنِ أى: فإن كانتا أى: الوارثتان بالأخوة اثنتين أو أكثر، فلهما الثلثان مما ترك أخوهما المتوفى، وإن كان الورثة لهذا الأخ المتوفى إخوة من الرجال والنساء ففى هذه الحالة تقسم تركته بينهم للذكر مثل حظ الانثيين.وبهذا نرى أن الآية الكريمة قد ذكرت صورا أربعا لميراث الإِخوة والأخوات للميت الذى لم يترك ولدا ولا والدا. أى الميت الكلالة.1- أن يموت الميت وترثه أخت واحدة. ففى هذه الحالة يكون لها نصف تركته بالفرض والباقى للعصبة إن وجدوا، فإن لم يوجدوا فلها الباقى بالرد.2- أن يكون الأمر بالعكس بأن تموت امرأة ويرثها أخ واحد. فيكون له جميع تركتها.3- أن يكون الميت أخا وأختا والوارث أختان فصاعدا، ففى هذه الحالة يكون لهما أو لهن الثلثان.4- أن يكون الميت أخا أو أختا، والورثة عدد من الإخوة والأخوات، ففى هذه الحالة تقسم التركة بينهم للذكر مثل حظ الأنثيين.هذا، وظاهر الآية يفيد أن لا فرق بين الإِخوة الأشقاء والإِخوة لأب فى أنهم يشتركون فى التركة إذا اجتمعوا؛ ولكن هذا الظاهر غير مراد، فقد خصصت السنة هذا العموم، فقدمت الأشقاء على الإِخوة لأب. فإذا ما اجتمع الصنفان حجب الإِخوة الأشقاء الإِخوة لأب.وقد تكفلت كتب الفروع ببسط الكلام عن هذه الأحكام وأمثالها. هذا، وقوله - تعالى - يُبَيِّنُ ٱللَّهُ لَكُمْ أَن تَضِلُّواْ وَٱللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ تذييل قصد به إظهار جانب من فضل الله - تعالى - على عباده، وتحذيرهم من مخالفة شرعه وأمره.أى: يبين الله لكم هذه الأحكام المتعلقة بالمواريث كما يبين لكم غيرها خشية أن تضلوا طريق الحق فى ذلك. بأن تعطوا من لا يستحق أو تهملوا من يستحق، والله - تعالى - عليم بكل شئ لا تخفى عليه خافية من أحوالكم، وسيحاسبكم على أعمالكم، فيجازى المتبع لشرعة بالثواب العظيم، ويجازى المخالف له بالعذاب الأليم.والمفعول فى قوله: يُبَيِّنُ ٱللَّهُ لَكُمْ أَن تَضِلُّواْ محذوف، والمصدر المنسبك من أن والفعل مفعول لأجله بتقدير مضاف محذوف أى: يبين الله لكم الحلال والحرام وجميع الأحكام خشية أن تضلوا.ويجوز أن يكون المصدر هو مفعول قوله يُبَيِّنُ أى: يبين الله لكم ضلالكم لتجتنبوه، فإن الشر يعرف ليجتنب، والخير يعرف ليفعل.ويرى بعضهم أن الكلام على تقدير (اللام ولا) فى طرفى " أن " والمعنى: يبين الله لكم ذلك لئلا تضلوا.ثم أما بعد: فهذا تفسير وسيط لسورة النساء.تلك السورة التى نظمت المجتمع الإِسلامى تنظيما دقيقا حكيما.نظمته فيما يتعلق بأوضاعه الداخلية، ونظمته فيما يتعلق بأوضاعه الخارجية. أما فيما يتعلق بأوضاعه الداخلية، فقد رأينا فيما سبق، كيف ساقت الأحكام والآداب والتوجيهات التى تكون مجتمعا فاضلا، يعرف الفرد فيه واجبة نحو خالقه، وواجبه نحو نفسه، وواجبه نحو غيره.مجتمعا تقوم الأسرة فيه على دعائم ثابتة من الأمان والاطمئنان، والمحبة والمودة والوئام.مجتمعا رجاله يكرمون نساءه، ويعطفون عليهن، ويعاشروهن بالمعروف. ونساؤه يحترمن رجاله، ويؤدين ما عليهن نحوهم من حقوق بأدب، وعفة، وإخلاص، ووفاء.مجتمعا حكامه يحكمون بالعدل، ويراقبون الله فى أقوالهم وأعمالهم. المحكومون فيه يطيعيون حكامهم فيما يأمرونهم به من حق وخير.مجتمعا يرى أفراده أن خيراته وأمواله. هى أمانة فى أعناقهم جميعا، وأن ثمارها ومنافعها ستعود عليهم جميعا. لذا فهم يحرصون على استغلال ما يملكونه منها فيما يرضى الله، وفيما يعود عليهم وعلى أمتهم بالخير والصلاح والاستغناء والفلاح.وأما فيما يتعلق بأوضاعه الخارجية، فقد رأينا - أيضا - فيما سبق، كيف كشفت النقاب عن راذائل المنافقين. وعن العقائد الفاسدة التى يتشبث بها أهل الكتاب. وعن المسالك الخبيثة، والوسائل المتعددة التى اتبعها هؤلاء جميعا لكيد الدعوة الإسلامية والإساءة إلى النبى صلى الله عليه وسلم.كما رأينا كيف أنها قد حذرت المؤمنين من شرور أعدائهم، وبصرتهم بما يجب عليهم نحوهم. وبما يجعلهم دائما على أتم استعداد لمقاومتهم، ولتأديبهم ولرد كيدهم فى نحوهم.ولقد ساقت السورة الكريمة من الآيات التى ترغب فى الجهاد فى سبيل الله، ما يجعل المؤمنين يقبلون عليه بقلوب منشرحة، وبعزائم ثابتة، وبأرواح غايتها الشهادة فى سبيل الله.وباتباع المسلمين السابقين لهذا التوجيه الحكيم الذى اشتملت عليه هذه السورة الكريمة، نالوا ما نالوا من مجد وسؤدد، وظفروا بما ظفروا به من عزة وسعادة، وأصابوا ما أصابوا من خير وفلاح.وأخيرا، فإنى أحمد الله - تعالى - حمدا كثيرا على توفيقه لى لخدمة كتابه، وأضرع إليه بإخلاص أن يعيننى على إتام ما بدأته من خدمة كتابه، إنه أعظم مسئول وأكرم مأمول.
  FONT
  THEME
  TRANSLATION
  • English | Ahmed Ali
  • Urdu | Ahmed Raza Khan
  • Turkish | Ali-Bulaç
  • German | Bubenheim Elyas
  • Chinese | Chineese
  • Spanish | Cortes
  • Dutch | Dutch
  • Portuguese | El-Hayek
  • English | English
  • Urdu | Fateh Muhammad Jalandhry
  • French | French
  • Hausa | Hausa
  • Indonesian | Indonesian-Bahasa
  • Italian | Italian
  • Korean | Korean
  • Malay | Malay
  • Russian | Russian
  • Tamil | Tamil
  • Thai | Thai
  • Farsi | مکارم شیرازی
  TAFSEER
  • العربية | التفسير الميسر
  • العربية | تفسير الجلالين
  • العربية | تفسير السعدي
  • العربية | تفسير ابن كثير
  • العربية | تفسير الوسيط لطنطاوي
  • العربية | تفسير البغوي
  • العربية | تفسير القرطبي
  • العربية | تفسير الطبري
  • English | Arberry
  • English | Yusuf Ali
  • Dutch | Keyzer
  • Dutch | Leemhuis
  • Dutch | Siregar
  • Urdu | Sirat ul Jinan
  HELP

اَلنِّسَآء
اَلنِّسَآء
  00:00



Download

اَلنِّسَآء
اَلنِّسَآء
  00:00



Download