READ
Surah An-Nahl
اَلنَّحْل
128 Ayaat مکیۃ
وَ اللّٰهُ جَعَلَ لَكُمْ مِّمَّا خَلَقَ ظِلٰلًا وَّ جَعَلَ لَكُمْ مِّنَ الْجِبَالِ اَكْنَانًا وَّ جَعَلَ لَكُمْ سَرَابِیْلَ تَقِیْكُمُ الْحَرَّ وَ سَرَابِیْلَ تَقِیْكُمْ بَاْسَكُمْؕ-كَذٰلِكَ یُتِمُّ نِعْمَتَهٗ عَلَیْكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْلِمُوْنَ(۸۱)
اور اللہ نے تمہیں اپنی بنائی ہوئی چیزوں (ف۱۷۸) سے سائے دیئے (ف۱۷۹) اور تمہارے لیے پہاڑوں میں چھپنے کی جگہ بنائی (ف۱۸۰) اور تمہارے لیے کچھ پہنادے بنائے کہ تمہیں گرمی سے بچائیں اور کچھ پہناوے (ف۱۸۱) کہ لڑائیں میں تمہاری حفاظت کریں (ف۱۸۲) یونہی اپنی نعمت تم پر پوری کرتا ہے (ف۱۸۳) کہ تم فرمان مانو (ف۱۸۴)
وبعد الحديث عن نعمة البيوت والأنعام جاء الحديث عن نعمة الظلال والجبال واللباس،فقال- تعالى-: وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِمَّا خَلَقَ ظِلالًا....والظلال: جمع ظل، وهو ما يستظل به الإنسان.أى: والله- تعالى- بفضله وكرمه جعل لكم ما تستظلون به من شدة الحر والبرد، كالأبنية والأشجار، وغير ذلك من الأشياء التي تستظلون بها.وقوله- تعالى- وَجَعَلَ لَكُمْ مِنَ الْجِبالِ أَكْناناً ... نعمة ثانية.والأكنان جمع كن- بكسر الكاف- وأصله السّترة، والجمع: أكنان وأكنّة، ومنه قوله- تعالى-: وَقالُوا قُلُوبُنا فِي أَكِنَّةٍ مِمَّا تَدْعُونا إِلَيْهِ ... أى في أستار وأغطية فلا يصل إليها قولك ...والمراد بالأكنان هنا: المغارات والأسراب والكهوف المنحوتة في بطون الجبال.أى: وجعل لكم- سبحانه- من الجبال مواضع تستترون فيها من الحر أو البرد أو المطر، أو غير ذلك من وجوه انتفاعكم بتلك الأكنان.وقوله- سبحانه- وَجَعَلَ لَكُمْ سَرابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ وَسَرابِيلَ تَقِيكُمْ بَأْسَكُمْ نعمة ثالثة. والسرابيل: جمع سربال وهي كل ما يتسربل به: أى يلبسه الناس للتستر والوقاية كالقمصان والثياب والدروع وغيرها. أى: وجعل لكم من فضله وكرمه ملابس تتقون بها ضرر الحر وضرر البرد، وملابس أخرى هي الدروع وما يشبهها- تتقون بها الضربات والطعنات التي تسدد إليكم في حالة الحرب.وقال- سبحانه-: تَقِيكُمُ الْحَرَّ مع أنها تقى من الحر والبرد، اكتفاء بذكر أحد الضدين عن الآخر، أو اكتفى بذكر الحر لأنه الأهم عندهم، إذ من المعروف أن بلاد العرب يغلب عليها الحر لا البرد.قال صاحب الكشاف: لم يذكر البرد، لأن الوقاية من الحر أهم عندهم، وقلما يهمهم البرد لكونه يسيرا محتملا، وقيل: ما يقي من الحر يقي من البرد، فدل ذكر الحر على البرد.وقال القرطبي: قال العلماء: في قوله- تعالى-: وَسَرابِيلَ تَقِيكُمْ بَأْسَكُمْ دليل على اتخاذ الناس عدة الجهاد ليستعينوا بها على قتال الأعداء. وقد لبسها النبي صلى الله عليه وسلم في حروبه.. .ثم ختم- سبحانه- الآية الكريمة بقوله: كَذلِكَ يُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْلِمُونَ أى: كذلك الإتمام السابغ للنعم التي أنعم بها- سبحانه- على عباده يتم نعمته عليكم المتمثلة في نعم الدين والدنيا، لعلكم بذلك تسلمون وجوهكم لله- عز وجل-، وتدخلون في دين الإسلام عن اختيار واقتناع، فإن من شاهد كل هذه النعم، لم يسعه إلا الدخول في الدين الحق.
فَاِنْ تَوَلَّوْا فَاِنَّمَا عَلَیْكَ الْبَلٰغُ الْمُبِیْنُ(۸۲)
پھر اگر وہ منہ پھیریں (ف۱۸۵) تو اے محبوب! تم پر نہیں مگر صاف پہنچا دینا، (ف۱۸۶)
ثم سلى الله- تعالى- نبيه صلى الله عليه وسلم عما أصابه من أعدائه فقال: فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّما عَلَيْكَ الْبَلاغُ الْمُبِينُ.وجواب الشرط محذوف، والتقدير: فإن استمر هؤلاء المشركون في إعراضهم عن دعوتك بعد هذا البيان والامتنان، فلا لوم عليك، فأنت عليك البلاغ الواضح ونحن علينا محاسبتهم، ومعاقبتهم بما يستحقون من عقاب.
یَعْرِفُوْنَ نِعْمَتَ اللّٰهِ ثُمَّ یُنْكِرُوْنَهَا وَ اَكْثَرُهُمُ الْكٰفِرُوْنَ۠(۸۳)
اللہ کی نعمت پہنچانتے ہیں (ف۱۸۷) پھر اس سے منکر ہوتے ہیں (ف۱۸۸) اور ان میں اکثر کافر ہیں، (ف۱۸۹)
وقوله- سبحانه-: يَعْرِفُونَ نِعْمَتَ اللَّهِ ثُمَّ يُنْكِرُونَها وَأَكْثَرُهُمُ الْكافِرُونَ استئاف مسوق لبيان الموقف الجحودى الذي وقفه المشركون من نعم الله- تعالى-.والمراد بالكفر في قوله- تعالى-: وَأَكْثَرُهُمُ الْكافِرُونَ الستر لنعم الله عن معرفة لها، وغمطها عن تعمد وإصرار.أى: إن هؤلاء المشركين، يعرفون نعم الله التي عددها في هذه السورة، كما أنهم يعترفون بأن خالقهم وخالق السموات والأرض هو الله، ولكنهم ينكرون هذه النعم بأفعالهم القبيحة، وأقوالهم الباطلة، كقولهم هذه النعم من الله ولكنها بشفاعة آلهتنا الأصنام، أو كقولهم: هذه النعم ورثناها عن آبائنا.وجاء التعبير بثم لاستبعاد الإنكار بعد المعرفة بالنعم، فإن من شأن العالم بالنعمة أن يؤدى الشكر لمسديها، وأن يستعملها فيما خلقت له.وقوله وَأَكْثَرُهُمُ الْكافِرُونَ أى: وأكثر هؤلاء الضالين. جاحدون لنعم الله عن علم بها لا عن جهل، وعن تذكر لا عن نسيان.وشبيه بهذه الآية قوله- تعالى-: وَجَحَدُوا بِها وَاسْتَيْقَنَتْها أَنْفُسُهُمْ ظُلْماً وَعُلُوًّا...قال صاحب فتح البيان: وعبر هنا بالأكثر في قوله- تعالى-: وَأَكْثَرُهُمُ الْكافِرُونَ والمراد الكل، لأنه قد يذكر الأكثر ويراد به الجميع، أو أراد بالأكثر العقلاء دون الأطفال ونحوهم، أو أراد كفر الجحود، ولم يكن كفر كلهم كذلك، بل كان كفر أقلهم عن جهل، وكفر أكثرهم بسبب تكذيبهم للرسول صلى الله عليه وسلم عنادا أو حسدا.. .وبذلك ترى الآيات الكريمة قد ساقت لنا ألوانا من نعم الله- تعالى- على عباده، وأدلة متعددة على وحدانيته وقدرته، وجانبا من موقف الكافرين من هذه النعم.ثم تحدثت السورة الكريمة بعد ذلك عن حال الظالمين يوم القيامة وعن الأقوال التي يقولونها عند ما يرون أصنامهم في هذا اليوم العصيب..قال تعالى:
وَ یَوْمَ نَبْعَثُ مِنْ كُلِّ اُمَّةٍ شَهِیْدًا ثُمَّ لَا یُؤْذَنُ لِلَّذِیْنَ كَفَرُوْا وَ لَا هُمْ یُسْتَعْتَبُوْنَ(۸۴)
اور جس دن (ف۱۹۰) ہم اٹھائیں گے ہر امت میں سے ایک گواہ (ف۱۹۱) پھر کافروں کو نہ اجازت ہو (ف۱۹۲) نہ وہ منائے جائیں، ف۱۹۳)
قال الإمام الرازي: اعلم أنه- تعالى- لما بين حال القوم، أنهم عرفوا نعمة الله ثم أنكروها، وذكر أيضا من حالهم أن أكثرهم الكافرون أتبعه بالوعيد، فذكر حال يوم القيامة فقال:. وَيَوْمَ نَبْعَثُ مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيداً ... وذلك يدل على أن أولئك الشهداء يشهدون عليهم بذلك الإنكار، وبذلك الكفر، والمراد بهؤلاء الشهداء: الأنبياء، كما قال- تعالى-:فَكَيْفَ إِذا جِئْنا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنا بِكَ عَلى هؤُلاءِ شَهِيداً.والمعنى: واذكر- أيها العاقل لتعتبر وتتعظ- يَوْمَ نَبْعَثُ فِي كُلِّ أُمَّةٍ أى: جماعة من الناس، «شهيدا» يشهد للمؤمن بالإيمان ويشهد على الكافر بالكفر.قال ابن عباس: شهيد كل أمة نبيها يشهد لهم بالإيمان والتصديق، وعليهم بالكفر والتكذيب.وقوله: ثُمَّ لا يُؤْذَنُ لِلَّذِينَ كَفَرُوا بيان للمصير السيئ الذي ينتظر هؤلاء الكافرين يوم القيامة.أى: ثم لا يؤذن للذين كفروا يوم القيامة في الاعتذار، عما كانوا عليه في الدنيا من عقائد زائفة، وأقوال باطلة، وأفعال قبيحة، كما قال- تعالى- في سورة أخرى: هذا يَوْمُ لا يَنْطِقُونَ. وَلا يُؤْذَنُ لَهُمْ فَيَعْتَذِرُونَ.أو المعنى: ثم لا يؤذن لهم في الرجوع إلى الدنيا ليتداركوا ما فاتهم من عقائد سليمة وأعمال صالحة، لأنهم قد تركوها ولا عودة لهم إليها. أى: ثم لا يؤذن لهم في الكلام، بعد أن ثبت بطلانه، وقامت عليهم الحجة والتعبير بثم للاشعار بأن مصيبتهم بسبب عدم قبول أعذارهم، أشد من مصيبتهم بسبب شهادة الأنبياء عليهم.قال صاحب الكشاف: فإن قلت ما معنى «ثم» هذه؟.قلت: معناها أنهم يبتلون بعد شهادة الأنبياء بما هو أطم منها، وهو أنهم يمنعون الكلام، فلا يؤذن لهم في إلقاء معذرة ولا إدلاء بحجة .وقوله- سبحانه-: وَلا هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ تيئيس آخر لهم في الحصول على شيء من رحمة الله- تعالى-. أى: لا يؤذن لهم في الاعتذار، ولا يقبل منهم أن يزيلوا عتب ربهم، أى: غضبه وسخطه عليهم، لأن العتاب إنما يطلب لأجل معاودة الرضا من العاتب، وهؤلاء قد انسد عليهم هذا الطريق، لأن الله- تعالى- قد سخط عليهم سخطا لا مجال لإزالته، بعد أن أصروا على كفرهم في الدنيا وماتوا على ذلك.قال القرطبي: قوله وَلا هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ أى لا يكلفون أن يرضوا ربهم لأن الآخرة ليست بدار تكليف، ولا يتركون إلى رجوع الدنيا فيتوبون.وأصل الكلمة من العتب- بفتح العين وسكون التاء- وهي الموجدة. يقال: عتب عليه يعتب، إذا وجد عليه، فإذا فاوضه فيما عتب عليه فيه، قيل: عاتبه، فإذا رجع الى مسرتك فقد أعتب، والاسم العتبى، وهو رجوع المعتوب عليه إلى ما يرضى العاتب.قال النابغة:فإن كنت مظلوما فعبدا ظلمته ... وإن كنت ذا عتبى فمثلك يعتبوبذلك ترى الآية الكريمة قد نفت عن الذين كفروا قبول أعذارهم، وقبول محاولتهم إرضاء ربهم عما كانوا عليه من كفر وزيغ في الدنيا.
وَ اِذَا رَاَ الَّذِیْنَ ظَلَمُوا الْعَذَابَ فَلَا یُخَفَّفُ عَنْهُمْ وَ لَا هُمْ یُنْظَرُوْنَ(۸۵)
اور ظلم کرنے والے (ف۱۹۴) جب عذاب دیکھیں گے اسی وقت سے نہ وہ ان پر سے ہلکا ہو نہ انہیں مہلت ملے،
ثم نفى- سبحانه- عنهم- أيضا- تخفيف العذاب أو تأخيره فقال: وَإِذا رَأَى الَّذِينَ ظَلَمُوا الْعَذابَ فَلا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ وَلا هُمْ يُنْظَرُونَ.أى: وإذا أبصر الذين ظلموا العذاب الذي أعد لهم في الآخرة بسبب ظلمهم وكفرهم في الدنيا، فزعوا وخافوا، ولكن خوفهم وفزعهم لن يغير من الأمر شيئا، إذ لا يخفف عنهم العذاب بسبب خوفهم أو فزعهم: ولا هم يمهلون أو يؤخرون عنه.وعلق- سبحانه- الرؤية بالعذاب، للإشعار بأن فجيعتهم الكبرى كانت عند إبصاره ومشاهدته.
وَ اِذَا رَاَ الَّذِیْنَ اَشْرَكُوْا شُرَكَآءَهُمْ قَالُوْا رَبَّنَا هٰۤؤُلَآءِ شُرَكَآؤُنَا الَّذِیْنَ كُنَّا نَدْعُوْا مِنْ دُوْنِكَۚ-فَاَلْقَوْا اِلَیْهِمُ الْقَوْلَ اِنَّكُمْ لَكٰذِبُوْنَۚ(۸۶)
اور شرک کرنے والے جب اپنے شریکوں کو دیکھیں گے (ف۱۹۵) کہیں گے اے ہمارے رب! یہ ہیں ہمارے شریک کہ ہم تیرے سوا پوجتے تھے، تو وہ ان پر بات پھینکیں گے کہ تم بیشک جھوٹے ہو، (ف۱۹۶)
ثم حكى سبحانه بعض ما يدور بينهم وبين معبوداتهم الباطلة يوم القيامة، فقال- تعالى-: وَإِذا رَأَى الَّذِينَ أَشْرَكُوا شُرَكاءَهُمْ، قالُوا رَبَّنا هؤُلاءِ شُرَكاؤُنَا الَّذِينَ كُنَّا نَدْعُوا مِنْ دُونِكَ ...قال القرطبي: قوله- تعالى-: وَإِذا رَأَى الَّذِينَ أَشْرَكُوا شُرَكاءَهُمْ أى: أصنامهم وأوثانهم التي عبدوها، وذلك أن الله يبعث معبوديهم فيتبعونهم حتى يوردوهم النار. وفي صحيح مسلم: «من كان يعبد شيئا فليتبعه» فيتبع من كان يعبد الشمس الشمس، ويتبع من كان يعبد القمر القمر، ويتبع من كان يعبد الطواغيت الطواغيت ... ».وقال الآلوسى: والمراد بشركائهم: كل من اتخذوه شريكا له- عز وجل- من صنم، ووثن، وشيطان، وآدمي، وملك.. وإضافتهم إلى ضمير المشركين لهذا الاتخاذ- أى لاتخاذهم إياهم شركاء لله في العبادة- أو لأنهم جعلوا لهم نصيبا من أموالهم وأنعامهم» .أى: وإذا أبصر المشركون يوم القيامة شركاءهم الذين أشركوهم مع الله- تعالى- في العبادة، «قالوا» أى المشركون على سبيل التحسر والتفجع يا ربنا هؤلاء شركاؤنا الذين كنا في الدنيا نعبدهم من دونك، ونتقرب بهم إليك، فلا تجعل يا ربنا العذاب علينا وحدنا بل خففه أو ارفعه عنا فهؤلاء الشركاء هم الذين أضلونا.قال أبو مسلم: ومقصود المشركين بهذا القول إحالة الذنب على تلك الأصنام تعللا بذلك واسترواحا، مع كونهم يعلمون أن العذاب واقع بهم لا محالة، ولكن الغريق يتعلق بكل ما تقع يده عليه .وقوله- تعالى-: فَأَلْقَوْا إِلَيْهِمُ الْقَوْلَ إِنَّكُمْ لَكاذِبُونَ حكاية لما رد به الشركاء على المشركين. أى: فرد أولئك الشركاء من الأصنام وغيرها على المشركين بقولهم: إنكم لكاذبون- أيها المشركون- في إحالتكم الذنب علينا، فإننا ما دعوناكم لعبادتنا، ولا أجبرناكم على الإشراك بالله- تعالى-، ولكنكم أنتم الذين اخترتم هذا الطريق المعوج، تقليدا لآبائكم واستجابة لأهوائكم وشهواتكم، وإيثارا للباطل على الحق وما رد به الشركاء على المشركين هنا، قد جاء ما يشبهه في آيات كثيرة، منها قوله- تعالى-: وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ آلِهَةً لِيَكُونُوا لَهُمْ عِزًّا. كَلَّا سَيَكْفُرُونَ بِعِبادَتِهِمْ وَيَكُونُونَ عَلَيْهِمْ ضِدًّا .وقوله- تعالى-: وَقالَ الشَّيْطانُ لَمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ، وَما كانَ لِي عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطانٍ إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ.. .قال القرطبي: وقوله- تعالى-: فَأَلْقَوْا إِلَيْهِمُ الْقَوْلَ ... أى: ألقت إليهم الآلهة القول، أى: نطقت بتكذيب من عبدها. بأنها لم تكن آلهة، ولا أمرتهم بعبادتها، فينطق الله الأصنام حتى تظهر عند ذلك فضيحة الكفار .وقال الجمل: فإن قلت: كيف أثبت للأصنام نطقا هنا، ونفاه عنها في قوله- تعالى- في سورة الكهف: وَيَوْمَ يَقُولُ نادُوا شُرَكائِيَ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ فَدَعَوْهُمْ فَلَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُمْ ...فالجواب: أن المثبت لهم هنا النطق بتكذيب المشركين في دعوى عبادتهم لها، والمنفي عنهم في الكهف النطق بالإجابة إلى الشفاعة لهم ودفع العذاب عنهم فلا تنافى.والتعبير بقوله- تعالى-: فَأَلْقَوْا إِلَيْهِمُ الْقَوْلَ ... يشعر بأن الشركاء قد ردوا على المشركين قولهم بسرعة وبدون إبطاء حيث أتى- سبحانه- بالفاء في قوله فَأَلْقَوْا واشتملت جملة «إنكم لكاذبون» على جملة من المؤكدات، لإفحام المشركين، وتكذيبهم في قولهم تكذيبا قاطعا لا يحتمل التأويل.
وَ اَلْقَوْا اِلَى اللّٰهِ یَوْمَىٕذِ ﹰالسَّلَمَ وَ ضَلَّ عَنْهُمْ مَّا كَانُوْا یَفْتَرُوْنَ(۸۷)
اور اس دن (ف۱۹۷) اللہ کی طرف عاجزی سے گریں گے (ف۱۹۸) اور ان سے گم ہوجائیں گی جو بناوٹیں کرتے تھے، ف۱۹۹)
ولذا وجدنا المشركين يعجزون عن الرد على شركائهم، بدليل قوله- تعالى- بعد ذلك:وَأَلْقَوْا إِلَى اللَّهِ يَوْمَئِذٍ السَّلَمَ، وَضَلَّ عَنْهُمْ ما كانُوا يَفْتَرُونَ.أى: وألقى المشركون يوم القيامة «السلم» أى: الاستسلام والخضوع والانقياد، لقضاء الله- تعالى- العادل فيهم، وغاب وذهب عنهم ما كانوا يفترونه ويزعمونه في الدنيا من أن آلهتهم ستشفع لهم، أو ستنفعهم يوم القيامة.وقيل: إن الضمير في قوله- تعالى- وَأَلْقَوْا يعود على المشركين وشركائهم. أى.استسلم العابدون والمعبودون وانقادوا لحكم الله الواحد القهار فيهم.
اَلَّذِیْنَ كَفَرُوْا وَ صَدُّوْا عَنْ سَبِیْلِ اللّٰهِ زِدْنٰهُمْ عَذَابًا فَوْقَ الْعَذَابِ بِمَا كَانُوْا یُفْسِدُوْنَ(۸۸)
جنہوں نے کفر کیا اور اللہ کی راہ سے روکا ہم نے عذاب پر عذاب بڑھایا (ف۲۰۰) بدلہ ان کے فساد کا،
ثم بين- سبحانه- مصير الذين لم يكتفوا بالكفر، بل ضموا إليه رذائل أخرى فقال- تعالى-: الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ زِدْناهُمْ عَذاباً فَوْقَ الْعَذابِ بِما كانُوا يُفْسِدُونَ أى: الذين لم يكتفوا بكفرهم، بل أضافوا إلى ذلك أنهم «صدوا» غيرهم ومنعوه «عن سبيل الله» أى: عن اتباع الصراط المستقيم، والطريق القويم وهو طريق الإسلام.. هؤلاء الأشقياء الذين فعلوا ذلك: «زدناهم عذابا» شديدا «فوق العذاب» الذي يستحقونه «بما كانوا يفسدون» أى: بسبب فسادهم في الأرض وكفرهم بالحق، وصدهم الناس عن اتباعه.وهذه الزيادة في عذابهم، وردت آثار عن بعض الصحابة في بيانها. ومن ذلك ما روى عن ابن مسعود- رضى الله عنه- أنه قال: «زيدوا عقارب لها أنياب كالنخل الطوال ينهشونهم في جهنم».قال ابن كثير: وهذا دليل على تفاوت الكفار في عذابهم، كما يتفاوت المؤمنون في منازلهم في الجنة ودرجاتهم .
وَ یَوْمَ نَبْعَثُ فِیْ كُلِّ اُمَّةٍ شَهِیْدًا عَلَیْهِمْ مِّنْ اَنْفُسِهِمْ وَجِئْنَا بِكَ شَهِیْدًا عَلٰى هٰۤؤُلَآءِؕ-وَ نَزَّلْنَا عَلَیْكَ الْكِتٰبَ تِبْیَانًا لِّكُلِّ شَیْءٍ وَّ هُدًى وَّ رَحْمَةً وَّ بُشْرٰى لِلْمُسْلِمِیْنَ۠(۸۹)
اور جس دن ہم ہر گروہ میں ایک گواہ انہیں میں سے اٹھائیں گے کہ ان پر گواہی دے (ف۲۰۱) اور اے محبوب! تمہیں ان سب پر (ف۲۰۲) شاہد بناکر لائیں گے، اور ہم نے تم پر یہ قرآن اتارا کہ ہر چیز کا روشن بیان ہے (ف۲۰۳) اور ہدایت اور رحمت اور بشارت مسلمانوں کو،
ثم أكد- سبحانه- أمر البعث، وأنه آت لا ريب فيه، فقال- تعالى-: وَيَوْمَ نَبْعَثُ فِي كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيداً عَلَيْهِمْ مِنْ أَنْفُسِهِمْ.والمراد بالشهيد هنا: كل نبي بعثه الله- تعالى- لأمة من الأمم السابقة كنوح، وإبراهيم، وموسى، وعيسى، وغيرهم من الأنبياء السابقين- عليهم الصلاة والسلام-.والظرف «يوم» متعلق بمحذوف تقديره: اذكر.والمعنى: واذكر- أيها العاقل لتتعظ وتعتبر- يوم القيامة- يوم نبعث في كل أمة من الأمم السابقة، نبيها الذي أرسل إليها في الدنيا، ليشهد عليها الشهادة الحق، بأن يشهد لمؤمنها بالإيمان، ولكافرها بالكفر.وقوله- سبحانه-: مِنْ أَنْفُسِهِمْ أى: من جنسهم وبيئتهم، ليكون أتم للحجة، وأقطع للمعذرة، وأدعى إلى العدالة والإنصاف.قال الآلوسى: ولا يرد لوط- عليه السلام- فإنه لما تأهل فيهم وسكن معهم عد منهم- أيضا-.وقال ابن عطية: يجور أن يبعث الله شهداء من الصالحين مع الأنبياء- عليهم السلام-.وقد قال بعض الصحابة: إذا رأيت أحدا على معصية فانهه فإن أطاعك وإلا كنت شهيدا عليه يوم القيامة.وقوله- سبحانه-: وَجِئْنا بِكَ شَهِيداً عَلى هؤُلاءِ خطاب للنبي صلى الله عليه وسلم على سبيل التشريف والتكريم. أى: وجئنا بك- أيها الرسول الكريم- يوم القيامة شهيدا على هؤلاء الذين أرسلك الله- تعالى- لإخراجهم من الظلمات إلى النور.وإيثار لفظ المجيء على البعث، لكمال العناية بشأنه صلى الله عليه وسلم.قال ابن كثير قوله: وَجِئْنا بِكَ شَهِيداً عَلى هؤُلاءِ يعنى أمتك. أى اذكر ذلك اليوم وهوله، وما منحك الله فيه من الشرف العظيم، والمقام الرفيع. وهذه الآية شبيهة بالآية التي انتهى إليها عبد الله بن مسعود حين قرأ على رسول الله صلى الله عليه وسلم صدر سورة النساء فلما وصل إلى قوله- تعالى- فَكَيْفَ إِذا جِئْنا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنا بِكَ عَلى هؤُلاءِ شَهِيداً فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم «حسبك» . فقال ابن مسعود: فالتفت فإذا عيناه صلى الله عليه وسلم تذرفان. أى بالدموع ....والمراد بشهادته على أمته صلى الله عليه وسلم: تصريحه بأنه قد بلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح لأمته، وتزكيته لأعمال الصالحين منها، ورجاؤه من الله- تعالى- في هذا اليوم العصيب أن يغفر للعصاة من هذه الأمة.ويرى بعضهم أن المراد بهؤلاء في قوله: وَجِئْنا بِكَ شَهِيداً عَلى هؤُلاءِ أى: على الأنبياء السابقين وأممهم.ويبدو لنا أن الرأى الأول أقرب إلى الصواب، لأنه هو الظاهر من معنى الجملة الكريمة، ولأن آية سورة النساء فَكَيْفَ إِذا جِئْنا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ تؤيده.ثم ختم- سبحانه- الآية الكريمة ببيان ما أنزله عليه من وحى فيه الشفاء للصدور، والموعظة للنفوس فقال- تعالى-: وَنَزَّلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ تِبْياناً لِكُلِّ شَيْءٍ، وَهُدىً وَرَحْمَةً وَبُشْرى لِلْمُسْلِمِينَ.والتبيان: مصدر يدل على التكثير. قالوا: ولم يجئ من المصادر على هذه الزنة إلا لفظان لفظ التبيان، ولفظ التلقاء. أى: «ونزلنا عليك» - أيها الرسول الكريم- «الكتاب» الكامل الجامع وهو القرآن الكريم «تبيانا» . أى: بيانا بليغا شاملا «لكل شيء» على سبيل الإجمال تارة، وعلى سبيل التفصيل تارة أخرى.وقوله: وَهُدىً وَرَحْمَةً وَبُشْرى لِلْمُسْلِمِينَ صفات أخرى للكتاب.أى: أنزلنا عليك القرآن ليكون تبيانا لكل شيء وليكون هداية للناس إلى طريق الحق والخير، ورحمة لهم من العذاب، وبشارة لمن أسلموا وجوههم لله- تعالى- وأحسنوا القول والعمل، لا لغيرهم ممن آثروا الكفر على الإيمان، والغىّ على الرشد.قال الجمل ما ملخصه: وقوله: تِبْياناً لِكُلِّ شَيْءٍ أى بيانا بليغا، فالتبيان أخص من مطلق البيان على القاعدة: أن زيادة المبنى تدل على زيادة المعنى.وهذا التبيان إما في نفس الكتاب، أو بإحالته على السنة لقوله- تعالى-: ... وَما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَما نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا ...، أو بإحالته على الإجماع كما قال- تعالى-: وَمَنْ يُشاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ ما تَوَلَّى ... أو على القياس كما قال: فَاعْتَبِرُوا يا أُولِي الْأَبْصارِ والاعتبار: النظر والاستدلال اللذان يحصل بهما القياس.فهذه أربعة طرق لا يخرج شيء من أحكام الشريعة عنها، وكلها مذكورة في القرآن، فكان تبيانا لكل شيء فاندفع ما قيل: كيف قال الله- تعالى- وَنَزَّلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ تِبْياناً لِكُلِّ شَيْءٍ ونحن نجد كثيرا من أحكام الشريعة لم يعلم من القرآن نصا، كعدد ركعات الصلاة، ومقدار حد الشرب، ونصاب السرقة وغير ذلك ....وبعد أن مدح- سبحانه- القرآن الكريم، بأن فيه تبيان كل شيء، وأنه هداية ورحمة وبشرى للمسلمين، أتبع ذلك بآيات كريمة أمرت المسلمين بأمهات الفضائل، وبجماع مكارم الأخلاق، ونهتهم عن الفواحش والرذائل لتكون كالدليل على ما في هذا الكتاب من تبيان وهدى ورحمة فقال- تعالى-:
اِنَّ اللّٰهَ یَاْمُرُ بِالْعَدْلِ وَ الْاِحْسَانِ وَ اِیْتَآئِ ذِی الْقُرْبٰى وَ یَنْهٰى عَنِ الْفَحْشَآءِ وَ الْمُنْكَرِ وَ الْبَغْیِۚ-یَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُوْنَ(۹۰)
بیشک اللہ حکم فرماتا ہے انصاف اور نیکی (ف۲۰۴) اور رشتہ داروں کے دینے کا (ف۲۰۵) اور منع فرماتا بے حیائی (ف۲۰۶) اور برُی بات (ف۲۰۷) اور سرکشی سے (ف۲۰۸) تمہیں نصیحت فرماتا ہے کہ تم دھیان کرو،
قال القرطبي ما ملخصه: قوله- تعالى-: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسانِ اختلف العلماء في تأويل العدل والإحسان، فقال ابن عباس: العدل: لا إله إلا الله، والإحسان:أداء الفرائض. وقيل العدل: الفرض. والإحسان: النافلة، وقال على بن أبى طالب:العدل: الإنصاف. والإحسان: التفضل.وقال ابن العربي: العدل بين العبد وربه: إيثار حقه- تعالى- على حظ نفسه، وتقديم رضاه على هواه، والاجتناب للزواجر والامتثال للأوامر. وأما العدل بينه وبين نفسه فمنعه ما فيه هلاكها.. وأما العدل بينه وبين غيره فبذل النصيحة، وترك الخيانة فيما قل أو كثر، والإنصاف من نفسك لهم بكل وجه.وأما الإحسان فهو مصدر أحسن يحسن إحسانا. ويقال على معنيين: أحدهما: متعد بنفسه، كقولك: أحسنت كذا، أى: حسنته وأتقنته وكملته، وهو منقول بالهمزة من حسن الشيء. وثانيهما: متعد بحرف جر، كقولك: أحسنت إلى فلان، أى: أوصلت إليه ما ينتفع به. وهو في هذه الآية مراد بالمعنيين معا...ومن هذا الكلام الذي نقلناه بشيء من التلخيص عن الإمام القرطبي، يتبين لنا أن العدل هو أن يلتزم الإنسان جانب الحق والقسط في كل أقواله وأعماله، وأن الإحسان يشمل إحسان الشيء في ذاته سواء أكان هذا الشيء يتعلق بالعقائد أم بالعبادات أم بغيرهما، كما يشمل إحسان المسلم إلى غيره.فالإحسان أوسع مدلولا من العدل: لأنه إذا كان العدل معناه: أن تعطى كل ذي حق حقه، بدون إفراط أو تفريط، فإن الإحسان يندرج تحته أن تضيف إلى ذلك: العفو عمن أساء إليك، والصلة لمن قطعك، والعطاء لمن حرمك.وإيثار صيغة المضارع في قوله: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ ... لإفادة التجدد والاستمرار. ولم يذكر- سبحانه- متعلقات العدل والإحسان ليعم الأمر جميع ما يعدل فيه، وجميع ما يجب إحسانه وإتقانه من أقوال وأعمال، وجميع ما ينبغي أن تحسن إليه من إنسان أو حيوان أو غيرهما.وقوله- تعالى-: وَإِيتاءِ ذِي الْقُرْبى فضيلة ثالثة معطوفة على ما قبلها من عطف الخاص على العام، إذ هي مندرجة في العدل والإحسان.وخصها- سبحانه- بالذكر اهتماما بأمرها، وتنويها بشأنها، وتعظيما لقدرها.والإيتاء: مصدر بمعنى الإعطاء، وهو هنا مصدر مضاف لمفعوله.والمعنى: إن الله- تعالى- يأمركم- أيها المسلمون- أمرا دائما وواجبا، أن تلتزموا الحق والإنصاف في كل أقوالكم وأفعالكم وأحكامكم، وأن تلتزموا التسامح والعفو والمراقبة لله- تعالى- في كل أحوالكم.كما يأمركم أن تقدموا لأقاربكم على سبيل المعاونة والمساعدة، ما تستطيعون تقديمه لهم من خير وبر..لأن هذه الفضائل متى سرت بينكم، نلتم السعادة في دينكم ودنياكم، إذ بالعدل ينال كل صاحب حق حقه، وبالإحسان يكون التحاب والتواد والتراحم، وبصلة الأقارب يكون التكافل والتعاون ...وبعد أن أمر- سبحانه- بأمهات الفضائل، نهى عن رءوس الرذائل فقال- تعالى-:وَيَنْهى عَنِ الْفَحْشاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ ...والفحشاء: كل ما اشتد قبحه من قول أو فعل. وخصها بعضهم بالزنا.والمنكر: كل ما أنكره الشرع بالنهى عنه، فيعم جميع المعاصي والرذائل والدناءات على اختلاف أنواعها.والبغي: هو تجاوز الحد في كل شيء يقال: بغى فلان على غيره، إذا ظلمه وتطاول عليه.وأصله من بغى الجرح إذا ترامى إليه الفساد ...أى: كما أمركم- سبحانه- بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى، فإنه- تعالى- ينهاكم عن كل قبيح وعن كل منكر، وعن كل تجاوز لما شرعه الله- عز وجل-.وذلك لأن هذه الرذائل ما شاعت في أمة إلا وكانت عاقبتها خسرا، وأمرها فرطا، والفطرة البشرية النقية تأبى الوقوع أو الاقتراب من هذه الرذائل، لأنها تتنافى مع العقول السليمة، ومع الطباع القويمة.ومهما روج الذين لم ينبتوا نباتا حسنا لتلك الرذائل، فإن النفوس الطاهرة، تلفظها بعيدا عنها، كما يلفظ الجسم الأشياء الغريبة التي تصل إليه.ثم ختم- سبحانه- الآية الكريمة بقوله: يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ أى: ينبهكم- سبحانه- أكمل تنبيه وأحكمه إلى ما يصلحكم عن طريق اتباع ما أمركم به وما نهاكم عنه، لعلكم بذلك تحسنون التذكر لما ينفعكم، وتعملون بمقتضى ما علمكم- سبحانه.هذا، وقد ذكر المفسرون في فضل هذه الآية كثيرا من الآثار والأقوال، ومن ذلك ما أخرجه الحافظ أبو يعلى في كتاب معرفة الصحابة.. قال: بلغ أكثم بن صيفي مخرج النبي صلى الله عليه وسلم فأراد أن يأتيه، فأبى قومه أن يدعوه وقالوا له: أنت كبيرنا لم تكن لتخف إليه.قال: فليأته من يبلغه عنى ويبلغني عنه. فانتدب رجلان فأتيا النبي صلى الله عليه وسلم فقالا له: نحن رسل أكثم بن صيفي وهو يسألك من أنت وما أنت؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «أما أنا فمحمد ابن عبد الله، وأما ما أنا، فأنا عبد الله ورسوله» .ثم تلا عليهم هذه الآية: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسانِ.. الآية.فقالوا: ردد علينا هذا القول، فردده عليهم حتى حفظوه، فأتيا أكثم فقالا له: أبى أن يرفع نسبه فسألنا عن نسبه فوجدناه زاكي النسب.. وقد رمى إلينا بكلمات قد سمعناها فلما سمعهن أكثم قال: إنى أراه يأمر بمكارم الأخلاق وينهى عن ملائمها، فكونوا في هذا الأمر رءوسا، ولا تكونوا فيه أذنابا .وعن ابن عباس- رضى الله عنهما- قال: أعظم آية في كتاب الله: «الله لا إله إلا هو الحي القيوم..» . وأجمع آية في كتاب الله للخير والشر: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسانِ وأكثر آية في كتاب الله تفويضا: وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ ... وأشد آية في كتاب الله رجاء: يا عِبادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً.. .
وَ اَوْفُوْا بِعَهْدِ اللّٰهِ اِذَا عٰهَدْتُّمْ وَ لَا تَنْقُضُوا الْاَیْمَانَ بَعْدَ تَوْكِیْدِهَا وَ قَدْ جَعَلْتُمُ اللّٰهَ عَلَیْكُمْ كَفِیْلًاؕ-اِنَّ اللّٰهَ یَعْلَمُ مَا تَفْعَلُوْنَ(۹۱)
اور اللہ کا عہد پورا کرو (ف۲۰۹) جب قول باندھو اور قسمیں مضبوط کرکے نہ توڑو اور تم اللہ کو (ف۲۱۰) اپنے اوپر ضامن کرچکے ہو، بیشک تمہارے کام جانتا ہے،
ثم أمرهم- سبحانه- بالوفاء بالعهود فقال: وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذا عاهَدْتُمْ ...والعهد: ما من شأنه أن يراعى ويحفظ، كاليمين والوصية وما يشبههما.وعهد الله: أوامره ونواهيه وتكاليفه الشرعية التي كلف الناس بها، والوفاء بعهد الله- تعالى-: يتأتى بتنفيذ أوامره وتكاليفه، واجتناب ما نهى عنه.قال القرطبي: قوله- تعالى-: وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ ... لفظ عام لجميع ما يعقد باللسان، ويلتزمه الإنسان من بيع أو صلة، أو مواثقة في أمر موافق للديانة.وهذه الآية مضمن قوله- تعالى-: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسانِ لأن المعنى فيها: افعلوا كذا، وانتهوا عن كذا، فعطف على ذلك التقدير.وقد قيل إنها نزلت في بيعة النبي صلى الله عليه وسلم على الإسلام. وقيل: نزلت في التزام الحلف الذي كان في الجاهلية، وجاء الإسلام بالوفاء به- كحلف الفضول-.والعموم يتناول كل ذلك ... .والمعنى: إن الله يأمركم- أيها المسلمون- بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى، ويأمركم- أيضا- بالوفاء بالعهود التي التزمتم بها مع الله- تعالى- أو مع الناس.والآيات التي وردت في وجوب الوفاء بالعهود كثيرة ومن ذلك قوله- تعالى-: وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كانَ مَسْؤُلًا .وخص- سبحانه- الأمر بالوفاء بالعهد بالذكر- مع أنه داخل في المأمورات التي اشتملت عليها الآية السابقة كما أشار إلى ذلك القرطبي في كلامه السابق- لأن الوفاء بالعهود من آكد الحقوق وأوجبها على الإنسان.وقوله تعالى: وَأَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ .ومن الأحاديث التي وردت في ذلك ما رواه الشيخان عن أبى هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «آية المنافق ثلاث: إذا حدث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا ائتمن خان» ..وقوله- سبحانه-: وَلا تَنْقُضُوا الْأَيْمانَ بَعْدَ تَوْكِيدِها ... تأكيد للأمر بالوفاء، وتحذير من الخيانة والغدر.والنقض في اللغة: حقيقة في فسخ ما ركب بفعل يعاكس الفعل الذي كان به التركيب.واستعمل هنا على سبيل المجاز في إبطال العهد.والأيمان: جمع يمين. وتطلق بمعنى الحلف والقسم. وأصل ذلك أن العرب كانوا إذا أرادوا توثيق عهودهم بالقسم يقسمونه، ووضع كل واحد من المتعاهدين يمينه في يمين صاحبه.أى: كونوا أوفياء بعهودكم، ولا تنقضوا الأيمان بعد توكيدها، أى: بعد توثيقها وتغليظها عن طريق تكرارها بمرة ومرتين، أو عن طريق الإتيان فيها ببعض أسماء الله- تعالى- وصفاته.وقوله- تعالى-: بَعْدَ تَوْكِيدِها للإشعار بأن نقض الأيمان وإن كان قبيحا في كل حالة، فهو في حالة توكيد الأيمان وتغليظها أشد قبحا.ولذا قال بعض العلماء: وهذا القيد لموافقة الواقع، حيث كانوا يؤكدون أيمانهم في المعاهدة، وحينئذ فلا مفهوم له، فلا يختص النهى عن النقض بحالة التوكيد، بل نقض اليمين منهى عنه مطلقا. أو يراد بالتوكيد القصد، ويكون احترازا عن لغو اليمين. وهي الصادرة عن غير قصد للحلف».وقال الإمام ابن كثير ما ملخصه: ولا تعارض بين هذه الآية وبين قوله صلى الله عليه وسلم فيما ثبت عنه في الصحيحين أنه قال: «إنى والله إن شاء الله لا أحلف على يمين فأرى غيرها خيرا منها، إلا أتيت الذي هو خير وتحللتها- وفي رواية- وكفرت عن يميني» لأن هذه الأيمان المراد بها في الآية: الداخلة في العهود والمواثيق، لا الأيمان التي هي واردة في حث أو منع..».والخلاصة، أن الآية الكريمة تنهى المؤمن عن نقض الأيمان نهيا عاما، إلا أن السنة النبوية الصحيحة قد خصصت هذا التعميم بإباحة نقض اليمين إذا كانت مانعة من فعل خير، ويؤيد هذا التخصيص قوله- تعالى-: وَلا تَجْعَلُوا اللَّهَ عُرْضَةً لِأَيْمانِكُمْ أَنْ تَبَرُّوا وَتَتَّقُوا وَتُصْلِحُوا بَيْنَ النَّاسِ...وجملة «وقد جعلتم الله عليكم كفيلا..» حال من فاعل «تنقضوا» ، وهي مؤكدة لمضمون ما قبلها من وجوب الوفاء بالعهود والنهى عن نقضها.والكفيل: من يكفل غيره، أى: يضمنه في أداء ما عليه.أى: ولا تنقضوا الأيمان بعد توكيدها، والحال أنكم قد جعلتم الله- تعالى- ضامنا لكم فيما التزمتم به من عهود، وشاهدا ورقيبا على أقوالكم وأعمالكم.فالجملة الكريمة تحذر المتعاهدين من النقض بعد أن جعلوا الله- تعالى- كفيلا عليهم.ثم ختم- سبحانه- الآية الكريمة بهذا التهديد الخفى فقال- تعالى-: إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ ما تَفْعَلُونَ. أى: إن الله- تعالى- يعلم ما تفعلون من الوفاء أو النقض، وسيجاز بكم بما تستحقون من خير أو شر، فالمراد من العلم لازمه، وهو المجازاة على الأعمال.
وَ لَا تَكُوْنُوْا كَالَّتِیْ نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِنْۢ بَعْدِ قُوَّةٍ اَنْكَاثًاؕ-تَتَّخِذُوْنَ اَیْمَانَكُمْ دَخَلًۢا بَیْنَكُمْ اَنْ تَكُوْنَ اُمَّةٌ هِیَ اَرْبٰى مِنْ اُمَّةٍؕ-اِنَّمَا یَبْلُوْكُمُ اللّٰهُ بِهٖؕ-وَ لَیُبَیِّنَنَّ لَكُمْ یَوْمَ الْقِیٰمَةِ مَا كُنْتُمْ فِیْهِ تَخْتَلِفُوْنَ(۹۲)
اور (ف۲۱۱) اس عورت کی طرح نہ ہو جس نے اپنا سُوت مضبوطی کے بعد ریزہ ریزہ کرکے توڑ دیا (ف۲۱۲) اپنی قسمیں آپس میں ایک بے اصل بہانہ بناتے ہو کہ کہیں ایک گروہ دوسرے گروہ سے زیادہ نہ ہو (ف۲۱۳) اللہ تو اس سے تمہیں آزماتا ہے (ف۲۱۴) اور ضرور تم پر صاف ظاہر کردے گا قیامت کے دن (ف۲۱۹) جس بات میں جھگڑتے تھے، (ف۲۱۶)
ثم ضرب- سبحانه- مثلا لتقبيح نقض العهد، فقال- تعالى-: وَلا تَكُونُوا كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَها مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ أَنْكاثاً.وقوله: غَزْلَها اى: مغزولها، فهو مصدر بمعنى المفعول. والفعل منه غزل يغزل- بكسر الزاى.. من باب ضرب. يقال غزلت المرأة الصوف أو القطن غزلا.والجار والمجرور في قوله مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ متعلق بالفعل نَقَضَتْ أى: نقضته وأفسدته من بعد إبرامه وإحكامه.وأَنْكاثاً حال مؤكدة من غَزْلَها، ويجوز أن يكون مفعولا ثانيا، بتضمين الفعل نقضت معنى صيرت أو جعلت.والأنكاث: جمع نكث- بكسر النون-، بمعنى منكوث أى منقوض، وهو ما نقض وحل فتله ليغزل ثانيا، والجمع أنكاث كحمل وأحمال.يقال: نكث الرجل العهد نكثا- من باب قتل- إذا نقضه ونبذه، ومنه قوله- تعالى- فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّما يَنْكُثُ عَلى نَفْسِهِ.قال ابن كثير: هذه امرأة خرقاء كانت بمكة، كلما غزلت شيئا نقضته بعد إبرامه.وقال مجاهد وقتادة وابن زيد: هذا مثل لمن نقض عهده بعد توكيده. وهذا أرجح وأظهر سواء أكان بمكة امرأة تنقض غزلها أم لا .والمعنى: كونوا- أيها المسلمون- أوفياء بعهودكم، ولا تنقضوها بعد إبرامها، فإنكم إن نقضتموها كان مثلكم كمثل تلك المرأة الحمقاء، التي كانت تفتل غزلها فتلا محكما، ثم تنقضه بعد ذلك، وتتركه مرة أخرى قطعا منكوثة محلولة..فالجملة الكريمة تحقر في كل جزئية من جزئياتها، حال من ينقض العهد، وتشبهه على سبيل التنفير والتقبيح بحال امرأة ملتاثه في عقلها، مضطربة في تصرفاتها.وقوله- سبحانه-: تَتَّخِذُونَ أَيْمانَكُمْ دَخَلًا بَيْنَكُمْ أَنْ تَكُونَ أُمَّةٌ هِيَ أَرْبى مِنْ أُمَّةٍ.إبطال للأسباب التي كان يتخذها بعض الناس ذرائع ومبررات لنقض العهود.والدّخل- بفتح الخاء-: المكر والغش والخديعة. وهو في الأصل اسم للشيء الذي يدخل في غيره وليس منه.قال الراغب: والدخل كناية عن الفساد والعداوة المستبطنة، كالدّغل، وعن الدعوة في النسب ... ومنه قيل: شجرة مدخولة- أى ليست من جنس الأشجار التي حولها.وقوله أَنْ تَكُونَ أُمَّةٌ ... متعلق بقوله تَتَّخِذُونَ.وقوله أَرْبى مأخوذ من الربو بمعنى الزيادة والكثرة. يقال: ربا الشيء يربو إذا زاد وكثر.والمعنى: لا تكونوا مشبهين لامرأة هذا شأنها، حالة كونكم متخذين أيمانكم وأقسامكم وسيلة للغدر والخيانة، من أجل أن هناك جماعة أوفر عددا وأكثر مالا من جماعة أخرى.قال القرطبي: قال المفسرون: نزلت هذه الآية في العرب الذين كانت القبيلة منهم إذا حالفت أخرى، ثم جاءت إحداهما قبيلة أخرى كبيرة قوية فداخلتها غدرت بالأولى ونقضت عهدها، ورجعت إلى هذه الكبرى، فنهاهم الله- تعالى-: أن ينقضوا العهود من أجل أن طائفة أكثر من طائفة أخرى، أو أكثر أموالا ...وقال الفراء: المعنى: لا تغدروا بقوم لقلتهم وكثرتكم، أو لقلتكم وكثرتهم وقد عززتموهم بالأيمان.وقال ابن كثير: قال مجاهد: كانوا يحالفون الحلفاء، فيجدون أكثر منهم وأعز، فينقضون حلف هؤلاء ويحالفون أولئك الذين هم أكثر وأعز، فنهوا عن ذلك.والخلاصة: أن الآية الكريمة تدعو إلى وجوب الوفاء بالعهود في جميع الأحوال، وتنهى عن اللجوء إلى الذرائع الباطلة، من أجل نقض العهود، إذ الإسلام لا يقر هذه الذرائع وتلك المبررات، بدعوى أن هناك جماعة أقوى من جماعة، أو دولة أعز من دولة، وإنما الذي يقره الإسلام هو مراعاة الوفاء بالعهود، وعدم اتخاذ الأيمان وسيلة للغش والخداع.والضمير المجرور في قوله: إِنَّما يَبْلُوكُمُ اللَّهُ بِهِ يعود على مضمون الجملة المتقدمة وهي قوله- تعالى-: أَنْ تَكُونَ أُمَّةٌ هِيَ أَرْبى مِنْ أُمَّةٍ.أى: إنما يبلوكم الله ويختبركم بكون أمة أربى من أمة، لينظر أتفون بعهودكم أم لا. وإلى هذا المعنى أشار صاحب الكشاف بقوله: قوله- تعالى-: إِنَّما يَبْلُوكُمُ اللَّهُ بِهِ الضمير لقوله: أَنْ تَكُونَ أُمَّةٌ ... لأنه في معنى المصدر. أى: إنما يختبركم بكونهم أربى، لينظر أتتمسكون بحبل الوفاء بعهد الله، وما عقدتم على أنفسكم ووكدتم من أيمان البيعة لرسول الله صلى الله عليه وسلم أم تغترون بكثرة قريش وثروتهم وقوتهم. وقلة المؤمنين وفقرهم وضعفهم.ويجوز أن يعود إلى ما أمر الله به من الوفاء بالعهد، فيكون المعنى: إنما يبلوكم الله ويختبركم بما أمركم به من الوفاء بالعهود، ومن النهى عن النقض ليظهر لكم المطيع من العاصي، وقوى الإيمان من ضعيفه.ثم ختم- سبحانه- الآية الكريمة ببيان أن مرد الفصل بين العباد فيما اختلفوا فيه إليه- تعالى- وحده، فقال: وَلَيُبَيِّنَنَّ لَكُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ ما كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ فيجازى أهل الحق بما يستحقون من ثواب، ويجازى أهل الباطل بما هم أهله من عقاب.
وَ لَوْ شَآءَ اللّٰهُ لَجَعَلَكُمْ اُمَّةً وَّاحِدَةً وَّ لٰكِنْ یُّضِلُّ مَنْ یَّشَآءُ وَ یَهْدِیْ مَنْ یَّشَآءُؕ-وَ لَتُسْــٴَـلُنَّ عَمَّا كُنْتُمْ تَعْمَلُوْنَ(۹۳)
اور اللہ چاہتا تو تم کو ایک ہی امت کرتا (ف۲۱۷) لیکن اللہ گمراہ کرتا ہے (ف۲۱۸) جسے چاہے، اور راہ دیتا ہے (ف۲۱۹) جسے چاہے، اور ضرور تم سے (ف۲۲۰) تمہارے کام پوچھے جائیں گے، (ف۲۲۱)
ثم بين- سبحانه- أن قدرته لا يعجزها شيء فقال- تعالى-: وَلَوْ شاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أيها الناس أُمَّةً واحِدَةً متفقة على الحق وَلكِنْ لحكم يعلمها ولا تعلمونها، ولسنن وضعها في خلقه يُضِلُّ مَنْ يَشاءُ إضلاله لاستحبابه العمى على الهدى، وإيثاره الغي على الرشد وَيَهْدِي مَنْ يَشاءُ هدايته لحسن استعداده، وسلامة اختياره، ونهيه النفس عن الهوى.وَلَتُسْئَلُنَّ أيها الناس يوم القيامة سؤال محاسبة ومجازاة عَمَّا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ في الدنيا، فيثيب الطائعين بفضله، ويعاقب العصاة بعدله.وبعد أن أمر- سبحانه- بالوفاء بالعهود ونهى عن نقضها بصفة عامة، أتبع ذلك بالنهى عن الحنث في الإيمان بصفة خاصة، فقال تعالى:
وَ لَا تَتَّخِذُوْۤا اَیْمَانَكُمْ دَخَلًۢا بَیْنَكُمْ فَتَزِلَّ قَدَمٌۢ بَعْدَ ثُبُوْتِهَا وَ تَذُوْقُوا السُّوْٓءَ بِمَا صَدَدْتُّمْ عَنْ سَبِیْلِ اللّٰهِۚ-وَ لَكُمْ عَذَابٌ عَظِیْمٌ(۹۴)
اور اپنی قسمیں آپس میں بے اصل بہانہ نہ بنالو کہ کہیں کوئی پاؤں (ف۲۲۲) جمنے کے بعد لغزش نہ کرے اور تمہیں برائی چکھنی ہو (ف۲۲۳) بدلہ اس کا کہ اللہ کی راہ سے روکتے تھے اور تمہیں بڑا عذاب ہو (ف۲۲۴)
فقوله- سبحانه- وَلا تَتَّخِذُوا أَيْمانَكُمْ دَخَلًا بَيْنَكُمْ تصريح بالنهى عن اتخاذ الإيمان من أجل الغش والخديعة، بعد النهى عن نقض العهود بصفة عامة. أى: ولا تتخذوا- أيها المؤمنون- الحلف بالله- تعالى- ذريعة إلى غش الناس وخداعهم واستلاب حقوقهم، فقد جرت عادة الناس أن يطمئنوا إلى صدق من يقسم بالله- تعالى-، فلا تجعلوا هذا الاطمئنان وسيلة للكذب عليهم، ولإفساد ما بينكم وبينهم من مودة.ثم رتب- سبحانه- على هذا النهى ما من شأنه أن يردع النفوس عن اتخاذ الأيمان دخلا فقال: فَتَزِلَّ قَدَمٌ بَعْدَ ثُبُوتِها وأصل الزلل الخروج عن الطريق السليم. يقال: زل فلان يزل زللا وزلولا، إذا دحضت قدمه ولم تصب موضعها الصحيح أى: لا تتخذوا أيمانكم وسيلة للخديعة والإفساد بين الناس، فتزل أقدامكم عن طريق الإسلام بعد ثبوتها عليها، ورسوخها فيها، قالوا: والجملة الكريمة مثل يضرب لكل من وقع في بلية ومحنة، بعد أن كان في عافية ونعمة.قال صاحب الكشاف: فإن قلت: لم وحدت القدم ونكرت؟ قلت لاستعظام أن تزل قدم واحدة عن طريق الحق. بعد أن ثبتت عليه، فكيف بأقدام كثيرة ؟.وقوله وَتَذُوقُوا السُّوءَ بِما صَدَدْتُمْ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ بيان لما يصيبهم من عذاب دنيوى بسبب اتخاذ أيمانهم دخلا بينهم. أى: وتذوقوا السوء وهو العذاب الدنيوي من المصائب والخوف والجوع، بسبب صدودكم وإعراضكم عن أوامر الله ونواهيه، أو بسبب صدكم لغيركم عن الدخول في دين الله، حيث رأى منكم ما يجعله ينفر منكم ومن دينكم.والتعبير بتذوقوا فيه إشارة إلى أن العذاب الدنيوي الذي سينزل بهم بسبب اتخاذهم أيمانهم دخلا بينهم، سيكون عذابا شديدا يحسون آلامه إحساسا واضحا، كما يحس الشارب للشيء المر مرارته، ويتذوق آلامه.قال ابن كثير: حذر الله- تعالى- عباده عن اتخاذ الأيمان دخلا، أى: خديعة ومكرا، لئلا تزل قدم بعد ثبوتها مثل لمن كان على الاستقامة وحاد عنها، وزل عن طريق الهدى بسبب الأيمان الحانثة، المشتملة على الصد عن سبيل الله، لأن الكافر إذا رأى أن المؤمن قد عاهده ثم غدر به، لم يبق له وثوق بالدين، فانصد بسببه عن الدخول في الإسلام .وقوله: وَلَكُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ لا يعلم مقدار شدته وهو له إلا الله- عز وجل- فأنت ترى أن الآية الكريمة قد رتبت على اتخاذ الأيمان دخلا، انقلاب حالة الإنسان من الخير إلى الشر، ونزول العذاب الدنيوي والأخروى به.
وَ لَا تَشْتَرُوْا بِعَهْدِ اللّٰهِ ثَمَنًا قَلِیْلًاؕ-اِنَّمَا عِنْدَ اللّٰهِ هُوَ خَیْرٌ لَّكُمْ اِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُوْنَ(۹۵)
اور اللہ کے عہد پر تھوڑے دام مول نہ لو (ف۲۲۵) بیشک وہ (ف۲۲۶) جو اللہ کے پاس ہے تمہارے لیے بہتر ہے اگر تم جانتے ہو،
ثم نهاهم- سبحانه- عن أن يبيعوا دينهم بدنياهم فقال- تعالى-: وَلا تَشْتَرُوا بِعَهْدِ اللَّهِ ثَمَناً قَلِيلًا.والاشتراء هنا: استعارة للاستبدال، والذي استبدل به الثمن القليل هو الوفاء بعهد الله.والمراد بعهد الله- تعالى-: أوامره ونواهيه التي كلفنا بالتزامها والعمل بمقتضاها.والمراد بالثمن القليل: حظوظ الدنيا وشهواتها وزينتها من الأموال وغيرها.والمعنى: ولا تستبدلوا بأوامر الله- تعالى- ونواهيه، عرضا قليلا من أعراض الدنيا الزائلة، بأن تنقضوا عهودكم في مقابل منفعة دنيوية زائلة.وليس وصف الثمن بالقلة في قوله: ثَمَناً قَلِيلًا من الأوصاف المخصصة للنكرات، بل هو من الأوصاف اللازمة للثمن المحصل في مقابل عدم الوفاء بالعهد، إذ لا يكون إلا قليلا وإن بلغ ما بلغ من أعراض الدنيا بجانب رضا الله- تعالى-.ورحم الله الإمام ابن كثير، فقد قال عند تفسيره لهذه الآية الكريمة: وَلا تَشْتَرُوا بِعَهْدِ اللَّهِ ثَمَناً قَلِيلًا أى: لا تعتاضوا عن الأيمان بالله عرض الحياة الدنيا وزينتها، فإنها قليلة، ولو حيزت لابن آدم الدنيا بحذافيرها لكان ما عند الله هو خير له .ثم رغبهم- سبحانه- فيما عنده فقال: إِنَّما عِنْدَ اللَّهِ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ.أى: إن ما ادخره الله- تعالى- لكم من ثواب عظيم، وأجر جزيل، وحياة طيبة، هو خير لكم من ذلك الثمن القليل الذي تتطلعون إليه، وتنقضون العهود من أجله، إن كنتم من أهل العلم والفطنة، الذين يؤثرون الباقي على الفاني.قال الآلوسى: قوله إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ أى: إن كنتم من أهل العلم والتمييز. فالفعل منزل منزلة اللازم. وقيل: متعد، والمفعول محذوف، وهو فضل ما بين العوضين، والأول أبلغ ومستغن عن التقدير .
مَا عِنْدَكُمْ یَنْفَدُ وَ مَا عِنْدَ اللّٰهِ بَاقٍؕ-وَ لَنَجْزِیَنَّ الَّذِیْنَ صَبَرُوْۤا اَجْرَهُمْ بِاَحْسَنِ مَا كَانُوْا یَعْمَلُوْنَ(۹۶)
جو تمہارے پاس ہے (ف۲۲۷) ہوچکے گا اور جو اللہ کے پاس ہے (ف۲۲۸) ہمیشہ رہنے والا، اور ضرور ہم صبر کرنے والوں کو ان کا وہ صلہ دیں گے جو ان کے سب سے اچھے کام کے قابل ہو، (ف۲۲۹)
ثم أضاف- سبحانه- إلى ترغيبهم في العمل بما يرضيه ترغيبا آخر فقال: ما عِنْدَكُمْ يَنْفَدُ وَما عِنْدَ اللَّهِ باقٍ.أى: ما عندكم من متاع الدنيا وزهرتها يفنى وينقضي ويزول، وما عند الله- تعالى- في الآخرة من عطاء باق لا يفنى ولا يزول، فآثروا ما يبقى على ما ينفد. يقال: نفد الشيء بكسر الفاء- ينفد- بفتحها- نفادا ونفودا، إذا ذهب وفنى.ثم بشر- سبحانه- الصابرين على طاعته بأعظم البشارات فقال: وَلَنَجْزِيَنَّ الَّذِينَ صَبَرُوا أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ ما كانُوا يَعْمَلُونَ.أى: ولنجزين الذين صبروا على طاعتنا، واجتنبوا معصيتنا، ووفوا بعهودنا، بجزاء أفضل وأكرم مما كانوا يعملونه في الدنيا من خيرات وطاعات.وأكد- سبحانه- هذه البشارة بلام القسم، ونون التوكيد، لترغيبهم في الثبات على فضيلة الصبر، وعلى الوفاء بالعهد.قال الجمل ما ملخصه: وقوله أَجْرَهُمْ مفعول ثان لنجزى. وقوله بِأَحْسَنِ نعت لمحذوف، أى: بجزاء أحسن من عملهم الذي كانوا يعملونه في الدنيا، والباء بمعنى على .
مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّنْ ذَكَرٍ اَوْ اُنْثٰى وَ هُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْیِیَنَّهٗ حَیٰوةً طَیِّبَةًۚ-وَ لَنَجْزِیَنَّهُمْ اَجْرَهُمْ بِاَحْسَنِ مَا كَانُوْا یَعْمَلُوْنَ(۹۷)
جو اچھا کام کرے مرد ہو یا عورت اور ہو مسلمان (ف۲۳۰) تو ضرور ہم اسے اچھی زندگی جِلائیں گے (ف۲۳۱) اور ضرور انہیں ان کا نیگ (اجر) دیں گے جو ان کے سب سے بہتر کام کے لائق ہوں،
ثم بين- سبحانه- حسن عاقبة المؤمنين الذين يحرصون على العمل الصالح فقال- تعالى-: مَنْ عَمِلَ صالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَياةً طَيِّبَةً، وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ ما كانُوا يَعْمَلُونَ.أى: من عمل عملا صالحا، بأن يكون خالصا لوجه الله- تعالى- وموافقا لما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم سواء أكان هذا العامل المؤمن ذكرا أم أنثى، فلنحيينه حياة طيبة، يظفر معها بصلاح البال، وسعادة الحال.وقال- سبحانه-: مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثى مع أن لفظ «من» في قوله: مَنْ عَمِلَ يتناول الذكور والإناث للتنصيص على النوعين، حتى يكون أغبط لهما، ولدفع ما قد يتوهم من أن الخطاب للذكور وحدهم.ولذا قال صاحب الكشاف: فإن قلت «من» متناول في نفسه للذكر والأنثى فما معنى تبيينه بهما؟ قل: هو مبهم صالح على الإطلاق للنوعين، إلا أنه إذا ذكر كان الظاهر تناوله للذكور، فقيل «من ذكر أو أنثى» على التبيين ليعم الوعد النوعين جميعا .وقيد- سبحانه- العامل بكونه مؤمنا فقال: وَهُوَ مُؤْمِنٌ لبيان أن العمل لا يكون مقبولا عند الله- تعالى- إلا إذا كان مبنيا على العقيدة الصحيحة، وكان صاحبه يدين بدين الإسلام، وقد أوضح القرآن هذا المعنى في آيات كثيرة، منها قوله- تعالى-: وَقَدِمْنا إِلى ما عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْناهُ هَباءً مَنْثُوراً .والمراد بالحياة الطيبة في قوله- تعالى-: فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَياةً طَيِّبَةً الحياة الدنيوية التي يحياها المؤمن إلى أن ينقضي أجله.قال ابن كثير عند تفسيره لهذه الآية ما ملخصه: هذا وعد من الله- تعالى- لمن عمل صالحا من ذكر أو أنثى، بأن يحييه الله حياة طيبة في الدنيا.. والحياة الطيبة تشمل وجوه الراحة من أى جهة كانت. وقد روى عن ابن عباس وجماعة أنهم فسروها بالرزق الحلال، وعن على بن أبى طالب أنه فسرها بالقناعة.والصحيح أن الحياة الطيبة تشمل هذا كله، كما جاء في الحديث الذي رواه الإمام أحمد عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «قد أفلح من أسلم ورزق كفافا وقنعه الله بما آتاه » .وقيل المراد بالحياة الطيبة هنا: الحياة الأخروية، وقد صدر الشيخ الآلوسى تفسيره بهذا الرأى فقال ما ملخصه: قوله- تعالى-: فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَياةً طَيِّبَةً والمراد بالحياة الطيبة التي تكون في الجنة، إذ هناك حياة بلا موت، وغنى بلا فقر، وصحة بلا سقم، وسعادة بلا شقاوة.. فعن الحسن: لا تطيب الحياة لأحد إلا في الجنة.وقال شريك: هي حياة تكون في البرزخ.. وقال غير واحد هي في الدنيا .ويبدو لنا أن تفسير الحياة الطيبة هنا بأنها الحياة الدنيوية أرجح، لأن الحياة الأخروية جاء التصريح بها بعد ذلك في قوله- تعالى-: وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ ما كانُوا يَعْمَلُونَ.فلو فسرنا الحياة الطيبة بالحياة الأخروية لكان في الآية الكريمة ما يشبه التكرار، ولكننا لو فسرناها بالحياة الدنيوية لكانت الآية الكريمة مبينة لجزاء المؤمنين في الدارين.وأيضا فإن قول النبي صلى الله عليه وسلم السابق: «قد أفلح من أسلم ورزق كفافا» يشير إلى أن المراد بالحياة الطيبة، الحياة الدنيوية، لأن من نال الفلاح نال حياة طيبة.وعلى ذلك يكون المعنى الإجمالى للآية الكريمة: من عمل عملا صالحا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة في الدنيا، يظفر معها بالسعادة وصلاح البال، والأمان والاطمئنان، أما في الآخرة فسنجزيه جزاء أكرم وأفضل مما كان يعمله في الدنيا من أعمال صالحة.قال صاحب الكشاف قوله: حَياةً طَيِّبَةً يعنى في الدنيا، وهو الظاهر لقوله وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ وعدهم الله ثواب الدنيا والآخرة، كقوله: فَآتاهُمُ اللَّهُ ثَوابَ الدُّنْيا وَحُسْنَ ثَوابِ الْآخِرَةِ ... .وذلك أن المؤمن مع العمل الصالح موسرا كان أو معسرا، يعيش عيشا طيبا، إن كان موسرا فلا مقال فيه، وإن كان معسرا فمعه ما يطيب عيشه وهو القناعة والرضا بقسمة الله.وأما الفاجر فأمره على العكس. إن كان معسرا فلا إشكال في أمره، وإن كان موسرا، فالحرص لا يدعه أن يتهنأ بعيشه .ثم أشار- سبحانه- إلى أن من الأعمال الصالحة، أن يستعيذ المسلم عند قراءته للقرآن الكريم، من الشيطان الرجيم، فقال- تعالى:
فَاِذَا قَرَاْتَ الْقُرْاٰنَ فَاسْتَعِذْ بِاللّٰهِ مِنَ الشَّیْطٰنِ الرَّجِیْمِ(۹۸)
تو جب تم قرآن پڑھو تو اللہ کی پناہ مانگو شیطان مردود سے، (ف۲۳۲)،
والمراد بقوله- تعالى-: فَإِذا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ.. أى فإذا أردت قراءته. فالكلام على حذف الإرادة، وذلك لأن المعنى الذي طلبت من أجله الاستعاذة وهو دفع وسوسة الشيطان يقتضى أن يبدأ القارئ بها- أى بالاستعاذة- قبل القراءة لا بعدها وشبيه بهذه الآية في حذف الإرادة لدلالة المقام عليها قوله- تعالى-: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرافِقِ.. أى: إذا أردتم القيام إلى الصلاة فاغسلوا.وقوله- تعالى-: وَكَمْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْناها فَجاءَها بَأْسُنا بَياتاً أَوْ هُمْ قائِلُونَ أى:أردنا إهلاكها فجاءها بأسنا.والمعنى: فإذا أردت- أيها المسلم- قراءة القرآن فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ أى: فاستجر بالله، والتجئ إلى حماه مِنَ الشَّيْطانِ الرَّجِيمِ.قال ابن كثير: والشيطان في لغة العرب، كل متمرد من الجن والإنس والدواب وكل شيء، وهو مشتق من شطن بمعنى بعد، فهو بعيد بطبعه عن طباع البشر، وبعيد بفسقه عن كل خير ... » .والرجيم بزنة فعيل بمعنى مفعول. أى: أنه مرجوم ومطرود من رحمة الله- تعالى-.قال بعض العلماء: وإنما خصت القراءة بطلب الاستعاذة، مع أنه قد أمر بها على وجه العموم في جميع الشئون، لأن القرآن مصدر هداية، والشيطان مصدر ضلال، فهو يقف للإنسان بالمرصاد في هذا الشأن على وجه خاص، فيثير أمامه ألوانا من الشكوك فيما يفيد من قراءته، وفيما يقصد بها، فيفوت عليه الانتفاع بهدى الله وآياته. فعلمنا الله- تعالى- أن نتقي ذلك كله بهذه الاستعاذة التي هي في الواقع عنوان صادق، وتعبير حق، عن امتلاء قلب المؤمن بمعنى اللجوء إلى الله. وقوة عزيمته في طرد الشيطان ووساوسه، واستقبال هدايته بقلب طاهر، وعقل واع وإيمان ثابت .وكيفية الاستعاذة أن يقول القارئ عند إرادة قراءته للقرآن، أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، فقد تضافرت الروايات عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بهذه الصيغة.قال الآلوسى. وروى الثعلبي والواحدي أن ابن مسعود قرأ عن النبي صلى الله عليه وسلم فقال:أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: «يا ابن أم عبد، قل: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، هكذا أقرأنى جبريل..» .وقال صاحب تفسير آيات الأحكام: والأمر بها- أى بالاستعاذة- للندب عند الجمهور.وعن الثوري أنها واجبة. وظاهر الآية يؤيده، إذ الأمر للوجوب. والجمهور يقولون: إنه صرفها عن الوجوب ما ورد من أنه صلى الله عليه وسلم لم يعلمها للأعرابى- أى الذي سأله عن كيفية الصلاة- وأيضا فقد روى أنه كان صلى الله عليه وسلم يتركها.. .
اِنَّهٗ لَیْسَ لَهٗ سُلْطٰنٌ عَلَى الَّذِیْنَ اٰمَنُوْا وَ عَلٰى رَبِّهِمْ یَتَوَكَّلُوْنَ(۹۹)
بیشک اس کا کوئی قابو ان پر نہیں جو ایمان لائے اور اپنے رب ہی پر بھروسہ رکھتے ہیں (ف۲۳۳)
ثم بين- سبحانه- بعد ذلك أن وسوسة الشيطان لا أثر لها على المؤمنين الصادقين فقال- تعالى-: إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ أى: إن الشيطان مهما تمرد وعتا فإنه «ليس له سلطان» أى: ليس له تسلط واستيلاء واستحواذ بالقهر والغلبة، على نفوس الذين آمنوا بالله- تعالى- حق الإيمان والذين هم عليه- تعالى- وحده يتوكلون ويعتمدون لا على غيره.وشبيه بهذه الآية قوله- تعالى-: إِنَّ عِبادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطانٌ إِلَّا مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغاوِينَ وقوله- تعالى-: إِنَّ عِبادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطانٌ وَكَفى بِرَبِّكَ وَكِيلًا .
اِنَّمَا سُلْطٰنُهٗ عَلَى الَّذِیْنَ یَتَوَلَّوْنَهٗ وَ الَّذِیْنَ هُمْ بِهٖ مُشْرِكُوْنَ۠(۱۰۰)
اس کا قابو تو انہیں پر ہے جو اس سے دوستی کرتے ہیں اور اسے شریک ٹھہراتے ہیں،
وبعد أن نفى- سبحانه- أن يكون للشيطان سلطان على نفوس المؤمنين الصادقين، أثبت- سبحانه- أن تسلط الشيطان إنما هو على نفوس الضالين، فقال- تعالى-: إِنَّما سُلْطانُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ، وَالَّذِينَ هُمْ بِهِ مُشْرِكُونَ.أى: إنما تسلط الشيطان وتأثيره على الضالين الفاسقين الذين يَتَوَلَّوْنَهُ أى:يتقربون منه، ويجعلونه واليا عليهم، فيحبونه ويطيعونه ويتبعون خطواته.فقوله يَتَوَلَّوْنَهُ من الولي- بفتح الواو وسكون اللام- بمعنى القرب والنصرة وقوله: وَالَّذِينَ هُمْ بِهِ مُشْرِكُونَ أى: والذين هم بسبب الشيطان وإغوائه لهم، مشركون مع الله- تعالى- آلهة أخرى في العبادة.فالضمير في «به» يعود إلى الشيطان، والباء للسببية.ويرى بعضهم أن الضمير في «به» يعود على الله- تعالى، وأن الباء للتعدية، فيكون المعنى: إنما سلطان الشيطان على الذين يطيعونه، والذين هم بالله- تعالى- مشركون.قالوا، والأول أرجح لاتحاد الضمائر فيه، ولأنه هو المتبادر إلى الذهن.وبذلك نرى الآيات الكريمة، تأمر المؤمنين بأن يستعيذوا بالله من الشيطان الرجيم، عند قراءتهم للقرآن الكريم، كما نراها تبشرهم بأنه لا سلطان للشيطان عليهم ما داموا معتصمين بحبل الله- تعالى- ومنفذين لأوامره، ومعتمدين عليه.ثم حكى- سبحانه- بعد ذلك بعض الأقاويل التي قالها المشركون عن النبي صلى الله عليه وسلم وعن القرآن الكريم، ورد عليها بما يخرس ألسنتهم فقال تعالى:
وَ اِذَا بَدَّلْنَاۤ اٰیَةً مَّكَانَ اٰیَةٍۙ-وَّ اللّٰهُ اَعْلَمُ بِمَا یُنَزِّلُ قَالُوْۤا اِنَّمَاۤ اَنْتَ مُفْتَرٍؕ-بَلْ اَكْثَرُهُمْ لَا یَعْلَمُوْنَ(۱۰۱)
اور جب ہم ایک آیت کی جگہ دوسری آیت بدلیں (ف۲۳۴) اور اللہ خوب جانتا ہے جو اتارتا ہے (ف۲۳۵) کافر کہیں تم تو دل سے بنا لاتے ہو (ف۲۳۶) بلکہ ان میں اکثر کو علم نہیں، (ف۲۳۷)
وقوله- تعالى-: وَإِذا بَدَّلْنا آيَةً مَكانَ آيَةٍ ... التبديل رفع الشيء مع وضع غيره مكانه. فتبديل الآية رفعها بآية أخرى.وجمهور المفسرين على أن المراد بالآية هنا: الآية القرآنية. وعلى أن المراد بتبديلها نسخها.قال صاحب الكشاف: تبديل الآية مكان الآية هو النسخ، والله- تعالى- ينسخ الشرائع بالشرائع لأنها مصالح، وما كان مصلحة بالأمس يجوز أن يكون مفسدة اليوم وخلافه مصلحة. والله- تعالى- عالم بالمصالح والمفاسد، فيثبت ما يشاء، وينسخ ما يشاء بحكمته.. .وقال الجمل: قوله- تعالى-: وَإِذا بَدَّلْنا آيَةً مَكانَ آيَةٍ ... وذلك أن المشركين من أهل مكة قالوا: إن محمدا صلى الله عليه وسلم يسخر بأصحابه، يأمرهم اليوم بأمر وينهاهم عنه غدا، ما هذا إلا مفترى يتقوله من تلقاء نفسه، فأنزل الله- تعالى-: وَإِذا بَدَّلْنا آيَةً مَكانَ آيَةٍ ... والمعنى: وإذا نسخنا حكم آية فأبدلنا مكانه حكما آخر .وقال الآلوسى: قوله- تعالى-: وَإِذا بَدَّلْنا آيَةً مَكانَ آيَةٍ أى: وإذا نزلنا آية من القرآن مكان آية منه. وجعلناها بدلا منها بأن نسخناها بها.. .ومنهم من يرى أن المراد بالآية هنا «الآية الكونية» أى المعجزة التي أتى بها كل نبي لقومه وأن المراد بتبديلها: الإتيان بمعجزة أخرى سواها.قال الشيخ القاسمى عند تفسيره لهذه الآية: وذهب قوم إلى أن المعنى تبديل آية من آيات الأنبياء المتقدمين. كآية موسى وعيسى وغيرهما من الآيات الكونية الآفاقية، بآية أخرى نفسية علمية، وهي كون المنزل هدى ورحمة وبشارة يدركها العقل.فبدلت تلك- وهي الآيات الكونية- بآية هو كتاب العلم والهدى من نبي أمى صلى الله عليه وسلم .ويبدو لنا أن الرأى الأول أقرب إلى الصواب، لأن قوله- تعالى- بعد ذلك: قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِنْ رَبِّكَ ... يدل دلالة واضحة على أن المراد بالآية، الآية القرآنية.وقوله- سبحانه-: وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِما يُنَزِّلُ جملة معترضة بين الشرط وجوابه للمسارعة إلى توبيخ المشركين وتجهيلهم.أى: والله- تعالى- أعلم من كل مخلوق بما هو أصلح لعباده، وبما ينزله من آيات، وبما يغير ويبدل من أحكام، فكل من الناسخ والمنسوخ منزل حسبما تقتضيه الحكمة والمصلحة، لا يُسْئَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْئَلُونَ.وقوله- تعالى-: قالُوا إِنَّما أَنْتَ مُفْتَرٍ جواب الشرط، وهو حكاية لما تفوهوا به من باطل وبهتان: وقوله مُفْتَرٍ من الافتراء وهو أشنع أنواع الكذب.أى: قال المشركون للنبي صلى الله عليه وسلم عند تبديل آية مكان آية: إنما أنت يا محمد تختلق هذا القرآن من عند نفسك، وتفتريه من إنشائك واختراعك..وقوله- تعالى-: بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ تسلية للنبي صلى الله عليه وسلم عما أصابه منهم.أى: لا تهتم- أيها الرسول الكريم- بما قاله هؤلاء المشركون في شأنك وفي شأن القرآن الكريم، فإن أكثرهم جهلاء أغبياء، لا يعلمون ما في تبديلنا للآيات من حكمة، ولا يفقهون من أمر الدين الحق شيئا.وقال- سبحانه- بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ للإشارة إلى أن هناك قلة منهم تعرف الحق وتدركه، ولكنها تنكره عنادا وجحودا وحسدا لرسول الله صلى الله عليه وسلم على ما آتاه الله من فضله.
قُلْ نَزَّلَهٗ رُوْحُ الْقُدُسِ مِنْ رَّبِّكَ بِالْحَقِّ لِیُثَبِّتَ الَّذِیْنَ اٰمَنُوْا وَ هُدًى وَّ بُشْرٰى لِلْمُسْلِمِیْنَ(۱۰۲)
تم فرماؤ اسے پاکیزگی کی روح (ف۲۳۸) نے اتارا تمہارے رب کی طرف سے ٹھیک ٹھیک کہ اس سے ایمان والوں کو ثابت قدم کرے اور ہدایت اور بشارت مسلمانوں کو،
ثم لقن الله- تعالى- رسوله صلى الله عليه وسلم الرد الذي يقذفه على باطلهم فيزهقه فقال:.قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ، لِيُثَبِّتَ الَّذِينَ آمَنُوا، وَهُدىً وَبُشْرى لِلْمُسْلِمِينَ وروح القدس: هو جبريل- عليه السلام-، والإضافة فيه إضافة الموصوف إلى الصفة. أى: الروح المقدس. ووصف بالقدس لطهارته وبركته. وسمى روحا لمشابهته الروح الحقيقي في أن كلا منهما مادة الحياة للبشر، فجبريل من حيث ما يحمل من الرسالة الإلهية تحيا به القلوب، والروح تحيا به الأجسام.والمعنى: قل- أيها الرسول الكريم- لهؤلاء الجاهلين، إن هذا القرآن الذي تزعمون أننى افتريته، قد نزل به الروح الأمين على قلبي من عند ربي، نزولا ملتبسا بالحق الذي لا يحوم حوله باطل، ليزيد المؤمنين ثباتا في إيمانهم، وليكون هداية وبشارة لكل من أسلم وجهه لله رب العالمين.وفي قوله مِنْ رَبِّكَ تكريم وتشريف للرسول صلى الله عليه وسلم حيث اختص- سبحانه- هذا النبي الكريم بإنزال القرآن عليه، بعد أن رباه برعايته، وتولاه بعنايته.وقوله بِالْحَقِّ في موضع الحال، أى: نزله إنزالا ملتبسا بالحكمة المقتضية له، بحيث لا يفارقها ولا تفارقه.وقوله: لِيُثَبِّتَ الَّذِينَ آمَنُوا وَهُدىً وَبُشْرى لِلْمُسْلِمِينَ بيان للوظيفة التي من أجلها نزل القرآن الكريم، وهي وظيفة تسعد المؤمنين وحدهم، أما الكافرون فهم بعيدون عنها.
وَ لَقَدْ نَعْلَمُ اَنَّهُمْ یَقُوْلُوْنَ اِنَّمَا یُعَلِّمُهٗ بَشَرٌؕ-لِسَانُ الَّذِیْ یُلْحِدُوْنَ اِلَیْهِ اَعْجَمِیٌّ وَّ هٰذَا لِسَانٌ عَرَبِیٌّ مُّبِیْنٌ(۱۰۳)
اور بیشک ہم جانتے ہیں کہ وہ کہتے ہیں، یہ تو کوئی آدمی سکھاتا ہے، جس کی طرف ڈھالتے ہیں اس کی زبان عجمی ہے اور یہ روشن عربی زبان (ف۲۳۹)
ثم حكى- سبحانه- بعد ذلك مقولة أخرى من مقولات المشركين فقال- تعالى-:وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّما يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ....قال الإمام ابن كثير عند تفسيره لهذه الآية ما ملخصه: يقول- تعالى- مخبرا عن المشركين ما كانوا يقولونه من الكذب والافتراء: إن محمدا صلى الله عليه وسلم إنما يعلمه هذا الذي يتلوه علينا من القرآن بشر، ويشيرون إلى رجل أعجمى كان بياعا يبيع عند الصفا، وربما كان النبي صلى الله عليه وسلم يجلس إليه ويكلمه بعض الشيء، وذاك كان أعجمى اللسان لا يعرف إلا اليسير من العربية.وعن عكرمة وقتادة كان اسم ذلك الرجل «يعيش» ، وعن ابن عباس كان اسمه «بلعام» ، وكان أعجمى اللسان، وكان المشركون يرون رسول الله صلى الله عليه وسلم يدخل عليه ويخرج من عنده، فقالوا: إنما يعلمه بلعام، فأنزل الله هذه الآية .والمعنى: ولقد نعلم- أيها الرسول الكريم- علما مستمرا لا يعزب عنه شيء مما يقوله المشركون في شأنك، من أنك تتعلم القرآن من واحد من البشر.قال الآلوسى: وإنما لم يصرح القرآن باسم من زعموا أنه يعلمه- عليه الصلاة والسلام- مع أنه أدخل في ظهور كذبهم، للإيذان بأن مدار خطئهم، ليس بنسبته صلى الله عليه وسلم إلى التعلم من شخص معين، بل من البشر كائنا من كان، مع كونه صلى الله عليه وسلم معدنا لعلوم الأولين والآخرين .وقوله- تعالى-: لِسانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ، وَهذا لِسانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ رد عليهم فيما زعموه وافتروه.والمراد باللسان هنا: الكلام الذي يتكلم به الشخص، واللغة التي ينطق بها.وقوله: يُلْحِدُونَ من الإلحاد بمعنى الميل. يقال لحد وألحد، إذا مال عن القصد، وسمى الملحد بذلك، لأنه أمال مذهبه عن الأديان كلها.والأعجمي: نسبة إلى الأعجم: وهو الذي لا يفصح في كلامه سواء أكان من العرب أم من العجم. وزيدت فيه ياء النسب على سبيل التوكيد.والمعنى: لقد كذبتم- أيها المشركون- كذبا شنيعا صريحا، حيث زعمتم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلمه القرآن بشر، مع أن لغة هذا الإنسان الذي زعمتم أنه يعلم الرسول صلى الله عليه وسلم لغة أعجمية، ولغة هذا القرآن لغة عربية في أعلى درجات البلاغة والفصاحة، فقد أعجزكم بفصاحته وبلاغته، وتحداكم وأنتم أهل اللسن والبيان أن تأتوا بسورة من مثله.فخبروني بربكم، من أين للأعجمى أن يذوق بلاغة هذا التنزيل وما حواه من العلوم، فضلا عن أن ينطق به، فضلا عن أن يكون معلما له!!.
اِنَّ الَّذِیْنَ لَا یُؤْمِنُوْنَ بِاٰیٰتِ اللّٰهِۙ-لَا یَهْدِیْهِمُ اللّٰهُ وَ لَهُمْ عَذَابٌ اَلِیْمٌ(۱۰۴)
بیشک وہ جو اللہ کی آیتوں پر ایمان نہیں لاتے اللہ انھیں راہ نهیں دیتا اور ان کے لے درد ناک عذاب ہے، (ف۲۴۸)
ثم هدد- سبحانه- المعرضين عن آياته بقوله: إِنَّ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِآياتِ اللَّهِ الدالة على وحدانيته- سبحانه- وعلى صدق نبيه صلى الله عليه وسلم فيما يبلغه عنه.لا يَهْدِيهِمُ اللَّهُ إلى طريق الحق في الدنيا، بسبب زيغهم وعنادهم وإيثارهم الغي على الرشد. وَلَهُمْ في الآخرة عذاب أليم جزاء إصرارهم على الباطل، وإعراضهم عن الآيات التي لو تأملوها واستجابوا لها لاهتدوا إلى الصراط المستقيم.
اِنَّمَا یَفْتَرِی الْكَذِبَ الَّذِیْنَ لَا یُؤْمِنُوْنَ بِاٰیٰتِ اللّٰهِۚ-وَ اُولٰٓىٕكَ هُمُ الْكٰذِبُوْنَ(۱۰۵)
جھوٹ بہتان دہی باندھتے ہین جو اللہ کی آیتوں پر ایمان نہیں رکھتے اور دہی جھوٹے ہیں،
ثم بين- سبحانه- أن افتراء الكذب لا يصدر عن المؤمنين فضلا عن الرسول الأمين، وإنما يصدر عن الكافرين فقال- تعالى-: إِنَّما يَفْتَرِي الْكَذِبَ أى: يختلقه ويخترعه الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِآياتِ اللَّهِ الدالة على وحدانيته وعلى وجوب إخلاص العبادة له، وعلى صدق رسله، وعلى صحة البعث يوم القيامة، لأن عدم إيمانهم بذلك يجعلهم لا يخافون عقابا، ولا يرجون ثوابا. وَأُولئِكَ الكافرون بما يجب الإيمان به هُمُ الْكاذِبُونَ في قولهم عن الرسول صلى الله عليه وسلم إنما يعلمه بشر، وفي قولهم إِنَّما أَنْتَ مُفْتَرٍ وفي غير ذلك من أقوالهم الباطلة، التي حاربوا بها دعوة الحق.قال بعض العلماء: ولا يخفى ما في الحصر بعد القصر من العناية بمقامه- صلوات الله عليه-، وقد كان أصدق الناس وأبرهم.. بحيث كانوا يلقبونه بالصادق الأمين.ولهذا لما سأل هرقل ملك الروم أبا سفيان فقال له- من بين ما قال-: هل كنتم تتهمونه بالكذب قبل أن يقول ما قال؟ قال: لا. فقال هرقل: ما كان ليدع الكذب على الناس، ويكذب على الله- تعالى-.وفي هذه الآية دلالة على أن الكذب من أكبر الكبائر، وأفحش الفواحش. والدليل عليه أن كلمة «إنما» للحصر.وروى أن النبي صلى الله عليه وسلم قيل له: هل يكذب المؤمن؟ قال: «لا، ثم قرأ هذه الآية .ثم بين- سبحانه- بعد ذلك حكم من أكره على النطق بكلمة الكفر، وحكم من استحب الكفر على الإيمان فقال- تعالى-:
مَنْ كَفَرَ بِاللّٰهِ مِنْۢ بَعْدِ اِیْمَانِهٖۤ اِلَّا مَنْ اُكْرِهَ وَ قَلْبُهٗ مُطْمَىٕنٌّۢ بِالْاِیْمَانِ وَ لٰكِنْ مَّنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا فَعَلَیْهِمْ غَضَبٌ مِّنَ اللّٰهِۚ-وَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِیْمٌ(۱۰۶)
جو ایمان لا کر اللہ کا منکر ہو سوا اس کے مجبور کیا جا ےٴ اور اس کا دل ایمان پر جما ہوا ہو، ہاں وہ جو دل کھول کر کافر ہو ان پر اللہ کا غضب ہے اور ان کو بڑاعذاب ہے،
ذكر المفسرون في سبب نزول قوله- تعالى-: مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمانِهِ ...روايات منها قول الآلوسى: روى أن قريشا أكرهوا عمارا وأبويه: ياسرا، وسمية، على الارتداد فأبوا، فربطوا سمية بين بعيرين ... ثم قتلوها وقتلوا ياسرا، وهما أول شهيدين في الإسلام. وأما عمار فأعطاهم بلسانه ما أكرهوه عليه، فقيل يا رسول الله: إن عمارا قد كفر.فقال صلى الله عليه وسلم: «كلا، إن عمارا ملئ إيمانا من قرنه إلى قدمه، واختلط الإيمان بلحمه ودمه» .فأتى عمار رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يبكى، فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يمسح عينيه وقال له: «مالك، إن عادوا فعد لهم بما قلت» . وفي رواية أنه قال له: «كيف تجد قلبك؟ قال مطمئن بالإيمان قال صلى الله عليه وسلم إن عادوا فعد» . فنزلت هذه الآية..ثم قال الآلوسى: والآية دليل على جواز التكلم بكلمة الكفر عند الإكراه، وإن كان الأفضل أن يتجنب عن ذلك إعزازا للدين ولو تيقن القتل، كما فعل ياسر وسمية، وليس ذلك من إلقاء النفس إلى التهلكة، بل هو كالقتل في الغزو كما صرحوا به. .و «من» في قوله مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مبتدأ أو شرطية، والخبر أو جواب الشرط محذوف والتقدير: فعليه غضب من الله، أو فله عذاب شديد، ويدل عليهما قوله- تعالى- بعد ذلك: وَلكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْراً فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنَ اللَّهِ.والمعنى: من كفر بالله- تعالى- من بعد إيمانه بوحدانيته- سبحانه- وبصدق رسوله صلى الله عليه وسلم فإنه بسبب هذا الكفر يكون قد ضل ضلالا بعيدا، يستحق من أجله العذاب المهين.وقوله: إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمانِ استثناء متصل من الجملة السابقة أى:إلا من أكره على النطق بكلمة الكفر، والحال أن قلبه مطمئن بالإيمان، ثابت عليه، متمكن منه.. فإنه في هذه الحالة لا يكون ممن يستحقون عقوبة المرتد.قال بعض العلماء: وأما قوله: إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمانِ فهو استثناء متصل من «من» لأن الكفر أعم من أن يكون اعتقادا فقط، أو قولا فقط، أو اعتقادا وقولا ...وأصل الاطمئنان سكون بعد انزعاج، والمراد به هنا: السكون والثبات على الإيمان بعد الانزعاج الحاصل بسبب الإكراه.. .وقوله: وَلكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْراً فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنَ اللَّهِ وَلَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ بيان لسوء مصير من استحب الكفر على الإيمان باختياره ورضاه.و «من» في قوله مَنْ شَرَحَ شرطية، وجوابها فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنَ اللَّهِ.أى: حكم من تلفظ بكلمة الكفر مكرها أنه لا يعتبر مرتدا، ولكن حكم من طابت نفوسهم بالكفر، وانشرحت له صدورهم، واعتقدوا صحته، أنهم عليهم من الله- تعالى- غضب شديد لا يعلم مقداره إلا هو، ولهم يوم القيامة عذاب عظيم الهول، يتناسب مع عظيم جرمهم.هذا، وقد ذكر الإمام ابن كثير عند تفسيره لهذه الآية جملة من الأخبار التي حكت ما تعرض له المسلمون الأولون من فتن وآلام. فقال ما ملخصه: ولهذا اتفق العلماء على أن المكره على الكفر يجوز له أن يوالى إبقاء لمهجته، ويجوز له أن يأبى كما كان بلال- رضى الله عنه- يأبى عليهم ذلك، وهم يفعلون به الأفاعيل، حتى إنهم ليضعون الصخرة العظيمة على صدره في شدة الحر ويأمرونه بالشرك بالله، فيأبى عليهم وهو يقول: أحد، أحد، ويقول:والله لو أعلم كلمة هي أغيظ لكم منها لقلتها .
ذٰلِكَ بِاَنَّهُمُ اسْتَحَبُّوا الْحَیٰوةَ الدُّنْیَا عَلَى الْاٰخِرَةِۙ-وَ اَنَّ اللّٰهَ لَا یَهْدِی الْقَوْمَ الْكٰفِرِیْنَ(۱۰۷)
یہ اس لےٴ کہ انھوں نے دنیا کی زندگی آخرت سے پیاری جانی، اور اس لےٴ کہ اللہ (ایسے) کافروں کو راہ نہیں دیتا،
وقوله- سبحانه-: ذلِكَ بِأَنَّهُمُ اسْتَحَبُّوا الْحَياةَ الدُّنْيا عَلَى الْآخِرَةِ بيان للأسباب التي جعلتهم محل غضب الله ونقمته.واسم الإشارة «ذلك» يعود إلى كفرهم بعد إيمانهم، أو إلى ما توعدهم الله- تعالى- به من غضب عليهم، وعذاب عظيم لهم.أى: ذلك الذي جعلهم يرتدون عن دينهم، ويكونون محل غضب الله ونقمته، من أسبابه أنهم آثروا الحياة الدنيا وشهواتها على الآخرة وما فيها من ثواب.وَأَنَّ اللَّهَ- تعالى- لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكافِرِينَ إلى الصراط المستقيم، لأنهم حين زاغوا عن الحق أزاغ الله قلوبهم.
اُولٰٓىٕكَ الَّذِیْنَ طَبَعَ اللّٰهُ عَلٰى قُلُوْبِهِمْ وَ سَمْعِهِمْ وَ اَبْصَارِهِمْۚ-وَ اُولٰٓىٕكَ هُمُ الْغٰفِلُوْنَ(۱۰۸)
یہ ہیں وه جن کے دل اور کان اور آنکھو ں پر اللہ نے مہر کر دی ہے اور وہی غفلت مین پڑے ہیں،
ثم أضاف- سبحانه- إلى رذائلهم رذيلة أخرى فقال: أُولئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ اللَّهُ عَلى قُلُوبِهِمْ وَسَمْعِهِمْ وَأَبْصارِهِمْ وَأُولئِكَ هُمُ الْغافِلُونَ.والطبع: الختم والوسم بطابع ونحوه على الشيء، لكي لا يخرج منه ما هو بداخله، ولا يدخل فيه ما هو خارج عنه. أى: أولئك الذين شرحوا صدورهم بالكفر، وطابوا به نفسا، قد طبع الله تعالى على قلوبهم وسمعهم وأبصارهم، فصارت ممنوعة من وصول الحق إليها، وعاجزة عن الانتفاع به، وأولئك هم الكاملون في الغفلة والبلاهة، إذ لا غفلة أشد من غفلة المعرض عن عاقبة أمره، ولا بلاهة أفدح من بلاهة من آثر الفانية على الباقية.
لَا جَرَمَ اَنَّهُمْ فِی الْاٰخِرَةِ هُمُ الْخٰسِرُوْنَ(۱۰۹)
آپ ہی ہوا کہ آخرت میں وہی خراب (ف۲۴۹)
ثم ختم- سبحانه- الآيات الكريمة بالحكم العادل عليهم فقال: لا جَرَمَ أَنَّهُمْ فِي الْآخِرَةِ هُمُ الْخاسِرُونَ.أى: لا شك ولا محالة في أن هؤلاء الذين اختاروا الكفر على الإيمان سيكونون يوم القيامة من القوم الخاسرين لأنهم لم يقدموا في دنياهم ما ينفعهم في أخراهم.وكلمة «لا جرم» قد وردت في القرآن في خمسة مواضع، متلوة في كل موضع بأن واسمها، وليس بعدها فعل. وجمهور النحاة على أن هذه الكلمة مركبة من «لا» و «جرم» تركيب خمسة عشر، ومعناها بعد التركيب معنى الفعل: حق، أو ثبت، أو ما يشبه ذلك، أى: حق وثبت كونهم في الآخرة من الخاسرين.والذي يتدبر هذه الآيات، يراها قد توعدت المرتدين عن دينهم بألوان من العقوبات المغلظة، لقد توعدتهم بغضب الله- تعالى- وبعذابه العظيم، وبعدم هدايتهم إلى طريق الحق، وبالطبع على قلوبهم وسمعهم وأبصارهم، وبالغفلة التي ليس بعدها غفلة، وبالخسران الذي لا شك فيه يوم القيامة، نعوذ بالله- تعالى- من ذلك.ثم بين- سبحانه- جانبا من مظاهر لطفه ورأفته لقوم هاجروا من بعد ما فتنوا، فقال- تعالى-:
ثُمَّ اِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِیْنَ هَاجَرُوْا مِنْۢ بَعْدِ مَا فُتِنُوْا ثُمَّ جٰهَدُوْا وَ صَبَرُوْۤاۙ-اِنَّ رَبَّكَ مِنْۢ بَعْدِهَا لَغَفُوْرٌ رَّحِیْمٌ۠(۱۱۰)
پھر بیشک تمہارا رب ان کے لیے جنہوں نے اپنے گھر چھوڑے (ف۲۵۰) بعد اس کے کہ ستائے گئے (ف۲۵۱) پھر انہوں نے (ف۲۵۲) جہاد کیا اور صابر رہے بیشک تمہارا رب اس (ف۲۵۳) کے بعد ضرور بخشنے والا ہے مہربان،
وقوله- سبحانه-: مِنْ بَعْدِ ما فُتِنُوا أى: عذبوا وأوذوا من أجل أن يرتدوا إلى الكفر.وأصل الفتن: إدخال الذهب في النار لتظهر جودته من رداءته، ثم استعمل في الاختبار والامتحان بالمحن والشدائد، وبالمنح واللطائف، لما فيه من إظهار الحال والحقيقة، وأكثر ما تستعمل الفتنة في الامتحان والمحن وعليه يحمل بعضهم تفسير الفتنة بالمحنة.والمراد بهؤلاء الذين هاجروا من بعد ما فتنوا- كما يقول ابن كثير- جماعة كانوا مستضعفين بمكة، مهانين في قومهم، فوافقوهم على الفتنة، ثم إنهم أمكنهم الخلاص بالهجرة، فتركوا بلادهم وأهليهم وأموالهم ابتغاء رضوان الله وغفرانه، وانتظموا في سلك المؤمنين، وجاهدوا معهم الكافرين، وصبروا.. .والمعنى: «ثم إن ربك» - أيها الرسول الكريم- تكفل بالولاية والمغفرة لهؤلاء الذين هاجروا من دار الكفر إلى دار الإسلام، من بعد أن عذبهم المشركون لكي يرتدوا عن دينهم.قال الآلوسى: وقرأ ابن عامر مِنْ بَعْدِ ما فُتِنُوا بالبناء للفاعل، وهو ضمير المشركين عند غير واحد، أى: عذبوا المؤمنين، كالحضرمى، أكره مولاه «جبرا» حتى ارتد، ثم أسلما وهاجرا.. .وقوله- تعالى-: ثُمَّ جاهَدُوا وَصَبَرُوا أى جاهدوا المشركين حتى تكون كلمة الله هي العليا، وصبروا على البلاء والأذى طلبا لرضا الله- تعالى-.والضمير في قوله: مِنْ بَعْدِها يعود إلى ما سبق ذكره من الهجرة والفتنة والجهاد والصبر. أى: إن ربك- أيها الرسول الكريم- من بعد هذه الأفعال لكثير المغفرة والرحمة لهم، جزاء هجرتهم وجهادهم وصبرهم على الأذى.
یَوْمَ تَاْتِیْ كُلُّ نَفْسٍ تُجَادِلُ عَنْ نَّفْسِهَا وَ تُوَفّٰى كُلُّ نَفْسٍ مَّا عَمِلَتْ وَ هُمْ لَا یُظْلَمُوْنَ(۱۱۱)
جس دن ہر جان اپنی ہی طرف جھگڑتی آئے گی (ف۲۵۴) اور ہر جان کو اس کا کیا پورا بھردیا جائے گا اور ان پر ظلم نہ ہوگا (ف۲۵۵)
وقوله- سبحانه-: يَوْمَ تَأْتِي كُلُّ نَفْسٍ تُجادِلُ عَنْ نَفْسِها ... منصوب على الظرفية بقوله رَحِيمٌ أو منصوب على المفعولية بفعل محذوف تقديره اذكر. والمراد باليوم: يوم القيامة.والمجادلة هنا بمعنى: المحاجة والمدافعة، والسعى في الخلاص من أهوال ذلك اليوم الشديد.والمعنى: إن ربك- أيها الرسول الكريم- من بعد تلك المذكورات من الهجرة والفتنة والجهاد والصبر، لغفور رحيم، يوم تأتى كل نفس مشغولة بأمرها، مهتمة بالدفاع عن ذاتها، بدون التفات إلى غيرها، ساعية في الخلاص من عذاب ذلك اليوم.والمتأمل في هذه الجملة الكريمة، يراها تشير بأسلوب مؤثر بليغ إلى ما يعترى الناس يوم القيامة من خوف وفزع يجعلهم لا يفكرون إلا في ذواتهم ولا يهمهم شأن آبائهم أو أبنائهم.قال صاحب الكشاف: فإن قلت: ما معنى النفس المضافة إلى النفس؟.قلت: يقال لعين الشيء وذاته نفسه، وفي نقيضه غيره، والنفس الجملة كما هي، فالنفس الأولى هي الجملة، والثانية عينها وذاتها، فكأنه قيل: يوم يأتى كل إنسان يجادل عن ذاته، لا يهمه شأن غيره، كل يقول: نفسي نفسي. ومعنى المجادلة عنها: الاعتذار عنها، كقولهم:ما كُنَّا مُشْرِكِينَ وكقولهم: هؤُلاءِ أَضَلُّونا.. .وقوله- سبحانه-: وَتُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ ما عَمِلَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ بيان لمظهر من مظاهر عدل الله- تعالى- في قضائه بين عباده.أى: وفي هذا اليوم تعطى كل نفس جزاء ما عملته من أعمال في الدنيا وافيا غير منقوص، بدون ظلم أو حيف أو ميل عن العدل والقسطاس، ولن ينفع نفسا مجادلتها عن ذاتها، واعتذارها بالمعاذير الباطلة، وإنما الذي ينفعها هو عملها.وبذلك ترى الآيتين الكريمتين، قد بينتا بأسلوب بليغ جانبا من مظاهر فضل الله- تعالى- على عباده، وجانبا من أهوال يوم القيامة، ومن القضاء العادل الذي يحكم الله به بين الناس.ثم ضرب- سبحانه- مثلا لسوء عاقبة الذين يجحدون نعم الله، ويكذبون بآياته، فقال- تعالى-:
وَ ضَرَبَ اللّٰهُ مَثَلًا قَرْیَةً كَانَتْ اٰمِنَةً مُّطْمَىٕنَّةً یَّاْتِیْهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِّنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِاَنْعُمِ اللّٰهِ فَاَذَاقَهَا اللّٰهُ لِبَاسَ الْجُوْ عِ وَ الْخَوْفِ بِمَا كَانُوْا یَصْنَعُوْنَ(۱۱۲)
اور اللہ نے کہاوت بیان فرمائی (ف۲۵۶) ایک بستی (ف۲۵۷) کہ امان و اطمینان سے تھی (ف۲۵۸) ہر طرف سے اس کی روزی کثرت سے آتی تو وہ اللہ کی نعمتوں کی ناشکری کرنے لگی (ف۲۵۹) تو اللہ نے اسے یہ سزا چکھائی کہ اسے بھوک اور ڈر کا پہناوا پہنایا (ف۲۶۰) بدلہ ان کے کیے کا،
والفعل ضرب في قوله- تعالى-: وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً ... متضمن معنى جعل، ولذا عدى إلى مفعولين.والمثل- بفتح الثاء- بمعنى المثل- بسكونها- أى: النظير والشبيه. ويطلق على القول السائر المعروف، لمماثلة مضربه- وهو الذي يضرب فيه لمورده الذي ورد فيه، ثم استعير للصفة والحال كما في الآية التي معنا.والمراد بالقرية: أهلها، فالكلام على تقدير مضاف.وللمفسرين اتجاهان في تفسير هذه الآية. فمنهم من يرى أن هذه القرية غير معينة، وإنما هي مثل لكل قوم قابلوا نعم الله بالجحود والكفران.وإلى هذا المعنى اتجه صاحب الكشاف حيث قال: قوله- تعالى-: وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً ... أى: جعل القرية التي هذه حالها مثلا لكل قوم أنعم الله عليهم فأبطرتهم النعمة.فكفروا وتولوا، فأنزل الله بهم نقمته، فيجوز أن تراد قرية مقدرة على هذه الصفة، وأن تكون في قرى الأولين قرية كانت هذه حالها، فضرب بها الله مثلا لمكة إنذارا من مثل عاقبتها .ومنهم من يرى أن المقصود بهذه القرية مكة، وعلى هذا الاتجاه سار الامام ابن كثير حيث قال ما ملخصه: هذا مثل أريد به أهل مكة، فإنها كانت آمنة مطمئنة مستقرة، يتخطف الناس من حولها، ومن دخلها كان آمنا ... فجحدت آلاء الله عليها، وأعظمها بعثة محمد صلى الله عليه وسلم فأذاقها الله لباس الجوع والخوف بما كانوا يصنعون .ويبدو لنا أن الاتجاه الأول أقرب إلى الصواب، لتنكير لفظ قرية، ولشموله الاتجاه الثاني، لأنه يتناول كل قرية بدلت نعمة الله كفرا، ويدخل في ذلك كفار مكة دخولا أوليا.فيكون المعنى: وجعل الله قرية موصوفة بهذه الصفات مثلا لكل قوم أنعم الله عليهم بهذه النعم، فلم يشكروا الله- تعالى- عليها، فأخذهم أخذ عزيز مقتدر.وقوله: كانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً أى: كانت تعيش في أمان لا يشوبه خوف، وفي سكون واطمئنان لا يخالطهما فزع أو انزعاج:.وقوله: يَأْتِيها رِزْقُها رَغَداً مِنْ كُلِّ مَكانٍ بيان لسعة عيشها، أى: يأتيها ما يحتاج إليه أهلها واسعا لينا سهلا من كل مكان من الأمكنة.يقال: رغد- بضم الغين- عيش القوم، أى: اتسع وطاب فهو رغد ورغيد ... وأرغد القوم، أى: أخصبوا وصاروا في رزق واسع.فالآية الكريمة قد تضمنت أمهات النعم: الأمان والاطمئنان ورغد العيش. قال بعضهم:ثلاثة ليس لها نهاية ... الأمن والصحة والكفايةوقوله- تعالى-: فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ بيان لموقفها الجحودى من نعم الله- تعالى- أى: فكان موقف أهل هذه القرية من تلك النعم الجليلة، أنهم جحدوا هذه النعم، ولم يقابلوها بالشكر، وإنما قابلوها بالإشراك بالله- تعالى- مسدي هذه النعم.قال القرطبي: «والأنعم: جمع النّعمة. كالأشد جمع الشّدة، وقيل: جمع نعمى، مثل بؤسى وأبؤس» .وقوله- سبحانه-: فَأَذاقَهَا اللَّهُ لِباسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِما كانُوا يَصْنَعُونَ بيان للعقوبة الأليمة التي حلت بأهلها بسبب كفرهم وبطرهم.أى: فأذاق- سبحانه- أهلها لباس الجوع والخوف، بسبب ما كانوا يصنعونه من الكفر والجحود والعتو عن أمر الله ورسله.وذلك بأن أظهر أثرهما عليهم بصورة واضحة، تجعل الناظر إليهم لا يخفى عليه ما هم فيه من فقر مدقع، وفزع شديد.ففي الجملة الكريمة تصوير بديع لما أصابهم من جوع وخوف، حتى لكأن ما هم فيه من هزال وسوء حال، يبدو كاللباس الذي يلبسه الإنسان، ويجعلهم يذوقون هذا اللباس ذوقا يحسون أثره إحساسا عميقا.ورحم الله صاحب الكشاف فقد أجاد في تصوير هذا المعنى فقال: «فإن قلت: الإذاقة واللباس استعارتان فما وجه صحتهما؟ والإذاقة المستعارة موقعة على اللباس المستعار، فما وجه صحة إيقاعها عليه؟.قلت: أما الإذاقة فقد جرت عندهم مجرى الحقيقة لشيوعها في البلايا والشدائد وما يمس الناس منها. فيقولون: ذاق فلان البؤس والضر، وأذاقه العذاب. شبه ما يدرك من أثر الضرر والألم بما يدرك من الطعم المر البشع.وأما اللباس فقد شبه به لاشتماله على اللابس، ما غشى الإنسان والتبس به من بعض الحوادث.وأما إيقاع الإذاقة على لباس الجوع والخوف، فلأنه لما وقع عبارة عما يغشى منهما ويلابس، فكأنه قيل: فأذاقهم ما غشيهم من الجوع والخوف.. .
وَ لَقَدْ جَآءَهُمْ رَسُوْلٌ مِّنْهُمْ فَكَذَّبُوْهُ فَاَخَذَهُمُ الْعَذَابُ وَ هُمْ ظٰلِمُوْنَ(۱۱۳)
اور بیشک ن کے پاس انہیں میں سے ایک رسول تشریف لایا (ف۲۶۱) تو انہوں نے اسے جھٹلایا تو انہیں عذاب نے پکڑا (ف۲۶۲) اور وہ بے انصاف تھے،
ثم بين- سبحانه- رذيلة أخرى من رذائل أهل هذه القرية الكافرة بأنعم الله فقال:وَلَقَدْ جاءَهُمْ رَسُولٌ مِنْهُمْ فَكَذَّبُوهُ.أى: ولقد جاء إلى أهل هذه القرية رسول من جنسهم، يعرفونه كما يعرفون أبناءهم، فأمرهم بطاعة الله وشكره، ولكنهم كذبوه وأعرضوا عنه.والتعبير بقوله جاءَهُمْ يدل على أن هذا الرسول وصل إليهم وبلغهم رسالة ربه، دون أن يكلفهم الذهاب إليه، أو البحث عنه.والتعبير بالفاء في قوله: فَكَذَّبُوهُ يشعر بأنهم لم يتمهلوا ولم يتدبروا دعوة هذا الرسول، وإنما قابلوها بالتكذيب السريع بدون روية، مما يدل على غباوتهم وانطماس بصيرتهم.وقوله- تعالى- فَأَخَذَهُمُ الْعَذابُ وَهُمْ ظالِمُونَ بيان للعاقبة السيئة التي حاقت بهم.أى: فكانت نتيجة تكذيبهم السريع لنبيهم أن أخذهم العذاب العاجل الذي استأصل شأفتهم، والحال أنهم هم الظالمون لأنفسهم، لأن هذا العذاب ما نزل بهم إلا بعد أن كفروا بأنعم الله، وكذبوا رسوله.هذا، والذي يتأمل هاتين الآيتين الكريمتين يراهما وإن كانتا تشملان حال كل قوم بدلوا نعمة الله كفرا.. إلا أنهما ينطبقان تمام الانطباق على كفار مكة.وقد بين ذلك الإمام الآلوسى- رحمه الله- فقال ما ملخصه: وحال أهل مكة- سواء أضرب المثل لهم خاصة، أم لهم ولمن سار سيرتهم كافة- أشبه بحال أهل تلك القرية من الغراب بالغراب، فقد كانوا في حرم آمن ويتخطف الناس من حولهم، وكانت تجبى إليهم ثمرات كل شيء رزقا، ولقد جاءهم رسول منهم تحار في سمو مرتبته العقول صلى الله عليه وسلم فأنذرهم وحذرهم فكفروا بأنعم الله، وكذبوه صلى الله عليه وسلم فأذاقهم الله لباس الجوع والخوف، حيث أصابهم بدعائه صلى الله عليه وسلم: «اللهم اشدد وطأتك على مضر، واجعلها عليهم سنين كسنى يوسف» - ما أصابهم من جدب شديد، فاضطروا إلى أكل الجيف.. وكان أحدهم ينظر إلى السماء فيرى شبه الدخان من الجوع، وقد ضاقت عليهم الأرض بما رحبت من سرايا رسول الله صلى الله عليه وسلم، حيث كانوا يغيرون عليهم.. .ثم أمرهم- سبحانه- بأن يأكلوا مما أحله لهم، وأن يشكروه على نعمه، وأن يجتنبوا ما حرمه عليهم، فقال- تعالى-:
فَكُلُوْا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللّٰهُ حَلٰلًا طَیِّبًا۪-وَّ اشْكُرُوْا نِعْمَتَ اللّٰهِ اِنْ كُنْتُمْ اِیَّاهُ تَعْبُدُوْنَ(۱۱۴)
تو اللہ کی دی ہوئی روزی (ف۲۶۳) حلال پاکیزہ کھاؤ (ف۲۶۴) اور اللہ کی نعمت کا شکر کرو اگر تم اسے پوجتے ہو،
والفاء في قوله: فَكُلُوا ... للتفريع على ما تقدم من التمثيل بالقرية التي كفرت بأنعم الله، والتي أصابها ما أصابها بسبب ذلك.أى: لقد ظهر لكم حال الذين بدلوا نعمة الله كفرا، ورأيتم كيف أذاقهم الله لباس الجوع والخوف، فاحذروا أن تسيروا على شاكلتهم، وكلوا من الحلال الطيب الذي رزقكم الله- تعالى- إياه.واشكروا نعمة الله التي أنعم بها عليكم، بأن تستعملوها فيما خلقت له، وبأن تقابلوها بأسمى ألوان الطاعة لمسديها- عز وجل-.إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ سبحانه- تعبدونه حق العبادة، وتطيعونه حق الطاعة.
اِنَّمَا حَرَّمَ عَلَیْكُمُ الْمَیْتَةَ وَ الدَّمَ وَ لَحْمَ الْخِنْزِیْرِ وَ مَاۤ اُهِلَّ لِغَیْرِ اللّٰهِ بِهٖۚ-فَمَنِ اضْطُرَّ غَیْرَ بَاغٍ وَّ لَا عَادٍ فَاِنَّ اللّٰهَ غَفُوْرٌ رَّحِیْمٌ(۱۱۵)
تم پر تو یہی حرام کیا ہے مُردار اور خون اور سور کا گوشت اور وہ جس کے ذبح کرتے وقت غیر خدا کا نام پکارا گیا (ف۲۶۵) پھر جو لاچار ہو (ف۲۶۶) نہ خواہش کرتا اور نہ حد سے بڑھتا (ف۲۶۷) تو بیشک اللہ بخشنے والا مہربان ہے،
ثم بين- سبحانه- ما حرمه على عباده رعاية لمصالحهم فقال: إِنَّما حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ وَما أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ ...والميتة في عرف الشرع: ما مات حتف أنفه، أو قتل على هيئة غير مشروعة، فيدخل فيها المنخنقة والموقوذة والمتردية والنطيحة، وما عدا عليها السبع.وكان الأكل من الميتة محرما، لفساد جسمها بسبب ذبول أجزائه وتعفنها، ولأنها أصبحت بحالة تعافها الطباع السليمة لقذارتها وضررها.والدم المحرم: هو ما يسيل من الحيوان الحي كثيرا كان أم قليلا وكذلك يحرم من دم الحيوان ما جرى منه بعد ذبحه، وهو الذي عبر عنه القرآن بالمسفوح..والحكمة في تحريم الدم المسفوح، أنه تستقذره النفوس الكريمة، ويفضى شربه أو أكله إلى الإضرار بالنفس..وحرمة الخنزير شاملة للحمه ودمه وشحمه وجلده. وإنما خص لحمه بالذكر لأنه المقصود بالأكل، ولأن سائر أجزائه كالتابعة للحمه ...ومن الحكم في تحريم لحم الخنزير: قذارته، واشتماله على دودة تضر بآكله، كما أثبت ذلك العلم الحديث.وقوله: وَما أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ معطوف على ما قبله من المحرمات.والفعل أُهِلَّ مأخوذ من الإهلال بمعنى رفع الصوت، وكانوا في الجاهلية إذا أرادوا ذبح ما قربوه إلى آلهتهم، سموا عليها أسماءها فيقولون: باسم اللات أو باسم العزى، رافعين بذلك أصواتهم.فأنت ترى أن تحريم الميتة والدم ولحم الخنزير كان لعله ذاتية في تلك الأشياء، أما تحريم ما أهل لغير الله به، بسبب التوجه بالمذبوح إلى غير الله- عز وجل-.وقوله- تعالى-: فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ باغٍ وَلا عادٍ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ بيان لحالات الضرورة التي يباح للإنسان فيها أن يأكل من تلك المحرمات.واضطر: من الاضطرار وهو الاحتياج إلى الشيء بشدة.والمعنى: فمن ألجأته الضرورة إلى أكل شيء من هذه المحرمات، حالة كونه «غير باغ» ، أى: غير طالب للمحرم وهو يجد غيره، أو غير طالب له على جهة الاستئثار به على مضطر آخر، «ولا عاد» أى: ولا متجاوز في أكله ما يسد الجوع ويحفظ الحياة «فإن الله» - تعالى- «غفور» واسع المغفرة لعبادة «رحيم» كثير الرحمة بهم ثم نهى- سبحانه- عن القول على الله- تعالى- بغير علم اتباعا للظن والأوهام، فقال:
وَ لَا تَقُوْلُوْا لِمَا تَصِفُ اَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هٰذَا حَلٰلٌ وَّ هٰذَا حَرَامٌ لِّتَفْتَرُوْا عَلَى اللّٰهِ الْكَذِبَؕ-اِنَّ الَّذِیْنَ یَفْتَرُوْنَ عَلَى اللّٰهِ الْكَذِبَ لَا یُفْلِحُوْنَؕ(۱۱۶)
اور نہ کہو اسے جو تمہاری زبانیں جھوٹ بیان کرتی ہیں یہ حلال ہے اور یہ حرام ہے کہ اللہ پر جھوٹ باندھو (ف۲۶۸) بیشک جو اللہ پر جھوٹ باندھتے ہیں ان کا بھلا نہ ہوگا،
قال الآلوسى ما ملخصه: قوله: وَلا تَقُولُوا لِما تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ.. «ما» موصولة، والعائد محذوف، أى: ولا تقولوا- في شأن الذي تصفه ألسنتكم من البهائم بالحل والحرمة- هذا حلال وهذا حرام، من غير ترتب ذلك الوصف على ملاحظة وفكر، فضلا عن استناده إلى وحى أو قياس مبنى عليه، بل مجرد قول باللسان.ولفظ «الكذب» منتصب على أنه مفعول به ل تَقُولُوا وقوله- سبحانه-:هذا حَلالٌ وَهذا حَرامٌ بدل منه.. .والمعنى: ولا تقولوا- أيها الجاهلون- للشيء الكذب الذي تصفه ألسنتكم، وتحكيه وتنطق به بدون بينة أو برهان. هذا الشيء حلال وهذا الشيء حرام.وقد حكى الله- تعالى- عن هؤلاء الجاهلين في آيات كثيرة، أنهم حللوا وحرموا أشياء من عند أنفسهم ومن ذلك قوله- تعالى-: وَقالُوا ما فِي بُطُونِ هذِهِ الْأَنْعامِ خالِصَةٌ لِذُكُورِنا وَمُحَرَّمٌ عَلى أَزْواجِنا.. .وقوله- سبحانه-: قُلْ أَرَأَيْتُمْ ما أَنْزَلَ اللَّهُ لَكُمْ مِنْ رِزْقٍ فَجَعَلْتُمْ مِنْهُ حَراماً وَحَلالًا، قُلْ آللَّهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى اللَّهِ تَفْتَرُونَ .قال صاحب الكشاف: فإن قلت: ما معنى وصف ألسنتهم الكذب؟ قلت: هو من فصيح الكلام وبليغه، جعل قولهم كأنه عين الكذب ومحضه. فإذا نطقت به ألسنتهم فقد حلت الكذب بحليته، وصورته بصورته، كقولهم: وجهها يصف الجمال، وعينها تصف السحر.. .وقال بعض العلماء ما ملخصه: ويصح أن يكون لفظ الكذب مفعولا لتصف، وأن يكون قوله: هذا حَلالٌ وَهذا حَرامٌ مفعولا لتقولوا.وعلى هذا الوجه يكون في وصف ألسنتهم الكذب، مبالغة في وصف كلامهم بالكذب، حتى لكأن ماهية الكذب كانت مجهولة، فكشفت عنها ألسنتهم ووضحتها ووصفتها ونعتتها بالنعوت التي جلتها.. ومنه قول الشاعر:أضحت يمينك من جود مصوّرة ... لا، بل يمينك منها صوّر الجودواللام في قوله: لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ هي لام الصيرورة والعاقبة، أو هي- كما يقول صاحب الكشاف- من التعليل الذي لا يتضمن معنى الغرض، لأن ما صدر عنهم من تحليل وتحريم دون أن يأذن به الله، ليس الغرض منه افتراء الكذب فحسب، بل هناك أغراض أخرى، كظهورهم بمظهر أولى العلم، وكحبهم للتباهى والتفاخر..وقوله: لِتَفْتَرُوا من الافتراء وهو أشنع أنواع الكذب، لأنه اختلاق للكذب الذي لا يستند إلى شيء من الواقع.أى: ولا تقولوا لما تحكيه ألسنتكم من أقوال وأحكام لا صحة لها، هذا حلال وهذا حرام، لتنسبوا ذلك إلى الله- تعالى- كذبا وزورا.قال الإمام ابن كثير: ويدخل في الآية كل من ابتدع بدعة، ليس له فيها مستند شرعي، أو حلل شيئا مما حرم الله أو حرم شيئا مما أباح الله، بمجرد رأيه وتشهيه .وقال الآلوسى: وحاصل معنى الآية: لا تسلموا ما لم يأتكم حله ولا حرمته عن الله- تعالى- ورسوله صلى الله عليه وسلم حلالا ولا حراما، فتكونوا كاذبين على الله، لأن مدار الحل والحرمة ليس إلا حكمه- سبحانه-.ومن هنا قال: أبو نضرة: لم أزل أخاف الفتيا منذ أن سمعت هذه الآية إلى يومى هذا.وقال ابن العربي: كره مالك وقوم أن يقول المفتي: هذا حلال وهذا حرام في المسائل الاجتهادية. وإنما يقال ذلك فيما نص الله عليه. ويقال في المسائل الاجتهادية: إنى أكره كذا وكذا ونحو ذلك .وقوله- سبحانه-: إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لا يُفْلِحُونَ بيان لسوء عاقبتهم، وخيبة مسعاهم.أى: إن الذين يختلقون الكذب وينسبونه إلى الله- تعالى- لا يفوزون بمطلوب، ولا يفلحون في الوصول إلى مأمول.
مَتَاعٌ قَلِیْلٌ۪-وَّ لَهُمْ عَذَابٌ اَلِیْمٌ(۱۱۷)
تھوڑا برتنا ہے (ف۲۶۹) اور ان کے لیے دردناک عذاب (ف۲۷۰)
وقوله- تعالى-: مَتاعٌ قَلِيلٌ بيان لخسة ما يسعون للحصول إليه من منافع الدنيا، وهو خبر لمبتدأ محذوف أى: متاعهم في الدنيا متاع قليل، لأنهم عما قريب سيتركونه لغيرهم بعد رحيلهم عن هذه الدنيا.ثم بين- سبحانه- سوء مصيرهم في الآخرة فقال: وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ أى: ولهم في الآخرة عذاب شديد الألم.وشبيه بهذه الآية قوله- تعالى-: نُمَتِّعُهُمْ قَلِيلًا ثُمَّ نَضْطَرُّهُمْ إِلى عَذابٍ غَلِيظٍ وقوله- تعالى-: وَمَنْ كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلًا، ثُمَّ أَضْطَرُّهُ إِلى عَذابِ النَّارِ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ .ثم بين- سبحانه- بعد ذلك، أن ما حرمه على اليهود من طيبات، كان بسبب ظلمهم وبغيهم، وأن رحمته- تعالى- تسع العصاة متى تابوا وأصلحوا، فقال- تعالى-:
وَ عَلَى الَّذِیْنَ هَادُوْا حَرَّمْنَا مَا قَصَصْنَا عَلَیْكَ مِنْ قَبْلُۚ-وَ مَا ظَلَمْنٰهُمْ وَ لٰكِنْ كَانُوْۤا اَنْفُسَهُمْ یَظْلِمُوْنَ(۱۱۸)
اور خاص یہودیوں پر ہم نے حرام فرمائیں وہ چیزیں جو پہلے تمہیں ہم نے سنائیں (ف۲۷۱) اور ہم نے ان پر ظلم نہ کیا ہاں وہی اپنی جانوں پر ظلم کرتے تھے، (ف۲۷۲)
قال ابن كثير- رحمه الله-: لما ذكر- تعالى- أنه إنما حرم علينا الميتة والدم ولحم الخنزير وما أهل لغير الله به، وإنما أرخص فيه عند الضرورة وفي ذلك توسعة لهذه الأمة التي يريد الله بها اليسر ولا يريد بها العسر-، ذكر- سبحانه- بعد ذلك ما كان حرمه على اليهود في شريعتهم قبل أن ينسخها، وما كانوا فيه من الآصار والتضييق والأغلال والحرج، فقال: وَعَلَى الَّذِينَ هادُوا حَرَّمْنا ما قَصَصْنا عَلَيْكَ مِنْ قَبْلُ ...أى: في سورة الأنعام في قوله: وَعَلَى الَّذِينَ هادُوا حَرَّمْنا كُلَّ ذِي ظُفُرٍ، وَمِنَ الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ حَرَّمْنا عَلَيْهِمْ شُحُومَهُما إِلَّا ما حَمَلَتْ ظُهُورُهُما أَوِ الْحَوايا أَوْ مَا اخْتَلَطَ بِعَظْمٍ، ذلِكَ جَزَيْناهُمْ بِبَغْيِهِمْ وَإِنَّا لَصادِقُونَ .والمعنى: وعلى اليهود بصفة خاصة، دون غيرهم من الأمم، حرمنا بعض الطيبات التي سبق أن بيناها لك في هذا القرآن الكريم، وما كان تحريمنا إياها عليهم إلا بسبب بغيهم وظلمهم.وفي الآية الكريمة إبطال لمزاعمهم، حيث كانوا يقولون: لسنا أول من حرمت عليه هذه الطيبات، وإنما كانت محرمة على نوح وإبراهيم وغيرهما ممن جاء بعدهما.وقوله: مِنْ قَبْلُ متعلق بحرمنا، أو بقصصنا.وبذلك يتبين أن ما حرمه الله- تعالى- على الأمة الإسلامية، كالميتة والدم ولحم الخنزير.. كان من باب الرحمة بها، والحرص على مصلحتها.. أما ما حرمه- سبحانه- على اليهود، فقد كان بسبب بغيهم وظلمهم.وقوله- تعالى-: وَما ظَلَمْناهُمْ وَلكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ بيان لمظهر من مظاهر عدل الله- تعالى- في معاملته لعباده.أى: وما ظلمنا هؤلاء اليهود بتحريم بعض الطيبات عليهم، ولكن هم الذين ظلموا أنفسهم، حيث تركوها تسير في طريق الشيطان، ولم يوقفوها عند حدود الله- تعالى-، فاستحقوا بسبب ذلك ما استحقوا من عقوبات.وصدق الله إذ يقول: إِنَّ اللَّهَ لا يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئاً وَلكِنَّ النَّاسَ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ .
ثُمَّ اِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِیْنَ عَمِلُوا السُّوْٓءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ تَابُوْا مِنْۢ بَعْدِ ذٰلِكَ وَ اَصْلَحُوْۤاۙ-اِنَّ رَبَّكَ مِنْۢ بَعْدِهَا لَغَفُوْرٌ رَّحِیْمٌ۠(۱۱۹)
پھر بیشک تمہارا رب ان کے لیے جو نادانی سے (ف۲۷۳) برائی کر بیٹھیں پھر اس کے بعد توبہ کریں اور سنور جائیں بیشک تمہارا رب اس کے بعد (ف۲۷۴) ضرور بخشنے والا مہربان ہے،
وقوله- سبحانه- ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ عَمِلُوا السُّوءَ بِجَهالَةٍ.. بيان لسعة رحمته- سبحانه- بعباده، ورأفته بهم.والمراد بالجهالة: الجهل والسفه اللذان يحملان صاحبهما على ارتكاب ما لا يليق بالعقلاء، وليس المراد بها عدم العلم.قال مجاهد: كل من عصى الله- تعالى- عمدا أو خطأ فهو جاهل حتى ينزع عن معصيته.وقال ابن عطية: الجهالة هنا بمعنى تعدى الطور، وركوب الرأس: لا ضد العلم.ومنه ما جاء في الخبر: «اللهم إنى أعوذ بك من أن أجهل، أو يجهل على» .ومنه قول الشاعر:ألا لا يجهلن أحد علينا ... فنجهل فوق جهل الجاهلينوالمعنى: ثم إن ربك- أيها الرسول الكريم-، لكثير الغفران والرحمة لأولئك الذين عملوا الأعمال السيئة، بدافع الجهل والسفه والطيش وعدم تدبر العواقب، ثم إنهم بعد ذلك تابوا توبة صادقة عن تلك الأعمال السيئة، ولم يكتفوا بذلك بل أصلحوا من شأن أنفسهم، حيث أوقفوها عند حدود الله- تعالى- وأجبروها على تنفيذ أوامره، واجتناب نواهيه.قال الآلوسى: والتقييد بالجهالة قيل: لبيان الواقع، لأن كل من يعمل السوء لا يعمله إلا بجهالة.وقال العسكري: ليس المعنى أنه- تعالى- يغفر لمن يعمل السوء بجهالة، ولا يغفر لمن عمله بدون جهالة، بل المراد أن جميع من تاب فهذه سبيله. وإنما خص من يعمل السوء بجهالة، لأن أكثر من يأتى الذنوب يأتيها بقلة فكر في عاقبة الأمر، أو عند غلبة الشهوة، أو في جهالة الشباب: فذكر الأكثر على عادة العرب في مثل ذلك .واسم الإشارة في قوله: ثُمَّ تابُوا مِنْ بَعْدِ ذلِكَ وَأَصْلَحُوا يعود إلى الأعمال السيئة التي عملوها قبل التوبة والإصلاح. أى: ثم تابوا توبة صادقة من بعد أن عملوا ما عملوا من سيئات، وأصلحوا نفوسهم فهيأوها للسير على الطريق المستقيم.والضمير في قوله: إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِها يعود إلى التوبة وما يصاحبها من فعل للطاعات ومن اجتناب للسيئات.أى: إن ربك- أيها الرسول الكريم- من بعد هذه التوبة النصوح، لكثير المغفرة والرحمة للتائبين.والتعبير- بثم- في قوله: ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ ... وقوله: ... ثُمَّ تابُوا مِنْ بَعْدِ ذلِكَ لبيان الفرق الشاسع بين رحمة الله- تعالى- بعباده، وبين ما يصدر عن بعضهم من كفران وارتكاب للمعاصي، وبين المصرين على فعل السوء، وبين التائبين عنه.وكرر- سبحانه- إِنَّ رَبَّكَ مرتين في الآية الواحدة، لتأكيد الوعد وإظهار كمال العناية بإنجازه.وشبيه بهذه الآية الكريمة قوله- تعالى-: إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهالَةٍ، ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ، فَأُولئِكَ يَتُوبُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ، وَكانَ اللَّهُ عَلِيماً حَكِيماً .ثم مدح- سبحانه- خليله ابراهيم مدحا عظيما، وأنه بشره بالعطاء الذي يسعده في دنياه وآخرته، وأمر نبيه محمدا صلى الله عليه وسلم باتباع ملة أبيه إبراهيم، فقال- تعالى-:
اِنَّ اِبْرٰهِیْمَ كَانَ اُمَّةً قَانِتًا لِّلّٰهِ حَنِیْفًاؕ-وَ لَمْ یَكُ مِنَ الْمُشْرِكِیْنَۙ(۱۲۰)
بیشک ابراہیم ایک امام تھا (ف۳۷۵) اللہ کا فرمانبردار اور سب سے جدا (ف۲۷۶) اور مشرک نہ تھا، (ف۲۷۷)
فأنت ترى أن الله- تعالى- قد وصف خليله ابراهيم- عليه السلام- بجملة من الصفات الفاضلة. والمناقب الحميدة.وصفه أولا- بأنه كانَ أُمَّةً.ولفظ أُمَّةً يطلق في اللغة بإطلاقات متعددة، منها: الجماعة، كما في قوله- تعالى-: وَلَمَّا وَرَدَ ماءَ مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِنَ النَّاسِ يَسْقُونَ أى: جماعة من الناس ...ومنها: الدين والملة، كما في قوله- تعالى-: إِنَّا وَجَدْنا آباءَنا عَلى أُمَّةٍ.. أى:على دين وملة.ومنها: الحين والزمان كما في قوله- سبحانه-: وَلَئِنْ أَخَّرْنا عَنْهُمُ الْعَذابَ إِلى أُمَّةٍ مَعْدُودَةٍ . أى: إلى زمان معين..والمراد بقوله- سبحانه-: إِنَّ إِبْراهِيمَ كانَ أُمَّةً.. أى: كان عنده من الخير ما كان عند أمة، أى جماعة كثيرة من الناس، وهذا التفسير مروى عن ابن عباس.وقال مجاهد: سمى- عليه السلام- أمة لانفراده بالإيمان في وقته مدة ما.وفي صحيح البخاري أنه قال لزوجته سارة: ليس على الأرض اليوم مؤمن غيرى وغيرك.ويصح أن يكون المراد بقوله- تعالى-: إِنَّ إِبْراهِيمَ كانَ أُمَّةً.. أى: كان إماما يقتدى به في وجوه الطاعات. وفي ألوان الخيرات، وفي الأعمال الصالحات، وفي إرشاد الناس إلى أنواع البر، قال- تعالى-: وَإِذِ ابْتَلى إِبْراهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِماتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قالَ إِنِّي جاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِماماً.. .ووصفه ثانيا- بأنه كان «قانتا لله» أى مطيعا لله، خاضعا لأوامره ونواهيه، من القنوت وهو الطاعة مع الخضوع.ووصفه- ثالثا- بأنه كان، حنيفا، أى: مائلا عن الأديان الباطلة إلى الدين الحق. من الحنف بمعنى الميل والاعوجاج، يقال: فلان برجله حنف أى اعوجاج وميل.ومنه قول أم الأحنف بن قيس وهي تداعبه:والله لولا حنف برجله ... ما كان في فتيانكم من مثلهووصفه- رابعا- بأنه منزه عن الإشراك بالله- تعالى- فقال: وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ.أى: ولم يكن ابراهيم- عليه السلام- من الذين أشركوا مع الله- تعالى- آلهة أخرى في العبادة أو الطاعة، أو في أى من الأمور، بل أخلص عبادته لخالقه- عز وجل-.وقال- كما حكى القرآن عنه-: إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ حَنِيفاً وَما أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ .
- English | Ahmed Ali
- Urdu | Ahmed Raza Khan
- Turkish | Ali-Bulaç
- German | Bubenheim Elyas
- Chinese | Chineese
- Spanish | Cortes
- Dutch | Dutch
- Portuguese | El-Hayek
- English | English
- Urdu | Fateh Muhammad Jalandhry
- French | French
- Hausa | Hausa
- Indonesian | Indonesian-Bahasa
- Italian | Italian
- Korean | Korean
- Malay | Malay
- Russian | Russian
- Tamil | Tamil
- Thai | Thai
- Farsi | مکارم شیرازی
- العربية | التفسير الميسر
- العربية | تفسير الجلالين
- العربية | تفسير السعدي
- العربية | تفسير ابن كثير
- العربية | تفسير الوسيط لطنطاوي
- العربية | تفسير البغوي
- العربية | تفسير القرطبي
- العربية | تفسير الطبري
- English | Arberry
- English | Yusuf Ali
- Dutch | Keyzer
- Dutch | Leemhuis
- Dutch | Siregar
- Urdu | Sirat ul Jinan