READ
Surah Al-Israa
بَنِیْٓ اِسْرَآءِیْل
111 Ayaat مکیۃ
وَ لَقَدْ صَرَّفْنَا فِیْ هٰذَا الْقُرْاٰنِ لِیَذَّكَّرُوْاؕ-وَ مَا یَزِیْدُهُمْ اِلَّا نُفُوْرًا(۴۱)
اور بیشک ہم نے اس قرآن میں طرح طرح سے بیان فرمایا (ف۹۰) کہ وہ سمجھیں (ف۹۱) اور اس سے انھیں نہیں بڑھتی مگر نفرت (ف۹۲)
قوله تعالى : ولقد صرفنا في هذا القرآن ليذكروا وما يزيدهم إلا نفورا قوله تعالى : ولقد صرفنا أي بينا . وقيل كررنا . والتصريف : صرف الشيء من جهة إلى جهة . والمراد بهذا التصريف البيان والتكرير . وقيل : المغايرة ; أي غايرنا بين المواعظ ليذكروا ويعتبروا ويتعظوا . وقراءة العامة صرفنا بالتشديد على التكثير حيث وقع . وقرأ الحسن بالتخفيف . قال الثعلبي : سمعت أبا القاسم الحسين يقول بحضرة الإمام الشيخ أبي الطيب : لقوله - تعالى - : " صرفنا " معنيان ; أحدهما لم يجعله نوعا واحدا بل وعدا ووعيدا ومحكما ومتشابها ونهيا وأمرا وناسخا ومنسوخا وأخبارا وأمثالا ; مثل تصريف الرياح من صبا ودبور وجنوب وشمال ، وتصريف الأفعال من الماضي والمستقبل والأمر والنهي والفعل والفاعل والمفعول ونحوها . والثاني أنه لم ينزل مرة واحدة بل نجوما ; نحو قوله وقرآنا فرقناه ومعناه : أكثرنا صرف جبريل - عليه السلام - إليك .في هذا القرآن قيل في زائدة ، والتقدير : ولقد صرفنا هذا القرآن ; مثل وأصلح لي في ذريتي أي أصلح ذريتي . وقوله في هذا القرآن يعني الأمثال والعبر والحكم والمواعظ والأحكام والإعلام .ليذكروا قراءة يحيى والأعمش وحمزة والكسائي " ليذكروا " مخففا ، وكذلك في الفرقان ولقد صرفناه بينهم ليذكروا . الباقون بالتشديد . واختاره أبو عبيد ; لأن معناه ليتذكروا وليتعظوا . قال المهدوي : من شدد ليذكروا أراد التدبر . وكذلك من قرأ ليذكروا . ونظير الأول ولقد وصلنا لهم القول لعلهم يتذكرون والثاني : واذكروا ما فيهوما يزيدهم أي التصريف والتذكير .إلا نفورا أي تباعدا عن الحق وغفلة عن النظر والاعتبار ; وذلك لأنهم اعتقدوا في القرآن أنه حيلة وسحر وكهانة وشعر .
قُلْ لَّوْ كَانَ مَعَهٗۤ اٰلِهَةٌ كَمَا یَقُوْلُوْنَ اِذًا لَّابْتَغَوْا اِلٰى ذِی الْعَرْشِ سَبِیْلًا(۴۲)
تم فرماؤ اگر اس کے ساتھ اور خدا ہوتے جیسا یہ بکتے ہیں جب تو وہ عرش کے مالک کی طرف کوئی راہ ڈھونڈ نکالتے (ف۹۳)
قوله تعالى : قل لو كان معه آلهة كما يقولون إذا لابتغوا إلى ذي العرش سبيلا سبحانه وتعالى عما يقولون علوا كبيرا قوله تعالى : قل لو كان معه آلهة هذا متصل بقوله - تعالى - : ولا تجعل مع الله إلها آخر وهو رد على عباد الأصنام .كما يقولون قرأ ابن كثير وحفص يقولون بالياء . الباقون " تقولون " بالتاء على الخطاب .إذا لابتغوا يعني الآلهة .إلى ذي العرش سبيلا قال ابن العباس - رضي الله - تعالى - عنهما - : لطلبوا مع الله منازعة وقتالا كما تفعل ملوك الدنيا بعضهم ببعض . وقال سعيد بن جبير - رضي الله تعالى عنه - : المعنى إذا لطلبوا طريقا إلى الوصول إليه ليزيلوا ملكه ، لأنهم شركاؤه . وقال قتادة : المعنى إذا لابتغت الآلهة القربة إلى ذي العرش سبيلا ، والتمست الزلفة عنده لأنهم دونه ، والقوم اعتقدوا أن الأصنام تقربهم إلى الله زلفى ، فإذا اعتقدوا في الأصنام أنها محتاجة إلى الله - سبحانه وتعالى - فقد بطل أنها آلهة .
سُبْحٰنَهٗ وَ تَعٰلٰى عَمَّا یَقُوْلُوْنَ عُلُوًّا كَبِیْرًا(۴۳)
اسے پاکی اور برتری ان کی باتوں سے بڑی برتری،
سبحانه وتعالى عما يقولون علوا كبيرا نزه - سبحانه - نفسه وقدسه ومجده عما لا يليق به . والتسبيح : التنزيه . وقد تقدم .
تُسَبِّحُ لَهُ السَّمٰوٰتُ السَّبْعُ وَ الْاَرْضُ وَ مَنْ فِیْهِنَّؕ-وَ اِنْ مِّنْ شَیْءٍ اِلَّا یُسَبِّحُ بِحَمْدِهٖ وَ لٰكِنْ لَّا تَفْقَهُوْنَ تَسْبِیْحَهُمْؕ-اِنَّهٗ كَانَ حَلِیْمًا غَفُوْرًا(۴۴)
اس کی پاکی بولتے ہیں ساتوں آسمان اور زمین اور جو کوئی ان میں ہیں (ف۹۴) اور کوئی چیز نہیں (ف۹۵) جو اسے سراہتی ہوتی اس کی پاکی نہ بولے (ف۹۶) ہاں تم ان کی تسبیح نہیں سمجھتے (ف۹۷) بیشک وہ حلم والا بخشنے والا ہے (ف۹۸)
قوله تعالى : تسبح له السماوات السبع والأرض ومن فيهن وإن من شيء إلا يسبح بحمده ولكن لا تفقهون تسبيحهم إنه كان حليما غفوراقوله تعالى : تسبح له السماوات السبع والأرض أعاد على السماوات والأرض ضمير من يعقل ، لما أسند إليها فعل العاقل وهو التسبيح .ومن فيهن يريد الملائكة والإنس والجن .ثم عم بعد ذلك الأشياء كلها في قوله : وإن من شيء إلا يسبح بحمده . واختلف في هذا العموم ، هل هو مخصص أم لا ; فقالت فرقة : ليس مخصوصا والمراد به تسبيح الدلالة ، وكل محدث يشهد على نفسه بأن الله - عز وجل - خالق قادر . وقالت طائفة : هذا التسبيح حقيقة ، وكل شيء على العموم يسبح تسبيحا لا يسمعه البشر ولا يفقهه ، ولو كان ما قاله الأولون من أنه أثر الصنعة والدلالة لكان أمرا مفهوما ، والآية تنطق بأن هذا التسبيح لا يفقه . وأجيبوا بأن المراد بقوله : لا تفقهون الكفار الذين يعرضون عن الاعتبار فلا يفقهون حكمة الله - سبحانه وتعالى - في الأشياء . وقالت فرقة : قوله من شيء عموم ، ومعناه الخصوص في كل حي ونام ، وليس ذلك في الجمادات . ومن هذا قول عكرمة : الشجرة تسبح والأسطوان لا يسبح . وقال يزيد الرقاشي للحسن وهما في طعام وقد قدم الخوان : أيسبح هذا الخوان يا أبا سعيد ؟ فقال : قد كان يسبح مرة ; يريد أن الشجرة في زمن ثمرها واعتدالها كانت تسبح ، وأما الآن فقد صار خوانا مدهونا .قلت : ويستدل لهذا القول من السنة بما ثبت عن ابن عباس رضي الله - تعالى - عنهما أن النبي - صلى الله عليه وسلم - مر على قبرين فقال : إنهما ليعذبان وما يعذبان في كبير أما أحدهما فكان يمشي بالنميمة وأما الآخر فكان لا يستبرئ من البول قال : فدعا بعسيب رطب فشقه اثنين ، ثم غرس على هذا واحدا وعلى هذا واحدا ثم قال : لعله يخفف عنهما ما لم ييبسا . فقوله - عليه الصلاة والسلام - . ما لم ييبسا إشارة إلى أنهما ما داما رطبين يسبحان ، فإذا يبسا صارا جمادا . والله أعلم . وفي مسند أبي داود الطيالسي : فتوضع على أحدهما نصفا وعلى الآخر نصفا وقال : لعله أن يهون عليهما العذاب ما دام فيهما من بلولتهما شيء . قال علماؤنا : ويستفاد من هذا غرس الأشجار وقراءة القرآن على القبور ، وإذا خفف عنهم بالأشجار فكيف بقراءة الرجل المؤمن القرآن . وقد بينا هذا المعنى في كتاب التذكرة بيانا شافيا ، وأنه يصل إلى الميت ثواب ما يهدى إليه . والحمد لله على ذلك . وعلى التأويل الثاني لا يحتاج إلى ذلك ; فإن كل شيء من الجماد وغيره يسبح .قلت : ويستدل لهذا التأويل وهذا القول من الكتاب بقوله - سبحانه وتعالى - : واذكر عبدنا داود ذا الأيد إنه أواب إنا سخرنا الجبال معه يسبحن بالعشي والإشراق ، وقوله : وإن منها لما يهبط من خشية الله - على قول مجاهد - ، وقوله : وتخر الجبال هدا أن دعوا للرحمن ولدا . وذكر ابن المبارك في ( دقائقه ) أخبرنا مسعر عن عبد الله بن واصل عن عوف بن عبد الله قال : قال عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - : إن الجبل يقول للجبل : يا فلان ، هل مر بك اليوم ذاكر لله - عز وجل - ؟ فإن قال نعم سر به . ثم قرأ عبد الله وقالوا اتخذ الرحمن ولدا الآية . قال : أفتراهن يسمعن الزور ولا يسمعن الخير . وفيه عن أنس بن مالك - رضي الله عنه - قال : ما من صباح ولا رواح إلا تنادي بقاع الأرض بعضها بعضا . يا جاراه ; هل مر بك اليوم عبد فصلى لله أو ذكر الله عليك ؟ فمن قائلة لا ، ومن قائلة نعم ، فإذا قالت نعم رأت لها بذلك فضلا عليها . وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : لا يسمع صوت المؤذن جن ولا إنس ولا شجرة ولا حجر ولا مدر ولا شيء إلا شهد له يوم القيامة . رواه ابن ماجه في سننه ، ومالك في موطئه من حديث أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - . وخرج البخاري عن عبد الله - رضي الله عنه - قال : لقد كنا نسمع تسبيح الطعام وهو يؤكل . في غير هذه الرواية عن ابن مسعود - رضي الله تعالى عنه - : كنا نأكل مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الطعام ونحن نسمع تسبيحه . وفي صحيح مسلم عن جابر بن سمرة - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : إني لأعرف حجرا بمكة كان يسلم علي قبل أن أبعث إني لأعرفه الآن . قيل : إنه الحجر الأسود ، والله أعلم . والأخبار في هذا المعنى كثيرة ; وقد أتينا على جملة منها في اللمع اللؤلؤية في شرح العشرينيات النبوية للفاداري - رحمه الله - ، وخبر الجذع أيضا مشهور في هذا الباب خرجه البخاري في موضع من كتابه . وإذا ثبت ذلك في جماد واحد جاز في جميع الجمادات ، ولا استحالة في شيء من ذلك ; فكل شيء يسبح للعموم . وكذا قال النخعي وغيره : هو عام فيما فيه روح وفيما لا روح فيه حتى صرير الباب . واحتجوا بالأخبار التي ذكرنا . وقيل : تسبيح الجمادات أنها تدعو الناظر إليها إلى أن يقول : سبحان الله ! لعدم الإدراك منها . وقال الشاعر :تلقى بتسبيحة من حيث ما انصرفت وتستقر حشا الرائي بترعادأي يقول من رآها : سبحان خالقها . فالصحيح أن الكل يسبح للأخبار الدالة على ذلك لو كان ذلك التسبيح تسبيح دلالة فأي تخصيص لداود ، وإنما ذلك تسبيح المقال بخلق الحياة والإنطاق بالتسبيح كما ذكرنا . وقد نصت السنة على ما دل عليه ظاهر القرآن من تسبيح كل شيء فالقول به أولى . والله أعلم . وقرأ الحسن وأبو عمرو ويعقوب وحفص وحمزة والكسائي وخلف تفقهون بالتاء لتأنيث الفاعل . الباقون بالياء ، واختاره أبو عبيد ، قال : للحائل بين الفعل والتأنيث .إنه كان حليما عن ذنوب عباده في الدنيا .غفورا للمؤمنين في الآخرة .
وَ اِذَا قَرَاْتَ الْقُرْاٰنَ جَعَلْنَا بَیْنَكَ وَ بَیْنَ الَّذِیْنَ لَا یُؤْمِنُوْنَ بِالْاٰخِرَةِ حِجَابًا مَّسْتُوْرًاۙ(۴۵)
اور اے محبوب! تم نے قرآن پڑھا ہم نے تم پر اور ان میں کہ آخرت پر ایمان ہیں لاتے ایک چھپا ہوا پردہ کردیا (ف۹۹)
قوله تعالى : وإذا قرأت القرآن جعلنا بينك وبين الذين لا يؤمنون بالآخرة حجابا مستورا عن أسماء بنت أبي بكر - رضي الله تعالى عنهما - قالت : لما نزلت سورة تبت يدا أبي لهب أقبلت العوراء أم جميل بنت حرب ولها ولولة وفي يدها فهر وهي تقول :مذمما عصينا وأمره أبيناودينه قليناوالنبي - صلى الله عليه وسلم - قاعد في المسجد ومعه أبو بكر - رضي الله عنه - ; فلما رآها أبو بكر قال : يا رسول الله ، لقد أقبلت وأنا أخاف أن تراك ! قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : إنها لن تراني وقرأ قرآنا فاعتصم به كما قال . وقرأ وإذا قرأت القرآن جعلنا بينك وبين الذين لا يؤمنون بالآخرة حجابا مستورا . فوقفت على أبي بكر - رضي الله عنه - ولم تر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقالت : يا أبا بكر ، أخبرت أن صاحبك هجاني ! فقال : لا ورب هذا البيت ما هجاك . قال : فولت وهي تقول : قد علمت قريش أني ابنة سيدها . وقال سعيد بن جبير - رضي الله عنه - : لما نزلت تبت يدا أبي لهب وتب جاءت امرأة أبي لهب إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - ومعه أبو بكر - رضي الله عنه - ، فقال أبو بكر : لو تنحيت عنها لئلا تسمعك ما يؤذيك ، فإنها امرأة بذية . فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : إنه سيحال بيني وبينها فلم تره . فقالت لأبي بكر : يا أبا بكر ، هجانا صاحبك ! فقال : والله ما ينطق بالشعر ولا يقوله . فقالت : وإني لمصدقة ; فاندفعت راجعة . فقال أبو بكر - رضي الله عنه - : يا رسول الله ، أما رأتك ؟ قال : لا ما زال ملك بيني وبينها يسترني حتى ذهبت . وقال كعب - رضي الله عنه - في هذه الآية : كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يستتر من المشركين بثلاث آيات : الآية التي في الكهف إنا جعلنا على قلوبهم أكنة أن يفقهوه وفي آذانهم وقرا ، والآية في النحل أولئك الذين طبع الله على قلوبهم وسمعهم وأبصارهم ، والآية التي في الجاثية أفرأيت من اتخذ إلهه هواه وأضله الله على علم وختم على سمعه وقلبه وجعل على بصره غشاوة الآية . فكان النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا قرأهن يستتر من المشركين . قال كعب - رضي الله تعالى عنه - : فحدثت بهن رجلا من أهل الشام ، فأتى أرض الروم فأقام بها زمانا ، ثم خرج هاربا فخرجوا في طلبه فقرأ بهن فصاروا يكونون معه على طريقه ولا يبصرونه . قالالثعلبي : وهذا الذي يروونه عن كعب حدثت به رجلا من أهل الري فأسر بالديلم ، فمكث زمانا ثم خرج هاربا فخرجوا في طلبه فقرأ بهن حتى جعلت ثيابهن لتلمس ثيابه فما يبصرونه .قلت : ويزاد إلى هذه الآي أول سورة يس إلى قوله فهم لا يبصرون . فإن في السيرة في هجرة النبي - صلى الله عليه وسلم - ومقام علي - رضي الله عنه - في فراشه قال : وخرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأخذ حفنة من تراب في يده ، وأخذ الله - عز وجل - على أبصارهم عنه فلا يرونه ، فجعل ينثر ذلك التراب على رءوسهم وهو يتلو هذه الآيات من يس : يس والقرآن الحكيم إنك لمن المرسلين على صراط مستقيم تنزيل العزيز الرحيم - إلى قوله - وجعلنا من بين أيديهم سدا ومن خلفهم سدا فأغشيناهم فهم لا يبصرون . حتى فرغ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من هذه الآيات ، ولم يبق منهم رجل إلا وقد وضع على رأسه ترابا ، ثم انصرف إلى حيث أراد أن يذهب .قلت : ولقد اتفق لي ببلادنا الأندلس بحصن منثور من أعمال قرطبة مثل هذا . وذلك أني هربت أمام العدو وانحزت إلى ناحية عنه ، فلم ألبث أن خرج في طلبي فارسان وأنا في فضاء من الأرض قاعد ليس يسترني عنهما شيء ، وأنا أقرأ أول سورة يس وغير ذلك من القرآن ; فعبرا علي ثم رجعا من حيث جاءا وأحدهما يقول للآخر : هذا ديبلة ; يعنون شيطانا . وأعمى الله - عز وجل - أبصارهم فلم يروني ، والحمد لله حمدا كثيرا على ذلك .وقيل : الحجاب المستور طبع الله على قلوبهم حتى لا يفقهوه ولا يدركوا ما فيه من الحكمة ; قاله قتادة . وقال الحسن : أي أنهم لإعراضهم عن قراءتك وتغافلهم عنك كمن بينك وبينه حجاب في عدم رؤيته لك حتى كأن على قلوبهم أغطية . وقيل : نزلت في قوم كانوا يؤذون رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا قرأ القرآن ، وهم أبو جهل وأبو سفيان والنضر بن الحارث وأم جميل أمرأة أبي لهب وحويطب ; فحجب الله - سبحانه وتعالى - رسوله - صلى الله عليه وسلم - عن أبصارهم عند قراءة القرآن ، وكانوا يمرون به ولا يرونه ; قاله الزجاج وغيره . وهو معنى القول الأول بعينه ، وهو الأظهر في الآية ، والله أعلم . وقوله : مستورا فيه قولان : أحدهما - أن الحجاب مستور عنكم لا ترونه . والثاني : أن الحجاب ساتر عنكم ما وراءه ; ويكون مستورا به بمعنى ساتر .
وَّ جَعَلْنَا عَلٰى قُلُوْبِهِمْ اَكِنَّةً اَنْ یَّفْقَهُوْهُ وَ فِیْۤ اٰذَانِهِمْ وَقْرًاؕ-وَ اِذَا ذَكَرْتَ رَبَّكَ فِی الْقُرْاٰنِ وَحْدَهٗ وَلَّوْا عَلٰۤى اَدْبَارِهِمْ نُفُوْرًا(۴۶)
اور ہم نے ان کے دلوں پر غلاف ڈال دیے ہیں کہ اسے نہ سمجھیں اور ان کے کانوں میں ٹینٹ (روئی) (ف۱۰۰) اور جب تم قرآن میں اپنے اکیلے رب کی یاد کرتے ہو وہ پیٹھ پھیر کر بھاگتے ہیں نفرت کرتے،
قوله تعالى : وجعلنا على قلوبهم أكنة أن يفقهوه وفي آذانهم وقرأ وإذا ذكرت ربك في القرآن وحده ولوا على أدبارهم نفوراقوله تعالى : وجعلنا على قلوبهم أكنة أي فعلنا ذلك بهم مجازاة على كفرهم . وليس المعنى أنهم لا يسمعون ولا يفقهون ، ولكن لما كانوا لا ينتفعون بما يسمعون ، ولا ينقادون إلى الحق كانوا بمنزلة من لا يسمع ولا يفهم . والأكنة الأغطية جمع كنان مثل الأسنة والسنان ، والأعنة والعنان . كننت الشيء في كنه إذا صنته فيه . وأكننت الشيء أخفيته . والكنانة معروفة . والكنة ( بفتح الكاف والنون ) امرأة أبيك ; ويقال : امرأة الابن أو الأخ ; لأنها في كنه . وأكنة جمع كنان ، وهو ما ستر الشيء . وقد تقدم في الأنعامأن يفقهوه أي يفهموه وهو في موضع نصب ; المعنى كراهية أن يفهموه ، أو لئلا يفهموه . أن يفقهوه أي لئلا يفقهوه ، أو كراهية أن يفقهوه ، أي أن يفهموا ما فيه من الأوامر والنواهي والحكم والمعاني . وهذا رد على القدرية .وفي آذانهم وقرا عطف عليه أي ثقلا ; يقال منه : وقرت أذنه ( بفتح الواو ) توقر وقرا أي صمت ، وقياس مصدره التحريك إلا أنه جاء بالتسكين . وقد وقر الله أذنه يقرها وقرا ; يقال : اللهم قر أذنه . وحكى أبو زيد عن العرب : أذن موقورة على ما لم يسم فاعله ; فعلى هذا وقرت ( بضم الواو ) . وقرأ طلحة بن مصرف ( وقرا ) بكسر الواو ; أي جعل ، في آذانهم ما سدها عن استماع القول على التشبيه بوقر البعير ، وهو مقدار ما يطيق أن يحمل ، والوقر الحمل ; يقال منه : نخلة موقر وموقرة إذا كانت ذات ثمر كثير . ورجل ذو وقرة إذا كان وقورا بفتح الواو ; ويقال منه : وقر الرجل ( بضم القاف ) وقارا ، ووقر ( بفتح القاف ) أيضا .وفي آذانهم وقرا أي صمما وثقلا . وفي الكلام إضمار ، أي أن يسمعوه .وإذا ذكرت ربك في القرآن وحده أي قلت : لا إله إلا الله وأنت تتلو القرآن . وقال أبو الجوزاء أوس بن عبد الله : ليس شيء أطرد للشياطين من القلب من قول لا إله إلا الله ، ثم تلا وإذا ذكرت ربك في القرآن وحده ولوا على أدبارهم نفورا . وقال علي بن الحسين : هو قوله بسم الله الرحمن الرحيم . وقد تقدم هذا في البسملة .ولوا على أدبارهم قيل : يعني بذلك المشركين . وقيل الشياطين .نفورا جمع نافر ; مثل شهود جمع شاهد ، وقعود جمع قاعد ، فهو منصوب على الحال . ويجوز أن يكون مصدرا على غير الصدر ; إذ كان قوله ولوا بمعنى نفروا ، فيكون معناه نفروا نفورا .
نَحْنُ اَعْلَمُ بِمَا یَسْتَمِعُوْنَ بِهٖۤ اِذْ یَسْتَمِعُوْنَ اِلَیْكَ وَ اِذْ هُمْ نَجْوٰۤى اِذْ یَقُوْلُ الظّٰلِمُوْنَ اِنْ تَتَّبِعُوْنَ اِلَّا رَجُلًا مَّسْحُوْرًا(۴۷)
ہم خوب جانتے ہیں جس لیے وہ سنتے ہیں (ف۱۰۱) جب تمہاری طرف کان لگاتے ہیں اور جب آپس میں مشورہ کرتے ہیں جبکہ ظالم کہتے ہیں تم پیچھے نہیں چلے مگر ایک ایسے مرد کے جس پر جادو ہوا (ف۱۰۲)
قوله تعالى : نحن أعلم بما يستمعون به إذ يستمعون إليك وإذ هم نجوى إذ يقول الظالمون إن تتبعون إلا رجلا مسحورا .قوله تعالى : نحن أعلم بما يستمعون به إذ يستمعون إليك قيل : الباء زائدة في قوله به أي يستمعونه . وكانوا يستمعون من النبي - صلى الله عليه وسلم - القرآن ثم ينفرون فيقولون : هو ساحر ومسحور ; كما أخبر الله - تعالى - به عنهم ; قاله قتادة وغيره .وإذ هم نجوى أي متناجون في أمرك . قال قتادة : وكانت نجواهم قولهم إنه مجنون وإنه ساحر وإنه يأتي بأساطير الأولين ، وغير ذلك . وقيل : نزلت حين دعا عتبة أشراف قريش إلى طعام صنعه لهم ، فدخل عليهم النبي - صلى الله عليه وسلم - وقرأ عليهم القرآن ودعاهم إلى الله ; فتناجوا ; يقولون ساحر ومجنون . وقيل : أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - عليا أن يتخذ طعاما ويدعو إليه أشراف قريش من المشركين ; ففعل ذلك علي ودخل عليهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقرأ عليهم القرآن ودعاهم إلى التوحيد ، وقال : قولوا لا إله إلا الله لتطيعكم العرب وتدين لكم العجم فأبوا ، وكانوا يستمعون من النبي - صلى الله عليه وسلم - ويقولون بينهم متناجين هو : ساحر وهو مسحور ; فنزلت الآية . وقال الزجاج : النجوى اسم للمصدر ; أي وإذ هم ذو نجوى ، أي سرار .إذ يقول الظالمون أبو جهل والوليد بن المغيرة وأمثالهما .إن تتبعون إلا رجلا مسحورا أي مطبوبا قد خبله السحر فاختلط عليه أمره ، يقولون ذلك لينفروا عنه الناس . وقال مجاهد : مسحورا أي مخدوعا ; مثل قوله : فأنى تسحرون أي من أين تخدعون . وقال أبو عبيدة : مسحورا معناه أن له سحرا ، أي رئة ، فهو لا يستغني عن الطعام والشراب ; فهو مثلكم وليس بملك . وتقول العرب للجبان : قد انتفخ سحره . ولكل من أكل من آدمي وغيره أو شرب مسحور ومسحر . قال لبيد :فإن تسألينا فيم نحن فإننا عصافير من هذا الأنام المسحروقال امرؤ القيس :أرينا موضعين لأمر غيب ونسحر بالطعام وبالشرابأي نغذى ونعلل . وفي الحديث عن عائشة - رضي الله عنها - أنها قالت : من هذه التي تساميني من أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم - ; وقد توفي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بين سحري ونحري .
اُنْظُرْ كَیْفَ ضَرَبُوْا لَكَ الْاَمْثَالَ فَضَلُّوْا فَلَا یَسْتَطِیْعُوْنَ سَبِیْلًا(۴۸)
دیکھو انہوں نے تمہیں کیسی تشبیہیں دیں تو گمراہ ہوئے کہ راہ نہیں پاسکتے،
قوله تعالى : انظر كيف ضربوا لك الأمثال فضلوا فلا يستطيعون سبيلا قوله تعالى : انظر كيف ضربوا لك الأمثال عجبه من صنعهم كيف يقولون تارة ساحر وتارة مجنون وتارة شاعر .فضلوا فلا يستطيعون سبيلا أي حيلة في صد الناس عنك . وقيل : ضلوا عن الحق فلا يجدون سبيلا ، أي إلى الهدى . وقيل : مخرجا ; لتناقض كلامهم في قولهم : مجنون ، ساحر ، شاعر .
وَ قَالُوْۤا ءَاِذَا كُنَّا عِظَامًا وَّ رُفَاتًا ءَاِنَّا لَمَبْعُوْثُوْنَ خَلْقًا جَدِیْدًا(۴۹)
اور بولے کیا جب ہم ہڈیاں اور ریزہ ریزہ ہوجائیں گے کیا سچ مچ نئے بن کر اٹھیں گے (ف۱۰۳)
قوله تعالى : وقالوا أئذا كنا عظاما ورفاتا أئنا لمبعوثون خلقا جديدا قوله تعالى : وقالوا أئذا كنا عظاما ورفاتا أي قالوا وهم يتناجون لما سمعوا القرآن وسمعوا أمر البعث : لو لم يكن مسحورا مخدوعا لما قال هذا . قال ابن عباس : الرفات الغبار . مجاهد : التراب . والرفات ما تكسر وبلي من كل شيء ; كالفتات والحطام والرضاض ; عن أبي عبيدة والكسائي والفراء والأخفش . تقول منه : رفت الشيء رفتا ، أي حطم ; فهو مرفوت .أئنا لمبعوثون خلقا جديدا أئنا استفهام والمراد به الجحد والإنكار . وخلقا نصب لأنه مصدر ; أي بعثا جديدا . وكان هذا غاية الإنكار منهم .
قوله تعالى : قل كونوا حجارة أو حديداقوله تعالى : قل كونوا حجارة أو حديدا أي قل لهم يا محمد كونوا على جهة التعجيز حجارة أو حديدا في الشدة والقوة . قال الطبري : أي إن عجبتم من إنشاء الله لكم عظاما ولحما فكونوا أنتم حجارة أو حديدا إن قدرتم . وقال علي بن عيسى : معناه أنكم لو كنتم حجارة أو حديدا لم تفوتوا الله - عز وجل - إذا أرادكم ; إلا أنه خرج مخرج الأمر ، لأنه أبلغ في الإلزام . وقيل : معناه لو كنتم حجارة أو حديدا لأعادكم كما بدأكم ، ولأماتكم ثم أحياكم . وقال مجاهد : المعنى كونوا ما شئتم فستعادون . النحاس : وهذا قول حسن ; لأنهم لا يستطيعون أن يكونوا حجارة ، وإنما المعنى أنهم قد أقروا بخالقهم وأنكروا البعث فقيل لهم استشعروا أن تكونوا ما شئتم ، فلو كنتم حجارة أو حديدا لبعثتم كما خلقتم أول مرة .
اَوْ خَلْقًا مِّمَّا یَكْبُرُ فِیْ صُدُوْرِكُمْۚ-فَسَیَقُوْلُوْنَ مَنْ یُّعِیْدُنَاؕ-قُلِ الَّذِیْ فَطَرَكُمْ اَوَّلَ مَرَّةٍۚ-فَسَیُنْغِضُوْنَ اِلَیْكَ رُءُوْسَهُمْ وَ یَقُوْلُوْنَ مَتٰى هُوَؕ-قُلْ عَسٰۤى اَنْ یَّكُوْنَ قَرِیْبًا(۵۱)
یا اور کوئی مخلوق جو تمہارے خیال میں بڑی ہو (۱۰۴) تو اب کہیں گے ہمیں کون پھر پیدا کرتے گا، تم فرماؤ وہی جس نے تمہیں پہلی بار پیدا کیا، تو اب تمہاری طرف مسخرگی سے سر ہِلا کر کہیں گے یہ کب ہے (ف۱۰۵) تم فرماؤ شاید نزدیک ہی ہو،
أو خلقا مما يكبر في صدوركم قال مجاهد : يعني السماوات والأرض والجبال لعظمها في النفوس . وهو معنى قول قتادة . يقول : كونوا ما شئتم ، فإن الله يميتكم ثم يبعثكم . وقال ابن عباس وابن عمر وعبد الله بن عمرو بن العاص وابن جبير ومجاهد أيضا وعكرمة وأبو صالح والضحاك : يعني الموت ; لأنه ليس شيء أكبر في نفس ابن آدم منه ; قال أمية بن أبي الصلت :وللموت خلق في النفوس فظيعيقول : إنكم لو خلقتم من حجارة أو حديد أو كنتم الموت لأميتنكم ولأبعثنكم ; لأن القدرة التي بها أنشأتكم بها نعيدكم . وهو معنى قوله : فسيقولون من يعيدنا . وفي الحديث أنه يؤتى بالموت يوم القيامة في صورة كبش أملح فيذبح بين الجنة والنار . وقيل : أراد به البعث ; لأنه كان أكبر في صدورهم ; قاله الكلبي .قل الذي فطركم أول مرة فطركم خلقكم وأنشأكم .فسينغضون إليك رءوسهم أي يحركون رءوسهم استهزاء ; يقال : نغض رأسه ينغض وينغض نغضا ونغوضا ; أي تحرك . وأنغض رأسه أي حركه ، كالمتعجب من الشيء ; ومنه قوله - تعالى - : فسينغضون إليك رءوسهم . قال الراجز :أنغض نحوي رأسه وأقنعاويقال أيضا : نغض فلان رأسه أي حركه ; يتعدى ولا يتعدى ، حكاه الأخفش . ويقال : نغضت سنه ; أي تحركت وانقلعت . قال الراجز :ونغضت من هرم أسنانهاوقال آخر :لما رأتني أنغضت لي الرأساوقال آخر :لا ماء في المقراة إن لم تنهض بمسد فوق المحال النغضالمحال والمحالة : البكرة العظيمة التي يستقى بها الإبل .ويقولون متى هو أي البعث والإعادة وهذا الوقت .قل عسى أن يكون قريبا أي هو قريب ; لأن عسى واجب ; نظيره وما يدريك لعل الساعة تكون قريبا و لعل الساعة قريب . وكل ما هو آت فهو قريب .
یَوْمَ یَدْعُوْكُمْ فَتَسْتَجِیْبُوْنَ بِحَمْدِهٖ وَ تَظُنُّوْنَ اِنْ لَّبِثْتُمْ اِلَّا قَلِیْلًا۠(۵۲)
جس دن وہ تمہیں بُلائے گا (ف۱۰۶) تو تم اس کی حمد کرتے چلے آؤ گے اور (ف۱۰۷) سمجھو گے کہ نہ رہے (۱۰۸) تھے مگر تھوڑا،
قوله تعالى : يوم يدعوكم فتستجيبون بحمده وتظنون إن لبثتم إلا قليلا يوم يدعوكم فتستجيبون بحمده الدعاء : النداء إلى المحشر بكلام تسمعه الخلائق ، يدعوهم الله - تعالى - فيه بالخروج . وقيل : بالصيحة التي يسمعونها ; فتكون داعية لهم إلى الاجتماع في أرض القيامة . قال - صلى الله عليه وسلم - : إنكم تدعون يوم القيامة بأسمائكم وأسماء آبائكم فأحسنوا أسماءكم .فتستجيبون بحمده أي باستحقاقه الحمد على الإحياء . وقال أبو سهل : أي والحمد لله ; كما قال :فإني بحمد الله لا ثوب فاجر لبست ، ولا من غدرة أتقنعوقيل : حامدين لله - تعالى - بألسنتكم . قال سعيد بن جبير : تخرج الكفار من قبورهم وهم يقولون سبحانك وبحمدك ; ولكن لا ينفعهم اعتراف ذلك اليوم . وقال ابن عباس : بحمده بأمره ; أي تقرون بأنه خالقكم . وقال قتادة : بمعرفته وطاعته . وقيل : المعنى بقدرته . وقيل : بدعائه إياكم . قال علماؤنا : وهو الصحيح ; فإن النفخ في الصور إنما هو سبب لخروج أهل القبور ; بالحقيقة إنما هو خروج الخلق بدعوة الحق ، قال الله - تعالى - : يوم يدعوكم فتستجيبون بحمده فيقومون يقولون سبحانك اللهم وبحمدك . قال : فيوم القيامة يوم يبدأ بالحمد ويختم به ; قال الله - تعالى - : يوم يدعوكم فتستجيبون بحمده وقال في آخر وقضي بينهم بالحق وقيل الحمد لله رب العالمين .وتظنون إن لبثتم إلا قليلا يعني بين النفختين ; وذلك أن العذاب يكف عن المعذبين بين النفختين ، وذلك أربعون عاما فينامون ; فذلك قوله - تعالى - : من بعثنا من مرقدنا فيكون خاصا للكفار . وقال مجاهد : للكافرين هجعة قبل يوم القيامة يجدون فيها طعم النوم ، فإذا صيح بأهل القبور قاموا مذعورين . وقال قتادة : المعنى أن الدنيا تحاقرت في أعينهم وقلت حين رأوا يوم القيامة . الحسن : وتظنون إن لبثتم إلا قليلا في الدنيا لطول لبثكم في الآخرة .
وَ قُلْ لِّعِبَادِیْ یَقُوْلُوا الَّتِیْ هِیَ اَحْسَنُؕ-اِنَّ الشَّیْطٰنَ یَنْزَغُ بَیْنَهُمْؕ-اِنَّ الشَّیْطٰنَ كَانَ لِلْاِنْسَانِ عَدُوًّا مُّبِیْنًا(۵۳)
اور میرے (ف۱۰۹) بندوں سے فرماؤ (ف۱۱۰) وہ بات کہیں جو سب سے اچھی ہو (ف۱۱۱) بیشک شیطان ان کے آپس میں فساد ڈالتا ہے، بیشک شیطان آدمی کا کھلا دشمن ہے،
قوله تعالى : وقل لعبادي يقولوا التي هي أحسن إن الشيطان ينزغ بينهم إن الشيطان كان للإنسان عدوا مبيناقوله تعالى : وقل لعبادي يقولوا التي هي أحسن تقدم إعرابه . والآية نزلت في عمر بن الخطاب . وذلك أن رجلا من العرب شتمه ، وسبه عمر وهم بقتله ، فكادت تثير فتنة فأنزل الله - تعالى - فيه : وقل لعبادي يقولوا التي هي أحسن ذكره الثعلبي والماوردي وابن عطية والواحدي . وقيل : نزلت لما قال المسلمون : إيذن لنا يا رسول الله في قتالهم فقد طال إيذاؤهم إيانا ، فقال : لم أومر بعد بالقتال فأنزل الله - تعالى - : وقل لعبادي يقولوا التي هي أحسن ; قاله الكلبي . وقيل : المعنى قل لعبادي الذين اعترفوا بأني خالقهم وهم يعبدون الأصنام ، يقولوا التي هي أحسن من كلمة التوحيد والإقرار بالنبوة . وقيل : المعنى وقل لعبادي المؤمنين إذا جادلوا الكفار في التوحيد ، أن يقولوا الكلمة التي هي أحسن . كما قال : ولا تسبوا الذين يدعون من دون الله فيسبوا الله عدوا بغير علم . وقال الحسن : هو أن يقول للكافر إذا تشطط : هداك الله ! يرحمك الله ! وهذا قبل أن أمروا بالجهاد . وقيل : المعنى قل لهم يأمروا بما أمر الله به وينهوا عما نهى الله عنه ; وعلى هذا تكون الآية عامة في المؤمن والكافر ، أي قل للجميع . والله أعلم . وقالت طائفة : أمر الله - تعالى - في هذه الآية المؤمنين فيما بينهم خاصة ، بحسن الأدب وإلانة القول ، وخفض الجناح وإطراح نزغات الشيطان ; وقد قال - صلى الله عليه وسلم - : وكونوا عباد الله إخوانا . وهذا أحسن ، وتكون الآية محكمة .إن الشيطان ينزغ بينهم أي بالفساد وإلقاء العداوة والإغواء . وقد تقدم في آخر [ الأعراف ] [ ويوسف ] . يقال : نزغ بيننا أي أفسد ; قاله اليزيدي . وقال غيره : النزغ الإغراء .إن الشيطان كان للإنسان عدوا مبينا أي شديد العداوة . وقد تقدم في [ البقرة ] . وفي الخبر ( أن قوما جلسوا يذكرون الله ، - عز وجل - فجاء الشيطان ليقطع مجلسهم فمنعته الملائكة فجاء إلى قوم جلسوا قريبا منهم لا يذكرون الله فحرش بينهم فتخاصموا وتواثبوا فقال هؤلاء الذاكرون قوموا بنا نصلح بين إخواننا فقاموا وقطعوا مجلسهم وفرح بذلك الشيطان ) . فهذا من بعض عداوته .
رَبُّكُمْ اَعْلَمُ بِكُمْؕ-اِنْ یَّشَاْ یَرْحَمْكُمْ اَوْ اِنْ یَّشَاْ یُعَذِّبْكُمْؕ-وَ مَاۤ اَرْسَلْنٰكَ عَلَیْهِمْ وَكِیْلًا(۵۴)
تمہارا رب تمہیں خوب جانتا ہے، وہ چاہے تو تم پر رحم کرے (ف۱۱۲) چاہے تو تمہیں عذاب کرے، اور ہم نے تم کو ان پر کڑوڑا (حاکمِ اعلیٰ) بناکر نہ بھیجا (ف۱۱۳)
قوله تعالى : ربكم أعلم بكم إن يشأ يرحمكم أو إن يشأ يعذبكم وما أرسلناك عليهم وكيلا قوله تعالى : ربكم أعلم بكم إن يشأ يرحمكم أو إن يشأ يعذبكم هذا خطاب للمشركين ، والمعنى : إن يشأ يوفقكم للإسلام فيرحمكم ، أو يمتكم على الشرك فيعذبكم ; قاله ابن جريج . وأعلم بمعنى عليم ; نحو قولهم : الله أكبر ، بمعنى كبير . وقيل : الخطاب للمؤمنين ; أي إن يشأ يرحمكم بأن يحفظكم من كفار مكة ، أو إن يشأ يعذبكم بتسليطهم عليكم ; قاله الكلبي .وما أرسلناك عليهم وكيلا أي وما وكلناك في منعهم من الكفر ولا جعلنا إليك إيمانهم . وقيل : ما جعلناك كفيلا لهم تؤخذ بهم ; قاله الكلبي . وقال الشاعر :ذكرت أبا أروى فبت كأنني برد الأمور الماضيات وكيلأي كفيل .
وَ رَبُّكَ اَعْلَمُ بِمَنْ فِی السَّمٰوٰتِ وَ الْاَرْضِؕ-وَ لَقَدْ فَضَّلْنَا بَعْضَ النَّبِیّٖنَ عَلٰى بَعْضٍ وَّ اٰتَیْنَا دَاوٗدَ زَبُوْرًا(۵۵)
اور تمہارا رب خوب جانتا ہے جو کوئی آسمانوں اور زمین میں ہیں (ف۱۱۴) اور بیشک ہم نے نبیوں میں ایک کو ایک پر بڑائی دی (ف۱۱۵) اور داؤد کو زبور عطا فرمائی (ف۱۱۶)
قوله تعالى : وربك أعلم بمن في السماوات والأرض ولقد فضلنا بعض النبيين على بعض وآتينا داود زبورا قوله تعالى : وربك أعلم بمن في السماوات والأرض ولقد فضلنا بعض النبيين على بعض أعاد بعد أن قال : ربكم أعلم بكم ليبين أنه خالقهم وأنه جعلهم مختلفين في أخلاقهم وصورهم وأحوالهم ومالهم ألا يعلم من خلق .وكذا النبيون فضل بعضهم على بعض عن علم منه بحالهم . وقد مضى القول في هذا في ( البقرة ) . وآتينا داود زبورا الزبور : كتاب ليس فيه حلال ولا حرام ، ولا فرائض ولا حدود ; وإنما هو دعاء وتحميد وتمجيد . أي كما آتينا داود الزبور فلا تنكروا أن يؤتى محمد القرآن . وهو في محاجة اليهود .
قُلِ ادْعُوا الَّذِیْنَ زَعَمْتُمْ مِّنْ دُوْنِهٖ فَلَا یَمْلِكُوْنَ كَشْفَ الضُّرِّ عَنْكُمْ وَ لَا تَحْوِیْلًا(۵۶)
تم فرماؤ پکارو انہیں جن کو اللہ کے سوا گمان کرتے ہو تو وہ اختیار نہیں رکھتے تم سے تکلیف دو کرنے اور نہ پھیر دینے کا (ف۱۱۷)
قوله تعالى : قل ادعوا الذين زعمتم من دونه فلا يملكون كشف الضر عنكم ولا تحويلا قوله تعالى : قل ادعوا الذين زعمتم من دونه لما ابتليت قريش بالقحط وشكوا إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنزل الله هذه الآية ; أي ادعوا الذين تعبدون من دون الله وزعمتم أنهم آلهة . وقال الحسن : يعني الملائكة وعيسى وعزيرا . ابن مسعود : يعني الجنفلا يملكون كشف الضر عنكم أي القحط سبع سنين ، على قول مقاتل .ولا تحويلا من الفقر إلى الغنى ومن السقم إلى الصحة .
اُولٰٓىٕكَ الَّذِیْنَ یَدْعُوْنَ یَبْتَغُوْنَ اِلٰى رَبِّهِمُ الْوَسِیْلَةَ اَیُّهُمْ اَقْرَبُ وَ یَرْجُوْنَ رَحْمَتَهٗ وَ یَخَافُوْنَ عَذَابَهٗؕ-اِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ كَانَ مَحْذُوْرًا(۵۷)
وہ مقبول بندے جنہیں یہ کافر پوجتے ہیں (ف۱۱۸) وہ آپ ہی اپنے رب کی طرف وسیلہ ڈھونڈتے ہیں کہ ان میں کون زیادہ مقرب ہے (ف۱۱۹) اس کی رحمت کی امید رکھتے اور اس کے عذاب سے ڈرتے ہیں (ف۱۲۰) بیشک تمہارے رب کا عذاب ڈر کی چیز ہے،
قوله تعالى : أولئك الذين يدعون يبتغون إلى ربهم الوسيلة أيهم أقرب ويرجون رحمته ويخافون عذابه إن عذاب ربك كان محذوراقوله تعالى : أولئك الذين يدعون أولئك مبتدأ الذين صفة أولئك وضمير الصلة محذوف ; أي يدعونهم . يعني أولئك المدعوون . ويبتغون خبر ، أو يكون حالا ، و الذين يدعون خبر ; أي يدعون إليه عبادا إلى عبادته . وقرأ ابن مسعود " تدعون " بالتاء على الخطاب . الباقون بالياء على الخبر . ولا خلاف في يبتغون أنه بالياء . وفي صحيح مسلم من كتاب التفسير عن عبد الله بن مسعود في قوله - عز وجل - : أولئك الذين يدعون يبتغون إلى ربهم الوسيلة قال : نفر من الجن أسلموا وكانوا يعبدون ، فبقي الذين كانوا يعبدون على عبادتهم وقد أسلم النفر من الجن . في رواية قال : نزلت في نفر من العرب كانوا يعبدون نفرا من الجن فأسلم الجنيون والإنس الذين كانوا يعبدونهم لا يشعرون ; فنزلت أولئك الذين يدعون يبتغون إلى ربهم الوسيلة . وعنه أيضا أنهم الملائكة كانت تعبدهم قبائل من العرب ; ذكره الماوردي . وقال ابن عباس ومجاهد : عزير وعيسى . ويبتغون يطلبون من الله الزلفة والقربة ، ويتضرعون إلى الله - تعالى - في طلب الجنة ، وهي الوسيلة . أعلمهم الله - تعالى - أن المعبودين يبتغون القربة إلى ربهم . والهاء والميم في ربهم تعود على العابدين أو على المعبودين أو عليهم جميعا . وأما يدعون فعلى العابدين . ويبتغون على المعبودين .أيهم أقرب ابتداء وخبر . ويجوز أن يكون أيهم أقرب بدلا من الضمير في يبتغون ، والمعنى يبتغي أيهم أقرب الوسيلة إلى الله .ويرجون رحمته ويخافون عذابه إن عذاب ربك كان محذورا أي مخوفا لا أمان لأحد منه ; فينبغي أن يحذر منه ويخاف . وقال سهل بن عبد الله : الرجاء والخوف زمانان على الإنسان ، فإذا استويا استقامت أحواله ، وإن رجح أحدهما بطل الآخر .
وَ اِنْ مِّنْ قَرْیَةٍ اِلَّا نَحْنُ مُهْلِكُوْهَا قَبْلَ یَوْمِ الْقِیٰمَةِ اَوْ مُعَذِّبُوْهَا عَذَابًا شَدِیْدًاؕ-كَانَ ذٰلِكَ فِی الْكِتٰبِ مَسْطُوْرًا(۵۸)
اور کوئی بستی نہیں مگر یہ کہ ہم اسے روزِ قیامت سے پہلے نیست کردیں گے یا اسے سخت عذاب دیں گے (ف۱۲۱) یہ کتاب میں (ف۱۲۲) لکھا ہوا ہے،
قوله تعالى : وإن من قرية إلا نحن مهلكوها قبل يوم القيامة أو معذبوها عذابا شديدا كان ذلك في الكتاب مسطوراقوله تعالى : وإن من قرية إلا نحن مهلكوها أي مخربوها .قبل يوم القيامة أو معذبوها عذابا شديدا قال مقاتل : أما الصالحة فبالموت ، وأما الطالحة فبالعذاب . وقال ابن مسعود : إذا ظهر الزنا والربا في قرية أذن الله في هلاكهم . فقيل : المعنى وإن من قرية ظالمة ; يقوي ذلك قوله : وما كنا مهلكي القرى إلا وأهلها ظالمون . أي فليتق المشركون ، فإنه ما من قرية كافرة إلا سيحل بها العذاب .كان ذلك في الكتاب أي في اللوح .مسطورا أي مكتوبا . والسطر : الخط والكتابة وهو في الأصل مصدر . والسطر ( بالتحريك ) ، مثله .قال جرير :من شاء بايعته مالي وخلعته ما تكمل التيم في ديوانهم سطراالخلعة ( بضم الخاء ) : خيار المال . والسطر جمعه أسطار ; مثل سبب وأسباب ، ثم يجمع على أساطير . وجمع السطر أسطر وسطور ; مثل أفلس وفلوس . والكتاب هنا يراد به اللوح المحفوظ .
وَ مَا مَنَعَنَاۤ اَنْ نُّرْسِلَ بِالْاٰیٰتِ اِلَّاۤ اَنْ كَذَّبَ بِهَا الْاَوَّلُوْنَؕ-وَ اٰتَیْنَا ثَمُوْدَ النَّاقَةَ مُبْصِرَةً فَظَلَمُوْا بِهَاؕ-وَ مَا نُرْسِلُ بِالْاٰیٰتِ اِلَّا تَخْوِیْفًا(۵۹)
اور ہم ایسی نشانیاں بھیجنے سے یوں ہی باز رہے کہ انہیں اگلوں نے جھٹلایا (ف۱۲۳) اور ہم نے ثمود کو (ف۱۲۴) ناقہ دیا آنکھیں کھولنے کو (ف۱۲۵) تو انہوں نے اس پر ظلم کیا (ف۱۲۶) اور ہم ایسی نشانیاں نہیں بھیجتے مگر ڈرانے کو (ف۱۲۷)
قوله تعالى : وما منعنا أن نرسل بالآيات إلا أن كذب بها الأولون وآتينا ثمود الناقة مبصرة فظلموا بها وما نرسل بالآيات إلا تخويفاقوله تعالى : وما منعنا أن نرسل بالآيات إلا أن كذب بها الأولون في الكلام حذف ، والتقدير : وما منعنا أن نرسل بالآيات التي اقترحوها إلا أن يكذبوا بها فيهلكوا كما فعل بمن كان قبلهم . قال معناه قتادة وابن جريج وغيرهما . فأخر الله - تعالى - العذاب عن كفار قريش لعلمه أن فيهم من يؤمن وفيهم من يولد مؤمنا . وقد تقدم في [ الأنعام ] وغيرها أنهم طلبوا أن يحول الله لهم الصفا ذهبا وتتنحى الجبال عنهم ; فنزل جبريل وقال : ( إن شئت كان ما سأل قومك ولكنهم إن لم يؤمنوا لم يمهلوا وإن شئت استأنيت بهم ) . فقال : لا بل استأن بهم . وأن الأولى في محل نصب بوقوع المنع عليهم ، وأن الثانية في محل رفع . والباء في بالآيات زائدة . ومجاز الكلام : وما منعنا إرسال الآيات إلا تكذيب الأولين ، والله - تعالى - لا يكون ممنوعا عن شيء ; فالمعنى المبالغة في أنه لا يفعل ، فكأنه قد منع عنه .ثم بين ما فعل بمن سأل الآيات فلم يؤمن بها فقال : وآتينا ثمود الناقة مبصرة أي آية دالة مضيئة نيرة على صدق صالح ، وعلى قدرة الله - تعالى - . وقد تقدم ذلك .فظلموا بها أي ظلموا بتكذيبها . وقيل : جحدوا بها وكفروا أنها من عند الله فاستأصلهم الله بالعذاب .وما نرسل بالآيات إلا تخويفا فيه خمسة أقوال : [ الأول ] العبر والمعجزات التي جعلها الله على أيدي الرسل من دلائل الإنذار تخويفا للمكذبين . [ الثاني ] أنها آيات الانتقام تخويفا من المعاصي . [ الثالث ] أنها تقلب الأحوال من صغر إلى شباب ثم إلى تكهل ثم إلى مشيب ، لتعتبر بتقلب أحوالك فتخاف عاقبة أمرك ; وهذا قول أحمد بن حنبل - رضي الله عنه - . [ الرابع ] القرآن . [ الخامس ] الموت الذريع ; قاله الحسن .
وَ اِذْ قُلْنَا لَكَ اِنَّ رَبَّكَ اَحَاطَ بِالنَّاسِؕ-وَ مَا جَعَلْنَا الرُّءْیَا الَّتِیْۤ اَرَیْنٰكَ اِلَّا فِتْنَةً لِّلنَّاسِ وَ الشَّجَرَةَ الْمَلْعُوْنَةَ فِی الْقُرْاٰنِؕ-وَ نُخَوِّفُهُمْۙ-فَمَا یَزِیْدُهُمْ اِلَّا طُغْیَانًا كَبِیْرًا۠(۶۰)
اور جب ہم نے تم سے فرمایا کہ سب لوگ تمہارے رب کے قابو میں ہیں (ف۱۲۸) اور ہم نے نہ کیا وہ دکھاوا (ف۱۲۹) جو تمہیں دکھایا تھا (ف۱۳۰) مگر لوگوں کی آزمائش کو (ف۱۳۱) اور وہ پیڑ جس پر قرآن میں لعنت ہے (ف۱۳۲) اور ہم انہیں ڈراتے ہیں (ف۱۳۳) تو انھیں نہیں بڑھتی مگر بڑی سرکشی،
قوله تعالى : وإذ قلنا لك إن ربك أحاط بالناس وما جعلنا الرؤيا التي أريناك إلا فتنة للناس والشجرة الملعونة في القرآن ونخوفهم فما يزيدهم إلا طغيانا كبيراقوله تعالى : وإذ قلنا لك إن ربك أحاط بالناس قال ابن عباس : الناس هنا أهل مكة ، وإحاطته بهم إهلاكه إياهم ; أي إن الله سيهلكهم . وذكره بلفظ الماضي لتحقق كونه . وعنى بهذا الإهلاك الموعود ما جرى يوم بدر ويوم الفتح . وقيل : معنى أحاط بالناس أي أحاطت قدرته بهم ، فهم في قبضته لا يقدرون على الخروج من مشيئته ; قاله مجاهد وابن أبي نجيح . وقال الكلبي : المعنى أحاط علمه بالناس . وقيل : المراد عصمته من الناس أن يقتلوه حتى يبلغ رسالة ربه ; أي وما أرسلناك عليهم حفيظا ، بل عليك التبليغ ، فبلغ بجدك فإنا نعصمك منهم ونحفظك ، فلا تهبهم ، وامض لما آمرك به من تبليغ الرسالة ، فقدرتنا محيطة بالكل ; قال معناه الحسن وعروة وقتادة وغيرهم .قوله تعالى : وما جعلنا الرؤيا التي أريناك إلا فتنة للناس لما بين أن إنزال آيات القرآن تتضمن التخويف ضم إليه ذكر آية الإسراء ، وهي المذكورة في صدر السورة . وفي البخاري والترمذي عن ابن عباس في قوله - تعالى - : وما جعلنا الرؤيا التي أريناك إلا فتنة للناس قال : هي رؤيا عين أريها النبي - صلى الله عليه وسلم - ليلة أسري به إلى بيت المقدس . قال : والشجرة الملعونة في القرآن هي شجرة الزقوم . قال أبو عيسى الترمذي : هذا حديث صحيح . وبقول ابن عباس قالت عائشة ومعاوية والحسن ومجاهد وقتادة وسعيد بن جبير والضحاك وابن أبي نجيح وابن زيد . وكانت الفتنة ارتداد قوم كانوا أسلموا حين أخبرهم النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه أسري به . وقيل : كانت رؤيا نوم . وهذه الآية تقضي بفساده ، وذلك أن رؤيا المنام لا فتنة فيها ، وما كان أحد لينكرها . وعن ابن عباس قال : الرؤيا التي في هذه الآية هي رؤيا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه يدخل مكة في سنة الحديبية ، فرد فافتتن المسلمون لذلك ، فنزلت الآية ، فلما كان العام المقبل دخلها ، وأنزل الله - تعالى - لقد صدق الله رسوله الرؤيا بالحق . وفي هذا التأويل ضعف ; لأن السورة مكية وتلك الرؤيا كانت بالمدينة . وقال في رواية ثالثة : إنه - عليه السلام - رأى في المنام بني مروان ينزون على منبره نزو القردة ، فساءه ذلك فقيل : إنما هي الدنيا أعطوها ، فسري عنه ، وما كان له بمكة منبر ولكنه يجوز أن يرى بمكة رؤيا المنبر بالمدينة . وهذا التأويل الثالث قاله أيضا سهل بن سعد - رضي الله عنه - . قال سهل إنما هذه الرؤيا هي أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يرى بني أمية ينزون على منبره نزو القردة ، فاغتم لذلك ، وما استجمع ضاحكا من يومئذ حتى مات - صلى الله عليه وسلم - . فنزلت الآية مخبرة أن ذلك من تملكهم وصعودهم يجعلها الله فتنة للناس وامتحانا . وقرأ الحسن بن علي في خطبته في شأن بيعته لمعاوية : وإن أدري لعله فتنة لكم ومتاع إلى حين . قال ابن عطية : وفي هذا التأويل نظر ، ولا يدخل في هذه الرؤيا عثمان ولا عمر بن عبد العزيز ولا معاوية .قوله تعالى : والشجرة الملعونة في القرآن فيه تقديم وتأخير ; أي ما جعلنا الرؤيا التي أريناك والشجرة الملعونة في القرآن إلا فتنة للناس . وفتنتها أنهم لما خوفوا بها قال أبو جهل استهزاء : هذا محمد يتوعدكم بنار تحرق الحجارة ، ثم يزعم أنها تنبت الشجر والنار تأكل الشجر ، وما نعرف الزقوم إلا التمر والزبد ، ثم أمر أبو جهل جارية فأحضرت تمرا وزبدا وقال لأصحابه : تزقموا . وقد قيل : إن القائل ما نعلم الزقوم إلا التمر والزبد ابن الزبعرى حيث قال : كثر الله من الزقوم في داركم ، فإنه التمر بالزبد بلغة اليمن . وجائز أن يقول كلاهما ذلك . فافتتن أيضا لهذه المقالة بعض الضعفاء ، فأخبر الله - تعالى - نبيه - عليه السلام - أنه إنما جعل الإسراء وذكر شجرة الزقوم فتنة واختبارا ليكفر من سبق عليه الكفر ويصدق من سبق له الإيمان . كما روي أن أبا بكر الصديق - رضي الله عنه - قيل له صبيحة الإسراء : إن صاحبك يزعم أنه جاء البارحة من بيت المقدس فقال : إن كان قال ذلك فلقد صدق . فقيل له : أتصدقه قبل أن تسمع منه ؟ فقال : أين عقولكم ؟ أنا أصدقه بخبر السماء ، فكيف لا أصدقه بخبر بيت المقدس ، والسماء أبعد منها بكثير .قلت : ذكر هذا الخبر ابن إسحاق ، ونصه : قال كان من الحديث فيما بلغني عن مسراه - صلى الله عليه وسلم - عن عبد الله بن مسعود وأبي سعيد الخدري وعائشة ومعاوية بن أبي سفيان والحسن بن أبي الحسن وابن شهاب الزهري وقتادة وغيرهم من أهل العلم وأم هانئ بنت أبي طالب ، ما اجتمع في هذا الحديث ، كل يحدث عنه بعض ما ذكره من أمره حين أسري به صلى الله عليه وسلم ، وكان في مسراه وما ذكر عنه بلاء وتمحيص وأمر من أمر الله - عز وجل - في قدرته وسلطانه فيه عبرة لأولي الألباب ، وهدى ورحمة وثبات لمن آمن وصدق وكان من أمر الله - تعالى - على يقين ; فأسرى به - صلى الله عليه وسلم - كيف شاء وكما شاء ليريه من آياته ما أراد ، حتى عاين ما عاين من أمره وسلطانه العظيم ، وقدرته التي يصنع بها ما يريد . وكان عبد الله بن مسعود فيما بلغني عنه يقول : أتي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالبراق - وهي الدابة التي كانت تحمل عليها الأنبياء قبله تضع حافرها في منتهى طرفها - فحمل عليها ، ثم خرج به صاحبه يرى الآيات فيما بين السماء والأرض ، حتى انتهى إلى بيت المقدس ، فوجد فيه إبراهيم وموسى وعيسى في نفر من الأنبياء قد جمعوا له فصلى بهم ثم أتي بثلاثة آنية : إناء فيه لبن وإناء فيه خمر ; وإناء فيه ماء . قال : فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : فسمعت قائلا يقول حين عرضت علي إن أخذ الماء فغرق وغرقت أمته وإن أخذ الخمر فغوي وغوت أمته وإن أخذ اللبن فهدي وهديت أمته قال فأخذت إناء اللبن فشربت فقال له جبريل هديت وهديت أمتك يا محمد . قال ابن إسحاق : وحدثت عن الحسن أنه قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : بينما أنا نائم في الحجر جاءني جبريل - عليه السلام - فهمزني بقدمه فجلست فلم أر شيئا ثم عدت لمضجعي فجاءني الثانية فهمزني بقدمه فجلست فلم أر شيئا فعدت لمضجعي فجاءني الثالثة فهمزني بقدمه فجلست فأخذ بعضدي فقمت معه فخرج إلى باب المسجد فإذا دابة أبيض بين البغل والحمار في فخذيه جناحان يحفز بهما رجليه يضع حافره في منتهى طرفه فحملني عليه ثم خرج معي لا يفوتني ولا أفوته . قال ابن إسحاق : وحدثت عن قتادة أنه قال : حدثت أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : لما دنوت منه لأركبه شمس فوضع جبريل يده على معرفته ثم قال ألا تستحي يا براق مما تصنع فوالله ما ركبك عبد لله قبل محمد أكرم عليه منه قال فاستحيا حتى ارفض عرقا ثم قر حتى ركبته . قال الحسن في حديثه : فمضى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ومضى معه جبريل حتى انتهى إلى بيت المقدس ، فوجد فيه إبراهيم وموسى وعيسى في نفر من الأنبياء ، فأمهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فصلى بهم ثم أتي بإناءين : في أحدهما خمر وفي الآخر لبن ، قال : فأخذ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إناء اللبن فشرب منه وترك إناء الخمر . قال : فقال له جبريل : هديت الفطرة وهديت أمتك وحرمت عليكم الخمر . ثم انصرف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى مكة ، فلما أصبح غدا على قريش فأخبرهم الخبر ; فقال أكثر الناس : هذا والله الأمر البين والله إن العير لتطرد شهرا من مكة إلى الشام ، مدبرة شهرا ومقبلة شهرا ، فيذهب ذلك محمد في ليلة واحدة ويرجع إلى مكة قال : فارتد كثير ممن كان أسلم ، وذهب الناس إلى أبي بكر فقالوا : هل لك يا أبا بكر في صاحبك يزعم أنه قد جاء هذه الليلة بيت المقدس ، وصلى فيه ورجع إلى مكة . قال فقال أبو بكر الصديق - رضي الله عنه - : إنكم تكذبون عليه . فقالوا : بلى ، ها هو ذا في المسجد يحدث به الناس . فقال أبو بكر : والله لئن كان قاله لقد صدق فما يعجبكم من ذلك فوالله إنه ليخبرني أن الخبر ليأتيه من السماء إلى الأرض في ساعة من ليل أو نهار فأصدقه ، فهذا أبعد مما تعجبون منه . ثم أقبل حتى انتهى إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال : يا نبي الله ، أحدثت هؤلاء أنك جئت بيت المقدس هذه الليلة ؟ قال ( نعم ) قال : يا نبي الله ، فصفه لي فإني قد جئته ؟ فقال الحسن : فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : رفع لي حتى نظرت إليه فجعل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصفه لأبي بكر ويقول أبو بكر - رضي الله عنه - : صدقت ، أشهد إنك رسول الله . كلما وصف له منه شيئا قال : صدقت ، أشهد إنك رسول الله . قال : حتى إذا انتهى قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لأبي بكر - رضي الله عنه - : وأنت يا أبا بكر الصديق فيومئذ سماه الصديق . قال الحسن : وأنزل الله - تعالى - فيمن ارتد عن الإسلام لذلك : وما جعلنا الرؤيا التي أريناك إلا فتنة للناس والشجرة الملعونة في القرآن ونخوفهم فما يزيدهم إلا طغيانا كبيرا . فهذا حديث الحسن عن مسرى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وما دخل فيه من حديث قتادة . وذكر باقي الإسراء عمن تقدم في السيرة . وقال ابن عباس : هذه الشجرة بنو أمية ، وأن النبي - صلى الله عليه وسلم - نفى الحكم . وهذا قول ضعيف محدث والسورة مكية ، فيبعد هذا التأويل ; إلا أن تكون هذه الآية مدنية ، ولم يثبت ذلك . وقد قالت عائشة لمروان : لعن الله أباك وأنت في صلبه فأنت بعض من لعنة الله . ثم قال : والشجرة الملعونة في القرآن ولم يجر في القرآن لعن هذه الشجرة ، ولكن الله لعن الكفار وهم آكلوها . والمعنى : والشجرة الملعونة في القرآن آكلوها . ويمكن أن يكون هذا على قول العرب لكل طعام مكروه ضار : ملعون . وقال ابن عباس : الشجرة الملعونة هي هذه الشجرة التي تلتوي على الشجر فتقتله ، يعني الكشوث .ونخوفهم أي بالزقوم .فما يزيدهم إلا طغيانا كبيرا فما يزيدهم التخويف إلا الكفر .
وَ اِذْ قُلْنَا لِلْمَلٰٓىٕكَةِ اسْجُدُوْا لِاٰدَمَ فَسَجَدُوْۤا اِلَّاۤ اِبْلِیْسَؕ-قَالَ ءَاَسْجُدُ لِمَنْ خَلَقْتَ طِیْنًاۚ(۶۱)
اور یاد کرو جب ہم نے فرشتوں کو حکم دیا کہ آدم کو سجدہ کرو (ف۱۳۴) تو ان سب نے سجدہ کیا سوا ابلیس کے، بولا کیا میں اسے سجدہ کروں جسے تو نے مٹی سے بنایا
قوله تعالى : وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا إلا إبليس قال أأسجد لمن خلقت طيناقوله تعالى : وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم تقدم ذكر كون الشيطان عدو الإنسان ، فانجر الكلام إلى ذكر آدم . والمعنى : اذكر بتمادي هؤلاء المشركين وعتوهم على ربهم قصة إبليس حين عصى ربه وأبى السجود ، وقال ما قال ، وهو ما أخبر الله - تعالى - في قوله - تعالى - :فسجدوا إلا إبليس قال أأسجد لمن خلقت طينا أي من طين . وهذا استفهام إنكار . وقد تقدم القول في خلق آدم في [ البقرة ] و [ الأنعام ] مستوفى .
قَالَ اَرَءَیْتَكَ هٰذَا الَّذِیْ كَرَّمْتَ عَلَیَّ٘-لَىٕنْ اَخَّرْتَنِ اِلٰى یَوْمِ الْقِیٰمَةِ لَاَحْتَنِكَنَّ ذُرِّیَّتَهٗۤ اِلَّا قَلِیْلًا(۶۲)
بولا (ف۱۳۵) دیکھ تو جو یہ تو نے مجھ سے معزز رکھا (ف۱۳۶) اگر تو نے مجھے قیامت تک مہلت دی تو ضرور میں اس کی اولاد کو پیس ڈالوں گا (ف۱۳۷) مگر تھوڑا (ف۱۳۸)
قال أرأيتك أي قال إبليس . والكاف توكيد للمخاطبة .هذا الذي كرمت علي أي فضلته علي . ورأى جوهر النار خيرا من جوهر الطين ولم يعلم أن الجواهر متماثلة . وقد تقدم هذا في [ الأعراف ] . وهذا نصب ب أرأيت . الذي نعته . والإكرام : اسم جامع لكل ما يحمد . وفي الكلام حذف تقديره : أخبرني عن هذا الذي فضلته علي ، لم فضلته وقد خلقتني من نار وخلقته من طين ؟ فحذف لعلم السامع . وقيل : لا حاجة إلى تقدير الحذف ; أي أترى هذا الذي كرمته علي لأفعلن به كذا وكذا .ومعنى لأحتنكن في قول ابن عباس : لأستولين عليهم . وقاله الفراء . مجاهد : لأحتوينهم . ابن زيد : لأضلنهم . والمعنى متقارب ; أي لأستأصلن ذريته بالإغواء والإضلال ، ولأجتاحنهم . وروي عن العرب : احتنك الجراد الزرع إذا ذهب به كله . وقيل : معناه لأسوقنهم حيث شئت وأقودنهم حيث أردت . ومن قولهم : حنكت الفرس أحنكه وأحنكه حنكا إذا جعلت في فيه الرسن . وكذلك احتنكه . والقول الأول قريب من هذا ; لأنه إنما يأتي على الزرع بالحنك . وقال الشاعر :أشكو إليك سنة قد أجحفت جهدا إلى جهد بنا وأضعفتواحتنكت أموالنا واجتلفتإلا قليلا يعني المعصومين ، وهم الذين ذكرهم الله في قوله : إن عبادي ليس لك عليهم سلطان وإنما قال إبليس ذلك ظنا ; . كما قال الله - تعالى - : ولقد صدق عليهم إبليس ظنه أو علم من طبع البشر تركب الشهوة فيهم ; أو بنى على قول الملائكة : أتجعل فيها من يفسد فيها . وقال الحسن : ظن ذلك لأنه وسوس إلى آدم - عليه السلام - فلم يجد له عزما .
قَالَ اذْهَبْ فَمَنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ فَاِنَّ جَهَنَّمَ جَزَآؤُكُمْ جَزَآءً مَّوْفُوْرًا(۶۳)
فرمایا، دور ہو (ف۱۳۹) تو ان میں جو تیری پیروی کرے گا تو بیشک سب کا بدلہ جہنم ہے بھرپور سزا،
قوله تعالى : قال اذهب فمن تبعك منهم فإن جهنم جزاؤكم جزاء موفورا قوله تعالى : قال اذهب هذا أمر إهانة ; أي اجهد جهدك فقد أنظرناكفمن تبعك منهم أي أطاعك من ذرية آدم .فإن جهنم جزاؤكم جزاء موفورا أي وافرا ; عن مجاهد وغيره . وهو نصب على المصدر ، يقال : وفرته أفره وفرا ، ووفر المال بنفسه يفر وفورا فهو وافر ; فهو لازم ومتعد .
وَ اسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ وَ اَجْلِبْ عَلَیْهِمْ بِخَیْلِكَ وَ رَجِلِكَ وَ شَارِكْهُمْ فِی الْاَمْوَالِ وَ الْاَوْلَادِ وَعِدْهُمْؕ-وَ مَا یَعِدُهُمُ الشَّیْطٰنُ اِلَّا غُرُوْرًا(۶۴)
اور ڈگا دے (بہکادے) ان میں سے جس پر قدرت پائے اپنی آواز سے (ف۱۴۰) اور ان پر لام باندھ (فوج چڑھا) لا اپنے سواروں اور اپنے پیادوں کا (ف۱۴۱) اور ان کا ساجھی ہو مالوں اور بچو ں میں (ف۱۴۲) اور انہیں وعدہ دے (ف۱۴۳) اور شیطان انہیں وعدہ نہیں دیتا مگر فریب سے،
قوله تعالى : واستفزز من استطعت منهم بصوتك وأجلب عليهم بخيلك ورجلك وشاركهم في الأموال والأولاد وعدهم وما يعدهم الشيطان إلا غرورافيه ست مسائل :الأولى : قوله تعالى : واستفزز أي استزل واستخف . وأصله القطع ، ومنه تفزز الثوب إذا انقطع . والمعنى استزله بقطعك إياه عن الحق . واستفزه الخوف أي استخفه . وقعد مستوفزا أي غير مطمئن . واستفزز أمر تعجيز ، أي أنت لا تقدر على إضلال أحد ، وليس لك على أحد سلطان فافعل ما شئت .الثانية : بصوتك وصوته كل داع يدعو إلى معصية الله - تعالى - ; عن ابن عباس . مجاهد : الغناء والمزامير واللهو . الضحاك : صوت المزمار . وكان آدم - عليه السلام - أسكن أولاد هابيل أعلى الجبل ، وولد قابيل أسفله ، وفيهم بنات حسان ، فزمر اللعين فلم يتمالكوا أن انحدروا فزنوا ذكره الغزنوي . وقيل : بصوتك بوسوستك .الثالثة : قوله تعالى : وأجلب عليهم بخيلك ورجلك أصل الإجلاب السوق بجلبة من السائق ; يقال : أجلب إجلابا . والجلب والجلبة : الأصوات ; تقول منه : جلبوا بالتشديد . وجلب الشيء يجلبه ويجلبه جلبا وجلبا . وجلبت الشيء إلى نفسي واجتلبته بمعنى . وأجلب على العدو إجلابا ; أي جمع عليهم . فالمعنى أجمع عليهم كل ما تقدر عليه من مكايدك وقال أكثر المفسرين : يريد كل راكب وماش في معصية الله - تعالى - . وقال ابن عباس ومجاهد وقتادة : إن له خيلا ورجلا من الجن والإنس . فما كان من راكب وماش يقاتل في معصية الله فهو من خيل إبليس ورجالته . وروى سعيد بن جبير ومجاهد عن ابن عباس قال : كل خيل سارت في معصية الله ، وكل رجل مشت في معصية الله ، وكل مال أصيب من حرام ، وكل ولد بغية فهو للشيطان . والرجل جمع راجل ; مثل صحب وصاحب . وقرأ حفص ورجلك بكسر الجيم وهما لغتان ; يقال : رجل ورجل بمعنى راجل . وقرأ عكرمة وقتادة " ورجالك " على الجمع .الرابعة : وشاركهم في الأموال والأولاد أي اجعل لنفسك شركة في ذلك . فشركته في الأموال إنفاقها في معصية الله ; قاله الحسن . وقيل : هي التي أصابوها من غير حلها ; قاله مجاهد . ابن عباس : ما كانوا يحرمونه من البحيرة والسائبة والوصيلة والحام . وقاله قتادة . الضحاك : ما كانوا يذبحونه لآلهتهم . والأولاد قيل : هم أولاد الزنا ، قاله مجاهد والضحاك وعبد الله بن عباس . وعنه أيضا هو ما قتلوا من أولادهم وأتوا فيهم من الجرائم . وعنه أيضا : هو تسميتهم عبد الحارث وعبد العزى وعبد اللات وعبد الشمس ونحوه . وقيل : هو صبغة أولادهم في الكفر حتى هودوهم ونصروهم ، كصنع النصارى بأولادهم بالغمس في الماء الذي لهم ; قال قتادة . وقول خامس - روي عن مجاهد قال : إذا جامع الرجل ولم يسم انطوى الجان على إحليله فجامع معه ، فذلك قوله - تعالى - : لم يطمثهن إنس قبلهم ولا جان وسيأتي . وروى من حديث عائشة قالت قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : إن فيكم مغربين قلت : يا رسول الله ، وما المغربون ؟ قال : الذين يشترك فيهم الجن . رواه الترمذي الحكيم في نوادر الأصول . قال الهروي : سموا مغربين لأنه دخل فيهم عرق غريب . قال الترمذي الحكيم : فللجن مساماة بابن آدم في الأمور والاختلاط ; فمنهم من يتزوج فيهم ، وكانت بلقيس ملكة سبأ أحد أبويها من الجن . وسيأتي بيانه إن شاء الله - تعالى - .الخامسة : قوله تعالى : وعدهم أي منهم الأماني الكاذبة ، وأنه لا قيامة ولا حساب ، وأنه إن كان حساب وجنة ونار فأنتم أولى بالجنة من غيركم . يقويه قوله - تعالى - : يعدهم ويمنيهم وما يعدهم الشيطان إلا غرورا أي باطلا . وقيل وعدهم أي عدهم النصرة على من أرادهم بسوء . وهذا الأمر للشيطان تهدد ووعيد له . وقيل : استخفاف به وبمن اتبعه .السادسة : في الآية ما يدل على تحريم المزامير والغناء واللهو ; لقوله : واستفزز من استطعت منهم بصوتك وأجلب عليهم على قول مجاهد . وما كان من صوت الشيطان أو فعله وما يستحسنه فواجب التنزه عنه . وروى نافع عن ابن عمر أنه سمع صوت زمارة فوضع أصبعيه في أذنيه ، وعدل راحلته عن الطريق وهو يقول : يا نافع ! أتسمع ؟ فأقول نعم ; فمضى حتى قلت له لا ، فوضع يديه وأعاد راحلته إلى الطريق وقال : رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سمع صوت زمارة راع فصنع مثل هذا . قال علماؤنا : إذا كان هذا فعلهم في حق صوت لا يخرج عن الاعتدال ، فكيف بغناء أهل هذا الزمان وزمرهم . وسيأتي لهذا مزيد بيان في سورة [ لقمان ] إن شاء الله - تعالى - .
اِنَّ عِبَادِیْ لَیْسَ لَكَ عَلَیْهِمْ سُلْطٰنٌؕ-وَ كَفٰى بِرَبِّكَ وَكِیْلًا(۶۵)
بیشک جو میرے بندے ہیں (ف۱۴۴) ان پر تیرا کچھ قابو نہیں، اور تیرا رب کافی ہے کام بنانے کو (ف۱۴۵)
قوله تعالى : إن عبادي ليس لك عليهم سلطان وكفى بربك وكيلا قوله تعالى : إن عبادي ليس لك عليهم سلطان قال ابن عباس : هم المؤمنون . وقد تقدم الكلام فيهوكفى بربك وكيلا أي عاصما من القبول من إبليس ، وحافظا من كيده وسوء مكره .
رَبُّكُمُ الَّذِیْ یُزْجِیْ لَكُمُ الْفُلْكَ فِی الْبَحْرِ لِتَبْتَغُوْا مِنْ فَضْلِهٖؕ-اِنَّهٗ كَانَ بِكُمْ رَحِیْمًا(۶۶)
تمہارا رب وہ ہے کہ تمہارے لیے دریا میں کشتی رواں کرتا ہے کہ (ف۱۴۶) تم اس کا فضل تلاش کرو، بیشک وہ تم پر مہربان ہے،
قوله تعالى : ربكم الذي يزجي لكم الفلك في البحر لتبتغوا من فضله إنه كان بكم رحيما قوله تعالى : ربكم الذي يزجي لكم الفلك في البحر الإزجاء : السوق ; ومنه قوله - تعالى - : ألم تر أن الله يزجي سحابا . وقال الشاعر :يا أيها الراكب المزجي مطيته سائل بني أسد ما هذه الصوتوإزجاء الفلك : سوقه بالريح اللينة . والفلك هنا جمع ، وقد تقدم . والبحر الماء الكثير عذبا كان أو ملحا ، وقد غلب هذا الاسم على الملح . وهذه الآية توقيف على آلاء الله وفضله عند عباده ; أي ربكم الذي أنعم عليكم بكذا وكذا فلا تشركوا به شيئا .لتبتغوا من فضله أي في التجارات . وقد تقدم .إنه كان بكم رحيما
وَ اِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فِی الْبَحْرِ ضَلَّ مَنْ تَدْعُوْنَ اِلَّاۤ اِیَّاهُۚ-فَلَمَّا نَجّٰىكُمْ اِلَى الْبَرِّ اَعْرَضْتُمْؕ-وَ كَانَ الْاِنْسَانُ كَفُوْرًا(۶۷)
اور جب تمہیں دریا میں مصیبت پہنچتی ہے (ف۱۴۷) تو اس کے سوا جنہیں پوجتے ہیں سب گم ہوجاتے ہیں (ف۱۴۸) پھر جب تمہیں خشکی کی طرف نجات دیتا ہے تو منہ پھیر لیتے ہیں (ف۱۴۹) اور انسان بڑا ناشکرا ہے،
قوله تعالى : وإذا مسكم الضر في البحر ضل من تدعون إلا إياه فلما نجاكم إلى البر أعرضتم وكان الإنسان كفوراقوله تعالى : وإذا مسكم الضر في البحر الضر لفظ يعم خوف الغرق والإمساك عن الجري . وأهوال حالاته اضطرابه وتموجه .ضل من تدعون إلا إياه ضل معناه تلف وفقد ; وهي عبارة تحقير لمن يدعي إلها من دون الله . المعنى في هذه الآية : أن الكفار إنما يعتقدون في أصنامهم أنها شافعة ، وأن لها فضلا . وكل واحد منهم بالفطرة يعلم علما لا يقدر على مدافعته أن الأصنام لا فعل لها في الشدائد العظام ، فوقفهم الله من ذلك على حالة البحر حيث تنقطع الحيل .فلما نجاكم إلى البر أعرضتم أي عن الإخلاص .وكان الإنسان كفورا الإنسان هنا الكافر . وقيل : وطبع الإنسان كفورا للنعم إلا من عصمه الله ; فالإنسان لفظ الجنس .
اَفَاَمِنْتُمْ اَنْ یَّخْسِفَ بِكُمْ جَانِبَ الْبَرِّ اَوْ یُرْسِلَ عَلَیْكُمْ حَاصِبًا ثُمَّ لَا تَجِدُوْا لَكُمْ وَكِیْلًاۙ(۶۸)
کیا تم (ف۱۵۰) اس سے نڈر ہوئے کہ وہ خشکی ہی کا کوئی کنارہ تمہارے ساتھ دھنسادے (ف۱۵۱) یا تم پر پتھراؤ بھیجے (ف۱۵۲) پھر اپنا کوئی حمایتی نہ پاؤ (ف۱۵۳)
قوله تعالى : أفأمنتم أن يخسف بكم جانب البر أو يرسل عليكم حاصبا ثم لا تجدوا لكم وكيلا قوله تعالى : أفأمنتم أن يخسف بكم جانب البر بين أنه قادر على هلاكهم في البر وإن سلموا من البحر . والخسف : أن تنهار الأرض بالشيء ; يقال : بئر خسيف إذا انهدم أصلها . وعين خاسف أي غارت حدقتها في الرأس . وعين من الماء خاسفة أي غار ماؤها . وخسفت الشمس أي غابت عن الأرض . وقال أبو عمرو : والخسيف البئر التي تحفر في الحجارة فلا ينقطع ماؤها كثرة . والجمع خسف . وجانب البر : ناحية الأرض ; وسماه جانبا لأنه يصير بعد الخسف جانبا . وأيضا فإن البحر جانب والبر جانب . وقيل : إنهم كانوا على ساحل البحر ، وساحله جانب البر ، وكانوا فيه آمنين من أهوال البحر ، فحذرهم ما أمنوه من البر كما حذرهم ما خافوه من البحر .أو يرسل عليكم حاصبا يعني ريحا شديدة ، وهي التي ترمي بالحصباء ، وهي الحصى الصغار ; قاله أبو عبيدة والقتبي . وقال قتادة : يعني حجارة من السماء تحصبهم ، كما فعل بقوم لوط . ويقال للسحابة التي ترمي بالبرد : حاصب ، وللريح التي تحمل التراب والحصباء حاصب وحصبة أيضا . قال لبيد :جرت عليها أن خوت من أهلها أذيالها كل عصوف حصبهوقال الفرزدق :مستقبلين شمال الشام يضربنا بحاصب كنديف القطن منثورثم لا تجدوا لكم وكيلا أي حافظا ونصيرا يمنعكم من بأس الله .
اَمْ اَمِنْتُمْ اَنْ یُّعِیْدَكُمْ فِیْهِ تَارَةً اُخْرٰى فَیُرْسِلَ عَلَیْكُمْ قَاصِفًا مِّنَ الرِّیْحِ فَیُغْرِقَكُمْ بِمَا كَفَرْتُمْۙ-ثُمَّ لَا تَجِدُوْا لَكُمْ عَلَیْنَا بِهٖ تَبِیْعًا(۶۹)
یا اس سے نڈر ہوئے کہ تمہیں دوبارہ دریا میں لے جائے پھر تم پر جہاز توڑنے والی آندھی بھیجے تو تم کو تمہارے کفر کے سبب ڈبو دے پھر اپنے لیے کوئی ایسا نہ پاؤ کہ اس پر ہمارا پیچھا کرے (ف۱۵۴)
قوله تعالى : أم أمنتم أن يعيدكم فيه تارة أخرى فيرسل عليكم قاصفا من الريح فيغرقكم بما كفرتم ثم لا تجدوا لكم علينا به تبيعاقوله تعالى : أم أمنتم أن يعيدكم فيه تارة أخرى يعني في البحر .فيرسل عليكم قاصفا من الريح القاصف : الريح الشديدة التي تكسر بشدة ; من قصف الشيء يقصفه ; أي كسره بشدة . والقصف : الكسر ; يقال : قصفت الريح السفينة . وريح قاصف : شديدة . ورعد قاصف : شديد الصوت . يقال : قصف الرعد وغيره قصيفا . والقصيف : هشيم الشجر . والتقصف التكسر . والقصف أيضا : اللهو واللعب ; يقال : إنها مولدة .فيغرقكم بما كفرتم أي بكفركم . وقرأ ابن كثير وأبو عمرو " نخسف بكم " " أو نرسل عليكم " " أن نعيدكم " " فنرسل عليكم " " فنغرقكم بالنون في الخمسة على التعظيم ، لقوله : علينا ، الباقون بالياء ; لقوله في الآية قبل : إياه . وقرأ أبو جعفر وشيبة ورويس ومجاهد " فتغرقكم " بالتاء نعتا للريح . وعن الحسن وقتادة " فيغرقكم " بالياء مع التشديد في الراء . وقرأ أبو جعفر " الرياح " هنا وفي كل القرآن . وقيل : إن القاصف المهلكة في البر ، والعاصف المغرقة في البحر ; حكاه الماوردي .ثم لا تجدوا لكم علينا به تبيعا قال مجاهد : ثائرا . النحاس : وهو من الثأر . وكذلك يقال لكل من طلب بثأر أو غيره : تبيع وتابع ; ومنه فاتباع بالمعروف أي مطالبة .
وَ لَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِیْۤ اٰدَمَ وَ حَمَلْنٰهُمْ فِی الْبَرِّ وَ الْبَحْرِ وَ رَزَقْنٰهُمْ مِّنَ الطَّیِّبٰتِ وَ فَضَّلْنٰهُمْ عَلٰى كَثِیْرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِیْلًا۠(۷۰)
اور بیشک ہم نے اولادِ آدم کو عزت دی (ف۱۵۵) اور ان کی خشکی اور تری میں (ف۱۵۶) سوار کیا اور ان کو ستھری چیزیں روزی دیں (ف۱۵۷) اور ان کو اپنی بہت مخلوق سے افضل کیا (ف۱۵۸)
قوله تعالى : ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلا فيه ثلاث مسائل : الأولى : قوله تعالى : ولقد كرمنا بني آدم الآية . لما ذكر من الترهيب ما ذكر بين النعمة عليهم أيضا . كرمنا تضعيف كرم ; أي جعلنا لهم كرما أي شرفا وفضلا . وهذا هو كرم نفي النقصان لا كرم المال . وهذه الكرامة يدخل فيها خلقهم على هذه الهيئة في امتداد القامة وحسن الصورة ، وحملهم في البر والبحر مما لا يصح لحيوان سوى بني آدم أن يكون يتحمل بإرادته وقصده وتدبيره . وتخصيصهم بما خصهم به من المطاعم والمشارب والملابس ، وهذا لا يتسع فيه حيوان اتساع بني آدم ; لأنهم يكسبون المال خاصة دون الحيوان ، ويلبسون الثياب ويأكلون المركبات من الأطعمة . وغاية كل حيوان يأكل لحما نيئا أو طعاما غير مركب . وحكى الطبري عن جماعة أن التفضيل هو أن يأكل بيده وسائر الحيوان بالفم . وروي عن ابن عباس ; ذكره المهدوي والنحاس ; وهو قول الكلبي ومقاتل ; ذكره الماوردي . وقال الضحاك : كرمهم بالنطق والتمييز . عطاء : كرمهم بتعديل القامة وامتدادها . يمان : بحسن الصورة . محمد بن كعب : بأن جعل محمدا - صلى الله عليه وسلم - منهم . وقيل أكرم الرجال باللحى والنساء بالذوائب . وقال محمد بن جرير الطبري : بتسليطهم على سائر الخلق ، وتسخير سائر الخلق لهم . وقيل : بالكلام والخط . وقيل : بالفهم والتمييز . والصحيح الذي يعول عليه أن التفضيل إنما كان بالعقل الذي هو عمدة التكليف ، . وبه يعرف الله ويفهم كلامه ، ويوصل إلى نعيمه وتصديق رسله ; إلا أنه لما لم ينهض بكل المراد من العبد بعثت الرسل وأنزلت الكتب . فمثال الشرع الشمس ، ومثال العقل العين ; فإذا فتحت وكانت سليمة رأت الشمس وأدركت تفاصيل الأشياء . وما تقدم من الأقوال بعضه أقوى من بعض . وقد جعل الله في بعض الحيوان خصالا يفضل بها ابن آدم أيضا ; كجري الفرس وسمعه وإبصاره ، وقوة الفيل وشجاعة الأسد وكرم الديك . وإنما التكريم والتفضيل بالعقل كما بيناه . والله أعلم .الثانية : قالت فرقة : هذه الآية تقتضي تفضيل الملائكة على الإنس والجن من حيث إنهم المستثنون في قوله - تعالى - : ولا الملائكة المقربون . وهذا غير لازم من الآية ، بل التفضيل فيها بين الإنس والجن ; فإن هذه الآية إنما عدد الله فيها على بني آدم ما خصهم به من سائر الحيوان ، والجن هو الكثير المفضول ، والملائكة هم الخارجون عن الكثير المفضول ، ولم تتعرض الآية لذكرهم ، بل يحتمل أن الملائكة أفضل ، ويحتمل العكس ، ويحتمل التساوي ، وعلى الجملة فالكلام لا ينتهي في هذه المسألة إلى القطع . وقد تحاشى قوم من الكلام في هذا كما تحاشوا من الكلام في تفضيل بعض الأنبياء على بعض ; إذ في الخبر لا تخايروا بين الأنبياء ولا تفضلوني على يونس بن متى . وهذا ليس بشيء ; لوجود النص في القرآن في التفضيل بين الأنبياء . وقد بيناه في [ البقرة ] ومضى فيها الكلام في تفضيل الملائكة والمؤمن .الثالثة : قوله تعالى : ورزقناهم من الطيبات يعني لذيذ المطاعم والمشارب . قال مقاتل : السمن والعسل والزبد والتمر والحلوى ، وجعل رزق غيرهم ما لا يخفى عليكم من التبن والعظام وغيرها .وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلا أي على البهائم والدواب والوحش والطير بالغلبة والاستيلاء ، والثواب والجزاء والحفظ والتمييز وإصابة الفراسة .الرابعة : هذه الآية ترد ما روي عن عائشة - رضي الله عنها - ، قالت قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : احرموا أنفسكم طيب الطعام فإنما قوي الشيطان أن يجري في العروق منها . وبه يستدل كثير من الصوفية في ترك أكل الطيبات ، ولا أصل له ; لأن القرآن يرده ، والسنة الثابتة بخلافه ، على ما تقرر في غير موضع . وقد حكى أبو حامد الطوسي قال : كان سهل يقتات من ورق النبق مدة . وأكل دقاق ورق التين ثلاث سنين . وذكر إبراهيم بن البنا قال : صحبت ذا النون من إخميم إلى الإسكندرية ، فلما كان وقت إفطاره أخرجت قرصا وملحا كان معي ، وقلت : هلم . فقال لي : ملحك مدقوق ؟ قلت نعم . قال : لست تفلح ! فنظرت إلى مزوده وإذا فيه قليل سويق شعير يسف منه . وقال أبو يزيد : ما أكلت شيئا مما يأكله بنو آدم أربعين سنة . قال علماؤنا : وهذا مما لا يجوز حمل النفس عليه ; لأن الله - تعالى - أكرم الآدمي بالحنطة وجعل قشورها لبهائمهم ، فلا يصح مزاحمة الدواب في أكل التبن ، وأما سويق الشعير فإنه يورث القولنج ، وإذا اقتصر الإنسان على خبز الشعير والملح الجريش فإنه ينحرف مزاجه ; لأن خبز الشعير بارد مجفف ، والملح يابس قابض يضر الدماغ والبصر . وإذا مالت النفس إلى ما يصلحها فمنعت فقد قوومت حكمة البارئ سبحانه بردها ، ثم يؤثر ذلك في البدن ، فكان هذا الفعل مخالفا للشرع والعقل . ومعلوم أن البدن مطية الآدمي ، ومتى لم يرفق بالمطية لم تبلغ . وروي عن إبراهيم بن أدهم أنه اشترى زبدا وعسلا وخبز حوارى ، فقيل له : هذا كله ؟ فقال : إذا وجدنا أكلنا أكل الرجال ، وإذا عدمنا صبرنا صبر الرجال . وكان الثوري يأكل اللحم والعنب والفالوذج ثم يقوم إلى الصلاة . ومثل هذا عن السلف كثير . وقد تقدم منه ما يكفي في المائدة والأعراف وغيرهما . والأول غلو في الدين إن صح عنهم ورهبانية ابتدعوها ما كتبناها عليهم .
یَوْمَ نَدْعُوْا كُلَّ اُنَاسٍۭ بِاِمَامِهِمْۚ-فَمَنْ اُوْتِیَ كِتٰبَهٗ بِیَمِیْنِهٖ فَاُولٰٓىٕكَ یَقْرَءُوْنَ كِتٰبَهُمْ وَ لَا یُظْلَمُوْنَ فَتِیْلًا(۷۱)
جس دن ہم ہر جماعت کو اس کے امام کے ساتھ بلائیں گے (ف۱۵۹) تو جو اپنا نامہ داہنے ہاتھ میں دیا گیا یہ لوگ اپنا نامہ پڑھیں گے (ف۱۶۰) اور تاگے بھر ان کا حق نہ دبایا جائے گا (ف۱۶۱)
قوله تعالى : يوم ندعوا كل أناس بإمامهم فمن أوتي كتابه بيمينه فأولئك يقرءون كتابهم ولا يظلمون فتيلا قوله تعالى : يوم ندعوا كل أناس بإمامهم روى الترمذي عن أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في قوله - تعالى - : يوم ندعو كل أناس بإمامهم قال : يدعى أحدهم فيعطى كتابه بيمينه ، ويمد له في جسمه ستون ذراعا ، ويبيض وجهه ويجعل على رأسه تاج من لؤلؤ يتلألأ فينطلق إلى أصحابه فيرونه من بعيد فيقولون اللهم ائتنا بهذا وبارك لنا في هذا حتى يأتيهم فيقول أبشروا لكل منكم مثل هذا - قال - وأما الكافر فيسود وجهه ويمد له في جسمه ستون ذراعا على صورة آدم ويلبس تاجا فيراه أصحابه فيقولون نعوذ بالله من شر هذا ! اللهم لا تأتنا بهذا . قال : فيأتيهم فيقولون اللهم أخره . فيقول أبعدكم الله فإن لكل رجل منكم مثل هذا . قال أبو عيسى : هذا حديث حسن غريب . ونظير هذا قوله : وترى كل أمة جاثية كل أمة تدعى إلى كتابها اليوم تجزون ما كنتم تعملون . والكتاب يسمى إماما ; لأنه يرجع إليه في تعرف أعمالهم . وقال ابن عباس والحسن وقتادة والضحاك : بإمامهم أي بكتابهم ، أي بكتاب كل إنسان منهم الذي فيه عمله ; دليله فمن أوتي كتابه بيمينه . وقال ابن زيد : بالكتاب المنزل عليهم . أي يدعى كل إنسان بكتابه الذي كان يتلوه ; فيدعى أهل التوراة بالتوراة ، وأهل القرآن بالقرآن ; فيقال : يا أهل القرآن ، ماذا عملتم ، هل امتثلتم أوامره هل اجتنبتم نواهيه ! وهكذا . وقال مجاهد : بإمامهم بنبيهم ، والإمام من يؤتم به . فيقال : هاتوا متبعي إبراهيم - عليه السلام - ، هاتوا متبعي موسى - عليه السلام - ، هاتوا متبعي الشيطان ، هاتوا متبعي الأصنام . فيقوم أهل الحق فيأخذون كتابهم بأيمانهم ، ويقوم أهل الباطل فيأخذون كتابهم بشمالهم . وقاله قتادة . وقال علي - رضي الله عنه - : بإمام عصرهم . وروى عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في قوله : يوم ندعو كل أناس بإمامهم فقال : كل يدعى بإمام زمانهم وكتاب ربهم وسنة نبيهم فيقول هاتوا متبعي إبراهيم هاتوا متبعي موسى هاتوا متبعي عيسى هاتوا متبعي محمد - عليهم أفضل الصلوات والسلام - فيقوم أهل الحق فيأخذون كتابهم بأيمانهم ، ويقول : هاتوا متبعي الشيطان هاتوا متبعي رؤساء الضلالة إمام هدى وإمام ضلالة . وقال الحسن وأبو العالية : بإمامهم أي بأعمالهم . وقاله ابن عباس . فيقال : أين الراضون بالمقدور ، أين الصابرون عن المحذور . وقيل : بمذاهبهم ; فيدعون بمن كانوا يأتمون به في الدنيا : يا حنفي ، يا شافعي ، يا معتزلي ، يا قدري ، ونحوه ; فيتبعونه في خير أو شر أو على حق أو باطل ، وهذا معنى قول أبي عبيدة . وقد تقدم . وقال أبو هريرة : يدعى أهل الصدقة من باب الصدقة ، وأهل الجهاد من باب الجهاد . . . ، الحديث بطوله . أبو سهل : يقال أين فلان المصلي والصوام ، وعكسه الدفاف والنمام . وقال محمد بن كعب : بإمامهم بأمهاتهم . وإمام جمع آم . قالت الحكماء : وفي ذلك ثلاثة أوجه من الحكمة ; أحدها - لأجل عيسى . والثاني - إظهار لشرف الحسن والحسين . والثالث - لئلا يفتضح أولاد الزنا .قلت : وفي هذا القول نظر ; فإن في الحديث الصحيح عن ابن عمر قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : إذا جمع الله الأولين والآخرين يوم القيامة يرفع لكل غادر لواء فيقال هذه غدرة فلان بن فلان خرجه مسلم والبخاري . فقوله : هذه غدرة فلان بن فلان دليل على أن الناس يدعون في الآخرة بأسمائهم وأسماء آبائهم ، وهذا يرد على من قال : إنما يدعون بأسماء أمهاتهم لأن في ذلك سترا على آبائهم . والله أعلم .قوله تعالى : فمن أوتي كتابه بيمينه هذا يقوي قول من قال : بإمامهم بكتابهم ويقويه أيضا قوله : وكل شيء أحصيناه في إمام مبين .فأولئك يقرءون كتابهم ولا يظلمون فتيلا الفتيل الذي في شق النواة . وقد مضى في [ النساء ] .
وَ مَنْ كَانَ فِیْ هٰذِهٖۤ اَعْمٰى فَهُوَ فِی الْاٰخِرَةِ اَعْمٰى وَ اَضَلُّ سَبِیْلًا(۷۲)
اور جو اس زندگی میں (ف۱۶۲) اندھا ہو وہ آخرت میں اندھا ہے (ف۱۶۳) اور اوربھی زیادہ گمراہ،
قوله تعالى : ومن كان في هذه أعمى فهو في الآخرة أعمى وأضل سبيلا قوله تعالى : ومن كان في هذه أعمى أي في الدنيا عن الاعتبار وإبصار الحق .فهو في الآخرة أي في أمر الآخرةأعمى وقال عكرمة : جاء نفر من أهل اليمن إلى ابن عباس فسألوه عن هذه الآية فقال : اقرءوا ما قبلها ربكم الذي يزجي لكم الفلك في البحر - إلى - " تفضيلا " . قال ابن عباس : من كان في هذه النعم والآيات التي رأى أعمى فهو عن الآخرة التي لم يعاين أعمى وأضل سبيلا . وقيل : المعنى من عمي عن النعم التي أنعم الله بها عليه في الدنيا فهو عن نعم الآخرة أعمى . وقيل : المعنى من كان في الدنيا التي أمهل فيها وفسح له ووعد بقبول التوبة أعمى فهو في الآخرة التي لا توبة فيها أعمى . وقال الحسن : من كان في هذه الدنيا كافرا ضالا فهو في الآخرة أعمى وأضل سبيلا وقيل : ومن كان في الدنيا أعمى عن حجج الله بعثه الله يوم القيامة أعمى ; كما قال : ونحشره يوم القيامة أعمى الآيات . وقال : ونحشرهم يوم القيامة على وجوههم عميا وبكما وصما مأواهم جهنم . وقيل : المعنى في قوله فهو في الآخرة أعمى في جميع الأقوال : أشد عمى ; لأنه من عمى القلب ، ولا يقال مثله في عمى العين . قال الخليل وسيبويه : لأنه خلقة بمنزلة اليد والرجل ، فلم يقل ما أعماه كما لا يقال ما أيداه . الأخفش : لم يقل فيه ذلك لأنه على أكثر من ثلاثة أحرف ، وأصله أعمى . وقد أجاز بعض النحويين ما أعماه وما أعشاه ; لأن فعله عمي وعشى . وقال الفراء : حدثني بالشام شيخ بصري أنه سمع العرب تقول : ما أسود شعره . قال الشاعر :ما في المعالي لكم ظل ولا ثمر وفي المخازي لكم أشباح أشياخ أما الملوك فأنت اليوم ألأمهملؤما وأبيضهم سربال طباخوأمال أبو بكر وحمزة والكسائي وخلف الحرفين أعمى وأعمى وفتح الباقون . وأمال أبو عمرو الأول وفتح الثاني .وأضل سبيلا يعني أنه لا يجد طريقا إلى الهداية .
وَ اِنْ كَادُوْا لَیَفْتِنُوْنَكَ عَنِ الَّذِیْۤ اَوْحَیْنَاۤ اِلَیْكَ لِتَفْتَرِیَ عَلَیْنَا غَیْرَهٗ ﳓ وَ اِذًا لَّاتَّخَذُوْكَ خَلِیْلًا(۷۳)
اور وہ تو قریب تھا کہ تمہیں کچھ لغزش دیتے ہماری وحی سے جو ہم نے تم کو بھیجی کہ تم ہماری طرف کچھ اور نسبت کردو، اور ایسا ہوتا تو وہ تم کو اپنا گہرا دو ست بنالیتے (ف۱۶۴)
قوله تعالى : وإن كادوا ليفتنونك عن الذي أوحينا إليك لتفتري علينا غيره وإذا لاتخذوك خليلا قال سعيد بن جبير : كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يستلم الحجر الأسود في طوافه ، فمنعته قريش وقالوا : لا ندعك تستلم حتى تلم بآلهتنا . فحدث نفسه وقال : ما علي أن ألم بها بعد أن يدعوني أستلم الحجر والله يعلم أني لها كاره فأبى الله - تعالى - ذلك وأنزل عليه هذه الآية ; قاله مجاهد وقتادة . وقال ابن عباس في رواية عطاء : نزلت في وفد ثقيف ، أتوا النبي - صلى الله عليه وسلم - فسألوه شططا وقالوا : متعنا بآلهتنا سنة حتى نأخذ ما يهدى لها ، فإذا أخذناه كسرناها وأسلمنا ، وحرم وادينا كما حرمت مكة ، حتى تعرف العرب فضلنا عليهم ; فهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يعطيهم ذلك فنزلت هذه الآية . وقيل : هو قول أكابر قريش للنبي - صلى الله عليه وسلم - : اطرد عنا هؤلاء السقاط والموالي حتى نجلس معك ونسمع منك ; فهم بذلك حتى نهي عنه . وقال قتادة ذكر لنا أن قريشا خلوا برسول الله - صلى الله عليه وسلم - ذات ليلة إلى الصبح يكلمونه ويفخمونه ، ويسودونه ويقاربونه ; فقالوا : إنك تأتي بشيء لا يأتي به أحد من الناس ، وأنت سيدنا يا سيدنا ; وما زالوا به حتى كاد يقاربهم في بعض ما يريدون ، ثم عصمه الله من ذلك ، وأنزل الله - تعالى - هذه الآية . ومعنى ليفتنونك أي يزيلونك . يقال : فتنت الرجل عن رأيه إذا أزلته عما كان عليه ; قاله الهروي . وقيل يصرفونك ، والمعنى واحد .عن الذي أوحينا إليك أي حكم القرآن ; لأن في إعطائهم ما سألوه مخالفة لحكم القرآن .لتفتري علينا غيره أي لتختلق علينا غير ما أوحينا إليك ، وهو قول ثقيف : وحرم وادينا كما حرمت مكة ، شجرها وطيرها ووحشها ، فإن سألتك العرب لم خصصتهم فقل الله أمرني بذلك حتى يكون عذرا لك .وإذا لاتخذوك خليلا أي لو فعلت ما أرادوا لاتخذوك خليلا ، أي والوك وصافوك ; مأخوذ من الخلة ( بالضم ) وهي الصداقة لممايلته لهم . وقيل : لاتخذوك خليلا أي فقيرا . مأخوذ من الخلة ( بفتح الخاء ) وهي الفقر لحاجته إليهم .
وَ لَوْ لَاۤ اَنْ ثَبَّتْنٰكَ لَقَدْ كِدْتَّ تَرْكَنُ اِلَیْهِمْ شَیْــٴًـا قَلِیْلًاۗۙ(۷۴)
اور اگر ہم تمہیں (ف۱۶۵) ثابت قدم نہ رکھتے تو قریب تھا کہ تم ان کی طرف کچھ تھوڑا سا جھکتے
قوله تعالى : ولولا أن ثبتناك لقد كدت تركن إليهم شيئا قليلاقوله تعالى : ولولا أن ثبتناك أي على الحق وعصمناك من موافقتهم .لقد كدت تركن إليهم أي تميل . شيئا قليلا أي ركونا قليلا .قال قتادة : لما نزلت هذه الآية قال - عليه السلام - : اللهم لا تكلني إلى نفسي طرفة عين . وقيل : ظاهر الخطاب للنبي - صلى الله عليه وسلم - وباطنه إخبار عن ثقيف . والمعنى : وإن كادوا ليركنونك ، أي كادوا يخبرون عنك بأنك ملت إلى قولهم ; فنسب فعلهم إليه مجازا واتساعا ; كما تقول لرجل : كدت تقتل نفسك ، أي كاد الناس يقتلونك بسبب ما فعلت ; ذكره المهدوي . وقيل ما كان منه هم بالركون إليهم ، بل المعنى : ولولا فضل الله عليك لكان منك ميل إلى موافقتهم ، ولكن تم فضل الله عليك فلم تفعل ; ذكره القشيري . وقال ابن عباس : كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - معصوما ، ولكن هذا تعريف للأمة لئلا يركن أحد منهم إلى المشركين في شيء من أحكام الله - تعالى - وشرائعه .
اِذًا لَّاَذَقْنٰكَ ضِعْفَ الْحَیٰوةِ وَ ضِعْفَ الْمَمَاتِ ثُمَّ لَا تَجِدُ لَكَ عَلَیْنَا نَصِیْرًا(۷۵)
اور ایسا ہوتا تو ہم تم کو دُونی عمر اور دو چند موت (ف۱۶۶) کا مزہ دیتے پھر تم ہمارے مقابل اپنا کوئی مددگار نہ پاتے،
قوله تعالى : إذا لأذقناك ضعف الحياة وضعف الممات أي لو ركنت لأذقناك مثلي عذاب الحياة في الدنيا ومثلي عذاب الممات في الآخرة ; قاله ابن عباس ومجاهد وغيرهما . وهذا غاية الوعيد . وكلما كانت الدرجة أعلى كان العذاب عند المخالفة أعظم . قال الله - تعالى - : يانساء النبي من يأت منكن بفاحشة مبينة يضاعف لها العذاب ضعفين وضعف الشيء مثله مرتين ، وقد يكون الضعف النصيب ; كقوله - عز وجل - : لكل ضعف أي نصيب . وقد تقدم في الأعراف .
وَ اِنْ كَادُوْا لَیَسْتَفِزُّوْنَكَ مِنَ الْاَرْضِ لِیُخْرِجُوْكَ مِنْهَا وَ اِذًا لَّا یَلْبَثُوْنَ خِلٰفَكَ اِلَّا قَلِیْلًا(۷۶)
اور بیشک قریب تھا کہ وہ تمہیں اس زمین سے (ف۱۶۷) ڈگا دیں (کھسکادیں) کہ تمہیں اس سے باہر کردیں اور ایسا ہوتا تو وہ تمہارے پیچھے نہ ٹھہرتے مگر تھوڑا (ف۱۶۸)
قوله تعالى : وإن كادوا ليستفزونك من الأرض ليخرجوك منها وإذا لا يلبثون خلافك إلا قليلا هذه الآية قيل إنها مدنية ; حسبما تقدم في أول السورة . قال ابن عباس : حسدت اليهود مقام النبي - صلى الله عليه وسلم - بالمدينة فقالوا : إن الأنبياء إنما بعثوا بالشام ، فإن كنت نبيا فالحق بها ; فإنك إن خرجت إليها صدقناك وآمنا بك ; فوقع ذلك في قلبه لما يحب من إسلامهم ، فرحل من المدينة على مرحلة فأنزل الله هذه الآية . وقال عبد الرحمن بن غنم : غزا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - غزوة تبوك لا يريد إلا الشام ، فلما نزل تبوك نزل وإن كادوا ليستفزونك من الأرض بعد ما ختمت السورة ، وأمر بالرجوع . وقيل : إنها مكية . قال مجاهد وقتادة : نزلت في هم أهل مكة بإخراجه ، ولو أخرجوه لما أمهلوا ولكن الله أمره بالهجرة فخرج ، وهذا أصح ; لأن السورة مكية ، ولأن ما قبلها خبر عن أهل مكة ، ولم يجر لليهود ذكر . وقوله : من الأرض يريد أرض مكة . كقوله : فلن أبرح الأرض أي أرض مصر ; دليله وكأين من قرية هي أشد قوة من قريتك التي أخرجتك يعني مكة . معناه : هم أهلها بإخراجه ; فلهذا أضاف إليها وقال أخرجتك . وقيل : هم الكفار كلهم أن يستخفوه من أرض العرب بتظاهرهم عليه فمنعه الله .ولو أخرجوه من أرض العرب لم يمهلوا .وإذا لا يلبثون خلافك وقرأ عطاء بن أبي رباح " لا يلبثون " الباء مشددة . " خلفك " نافع وابن كثير وأبو بكر وأبو عمرو ، ومعناه بعدك . وقرأ ابن عامر وحفص وحمزة والكسائي خلافك واختاره أبو حاتم ، اعتبارا بقوله : فرح المخلفون بمقعدهم خلاف رسول الله ومعناه أيضا بعدك ; قال الشاعر :عفت الديار خلافهم فكأنما بسط الشواطب بينهن حصيرابسط البواسط ; في الماوردي . يقال : شطبت المرأة الجريد إذا شقته لتعمل منه الحصر . قال أبو عبيد ثم تلقيه الشاطبة إلى المنقية . وقيل : " خلفك " بمعنى بعدك . وخلافك بمعنى مخالفتك ; ذكره ابن الأنباري .إلا قليلا فيه وجهان : أحدهما - أن المدة التي لبثوها بعده ما بين إخراجهم له إلى قتلهم يوم بدر ; وهذا قول من ذكر أنهم قريش . الثاني - ما بين ذلك وقتل بني قريظة وجلاء بني النضير ; وهذا قول من ذكر أنهم اليهود .
سُنَّةَ مَنْ قَدْ اَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِنْ رُّسُلِنَا وَ لَا تَجِدُ لِسُنَّتِنَا تَحْوِیْلًا۠(۷۷)
دستور ان کا جو ہم نے تم سے پہلے رسول بھیجے (ف۱۶۹) اور تم ہمارا قانون بدلتا نہ پاؤ گے،
قوله تعالى : سنة من قد أرسلنا قبلك من رسلنا ولا تجد لسنتنا تحويلا قوله تعالى : سنة من قد أرسلنا قبلك من رسلنا أي يعذبون كسنة من قد أرسلنا ; فهو نصب بإضمار يعذبون ; فلما سقط الخافض عمل الفعل ; قاله الفراء . وقيل : انتصب على معنى سننا سنة من قد أرسلنا . وقيل : هو منصوب على تقدير حذف الكاف : التقدير لا يلبثون خلفك إلا قليلا كسنة من قد أرسلنا ; فلا يوقف على هذا التقدير على قوله : إلا قليلا ويوقف على الأول والثاني . قبلك من رسلنا وقف حسن .ولا تجد لسنتنا تحويلا أي لا خلف في وعدها .
اَقِمِ الصَّلٰوةَ لِدُلُوْكِ الشَّمْسِ اِلٰى غَسَقِ الَّیْلِ وَ قُرْاٰنَ الْفَجْرِؕ-اِنَّ قُرْاٰنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُوْدًا(۷۸)
نماز قائم رکھو سورج ڈھلنے سے رات کی اندھیری تک (ف۱۷۰) اور صبح کا قرآن (ف۱۷۱) بیشک صبح کے قرآن میں فرشتے حاضر ہوتے ہیں (ف۱۷۲)
قوله تعالى : أقم الصلاة لدلوك الشمس إلى غسق الليل وقرآن الفجر إن قرآن الفجر كان مشهودا فيه سبع مسائل :الأولى : قوله تعالى : أقم الصلاة لدلوك الشمس لما ذكر مكايد المشركين أمر نبيه - عليه السلام - بالصبر والمحافظة على الصلاة ، وفيها طلب النصر على الأعداء . ومثله ولقد نعلم أنك يضيق صدرك بما يقولون فسبح بحمد ربك وكن من الساجدين . وتقدم القول في معنى إقامة الصلاة في أول سورة البقرة . وهذه الآية بإجماع من المفسرين إشارة إلى الصلوات المفروضة . واختلف العلماء في الدلوك على قولين : أحدهما - أنه زوال الشمس عن كبد السماء ; قاله عمر وابنه وأبو هريرة وابن عباس وطائفة سواهم من علماء التابعين وغيرهم . الثاني - أن الدلوك هو الغروب ; قاله علي وابن مسعود وأبي بن كعب ، وروي عن ابن عباس . قال الماوردي : من جعل الدلوك اسما لغروبها فلأن الإنسان يدلك عينيه براحته لتبينها حالة المغيب ، ومن جعله اسما لزوالها فلأنه يدلك عينيه لشدة شعاعها . وقال أبو عبيد : دلوكها غروبها . ودلكت براح يعني الشمس ; أي غابت وأنشد قطرب :هذا مقام قدمي رباح ذبب حتى دلكت براحبراح بفتح الباء على وزن حزام وقطام ورقاش اسم من أسماء الشمس . ورواه الفراء بكسر الباء وهو جمع راحة وهي الكف ; أي غابت وهو ينظر إليها وقد جعل كفه على حاجبه . ومنه قول العجاج :والشمس قد كادت تكون دنفا أدفعها بالراح كي تزحلفاقال ابن الأعرابي : الزحلوفة مكان منحدر أملس ، لأنهم يتزحلفون فيه . قال : والزحلفة كالدحرجة والدفع ; يقال : زحلفته فتزحلف . ويقال : دلكت الشمس إذا غابت . قال ذو الرمة :مصابيح ليست باللواتي تقودها نجوم ولا بالآفلات الدوالكقال ابن عطية : الدلوك هو الميل - في اللغة - فأول الدلوك هو الزوال وآخره هو الغروب . ومن وقت الزوال إلى الغروب يسمى دلوكا ، لأنها في حالة ميل . فذكر الله - تعالى - الصلوات التي تكون في حالة الدلوك وعنده ; فيدخل في ذلك الظهر والعصر والمغرب ، ويصح أن تكون المغرب داخلة في غسق الليل . وقد ذهب قوم إلى أن صلاة الظهر يتمادى وقتها من الزوال إلى الغروب ; لأنه سبحانه علق وجوبها على الدلوك ، وهذا دلوك كله ; قاله الأوزاعي وأبو حنيفة في تفصيل . وأشار إليه مالك والشافعي في حالة الضرورة .الثانية : قوله تعالى : إلى غسق الليل روى مالك عن ابن عباس قال : دلوك الشمس ميلها ، وغسق الليل اجتماع الليل وظلمته . وقال أبو عبيدة : الغسق سواد الليل . قال ابن قيس الرقيات :إن هذا الليل قد غسقا واشتكيت الهم والأرقاوقد قيل : غسق الليل مغيب الشفق . وقيل : إقبال ظلمته . قال زهير :ظلت تجود يدها وهي لاهية حتى إذا جنح الإظلام والغسقيقال : غسق الليل غسوقا . والغسق اسم بفتح السين . وأصل الكلمة من السيلان ; يقال : غسقت العين إذا سالت ، تغسق . وغسق الجرح غسقانا ، أي سال منه ماء أصفر . وأغسق المؤذن ، أي أخر المغرب إلى غسق الليل . وحكى الفراء : غسق الليل وأغسق ، وظلم وأظلم ، ودجا وأدجى ، وغبس وأغبس ، وغبش وأغبش . وكان الربيع بن خثيم يقول لمؤذنه في يوم غيم : أغسق أغسق . يقول : أخر المغرب حتى يغسق الليل ، وهو إظلامه .الثالثة : اختلف العلماء في آخر وقت المغرب ; فقيل : وقتها وقت واحد لا وقت لها إلا حين تحجب الشمس ، وذلك بين في إمامة جبريل ; فإنه صلاها باليومين لوقت واحد وذلك غروب الشمس ، وهو الظاهر من مذهب مالك عند أصحابه . وهو أحد قولي الشافعي في المشهور عنه أيضا وبه قال الثوري . وقال مالك في الموطأ : فإذا غاب الشفق فقد خرجت من وقت المغرب ودخل وقت العشاء . وبهذا قال أبو حنيفة وأصحابه والحسن بن حي وأحمد وإسحاق وأبو ثور وداود ; لأن وقت الغروب إلى الشفق غسق كله . ولحديث أبي موسى ، وفيه : أن النبي - صلى الله عليه وسلم - صلى بالسائل المغرب في اليوم الثاني فأخر حتى كان عند سقوط الشفق . خرجه مسلم . قالوا : وهذا أولى من أخبار إمامة جبريل ; لأنه متأخر بالمدينة وإمامة جبريل بمكة ، والمتأخر أولى من فعله وأمره ; لأنه ناسخ لما قبله . وزعم ابن العربي أن هذا القول هو المشهور من مذهب مالك ، وقوله في موطئه الذي أقرأه طول عمره وأملاه في حياته . والنكتة في هذا أن الأحكام المتعلقة بالأسماء هل تتعلق بأوائلها أو بآخرها أو يرتبط الحكم بجميعها ؟ والأقوى في النظر أن يرتبط الحكم بأوائلها لئلا يكون ذكرها لغوا فإذا ارتبط بأوائلها جرى بعد ذلك النظر في تعلقه بالكل إلى الآخر .قلت : القول بالتوسعة أرجح . وقد خرج الإمام الحافظ أبو محمد عبد الغني بن سعيد من حديث الأجلح بن عبد الله الكندي عن أبي الزبير عن جابر قال : خرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من مكة قريبا من غروب الشمس فلم يصل المغرب حتى أتى سرف ، وذلك تسعة أميال . وأما القول بالنسخ فليس بالبين وإن كان التاريخ معلوما ; فإن الجمع ممكن . قال علماؤنا : تحمل أحاديث جبريل على الأفضلية في وقت المغرب ، ولذلك اتفقت الأمة فيها على تعجيلها والمبادرة إليها في حين غروب الشمس . قال ابن خويز منداد : ولا نعلم أحدا من المسلمين تأخر بإقامة المغرب في مسجد جماعة عن وقت غروب الشمس . وأحاديث التوسعة تبين وقت الجواز ، فيرتفع التعارض ويصح الجمع ، وهو أولى من الترجيح باتفاق الأصوليين ; لأن فيه إعمال كل واحد من الدليلين ، والقول بالنسخ أو الترجيح فيه إسقاط أحدهما . والله أعلم .الرابعة : قوله تعالى : وقرآن الفجر انتصب قرآن من وجهين : أحدهما أن يكون معطوفا على الصلاة ; المعنى : وأقم قرآن الفجر أي صلاة الصبح ; قالهالفراء . وقال أهل البصرة . انتصب على الإغراء ; أي فعليك بقرآن الفجر ; قاله الزجاج . وعبر عنها بالقرآن خاصة دون غيرها من الصلوات ; لأن القرآن هو أعظمها ، إذ قراءتها طويلة مجهور بها حسبما هو مشهور مسطور ; عن الزجاج أيضا .قلت : وقد استقر عمل المدينة على استحباب إطالة القراءة في الصبح قدرا لا يضر بمن خلفه - يقرأ فيها بطوال المفصل ، ويليها في ذلك الظهر والجمعة - وتخفيف القراءة في المغرب وتوسطها في العصر والعشاء . وقد قيل في العصر : إنها تخفف كالمغرب . وأما ما ورد في صحيح مسلم وغيره من الإطالة فيما استقر فيه التقصير ، أو من التقصير فيما استقرت فيه الإطالة ; كقراءته في الفجر المعوذتين - كما رواه النسائي - وكقراءة الأعراف والمرسلات والطور في المغرب ، فمتروك بالعمل . ولإنكاره على معاذ التطويل ، حين أم قومه في العشاء فافتتح سورة البقرة . خرجه الصحيح . وبأمره الأئمة بالتخفيف فقال : أيها الناس إن منكم منفرين فأيكم أم الناس فليخفف فإن فيهم الصغير والكبير والمريض والسقيم والضعيف وذا الحاجة . وقال : فإذا صلى أحدكم وحده فليطول ما شاء . كله مسطور في صحيح الحديث .الخامسة : قوله تعالى : وقرآن الفجر دليل على أن لا صلاة إلا بقراءة ; لأنه سمى الصلاة قرآنا . وقد اختلف العلماء في القراءة في الصلاة فذهب جمهورهم إلى وجوب قراءة أم القرآن للإمام والفذ في كل ركعة . وهو مشهور قول مالك . وعنه أيضا أنها واجبة في جل الصلاة . وهو قول إسحاق . وعنه أيضا تجب في ركعة واحدة ; قاله المغيرة وسحنون . وعنه أن القراءة لا تجب في شيء من الصلاة . وهو أشذ الروايات عنه . وحكي عن مالك أيضا أنها تجب في نصف الصلاة ، وإليه ذهب الأوزاعي . وعن الأوزاعي أيضا وأيوب أنها تجب على الإمام والفذ والمأموم على كل حال . وهو أحد قولي الشافعي . وقد مضى في [ الفاتحة ] مستوفى .قوله تعالى : السادسة : كان مشهودا روى الترمذي عن أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في قوله : وقرآن الفجر إن قرآن الفجر كان مشهودا قال : تشهده ملائكة الليل وملائكة النهار هذا حديث حسن صحيح . ورواه علي بن مسهر عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة وأبي سعيد عن النبي - صلى الله عليه وسلم - . وروى البخاري عن أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : فضل صلاة الجميع على صلاة الواحد خمس وعشرون درجة وتجتمع ملائكة الليل وملائكة النهار في صلاة الصبح . يقول أبو هريرة : اقرءوا إن شئتم وقرآن الفجر إن قرآن الفجر كان مشهودا . ولهذا المعنى أيضا قال مالك والشافعي : التغليس بالصبح أفضل . وقال أبو حنيفة : الأفضل الجمع بين التغليس والإسفار ، فإن فاته ذلك فالإسفار أولى من التغليس . وهذا مخالف لما كان - عليه السلام - يفعله من المداومة على التغليس ، وأيضا فإن فيه تفويت شهود ملائكة الليل . والله أعلم .السابعة : استدل بعض العلماء بقوله - صلى الله عليه وسلم - : تشهده ملائكة الليل وملائكة النهار على أن صلاة الصبح ليست من صلاة الليل ولا من صلاة النهار .قلت : وعلى هذا فلا تكون صلاة العصر أيضا لا من صلاة الليل ولا من صلاة النهار ; فإن في الصحيح عن النبي الفصيح - عليه السلام - فيما رواه أبو هريرة : يتعاقبون فيكم ملائكة بالليل وملائكة بالنهار فيجتمعون في صلاة العصر وصلاة الفجر الحديث . ومعلوم أن صلاة العصر من النهار فكذلك تكون صلاة الفجر من الليل وليس كذلك ، وإنما هي من النهار كالعصر بدليل الصيام والإيمان ، وهذا واضح .
وَ مِنَ الَّیْلِ فَتَهَجَّدْ بِهٖ نَافِلَةً لَّكَ ﳓ عَسٰۤى اَنْ یَّبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَّحْمُوْدًا(۷۹)
اور رات کے کچھ حصہ میں تہجد کرو یہ خاص تمہارے لیے زیادہ ہے (ف۱۷۳) قریب ہے کہ تمہیں تمہارا رب ایسی جگہ کھڑا کرے جہاں سب تمہاری حمد کریں (ف۱۷۴)
قوله تعالى : ومن الليل فتهجد به نافلة لك عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودا فيه ست مسائل : الأولى : قوله تعالى : ومن الليل فتهجد به من للتبعيض . والفاء في قوله فتهجد ناسقة على مضمر ، أي قم فتهجد .به أي بالقرآن . والتهجد من الهجود وهو من الأضداد . يقال : هجد نام ، وهجد سهر ; على الضد . قال الشاعر :ألا زارت وأهل منى هجود وليت خيالها بمنى يعودآخر :ألا طرقتنا والرفاق هجود فباتت بعلات النوال تجوديعني نياما . وهجد وتهجد بمعنى . وهجدته أي أنمته ، وهجدته أي أيقظته . والتهجد التيقظ بعد رقدة ، فصار اسما للصلاة ; لأنه ينتبه لها . فالتهجد القيام إلى الصلاة من النوم . قال معناه الأسود وعلقمة وعبد الرحمن بن الأسود وغيرهم . وروى إسماعيل بن إسحاق القاضي من حديث الحجاج بن عمر صاحب النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : أيحسب أحدكم إذا قام من الليل كله أنه قد تهجد ! إنما التهجد الصلاة بعد رقدة ثم الصلاة بعد رقدة ثم الصلاة بعد رقدة . كذلك كانت صلاة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - . وقيل : الهجود النوم . يقال : تهجد الرجل إذا سهر ، وألقى الهجود وهو النوم . ويسمى من قام إلى الصلاة متهجدا ; لأن المتهجد هو الذي يلقي الهجود الذي هو النوم عن نفسه . وهذا الفعل جار مجرى تحوب وتحرج وتأثم وتحنث وتقذر وتنجس ; إذا ألقى ذلك عن نفسه . ومثله قوله - تعالى - : فظلتم تفكهون معناه تندمون ; أي تطرحون الفكاهة عن أنفسكم ، وهي انبساط النفوس وسرورها . يقال : رجل فكه إذا كان كثير السرور والضحك . والمعنى في الآية : ووقتا من الليل اسهر به في صلاة وقراءة .الثانية : قوله تعالى : نافلة لك أي كرامة لك ; قاله مقاتل . واختلف العلماء في تخصيص النبي - صلى الله عليه وسلم - بالذكر دون أمته ; فقيل : كانت صلاة الليل فريضة عليه لقوله : نافلة لك أي فريضة زائدة على الفريضة الموظفة على الأمة .قلت : وفي هذا التأويل بعد لوجهين : أحدهما - تسمية الفرض بالنفل ، وذلك مجاز لا حقيقة . الثاني - قوله - صلى الله عليه وسلم - : خمس صلوات فرضهن الله على العباد وقوله - تعالى - : ( هن خمس وهن خمسون لا يبدل القول لدي ) وهذا نص ، فكيف يقال افترض عليه صلاة زائدة على الخمس ، هذا ما لا يصح ; وإن كان قد روي عنه - عليه السلام - : ثلاث علي فريضة ولأمتي تطوع : قيام الليل والوتر والسواك . وقيل : كانت صلاة الليل تطوعا منه وكانت في الابتداء واجبة على الكل ، ثم نسخ الوجوب فصار قيام الليل تطوعا بعد فريضة ; كما قالت عائشة ، على ما يأتي مبينا في سورة [ المزمل ] إن شاء الله - تعالى - . وعلى هذا يكون الأمر بالتنفل على جهة الندب ويكون الخطاب للنبي - صلى الله عليه وسلم - ; لأنه مغفور له . فهو إذا تطوع بما ليس بواجب عليه كان ذلك زيادة في الدرجات . وغيره من الأمة تطوعهم كفارات وتدارك لخلل يقع في الفرض ; قال معناه مجاهد وغيره . وقيل : عطية ; لأن العبد لا ينال من السعادة عطاء أفضل من التوفيق في العبادة .الثالثة : قوله تعالى : عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودا اختلف في المقام المحمود على أربعة أقوال :[ الأول ] وهو أصحها - الشفاعة للناس يوم القيامة ; قاله حذيفة بن اليمان . وفي صحيح البخاري عن ابن عمر قال : إن الناس يصيرون يوم القيامة جثا كل أمة تتبع نبيها تقول : يا فلان اشفع ، حتى تنتهي الشفاعة إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - ، فذلك يوم يبعثه الله المقام المحمود . وفي صحيح مسلم عن أنس قال حدثنا محمد - صلى الله عليه وسلم - قال : إذا كان يوم القيامة ماج الناس بعضهم إلى بعض فيأتون آدم فيقولون له اشفع لذريتك فيقول لست لها ولكن عليكم بإبراهيم - عليه السلام - فإنه خليل الله فيأتون إبراهيم فيقول لست لها ولكن عليكم بموسى فإنه كليم الله فيؤتى موسى فيقول لست لها ولكن عليكم بعيسى - عليه السلام - فإنه روح الله وكلمته فيؤتى عيسى فيقول لست لها ولكن عليكم بمحمد - صلى الله عليه وسلم - فأوتى فأقول أنا لها . . . وذكر الحديث . وروى الترمذي عن أبي هريرة قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في قوله : عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودا سئل عنها قال : هي الشفاعة قال : هذا حديث حسن صحيح .الرابعة : إذا ثبت أن المقام المحمود هو أمر الشفاعة الذي يتدافعه الأنبياء - عليهم السلام - ، حتى ينتهي الأمر إلى نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم - فيشفع هذه الشفاعة لأهل الموقف ليعجل حسابهم ويراحوا من هول موقفهم ، وهي الخاصة به - صلى الله عليه وسلم - ; ولأجل ذلك قال : أنا سيد ولد آدم ولا فخر . قال النقاش : لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثلاث شفاعات : العامة ، وشفاعة في السبق إلى الجنة ، وشفاعة في أهل الكبائر . ابن عطية : والمشهور أنهما شفاعتان فقط : العامة ، وشفاعة في إخراج المذنبين من النار . وهذه الشفاعة الثانية لا يتدافعها الأنبياء بل يشفعون ويشفع العلماء . وقال القاضي أبو الفضل عياض : شفاعات نبينا - صلى الله عليه وسلم - يوم القيامة خمس شفاعات : العامة . والثانية في إدخال قوم الجنة دون حساب . الثالثة في قوم من موحدي أمته استوجبوا النار بذنوبهم فيشفع فيها نبينا - صلى الله عليه وسلم - ، ومن شاء الله أن يشفع ويدخلون الجنة . وهذه الشفاعة هي التي أنكرتها المبتدعة : الخوارج والمعتزلة ، فمنعتها على أصولهم الفاسدة ، وهي الاستحقاق العقلي المبني على التحسين والتقبيح . الرابعة فيمن دخل النار من المذنبين فيخرجون بشفاعة نبينا - صلى الله عليه وسلم - وغيره من الأنبياء والملائكة وإخوانهم المؤمنين . الخامسة في زيادة الدرجات في الجنة لأهلها وترفيعها ، وهذه لا تنكرها المعتزلة ولا تنكر شفاعة الحشر الأول .الخامسة : قال القاضي عياض : وعرف بالنقل المستفيض سؤال السلف الصالح لشفاعة النبي - صلى الله عليه وسلم - ورغبتهم فيها ، وعلى هذا لا يلتفت لقول من قال : إنه يكره أن تسأل الله أن يرزقك شفاعة النبي - صلى الله عليه وسلم - ; لأنها لا تكون إلا للمذنبين ، فإنها قد تكون كما قدمنا لتخفيف الحساب وزيادة الدرجات . ثم كل عاقل معترف بالتقصير محتاج إلى العفو غير معتد بعمله مشفق أن يكون من الهالكين ، ويلزم هذا القائل ألا يدعو بالمغفرة والرحمة ; لأنها لأصحاب الذنوب أيضا ، وهذا كله خلاف ما عرف من دعاء السلف والخلف . روى البخاري عن جابر بن عبد الله أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : من قال حين يسمع النداء اللهم رب هذه الدعوة التامة والصلاة القائمة آت محمدا الوسيلة والفضيلة وابعثه مقاما محمودا الذي وعدته ، حلت له شفاعتي يوم القيامة .[ القول الثاني ] أن المقام المحمود إعطاؤه لواء الحمد يوم القيامة .قلت : وهذا القول لا تنافر بينه وبين الأول ; فإنه يكون بيده لواء الحمد ويشفع روى الترمذي عن أبي سعيد الخدري قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : أنا سيد ولد آدم يوم القيامة ولا فخر وبيدي لواء الحمد ولا فخر وما من نبي آدم فمن سواه إلا تحت لوائي " الحديث .[ القول الثالث ] ما حكاه الطبري عن فرقة ، منها مجاهد ، أنها قالت : المقام المحمود هو أن يجلس الله - تعالى - محمدا - صلى الله عليه وسلم - معه على كرسيه ; وروت في ذلك حديثا . وعضد الطبري جواز ذلك بشطط من القول ، وهو لا يخرج إلا على تلطف في المعنى ، وفيه بعد . ولا ينكر مع ذلك أن يروى ، والعلم يتأوله . وذكر النقاش عن أبي داود السجستاني أنه قال : من أنكر هذا الحديث فهو عندنا متهم ، ما زال أهل العلم يتحدثون بهذا ، من أنكر جوازه على تأويله . قال أبو عمر ومجاهد : وإن كان أحد الأئمة يتأول القرآن فإن له قولين مهجورين عند أهل العلم : أحدهما هذا والثاني في تأويل قوله - تعالى - : وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة تنتظر الثواب ; ليس من النظر .قلت : ذكره هذا في الباب ابن شهاب في حديث التنزيل . وروي عن مجاهد أيضا في هذه الآية قال : يجلسه على العرش . وهذا تأويل غير مستحيل ; لأن الله - تعالى - كان قبل خلقه الأشياء كلها والعرش - قائما بذاته ، ثم خلق الأشياء من غير حاجة إليها ، بل إظهارا لقدرته وحكمته ، وليعرف وجوده وتوحيده وكمال قدرته وعلمه بكل أفعاله المحكمة ، وخلق لنفسه عرشا استوى عليه كما شاء من غير أن صار له مماسا ، أو كان العرش له مكانا . قيل : هو الآن على الصفة التي كان عليها من قبل أن يخلق المكان والزمان ; فعلى هذا القول سواء في الجواز أقعد محمد على العرش أو على الأرض ; لأن استواء الله - تعالى - على العرش ليس بمعنى الانتقال والزوال وتحويل الأحوال من القيام والقعود والحال التي تشغل العرش ، بل هو مستو على عرشه كما أخبر عن نفسه بلا كيف . وليس إقعاده محمدا على العرش موجبا له صفة الربوبية أو مخرجا له عن صفة العبودية ، بل هو رفع لمحله وتشريف له على خلقه . وأما قوله في الإخبار : ( معه فهو بمنزلة قوله : إن الذين عند ربك ، و رب ابن لي عندك بيتا في الجنة . وإن الله لمع المحسنين ونحو ذلك . كل ذلك عائد إلى الرتبة والمنزلة والحظوة والدرجة الرفيعة ، لا إلى المكان .[ الرابع ] إخراجه من النار بشفاعته من يخرج ; قاله جابر بن عبد الله . ذكره مسلم . وقد ذكرناه في ( كتاب التذكرة ) والله الموفق .السادسة : اختلف العلماء في كون القيام بالليل سببا للمقام المحمود على قولين : أحدهما : أن البارئ - تعالى - يجعل ما شاء من فعله سببا لفضله من غير معرفة بوجه الحكمة فيه ، أو بمعرفة وجه الحكمة . الثاني : أن قيام الليل فيه الخلوة مع البارئ والمناجاة دون الناس ، فأعطي الخلوة به ومناجاته في قيامه وهو المقام المحمود . ويتفاضل فيه الخلق بحسب درجاتهم ، فأجلهم فيه درجة محمد - صلى الله عليه وسلم - ; فإنه يعطى ما لا يعطى أحد ويشفع ما لا يشفع أحد . وعسى من الله - عز وجل - واجبة . ومقاما نصب على الظرف . أي في مقام أو إلى مقام . وذكر الطبري عن أبي هريرة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : المقام المحمود هو المقام الذي أشفع فيه لأمتي . فالمقام الموضع الذي يقوم فيه الإنسان للأمور الجليلة كالمقامات بين يدي الملوك .
وَ قُلْ رَّبِّ اَدْخِلْنِیْ مُدْخَلَ صِدْقٍ وَّ اَخْرِجْنِیْ مُخْرَ جَ صِدْقٍ وَّ اجْعَلْ لِّیْ مِنْ لَّدُنْكَ سُلْطٰنًا نَّصِیْرًا(۸۰)
اور یوں عرض کرو کہ اے میرے رب مجھے سچی طرح داخل کر اور سچی طرح باہر لے جا (ف۱۷۵) اور مجھے اپنی طرف سے مددگار غلبہ دے (ف۱۷۶)
قوله تعالى : وقل رب أدخلني مدخل صدق وأخرجني مخرج صدق واجعل لي من لدنك سلطانا نصيرا قيل : المعنى أمتني إماتة صدق ، وابعثني يوم القيامة مبعث صدق ; ليتصل بقوله : عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودا . كأنه لما وعده ذلك أمره أن يدعو لينجز له الوعد . وقيل : أدخلني في المأمور وأخرجني من المنهي . وقيل : علمه ما يدعو به في صلاته وغيرها من إخراجه من بين المشركين وإدخاله موضع الأمن ; فأخرجه من مكة وصيره إلى المدينة . وهذا المعنى رواه الترمذي عن ابن عباس قال : كان النبي - صلى الله عليه وسلم - بمكة ثم أمر بالهجرة فنزلت وقل رب أدخلني مدخل صدق وأخرجني مخرج صدق واجعل لي من لدنك سلطانا نصيرا قال : هذا حديث حسن صحيح . وقال الضحاك : هو خروجه من مكة ودخوله مكة يوم الفتح آمنا . أبو سهل : حين رجع من تبوك وقد قال المنافقون : ليخرجن الأعز منها الأذل يعني إدخال عز وإخراج نصر إلى مكة . وقيل : المعنى أدخلني في الأمر الذي أكرمتني به من النبوة مدخل صدق وأخرجني منه مخرج صدق إذا أمتني ; قال معناه مجاهد . والمدخل والمخرج ( بضم الميم ) بمعنى الإدخال والإخراج ; كقوله : أنزلني منزلا مباركا أي إنزالا لا أرى فيه ما أكره . وهي قراءة العامة . وقرأ الحسن وأبو العالية ونصر بن عاصم مدخل ومخرج . بفتح الميمين بمعنى الدخول والخروج ; فالأول رباعي وهذا ثلاثي . وقال ابن عباس : أدخلني القبر مدخل صدق عند الموت وأخرجني مخرج صدق عند البعث . وقيل : أدخلني حيثما أدخلتني بالصدق وأخرجني بالصدق ; أي لا تجعلني ممن يدخل بوجه ويخرج بوجه ; فإن ذا الوجهين لا يكون وجيها عندك . وقيل : الآية عامة في كل ما يتناول من الأمور ويحاول من الأسفار والأعمال ، وينتظر من تصرف المقادير في الموت والحياة . فهي دعاء ، ومعناه : رب أصلح لي وردي في كل الأمور وصدري .واجعل لي من لدنك سلطانا نصيرا قال الشعبي وعكرمة : أي حجة ثابتة . وذهب الحسن إلى أنه العز والنصر وإظهار دينه على الدين كله . قال : فوعده الله لينزعن ملك فارس والروم وغيرها فيجعله له .
- English | Ahmed Ali
- Urdu | Ahmed Raza Khan
- Turkish | Ali-Bulaç
- German | Bubenheim Elyas
- Chinese | Chineese
- Spanish | Cortes
- Dutch | Dutch
- Portuguese | El-Hayek
- English | English
- Urdu | Fateh Muhammad Jalandhry
- French | French
- Hausa | Hausa
- Indonesian | Indonesian-Bahasa
- Italian | Italian
- Korean | Korean
- Malay | Malay
- Russian | Russian
- Tamil | Tamil
- Thai | Thai
- Farsi | مکارم شیرازی
- العربية | التفسير الميسر
- العربية | تفسير الجلالين
- العربية | تفسير السعدي
- العربية | تفسير ابن كثير
- العربية | تفسير الوسيط لطنطاوي
- العربية | تفسير البغوي
- العربية | تفسير القرطبي
- العربية | تفسير الطبري
- English | Arberry
- English | Yusuf Ali
- Dutch | Keyzer
- Dutch | Leemhuis
- Dutch | Siregar
- Urdu | Sirat ul Jinan