READ

Surah Al-Israa

بَنِیْٓ اِسْرَآءِیْل
111 Ayaat    مکیۃ


17:0
بِسْمِ اللّٰهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحِیْمِ
اللہ کے نام سے شروع جو بہت مہربان رحمت والا

القول في الاستعاذةوفيها اثنتا عشرة مسألة :الأولى : أمر الله تعالى بالاستعاذة عند أول كل قراءة فقال تعالى : فإذا قرأت القرآن فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم [ النحل : 98 ] أي إذا أردت أن تقرأ ; فأوقع الماضي موقع المستقبل كما قال الشاعر :وإني لآتيكم لذكري الذي مضى من الود واستئناف ما كان في غدأراد ما يكون في غد ; وقيل : في الكلام تقديم وتأخير ، وأن كل فعلين تقاربا في المعنى جاز تقديم أيهما شئت ; كما قال تعالى : ثم دنا فتدلى [ النجم : 8 ] المعنى فتدلى ثم دنا ; ومثله : اقتربت الساعة وانشق القمر [ القمر : 1 ] وهو كثير .الثانية : هذا الأمر على الندب في قول الجمهور في كل قراءة في غير الصلاة . واختلفوا فيه في الصلاة . حكى النقاش عن عطاء : أن الاستعاذة واجبة ، وكان ابن سيرين والنخعي وقوم يتعوذون في الصلاة كل ركعة ، ويمتثلون أمر الله في الاستعاذة على العموم ، وأبو حنيفة والشافعي يتعوذان في الركعة الأولى من الصلاة ويريان قراءة الصلاة كلها كقراءة واحدة ; ومالك لا يرى التعوذ في الصلاة المفروضة ويراه في قيام رمضان .الثالثة : أجمع العلماء على أن التعوذ ليس من القرآن ولا آية منه ، وهو قول القارئ : أعوذ بالله من الشيطان الرجيم . وهذا اللفظ هو الذي عليه الجمهور من العلماء في التعوذ لأنه لفظ كتاب الله تعالى . وروي عن ابن مسعود أنه قال : قلت أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم ; فقال لي النبي صلى الله عليه وسلم : يا ابن أم عبد أعوذ بالله من الشيطان الرجيم هكذا أقرأني جبريل عن اللوح المحفوظ عن القلم .الرابعة : روى أبو داود وابن ماجه في سننهما عن جبير بن مطعم أنه رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي صلاة فقال عمرو : لا أدري أي صلاة هي ؟ فقال : " الله أكبر كبيرا الله أكبر كبيرا - ثلاثا - الحمد لله كثيرا الحمد لله كثيرا - ثلاثا - وسبحان الله بكرة وأصيلا - ثلاثا - أعوذ بالله من الشيطان من نفخه ونفثه وهمزه . قال عمرو : همزه المؤتة ، ونفثه الشعر ، ونفخه الكبر . وقال ابن ماجه : المؤتة يعني الجنون . والنفث : نفخ الرجل من فيه من غير أن يخرج ريقه . والكبر : التيه . وروى أبو داود عن أبي سعيد الخدري قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قام من الليل كبر ثم يقول : سبحانك اللهم وبحمدك تبارك اسمك وتعالى جدك ولا إله غيرك - ثم يقول : لا إله إلا الله - ثلاثا ثم يقول : - الله أكبر كبيرا - ثلاثا - أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم من همزه ونفخه ونفثه ثم يقرأ . وروى سليمان بن سالم عن ابن القاسم رحمه الله أن الاستعاذة : أعوذ بالله العظيم من الشيطان الرجيم إن الله هو السميع العليم بسم الله الرحمن الرحيم . قال ابن عطية : " وأما المقرئون فأكثروا في هذا من تبديل الصفة في اسم الله تعالى وفي الجهة الأخرى ، كقول بعضهم : أعوذ بالله المجيد ، من الشيطان المريد ; ونحو هذا مما لا أقول فيه : نعمت البدعة ، ولا أقول : إنه لا يجوز " .الخامسة : قال المهدوي : أجمع القراء على إظهار الاستعاذة في أول قراءة سورة " الحمد " إلا حمزة فإنه أسرها . وروى السدي عن أهل المدينة أنهم كانوا يفتتحون القراءة بالبسملة . وذكر أبو الليث السمرقندي عن بعض المفسرين أن التعوذ فرض ، فإذا نسيه القارئ وذكره في بعض الحزب قطع وتعوذ ، ثم ابتدأ من أوله . وبعضهم يقول : يستعيذ ثم يرجع إلى موضعه الذي وقف فيه ; وبالأول قال أسانيد الحجاز والعراق ; وبالثاني قال أسانيد الشام ومصر .السادسة : حكى الزهراوي قال : نزلت الآية في الصلاة وندبنا إلى الاستعاذة في غير الصلاة وليس بفرض . قال غيره : كانت فرضا على النبي صلى الله عليه وسلم وحده ، ثم تأسينا به .السابعة : روي عن أبي هريرة أن الاستعاذة بعد القراءة ; وقاله داود . قال أبو بكر بن العربي : انتهى العي بقوم إلى أن قالوا : إذا فرغ القارئ من قراءة القرآن يستعيذ بالله من الشيطان الرجيم . وقد روى أبو سعيد الخدري أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يتعوذ في صلاته قبل القراءة ، وهذا نص . فإن قيل : فما الفائدة في الاستعاذة من الشيطان الرجيم وقت القراءة ؟ قلنا : فائدتها امتثال الأمر ، وليس للشرعيات فائدة إلا القيام بحق الوفاء لها في امتثالها أمرا أو اجتنابها نهيا ; وقد قيل : فائدتها امتثال الأمر بالاستعاذة من وسوسة الشيطان عند القراءة ; كما قال تعالى وما أرسلنا من قبلك من رسول ولا نبي إلا إذا تمنى ألقى الشيطان في أمنيته [ الحج : 52 ] . قال ابن العربي : ومن أغرب ما وجدناه قول مالك في المجموعة في تفسير هذه الآية : فإذا قرأت القرآن فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم [ النحل : 98 ] قال : ذلك بعد قراءة أم القرآن لمن قرأ في الصلاة ، وهذا قول لم يرد به أثر ، ولا يعضده نظر ; فإن كان هذا كما قال بعض الناس : إن الاستعاذة بعد القراءة ، كان تخصيص ذلك بقراءة أم القرآن في الصلاة دعوى عريضة ، ولا تشبه أصل مالك ولا فهمه ; فالله أعلم بسر هذه الرواية .الثامنة : في فضل التعوذ . روى مسلم عن سليمان بن صرد قال : استب رجلان عند النبي صلى الله عليه وسلم فجعل أحدهما يغضب ويحمر وجهه فنظر إليه النبي صلى الله عليه وسلم فقال : إني لأعلم كلمة لو قالها لذهب ذا عنه ، أعوذ بالله من الشيطان الرجيم . فقام إلى الرجل رجل ممن سمع النبي صلى الله عليه وسلم فقال : هل تدري ما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم آنفا ؟ قال : إني لأعلم كلمة لو قالها لذهب ذا عنه أعوذ بالله من الشيطان الرجيم فقال له الرجل : أمجنونا تراني ! أخرجه البخاري أيضا . وروى مسلم أيضا عن عثمان بن أبي العاص الثقفي أنه أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله ، إن الشيطان قد حال بيني وبين صلاتي وقراءتي يلبسها علي ، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : ذاك شيطان يقال له خنزب فإذا أحسسته فتعوذ بالله منه واتفل عن يسارك ثلاثا قال : ففعلت فأذهبه الله عني . وروى أبو داود عن ابن عمر قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا سافر فأقبل عليه الليل قال : يا أرض ربي وربك الله أعوذ بالله من شرك [ وشر ما فيك ] [ و ] شر ما خلق فيك ومن شر ما يدب عليك [ وأعوذ بالله ] من أسد وأسود ومن الحية والعقرب ومن [ ساكن ] البلد ووالد وما ولد وروت خولة بنت حكيم قالت : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : من نزل منزلا ثم قال أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق لم يضره شيء حتى يرتحل . أخرجه الموطأ ومسلم والترمذي وقال : حديث حسن غريب صحيح . وما يتعوذ منه كثير ثابت في الأخبار ، والله المستعان .التاسعة : معنى الاستعاذة في كلام العرب : الاستجارة والتحيز إلى الشيء ، على معنى الامتناع به من المكروه ; يقال : عذت بفلان واستعذت به ; أي لجأت إليه . وهو عياذي ; أي ملجئي . وأعذت غيري به وعوذته بمعنى . ويقال : عوذ بالله منك ; أي أعوذ بالله منك ; قال الراجزقالت وفيها حيدة وذعر عوذ بربي منكم وحجروالعرب تقول عند الأمر تنكره : حجرا له ، بالضم ، أي دفعا ، وهو استعاذة من الأمر . والعوذة والمعاذة والتعويذ كله بمعنى . وأصل أعوذ : أعوذ نقلت الضمة إلى العين لاستثقالها على الواو فسكنت .العاشرة : الشيطان واحد الشياطين ; على التكسير والنون أصلية ; لأنه من شطن إذا بعد عن الخير . وشطنت داره أي بعدت ; قال الشاعر [ النابغة الذبياني ] :نأت بسعاد عنك نوى شطون فبانت والفؤاد بها رهينوبئر شطون أي بعيدة القعر . والشطن : الحبل ; سمي به لبعد طرفيه وامتداده . ووصف أعرابي فرسا لا يحفى فقال : كأنه شيطان في أشطان . وسمي الشيطان شيطانا لبعده عن الحق وتمرده ; وذلك أن كل عات متمرد من الجن والإنس والدواب شيطان ; قال جرير :أيام يدعونني الشيطان من غزل وهن يهوينني إذ كنت شيطاناوقيل : إن شيطانا مأخوذ من شاط يشيط إذا هلك ، فالنون زائدة . وشاط إذا احترق وشيطت اللحم إذا دخنته ولم تنضجه . واشتاط الرجل إذا احتد غضبا . وناقة مشياط التي يطير فيها السمن . واشتاط إذا هلك ; قال الأعشى :قد نخضب العير من مكنون فائله وقد يشيط على أرماحنا البطلأي يهلك . ويرد على هذه الفرقة أن سيبويه حكى أن العرب تقول : تشيطن فلان إذا فعل أفعال الشياطين ، فهذا بين أنه تفيعل من شطن ، ولو كان من شاط لقالوا : تشيط ، ويرد عليهم أيضا بيت أمية بن أبي الصلت :أيما شاطن عصاه عكاه ورماه في السجن والأغلالفهذا شاطن من شطن لا شك فيه .الحادية عشرة : الرجيم أي المبعد من الخير المهان . وأصل الرجم : الرمي بالحجارة ، وقد رجمته أرجمه ، فهو رجيم ومرجوم . والرجم : القتل واللعن والطرد والشتم ، وقد قيل هذا كله في قوله تعالى : لئن لم تنته يانوح لتكونن من المرجومين [ الشعراء : 116 ] . وقول أبي إبراهيم : لئن لم تنته لأرجمنك [ مريم : 46 ] . وسيأتي إن شاء الله تعالى .الثانية عشرة : روى الأعمش عن أبي وائل عن عبد الله قال : قال علي بن أبي طالب عليه السلام : رأيت النبي صلى الله عليه وسلم عند الصفا وهو مقبل على شخص في صورة الفيل وهو يلعنه ، قلت : ومن هذا الذي تلعنه يا رسول الله ؟ قال هذا الشيطان الرجيم فقلت : يا عدو الله ، والله لأقتلنك والله لأقتلنك ولأريحن الأمة منك ; قال : ما هذا جزائي منك ; قلت : وما جزاؤك مني يا عدو الله ؟ قال : والله ما أبغضك أحد قط إلا شركت أباه في رحم أمه .وفيها سبع وعشرون مسألة :الأولى : قال العلماء : ( بسم الله الرحمن الرحيم ) قسم من ربنا أنزله عند رأس كل سورة ، يقسم لعباده إن هذا الذي وضعت لكم يا عبادي في هذه السورة حق ، وإني أفي لكم بجميع ما ضمنت في هذه السورة من وعدي ولطفي وبري . و ( بسم الله الرحمن الرحيم ) مما أنزله الله تعالى في كتابنا وعلى هذه الأمة خصوصا بعد سليمان عليه السلام . وقال بعض العلماء : إن بسم الله الرحمن الرحيم تضمنت جميع الشرع ، لأنها تدل على الذات وعلى الصفات ; وهذا صحيح .الثانية : قال سعيد بن أبي سكينة : بلغني أن علي بن أبي طالب رضي الله عنه نظر إلى رجل يكتب : ( بسم الله الرحمن الرحيم ) فقال له : جودها فإن رجلا جودها فغفر له . قال سعيد : وبلغني أن رجلا نظر إلى قرطاس فيه ( بسم الله الرحمن الرحيم ) فقبله ووضعه على عينيه فغفر له . ومن هذا المعنى قصة بشر الحافي ، فإنه لما رفع الرقعة التي فيها اسم الله وطيبها طيب اسمه ، ذكره القشيري . وروى النسائي عن أبي المليح عن ردف رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إذا عثرت بك الدابة فلا تقل تعس الشيطان فإنه يتعاظم حتى يصير مثل البيت ويقول بقوته صرعته ولكن قل بسم الله الرحمن الرحيم فإنه يتصاغر حتى يصير مثل الذباب . وقال علي بن الحسين في تفسير قوله تعالى : وإذا ذكرت ربك في القرآن وحده ولوا على أدبارهم نفورا [ الإسراء : 46 ] قال معناه : إذا قلت : بسم الله الرحمن الرحيم . وروى وكيع عن الأعمش عن أبي وائل عن عبد الله بن مسعود قال : من أراد أن ينجيه الله من الزبانية التسعة عشر فليقرأ : بسم الله الرحمن الرحيم ليجعل الله تعالى له بكل حرف منها جنة من كل واحد . فالبسملة تسعة عشر حرفا على عدد ملائكة أهل النار الذين قال الله فيهم : عليها تسعة عشر [ المدثر : 30 ] وهم يقولون في كل أفعالهم : ( بسم الله الرحمن الرحيم ) فمن هنالك هي قوتهم ، وببسم الله استضلعوا . قال ابن عطية : ونظير هذا قولهم في ليلة القدر : إنها ليلة سبع وعشرين ، مراعاة للفظة ( هي ) من كلمات سورة : إنا أنزلناه [ القدر : 1 ] . ونظيره أيضا قولهم في عدد الملائكة الذين ابتدروا قول القائل : ربنا ولك الحمد حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه ، فإنها بضعة وثلاثون حرفا ; فلذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم : لقد رأيت بضعا وثلاثين ملكا يبتدرونها أيهم يكتبها أول . قال ابن عطية : وهذا من ملح التفسير وليس من متين العلم .الثالثة : روى الشعبي والأعمش أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يكتب ( باسمك اللهم ) حتى أمر أن يكتب ( بسم الله ) فكتبها ; فلما نزلت : قل ادعوا الله أو ادعوا الرحمن [ الإسراء : 110 ] كتب ( بسم الله الرحمن ) فلما نزلت : إنه من سليمان وإنه بسم الله الرحمن الرحيم [ النمل : 30 ] كتبها . وفي مصنف أبي داود قال الشعبي وأبو مالك وقتادة وثابت بن عمارة : إن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكتب بسم الله حتى نزلت سورة " النمل " .الرابعة : روي عن جعفر الصادق رضي الله عنه أنه قال : البسملة تيجان السور .قلت : وهذا يدل على أنها ليست بآية من الفاتحة ولا غيرها . وقد اختلف العلماء في هذا المعنى على ثلاثة أقوال :( الأول ) ليست بآية من الفاتحة ولا غيرها ; وهو قول مالك . ( الثاني ) أنها آية من كل سورة ; وهو قول عبد الله بن المبارك . ( الثالث ) قال الشافعي : هي آية في الفاتحة ; وتردد قوله في سائر السور ; فمرة قال : هي آية من كل سورة ، ومرة قال : ليست بآية إلا في الفاتحة وحدها . ولا خلاف بينهم في أنها آية من القرآن في سورة النمل .واحتج الشافعي بما رواه الدارقطني من حديث أبي بكر الحنفي عن عبد الحميد بن جعفر عن نوح بن أبي بلال عن سعيد بن أبي سعيد المقبري عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : إذا قرأتم " الحمد لله رب العالمين " فاقرءوا " بسم الله الرحمن الرحيم " إنها أم القرآن وأم الكتاب والسبع المثاني و " بسم الله الرحمن الرحيم " ، إحداها . رفع هذا الحديث عبد الحميد بن جعفر وعبد الحميد هذا وثقه أحمد بن حنبل ويحيى بن سعيد ويحيى بن معين ; وأبو حاتم يقول فيه : محله الصدق ; وكان سفيان الثوري يضعفه ويحمل عليه . ونوح بن أبي بلال ثقة مشهور .وحجة ابن المبارك وأحد قولي الشافعي ما رواه مسلم عن أنس قال : بينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم بين أظهرنا إذ أغفى إغفاءة ثم رفع رأسه متبسما ; فقلنا : ما أضحكك يا رسول الله ؟ قال : أنزلت علي آنفا سورة فقرأ : بسم الله الرحمن الرحيم إنا أعطيناك الكوثر فصل لربك وانحر إن شانئك هو الأبتر وذكر الحديث ، وسيأتي بكماله في سورة الكوثر إن شاء الله تعالى .الخامسة : الصحيح من هذه الأقوال قول مالك ; لأن القرآن لا يثبت بأخبار الآحاد وإنما طريقه التواتر القطعي الذي لا يختلف فيه . قال ابن العربي : ويكفيك أنها ليست من القرآن اختلاف الناس فيها ، والقرآن لا يختلف فيه . والأخبار الصحاح التي لا مطعن فيها دالة على أن البسملة ليست بآية من الفاتحة ولا غيرها إلا في النمل وحدها . روى مسلم عن أبي هريرة قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : قال [ تعالى ] : " قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين ولعبدي ما سأل فإذا قال العبد : ( الحمد لله رب العالمين ) قال الله تعالى حمدني عبدي وإذا قال : ( الرحمن الرحيم ) قال الله تعالى : أثنى علي عبدي وإذا قال : ( مالك يوم الدين ) قال مجدني عبدي - وقال مرة : فوض إلى عبدي - فإذا قال : ( إياك نعبد وإياك نستعين ) قال : هذا بيني وبين عبدي ، ولعبدي ما سأل ، فإذا قال : ( اهدنا الصراط المستقيم صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين ) قال : هذا لعبدي ولعبدي ما سأل . فقوله سبحانه : " قسمت الصلاة " يريد الفاتحة ، وسماها صلاة لأن الصلاة لا تصح إلا بها ; فجعل الثلاث الآيات الأول لنفسه ، واختص بها تبارك اسمه ، ولم يختلف المسلمون فيها . ثم الآية الرابعة جعلها بينه وبين عبده ; لأنها تضمنت تذلل العبد وطلب الاستعانة منه ، وذلك يتضمن تعظيم الله تعالى ، ثم ثلاث آيات تتمة سبع آيات . ومما يدل على أنها ثلاث قوله : " هؤلاء لعبدي " أخرجه مالك ; ولم يقل : هاتان ; فهذا يدل على أن ( أنعمت عليهم ) آية . قال ابن بكير قال مالك : " أنعمت عليهم " آية ، ثم الآية السابعة إلى آخرها . فثبت بهذه القسمة التي قسمها الله تعالى وبقوله عليه السلام لأبي : كيف تقرأ إذا افتتحت الصلاة قال : فقرأت : الحمد لله رب العالمين حتى أتيت على آخرها - أن البسملة ليست بآية منها ، وكذا عد أهل المدينة وأهل الشام وأهل البصرة ; وأكثر القراء عدوا : ( أنعمت عليهم ) آية ، وكذا روى قتادة عن أبي نضرة عن أبي هريرة قال : الآية السادسة : ( أنعمت عليهم ) . وأما أهل الكوفة من القراء والفقهاء فإنهم عدوا فيها ( بسم الله الرحمن الرحيم ) ولم يعدوا ( أنعمت عليهم ) .فإن قيل : فإنها ثبتت في المصحف وهي مكتوبة بخطه ونقلت نقله ، كما نقلت في النمل ، وذلك متواتر عنهم . قلنا : ما ذكرتموه صحيح ; ولكن لكونها قرآنا ، أو لكونها فاصلة بين السور - كما روي عن الصحابة : كنا لا نعرف انقضاء السورة حتى تنزل " بسم الله الرحمن الرحيم " أخرجه أبو داود - أو تبركا بها ، كما قد اتفقت الأمة على كتبها في أوائل الكتب والرسائل ؟ كل ذلك محتمل . وقد قال الجريري : سئل الحسن عن ( بسم الله الرحمن الرحيم ) قال : في صدور الرسائل . وقال الحسن أيضا : لم تنزل ( بسم الله الرحمن الرحيم ) في شيء من القرآن إلا في " طس " إنه من سليمان وإنه بسم الله الرحمن الرحيم . والفيصل أن القرآن لا يثبت بالنظر والاستدلال ، وإنما يثبت بالنقل المتواتر القطعي الاضطراري . ثم قد اضطرب قول الشافعي فيها في أول كل سورة فدل على أنها ليست بآية من كل سورة ; والحمد لله .فإن قيل : فقد روى جماعة قرآنيتها ، وقد تولى الدارقطني جمع ذلك في جزء صححه . قلنا : لسنا ننكر الرواية بذلك وقد أشرنا إليها ، ولنا أخبار ثابتة في مقابلتها ، رواها الأئمة الثقات والفقهاء الأثبات . روت عائشة في صحيح مسلم قالت : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يستفتح الصلاة بالتكبير ، والقراءة ب " الحمد لله رب العالمين " ، الحديث . وسيأتي بكماله . وروى مسلم أيضا عن أنس بن مالك قال : صليت خلف النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر وعثمان ، فكانوا يستفتحون بالحمد لله رب العالمين ; لا يذكرون " بسم الله الرحمن الرحيم " في أول قراءة ولا في آخرها .ثم إن مذهبنا يترجح في ذلك بوجه عظيم ، وهو المعقول ; وذلك أن مسجد النبي صلى الله عليه وسلم بالمدينة انقضت عليه العصور ، ومرت عليه الأزمنة والدهور ، من لدن رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى زمان مالك ، ولم يقرأ أحد فيه قط " بسم الله الرحمن الرحيم " ؛ اتباعا للسنة ، وهذا يرد أحاديثكم .بيد أن أصحابنا استحبوا قراءتها في النفل ; وعليه تحمل الآثار الواردة في قراءتها أو على السعة في ذلك . قال مالك : ولا بأس أن يقرأ بها في النافلة ومن يعرض القرآن عرضا .وجملة مذهب مالك وأصحابه : أنها ليست عندهم آية من فاتحة الكتاب ولا غيرها ، ولا يقرأ بها المصلي في المكتوبة ولا في غيرها سرا ولا جهرا ; ويجوز أن يقرأها في النوافل . هذا هو المشهور من مذهبه عند أصحابه . وعنه رواية أخرى أنها تقرأ أول السورة في النوافل ، ولا تقرأ أول أم القرآن . وروى عنه ابن نافع ابتداء القراءة بها في الصلاة الفرض والنفل ولا تترك بحال . ومن أهل المدينة من يقول : إنه لابد فيها من ( بسم الله الرحمن الرحيم ) منهم ابن عمر ، وابن شهاب ; وبه قال الشافعي وأحمد وإسحاق وأبو ثور وأبو عبيد . وهذا يدل على أن المسألة مسألة اجتهادية لا قطعية ، كما ظنه بعض الجهال من المتفقهة الذي يلزم على قوله تكفير المسلمين ; وليس كما ظن لوجود الاختلاف المذكور ; والحمد لله .وقد ذهب جمع من العلماء إلى الإسرار بها مع الفاتحة ; منهم : أبو حنيفة والثوري ; وروى ذلك عن عمر وعلي وابن مسعود وعمار وابن الزبير ; وهو قول الحكم وحماد ; وبه قال أحمد بن حنبل وأبو عبيد ; وروي عن الأوزاعي مثل ذلك ; حكاه أبو عمر بن عبد البر في ( الاستذكار ) . واحتجوا من الأثر في ذلك بما رواه منصور بن زاذان عن أنس بن مالك قال : صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يسمعنا قراءة ( بسم الله الرحمن الرحيم ) . وما رواه عمار بن زريق عن الأعمش عن شعبة عن ثابت عن أنس قال : صليت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر وعثمان فلم أسمع أحدا منهم يقرأ بسم الله الرحمن الرحيم .قلت : هذا قول حسن ، وعليه تتفق الآثار عن أنس ولا تتضاد ويخرج به من الخلاف في قراءة البسملة . وقد روي عن سعيد بن جبير قال : كان المشركون يحضرون بالمسجد ; فإذا قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( بسم الله الرحمن الرحيم ) قالوا : هذا محمد يذكر رحمان اليمامة - يعنون مسيلمة - فأمر أن يخافت ب " بسم الله الرحمن الرحيم " ، ونزل : ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها . قال الترمذي الحكيم أبو عبد الله : فبقي ذلك إلى يومنا هذا على ذلك الرسم وإن زالت العلة ، كما بقي الرمل في الطواف وإن زالت العلة ، وبقيت المخافتة في صلاة النهار وإن زالت العلة .السادسة : اتفقت الأمة على جواز كتبها في أول كل كتاب من كتب العلم والرسائل ; فإن كان الكتاب ديوان شعر فروى مجالد عن الشعبي قال : أجمعوا ألا يكتبوا أمام الشعر : بسم الله الرحمن الرحيم . وقال الزهري : مضت السنة ألا يكتبوا في الشعر : ( بسم الله الرحمن الرحيم ) . وذهب إلى رسم التسمية في أول كتب الشعر سعيد بن جبير ، وتابعه على ذلك أكثر المتأخرين . قال أبو بكر الخطيب : وهو الذي نختاره ونستحبه .السابعة : قال الماوردي ويقال لمن قال بسم الله : مبسمل ، وهي لغة مولدة ، وقد جاءت في الشعر ; قال عمر بن أبي ربيعة :لقد بسملت ليلى غداة لقيتها فيا حبذا ذاك الحبيب المبسملقلت : المشهور عن أهل اللغة بسمل . قال يعقوب بن السكيت والمطرز والثعالبي وغيرهم من أهل اللغة : بسمل الرجل ، إذا قال : بسم الله . يقال : قد أكثرت من البسملة ; أي من قول بسم الله ، ومثله : حوقل الرجل ، إذا قال : لا حول ولا قوة إلا بالله ، وهلل ، إذا قال : لا إله إلا الله ، وسبحل ، إذا قال : سبحان الله ، وحمدل ، إذا قال : الحمد لله ، وحيصل ، إذا قال : حي على الصلاة ، وجعفل ، إذا قال : جعلت فداك . وطبقل ، إذا قال : أطال الله بقاءك . ودمعز ، إذا قال أدام الله عزك . وحيفل ، إذا قال : حي على الفلاح . ولم يذكر المطرز : الحيصلة ، إذا قال : حي على الصلاة . وجعفل ، إذا قال : جعلت فداك . وطبقل ، إذا قال أطال الله بقاءك . ودمعز إذا قال : أدام الله عزك .الثامنة : ندب الشرع إلى ذكر البسملة في أول كل فعل ; كالأكل والشرب والنحر ; والجماع والطهارة وركوب البحر ، إلى غير ذلك من الأفعال ; قال الله تعالى : فكلوا مما ذكر اسم الله عليه . وقال اركبوا فيها بسم الله مجريها ومرساها . وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أغلق بابك واذكر اسم الله وأطفئ مصباحك واذكر اسم الله وخمر إناءك واذكر اسم الله وأوك سقاءك واذكر اسم الله . وقال لو أن أحدكم إذا أراد أن يأتي أهله قال : بسم الله اللهم جنبنا الشيطان وجنب الشيطان ما رزقتنا فإنه إن يقدر بينهما ولد في ذلك لم يضره شيطان أبدا . وقال لعمر بن أبي سلمة يا غلام سم الله وكل بيمينك وكل مما يليك وقال : إن الشيطان يستحل الطعام أن لا يذكر اسم الله عليه وقال : من لم يذبح فليذبح باسم الله . وشكا إليه عثمان بن أبي العاص وجعا يجده في جسده منذ أسلم ، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم ضع يدك على الذي تألم من جسدك وقل بسم الله ثلاثا وقل سبع مرات أعوذ بعزة [ بالله ] وقدرته من شر ما أجد وأحاذر . هذا كله ثابت في الصحيح . وروى ابن ماجه والترمذي عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ستر ما بين الجن وعورات بني آدم إذا دخل الكنيف أن يقول : بسم الله . وروى الدارقطني عن عائشة قالت : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا مس طهوره سمى الله تعالى ، ثم يفرغ الماء على يديه .التاسعة : قال علماؤنا : وفيها رد على القدرية وغيرهم ممن يقول : إن أفعالهم مقدورة لهم ، وموضع الاحتجاج عليهم من ذلك أن الله سبحانه أمرنا عند الابتداء بكل فعل أن نفتتح بذلك ، كما ذكرنا .فمعنى بسم الله ، أي بالله . ومعنى ( بالله ) أي بخلقه وتقديره يوصل إلى ما يوصل إليه . وسيأتي لهذا مزيد بيان إن شاء الله تعالى . وقال بعضهم : معنى قوله ( بسم الله ) يعني بدأت بعون الله وتوفيقه وبركته ; وهذا تعليم من الله تعالى عباده ، ليذكروا اسمه عند افتتاح القراءة وغيرها ، حتى يكون الافتتاح ببركة الله جل وعز .العاشرة : ذهب أبو عبيدة معمر بن المثنى إلى أن ( اسم ) صلة زائدة ، واستشهد بقول لبيد :إلى الحول ثم اسم السلام عليكما ومن يبك حولا كاملا فقد اعتذرفذكر ( اسم ) زيادة ، وإنما أراد : ثم السلام عليكما .وقد استدل علماؤنا بقول لبيد هذا على أن الاسم هو المسمى . وسيأتي الكلام فيه في هذا الباب وغيره ، إن شاء الله تعالى .الحادية عشرة : اختلف في معنى زيادة : " اسم " ; فقال قطرب : زيدت لإجلال ذكره تعالى وتعظيمه . وقال الأخفش : زيدت ليخرج بذكرها من حكم القسم إلى قصد التبرك ; لأن أصل الكلام : بالله .الثانية عشرة : اختلفوا أيضا في معنى دخول الباء عليه ، هل دخلت على معنى الأمر ؟ والتقدير : ابدأ بسم الله . أو على معنى الخبر ؟ والتقدير : ابتدأت بسم الله ; قولان : الأول للفراء ، والثاني للزجاج . ف ( باسم ) في موضع نصب على التأويلين . وقيل : المعنى ابتدائي بسم الله ; ف ( بسم الله ) في موضع رفع خبر الابتداء . وقيل : الخبر محذوف ; أي ابتدائي مستقر أو ثابت بسم الله ; فإذا أظهرته كان " بسم الله " في موضع نصب بثابت أو مستقر ، وكان بمنزلة قولك : زيد في الدار . وفي التنزيل : فلما رآه مستقرا عنده قال هذا من فضل ربي ف ( عنده ) في موضع نصب ; روي هذا عن نحاة أهل البصرة . وقيل : التقدير ابتدائي ببسم الله موجود أو ثابت ، ف ( باسم ) في موضع نصب بالمصدر الذي هو ابتدائي .الثالثة عشرة : بسم الله ، تكتب بغير ألف استغناء عنها بباء الإلصاق في اللفظ والخط لكثرة الاستعمال ، بخلاف قوله : اقرأ باسم ربك فإنها لم تحذف ؛ لقلة الاستعمال . واختلفوا في حذفها مع الرحمن والقاهر ; فقال الكسائي وسعيد الأخفش : تحذف الألف . وقال يحيى بن وثاب : لا تحذف إلا مع بسم الله فقط ، لأن الاستعمال إنما كثر فيه .الرابعة عشر : واختلف في تخصيص باء الجر بالكسر على ثلاثة معان ; فقيل : ليناسب لفظها عملها . وقيل : لما كانت الباء لا تدخل إلا على الأسماء خصت بالخفض الذي لا يكون إلا في الأسماء . الثالث : ليفرق بينهما وبين ما قد يكون من الحروف اسما ; نحو الكاف في قول الشاعر :ورحنا بكابن الماء يجنب وسطناأي بمثل ابن الماء أو ما كان مثله .الخامسة عشرة : اسم ، وزنه افع ، والذاهب منه الواو ; لأنه من سموت ، وجمعه أسماء ، وتصغيره سمي . واختلف في تقدير أصله ، فقيل : فعل ، وقيل : فعل . قال الجوهري : وأسماء يكون جمعا لهذا الوزن ، وهو مثل جذع وأجذاع ، وقفل وأقفال ; وهذا لا تدرك صيغته إلا بالسماع . وفيه أربع لغات : إسم بالكسر ، وأسم بالضم . قال أحمد بن يحيى : من ضم الألف أخذه من سموت أسمو ، ومن كسر أخذه من سميت أسمي . ويقال : سم وسم ، وينشد :والله أسماك سما مباركا آثرك الله به إيثاركاوقال آخر :وعامنا أعجبنا مقدمه يدعى أبا السمح وقرضاب سمهمبتركا كل عظم يلحمهقرضب الرجل : إذا أكل شيئا يابسا ، فهو قرضاب . ( سمه ) بالضم والكسر جميعا .ومنه قول الآخر :باسم الذي في كل سورة سمهوسكنت السين من ( باسم ) اعتلالا على غير قياس ، وألفه ألف وصل ، وربما جعلها الشاعر ألف قطع للضرورة ; كقول الأحوص :وما أنا بالمخسوس في جذم مالك ولا من تسمى ثم يلتزم الإسماالسادسة عشرة : تقول العرب في النسب إلى الاسم : سموي ، وإن شئت " اسمي " ، تركته على حاله ، وجمعه أسماء ، وجمع الأسماء أسام . وحكى الفراء : أعيذك بأسماوات الله .السابعة عشرة : اختلفوا في اشتقاق الاسم على وجهين : فقال البصريون : هو مشتق من السمو وهو العلو والرفعة ، فقيل : اسم لأن صاحبه بمنزلة المرتفع به . وقيل : لأن الاسم يسموا بالمسمى فيرفعه عن غيره . وقيل : إنما سمي الاسم اسما لأنه علا بقوته على قسمي الكلام : الحرف والفعل ; والاسم أقوى منهما بالإجماع لأنه الأصل ; فلعلوه عليهما سمي اسما ; فهذه ثلاثة أقوال .وقال الكوفيون : إنه مشتق من السمة وهي العلامة ; لأن الاسم علامة لمن وضع له ; فأصل اسم على هذا ( وسم ) . والأول أصح ; لأنه يقال في التصغير سمي وفي الجمع أسماء ; والجمع والتصغير يردان الأشياء إلى أصولها ; فلا يقال : وسيم ولا أوسام . ويدل على صحته أيضا فائدة الخلاف وهي :الثامنة عشرة : فإن من قال الاسم مشتق من العلو يقول : لم يزل الله سبحانه موصوفا قبل وجود الخلق وبعد وجودهم وعند فنائهم ، ولا تأثير لهم في أسمائه ولا صفاته ; وهذا قول أهل السنة . ومن قال الاسم مشتق من السمة يقول : كان الله في الأزل بلا اسم ولا صفة ، فلما خلق الخلق جعلوا له أسماء وصفات ، فإذا أفناهم بقي بلا اسم ولا صفة ; وهذا قول المعتزلة وهو خلاف ما أجمعت عليه الأمة ، وهو أعظم في الخطأ من قولهم : إن كلامه مخلوق ، تعالى الله عن ذلك ! وعلى هذا الخلاف وقع الكلام في الاسم والمسمى وهي :التاسعة عشرة : فذهب أهل الحق - فيما نقل القاضي أبو بكر بن الطيب - إلى أن الاسم هو المسمى ، وارتضاه ابن فورك ; وهو قول أبي عبيدة وسيبويه . فإذا قال قائل : الله عالم ; فقوله دال على الذات الموصوفة بكونه عالما ، فالاسم لكونه عالما وهو المسمى بعينه . وكذلك إذا قال : الله خالق ; فالخالق هو الرب ، وهو بعينه الاسم . فالاسم عندهم هو المسمى بعينه من غير تفصيل .قال ابن الحصار : من ينفي الصفات من المبتدعة يزعم أن لا مدلول للتسميات إلا الذات ، ولذلك يقولون : الاسم غير المسمى ، ومن يثبت الصفات يثبت للتسميات مدلولات هي أوصاف الذات وهي غير العبارات وهي الأسماء عندهم . وسيأتي لهذه مزيد بيان في ( البقرة ) و ( الأعراف ) إن شاء الله تعالى .الموفية عشرين - قوله : ( الله ) هذا الاسم أكبر أسمائه سبحانه وأجمعها ، حتى قال بعض العلماء : إنه اسم الله الأعظم ولم يتسم به غيره ; ولذلك لم يثن ولم يجمع ، وهو أحد تأويلي قوله تعالى : هل تعلم له سميا أي من تسمى باسمه الذي هو ( الله ) . فالله اسم للموجود الحق الجامع لصفات الإلهية ، المنعوت بنعوت الربوبية ، المنفرد بالوجود الحقيقي ، لا إله إلا هو سبحانه . وقيل : معناه الذي يستحق أن يعبد . وقيل : معناه واجب الوجود الذي لم يزل ولا يزال ; والمعنى واحد .الحادية والعشرون : واختلفوا في هذا الاسم هل هو مشتق أو موضوع للذات علم ؟ فذهب إلى الأول كثير من أهل العلم . واختلفوا في اشتقاقه وأصله ; فروى سيبويه عن الخليل أن أصله إلاه ، مثل فعال ; فأدخلت الألف واللام بدلا من الهمزة . قال سيبويه : مثل الناس أصله أناس . وقيل : أصل الكلمة ( لاه ) وعليه دخلت الألف واللام للتعظيم ، وهذا اختيار سيبويه . وأنشد :لاه ابن عمك لا أفضلت في حسب عني ولا أنت دياني فتخزونيكذا الرواية : فتخزوني ، بالخاء المعجمة ومعناه : تسوسني .وقال الكسائي والفراء : معنى " بسم الله " بسم الإله ; فحذفوا الهمزة وأدغموا اللام الأولى في الثانية فصارتا لاما مشددة ; كما قال عز وجل : لكنا هو الله ربي ومعناه : لكن أنا ، كذلك قرأها الحسن . ثم قيل : هو مشتق من ( وله ) إذا تحير ; والوله : ذهاب العقل . يقال : رجل واله وامرأة والهة وواله ، وماء موله : أرسل في الصحاري . فالله سبحانه تتحير الألباب وتذهب في حقائق صفاته والفكر في معرفته . فعلى هذا أصل : ( إلاه ) ، ( ولاه ) وأن الهمزة مبدلة من واو كما أبدلت في إشاح ووشاح ، وإسادة ووسادة ، وروي عن الخليل . وروي عن الضحاك أنه قال : إنما سمي : ( الله ) إلها ، لأن الخلق يتألهون إليه في حوائجهم ، ويتضرعون إليه عند شدائدهم ، وذكر عن الخليل بن أحمد أنه قال : لأن الخلق يألهون إليه ( بنصب اللام ) ويألهون أيضا ( بكسرها ) وهما لغتان . وقيل : إنه مشتق من الارتفاع ، فكانت العرب تقول لكل شيء مرتفع لاها ، فكانوا يقولون إذا طلعت الشمس : لاهت . وقيل : هو مشتق من أله الرجل إذا تعبد . وتأله إذا تنسك ، ومن ذلك قوله تعالى : ( ويذرك وإلاهتك ) على هذه القراءة ; فإن ابن عباس وغيره قالوا : وعبادتك .قالوا : فاسم الله مشتق من هذا ، فالله سبحانه معناه المقصود بالعبادة ، ومنه قول الموحدين : لا إله إلا الله ، معناه لا معبود غير الله . و ( إلا ) في الكلمة بمعنى غير ، لا بمعنى الاستثناء . وزعم بعضهم أن الأصل فيه ( الهاء ) التي هي الكناية عن الغائب ، وذلك أنهم أثبتوه موجودا في فطر عقولهم فأشاروا إليه بحرف الكناية ثم زيدت فيه لام الملك إذ قد علموا أنه خالق الأشياء ومالكها فصار ( له ) ثم زيدت فيه الألف واللام تعظيما وتفخيما .القول الثاني : ذهب إليه جماعة من العلماء أيضا منهم الشافعي وأبو المعالي والخطابي والغزالي والمفضل وغيرهم ، وروي عن الخليل وسيبويه : أن الألف واللام لازمة له لا يجوز حذفهما منه . قال الخطابي : والدليل على أن الألف واللام من بنية هذا الاسم ، ولم يدخلا للتعريف : دخول حرف النداء عليه ; كقولك : يا الله ، وحروف النداء لا تجتمع مع الألف واللام للتعريف ; ألا ترى أنك لا تقول : يا الرحمن ولا : يا الرحيم ، كما تقول : يا الله ، فدل على أنهما من بنية الاسم . والله أعلم .الثانية والعشرون : واختلفوا أيضا في اشتقاق اسمه الرحمن ; فقال بعضهم : لا اشتقاق له لأنه من الأسماء المختصة به سبحانه ، ولأنه لو كان مشتقا من الرحمة لاتصل بذكر المرحوم ، فجاز أن يقال : الله رحمن بعباده ، كما يقال : رحيم بعباده . وأيضا لو كان مشتقا من الرحمة لم تنكره العرب حين سمعوه ، إذ كانوا لا ينكرون رحمة ربهم ، وقد قال الله عز وجل : وإذا قيل لهم اسجدوا للرحمن قالوا وما الرحمن الآية . ولما كتب علي رضي الله عنه في صلح الحديبية بأمر النبي صلى الله عليه وسلم : بسم الله الرحمن الرحيم قال سهيل بن عمرو : أما ( بسم الله الرحمن الرحيم ) فما ندري ما ( بسم الله الرحمن الرحيم ) ! ولكن اكتب ما نعرف : باسمك اللهم ، الحديث . قال ابن العربي‏ : إنما جهلوا الصفة دون الموصوف ، واستدل على ذلك بقولهم : وما الرحمن ؟ ولم يقولوا : ومن الرحمن ؟ قال ابن الحصار : وكأنه رحمه الله لم يقرأ الآية الأخرى : " وهم يكفرون بالرحمن " . وذهب الجمهور من الناس إلى أن ( الرحمن ) مشتق من الرحمة مبني على المبالغة ; ومعناه ذو الرحمة الذي لا نظير له فيها ؛ فلذلك لا يثنى ولا يجمع كما يثنى ( الرحيم ) ويجمع .قال ابن الحصار : ومما يدل على الاشتقاق ما خرجه الترمذي وصححه عن عبد الرحمن بن عوف أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : قال الله عز وجل أنا الرحمن خلقت الرحم وشققت لها اسما من اسمي فمن وصلها وصلته ومن قطعها قطعته . وهذا نص في الاشتقاق ، فلا معنى للمخالفة والشقاق ، وإنكار العرب له لجهلهم بالله وبما وجب له .الثالثة والعشرون : زعم المبرد فيما ذكر ابن الأنباري في كتاب ( الزاهر ) له : أن ( الرحمن ) اسم عبراني فجاء معه ب ( الرحيم ) وأنشد :لن تدركوا المجد أو تشروا عباءكم بالخز أو تجعلوا الينبوت ضمرانا أو تتركون إلى القسين هجرتكمومسحكم صلبهم رحمان قرباناقال أبو إسحاق الزجاج في ( معاني القرآن ) : وقال أحمد بن يحيى : " الرحيم " عربي و " الرحمان " عبراني ، فلهذا جمع بينهما . وهذا القول مرغوب عنه .وقال أبو العباس : النعت قد يقع للمدح ; كما تقول : قال جرير الشاعر : وروى مطرف عن قتادة في قول الله عز وجل ( بسم الله الرحمن الرحيم ) قال : مدح نفسه . قال أبو إسحاق : وهذا قول حسن . وقال قطرب : يجوز أن يكون جمع بينهما للتوكيد . قال أبو إسحاق : وهذا قول حسن ، وفي التوكيد أعظم الفائدة ، وهو كثير في كلام العرب ، ويستغنى عن الاستشهاد ; والفائدة في ذلك ما قاله محمد بن يزيد : إنه تفضل بعد تفضل ، وإنعام بعد إنعام ، وتقوية لمطامع الراغبين ، ووعد لا يخيب آمله .الرابعة والعشرون : واختلفوا هل هما بمعنى واحد أو بمعنيين ؟ فقيل : هما بمعنى واحد ; كندمان ونديم . قالهأبو عبيدة . وقيل : ليس بناء فعلان كفعيل ، فإن فعلان لا يقع إلا على مبالغة الفعل ; نحو قولك : رجل غضبان ، للممتلئ غضبا . وفعيل قد يكون بمعنى الفاعل والمفعول . قال عملس :فأما إذا عضت بك الحرب عضة فإنك معطوف عليك رحيمف ( الرحمن ) خاص الاسم عام الفعل . و ( الرحيم ) عام الاسم خاص الفعل . هذا قول الجمهور .قال أبو علي الفارسي : ( الرحمن ) اسم عام في جميع أنواع الرحمة ، يختص به الله . ( والرحيم ) إنما هو في جهة المؤمنين ; كما قال تعالى : وكان بالمؤمنين رحيما . وقال العرزمي ( الرحمن ) بجميع خلقه في الأمطار ونعم الحواس والنعم العامة ، و ( الرحيم ) بالمؤمنين في الهداية لهم ، واللطف بهم . وقال ابن المبارك : ( الرحمن ) إذا سئل أعطى ، و ( الرحيم ) إذا لم يسأل غضب . وروى ابن ماجه في سننه والترمذي في جامعه عن أبي صالح عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : من لم يسأل الله يغضب عليه لفظ الترمذي . وقال ابن ماجه : من لم يدع الله سبحانه غضب عليه . وقال : سألت أبا زرعة عن أبي صالح هذا ، فقال : هو الذي يقال له : الفارسي وهو خوزي ولا أعرف اسمه . وقد أخذ بعض الشعراء هذا المعنى فقال :الله يغضب إن تركت سؤاله وبني آدم حين يسأل يغضبوقال ابن عباس : هما اسمان رقيقان ، أحدهما أرق من الآخر ، أي أكثر رحمة .قال الخطابي : وهذا مشكل ; لأن الرقة لا مدخل لها في شيء من صفات الله تعالى .وقال الحسين بن الفضل البجلي : هذا وهم من الراوي ، لأن الرقة ليست من صفات الله تعالى في شيء ، وإنما هما اسمان رفيقان أحدهما أرفق من الآخر ، والرفق من صفات الله عز وجل ; قال النبي صلى الله عليه وسلم : إن الله رفيق يحب الرفق ويعطي على الرفق ما لا يعطي على العنف .الخامسة والعشرون : أكثر العلماء على أن ( الرحمن ) مختص بالله عز وجل ، لا يجوز أن يسمى به غيره ، ألا تراه قال : قل ادعوا الله أو ادعوا الرحمن فعادل الاسم الذي لا يشركه فيه غيره . وقال : واسأل من أرسلنا من قبلك من رسلنا أجعلنا من دون الرحمن آلهة يعبدون فأخبر أن الرحمن هو المستحق للعبادة جل وعز . وقد تجاسر مسيلمة الكذاب - لعنه الله - فتسمى برحمان اليمامة ، ولم يتسم به حتى قرع مسامعه نعت الكذاب فألزمه الله تعالى نعت الكذاب لذلك ، وإن كان كل كافر كاذبا ، فقد صار هذا الوصف لمسيلمة علما يعرف به ، ألزمه الله إياه . وقد قيل في اسمه " الرحمن " : إنه اسم الله الأعظم ذكره ابن العربي .السادسة والعشرون : الرحيم صفة مطلقة للمخلوقين ، ولما في الرحمن من العموم قدم في كلامنا على الرحيم مع موافقة التنزيل ; قاله المهدوي . وقيل : إن معنى الرحيم أي بالرحيم وصلتم إلى الله وإلى الرحمن ، ف ( الرحيم ) نعت محمد صلى الله عليه وسلم ، وقد نعته تعالى بذلك فقال : ( رؤوف رحيم ) فكأن المعنى أن يقول بسم الله الرحمن وبالرحيم ، أي وبمحمد صلى الله عليه وسلم وصلتم إلي ، أي باتباعه وبما جاء به وصلتم إلى ثوابي وكرامتي والنظر إلى وجهي والله أعلم .السابعة والعشرون : روي عن علي بن أبي طالب كرم الله وجهه أنه قال في قوله ( بسم الله ) : إنه شفاء من كل داء ، وعون على كل دواء . وأما الرحمن فهو عون لكل من آمن به ، وهو اسم لم يسم به غيره . وأما الرحيم فهو لمن تاب وآمن وعمل صالحا .وقد فسره بعضهم على الحروف ; فروي عن عثمان بن عفان أنه سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن تفسير ( بسم الله الرحمن الرحيم ) فقال : أما الباء فبلاء الله وروحه ونضرته وبهاؤه وأما السين فسناء الله وأما الميم فملك الله وأما الله فلا إله غيره وأما الرحمن فالعاطف على البر والفاجر من خلقه وأما الرحيم فالرفيق بالمؤمنين خاصة . وروي عن كعب الأحبار أنه قال : الباء بهاؤه والسين سناؤه فلا شيء أعلى منه والميم ملكه وهو على كل شيء قدير فلا شيء يعازه . وقد قيل : إن كل حرف هو افتتاح اسم من أسمائه ; فالباء مفتاح اسمه " بصير " ، والسين مفتاح اسمه " سميع " ، والميم مفتاح اسمه " مليك " ، والألف مفتاح اسمه " الله " ، واللام مفتاح اسمه " لطيف " ، والهاء مفتاح اسمه هاد ، والراء مفتاح اسمه " رازق " ، والحاء مفتاح اسمه " حليم " ، والنون مفتاح اسمه " نور " ; ومعنى هذا كله دعاء الله تعالى عند افتتاح كل شيء .الثامنة والعشرون : واختلف في وصل ( الرحيم ) ب ( الحمد لله ) ; فروي عن أم سلمة عن النبي صلى الله عليه وسلم : ( الرحيم ألحمد ) يسكن الميم ويقف عليها ، ويبتدئ بألف مقطوعة . وقرأ به قوم من الكوفيين . وقرأ جمهور الناس : ( الرحيم الحمد ) تعرب الرحيم بالخفض وبوصل الألف من ( الحمد ) . وحكى الكسائي عن بعض العرب أنها تقرأ ( الرحيم الحمد ) ، بفتح الميم وصلة الألف ; كأنه سكنت الميم وقطعت الألف ثم ألقيت حركتها على الميم وحذفت . قال ابن عطية : ولم ترو هذه قراءة عن أحد فيما علمت . وهذا نظر يحيى بن زياد في قوله تعالى : الم الله .
17:1
سُبْحٰنَ الَّذِیْۤ اَسْرٰى بِعَبْدِهٖ لَیْلًا مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ اِلَى الْمَسْجِدِ الْاَقْصَا الَّذِیْ بٰرَكْنَا حَوْلَهٗ لِنُرِیَهٗ مِنْ اٰیٰتِنَاؕ-اِنَّهٗ هُوَ السَّمِیْعُ الْبَصِیْرُ(۱)
پاکی ہے اسے (ف۲) جو اپنے بندے (ف۳) کو، راتوں رات لے گیا (ف۴) مسجد حرام سے مسجد اقصیٰ تک (ف۵) جس کے گرداگرد ہم نے برکت رکھی (ف۶) کہ ہم اسے اپنی عظیم نشانیاں دکھائیں، بیشک وہ سنتا دیکھتا ہے،

تفسير سورة الإسراء هذه السورة مكية ، إلا ثلاث آيات : قوله - عز وجل - وإن كادوا ليستفزونك حين جاء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وفد ثقيف ، وحين قالت اليهود : ليست هذه بأرض الأنبياء . وقوله - عز وجل - : وقل رب أدخلني مدخل صدق وأخرجني مخرج صدق وقوله - تعالى - إن ربك أحاط بالناس الآية . وقال مقاتل : وقوله - عز وجل - إن الذين أوتوا العلم من قبله الآية . وقال ابن مسعود - رضي الله عنه - في بني إسرائيل والكهف ومريم : إنهن من العتاق الأول ، وهن من تلادي ; يريد من قديم كسبه .بسم الله الحمن الرحيم سبحان الذي أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله لنريه من آياتنا إنه هو السميع البصير فيه ثمان مسائل :الأولى : قوله تعالى : سبحان سبحان اسم موضوع موضع المصدر ، وهو غير متمكن ; لأنه لا يجري بوجوه الإعراب ، ولا تدخل عليه الألف واللام ، ولم يجر منه فعل ، ولم ينصرف لأن في آخره زائدتين ، تقول : سبحت تسبيحا وسبحانا ، مثل كفرت اليمين تكفيرا وكفرانا . ومعناه التنزيه والبراءة لله - عز وجل - من كل نقص . فهو ذكر عظيم لله - تعالى - لا يصلح لغيره ; فأما قول الشاعر :أقول لما جاءني فخره سبحان من علقمة الفاخرفإنما ذكره على طريق النادر . وقد روى طلحة بن عبيد الله الفياض أحد العشرة أنه قال للنبي - صلى الله عليه وسلم - : ما معنى سبحان الله ؟ فقال : تنزيه الله من كل سوء . والعامل فيه على مذهب سيبويه الفعل الذي من معناه لا من لفظه ، إذ لم يجر من لفظه فعل ، وذلك مثل قعد القرفصاء ، واشتمل الصماء ; فالتقدير عنده : أنزه الله تنزيها ; فوقع ( سبحان الله ) مكان قولك تنزيها .الثانية : قوله تعالى : أسرى بعبده أسرى فيه لغتان : سرى وأسرى ; كسقى وأسقى ، كما تقدم . قال :أسرت عليه من الجوزاء سارية تزجي الشمال عليه جامد البردوقال آخر :حي النضيرة ربة الخدر أسرت إلي ولم تكن تسريفجمع بين اللغتين في البيتين . والإسراء : سير الليل ; يقال : سريت مسرى وسرى ، وأسريت إسراء ; قال الشاعر :وليلة ذات ندى سريت ولم يلتني من سراها ليتوقيل : أسرى سار من أول الليل ، وسرى سار من آخره ; والأول أعرف .الثالثة : قوله تعالى : بعبده قال العلماء : لو كان للنبي - صلى الله عليه وسلم - اسم أشرف منه لسماه به في تلك الحالة العلية . وفي معناه أنشدوا :يا قوم قلبي عند زهراء يعرفه السامع والرائيلا تدعني إلا بيا عبدها فإنه أشرف أسمائيوقد تقدم . قال القشيري : لما رفعه الله - تعالى - إلى حضرته السنية ، وأرقاه فوق الكواكب العلوية ، ألزمه اسم العبودية تواضعا للأمة .الرابعة : ثبت الإسراء في جميع مصنفات الحديث ، وروي عن الصحابة في كل أقطار الإسلام فهو من المتواتر بهذا الوجه . وذكر النقاش : ممن رواه عشرين صحابيا . روى الصحيح عن أنس بن مالك أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : أتيت بالبراق وهو دابة أبيض [ طويل ] فوق الحمار ودون البغل يضع حافره عند منتهى طرفه - قال - فركبته حتى أتيت بيت المقدس - قال - فربطته بالحلقة التي تربط بها الأنبياء - قال - ثم دخلت المسجد فصليت فيه ركعتين ثم خرجت فجاءني جبريل - عليه السلام - بإناء من خمر وإناء من لبن فاخترت اللبن فقال جبريل اخترت الفطرة - قال - ثم عرج بنا إلى السماء . . . وذكر الحديث . ومما ليس في الصحيحين ما خرجه الآجري والسمرقندي ، قال الآجري عن أبي سعيد الخدري في قوله - تعالى - سبحان الذي أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله قال أبو سعيد : حدثنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن ليلة أسري به ، قال النبي - صلى الله عليه وسلم - : أتيت بدابة هي أشبه الدواب بالبغل له أذنان يضطربان وهو البراق الذي كانت الأنبياء تركبه قبل فركبته فانطلق تقع يداه عند منتهى بصره فسمعت نداء عن يميني يا محمد على رسلك حتى أسألك فمضيت ولم أعرج عليه ثم سمعت نداء عن يساري يا محمد على رسلك فمضيت ولم أعرج عليه ثم استقبلتني امرأة عليها من كل زينة الدنيا رافعة يديها تقول على رسلك حتى أسألك فمضيت ولم أعرج ثم أتيت بيت المقدس الأقصى فنزلت عن الدابة فأوثقته في الحلقة التي كانت الأنبياء توثق بها ثم دخلت المسجد وصليت فيه فقال لي جبريل - عليه السلام - ما سمعت يا محمد فقلت نداء عن يميني يا محمد على رسلك حتى أسألك فمضيت ولم أعرج فقال ذلك داعي اليهود ولو وقفت لتهودت أمتك - قال - ثم سمعت نداء عن يساري على رسلك حتى أسألك فمضيت ولم أعرج عليه فقال ذلك داعي النصارى أما إنك لو وقفت لتنصرت أمتك - قال - ثم استقبلتني امرأة عليها من كل زينة الدنيا رافعة يديها تقول على رسلك فمضيت ولم أعرج عليها فقال تلك الدنيا لو وقفت لاخترت الدنيا على الآخرة - قال - ثم أتيت بإناءين أحدهما فيه لبن والآخر فيه خمر فقيل لي خذ فاشرب أيهما شئت فأخذت اللبن فشربته فقال لي جبريل أصبت الفطرة ولو أنك أخذت الخمر غوت أمتك ثم جاء بالمعراج الذي تعرج فيه أرواح بني آدم فإذا هو أحسن ما رأيت أولم تروا إلى الميت كيف يحد بصره إليه فعرج بنا حتى أتينا باب السماء الدنيا فاستفتحجبريل فقيل : من هذا قال : جبريل قالوا : ومن معك قال : محمد قالوا وقد أرسل إليه ؟ قال : نعم ، ففتحوا لي وسلموا علي وإذا ملك يحرس السماء يقال له إسماعيل معه سبعون ألف ملك مع كل ملك مائة ألف - قال - وما يعلم جنود ربك إلا هو . . . وذكر الحديث إلى أن قال : ثم مضينا إلى السماء الخامسة وإذا أنا بهارون بن عمران المحب في قومه وحوله تبع كثير من أمته فوصفه النبي - صلى الله عليه وسلم - وقال طويل اللحية تكاد لحيته تضرب في سرته ثم مضينا إلى السماء السادسة فإذا أنا بموسى فسلم علي ورحب بي - فوصفه النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال - رجل كثير الشعر ولو كان عليه قميصان خرج شعره منهما . . . الحديث . وروى البزار أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أتي بفرس فحمل عليه ، كل خطوة منه أقصى بصره . . . وذكر الحديث . وقد جاء في صفة البراق من حديث ابن عباس قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : بينا أنا نائم في الحجر إذ أتاني آت فحركني برجله فاتبعت الشخص فإذا هو جبريل - عليه السلام - قائم على باب المسجد معه دابة دون البغل وفوق الحمار وجهها وجه إنسان وخفها خف حافر وذنبها ذنب ثور وعرفها عرف الفرس فلما أدناها مني جبريل - عليه السلام - نفرت ونفشت عرفها فمسحها جبريل - عليه السلام - وقال يا برقة لا تنفري من محمد فوالله ما ركبك ملك مقرب ولا نبي مرسل أفضل من محمد - صلى الله عليه وسلم - ولا أكرم على الله منه قالت قد علمت أنه كذلك وأنه صاحب الشفاعة وإني أحب أن أكون في شفاعته فقلت أنت في شفاعتي إن شاء الله - تعالى - . . . الحديث . وذكر أبو سعيد عبد الملك بن محمد النيسابوري عن أبي سعيد الخدري قال : لما مر النبي - صلى الله عليه وسلم - بإدريس - عليه السلام - في السماء الرابعة قال : مرحبا بالأخ الصالح والنبي الصالح الذي وعدنا أن نراه فلم نره إلا الليلة قال فإذا فيها مريم بنت عمران لها سبعون قصرا من لؤلؤ ولأم موسى بن عمران سبعون قصرا من مرجانة حمراء مكللة باللؤلؤ أبوابها وأسرتها من عرق واحد فلما عرج المعراج إلى السماء الخامسة وتسبيح أهلها سبحان من جمع بين الثلج والنار من قالها مرة واحدة كان له مثل ثوابهم استفتح الباب جبريل - عليه السلام - ففتح له فإذا هو بكهل لم ير قط كهل أجمل منه عظيم العينين تضرب لحيته قريبا من سرته قد كاد أن تكون شمطة وحوله قوم جلوس يقص عليهم فقلت يا جبريل من هذا قال هارون المحب في قومه . . ) وذكر الحديث . فهذه نبذة مختصرة من أحاديث الإسراء خارجة عن الصحيحين ، ذكرها أبو الربيع سليمان بن سبع بكمالها في كتاب ( شفاء الصدور ) له . ولا خلاف بين أهل العلم وجماعة أهل السير أن الصلاة إنما فرضت على النبي - صلى الله عليه وسلم - بمكة في حين الإسراء حين عرج به إلى السماء . واختلفوا في تاريخ الإسراء وهيئة الصلاة ، وهل كان إسراء بروحه أو جسده ; فهذه ثلاث مسائل تتعلق بالآية ، وهي مما ينبغي الوقوف عليها والبحث عنها ، وهي أهم من سرد تلك الأحاديث ، وأنا أذكر ما وقفت عليه فيها من أقاويل العلماء واختلاف الفقهاء بعون الله - تعالى - .فأما المسألة الأولى : وهي هل كان إسراء بروحه أو جسده ; اختلف في ذلك السلف والخلف ، فذهبت طائفة إلى أنه إسراء بالروح ، ولم يفارق شخصه مضجعه ، وأنها كانت رؤيا رأى فيها الحقائق ، ورؤيا الأنبياء حق . ذهب إلى هذا معاوية وعائشة ، وحكي عن الحسن وابن إسحاق . وقالت طائفة : كان الإسراء بالجسد يقظة إلى بيت المقدس ، وإلى السماء بالروح ; واحتجوا بقوله - تعالى - : سبحان الذي أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى فجعل المسجد الأقصى غاية الإسراء . قالوا : ولو كان الإسراء بجسده إلى زائد على المسجد الأقصى لذكره ، فإنه كان يكون أبلغ في المدح . وذهب معظم السلف والمسلمين إلى أنه كان إسراء بالجسد وفي اليقظة ، وأنه ركب البراق بمكة ، ووصل إلى بيت المقدس وصلى فيه ثم أسري بجسده .وعلى هذا تدل الأخبار التي أشرنا إليها والآية . وليس في الإسراء بجسده وحال يقظته استحالة ، ولا يعدل عن الظاهر والحقيقة إلى التأويل إلا عند الاستحالة ، ولو كان مناما لقال بروح عبده ولم يقل بعبده . وقوله ما زاغ البصر وما طغى يدل على ذلك . ولو كان مناما لما كانت فيه آية ولا معجزة ، ولما قالت له أم هانئ : لا تحدث الناس فيكذبوك ، ولا فضل أبو بكر بالتصديق ، ولما أمكن قريشا التشنيع والتكذيب ، وقد كذبه قريش فيما أخبر به حتى ارتد أقوام كانوا آمنوا ، فلو كان بالرؤيا لم يستنكر ، وقد قال له المشركون : إن كنت صادقا فخبرنا عن عيرنا أين لقيتها ؟ قال : بمكان كذا وكذا مررت عليها ففزع فلان فقيل له : ما رأيت يا فلان ، قال : ما رأيت شيئا ! غير أن الإبل قد نفرت . قالوا : فأخبرنا متى تأتينا العير ؟ قال : تأتيكم يوم كذا وكذا . قالوا : أية ساعة ؟ قال : ( ما أدري ، طلوع الشمس من هاهنا أسرع أم طلوع العير من هاهنا ) . فقال رجل : ذلك اليوم ؟ هذه الشمس قد طلعت . وقال رجل : هذه عيركم قد طلعت ، واستخبروا النبي - صلى الله عليه وسلم - عن صفة بيت المقدس فوصفه لهم ولم يكن رآه قبل ذلك . روى الصحيح عن أبي هريرة قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : لقد رأيتني في الحجر وقريش تسألني عن مسراي فسألتني عن أشياء من بيت المقدس لم أثبتها فكربت كربا ما كربت مثله قط - قال - فرفعه الله لي أنظر إليه فما سألوني عن شيء إلا أنبأتهم به الحديث . وقد اعترض قول عائشة ومعاوية ( إنما أسري بنفس رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ( بأنها كانت صغيرة لم تشاهد ، ولا حدثت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - . وأما معاوية فكان كافرا في ذلك الوقت غير مشاهد للحال ، ولم يحدث عن النبي - صلى الله عليه وسلم - . ومن أراد الزيادة على ما ذكرنا فليقف على ( كتاب الشفاء ) للقاضي عياض يجد من ذلك الشفاء . وقد احتج لعائشة بقوله - تعالى - : وما جعلنا الرؤيا التي أريناك إلا فتنة للناس فسماها رؤيا . وهذا يرده قوله - تعالى - : سبحان الذي أسرى بعبده ليلا ولا يقال في النوم أسرى . وأيضا فقد يقال لرؤية العين : رؤيا ، على ما يأتي بيانه في هذه السورة . وفي نصوص الأخبار الثابتة دلالة واضحة على أن الإسراء كان بالبدن ، وإذا ورد الخبر بشيء هو مجوز في العقل في قدرة الله - تعالى - فلا طريق إلى الإنكار ، لا سيما في زمن خرق العوائد ، وقد كان للنبي - صلى الله عليه وسلم - معارج ; فلا يبعد أن يكون البعض بالرؤيا ، وعليه يحمل قوله - عليه السلام - في الصحيح : بينا أنا عند البيت بين النائم واليقظان . . . الحديث . ويحتمل أن يرد من الإسراء إلى نوم . والله أعلم .المسألة الثانية : في تاريخ الإسراء ، وقد اختلف العلماء في ذلك أيضا ، واختلف في ذلك على ابن شهاب ; فروى عنه موسى بن عقبة أنه أسري به إلى بيت المقدس قبل خروجه إلى المدينة بسنة . وروى عنه يونس عن عروة عن عائشة قالت : توفيت خديجة قبل أن تفرض الصلاة . قال ابن شهاب : وذلك بعد مبعث النبي - صلى الله عليه وسلم - بسبعة أعوام . وروي عن الوقاصي قال : أسري به بعد مبعثه بخمس سنين . قال ابن شهاب : وفرض الصيام بالمدينة قبل بدر ، وفرضت الزكاة والحج بالمدينة ، وحرمت الخمر بعد أحد . وقال ابن إسحاق : أسري به من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى وهو بيت المقدس ، وقد فشا الإسلام بمكة في القبائل . وروى عنه يونس بن بكير قال : صلت خديجة مع النبي - صلى الله عليه وسلم - . وسيأتي . قال أبو عمر : وهذا يدلك على أن الإسراء كان قبل الهجرة بأعوام ; لأن خديجة قد توفيت قبل الهجرة بخمس سنين وقيل بثلاث وقيل بأربع . وقول ابن إسحاق مخالف لقول ابن شهاب ، على أن ابن شهاب قد اختلف عنه كما تقدم . وقال الحربي : أسري به ليلة سبع وعشرين من شهر ربيع الآخر قبل الهجرة بسنة . وقال أبو بكر محمد بن علي بن القاسم الذهبي في تاريخه : أسري به من مكة إلى بيت المقدس ، وعرج به إلى السماء بعد مبعثه بثمانية عشر شهرا . قال أبو عمر : لا أعلم أحدا من أهل السير قال ما حكاه الذهبي ، ولم يسند قوله إلى أحد ممن يضاف إليه هذا العلم منهم ، ولا رفعه إلى من يحتج به عليهم .المسألة الثالثة : وأما فرض الصلاة وهيئتها حين فرضت ، فلا خلاف بين أهل العلم وجماعة أهل السير أن الصلاة إنما فرضت بمكة ليلة الإسراء حين عرج به إلى السماء ، وذلك منصوص في الصحيح وغيره . وإنما اختلفوا في هيئتها حين فرضت ; فروي عن عائشة - رضي الله عنها - أنها فرضت ركعتين ركعتين ، ثم زيد في صلاة الحضر فأكملت أربعا ، وأقرت صلاة السفر على ركعتين . وبذلك قال الشعبي وميمون بن مهران ومحمد بن إسحاق . قال الشعبي : إلا المغرب . قال يونس بن بكير : وقال ابن إسحاق ثم إن جبريل - عليه السلام - أتى النبي - صلى الله عليه وسلم - حين فرضت عليه الصلاة يعني في الإسراء فهمز له بعقبه في ناحية الوادي فانفجرت عين ماء فتوضأ جبريل ومحمد ينظر - عليهما السلام - فوضأ وجهه واستنشق وتمضمض ومسح برأسه وأذنيه ورجليه إلى الكعبين ونضح فرجه ، ثم قام يصلي ركعتين بأربع سجدات ، فرجع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقد أقر الله عينه وطابت نفسه وجاءه ما يحب من أمر الله - تعالى - ، فأخذ بيد خديجة ثم أتى بها العين فتوضأ كما توضأ جبريل ثم ركع ركعتين وأربع سجدات هو وخديجة ، ثم كان هو وخديجة يصليان سواء . وروي عن ابن عباس أنها فرضت في الحضر أربعا وفي السفر ركعتين . وكذلك قال نافع بن جبير والحسن بن أبي الحسن البصري ، وهو قول ابن جريج ، وروي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ما يوافق ذلك . ولم يختلفوا في أن جبريل - عليه السلام - هبط صبيحة ليلة الإسراء عند الزوال ، فعلم النبي - صلى الله عليه وسلم - الصلاة ومواقيتها . وروى يونس بن بكير عن سالم مولى أبي المهاجر قال سمعت ميمون بن مهران يقول : كان أول الصلاة مثنى ، ثم صلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أربعا فصارت سنة ، وأقرت الصلاة للمسافر وهي تمام . قال أبو عمر : وهذا إسناد لا يحتج بمثله ، وقوله ( فصارت سنة ) قول منكر ، وكذلك استثناء الشعبي المغرب وحدها ولم يذكر الصبح قول لا معنى له . وقد أجمع المسلمون أن فرض الصلاة في الحضر أربع إلا المغرب والصبح ولا يعرفون غير ذلك عملا ونقلا مستفيضا ، ولا يضرهم الاختلاف فيما كان أصل فرضها .الخامسة : قد مضى الكلام في الآذان في " المائدة " والحمد لله . ومضى في [ آل عمران ] أن أول مسجد وضع في الأرض المسجد الحرام ، ثم المسجد الأقصى . وأن بينهما أربعين عاما من حديث أبي ذر ، وبناء سليمان - عليه السلام - المسجد الأقصى ودعاؤه له من حديث عبد الله بن عمرو ووجه الجمع في ذلك ; فتأمله هناك فلا معنى للإعادة . ونذكر هنا قوله - صلى الله عليه وسلم - : لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد إلى المسجد الحرام وإلى مسجدي هذا وإلى مسجد إيلياء أو بيت المقدس . خرجه مالك من حديث أبي هريرة . وفيه ما يدل على فضل هذه المساجد الثلاثة على سائر المساجد ; لهذا قال العلماء : من نذر صلاة في مسجد لا يصل إليه إلا برحلة وراحلة فلا يفعل ، ويصلي في مسجده ، إلا في الثلاثة المساجد المذكورة فإنه من نذر صلاة فيها خرج إليها . وقد قال مالك وجماعة من أهل العلم فيمن نذر رباطا في ثغر يسده : فإنه يلزمه الوفاء حيث كان الرباط لأنه طاعة الله - عز وجل - . وقد زاد أبو البختري في هذا الحديث مسجد الجند ، ولا يصح وهو موضوع ، وقد تقدم في مقدمة الكتاب .السادسة : قوله تعالى : إلى المسجد الأقصى سمي الأقصى لبعد ما بينه وبين المسجد الحرام ، وكان أبعد مسجد عن أهل مكة في الأرض يعظم بالزيارة ،الذي باركنا حوله قيل : بالثمار وبمجاري الأنهار . وقيل : بمن دفن حوله من الأنبياء والصالحين ; وبهذا جعله مقدسا . وروى معاذ بن جبل عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : يقول الله - تعالى - يا شام أنت صفوتي من بلادي وأنا سائق إليك صفوتي من عبادي .لنريه من آياتنا هذا من باب تلوين الخطاب والآيات التي أراه الله من العجائب التي أخبر بها الناس ، وإسراؤه من مكة إلى المسجد الأقصى في ليلة وهو مسيرة شهر ، وعروجه إلى السماء ووصفه الأنبياء واحدا واحدا ، حسبما ثبت في صحيح مسلم وغيره .إنه هو السميع البصير تقدم .
17:2
وَ اٰتَیْنَا مُوْسَى الْكِتٰبَ وَ جَعَلْنٰهُ هُدًى لِّبَنِیْۤ اِسْرَآءِیْلَ اَلَّا تَتَّخِذُوْا مِنْ دُوْنِیْ وَكِیْلًاؕ(۲)
اور ہم نے موسیٰ کو کتاب (ف۷) عطا فرمائی اور اسے بنی اسرائیل کے لیے ہدایت کیا کہ میرے سوا کسی کو کارسام نہ ٹھہراؤ،

قوله تعالى : وآتينا موسى الكتاب وجعلناه هدى لبني إسرائيل ألا تتخذوا من دوني وكيلا أي كرمنا محمدا - صلى الله عليه وسلم - بالمعراج ، وأكرمنا موسى بالكتاب وهو التوراة . وجعلناه أي ذلك الكتاب . وقيل موسى . وقيل معنى الكلام : سبحان الذي أسرى بعبده ليلا وآتى موسى الكتاب ; فخرج من الغيبة إلى الإخبار عن نفسه جل وعز . وقيل : إن معنى سبحان الذي أسرى بعبده ليلا ، معناه أسرينا ، يدل عليه ما بعده من قوله : لنريه من آياتنا فحمل وآتينا موسى الكتاب على المعنى . ألا تتخذوا قرأ أبو عمرو ( يتخذوا ) بالياء . الباقون بالتاء . فيكون من باب تلوين الخطاب . وكيلا أي شريكا ; عن مجاهد . وقيل : كفيلا بأمورهم ; حكاه الفراء . وقيل : ربا يتوكلون عليه في أمورهم ; قاله الكلبي . وقال الفراء : كافيا ; والتقدير : عهدنا إليه في الكتاب ألا تتخذوا من دوني وكيلا . وقيل : التقدير لئلا تتخذوا . والوكيل : من يوكل إليه الأمر .
17:3
ذُرِّیَّةَ مَنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوْحٍؕ-اِنَّهٗ كَانَ عَبْدًا شَكُوْرًا(۳)
اے ان کی اولاد! جن کو ہم نے نوح کے ساتھ (ف۸) سوار کیا بیشک وہ بڑا شکرا گزار بندہ تھا (ف۹)

قوله تعالى : ذرية من حملنا مع نوح إنه كان عبدا شكورا أي يا ذرية من حملنا ، على النداء ; قال مجاهد ورواه عنه ابن أبي نجيح . والمراد بالذرية كل من احتج عليه بالقرآن ، وهم جميع من على الأرض ; ذكره المهدوي . وقال الماوردي : يعني موسى وقومه من بني إسرائيل ، والمعنى يا ذرية من حملنا مع نوح لا تشركوا . وذكر نوحا ليذكرهم نعمة الإنجاء من الغرق على آبائهم . وروى سفيان عن حميد عن مجاهد أنه قرأ ( ذرية ) بفتح الذال وتشديد الراء والياء . وروى هذه القراءة عامر بن الواجد عن زيد بن ثابت . وروي عن زيد بن ثابت أيضا ذرية بكسر الذال وشد الراء . ثم بين أن نوحا كان عبدا شكورا يشكر الله على نعمه ولا يرى الخير إلا من عنده . قال قتادة : كان إذا لبس ثوبا قال : بسم الله ، فإذا نزعه قال : الحمد لله . كذا روى عنه معمر . وروى معمر عن منصور عن إبراهيم قال : شكره إذا أكل قال : بسم الله ، فإذا فرغ من الأكل قال : الحمد لله . قال سلمان الفارسي : لأنه كان يحمد الله على طعامه . وقال عمران بن سليم : إنما سمى نوحا عبدا شكورا لأنه كان إذا أكل قال : الحمد لله الذي أطعمني ولو شاء لأجاعني ، وإذا شرب قال : الحمد لله الذي سقاني ولو شاء لأظمأني ، وإذا اكتسى قال : الحمد لله الذي كساني ولو شاء لأعراني ، وإذا احتذى قال : الحمد لله الذي حذاني ولو شاء لأحفاني ، وإذا قضى حاجته قال : الحمد لله الذي أخرج عني الأذى ولو شاء لحبسه في . ومقصود الآية : إنكم من ذرية نوح وقد كان عبدا شكورا فأنتم أحق بالاقتداء به دون آبائكم الجهال . وقيل : المعنى أن موسى كان عبدا شكورا إذ جعله الله من ذرية نوح .وقيل : يجوز أن يكون ذرية مفعولا ثانيا ل تتخذوا ويكون قوله : وكيلا يراد به الجمع فيسوغ ذلك في القراءتين جميعا أعني الياء والتاء في تتخذوا . ويجوز أيضا في القراءتين جميعا أن يكون ذرية بدلا من قوله وكيلا لأنه بمعنى الجمع ; فكأنه قال لا تتخذوا ذرية من حملنا مع نوح . ويجوز نصبها بإضمار أعني وأمدح ، والعرب قد تنصب على المدح والذم . ويجوز رفعها على البدل من المضمر في تتخذوا في قراءة من قرأ بالياء ; ولا يحسن ذلك لمن قرأ بالتاء لأن المخاطب لا يبدل منه الغائب . ويجوز جرها على البدل من بني إسرائيل في الوجهين . فأما أن من قوله ألا تتخذوا فهي على قراءة من قرأ بالياء في موضع نصب بحذف الجار ، التقدير : هديناهم لئلا يتخذوا . ويصلح على قراءة التاء أن تكون زائدة والقول مضمر كما تقدم . ويصلح أن تكون مفسرة بمعنى أي ، لا موضع لها من الإعراب ، وتكون " لا " للنهي فيكون خروجا من الخبر إلى النهي .
17:4
وَ قَضَیْنَاۤ اِلٰى بَنِیْۤ اِسْرَآءِیْلَ فِی الْكِتٰبِ لَتُفْسِدُنَّ فِی الْاَرْضِ مَرَّتَیْنِ وَ لَتَعْلُنَّ عُلُوًّا كَبِیْرًا(۴)
اور ہم نے بنی اسرائیل کو کتاب (ف۱۰) میں وحی بھیجی کہ ضرور تم زمین میں دوبارہ فساد مچاؤ گے (ف۱۱) اور ضرور بڑا غرور کرو گے (ف۱۲)

قوله تعالى : وقضينا إلى بني إسرائيل في الكتاب لتفسدن في الأرض مرتين ولتعلن علوا كبيرا قوله تعالى : وقضينا إلى بني إسرائيل في الكتاب وقرأ سعيد بن جبير وأبو العالية " في الكتب " على لفظ الجمع . وقد يرد لفظ الواحد ويكون معناه الجمع ; فتكون القراءتان بمعنى واحد . ومعنى قضينا أعلمنا وأخبرنا ; قاله ابن عباس : وقال قتادة : حكمنا ; وأصل القضاء الإحكام للشيء والفراغ منه ، وقيل : قضينا أوحينا ; ولذلك قال : إلى بني إسرائيل . وعلى قول قتادة يكون إلى بمعنى على ; أي قضينا عليهم وحكمنا . وقاله ابن عباس أيضا . والمعني بالكتاب اللوح المحفوظ .لتفسدن وقرأ ابن عباس " لتفسدن " . عيسى الثقفي " لتفسدن " . والمعنى في القراءتين قريب ; لأنهم إذا أفسدوا فسدوا ، والمراد بالفساد مخالفة أحكام التوراة . في الأرض يريد أرض الشام وبيت المقدس وما والاها .ولتعلن علوا كبيرا اللام في ولتعلن لام قسم مضمر كما تقدم . علوا كبيرا أراد التكبر والبغي والطغيان والاستطالة والغلبة والعدوان .
17:5
فَاِذَا جَآءَ وَعْدُ اُوْلٰىهُمَا بَعَثْنَا عَلَیْكُمْ عِبَادًا لَّنَاۤ اُولِیْ بَاْسٍ شَدِیْدٍ فَجَاسُوْا خِلٰلَ الدِّیَارِ وَ كَانَ وَعْدًا مَّفْعُوْلًا(۵)
پھر جب ان میں پہلی بار (ف۱۳) کا وعدہ آیا (ف۱۴) ہم نے تم پر اپنے بندے بھیجے سخت لڑائی والے (ف۱۵) تو وہ شہروں کے اندر تمہاری تلاش کو گھسے (ف۱۶) اور یہ ایک وعدہ تھا (ف۱۷) جسے پورا ہونا تھا،

قوله تعالى : فإذا جاء وعد أولاهما بعثنا عليكم عبادا لنا أولي بأس شديد فجاسوا خلال الديار وكان وعدا مفعولاقوله تعالى : فإذا جاء وعد أولاهما أي أولى المرتين من فسادهم .بعثنا عليكم عبادا لنا أولي بأس شديد هم أهل بابل ، وكان عليهم بختنصر في المرة الأولى حين كذبوا إرمياء وجرحوه وحبسوه ; قاله ابن عباس وغيره . وقال قتادة : أرسل عليهم جالوت فقتلهم ، فهو وقومه أولو بأس شديد . وقال مجاهد : جاءهم جند من فارس يتجسسون أخبارهم ومعهم بختنصر فوعى حديثهم من بين أصحابه ، ثم رجعوا إلى فارس ولم يكن قتال ، وهذا في المرة الأولى ، فكان منهم جوس خلال الديار لا قتل ; ذكره القشيري أبو نصر . وذكر المهدوي عن مجاهد أنه جاءهم بختنصر فهزمه بنو إسرائيل ، ثم جاءهم ثانية فقتلهم ودمرهم تدميرا . ورواه ابن أبي نجيح عن مجاهد ; ذكره النحاس . وقال محمد بن إسحاق في خبر فيه طول : إن المهزوم سنحاريب ملك بابل ، جاء ومعه ستمائة ألف راية تحت كل راية مائة ألف فارس فنزل حول بيت المقدس فهزمه الله - تعالى - وأمات جميعهم إلا سنحاريب وخمسة نفر من كتابه ، وبعث ملك بني إسرائيل واسمه صديقة في طلب سنحاريب فأخذ مع الخمسة ، أحدهم بختنصر ، فطرح في رقابهم الجوامع وطاف بهم سبعين يوما حول بيت المقدس وإيلياء ويرزقهم كل يوم خبزتين من شعير لكل رجل منهم ، ثم أطلقهم فرجعوا إلى بابل ، ثم مات سنحاريب بعد سبع سنين ، واستخلف بختنصر وعظمت الأحداث في بني إسرائيل ، واستحلوا المحارم وقتلوا نبيهم شعيا ; فجاءهم بختنصر ودخل هو وجنوده بيت المقدس وقتل بني إسرائيل حتى أفناهم . وقال ابن عباس وابن مسعود : أول الفساد قتل زكريا . وقال ابن إسحاق : فسادهم في المرة الأولى قتل شعيا نبي الله في الشجرة ; وذلك أنه لما مات صديقة ملكهم مرج أمرهم وتنافسوا على الملك وقتل بعضهم بعضا وهم لا يسمعون من نبيهم ; فقال الله - تعالى - له قم في قومك أوح على لسانك ، فلما فرغ مما أوحى الله إليه عدوا عليه ليقتلوه فهرب فانفلقت له شجرة فدخل فيها ، وأدركه الشيطان فأخذ هدبة من ثوبه فأراهم إياها ، فوضعوا المنشار في وسطها فنشروها حتى قطعوها وقطعوه في وسطها . وذكر ابن إسحاق أن بعض العلماء أخبره أن زكريا مات موتا ولم يقتل وإنما المقتول شعيا . وقال سعيد بن جبير في قوله - تعالى - : ثم بعثنا عليكم عبادا لنا أولي بأس شديد فجاسوا خلال الديار هو سنحاريب من أهل نينوى بالموصل ملك بابل . وهذا خلاف ما قال ابن إسحاق ، فالله أعلم .فجاسوا خلال الديار قيل : إنهم العمالقة وكانوا كفارا ، قاله الحسن . ومعنى جاسوا : عاثوا وقتلوا ; وكذلك جاسوا وهاسوا وداسوا ، قاله ابن عزيز ، وهو قول القتيبي . وقرأ ابن عباس : ( حاسوا ) بالحاء المهملة . قال أبو زيد : الحوس والجوس والعوس والهوس : الطواف بالليل . وقال الجوهري : الجوس مصدر قولك جاسوا خلال الديار ، أي تخللوها فطلبوا ما فيها كما يجوس الرجل الأخبار أي يطلبها ; وكذلك الاجتياس . والجوسان ( بالتحريك ) الطوفان بالليل ; وهو قول أبي عبيدة . وقال الطبري : طافوا بين الديار يطلبونهم ويقتلونهم ذاهبين وجائين ; فجمع بين قول أهل اللغة . قال ابن عباس : مشوا وترددوا بين الدور والمساكن . وقال الفراء : قتلوكم بين بيوتكم ; وأنشد لحسان :ومنا الذي لاقى بسيف محمد فجاس به الأعداء عرض العساكروقال قطرب : نزلوا ; قال :فجسنا ديارهم عنوة وأبنا بسادتهم موثقيناوكان وعدا مفعولا أي قضاء كائنا لا خلف فيه .
17:6
ثُمَّ رَدَدْنَا لَكُمُ الْكَرَّةَ عَلَیْهِمْ وَ اَمْدَدْنٰكُمْ بِاَمْوَالٍ وَّ بَنِیْنَ وَ جَعَلْنٰكُمْ اَكْثَرَ نَفِیْرًا(۶)
پھر ہم نے ان پر اُلٹ کر تمہارا حملہ کردیا (ف۱۸) اور تم کو مالوں اور بیٹوں سے مدد دی اور تمہارا جتھا بڑھا دیا،

قوله تعالى : ثم رددنا لكم الكرة عليهم وأمددناكم بأموال وبنين وجعلناكم أكثر نفيرا قوله تعالى : ثم رددنا لكم الكرة عليهم أي الدولة والرجعة ; وذلك لما تبتم وأطعتم . ثم قيل : ذلك بقتل داود جالوت أو بقتل غيره ، على الخلاف في من قتلهم .وأمددناكم بأموال وبنين حتى عاد أمركم كما كان .وجعلناكم أكثر نفيرا أي أكثر عددا ورجالا من عدوكم . والنفير من نفر مع الرجل من عشيرته ; يقال : نفير ونافر مثل قدير وقادر ويجوز أن يكون النفير جمع نفر كالكليب والمعيز والعبيد ; قال الشاعر :فأكرم بقحطان من والد وحمير أكرم بقوم نفيراوالمعنى : أنهم صاروا بعد هذه الوقعة الأولى أكثر انضماما وأصلح أحوالا ; جزاء من الله - تعالى - لهم على عودهم إلى الطاعة .
17:7
اِنْ اَحْسَنْتُمْ اَحْسَنْتُمْ لِاَنْفُسِكُمْ- وَ اِنْ اَسَاْتُمْ فَلَهَاؕ-فَاِذَا جَآءَ وَعْدُ الْاٰخِرَةِ لِیَسُوْٓءٗا وُجُوْهَكُمْ وَ لِیَدْخُلُوا الْمَسْجِدَ كَمَا دَخَلُوْهُ اَوَّلَ مَرَّةٍ وَّ لِیُتَبِّرُوْا مَا عَلَوْا تَتْبِیْرًا(۷)
اگر تم بھلائی کرو گے اپنا بھلا کرو گے (ف۱۹) اور اگر بُرا کرو گے تو اپنا، پھر جب دوسری بار کا وعدہ آیا (ف۲۰) کہ دشمن تمہارا منہ بگاڑ دیں (ف۲۱) اور مسجد میں داخل ہوں (ف۲۲) جیسے پہلی بار داخل ہوئے تھے (ف۲۳) اور جس چیز پر قابو پائیں (ف۲۴) تباہ کرکے برباد کردیں،

قوله تعالى : إن أحسنتم أحسنتم لأنفسكم وإن أسأتم فلها فإذا جاء وعد الآخرة ليسوءوا وجوهكم وليدخلوا المسجد كما دخلوه أول مرة وليتبروا ما علوا تتبيراإن أحسنتم أحسنتم لأنفسكم أي نفع إحسانكم عائد عليكم .وإن أسأتم فلها أي فعليها ; نحو سلام لك ، أي سلام عليك . قال :فخر صريعا لليدين وللفمأي على اليدين وعلى الفم . وقال الطبري : اللام بمعنى إلى ، يعني وإن أسأتم فإليها ، أي فإليها ترجع الإساءة ; لقوله - تعالى - : بأن ربك أوحى لها أي إليها . وقيل : فلها الجزاء والعقاب . وقال الحسين بن الفضل : فلها رب يغفر الإساءة . ثم يحتمل أن يكون هذا خطابا لبني إسرائيل في أول الأمر ; أي أسأتم فحل بكم القتل والسبي والتخريب ثم أحسنتم فعاد إليكم الملك والعلو وانتظام الحال . ويحتمل أنه خوطب بهذا بنو إسرائيل في زمن محمد - صلى الله عليه وسلم - ; أي عرفتم استحقاق أسلافكم للعقوبة على العصيان فارتقبوا مثله . أو يكون خطابا لمشركي قريش على هذا الوجه .فإذا جاء وعد الآخرة من إفسادكم ; وذلك أنهم قتلوا في المرة الثانية يحيى بن زكريا - عليهما السلام - ، قتله ملك من بني إسرائيل يقال له لاخت ; قاله القتيبي . وقال الطبري : اسمه هردوس ، ذكره في التاريخ ; حمله على قتله امرأة اسمها أزبيل . وقال السدي : كان ملك بني إسرائيل يكرم يحيى بن زكريا ويستشيره في الأمر ، فاستشاره الملك أن يتزوج بنت أمرأة له فنهاه عنها وقال : إنها لا تحل لك ; فحقدت أمها على يحيى - عليه السلام - ، ثم ألبست ابنتها ثيابا حمرا رقاقا وطيبتها وأرسلتها إلى الملك وهو على شرابه ، وأمرتها أن تتعرض له ، وإن أرادها أبت حتى يعطيها ما تسأله ; فإذا أجاب سألت أن يؤتى برأس يحيى بن زكريا في طست من ذهب ; ففعلت ذلك حتى أتي برأس يحيى بن زكريا والرأس تتكلم حتى وضع بين يديه وهو يقول : لا تحل لك ; لا تحل لك ; فلما أصبح إذا دمه يغلي ، فألقى عليه التراب فغلى فوقه ، فلم يزل يلقي عليه التراب حتى بلغ سور المدينة وهو في ذلك يغلي ; ذكره الثعلبي وغيره . وذكر ابن عساكر الحافظ في تاريخه عن الحسين بن علي قال : كان ملك من هذه الملوك مات وترك امرأته وابنته فورث ملكه أخوه ، فأراد أن يتزوج امرأة أخيه ، فاستشار يحيى بن زكريا في ذلك ، وكانت الملوك في ذلك الزمان يعملون بأمر الأنبياء ، فقال له : لا تتزوجها فإنها بغي ; فعرفت ذلك المرأة أنه قد ذكرها وصرفه عنها ، فقالت : من أين هذا ! حتى بلغها أنه من قبل يحيى ، فقالت : ليقتلن يحيى أو ليخرجن من ملكه ، فعمدت إلى ابنتها وصنعتها ، ثم قالت : اذهبي إلى عمك عند الملأ فإنه إذا رآك سيدعوك ويجلسك في حجره ، ويقول سليني ما شئت ، فإنك لن تسأليني شيئا إلا أعطيتك ، فإذا قال لك ذلك فقولي : لا أسأل إلا رأس يحيى . قال : وكانت الملوك إذا تكلم أحدهم بشيء على رءوس الملأ ثم لم يمض له نزع من ملكه ; ففعلت ذلك . قال : فجعل يأتيه الموت من قتله يحيى ، وجعل يأتيه الموت من خروجه من ملكه ، فاختار ملكه فقتله . قال : فساخت بأمها الأرض . قال ابن جدعان : فحدثت بهذا الحديث ابن المسيب فقال أفما أخبرك كيف كان قتل زكريا ؟ قلت لا ; قال : إن زكريا حيث قتل ابنه انطلق هاربا منهم واتبعوه حتى أتى على شجرة ذات ساق فدعته إليها فانطوت عليه وبقيت من ثوبه هدبة تكفتها الرياح ، فانطلقوا إلى الشجرة فلم يجدوا أثره بعدها ، ونظروا بتلك الهدبة فدعوا بالمنشار فقطعوا الشجرة فقطعوه معها .قلت : وقع في التاريخ الكبير للطبري فحدثني أبو السائب قال حدثنا أبو معاوية عن الأعمش عن المنهال عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال : ( بعث عيسى ابن مريم يحيى بن زكريا في اثني عشر من الحواريين يعلمون الناس ، قال : كان فيما نهوهم عنه نكاح ابنة الأخ ، قال : وكان لملكهم ابنة أخ تعجبه . . . ) وذكر الخبر بمعناه . وعن ابن عباس قال : ( بعث يحيى بن زكريا في اثني عشر من الحواريين يعلمون الناس ، وكان فيما يعلمونهم ينهونهم عن نكاح بنت الأخت ، وكان لملكهم بنت أخت تعجبه ، وكان يريد أن يتزوجها ، وكان لها كل يوم حاجة يقضيها ، فلما بلغ ذلك أمها أنهم نهوا عن نكاح بنت الأخت قالت لها : إذا دخلت على الملك فقال ألك حاجة فقولي : حاجتي أن تذبح يحيى بن زكريا ; فقال : سليني سوى هذا ! قالت : ما أسألك إلا هذا . فلما أبت عليه دعا بطست ودعا به فذبحه ، فندرت قطرة من دمه على وجه الأرض فلم تزل تغلي حتى بعث الله عليهم بختنصر فألقى في نفسه أن يقتل على ذلك الدم منهم حتى يسكن ذلك الدم ، فقتل عليه منهم سبعين ألفا ، في رواية خمسة وسبعين ألفا . قال سعيد بن المسيب : هي دية كل نبي . وعن ابن عباس قال : ( أوحى الله إلى محمد - صلى الله عليه وسلم - إني قتلت بيحيى بن زكريا سبعين ألفا ، وإني قاتل بابن ابنتك سبعين ألفا وسبعين ألفا ) . وعن سمير بن عطية قال : قتل على الصخرة التي في بيت المقدس سبعون نبيا منهم يحيى بن زكريا . وعن زيد بن واقد قال : رأيت رأس يحيى - عليه السلام - حيث أرادوا بناء مسجد دمشق أخرج من تحت ركن من أركان القبة التي تلي المحراب مما يلي الشرق ، فكانت البشرة والشعر على حاله لم يتغير . وعن قرة بن خالد قال : ما بكت السماء على أحد إلا على يحيى بن زكريا والحسين بن علي ; وحمرتها بكاؤها . وعن سفيان بن عيينة قال : أوحش ما يكون ابن آدم في ثلاثة مواطن : يوم ولد فيخرج إلى دار هم ، وليلة يبيت مع الموتى فيجاور جيرانا لم ير مثلهم ، ويوم يبعث فيشهد مشهدا لم ير مثله ; قال الله - تعالى - ليحيى في هذه الثلاثة مواطن : وسلام عليه يوم ولد ويوم يموت ويوم يبعث حيا . كله من التاريخ المذكور .واختلف فيمن كان المبعوث عليهم في المرة الآخرة ; فقيل : بختنصر . وقاله القشيري أبو نصر ، لم يذكر غيره . قال السهيلي : وهذا لا يصح ; لأن قتل يحيى كان بعد رفع عيسى ، وبختنصر كان قبل عيسى ابن مريم - عليهما السلام - بزمان طويل ، وقبل الإسكندر ; وبين الإسكندر وعيسى نحو من ثلاثمائة سنة ، ولكنه أريد بالمرة الأخرى حين قتلوا شعيا ، فقد كان بختنصر إذ ذاك حيا ، فهو الذي قتلهم وخرب بيت المقدس وأتبعهم إلى مصر . وأخرجهم منها . وقال الثعلبي : ومن روى أن بختنصر هو الذي غزا بني إسرائيل عند قتلهم يحيى بن زكريا فغلط عند أهل السير والأخبار ; لأنهم مجمعون على أن بختنصر إنما غزا بني إسرائيل عند قتلهم شعيا وفي عهد إرمياء . قالوا : ومن عهد إرمياء وتخريب بختنصر بيت المقدس إلى مولد يحيى بن زكريا - عليهما السلام - أربعمائة سنة وإحدى وستون سنة ، وذلك أنهم يعدون من عهد تخريب بيت المقدس إلى عمارته في عهد كوسك سبعين سنة ، ثم من بعد عمارته إلى ظهور الإسكندر على بيت المقدس ثمانية وثمانين سنة ، ثم من بعد مملكة الإسكندر إلى مولد يحيى ثلاثمائة وثلاثا وستين سنة .قلت : ذكر جميعه الطبري في التاريخ - رحمه الله - . قال الثعلبي : والصحيح من ذلك ما ذكره محمد بن إسحاق قال : لما رفع الله عيسى من بين أظهرهم وقتلوا يحيى - وبعض الناس يقول : لما قتلوا زكريا - بعث الله إليهم ملكا من ملوك بابل يقال له : خردوس ، فسار إليهم بأهل بابل وظهر عليهم بالشأم ، ثم قال لرئيس جنوده : كنت حلفت بإلهي لئن أظهرني الله على بيت المقدس لأقتلنهم حتى تسيل دماؤهم في وسط عسكري ، وأمر أن يقتلهم حتى يبلغ ذلك منهم ، فدخل الرئيس بيت المقدس فوجد فيها دماء تغلي ، فسألهم فقالوا : دم قربان قربناه فلم يتقبل منا منذ ثمانين سنة . قال ما صدقتموني ، فذبح على ذلك الدم سبعمائة وسبعين رجلا من رؤسائهم فلم يهدأ ، فأتى بسبعمائة غلام من غلمانهم فذبحوا على الدم فلم يهدأ ، فأمر بسبعة آلاف من سبيهم وأزواجهم فذبحهم على الدم فلم يبرد ، فقال : يا بني إسرائيل ، اصدقوني قبل ألا أترك منكم نافخ نار من أنثى ولا من ذكر إلا قتلته . فلما رأوا الجهد قالوا : إن هذا دم نبي منا كان ينهانا عن أمور كثيرة من سخط الله فقتلناه ، فهذا دمه ، كان اسمه يحيى بن زكريا ، ما عصى الله قط طرفة عين ولا هم بمعصية . فقال : الآن صدقتموني ، وخر ساجدا ثم قال : لمثل هذا ينتقم منكم ، وأمر بغلق الأبواب وقال : أخرجوا من كان هاهنا من جيش خردوس ، وخلا في بني إسرائيل وقال : يا نبي الله يا يحيى بن زكريا قد علم ربي وربك ما قد أصاب قومك من أجلك ، فاهدأ بإذن الله قبل ألا أبقي منهم أحدا . فهدأ دم يحيى بن زكريا بإذن الله - عز وجل - ، ورفع عنهم القتل وقال : رب إني آمنت بما آمن به بنو إسرائيل وصدقت به ; فأوحى الله - تعالى - إلى رأس من رءوس الأنبياء : إن هذا الرئيس مؤمن صدوق . ثم قال : إن عدو الله خردوس أمرني أن أقتل منكم حتى تسيل دماؤكم وسط عسكره ، وإني لا أعصيه ، فأمرهم فحفروا خندقا وأمر بأموالهم من الإبل والخيل والبغال والحمير والبقر والغنم فذبحوها حتى سال الدم إلى العسكر ، وأمر بالقتلى الذين كانوا قتلوا قبل ذلك فطرحوا على ما قتل من مواشيهم ، ثم انصرف عنهم إلى بابل ، وقد كاد أن يفني بني إسرائيل .قلت : قد ورد في هذا الباب حديث مرفوع فيه طول من حديث حذيفة ، وقد كتبناه في كتاب التذكرة مقطعا في أبواب في أخبار المهدي ، نذكر منها هنا ما يبين معنى الآية ويفسرها حتى لا يحتاج معه إلى بيان ، قال حذيفة : قلت يا رسول الله ، لقد كان بيت المقدس عند الله عظيما جسيم الخطر عظيم القدر . فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : هو من أجل البيوت ابتناه الله لسليمان بن داود - عليهما السلام - من ذهب وفضة ودر وياقوت وزمرد : وذلك أن سليمان بن داود لما بناه سخر الله له الجن فأتوه بالذهب والفضة من المعادن ، وأتوه بالجواهر والياقوت والزمرد ، وسخر الله - تعالى - له الجن حتى بنوه من هذه الأصناف . قال حذيفة : فقلت يا رسول الله ، وكيف أخذت هذه الأشياء من بيت المقدس . فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : إن بني إسرائيل لما عصوا الله وقتلوا الأنبياء سلط الله عليهم بختنصر وهو من المجوس وكان ملكه سبعمائة سنة ، وهو قوله : فإذا جاء وعد أولاهما بعثنا عليكم عبادا لنا أولي بأس شديد فجاسوا خلال الديار وكان وعدا مفعولا فدخلوا بيت المقدس وقتلوا الرجال وسبوا النساء والأطفال وأخذوا الأموال وجميع ما كان في بيت المقدس من هذه الأصناف فاحتملوها على سبعين ألفا ومائة ألف عجلة حتى أودعوها أرض بابل ، فأقاموا يستخدمون بني إسرائيل ويستملكونهم بالخزي والعقاب والنكال مائة عام ، ثم إن الله - عز وجل - رحمهم فأوحى إلى ملك من ملوك فارس أن يسير إلى المجوس في أرض بابل ، وأن يستنقذ من في أيديهم من بني إسرائيل ; فسار إليهم ذلك الملك حتى دخل أرض بابل فاستنقذ من بقي من بني إسرائيل من أيدي المجوس واستنقذ ذلك الحلي الذي كان في بيت المقدس ورده الله إليه كما كان أول مرة وقال لهم : يا بني إسرائيل إن عدتم إلى المعاصي عدنا عليكم بالسبي والقتل ، وهو قوله : عسى ربكم أن يرحمكم وإن عدتم عدنا فلما رجعت بنو إسرائيل إلى بيت المقدس عادوا إلى المعاصي فسلط الله عليهم ملك الروم قيصر ، وهو قوله : فإذا جاء وعد الآخرة ليسوءوا وجوهكم وليدخلوا المسجد كما دخلوه أول مرة وليتبروا ما علوا تتبيرا فغزاهم في البر والبحر فسباهم وقتلهم وأخذ أموالهم ونساءهم ، وأخذ حلي جميع بيت المقدس واحتمله على سبعين ألفا ومائة ألف عجلة حتى أودعه في كنيسة الذهب ، فهو فيها الآن حتى يأخذه المهدي فيرده إلى بيت المقدس ، وهو ألف سفينة وسبعمائة سفينة يرسى بها على يافا حتى تنقل إلى بيت المقدس وبها يجمع الله الأولين والآخرين . . . وذكر الحديث .قوله تعالى : فإذا جاء وعد الآخرة أي من المرتين ; وجواب " إذا " محذوف ، تقديره بعثناهم ; دل عليه بعثنا الأول .ليسوءوا وجوهكم أي بالسبي والقتل فيظهر أثر الحزن في وجوهكم ; ف ليسوءوا متعلق بمحذوف ; أي بعثنا عبادا ليفعلوا بكم ما يسوء وجوهكم . قيل : المراد بالوجوه السادة ; أي ليذلوهم . وقرأ الكسائي لنسوء بنون وفتح الهمزة ، فعل مخبر عن نفسه معظم ، اعتبارا بقوله وقضينا - وبعثنا - ورددنا . ونحوه عن علي . وتصديقها قراءة أبي ( لنسوءن ) بالنون وحرف التوكيد . وقرأ أبو بكر والأعمش وابن وثاب وحمزة وابن عامر ( ليسوء ) بالياء على التوحيد وفتح الهمزة ; ولها وجهان : أحدهما : ليسوء الله وجوهكم . والثاني : ليسوء الوعد وجوهكم . وقرأ الباقون ليسوءوا بالياء وضم الهمزة على الجمع ; أي ليسوء العباد الذين هم أولو بأس شديد وجوهكم .وليدخلوا المسجد كما دخلوه أول مرة وليتبروا أي ليدمروا ويهلكوا . وقال قطرب : يهدموا ; قال الشاعر :فما الناس إلا عاملان فعامل يتبر ما يبني وآخر رافعما علوا أي غلبوا عليه من بلادكم تتبيرا .
17:8
عَسٰى رَبُّكُمْ اَنْ یَّرْحَمَكُمْۚ-وَ اِنْ عُدْتُّمْ عُدْنَاۘ-وَ جَعَلْنَا جَهَنَّمَ لِلْكٰفِرِیْنَ حَصِیْرًا(۸)
قریب ہے کہ تمہارا رب تم پر رحم کرے (ف۲۵) اور اگر تم پھر شرارت کرو (ف۲۶) تو ہم پھر عذاب کریں گے (ف۲۷) اور ہم نے جہنم کو کافروں کا قید خانہ بنایا ہے،

قوله تعالى : عسى ربكم أن يرحمكم وإن عدتم عدنا وجعلنا جهنم للكافرين حصيرا قوله تعالى : عسى ربكم أن يرحمكم وهذا مما أخبروا به في كتابهم . وعسى وعد من الله أن يكشف عنهم . وعسى من الله واجبة . أن يرحمكم بعد انتقامه منكم ، وكذلك كان ; فكثر عددهم وجعل منهم الملوك .وإن عدتم عدنا قال قتادة : فعادوا فبعث الله عليهم محمدا - صلى الله عليه وسلم - ; فهم يعطون الجزية بالصغار ; وروي عن ابن عباس . وهذا خلاف ما تقدم في الحديث وغيره وقال القشيري : وقد حل العقاب ببني إسرائيل مرتين على أيدي الكفار ، ومرة على أيدي المسلمين . وهذا حين عادوا فعاد الله عليهم .وعلى هذا يصح قول قتادة . وجعلنا جهنم للكافرين حصيرا أي محبسا وسجنا ، من الحصر وهو الحبس . قال الجوهري : يقال حصره يحصره حصرا ضيق عليه وأحاط به . والحصير : الضيق البخيل . والحصير : البارية . والحصير : الجنب ، قال الأصمعي : هو ما بين العرق الذي يظهر في جنب البعير والفرس معترضا فما فوقه إلى منقطع الجنب . والحصير : الملك ; لأنه محجوب . قال لبيد :وقماقم غلب الرقاب كأنهم جن لدى باب الحصير قيامويروى :ومقامة غلب الرقاب . . .على أن يكون ( غلب ) بدلا من ( مقامة ) كأنه قال : ورب غلب الرقاب . وروي عن أبي عبيدة :. . . لدى طرف الحصير قيامأي عند طرف البساط للنعمان بن المنذر . والحصير : المحبس ; قال الله - تعالى - : وجعلنا جهنم للكافرين حصيرا . قال القشيري : ويقال للذي يفترش حصيرا ; لحصر بعضه على بعض بالنسج . وقال الحسن : أي فراشا ومهادا ; ذهب إلى الحصير الذي يفرش ، لأن العرب تسمي البساط الصغير حصيرا . قال الثعلبي : وهو وجه حسن .
17:9
اِنَّ هٰذَا الْقُرْاٰنَ یَهْدِیْ لِلَّتِیْ هِیَ اَقْوَمُ وَ یُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِیْنَ الَّذِیْنَ یَعْمَلُوْنَ الصّٰلِحٰتِ اَنَّ لَهُمْ اَجْرًا كَبِیْرًاۙ(۹)
بیشک یہ قرآن وہ راہ دکھاتا ہے جو سب سے سیدھی ہے (ف۲۸) اور خوشی سناتا ہے ایمان والوں کو جو اچھے کام کریں کہ ان کے لیے بڑا ثواب ہے

قوله تعالى : إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم ويبشر المؤمنين الذين يعملون الصالحات أن لهم أجرا كبيرالما ذكر المعراج ذكر ما قضى إلى بني إسرائيل ، وكان ذلك دلالة على نبوة محمد - صلى الله عليه وسلم - ، ثم بين أن الكتاب الذي أنزله الله عليه سبب اهتداء . ومعنى للتي هي أقوم أي الطريقة التي هي أسد وأعدل وأصوب ; ف التي نعت لموصوف محذوف ، أي الطريقة إلى نص أقوم . وقال الزجاج : للحال التي هي أقوم الحالات ، وهي توحيد الله والإيمان برسله . وقاله الكلبي والفراء .قوله تعالى : ويبشر المؤمنين الذين يعملون الصالحات تقدم . أن لهم في موضع نصب ب يبشر وقال الكسائي وجماعة من البصريين : أن في موضع خفض بإضمار الباء . أي بأن لهم .أجرا كبيرا أي الجنة .
17:10
وَّ اَنَّ الَّذِیْنَ لَا یُؤْمِنُوْنَ بِالْاٰخِرَةِ اَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابًا اَلِیْمًا۠(۱۰)
اور یہ کہ جو آخرت پر ایمان نہیں لاتے ہم نے ان کے لیے دردناک عذاب تیار کر رکھا ہے،

وأن الذين لا يؤمنون بالآخرة أي ويبشرهم بأن لأعدائهم العقاب . والقرآن معظمه وعد ووعيد . وقرأ حمزة والكسائي ويبشر مخففا بفتح الياء وضم الشين ; وقد ذكر .
17:11
وَ یَدْعُ الْاِنْسَانُ بِالشَّرِّ دُعَآءَهٗ بِالْخَیْرِؕ-وَ كَانَ الْاِنْسَانُ عَجُوْلًا(۱۱)
اور آدمی برائی کی دعا کرتا ہے (ف۲۹) جیسے بھلائی مانگتا ہے (ف۳۰) اور آدمی بڑا جلد باز ہے (ف۳۱)

قوله تعالى : ويدع الإنسان بالشر دعاءه بالخير وكان الإنسان عجولا قوله تعالى : ويدع الإنسان بالشر دعاءه بالخير قال ابن عباس وغيره : هو دعاء الرجل على نفسه وولده عند الضجر بما لا يحب أن يستجاب له : اللهم أهلكه ، ونحوه .دعاءه بالخير أي كدعائه ربه أن يهب له العافية ; فلو استجاب الله دعاءه على نفسه بالشر هلك لكن بفضله لا يستجيب له في ذلك . نظيره : ولو يعجل الله للناس الشر استعجالهم بالخير وقد تقدم . وقيل : نزلت في النضر بن الحارث ، كان يدعو ويقول : اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء أو ائتنا بعذاب أليم . وقيل : هو أن يدعو في طلب المحظور كما يدعو في طلب المباح ، قال الشاعر وهو ابن جامع :أطوف بالبيت فيمن يطوف وأرفع من مئزري المسبل وأسجد بالليل حتى الصباحوأتلو من المحكم المنزل عسى فارج الهم عن يوسفيسخر لي ربة المحملقال الجوهري : يقال ما على فلان محمل مثال مجلس أي معتمد . والمحمل أيضا : واحد محامل الحاج . والمحمل مثال المرجل : علاقة السيف . وحذفت الواو من ويدع الإنسان في اللفظ والخط ولم تحذف في المعنى لأن موضعها رفع فحذفت لاستقبالها اللام الساكنة ; كقوله - تعالى - : سندع الزبانية ويمح الله الباطل وسوف يؤت الله المؤمنين يناد المناد فما تغن النذر .وكان الإنسان عجولا أي طبعه العجلة ، فيعجل بسؤال الشر كما يعجل بسؤال الخير . وقيل : أشار به إلى آدم - عليه السلام - حين نهض قبل أن تركب فيه الروح على الكمال . قال سلمان : أول ما خلق الله - تعالى - من آدم رأسه فجعل ينظر وهو يخلق جسده ، فلما كان عند العصر بقيت رجلاه لم ينفخ فيهما الروح فقال : يا رب عجل قبل الليل ; فذلك قوله : وكان الإنسان عجولا . وقال ابن عباس : لما انتهت النفخة إلى سرته نظر إلى جسده فذهب لينهض فلم يقدر ; فذلك قوله : وكان الإنسان عجولا . وقال ابن مسعود : لما دخل الروح في عينيه نظر إلى ثمار الجنة ; فذلك حين يقول : خلق الإنسان من عجل ذكره البيهقي . وفي صحيح مسلم عن أنس بن مالك أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : لما صور الله - تعالى - آدم في الجنة تركه ما شاء الله أن يتركه فجعل إبليس يطيف به ينظر ما هو فلما رآه أجوف عرف أنه خلق خلقا لا يتمالك وقد تقدم . وقيل : سلم - عليه السلام - أسيرا إلى سودة فبات يئن فسألته فقال : أنيني لشدة القد والأسر ; فأرخت من كتافه فلما نامت هرب ; فأخبرت النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال : قطع الله يديك فلما أصبحت كانت تتوقع الآفة ; فقال - عليه السلام - : إني سألت الله - تعالى - أن يجعل دعائي على من لا يستحق من أهلي رحمة لأني بشر أغضب كما يغضب البشر ونزلت الآية ; ذكره القشيري أبو نصر - رحمه الله - . وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة قال سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : اللهم إنما محمد بشر يغضب كما يغضب البشر وإني قد اتخذت عندك عهدا لن تخلفينه فأيما مؤمن آذيته أو سببته أو جلدته فاجعلها له كفارة وقربة تقربه بها إليك يوم القيامة . وفي الباب عن عائشة وجابر . وقيل : معنى وكان الإنسان عجولا أي يؤثر العاجل وإن قل ، على الآجل وإن جل .
17:12
وَ جَعَلْنَا الَّیْلَ وَ النَّهَارَ اٰیَتَیْنِ فَمَحَوْنَاۤ اٰیَةَ الَّیْلِ وَ جَعَلْنَاۤ اٰیَةَ النَّهَارِ مُبْصِرَةً لِّتَبْتَغُوْا فَضْلًا مِّنْ رَّبِّكُمْ وَ لِتَعْلَمُوْا عَدَدَ السِّنِیْنَ وَ الْحِسَابَؕ-وَ كُلَّ شَیْءٍ فَصَّلْنٰهُ تَفْصِیْلًا(۱۲)
اور ہم نے رات اور دن کو دو نشانیاں بنایا (ف۳۲) تو رات کی نشانی مٹی ہوئی رکھی (ف۳۳) اور دن کی نشانیاں دکھانے والی (ف۳۴) کہ اپنے کا فضل تلاش کرو (ف۳۵) اور (ف۳۶) برسوں کی گنتی اور حساب جانو (ف۳۷) اور ہم نے ہر چیز خوب جدا جدا ظاہر فرمادی (ف۳۸)

قوله تعالى : وجعلنا الليل والنهار آيتين فمحونا آية الليل وجعلنا آية النهار مبصرة لتبتغوا فضلا من ربكم ولتعلموا عدد السنين والحساب وكل شيء فصلناه تفصيلاقوله تعالى : وجعلنا الليل والنهار آيتين أي علامتين على وحدانيتنا ووجودنا وكمال علمنا وقدرتنا . والآية فيهما : إقبال كل واحد منهما من حيث لا يعلم ، وإدباره إلى حيث لا يعلم .ونقصان أحدهما بزيادة الآخر وبالعكس آية أيضا . وكذلك ضوء النهار وظلمة الليل . وقد مضى هذا .فمحونا آية الليل ولم يقل : فمحونا الليل ، فلما أضاف الآية إلى الليل والنهار دل على أن الآيتين المذكورتين لهما لا هما . ومحونا معناه طمسنا . وفي الخبر أن الله - تعالى - أمر جبريل - عليه السلام - فأمر جناحه على وجه القمر فطمس عنه الضوء وكان كالشمس في النور ، والسواد الذي يرى في القمر من أثر المحو . قال ابن عباس : جعل الله الشمس سبعين جزءا والقمر سبعين جزءا ، فمحا من نور القمر تسعة وستين جزءا فجعله مع نور الشمس ، فالشمس على مائة وتسع وثلاثين جزءا والقمر على جزء واحد . وعنه أيضا : خلق الله شمسين من نور عرشه ، فجعل ما سبق في علمه أن يكون شمسا مثل الدنيا على قدرها ما بين مشارقها إلى مغاربها ، وجعل القمر دون الشمس ; فأرسل جبريل - عليه السلام - فأمر جناحه على وجهه ثلاث مرات وهو يومئذ شمس فطمس ضوءه وبقي نوره ; فالسواد الذي ترونه في القمر أثر المحو ، ولو تركه شمسا لم يعرف الليل من النهار ذكر عنه الأول الثعلبي والثاني المهدوي ; وسيأتي مرفوعا . وقال علي - رضي الله عنه - وقتادة : يريد بالمحو اللطخة السوداء التي في القمر ، ليكون ضوء القمر أقل من ضوء الشمس فيتميز به الليل من النهار .وجعلنا آية النهار مبصرة أي جعلنا شمسه مضيئة للأبصار . قال أبو عمرو بن العلاء : أي يبصر بها . قال الكسائي : وهو من قول العرب أبصر النهار إذا أضاء ، وصار بحالة يبصر بها . وقيل : هو كقولهم خبيث مخبث إذا كان أصحابه خبثاء . ورجل مضعف إذا كانت دوابه ضعافا ; فكذلك النهار مبصرا إذا كان أهله بصراء .لتبتغوا فضلا من ربكم يريد التصرف في المعاش . ولم يذكر السكون في الليل اكتفاء بما ذكر في النهار . وقد قال في موضع آخر : هو الذي جعل لكم الليل لتسكنوا فيه والنهار مبصرا .ولتعلموا عدد السنين والحساب أي لو لم يفعل ذلك لما عرف الليل من النهار ، ولا كان يعرف الحساب والعدد .وكل شيء فصلناه تفصيلا أي من أحكام التكليف ; وهو كقوله : تبيانا لكل شيء ما فرطنا في الكتاب من شيء . وعن ابن عباس أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : لما أبرم الله خلقه فلم يبق من خلقه غير آدم خلق شمسا من نور عرشه وقمرا فكانا جميعا شمسين فأما ما كان في سابق علم الله أن يدعها شمسا فخلقها مثل الدنيا ما بين مشارقها ومغاربها وأما ما كان في علم الله أن يخلقها قمرا فخلقها دون الشمس في العظم ولكن إنما يرى صغرهما من شدة ارتفاع السماء وبعدها من الأرض فلو ترك الله الشمس والقمر كما خلقهما لم يعرف الليل من النهار ولا كان الأجير يدري إلى متى يعمل ولا الصائم إلى متى يصوم ولا المرأة كيف تعتد ولا تدرى أوقات الصلوات والحج ولا تحل الديون ولا حين يبذرون ويزرعون ولا متى يسكنون للراحة لأبدانهم وكأن الله نظر إلى عباده وهو أرحم بهم من أنفسهم فأرسل جبريل فأمر جناحه على وجه القمر ثلاث مرات وهو يومئذ شمس فطمس عنه الضوء وبقي فيه النور فذلك قوله وجعلنا الليل والنهار آيتين الآية .
17:13
وَ كُلَّ اِنْسَانٍ اَلْزَمْنٰهُ طٰٓىٕرَهٗ فِیْ عُنُقِهٖؕ-وَ نُخْرِ جُ لَهٗ یَوْمَ الْقِیٰمَةِ كِتٰبًا یَّلْقٰىهُ مَنْشُوْرًا(۱۳)
اور ہر انسان کی قسمت ہم نے اس کے گلے سے لگادی (ف۳۹) اور اس کے لیے قیامت کے دن ایک نوشتہ نکالیں گے جسے کھلا ہوا پائے گا (ف۴۰)

قوله تعالى : وكل إنسان ألزمناه طائره في عنقه ونخرج له يوم القيامة كتابا يلقاه منشوراقوله تعالى : وكل إنسان ألزمناه طائره في عنقه قال الزجاج : ذكر العنق عبارة عن اللزوم كلزوم القلادة للعنق . وقال ابن عباس : طائره عمله وما قدر عليه من خير وشر ، وهو ملازمه أينما كان . وقال مقاتل والكلبي : خيره وشره معه لا يفارقه حتى يحاسب به . وقال مجاهد : عمله ورزقه ، وعنه : ما من مولود يولد إلا وفي عنقه ورقة فيها مكتوب شقي أو سعيد . وقال الحسن : ألزمناه طائره أي شقاوته وسعادته وما كتب له من خير وشر وما طار له من التقدير ، أي صار له عند القسمة في الأزل . وقيل : أراد به التكليف ، أي قدرناه إلزام الشرع ، وهو بحيث لو أراد أن يفعل ما أمر به وينزجر عما زجر به أمكنه ذلك . ونخرج له يوم القيامة كتابا يلقاه منشورا يعني كتاب طائره الذي في عنقه . وقرأ الحسن وأبو رجاء ومجاهد : " طيره " بغير ألف ; ومنه ما روي في الخبر اللهم لا خير إلا خيرك ولا طير إلا طيرك ولا رب غيرك . وقرأ ابن عباس والحسن ومجاهد وابن محيصن وأبو جعفر ويعقوب " ويخرج " بفتح الياء وضم الراء ، على معنى ويخرج له الطائر كتابا ; ف كتابا منصوب على الحال . ويحتمل أن يكون المعنى : ويخرج الطائر فيصير كتابا . وقرأ يحيى بن وثاب " ويخرج " بضم الياء وكسر الراء ; وروي عن مجاهد ; أي يخرج الله . وقرأ شيبة ومحمد بن السميقع ، وروي أيضا عن أبي جعفر : " ويخرج " بضم الياء وفتح الراء على الفعل المجهول ، ومعناه : ويخرج له الطائر كتابا . الباقون ونخرج بنون مضمومة وكسر الراء ; أي ونحن نخرج . احتج أبو عمرو في هذه القراءة بقوله ألزمناه . وقرأ أبو جعفر والحسن وابن عامر " يلقاه " بضم الياء وفتح اللام وتشديد القاف ، بمعنى يؤتاه . الباقون بفتح الياء خفيفة ، أي يراه منشورا . وقال منشورا تعجيلا للبشرى بالحسنة والتوبيخ بالسيئة .وقال أبو السوار العدوي وقرأ هذه الآية وكل إنسان ألزمناه طائره في عنقه قال : هما نشرتان وطية ; أما ما حييت يا ابن آدم فصحيفتك المنشورة فأمل فيها ما شئت ; فإذا مت طويت حتى إذا بعثت نشرت .
17:14
اِقْرَاْ كِتٰبَكَؕ-كَفٰى بِنَفْسِكَ الْیَوْمَ عَلَیْكَ حَسِیْبًاؕ(۱۴)
فرمایا جائے گا کہ اپنا نامہ (نامہٴ اعمال) پڑھ آج تو خود ہی اپنا حساب کرنے کو بہت ہے،

اقرأ كتابك قال الحسن : يقرأ الإنسان كتابه أميا كان أو غير أمي .كفى بنفسك اليوم عليك حسيبا أي محاسبا . وقال بعض الصلحاء : هذا كتاب ، لسانك قلمه ، وريقك مداده ، وأعضاؤك قرطاسه . ، أنت كنت المملي على حفظتك ، ما زيد فيه ولا نقص منه ، ومتى أنكرت منه شيئا يكون فيه الشاهد منك عليك .
17:15
مَنِ اهْتَدٰى فَاِنَّمَا یَهْتَدِیْ لِنَفْسِهٖۚ-وَ مَنْ ضَلَّ فَاِنَّمَا یَضِلُّ عَلَیْهَاؕ-وَ لَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِّزْرَ اُخْرٰىؕ-وَ مَا كُنَّا مُعَذِّبِیْنَ حَتّٰى نَبْعَثَ رَسُوْلًا(۱۵)
جو راہ پر آیا وہ اپنے ہی بھلے کو راہ پر آیا (ف۴۱) اور جو بہکا تو اپنے ہی برے کو بہکا (ف۴۲) اور کوئی بوجھ اٹھانے والی جان دوسرے کا بوجھ نہ اٹھائے گی (ف۴۳) اور ہم عذاب کرنے والے نہیں جب تک رسول نہ بھیج لیں (ف۴۴)

قوله تعالى : من اهتدى فإنما يهتدي لنفسه ومن ضل فإنما يضل عليها ولا تزر وازرة وزر أخرى وما كنا معذبين حتى نبعث رسولاقوله تعالى : من اهتدى فإنما يهتدي لنفسه ومن ضل فإنما يضل عليها أي إنما كل أحد يحاسب عن نفسه لا عن غيره ; فمن اهتدى فثواب اهتدائه له ، ومن ضل فعقاب كفره عليه .ولا تزر وازرة وزر أخرى تقدم في [ الأنعام ] . وقال ابن عباس : نزلت في الوليد بن المغيرة ، قال لأهل مكة : اتبعون واكفروا بمحمد وعلي أوزاركم ، فنزلت هذه الآية ; أي إن الوليد لا يحمل آثامكم وإنما إثم كل واحد عليه . يقال : وزر يزر وزرا ، ووزرة ، أي أثم . والوزر : الثقل المثقل والجمع أوزار ; ومنه يحملون أوزارهم على ظهورهم أي أثقال ذنوبهم . وقد وزر إذا حمل فهو وازر ; ومنه وزير السلطان الذي يحمل ثقل دولته . والهاء في قوله كناية عن النفس ، أي لا تؤخذ نفس آثمة بإثم أخرى ، حتى أن الوالدة تلقى ولدها يوم القيامة فتقول : يا بني ألم يكن حجري لك وطاء ، ألم يكن ثديي لك سقاء ، ألم يكن بطني لك وعاء ، فيقول : بلى يا أمه فتقول : يا بني فإن ذنوبي أثقلتني فاحمل عني منها ذنبا واحدا فيقول : إليك عني يا أمه فإني بذنبي عنك اليوم مشغول .مسألة : نزعت عائشة - رضي الله عنها - بهذه الآية في الرد على ابن عمر حيث قال : إن الميت ليعذب ببكاء أهله . قال علماؤنا : وإنما حملها على ذلك أنه لم تسمعه ، وأنه معارض للآية . ولا وجه لإنكارها ، فإن الرواة لهذا المعنى كثير ، كعمر وابنه والمغيرة بن شعبة وقيلة بنت مخرمة ، وهم جازمون بالرواية ; فلا وجه لتخطئتهم . ولا معارضة بين الآية والحديث ; فإن الحديث محمله على ما إذا كان النوح من وصية الميت وسنته ، كما كانت الجاهلية تفعله ، حتى قال طرفة :إذا مت فانعيني بما أنا أهله وشقي علي الجيب يا بنت معبدوقال :إلى الحول ثم اسم السلام عليكما ومن يبك حولا كاملا فقد اعتذروإلى هذا نحا البخاري . وقد ذهب جماعة من أهل العلم منهم داود إلى اعتقاد ظاهر الحديث ، وأنه إنما يعذب بنوحهم ; لأنه أهمل نهيهم عنه قبل موته وتأديبهم بذلك ، فيعذب بتفريطه في ذلك ; وبترك ما أمره الله به من قوله : قوا أنفسكم وأهليكم نارا لا بذنب غيره ، والله أعلم .قوله تعالى : وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا أي لم نترك الخلق سدى ، بل أرسلنا الرسل . وفي هذا دليل على أن الأحكام لا تثبت إلا بالشرع ، خلافا للمعتزلة القائلين بأن العقل يقبح ويحسن ويبيح ويحظر . وقد تقدم في البقرة القول فيه . والجمهور على أن هذا في حكم الدنيا ; أي إن الله لا يهلك أمة بعذاب إلا بعد الرسالة إليهم والإنذار . وقالت فرقة : هذا عام في الدنيا والآخرة ، لقوله - تعالى - : كلما ألقي فيها فوج سألهم خزنتها ألم يأتكم نذير قالوا بلى قد جاءنا . قال ابن عطية : والذي يعطيه النظر أن بعثه آدم - عليه السلام - بالتوحيد وبث المعتقدات في بنيه مع نصب الأدلة الدالة على الصانع مع سلامة الفطر توجب على كل أحد من العالم الإيمان واتباع شريعة الله ، ثم تجدد ذلك في زمن نوح - عليه السلام - بعد غرق الكفار . وهذه الآية أيضا يعطي احتمال ألفاظها نحو هذا في الذين لم تصلهم رسالة ، وهم أهل الفترات الذين قد قدر وجودهم بعض أهل العلم . وأما ما روي من أن الله - تعالى - يبعث إليهم يوم القيامة وإلى المجانين والأطفال فحديث لم يصح ، ولا يقتضي ما تعطيه الشريعة من أن الآخرة ليست دار تكليف . قال المهدوي : وروي عن أبي هريرة أن الله - عز وجل - يبعث يوم القيامة رسولا إلى أهل الفترة والأبكم والأخرس والأصم ; فيطيعه منهم من كان يريد أن يطيعه في الدنيا ، وتلا الآية ; رواه معمر عن ابن طاوس عن أبيه عن أبي هريرة ، ذكره النحاس .قلت : هذا موقوف ، وسيأتي مرفوعا في آخر سورة [ طه ] إن شاء الله - تعالى - ; ولا يصح . وقد استدل قوم في أن أهل الجزائر إذا سمعوا بالإسلام وآمنوا فلا تكليف عليهم فيما مضى ; وهذا صحيح ، ومن لم تبلغه الدعوة فهو غير مستحق للعذاب من جهة العقل ، والله أعلم .
17:16
وَ اِذَاۤ اَرَدْنَاۤ اَنْ نُّهْلِكَ قَرْیَةً اَمَرْنَا مُتْرَفِیْهَا فَفَسَقُوْا فِیْهَا فَحَقَّ عَلَیْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنٰهَا تَدْمِیْرًا(۱۶)
اور جب ہم کسی بستی کو ہلاک کرنا چاہتے ہیں اس کے خوشحالوں (ف۴۵) پر احکام بھیجتے ہیں پھر وہ اس میں بے حکمی کرتے ہیں تو اس پر بات پوری ہوجاتی ہے تو ہم اسے تباہ کرکے برباد کردیتے ہیں،

قوله تعالى : وإذا أردنا أن نهلك قرية أمرنا مترفيها ففسقوا فيها فحق عليها القول فدمرناها تدميرا فيه ثلاث مسائل :الأولى : أخبر الله - تعالى - في الآية التي قبل أنه لم يهلك القرى قبل ابتعاث الرسل ، لا لأنه يقبح منه ذلك إن فعل ، ولكنه وعد منه ، ولا خلف في وعده . فإذا أراد إهلاك قرية مع تحقيق وعده على ما قاله - تعالى - أمر مترفيها بالفسق والظلم فيها فحق عليها القول بالتدمير . يعلمك أن من هلك هلك بإرادته ، فهو الذي يسبب الأسباب ويسوقها إلى غاياتها ليحق القول السابق من الله - تعالى - .الثانية : قوله تعالى : أمرنا قرأ أبو عثمان النهدي وأبو رجاء وأبو العالية ، والربيع ومجاهد والحسن أمرنا بالتشديد ، وهي قراءة علي - رضي الله عنه - ; أي سلطنا شرارها فعصوا فيها ، فإذا فعلوا ذلك أهلكناهم . وقال أبو عثمان النهدي أمرنا بتشديد الميم ، جعلناهم أمراء مسلطين ; وقاله ابن عزيز . وتأمر عليهم تسلط عليهم . وقرأ الحسن أيضا وقتادة وأبو حيوة الشامي ويعقوب وخارجة عن نافع وحماد بن سلمة عن ابن كثير وعلي وابن عباس باختلاف عنهما " آمرنا " بالمد والتخفيف ، أي أكثرنا جبابرتها وأمراءها ; قاله الكسائي . وقال أبو عبيدة : آمرته بالمد وأمرته ، لغتان بمعنى كثرته ; ومنه الحديث خير المال مهرة مأمورة أو سكة مأبورة أي كثيرة النتاج والنسل . وكذلك قال ابن عزيز : آمرنا وأمرنا بمعنى واحد ; أي أكثرنا . وعن الحسن أيضا ويحيى بن يعمر " أمرنا " بالقصر وكسر الميم على فعلنا ، ورويت عن ابن عباس . قال قتادة والحسن : المعنى أكثرنا ; وحكى نحوه أبو زيد وأبو عبيد ، وأنكره الكسائي وقال : لا يقال من الكثرة إلا آمرنا بالمد ; قال وأصلها " أأمرنا " فخفف ، حكاه المهدوي . وفي الصحاح : وقال أبو الحسن أمر ماله ( بالكسر ) أي كثر . وأمر القوم أي كثروا ; قال الشاعر :أمرون لا يرثون سهم القعددوآمر الله ماله : ( بالمد ) : الثعلبي : ويقال للشيء الكثير أمر ، والفعل منه : أمر القوم يأمرون أمرا إذا كثروا . قال ابن مسعود : كنا نقول في الجاهلية للحي إذا كثروا : أمر أمر بني فلان ; قال لبيد :كل بني حر مصيرهم قل وإن أكثرت من العددإن يغبطوا يهبطوا وإن أمروا يوما يصيروا للهلك والنكدقلت : وفي حديث هرقل الحديث الصحيح : ( لقد أمر أمر ابن أبي كبشة ، إنه ليخافه ملك بني الأصفر ) أي كثر . وكله غير متعد ولذلك أنكره الكسائي ، والله أعلم . قال المهدوي : ومن قرأ " أمر " فهي لغة ، ووجه تعدية " أمر " أنه شبهه بعمر من حيث كانت الكثرة أقرب شيء إلى العمارة ، فعدي كما عدي عمر . الباقون أمرنا من الأمر ; أي أمرناهم بالطاعة إعذارا وإنذارا وتخويفا ووعيدا .ففسقوا أي فخرجوا عن الطاعة عاصين لنا .فحق عليها القول فوجب ، عليها الوعيد ; عن ابن عباس .وقيل : أمرنا جعلناهم أمراء ; لأن العرب تقول : أمير غير مأمور ، أي غير مؤمر . وقيل : معناه بعثنا مستكبريها . قال هارون : وهي قراءة أبي " بعثنا أكابر مجرميها ففسقوا " ذكره الماوردي . وحكى النحاس : وقال هارون في قراءة أبي " وإذا أردنا أن نهلك قرية بعثنا فيها أكابر مجرميها فمكروا فيها فحق عليها القول . ويجوز أن يكون أمرنا بمعنى أكثرنا ; ومنه ( خير المال مهرة مأمورة ) على ما تقدم . وقال قوم : مأمورة اتباع لمأبورة ; كالغدايا والعشايا . وكقوله : ارجعن مأزورات غير مأجورات . وعلى هذا لا يقال : أمرهم الله ، بمعنى كثرهم ، بل يقال : آمره وأمره . واختار أبو عبيد وأبو حاتم قراءة العامة . قال أبو عبيد : وإنما اخترنا " أمرنا " لأن المعاني الثلاثة تجتمع فيها من الأمر والإمارة والكثرة . والمترف : المنعم ; وخصوا بالأمر لأن غيرهم تبع لهم .الثالثة : قوله تعالى : فدمرناها أي أستأصلناها بالهلاك . " تدميرا " وذكر المصدر للمبالغة في العذاب الواقع بهم . وفي الصحيح من حديث زينب بنت جحش زوج النبي - صلى الله عليه وسلم - قالت : خرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوما فزعا محمرا وجهه يقول : لا إله إلا الله ويل للعرب من شر قد اقترب فتح اليوم من ردم يأجوج ومأجوج مثل هذه وحلق بإصبعه الإبهام والتي تليها . قالت : فقلت يا رسول الله ، أنهلك وفينا الصالحون ؟ قال : نعم إذا كثر الخبث . وقد تقدم الكلام في هذا الباب ، وأن المعاصي إذا ظهرت ولم تغير كانت سببا لهلاك الجميع ; والله أعلم .
17:17
وَ كَمْ اَهْلَكْنَا مِنَ الْقُرُوْنِ مِنْۢ بَعْدِ نُوْحٍؕ-وَ كَفٰى بِرَبِّكَ بِذُنُوْبِ عِبَادِهٖ خَبِیْرًۢا بَصِیْرًا(۱۷)
اور ہم نے کتنی ہی سنگتیں (قومیں) (ف۴۶) نوح کے بعد ہلاک کردیں (ف۴۷) اور تمہارا رب کافی ہے اپنے بندوں کے گناہوں سے خبردار دیکھنے والا (ف۴۸)

قوله تعالى : وكم أهلكنا من القرون من بعد نوح وكفى بربك بذنوب عباده خبيرا بصيرا قوله تعالى : وكم أهلكنا من القرون من بعد نوح أي كم من قوم كفروا حل بهم البوار . يخوف كفار مكة . كم في موضع نصب ب أهلكنا والمعنى : ألا يعتبرون بمن أهلكنا من الأمم قبلهم لتكذيبهم أنبياءهم أي ألم يعرفوا ذلك والقرن الأمة من الناس . والجمع القرون ; قال الشاعر :إذا ذهب القرن الذي كنت فيهم وخلفت في قرن فأنت غريبفالقرن كله عالم في عصره مأخوذ من الاقتران أي عالم مقترن به بعضهم إلى بعض ; وفي الحديث عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : خير الناس قرني يعني أصحابي ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم هذا أصح ما قيل فيه . وقيل : المعنى من أهل قرن فحذف كقوله : واسأل القرية . فالقرن على هذا مدة من الزمان ; قيل : ستون عاما وقيل سبعون ، وقيل : ثمانون ; وقيل : مائة ; وعليه أكثر أصحاب الحديث أن القرن مائة سنة ; واحتجوا بأن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال لعبد الله بن بسر : تعيش قرنا فعاش مائة سنة ; ذكره النحاس . وأصل القرن الشيء الطالع كقرن ما له قرن من الحيوان .وكفى بربك بذنوب عباده خبيرا بصيرا خبيرا عليما بهم . بصيرا يبصر أعمالهم ; وقد تقدم .
17:18
مَنْ كَانَ یُرِیْدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهٗ فِیْهَا مَا نَشَآءُ لِمَنْ نُّرِیْدُ ثُمَّ جَعَلْنَا لَهٗ جَهَنَّمَۚ-یَصْلٰىهَا مَذْمُوْمًا مَّدْحُوْرًا(۱۸)
جو یہ جلدی والی چاہے (ف۴۹) ہم اسے اس میں جلد دے دیں جو چاہیں جسے چاہیں (ف۵۰) پھر اس کے لیے جہنم کردیں کہ اس میں جائے مذمت کیا ہوا دھکے کھاتا،

قوله : من كان يريد العاجلة عجلنا له فيها ما نشاء لمن نريد ثم جعلنا له جهنم يصلاها مذموما مدحوراقوله تعالى : من كان يريد العاجلة يعني الدنيا ، والمراد الدار العاجلة ; فعبر بالنعت عن المنعوت .عجلنا له فيها ما نشاء لمن نريد أي لم نعطه منها إلا ما نشاء ثم نؤاخذه بعمله ، وعاقبته دخول النار .مذموما مدحورا أي مطردا مبعدا من رحمة الله . وهذه صفة المنافقين الفاسقين ، والمرائين المداجين ، يلبسون الإسلام والطاعة لينالوا عاجل الدنيا من الغنائم وغيرها ، فلا يقبل ذلك العمل منهم في الآخرة ولا يعطون في الدنيا إلا ما قسم لهم . وقد تقدم في [ هود ] أن هذه الآية تقيد الآيات المطلقة ; فتأمله .
17:19
وَ مَنْ اَرَادَ الْاٰخِرَةَ وَ سَعٰى لَهَا سَعْیَهَا وَ هُوَ مُؤْمِنٌ فَاُولٰٓىٕكَ كَانَ سَعْیُهُمْ مَّشْكُوْرًا(۱۹)
اور جو آخرت چاہے اور اس کی سی کوشش کرے (ف۵۱) اور ہو ایمان والا تو انہیں کی کوشش ٹھکانے لگی، (ف۵۲)

ومن أراد الآخرة أي الدار الآخرة .وسعى لها سعيها أي عمل لها عملها من الطاعات .وهو مؤمن لأن الطاعات لا تقبل إلا من مؤمن .فأولئك كان سعيهم مشكورا أي مقبولا غير مردود . وقيل : مضاعفا ; أي تضاعف لهم الحسنات إلى عشر ، وإلى سبعين وإلى سبعمائة ضعف ، وإلى أضعاف كثيرة ; كما روي عن أبي هريرة وقد قيل له : أسمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : إن الله ليجزي على الحسنة الواحدة ألف ألف حسنة ؟ فقال سمعته يقول : إن الله ليجزي على الحسنة الواحدة ألفي ألف حسنة .
17:20
كُلًّا نُّمِدُّ هٰۤؤُلَآءِ وَ هٰۤؤُلَآءِ مِنْ عَطَآءِ رَبِّكَؕ-وَ مَا كَانَ عَطَآءُ رَبِّكَ مَحْظُوْرًا(۲۰)
ہم سب کو مدد دیتے ہیں اُن کو بھی (ف۵۳) اور اُن کو بھی، تمہارے رب کی عطا سے (ف۵۵) اور تمہارے رب کی عطا پر روک نہیں، (ف۵۶)

قوله : كلا نمد هؤلاء وهؤلاء من عطاء ربك وما كان عطاء ربك محظورا انظر كيف فضلنا بعضهم على بعض وللآخرة أكبر درجات وأكبر تفضيلا لا تجعل مع الله إلها آخر فتقعد مذموما مخذولاقوله تعالى : كلا نمد هؤلاء وهؤلاء من عطاء ربك أعلم أنه يرزق المؤمنين والكافرين .وما كان عطاء ربك محظورا أي محبوسا ممنوعا ; من حظر يحظر حظرا وحظارا .
17:21
اُنْظُرْ كَیْفَ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلٰى بَعْضٍؕ-وَ لَلْاٰخِرَةُ اَكْبَرُ دَرَجٰتٍ وَّ اَكْبَرُ تَفْضِیْلًا(۲۱)
دیکھو ہم نے ان میں ایک کو ایک پر کیسی بڑائی دی (ف۵۷) اور بیشک آخرت درجوں میں سب سے بڑی اور فضل میں سب سے اعلیٰ ہے،

ثم قال تعالى : انظر كيف فضلنا بعضهم على بعض في الرزق والعمل ; فمن مقل ومكثر .وللآخرة أكبر درجات وأكبر تفضيلا أي للمؤمنين ; فالكافر وإن وسع عليه في الدنيا مرة ، وقتر على المؤمن مرة فالآخرة لا تقسم إلا مرة واحدة بأعمالهم ; فمن فاته شيء منها لم يستدركه فيها .
17:22
لَا تَجْعَلْ مَعَ اللّٰهِ اِلٰهًا اٰخَرَ فَتَقْعُدَ مَذْمُوْمًا مَّخْذُوْلًا۠(۲۲)
اے سننے والے اللہ کے ساتھ دوسرا خدا نہ ٹھہرا کہ تُو بیٹھ رہے گا مذمت کیا جاتا بیکس (ف۵۸)

وقوله : لا تجعل مع الله إلها آخر الخطاب للنبي - صلى الله عليه وسلم - والمراد أمته . وقيل : الخطاب للإنسان .فتقعد أي تبقى .مذموما مخذولا لا ناصر لك ولا وليا .
17:23
وَ قَضٰى رَبُّكَ اَلَّا تَعْبُدُوْۤا اِلَّاۤ اِیَّاهُ وَ بِالْوَالِدَیْنِ اِحْسَانًاؕ-اِمَّا یَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ اَحَدُهُمَاۤ اَوْ كِلٰهُمَا فَلَا تَقُلْ لَّهُمَاۤ اُفٍّ وَّ لَا تَنْهَرْهُمَا وَ قُلْ لَّهُمَا قَوْلًا كَرِیْمًا(۲۳)
اور تمہارے رب نے حکم فرمایا کہ اس کے سوا کسی کو نہ پُوجو اور ماں باپ کے ساتھ اچھا سلوک کرو، اگر تیرے سامنے ان میں ایک یا دونوں بڑھاپے کو پہنچ جائیں (ف۵۹) تو ان سے ہُوں، نہ کہنا (ف۶۰) اور انہیں نہ جھڑکنا اور ان سے تعظیم کی بات کہنا (ف۶۱)

قوله تعالى : وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانا إما يبلغن عندك الكبر أحدهما أو كلاهما فلا تقل لهما أف ولا تنهرهما وقل لهما قولا كريمافيه ثلاث عشرة مسألة :الأولى : وقضى أي أمر وألزم وأوجب . قال ابن عباس والحسن وقتادة : وليس هذا قضاء حكم بل هو قضاء أمر . وفي مصحف ابن مسعود " ووصى " وهي قراءة أصحابه وقراءة ابن عباس أيضا وعلي وغيرهما ، وكذلك عند أبي بن كعب . قال ابن عباس : إنما هو " ووصى ربك " فالتصقت إحدى الواوين فقرئت وقضى ربك إذ لو كان على القضاء ما عصى الله أحد . وقال الضحاك : تصحفت على قوم " وصى بقضى " حين اختلطت الواو بالصاد وقت كتب المصحف . وذكر أبو حاتم عن ابن عباس مثل قول الضحاك . وقال عن ميمون بن مهران أنه قال : إن على قول ابن عباس لنورا ; قال الله - تعالى - : شرع لكم من الدين ما وصى به نوحا والذي أوحينا إليك ثم أبى أبو حاتم أن يكون ابن عباس قال ذلك . وقال : لو قلنا هذا لطعن الزنادقة في مصحفنا ، ثم قال علماؤنا المتكلمون وغيرهم : القضاء يستعمل في اللغة على وجوه : فالقضاء بمعنى الأمر ; كقوله - تعالى - : وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه معناه أمر . والقضاء بمعنى الخلق ; كقوله : فقضاهن سبع سماوات في يومين يعني خلقهن . والقضاء بمعنى الحكم ; كقوله - تعالى - : فاقض ما أنت قاض يعني احكم ما أنت تحكم . والقضاء بمعنى الفراغ ; كقوله : قضي الأمر الذي فيه تستفتيان أي فرغ منه ; ومنه قوله - تعالى - فإذا قضيتم مناسككم . وقوله - تعالى - : فإذا قضيت الصلاة . والقضاء بمعنى الإرادة ; كقوله - تعالى - : إذا قضى أمرا فإنما يقول له كن فيكون . والقضاء بمعنى العهد ; كقوله - تعالى - : وما كنت بجانب الغربي إذ قضينا إلى موسى الأمر . فإذا كان القضاء يحتمل هذه المعاني فلا يجوز إطلاق القول بأن المعاصي بقضاء الله ; لأنه إن أريد به الأمر فلا خلاف أنه لا يجوز ذلك ، لأن الله - تعالى - لم يأمر بها ، فإنه لا يأمر بالفحشاء . وقال زكريا بن سلام : جاء رجل إلى الحسن فقال إنه طلق امرأته ثلاثا . فقال : إنك قد عصيت ربك وبانت منك . فقال الرجل : قضى الله ذلك علي فقال الحسن وكان فصيحا : ما قضى الله ذلك أي ما أمر الله به ، وقرأ هذه الآية : وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه .الثانية : أمر الله سبحانه بعبادته وتوحيده ، وجعل بر الوالدين مقرونا بذلك ، كما قرن شكرهما بشكره فقال : وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانا . وقال : أن اشكر لي ولوالديك إلي المصير . وفي صحيح البخاري عن عبد الله قال : سألت النبي - صلى الله عليه وسلم - أي العمل أحب إلى الله - عز وجل - ؟ قال : الصلاة على وقتها قال : ثم أي ؟ قال : ثم بر الوالدين قال ثم أي ؟ قال : الجهاد في سبيل الله فأخبر - صلى الله عليه وسلم - أن بر الوالدين أفضل الأعمال بعد الصلاة التي هي أعظم دعائم الإسلام . ورتب ذلك ( بثم ) التي تعطي الترتيب والمهلة .الثالثة : من البر بهما والإحسان إليهما ألا يتعرض لسبهما ولا يعقهما ; فإن ذلك من الكبائر بلا خلاف ، وبذلك وردت السنة الثابتة ; ففي صحيح مسلم عن عبد الله بن عمرو أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : إن من الكبائر شتم الرجل والديه قالوا : يا رسول الله ، وهل يشتم الرجل والديه ؟ قال نعم . يسب الرجل أبا الرجل فيسب أباه ويسب أمه فيسب أمه .الرابعة : عقوق الوالدين مخالفتهما في أغراضهما الجائزة لهما ; كما أن برهما موافقتهما على أغراضهما . وعلى هذا إذا أمرا أو أحدهما ولدهما بأمر وجبت طاعتهما فيه ، إذا لم يكن ذلك الأمر معصية ، وإن كان ذلك المأمور به من قبيل المباح في أصله ، وكذلك إذا كان من قبيل المندوب . وقد ذهب بعض الناس إلى أن أمرهما بالمباح يصيره في حق الولد مندوبا إليه وأمرهما بالمندوب يزيده تأكيدا في ندبيته .الخامسة : روى الترمذي عن ابن عمر قال : كانت تحتي امرأة أحبها ، وكان أبي يكرهها فأمرني أن أطلقها فأبيت ، فذكرت ذلك للنبي - صلى الله عليه وسلم - فقال : يا عبد الله بن عمر طلق امرأتك . قال هذا حديث حسن صحيح .السادسة : روى الصحيح عن أبي هريرة قال : جاء رجل إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال : من أحق الناس بحسن صحابتي ؟ قال : أمك قال : ثم من ؟ قال : ثم أمك قال : ثم من ؟ قال : ثم أمك قال : ثم من ؟ قال : ثم أبوك . فهذا الحديث يدل على أن محبة الأم والشفقة عليها ينبغي أن تكون ثلاثة أمثال محبة الأب ; لذكر النبي - صلى الله عليه وسلم - الأم ثلاث مرات وذكر الأب في الرابعة فقط . وإذا توصل هذا المعنى شهد له العيان . وذلك أن صعوبة الحمل وصعوبة الوضع وصعوبة الرضاع والتربية تنفرد بها الأم دون الأب ; فهذه ثلاث منازل يخلو منها الأب . وروي عن مالك أن رجلا قال له : إن أبي في بلد السودان ، وقد كتب إلي أن أقدم عليه ، وأمي تمنعني من ذلك ; فقال : أطع أباك ، ولا تعص أمك . فدل قول مالك هذا أن برهما متساو عنده . وقد سئل الليث عن هذه المسألة فأمره بطاعة الأم ; وزعم أن لها ثلثي البر . وحديث أبي هريرة يدل على أن لها ثلاثة أرباع البر ; وهو الحجة على من خالف . وقد زعم المحاسبي في ( كتاب الرعاية ) له أنه لا خلاف بين العلماء أن للأم ثلاثة أرباع البر وللأب الربع ; على مقتضى حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - . والله أعلم .السابعة : لا يختص بر الوالدين بأن يكونا مسلمين ، بل إن كانا كافرين يبرهما ويحسن إليهما إذا كان لهما عهد ; قال الله - تعالى - : لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم . وفي صحيح البخاري عن أسماء قالت : قدمت أمي وهي مشركة في عهد قريش ومدتهم إذ عاهدوا النبي - صلى الله عليه وسلم - مع أبيها ، فاستفتيت النبي - صلى الله عليه وسلم - فقلت : إن أمي قدمت وهي راغبة أفأصلها ؟ قال : نعم صلي أمك . وروي أيضا عن أسماء قالت : أتتني أمي راغبة في عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - فسألت النبي - صلى الله عليه وسلم - أأصلها ؟ قال : نعم . قال ابن عيينة : فأنزل الله - عز وجل - فيها : لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين الأول معلق والثاني مسند .الثامنة : من الإحسان إليهما والبر بهما إذا لم يتعين الجهاد ألا يجاهد إلا بإذنهما . روى الصحيح عن عبد الله بن عمرو قال : جاء رجل إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - يستأذنه في الجهاد فقال : أحي والداك ؟ قال نعم . قال : ففيهما فجاهد . لفظ مسلم . في غير الصحيح قال : نعم ; وتركتهما يبكيان . قال : اذهب فأضحكهما كما أبكيتهما . وفي خبر آخر أنه قال : نومك مع أبويك على فراشهما يضاحكانك ويلاعبانك أفضل لك من الجهاد معي . ذكره ابن خويز منداد . ولفظ البخاري في كتاب بر الوالدين : أخبرنا أبو نعيم أخبرنا سفيان عن عطاء بن السائب عن أبيه عن عبد الله بن عمرو قال : جاء رجل إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - يبايعه على الهجرة ، وترك أبويه يبكيان فقال : ارجع إليهما فأضحكهما كما أبكيتهما . قال ابن المنذر : في هذا الحديث النهي عن الخروج بغير إذن الأبوين ما لم يقع النفير ; فإذا وقع وجب الخروج على الجميع . وذلك بين في حديث أبي قتادة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعث جيش الأمراء . . . ; فذكر قصة زيد بن حارثة وجعفر بن أبي طالب وابن رواحة وأن منادي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نادى بعد ذلك : أن الصلاة جامعة ; فاجتمع الناس فحمد الله وأثنى عليه ثم قال : أيها الناس ، اخرجوا فأمدوا إخوانكم ولا يتخلفن أحد فخرج الناس مشاة وركبانا في حر شديد . فدل قوله : اخرجوا فأمدوا إخوانكم أن العذر في التخلف عن الجهاد إنما هو ما لم يقع النفير ; مع قوله - عليه السلام - : فإذا استنفرتم فانفروا .قلت : وفي هذه الأحاديث دليل على أن المفروض أو المندوبات متى اجتمعت قدم الأهم منها . وقد استوفى هذا المعنى المحاسبي في كتاب الرعاية .التاسعة : واختلفوا في الوالدين المشركين هل يخرج بإذنهما إذا كان الجهاد من فروض الكفاية ; فكان الثوري يقول : لا يغزو إلا بإذنهما . وقال الشافعي : له أن يغزو بغير إذنهما . قال ابن المنذر : والأجداد آباء ، والجدات أمهات فلا يغزو المرء إلا بإذنهم ، ولا أعلم دلالة توجب ذلك لغيرهم من الأخوة وسائر القرابات . وكان طاوس يرى السعي على الأخوات أفضل من الجهاد في سبيل الله - عز وجل - .العاشرة : من تمام برهما صلة أهل ودهما ; ففي الصحيح عن ابن عمر قال : سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : إن من أبر البر صلة الرجل أهل ود أبيه بعد أن يولي . وروى أبو أسيد وكان بدريا قال : كنت مع النبي - صلى الله عليه وسلم - جالسا فجاءه رجل من الأنصار فقال : يا رسول الله ، هل بقي من بر والدي من بعد موتهما شيء أبرهما به ؟ قال : نعم . الصلاة عليهما والاستغفار لهما وإنفاذ عهدهما بعدهما وإكرام صديقهما وصلة الرحم التي لا رحم لك إلا من قبلهما فهذا الذي بقي عليك . وكان - صلى الله عليه وسلم - يهدي لصدائق خديجة برا بها ووفاء لها وهي زوجته ، فما ظنك بالوالدين .الحادية عشرة : قوله تعالى : إما يبلغن عندك الكبر أحدهما أو كلاهما خص حالة الكبر لأنها الحالة التي يحتاجان فيها إلى بره لتغير الحال عليهما بالضعف والكبر ; فألزم في هذه الحالة من مراعاة أحوالهما أكثر مما ألزمه من قبل ، لأنهما في هذه الحالة قد صارا كلا عليه ، فيحتاجان أن يلي منهما في الكبر ما كان يحتاج في صغره أن يليا منه ; فلذلك خص هذه الحالة بالذكر . وأيضا فطول المكث للمرء يوجب الاستثقال للمرء عادة ويحصل الملل ويكثر الضجر فيظهر غضبه على أبويه وتنتفخ لهما أوداجه ، ويستطيل عليهما بدالة البنوة وقلة الديانة ، وأقل المكروه ما يظهره بتنفسه المتردد من الضجر . وقد أمر أن يقابلهما بالقول الموصوف بالكرامة ، وهو السالم عن كل عيب فقال : فلا تقل لهما أف ولا تنهرهما وقل لهما قولا كريما . روى مسلم عن أبي هريرة قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : رغم أنفه رغم أنفه رغم أنفه قيل : من يا رسول الله ؟ قال : من أدرك والديه عند الكبر أحدهما أو كليهما ثم لم يدخل الجنة . وقال البخاري في كتاب الوالدين : حدثنا مسدد حدثنا بشر بن المفضل حدثنا عبد الرحمن بن إسحاق عن أبي سعيد المقبري عن أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : رغم أنف رجل ذكرت عنده فلم يصل علي . رغم أنف رجل أدرك أبويه عند الكبر أو أحدهما فلم يدخلاه الجنة . ورغم أنف رجل دخل عليه رمضان ثم انسلخ قبل أن يغفر له . حدثنا ابن أبي أويس حدثني أخي عن سليمان بن بلال عن محمد بن هلال عن سعد بن إسحاق بن كعب بن عجرة السالمي عن أبيه - رضي الله عنه - قال : إن كعب بن عجرة - رضي الله عنه - قال : قال النبي - صلى الله عليه وسلم - : أحضروا المنبر فلما خرج رقي إلى المنبر ، فرقي في أول درجة منه قال آمين ثم رقي في الثانية فقال آمين ثم لما رقي في الثالثة قال آمين ، فلما فرغ ونزل من المنبر قلنا : يا رسول الله ، لقد سمعنا منك اليوم شيئا ما كنا نسمعه منك ؟ قال : وسمعتموه ؟ قلنا نعم . قال : إن جبريل - عليه السلام - اعترض قال : بعد من أدرك رمضان فلم يغفر له فقلت آمين فلما رقيت في الثانية قال بعد من ذكرت عنده فلم يصل عليك فقلت آمين فلما رقيت في الثالثة قال بعد من أدرك عنده أبواه الكبر أو أحدهما فلم يدخلاه الجنة قلت آمين . حدثنا أبو نعيم حدثنا سلمة بن وردان سمعت أنسا - رضي الله عنه - يقول : ارتقى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على المنبر درجة فقال آمين ثم ارتقى درجة فقال آمين ثم ارتقى الدرجة الثالثة فقال آمين ، ثم استوى وجلس فقال أصحابه : يا رسول الله ، علام أمنت ؟ قال : أتاني جبريل - عليه السلام - فقال رغم أنف من ذكرت عنده فلم يصل عليك فقلت آمين ورغم أنف من أدرك أبويه أو أحدهما فلم يدخل الجنة فقلت آمين الحديث . فالسعيد الذي يبادر اغتنام فرصة برهما لئلا تفوته بموتهما فيندم على ذلك . والشقي من عقهما ، لا سيما من بلغه الأمر ببرهما .الثانية عشرة : قوله تعالى : فلا تقل لهما أف أي لا تقل لهما ما يكون فيه أدنى تبرم . وعن أبي رجاء العطاردي قال : الأف الكلام القذع الرديء الخفي . وقال مجاهد : معناه إذا رأيت منهما في حال الشيخ الغائط والبول الذي رأياه منك في الصغر فلا تقذرهما وتقول أف . والآية أعم من هذا . والأف والتف وسخ الأظفار . ويقال لكل ما يضجر ويستثقل : أف له . قال الأزهري : والتف أيضا الشيء الحقير . وقرئ أف منون مخفوض ; كما تخفض الأصوات وتنون ، تقول : صه ومه . وفيه عشر لغات : أف ، وأف ، وأف ، وأفا وأف ، وأف وأفه ، وإف لك ( بكسر الهمزة ) ، وأف ( بضم الهمزة وتسكين الفاء ) ، وأفا ( مخففة الفاء ) . وفي الحديث : فألقى طرف ثوبه على أنفه ثم قال أف أف . قال أبو بكر : معناه استقذار لما شم . وقال بعضهم : معنى أف الاحتقار والاستقلال ; أخذ من الأفف وهو القليل . وقال القتبي : أصله نفخك الشيء يسقط عليك من رماد وتراب وغير ذلك ، وللمكان تريد إماطة شيء لتقعد فيه ; فقيلت هذه الكلمة لكل مستثقل . وقال أبو عمرو بن العلاء : الأف وسخ بين الأظفار ، والتف قلامتها . وقال الزجاج : معنى أف النتن . وقال الأصمعي : الأف وسخ الأذن ، والتف وسخ الأظفار ; فكثر استعماله حتى ذكر في كل ما يتأذى به . وروي من حديث علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : لو علم الله من العقوق شيئا أردأ من أف لذكره فليعمل البار ما شاء أن يعمل فلن يدخل النار . وليعمل العاق ما شاء أن يعمل فلن يدخل الجنة . قال علماؤنا : وإنما صارت قولة أف للأبوين أردأ شيء لأنه رفضهما رفض كفر النعمة ، وجحد التربية ورد الوصية التي أوصاه في التنزيل . وأف كلمة مقولة لكل شيء مرفوض ; ولذلك قال إبراهيم لقومه : أف لكم ولما تعبدون من دون الله أي رفض لكم ولهذه الأصنام معكم .الثالثة عشرة : قوله تعالى : ولا تنهرهما النهر : الزجر والغلظة .وقل لهما قولا كريما أي لينا لطيفا ، مثل : يا أبتاه ويا أماه ، من غير أن يسميهما ويكنيهما ; قال عطاء . وقال ابن البداح التجيبي : قلت لسعيد بن المسيب كل ما في القرآن من بر الوالدين قد عرفته إلا قوله : وقل لهما قولا كريما ما هذا القول الكريم ؟ قال ابن المسيب : قول العبد المذنب للسيد الفظ الغليظ .
17:24
وَ اخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَ قُلْ رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّیٰنِیْ صَغِیْرًاؕ(۲۴)
اور ان کے لیے عاجزی کا بازو بچھا (ف۶۲) نرم دلی سے اور عرض کر کہ اے میرے رب تو ان دونوں پر رحم کر جیسا کہ ان دنوں نے مجھے چھٹپن (بچپن) میں پالا (ف۶۳)

قوله تعالى : واخفض لهما جناح الذل من الرحمة هذه استعارة في الشفقة والرحمة بهما ، والتذلل لهما تذلل الرعية للأمير والعبيد للسادة ; كما أشار إليه سعيد بن المسيب . وضرب خفض الجناح ونصبه مثلا لجناح الطائر حين ينتصب بجناحه لولده . والذل : هو اللين . وقراءة الجمهور بضم الذال ، من ذل يذل ذلا وذلة ومذلة فهو ذال وذليل . وقرأ سعيد بن جبير وابن عباس وعروة بن الزبير " الذل " بكسر الذال ، ورويت عن عاصم ; من قولهم : دابة ذلول بينة الذل . والذل في الدواب المنقاد السهل دون الصعب . فينبغي بحكم هذه الآية أن يجعل الإنسان نفسه مع أبويه في خير ذلة ، في أقواله وسكناته ونظره ، ولا يحد إليهما بصره فإن تلك هي نظرة الغاضب .قوله تعالى : الخطاب في هذه الآية للنبي - صلى الله عليه وسلم - والمراد به أمته ; إذ لم يكن له - عليه السلام - في ذلك الوقت أبوان . ولم يذكر الذل في قوله - تعالى - : واخفض جناحك لمن اتبعك من المؤمنين وذكره هنا بحسب عظم الحق وتأكيده . ومن في قوله : من الرحمة لبيان الجنس ، أي إن هذا الخفض يكون من الرحمة المستكنة في النفس ، لا بأن يكون ذلك استعمالا . ويصح أن يكون لانتهاء الغاية .ثم أمر - تعالى - عباده بالترحم على آبائهم والدعاء لهم ، وأن ترحمهما كما رحماك وترفق بهما كما رفقا بك ; إذ ولياك صغيرا جاهلا محتاجا فآثراك على أنفسهما ، وأسهرا ليلهما ، وجاعا وأشبعاك ، وتعريا وكسواك ، فلا تجزيهما إلا أن يبلغا من الكبر الحد الذي كنت فيه من الصغر ، فتلي منهما ما وليا منك ، ويكون لهما حينئذ فضل التقدم . قال - صلى الله عليه وسلم - : لا يجزي ولد والدا إلا أن يجده مملوكا فيشتريه فيعتقه . وسيأتي في سورة [ مريم ] الكلام على هذا الحديث .قوله تعالى : كما ربياني خص التربية بالذكر ليتذكر العبد شفقة الأبوين وتعبهما في التربية ، فيزيده ذلك إشفاقا لهما وحنانا عليهما ، وهذا كله في الأبوين المؤمنين . وقد نهى القرآن عن الاستغفار للمشركين الأموات ولو كانوا أولي قربى ، كما تقدم . وذكر عن ابن عباس وقتادة أن هذا كله منسوخ بقوله : ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين - إلى قوله - أصحاب الجحيم فإذا كان والدا المسلم ذميين استعمل معهما ما أمره الله به هاهنا ; إلا الترحم لهما بعد موتهما على الكفر ; لأن هذا وحده نسخ بالآية المذكورة . وقيل : ليس هذا موضع نسخ ، فهو دعاء بالرحمة الدنيوية للأبوين المشركين ما داما حيين ، كما تقدم . أو يكون عموم هذه الآية خص بتلك ، لا رحمة الآخرة ، لا سيما وقد قيل إن قوله : وقل رب ارحمهما نزلت في سعد بن أبي وقاص ، فإنه أسلم ، فألقت أمه نفسها في الرمضاء متجردة ، فذكر ذلك لسعد فقال : لتمت ، فنزلت الآية . وقيل : الآية خاصة في الدعاء للأبوين المسلمين . والصواب أن ذلك عموم كما ذكرنا ، وقال ابن عباس قال النبي - صلى الله عليه وسلم - : من أمسى مرضيا لوالديه وأصبح أمسى وأصبح وله بابان مفتوحان من الجنة وإن واحدا فواحدا . ومن أمسى وأصبح مسخطا لوالديه أمسى وأصبح وله بابان مفتوحان إلى النار وإن واحدا فواحدا فقال رجل : يا رسول الله ، وإن ظلماه ؟ قال : وإن ظلماه وإن ظلماه وإن ظلماه . وقد روينا بالإسناد المتصل عن جابر بن عبد الله - رضي الله تعالى عنه - قال : جاء رجل إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال : يا رسول الله ، إن أبي أخذ مالي . فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - للرجل : فأتني بأبيك فنزل جبريل - عليه السلام - على النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال : إن الله - عز وجل - يقرئك السلام ويقول لك إذا جاءك الشيخ فاسأله عن شيء قاله في نفسه ما سمعته أذناه فلما جاء الشيخ قال له النبي - صلى الله عليه وسلم - : ما بال ابنك يشكوك أتريد أن تأخذ ماله ؟ فقال : سله يا رسول الله ، هل أنفقه إلا على إحدى عماته أو خالاته أو على نفسي ! فقال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : إيه ، دعنا من هذا أخبرني عن شيء قلته في نفسك ما سمعته أذناك ؟ فقال الشيخ : والله يا رسول الله ، ما زال الله - عز وجل - يزيدنا بك يقينا ، لقد قلت في نفسي شيئا ما سمعته أذناي . قال : قل وأنا أسمع قال قلت :غذوتك مولودا ومنتك يافعا تعل بما أجني عليك وتنهل إذا ليلة ضافتك بالسقم لم أبتلسقمك إلا ساهرا أتململ كأني أنا المطروق دونك بالذيطرقت به دوني فعيني تهمل تخاف الردى نفسي عليك وإنهالتعلم أن الموت وقت مؤجل فلما بلغت السن والغاية التيإليها مدى ما كنت فيك أؤمل جعلت جزائي غلظة وفظاظةكأنك أنت المنعم المتفضل فليتك إذ لم ترع حق أبوتيفعلت كما الجار المصاقب يفعل أوليتني حق الجوار ولم تكنعلي بمال دون مالك تبخلقال : فحينئذ أخذ النبي - صلى الله عليه وسلم - بتلابيب ابنه وقال : ( أنت ومالك لأبيك ) . قال الطبراني : اللخمي لا يروي - يعني هذا الحديث - عن ابن المنكدر بهذا التمام والشعر إلا بهذا الإسناد ; وتفرد به عبيد الله بن خلصة . والله أعلم .
17:25
رَبُّكُمْ اَعْلَمُ بِمَا فِیْ نُفُوْسِكُمْؕ-اِنْ تَكُوْنُوْا صٰلِحِیْنَ فَاِنَّهٗ كَانَ لِلْاَوَّابِیْنَ غَفُوْرًا(۲۵)
تمہارا رب خوب جانتا ہے جو تمہارے دلوں میں ہے (ف۶۴) اگر تم لائق ہوئے (ف۶۵) تو بیشک وہ توبہ کرنے والوں کو بخشنے والا ہے،

قوله تعالى : ربكم أعلم بما في نفوسكم إن تكونوا صالحين فإنه كان للأوابين غفورا قوله تعالى : ربكم أعلم بما في نفوسكم أي من اعتقاد الرحمة بهما والحنو عليهما ، أو من غير ذلك من العقوق ، أو من جعل ظاهر برهما رياء . وقال ابن جبير : يريد البادرة التي تبدر ، كالفلتة والزلة ، تكون من الرجل إلى أبويه أو أحدهما ، لا يريد بذلك بأسا .إن تكونوا صالحين أي صادقين في نية البر بالوالدين فإن الله يغفر البادرة .فإنه كان للأوابين غفورا وعد بالغفران مع شرط الصلاح والأوبة بعد الأوبة إلى طاعة الله - سبحانه وتعالى - . قال سعيد بن المسيب : هو العبد يتوب ثم يذنب ثم يتوب ثم يذنب . وقال ابن عباس - رضي الله عنه - : الأواب : الحفيظ الذي إذا ذكر خطاياه استغفر منها . وقال عبيد بن عمير : هم الذين يذكرون ذنوبهم في الخلاء ثم يستغفرون الله - عز وجل - . وهذه الأقوال متقاربة . وقال عون العقيلي : الأوابون هم الذين يصلون صلاة الضحى . وفي الصحيح : صلاة الأوابين حين ترمض الفصال . وحقيقة اللفظ من آب يؤوب إذا رجع .
17:26
وَ اٰتِ ذَا الْقُرْبٰى حَقَّهٗ وَ الْمِسْكِیْنَ وَ ابْنَ السَّبِیْلِ وَ لَا تُبَذِّرْ تَبْذِیْرًا(۲۶)
اور رشتہ داروں کو ان کا حق دے (ف۶۶) اور مسکین اور مسافر کو (ف۶۷) اور فضول نہ اڑا (ف۶۸)

قوله تعالى : وآت ذا القربى حقه والمسكين وابن السبيل ولا تبذر تبذيرافيه مسائل :الأولى : قوله تعالى : وآت ذا القربى حقه أي كما راعيت حق الوالدين فصل الرحم ، ثم تصدق على المسكين وابن السبيل . وقال علي بن الحسين في قوله - تعالى - : وآت ذا القربى حقه : هم قرابة النبي - صلى الله عليه وسلم - ، أمر - صلى الله عليه وسلم - بإعطائهم حقوقهم من بيت المال ، أي من سهم ذوي القربى من الغزو والغنيمة ، ويكون خطابا للولاة أو من قام مقامهم . والحق في هذه الآية ما يتعين من صلة الرحم ، وسد الخلة ، والمواساة عند الحاجة بالمال ، والمعونة بكل وجه .الثانية : قوله تعالى : ولا تبذر أي لا تسرف في الإنفاق في غير حق . قال الشافعي - رضي الله عنه - : والتبذير إنفاق المال في غير حقه ، ولا تبذير في عمل الخير . وهذا قول الجمهور . وقال أشهب عن مالك : التبذير هو أخذ المال من حقه ووضعه في غير حقه ، وهو الإسراف ، وهو حرام لقوله - تعالى - : إن المبذرين كانوا إخوان الشياطين
17:27
اِنَّ الْمُبَذِّرِیْنَ كَانُوْۤا اِخْوَانَ الشَّیٰطِیْنِؕ-وَ كَانَ الشَّیْطٰنُ لِرَبِّهٖ كَفُوْرًا(۲۷)
بیشک اڑانے والے شیطانوں کے بھائی ہیں (ف۶۹) اور شیطان اپنے رب کا بڑا ناشکرا ہے (ف۷۰)

" إخوان " يعني أنهم في حكمهم ; إذ المبذر ساع في إفساد كالشياطين ، أو أنهم يفعلون ما تسول لهم أنفسهم ، أو أنهم يقرنون بهم غدا في النار ; ثلاثة أقوال . والإخوان هنا جمع أخ من غير النسب ; ومنه قوله - تعالى - : إنما المؤمنون إخوة . وكان الشيطان لربه كفورا أي احذروا متابعته والتشبه به في الفساد . والشيطان اسم الجنس .وقرأ الضحاك " إخوان الشيطان " على الانفراد ، وكذلك ثبت في مصحف أنس بن مالك - رضي الله عنه - .من أنفق ماله في الشهوات زائدا على قدر الحاجات وعرضه بذلك للنفاد فهو مبذر . ومن أنفق ربح ماله في شهواته وحفظ الأصل أو الرقبة فليس بمبذر . ومن أنفق درهما في حرام فهو مبذر ، ويحجر عليه في نفقته الدرهم في الحرام ، ولا يحجر عليه إن بذله في الشهوات إلا إذا خيف عليه النفاد .
17:28
وَ اِمَّا تُعْرِضَنَّ عَنْهُمُ ابْتِغَآءَ رَحْمَةٍ مِّنْ رَّبِّكَ تَرْجُوْهَا فَقُلْ لَّهُمْ قَوْلًا مَّیْسُوْرًا(۲۸)
اور اگر تو ان سے (ف۷۱) منہ پھیرے اپنے رب کی رحمت کے انتظار میں جس کی تجھے امید ہے تو ان سے آسان بات کہہ (ف۷۲)

وإما تعرضن عنهم ابتغاء رحمة من ربك ترجوها فقل لهم قولا ميسورا فيه ثلاث مسائل :الأولى : أنه - سبحانه وتعالى - خص نبيه - صلى الله عليه وسلم - بقوله : وإما تعرضن عنهم ابتغاء رحمة من ربك ترجوها . وهو تأديب عجيب وقول لطيف بديع ، أي لا تعرض عنهم إعراض مستهين عن ظهر الغنى والقدرة فتحرمهم . وإنما يجوز أن تعرض عنهم عند عجز يعرض وعائق يعوق ، وأنت عند ذلك ترجو من الله - سبحانه وتعالى - فتح باب الخير لتتوصل به إلى مواساة السائل ; فإن قعد بك الحال فقل لهم قولا ميسورا .الثانية : في سبب نزولها ; قال ابن زيد : نزلت الآية في قوم كانوا يسألون رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيأبى أن يعطيهم ; لأنه كان يعلم منهم نفقة المال في فساد ، فكان يعرض عنهم رغبة في الأجر في منعهم لئلا يعينهم على فسادهم . وقال عطاء الخراساني في قوله - تعالى - وإما تعرضن عنهم ابتغاء رحمة من ربك ترجوها قال : ليس هذا في ذكر الوالدين ، جاء ناس من مزينة إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - يستحملونه ; فقال : لا أجد ما أحملكم عليه فتولوا وأعينهم تفيض من الدمع حزنا ; فأنزل الله - تعالى - : وإما تعرضن عنهم ابتغاء رحمة من ربك ترجوها . والرحمة الفيء . والضمير في عنهم عائد على من تقدم ذكرهم من الآباء والقرابة والمساكين وأبناء السبيل .الثالثة : قوله تعالى : فقل لهم قولا ميسورا أمره بالدعاء لهم ، أي يسر فقرهم عليهم بدعائك لهم . وقيل : ادع لهم دعاء يتضمن الفتح لهم والإصلاح . وقيل : المعنى وإما تعرضن أي إن أعرضت يا محمد عن إعطائهم لضيق يد فقل لهم قولا ميسورا ; أي أحسن القول وابسط العذر ، وادع لهم بسعة الرزق ، وقل إذا وجدت فعلت وأكرمت ; فإن ذلك يعمل في مسرة نفسه عمل المواساة . وكان - عليه الصلاة والسلام - إذا سئل وليس عنده ما يعطي سكت انتظارا لرزق يأتي من الله - سبحانه وتعالى - كراهة الرد ، فنزلت هذه الآية ، فكان - صلى الله عليه وسلم - إذا سئل وليس عنده ما يعطي قال : يرزقنا الله وإياكم من فضله . فالرحمة على هذا التأويل الرزق المنتظر . وهذا قول ابن عباس ومجاهد وعكرمة . و قولا ميسورا أي لينا لطيفا طيبا ، مفعول بمعنى الفاعل ، من لفظ اليسر كالميمون ، أي وعدا جميلا ، على ما بيناه . ولقد أحسن من قال :إلا تكن ورق يوما أجود بها للسائلين فإني لين العود لا يعدم السائلون الخير من خلقيإما نوالي وإما حسن مردوديتقول : يسرت لك كذا إذا أعددته .
17:29
وَ لَا تَجْعَلْ یَدَكَ مَغْلُوْلَةً اِلٰى عُنُقِكَ وَ لَا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُوْمًا مَّحْسُوْرًا(۲۹)
اور اپنا ہاتھ اپنی گردن سے بندھا ہوا نہ رکھ اور نہ پورا کھول دے کہ تو بیٹھ رہے ملامت کیا ہوا تھکا ہوا (ف۷۳)

قوله تعالى : ولا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك ولا تبسطها كل البسط فتقعد ملوما محسورا فيه أربع مسائل :الأولى : قوله تعالى : ولا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك هذا مجاز عبر به عن البخيل الذي لا يقدر من قلبه على إخراج شيء من ماله ; فضرب له مثل الغل الذي يمنع من التصرف باليد . وفي صحيح البخاري ومسلم عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال : ضرب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مثل البخيل والمتصدق كمثل رجلين عليهما جبتان من حديد قد اضطرت أيديهما إلى ثديهما وتراقيهما فجعل المتصدق كلما تصدق بصدقة انبسطت عنه حتى تغشى أنامله وتعفو أثره وجعل البخيل كلما هم بصدقة قلصت وأخذت كل حلقة بمكانها . قال أبو هريرة - رضي الله عنه - : فأنا رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول بأصبعيه هكذا في جيبه فلو رأيته يوسعها ولا تتوسع .الثانية : ولا تبسطها كل البسط ضرب بسط اليد مثلا لذهاب المال ، فإن قبض الكف يحبس ما فيها ، وبسطها يذهب ما فيها . وهذا كله خطاب للنبي - صلى الله عليه وسلم - والمراد أمته ، وكثيرا ما جاء في القرآن ; فإن النبي - صلى الله عليه وسلم - لما كان سيدهم وواسطتهم إلى ربهم عبر به عنهم على عادة العرب في ذلك . وأيضا فإنه - عليه الصلاة والسلام - لم يكن يدخر شيئا لغد ، وكان يجوع حتى يشد الحجر على بطنه من الجوع . وكان كثير من الصحابة ينفقون في سبيل الله جميع أموالهم ، فلم يعنفهم النبي - صلى الله عليه وسلم - ولم ينكر عليهم لصحة يقينهم وشدة بصائرهم . وإنما نهى الله - سبحانه وتعالى - عن الإفراط في الإنفاق ، وإخراج ما حوته يده من المال من خيف عليه الحسرة على ما خرج من يده ، فأما من وثق بموعود الله - عز وجل - وجزيل ثوابه فيما أنفقه فغير مراد بالآية ، والله أعلم . وقيل : إن هذا الخطاب للنبي - صلى الله عليه وسلم - في خاصة نفسه ، علمه فيه كيفية الإنفاق ، وأمره بالاقتصاد . قال جابر وابن مسعود : جاء غلام إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال : إن أمي تسألك كذا وكذا . فقال : ما عندنا اليوم شيء . قال : فتقول لك اكسني قميصك ; فخلع قميصه فدفعه إليه وجلس في البيت عريانا . وفي رواية جابر : فأذن بلال للصلاة وانتظر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يخرج ، واشتغلت القلوب ، فدخل بعضهم فإذا هو عار ; فنزلت هذه الآية . وكل هذا في إنفاق الخير . وأما إنفاق الفساد فقليله وكثيره حرام ، كما تقدم .الثالثة : نهت هذه الآية عن استفراغ الوجد فيما يطرأ أولا من سؤال المؤمنين ; لئلا يبقى من يأتي بعد ذلك لا شيء له ، أو لئلا يضيع المنفق عياله . ونحوه من كلام الحكمة : ما رأيت قط سرفا إلا ومعه حق مضيع . وهذه من آيات فقه الحال فلا يبين حكمها إلا باعتبار شخص شخص من الناس .الرابعة : قوله تعالى : فتقعد ملوما محسورا قال ابن عرفة : يقول لا تسرف ولا تتلف مالك فتبقى محسورا منقطعا عن النفقة والتصرف ; كما يكون البعير الحسير ، وهو الذي ذهبت قوته فلا انبعاث به ; ومنه قوله - تعالى - : ينقلب إليك البصر خاسئا وهو حسير أي كليل منقطع . وقال قتادة : أي نادما على ما سلف منك ; فجعله من الحسرة ، وفيه بعد ; لأن الفاعل من الحسرة حسر وحسران ولا يقال محسور . والملوم : الذي يلام على إتلاف ماله ، أو يلومه من لا يعطيه .
17:30
اِنَّ رَبَّكَ یَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ یَّشَآءُ وَ یَقْدِرُؕ-اِنَّهٗ كَانَ بِعِبَادِهٖ خَبِیْرًۢا بَصِیْرًا۠(۳۰)
بیشک تمہارا رب جسے چاہے رزق کشادہ دیتا اور (ف۷۴) کستا ہے (تنگی دیتا ہے) بیشک وہ اپنے بندوں کو خوب جانتا (ف۷۵) دیکھتا ہے،

لما ذكر عاقبة البخيل والمنفق بين أنه تعالى الذي يبسط الرزق ويقدر في الدنيا , لأنها دار امتحان ; " ويقدر " أي يضيق ; ومنه " ومن قدر عليه رزقه " [ الطلاق : 7 ] أي ضيق .وقيل : " يقدر " يعطي بقدر الكفاية .
17:31
وَ لَا تَقْتُلُوْۤا اَوْلَادَكُمْ خَشْیَةَ اِمْلَاقٍؕ-نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَ اِیَّاكُمْؕ-اِنَّ قَتْلَهُمْ كَانَ خِطْاً كَبِیْرًا(۳۱)
اور اپنی اولاد کو قتل نہ کرو مفلسی کے ڈر سے (ف۷۶) ہم انہیں بھی رزق دیں گے اور تمہیں بھی، بیشک ان کا قتل بڑی خطا ہے،

قوله تعالى : ولا تقتلوا أولادكم خشية إملاق نحن نرزقهم وإياكم إن قتلهم كان خطئا كبيراالإملاق : الفقر وعدم الملك . أملق الرجل أي لم يبق له إلا الملقات ; وهي الحجارة العظام الملس . قال الهذلي يصف صائدا :أتيح لها أقيدر ذو حشيف إذا سامت على الملقات ساماالواحدة ملقة . والأقيدر تصغير الأقدر ، وهو الرجل القصير . والحشيف من الثياب : الخلق . وسامت مرت . وقال شمر : أملق لازم ومتعد ، أملق إذا افتقر ، وأملق الدهر ما بيده . قال أوس :وأملق ما عندي خطوب تنبلإن قتلهم كان خطئا كبيرا الثانية : قوله تعالى : خطئا خطئا قراءة الجمهور بكسر الخاء وسكون الطاء وبالهمزة والقصر . وقرأ ابن عامر " خطأ " بفتح الخاء والطاء والهمزة مقصورة ، وهي قراءة أبي جعفر يزيد . وهاتان قراءتان مأخوذتان من " خطئ " إذا أتى الذنب على عمد . قال ابن عرفة : يقال خطئ في ذنبه خطأ إذا أثم فيه ، وأخطأ إذا سلك سبيل خطأ عامدا أو غير عامد . قال :ويقال خطئ في معنى أخطأ . وقال الأزهري : يقال خطئ يخطأ خطئا إذا تعمد الخطأ ; مثل أثم يأثم إثما . وأخطأ إذا لم يتعمد إخطاء وخطأ . قال الشاعر :دعيني إنما خطئي وصوبي علي وإن ما أهلكت مالوالخطأ الاسم يقوم مقام الإخطاء ، وهو ضد الصواب . وفيه لغتان : القصر وهو الجيد ، والمد وهو قليل ، وروي عن ابن عباس - رضي الله - تعالى - عنهما - " خطأ " بفتح الخاء وسكون الطاء وهمزة . وقرأ ابن كثير بكسر الخاء وفتح الطاء ومد الهمزة . قال النحاس : ولا أعرف لهذه القراءة وجها ، ولذلك جعلها أبو حاتم غلطا . قال أبو علي : هي مصدر من خاطأ يخاطئ ، وإن كنا لا نجد خاطأ ، ولكن وجدنا تخاطأ ، وهو مطاوع خاطأ ، فدلنا عليه ; ومنه قول الشاعر :تخاطأت النبل أحشاءه وأخر يومي فلم يعجلوقول الآخر في وصف مهاة :تخاطأه القناص حتى وجدته وخرطومه في منقع الماء راسبالجوهري : تخاطأه أي أخطأه ; وقال أوفى بن مطر المازني :ألا أبلغا خلتي جابرا بأن خليلك لم يقتلتخاطأت النبل أحشاءه وأخر يومي فلم يعجلوقرأ الحسن " خطاء " بفتح الخاء والطاء والمد في الهمزة . قال أبو حاتم : لا يعرف هذا في اللغة وهي غلط غير جائز . وقال أبو الفتح : الخطأ من أخطأت بمنزلة العطاء من أعطيت ، هو اسم بمعنى المصدر ، وعن الحسن أيضا " خطى " بفتح الخاء والطاء منونة من غير همز .
17:32
وَ لَا تَقْرَبُوا الزِّنٰۤى اِنَّهٗ كَانَ فَاحِشَةًؕ-وَ سَآءَ سَبِیْلًا(۳۲)
اور بدکاری کے پاس نہ جاؤ بیشک وہ بے حیائی ہے، اور بہت ہی بری راہ،

قوله تعالى : ولا تقربوا الزنا إنه كان فاحشة وساء سبيلا فيه مسألة واحدة : قال العلماء : قوله - تعالى - ولا تقربوا الزنا أبلغ من أن يقول : ولا تزنوا ; فإن معناه لا تدنوا من الزنا . والزنا يمد ويقصر ، لغتان . قال الشاعر :كانت فريضة ما تقول كما كان الزناء فريضة الرجموسبيلا نصب على التمييز ; التقدير : وساء سبيله سبيلا . أي لأنه يؤدي إلى النار . والزنا من الكبائر ، ولا خلاف فيه وفي قبحه لا سيما بحليلة الجار . وينشأ عنه استخدام ولد الغير واتخاذه ابنا وغير ذلك من الميراث وفساد الأنساب باختلاط المياه . وفي الصحيح أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أتى بامرأة مجح على باب فسطاط فقال : لعله يريد أن يلم بها فقالوا : نعم . فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : لقد هممت أن ألعنه لعنا يدخل معه قبره كيف يورثه وهو لا يحل له كيف يستخدمه وهو لا يحل له .
17:33
وَ لَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِیْ حَرَّمَ اللّٰهُ اِلَّا بِالْحَقِّؕ-وَ مَنْ قُتِلَ مَظْلُوْمًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِیِّهٖ سُلْطٰنًا فَلَا یُسْرِفْ فِّی الْقَتْلِؕ-اِنَّهٗ كَانَ مَنْصُوْرًا(۳۳)
اور کوئی جان جس کی حرمت اللہ نے رکھی ہے ناحق نہ مارو، اور جو ناحق نہ مارا جائے تو بیشک ہم نے اس کے وارث کو قابو دیا (ف۷۷) تو وہ قتل میں حد سے نہ بڑھے (ف۷۸) ضرور اس کی مدد ہونی ہے (ف۷۹)

قوله تعالى : ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق ومن قتل مظلوما فقد جعلنا لوليه سلطانا فلا يسرف في القتل إنه كان منصوراقوله تعالى : ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق قد مضى الكلام فيه في الأنعام .قوله تعالى : ومن قتل مظلوما فقد جعلنا لوليه سلطانا فلا يسرف في القتل إنه كان منصورافيه ثلاث مسائل :الأولى : قوله تعالى : ومن قتل مظلوما أي بغير سبب يوجب القتل .فقد جعلنا لوليه أي لمستحق دمه . قال ابن خويز منداد : الولي يجب أن يكون ذكرا ; لأنه أفرده بالولاية بلفظ التذكير . وذكر إسماعيل بن إسحاق في قوله - تعالى - : فقد جعلنا لوليه ما يدل على خروج المرأة عن مطلق لفظ الولي ، فلا جرم ، ليس للنساء حق في القصاص لذلك ولا أثر لعفوها ، وليس لها الاستيفاء . وقال المخالف : إن المراد هاهنا بالولي الوارث ; وقد قال - تعالى - : والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض ، وقال : والذين آمنوا ولم يهاجروا ما لكم من ولايتهم من شيء ، وقال : وأولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله فاقتضى ذلك إثبات القود لسائر الورثة ; وأما ما ذكروه من أن الولي في ظاهره على التذكير وهو واحد ، كأن ما كان بمعنى الجنس يستوي المذكر والمؤنث فيه ، وتتمته في كتب الخلاف .سلطانا أي تسليطا إن شاء قتل وإن شاء عفا ، وإن شاء أخذ الدية ; قاله ابن عباس - رضي الله - تعالى - عنهما - والضحاك وأشهب والشافعي . وقال ابن وهب قال مالك : السلطان أمر الله . ابن عباس : السلطان الحجة . وقيل : السلطان طلبه حتى يدفع إليه . قال ابن العربي : وهذه الأقوال متقاربة ، وأوضحها قول مالك : إنه أمر الله . ثم إن أمر الله - عز وجل - لم يقع نصا فاختلف العلماء فيه ; فقال ابن القاسم عن مالك وأبي حنيفة : القتل خاصة . وقال أشهب : الخيرة ; كما ذكرنا آنفا ، وبه قال الشافعي . وقد مضى في سورة [ البقرة ] هذا المعنى .الثانية : قوله تعالى : فلا يسرف في القتل فيه ثلاثة أقوال : لا يقتل غير قاتله ; قاله الحسن والضحاك ومجاهد وسعيد بن جبير . الثاني : لا يقتل بدل وليه اثنين كما كانت العرب تفعله . الثالث : لا يمثل بالقاتل ; قاله طلق بن حبيب ، وكله مراد لأنه إسراف منهي عنه . وقد مضى في [ البقرة ] القول في هذا مستوفى . وقرأ الجمهور يسرف بالياء ، يريد الولي ، وقرأ ابن عامر وحمزة والكسائي " تسرف " بالتاء من فوق ، وهي قراءة حذيفة . وروى العلاء بن عبد الكريم عن مجاهد قال : هو للقاتل الأول ، والمعنى عندنا فلا تسرف أيها القاتل . وقال الطبري : هو على معنى الخطاب للنبي - صلى الله عليه وسلم - والأئمة من بعده . أي لا تقتلوا غير القاتل . وفي حرفأبي " فلا تسرفوا في القتل " .الثالثة : إنه كان منصورا أي معانا ، يعني الولي . فإن قيل : وكم من ولي مخذول لا يصل إلى حقه . قلنا : المعونة تكون بظهور الحجة تارة وباستيفائها أخرى ، وبمجموعهما ثالثة ، فأيها كان فهو نصر من الله - سبحانه وتعالى - . وروى ابن كثير عن مجاهد قال : إن المقتول كان منصورا . النحاس : ومعنى قوله إن الله نصره بوليه . وروي أنه في قراءة أبي " فلا تسرفوا في القتل إن ولي المقتول كان منصورا " . قال النحاس : الأبين بالياء ويكون للولي ; لأنه إنما يقال : لا يسرف إن كان له أن يقتل ، فهذا للولي . وقد يجوز بالتاء ويكون للولي أيضا ، إلا أنه يحتاج فيه إلى تحويل المخاطبة . قال الضحاك : هذا أول ما نزل من القرآن في شأن القتل ، وهي مكية .
17:34
وَ لَا تَقْرَبُوْا مَالَ الْیَتِیْمِ اِلَّا بِالَّتِیْ هِیَ اَحْسَنُ حَتّٰى یَبْلُغَ اَشُدَّه۪ٗ-وَ اَوْفُوْا بِالْعَهْدِۚ-اِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْـٴُـوْلًا (۳۴)
اور یتیم کے مال کے پاس تو جاؤ مگر اس راہ سے جو سب سے بھلی ہے (ف۸۰) یہاں تک کہ وہ اپنی جوانی کو پہنچے (ف۸۱) اور عہد پورا کرو (ف۸۲) بیشک عہد سے سوال ہونا ہے،

قوله تعالى : ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن حتى يبلغ أشده وأوفوا بالعهد إن العهد كان مسئولافيه مسألتان :الأولى : قوله تعالى : ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن حتى يبلغ أشده قد مضى الكلام فيه في الأنعام . الثانية : قوله تعالى : وأوفوا بالعهد قد مضى الكلام فيه في غير موضع . قال الزجاج : كل ما أمر الله به ونهى عنه فهو من العهد .إن العهد كان مسئولا عنه ، فحذف ; كقوله : ويفعلون ما يؤمرون به وقيل : إن العهد يسأل تبكيتا لناقضه فيقال : نقضت ، كما تسأل الموءودة تبكيتا لوائدها .
17:35
وَ اَوْفُوا الْكَیْلَ اِذَا كِلْتُمْ وَ زِنُوْا بِالْقِسْطَاسِ الْمُسْتَقِیْمِؕ-ذٰلِكَ خَیْرٌ وَّ اَحْسَنُ تَاْوِیْلًا(۳۵)
اور ماپو تو پورا ماپو اور برابر ترازو سے تولو، یہ بہتر ہے اور اس کا انجام اچھا،

قوله تعالى : وأوفوا الكيل إذا كلتم وزنوا بالقسطاس المستقيم ذلك خير وأحسن تأويلا فيه مسألتان :الأولى : قوله تعالى : وأوفوا الكيل إذا كلتم أي بالاعتدال في الأخذ والعطاء عند البيع والشراء . وتقتضي هذه الآية أن الكيل على البائع ، وقد مضى في سورة [ يوسف ] فلا معنى للإعادة .وزنوا بالقسطاس المستقيم والقسطاس ( بضم القاف وكسرها ) : الميزان بلغة الروم ; قاله ابن عزيز . وقال الزجاج : القسطاس : الميزان صغيرا كان أو كبيرا . وقال مجاهد : القسطاس العدل ، وكان يقول : هي لغة رومية ، وكأن الناس قيل لهم : زنوا بمعدلة في وزنكم . وقرأ ابن كثير وأبو عمرو ونافع وابن عامر وعاصم في رواية أبي بكر " القسطاس " بضم القاف . وحمزة والكسائي وحفص عن عاصم ( بكسر القاف ) وهما لغتان .الثانية : قوله تعالى : ذلك خير وأحسن تأويلا أي وفاء الكيل وإقامة الوزن خير عند ربك وأبرك .وأحسن تأويلا أي عاقبة . قال الحسن : ذكر لنا أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : لا يقدر رجل على حرام ثم يدعه ليس لديه إلا مخافة الله - تعالى - إلا أبدله الله في عاجل الدنيا قبل الآخرة ما هو خير له من ذلك .
17:36
وَ لَا تَقْفُ مَا لَیْسَ لَكَ بِهٖ عِلْمٌؕ-اِنَّ السَّمْعَ وَ الْبَصَرَ وَ الْفُؤَادَ كُلُّ اُولٰٓىٕكَ كَانَ عَنْهُ مَسْـٴُـوْلًا (۳۶)
اور اس بات کے پیچھے نہ پڑ جس کا تجھے علم نہیں (ف۷۳) بیشک کان اور آنکھ اور دل ان سب سے سوال ہونا ہے (ف۸۴)

قوله تعالى : ولا تقف ما ليس لك به علم إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسئولا فيه ست مسائل :الأولى : ولا تقف أي لا تتبع ما لا تعلم ولا يعنيك . قال قتادة : لا تقل رأيت وأنت لم تر ، وسمعت وأنت لم تسمع ، وعلمت وأنت لم تعلم ; وقاله ابن عباس - رضي الله عنهما - . قال مجاهد : لا تذم أحدا بما ليس لك به علم ; وقاله ابن عباس - رضي الله عنهما - أيضا . وقال محمد ابن الحنفية : هي شهادة الزور . وقال القتبي : المعنى لا تتبع الحدس والظنون ; وكلها متقاربة . وأصل القفو البهت والقذف بالباطل ; ومنه قوله - عليه الصلاة والسلام - : نحن بنو النضر بن كنانة لا نقفو أمنا ولا ننتفي من أبينا أي لا نسب أمنا . وقال الكميت :فلا أرمي البريء بغير ذنب ولا أقفو الحواصن إن قفينايقال : قفوته أقفوه ، وقفته أقوفه ، وقفيته إذا اتبعت أثره . ومنه القافة لتتبعهم الآثار وقافية كل شيء آخره ، ومنه قافية الشعر ; لأنها تقفو البيت . ومنه اسم النبي - صلى الله عليه وسلم - المقفي ; لأنه جاء آخر الأنبياء . ومنه القائف ، وهو الذي يتبع أثر الشبه . يقال : قاف القائف يقوف إذا فعل ذلك . وتقول : فقوت للأثر ، بتقديم الفاء على القاف . ابن عطية : ويشبه أن يكون هذا من تلعب العرب في بعض الألفاظ ; كما قالوا : رعملي في لعمري . وحكى الطبري عن فرقة أنها قالت : قفا وقاف ، مثل عتا وعات . وذهب منذر بن سعيد إلى أن قفا وقاف مثل جبذ وجذب . وبالجملة فهذه الآية تنهى عن قول الزور والقذف ، وما أشبه ذلك من الأقوال الكاذبة والرديئة . وقرأ بعض الناس فيما حكى الكسائي تقف بضم القاف وسكون الفاء . وقرأ الجراح " والفآد " بفتح الفاء ، وهي لغة لبعض الناس ، وأنكرها أبو حاتم وغيره .الثانية : قال ابن خويز منداد : تضمنت هذه الآية الحكم بالقافة ; لأنه لما قال : ولا تقف ما ليس لك به علم دل على جواز ما لنا به علم ، فكل ما علمه الإنسان أو غلب على ظنه جاز أن يحكم به ، وبهذا احتججنا على إثبات القرعة والخرص ; لأنه ضرب من غلبة الظن ، وقد يسمى علما اتساعا . فالقائف يلحق الولد بأبيه من طريق الشبه بينهما كما يلحق الفقيه الفرع بالأصل من طريق الشبه . وفي الصحيح عن عائشة : أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - دخل علي مسرورا تبرق أسارير وجهه فقال : ألم تر أن مجززا نظر إلى زيد بن حارثة وأسامة بن زيد عليهما قطيفة قد غطيا رءوسهما وبدت أقدامهما فقال إن بعض هذه الأقدام لمن بعض . وفي حديث يونس بن يزيد : ( وكان مجزز قائفا ) .الثالثة : قال الإمام أبو عبد الله المازري : كانت الجاهلية تقدح في نسب أسامة لكونه أسود شديد السواد ، وكان زيد أبوه أبيض من القطن ، هكذا ذكره أبو داود عن أحمد بن صالح . قال القاضي عياض : وقال غير أحمد كان زيد أزهر اللون ، وكان أسامة شديد الأدمة ; وزيد بن حارثة عربي صريح من كلب ، أصابه سباء ، حسبما يأتي في سورة [ الأحزاب ] إن شاء الله - تعالى - .الرابعة : استدل جمهور العلماء على الرجوع إلى القافة عند التنازع في الولد ، بسرور النبي - صلى الله عليه وسلم - بقول هذا القائف ; وما كان - عليه السلام - بالذي يسر بالباطل ولا يعجبه . ولم يأخذ بذلك أبو حنيفة وإسحاق والثوري وأصحابهم متمسكين بإلغاء النبي - صلى الله عليه وسلم - الشبه في حديث اللعان ; على ما يأتي في سورة [ النور ] إن شاء الله - تعالى - .الخامسة : واختلف الآخذون بأقوال القافة ، هل يؤخذ بذلك في أولاد الحرائر والإماء أو يختص بأولاد الإماء ، على قولين ; فالأول : قول الشافعي ومالك - رضي الله عنهما - في رواية ابن وهب عنه ، ومشهور مذهبه قصره على ولد الأمة . والصحيح ما رواه ابن وهب عنه وقال الشافعي - رضي الله عنه - ; لأن الحديث الذي هو الأصل في الباب إنما وقع في الحرائر ، فإن أسامة وأباه حران فكيف يلغى السبب الذي خرج عليه دليل الحكم وهو الباعث عليه ، هذا مما لا يجوز عند الأصوليين . وكذلك اختلف هؤلاء ، هل يكتفى بقول واحد من القافة أو لا بد من اثنين لأنها شهادة ; وبالأول قالابن القاسم وهو ظاهر الخبر بل نصه . وبالثاني قال مالك والشافعي - رضي الله عنهما - .السادسة : قوله تعالى : إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسئولا أي يسأل كل واحد منهم عما اكتسب ، فالفؤاد يسأل عما افتكر فيه واعتقده ، والسمع والبصر عما رأى من ذلك وسمع . وقيل : المعنى أن الله - سبحانه وتعالى - يسأل الإنسان عما حواه سمعه وبصره وفؤاده ; ونظيره قوله - صلى الله عليه وسلم - : كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته فالإنسان راع على جوارحه ; فكأنه قال : كل هذه كان الإنسان عنه مسئولا ، فهو على حذف مضاف . والمعنى الأول أبلغ في الحجة ; فإنه يقع تكذيبه من جوارحه ، وتلك غاية الخزي ; كما قال : اليوم نختم على أفواههم وتكلمنا أيديهم وتشهد أرجلهم بما كانوا يكسبون ، وقوله شهد عليهم سمعهم وأبصارهم وجلودهم بما كانوا يعملون . وعبر عن السمع والبصر والفؤاد بأولئك لأنها حواس لها إدراك ، وجعلها في هذه الآية مسئولة ، فهي حالة من يعقل ، فلذلك عبر عنها بأولئك . وقال سيبويه - رحمه الله - في قوله - تعالى - : رأيتهم لي ساجدين : إنما قال : رأيتهم في نجوم ، لأنه لما وصفها بالسجود وهو من فعل من يعقل عبر عنها بكناية من يعقل ; وقد تقدم . وحكى الزجاج أن العرب تعبر عما يعقل وعما لا يعقل بأولئك ، وأنشد هو والطبري :ذم المنازل بعد منزلة اللوى والعيش بعد أولئك الأياموهذا أمر يوقف عنده . وأما البيت فالرواية فيه " الأقوام " والله أعلم .
17:37
وَ لَا تَمْشِ فِی الْاَرْضِ مَرَحًاۚ-اِنَّكَ لَنْ تَخْرِقَ الْاَرْضَ وَ لَنْ تَبْلُغَ الْجِبَالَ طُوْلًا(۳۷)
اور زمین میں اتراتا نہ چل (ف۸۵) بیشک ہر گز زمین نہ چیر ڈالے گا، اور ہرگز بلندی میں پہاڑوں کو نہ پہنچے گا (ف۸۶)

قوله تعالى : ولا تمش في الأرض مرحا إنك لن تخرق الأرض ولن تبلغ الجبال طولافيه أربع مسائل :الأولى : ولا تمش في الأرض مرحا هذا نهي عن الخيلاء وأمر بالتواضع . والمرح : شدة الفرح . وقيل : التكبر في المشي . وقيل : تجاوز الإنسان قدره . وقال قتادة : هو الخيلاء في المشي . وقيل : هو البطر والأشر . وقيل : هو النشاط وهذه الأقوال متقاربة ولكنها منقسمة قسمين : أحدهما مذموم والآخر محمود ; فالتكبر والبطر والخيلاء وتجاوز الإنسان قدره مذموم والفرح والنشاط محمود . وقد وصف الله - تعالى - نفسه بأحدهما ; ففي الحديث الصحيح لله أفرح بتوبة العبد من رجل . . . الحديث . والكسل مذموم شرعا والنشاط ضده . وقد يكون التكبر وما في معناه محمودا ، وذلك على أعداء الله والظلمة . أسند أبو حاتم بن حبان عن ابن جابر بن عتيك عن أبيه عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : من الغيرة ما يبغض الله - عز وجل - ومنها ما يحب الله - عز وجل - ومن الخيلاء ما يحب الله - عز وجل - ومنها ما يبغض الله فأما الغيرة التي يحب الله الغيرة في الدين والغيرة التي يبغض الله الغيرة في غير دينه والخيلاء التي يحب الله اختيال الرجل بنفسه عند القتال وعند الصدقة والاختيال الذي يبغض الله الخيلاء في الباطل وأخرجه أبو داود في مصنفه وغيره . وأنشدوا :ولا تمش فوق الأرض إلا تواضعا فكم تحتها قوم همو منك أرفع وإن كنت في عز وحرز ومنعةفكم مات من قوم همو منك أمنعالثانية : إقبال الإنسان على الصيد ونحوه ترفعا دون حاجة إلى ذلك داخل في هذه الآية ، وفيه تعذيب الحيوان وإجراؤه لغير معنى . وأما الرجل يستريح في اليوم النادر والساعة من يومه ، ويجم فيها نفسه في التطرح والراحة ليستعين بذلك على شغل من البر ، كقراءة علم أو صلاة ، فليس بداخل في هذه الآية .قوله تعالى : مرحا قراءة الجمهور بفتح الراء . وقراءة فرقة فيما حكى يعقوب بكسر الراء على بناء اسم الفاعل . والأول أبلغ ، فإن قولك : جاء زيد ركضا أبلغ من قولك : جاء زيد راكضا ; فكذلك قولك مرحا . والمرح المصدر أبلغ من أن يقال مرحا .الثالثة : قوله تعالى : إنك لن تخرق الأرض يعني لن تتولج باطنها فتعلم ما فيها ولن تبلغ الجبال طولا أي لن تساوي الجبال بطولك ولا تطاولك . ويقال : خرق الثوب أي شقه ، وخرق الأرض قطعها . والخرق : الواسع من الأرض . أي لن تخرق الأرض بكبرك ومشيك عليها . ولن تبلغ الجبال طولا بعظمتك ، أي بقدرتك لا تبلغ هذا المبلغ ، بل أنت عبد ذليل ، محاط بك من تحتك ومن فوقك ، والمحاط محصور ضعيف ، فلا يليق بك التكبر .والمراد بخرق الأرض هنا نقبها لا قطعها بالمسافة ; والله أعلم . وقال الأزهري : معناه لن تقطعها . النحاس : وهذا أبين ; لأنه مأخوذ من الخرق وهي الصحراء الواسعة . ويقال : فلان أخرق من فلان ، أي أكثر سفرا وعزة ومنعة . ويروى أن سبأ دوخ الأرض بأجناده شرقا وغربا وسهلا وجبلا ، وقتل سادة وسبى - وبه سمي سبأ - ودان له الخلق ، فلما رأى ذلك انفرد عن أصحابه ثلاثة أيام ثم خرج إليهم فقال : إني لما نلت ما لم ينل أحد رأيت الابتداء بشكر هذه النعم ، فلم أر أوقع في ذلك من السجود للشمس إذا أشرقت ، فسجدوا لها ، وكان ذلك أول عبادة الشمس ; فهذه عاقبة الخيلاء والتكبر والمرح ; نعوذ بالله من ذلك .
17:38
كُلُّ ذٰلِكَ كَانَ سَیِّئُهٗ عِنْدَ رَبِّكَ مَكْرُوْهًا(۳۸)
یہ جو کچھ گزرا ان میں کی بُری بات تیرے رب کو ناپسند ہے،

قوله تعالى : كل ذلك كان سيئه عند ربك مكروها ذلك إشارة إلى جملة ما تقدم ذكره مما أمر به ونهى عنه . ذلك يصلح للواحد والجمع والمؤنث والمذكر . وقرأ عاصم وابن عامر وحمزة والكسائي ومسروق سيئه على إضافة سيئ إلى الضمير ، ولذلك قال : مكروها نصب على خبر كان . والسيء : هو المكروه ، وهو الذي لا يرضاه الله - عز وجل - ولا يأمر به . وقد ذكر الله - سبحانه وتعالى - في هذه الآي من قوله : وقضى ربك - إلى قوله - " كان سيئه " مأمورات بها ومنهيات عنها ، فلا يخبر عن الجميع بأنه سيئة فيدخل المأمور به في المنهي عنه . واختار هذه القراءة أبو عبيد . ولأن في قراءة أبي " كل ذلك كان سيئاته " فهذه لا تكون إلا للإضافة . وقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو سيئة بالتنوين ; أي كل ما نهى الله ورسوله عنه سيئة . وعلى هذا انقطع الكلام عند قوله : وأحسن تأويلا ثم قال : ولا تقف ما ليس لك به علم ، ولا تمش ، ثم قال : كل ذلك كان سيئة بالتنوين . وقيل : إن قوله ولا تقتلوا أولادكم إلى هذه الآية كان سيئة لا حسنة فيه ، فجعلوا كلا محيطا بالمنهي عنه دون غيره . وقوله : مكروها ليس نعتا لسيئة ، بل هو بدل منه ; والتقدير : كان سيئة وكان مكروها . وقد قيل : إن مكروها خبر ثان لكان حمل على لفظه كل ، و " سيئة " محمول على المعنى في جميع هذه الأشياء المذكورة قبل . وقال بعضهم : وهو نعت لسيئة ; لأنه لما كان تأنيثها غير حقيقي جاز أن توصف بمذكر . وضعف أبو علي الفارسي هذا وقال : إن المؤنث إذا ذكر فإنما ينبغي أن يكون ما بعده مذكرا ، وإنما التساهل أن يتقدم الفعل المسند إلى المؤنث وهو في صيغة ما يسند إلى المذكر ; ألا ترى قول الشاعر :فلا مزنة ودقت ودقها ولا أرض أبقل إبقالهامستقبح عندهم . ولو قال قائل : أبقل أرض لم يكن قبيحا . قال أبو علي : ولكن يجوز في قوله مكروها أن يكون بدلا من " سيئة " . ويجوز أن يكون حالا من الضمير الذي في عند ربك ويكون عند ربك في موضع الصفة لسيئة .استدل العلماء بهذه الآية على ذم الرقص وتعاطيه . قال الإمام أبو الوفاء ابن عقيل : قد نص القرآن على النهي عن الرقص فقال : ولا تمش في الأرض مرحا وذم المختال . والرقص أشد المرح والبطر . أولسنا الذين قسنا النبيذ على الخمر لاتفاقهما في الإطراب والسكر ، فما بالنا لا نقيس القضيب وتلحين الشعر معه على الطنبور والمزمار والطبل لاجتماعهما . فما أقبح من ذي لحية ، وكيف إذا كان شيبة ، يرقص ويصفق على إيقاع الألحان والقضبان ، وخصوصا إن كانت أصوات لنسوان ومردان ، وهل يحسن لمن بين يديه الموت والسؤال والحشر والصراط ، ثم هو إلى إحدى الدارين ، يشمس بالرقص شمس البهائم ، ويصفق تصفيق النسوان ، ولقد رأيت مشايخ في عمري ما بان لهم سن من التبسم فضلا عن الضحك مع إدمان مخالطتي لهم وقال أبو الفرج ابن الجوزي - رحمه الله - : ولقد حدثني بعض المشايخ عن الإمام الغزالي - رضي الله عنه - أنه قال : الرقص حماقة بين الكتفين لا تزول إلا باللعب . وسيأتي لهذا الباب مزيد بيان في [ الكهف ] وغيرها إن شاء الله - تعالى - .
17:39
ذٰلِكَ مِمَّاۤ اَوْحٰۤى اِلَیْكَ رَبُّكَ مِنَ الْحِكْمَةِؕ-وَ لَا تَجْعَلْ مَعَ اللّٰهِ اِلٰهًا اٰخَرَ فَتُلْقٰى فِیْ جَهَنَّمَ مَلُوْمًا مَّدْحُوْرًا(۳۹)
یہ ان وحیوں میں سے ہے جو تمہارے رب نے تمہاری طرف بھیجی حکمت کی باتیں (ف۸۷) اور اے سننے والے اللہ ساتھ دوسرا خدا نہ ٹھہرا کہ تو جہنم میں پھینکا جائے گا طعنہ پاتا دھکے کھاتا،

قوله تعالى : ذلك مما أوحى إليك ربك من الحكمة ولا تجعل مع الله إلها آخر فتلقى في جهنم ملوما مدحوراالإشارة بذلك إلى هذه الآداب والقصص والأحكام التي تضمنتها هذه الآيات المتقدمة التي نزل بها جبريل - عليه السلام - . أي هذه من الأفعال المحكمة التي تقتضيها حكمة الله - عز وجل - في عباده ، وخلقها لهم من محاسن الأخلاق والحكمة وقوانين المعاني المحكمة والأفعال الفاضلة . ثم عطف قوله ولا تجعل على ما تقدم من النواهي . والخطاب للنبي - صلى الله عليه وسلم - المراد كل من سمع الآية من البشر . والمدحور : المهان المبعد المقصى . وقد تقدم في هذه السورة . ويقال في الدعاء : اللهم ادحر عنا الشيطان ; أي أبعده .
17:40
اَفَاَصْفٰىكُمْ رَبُّكُمْ بِالْبَنِیْنَ وَ اتَّخَذَ مِنَ الْمَلٰٓىٕكَةِ اِنَاثًاؕ-اِنَّكُمْ لَتَقُوْلُوْنَ قَوْلًا عَظِیْمًا۠(۴۰)
کیا تمہارے رب نے تم کو بیٹے چن دیے اور اپنے لیے فرشتوں سے بیٹیاں بنائیں (ف۸۸) بیشک تم بڑا بول بولتے ہو (ف۸۹)

قوله تعالى : أفأصفاكم ربكم بالبنين واتخذ من الملائكة إناثا إنكم لتقولون قولا عظيما هذا يرد على من قال من العرب : الملائكة بنات الله ، وكان لهم بنات أيضا مع النبيين ، ولكنه أراد : أفأخلص لكم البنين دونه وجعل البنات مشتركة بينكم وبينه .إنكم لتقولون قولا عظيما أي في الإثم عند الله - عز وجل - .
  FONT
  THEME
  TRANSLATION
  • English | Ahmed Ali
  • Urdu | Ahmed Raza Khan
  • Turkish | Ali-Bulaç
  • German | Bubenheim Elyas
  • Chinese | Chineese
  • Spanish | Cortes
  • Dutch | Dutch
  • Portuguese | El-Hayek
  • English | English
  • Urdu | Fateh Muhammad Jalandhry
  • French | French
  • Hausa | Hausa
  • Indonesian | Indonesian-Bahasa
  • Italian | Italian
  • Korean | Korean
  • Malay | Malay
  • Russian | Russian
  • Tamil | Tamil
  • Thai | Thai
  • Farsi | مکارم شیرازی
  TAFSEER
  • العربية | التفسير الميسر
  • العربية | تفسير الجلالين
  • العربية | تفسير السعدي
  • العربية | تفسير ابن كثير
  • العربية | تفسير الوسيط لطنطاوي
  • العربية | تفسير البغوي
  • العربية | تفسير القرطبي
  • العربية | تفسير الطبري
  • English | Arberry
  • English | Yusuf Ali
  • Dutch | Keyzer
  • Dutch | Leemhuis
  • Dutch | Siregar
  • Urdu | Sirat ul Jinan
  HELP

بَنِیْٓ اِسْرَآءِیْل
بَنِیْٓ اِسْرَآءِیْل
  00:00



Download

بَنِیْٓ اِسْرَآءِیْل
بَنِیْٓ اِسْرَآءِیْل
  00:00



Download