READ

Surah al-Baqarah

اَلْبَقَرَة
286 Ayaat    مدنیۃ


2:121
اَلَّذِیْنَ اٰتَیْنٰهُمُ الْكِتٰبَ یَتْلُوْنَهٗ حَقَّ تِلَاوَتِهٖؕ-اُولٰٓىٕكَ یُؤْمِنُوْنَ بِهٖؕ-وَ مَنْ یَّكْفُرْ بِهٖ فَاُولٰٓىٕكَ هُمُ الْخٰسِرُوْنَ۠(۱۲۱)
جنہیں ہم نے کتاب دی ہے وہ جیسی چاہئے اس کی تلاوت کرتے ہیں وہی اس پر ایمان رکھتے ہیں اور جو اس کے منکر ہوں تو وہی زیاں کار ہیں -(ف۲۲۱)

وقوله تعالى : ( الذين آتيناهم الكتاب يتلونه حق تلاوته ) قال عبد الرزاق ، عن معمر ، عن قتادة : هم اليهود والنصارى . وهو قول عبد الرحمن بن زيد بن أسلم ، واختاره ابن جرير .وقال : سعيد عن قتادة : هم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم .وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي ، حدثنا إبراهيم بن موسى ، وعبد الله بن عمران الأصبهاني ، قالا حدثنا يحيى بن يمان ، حدثنا أسامة بن زيد ، عن أبيه ، عن عمر بن الخطاب ( يتلونه حق تلاوته ) قال : إذا مر بذكر الجنة سأل الله الجنة ، وإذا مر بذكر النار تعوذ بالله من النار .وقال أبو العالية : قال ابن مسعود : والذي نفسي بيده ، إن حق تلاوته أن يحل حلاله ويحرم حرامه ويقرأه كما أنزله الله ، ولا يحرف الكلم عن مواضعه ، ولا يتأول منه شيئا على غير تأويله .وكذا رواه عبد الرزاق ، عن معمر ، عن قتادة ومنصور بن المعتمر ، عن ابن مسعود .وقال السدي ، عن أبي مالك ، عن ابن عباس في هذه الآية ، قال : يحلون حلاله ويحرمون حرامه ، ولا يحرفونه عن مواضعه .قال ابن أبي حاتم : وروي عن ابن مسعود نحو ذلك .وقال الحسن البصري : يعملون بمحكمه ، ويؤمنون بمتشابهه ، يكلون ما أشكل عليهم إلى عالمه .وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبو زرعة ، حدثنا إبراهيم بن موسى ، أخبرنا ابن أبي زائدة ، أخبرنا داود بن أبي هند ، عن عكرمة ، عن ابن عباس ، في قوله : ( يتلونه حق تلاوته ) قال : يتبعونه حق اتباعه ، ثم قرأ : ( والقمر إذا تلاها ) [ الشمس : 2 ] ، يقول : اتبعها . قال : وروي عن عكرمة ، وعطاء ، ومجاهد ، وأبي رزين ، وإبراهيم النخعي نحو ذلك .وقال سفيان الثوري : حدثنا زبيد ، عن مرة ، عن عبد الله بن مسعود ، في قوله : ( يتلونه حق تلاوته ) قال : يتبعونه حق اتباعه .قال القرطبي : وروى نصر بن عيسى ، عن مالك ، عن نافع ، عن ابن عمر ، عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله : ( يتلونه حق تلاوته ) قال : " يتبعونه حق اتباعه " ، ثم قال : في إسناده غير واحد من المجهولين فيما ذكره الخطيب إلا أن معناه صحيح . وقال أبو موسى الأشعري : من يتبع القرآن يهبط به على رياض الجنة . وعن عمر بن الخطاب ، رضي الله عنه : هم الذين إذا مروا بآية رحمة سألوها من الله ، وإذا مروا بآية عذاب استعاذوا منها ، قال : وقد روي هذا المعنى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان إذا مر بآية رحمة سأل ، وإذا مر بآية عذاب تعوذ .وقوله : ( أولئك يؤمنون به ) خبر عن ( الذين آتيناهم الكتاب يتلونه حق تلاوته ) أي : من أقام كتابه من أهل الكتب المنزلة على الأنبياء المتقدمين حق إقامته ، آمن بما أرسلتك به يا محمد ، كما قال تعالى : ( ولو أنهم أقاموا التوراة والإنجيل وما أنزل إليهم من ربهم لأكلوا من فوقهم ومن تحت أرجلهم ) الآية [ المائدة : 66 ] . وقال : ( قل يا أهل الكتاب لستم على شيء حتى تقيموا التوراة والإنجيل وما أنزل إليكم من ربكم ) [ المائدة : 68 ] ، أي : إذا أقمتموها حق الإقامة ، وآمنتم بها حق الإيمان ، وصدقتم ما فيها من الأخبار بمبعث محمد صلى الله عليه وسلم ونعته وصفته والأمر باتباعه ونصره ومؤازرته ، قادكم ذلك إلى الحق واتباع الخير في الدنيا والآخرة ، كما قال تعالى : ( الذين يتبعون الرسول النبي الأمي الذي يجدونه مكتوبا عندهم في التوراة والإنجيل ) الآية [ الأعراف : 157 ] وقال تعالى : ( قل آمنوا به أو لا تؤمنوا إن الذين أوتوا العلم من قبله إذا يتلى عليهم يخرون للأذقان سجدا ويقولون سبحان ربنا إن كان وعد ربنا لمفعولا ) [ الإسراء : 107 ، 108 ] أي : إن كان ما وعدنا به من شأن محمد صلى الله عليه وسلم لواقعا . وقال تعالى : ( الذين آتيناهم الكتاب من قبله هم به يؤمنون وإذا يتلى عليهم قالوا آمنا به إنه الحق من ربنا إنا كنا من قبله مسلمين أولئك يؤتون أجرهم مرتين بما صبروا ويدرءون بالحسنة السيئة ومما رزقناهم ينفقون ) [ القصص : 52 ، 54 ] . وقال تعالى : ( وقل للذين أوتوا الكتاب والأميين أأسلمتم فإن أسلموا فقد اهتدوا وإن تولوا فإنما عليك البلاغ والله بصير بالعباد ) [ آل عمران : 20 ] ولهذا قال تعالى : ( ومن يكفر به فأولئك هم الخاسرون ) كما قال تعالى : ( ومن يكفر به من الأحزاب فالنار موعده ) [ هود : 17 ] . وفي الصحيح : " والذي نفسي بيده لا يسمع بي أحد من هذه الأمة : يهودي ولا نصراني ، ثم لا يؤمن بي ، إلا دخل النار " .
2:122
یٰبَنِیْۤ اِسْرَآءِیْلَ اذْكُرُوْا نِعْمَتِیَ الَّتِیْۤ اَنْعَمْتُ عَلَیْكُمْ وَ اَنِّیْ فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعٰلَمِیْنَ(۱۲۲)
اے اولاد یعقوب یاد کرو میرا احسان جو میں نے تم پر کیا او ر وہ جو میں نے اس زمانہ کے سب لوگوں پر تمہیں بڑائی دی -

قد تقدم نظير هذه الآية في صدر السورة ، وكررت هاهنا للتأكيد والحث على اتباع الرسول النبي الأمي الذي يجدون صفته في كتبهم ونعته واسمه وأمره وأمته . يحذرهم من كتمان هذا ، وكتمان ما أنعم به عليهم ، وأمرهم أن يذكروا نعمة الله عليهم ، من النعم الدنيوية والدينية ، ولا يحسدوا بني عمهم من العرب على ما رزقهم الله من إرسال الرسول الخاتم منهم . ولا يحملهم ذلك الحسد على مخالفته وتكذيبه ، والحيدة عن موافقته ، صلوات الله وسلامه عليه دائما إلى يوم الدين .
2:123
وَ اتَّقُوْا یَوْمًا لَّا تَجْزِیْ نَفْسٌ عَنْ نَّفْسٍ شَیْــٴًـا وَّ لَا یُقْبَلُ مِنْهَا عَدْلٌ وَّ لَا تَنْفَعُهَا شَفَاعَةٌ وَّ لَا هُمْ یُنْصَرُوْنَ(۱۲۳)
اور ڈرو اس دن سے کہ کوئی جان دوسرے کا بدلہ نہ ہوگی اور نہ اس کو کچھ لے کر چھوڑیں اور نہ کافر کو کوئی سفارش نفع دے (ف۲۲۲) اور نہ ان کی مدد ہو -

قد تقدم نظير هذه الآية في صدر السورة ، وكررت هاهنا للتأكيد والحث على اتباع الرسول النبي الأمي الذي يجدون صفته في كتبهم ونعته واسمه وأمره وأمته . يحذرهم من كتمان هذا ، وكتمان ما أنعم به عليهم ، وأمرهم أن يذكروا نعمة الله عليهم ، من النعم الدنيوية والدينية ، ولا يحسدوا بني عمهم من العرب على ما رزقهم الله من إرسال الرسول الخاتم منهم . ولا يحملهم ذلك الحسد على مخالفته وتكذيبه ، والحيدة عن موافقته ، صلوات الله وسلامه عليه دائما إلى يوم الدين .
2:124
وَ اِذِ ابْتَلٰۤى اِبْرٰهٖمَ رَبُّهٗ بِكَلِمٰتٍ فَاَتَمَّهُنَّؕ-قَالَ اِنِّیْ جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ اِمَامًاؕ-قَالَ وَ مِنْ ذُرِّیَّتِیْؕ-قَالَ لَا یَنَالُ عَهْدِی الظّٰلِمِیْنَ(۱۲۴)
اور جب (ف۲۲۳) ابراہیم کو اس کے رب نے کچھ باتوں سے آزمایا (ف۲۲۴) تو اس نے وہ پوری کر دکھائیں (ف۲۲۵) فرمایا میں تمہیں لوگوں کا پیشوا بنانے والا ہوں عرض کی اور میری اولاد سے فرمایا میرا عہد ظالموں کو نہیں پہنچتا-(ف۲۲۶)

يقول تعالى منبها على شرف إبراهيم خليله ، عليه السلام وأن الله تعالى جعله إماما للناس يقتدى به في التوحيد ، حتى قام بما كلفه الله تعالى به من الأوامر والنواهي ; ولهذا قال : ( وإذ ابتلى إبراهيم ربه بكلمات ) أي : واذكر يا محمد لهؤلاء المشركين وأهل الكتابين الذين ينتحلون ملة إبراهيم وليسوا عليها ، وإنما الذي هو عليها مستقيم فأنت والذين معك من المؤمنين ، اذكر لهؤلاء ابتلاء الله إبراهيم ، أي : اختباره له بما كلفه به من الأوامر والنواهي ( فأتمهن ) أي : قام بهن كلهن ، كما قال تعالى : ( وإبراهيم الذي وفى ) [ النجم : 37 ] ، أي : وفى جميع ما شرع له ، فعمل به صلوات الله عليه ، وقال تعالى : ( إن إبراهيم كان أمة قانتا لله حنيفا ولم يك من المشركين شاكرا لأنعمه اجتباه وهداه إلى صراط مستقيم وآتيناه في الدنيا حسنة وإنه في الآخرة لمن الصالحين ثم أوحينا إليك أن اتبع ملة إبراهيم حنيفا وما كان من المشركين ) [ النحل : 120 ، 123 ] ، وقال تعالى : ( قل إنني هداني ربي إلى صراط مستقيم دينا قيما ملة إبراهيم حنيفا وما كان من المشركين ) [ الأنعام : 161 ] ، وقال تعالى : ( ما كان إبراهيم يهوديا ولا نصرانيا ولكن كان حنيفا مسلما وما كان من المشركين إن أولى الناس بإبراهيم للذين اتبعوه وهذا النبي والذين آمنوا والله ولي المؤمنين ) [ آل عمران : 67 ، 68 ]وقوله تعالى : ( بكلمات ) أي : بشرائع وأوامر ونواه ، فإن الكلمات تطلق ، ويراد بها الكلمات القدرية ، كقوله تعالى عن مريم ، عليها السلام ، : ( وصدقت بكلمات ربها وكتبه وكانت من القانتين ) [ التحريم : 12 ] . وتطلق ويراد بها الشرعية ، كقوله تعالى : ( وتمت كلمة ربك صدقا وعدلا [ لا مبدل لكلماته ] ) [ الأنعام : 115 ] أي : كلماته الشرعية . وهي إما خبر صدق ، وإما طلب عدل إن كان أمرا أو نهيا ، ومن ذلك هذه الآية الكريمة : ( وإذ ابتلى إبراهيم ربه بكلمات فأتمهن ) أي : قام بهن . قال : ( إني جاعلك للناس إماما ) أي : جزاء على ما فعل ، كما قام بالأوامر وترك الزواجر ، جعله الله للناس قدوة وإماما يقتدى به ، ويحتذى حذوه .وقد اختلف [ العلماء ] في تفسير الكلمات التي اختبر الله بها إبراهيم الخليل ، عليه السلام . فروي عن ابن عباس في ذلك روايات :فقال عبد الرزاق ، عن معمر ، عن قتادة ، قال ابن عباس : ابتلاه الله بالمناسك . وكذا رواه أبو إسحاق السبيعي ، عن التميمي ، عن ابن عباس .وقال عبد الرزاق أيضا : أخبرنا معمر ، عن ابن طاوس ، عن أبيه ، عن ابن عباس : ( وإذ ابتلى إبراهيم ربه بكلمات ) قال : ابتلاه الله بالطهارة : خمس في الرأس ، وخمس في الجسد ; في الرأس : قص الشارب ، والمضمضة ، والاستنشاق ، والسواك ، وفرق الرأس . وفي الجسد : تقليم الأظفار ، وحلق العانة ، والختان ، ونتف الإبط ، وغسل أثر الغائط والبول بالماء .قال ابن أبي حاتم : وروي عن سعيد بن المسيب ، ومجاهد ، والشعبي ، والنخعي ، وأبي صالح ، وأبي الجلد ، نحو ذلك .قلت : وقريب من هذا ما ثبت في صحيح مسلم ، عن عائشة ، رضي الله عنها ، قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " عشر من الفطرة : قص الشارب ، وإعفاء اللحية ، والسواك ، واستنشاق الماء ، وقص الأظفار ، وغسل البراجم ، ونتف الإبط ، وحلق العانة ، وانتقاص الماء " [ قال مصعب ] ونسيت العاشرة إلا أن تكون المضمضة .قال وكيع : انتقاص الماء ، يعني : الاستنجاء .وفي الصحيح ، عن أبي هريرة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم ، قال : " الفطرة خمس : الختان ، والاستحداد ، وقص الشارب ، وتقليم الأظفار ، ونتف الإبط " . ولفظه لمسلم .وقال ابن أبي حاتم : أنبأنا يونس بن عبد الأعلى ، قراءة ، أخبرنا ابن وهب ، أخبرني ابن لهيعة ، عن ابن هبيرة ، عن حنش بن عبد الله الصنعاني ، عن ابن عباس : أنه كان يقول في هذه الآية : ( وإذ ابتلى إبراهيم ربه بكلمات فأتمهن ) قال : عشر ، ست في الإنسان ، وأربع في المشاعر . فأما التي في الإنسان : حلق العانة ، ونتف الإبط ، والختان . وكان ابن هبيرة يقول : هؤلاء الثلاثة واحدة . وتقليم الأظفار ، وقص الشارب ، والسواك ، وغسل يوم الجمعة . والأربعة التي في المشاعر : الطواف ، والسعي بين الصفا والمروة ، ورمي الجمار ، والإفاضة .وقال داود بن أبي هند ، عن عكرمة ، عن ابن عباس أنه قال : ما ابتلي بهذا الدين أحد فقام به كله إلا إبراهيم ، قال الله تعالى : ( وإذ ابتلى إبراهيم ربه بكلمات فأتمهن ) قلت له : وما الكلمات التي ابتلى الله إبراهيم بهن فأتمهن ؟ قال : الإسلام ثلاثون سهما ، منها عشر آيات في : براءة : ( التائبون العابدون [ الحامدون ] ) [ التوبة : 112 ] إلى آخر الآية ، وعشر آيات في أول سورة ( قد أفلح المؤمنون ) و ( سأل سائل بعذاب واقع ) وعشر آيات في الأحزاب : ( إن المسلمين والمسلمات ) [ الآية : 35 ] إلى آخر الآية ، فأتمهن كلهن ، فكتبت له براءة . قال الله : ( وإبراهيم الذي وفى ) [ النجم : 37 ] .هكذا رواه الحاكم ، وأبو جعفر بن جرير ، وأبو محمد بن أبي حاتم ، بأسانيدهم إلى داود بن أبي هند ، به . وهذا لفظ ابن أبي حاتم .وقال محمد بن إسحاق ، عن محمد بن أبي محمد ، عن سعيد أو عكرمة ، عن ابن عباس ، قال : الكلمات التي ابتلى الله بهن إبراهيم فأتمهن : فراق قومه في الله حين أمر بمفارقتهم . ومحاجته نمروذ في الله حين وقفه على ما وقفه عليه من خطر الأمر الذي فيه خلافه . وصبره على قذفه إياه في النار ليحرقوه في الله على هول ذلك من أمرهم . والهجرة بعد ذلك من وطنه وبلاده في الله حين أمره بالخروج عنهم ، وما أمره به من الضيافة والصبر عليها بنفسه وماله ، وما ابتلي به من ذبح ابنه حين أمره بذبحه ، فلما مضى على ذلك من الله كله وأخلصه للبلاء قال الله له : ( أسلم قال أسلمت لرب العالمين ) على ما كان من خلاف الناس وفراقهم .وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبو سعيد الأشج ، حدثنا إسماعيل بن علية ، عن أبي رجاء ، عن الحسن يعني البصري : ( وإذ ابتلى إبراهيم ربه بكلمات [ فأتمهن ] ) قال : ابتلاه بالكوكب فرضي عنه ، وابتلاه بالقمر فرضي عنه ، وابتلاه بالشمس فرضي عنه ، وابتلاه بالهجرة فرضي عنه ، وابتلاه بالختان فرضي عنه ، وابتلاه بابنه فرضي عنه .وقال ابن جرير : حدثنا بشر بن معاذ ، حدثنا يزيد بن زريع ، حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قال : كان الحسن يقول : أي والله ، ابتلاه بأمر فصبر عليه : ابتلاه بالكوكب والشمس والقمر ، فأحسن في ذلك ، وعرف أن ربه دائم لا يزول ، فوجه وجهه للذي فطر السماوات والأرض حنيفا وما كان من المشركين . ثم ابتلاه بالهجرة فخرج من بلاده وقومه حتى لحق بالشام مهاجرا إلى الله ، ثم ابتلاه بالنار قبل الهجرة فصبر على ذلك . وابتلاه الله بذبح ابنه والختان فصبر على ذلك .وقال عبد الرزاق : أخبرنا معمر ، عمن سمع الحسن يقول في قوله : ( وإذ ابتلى إبراهيم ربه بكلمات [ فأتمهن ] )قال : ابتلاه الله بذبح ولده ، وبالنار ، والكوكب والشمس ، والقمر .وقال أبو جعفر بن جرير : حدثنا ابن بشار ، حدثنا سلم بن قتيبة ، حدثنا أبو هلال ، عن الحسن ( وإذ ابتلى إبراهيم ربه بكلمات ) قال : ابتلاه بالكوكب ، والشمس ، والقمر ، فوجده صابرا .وقال العوفي في تفسيره ، عن ابن عباس : ( وإذ ابتلى إبراهيم ربه بكلمات فأتمهن ) فمنهن : ( إني جاعلك للناس إماما ) ومنهن : ( وإذ يرفع إبراهيم القواعد من البيت وإسماعيل ) ومنهن : الآيات في شأن المنسك والمقام الذي جعل لإبراهيم ، والرزق الذي رزق ساكنو البيت ، ومحمد بعث في دينهما .وقال ابن أبي حاتم : حدثنا الحسن بن محمد بن الصباح ، حدثنا شبابة ، عن ورقاء ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد في قوله تعالى : ( وإذ ابتلى إبراهيم ربه بكلمات فأتمهن ) قال الله لإبراهيم : إني مبتليك بأمر فما هو ؟ قال : تجعلني للناس إماما . قال : نعم . قال : ومن ذريتي ؟ ( قال لا ينال عهدي الظالمين ) قال : تجعل البيت مثابة للناس ؟ قال : نعم . قال : وأمنا . قال : نعم . قال : وتجعلنا مسلمين لك ومن ذريتنا أمة مسلمة لك ؟ قال : نعم . قال : وترزق أهله من الثمرات من آمن منهم بالله ؟ قال : نعم .قال ابن أبي نجيح : سمعته من عكرمة ، فعرضته على مجاهد ، فلم ينكره .وهكذا رواه ابن جرير من غير وجه ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد .وقال سفيان الثوري ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : ( وإذ ابتلى إبراهيم ربه بكلمات فأتمهن ) قال : ابتلي بالآيات التي بعدها : ( إني جاعلك للناس إماما قال ومن ذريتي قال لا ينال عهدي الظالمين )وقال أبو جعفر الرازي ، عن الربيع بن أنس : ( وإذ ابتلى إبراهيم ربه بكلمات [ فأتمهن ] ) قال : الكلمات : ( إني جاعلك للناس إماما ) وقوله : ( وإذ جعلنا البيت مثابة للناس وأمنا ) وقوله ( واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى ) وقوله : ( وعهدنا إلى إبراهيم وإسماعيل ) الآية ، وقوله : ( وإذ يرفع إبراهيم القواعد من البيت وإسماعيل ) الآية ، قال : فذلك كله من الكلمات التي ابتلي بهن إبراهيم .قال السدي : الكلمات التي ابتلى بهن إبراهيم ربه : ( ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم ربنا واجعلنا مسلمين لك ومن ذريتنا أمة مسلمة لك ) ، ( ربنا وابعث فيهم رسولا منهم [ يتلو عليهم آياتك ] ) .[ وقال القرطبي : وفي الموطأ وغيره ، عن يحيى بن سعيد أنه سمع سعيد بن المسيب يقول : إبراهيم ، عليه السلام ، أول من اختتن وأول من ضاف الضيف ، وأول من استحد ، وأول من قلم أظفاره ، وأول من قص الشارب ، وأول من شاب فلما رأى الشيب ، قال : ما هذا ؟ قال : وقار ، قال : يا رب ، زدني وقارا . وذكر ابن أبي شيبة ، عن سعد بن إبراهيم ، عن أبيه ، قال : أول من خطب على المنابر إبراهيم ، عليه السلام ، قال غيره : وأول من برد البريد ، وأول من ضرب بالسيف ، وأول من استاك ، وأول من استنجى بالماء ، وأول من لبس السراويل . وروي عن معاذ بن جبل قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن أتخذ المنبر فقد اتخذه أبي إبراهيم ، وإن أتخذ العصا فقد اتخذها أبي إبراهيم " قلت : هذا حديث لا يثبت ، والله أعلم . ثم شرع القرطبي يتكلم على ما يتعلق بهذه الأشياء من الأحكام الشرعية ] .قال أبو جعفر بن جرير ما حاصله : أنه يجوز أن يكون المراد بالكلمات جميع ما ذكر ، وجائز أن يكون بعض ذلك ، ولا يجوز الجزم بشيء منها أنه المراد على التعيين إلا بحديث أو إجماع . قال : ولم يصح في ذلك خبر بنقل الواحد ولا بنقل الجماعة الذي يجب التسليم له .قال : غير أنه قد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم في نظير معنى ذلك خبران ، أحدهما ما حدثنا به أبو كريب ، حدثنا رشدين بن سعد ، حدثني زبان بن فائد ، عن سهل بن معاذ بن أنس ، قال : كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول : " ألا أخبركم لم سمى الله إبراهيم خليله ( الذي وفى ) [ النجم : 37 ] ؟ لأنه كان يقول كلما أصبح وكلما أمسى : ( فسبحان الله حين تمسون وحين تصبحون ) [ الروم : 17 ] حتى يختم الآية " .قال : والآخر منهما : حدثنا به أبو كريب ، أخبرنا الحسن ، عن عطية ، أخبرنا إسرائيل ، عن جعفر بن الزبير ، عن القاسم ، عن أبي أمامة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( وإبراهيم الذي وفى ) أتدرون ما وفى ؟ " . قالوا : الله ورسوله أعلم . قال : " وفى عمل يومه ، أربع ركعات في النهار " .ورواه آدم في تفسيره ، عن حماد بن سلمة . وعبد بن حميد ، عن يونس بن محمد ، عن حماد بن سلمة ، عن جعفر بن الزبير ، به .ثم شرع ابن جرير يضعف هذين الحديثين ، وهو كما قال ; فإنه لا تجوز روايتهما إلا ببيان ضعفهما ، وضعفهما من وجوه عديدة ، فإن كلا من السندين مشتمل على غير واحد من الضعفاء ، مع ما في متن الحديث مما يدل على ضعفه [ والله أعلم ] .ثم قال ابن جرير : ولو قال قائل : إن الذي قاله مجاهد وأبو صالح والربيع بن أنس أولى بالصواب من القول الذي قاله غيرهم كان مذهبا ، فإن قوله : ( إني جاعلك للناس إماما ) وقوله : ( وعهدنا إلى إبراهيم وإسماعيل أن طهرا بيتي للطائفين ) وسائر الآيات التي هي نظير ذلك ، كالبيان عن الكلمات التي ذكر الله أنه ابتلى بهن إبراهيم .قلت : والذي قاله أولا من أن الكلمات تشمل جميع ما ذكر ، أقوى من هذا الذي جوزه من قول مجاهد ومن قال مثله ; لأن السياق يعطي غير ما قالوه والله أعلم .وقوله : ( قال ومن ذريتي قال لا ينال عهدي الظالمين ) لما جعل الله إبراهيم إماما ، سأل الله أن تكون الأئمة من بعده من ذريته ، فأجيب إلى ذلك وأخبر أنه سيكون من ذريته ظالمون ، وأنه لا ينالهم عهد الله ، ولا يكونون أئمة فلا يقتدى بهم ، والدليل على أنه أجيب إلى طلبته قول الله تعالى في سورة العنكبوت : ( وجعلنا في ذريته النبوة والكتاب ) [ العنكبوت : 27 ] فكل نبي أرسله الله وكل كتاب أنزله الله بعد إبراهيم ففي ذريته صلوات الله وسلامه عليه .وأما قوله تعالى : ( قال لا ينال عهدي الظالمين ) فقد اختلفوا في ذلك ، فقال خصيف ، عن مجاهد في قوله : ( قال لا ينال عهدي الظالمين ) قال : إنه سيكون في ذريتك ظالمون .وقال ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، ( قال لا ينال عهدي الظالمين ) قال : لا يكون لي إمام ظالم [ يقتدى به ] . وفي رواية : لا أجعل إماما ظالما يقتدى به . وقال سفيان ، عن منصور ، عن مجاهد في قوله تعالى : ( قال لا ينال عهدي الظالمين ) قال : لا يكون إمام ظالم يقتدى به .وقال ابن أبي حاتم : حدثني أبي ، حدثنا مالك بن إسماعيل ، حدثنا شريك ، عن منصور ، عن مجاهد ، في قوله : ( ومن ذريتي ) قال : أما من كان منهم صالحا فسأجعله إماما يقتدى به ، وأما من كان ظالما فلا ولا نعمة عين .وقال سعيد بن جبير : ( لا ينال عهدي الظالمين ) المراد به المشرك ، لا يكون إمام ظالم . يقول : لا يكون إمام مشرك .وقال ابن جريج ، عن عطاء ، قال : ( إني جاعلك للناس إماما قال ومن ذريتي ) فأبى أن يجعل من ذريته إماما ظالما . قلت لعطاء : ما عهده ؟ قال : أمره .وقال ابن أبي حاتم : أخبرنا عمرو بن ثور القيساري فيما كتب إلي ، حدثنا الفريابي ، حدثنا إسرائيل ، حدثنا سماك بن حرب ، عن عكرمة ، عن ابن عباس ، قال : قال الله لإبراهيم : ( إني جاعلك للناس إماما قال ومن ذريتي ) فأبى أن يفعل ، ثم قال : ( لا ينال عهدي الظالمين )وقال محمد بن إسحاق ، عن محمد بن أبي محمد ، عن سعيد أو عكرمة ، عن ابن عباس : ( قال ومن ذريتي قال لا ينال عهدي الظالمين ) يخبره أنه كائن في ذريته ظالم لا ينال عهده ولا ينبغي [ له ] أن يوليه شيئا من أمره وإن كان من ذرية خليله ومحسن ستنفذ فيه دعوته ، وتبلغ له فيه ما أراد من مسألته .وقال العوفي ، عن ابن عباس : ( لا ينال عهدي الظالمين ) قال : يعني لا عهد لظالم عليك في ظلمه ، أن تطيعه فيه .وقال ابن جرير : حدثنا المثنى ، حدثنا إسحاق ، حدثنا عبد الرحمن بن عبد الله ، عن إسرائيل ، عن مسلم الأعور ، عن مجاهد ، عن ابن عباس ، قال : ( لا ينال عهدي الظالمين ) قال : ليس للظالمين عهد ، وإن عاهدته فانتقضه .وروي عن مجاهد ، وعطاء ، ومقاتل بن حيان ، نحو ذلك .وقال الثوري ، عن هارون بن عنترة ، عن أبيه ، قال : ليس لظالم عهد .وقال عبد الرزاق : أخبرنا معمر ، عن قتادة ، في قوله : ( لا ينال عهدي الظالمين ) قال : لا ينال عهد الله في الآخرة الظالمين ، فأما في الدنيا فقد ناله الظالم فأمن به ، وأكل وعاش .وكذا قال إبراهيم النخعي ، وعطاء ، والحسن ، وعكرمة .وقال الربيع بن أنس : عهد الله الذي عهد إلى عباده : دينه ، يقول : لا ينال دينه الظالمين ، ألا ترى أنه قال : ( وباركنا عليه وعلى إسحاق ومن ذريتهما محسن وظالم لنفسه مبين ) [ الصافات : 113 ] ، يقول : ليس كل ذريتك يا إبراهيم على الحق .وكذا روي عن أبي العالية ، وعطاء ، ومقاتل بن حيان .وقال جويبر ، عن الضحاك : لا ينال طاعتي عدو لي يعصيني ، ولا أنحلها إلا وليا لي يطيعني .وقال الحافظ أبو بكر بن مردويه : حدثنا عبد الرحمن بن محمد بن حامد ، حدثنا أحمد بن عبد الله بن سعيد الأسدي ، حدثنا سليم بن سعيد الدامغاني ، حدثنا وكيع ، عن الأعمش ، عن سعد بن عبيدة ، عن أبي عبد الرحمن السلمي ، عن علي بن أبي طالب ، عن النبي صلى الله عليه وسلم ، قال : ( لا ينال عهدي الظالمين ) قال : " لا طاعة إلا في المعروف " .وقال السدي : ( لا ينال عهدي الظالمين ) يقول : عهدي نبوتي .فهذه أقوال مفسري السلف في هذه الآية على ما نقله ابن جرير ، وابن أبي حاتم ، رحمهما الله تعالى . واختار ابن جرير أن هذه الآية وإن كانت ظاهرة في الخبر أنه لا ينال عهد الله بالإمامة ظالما . ففيها إعلام من الله لإبراهيم الخليل ، عليه السلام ، أنه سيوجد من ذريتك من هو ظالم لنفسه ، كما تقدم عن مجاهد وغيره ، والله أعلم .
2:125
وَ اِذْ جَعَلْنَا الْبَیْتَ مَثَابَةً لِّلنَّاسِ وَ اَمْنًاؕ-وَ اتَّخِذُوْا مِنْ مَّقَامِ اِبْرٰهٖمَ مُصَلًّىؕ-وَ عَهِدْنَاۤ اِلٰۤى اِبْرٰهٖمَ وَ اِسْمٰعِیْلَ اَنْ طَهِّرَا بَیْتِیَ لِلطَّآىٕفِیْنَ وَ الْعٰكِفِیْنَ وَ الرُّكَّعِ السُّجُوْدِ(۱۲۵)
اور (یاد کرو) جب ہم نے اس گھر کو (ف۲۲۷) لوگوں کے لئے مرجع اور امان بنایا (ف۲۲۸) اور ابراہیم کے کھڑے ہونے کی جگہ کو نماز کا مقام بناؤ (ف۲۲۹) اور ہم نے تاکید فرمائی ابراہیم و اسماعیل ؑ کو کہ میرا گھر خوب ستھرا کرو طواف کرنے والوں اور اعتکاف والوں اور رکوع و سجود والوں کے لئے -

قال العوفي ، عن ابن عباس : قوله تعالى : ( وإذ جعلنا البيت مثابة للناس ) يقول : لا يقضون منه وطرا ، يأتونه ، ثم يرجعون إلى أهليهم ، ثم يعودون إليه .وقال علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس : ( مثابة للناس ) يقول : يثوبون .رواهما ابن جرير .وقال ابن أبي حاتم : أخبرنا أبي ، أخبرنا عبد الله بن رجاء ، أخبرنا إسرائيل ، عن مسلم ، عن مجاهد ، عن ابن عباس ، في قوله تعالى : ( وإذ جعلنا البيت مثابة للناس ) قال : يثوبون إليه ثم يرجعون . قال : وروي عن أبي العالية ، وسعيد بن جبير في رواية وعطاء ، ومجاهد ، والحسن ، وعطية ، والربيع بن أنس ، والضحاك ، نحو ذلك . وقال ابن جرير : حدثني عبد الكريم بن أبي عمير ، حدثني الوليد بن مسلم قال : قال أبو عمرو يعني الأوزاعي حدثني عبدة بن أبي لبابة ، في قوله تعالى : ( وإذ جعلنا البيت مثابة للناس ) قال : لا ينصرف عنه منصرف وهو يرى أنه قد قضى منه وطرا .وحدثني يونس ، عن ابن وهب ، قال : قال ابن زيد : ( وإذ جعلنا البيت مثابة للناس ) قال : يثوبون إليه من البلدان كلها ويأتونه .[ وما أحسن ما قال الشاعر في هذا المعنى ، أورده القرطبي :جعل البيت مثابا لهم ليس منه الدهر يقضون الوطر ]وقال سعيد بن جبير في الرواية الأخرى وعكرمة ، وقتادة ، وعطاء الخراساني ( مثابة للناس ) أي : مجمعا .( وأمنا ) قال الضحاك عن ابن عباس : أي أمنا للناس .وقال أبو جعفر الرازي ، عن الربيع بن أنس ، عن أبي العالية : ( وإذ جعلنا البيت مثابة للناس وأمنا ) يقول : أمنا من العدو ، وأن يحمل فيه السلاح ، وقد كانوا في الجاهلية يتخطف الناس من حولهم ، وهم آمنون لا يسبون .وروي عن مجاهد ، وعطاء ، والسدي ، وقتادة ، والربيع بن أنس ، قالوا : من دخله كان آمنا .ومضمون ما فسر به هؤلاء الأئمة هذه الآية : أن الله تعالى يذكر شرف البيت وما جعله موصوفا به شرعا وقدرا من كونه مثابة للناس ، أي : جعله محلا تشتاق إليه الأرواح وتحن إليه ، ولا تقضي منه وطرا ، ولو ترددت إليه كل عام ، استجابة من الله تعالى لدعاء خليله إبراهيم ، عليه السلام ، في قوله : ( فاجعل أفئدة من الناس تهوي إليهم ) إلى أن قال : ( ربنا وتقبل دعاء ) [ إبراهيم : 37 - 40 ] ويصفه تعالى بأنه جعله أمنا ، من دخله أمن ، ولو كان قد فعل ما فعل ثم دخله كان آمنا .وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم : كان الرجل يلقى قاتل أبيه وأخيه فيه فلا يعرض له ، كما وصفها في سورة المائدة بقوله تعالى ( جعل الله الكعبة البيت الحرام قياما للناس ) [ المائدة : 97 ] أي : يرفع عنهم بسبب تعظيمها السوء ، كما قال ابن عباس : لو لم يحج الناس هذا البيت لأطبق الله السماء على الأرض ، وما هذا الشرف إلا لشرف بانيه أولا وهو خليل الرحمن ، كما قال تعالى : ( وإذ بوأنا لإبراهيم مكان البيت أن لا تشرك بي شيئا ) [ الحج : 26 ] وقال تعالى : ( إن أول بيت وضع للناس للذي ببكة مباركا وهدى للعالمين فيه آيات بينات مقام إبراهيم ومن دخله كان آمنا ) [ آل عمران : 96 ، 97 ] .وفي هذه الآية الكريمة نبه على مقام إبراهيم مع الأمر بالصلاة عنده . فقال : ( واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى ) وقد اختلف المفسرون في المراد بالمقام ما هو ؟ فقال ابن أبي حاتم : أخبرنا عمر بن شبة النميري ، حدثنا أبو خلف يعني عبد الله بن عيسى حدثنا داود بن أبي هند ، عن مجاهد ، عن ابن عباس : ( واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى ) قال : مقام إبراهيم : الحرم كله . وروي عن مجاهد وعطاء مثل ذلك .وقال [ أيضا ] حدثنا الحسن بن محمد بن الصباح ، حدثنا حجاج ، عن ابن جريج ، قال : سألت عطاء عن ( واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى ) فقال : سمعت ابن عباس قال : أما مقام إبراهيم الذي ذكر هاهنا ، فمقام إبراهيم هذا الذي في المسجد ، ثم قال : و ( مقام إبراهيم ) يعد كثير ، " مقام إبراهيم " الحج كله . ثم فسره لي عطاء فقال : التعريف ، وصلاتان بعرفة ، والمشعر ، ومنى ، ورمي الجمار ، والطواف بين الصفا والمروة . فقلت : أفسره ابن عباس ؟ قال : لا ولكن قال : مقام إبراهيم : الحج كله . قلت : أسمعت ذلك ؟ لهذا أجمع . قال : نعم ، سمعته منه .وقال سفيان الثوري ، عن عبد الله بن مسلم ، عن سعيد بن جبير : ( واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى ) قال : الحجر مقام إبراهيم نبي الله ، قد جعله الله رحمة ، فكان يقوم عليه ويناوله إسماعيل الحجارة . ولو غسل رأسه كما يقولون لاختلف رجلاه .[ وقال السدي : المقام : الحجر الذي وضعته زوجة إسماعيل تحت قدم إبراهيم حتى غسلت رأسه . حكاه القرطبي ، وضعفه ورجحه غيره ، وحكاه الرازي في تفسيره عن الحسن البصري وقتادة والربيع بن أنس ] .وقال ابن أبي حاتم : حدثنا الحسن بن محمد بن الصباح ، حدثنا عبد الوهاب بن عطاء ، عن ابن جريج ، عن جعفر بن محمد ، عن أبيه ، سمع جابرا يحدث عن حجة النبي صلى الله عليه وسلم قال : لما طاف النبي صلى الله عليه وسلم قال له عمر : هذا مقام أبينا إبراهيم ؟ قال : نعم ، قال : أفلا نتخذه مصلى ؟ فأنزل الله ، عز وجل : ( واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى ) .وقال عثمان بن أبي شيبة : أخبرنا أبو أسامة ، عن زكريا ، عن أبي إسحاق ، عن أبي ميسرة قال : قال عمر : قلت : يا رسول الله ، هذا مقام خليل ربنا ؟ قال : نعم ، قال : أفلا نتخذه مصلى ؟ فنزلت : ( واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى ) .وقال ابن مردويه : حدثنا دعلج بن أحمد ، حدثنا غيلان بن عبد الصمد ، حدثنا مسروق بن المرزبان ، حدثنا زكريا بن أبي زائدة ، عن أبي إسحاق عن عمرو بن ميمون عن عمر بن الخطاب أنه مر بمقام إبراهيم فقال : يا رسول الله ، أليس نقوم مقام خليل ربنا ؟ قال : " بلى " . قال : أفلا نتخذه مصلى ؟ فلم يلبث إلا يسيرا حتى نزلت : ( واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى )وقال ابن مردويه : حدثنا محمد بن أحمد بن محمد القزويني ، حدثنا علي بن الحسين الجنيد ، حدثنا هشام بن خالد ، حدثنا الوليد ، عن مالك بن أنس ، عن جعفر بن محمد عن أبيه ، عن جابر ، قال : لما وقف رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم فتح مكة عند مقام إبراهيم ، قال له عمر : يا رسول الله ، هذا مقام إبراهيم الذي قال الله : ( واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى ) ؟ قال : " نعم " . قال الوليد : قلت لمالك : هكذا حدثك ( واتخذوا ) قال : نعم . هكذا وقع في هذه الرواية . وهو غريب .وقد روى النسائي من حديث الوليد بن مسلم نحوه .وقال البخاري : باب قوله : ( واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى ) مثابة يثوبون يرجعون .حدثنا مسدد ، حدثنا يحيى ، عن حميد ، عن أنس بن مالك . قال : قال عمر بن الخطاب وافقت ربي في ثلاث ، أو وافقني ربي في ثلاث ، قلت : يا رسول الله ، لو اتخذت من مقام إبراهيم مصلى ؟ فنزلت : ( واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى ) وقلت : يا رسول الله يدخل عليك البر والفاجر ، فلو أمرت أمهات المؤمنين بالحجاب ؟ فأنزل الله آية الحجاب . وقال : وبلغني معاتبة النبي صلى الله عليه وسلم بعض نسائه ، فدخلت عليهن فقلت : إن انتهيتن أو ليبدلن الله رسوله خيرا منكن ، حتى أتيت إحدى نسائه ، فقالت : يا عمر ، أما في رسول الله ما يعظ نساءه حتى تعظهن أنت ؟ ! فأنزل الله : ( عسى ربه إن طلقكن أن يبدله أزواجا خيرا منكن ) الآية [ التحريم : 5 ] .وقال ابن أبي مريم : أخبرنا يحيى بن أيوب ، حدثني حميد ، قال : سمعت أنسا عن عمر ، رضي الله عنهما .هكذا ساقه البخاري هاهنا ، وعلق الطريق الثانية عن شيخه سعيد بن الحكم المعروف بابن أبي مريم المصري . وقد تفرد بالرواية عنه البخاري من بين أصحاب الكتب الستة . وروى عنه الباقون بواسطة ، وغرضه من تعليق هذا الطريق ليبين فيه اتصال إسناد الحديث ، وإنما لم يسنده ; لأن يحيى بن أبي أيوب الغافقي فيه شيء ، كما قال الإمام أحمد فيه : هو سيئ الحفظ ، والله أعلم .وقال الإمام أحمد : حدثنا هشيم ، حدثنا حميد ، عن أنس ، قال : قال عمر رضي الله عنه وافقت ربي عز وجل في ثلاث ، قلت : يا رسول الله ، لو اتخذنا من مقام إبراهيم مصلى ؟ فنزلت : ( واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى ) وقلت : يا رسول الله ، إن نساءك يدخل عليهن البر والفاجر ، فلو أمرتهن أن يحتجبن ؟ فنزلت آية الحجاب . واجتمع على رسول الله صلى الله عليه وسلم نساؤه في الغيرة فقلت لهن : ( عسى ربه إن طلقكن أن يبدله أزواجا خيرا منكن ) [ التحريم : 5 ] فنزلت كذلك . ثم رواه أحمد ، عن يحيى وابن أبي عدي ، كلاهما عن حميد ، عن أنس ، عن عمر أنه قال : وافقت ربي في ثلاث ، أو وافقني ربي في ثلاث فذكره .وقد رواه البخاري عن عمرو بن عون والترمذي عن أحمد بن منيع ، والنسائي عن يعقوب بن إبراهيم الدورقي ، وابن ماجه عن محمد بن الصباح ، كلهم عن هشيم بن بشير ، به . ورواه الترمذي أيضا عن عبد بن حميد ، عن حجاج بن منهال ، عن حماد بن سلمة ، والنسائي عن هناد ، عن يحيى بن أبي زائدة ، كلاهما عن حميد ، وهو ابن تيرويه الطويل ، به . وقال الترمذي : حسن صحيح . ورواه الإمام علي بن المديني عن يزيد بن زريع ، عن حميد به . وقال : هذا من صحيح الحديث ، وهو بصري ، ورواه الإمام مسلم بن الحجاج في صحيحه بسند آخر ، ولفظ آخر ، فقال : حدثنا عقبة بن مكرم ، أخبرنا سعيد بن عامر ، عن جويرية بن أسماء ، عن نافع ، عن ابن عمر ، عن عمر ، قال : وافقت ربي في ثلاث : في الحجاب ، وفي أسارى بدر ، وفي مقام إبراهيم .وقال أبو حاتم الرازي : حدثنا محمد بن عبد الله الأنصاري ، حدثنا حميد الطويل عن أنس بن مالك قال : قال عمر بن الخطاب : وافقني ربي في ثلاث أو وافقت ربي ، قلت : يا رسول الله ، لو اتخذت من مقام إبراهيم مصلى ؟ فنزلت : ( واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى ) وقلت : يا رسول الله لو حجبت النساء ؟ فنزلت آية الحجاب . والثالثة : لما مات عبد الله بن أبي جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم ليصلي عليه . قلت : يا رسول الله ، تصلي على هذا الكافر المنافق ! فقال : " إيها عنك يا ابن الخطاب " فنزلت : ( ولا تصل على أحد منهم مات أبدا ولا تقم على قبره ) [ التوبة : 84 ] .وهذا إسناد صحيح أيضا ، ولا تعارض بين هذا ولا هذا ، بل الكل صحيح ، ومفهوم العدد إذا عارضه منطوق قدم عليه ، والله أعلم .وقال ابن جريج أخبرني جعفر بن محمد ، عن أبيه عن جابر : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رمل ثلاثة أشواط ، ومشى أربعا ، حتى إذا فرغ عمد إلى مقام إبراهيم فصلى خلفه ركعتين ، ثم قرأ : ( واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى )وقال ابن جرير : حدثنا يوسف بن سلمان حدثنا حاتم بن إسماعيل ، حدثنا جعفر بن محمد عن أبيه ، عن جابر قال : استلم رسول الله صلى الله عليه وسلم الركن ، فرمل ثلاثا ، ومشى أربعا ، ثم تقدم إلى مقام إبراهيم ، فقرأ : ( واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى ) فجعل المقام بينه وبين البيت ، فصلى ركعتين .وهذا قطعة من الحديث الطويل الذي رواه مسلم في صحيحه ، من حديث حاتم بن إسماعيل .وروى البخاري بسنده ، عن عمرو بن دينار ، قال : سمعت ابن عمر يقول : قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم فطاف بالبيت سبعا ، وصلى خلف المقام ركعتين .فهذا كله مما يدل على أن المراد بالمقام إنما هو الحجر الذي كان إبراهيم عليه السلام ، يقوم عليه لبناء الكعبة ، لما ارتفع الجدار أتاه إسماعيل ، عليه السلام ، به ليقوم فوقه ويناوله الحجارة فيضعها بيده لرفع الجدار ، كلما كمل ناحية انتقل إلى الناحية الأخرى ، يطوف حول الكعبة ، وهو واقف عليه ، كلما فرغ من جدار نقله إلى الناحية التي تليها هكذا ، حتى تم جدارات الكعبة ، كما سيأتي بيانه في قصة إبراهيم وإسماعيل في بناء البيت ، من رواية ابن عباس عند البخاري . وكانت آثار قدميه ظاهرة فيه ، ولم يزل هذا معروفا تعرفه العرب في جاهليتها ; ولهذا قال أبو طالب في قصيدته المعروفة اللامية :وموطئ إبراهيم في الصخر رطبة على قدميه حافيا غير ناعلوقد أدرك المسلمون ذلك فيه أيضا . وقال عبد الله بن وهب : أخبرني يونس بن يزيد ، عن ابن شهاب : أن أنس بن مالك حدثهم ، قال : رأيت المقام فيه أثر أصابعه عليه السلام ، وإخمص قدميه ، غير أنه أذهبه مسح الناس بأيديهم .وقال ابن جرير : حدثنا بشر بن معاذ ، حدثنا يزيد بن زريع ، حدثنا سعيد ، عن قتادة : ( واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى ) إنما أمروا أن يصلوا عنده ولم يؤمروا بمسحه . ولقد تكلفت هذه الأمة شيئا ما تكلفته الأمم قبلها ، ولقد ذكر لنا من رأى أثر عقبه وأصابعه فيه فما زالت هذه الأمة يمسحونه حتى اخلولق وانمحى .قلت : وقد كان المقام ملصقا بجدار الكعبة قديما ، ومكانه معروف اليوم إلى جانب الباب مما يلي الحجر يمنة الداخل من الباب في البقعة المستقلة هناك ، وكان الخليل ، عليه السلام لما فرغ من بناء البيت وضعه إلى جدار الكعبة أو أنه انتهى عنده البناء فتركه هناك ; ولهذا والله أعلم أمر بالصلاة هناك عند فراغ الطواف ، وناسب أن يكون عند مقام إبراهيم حيث انتهى بناء الكعبة فيه ، وإنما أخره عن جدار الكعبة أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه [ وهو ] أحد الأئمة المهديين والخلفاء الراشدين ، الذين أمرنا باتباعهم ، وهو أحد الرجلين اللذين قال فيهما رسول الله صلى الله عليه وسلم : " اقتدوا باللذين من بعدي أبي بكر وعمر " . وهو الذي نزل القرآن بوفاقه في الصلاة عنده ; ولهذا لم ينكر ذلك أحد من الصحابة ، رضي الله عنهم أجمعين .قال عبد الرزاق ، عن ابن جريج ، حدثني عطاء وغيره من أصحابنا : قالوا : أول من نقله عمر بن الخطاب رضي الله عنه . وقال عبد الرزاق أيضا عن معمر عن حميد الأعرج ، عن مجاهد قال : أول من أخر المقام إلى موضعه الآن ، عمر بن الخطاب رضي الله عنه .وقال الحافظ أبو بكر أحمد بن الحسين بن علي البيهقي أخبرنا أبو [ الحسين بن ] الفضل القطان ، أخبرنا القاضي أبو بكر أحمد بن كامل ، حدثنا أبو إسماعيل محمد بن إسماعيل السلمي ، حدثنا أبو ثابت ، حدثنا الدراوردي ، عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها : أن المقام كان في زمان رسول الله صلى الله عليه وسلم وزمان أبي بكر ملتصقا بالبيت ، ثم أخره عمر بن الخطاب رضي الله عنه وهذا إسناد صحيح مع ما تقدم .وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي ، حدثنا ابن أبي عمر العدني قال : قال سفيان [ يعني ابن عيينة ] وهو إمام المكيين في زمانه : كان المقام في سقع البيت على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فحوله عمر إلى مكانه بعد النبي صلى الله عليه وسلم وبعد قوله : ( واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى ) قال : ذهب السيل به بعد تحويل عمر إياه من موضعه هذا ، فرده عمر إليه .وقال سفيان : لا أدري كم بينه وبين الكعبة قبل تحويله . قال سفيان : لا أدري أكان لاصقا بها أم لا ؟ .فهذه الآثار متعاضدة على ما ذكرناه ، والله أعلم .وقد قال الحافظ أبو بكر بن مردويه : حدثنا أبو عمرو ، حدثنا محمد بن عبد الوهاب ، حدثنا آدم ، حدثنا شريك ، عن إبراهيم بن مهاجر ، عن مجاهد ، قال : قال عمر : يا رسول الله لو صلينا خلف المقام ؟ فأنزل الله : ( واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى ) فكان المقام عند البيت فحوله رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى موضعه هذا . قال مجاهد : قد كان عمر يرى الرأي فينزل به القرآن .هذا مرسل عن مجاهد ، وهو مخالف لما تقدم من رواية عبد الرزاق ، عن معمر ، عن حميد الأعرج ، عن مجاهد أن أول من أخر المقام إلى موضعه الآن عمر بن الخطاب رضي الله عنه وهذا أصح من طريق ابن مردويه ، مع اعتضاد هذا بما تقدم ، والله أعلم .قال الحسن البصري : قوله : ( وعهدنا إلى إبراهيم وإسماعيل ) قال : أمرهما الله أن يطهراه من الأذى والنجس ولا يصيبه من ذلك شيء .وقال ابن جريج : قلت لعطاء : ما عهده ؟ قال : أمره .وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم : ( وعهدنا إلى إبراهيم ) أي : أمرناه . كذا قال . والظاهر أن هذا الحرف إنما عدي بإلى ، لأنه في معنى تقدمنا وأوحينا .وقال سعيد بن جبير ، عن ابن عباس ، قوله : ( أن طهرا بيتي للطائفين والعاكفين ) قال : من الأوثان .وقال مجاهد وسعيد بن جبير : ( طهرا بيتي للطائفين ) إن ذلك من الأوثان والرفث وقول الزور والرجس .قال ابن أبي حاتم : وروي عن عبيد بن عمير ، وأبي العالية ، وسعيد بن جبير ، ومجاهد ، وعطاء وقتادة : ( أن طهرا بيتي ) أي : بلا إله إلا الله ، من الشرك .وأما قوله تعالى : ( للطائفين ) فالطواف بالبيت معروف . وعن سعيد بن جبير أنه قال في قوله تعالى : ( للطائفين ) يعني : من أتاه من غربة ، ( والعاكفين ) المقيمين فيه . وهكذا روي عن قتادة ، والربيع بن أنس : أنهما فسرا العاكفين بأهله المقيمين فيه ، كما قال سعيد بن جبير .وقال يحيى [ بن ] القطان ، عن عبد الملك هو ابن أبي سليمان عن عطاء في قوله : ( والعاكفين ) قال : من انتابه من الأمصار فأقام عنده وقال لنا ونحن مجاورون : أنتم من العاكفين .وقال وكيع ، عن أبي بكر الهذلي عن عطاء عن ابن عباس قال : إذا كان جالسا فهو من العاكفين .وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي ، حدثنا موسى بن إسماعيل ، حدثنا حماد بن سلمة ، حدثنا ثابت قال : قلنا لعبد الله بن عبيد بن عمير : ما أراني إلا مكلم الأمير أن أمنع الذين ينامون في المسجد الحرام فإنهم يجنبون ويحدثون . قال : لا تفعل ، فإن ابن عمر سئل عنهم ، فقال : هم العاكفون .[ ورواه عبد بن حميد عن سليمان بن حرب عن حماد بن سلمة ، به ] .قلت : وقد ثبت في الصحيح أن ابن عمر كان ينام في مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم وهو عزب .وأما قوله تعالى : ( والركع السجود ) فقال وكيع ، عن أبي بكر الهذلي ، عن عطاء ، عن ابن عباس ( والركع السجود ) قال : إذا كان مصليا فهو من الركع السجود . وكذا قال عطاء وقتادة .وقال ابن جرير رحمه الله : فمعنى الآية : وأمرنا إبراهيم وإسماعيل بتطهير بيتي للطائفين . والتطهير الذي أمرهما به في البيت هو تطهيره من الأصنام وعبادة الأوثان فيه ومن الشرك . ثم أورد سؤالا فقال : فإن قيل : فهل كان قبل بناء إبراهيم عند البيت شيء من ذلك الذي أمر بتطهيره منه ؟ وأجاب بوجهين : أحدهما : أنه أمرهما بتطهيره مما كان يعبد عنده زمان قوم نوح من الأصنام والأوثان ليكون ذلك سنة لمن بعدهما إذ كان الله تعالى قد جعل إبراهيم إماما يقتدى به كما قال عبد الرحمن بن زيد : ( أن طهرا بيتي ) قال : من الأصنام التي يعبدون ، التي كان المشركون يعظمونها .قلت : وهذا الجواب مفرع على أنه كان يعبد عنده أصنام قبل إبراهيم عليه السلام ، ويحتاج إثبات هذا إلى دليل عن المعصوم محمد صلى الله عليه وسلم .الجواب الثاني : أنه أمرهما أن يخلصا [ في ] بنائه لله وحده لا شريك له ، فيبنياه مطهرا من الشرك والريب ، كما قال جل ثناؤه : ( أفمن أسس بنيانه على تقوى من الله ورضوان خير أم من أسس بنيانه على شفا جرف هار ) [ التوبة : 109 ] قال : فكذلك قوله : ( وعهدنا إلى إبراهيم وإسماعيل أن طهرا بيتي ) أي : ابنيا بيتي على طهر من الشرك بي والريب ، كما قال السدي : ( أن طهرا بيتي ) ابنيا بيتي للطائفين .وملخص هذا الجواب : أن الله تعالى أمر إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام ، أن يبنيا الكعبة على اسمه وحده لا شريك له للطائفين به والعاكفين عنده ، والمصلين إليه من الركع السجود ، كما قال تعالى : ( وإذ بوأنا لإبراهيم مكان البيت أن لا تشرك بي شيئا وطهر بيتي للطائفين والقائمين والركع السجود ) الآيات [ الحج : 26 ] .[ وقد اختلف الفقهاء : أيما أفضل ، الصلاة عند البيت أو الطواف ؟ فقال مالك : الطواف به لأهل الأمصار أفضل من الصلاة عنده ، وقال الجمهور : الصلاة أفضل مطلقا ، وتوجيه كل منهما يذكر في كتاب الأحكام ] .والمراد من ذلك الرد على المشركين الذين كانوا يشركون بالله عند بيته ، المؤسس على عبادته وحده لا شريك له ، ثم مع ذلك يصدون أهله المؤمنين عنه ، كما قال تعالى : ( إن الذين كفروا ويصدون عن سبيل الله والمسجد الحرام الذي جعلناه للناس سواء العاكف فيه والباد ومن يرد فيه بإلحاد بظلم نذقه من عذاب أليم ) [ الحج : 25 ] .ثم ذكر أن البيت إنما أسس لمن يعبد الله وحده لا شريك له ، إما بطواف أو صلاة ، فذكر في سورة الحج أجزاءها الثلاثة : قيامها ، وركوعها ، وسجودها ، ولم يذكر العاكفين لأنه تقدم ( سواء العاكف فيه والباد ) وفي هذه الآية الكريمة ذكر الطائفين والعاكفين ، واجتزأ بذكر الركوع والسجود عن القيام ; لأنه قد علم أنه لا يكون ركوع ولا سجود إلا بعد قيام . وفي ذلك أيضا رد على من لا يحجه من أهل الكتابين : اليهود والنصارى ; لأنهم يعتقدون فضيلة إبراهيم الخليل وعظمته ، ويعلمون أنه بنى هذا البيت للطواف في الحج والعمرة وغير ذلك وللاعتكاف والصلاة عنده وهم لا يفعلون شيئا من ذلك ، فكيف يكونون مقتدين بالخليل ، وهم لا يفعلون ما شرع الله له ؟ وقد حج البيت موسى بن عمران وغيره من الأنبياء عليهم السلام ، كما أخبر بذلك المعصوم الذي لا ينطق عن الهوى ( إن هو إلا وحي يوحى ) [ النجم : 4 ] .وتقدير الكلام إذا : ( وعهدنا إلى إبراهيم وإسماعيل ) [ أي : تقدمنا لوحينا إلى إبراهيم وإسماعيل ] ( أن طهرا بيتي للطائفين والعاكفين والركع السجود ) أي : طهراه من الشرك والريب وابنياه خالصا لله ، معقلا للطائفين والعاكفين والركع السجود . وتطهير المساجد مأخوذ من هذه الآية ، ومن قوله تعالى : ( في بيوت أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه يسبح له فيها بالغدو والآصال ) [ النور : 36 ] ومن السنة من أحاديث كثيرة ، من الأمر بتطهيرها وتطييبها وغير ذلك ، من صيانتها من الأذى والنجاسات وما أشبه ذلك . ولهذا قال عليه السلام : " إنما بنيت المساجد لما بنيت له " . وقد جمعت في ذلك جزءا على حدة ولله الحمد والمنة .وقد اختلف الناس في أول من بنى الكعبة ، فقيل : الملائكة قبل آدم ، وروي هذا عن أبي جعفر الباقر محمد بن علي بن الحسين ، ذكره القرطبي وحكى لفظه ، وفيه غرابة ، وقيل : آدم عليه السلام ، رواه عبد الرزاق عن ابن جريج عن عطاء وسعيد بن المسيب وغيرهم : أن آدم بناه من خمسة أجبل : من حراء وطور سيناء وطور زيتا وجبل لبنان والجودي ، وهذا غريب أيضا . وروي نحوه عن ابن عباس وكعب الأحبار وقتادة وعن وهب بن منبه : أن أول من بناه شيث ، عليه السلام ، وغالب من يذكر هذا إنما يأخذه من كتب أهل الكتاب ، وهي مما لا يصدق ولا يكذب ولا يعتمد عليها بمجردها ، وأما إذا صح حديث في ذلك فعلى الرأس والعين .
2:126
وَ اِذْ قَالَ اِبْرٰهٖمُ رَبِّ اجْعَلْ هٰذَا بَلَدًا اٰمِنًا وَّ ارْزُقْ اَهْلَهٗ مِنَ الثَّمَرٰتِ مَنْ اٰمَنَ مِنْهُمْ بِاللّٰهِ وَ الْیَوْمِ الْاٰخِرِؕ-قَالَ وَ مَنْ كَفَرَ فَاُمَتِّعُهٗ قَلِیْلًا ثُمَّ اَضْطَرُّهٗۤ اِلٰى عَذَابِ النَّارِؕ-وَ بِئْسَ الْمَصِیْرُ(۱۲۶)
اور جب عرض کی ابراہیم ؑ نے کہ اے میرے رب اس شہر کو امان والا کردے اور اس کے رہنے والوں کو طرح طرح کے پھلوں سے روزی دے جو ان میں سے اللہ اور پچھلے دن پر ایمان لائیں (ف۲۳۰) فرمایا اور جو کافر ہوا تھوڑا برتنے کو اسے بھی دوں گا پھر اسے عذاب ِ دوزخ کی طرف مجبور کردوں گا اور بہت بری جگہ ہے پلٹنے کی-

وقوله تعالى : ( وإذ قال إبراهيم رب اجعل هذا بلدا آمنا وارزق أهله من الثمرات من آمن منهم بالله واليوم الآخر )قال الإمام أبو جعفر بن جرير : حدثنا ابن بشار قال : حدثنا عبد الرحمن بن مهدي ، حدثنا سفيان ، عن أبي الزبير ، عن جابر بن عبد الله قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن إبراهيم حرم بيت الله وأمنه ، وإني حرمت المدينة ما بين لابتيها فلا يصاد صيدها ولا يقطع عضاهها " .وهكذا رواه النسائي ، عن محمد بن بشار عن بندار به .وأخرجه مسلم ، عن أبي بكر بن أبي شيبة ، وعمرو الناقد ، كلاهما عن أبي أحمد الزبيري ، عن سفيان الثوري .وقال ابن جرير أيضا : حدثنا أبو كريب وأبو السائب قالا : حدثنا ابن إدريس ، وحدثنا أبو كريب ، حدثنا عبد الرحيم الرازي ، قالا جميعا : سمعنا أشعث عن نافع عن أبي هريرة ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن إبراهيم كان عبد الله وخليله وإني عبد الله ورسوله ، وإن إبراهيم حرم مكة وإني حرمت المدينة ما بين لابتيها ، عضاهها وصيدها ، لا يحمل فيها سلاح لقتال ، ولا يقطع منها شجرة إلا لعلف بعير " .وهذه الطريق غريبة ، ليست في شيء من الكتب الستة ، وأصل الحديث في صحيح مسلم من وجه آخر ، عن أبي هريرة ، رضي الله عنه ، قال : كان الناس إذا رأوا أول الثمر ، جاءوا به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فإذا أخذه رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " اللهم بارك لنا في ثمرنا ، وبارك لنا في مدينتنا ، وبارك لنا في صاعنا ، وبارك لنا في مدنا ، اللهم إن إبراهيم عبدك وخليلك ونبيك ، وإني عبدك ونبيك ، وإنه دعاك لمكة وإني أدعوك للمدينة بمثل ما دعاك لمكة ومثله معه " ثم يدعو أصغر وليد له ، فيعطيه ذلك الثمر . وفي لفظ : " بركة مع بركة " ثم يعطيه أصغر من يحضره من الولدان . لفظ مسلم .ثم قال ابن جرير : حدثنا أبو كريب ، حدثنا قتيبة بن سعيد ، حدثنا بكر بن مضر ، عن ابن الهاد ، عن أبي بكر بن محمد ، عن عبد الله بن عمرو بن عثمان ، عن رافع بن خديج ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن إبراهيم حرم مكة ، وإني أحرم ما بين لابتيها " .انفرد بإخراجه مسلم ، فرواه عن قتيبة ، عن بكر بن مضر ، به . ولفظه كلفظه سواء . وفي الصحيحين عن أنس بن مالك ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي طلحة : " التمس لي غلاما من غلمانكم يخدمني " فخرج بي أبو طلحة يردفني وراءه ، فكنت أخدم رسول الله صلى الله عليه وسلم كلما نزل . وقال في الحديث : ثم أقبل حتى إذا بدا له أحد قال : " هذا جبل يحبنا ونحبه " . فلما أشرف على المدينة قال " اللهم إني أحرم ما بين جبليها ، مثلما حرم به إبراهيم مكة ، اللهم بارك لهم في مدهم وصاعهم " . وفي لفظ لهما : " اللهم بارك لهم في مكيالهم ، وبارك لهم في صاعهم ، وبارك لهم في مدهم " . زاد البخاري : يعني : أهل المدينة .ولهما أيضا عن أنس : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " اللهم اجعل بالمدينة ضعفي ما جعلته بمكة من البركة " وعن عبد الله بن زيد بن عاصم ، رضي الله عنه ، عن النبي صلى الله عليه وسلم : " إن إبراهيم حرم مكة ودعا لها ، وحرمت المدينة كما حرم إبراهيم مكة ، ودعوت لها في مدها وصاعها مثل ما دعا إبراهيم لمكة "رواه البخاري وهذا لفظه ، ومسلم ولفظه : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " إن إبراهيم حرم مكة ودعا لأهلها . وإني حرمت المدينة كما حرم إبراهيم مكة ، وإني دعوت لها في صاعها ومدها بمثل ما دعا إبراهيم لأهل مكة " .وعن أبي سعيد ، رضي الله عنه ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " اللهم إن إبراهيم حرم مكة فجعلها حراما ، وإني حرمت المدينة حراما ما بين مأزميها ، لا يهراق فيها دم ، ولا يحمل فيها سلاح لقتال ، ولا يخبط فيها شجرة إلا لعلف . اللهم بارك لنا في مدينتنا ، اللهم بارك لنا في صاعنا ، اللهم بارك لنا في مدنا ، اللهم اجعل مع البركة بركتين " . الحديث رواه مسلم .والأحاديث في تحريم المدينة كثيرة ، وإنما أوردنا منها ما هو متعلق بتحريم إبراهيم ، عليه السلام ، لمكة ، لما في ذلك في مطابقة الآية الكريمة .[ وتمسك بها من ذهب إلى أن تحريم مكة إنما كان على لسان إبراهيم الخليل ، وقيل : إنها محرمة منذ خلقت مع الأرض وهذا أظهر وأقوى ] .وقد وردت أحاديث أخر تدل على أن الله تعالى حرم مكة قبل خلق السماوات والأرض ، كما جاء في الصحيحين ، عن عبد الله بن عباس ، رضي الله عنهما ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم فتح مكة : " إن هذا البلد حرمه الله يوم خلق السماوات والأرض ، فهو حرام بحرمة الله إلى يوم القيامة . وإنه لم يحل القتال فيه لأحد قبلي ، ولم يحل لي إلا ساعة من نهار ، فهو حرام بحرمة الله إلى يوم القيامة . لا يعضد شوكه ، ولا ينفر صيده ، ولا تلتقط لقطته إلا من عرفها ، ولا يختلى خلاها " فقال العباس : يا رسول الله ، إلا الإذخر فإنه لقينهم ولبيوتهم . فقال : " إلا الإذخر " وهذا لفظ مسلم .ولهما عن أبي هريرة نحو من ذلك .ثم قال البخاري بعد ذلك : قال أبان بن صالح ، عن الحسن بن مسلم ، عن صفية بنت شيبة : سمعت النبي صلى الله عليه وسلم ، مثله .وهذا الذي علقه البخاري رواه الإمام أبو عبد الله بن ماجه ، عن محمد بن عبد الله بن نمير ، عن يونس بن بكير ، عن محمد بن إسحاق ، عن أبان بن صالح ، عن الحسن بن مسلم بن يناق ، عن صفية بنت شيبة ، قالت : سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يخطب عام الفتح ، فقال : " يا أيها الناس ، إن الله حرم مكة يوم خلق السماوات والأرض ، فهي حرام إلى يوم القيامة ، لا يعضد شجرها ولا ينفر صيدها ، ولا يأخذ لقطتها إلا منشد " فقال العباس : إلا الإذخر ; فإنه للبيوت والقبور . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إلا الإذخر " .وعن أبي شريح العدوي أنه قال لعمرو بن سعيد وهو يبعث البعوث إلى مكة : ائذن لي أيها الأمير أن أحدثك قولا قال به رسول الله صلى الله عليه وسلم الغد من يوم الفتح ، سمعته أذناي ووعاه قلبي ، وأبصرته عيناي حين تكلم به ، إنه حمد الله وأثنى عليه ، ثم قال : " إن مكة حرمها الله ولم يحرمها الناس ، فلا يحل لامرئ يؤمن بالله واليوم الآخر أن يسفك بها دما ، ولا يعضد بها شجرة ، فإن أحد ترخص بقتال رسول الله صلى الله عليه وسلم فقولوا : إن الله أذن لرسوله صلى الله عليه وسلم ولم يأذن لكم . وإنما أذن لي فيها ساعة من نهار ، وقد عادت حرمتها اليوم كحرمتها بالأمس ، فليبلغ الشاهد الغائب " . فقيل لأبي شريح : ما قال لك عمرو ؟ قال : أنا أعلم بذلك منك يا أبا شريح ، إن الحرم لا يعيذ عاصيا ، ولا فارا بدم ، ولا فارا بخربة .رواه البخاري ومسلم ، وهذا لفظه .فإذا علم هذا فلا منافاة بين هذه الأحاديث الدالة على أن الله حرم مكة يوم خلق السماوات والأرض ، وبين الأحاديث الدالة على أن إبراهيم ، عليه السلام ، حرمها ; لأن إبراهيم بلغ عن الله حكمه فيها وتحريمه إياها ، وأنها لم تزل بلدا حراما عند الله قبل بناء إبراهيم ، عليه السلام ، لها ، كما أنه قد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم مكتوبا عند الله خاتم النبيين ، وإن آدم لمنجدل في طينته ، ومع هذا قال إبراهيم ، عليه السلام : ( ربنا وابعث فيهم رسولا منهم ) وقد أجاب الله دعاءه بما سبق في علمه وقدره . ولهذا جاء في الحديث أنهم قالوا : يا رسول الله ، أخبرنا عن بدء أمرك . فقال : " دعوة أبي إبراهيم ، وبشرى عيسى ابن مريم ، ورأت أمي كأنه خرج منها نور أضاءت له قصور الشام " .أي : أخبرنا عن بدء ظهور أمرك . كما سيأتي قريبا ، إن شاء الله .وأما مسألة تفضيل مكة على المدينة ، كما هو قول الجمهور ، أو المدينة على مكة ، كما هو مذهب مالك وأتباعه ، فتذكر في موضع آخر بأدلتها ، إن شاء الله ، وبه الثقة .وقوله : تعالى إخبارا عن الخليل أنه قال : ( رب اجعل هذا بلدا آمنا ) أي : من الخوف ، لا يرعب أهله ، وقد فعل الله ذلك شرعا وقدرا . كقوله تعالى ( ومن دخله كان آمنا ) [ آل عمران : 97 ] وقوله ( أولم يروا أنا جعلنا حرما آمنا ويتخطف الناس من حولهم ) [ العنكبوت : 67 ] إلى غير ذلك من الآيات . وقد تقدمت الأحاديث في تحريم القتال فيها . وفي صحيح مسلم عن جابر : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " لا يحل لأحد أن يحمل بمكة السلاح " . وقال في هذه السورة : ( رب اجعل هذا بلدا آمنا ) أي : اجعل هذه البقعة بلدا آمنا ، وناسب هذا ; لأنه قبل بناء الكعبة . وقال تعالى في سورة إبراهيم : ( وإذ قال إبراهيم رب اجعل هذا بلدا آمنا ) [ إبراهيم : 35 ] وناسب هذا هناك لأنه ، والله أعلم ، كأنه وقع دعاء ثانيا بعد بناء البيت واستقرار أهله به ، وبعد مولد إسحاق الذي هو أصغر سنا من إسماعيل بثلاث عشرة سنة ; ولهذا قال في آخر الدعاء : ( الحمد لله الذي وهب لي على الكبر إسماعيل وإسحاق إن ربي لسميع الدعاء ) [ إبراهيم : 39 ]وقوله تعالى : ( وارزق أهله من الثمرات من آمن منهم بالله واليوم الآخر قال ومن كفر فأمتعه قليلا ثم أضطره إلى عذاب النار وبئس المصير )قال أبو جعفر الرازي ، عن الربيع بن أنس ، عن أبي العالية ، عن أبي بن كعب : ( قال ومن كفر فأمتعه قليلا ثم أضطره إلى عذاب النار وبئس المصير ) قال : هو قول الله تعالى . وهذا قول مجاهد وعكرمة وهو الذي صوبه ابن جرير ، رحمه الله تعالى : قال : وقرأ آخرون : ( قال ومن كفر فأمتعه قليلا ثم أضطره إلى عذاب النار وبئس المصير ) فجعلوا ذلك من تمام دعاء إبراهيم ، كما رواه أبو جعفر ، عن الربيع ، عن أبي العالية قال : كان ابن عباس يقول : ذلك قول إبراهيم ، يسأل ربه أن من كفر فأمتعه قليلا .وقال أبو جعفر ، عن ليث بن أبي سليم ، عن مجاهد : ( ومن كفر فأمتعه قليلا ) يقول : ومن كفر فأرزقه أيضا ( ثم أضطره إلى عذاب النار وبئس المصير )وقال محمد بن إسحاق : لما عزل إبراهيم ، عليه السلام ، الدعوة عمن أبى الله أن يجعل له الولاية انقطاعا إلى الله ومحبته ، وفراقا لمن خالف أمره ، وإن كانوا من ذريته ، حين عرف أنه كائن منهم أنه ظالم ألا يناله عهده ، بخبر الله له بذلك قال الله : ومن كفر فإني أرزق البر والفاجر وأمتعه قليلا .وقال حاتم بن إسماعيل عن حميد الخراط ، عن عمار الدهني ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس في قوله تعالى : ( رب اجعل هذا بلدا آمنا وارزق أهله من الثمرات من آمن منهم بالله واليوم الآخر ) قال ابن عباس : كان إبراهيم يحجرها على المؤمنين دون الناس ، فأنزل الله ومن كفر أيضا أرزقهم كما أرزق المؤمنين ، أأخلق خلقا لا أرزقهم ؟ ! أمتعهم قليلا ثم أضطرهم إلى عذاب النار وبئس المصير . ثم قرأ ابن عباس : ( كلا نمد هؤلاء وهؤلاء من عطاء ربك وما كان عطاء ربك محظورا ) [ الإسراء : 20 ] . رواه ابن مردويه . وروي عن عكرمة ومجاهد نحو ذلك أيضا . وهذا كقوله تعالى : ( إن الذين يفترون على الله الكذب لا يفلحون متاع في الدنيا ثم إلينا مرجعهم ثم نذيقهم العذاب الشديد بما كانوا يكفرون ) [ يونس : 69 ، 70 ] ، وقوله تعالى : ( ومن كفر فلا يحزنك كفره إلينا مرجعهم فننبئهم بما عملوا إن الله عليم بذات الصدور نمتعهم قليلا ثم نضطرهم إلى عذاب غليظ ) [ لقمان : 23 ، 24 ] ، وقوله : ( ولولا أن يكون الناس أمة واحدة لجعلنا لمن يكفر بالرحمن لبيوتهم سقفا من فضة ومعارج عليها يظهرون ولبيوتهم أبوابا وسررا عليها يتكئون وزخرفا وإن كل ذلك لما متاع الحياة الدنيا والآخرة عند ربك للمتقين ) [ الزخرف : 33 ، 35 ]وقوله ( ثم أضطره إلى عذاب النار وبئس المصير ) أي : ثم ألجئه بعد متاعه في الدنيا وبسطنا عليه من ظلها إلى عذاب النار وبئس المصير . ومعناه : أن الله تعالى ينظرهم ويمهلهم ثم يأخذهم أخذ عزيز مقتدر ، كقوله تعالى : ( وكأين من قرية أمليت لها وهي ظالمة ثم أخذتها وإلي المصير ) [ الحج : 48 ] ، وفي الصحيحين : " لا أحد أصبر على أذى سمعه من الله ; إنهم يجعلون له ولدا ، وهو يرزقهم ويعافيهم " وفي الصحيح أيضا : " إن الله ليملي للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته " . ثم قرأ قوله تعالى : ( وكذلك أخذ ربك إذا أخذ القرى وهي ظالمة إن أخذه أليم شديد ) [ هود : 102 ] .وقرأ بعضهم "قال ومن كفر فأمتعه قليلا" الآية جعله من تمام دعاء إبراهيم وهي قراءة شاذة مخالفة للقراء السبعة وتركيب السياق يأبى معناها واللّه أعلم فإن الضمير في قال راجع إلى اللّه تعالى في قراءة الجمهور والسياق يقتضيه وعلى هذه القراءة الشاذة يكون الضمير في قال عائدا على إبراهيم وهذا خلاف نظم الكلام واللّه سبحانه هو العلام.
2:127
وَ اِذْ یَرْفَعُ اِبْرٰهٖمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَیْتِ وَ اِسْمٰعِیْلُؕ-رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّاؕ-اِنَّكَ اَنْتَ السَّمِیْعُ الْعَلِیْمُ(۱۲۷)
اور جب اٹھاتا تھا ابراہیم ؑ اس گھر کی نیویں اور اسمٰعیل ؑ یہ کہتے ہوئے اے رب ہمارے ہم سے قبول فرما (ف۲۳۱) بیشک تو ہی ہے سنتا جانتا،

وأما قوله تعالى : ( وإذ يرفع إبراهيم القواعد من البيت وإسماعيل ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم ربنا واجعلنا مسلمين لك ومن ذريتنا أمة مسلمة لك وأرنا مناسكنا وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم )فالقواعد : جمع قاعدة ، وهي السارية والأساس ، يقول تعالى : واذكر يا محمد لقومك بناء إبراهيم وإسماعيل ، عليهما السلام ، البيت ، ورفعهما القواعد منه ، وهما يقولان : ( ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم ) فهما في عمل صالح ، وهما يسألان الله تعالى أن يتقبل منهما ، كما روى ابن أبي حاتم من حديث محمد بن يزيد بن خنيس المكي ، عن وهيب بن الورد : أنه قرأ : ( وإذ يرفع إبراهيم القواعد من البيت وإسماعيل ربنا تقبل منا ) ثم يبكي ويقول : يا خليل الرحمن ، ترفع قوائم بيت الرحمن وأنت مشفق أن لا يتقبل منك . وهذا كما حكى الله تعالى عن حال المؤمنين المخلصين في قوله تعالى : ( والذين يؤتون ما آتوا ) أي : يعطون ما أعطوا من الصدقات والنفقات والقربات ( وقلوبهم وجلة ) [ المؤمنون : 60 ] أي : خائفة ألا يتقبل منهم . كما جاء به الحديث الصحيح ، عن عائشة ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم كما سيأتي في موضعه .وقال بعض المفسرين : الذي كان يرفع القواعد هو إبراهيم ، والداعي إسماعيل . والصحيح أنهما كانا يرفعان ويقولان ، كما سيأتي بيانه .وقد روى البخاري هاهنا حديثا سنورده ثم نتبعه بآثار متعلقة بذلك . قال البخاري ، رحمه الله :حدثنا عبد الله بن محمد ، حدثنا عبد الرزاق ، حدثنا معمر ، عن أيوب السختياني وكثير بن كثير بن المطلب بن أبي وداعة يزيد أحدهما على الآخر عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس ، رضي الله عنهما ، قال : أول ما اتخذ النساء المنطق من قبل أم إسماعيل ، عليهما السلام اتخذت منطقا ليعفي أثرها على سارة . ثم جاء بها إبراهيم وبابنها إسماعيل ، عليهما السلام ، وهي ترضعه ، حتى وضعهما عند البيت عند دوحة فوق زمزم في أعلى المسجد ، وليس بمكة يومئذ أحد ، وليس بها ماء ، فوضعهما هنالك ، ووضع عندهما جرابا فيه تمر وسقاء فيه ماء ، ثم قفى إبراهيم ، عليه السلام ، منطلقا . فتبعته أم إسماعيل فقالت : يا إبراهيم ، أين تذهب وتتركنا بهذا الوادي الذي ليس فيه إنس ولا شيء ؟ فقالت له ذلك مرارا ، وجعل لا يلتفت إليها . فقالت : آلله أمرك بهذا ؟ قال : نعم . قالت : إذا لا يضيعنا . ثم رجعت . فانطلق إبراهيم ، عليه السلام ، حتى إذا كان عند الثنية حيث لا يرونه ، استقبل بوجهه البيت ، ثم دعا بهؤلاء الدعوات ، ورفع يديه ، قال : ( ربنا إني أسكنت من ذريتي بواد غير ذي زرع عند بيتك المحرم ربنا ليقيموا الصلاة فاجعل أفئدة من الناس تهوي إليهم وارزقهم من الثمرات لعلهم يشكرون ) [ إبراهيم : 37 ] ، وجعلت أم إسماعيل ترضع إسماعيل ، عليهما السلام ، وتشرب من ذلك الماء ، حتى إذا نفد ماء السقاء عطشت وعطش ابنها ، وجعلت تنظر إليه يتلوى أو قال : يتلبط فانطلقت كراهية أن تنظر إليه ، فوجدت الصفا أقرب جبل في الأرض يليها فقامت عليه ، ثم استقبلت الوادي تنظر هل ترى أحدا ؟ فلم تر أحدا . فهبطت من الصفا حتى إذا بلغت الوادي رفعت طرف درعها ، ثم سعت سعي الإنسان المجهود حتى جاوزت الوادي . ثم أتت المروة ، فقامت عليها ونظرت هل ترى أحدا ؟ فلم تر أحدا . ففعلت ذلك سبع مرات ، قال ابن عباس : قال النبي صلى الله عليه وسلم : " فلذلك سعى الناس بينهما " .فلما أشرفت على المروة سمعت صوتا فقالت : صه ، تريد نفسها ، ثم تسمعت فسمعت أيضا . فقالت : قد أسمعت إن كان عندك غواث . فإذا هي بالملك عند موضع زمزم ، فبحث بعقبه أو قال : بجناحه حتى ظهر الماء ، فجعلت تحوضه ، وتقول بيدها هكذا ، وجعلت تغرف من الماء في سقائها وهو يفور بعدما تغرف . قال ابن عباس : قال النبي صلى الله عليه وسلم : " يرحم الله أم إسماعيل ، لو تركت زمزم أو قال : لو لم تغرف من الماء لكانت زمزم عينا معينا " .قال : فشربت وأرضعت ولدها ، فقال لها الملك : لا تخافي الضيعة ; فإن هاهنا بيتا لله ، عز وجل ، يبنيه هذا الغلام وأبوه ، وإن الله ، عز وجل ، لا يضيع أهله . وكان البيت مرتفعا من الأرض كالرابية تأتيه السيول فتأخذ عن يمينه وعن شماله ، فكانت كذلك حتى مرت بهم رفقة من جرهم أو أهل بيت من جرهم مقبلين من طريق كداء . فنزلوا في أسفل مكة ، فرأوا طائرا عائفا ، فقالوا : إن هذا الطائر ليدور على الماء ، لعهدنا بهذا الوادي وما فيه ماء . فأرسلوا جريا أو جريين ، فإذا هم بالماء . فرجعوا فأخبروهم بالماء ، فأقبلوا . قال : وأم إسماعيل عند الماء . فقالوا : أتأذنين لنا أن ننزل عندك ؟ قالت : نعم ، ولكن لا حق لكم في الماء . قالوا : نعم .قال ابن عباس فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " فألفى ذلك أم إسماعيل وهي تحب الأنس . فنزلوا ، وأرسلوا إلى أهليهم فنزلوا معهم . حتى إذا كان بها أهل أبيات منهم وشب الغلام ، وتعلم العربية منهم ، وأنفسهم وأعجبهم حين شب ، فلما أدرك زوجوه امرأة منهم . وماتت أم إسماعيل ، عليهما السلام ، فجاء إبراهيم بعد ما تزوج إسماعيل ليطالع تركته . فلم يجد إسماعيل ، فسأل امرأته عنه فقالت : خرج يبتغي لنا . ثم سألها عن عيشهم وهيئتهم ، فقالت : نحن بشر ، نحن في ضيق وشدة . وشكت إليه . قال : فإذا جاء زوجك فاقرئي عليه السلام ، وقولي له : يغير عتبة بابه . فلما جاء إسماعيل ، عليه السلام ، كأنه أنس شيئا . فقال : هل جاءكم من أحد ؟ قالت : نعم ، جاءنا شيخ كذا وكذا ، فسأل عنك ، فأخبرته ، وسألني كيف عيشنا ؟ فأخبرته أنا في جهد وشدة . قال : فهل أوصاك بشيء ؟ قالت : نعم ، أمرني أن أقرأ عليك السلام ، ويقول غير عتبة بابك . قال : ذاك أبي . وقد أمرني أن أفارقك ، فالحقي بأهلك . فطلقها وتزوج منهم بأخرى ، فلبث عنهم إبراهيم ما شاء الله ، ثم أتاهم بعد فلم يجده . فدخل على امرأته ، فسألها عنه ، فقالت : خرج يبتغي لنا . قال : كيف أنتم ؟ وسألها عن عيشهم وهيئتهم . فقالت : نحن بخير وسعة . وأثنت على الله ، عز وجل . فقال : ما طعامكم ؟ قالت : اللحم . قال : فما شرابكم ؟ قالت : الماء . قال : اللهم بارك لهم في اللحم والماء " . قال النبي صلى الله عليه وسلم : " ولم يكن لهم يومئذ حب ، ولو كان لهم ، لدعا لهم فيه . قال : فهما لا يخلو عليهما أحد بغير مكة إلا لم يوافقاه " . قال : " فإذا جاء زوجك فاقرئي عليه السلام ، ومريه يثبت عتبة بابه ، فلما جاء إسماعيل ، عليه السلام ، قال : هل أتاكم من أحد ؟ قالت : نعم ، أتانا شيخ حسن الهيئة ، وأثنت عليه فسألني عنك ، فأخبرته ، فسألني : كيف عيشنا ؟ فأخبرته أنا بخير . قال : فأوصاك بشيء ؟ قالت : نعم ، هو يقرأ عليك السلام ، ويأمرك أن تثبت عتبة بابك . قال : ذاك أبي ، وأنت العتبة ، أمرني أن أمسكك . ثم لبث عنهم ما شاء الله ، عز وجل ، ثم جاء بعد ذلك وإسماعيل يبري نبلا له تحت دوحة قريبا من زمزم ، فلما رآه قام إليه ، فصنعا كما يصنع الولد بالوالد ، والوالد بالولد . ثم قال : يا إسماعيل ، إن الله أمرني بأمر . قال : فاصنع ما أمرك ربك ، عز وجل . قال : وتعينني ؟ قال : وأعينك . قال : فإن الله أمرني أن أبني هاهنا بيتا وأشار إلى أكمة مرتفعة على ما حولها قال : فعند ذلك رفعا القواعد من البيت فجعل إسماعيل يأتي بالحجارة وإبراهيم يبني ، حتى إذا ارتفع البناء جاء بهذا الحجر فوضعه له ، فقام عليه وهو يبني ، وإسماعيل يناوله الحجارة ، وهما يقولان : ( ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم ) " قال : " فجعلا يبنيان حتى يدورا حول البيت ، وهما يقولان : ( ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم ) .[ ورواه عبد بن حميد عن عبد الرزاق به مطولا ] .ورواه ابن أبي حاتم ، عن أبي عبد الله محمد بن حماد الظهراني . وابن جرير ، عن أحمد بن ثابت الرازي ، كلاهما عن عبد الرزاق به مختصرا .وقال أبو بكر بن مردويه : حدثنا إسماعيل بن علي بن إسماعيل ، حدثنا بشر بن موسى ، حدثنا أحمد بن محمد الأزرقي ، حدثنا مسلم بن خالد الزنجي ، عن عبد الملك بن جريج ، عن كثير بن كثير ، قال : كنت أنا وعثمان بن أبي سليمان ، وعبد الله بن عبد الرحمن بن أبي حسين في ناس مع سعيد بن جبير ، في أعلى المسجد ليلا فقال سعيد بن جبير : سلوني قبل أن لا تروني . فسألوه عن المقام . فأنشأ يحدثهم عن ابن عباس ، فذكر الحديث بطوله .ثم قال البخاري : حدثنا عبد الله بن محمد . حدثنا أبو عامر عبد الملك بن عمرو حدثنا إبراهيم بن نافع ، عن كثير بن كثير ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس قال : لما كان بين إبراهيم وبين أهله ما كان ، خرج بإسماعيل وأم إسماعيل ، ومعهم شنة فيها ماء ، فجعلت أم إسماعيل تشرب من الشنة ، فيدر لبنها على صبيها ، حتى قدم مكة فوضعها تحت دوحة ، ثم رجع إبراهيم إلى أهله ، فاتبعته أم إسماعيل ، حتى بلغوا كداء نادته من ورائه : يا إبراهيم ، إلى من تتركنا ؟ قال : إلى الله ، عز وجل . قالت : رضيت بالله . قال : فرجعت ، فجعلت تشرب من الشنة ، ويدر لبنها على صبيها حتى لما فني الماء قالت : لو ذهبت فنظرت لعلي أحس أحدا . قال : فذهبت فصعدت الصفا ، فنظرت ونظرت هل تحس أحدا ، فلم تحس أحدا . فلما بلغت الوادي سعت حتى أتت المروة ، ففعلت ذلك أشواطا ثم قالت : لو ذهبت فنظرت ما فعل ، تعني الصبي ، فذهبت فنظرت فإذا هو على حاله كأنه ينشغ للموت ، فلم تقرها نفسها ، فقالت : لو ذهبت فنظرت لعلي أحس أحدا . قال : فذهبت فصعدت الصفا ، فنظرت ونظرت فلم تحس أحدا ، حتى أتمت سبعا ، ثم قالت : لو ذهبت فنظرت ما فعل ، فإذا هي بصوت ، فقالت : أغث إن كان عندك خير . فإذا جبريل ، عليه السلام ، قال : فقال بعقبه هكذا ، وغمز عقبه على الأرض . قال : فانبثق الماء ، فدهشت أم إسماعيل ، فجعلت تحفر .قال : فقال أبو القاسم صلى الله عليه وسلم : " لو تركته لكان الماء ظاهرا .قال : فجعلت تشرب من الماء ويدر لبنها على صبيها .قال : فمر ناس من جرهم ببطن الوادي ، فإذا هم بطير ، كأنهم أنكروا ذلك ، وقالوا : ما يكون الطير إلا على ماء ، فبعثوا رسولهم فنظر ، فإذا هو بالماء . فأتاهم فأخبرهم . فأتوا إليها فقالوا : يا أم إسماعيل ، أتأذنين لنا أن نكون معك ونسكن معك ؟ فبلغ ابنها ونكح فيهم امرأة .قال : ثم إنه بدا لإبراهيم صلى الله عليه وسلم فقال لأهله : إني مطلع تركتي . قال : فجاء فسلم ، فقال : أين إسماعيل ؟ قالت امرأته : ذهب يصيد . قال : قولي له إذا جاء : غير عتبة بيتك . فلما جاء أخبرته ، قال : أنت ذاك ، فاذهبي إلى أهلك .قال : ثم إنه بدا لإبراهيم ، فقال لأهله : إني مطلع تركتي . قال : فجاء فقال : أين إسماعيل ؟ فقالت امرأته : ذهب يصيد . فقالت : ألا تنزل فتطعم وتشرب ؟ فقال : ما طعامكم وما شرابكم ؟ قالت : طعامنا اللحم ، وشرابنا الماء . قال : اللهم بارك لهم في طعامهم وشرابهم .قال : فقال أبو القاسم صلى الله عليه وسلم : " بركة بدعوة إبراهيم "قال : ثم إنه بدا لإبراهيم صلى الله عليه وسلم فقال لأهله : إني مطلع تركتي . فجاء فوافق إسماعيل من وراء زمزم يصلح نبلا له فقال : يا إسماعيل ، إن ربك ، عز وجل ، أمرني أن أبني له بيتا . فقال : أطع ربك ، عز وجل . قال : إنه قد أمرني أن تعينني عليه ؟ فقال : إذن أفعل أو كما قال . قال : فقاما [ قال ] فجعل إبراهيم يبني ، وإسماعيل يناوله الحجارة ، ويقولان : ( ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم ) قال : حتى ارتفع البناء وضعف الشيخ عن نقل الحجارة . فقام على حجر المقام ، فجعل يناوله الحجارة ويقولان : ( ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم )هكذا رواه من هذين الوجهين في كتاب الأنبياء .والعجب أن الحافظ أبا عبد الله الحاكم رواه في كتابه المستدرك ، عن أبي العباس الأصم ، عن محمد بن سنان القزاز ، عن أبي علي عبيد الله بن عبد المجيد الحنفي ، عن إبراهيم بن نافع ، به . وقال : صحيح على شرط الشيخين ، ولم يخرجاه . كذا قال . وقد رواه البخاري كما ترى ، من حديث إبراهيم بن نافع ، كأن فيه اقتصارا ، فإنه لم يذكر فيه [ شأن ] الذبح . وقد جاء في الصحيح ، أن قرني الكبش كانا معلقين بالكعبة ، وقد جاء أن إبراهيم ، عليه السلام ، كان يزور أهله بمكة على البراق سريعا ثم يعود إلى أهله بالبلاد المقدسة ، والله أعلم . والحديث والله أعلم إنما فيه - مرفوع - أماكن صرح بها ابن عباس ، عن النبي صلى الله عليه وسلم .وقد ورد عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب في هذا السياق ما يخالف بعض هذا ، كما قال ابن جرير :حدثنا محمد بن بشار ، ومحمد بن المثنى قالا : حدثنا مؤمل ، حدثنا سفيان ، عن أبي إسحاق ، عن حارثة بن مضرب ، عن علي بن أبي طالب ، قال : لما أمر إبراهيم ببناء البيت ، خرج معه إسماعيل وهاجر . قال : فلما قدم مكة رأى على رأسه في موضع البيت مثل الغمامة ، فيه مثل الرأس . فكلمه ، قال : يا إبراهيم ، ابن على ظلي أو قال على قدري ولا تزد ولا تنقص : فلما بنى خرج ، وخلف إسماعيل وهاجر ، فقالت هاجر : يا إبراهيم ، إلى من تكلنا ؟ قال : إلى الله . قالت : انطلق ، فإنه لا يضيعنا . قال : فعطش إسماعيل عطشا شديدا ، قال : فصعدت هاجر إلى الصفا فنظرت فلم تر شيئا ، حتى أتت المروة فلم تر شيئا ، ثم رجعت إلى الصفا فنظرت فلم تر شيئا ، حتى أتت المروة فلم تر شيئا ، ثم رجعت إلى الصفا فنظرت فلم تر شيئا ، حتى فعلت ذلك سبع مرات ، فقالت : يا إسماعيل ، مت حيث لا أراك . فأتته وهو يفحص برجله من العطش . فناداها جبريل فقال لها : من أنت ؟ قالت : أنا هاجر أم ولد إبراهيم . قال : فإلى من وكلكما ؟ قالت : وكلنا إلى الله . قال : وكلكما إلى كاف . قال : ففحص الغلام الأرض بأصبعه ، فنبعت زمزم . فجعلت تحبس الماء فقال : دعيه فإنها رواء .ففي هذا السياق أنه بنى البيت قبل أن يفارقهما ، وقد يحتمل إن كان محفوظا أن يكون أولا وضع له حوطا وتحجيرا ، لا أنه بناه إلى أعلاه ، حتى كبر إسماعيل فبنياه معا ، كما قال الله تعالى .ثم قال ابن جرير : أخبرنا هناد بن السري ، حدثنا أبو الأحوص ، عن سماك ، عن خالد بن عرعرة ، أن رجلا قام إلى علي ، رضي الله عنه ، فقال : ألا تخبرني عن البيت ، أهو أول بيت وضع في الأرض ؟ فقال : لا ولكنه أول بيت وضع فيه البركة ، مقام إبراهيم ، ومن دخله كان آمنا ، وإن شئت أنبأتك كيف بني : إن الله أوحى إلى إبراهيم أن ابن لي بيتا في الأرض ، قال : فضاق إبراهيم بذلك ذرعا فأرسل الله السكينة وهي ريح خجوج ، ولها رأسان فأتبع أحدهما صاحبه ، حتى انتهت إلى مكة ، فتطوت على موضع البيت كطي الحجفة ، وأمر إبراهيم أن يبني حيث تستقر السكينة . فبنى إبراهيم وبقي حجر ، فذهب الغلام يبغي شيئا . فقال إبراهيم : أبغني حجرا كما آمرك . قال : فانطلق الغلام يلتمس له حجرا ، فأتاه به ، فوجده قد ركب الحجر الأسود في مكانه . فقال : يا أبه ، من أتاك بهذا الحجر ؟ فقال : أتاني به من لن يتكل على بنائك ، جاء به جبريل ، عليه السلام ، من السماء . فأتماه .وقال ابن أبي حاتم : حدثنا حمد بن عبد الله بن يزيد المقري ، حدثنا سفيان ، عن بشر بن عاصم ، عن سعيد بن المسيب ، عن كعب الأحبار ، قال : كان البيت غثاءة على الماء قبل أن يخلق الله الأرض بأربعين عاما ، ومنه دحيت الأرض .قال سعيد : وحدثنا علي بن أبي طالب : أن إبراهيم أقبل من أرمينية ، ومعه السكينة تدله على تبوء البيت كما تتبوأ العنكبوت بيتا ، قال : فكشفت عن أحجار لا يطيق الحجر إلا ثلاثون رجلا . قلت : يا أبا محمد ، فإن الله يقول : ( وإذ يرفع إبراهيم القواعد من البيت ) قال : كان ذلك بعد .وقال السدي : إن الله ، عز وجل ، أمر إبراهيم أن يبني [ البيت ] هو وإسماعيل : ابنيا بيتي للطائفين والعاكفين والركع السجود ، فانطلق إبراهيم ، عليه السلام ، حتى أتى مكة ، فقام هو وإسماعيل ، وأخذا المعاول لا يدريان أين البيت ؟ فبعث الله ريحا ، يقال لها : ريح الخجوج ، لها جناحان ورأس في صورة حية ، فكشفت لهما ما حول الكعبة عن أساس البيت الأول ، واتبعاها بالمعاول يحفران حتى وضعا الأساس . فذلك حين يقول [ الله ] تعالى : ( وإذ يرفع إبراهيم القواعد من البيت ) ( وإذ بوأنا لإبراهيم مكان البيت ) [ الحج : 26 ] فلما بنيا القواعد فبلغا مكان الركن . قال إبراهيم لإسماعيل : يا بني ، اطلب لي حجرا حسنا أضعه هاهنا . قال : يا أبت ، إني كسلان لغب .قال : علي بذلك . فانطلق فطلب له حجرا ، فجاءه بحجر فلم يرضه ، فقال ائتني بحجر أحسن من هذا ، فانطلق يطلب له حجرا ، وجاءه جبريل بالحجر الأسود من الهند ، وكان أبيض ، ياقوتة بيضاء مثل الثغامة ، وكان آدم هبط به من الجنة فاسود من خطايا الناس ، فجاءه إسماعيل بحجر فوجده عند الركن ، فقال : يا أبه ، من جاءك بهذا ؟ قال : جاء به من هو أنشط منك . فبنيا وهما يدعوان الكلمات التي ابتلى [ بهن ] إبراهيم ربه ، فقال : ( ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم )وفي هذا السياق ما يدل على أن قواعد البيت كانت مبنية قبل إبراهيم . وإنما هدي إبراهيم إليها وبوئ لها . وقد ذهب إلى ذلك ذاهبون ، كما قال الإمام عبد الرزاق أخبرنا معمر ، عن أيوب ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس : ( وإذ يرفع إبراهيم القواعد من البيت ) قال : القواعد التي كانت قواعد البيت قبل ذلك .وقال عبد الرزاق أيضا : أخبرنا هشام بن حسان ، عن سوار ختن عطاء عن عطاء بن أبي رباح ، قال : لما أهبط الله آدم من الجنة ، كانت رجلاه في الأرض ورأسه في السماء يسمع كلام أهل السماء ودعاءهم ، يأنس إليهم ، فهابته الملائكة ، حتى شكت إلى الله في دعائها وفي صلاتها . فخفضه الله إلى الأرض ، فلما فقد ما كان يسمع منهم استوحش حتى شكا ذلك إلى الله في دعائه وفي صلاته . فوجه إلى مكة ، فكان موضع قدمه قرية ، وخطوه مفازة ، حتى انتهى إلى مكة ، وأنزل الله ياقوتة من ياقوت الجنة ، فكانت على موضع البيت الآن . فلم يزل يطوف به حتى أنزل الله الطوفان ، فرفعت تلك الياقوتة ، حتى بعث الله إبراهيم ، عليه السلام ، فبناه . وذلك قول الله تعالى : ( وإذ بوأنا لإبراهيم مكان البيت ) [ الحج : 26 ] .وقال عبد الرزاق : أخبرنا ابن جريج ، عن عطاء ، قال : قال آدم : إني لا أسمع أصوات الملائكة ! قال : بخطيئتك ، ولكن اهبط إلى الأرض ، فابن لي بيتا ثم احفف به ، كما رأيت الملائكة تحف ببيتي الذي في السماء . فيزعم الناس أنه بناه من خمسة أجبل : من حراء . وطور زيتا ، وطور سيناء ، وجبل لبنان ، والجودي . وكان ربضه من حراء . فكان هذا بناء آدم ، حتى بناه إبراهيم ، عليه السلام ، بعد .وهذا صحيح إلى عطاء ، ولكن في بعضه نكارة ، والله أعلم .وقال عبد الرزاق أيضا : أخبرنا معمر ، عن قتادة ، قال : وضع الله البيت مع آدم حين أهبط الله آدم إلى الأرض ، وكان مهبطه بأرض الهند . وكان رأسه في السماء ورجلاه في الأرض ، فكانت الملائكة تهابه ، فنقص إلى ستين ذراعا ; فحزن إذ فقد أصوات الملائكة وتسبيحهم . فشكا ذلك إلى الله ، عز وجل ، فقال الله : يا آدم ، إني قد أهبطت لك بيتا تطوف به كما يطاف حول عرشي ، وتصلي عنده كما يصلى عند عرشي ، فانطلق إليه آدم ، فخرج ومد له في خطوه ، فكان بين كل خطوتين مفازة . فلم تزل تلك المفازة بعد ذلك . فأتى آدم البيت فطاف به ، ومن بعده من الأنبياء .وقال ابن جرير : حدثنا ابن حميد حدثنا يعقوب القمي ، عن حفص بن حميد ، عن عكرمة ، عن ابن عباس ، قال : وضع الله البيت على أركان الماء ، على أربعة أركان ، قبل أن تخلق الدنيا بألفي عام ، ثم دحيت الأرض من تحت البيت .وقال محمد بن إسحاق : حدثني [ عبد الله ] بن أبي نجيح ، عن مجاهد وغيره من أهل العلم : أن الله لما بوأ إبراهيم مكان البيت خرج إليه من الشام ، وخرج معه بإسماعيل وبأمه هاجر ، وإسماعيل طفل صغير يرضع ، وحملوا فيما حدثني على البراق ، ومعه جبريل يدله على موضع البيت ومعالم الحرم . وخرج معه جبريل ، فكان لا يمر بقرية إلا قال : أبهذه أمرت يا جبريل ؟ فيقول جبريل : امضه . حتى قدم به مكة ، وهي إذ ذاك عضاة سلم وسمر ، وبها أناس يقال لهم : " العماليق " خارج مكة وما حولها . والبيت يومئذ ربوة حمراء مدرة ، فقال إبراهيم لجبريل : أهاهنا أمرت أن أضعهما ؟ قال : نعم . فعمد بهما إلى موضع الحجر فأنزلهما فيه ، وأمر هاجر أم إسماعيل أن تتخذ فيه عريشا ، فقال : ( ربنا إني أسكنت من ذريتي بواد غير ذي زرع عند بيتك المحرم ) إلى قوله : ( لعلهم يشكرون ) [ إبراهيم : 37 ] .وقال عبد الرزاق : أخبرنا هشام بن حسان ، أخبرني حميد ، عن مجاهد ، قال : خلق الله موضع هذا البيت قبل أن يخلق شيئا بألفي سنة ، وأركانه في الأرض السابعة .وكذا قال ليث بن أبي سليم ، عن مجاهد : القواعد في الأرض السابعة .وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي ، حدثنا عمرو بن رافع ، أخبرنا عبد الوهاب بن معاوية ، عن عبد المؤمن بن خالد ، عن علباء بن أحمر : أن ذا القرنين قدم مكة فوجد إبراهيم وإسماعيل يبنيان قواعد البيت من خمسة أجبل . فقال : ما لكما ولأرضي ؟ فقالا : نحن عبدان مأموران ، أمرنا ببناء هذه الكعبة . قال : فهاتا بالبينة على ما تدعيان . فقامت خمسة أكبش ، فقلن : نحن نشهد أن إبراهيم وإسماعيل عبدان مأموران ، أمرا ببناء هذه الكعبة . فقال : قد رضيت وسلمت . ثم مضى .وذكر الأزرقي في تاريخ مكة أن ذا القرنين طاف مع إبراهيم ، عليه السلام ، بالبيت ، وهذا يدل على تقدم زمانه ، والله أعلم .وقال البخاري ، رحمه الله : قوله تعالى : ( وإذ يرفع إبراهيم القواعد من البيت وإسماعيل ) الآية : القواعد : أساسه واحدها قاعدة . والقواعد من النساء : واحدتها قاعد .حدثنا إسماعيل ، حدثني مالك ، عن ابن شهاب ، عن سالم بن عبد الله : أن عبد الله بن محمد بن أبي بكر أخبر عبد الله بن عمر ، عن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " ألم تري أن قومك حين بنوا البيت اقتصروا عن قواعد إبراهيم ؟ " فقلت : يا رسول الله ، ألا تردها على قواعد إبراهيم ؟ قال : " لولا حدثان قومك بالكفر " . فقال عبد الله بن عمر : لئن كانت عائشة سمعت هذا من رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أرى رسول الله صلى الله عليه وسلم ترك استلام الركنين اللذين يليان الحجر إلا أن البيت لم يتمم على قواعد إبراهيم ، عليه السلام .وقد رواه في الحج عن القعنبي ، وفي أحاديث الأنبياء عن عبد الله بن يوسف . ومسلم عن يحيى بن يحيى ، ومن حديث ابن وهب . والنسائي من حديث عبد الرحمن بن القاسم ، كلهم عن مالك به .ورواه مسلم أيضا من حديث نافع ، قال : سمعت عبد الله بن أبي بكر بن أبي قحافة يحدث عبد الله بن عمر ، عن عائشة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " لولا أن قومك حديثو عهد بجاهلية أو قال : بكفر لأنفقت كنز الكعبة في سبيل الله ، ولجعلت بابها بالأرض ، ولأدخلت فيها الحجر " .وقال البخاري : حدثنا عبيد الله بن موسى ، عن إسرائيل ، عن أبي إسحاق ، عن الأسود ، قال : قال لي ابن الزبير : كانت عائشة تسر إليك حديثا كثيرا ، فما حدثتك في الكعبة ؟ قال قلت : قالت لي : قال النبي صلى الله عليه وسلم : " يا عائشة ، لولا قومك حديث عهدهم فقال ابن الزبير : بكفر لنقضت الكعبة ، فجعلت لها بابين : بابا يدخل منه الناس ، وبابا يخرجون " . ففعله ابن الزبير .انفرد بإخراجه البخاري ، فرواه هكذا في كتاب العلم من صحيحه .وقال مسلم في صحيحه : حدثنا يحيى بن يحيى ، أخبرنا أبو معاوية ، عن هشام بن عروة ، عن أبيه ، عن عائشة قالت : قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لولا حداثة عهد قومك بالكفر لنقضت الكعبة ولجعلتها على أساس إبراهيم ، فإن قريشا حين بنت البيت استقصرت ، ولجعلت لها خلفا " .قال : وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وأبو كريب ، قالا : حدثنا ابن نمير ، عن هشام بهذا الإسناد . انفرد به مسلم ، قال : وحدثني محمد بن حاتم ، حدثني ابن مهدي ، حدثنا سليم بن حيان ، عن سعيد يعني ابن ميناء قال : سمعت عبد الله بن الزبير يقول : حدثتني خالتي يعني عائشة رضي الله عنها قالت : قال النبي صلى الله عليه وسلم " يا عائشة ، لولا قومك حديث عهد بشرك ، لهدمت الكعبة ، فألزقتها بالأرض ، ولجعلت لها بابين : بابا شرقيا ، وبابا غربيا ، وزدت فيها ستة أذرع من الحجر ; فإن قريشا اقتصرتها حيث بنت الكعبة " انفرد به أيضا .ذكر بناء قريش الكعبة بعد إبراهيم الخليل ، عليه السلام ، بمدد طويلة وقبل مبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم بخمس سنين وقد نقل معهم في الحجارة ، وله من العمر خمس وثلاثون سنة صلوات الله وسلامه عليه دائما إلى يوم الدينقال محمد بن إسحاق بن يسار ، في السيرة :ولما بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم خمسا وثلاثين سنة ، اجتمعت قريش لبنيان الكعبة ، وكانوا يهمون بذلك ليسقفوها ، ويهابون هدمها ، وإنما كانت رضما فوق القامة ، فأرادوا رفعها وتسقيفها ، وذلك أن نفرا سرقوا كنز الكعبة ، وإنما كان يكون في بئر في جوف الكعبة ، وكان الذي وجد عنده الكنز دويك ، مولى بني مليح بن عمرو من خزاعة ، فقطعت قريش يده . ويزعم الناس أن الذين سرقوه وضعوه عند دويك . وكان البحر قد رمى بسفينة إلى جدة ، لرجل من تجار الروم ، فتحطمت ، فأخذوا خشبها فأعدوه لتسقيفها . وكان بمكة رجل قبطي نجار ، فهيأ لهم ، في أنفسهم بعض ما يصلحها ، وكانت حية تخرج من بئر الكعبة التي كانت تطرح فيها ما يهدى لها كل يوم ، فتتشرق على جدار الكعبة ، وكانت مما يهابون . وذلك أنه كان لا يدنو منها أحد إلا احزألت وكشت وفتحت فاها ، فكانوا يهابونها ، فبينا هي يوما تتشرق على جدار الكعبة ، كما كانت تصنع ، بعث الله إليها طائرا فاختطفها ، فذهب بها . فقالت قريش : إنا لنرجو أن يكون الله قد رضي ما أردنا ، عندنا عامل رفيق ، وعندنا خشب ، وقد كفانا الله الحية .فلما أجمعوا أمرهم في هدمها وبنيانها ، قام أبو وهب بن عمرو بن عائذ بن عبد بن عمران بن مخزوم ، فتناول من الكعبة حجرا ، فوثب من يده حتى رجع إلى موضعه . فقال : يا معشر قريش ، لا تدخلوا في بنيانها من كسبكم إلا طيبا ، لا يدخل فيها مهر بغي ولا بيع ربا ، ولا مظلمة أحد من الناس .قال ابن إسحاق : والناس ينحلون هذا الكلام الوليد بن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم .قال : ثم إن قريشا تجزأت الكعبة ، فكان شق الباب لبني عبد مناف وزهرة ، وكان ما بين الركن الأسود والركن اليماني لبني مخزوم وقبائل من قريش انضموا إليهم ، وكان ظهر الكعبة لبني جمح وسهم ، وكان شق الحجر لبني عبد الدار بن قصي ، ولبني أسد بن عبد العزى بن قصي ، ولبني عدي بن كعب بن لؤي ، وهو الحطيم .ثم إن الناس هابوا هدمها وفرقوا منه ، فقال الوليد بن المغيرة : أنا أبدؤكم في هدمها : فأخذ المعول ثم قام عليها وهو يقول : اللهم لم ترع ، اللهم إنا لا نريد إلا الخير . ثم هدم من ناحية الركنين ، فتربص الناس تلك الليلة ، وقالوا : ننظر ، فإن أصيب لم نهدم منها شيئا ، ورددناها كما كانت ، وإن لم يصبه شيء فقد رضي الله ما صنعنا . فأصبح الوليد من ليلته غاديا على عمله ، فهدم وهدم الناس معه ، حتى إذا انتهى الهدم [ بهم ] إلى الأساس ، أساس إبراهيم ، عليه السلام ، أفضوا إلى حجارة خضر كالأسنة آخذ بعضها بعضا .قال [ محمد بن إسحاق ] فحدثني بعض من يروي الحديث : أن رجلا من قريش ، ممن كان يهدمها ، أدخل عتلة بين حجرين منها ليقلع بها أحدهما ، فلما تحرك الحجر تنقضت مكة بأسرها ، فانتهوا عن ذلك الأساس .قال ابن إسحاق : ثم إن القبائل من قريش جمعت الحجارة لبنائها ، كل قبيلة تجمع على حدة ، ثم بنوها ، حتى بلغ البنيان موضع الركن يعني الحجر الأسود فاختصموا فيه ، كل قبيلة تريد أن ترفعه إلى موضعه دون الأخرى ، حتى تحاوروا وتخالفوا ، وأعدوا للقتال . فقربت بنو عبد الدار جفنة مملوءة دما ، ثم تعاقدوا هم وبنو عدي بن كعب بن لؤي على الموت ، وأدخلوا أيديهم في ذلك الدم في تلك الجفنة ، فسموا : لعقة الدم . فمكثت قريش على ذلك أربع ليال أو خمسا . ثم إنهم اجتمعوا في المسجد فتشاوروا وتناصفوا .فزعم بعض أهل الرواية : أن أبا أمية بن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم وكان عامئذ أسن قريش كلهم قال : يا معشر قريش ، اجعلوا بينكم فيما تختلفون فيه أول من يدخل من باب هذا المسجد ، يقضي بينكم ، فيه . ففعلوا ، فكان أول داخل رسول الله صلى الله عليه وسلم . فلما رأوه قالوا : هذا الأمين رضينا ، هذا محمد ، فلما انتهى إليهم وأخبروه الخبر ، قال [ رسول الله ] صلى الله عليه وسلم : " هلم إلي ثوبا " فأتي به ، فأخذ الركن يعني الحجر الأسود فوضعه فيه بيده ، ثم قال : " لتأخذ كل قبيلة بناحية من الثوب " ثم [ قال ] : " ارفعوه جميعا " . ففعلوا ، حتى إذا بلغوا به موضعه ، وضعه هو بيده صلى الله عليه وسلم ، ثم بنى عليه .وكانت قريش تسمي رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل أن ينزل عليه الوحي : الأمين . فلما فرغوا من البنيان وبنوها على ما أرادوا ، قال الزبير بن عبد المطلب ، فيما كان من أمر الحية التي كانت قريش تهاب بنيان الكعبة لها :عجبت لما تصوبت العقاب إلى الثعبان وهي لها اضطراب وقد كانت يكون لها كشيشوأحيانا يكون لها وثاب إذا قمنا إلى التأسيس شدتتهيبنا البناء وقد تهاب فلما أن خشينا الزجر جاءتعقاب تتلئب لها انصباب فضمتها إليها ثم خلتلنا البنيان ليس له حجاب فقمنا حاشدين إلى بناءلنا منه القواعد والتراب غداة نرفع التأسيس منهوليس على مسوينا ثياب أعز به المليك بني لؤيفليس لأصله منهم ذهاب وقد حشدت هناك بنوعدي ومرة قد تقدمها كلاب فبوأنا المليك بذاك عزاوعند الله يلتمس الثوابقال ابن إسحاق : وكانت الكعبة على عهد النبي صلى الله عليه وسلم ثمانية عشر ذراعا ، وكانت تكسى القباطي ، ثم كسيت بعد البرود ، وأول من كساها الديباج الحجاج بن يوسف .قلت : ولم تزل على بناء قريش حتى أحرقت في أول إمارة عبد الله بن الزبير بعد سنة ستين . وفي آخر ولاية يزيد بن معاوية ، لما حاصروا ابن الزبير ، فحينئذ نقضها ابن الزبير إلى الأرض وبناها على قواعد إبراهيم ، عليه السلام ، وأدخل فيها الحجر وجعل لها بابا شرقيا وبابا غربيا ملصقين بالأرض ، كما سمع ذلك من خالته عائشة أم المؤمنين ، رضي الله عنها ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم . ولم تزل كذلك مدة إمارته حتى قتله الحجاج ، فردها إلى ما كانت عليه بأمر عبد الملك بن مروان له بذلك ، كما قال مسلم بن الحجاج في صحيحه :حدثنا هناد بن السري ، حدثنا ابن أبي زائدة ، أخبرنا ابن أبي سليمان ، عن عطاء ، قال : لما احترق البيت زمن يزيد بن معاوية حين غزاها أهل الشام ، وكان من أمره ما كان ، تركه ابن الزبير حتى قدم الناس الموسم يريد أن يجرئهم أو يحزبهم على أهل الشام ، فلما صدر الناس قال : يا أيها الناس ، أشيروا علي في الكعبة ، أنقضها ثم أبني بناءها أو أصلح ما وهى منها ؟ قال ابن عباس : فإني قد فرق لي رأي فيها ، أرى أن تصلح ما وهى منها ، وتدع بيتا أسلم الناس عليه وأحجارا أسلم الناس عليها ، وبعث عليها النبي صلى الله عليه وسلم . فقال ابن الزبير : لو كان أحدهم احترق بيته ما رضي حتى يجدده ، فكيف بيت ربكم ، عز وجل ; إني مستخير ربي ثلاثا ثم عازم على أمري . فلما مضت ثلاث أجمع رأيه على أن ينقضها . فتحاماها الناس أن ينزل بأول الناس يصعد فيه أمر من السماء ، حتى صعده رجل ، فألقى منه حجارة ، فلما لم يره الناس أصابه شيء تتابعوا ، فنقضوه حتى بلغوا به الأرض . فجعل ابن الزبير أعمدة يستر عليها الستور ، حتى ارتفع بناؤه . وقال ابن الزبير : إني سمعت عائشة ، رضي الله عنها ، تقول : إن النبي صلى الله عليه وسلم ، قال : " لولا أن الناس حديث عهدهم بكفر ، وليس عندي من النفقة ما يقويني على بنائه ، لكنت أدخلت فيه من الحجر خمسة أذرع ، ولجعلت له بابا يدخل الناس منه ، وبابا يخرجون منه . قال : فأنا أجد ما أنفق ، ولست أخاف الناس . قال : فزاد فيه خمسة أذرع من الحجر ، حتى أبدى له أسا نظر الناس إليه فبنى عليه البناء . وكان طول الكعبة ثمانية عشر ذراعا ، فلما زاد فيه استقصره فزاد في طوله عشرة أذرع ، وجعل له بابين : أحدهما يدخل منه ، والآخر يخرج منه . فلما قتل ابن الزبير كتب الحجاج إلى عبد الملك يخبره بذلك ، ويخبره أن ابن الزبير قد وضع البناء على أس نظر إليه العدول من أهل مكة ، فكتب إليه عبد الملك : إنا لسنا من تلطيخ ابن الزبير في شيء ، أما ما زاده في طوله فأقره . وأما ما زاد فيه من الحجر فرده إلى بنائه ، وسد الباب الذي فتحه . فنقضه وأعاده إلى بنائه .وقد رواه النسائي في سننه ، عن هناد ، عن يحيى بن أبي زائدة ، عن عبد الملك بن أبي سليمان ، عن عطاء ، عن ابن الزبير ، عن عائشة بالمرفوع منه . ولم يذكر القصة ، وقد كانت السنة إقرار ما فعله عبد الله بن الزبير ، رضي الله عنه ; لأنه هو الذي وده رسول الله صلى الله عليه وسلم . ولكن خشي أن تنكره قلوب بعض الناس لحداثة عهدهم بالإسلام وقرب عهدهم من الكفر . ولكن خفيت هذه السنة على عبد الملك ; ولهذا لما تحقق ذلك عن عائشة أنها روت ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال : وددنا أنا تركناه وما تولى . كما قال مسلم :حدثني محمد بن حاتم حدثنا محمد بن بكر أخبرنا ابن جريج ، سمعت عبد الله بن عبيد بن عمير والوليد بن عطاء ، يحدثان عن الحارث بن عبد الله بن أبي ربيعة ، قال عبد الله بن عبيد : وفد الحارث بن عبد الله على عبد الملك بن مروان في خلافته ، فقال عبد الملك : ما أظن أبا خبيب يعني ابن الزبير سمع من عائشة ما كان يزعم أنه سمعه منها . قال الحارث : بلى ، أنا سمعته منها . قال : سمعتها تقول ماذا ؟ قال : قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن قومك استقصروا من بنيان البيت ، ولولا حداثة عهدهم بالشرك أعدت ما تركوا منه ، فإن بدا لقومك من بعدي أن يبنوه فهلمي لأريك ما تركوا منه " . فأراها قريبا من سبعة أذرع .هذا حديث عبد الله بن عبيد [ بن عمير ] . وزاد عليه الوليد بن عطاء : قال النبي صلى الله عليه وسلم : " ولجعلت لها بابين موضوعين في الأرض شرقيا وغربيا ، وهل تدرين لم كان قومك رفعوا بابها ؟ " قالت : قلت : لا . قال : " تعززا ألا يدخلها إلا من أرادوا . فكان الرجل إذا هو أراد أن يدخلها ، يدعونه حتى يرتقي ، حتى إذا كاد أن يدخل دفعوه فسقط " قال عبد الملك : فقلت للحارث : أنت سمعتها تقول هذا ؟ قال : نعم . قال : فنكت ساعة بعصاه ، ثم قال : وددت أني تركت وما تحمل .قال مسلم : وحدثناه محمد بن عمرو بن جبلة ، حدثنا أبو عاصم ( ح ) وحدثنا عبد بن حميد ، أخبرنا عبد الرزاق ، كلاهما عن ابن جريج بهذا الإسناد ، مثل حديث ابن بكر .قال : وحدثني محمد بن حاتم ، حدثنا عبد الله بن بكر السهمي ، حدثنا حاتم بن أبي صغيرة ، عن أبي قزعة أن عبد الملك بن مروان بينما هو يطوف بالبيت إذ قال : قاتل الله ابن الزبير حيث يكذب على أم المؤمنين ، يقول : سمعتها تقول : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " يا عائشة ، لولا حدثان قومك بالكفر لنقضت البيت حتى أزيد فيها من الحجر ، فإن قومك قصروا في البناء " . فقال الحارث بن عبد الله بن أبي ربيعة : لا تقل هذا يا أمير المؤمنين ، فأنا سمعت أم المؤمنين تحدث هذا . قال : لو كنت سمعته قبل أن أهدمه لتركته على ما بنى ابن الزبير .فهذا الحديث كالمقطوع به إلى عائشة أم المؤمنين ، لأنه قد روي عنها من طرق صحيحة متعددة عن الأسود بن يزيد ، والحارث بن عبد الله بن أبي ربيعة ، وعبد الله بن الزبير ، وعبد الله بن محمد بن أبي بكر الصديق ، وعروة بن الزبير . فدل هذا على صواب ما فعله ابن الزبير . فلو ترك لكان جيدا .ولكن بعد ما رجع الأمر إلى هذا الحال ، فقد كره بعض العلماء أن يغير عن حاله ، كما ذكر عن أمير المؤمنين هارون الرشيد أو أبيه المهدي أنه سأل الإمام مالكا عن هدم الكعبة وردها إلى ما فعله ابن الزبير . فقال له مالك : يا أمير المؤمنين ، لا تجعل كعبة الله ملعبة للملوك ، لا يشاء أحد أن يهدمها إلا هدمها . فترك ذلك الرشيد .نقله عياض والنواوي ، ولا تزال والله أعلم هكذا إلى آخر الزمان ، إلى أن يخربها ذو السويقتين من الحبشة ، كما ثبت ذلك في الصحيحين عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " يخرب الكعبة ذو السويقتين من الحبشة " . أخرجاه .وعن عبد الله بن عباس ، رضي الله عنهما ، عن النبي صلى الله عليه وسلم ، قال : " كأني به أسود أفحج ، يقلعها حجرا حجرا " . رواه البخاري .وقال الإمام أحمد بن حنبل في مسنده : حدثنا أحمد بن عبد الملك الحراني ، حدثنا محمد بن سلمة ، عن ابن إسحاق ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، عن عبد الله بن عمرو بن العاص ، رضي الله عنهما قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " يخرب الكعبة ذو السويقتين من الحبشة ، ويسلبها حليتها ويجردها من كسوتها . ولكأني أنظر إليه أصيلع أفيدع يضرب عليها بمسحاته ومعوله " .الفدع : زيغ بين القدم وعظم الساق .وهذا والله أعلم إنما يكون بعد خروج يأجوج ومأجوج ، لما جاء في صحيح البخاري عن أبي سعيد الخدري ، رضي الله عنه ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ليحجن البيت وليعتمرن بعد خروج يأجوج ومأجوج " .
2:128
رَبَّنَا وَ اجْعَلْنَا مُسْلِمَیْنِ لَكَ وَ مِنْ ذُرِّیَّتِنَاۤ اُمَّةً مُّسْلِمَةً لَّكَ ۪-وَ اَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَ تُبْ عَلَیْنَاۚ-اِنَّكَ اَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِیْمُ(۱۲۸)
اے رب ہمارے اور کر ہمیں تیرے حضور گردن رکھنے والا (ف۲۳۲) اور ہماری اولاد میں سے ایک امت تیری فرمانبردار اور ہمیں ہماری عبادت کے قاعدے بتا اور ہم پر اپنی رحمت کے ساتھ رجوع فرما (ف۲۳۳) بیشک تو ہی ہے بہت توبہ قبول کرنے والا مہربان۔

قوله تعالى حكاية لدعاء إبراهيم وإسماعيل ، عليهما السلام : ( ربنا واجعلنا مسلمين لك ومن ذريتنا أمة مسلمة لك وأرنا مناسكنا وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم )قال ابن جرير : يعنيان بذلك ، واجعلنا مستسلمين لأمرك ، خاضعين لطاعتك ، لا نشرك معك في الطاعة أحدا سواك ، ولا في العبادة غيرك .وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي ، حدثنا إسماعيل بن رجاء بن حيان الحصني القرشي ، حدثنا معقل بن عبيد الله ، عن عبد الكريم : ( واجعلنا مسلمين لك ) قال : مخلصين لك ، ( ومن ذريتنا أمة مسلمة لك ) قال : مخلصة .وقال أيضا : حدثنا علي بن الحسين ، حدثنا المقدمي ، حدثنا سعيد بن عامر ، عن سلام بن أبي مطيع في هذه الآية ( واجعلنا مسلمين ) قال : كانا مسلمين ، ولكنهما سألاه الثبات .وقال عكرمة : ( ربنا واجعلنا مسلمين لك ) قال الله : قد فعلت . ( ومن ذريتنا أمة مسلمة لك ) قال الله : قد فعلت .وقال السدي : ( ومن ذريتنا أمة مسلمة لك ) يعنيان العرب .قال ابن جرير : والصواب أنه يعم العرب وغيرهم ; لأن من ذرية إبراهيم بني إسرائيل ، وقد قال الله تعالى : ( ومن قوم موسى أمة يهدون بالحق وبه يعدلون ) [ الأعراف : 159 ]قلت : وهذا الذي قاله ابن جرير لا ينفيه السدي ; فإن تخصيصهم بذلك لا ينفي من عداهم ، والسياق إنما هو في العرب ; ولهذا قال بعده : ( ربنا وابعث فيهم رسولا منهم يتلو عليهم آياتك ويعلمهم الكتاب والحكمة ويزكيهم ) الآية ، والمراد بذلك محمد صلى الله عليه وسلم ، وقد بعث فيهم كما قال تعالى : ( هو الذي بعث في الأميين رسولا منهم ) [ الجمعة : 2 ] ومع هذا لا ينفي رسالته إلى الأحمر والأسود ، لقوله تعالى : ( قل يا أيها الناس إني رسول الله إليكم جميعا ) [ الأعراف : 158 ] ، وغير ذلك من الأدلة القاطعة .وهذا الدعاء من إبراهيم وإسماعيل ، عليهما السلام ، كما أخبر الله تعالى عن عباده المتقين المؤمنين ، في قوله : ( والذين يقولون ربنا هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين واجعلنا للمتقين إماما ) [ الفرقان : 74 ] . وهذا القدر مرغوب فيه شرعا ، فإن من تمام محبة عبادة الله تعالى أن يحب أن يكون من صلبه من يعبد الله وحده لا شريك له ; ولهذا لما قال الله تعالى لإبراهيم ، عليه السلام : ( إني جاعلك للناس إماما ) قال : ( ومن ذريتي قال لا ينال عهدي الظالمين ) وهو قوله : ( واجنبني وبني أن نعبد الأصنام ) [ إبراهيم : 35 ] . وقد ثبت في صحيح مسلم ، عن أبي هريرة ، رضي الله عنه ، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث : صدقة جارية ، أو علم ينتفع به ، أو ولد صالح يدعو له "" وأرنا مناسكنا " قال ابن جريج ، عن عطاء ( وأرنا مناسكنا ) أخرجها لنا ، علمناها .وقال مجاهد ( وأرنا مناسكنا ) مذابحنا . وروي عن عطاء أيضا ، وقتادة نحو ذلك .وقال سعيد بن منصور : حدثنا عتاب بن بشير ، عن خصيف ، عن مجاهد ، قال : قال إبراهيم : " أرنا مناسكنا " فأتاه جبرائيل ، فأتى به البيت ، فقال : ارفع القواعد . فرفع القواعد وأتم البنيان ، ثم أخذ بيده فأخرجه فانطلق به إلى الصفا ، قال : هذا من شعائر الله . ثم انطلق به إلى المروة ، فقال : وهذا من شعائر الله ؟ . ثم انطلق به نحو منى ، فلما كان من العقبة إذا إبليس قائم عند الشجرة ، فقال : كبر وارمه . فكبر ورماه . ثم انطلق إبليس فقام عند الجمرة الوسطى ، فلما جاز به جبريل وإبراهيم قال له : كبر وارمه . فكبر ورماه . فذهب إبليس وكان الخبيث أراد أن يدخل في الحج شيئا فلم يستطع ، فأخذ بيد إبراهيم حتى أتى به المشعر الحرام ، فقال : هذا المشعر الحرام . فأخذ بيد إبراهيم حتى أتى به عرفات . قال : قد عرفت ما أريتك ؟ قالها : ثلاث مرار . قال : نعم .وروي عن أبي مجلز وقتادة نحو ذلك . وقال أبو داود الطيالسي : حدثنا حماد بن سلمة ، عن أبي العاصم الغنوي ، عن أبي الطفيل ، عن ابن عباس ، قال : إن إبراهيم لما أري أوامر المناسك ، عرض له الشيطان عند المسعى ، فسابقه إبراهيم ، ثم انطلق به جبريل حتى أتى به منى ، فقال : مناخ الناس هذا . فلما انتهى إلى جمرة العقبة تعرض له الشيطان ، فرماه بسبع حصيات حتى ذهب ، ثم أتى به الجمرة الوسطى ، فعرض له الشيطان فرماه بسبع حصيات ، حتى ذهب ، ثم أتى به الجمرة القصوى ، فعرض له الشيطان ، فرماه بسبع حصيات حتى ذهب ، فأتى به جمعا . فقال : هذا المشعر . ثم أتى به عرفة . فقال : هذه عرفة . فقال له جبريل : أعرفت ؟ .
2:129
رَبَّنَا وَ ابْعَثْ فِیْهِمْ رَسُوْلًا مِّنْهُمْ یَتْلُوْا عَلَیْهِمْ اٰیٰتِكَ وَ یُعَلِّمُهُمُ الْكِتٰبَ وَ الْحِكْمَةَ وَ یُزَكِّیْهِمْؕ-اِنَّكَ اَنْتَ الْعَزِیْزُ الْحَكِیْمُ۠(۱۲۹)
اے رب ہمارے اور بھیج ان میں (ف۲۳۴) ایک رسول انہیں میں سے کہ ان پر تیری آیتیں تلاوت فرمائے اور انہیں تیری کتاب (ف۲۳۵) اور پختہ علم سکھائے (ف۲۳۶) اور انہیں خوب ستھرا فرمادے (ف۲۳۷) بیشک تو ہی ہے غالب حکمت والا-

يقول تعالى إخبارا عن تمام دعوة إبراهيم لأهل الحرم أن يبعث الله فيهم رسولا منهم ، أي من ذرية إبراهيم . وقد وافقت هذه الدعوة المستجابة قدر الله السابق في تعيين محمد صلوات الله وسلامه عليه رسولا في الأميين إليهم ، إلى سائر الأعجمين ، من الإنس والجن ، كما قال الإمام أحمد : حدثنا عبد الرحمن بن مهدي ، حدثنا معاوية بن صالح ، عن سعيد بن سويد الكلبي ، عن عبد الأعلى بن هلال السلمي ، عن العرباض بن سارية قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إني عند الله لخاتم النبيين ، وإن آدم لمنجدل في طينته ، وسأنبئكم بأول ذلك ، دعوة أبي إبراهيم ، وبشارة عيسى بي ، ورؤيا أمي التي رأت ، وكذلك أمهات النبيين يرين " .وكذلك رواه ابن وهب ، والليث ، وكاتبه عبد الله بن صالح ، عن معاوية بن صالح ، وتابعه أبو بكر بن أبي مريم ، عن سعيد بن سويد ، به .وقال الإمام أحمد أيضا : حدثنا أبو النضر ، حدثنا الفرج ، حدثنا لقمان بن عامر : سمعت أبا أمامة قال : قلت : يا رسول الله ، ما كان أول بدء أمرك ؟ قال : " دعوة أبي إبراهيم ، وبشرى عيسى بي ، ورأت أمي أنه خرج منها نور أضاءت له قصور الشام " .والمراد أن أول من نوه بذكره وشهره في الناس ، إبراهيم عليه السلام . ولم يزل ذكره في الناس مذكورا مشهورا سائرا حتى أفصح باسمه خاتم أنبياء بني إسرائيل نسبا ، وهو عيسى ابن مريم ، عليه السلام ، حيث قام في بني إسرائيل خطيبا ، وقال : ( إني رسول الله إليكم مصدقا لما بين يدي من التوراة ومبشرا برسول يأتي من بعدي اسمه أحمد ) [ الصف : 6 ] ; ولهذا قال في هذا الحديث : " دعوة أبي إبراهيم ، وبشرى عيسى ابن مريم " .وقوله : " ورأت أمي أنه خرج منها نور أضاءت له قصور الشام " قيل : كان مناما رأته حين حملت به ، وقصته على قومها فشاع فيهم واشتهر بينهم ، وكان ذلك توطئة . وتخصيص الشام بظهور نوره إشارة إلى استقرار دينه وثبوته ببلاد الشام ، ولهذا تكون الشام في آخر الزمان معقلا للإسلام وأهله ، وبها ينزل عيسى ابن مريم إذا نزل بدمشق بالمنارة الشرقية البيضاء منها . ولهذا جاء في الصحيحين : " لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق لا يضرهم من خذلهم ولا من خالفهم حتى يأتي أمر الله وهم كذلك " . وفي صحيح البخاري : " وهم بالشام " .قال أبو جعفر الرازي ، عن الربيع بن أنس ، عن أبي العالية ، في قوله : ( ربنا وابعث فيهم رسولا منهم ) يعني : أمة محمد صلى الله عليه وسلم . فقيل له : قد استجيبت لك ، وهو كائن في آخر الزمان . وكذا قال السدي وقتادة .وقوله تعالى : ( ويعلمهم الكتاب ) يعني : القرآن ( والحكمة ) يعني : السنة ، قاله الحسن ،وقتادة ، ومقاتل بن حيان ، وأبو مالك وغيرهم . وقيل : الفهم في الدين . ولا منافاة .( ويزكيهم ) قال علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس : يعني طاعة الله ، والإخلاص .وقال محمد بن إسحاق ( ويعلمهم الكتاب والحكمة ) قال : يعلمهم الخير فيفعلوه ، والشر فيتقوه ، ويخبرهم برضاه عنهم إذا أطاعوه واستكثروا من طاعته ، وتجنبوا ما سخط من معصيته .وقوله : ( إنك أنت العزيز الحكيم ) أي : العزيز الذي لا يعجزه شيء ، وهو قادر على كل شيء ، الحكيم في أفعاله وأقواله ، فيضع الأشياء في محالها ; وحكمته وعدله .
2:130
وَ مَنْ یَّرْغَبُ عَنْ مِّلَّةِ اِبْرٰهٖمَ اِلَّا مَنْ سَفِهَ نَفْسَهٗؕ-وَ لَقَدِ اصْطَفَیْنٰهُ فِی الدُّنْیَاۚ-وَ اِنَّهٗ فِی الْاٰخِرَةِ لَمِنَ الصّٰلِحِیْنَ(۱۳۰)
اور ابراہیم کے دین سے کون منہ پھیرے (ف۲۳۸) سوا اس کے جو دل کا احمق ہے اور بیشک ضرور ہم نے دنیا میں اسے چن لیا (ف۲۳۹) اور بیشک وہ آخرت میں ہمارے خاص قرب کی قابلیت والوں میں ہے -(ف۲۴۰)

يقول تبارك وتعالى ردا على الكفار فيما ابتدعوه وأحدثوه من الشرك بالله ، المخالف لملة إبراهيم الخليل ، إمام الحنفاء ، فإنه جرد توحيد ربه تبارك وتعالى ، فلم يدع معه غيره ، ولا أشرك به طرفة عين ، وتبرأ من كل معبود سواه ، وخالف في ذلك سائر قومه ، حتى تبرأ من أبيه ، فقال : ( يا قوم إني بريء مما تشركون إني وجهت وجهي للذي فطر السماوات والأرض حنيفا وما أنا من المشركين ) [ الأنعام : 78 ، 79 ] ، وقال تعالى : ( وإذ قال إبراهيم لأبيه وقومه إنني براء مما تعبدون إلا الذي فطرني فإنه سيهدين ) [ الزخرف : 26 ، 27 ] ، وقال تعالى : ( وما كان استغفار إبراهيم لأبيه إلا عن موعدة وعدها إياه فلما تبين له أنه عدو لله تبرأ منه إن إبراهيم لأواه حليم ) [ التوبة : 114 ] وقال تعالى : ( إن إبراهيم كان أمة قانتا لله حنيفا ولم يك من المشركين شاكرا لأنعمه اجتباه وهداه إلى صراط مستقيم وآتيناه في الدنيا حسنة وإنه في الآخرة لمن الصالحين ) [ النحل : 120 ، 122 ] ، ولهذا وأمثاله قال تعالى : ( ومن يرغب عن ملة إبراهيم ) أي : عن طريقته ومنهجه . فيخالفها ويرغب عنها ( إلا من سفه نفسه ) أي : ظلم نفسه بسفهه وسوء تدبيره بتركه الحق إلى الضلال ، حيث خالف طريق من اصطفي في الدنيا للهداية والرشاد ، من حداثة سنه إلى أن اتخذه الله خليلا وهو في الآخرة من الصالحين السعداء فترك طريقه هذا ومسلكه وملته واتبع طرق الضلالة والغي ، فأي سفه أعظم من هذا ؟ أم أي ظلم أكبر من هذا ؟ كما قال تعالى : ( إن الشرك لظلم عظيم )وقال أبو العالية وقتادة : نزلت هذه الآية في اليهود ; أحدثوا طريقا ليست من عند الله وخالفوا ملة إبراهيم فيما أخذوه ، ويشهد لصحة هذا القول قول الله تعالى : ( ما كان إبراهيم يهوديا ولا نصرانيا ولكن كان حنيفا مسلما وما كان من المشركين إن أولى الناس بإبراهيم للذين اتبعوه وهذا النبي والذين آمنوا والله ولي المؤمنين ) [ آل عمران : 67 ، 68 ] .
2:131
اِذْ قَالَ لَهٗ رَبُّهٗۤ اَسْلِمْۙ-قَالَ اَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعٰلَمِیْنَ(۱۳۱)
جبکہ اس سے اس کے رب نے فرمایا گردن رکھ عرض کی میں نے گردن رکھی اس کے لئے جو رب ہے سارے جہان کا-

وقوله تعالى : ( إذ قال له ربه أسلم قال أسلمت لرب العالمين ) أي : أمره الله بالإخلاص له والاستسلام والانقياد ، فأجاب إلى ذلك شرعا وقدرا .
2:132
وَ وَصّٰى بِهَاۤ اِبْرٰهٖمُ بَنِیْهِ وَ یَعْقُوْبُؕ-یٰبَنِیَّ اِنَّ اللّٰهَ اصْطَفٰى لَكُمُ الدِّیْنَ فَلَا تَمُوْتُنَّ اِلَّا وَ اَنْتُمْ مُّسْلِمُوْنَؕ(۱۳۲)
اور اسی دین کی وصیت کی ابراہیم ؑ نے اپنے بیٹوں کو اور یعقوب نے کہ اے میرے بیٹو! بیشک اللہ نے یہ دین تمہارے لئے چن لیا تو نہ مرنا مگر مسلمان -

وقوله : ( ووصى بها إبراهيم بنيه ويعقوب ) أي : وصى بهذه الملة وهي الإسلام لله [ أو يعود الضمير على الكلمة وهي قوله : ( أسلمت لرب العالمين ) ] . لحرصهم عليها ومحبتهم لها حافظوا عليها إلى حين الوفاة ووصوا أبناءهم بها من بعدهم ; كقوله تعالى : ( وجعلها كلمة باقية في عقبه ) [ الزخرف : 28 ] وقد قرأ بعض السلف " ويعقوب " بالنصب عطفا على بنيه ، كأن إبراهيم وصى بنيه وابن ابنه يعقوب بن إسحاق وكان حاضرا ذلك ، وقد ادعى القشيري ، فيما حكاه القرطبي عنه أن يعقوب إنما ولد بعد وفاة إبراهيم ، ويحتاج مثل هذا إلى دليل صحيح ; والظاهر ، والله أعلم ، أن إسحاق ولد له يعقوب في حياة الخليل وسارة ; لأن البشارة وقعت بهما في قوله : ( فبشرناها بإسحاق ومن وراء إسحاق يعقوب ) [ هود : 71 ] وقد قرئ بنصب يعقوب هاهنا على نزع الخافض ، فلو لم يوجد يعقوب في حياتهما لما كان لذكره من بين ذرية إسحاق كبير فائدة ، وأيضا فقد قال الله تعالى في سورة العنكبوت : ( ووهبنا له إسحاق ويعقوب وجعلنا في ذريته النبوة والكتاب وآتيناه أجره في الدنيا وإنه في الآخرة لمن الصالحين ) [ الآية : 27 ] وقال في الآية الأخرى : ( ووهبنا له إسحاق ويعقوب نافلة ) [ الأنبياء : 72 ] وهذا يقتضي أنه وجد في حياته ، وأيضا فإنه باني بيت المقدس ، كما نطقت بذلك الكتب المتقدمة ، وثبت في الصحيحين من حديث أبي ذر قلت : يا رسول الله ، أي مسجد وضع أول ؟ قال : " المسجد الحرام " ، قلت : ثم أي ؟ قال : " بيت المقدس " . قلت : كم بينهما ؟ قال : " أربعون سنة " الحديث . فزعم ابن حبان أن بين سليمان الذي اعتقد أنه باني بيت المقدس وإنما كان جدده بعد خرابه وزخرفه وبين إبراهيم أربعين سنة ، وهذا مما أنكر على ابن حبان ، فإن المدة بينهما تزيد على ألوف سنين ، والله أعلم ، وأيضا فإن ذكر وصية يعقوب لبنيه سيأتي ذكرها قريبا ، وهذا يدل على أنه هاهنا من جملة الموصين .وقوله : ( يا بني إن الله اصطفى لكم الدين فلا تموتن إلا وأنتم مسلمون ) أي : أحسنوا في حال الحياة والزموا هذا ليرزقكم الله الوفاة عليه . فإن المرء يموت غالبا على ما كان عليه ، ويبعث على ما مات عليه . وقد أجرى الله الكريم عادته بأن من قصد الخير وفق له ويسر عليه . ومن نوى صالحا ثبت عليه . وهذا لا يعارض ما جاء ، في الحديث [ الصحيح ] " إن الرجل ليعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها إلا باع أو ذراع ، فيسبق عليه الكتاب ، فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها . وإن الرجل ليعمل بعمل أهل النار حتى ما يكون بينه وبينها إلا باع أو ذراع ، فيسبق عليه الكتاب ، فيعمل بعمل أهل الجنة فيدخلها " ; لأنه قد جاء في بعض روايات هذا الحديث : " فيعمل بعمل أهل الجنة فيما يبدو للناس ، ويعمل بعمل أهل النار فيما يبدو للناس . وقد قال الله تعالى : ( فأما من أعطى واتقى وصدق بالحسنى فسنيسره لليسرى وأما من بخل واستغنى وكذب بالحسنى فسنيسره للعسرى ) [ الليل : 5 - 10 ] .
2:133
اَمْ كُنْتُمْ شُهَدَآءَ اِذْ حَضَرَ یَعْقُوْبَ الْمَوْتُۙ-اِذْ قَالَ لِبَنِیْهِ مَا تَعْبُدُوْنَ مِنْۢ بَعْدِیْؕ-قَالُوْا نَعْبُدُ اِلٰهَكَ وَ اِلٰهَ اٰبَآىٕكَ اِبْرٰهٖمَ وَ اِسْمٰعِیْلَ وَ اِسْحٰقَ اِلٰهًا وَّاحِدًاۖ-ۚ وَّ نَحْنُ لَهٗ مُسْلِمُوْنَ(۱۳۳)
بلکہ تم میں کے خود موجود تھے (ف۲۴۱) جب یعقوب ؑ کو موت آئی جبکہ اس نے اپنے بیٹوں سے فرمایا میرے بعد کس کی پوجا کروگے بولے ہم پوجیں گے اسے جو خدا ہے آپ کا اور آپ کے آباء ابراہیم ؑ و اسمٰعیل ؑ (ف۲۴۲) و اسحاقؑ کا ایک خدا اور ہم اس کے حضور گردن رکھے ہیں،

يقول تعالى محتجا على المشركين من العرب أبناء إسماعيل ، وعلى الكفار من بني إسرائيل وهو يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم عليهم السلام بأن يعقوب لما حضرته الوفاة وصى بنيه بعبادة الله وحده لا شريك له ، فقال لهم : ( ما تعبدون من بعدي قالوا نعبد إلهك وإله آبائك إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ) وهذا من باب التغليب لأن إسماعيل عمه .قال النحاس : والعرب تسمي العم أبا ، نقله القرطبي ; وقد استدل بهذه الآية من جعل الجد أبا وحجب به الإخوة ، كما هو قول الصديق . حكاه البخاري عنه من طريق ابن عباس وابن الزبير ، ثم قال البخاري : ولم يختلف عليه ، وإليه ذهبت عائشة أم المؤمنين ، وبه يقول الحسن البصري وطاوس وعطاء ، وهو مذهب أبي حنيفة وغير واحد من علماء السلف والخلف ; وقال مالك والشافعي وأحمد في المشهور عنه أنه يقاسم الإخوة ; وحكى مالك عن عمر وعثمان وعلي وابن مسعود وزيد بن ثابت وجماعة من السلف والخلف ، واختاره صاحبا أبي حنيفة القاضي : أبو يوسف ، ومحمد بن الحسن ، ولتقريرها موضع آخر .وقوله : ( إلها واحدا ) أي : نوحده بالألوهية ، ولا نشرك به شيئا غيره ( ونحن له مسلمون ) أي : مطيعون خاضعون كما قال تعالى : ( وله أسلم من في السماوات والأرض طوعا وكرها وإليه يرجعون ) [ آل عمران : 83 ] وسلم والإسلام هو ملة الأنبياء قاطبة ، وإن تنوعت شرائعهم واختلفت مناهجهم ، كما قال تعالى : ( وما أرسلنا من قبلك من رسول إلا نوحي إليه أنه لا إله إلا أنا فاعبدون ) [ الأنبياء : 25 ] . والآيات في هذا كثيرة والأحاديث ، فمنها قوله صلى الله عليه وسلم نحن معشر الأنبياء أولاد علات ديننا واحد .
2:134
تِلْكَ اُمَّةٌ قَدْ خَلَتْۚ-لَهَا مَا كَسَبَتْ وَ لَكُمْ مَّا كَسَبْتُمْۚ-وَ لَا تُسْــٴَـلُوْنَ عَمَّا كَانُوْا یَعْمَلُوْنَ(۱۳۴)
یہ (ف۲۴۳) ایک امت ہے کہ گزرچکی (ف۲۴۴) ان کے لیے ہے جو انہوں نے کمایا اور تمہارے لئے ہے جو تم کماؤ اور ان کے کاموں کی تم سے پرسش نہ ہوگی-

وقوله تعالى : ( تلك أمة قد خلت ) أي : مضت ( لها ما كسبت ولكم ما كسبتم ) أي : إن السلف الماضين من آبائكم من الأنبياء والصالحين لا ينفعكم انتسابكم إليهم إذا لم تفعلوا خيرا يعود نفعه عليكم ، فإن لهم أعمالهم التي عملوها ولكم أعمالكم : ( ولا تسألون عما كانوا يعملون )وقال أبو العالية ، والربيع ، وقتادة : ( تلك أمة قد خلت ) يعني : إبراهيم ، وإسماعيل ، وإسحاق ، ويعقوب ، والأسباط [ ولهذا جاء ، في الأثر : من أبطأ به عمله لم يسرع به نسبه
2:135
وَ قَالُوْا كُوْنُوْا هُوْدًا اَوْ نَصٰرٰى تَهْتَدُوْاؕ-قُلْ بَلْ مِلَّةَ اِبْرٰهٖمَ حَنِیْفًاؕ-وَ مَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِیْنَ(۱۳۵)
اور کتابی بولے (ف۲۴۵) یہودی یا نصرانی ہوجاؤ راہ پاؤگے تم فرماؤ بلکہ ہم تو ابراہیم ؑ کا دین لیتے ہیں جو ہر باطل سے جدا تھے اور مشرکوں سے نہ تھے -(ف۲۴۶)

قال محمد بن إسحاق : حدثني محمد بن أبي محمد ، حدثني سعيد بن جبير أو عكرمة ، عن ابن عباس ، قال : قال عبد الله بن صوريا الأعور لرسول الله صلى الله عليه وسلم : ما الهدى إلا ما نحن عليه ، فاتبعنا يا محمد تهتد . وقالت النصارى مثل ذلك . فأنزل الله عز وجل : ( وقالوا كونوا هودا أو نصارى تهتدوا )وقوله ( بل ملة إبراهيم حنيفا ) " أي : لا نريد ما دعوتم إليه من اليهودية والنصرانية ، بل نتبع ( ملة إبراهيم حنيفا ) أي : مستقيما . قاله محمد بن كعب القرظي ، وعيسى بن جارية .وقال خصيف عن مجاهد : مخلصا . وروى علي بن أبي طلحة عن ابن عباس : حاجا . وكذا روي عن الحسن والضحاك وعطية ، والسدي .وقال أبو العالية : الحنيف الذي يستقبل البيت بصلاته ، ويرى أن حجه عليه إن استطاع إليه سبيلا .وقال مجاهد ، والربيع بن أنس : حنيفا ، أي : متبعا . وقال أبو قلابة : الحنيف الذي يؤمن بالرسل كلهم من أولهم إلى آخرهم .وقال قتادة : الحنيفية : شهادة أن لا إله إلا الله . يدخل فيها تحريم الأمهات والبنات والخالات والعمات وما حرم الله ، عز وجل والختان .
2:136
قُوْلُوْۤا اٰمَنَّا بِاللّٰهِ وَ مَاۤ اُنْزِلَ اِلَیْنَا وَ مَاۤ اُنْزِلَ اِلٰۤى اِبْرٰهٖمَ وَ اِسْمٰعِیْلَ وَ اِسْحٰقَ وَ یَعْقُوْبَ وَ الْاَسْبَاطِ وَ مَاۤ اُوْتِیَ مُوْسٰى وَ عِیْسٰى وَ مَاۤ اُوْتِیَ النَّبِیُّوْنَ مِنْ رَّبِّهِمْۚ-لَا نُفَرِّقُ بَیْنَ اَحَدٍ مِّنْهُمْ٘-وَ نَحْنُ لَهٗ مُسْلِمُوْنَ(۱۳۶)
یوں کہو کہ ہم ایمان لائے اللہ پر اس پر جو ہماری طرف اترا اور جو اتارا گیا ابراہیم ؑ و اسمٰعیل ؑ و اسحاقؑ و یعقوبؑ اور ان کی اولاد پر اور جو عطا کئے گئے موسیٰ ؑ و عیسیٰ ؑ اور جو عطا کئے گئے باقی انبیاء اپنے رب کے پاس سے ہم ان پر ایمان میں فرق نہیں کرتے اور ہم اللہ کے حضور گردن رکھے ہیں-

أرشد الله تعالى عباده المؤمنين إلى الإيمان بما أنزل إليهم بواسطة رسوله محمد صلى الله عليه وسلم مفصلا وبما أنزل على الأنبياء المتقدمين مجملا ونص على أعيان من الرسل ، وأجمل ذكر بقية الأنبياء ، وأن لا يفرقوا بين أحد منهم ، بل يؤمنوا بهم كلهم ، ولا يكونوا كمن قال الله فيهم : ( ويريدون أن يفرقوا بين الله ورسله ويقولون نؤمن ببعض ونكفر ببعض ويريدون أن يتخذوا بين ذلك سبيلا أولئك هم الكافرون حقا ) [ النساء : 150 ، 151 ] .وقال البخاري : حدثنا محمد بن بشار ، حدثنا عثمان بن عمر ، أخبرنا علي بن المبارك ، عن يحيى بن أبي كثير ، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن ، عن أبي هريرة ، قال : كان أهل الكتاب يقرءون التوراة بالعبرانية ويفسرونها بالعربية لأهل الإسلام ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لا تصدقوا أهل الكتاب ولا تكذبوهم ، وقولوا : آمنا بالله وما أنزل إلينا " .وقد روى مسلم وأبو داود والنسائي من حديث عثمان بن حكيم ، عن سعيد بن يسار عن ابن عباس ، قال ، كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أكثر ما يصلي الركعتين اللتين قبل الفجر ب ( آمنا بالله وما أنزل إلينا ) الآية ، والأخرى ب ( آمنا بالله واشهد بأنا مسلمون ) [ آل عمران : 52 ] . وقال أبو العالية والربيع وقتادة : الأسباط : بنو يعقوب اثنا عشر رجلا ; ولد كل رجل منهم أمة من الناس ، فسموا الأسباط .وقال الخليل بن أحمد وغيره : الأسباط في بني إسرائيل ، كالقبائل في بني إسماعيل ; وقال الزمخشري في الكشاف : الأسباط : حفدة يعقوب وذراري أبنائه الاثنى عشر ، وقد نقله الرازي عنه ، وقرره ولم يعارضه . وقال البخاري : الأسباط : قبائل بني إسرائيل ، وهذا يقتضي أن المراد بالأسباط هاهنا شعوب بني إسرائيل ، وما أنزل الله تعالى من الوحي على الأنبياء الموجودين منهم ، كما قال موسى لهم : ( اذكروا نعمة الله عليكم إذ جعل فيكم أنبياء وجعلكم ملوكا وآتاكم ما لم يؤت أحدا من العالمين ) [ المائدة : 20 ] وقال تعالى : ( وقطعناهم اثنتي عشرة أسباطا أمما ) [ الأعراف : 160 ] وقال القرطبي : وسموا الأسباط من السبط ، وهو التتابع ، فهم جماعة متتابعون . وقيل : أصله من السبط ، بالتحريك ، وهو الشجر ، أي : هم في الكثرة بمنزلة الشجر ، الواحدة سبطة . قال الزجاج : ويبين لك هذا : ما حدثنا محمد بن جعفر الأنباري ، حدثنا أبو نجيد الدقاق ، حدثنا الأسود بن عامر ، حدثنا إسرائيل عن سماك ، عن عكرمة ، عن ابن عباس ، قال : كل الأنبياء من بني إسرائيل إلا عشرة : نوح وهود وصالح وشعيب وإبراهيم ولوط وإسحاق ويعقوب وإسماعيل ومحمد عليهم الصلاة والسلام . قال القرطبي : والسبط : الجماعة والقبيلة ، الراجعون إلى أصل واحد .وقال قتادة : أمر الله المؤمنين أن يؤمنوا به ، ويصدقوا بكتبه كلها وبرسله .وقال سليمان بن حبيب : إنما أمرنا أن نؤمن بالتوراة والإنجيل ، ولا نعمل بما فيهما .وقال ابن أبي حاتم : حدثنا محمد بن محمد بن مصعب الصوري ، حدثنا مؤمل ، حدثنا عبيد الله بن أبي حميد ، عن أبي المليح ، عن معقل بن يسار قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " آمنوا بالتوراة والزبور والإنجيل ، وليسعكم القرآن " .
2:137
فَاِنْ اٰمَنُوْا بِمِثْلِ مَاۤ اٰمَنْتُمْ بِهٖ فَقَدِ اهْتَدَوْاۚ-وَ اِنْ تَوَلَّوْا فَاِنَّمَا هُمْ فِیْ شِقَاقٍۚ-فَسَیَكْفِیْكَهُمُ اللّٰهُۚ-وَ هُوَ السَّمِیْعُ الْعَلِیْمُؕ(۱۳۷)
پھر اگر وہ بھی یونہی ایمان لائے جیسا تم لائے جب تو وہ ہدایت پاگئے اور اگر منہ پھیریں تو وہ نری ضد میں ہیں (ف۲۴۷) تو اے محبوب! عنقریب اللہ ان کی طرف سے تمہیں کفایت کرے گا اور وہی ہے سنتا جانتا -(ف۲۴۸)

قول تعالى : ( فإن آمنوا ) أي : الكفار من أهل الكتاب وغيرهم ( بمثل ما آمنتم به ) أيها المؤمنون ، من الإيمان بجميع كتب الله ورسله ، ولم يفرقوا بين أحد منهم ( فقد اهتدوا ) أي : فقد أصابوا الحق ، وأرشدوا إليه ( وإن تولوا ) أي : عن الحق إلى الباطل ، بعد قيام الحجة عليهم ( فإنما هم في شقاق فسيكفيكهم الله ) أي : فسينصرك عليهم ويظفرك بهم ( وهو السميع العليم )وقال ابن أبي حاتم : قرئ على يونس بن عبد الأعلى حدثنا ابن وهب ، حدثنا زياد بن يونس ، حدثنا نافع بن أبي نعيم ، قال : أرسل إلي بعض الخلفاء مصحف عثمان بن عفان ليصلحه . قال زياد : فقلت له : إن الناس يقولون : إن مصحفه كان في حجره حين قتل ، فوقع الدم على ( فسيكفيكهم الله وهو السميع العليم ) فقال نافع : بصرت عيني بالدم على هذه الآية وقد قدم .
2:138
صِبْغَةَ اللّٰهِۚ-وَ مَنْ اَحْسَنُ مِنَ اللّٰهِ صِبْغَةً٘-وَّ نَحْنُ لَهٗ عٰبِدُوْنَ(۱۳۸)
ہم نے اللہ کی رینی (رنگائی) لی (ف۲۴۹) اور اللہ سے بہتر کس کی رینی؟ (رنگائی) اور ہم اسی کو پوجتے ہیں،

وقوله : ( صبغة الله ) قال الضحاك ، عن ابن عباس : دين الله . وكذا روي عن مجاهد ، وأبي العالية ، وعكرمة ، وإبراهيم ، والحسن ، وقتادة ، والضحاك ، وعبد الله بن كثير ، وعطية العوفي ، والربيع بن أنس ، والسدي ، نحو ذلك .وانتصاب ( صبغة الله ) إما على الإغراء كقوله ( فطرة الله ) [ الروم : 30 ] أي : الزموا ذلك عليكموه . وقال بعضهم : بدل من قوله : ( ملة إبراهيم ) وقال سيبويه : هو مصدر مؤكد انتصب عن قوله : ( آمنا بالله ) كقوله ) واعبدوا الله ) [ النساء : 36 ] .وقد ورد في حديث رواه ابن أبي حاتم وابن مردويه ، من رواية أشعث بن إسحاق عن جعفر بن أبي المغيرة عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس أن نبي الله قال : " إن بني إسرائيل قالوا : يا موسى ، هل يصبغ ربك ؟ فقال : اتقوا الله . فناداه ربه : يا موسى ، سألوك هل يصبغ ربك ؟ فقل : نعم ، أنا أصبغ الألوان : الأحمر والأبيض والأسود ، والألوان كلها من صبغي " . وأنزل الله على نبيه صلى الله عليه وسلم : ( صبغة الله ومن أحسن من الله صبغة ) .كذا وقع في رواية ابن مردويه مرفوعا ، وهو في رواية ابن أبي حاتم موقوف ، وهو أشبه ، إن صح إسناده ، والله أعلم .
2:139
قُلْ اَتُحَآجُّوْنَنَا فِی اللّٰهِ وَ هُوَ رَبُّنَا وَ رَبُّكُمْۚ-وَ لَنَاۤ اَعْمَالُنَا وَ لَكُمْ اَعْمَالُكُمْۚ-وَ نَحْنُ لَهٗ مُخْلِصُوْنَۙ(۱۳۹)
تم فرماؤ اللہ کے بارے میں جھگڑتے ہو (ف۲۵۰) حالانکہ وہ ہمارا بھی مالک ہے اور تمہارا بھی (ف۲۵۱) اور ہماری کرنی (ہمارے اعمال) ہمارے ساتھ اور تمہاری کرنی (تمہارے اعمال) تمہارے ساتھ اور ہم نِرے اسی کے ہیں- (ف۲۵۲)

يقول الله تعالى مرشدا نبيه صلوات الله وسلامه عليه إلى درء مجادلة المشركين : ( قل أتحاجوننا في الله ) أي : أتناظروننا في توحيد الله والإخلاص له والانقياد ، واتباع أوامره وترك زواجره ( وهو ربنا وربكم ) المتصرف فينا وفيكم ، المستحق لإخلاص الإلهية له وحده لا شريك له ! ( ولنا أعمالنا ولكم أعمالكم ) أي : نحن برآء منكم ، وأنتم برآء منا ، كما قال في الآية الأخرى : ( وإن كذبوك فقل لي عملي ولكم عملكم أنتم بريئون مما أعمل وأنا بريء مما تعملون ) [ يونس : 41 ] وقال تعالى : ( فإن حاجوك فقل أسلمت وجهي لله ومن اتبعن وقل للذين أوتوا الكتاب والأميين أأسلمتم فإن أسلموا فقد اهتدوا وإن تولوا فإنما عليك البلاغ والله بصير بالعباد ) [ آل عمران : 20 ] وقال تعالى إخبارا عن إبراهيم ( وحاجه قومه قال أتحاجوني في الله وقد هدان ولا أخاف ما تشركون به إلا أن يشاء ربي شيئا وسع ربي كل شيء علما أفلا تتذكرون ) [ الأنعام : 80 ] وقال ( ألم تر إلى الذي حاج إبراهيم في ربه ) الآية [ البقرة : 258 ] .وقال في هذه الآية الكريمة : ( [ ولنا أعمالنا ولكم أعمالكم ] ونحن له مخلصون ) أي : نحن برآء منكم كما أنتم برآء منا ، ونحن له مخلصون ، أي في العبادة والتوجه .
2:140
اَمْ تَقُوْلُوْنَ اِنَّ اِبْرٰهٖمَ وَ اِسْمٰعِیْلَ وَ اِسْحٰقَ وَ یَعْقُوْبَ وَ الْاَسْبَاطَ كَانُوْا هُوْدًا اَوْ نَصٰرٰىؕ-قُلْ ءَاَنْتُمْ اَعْلَمُ اَمِ اللّٰهُؕ-وَ مَنْ اَظْلَمُ مِمَّنْ كَتَمَ شَهَادَةً عِنْدَهٗ مِنَ اللّٰهِؕ-وَ مَا اللّٰهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُوْنَ(۱۴۰)
بلکہ تم یوں کہتے ہو کہ ابراہیم ؑ و اسمٰعیل ؑ و اسحاقؑ و یعقوب ؑ اور ان کے بیٹے یہودی یا نصرانی تھے، تم فرماؤ کیا تمہیں علم زیادہ ہے یا اللہ کو (ف۲۵۳) اور اس سے بڑھ کر ظالم کون جس کے پاس اللہ کی طرف کی گواہی ہو اور وہ اسے چھپائے (ف ۲۵۴) اور خدا تمہارے کوتکوں (برے اعمال) سے بے خبر نہیں-

ثم أنكر تعالى عليهم ، في دعواهم أن إبراهيم ومن ذكر بعده من الأنبياء والأسباط كانوا على ملتهم ، إما اليهودية وإما النصرانية فقال : ( قل أأنتم أعلم أم الله ) يعني : بل الله أعلم ، وقد أخبر أنهم لم يكونوا هودا ولا نصارى ، كما قال تعالى : ( ما كان إبراهيم يهوديا ولا نصرانيا ولكن كان حنيفا مسلما وما كان من المشركين ) الآية والتي بعدها [ آل عمران : 67 ، 68 ] .وقوله : ( ومن أظلم ممن كتم شهادة عنده من الله ) قال الحسن البصري : كانوا يقرؤون في كتاب الله الذي أتاهم : إن الدين [ عند الله ] الإسلام ، وإن محمدا رسول الله ، وإن إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط كانوا برآء من اليهودية والنصرانية ، فشهد الله بذلك ، وأقروا به على أنفسهم لله ، فكتموا شهادة الله عندهم من ذلك .وقوله : ( وما الله بغافل عما تعملون ) [ فيه ] تهديد ووعيد شديد ، أي : [ أن ] علمه محيط بعملكم ، وسيجزيكم عليه .
2:141
تِلْكَ اُمَّةٌ قَدْ خَلَتْۚ-لَهَا مَا كَسَبَتْ وَ لَكُمْ مَّا كَسَبْتُمْۚ-وَ لَا تُسْــٴَـلُوْنَ عَمَّا كَانُوْا یَعْمَلُوْنَ۠(۱۴۱)
وہ ایک گروہ ہے کہ گزر گیا ان کے لئے ان کی کمائی اور تمہارے لئے تمہاری کمائی اور ان کے کاموں کی تم سے پرسش نہ ہوگی۔

ثم قال تعالى : ( تلك أمة قد خلت ) أي : قد مضت ( لها ما كسبت ولكم ما كسبتم ) أي : لهم أعمالهم ولكم أعمالكم ( ولا تسألون عما كانوا يعملون ) وليس يغني عنكم انتسابكم إليهم ، من غير متابعة منكم لهم ، ولا تغتروا بمجرد النسبة إليهم حتى تكونوا مثلهم منقادين لأوامر الله واتباع رسله ، الذين بعثوا مبشرين ومنذرين ، فإنه من كفر بنبي واحد فقد كفر بسائر الرسل ، ولا سيما من كفر بسيد الأنبياء ، وخاتم المرسلين ورسول رب العالمين إلى جميع الإنس والجن من سائر المكلفين ، صلوات الله وسلامه عليه وعلى سائر أنبياء الله أجمعين .
2:142
سَیَقُوْلُ السُّفَهَآءُ مِنَ النَّاسِ مَا وَلّٰىهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ الَّتِیْ كَانُوْا عَلَیْهَاؕ-قُلْ لِّلّٰهِ الْمَشْرِقُ وَ الْمَغْرِبُؕ-یَهْدِیْ مَنْ یَّشَآءُ اِلٰى صِرَاطٍ مُّسْتَقِیْمٍ(۱۴۲)
اب کہیں گے (ف ۲۵۵) بیوقوف لوگ، کس نے پھیردیامسلمانوں کو، ان کے اس قبلہ سے، جس پر تھے (ف۲۵۶) تم فرمادو کہ پورب پچھم (مشرق مغرب) سب اللہ ہی کا ہے (ف۲۵۷) جسے چاہے سیدھی راہ چلاتا ہے۔

[ قيل المراد بالسفهاء هاهنا : المشركون ; مشركو العرب ، قاله الزجاج . وقيل : أحبار يهود ، قاله مجاهد . وقيل : المنافقون ، قاله السدي . والآية عامة في هؤلاء كلهم ، والله أعلم ] .قال البخاري : حدثنا أبو نعيم ، سمع زهيرا ، عن أبي إسحاق ، عن البراء ، رضي الله عنه ; أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى إلى بيت المقدس ستة عشر شهرا أو سبعة عشر شهرا ، وكان يعجبه أن تكون قبلته قبل البيت ، وأنه صلى أول صلاة صلاها ، صلاة العصر ، وصلى معه قوم . فخرج رجل ممن كان صلى معه ، فمر على أهل المسجد وهم راكعون ، فقال : أشهد بالله لقد صليت مع النبي صلى الله عليه وسلم قبل مكة ، فداروا كما هم قبل البيت . وكان الذي مات على القبلة قبل أن تحول قبل البيت رجالا قتلوا لم ندر ما نقول فيهم ، فأنزل الله عز وجل ( وما كان الله ليضيع إيمانكم إن الله بالناس لرءوف رحيم )انفرد به البخاري من هذا الوجه . ورواه مسلم من وجه آخر .وقال محمد بن إسحاق : حدثني إسماعيل بن أبي خالد ، عن أبي إسحاق ، عن البراء ، قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي نحو بيت المقدس ، ويكثر النظر إلى السماء ينتظر أمر الله ، فأنزل الله : ( قد نرى تقلب وجهك في السماء فلنولينك قبلة ترضاها فول وجهك شطر المسجد الحرام ) فقال رجال من المسلمين : وددنا لو علمنا علم من مات منا قبل أن نصرف إلى القبلة ، وكيف بصلاتنا نحو بيت المقدس ؟ فأنزل الله : ( وما كان الله ليضيع إيمانكم ) وقال السفهاء من الناس ، وهم أهل الكتاب : ما ولاهم عن قبلتهم التي كانوا عليها ؟ فأنزل الله : ( سيقول السفهاء من الناس ) إلى آخر الآية .وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبو زرعة ، حدثنا الحسن بن عطية ، حدثنا إسرائيل ، عن أبي إسحاق ، عن البراء قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد صلى نحو بيت المقدس ستة عشر أو سبعة عشر شهرا ، وكان يحب أن يوجه نحو الكعبة ، فأنزل الله : ( قد نرى تقلب وجهك في السماء فلنولينك قبلة ترضاها فول وجهك شطر المسجد الحرام ) قال : فوجه نحو الكعبة . وقال السفهاء من الناس ، وهم اليهود : ( ما ولاهم عن قبلتهم التي كانوا عليها ) فأنزل الله ( قل لله المشرق والمغرب يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم )وقال علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما هاجر إلى المدينة ، أمره الله أن يستقبل بيت المقدس ، ففرحت اليهود ، فاستقبلها رسول الله صلى الله عليه وسلم بضعة عشر شهرا ، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحب قبلة إبراهيم ، فكان يدعو الله وينظر إلى السماء ، فأنزل الله عز وجل : ( فولوا وجوهكم شطره ) أي : نحوه . فارتاب من ذلك اليهود ، وقالوا : ما ولاهم عن قبلتهم التي كانوا عليها ؟ فأنزل الله : ( قل لله المشرق والمغرب يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم ) .وقد جاء في هذا الباب أحاديث كثيرة ، وحاصل الأمر أنه قد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر باستقبال الصخرة من بيت المقدس ، فكان بمكة يصلي بين الركنين ، فتكون بين يديه الكعبة وهو مستقبل صخرة بيت المقدس ، فلما هاجر إلى المدينة تعذر الجمع بينهما ، فأمره الله بالتوجه إلى بيت المقدس ، قاله ابن عباس والجمهور ، ثم اختلف هؤلاء هل كان الأمر به بالقرآن أو بغيره ; على قولين ، وحكى القرطبي في تفسيره عن عكرمة وأبي العالية والحسن البصري أن التوجه إلى بيت المقدس كان باجتهاده عليه الصلاة والسلام . والمقصود أن التوجه إلى بيت المقدس بعد مقدمه صلى الله عليه وسلم المدينة ، فاستمر الأمر على ذلك بضعة عشر شهرا ، وكان يكثر الدعاء والابتهال أن يوجه إلى الكعبة ، التي هي قبلة إبراهيم ، عليه السلام ، فأجيب إلى ذلك ، وأمر بالتوجه إلى البيت العتيق ، فخطب رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس ، وأعلمهم بذلك . وكان أول صلاة صلاها إليها صلاة العصر ، كما تقدم في الصحيحين من رواية البراء . ووقع عند النسائي من رواية أبي سعيد بن المعلى : أنها الظهر . وأما أهل قباء ، فلم يبلغهم الخبر إلى صلاة الفجر من اليوم الثاني ، كما جاء في الصحيحين ، عن ابن عمر أنه قال : بينما الناس بقباء في صلاة الصبح ، إذ جاءهم آت فقال : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أنزل عليه الليلة قرآن وقد أمر أن يستقبل الكعبة ، فاستقبلوها . وكانت وجوههم إلى الشام فاستداروا إلى الكعبة .وفي هذا دليل على أن الناسخ لا يلزم حكمه إلا بعد العلم به ، وإن تقدم نزوله وإبلاغه ; لأنهم لم يؤمروا بإعادة العصر والمغرب والعشاء ، والله أعلم .ولما وقع هذا حصل لبعض الناس من أهل النفاق والريب والكفرة من اليهود ارتياب وزيغ عن الهدى وتخبيط وشك ، وقالوا : ( ما ولاهم عن قبلتهم التي كانوا عليها ) أي : ما لهؤلاء تارة يستقبلون كذا ، وتارة يستقبلون كذا ؟ فأنزل الله جوابهم في قوله : ( قل لله المشرق والمغرب ) أي : الحكم والتصرف والأمر كله لله ، وحيثما تولوا فثم وجه الله ، و ( ليس البر أن تولوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب ولكن البر من آمن بالله ) [ البقرة : 177 ] أي : الشأن كله في امتثال أوامر الله ، فحيثما وجهنا توجهنا ، فالطاعة في امتثال أمره ، ولو وجهنا في كل يوم مرات إلى جهات متعددة ، فنحن عبيده وفي تصريفه وخدامه ، حيثما وجهنا توجهنا ، وهو تعالى له بعبده ورسوله محمد صلوات الله وسلامه عليه وأمته عناية عظيمة ; إذ هداهم إلى قبلة إبراهيم ، خليل الرحمن ، وجعل توجههم إلى الكعبة المبنية على اسمه تعالى وحده لا شريك له ، أشرف بيوت الله في الأرض ، إذ هي بناء إبراهيم الخليل ، عليه السلام ، ولهذا قال : ( قل لله المشرق والمغرب يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم ) .وقد روى الإمام أحمد ، عن علي بن عاصم ، عن حصين بن عبد الرحمن ، عن عمر بن قيس ، عن محمد بن الأشعث ، عن عائشة قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يعني في أهل الكتاب : " إنهم لا يحسدوننا على شيء كما يحسدوننا على يوم الجمعة ، التي هدانا الله لها وضلوا عنها ، وعلى القبلة التي هدانا الله لها وضلوا عنها ، وعلى قولنا خلف الإمام : آمين " .
2:143
وَ كَذٰلِكَ جَعَلْنٰكُمْ اُمَّةً وَّسَطًا لِّتَكُوْنُوْا شُهَدَآءَ عَلَى النَّاسِ وَ یَكُوْنَ الرَّسُوْلُ عَلَیْكُمْ شَهِیْدًاؕ-وَ مَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِیْ كُنْتَ عَلَیْهَاۤ اِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ یَّتَّبِـعُ الرَّسُوْلَ مِمَّنْ یَّنْقَلِبُ عَلٰى عَقِبَیْهِؕ-وَ اِنْ كَانَتْ لَكَبِیْرَةً اِلَّا عَلَى الَّذِیْنَ هَدَى اللّٰهُؕ-وَ مَا كَانَ اللّٰهُ لِیُضِیْعَ اِیْمَانَكُمْؕ-اِنَّ اللّٰهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوْفٌ رَّحِیْمٌ(۱۴۳)
اور بات یوں ہی ہے کہ ہم نے تمہیں کیا سب امتوں میں افضل، کہ تم لوگوں پر گواہ ہو (ف۲۵۸) اور یہ رسول تمہارے نگہبان و گواہ (ف۲۵۹) اور اے محبوب!تم پہلے جس قبلہ پر تھے ہم نے وہ اسی لئے مقرر کیا تھا کہ دیکھیں کون رسول کی پیروی کرتا ہے اور کون الٹے پاؤں پھر جاتا ہے۔ (ف۲۶۰) اور بیشک یہ بھاری تھی مگر ان پر، جنہیں اللہ نے ہدایت کی اور اللہ کی شان نہیں کہ تمہارا ایمان اکارت کرے (ف۲۶۱) بیشک اللہ آدمیوں پر بہت مہربان، رحم والا ہے۔

وقوله تعالى : ( وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا ) يقول تعالى : إنما حولناكم إلى قبلة إبراهيم ، عليه السلام ، واخترناها لكم لنجعلكم خيار الأمم ، لتكونوا يوم القيامة شهداء على الأمم ; لأن الجميع معترفون لكم بالفضل . والوسط هاهنا : الخيار والأجود ، كما يقال : قريش أوسط العرب نسبا ودارا ، أي : خيرها . وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم وسطا في قومه ، أي : أشرفهم نسبا ، ومنه الصلاة الوسطى ، التي هي أفضل الصلوات ، وهي العصر ، كما ثبت في الصحاح وغيرها ، ولما جعل الله هذه الأمة وسطا خصها بأكمل الشرائع وأقوم المناهج وأوضح المذاهب ، كما قال تعالى : ( هو اجتباكم وما جعل عليكم في الدين من حرج ملة أبيكم إبراهيم هو سماكم المسلمين من قبل وفي هذا ليكون الرسول شهيدا عليكم وتكونوا شهداء على الناس ) [ الحج : 78 ]وقال الإمام أحمد : حدثنا وكيع ، عن الأعمش ، عن أبي صالح ، عن أبي سعيد قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " يدعى نوح يوم القيامة فيقال له : هل بلغت ؟ فيقول : نعم . فيدعى قومه فيقال لهم : هل بلغكم ؟ فيقولون : ما أتانا من نذير وما أتانا من أحد ، فيقال لنوح : من يشهد لك ؟ فيقول : محمد وأمته " قال : فذلك قوله : ( وكذلك جعلناكم أمة وسطا ) .قال : الوسط : العدل ، فتدعون ، فتشهدون له بالبلاغ ، ثم أشهد عليكم .رواه البخاري والترمذي والنسائي وابن ماجه من طرق عن الأعمش ، [ به ] .وقال الإمام أحمد أيضا : حدثنا أبو معاوية ، حدثنا الأعمش ، عن أبي صالح ، عن أبي سعيد الخدري قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " يجيء النبي يوم القيامة [ ومعه الرجل والنبي ] ومعه الرجلان وأكثر من ذلك فيدعى قومه ، فيقال [ لهم ] هل بلغكم هذا ؟ فيقولون : لا . فيقال له : هل بلغت قومك ؟ فيقول : نعم . فيقال [ له ] من يشهد لك ؟ فيقول : محمد وأمته . فيدعى بمحمد وأمته ، فيقال لهم : هل بلغ هذا قومه ؟ فيقولون : نعم . فيقال : وما علمكم ؟ فيقولون : جاءنا نبينا صلى الله عليه وسلم فأخبرنا أن الرسل قد بلغوا " فذلك قوله عز وجل : ( وكذلك جعلناكم أمة وسطا ) قال : " عدلا ( لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا ) " .وقال الإمام أحمد أيضا : حدثنا أبو معاوية ، حدثنا الأعمش ، عن أبي صالح ، عن أبي سعيد الخدري ، عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله تعالى : ( وكذلك جعلناكم أمة وسطا ) قال : " عدلا " .وروى الحافظ أبو بكر بن مردويه وابن أبي حاتم من حديث عبد الواحد بن زياد ، عن أبي مالك الأشجعي ، عن المغيرة بن عتيبة بن نهاس : حدثني مكتب لنا عن جابر بن عبد الله ، عن النبي صلى الله عليه وسلم ، قال : " أنا وأمتي يوم القيامة على كوم مشرفين على الخلائق . ما من الناس أحد إلا ود أنه منا . وما من نبي كذبه قومه إلا ونحن نشهد أنه قد بلغ رسالة ربه ، عز وجل " .وروى الحاكم ، في مستدركه وابن مردويه أيضا ، واللفظ له ، من حديث مصعب بن ثابت ، عن محمد بن كعب القرظي ، عن جابر بن عبد الله ، قال : شهد رسول الله صلى الله عليه وسلم جنازة ، في بني سلمة ، وكنت إلى جانب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال بعضهم : والله يا رسول الله لنعم المرء كان ، لقد كان عفيفا مسلما وكان . . . وأثنوا عليه خيرا . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أنت بما تقول " . فقال الرجل : الله أعلم بالسرائر ، فأما الذي بدا لنا منه فذاك . فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " وجبت " . ثم شهد جنازة في بني حارثة ، وكنت إلى جانب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال بعضهم : يا رسول الله ، بئس المرء كان ، إن كان لفظا غليظا ، فأثنوا عليه شرا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لبعضهم : " أنت بالذي تقول " . فقال الرجل : الله أعلم بالسرائر ، فأما الذي بدا لنا منه فذاك . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " وجبت " .قال مصعب بن ثابت : فقال لنا عند ذلك محمد بن كعب : صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ثم قرأ : ( وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا )ثم قال الحاكم : هذا حديث صحيح الإسناد ، ولم يخرجاه .وقال الإمام أحمد : حدثنا يونس بن محمد ، حدثنا داود بن أبي الفرات ، عن عبد الله بن بريدة ، عن أبي الأسود أنه قال : أتيت المدينة فوافقتها ، وقد وقع بها مرض ، فهم يموتون موتا ذريعا . فجلست إلى عمر بن الخطاب ، فمرت به جنازة ، فأثني على صاحبها خير . فقال : وجبت وجبت . ثم مر بأخرى فأثني عليها شر ، فقال عمر : وجبت [ وجبت ] . فقال أبو الأسود : ما وجبت يا أمير المؤمنين ؟ قال : قلت : كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أيما مسلم شهد له أربعة بخير أدخله الله الجنة " . قال : فقلنا . وثلاثة ؟ قال : " وثلاثة " . قال ، فقلنا : واثنان ؟ قال : " واثنان " ثم لم نسأله عن الواحد .وكذا رواه البخاري ، والترمذي ، والنسائي من حديث داود بن أبي الفرات ، به .قال ابن مردويه : حدثنا أحمد بن عثمان بن يحيى ، حدثنا أبو قلابة الرقاشي ، حدثني أبو الوليد ، حدثنا نافع بن عمر ، حدثني أمية بن صفوان ، عن أبي بكر بن أبي زهير الثقفي ، عن أبيه ، قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم بالنباوة يقول : " يوشك أن تعلموا خياركم من شراركم " قالوا : بم يا رسول الله ؟ قال : " بالثناء الحسن والثناء السيئ ، أنتم شهداء الله في الأرض " . ورواه ابن ماجه عن أبي بكر بن أبي شيبة ، عن يزيد بن هارون . ورواه الإمام أحمد ، عن يزيد بن هارون ، وعبد الملك بن عمر وشريح ، عن نافع عن ابن عمر ، به .وقوله تعالى : ( وما جعلنا القبلة التي كنت عليها إلا لنعلم من يتبع الرسول ممن ينقلب على عقبيه وإن كانت لكبيرة إلا على الذين هدى الله ) يقول تعالى : إنما شرعنا لك يا محمد التوجه أولا إلى بيت المقدس ، ثم صرفناك عنها إلى الكعبة ، ليظهر حال من يتبعك ويطيعك ويستقبل معك حيثما توجهت ممن ينقلب على عقبيه ، أي : مرتدا عن دينه ( وإن كانت لكبيرة ) أي : هذه الفعلة ، وهو صرف التوجه عن بيت المقدس إلى الكعبة ، أي : وإن كان هذا الأمر عظيما في النفوس ، إلا على الذين هدى الله قلوبهم ، وأيقنوا بتصديق الرسول ، وأن كل ما جاء به فهو الحق الذي لا مرية فيه ، وأن الله يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد ، فله أن يكلف عباده بما شاء ، وينسخ ما يشاء ، وله الحكمة التامة والحجة البالغة في جميع ذلك ، بخلاف الذين في قلوبهم مرض ، فإنه كلما حدث أمر أحدث لهم شكا ، كما يحصل للذين آمنوا إيقان وتصديق ، كما قال الله تعالى : ( وإذا ما أنزلت سورة فمنهم من يقول أيكم زادته هذه إيمانا فأما الذين آمنوا فزادتهم إيمانا وهم يستبشرون وأما الذين في قلوبهم مرض فزادتهم رجسا إلى رجسهم ) [ التوبة : 124 ، 125 ] وقال تعالى : ( قل هو للذين آمنوا هدى وشفاء والذين لا يؤمنون في آذانهم وقر وهو عليهم عمى ) [ فصلت : 44 ] وقال تعالى : ( وننزل من القرآن ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين ولا يزيد الظالمين إلا خسارا ) [ الإسراء : 82 ] . ولهذا كان من ثبت على تصديق الرسول صلى الله عليه وسلم واتباعه في ذلك ، وتوجه حيث أمره الله من غير شك ولا ريب ، من سادات الصحابة . وقد ذهب بعضهم إلى أن السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار هم الذين صلوا القبلتين .وقال البخاري في تفسير هذه الآية :حدثنا مسدد ، حدثنا يحيى ، عن سفيان ، عن عبد الله بن دينار ، عن ابن عمر قال : بينا الناس يصلون الصبح في مسجد قباء إذ جاء رجل فقال : قد أنزل على النبي صلى الله عليه وسلم قرآن ، وقد أمر أن يستقبل الكعبة فاستقبلوها . فتوجهوا إلى الكعبة .وقد رواه مسلم من وجه آخر ، عن ابن عمر . ورواه الترمذي من حديث سفيان الثوري وعنده : أنهم كانوا ركوعا ، فاستداروا كما هم إلى الكعبة ، وهم ركوع . وكذا رواه مسلم من حديث حماد بن سلمة ، عن ثابت ، عن أنس ، مثله ، وهذا يدل على كمال طاعتهم لله ورسوله ، وانقيادهم لأوامر الله عز وجل ، رضي الله عنهم أجمعين .وقوله : ( وما كان الله ليضيع إيمانكم ) أي : صلاتكم إلى بيت المقدس قبل ذلك لا يضيع ثوابها عند الله ، وفي الصحيح من حديث أبي إسحاق السبيعي ، عن البراء ، قال : مات قوم كانوا يصلون نحو بيت المقدس فقال الناس : ما حالهم في ذلك ؟ فأنزل الله تعالى : ( وما كان الله ليضيع إيمانكم ) .[ ورواه الترمذي عن ابن عباس وصححه ] .وقال ابن إسحاق : حدثني محمد بن أبي محمد ، عن عكرمة أو سعيد بن جبير ، عن ابن عباس : ( وما كان الله ليضيع إيمانكم ) أي : بالقبلة الأولى ، وتصديقكم نبيكم ، واتباعه إلى القبلة الأخرى . أي : ليعطيكم أجرهما جميعا . ( إن الله بالناس لرءوف رحيم )وقال الحسن البصري : ( وما كان الله ليضيع إيمانكم ) أي : ما كان الله ليضيع محمدا صلى الله عليه وسلم وانصرافكم معه حيث انصرف ( إن الله بالناس لرءوف رحيم )وفي الصحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى امرأة من السبي قد فرق بينها وبين ولدها ، فجعلت كلما وجدت صبيا من السبي أخذته فألصقته بصدرها ، وهي تدور على ولدها ، فلما وجدته ضمته إليها وألقمته ثديها . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أترون هذه طارحة ولدها في النار ، وهي تقدر على ألا تطرحه ؟ " قالوا : لا يا رسول الله . قال : " فوالله ، لله أرحم بعباده من هذه بولدها " .
2:144
قَدْ نَرٰى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِی السَّمَآءِۚ-فَلَنُوَلِّیَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضٰىهَا۪-فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِؕ-وَ حَیْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوْا وُجُوْهَكُمْ شَطْرَهٗؕ-وَ اِنَّ الَّذِیْنَ اُوْتُوا الْكِتٰبَ لَیَعْلَمُوْنَ اَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَّبِّهِمْؕ-وَ مَا اللّٰهُ بِغَافِلٍ عَمَّا یَعْمَلُوْنَ(۱۴۴)
ہم دیکھ رہے ہیں بار بار تمہارا آسمان کی طرف منہ کرنا (ف ۲۶۲) تو ضرور ہم تمہیں پھیردیں گے اس قبلہ کی طرف جس میں تمہاری خوشی ہے ابھی اپنا منہ پھیر دو مسجد حرام کی طرف اور اے مسلمانو! تم جہاں کہیں ہو اپنا منہ اسی کی طرف کرو (ف۲۶۳) اور وہ جنہیں کتاب ملی ہے ضرور جانتے کہ یہ انکے رب کی طرف سے حق ہے (ف۲۶۴) اور اللہ ان کے کوتکوں (اعمال) سے بے خبر نہیں-

قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس : كان أول ما نسخ من القرآن القبلة ، وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما هاجر إلى المدينة ، وكان أكثر أهلها اليهود ، فأمره الله أن يستقبل بيت المقدس ، ففرحت اليهود ، فاستقبلها رسول الله صلى الله عليه وسلم بضعة عشر شهرا ، وكان يحب قبلة إبراهيم فكان يدعو إلى الله وينظر إلى السماء ، فأنزل الله : ( قد نرى تقلب وجهك في السماء ) إلى قوله : ( فولوا وجوهكم شطره ) فارتاب من ذلك اليهود ، وقالوا : ( ما ولاهم عن قبلتهم التي كانوا عليها قل لله المشرق والمغرب [ يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم ] ) وقال : ( فأينما تولوا فثم وجه الله ) [ البقرة : 115 ] وقال الله تعالى : ( وما جعلنا القبلة التي كنت عليها إلا لنعلم من يتبع الرسول ممن ينقلب على عقبيه )وروى ابن مردويه من حديث القاسم العمري ، عن عمه عبيد الله بن عمر ، عن داود بن الحصين ، عن عكرمة ، عن ابن عباس : قال : كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا سلم من صلاته إلى بيت المقدس رفع رأسه إلى السماء فأنزل الله : ( فلنولينك قبلة ترضاها فول وجهك شطر المسجد الحرام ) إلى الكعبة إلى الميزاب ، يؤم به جبرائيل عليه السلام .وروى الحاكم ، في مستدركه ، من حديث شعبة عن يعلى بن عطاء ، عن يحيى بن قمطة قال : رأيت عبد الله بن عمرو جالسا في المسجد الحرام ، بإزاء الميزاب ، فتلا هذه الآية : ( فلنولينك قبلة ترضاها ) قال : نحو ميزاب الكعبة .ثم قال : صحيح الإسناد ، ولم يخرجاه .ورواه ابن أبي حاتم ، عن الحسن بن عرفة ، عن هشيم ، عن يعلى بن عطاء ، به .وهكذا قال غيره ، وهو أحد قولي الشافعي ، رحمه الله : إن الغرض إصابة عين القبلة . والقول الآخر وعليه الأكثرون : أن المراد المواجهة كما رواه الحاكم من حديث محمد بن إسحاق ، عن عمير بن زياد الكندي ، عن علي ، رضي الله عنه ، ( فول وجهك شطر المسجد الحرام ) قال : شطره : قبله . ثم قال : صحيح الإسناد ولم يخرجاه .وهذا قول أبي العالية ، ومجاهد ، وعكرمة ، وسعيد بن جبير ، وقتادة ، والربيع بن أنس ، وغيرهم . وكما تقدم في الحديث الآخر : ما بين المشرق والمغرب قبلة .[ وقال القرطبي : روى ابن جريج عن عطاء عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " ما بين المشرق والمغرب قبلة لأهل المسجد ، والمسجد قبلة لأهل الحرم ، والحرم قبلة لأهل الأرض في مشارقها ومغاربها من أمتي " ] .وقال أبو نعيم الفضل بن دكين :حدثنا زهير ، عن أبي إسحاق ، عن البراء أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى قبل بيت المقدس ستة عشر شهرا أو سبعة عشر شهرا ، وكان يعجبه قبلته قبل البيت وأنه صلى صلاة العصر ، وصلى معه قوم ، فخرج رجل ممن كان يصلي معه ، فمر على أهل المسجد وهم راكعون ، فقال : أشهد بالله لقد صليت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل مكة ، فداروا كما هم قبل البيت .وقال عبد الرزاق : أخبرنا إسرائيل ، عن أبي إسحاق ، عن البراء [ قال ] لما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة صلى نحو بيت المقدس ستة عشر شهرا أو سبعة عشر شهرا ، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحب أن يحول نحو الكعبة ، فنزلت : ( قد نرى تقلب وجهك في السماء [ فلنولينك قبلة ترضاها ] ) فصرف إلى الكعبة .وروى النسائي عن أبي سعيد بن المعلى قال : كنا نغدو إلى المسجد على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فنمر على المسجد فنصلي فيه ، فمررنا يوما ورسول الله صلى الله عليه وسلم قاعد على المنبر فقلت : لقد حدث أمر ، فجلست ، فقرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الآية : ( قد نرى تقلب وجهك في السماء فلنولينك قبلة ترضاها ) حتى فرغ من الآية . فقلت لصاحبي : تعال نركع ركعتين قبل أن ينزل رسول الله صلى الله عليه وسلم فنكون أول من صلى ، فتوارينا فصليناهما . ثم نزل النبي صلى الله عليه وسلم فصلى للناس الظهر يومئذ .وكذا روى ابن مردويه ، عن ابن عمر : أن أول صلاة صلاها رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الكعبة صلاة الظهر ، وأنها الصلاة الوسطى . والمشهور أن أول صلاة صلاها إلى الكعبة صلاة العصر ، ولهذا تأخر الخبر عن أهل قباء إلى صلاة الفجر .وقال الحافظ أبو بكر بن مردويه : حدثنا سليمان بن أحمد ، حدثنا الحسين بن إسحاق التستري ، حدثنا رجاء بن محمد السقطي ، حدثنا إسحاق بن إدريس ، حدثنا إبراهيم بن جعفر ، حدثني أبي ، عن جدته أم أبيه نويلة بنت مسلم ، قالت : صلينا الظهر أو العصر في مسجد بني حارثة ، فاستقبلنا مسجد إيلياء فصلينا ركعتين ، ثم جاء من يحدثنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد استقبل البيت الحرام ، فتحول النساء مكان الرجال ، والرجال مكان النساء ، فصلينا السجدتين الباقيتين ، ونحن مستقبلون البيت الحرام . فحدثني رجل من بني حارثة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " أولئك رجال يؤمنون بالغيب " .وقال ابن مردويه أيضا : حدثنا محمد بن علي بن دحيم ، حدثنا أحمد بن حازم ، حدثنا مالك بن إسماعيل النهدي ، حدثنا قيس ، عن زياد بن علاقة ، عن عمارة بن أوس قال : بينما نحن في الصلاة نحو بيت المقدس ، ونحن ركوع ، إذ أتى مناد بالباب : أن القبلة قد حولت إلى الكعبة . قال : فأشهد على إمامنا أنه انحرف فتحول هو والرجال والصبيان ، وهم ركوع ، نحو الكعبة .وقوله : ( وحيثما كنتم فولوا وجوهكم شطره ) أمر تعالى باستقبال الكعبة من جميع جهات الأرض ، شرقا وغربا وشمالا وجنوبا ، ولا يستثنى من هذا شيء ، سوى النافلة في حال السفر ، فإنه يصليها حيثما توجه قالبه ، وقلبه نحو الكعبة . وكذا في حال المسايفة في القتال يصلي على كل حال ، وكذا من جهل جهة القبلة يصلي باجتهاده ، وإن كان مخطئا في نفس الأمر ، لأن الله تعالى لا يكلف نفسا إلا وسعها .مسألة : وقد استدل المالكية بهذه الآية على أن المصلي ينظر أمامه لا إلى موضع سجوده كما ذهب إليه الشافعي وأحمد وأبو حنيفة ، قال المالكية لقوله : ( فول وجهك شطر المسجد الحرام ) فلو نظر إلى موضع سجوده لاحتاج أن يتكلف ذلك بنوع من الانحناء وهو ينافي كمال القيام . وقال بعضهم : ينظر المصلي في قيامه إلى صدره . وقال شريك القاضي : ينظر في حال قيامه إلى موضع سجوده كما قال جمهور الجماعة ، لأنه أبلغ في الخضوع وآكد في الخشوع وقد ورد به الحديث ، وأما في حال ركوعه فإلى موضع قدميه ، وفي حال سجوده إلى موضع أنفه وفي حال قعوده إلى حجره .وقوله : ( وإن الذين أوتوا الكتاب ليعلمون أنه الحق من ربهم ) أي : واليهود الذين أنكروا استقبالكم الكعبة وانصرافكم عن بيت المقدس يعلمون أن الله تعالى سيوجهك إليها ، بما في كتبهم عن أنبيائهم ، من النعت والصفة لرسول الله صلى الله عليه وسلم وأمته ، وما خصه الله تعالى به وشرفه من الشريعة الكاملة العظيمة ، ولكن أهل الكتاب يتكاتمون ذلك بينهم حسدا وكفرا وعنادا ; ولهذا يهددهم تعالى بقوله : ( وما الله بغافل عما يعملون ) .
2:145
وَ لَىٕنْ اَتَیْتَ الَّذِیْنَ اُوْتُوا الْكِتٰبَ بِكُلِّ اٰیَةٍ مَّا تَبِعُوْا قِبْلَتَكَۚ-وَ مَاۤ اَنْتَ بِتَابِـعٍ قِبْلَتَهُمْۚ-وَ مَا بَعْضُهُمْ بِتَابِـعٍ قِبْلَةَ بَعْضٍؕ-وَ لَىٕنِ اتَّبَعْتَ اَهْوَآءَهُمْ مِّنْۢ بَعْدِ مَا جَآءَكَ مِنَ الْعِلْمِۙ-اِنَّكَ اِذًا لَّمِنَ الظّٰلِمِیْنَۘ(۱۴۵)
اور اگر تم ان کتابیوں کے پاس ہر نشانی لے کر آ ؤ وہ تمہارے قبلہ کی پیروی نہ کریں گے (ف۲۶۵) اور نہ تم ان کے قبلہ کی پیروی کرو (ف ۲۶۶) اور وہ آپس میں بھی ایک دوسرے کے قبلہ کے تابع نہیں (ف۲۶۷) اور (اے سننے والے کسے باشد) اگر تو ان کی خواہشوں پر چلا بعد اس کے کہ تجھے علم مل چکا تو اس وقت تو ضرور ستم گر ہوگا۔

يخبر تعالى عن كفر اليهود وعنادهم ، ومخالفتهم ما يعرفونه من شأن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأنه لو أقام عليهم كل دليل على صحة ما جاءهم به ، لما اتبعوه وتركوا أهواءهم كما قال تعالى : ( إن الذين حقت عليهم كلمة ربك لا يؤمنون ولو جاءتهم كل آية حتى يروا العذاب الأليم ) [ يونس : 96 ، 97 ] ولهذا قال هاهنا : ( ولئن أتيت الذين أوتوا الكتاب بكل آية ما تبعوا قبلتك ) .وقوله ( وما أنت بتابع قبلتهم [ وما بعضهم بتابع قبلة بعض ] ) إخبار عن شدة متابعة الرسول صلى الله عليه وسلم لما أمره الله تعالى به ، وأنه كما هم مستمسكون بآرائهم وأهوائهم ، فهو أيضا مستمسك بأمر الله وطاعته واتباع مرضاته ، وأنه لا يتبع أهواءهم في جميع أحواله ، وما كان متوجها إلى بيت المقدس ; لأنها قبلة اليهود ، وإنما ذلك عن أمر الله تعالى . ثم حذر [ الله ] تعالى عن مخالفة الحق الذي يعلمه العالم إلى الهوى ; فإن العالم الحجة عليه أقوم من غيره . ولهذا قال مخاطبا للرسول ، والمراد الأمة : ( ولئن أتيت الذين أوتوا الكتاب بكل آية ما تبعوا قبلتك وما أنت بتابع قبلتهم وما بعضهم بتابع قبلة بعض ولئن اتبعت أهواءهم من بعد ما جاءك من العلم إنك إذا لمن الظالمين ) [ البقرة : 145 ] .
2:146
اَلَّذِیْنَ اٰتَیْنٰهُمُ الْكِتٰبَ یَعْرِفُوْنَهٗ كَمَا یَعْرِفُوْنَ اَبْنَآءَهُمْؕ-وَ اِنَّ فَرِیْقًا مِّنْهُمْ لَیَكْتُمُوْنَ الْحَقَّ وَ هُمْ یَعْلَمُوْنَ(ؔ۱۴۶)
جنہیں ہم نے کتاب عطا فرمائی (ف۲۶۸) وہ اس نبی کو ایسا پہچانتے ہیں جیسے آدمی اپنے بیٹوں کو پہچانتا ہے (ف۲۶۹) اور بیشک ان میں ایک گروہ جان بوجھ کر حق چھپاتے ہیں -(ف۲۷۰)

يخبر تعالى أن علماء أهل الكتاب يعرفون صحة ما جاءهم به الرسول صلى الله عليه وسلم [ كما يعرفون أبناءهم ] كما يعرف أحدهم ولده ، والعرب كانت تضرب المثل في صحة الشيء بهذا ، كما جاء في الحديث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لرجل معه صغير : " ابنك هذا ؟ " قال : نعم يا رسول الله ، أشهد به . قال : " أما إنه لا يجني عليك ولا تجني عليه " .[ قال القرطبي : ويروى أن عمر قال لعبد الله بن سلام : أتعرف محمدا صلى الله عليه وسلم كما تعرف ولدك ابنك ، قال : نعم وأكثر ، نزل الأمين من السماء على الأمين ، في الأرض بنعته فعرفته ، وإني لا أدري ما كان من أمره . قلت : وقد يكون المراد ( يعرفونه كما يعرفون أبناءهم ) من بين أبناء الناس لا يشك أحد ولا يتمارى في معرفة ابنه إذا رآه من بين أبناء الناس كلهم ] .ثم أخبر تعالى أنهم مع هذا التحقق والإتقان العلمي ( ليكتمون الحق ) أي : ليكتمون الناس ما في كتبهم من صفة النبي صلى الله عليه وسلم ( وهم يعلمون )
2:147
اَلْحَقُّ مِنْ رَّبِّكَ فَلَا تَكُوْنَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِیْنَ۠(۱۴۷)
(اے سننے والو) یہ حق ہے تیرے رب کی طرف سے (یا حق وہی ہے جو تیرے رب کی طرف سے ہو) تو خبردار توشک نہ کرنا -

ثم ثبت تعالى نبيه والمؤمنين وأخبرهم بأن ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم هو الحق الذي لا مرية فيه ولا شك ، فقال : ( الحق من ربك فلا تكونن من الممترين )
2:148
وَ لِكُلٍّ وِّجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّیْهَا فَاسْتَبِقُوا الْخَیْرٰتِﳳ-اَیْنَ مَا تَكُوْنُوْا یَاْتِ بِكُمُ اللّٰهُ جَمِیْعًاؕ-اِنَّ اللّٰهَ عَلٰى كُلِّ شَیْءٍ قَدِیْرٌ(۱۴۸)
اور ہر ایک کے لئے توجہ ایک سمعت ہے کہ وہ اسی طرف منہ کرتا ہے تو یہ چاہو کہ نیکیوں میں اوروں سے آگے نکل جائیں تو کہیں ہو اللہ تم سب کو اکٹھا لے آئے گا (ف ۲۷۱) بیشک اللہ جو چاہے کرے-

قال العوفي ، عن ابن عباس : ( ولكل وجهة هو موليها ) يعني بذلك : أهل الأديان ، يقول : لكل قبلة يرضونها ، ووجهة الله حيث توجه المؤمنون .وقال أبو العالية : لليهودي وجهة هو موليها ، وللنصراني وجهة هو موليها ، وهداكم أنتم أيتها الأمة [ الموقنون ] للقبلة التي هي القبلة . وروي عن مجاهد ، وعطاء ، والضحاك ، والربيع بن أنس ، والسدي نحو هذا .وقال مجاهد في الرواية الأخرى : ولكن أمر كل قوم أن يصلوا إلى الكعبة .وقرأ ابن عباس ، وأبو جعفر الباقر ، وابن عامر : " ولكل وجهة هو مولاها " .وهذه الآية شبيهة بقوله تعالى : ( لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا ولو شاء الله لجعلكم أمة واحدة ولكن ليبلوكم في ما آتاكم فاستبقوا الخيرات إلى الله مرجعكم جميعا ) [ المائدة : 48 ] .وقال هاهنا : ( أينما تكونوا يأت بكم الله جميعا إن الله على كل شيء قدير ) أي : هو قادر على جمعكم من الأرض ، وإن تفرقت أجسادكم وأبدانكم .
2:149
وَ مِنْ حَیْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِؕ-وَ اِنَّهٗ لَلْحَقُّ مِنْ رَّبِّكَؕ-وَ مَا اللّٰهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُوْنَ(۱۴۹)
اور جہاں سے ا ٓ ؤ (ف۲۷۲) اپنا منہ مسجد حرام کی طرف کرو اور وہ ضرور تمہارے رب کی طرف سے حق ہے اور اللہ تمہارے کاموں سے غافل نہیں-

هذا أمر ثالث من الله تعالى باستقبال المسجد الحرام ، من جميع أقطار الأرض .وقد اختلفوا في حكمة هذا التكرار ثلاث مرات ، فقيل : تأكيد لأنه أول ناسخ وقع في الإسلام على ما نص عليه ابن عباس وغيره ، وقيل : بل هو منزل على أحوال ، فالأمر الأول لمن هو مشاهد الكعبة ، والثاني لمن هو في مكة غائبا عنها ، والثالث لمن هو في بقية البلدان ، هكذا وجهه فخر الدين الرازي . وقال القرطبي : الأول لمن هو بمكة ، والثاني لمن هو في بقية الأمصار ، والثالث لمن خرج ، في الأسفار ، ورجح هذا الجواب القرطبي ، وقيل : إنما ذكر ذلك لتعلقه بما قبله أو بعده من السياق ، فقال : أولا ( قد نرى تقلب وجهك في السماء فلنولينك قبلة ترضاها ) إلى قوله : ( وإن الذين أوتوا الكتاب ليعلمون أنه الحق من ربهم وما الله بغافل عما يعملون ) فذكر في هذا المقام إجابته إلى طلبته وأمره بالقبلة التي كان يود التوجه إليها ويرضاها
2:150
وَ مِنْ حَیْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِؕ-وَ حَیْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوْا وُجُوْهَكُمْ شَطْرَهٗۙ-لِئَلَّا یَكُوْنَ لِلنَّاسِ عَلَیْكُمْ حُجَّةٌۗۙ-اِلَّا الَّذِیْنَ ظَلَمُوْا مِنْهُمْۗ-فَلَا تَخْشَوْهُمْ وَ اخْشَوْنِیْۗ-وَ لِاُتِمَّ نِعْمَتِیْ عَلَیْكُمْ وَ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُوْنَۙۛ(۱۵۰)
اور اے محبوب تم جہاں سے آ ؤ اپنا منہ مسجد حرام کی طرف کرو اور اے مسلمانو! تم جہاں کہیں ہو اپنا منہ اسی کی طرف کرو کہ لوگوں کو تم پر کوئی حجت نہ رہے (ف۲۷۳) مگر جو ان میں ناانصافی کریں (ف۲۷۴) تو ان سے نہ ڈرو اور مجھ سے ڈرو اور یہ اس لئے ہے کہ میں اپنی نعمت تم پر پوری کروں اور کسی طرح تم ہدایت پاؤ،

وقال في الأمر الثاني : ( ومن حيث خرجت فول وجهك شطر المسجد الحرام وإنه للحق من ربك وما الله بغافل عما تعملون ) فذكر أنه الحق من الله وارتقى عن المقام الأول ، حيث كان موافقا لرضا الرسول صلى الله عليه وسلم فبين أنه الحق أيضا من الله يحبه ويرتضيه ، وذكر في الأمر الثالث حكمة قطع حجة المخالف من اليهود الذين كانوا يتحججون باستقبال الرسول إلى قبلتهم ، وقد كانوا يعلمون بما في كتبهم أنه سيصرف إلى قبلة إبراهيم ، عليه السلام ، إلى الكعبة ، وكذلك مشركو العرب انقطعت حجتهم لما صرف الرسول صلى الله عليه وسلم عن قبلة اليهود إلى قبلة إبراهيم التي هي أشرف ، وقد كانوا يعظمون الكعبة وأعجبهم استقبال الرسول صلى الله عليه وسلم إليها ، وقيل غير ذلك من الأجوبة عن حكمة التكرار ، وقد بسطها فخر الدين وغيره ، والله سبحانه وتعالى أعلم .وقوله : ( لئلا يكون للناس عليكم حجة ) أي : أهل الكتاب ; فإنهم يعلمون من صفة هذه الأمة التوجه إلى الكعبة ، فإذا فقدوا ذلك من صفتها ربما احتجوا بها على المسلمين أو لئلا يحتجوا بموافقة المسلمين إياهم في التوجه إلى بيت المقدس . وهذا أظهر .قال أبو العالية : ( لئلا يكون للناس عليكم حجة ) يعني به أهل الكتاب حين قالوا : صرف محمد إلى الكعبة .وقالوا : اشتاق الرجل إلى بيت أبيه ودين قومه . وكان حجتهم على النبي صلى الله عليه وسلم انصرافه إلى البيت الحرام أن قالوا : سيرجع إلى ديننا كما رجع إلى قبلتنا .قال ابن أبي حاتم : وروي عن مجاهد ، وعطاء ، والضحاك ، والربيع بن أنس ، وقتادة ، والسدي ، نحو هذا .وقال هؤلاء في قوله : ( إلا الذين ظلموا منهم ) يعني : مشركي قريش .ووجه بعضهم حجة الظلمة وهي داحضة أن قالوا : إن هذا الرجل يزعم أنه على دين إبراهيم : فإن كان توجهه إلى بيت المقدس على ملة إبراهيم ، فلم رجع عنه ؟ والجواب : أن الله تعالى اختار له التوجه إلى بيت المقدس أولا لما له تعالى في ذلك من الحكمة ، فأطاع ربه تعالى في ذلك ، ثم صرفه إلى قبلة إبراهيم وهي الكعبة فامتثل أمر الله في ذلك أيضا ، فهو ، صلوات الله وسلامه عليه ، مطيع لله في جميع أحواله ، لا يخرج عن أمر الله طرفة عين ، وأمته تبع له .وقوله : ( فلا تخشوهم واخشوني ) أي : لا تخشوا شبه الظلمة المتعنتين ، وأفردوا الخشية لي ، فإنه تعالى هو أهل أن يخشى منه .وقوله : ( ولأتم نعمتي عليكم ) عطف على ( لئلا يكون للناس عليكم حجة ) أي : ولأتم نعمتي عليكم فيما شرعت لكم من استقبال الكعبة ، لتكمل لكم الشريعة من جميع وجوهها ( ولعلكم تهتدون ) أي : إلى ما ضلت عنه الأمم هديناكم إليه ، وخصصناكم به ، ولهذا كانت هذه الأمة أشرف الأمم وأفضلها .
2:151
كَمَاۤ اَرْسَلْنَا فِیْكُمْ رَسُوْلًا مِّنْكُمْ یَتْلُوْا عَلَیْكُمْ اٰیٰتِنَا وَ یُزَكِّیْكُمْ وَ یُعَلِّمُكُمُ الْكِتٰبَ وَ الْحِكْمَةَ وَ یُعَلِّمُكُمْ مَّا لَمْ تَكُوْنُوْا تَعْلَمُوْنَؕۛ(۱۵۱)
جیسا کہ ہم نے تم میں بھیجا ایک رسول تم میں سے (ف۲۷۵) کہ تم پر ہماری آیتیں تلاوت فرماتا ہے اور تمہیں پاک کرتا (ف۲۷۴) اور کتاب اور پختہ علم سکھاتا ہے (ف۲۷۷) اور تمہیں وہ تعلیم فرماتا ہے جس کا تمہیں علم نہ تھا،

يذكر تعالى عباده المؤمنين ما أنعم به عليهم من بعثة الرسول محمد صلى الله عليه وسلم إليهم ، يتلو عليهم آيات الله مبينات ويزكيهم ، أي : يطهرهم من رذائل الأخلاق ودنس النفوس وأفعال الجاهلية ، ويخرجهم من الظلمات إلى النور ، ويعلمهم الكتاب وهو القرآن والحكمة وهي السنة ويعلمهم ما لم يكونوا يعلمون . فكانوا في الجاهلية الجهلاء يسفهون بالقول الفرى ، فانتقلوا ببركة رسالته ، ويمن سفارته ، إلى حال الأولياء ، وسجايا العلماء فصاروا أعمق الناس علما ، وأبرهم قلوبا ، وأقلهم تكلفا ، وأصدقهم لهجة . وقال تعالى : ( لقد من الله على المؤمنين إذ بعث فيهم رسولا من أنفسهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ) الآية [ آل عمران : 164 ] . وذم من لم يعرف قدر هذه النعمة ، فقال تعالى : ( ألم تر إلى الذين بدلوا نعمة الله كفرا وأحلوا قومهم دار البوار ) [ إبراهيم : 28 ] .قال ابن عباس : يعني بنعمة الله محمدا صلى الله عليه وسلم ; ولهذا ندب الله المؤمنين إلى الاعتراف بهذه النعمة ومقابلتها بذكره وشكره
2:152
فَاذْكُرُوْنِیْۤ اَذْكُرْكُمْ وَ اشْكُرُوْا لِیْ وَ لَا تَكْفُرُوْنِ۠(۱۵۲)
تو میری یاد کرو میں تمہارا چرچا کروں گا (ف۲۷۸) اور میرا حق مانو اور میری ناشکری نہ کرو-

فقال : ( فاذكروني أذكركم واشكروا لي ولا تكفرون ) .قال مجاهد في قوله : ( كما أرسلنا فيكم رسولا منكم ) يقول : كما فعلت فاذكروني .قال عبد الله بن وهب ، عن هشام بن سعيد ، عن زيد بن أسلم : أن موسى ، عليه السلام ، قال : يا رب ، كيف أشكرك ؟ قال له ربه : تذكرني ولا تنساني ، فإذا ذكرتني فقد شكرتني ، وإذا نسيتني فقد كفرتني .وقال الحسن البصري ، وأبو العالية ، والسدي ، والربيع بن أنس ، إن الله يذكر من ذكره ، ويزيد من شكره ويعذب من كفره .وقال بعض السلف في قوله تعالى : ( اتقوا الله حق تقاته ) [ آل عمران : 102 ] قال : هو أن يطاع فلا يعصى ، ويذكر فلا ينسى ، ويشكر فلا يكفر .وقال ابن أبي حاتم : حدثنا الحسن بن محمد بن الصباح ، أخبرنا يزيد بن هارون ، أخبرنا عمارة الصيدلاني ، حدثنا مكحول الأزدي قال : قلت لابن عمر : أرأيت قاتل النفس ، وشارب الخمر والسارق والزاني يذكر الله ، وقد قال الله تعالى : ( فاذكروني أذكركم ) ؟ قال : إذا ذكر الله هذا ذكره الله بلعنته ، حتى يسكت .وقال الحسن البصري في قوله : ( فاذكروني أذكركم ) قال : اذكروني ، فيما افترضت عليكم أذكركم فيما أوجبت لكم على نفسي .وعن سعيد بن جبير : اذكروني بطاعتي أذكركم بمغفرتي ، وفي رواية : برحمتي .وعن ابن عباس في قوله ( فاذكروني أذكركم ) قال : ذكر الله إياكم أكبر من ذكركم إياه .وفي الحديث الصحيح : " يقول الله تعالى : من ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي ، ومن ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير منه " .قال الإمام أحمد : حدثنا عبد الرزاق ، أخبرنا معمر ، عن قتادة ، عن أنس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " قال الله عز وجل : يا ابن آدم ، إن ذكرتني في نفسك ذكرتك في نفسي ، وإن ذكرتني في ملأ ذكرتك ، في ملأ من الملائكة أو قال : [ في ] ملأ خير منهم ، وإن دنوت مني شبرا دنوت منك ذراعا ، وإن دنوت مني ذراعا دنوت منك باعا ، وإن أتيتني تمشي أتيتك أهرول "صحيح الإسناد : أخرجه البخاري من حديث قتادة . وعنده قال قتادة : الله أقرب بالرحمة .وقوله تعالى : ( واشكروا لي ولا تكفرون ) أمر الله تعالى بشكره ، ووعده على شكره بمزيد الخير ، فقال : ( وإذ تأذن ربكم لئن شكرتم لأزيدنكم ولئن كفرتم إن عذابي لشديد ) [ إبراهيم : 7 ] .وقال الإمام أحمد : حدثنا روح ، حدثنا شعبة ، عن الفضيل بن فضالة رجل من قيس حدثنا أبو رجاء العطاردي ، قال : خرج علينا عمران بن حصين وعليه مطرف من خز لم نره عليه قبل ذلك ولا بعده ، فقال : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " من أنعم الله عليه نعمة فإن الله يحب أن يرى أثر نعمته على خلقه " . وقال روح مرة : " على عبده " .
2:153
یٰۤاَیُّهَا الَّذِیْنَ اٰمَنُوا اسْتَعِیْنُوْا بِالصَّبْرِ وَ الصَّلٰوةِؕ-اِنَّ اللّٰهَ مَعَ الصّٰبِرِیْنَ(۱۵۳)
اے ایمان والو! صبر اور نماز سے مدد چاہو (ف۲۷۹) بیشک اللہ صابروں کے ساتھ ہے -

لما فرغ تعالى من بيان الأمر بالشكر شرع في بيان الصبر ، والإرشاد إلى الاستعانة بالصبر والصلاة ، فإن العبد إما أن يكون في نعمة فيشكر عليها ، أو في نقمة فيصبر عليها ; كما جاء في الحديث : " عجبا للمؤمن ، لا يقضي الله له قضاء إلا كان خيرا له : إن أصابته سراء ، فشكر ، كان خيرا له ; وإن أصابته ضراء فصبر كان خيرا له " .وبين تعالى أن أجود ما يستعان به على تحمل المصائب الصبر والصلاة ، كما تقدم في قوله : ( واستعينوا بالصبر والصلاة وإنها لكبيرة إلا على الخاشعين ) [ البقرة : 45 ] . وفي الحديث كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا حزبه أمر صلى . والصبر صبران ، فصبر على ترك المحارم والمآثم ، وصبر على فعل الطاعات والقربات . والثاني أكثر ثوابا لأنه المقصود . كما قال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم : الصبر في بابين ، الصبر لله بما أحب ، وإن ثقل على الأنفس والأبدان ، والصبر لله عما كره وإن نازعت إليه الأهواء . فمن كان هكذا ، فهو من الصابرين الذين يسلم عليهم ، إن شاء الله .وقال علي بن الحسين زين العابدين : إذا جمع الله الأولين والآخرين ينادي مناد : أين الصابرون ليدخلوا الجنة قبل الحساب ؟ قال : فيقوم عنق من الناس ، فتتلقاهم الملائكة ، فيقولون : إلى أين يا بني آدم ؟ فيقولون : إلى الجنة . فيقولون : وقبل الحساب ؟ قالوا : نعم ، قالوا : ومن أنتم ؟ قالوا : الصابرون ، قالوا : وما كان صبركم ؟ قالوا : صبرنا على طاعة الله ، وصبرنا عن معصية الله ، حتى توفانا الله . قالوا : أنتم كما قلتم ، ادخلوا الجنة ، فنعم أجر العاملين .قلت : ويشهد لهذا قوله تعالى : ( إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب ) [ الزمر : 10 ] .وقال سعيد بن جبير : الصبر اعتراف العبد لله بما أصاب منه ، واحتسابه عند الله رجاء ثوابه ، وقد يجزع الرجل وهو متجلد لا يرى منه إلا الصبر .
2:154
وَ لَا تَقُوْلُوْا لِمَنْ یُّقْتَلُ فِیْ سَبِیْلِ اللّٰهِ اَمْوَاتٌؕ-بَلْ اَحْیَآءٌ وَّ لٰكِنْ لَّا تَشْعُرُوْنَ(۱۵۴)
اور جو خدا کی راہ میں مارے جائیں انہیں مردہ نہ کہو (ف۲۸۰) بلکہ وہ زندہ ہیں ہاں تمہیں خبرنہیں-(ف۲۸۱)

وقوله تعالى : ( ولا تقولوا لمن يقتل في سبيل الله أموات بل أحياء ) يخبر تعالى أن الشهداء في برزخهم أحياء يرزقون ، كما جاء في صحيح مسلم : " إن أرواح الشهداء في حواصل طير خضر تسرح في الجنة حيث شاءت ثم تأوي إلى قناديل معلقة تحت العرش ، فاطلع عليهم ربك اطلاعة ، فقال : ماذا تبغون ؟ فقالوا : يا ربنا ، وأي شيء نبغي ، وقد أعطيتنا ما لم تعط أحدا من خلقك ؟ ثم عاد إليهم بمثل هذا ، فلما رأوا أنهم لا يتركون من أن يسألوا ، قالوا : نريد أن تردنا إلى الدار الدنيا ، فنقاتل في سبيلك ، حتى نقتل فيك مرة أخرى ; لما يرون من ثواب الشهادة فيقول الرب جل جلاله : إني كتبت أنهم إليها لا يرجعون " .وفي الحديث الذي رواه الإمام أحمد ، عن الإمام الشافعي ، عن الإمام مالك ، عن الزهري ، عن عبد الرحمن بن كعب بن مالك ، عن أبيه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " نسمة المؤمن طائر تعلق في شجر الجنة ، حتى يرجعه الله إلى جسده يوم يبعثه " .ففيه دلالة لعموم المؤمنين أيضا ، وإن كان الشهداء قد خصصوا بالذكر في القرآن ، تشريفا لهم وتكريما وتعظيما .
2:155
وَ لَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَیْءٍ مِّنَ الْخَوْفِ وَ الْجُوْ عِ وَ نَقْصٍ مِّنَ الْاَمْوَالِ وَ الْاَنْفُسِ وَ الثَّمَرٰتِؕ-وَ بَشِّرِ الصّٰبِرِیْنَۙ(۱۵۵)
اور ضرور ہم تمہیں آزمائیں گے کچھ ڈر اور بھوک سے (ف۲۸۲) اور کچھ مالوں اور جانوں اور پھلوں کی کمی سے (ف۲۸۳) اور خوشخبری سنا ان صبر والوں کو -

أخبر تعالى أنه يبتلي عباده [ المؤمنين ] أي : يختبرهم ويمتحنهم ، كما قال تعالى : ( ولنبلونكم حتى نعلم المجاهدين منكم والصابرين ونبلو أخباركم ) [ محمد : 31 ] فتارة بالسراء ، وتارة بالضراء من خوف وجوع ، كما قال تعالى : ( فأذاقها الله لباس الجوع والخوف ) [ النحل : 112 ] فإن الجائع والخائف كل منهما يظهر ذلك عليه ; ولهذا قال : لباس الجوع والخوف . وقال هاهنا ( بشيء من الخوف والجوع ) أي : بقليل من ذلك ( ونقص من الأموال ) أي : ذهاب بعضها ) والأنفس ) كموت الأصحاب والأقارب والأحباب ) والثمرات ) أي : لا تغل الحدائق والمزارع كعادتها . كما قال بعض السلف : فكانت بعض النخيل لا تثمر غير واحدة . وكل هذا وأمثاله مما يختبر الله به عباده ، فمن صبر أثابه [ الله ] ومن قنط أحل [ الله ] به عقابه .ولهذا قال : ( وبشر الصابرين )وقد حكى بعض المفسرين أن المراد من الخوف هاهنا : خوف الله ، وبالجوع : صيام رمضان ، ونقص الأموال : الزكاة ، والأنفس : الأمراض ، والثمرات : الأولاد .وفي هذا نظر ، والله أعلم .
2:156
الَّذِیْنَ اِذَاۤ اَصَابَتْهُمْ مُّصِیْبَةٌۙ-قَالُوْۤا اِنَّا لِلّٰهِ وَ اِنَّاۤ اِلَیْهِ رٰجِعُوْنَؕ(۱۵۶)
کہ جب ان پر کوئی مصیبت پڑے تو کہیں ہم اللہ کے مال ہیں اور ہم کو اسی کی طرف پھرنا-(ف۲۸۴)

ثم بين تعالى من الصابرون الذين شكرهم ، قال : ( الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون ) أي : تسلوا بقولهم هذا عما أصابهم ، وعلموا أنهم ملك لله يتصرف في عبيده بما يشاء ، وعلموا أنه لا يضيع لديه مثقال ذرة يوم القيامة ، فأحدث لهم ذلك اعترافهم بأنهم عبيده ، وأنهم إليه راجعون في الدار الآخرة .
2:157
اُولٰٓىٕكَ عَلَیْهِمْ صَلَوٰتٌ مِّنْ رَّبِّهِمْ وَ رَحْمَةٌ -وَ اُولٰٓىٕكَ هُمُ الْمُهْتَدُوْنَ(۱۵۷)
یہ لوگ ہیں جن پر ان کے رب کی دروُ دیں ہیں اوررحمت اور یہی لوگ راہ پر ہیں،

ولهذا أخبر تعالى عما أعطاهم على ذلك فقال : ( أولئك عليهم صلوات من ربهم ) أي : ثناء من الله عليهم ورحمة .قال سعيد بن جبير : أي : أمنة من العذاب ( وأولئك هم المهتدون ) قال أمير المؤمنين عمر بن الخطاب : نعم العدلان ونعمت العلاوة ( أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة ) فهذان العدلان ( وأولئك هم المهتدون ) فهذه العلاوة ، وهي ما توضع بين العدلين ، وهي زيادة في الحمل وكذلك هؤلاء ، أعطوا ثوابهم وزيدوا أيضا .وقد ورد في ثواب الاسترجاع ، وهو قول ( إنا لله وإنا إليه راجعون ) عند المصائب أحاديث كثيرة . فمن ذلك ما رواه الإمام أحمد :حدثنا يونس ، حدثنا ليث يعني ابن سعد عن يزيد بن عبد الله بن أسامة بن الهاد ، عن عمرو بن أبي عمرو ، عن المطلب ، عن أم سلمة قالت : أتاني أبو سلمة يوما من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال : لقد سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم قولا سررت به . قال : " لا يصيب أحدا من المسلمين مصيبة فيسترجع عند مصيبته ، ثم يقول : اللهم أجرني في مصيبتي واخلف لي خيرا منها ، إلا فعل ذلك به " . قالت أم سلمة : فحفظت ذلك منه ، فلما توفي أبو سلمة استرجعت وقلت : اللهم أجرني في مصيبتي واخلف لي خيرا منه ، ثم رجعت إلى نفسي . فقلت : من أين لي خير من أبي سلمة ؟ فلما انقضت عدتي استأذن علي رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا أدبغ إهابا لي فغسلت يدي من القرظ وأذنت له ، فوضعت له وسادة أدم حشوها ليف ، فقعد عليها ، فخطبني إلى نفسي ، فلما فرغ من مقالته قلت : يا رسول الله ، ما بي ألا يكون بك الرغبة ، ولكني امرأة ، في غيرة شديدة ، فأخاف أن ترى مني شيئا يعذبني الله به ، وأنا امرأة قد دخلت في السن ، وأنا ذات عيال ، فقال : " أما ما ذكرت من الغيرة فسوف يذهبها الله ، عز وجل عنك . وأما ما ذكرت من السن فقد أصابني مثل الذي أصابك ، وأما ما ذكرت من العيال فإنما عيالك عيالي " . قالت : فقد سلمت لرسول الله صلى الله عليه وسلم . فتزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقالت أم سلمة بعد : أبدلني الله بأبي سلمة خيرا منه ، رسول الله صلى الله عليه وسلم .وفي صحيح مسلم ، عنها أنها قالت : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " ما من عبد تصيبه مصيبة فيقول : ( إنا لله وإنا إليه راجعون ) اللهم أجرني في مصيبتي واخلف لي خيرا منها ، إلا آجره الله من مصيبته ، وأخلف له خيرا منها " قالت : فلما توفي أبو سلمة قلت كما أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأخلف الله لي خيرا منه : رسول الله صلى الله عليه وسلم .وقال الإمام أحمد : حدثنا يزيد ، وعباد بن عباد قالا : حدثنا هشام بن أبي هشام ، حدثنا عباد بن زياد ، عن أمه ، عن فاطمة ابنة الحسين ، عن أبيها الحسين بن علي ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " ما من مسلم ولا مسلمة يصاب بمصيبة فيذكرها وإن طال عهدها ، وقال عباد : قدم عهدها فيحدث لذلك استرجاعا ، إلا جدد الله له عند ذلك فأعطاه مثل أجرها يوم أصيب " .ورواه ابن ماجه في سننه ، عن أبي بكر بن أبي شيبة ، عن وكيع ، عن هشام بن زياد ، عن أمه ، عن فاطمة بنت الحسين ، عن أبيها [ الحسين ] .وقد رواه إسماعيل بن علية ، ويزيد بن هارون ، عن هشام بن زياد عن أبيه ، كذا عن ، فاطمة ، عن أبيها .وقال الإمام أحمد : حدثنا يحيى بن إسحاق السالحيني ، أخبرنا حماد بن سلمة ، عن أبي سنان قال : دفنت ابنا لي ، فإني لفي القبر إذ أخذ بيدي أبو طلحة يعني الخولاني فأخرجني ، وقال لي : ألا أبشرك ؟ قلت : بلى . قال : حدثني الضحاك بن عبد الرحمن بن عرزب ، عن أبي موسى ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " قال الله : يا ملك الموت ، قبضت ولد عبدي ؟ قبضت قرة عينه وثمرة فؤاده ؟ قال نعم . قال : فما قال ؟ قال : حمدك واسترجع ، قال : ابنو له بيتا في الجنة ، وسموه بيت الحمد " .ثم رواه عن علي بن إسحاق ، عن عبد الله بن المبارك . فذكره . وهكذا رواه الترمذي عن سويد بن نصر ، عن ابن المبارك ، به . وقال : حسن غريب . واسم أبي سنان : عيسى بن سنان .
2:158
اِنَّ الصَّفَا وَ الْمَرْوَةَ مِنْ شَعَآىٕرِ اللّٰهِۚ-فَمَنْ حَجَّ الْبَیْتَ اَوِ اعْتَمَرَ فَلَا جُنَاحَ عَلَیْهِ اَنْ یَّطَّوَّفَ بِهِمَاؕ-وَ مَنْ تَطَوَّعَ خَیْرًاۙ-فَاِنَّ اللّٰهَ شَاكِرٌ عَلِیْمٌ(۱۵۸)
بیشک صفا اور مروہ (ف۲۸۵) اللہ کے نشانوں سے ہیں (ف۲۸۶) تو جو اس گھر کا حج یا عمرہ کرے اس پر کچھ گناہ نہیں کہ ان دونوں کے پھیرے کرے (ف۲۸۷) اور جو کوئی بھلی بات اپنی طرف سے کرے تو اللہ نیکی کا صلہ دینے خبردار ہے-

قال الإمام أحمد : حدثنا سليمان بن داود الهاشمي ، أخبرنا إبراهيم بن سعد ، عن الزهري ، عن عروة ، عن عائشة قالت : قلت : أرأيت قول الله تعالى : ( إن الصفا والمروة من شعائر الله فمن حج البيت أو اعتمر فلا جناح عليه أن يطوف بهما ) قلت : فوالله ما على أحد جناح أن لا يطوف بهما ؟ فقالت عائشة : بئسما قلت يا ابن أختي ، إنها لو كانت على ما أولتها عليه كانت : فلا جناح عليه ألا يطوف بهما ، ولكنها إنما أنزلت أن الأنصار كانوا قبل أن يسلموا كانوا يهلون لمناة الطاغية ، التي كانوا يعبدونها عند المشلل . وكان من أهل لها يتحرج أن يطوف بالصفا والمروة ، فسألوا عن ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقالوا : يا رسول الله ، إنا كنا نتحرج أن نطوف بالصفا والمروة في الجاهلية . فأنزل الله عز وجل : ( إن الصفا والمروة من شعائر الله ) إلى قوله : ( فلا جناح عليه أن يطوف بهما ) قالت عائشة : ثم قد سن رسول الله صلى الله عليه وسلم الطواف بهما ، فليس لأحد أن يدع الطواف بهما . أخرجاه في الصحيحين .وفي رواية عن الزهري أنه قال : فحدثت بهذا الحديث أبا بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام ، فقال : إن هذا العلم ، ما كنت سمعته ، ولقد سمعت رجالا من أهل العلم يقولون : إن الناس إلا من ذكرت عائشة كانوا يقولون : إن طوافنا بين هذين الحجرين من أمر الجاهلية . وقال آخرون من الأنصار : إنما أمرنا بالطواف بالبيت ، ولم نؤمر بالطواف بين الصفا والمروة ، فأنزل الله تعالى : ( إن الصفا والمروة من شعائر الله ) قال أبو بكر بن عبد الرحمن : فلعلها نزلت في هؤلاء وهؤلاء .ورواه البخاري من حديث مالك ، عن هشام بن عروة ، عن أبيه ، عن عائشة بنحو ما تقدم . ثم قال البخاري : حدثنا محمد بن يوسف ، حدثنا سفيان ، عن عاصم بن سليمان قال : سألت أنسا عن الصفا والمروة قال : كنا نرى ذلك من أمر الجاهلية ، فلما جاء الإسلام أمسكنا عنهما ، فأنزل الله عز وجل : ( إن الصفا والمروة من شعائر الله ) .وذكر القرطبي في تفسيره عن ابن عباس قال : كانت الشياطين تفرق بين الصفا والمروة الليل كله ، وكانت بينهما آلهة ، فلما جاء الإسلام سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، عن الطواف بينهما ، فنزلت هذه الآية . وقال الشعبي : كان إساف على الصفا ، وكانت نائلة على المروة ، وكانوا يستلمونهما فتحرجوا بعد الإسلام من الطواف بينهما ، فنزلت هذه الآية . قلت : وذكر ابن إسحاق في كتاب السيرة أن إسافا ونائلة كانا بشرين ، فزنيا داخل الكعبة فمسخا حجرين فنصبتهما قريش تجاه الكعبة ليعتبر بهما الناس ، فلما طال عهدهما عبدا ، ثم حولا إلى الصفا والمروة ، فنصبا هنالك ، فكان من طاف بالصفا والمروة يستلمهما ، ولهذا يقول أبو طالب ، في قصيدته المشهورة :وحيث ينيخ الأشعرون ركابهم بمفضى السيول من إساف ونائلوفي صحيح مسلم [ من ] حديث جابر الطويل ، وفيه : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما فرغ من طوافه بالبيت ، عاد إلى الركن فاستلمه ، ثم خرج من باب الصفا ، وهو يقول : ( إن الصفا والمروة من شعائر الله ) ثم قال : " أبدأ بما بدأ الله به " . وفي رواية النسائي : " ابدءوا بما بدأ الله به " .وقال الإمام أحمد : حدثنا شريح ، حدثنا عبد الله بن المؤمل ، عن عطاء بن أبي رباح ، عن صفية بنت شيبة ، عن حبيبة بنت أبي تجراة قالت : رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يطوف بين الصفا والمروة ، والناس بين يديه ، وهو وراءهم ، وهو يسعى حتى أرى ركبتيه من شدة السعي يدور به إزاره ، وهو يقول : " اسعوا ، فإن الله كتب عليكم السعي " .ثم رواه الإمام أحمد ، عن عبد الرزاق ، أخبرنا معمر ، عن واصل مولى أبي عيينة عن موسى بن عبيدة عن صفية بنت شيبة ، أن امرأة أخبرتها أنها سمعت النبي صلى الله عليه وسلم بين الصفا والمروة يقول : " كتب عليكم السعي ، فاسعوا " .وقد استدل بهذا الحديث على مذهب من يرى أن السعي بين الصفا والمروة ركن في الحج ، كما هو مذهب الشافعي ، ومن وافقه [ ورواية عن أحمد وهو المشهور عن مالك ] . وقيل : إنه واجب ، وليس بركن [ فإن تركه عمدا أو سهوا جبره بدم وهو رواية عن أحمد وبه تقول طائفة وقيل : بل مستحب ، وإليه ذهب أبو حنيفة والثوري والشعبي وابن سيرين ، وروي عن أنس وابن عمر وابن عباس ، وحكي عن مالك في العتبية ، قال القرطبي : واحتجوا بقوله : ( فمن تطوع خيرا ) ] . وقيل : بل مستحب . والقول الأول أرجح ، لأنه عليه السلام طاف بينهما ، وقال : " لتأخذوا عني مناسككم " . فكل ما فعله في حجته تلك واجب لا بد من فعله في الحج ، إلا ما خرج بدليل ، والله أعلم [ وقد تقدم قوله عليه السلام : " اسعوا فإن الله كتب عليكم السعي " ] .فقد بين الله تعالى أن الطواف بين الصفا والمروة من شعائر الله ، أي : مما شرع الله تعالى لإبراهيم الخليل في مناسك الحج ، وقد تقدم في حديث ابن عباس أن أصل ذلك مأخوذ من تطواف هاجر وتردادها بين الصفا والمروة في طلب الماء لولدها ، لما نفد ماؤها وزادها ، حين تركهما إبراهيم عليه السلام هنالك ليس عندهما أحد من الناس ، فلما خافت الضيعة على ولدها هنالك ، ونفد ما عندها قامت تطلب الغوث من الله ، عز وجل ، فلم تزل تردد في هذه البقعة المشرفة بين الصفا والمروة متذللة خائفة وجلة مضطرة فقيرة إلى الله ، عز وجل ، حتى كشف الله كربتها ، وآنس غربتها ، وفرج شدتها ، وأنبع لها زمزم التي ماؤها طعام طعم ، وشفاء سقم ، فالساعي بينهما ينبغي له أن يستحضر فقره وذله وحاجته إلى الله في هداية قلبه وصلاح حاله وغفران ذنبه ، وأن يلتجئ إلى الله ، عز وجل ، ليزيح ما هو به من النقائص والعيوب ، وأن يهديه إلى الصراط المستقيم وأن يثبته عليه إلى مماته ، وأن يحوله من حاله الذي هو عليه من الذنوب والمعاصي ، إلى حال الكمال والغفران والسداد والاستقامة ، كما فعل بهاجر عليها السلام .وقوله : ( فمن تطوع خيرا ) قيل : زاد في طوافه بينهما على قدر الواجب ثامنة وتاسعة ونحو ذلك . وقيل : يطوف بينهما في حجة تطوع ، أو عمرة تطوع . وقيل : المراد تطوع خيرا في سائر العبادات . حكى ذلك [ فخر الدين ] الرازي ، وعزى الثالث إلى الحسن البصري ، والله أعلم . وقوله : ( فإن الله شاكر عليم ) أي : يثيب على القليل بالكثير ) عليم ) بقدر الجزاء فلا يبخس أحدا ثوابه و ( لا يظلم مثقال ذرة وإن تك حسنة يضاعفها ويؤت من لدنه أجرا عظيما ) [ النساء : 40 ] .
2:159
اِنَّ الَّذِیْنَ یَكْتُمُوْنَ مَاۤ اَنْزَلْنَا مِنَ الْبَیِّنٰتِ وَ الْهُدٰى مِنْۢ بَعْدِ مَا بَیَّنّٰهُ لِلنَّاسِ فِی الْكِتٰبِۙ-اُولٰٓىٕكَ یَلْعَنُهُمُ اللّٰهُ وَ یَلْعَنُهُمُ اللّٰعِنُوْنَۙ(۱۵۹)
بیشک وہ جو ہماری اتاری ہوئی روشن باتوں اور ہدایت کو چھپاتے ہیں (ف۲۸۸) بعد اس کے کہ لوگوں کے لئے ہم اسے کتاب میں واضح فرماچکے ہیں ان پر اللہ کی لعنت ہے اور لعنت کرنے والوں کی لعنت -(ف۲۸۹)

هذا وعيد شديد لمن كتم ما جاءت به الرسل من الدلالات البينة على المقاصد الصحيحة والهدى النافع للقلوب ، من بعد ما بينه الله تعالى لعباده في كتبه ، التي أنزلها على رسله .قال أبو العالية : نزلت في أهل الكتاب ، كتموا صفة محمد صلى الله عليه وسلم ثم أخبر أنهم يلعنهم كل شيء على صنيعهم ذلك ، فكما أن العالم يستغفر له كل شيء ، حتى الحوت في الماء والطير في الهواء ، فهؤلاء بخلاف العلماء [ الذين يكتمون ] فيلعنهم الله ويلعنهم اللاعنون . وقد ورد في الحديث المسند من طرق يشد بعضها بعضا ، عن أبي هريرة ، وغيره : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " من سئل عن علم فكتمه ، ألجم يوم القيامة بلجام من نار " . والذي في الصحيح عن أبي هريرة أنه قال : لولا آية في كتاب الله ما حدثت أحدا شيئا : ( إن الذين يكتمون ما أنزلنا من البينات والهدى ) الآية .وقال ابن أبي حاتم : حدثنا الحسن بن عرفة ، حدثنا عمار بن محمد ، عن ليث بن أبي سليم ،عن المنهال بن عمرو ، عن زاذان أبي عمر عن البراء بن عازب ، قال : كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في جنازة ، فقال : " إن الكافر يضرب ضربة بين عينيه ، فيسمع كل دابة غير الثقلين ، فتلعنه كل دابة سمعت صوته ، فذلك قول الله تعالى : ( أولئك يلعنهم الله ويلعنهم اللاعنون ) يعني : دواب الأرض " .[ ورواه ابن ماجه عن محمد بن الصباح عن عمار بن محمد به ] .وقال عطاء بن أبي رباح : كل دابة والجن والإنس . وقال مجاهد : إذا أجدبت الأرض قالت البهائم : هذا من أجل عصاة بني آدم ، لعن الله عصاة بني آدم .وقال أبو العالية ، والربيع بن أنس ، وقتادة ( ويلعنهم اللاعنون ) يعني تلعنهم ملائكة الله ، والمؤمنون .[ وقد جاء في الحديث ، أن العالم يستغفر له كل شيء حتى الحيتان ، وجاء في هذه الآية : أن كاتم العلم يلعنه الله والملائكة والناس أجمعون ، واللاعنون أيضا ، وهم كل فصيح وأعجمي إما بلسان المقال ، أو الحال ، أو لو كان له عقل ، أو يوم القيامة ، والله أعلم ] .
2:160
اِلَّا الَّذِیْنَ تَابُوْا وَ اَصْلَحُوْا وَ بَیَّنُوْا فَاُولٰٓىٕكَ اَتُوْبُ عَلَیْهِمْۚ-وَ اَنَا التَّوَّابُ الرَّحِیْمُ(۱۶۰)
مگر وہ جو توبہ کریں اور سنواریں اور ظاہر کریں تو میں ان کی توبہ قبول فرماؤں گا اور میں ہی ہوں بڑا توبہ قبول فرمانے والا مہربان،

ثم استثنى الله تعالى من هؤلاء من تاب إليه فقال : ( إلا الذين تابوا وأصلحوا وبينوا ) أي : رجعوا عما كانوا فيه وأصلحوا أعمالهم وأحوالهم وبينوا للناس ما كانوا كتموه ( فأولئك أتوب عليهم وأنا التواب الرحيم ) وفي هذا دلالة على أن الداعية إلى كفر ، أو بدعة إذا تاب إلى الله تاب الله عليه .وقد ورد أن الأمم السابقة لم تكن التوبة تقبل من مثل هؤلاء منهم ، ولكن هذا من شريعة نبي التوبة ونبي الرحمة صلوات الله وسلامه عليه .ثم أخبر تعالى عمن كفر به واستمر به الحال إلى مماته بأن ( عليهم لعنة الله والملائكة والناس أجمعين خالدين فيها ) أي : في اللعنة التابعة لهم إلى يوم القيامة ثم المصاحبة لهم في نار جهنم التي ( لا يخفف عنهم العذاب ) فيها ، أي : لا ينقص عما هم فيه ( ولا هم ينظرون ) أي : لا يغير عنهم ساعة واحدة ، ولا يفتر ، بل هو متواصل دائم ، فنعوذ بالله من ذلك .وقال أبو العالية وقتادة : إن الكافر يوقف يوم القيامة فيلعنه الله ، ثم تلعنه الملائكة ، ثم يلعنه الناس أجمعون .
  FONT
  THEME
  TRANSLATION
  • English | Ahmed Ali
  • Urdu | Ahmed Raza Khan
  • Turkish | Ali-Bulaç
  • German | Bubenheim Elyas
  • Chinese | Chineese
  • Spanish | Cortes
  • Dutch | Dutch
  • Portuguese | El-Hayek
  • English | English
  • Urdu | Fateh Muhammad Jalandhry
  • French | French
  • Hausa | Hausa
  • Indonesian | Indonesian-Bahasa
  • Italian | Italian
  • Korean | Korean
  • Malay | Malay
  • Russian | Russian
  • Tamil | Tamil
  • Thai | Thai
  • Farsi | مکارم شیرازی
  TAFSEER
  • العربية | التفسير الميسر
  • العربية | تفسير الجلالين
  • العربية | تفسير السعدي
  • العربية | تفسير ابن كثير
  • العربية | تفسير الوسيط لطنطاوي
  • العربية | تفسير البغوي
  • العربية | تفسير القرطبي
  • العربية | تفسير الطبري
  • English | Arberry
  • English | Yusuf Ali
  • Dutch | Keyzer
  • Dutch | Leemhuis
  • Dutch | Siregar
  • Urdu | Sirat ul Jinan
  HELP

اَلْبَقَرَة
اَلْبَقَرَة
  00:00



Download

اَلْبَقَرَة
اَلْبَقَرَة
  00:00



Download