READ
Surah al-Baqarah
اَلْبَقَرَة
286 Ayaat مدنیۃ
وَ اٰمِنُوْا بِمَاۤ اَنْزَلْتُ مُصَدِّقًا لِّمَا مَعَكُمْ وَ لَا تَكُوْنُوْۤا اَوَّلَ كَافِرٍۭ بِهٖ۪-وَ لَا تَشْتَرُوْا بِاٰیٰتِیْ ثَمَنًا قَلِیْلًا٘-وَّ اِیَّایَ فَاتَّقُوْنِ(۴۱)
اور ایمان لاؤ اس پر جو میں نے اتارا اس کی تصدیق کرتا ہوا جو تمہارے ساتھ ہے اور سب سے پہلے اس کے منکر نہ بنو (ف۷۳) اور میری آیتوں کے بدلے تھوڑے دام نہ لو (ف۷۴) اور مجھی سے ڈرو -
ولهذا قال : ( وآمنوا بما أنزلت مصدقا لما معكم ) [ ( مصدقا ) ماضيا منصوبا على الحال من ( بما ) أي : بالذي أنزلت مصدقا أو من الضمير المحذوف من قولهم : بما أنزلته مصدقا ، ويجوز أن يكون مصدرا من غير الفعل وهو قوله : ( بما أنزلت مصدقا ) ] يعني به : القرآن الذي أنزله على محمد النبي الأمي العربي بشيرا ونذيرا وسراجا منيرا مشتملا على الحق من الله تعالى ، مصدقا لما بين يديه من التوراة والإنجيل .قال أبو العالية ، رحمه الله ، في قوله : ( وآمنوا بما أنزلت مصدقا لما معكم ) يقول : يا معشر أهل الكتاب آمنوا بما أنزلت مصدقا لما معكم يقول : لأنهم يجدون محمدا صلى الله عليه وسلم مكتوبا عندهم في التوراة والإنجيل .وروي عن مجاهد والربيع بن أنس وقتادة نحو ذلك .وقوله : ( ولا تكونوا أول كافر به ) [ قال بعض المفسرين : أول فريق كافر به ونحو ذلك ] . قال ابن عباس : ( ولا تكونوا أول كافر به ) وعندكم فيه من العلم ما ليس عند غيركم .وقال أبو العالية : يقول : ( ولا تكونوا أول [ كافر به ) أول ] من كفر بمحمد صلى الله عليه وسلم [ يعني من جنسكم أهل الكتاب بعد سماعهم بمحمد وبمبعثه ] .وكذا قال الحسن ، والسدي ، والربيع بن أنس .واختار ابن جرير أن الضمير في قوله : ( به ) عائد على القرآن ، الذي تقدم ذكره في قوله : ( بما أنزلت )وكلا القولين صحيح ؛ لأنهما متلازمان ، لأن من كفر بالقرآن فقد كفر بمحمد صلى الله عليه وسلم ، ومن كفر بمحمد صلى الله عليه وسلم فقد كفر بالقرآن .وأما قوله : ( أول كافر به ) فيعني به أول من كفر به من بني إسرائيل ؛ لأنه قد تقدمهم من كفار قريش وغيرهم من العرب بشر كثير ، وإنما المراد أول من كفر به من بني إسرائيل مباشرة ، فإن يهود المدينة أول بني إسرائيل خوطبوا بالقرآن ، فكفرهم به يستلزم أنهم أول من كفر به من جنسهم .وقوله : ( ولا تشتروا بآياتي ثمنا قليلا ) يقول : لا تعتاضوا عن الإيمان بآياتي وتصديق رسولي بالدنيا وشهواتها ، فإنها قليلة فانية ، كما قال عبد الله بن المبارك : أنبأنا عبد الرحمن بن يزيد بن جابر ، عن هارون بن زيد قال : سئل الحسن ، يعني البصري ، عن قوله تعالى : ( ثمنا قليلا ) قال : الثمن القليل الدنيا بحذافيرها .وقال ابن لهيعة : حدثني عطاء بن دينار ، عن سعيد بن جبير ، في قوله : ( ولا تشتروا بآياتي ثمنا قليلا ) وإن آياته : كتابه الذي أنزله إليهم ، وإن الثمن القليل : الدنيا وشهواتها .وقال السدي : ( ولا تشتروا بآياتي ثمنا قليلا ) يقول : لا تأخذوا طمعا قليلا ولا تكتموا اسم الله لذلك الطمع وهو الثمن .وقال أبو جعفر ، عن الربيع بن أنس ، عن أبي العالية في قوله تعالى : ( ولا تشتروا بآياتي ثمنا قليلا ) يقول : لا تأخذوا عليه أجرا . قال : وهو مكتوب عندهم في الكتاب الأول : يا ابن آدم علم مجانا كما علمت مجانا .وقيل : معناه لا تعتاضوا عن البيان والإيضاح ونشر العلم النافع في الناس بالكتمان واللبس لتستمروا على رياستكم في الدنيا القليلة الحقيرة الزائلة عن قريب ، وفي سنن أبي داود عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : من تعلم علما مما يبتغى به وجه الله لا يتعلمه إلا ليصيب به عرضا من الدنيا لم يرح رائحة الجنة يوم القيامة وأما تعليم العلم بأجرة ، فإن كان قد تعين عليه فلا يجوز أن يأخذ عليه أجرة ، ويجوز أن يتناول من بيت المال ما يقوم به حاله وعياله ، فإن لم يحصل له منه شيء وقطعه التعليم عن التكسب ، فهو كما لم يتعين عليه ، وإذا لم يتعين عليه ، فإنه يجوز أن يأخذ عليه أجرة عند مالك والشافعي وأحمد وجمهور العلماء ، كما في صحيح البخاري عن أبي سعيد في قصة اللديغ : إن أحق ما أخذتم عليه أجرا كتاب الله وقوله في قصة المخطوبة : زوجتكها بما معك من القرآن فأما حديث عبادة بن الصامت ، أنه علم رجلا من أهل الصفة شيئا من القرآن فأهدى له قوسا ، فسأل عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : إن أحببت أن تطوق بقوس من نار فاقبله فتركه ، رواه أبو داود وروي مثله عن أبي بن كعب مرفوعا ، فإن صح إسناده فهو محمول عند كثير من العلماء منهم : أبو عمر بن عبد البر على أنه لما علمه الله لم يجز بعد هذا أن يعتاض عن ثواب الله بذلك القوس ، فأما إذا كان من أول الأمر على التعليم بالأجرة فإنه يصح كما في حديث اللديغ وحديث سهل في المخطوبة ، والله أعلم .( وإياي فاتقون ) قال ابن أبي حاتم : حدثنا أبو عمر الدوري ، حدثنا أبو إسماعيل المؤدب ، عن عاصم الأحول ، عن أبي العالية ، عن طلق بن حبيب ، قال : التقوى أن تعمل بطاعة الله رجاء رحمة الله على نور من الله ، والتقوى أن تترك معصية الله مخافة عذاب الله على نور من الله .ومعنى قوله : ( وإياي فاتقون ) أنه تعالى يتوعدهم فيما يتعمدونه من كتمان الحق وإظهار خلافه ومخالفتهم الرسول ، صلوات الله وسلامه عليه .
وَ لَا تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَ تَكْتُمُوا الْحَقَّ وَ اَنْتُمْ تَعْلَمُوْنَ(۴۲)
اور حق سے باطل کو نہ ملاؤ اور دیدہ و دانستہ حق نہ چھپاؤ -
يقول تعالى ناهيا لليهود عما كانوا يتعمدونه ، من تلبيس الحق بالباطل ، وتمويهه به وكتمانهم الحق وإظهارهم الباطل : ( ولا تلبسوا الحق بالباطل وتكتموا الحق وأنتم تعلمون ) فنهاهم عن الشيئين معا ، وأمرهم بإظهار الحق والتصريح به ؛ ولهذا قال الضحاك ، عن ابن عباس ( ولا تلبسوا الحق بالباطل ) لا تخلطوا الحق بالباطل والصدق بالكذب .وقال أبو العالية : ( ولا تلبسوا الحق بالباطل ) يقول : ولا تخلطوا الحق بالباطل ، وأدوا النصيحة لعباد الله من أمة محمد صلى الله عليه وسلم .ويروى عن سعيد بن جبير والربيع بن أنس ، نحوه .وقال قتادة : ( ولا تلبسوا الحق بالباطل ) [ قال ] ولا تلبسوا اليهودية والنصرانية بالإسلام ؛ إن دين الله الإسلام ، واليهودية والنصرانية بدعة ليست من الله .وروي عن الحسن البصري نحو ذلك .وقال محمد بن إسحاق : حدثني محمد بن أبي محمد ، عن عكرمة أو سعيد بن جبير ، عن ابن عباس : ( وتكتموا الحق وأنتم تعلمون ) أي : لا تكتموا ما عندكم من المعرفة برسولي وبما جاء به ، وأنتم تجدونه مكتوبا عندكم فيما تعلمون من الكتب التي بأيديكم . وروي عن أبي العالية نحو ذلك .وقال مجاهد ، والسدي ، وقتادة ، والربيع بن أنس : ( وتكتموا الحق ) يعني : محمدا صلى الله عليه وسلم .[ قلت : ( وتكتموا ) يحتمل أن يكون مجزوما ، ويجوز أن يكون منصوبا ، أي : لا تجمعوا بين هذا وهذا كما يقال : لا تأكل السمك وتشرب اللبن . قال الزمخشري : وفي مصحف ابن مسعود : وتكتمون الحق أي : في حال كتمانكم الحق وأنتم تعلمون حال أيضا ، ومعناه : وأنتم تعلمون الحق ، ويجوز أن يكون المعنى : وأنتم تعلمون ما في ذلك من الضرر العظيم على الناس من إضلالهم عن الهدى المفضي بهم إلى النار إلى أن سلكوا ما تبدونه لهم من الباطل المشوب بنوع من الحق لتروجوه عليهم ، والبيان : الإيضاح ، وعكسه الكتمان وخلط الحق بالباطل ] .
وَ اَقِیْمُوا الصَّلٰوةَ وَ اٰتُوا الزَّكٰوةَ وَ ارْكَعُوْا مَعَ الرّٰكِعِیْنَ(۴۳)
اور نماز قائم رکھو اور زکوٰة دو اور رکوع کرنے والوں کے ساتھ رکوع کرو- (ف۷۵)
( وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة واركعوا مع الراكعين ) قال مقاتل : قوله تعالى لأهل الكتاب : ( وأقيموا الصلاة ) أمرهم أن يصلوا مع النبي صلى الله عليه وسلم ( وآتوا الزكاة ) أمرهم أن يؤتوا الزكاة ، أي : يدفعونها إلى النبي صلى الله عليه وسلم ( واركعوا مع الراكعين ) أمرهم أن يركعوا مع الراكعين من أمة محمد صلى الله عليه وسلم .يقول : كونوا منهم ومعهم .وقال علي بن طلحة ، عن ابن عباس : [ ( وآتوا الزكاة ) ] يعني بالزكاة : طاعة الله والإخلاص .وقال وكيع ، عن أبي جناب ، عن عكرمة عن ابن عباس ، في قوله : ( وآتوا الزكاة ) قال : ما يوجب الزكاة ؟ قال : مائتان فصاعدا .وقال مبارك بن فضالة ، عن الحسن ، في قوله تعالى : ( وآتوا الزكاة ) قال : فريضة واجبة ، لا تنفع الأعمال إلا بها وبالصلاة .وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبو زرعة ، حدثنا عثمان بن أبي شيبة ، حدثنا جرير عن أبي حيان [ العجمي ] التيمي ، عن الحارث العكلي في قوله : ( وآتوا الزكاة ) قال : صدقة الفطر .وقوله تعالى : ( واركعوا مع الراكعين ) أي : وكونوا مع المؤمنين في أحسن أعمالهم ، ومن أخص ذلك وأكمله الصلاة .[ وقد استدل كثير من العلماء بهذه الآية على وجوب الجماعة ، وبسط ذلك في كتاب الأحكام الكبير إن شاء الله ، وقد تكلم القرطبي على مسائل الجماعة والإمامة فأجاد ] .
اَتَاْمُرُوْنَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَ تَنْسَوْنَ اَنْفُسَكُمْ وَ اَنْتُمْ تَتْلُوْنَ الْكِتٰبَؕ-اَفَلَا تَعْقِلُوْنَ(۴۴)
کیا لوگوں کو بھلائی کا حکم دیتے ہو اور اپنی جانوں کو بھولتے ہو حالانکہ تم کتاب پڑھتے ہو تو کیا تمہیں عقل نہیں -(ف۷۶)
يقول تعالى : كيف يليق بكم - يا معشر أهل الكتاب ، وأنتم تأمرون الناس بالبر ، وهو جماع الخير - أن تنسوا أنفسكم ، فلا تأتمروا بما تأمرون الناس به ، وأنتم مع ذلك تتلون الكتاب ، وتعلمون ما فيه على من قصر في أوامر الله ؟ أفلا تعقلون ما أنتم صانعون بأنفسكم ؛ فتنتبهوا من رقدتكم ، وتتبصروا من عمايتكم . وهذا كما قال عبد الرزاق عن معمر ، عن قتادة في قوله تعالى : ( أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم ) قال : كان بنو إسرائيل يأمرون الناس بطاعة الله وبتقواه ، وبالبر ، ويخالفون ، فعيرهم الله ، عز وجل . وكذلك قال السدي .وقال ابن جريج : ( أتأمرون الناس بالبر ) أهل الكتاب والمنافقون كانوا يأمرون الناس بالصوم والصلاة ، ويدعون العمل بما يأمرون به الناس ، فعيرهم الله بذلك ، فمن أمر بخير فليكن أشد الناس فيه مسارعة .وقال محمد بن إسحاق ، عن محمد ، عن عكرمة أو سعيد بن جبير ، عن ابن عباس : ( وتنسون أنفسكم ) أي : تتركون أنفسكم ( وأنتم تتلون الكتاب أفلا تعقلون ) أي : تنهون الناس عن الكفر بما عندكم من النبوة والعهد من التوراة ، وتتركون أنفسكم ، أي : وأنتم تكفرون بما فيها من عهدي إليكم في تصديق رسولي ، وتنقضون ميثاقي ، وتجحدون ما تعلمون من كتابي .وقال الضحاك ، عن ابن عباس في هذه الآية ، يقول : أتأمرون الناس بالدخول في دين محمد صلى الله عليه وسلم وغير ذلك مما أمرتم به من إقام الصلاة ، وتنسون أنفسكم .وقال أبو جعفر بن جرير : حدثني علي بن الحسن ، حدثنا مسلم الجرمي ، حدثنا مخلد بن الحسين ، عن أيوب السختياني ، عن أبي قلابة في قول الله تعالى : ( أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم وأنتم تتلون الكتاب ) قال : قال أبو الدرداء : لا يفقه الرجل كل الفقه حتى يمقت الناس في ذات الله ، ثم يرجع إلى نفسه فيكون لها أشد مقتا .وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم في هذه الآية : هؤلاء اليهود إذا جاء الرجل يسألهم عن الشيء ليس فيه حق ولا رشوة ولا شيء أمروه بالحق ، فقال الله تعالى : ( أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم وأنتم تتلون الكتاب أفلا تعقلون )والغرض أن الله تعالى ذمهم على هذا الصنيع ونبههم على خطئهم في حق أنفسهم ، حيث كانوا يأمرون بالخير ولا يفعلونه ، وليس المراد ذمهم على أمرهم بالبر مع تركهم له ، بل على تركهم له ، فإن الأمر بالمعروف [ معروف ] وهو واجب على العالم ، ولكن [ الواجب و ] الأولى بالعالم أن يفعله مع أمرهم به ، ولا يتخلف عنهم ، كما قال شعيب ، عليه السلام : ( وما أريد أن أخالفكم إلى ما أنهاكم عنه إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب ) [ هود : 88 ] . فكل من الأمر بالمعروف وفعله واجب ، لا يسقط أحدهما بترك الآخر على أصح قولي العلماء من السلف والخلف . وذهب بعضهم إلى أن مرتكب المعاصي لا ينهى غيره عنها ، وهذا ضعيف ، وأضعف منه تمسكهم بهذه الآية ؛ فإنه لا حجة لهم فيها . والصحيح أن العالم يأمر بالمعروف ، وإن لم يفعله ، وينهى عن المنكر وإن ارتكبه ، [ قال مالك عن ربيعة : سمعت سعيد بن جبير يقول له : لو كان المرء لا يأمر بالمعروف ولا ينهى عن المنكر حتى لا يكون فيه شيء ما أمر أحد بمعروف ولا نهى عن منكر . وقال مالك : وصدق من ذا الذي ليس فيه شيء ؟ قلت ] ولكنه - والحالة هذه - مذموم على ترك الطاعة وفعله المعصية ، لعلمه بها ومخالفته على بصيرة ، فإنه ليس من يعلم كمن لا يعلم ؛ ولهذا جاءت الأحاديث في الوعيد على ذلك ، كما قال الإمام أبو القاسم الطبراني في معجمه الكبير : حدثنا أحمد بن المعلى الدمشقي والحسن بن علي المعمري ، قالا حدثنا هشام بن عمار ، حدثنا علي بن سليمان الكلبي ، حدثنا الأعمش ، عن أبي تميمة الهجيمي ، عن جندب بن عبد الله - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : مثل العالم الذي يعلم الناس الخير ولا يعمل به كمثل السراج يضيء للناس ويحرق نفسه .هذا حديث غريب من هذا الوجه .حديث آخر : قال الإمام أحمد بن حنبل في مسنده : حدثنا وكيع ، حدثنا حماد بن سلمة ، عن علي بن زيد هو ابن جدعان ، عن أنس بن مالك ، رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : مررت ليلة أسري بي على قوم شفاههم تقرض بمقاريض من نار . قال : قلت : من هؤلاء ؟ قالوا : خطباء من أهل الدنيا ممن كانوا يأمرون الناس بالبر وينسون أنفسهم وهم يتلون الكتاب أفلا يعقلون ؟ .ورواه عبد بن حميد في مسنده ، وتفسيره ، عن الحسن بن موسى ، عن حماد بن سلمة به .ورواه ابن مردويه في تفسيره ، من حديث يونس بن محمد المؤدب ، والحجاج بن منهال ، كلاهما عن حماد بن سلمة ، به .وكذا رواه يزيد بن هارون ، عن حماد بن سلمة به .ثم قال ابن مردويه : حدثنا محمد بن عبد الله بن إبراهيم ، حدثنا موسى بن هارون ، حدثنا إسحاق بن إبراهيم التستري ببلخ ، حدثنا مكي بن إبراهيم ، حدثنا عمر بن قيس ، عن علي بن زيد عن ثمامة ، عن أنس ، قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : مررت ليلة أسري بي على أناس تقرض شفاههم وألسنتهم بمقاريض من نار . قلت : من هؤلاء يا جبريل ؟ قال : هؤلاء خطباء أمتك الذين يأمرون الناس بالبر وينسون أنفسهم .وأخرجه ابن حبان في صحيحه ، وابن أبي حاتم ، وابن مردويه - أيضا - من حديث هشام الدستوائي ، عن المغيرة - يعني ابن حبيب - ختن مالك بن دينار ، عن مالك بن دينار ، عن ثمامة ، عن أنس بن مالك ، قال : لما عرج برسول الله صلى الله عليه وسلم مر بقوم تقرض شفاههم ، فقال : يا جبريل ، من هؤلاء ؟ قال : هؤلاء الخطباء من أمتك يأمرون الناس بالبر وينسون أنفسهم ؛ أفلا يعقلون ؟ .حديث آخر : قال الإمام أحمد : حدثنا يعلى بن عبيد ، حدثنا الأعمش ، عن أبي وائل ، قال : قيل لأسامة - وأنا رديفه - : ألا تكلم عثمان ؟ فقال : إنكم ترون أني لا أكلمه إلا أسمعكم . إني لا أكلمه فيما بيني وبينه ما دون أن أفتتح أمرا - لا أحب أن أكون أول من افتتحه ، والله لا أقول لرجل إنك خير الناس . وإن كان علي أميرا - بعد أن سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ، قالوا : وما سمعته يقول ؟ قال : سمعته يقول : يجاء بالرجل يوم القيامة فيلقى في النار ، فتندلق به أقتابه ، فيدور بها في النار كما يدور الحمار برحاه ، فيطيف به أهل النار ، فيقولون : يا فلان ما أصابك ؟ ألم تكن تأمرنا بالمعروف وتنهانا عن المنكر ؟ فيقول : كنت آمركم بالمعروف ولا آتيه ، وأنهاكم عن المنكر وآتيه .ورواه البخاري ومسلم ، من حديث سليمان بن مهران الأعمش ، به نحوه .[ وقال أحمد : حدثنا سيار بن حاتم ، حدثنا جعفر بن سليمان عن ثابت عن أنس ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن الله يعافي الأميين يوم القيامة ما لا يعافي العلماء . وقد ورد في بعض الآثار : أنه يغفر للجاهل سبعين مرة حتى يغفر للعالم مرة واحدة ، ليس من يعلم كمن لا يعلم . وقال تعالى : ( قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون إنما يتذكر أولو الألباب ) [ الزمر : 9 ] . وروى ابن عساكر في ترجمة الوليد بن عقبة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : إن أناسا من أهل الجنة يطلعون على أناس من أهل النار فيقولون : بم دخلتم النار ؟ فوالله ما دخلنا الجنة إلا بما تعلمنا منكم ، فيقولون : إنا كنا نقول ولا نفعل رواه من حديث الطبراني عن أحمد بن يحيى بن حيان الرقي عن زهير بن عباد الرواسي عن أبي بكر الداهري عن عبد الله بن حكيم عن إسماعيل بن أبي خالد عن الشعبي عن الوليد بن عقبة فذكره ] .وقال الضحاك ، عن ابن عباس : إنه جاءه رجل ، فقال : يا ابن عباس ، إني أريد أن آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر ، قال : أوبلغت ذلك ؟ قال : أرجو . قال : إن لم تخش أن تفتضح بثلاث آيات من كتاب الله فافعل . قال : وما هن ؟ قال : قوله عز وجل : ( أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم ) أحكمت هذه ؟ قال : لا . قال : فالحرف الثاني . قال : قوله تعالى : ( لم تقولون ما لا تفعلون كبر مقتا عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون ) [ الصف : 2 ، 3 ] أحكمت هذه ؟ قال : لا . قال : فالحرف الثالث . قال : قول العبد الصالح شعيب ، عليه السلام : ( وما أريد أن أخالفكم إلى ما أنهاكم عنه ) [ هود : 88 ] أحكمت هذه الآية ؟ قال : لا . قال : فابدأ بنفسك .رواه ابن مردويه في تفسيره .وقال الطبراني حدثنا عبدان بن أحمد ، حدثنا زيد بن الحريش ، حدثنا عبد الله بن خراش ، عن العوام بن حوشب ، عن [ سعيد بن ] المسيب بن رافع ، عن ابن عمر ، قال : قال رسول اللهصلى الله عليه وسلم : من دعا الناس إلى قول أو عمل ولم يعمل هو به لم يزل في ظل سخط الله حتى يكف أو يعمل ما قال ، أو دعا إليه .إسناده فيه ضعف ، وقال إبراهيم النخعي : إني لأكره القصص لثلاث آيات ؛ قوله تعالى : ( أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم ) وقوله : ( يا أيها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون كبر مقتا عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون ) [ الصف : 2 ، 3 ] وقوله إخبارا عن شعيب : ( وما أريد أن أخالفكم إلى ما أنهاكم عنه إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب ) [ هود : 88 ] .وما أحسن ما قال مسلم بن عمرو :ما أقبح التزهيد من واعظ يزهد الناس ولا يزهد لو كان في تزهيده صادقاأضحى وأمسى بيته المسجد إن رفض الناس فما بالهيستفتح الناس ويسترقد الرزق مقسوم على من ترىيسقى له الأبيض والأسودوقال بعضهم : جلس أبو عثمان الحيري الزاهد يوما على مجلس التذكير فأطال السكوت ، ثم أنشأ يقول :وغير تقي يأمر الناس بالتقى طبيب يداوي والطبيب مريضقال : فضج الناس بالبكاء . وقال أبو العتاهية الشاعر :وصفت التقى حتى كأنك ذو تقى وريح الخطايا من ثيابك تسطعوقال أبو الأسود الدؤلي :لا تنه عن خلق وتأتي مثله عار عليك إذا فعلت عظيمفابدأ بنفسك فانهها عن غيها فإذا انتهت عنه فأنت حكيمفهناك يقبل إن وعظت ويقتدى بالقول منك وينفع التعليموذكر الحافظ ابن عساكر في ترجمة عبد الواحد بن زيد البصري العابد الواعظ قال : دعوت الله أن يريني رفيقي في الجنة ، فقيل لي في المنام : هي امرأة في الكوفة يقال لها : ميمونة السوداء ، فقصدت الكوفة لأراها . فقيل لي : هي ترعى غنما بواد هناك ، فجئت إليها فإذا هي قائمة تصلي والغنم ترعى حولها وبينهن الذئاب لا ينفرن منه ، ولا يسطو الذئاب عليهن . فلما سلمت قالت : يا ابن زيد ، ليس الموعد هنا إنما الموعد ثم ، فسألتها عن شأن الذئاب والغنم . فقالت : إني أصلحت ما بيني وبين سيدي فأصلح ما بين الذئاب والغنم . فقلت لها : عظيني . فقالت : يا عجبا من واعظ يوعظ ، ثم قالت : يا ابن زيد ، إنك لو وضعت موازين القسط على جوارحك لخبرتك بمكتوم مكنون ما فيها ، يا ابن زيد ، إنه بلغني ما من عبد أعطى من الدنيا شيئا فابتغى إليه تائبا إلا سلبه الله حب الخلوة وبدله بعد القرب البعد وبعد الأنس الوحشة ثم أنشأت تقول :يا واعظا قام لاحتساب يزجر قوما عن الذنوب تنهى وأنت السقيم حقا هذا من المنكر العجيب تنهى عن الغي والتمادي وأنت في النهي كالمريب لو كنت أصلحت قبل هذا غيك أو تبت من قريب كان لما قلت يا حبيبي موضع صدق من القلوب
وَ اسْتَعِیْنُوْا بِالصَّبْرِ وَ الصَّلٰوةِؕ-وَ اِنَّهَا لَكَبِیْرَةٌ اِلَّا عَلَى الْخٰشِعِیْنَۙ(۴۵)
اور صبر اور نماز سے مدد چاہو اور بیشک نماز ضرور بھاری ہے مگر ان پر (نہیں) جو دل سے میری طرف جھکتے ہیں -(ف۷۷)
يقول تعالى آمرا عبيده ، فيما يؤملون من خير الدنيا والآخرة ، بالاستعانة بالصبر والصلاة ، كما قال مقاتل بن حيان في تفسير هذه الآية : استعينوا على طلب الآخرة بالصبر على الفرائض ، والصلاة .فأما الصبر فقيل : إنه الصيام ، نص عليه مجاهد .[ قال القرطبي وغيره : ولهذا سمي رمضان شهر الصبر كما نطق به الحديث ] .وقال سفيان الثوري ، عن أبي إسحاق ، عن جري بن كليب ، عن رجل من بني سليم ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : الصوم نصف الصبر .وقيل : المراد بالصبر الكف عن المعاصي ؛ ولهذا قرنه بأداء العبادات وأعلاها : فعل الصلاة .قال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي ، حدثنا عبد الله بن حمزة بن إسماعيل ، حدثنا إسحاق بن سليمان ، عن أبي سنان ، عن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - قال : الصبر صبران : صبر عند المصيبة حسن ، وأحسن منه الصبر عن محارم الله .[ قال ] وروي عن الحسن البصري نحو قول عمر .وقال ابن المبارك عن ابن لهيعة عن مالك بن دينار ، عن سعيد بن جبير ، قال : الصبر اعتراف العبد لله بما أصاب فيه ، واحتسابه عند الله ورجاء ثوابه ، وقد يجزع الرجل وهو يتجلد ، لا يرى منه إلا الصبر .وقال أبو العالية في قوله : ( واستعينوا بالصبر والصلاة ) على مرضاة الله ، واعلموا أنها من طاعة الله .وأما قوله : ( والصلاة ) فإن الصلاة من أكبر العون على الثبات في الأمر ، كما قال تعالى : ( اتل ما أوحي إليك من الكتاب وأقم الصلاة إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر ولذكر الله أكبر ) الآية [ العنكبوت : 45 ] .وقال الإمام أحمد : حدثنا خلف بن الوليد ، حدثنا يحيى بن زكريا بن أبي زائدة ، عن عكرمة بن عمار ، عن محمد بن عبد الله الدؤلي ، قال : قال عبد العزيز أخو حذيفة ، قال حذيفة ، يعني ابن اليمان : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا حزبه أمر صلى . ورواه أبو داود [ عن محمد بن عيسى عن يحيى بن زكريا عن عكرمة بن عمار كما سيأتي ] .وقد رواه ابن جرير ، من حديث ابن جريج ، عن عكرمة بن عمار ، عن محمد بن عبيد بن أبي قدامة ، عن عبد العزيز بن اليمان ، عن حذيفة ، قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا حزبه أمر فزع إلى الصلاة .[ ورواه بعضهم عن عبد العزيز ابن أخي حذيفة ؛ ويقال : أخي حذيفة مرسلا عن النبي صلى الله عليه وسلم ؛ وقال محمد بن نصر المروزي في كتاب الصلاة : حدثنا سهل بن عثمان أبو مسعود العسكري ، حدثنا يحيى بن زكريا بن أبي زائدة قال : قال عكرمة بن عمار : قال محمد بن عبد الله الدؤلي : قال عبد العزيز : قال حذيفة : رجعت إلى النبي صلى الله عليه وسلم ليلة الأحزاب وهو مشتمل في شملة يصلي ، وكان إذا حزبه أمر صلى . وحدثنا عبيد الله بن معاذ ، حدثنا أبي ، حدثنا شعبة عن أبي إسحاق سمع حارثة بن مضرب سمع عليا يقول : لقد رأيتنا ليلة بدر وما فينا إلا نائم غير رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي ويدعو حتى أصبح ] .قال ابن جرير : وروي عنه ، عليه الصلاة والسلام ، أنه مر بأبي هريرة ، وهو منبطح على بطنه ، فقال له : اشكنب درد [ قال : نعم ] قال : قم فصل فإن الصلاة شفاء [ ومعناه : أيوجعك بطنك ؟ قال : نعم ] . قال ابن جرير : وقد حدثنا محمد بن العلاء ويعقوب بن إبراهيم ، قالا حدثنا ابن علية ، حدثنا عيينة بن عبد الرحمن ، عن أبيه : أن ابن عباس نعي إليه أخوه قثم وهو في سفر ، فاسترجع ، ثم تنحى عن الطريق ، فأناخ فصلى ركعتين أطال فيهما الجلوس ، ثم قام يمشي إلى راحلته وهو يقول : ( واستعينوا بالصبر والصلاة وإنها لكبيرة إلا على الخاشعين ) .وقال سنيد ، عن حجاج ، عن ابن جرير : ( واستعينوا بالصبر والصلاة ) قال : إنهما معونتان على رحمة الله .والضمير في قوله : ( وإنها ) عائد إلى الصلاة ، نص عليه مجاهد ، واختاره ابن جرير .ويحتمل أن يكون عائدا على ما يدل عليه الكلام ، وهو الوصية بذلك ، كقوله تعالى في قصة قارون : ( وقال الذين أوتوا العلم ويلكم ثواب الله خير لمن آمن وعمل صالحا ولا يلقاها إلا الصابرون ) [ القصص : 80 ] وقال تعالى : ( ولا تستوي الحسنة ولا السيئة ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم وما يلقاها إلا الذين صبروا وما يلقاها إلا ذو حظ عظيم ) [ فصلت : 34 ، 35 ] أي : وما يلقى هذه الوصية إلا الذين صبروا ( وما يلقاها ) أي : يؤتاها ويلهمها ( إلا ذو حظ عظيم )وعلى كل تقدير ، فقوله تعالى : ( وإنها لكبيرة ) أي : مشقة ثقيلة إلا على الخاشعين . قال ابن أبي طلحة ، عن ابن عباس : يعني المصدقين بما أنزل الله . وقال مجاهد : المؤمنين حقا . وقال أبو العالية : إلا على الخاشعين الخائفين ، وقال مقاتل بن حيان : إلا على الخاشعين يعني به المتواضعين . وقال الضحاك : ( وإنها لكبيرة ) قال : إنها لثقيلة إلا على الخاضعين لطاعته ، الخائفين سطواته ، المصدقين بوعده ووعيده .وهذا يشبه ما جاء في الحديث : لقد سألت عن عظيم ، وإنه ليسير على من يسره الله عليه .وقال ابن جرير : معنى الآية : واستعينوا أيها الأحبار من أهل الكتاب ، بحبس أنفسكم على طاعة الله وبإقامة الصلاة المانعة من الفحشاء والمنكر ، المقربة من رضا الله ، العظيمة إقامتها إلا على المتواضعين لله المستكينين لطاعته المتذللين من مخافته .هكذا قال ، والظاهر أن الآية وإن كانت خطابا في سياق إنذار بني إسرائيل ، فإنهم لم يقصدوا بها على سبيل التخصيص ، وإنما هي عامة لهم ولغيرهم . والله أعلم .
الَّذِیْنَ یَظُنُّوْنَ اَنَّهُمْ مُّلٰقُوْا رَبِّهِمْ وَ اَنَّهُمْ اِلَیْهِ رٰجِعُوْنَ۠(۴۶)
جنہیں یقین ہے کہ انہیں اپنے رب سے ملنا ہے اور اسی کی طرف پھرنا- (ف۷۸)
وقوله تعالى : ( الذين يظنون أنهم ملاقو ربهم وأنهم إليه راجعون ) هذا من تمام الكلام الذي قبله ، أي : وإن الصلاة أو الوصاة لثقيلة إلا على الخاشعين الذين يظنون أنهم ملاقو ربهم ، أي : [ يعلمون أنهم ] محشورون إليه يوم القيامة ، معروضون عليه ، وأنهم إليه راجعون ، أي : أمورهم راجعة إلى مشيئته ، يحكم فيها ما يشاء بعدله ، فلهذا لما أيقنوا بالمعاد والجزاء سهل عليهم فعل الطاعات وترك المنكرات .فأما قوله : ( يظنون أنهم ملاقو ربهم ) قال ابن جرير ، رحمه الله : العرب قد تسمي اليقين ظنا ، والشك ظنا ، نظير تسميتهم الظلمة سدفة ، والضياء سدفة ، والمغيث صارخا ، والمستغيث صارخا ، وما أشبه ذلك من الأسماء التي يسمى بها الشيء وضده ، كما قال دريد بن الصمة :فقلت لهم ظنوا بألفي مدجج سراتهم في الفارسي المسرديعني بذلك : تيقنوا بألفي مدجج يأتيكم ، وقال عميرة بن طارق :بأن يعتزوا قومي وأقعد فيكم وأجعل مني الظن غيبا مرجمايعني : وأجعل مني اليقين غيبا مرجما ، قال : والشواهد من أشعار العرب وكلامها على أن الظن في معنى اليقين أكثر من أن تحصر ، وفيما ذكرنا لمن وفق لفهمه كفاية ، ومنه قول الله تعالى : ( ورأى المجرمون النار فظنوا أنهم مواقعوها ) [ الكهف : 53 ] .ثم قال ابن جرير : حدثنا محمد بن بشار ، حدثنا أبو عاصم ، حدثنا سفيان ، عن جابر ، عن مجاهد ، قال : كل ظن في القرآن يقين ، أي : ظننت وظنوا .وحدثني المثنى ، حدثنا إسحاق ، حدثنا أبو داود الحفري ، عن سفيان عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قال : كل ظن في القرآن فهو علم . وهذا سند صحيح .وقال أبو جعفر الرازي ، عن الربيع بن أنس ، عن أبي العالية ، في قوله تعالى : ( الذين يظنون أنهم ملاقو ربهم ) قال : الظن هاهنا يقين .قال ابن أبي حاتم : وروي عن مجاهد ، والسدي ، والربيع بن أنس ، وقتادة نحو قول أبي العالية .وقال سنيد ، عن حجاج ، عن ابن جريج : ( الذين يظنون أنهم ملاقو ربهم ) علموا أنهم ملاقو ربهم ، كقوله : ( إني ظننت أني ملاق حسابيه ) [ الحاقة : 20 ] يقول : علمت .وكذا قال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم .قلت : وفي الصحيح : أن الله تعالى يقول للعبد يوم القيامة : ألم أزوجك ، ألم أكرمك ، ألم أسخر لك الخيل والإبل ، وأذرك ترأس وتربع ؟ فيقول : بلى . فيقول الله تعالى : أفظننت أنك ملاقي ؟ فيقول : لا . فيقول الله : اليوم أنساك كما نسيتني . وسيأتي مبسوطا عند قوله : ( نسوا الله فنسيهم ) [ التوبة : 67 ] إن شاء الله ، والله تعالى أعلم .
یٰبَنِیْۤ اِسْرَآءِیْلَ اذْكُرُوْا نِعْمَتِیَ الَّتِیْۤ اَنْعَمْتُ عَلَیْكُمْ وَ اَنِّیْ فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعٰلَمِیْنَ(۴۷)
اے اولاد یعقوب یاد کرو میرا وہ احسان جو میں نے تم پر کیا اور یہ کہ اس سارے زمانہ پر تمہیں بڑائی دی-(ف۷۹)
يذكرهم تعالى سالف نعمه على آبائهم وأسلافهم ، وما كان فضلهم به من إرسال الرسل منهم وإنزال الكتب عليهم وعلى سائر الأمم من أهل زمانهم ، كما قال تعالى : ( ولقد اخترناهم على علم على العالمين ) [ الدخان : 32 ] ، وقال تعالى : ( وإذ قال موسى لقومه يا قوم اذكروا نعمة الله عليكم إذ جعل فيكم أنبياء وجعلكم ملوكا وآتاكم ما لم يؤت أحدا من العالمين ) [ المائدة : 20 ] .وقال أبو جعفر الرازي ، عن الربيع بن أنس ، عن أبي العالية ، في قوله تعالى : ( وأني فضلتكم على العالمين ) قال : بما أعطوا من الملك والرسل والكتب على عالم من كان في ذلك الزمان ؛ فإن لكل زمان عالما .وروي عن مجاهد ، والربيع بن أنس ، وقتادة ، وإسماعيل بن أبي خالد نحو ذلك ، ويجب الحمل على هذا ؛ لأن هذه الأمة أفضل منهم ؛ لقوله تعالى خطابا لهذه الأمة : ( كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله ولو آمن أهل الكتاب لكان خيرا لهم ) [ آل عمران : 110 ] وفي المسانيد والسنن عن معاوية بن حيدة القشيري ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أنتم توفون سبعين أمة ، أنتم خيرها وأكرمها على الله . والأحاديث في هذا كثيرة تذكر عند قوله تعالى : ( كنتم خير أمة أخرجت للناس )[ وقيل : المراد تفضيل بنوع ما من الفضل على سائر الناس ، ولا يلزم تفضيلهم مطلقا ، حكاه فخر الدين الرازي وفيه نظر . وقيل : إنهم فضلوا على سائر الأمم لاشتمال أمتهم على الأنبياء منهم ، حكاه القرطبي في تفسيره ، وفيه نظر ؛ لأن ( العالمين ) عام يشمل من قبلهم ومن بعدهم من الأنبياء ، فإبراهيم الخليل قبلهم وهو أفضل من سائر أنبيائهم ، ومحمد بعدهم وهو أفضل من جميع الخلق وسيد ولد آدم في الدنيا والآخرة ، صلوات الله وسلامه عليه وعلى إخوانه من الأنبياء والمرسلين ] .
وَ اتَّقُوْا یَوْمًا لَّا تَجْزِیْ نَفْسٌ عَنْ نَّفْسٍ شَیْــٴًـا وَّ لَا یُقْبَلُ مِنْهَا شَفَاعَةٌ وَّ لَا یُؤْخَذُ مِنْهَا عَدْلٌ وَّ لَا هُمْ یُنْصَرُوْنَ(۴۸)
اور ڈرو اس دن سے جس دن کوئی جان دوسرے کا بدلہ نہ ہوسکے گی (ف۸۰) اور نہ (کافر کے لئے) کوئی سفارش مانی جائے اور نہ کچھ لے کر (اس کی) جان چھوڑی جائے اور نہ ان کی مدد ہو- (ف۸۱)
لما ذكرهم [ الله ] تعالى بنعمه أولا عطف على ذلك التحذير من حلول نقمه بهم يوم القيامة فقال : ( واتقوا يوما ) يعني يوم القيامة ( لا تجزي نفس عن نفس شيئا ) أي : لا يغني أحد عن أحد كما قال : ( ولا تزر وازرة وزر أخرى ) [ الأنعام : 164 ] ، وقال : ( لكل امرئ منهم يومئذ شأن يغنيه ) [ عبس : 37 ] ، وقال ( يا أيها الناس اتقوا ربكم واخشوا يوما لا يجزي والد عن ولده ولا مولود هو جاز عن والده شيئا ) [ لقمان : 33 ] ، فهذه أبلغ المقامات : أن كلا من الوالد وولده لا يغني أحدهما عن الآخر شيئا ، وقوله تعالى : ( ولا يقبل منها شفاعة ) يعني عن الكافرين ، كما قال : ( فما تنفعهم شفاعة الشافعين ) [ المدثر : 48 ] ، وكما قال عن أهل النار : ( فما لنا من شافعين ولا صديق حميم ) [ الشعراء : 110 ، 111 ] ، وقوله : ( ولا يؤخذ منها عدل ) أي : لا يقبل منها فداء ، كما قال تعالى : ( إن الذين كفروا وماتوا وهم كفار فلن يقبل من أحدهم ملء الأرض ذهبا ولو افتدى به ) [ آل عمران : 91 ] وقال : ( إن الذين كفروا لو أن لهم ما في الأرض جميعا ومثله معه ليفتدوا به من عذاب يوم القيامة ما تقبل منهم ولهم عذاب أليم ) [ المائدة : 36 ] وقال تعالى : ( وإن تعدل كل عدل لا يؤخذ منها ) [ الأنعام : 70 ] ، وقال : ( فاليوم لا يؤخذ منكم فدية ولا من الذين كفروا ) الآية [ الحديد : 15 ] ، فأخبر تعالى أنهم إن لم يؤمنوا برسوله ويتابعوه على ما بعثه به ، ووافوا الله يوم القيامة على ما هم عليه ، فإنه لا ينفعهم قرابة قريب ولا شفاعة ذي جاه ، ولا يقبل منهم فداء ، ولو بملء الأرض ذهبا ، كما قال تعالى : ( من قبل أن يأتي يوم لا بيع فيه ولا خلة ولا شفاعة ) [ البقرة : 254 ] ، وقال ( لا بيع فيه ولا خلال ) [ إبراهيم : 31 ] .[ وقال سنيد : حدثني حجاج ، حدثني ابن جريج ، قال : قال مجاهد : قال ابن عباس : ( ولا يؤخذ منها عدل ) قال : بدل ، والبدل : الفدية ، وقال السدي : أما عدل فيعدلها من العذاب يقول : لو جاءت بملء الأرض ذهبا تفتدي به ما تقبل منها ، وكذا قال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم ، ] . وقال أبو جعفر الرازي ، عن الربيع بن أنس ، عن أبي العالية ، في قوله : ( ولا يؤخذ منها عدل ) يعني : فداء .قال ابن أبي حاتم : وروي عن أبي مالك ، والحسن ، وسعيد بن جبير ، وقتادة ، والربيع بن أنس ، نحو ذلك .وقال عبد الرزاق : أنبأنا الثوري ، عن الأعمش ، عن إبراهيم التيمي ، عن أبيه عن علي - رضي الله عنه - في حديث طويل ، قال : والصرف والعدل : التطوع والفريضة .وكذا قال الوليد بن مسلم ، عن عثمان بن أبي العاتكة ، عن عمير بن هانئ .وهذا القول غريب هنا ، والقول الأول أظهر في تفسير هذه الآية ، وقد ورد حديث يقويه ، وهو ما قال ابن جرير : حدثني نجيح بن إبراهيم ، حدثنا علي بن حكيم ، حدثنا حميد بن عبد الرحمن ، عن أبيه ، عن عمرو بن قيس الملائي ، عن رجل من بني أمية - من أهل الشام أحسن عليه الثناء - قال : قيل : يا رسول الله ، ما العدل ؟ قال : العدل الفدية .وقوله تعالى : ( ولا هم ينصرون ) أي : ولا أحد يغضب لهم فينصرهم وينقذهم من عذاب الله ، كما تقدم من أنه لا يعطف عليهم ذو قرابة ولا ذو جاه ولا يقبل منهم فداء . هذا كله من جانب التلطف ، ولا لهم ناصر من أنفسهم ، ولا من غيرهم ، كما قال : ( فما له من قوة ولا ناصر ) [ الطارق : 10 ] أي : إنه تعالى لا يقبل فيمن كفر به فدية ولا شفاعة ، ولا ينقذ أحدا من عذابه منقذ ، ولا يجيره منه أحد ، كما قال تعالى : ( وهو يجير ولا يجار عليه ) [ المؤمنون : 88 ] . وقال ( فيومئذ لا يعذب عذابه أحد ولا يوثق وثاقه أحد ) [ الفجر : 25 ، 26 ] ، وقال ( ما لكم لا تناصرون بل هم اليوم مستسلمون ) [ الصافات : 25 ، 26 ] ، وقال ( فلولا نصرهم الذين اتخذوا من دون الله قربانا آلهة بل ضلوا عنهم ) الآية [ الأحقاف : 28 ] .وقال الضحاك عن ابن عباس في قوله : ( ما لكم لا تناصرون ) ما لكم اليوم لا تمانعون منا ؟ هيهات ليس ذلك لكم اليوم .قال ابن جرير : وتأويل قوله : ( ولا هم ينصرون ) يعني : إنهم يومئذ لا ينصرهم ناصر ، كما لا يشفع لهم شافع ، ولا يقبل منهم عدل ولا فدية ، بطلت هنالك المحاباة واضمحلت الرشا والشفاعات ، وارتفع من القوم التعاون والتناصر ، وصار الحكم إلى عدل الجبار الذي لا ينفع لديه الشفعاء والنصراء ، فيجزي بالسيئة مثلها وبالحسنة أضعافها وذلك نظير قوله تعالى : ( وقفوهم إنهم مسئولون ما لكم لا تناصرون بل هم اليوم مستسلمون ) [ الصافات : 24 ، 26 ]
وَ اِذْ نَجَّیْنٰكُمْ مِّنْ اٰلِ فِرْعَوْنَ یَسُوْمُوْنَكُمْ سُوْٓءَ الْعَذَابِ یُذَبِّحُوْنَ اَبْنَآءَكُمْ وَ یَسْتَحْیُوْنَ نِسَآءَكُمْؕ-وَ فِیْ ذٰلِكُمْ بَلَآءٌ مِّنْ رَّبِّكُمْ عَظِیْمٌ(۴۹)
اور (یاد کرو) جب ہم نے تم کو فرعون والوں سے نجات بخشی (ف۸۲) کہ وہ تم پر برا عذاب کرتے تھے (ف۸۳) تمہارے بیٹوں کو ذبح کرتے اور تمہاری بیٹیوں کو زندہ رکھتے (ف۸۴) اور اس میں تمہارے رب کی طرف سے بڑی بلا تھی (یا بڑا انعام) (ف۸۵)
قول تعالى : واذكروا يا بني إسرائيل نعمتي عليكم إذ نجيناكم من آل فرعون أي :خلصتكم منهم وأنقذتكم من أيديهم صحبة موسى ، عليه السلام ، وقد كانوا يسومونكم ، أي : يوردونكم ويذيقونكم ويولونكم سوء العذاب . وذلك أن فرعون - لعنه الله - كان قد رأى رؤيا هالته ، رأى نارا خرجت من بيت المقدس فدخلت دور القبط ببلاد مصر ، إلا بيوت بني إسرائيل ، مضمونها أن زوال ملكه يكون على يدي رجل من بني إسرائيل ، ويقال : بل تحدث سماره عنده بأن بني إسرائيل يتوقعون خروج رجل منهم ، يكون لهم به دولة ورفعة ، وهكذا جاء في حديث الفتون ، كما سيأتي في موضعه [ في سورة طه ] إن شاء الله ، فعند ذلك أمر فرعون - لعنه الله - بقتل كل [ ذي ] ذكر يولد بعد ذلك من بني إسرائيل ، وأن تترك البنات ، وأمر باستعمال بني إسرائيل في مشاق الأعمال وأراذلها .وهاهنا فسر العذاب بذبح الأبناء ، وفي سورة إبراهيم عطف عليه ، كما قال : ( يسومونكم سوء العذاب ويذبحون أبناءكم ويستحيون نساءكم ) [ إبراهيم : 6 ] وسيأتي تفسير ذلك في أول سورة القصص ، إن شاء الله تعالى ، وبه الثقة والمعونة والتأييد .ومعنى ( يسومونكم ) أي : يولونكم ، قاله أبو عبيدة ، كما يقال : سامه خطة خسف إذا أولاه إياها ، قال عمرو بن كلثوم :إذا ما الملك سام الناس خسفا أبينا أن نقر الخسف فيناوقيل : معناه : يديمون عذابكم ، كما يقال : سائمة الغنم من إدامتها الرعي ، نقله القرطبي ، وإنما قال هاهنا : ( يذبحون أبناءكم ويستحيون نساءكم ) ليكون ذلك تفسيرا للنعمة عليهم في قوله : ( يسومونكم سوء العذاب ) ثم فسره بهذا لقوله هاهنا ( اذكروا نعمتي التي أنعمت عليكم ) وأما في سورة إبراهيم فلما قال : ( وذكرهم بأيام الله ) [ إبراهيم : 5 ] ، أي : بأياديه ونعمه عليهم فناسب أن يقول هناك : ( يسومونكم سوء العذاب ويذبحون أبناءكم ويستحيون نساءكم ) فعطف عليه الذبح ليدل على تعدد النعم والأيادي .وفرعون علم على كل من ملك مصر ، كافرا من العماليق وغيرهم ، كما أن قيصر علم على كل من ملك الروم مع الشام كافرا ، وكسرى لكل من ملك الفرس ، وتبع لمن ملك اليمن كافرا [ والنجاشي لمن ملك الحبشة ، وبطليموس لمن ملك الهند ] ويقال : كان اسم فرعون الذي كان في زمن موسى ، عليه السلام ، الوليد بن مصعب بن الريان ، وقيل : مصعب بن الريان ، أيا ما كان فعليه لعنة الله ، [ وكان من سلالة عمليق بن داود بن إرم بن سام بن نوح ، وكنيته أبو مرة ، وأصله فارسي من استخر ] .وقوله تعالى : ( وفي ذلكم بلاء من ربكم عظيم ) قال ابن جرير : وفي الذي فعلنا بكم من إنجائنا إياكم مما كنتم فيه من عذاب آل فرعون بلاء لكم من ربكم عظيم . أي : نعمة عظيمة عليكم في ذلك .وقال علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس [ في ] قوله : ( بلاء من ربكم عظيم ) قال : نعمة . وقال مجاهد : ( بلاء من ربكم عظيم ) قال : نعمة من ربكم عظيمة . وكذا قال أبو العالية ، وأبو مالك ، والسدي ، وغيرهم .وأصل البلاء : الاختبار ، وقد يكون بالخير والشر ، كما قال تعالى : ( ونبلوكم بالشر والخير فتنة ) [ الأنبياء : 25 ] ، وقال : ( وبلوناهم بالحسنات والسيئات ) [ الأعراف : 168 ] .قال ابن جرير : وأكثر ما يقال في الشر : بلوته أبلوه بلاء ، وفي الخير : أبليه إبلاء وبلاء ، قال زهير بن أبي سلمى :جزى الله بالإحسان ما فعلا بكم وأبلاهما خير البلاء الذي يبلوقال : فجمع بين اللغتين ؛ لأنه أراد فأنعم الله عليهما خير النعم التي يختبر بها عباده .[ وقيل : المراد بقوله : ( وفي ذلكم بلاء ) إشارة إلى ما كانوا فيه من العذاب المهين من ذبح الأبناء واستحياء النساء ؛ قال القرطبي : وهذا قول الجمهور ولفظه بعدما حكى القول الأول ، ثم قال : وقال الجمهور : الإشارة إلى الذبح ونحوه ، والبلاء هاهنا في الشر ، والمعنى في الذبح مكروه وامتحان ] .
وَ اِذْ فَرَقْنَا بِكُمُ الْبَحْرَ فَاَنْجَیْنٰكُمْ وَ اَغْرَقْنَاۤ اٰلَ فِرْعَوْنَ وَ اَنْتُمْ تَنْظُرُوْنَ(۵۰)
اور جب ہم نے تمہارے لئے دریا پھاڑ دیا تو تمہیں بچالیا اور فرعون والوں کو تمہاری آنکھوں کے سامنے ڈبو دیا -(ف۸۶)
وقوله تعالى : ( وإذ فرقنا بكم البحر فأنجيناكم وأغرقنا آل فرعون وأنتم تنظرون ) معناه : وبعد أن أنقذناكم من آل فرعون ، وخرجتم مع موسى ، عليه السلام ، خرج فرعون في طلبكم ، ففرقنا بكم البحر ، كما أخبر تعالى عن ذلك مفصلا كما سيأتي في مواضعه ومن أبسطها في سورة الشعراء إن شاء الله .( فأنجيناكم ) أي : خلصناكم منهم ، وحجزنا بينكم وبينهم ، وأغرقناهم وأنتم تنظرون ؛ ليكون ذلك أشفى لصدوركم ، وأبلغ في إهانة عدوكم .قال عبد الرزاق : أنبأنا معمر ، عن أبي إسحاق الهمداني ، عن عمرو بن ميمون الأودي في قوله تعالى : ( وإذ فرقنا بكم البحر ) إلى قوله : ( وأنتم تنظرون ) قال : لما خرج موسى ببني إسرائيل ، بلغ ذلك فرعون فقال : لا تتبعوهم حتى تصيح الديكة . قال : فوالله ما صاح ليلتئذ ديكحتى أصبحوا ؛ فدعا بشاة فذبحت ، ثم قال : لا أفرغ من كبدها حتى يجتمع إلي ستمائة ألف من القبط . فلم يفرغ من كبدها حتى اجتمع إليه ستمائة ألف من القبط ثم سار ، فلما أتى موسى البحر ، قال له رجل من أصحابه ، يقال له : يوشع بن نون : أين أمر ربك ؟ قال : أمامك ، يشير إلى البحر . فأقحم يوشع فرسه في البحر حتى بلغ الغمر ، فذهب به الغمر ، ثم رجع . فقال : أين أمر ربك يا موسى ؟ فوالله ما كذبت ولا كذبت . فعل ذلك ثلاث مرات ، ثم أوحى الله إلى موسى : ( أن اضرب بعصاك البحر ) فضربه ( فانفلق فكان كل فرق كالطود العظيم ) [ الشعراء : 63 ] ، يقول : مثل الجبل . ثم سار موسى ومن معه وأتبعهم فرعون في طريقهم ، حتى إذا تتاموا فيه أطبقه الله عليهم فلذلك قال : ( وأغرقنا آل فرعون وأنتم تنظرون ) .وكذلك قال غير واحد من السلف ، كما سيأتي بيانه في مواضعه . وقد ورد أن هذا اليوم كان يوم عاشوراء ، كما قال الإمام أحمد :حدثنا عفان ، حدثنا عبد الوارث ، حدثنا أيوب ، عن عبد الله بن سعيد بن جبير ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قال : قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة فرأى اليهود يصومون يوم عاشوراء ، فقال : ما هذا اليوم الذي تصومون ؟ . قالوا : هذا يوم صالح ، هذا يوم نجى الله عز وجل فيه بني إسرائيل من عدوهم ، فصامه موسى ، عليه السلام ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أنا أحق بموسى منكم . فصامه رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأمر بصومه .وروى هذا الحديث البخاري ، ومسلم ، والنسائي ، وابن ماجه من طرق ، عن أيوب السختياني ، به نحو ما تقدم .وقال أبو يعلى الموصلي : حدثنا أبو الربيع ، حدثنا سلام - يعني ابن سليم - عن زيد العمي عن يزيد الرقاشي عن أنس ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : فلق الله البحر لبني إسرائيل يوم عاشوراء .وهذا ضعيف من هذا الوجه فإن زيدا العمي فيه ضعف ، وشيخه يزيد الرقاشي أضعف منه .
وَ اِذْ وٰعَدْنَا مُوْسٰۤى اَرْبَعِیْنَ لَیْلَةً ثُمَّ اتَّخَذْتُمُ الْعِجْلَ مِنْۢ بَعْدِهٖ وَ اَنْتُمْ ظٰلِمُوْنَ(۵۱)
اور جب ہم نے موسیٰ سے چالیس رات کا وعدہ فرمایا پھر اس کے پیچھے تم نے بچھڑے کی پوجا شروع کردی اور تم ظالم تھے -(ف۸۷)
يقول تعالى : واذكروا نعمتي عليكم في عفوي عنكم ، لما عبدتم العجل بعد ذهاب موسى لميقات ربه ، عند انقضاء أمد المواعدة ، وكانت أربعين يوما ، وهي المذكورة في الأعراف ، في قوله تعالى : ( وواعدنا موسى ثلاثين ليلة وأتممناها بعشر ) [ الأعراف : 142 ] قيل : إنها ذو القعدة بكماله وعشر من ذي الحجة ، وكان ذلك بعد خلاصهم من قوم فرعون وإنجائهم من البحر .
ثُمَّ عَفَوْنَا عَنْكُمْ مِّنْۢ بَعْدِ ذٰلِكَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُوْنَ(۵۲)
پھر اس کے بعد ہم نے تمہیں معافی دی (ف۸۸) کہ کہیں تم احسان مانو -(ف۸۹)
يقول تعالى : واذكروا نعمتي عليكم في عفوي عنكم ، لما عبدتم العجل بعد ذهاب موسى لميقات ربه ، عند انقضاء أمد المواعدة ، وكانت أربعين يوما ، وهي المذكورة في الأعراف ، في قوله تعالى : ( وواعدنا موسى ثلاثين ليلة وأتممناها بعشر ) [ الأعراف : 142 ] قيل : إنها ذو القعدة بكماله وعشر من ذي الحجة ، وكان ذلك بعد خلاصهم من قوم فرعون وإنجائهم من البحر .
وَ اِذْ اٰتَیْنَا مُوْسَى الْكِتٰبَ وَ الْفُرْقَانَ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُوْنَ(۵۳)
اور جب ہم نے موسیٰ کو کتاب عطا کی اور حق و باطل میں تمیز کردینا کہ کہیں تم راہ آؤ -
وقوله : ( وإذ آتينا موسى الكتاب ) يعني : التوراة ( والفرقان ) وهو ما يفرق بين الحق والباطل ، والهدى والضلال ( لعلكم تهتدون ) وكان ذلك - أيضا - بعد خروجهم من البحر ، كما دل عليه سياق الكلام في سورة الأعراف . ولقوله تعالى : ( ولقد آتينا موسى الكتاب من بعد ما أهلكنا القرون الأولى بصائر للناس وهدى ورحمة لعلهم يتذكرون ) [ القصص : 43 ] .وقيل : الواو زائدة ، والمعنى : ولقد آتينا موسى الكتاب والفرقان وهذا غريب ، وقيل : عطف عليه وإن كان المعنى واحدا ، كما في قول الشاعر :وقدمت الأديم لراقشيه فألفى قولها كذبا وميناوقال الآخر :ألا حبذا هند وأرض بها هند وهند أتى من دونها النأي والبعدفالكذب هو المين ، والنأي : هو البعد . وقال عنترة :حييت من طلل تقادم عهده أقوى وأقفر بعد أم الهيثمفعطف الإقفار على الإقواء وهو هو .
وَ اِذْ قَالَ مُوْسٰى لِقَوْمِهٖ یٰقَوْمِ اِنَّكُمْ ظَلَمْتُمْ اَنْفُسَكُمْ بِاتِّخَاذِكُمُ الْعِجْلَ فَتُوْبُوْۤا اِلٰى بَارِىٕكُمْ فَاقْتُلُوْۤا اَنْفُسَكُمْؕ-ذٰلِكُمْ خَیْرٌ لَّكُمْ عِنْدَ بَارِىٕكُمْؕ فَتَابَ عَلَیْكُمْؕ-اِنَّهٗ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِیْمُ(۵۴)
اور جب موسیٰ نے اپنی قوم سے کہا اے میری قوم تم نے بچھڑا بناکر اپنی جانوں پر ظلم کیا تو اپنے پیدا کرنے والے کی طرف رجوع لاؤ تو آپس میں ایک دوسرے کو قتل کردو (ف۹۰) یہ تمہارے پیدا کرنے والے کے نزدیک تمہارے لیے بہتر ہے تو اس نے تمہاری توبہ قبول کی بیشک وہی ہے بہت توبہ قبول کرنے والا مہربان -(ف ۹۱)
هذه صفة توبته تعالى على بني إسرائيل من عبادة العجل ، قال الحسن البصري ، رحمه الله ، في قوله تعالى : ( وإذ قال موسى لقومه يا قوم إنكم ظلمتم أنفسكم باتخاذكم العجل ) فقال ذلك حين وقع في قلوبهم من شأن عبادتهم العجل ما وقع حين قال الله تعالى : ( ولما سقط في أيديهم ورأوا أنهم قد ضلوا قالوا لئن لم يرحمنا ربنا ويغفر لنا ) الآية [ الأعراف : 149 ] .قال : فذلك حين يقول موسى : ( يا قوم إنكم ظلمتم أنفسكم باتخاذكم العجل )وقال أبو العالية ، وسعيد بن جبير ، والربيع بن أنس : ( فتوبوا إلى بارئكم ) أي إلى خالقكم .قلت : وفي قوله هاهنا : ( إلى بارئكم ) تنبيه على عظم جرمهم ، أي : فتوبوا إلى الذي خلقكم وقد عبدتم معه غيره .وروى النسائي وابن جرير وابن أبي حاتم ، من حديث يزيد بن هارون ، عن الأصبغ بن زيد الوراق عن القاسم بن أبي أيوب ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس ، قال : قال الله تعالى : إن توبتهم أن يقتل كل رجل منهم كل من لقي من ولد ووالد فيقتله بالسيف ، ولا يبالي من قتل في ذلك الموطن . فتاب أولئك الذين كانوا خفي على موسى وهارون ما اطلع الله من ذنوبهم ، فاعترفوا بها ، وفعلوا ما أمروا به فغفر الله تعالى للقاتل والمقتول . وهذا قطعة من حديث الفتون ، وسيأتي في تفسير سورة طه بكماله ، إن شاء الله .وقال ابن جرير : حدثني عبد الكريم بن الهيثم ، حدثنا إبراهيم بن بشار ، حدثنا سفيان بن عيينة ، قال : قال أبو سعيد : عن عكرمة ، عن ابن عباس ، قال : قال موسى لقومه : ( فتوبوا إلى بارئكم فاقتلوا أنفسكم ذلكم خير لكم عند بارئكم فتاب عليكم إنه هو التواب الرحيم ) قال : أمر موسى قومه - من أمر ربه عز وجل - أن يقتلوا أنفسهم قال : واحتبى الذين عبدوا العجل فجلسوا ، وقام الذين لم يعكفوا على العجل ، فأخذوا الخناجر بأيديهم ، وأصابتهم ظلة شديدة ، فجعل يقتل بعضهم بعضا ، فانجلت الظلة عنهم ، وقد أجلوا عن سبعين ألف قتيل ، كل من قتل منهم كانت له توبة ، وكل من بقي كانت له توبة .وقال ابن جريج : أخبرني القاسم بن أبي بزة أنه سمع سعيد بن جبير ومجاهدا يقولان في قوله تعالى : ( فاقتلوا أنفسكم ) قالا قام بعضهم إلى بعض بالخناجر فقتل بعضهم بعضا ، لا يحنو رجل على قريب ولا بعيد ، حتى ألوى موسى بثوبه ، فطرحوا ما بأيديهم ، فكشف عن سبعين ألف قتيل . وإن الله أوحى إلى موسى : أن حسبي ، فقد اكتفيت ، فذلك حين ألوى موسى بثوبه ، [ وروي عن علي رضي الله عنه نحو ذلك ] .وقال قتادة : أمر القوم بشديد من الأمر ، فقاموا يتناحرون بالشفار يقتل بعضهم بعضا ، حتى بلغ الله فيهم نقمته ، فسقطت الشفار من أيديهم ، فأمسك عنهم القتل ، فجعل لحيهم توبة ، وللمقتول شهادة .وقال الحسن البصري : أصابتهم ظلمة حندس ، فقتل بعضهم بعضا [ نقمة ] ثم انكشف عنهم ، فجعل توبتهم في ذلك .وقال السدي في قوله : ( فاقتلوا أنفسكم ) قال : فاجتلد الذين عبدوه والذين لم يعبدوه بالسيوف ، فكان من قتل من الفريقين شهيدا ، حتى كثر القتل ، حتى كادوا أن يهلكوا ، حتى قتل بينهم سبعون ألفا ، وحتى دعا موسى وهارون : ربنا أهلكت بني إسرائيل ، ربنا البقية البقية ،فأمرهم أن يضعوا السلاح وتاب عليهم ، فكان من قتل منهم من الفريقين شهيدا ، ومن بقي مكفرا عنه ؛ فذلك قوله : ( فتاب عليكم إنه هو التواب الرحيم )وقال الزهري : لما أمرت بنو إسرائيل بقتل أنفسها ، برزوا ومعهم موسى ، فاضطربوا بالسيوف ، وتطاعنوا بالخناجر ، وموسى رافع يديه ، حتى إذا أفنوا بعضهم ، قالوا : يا نبي الله ، ادع الله لنا . وأخذوا بعضديه يسندون يديه ، فلم يزل أمرهم على ذلك ، حتى إذا قبل الله توبتهم قبض أيديهم ، بعضهم عن بعض ، فألقوا السلاح ، وحزن موسى وبنو إسرائيل للذي كان من القتل فيهم ، فأوحى الله ، جل ثناؤه ، إلى موسى : ما يحزنك ؟ أما من قتل منكم فحي عندي يرزقون ، وأما من بقي فقد قبلت توبته . فسر بذلك موسى ، وبنو إسرائيل .رواه ابن جرير بإسناد جيد عنه .وقال ابن إسحاق : لما رجع موسى إلى قومه ، وأحرق العجل وذراه في اليم ، خرج إلى ربه بمن اختار من قومه ، فأخذتهم الصاعقة ، ثم بعثوا ، فسأل موسى ربه التوبة لبني إسرائيل من عبادة العجل . فقال : لا إلا أن يقتلوا أنفسهم قال : فبلغني أنهم قالوا لموسى : نصبر لأمر الله . فأمر موسى من لم يكن عبد العجل أن يقتل من عبده . فجلسوا بالأفنية وأصلت عليهم القوم السيوف ، فجعلوا يقتلونهم ، وبكى موسى ، وبهش إليه النساء والصبيان ، يطلبون العفو عنهم ، فتاب الله عليهم ، وعفا عنهم وأمر موسى أن ترفع عنهم السيوف .وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم : لما رجع موسى إلى قومه ، وكان سبعون رجلا قد اعتزلوا مع هارون العجل لم يعبدوه . فقال لهم موسى : انطلقوا إلى موعد ربكم . فقالوا : يا موسى ، ما من توبة ؟ قال : بلى ، ( فاقتلوا أنفسكم ذلكم خير لكم عند بارئكم فتاب عليكم ) الآية ، فاخترطوا السيوف والجرزة والخناجر والسكاكين . قال : وبعث عليهم ضبابة . قال : فجعلوا يتلامسون بالأيدي ، ويقتل بعضهم بعضا . قال : ويلقى الرجل أباه وأخاه فيقتله ولا يدري . قال : ويتنادون [ فيها ] : رحم الله عبدا صبر نفسه حتى يبلغ الله رضاه ، قال : فقتلاهم شهداء ، وتيب على أحيائهم ، ثم قرأ : ( فتاب عليكم إنه هو التواب الرحيم )
وَ اِذْ قُلْتُمْ یٰمُوْسٰى لَنْ نُّؤْمِنَ لَكَ حَتّٰى نَرَى اللّٰهَ جَهْرَةً فَاَخَذَتْكُمُ الصّٰعِقَةُ وَ اَنْتُمْ تَنْظُرُوْنَ(۵۵)
اور جب تم نے کہا اے موسیٰ ہم ہرگز تمہارا یقین نہ لائیں گے جب تک اعلانیہ خدا کو نہ دیکھ لیں تو تمہیں کڑک نے آلیا اور تم دیکھ رہے تھے ۔
يقول تعالى : واذكروا نعمتي عليكم في بعثي لكم بعد الصعق ، إذ سألتم رؤيتي جهرة عيانا ، مما لا يستطاع لكم ولا لأمثالكم ، كما قال ابن جريج ، قال ابن عباس في هذه الآية : ( وإذ قلتم يا موسى لن نؤمن لك حتى نرى الله جهرة ) قال : علانية .وكذا قال إبراهيم بن طهمان عن عباد بن إسحاق ، عن أبي الحويرث ، عن ابن عباس ، أنه قال في قول الله تعالى : ( لن نؤمن لك حتى نرى الله جهرة ) أي علانية ، أي حتى نرى الله .وقال قتادة ، والربيع بن أنس : ( حتى نرى الله جهرة ) أي عيانا .وقال أبو جعفر عن الربيع بن أنس : هم السبعون الذين اختارهم موسى فساروا معه . قال : فسمعوا كلاما ، فقالوا : ( لن نؤمن لك حتى نرى الله جهرة ) قال : فسمعوا صوتا فصعقوا ، يقول : ماتوا .وقال مروان بن الحكم ، فيما خطب به على منبر مكة : الصاعقة : صيحة من السماء .وقال السدي في قوله : ( فأخذتكم الصاعقة ) الصاعقة : نار .وقال عروة بن رويم في قوله : ( وأنتم تنظرون ) قال : فصعق بعضهم وبعض ينظرون ، ثم بعث هؤلاء وصعق هؤلاء .وقال السدي : ( فأخذتكم الصاعقة ) فماتوا ، فقام موسى يبكي ويدعو الله ، ويقول : رب ، ماذا أقول لبني إسرائيل إذا أتيتهم وقد أهلكت خيارهم ( لو شئت أهلكتهم من قبل وإياي أتهلكنا بما فعل السفهاء منا ) [ الأعراف : 155 ] . فأوحى الله إلى موسى أن هؤلاء السبعين ممن اتخذوا العجل ، ثم إن الله أحياهم فقاموا وعاشوا رجل رجل ، ينظر بعضهم إلى بعض : كيف يحيون ؟ قال : فذلك قوله تعالى : ( ثم بعثناكم من بعد موتكم لعلكم تشكرون )
ثُمَّ بَعَثْنٰكُمْ مِّنْۢ بَعْدِ مَوْتِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُوْنَ(۵۶)
پھر مرے پیچھے ہم نے تمہیں زندہ کیا کہ کہیں تم احسان مانو-
وقال الربيع بن أنس : كان موتهم عقوبة لهم ، فبعثوا من بعد الموت ليستوفوا آجالهم . وكذا قال قتادة .وقال ابن جرير : حدثنا محمد بن حميد ، حدثنا سلمة بن الفضل ، عن محمد بن إسحاق ، قال : لما رجع موسى إلى قومه فرأى ما هم عليه من عبادة العجل ، وقال لأخيه وللسامري ما قال ، وحرق العجل وذراه في اليم ، اختار موسى منهم سبعين رجلا الخير فالخير ، وقال : انطلقوا إلى الله وتوبوا إلى الله مما صنعتم وسلوه التوبة على من تركتم وراءكم من قومكم ، صوموا وتطهروا وطهروا ثيابكم . فخرج بهم إلى طور سيناء لميقات وقته له ربه ، وكان لا يأتيه إلا بإذن منه وعلم ، فقال له السبعون - فيما ذكر لي - حين صنعوا ما أمروا به وخرجوا للقاء الله ، قالوا : يا موسى ، اطلب لنا إلى ربك نسمع كلام ربنا ، فقال : أفعل . فلما دنا موسى من الجبل ، وقع عليه الغمام حتى تغشى الجبل كله ، ودنا موسى فدخل فيه ، وقال للقوم : ادنوا . وكان موسى إذا كلمه الله وقع على جبهته نور ساطع ،لا يستطيع أحد من بني آدم أن ينظر إليه ، فضرب دونه بالحجاب ، ودنا القوم حتى إذا دخلوا في الغمام وقعوا سجودا فسمعوه وهو يكلم موسى يأمره وينهاه : افعل ولا تفعل . فلما فرغ إليه من أمره انكشف عن موسى الغمام ، فأقبل إليهم ، فقالوا لموسى : ( لن نؤمن لك حتى نرى الله جهرة ) فأخذتهم الرجفة ، وهي الصاعقة ، فماتوا جميعا . وقام موسى يناشد ربه ويدعوه ويرغب إليه ، ويقول : ( رب لو شئت أهلكتهم من قبل [ وإياي ] ) [ الأعراف : 155 ] قد سفهوا ، أفتهلك من ورائي من بني إسرائيل بما يفعل السفهاء منا ؟ أي : إن هذا لهم هلاك . اخترت منهم سبعين رجلا الخير فالخير ، أرجع إليهم وليس معي منهم رجل واحد! فما الذي يصدقوني به ويأمنوني عليه بعد هذا ؟ ( إنا هدنا إليك ) [ الأعراف : 156 ] فلم يزل موسى يناشد ربه عز وجل ، ويطلب إليه حتى رد إليهم أرواحهم ، وطلب إليه التوبة لبني إسرائيل من عبادة العجل ، فقال : لا ؛ إلا أن يقتلوا أنفسهم .هذا سياق محمد بن إسحاق .وقال إسماعيل بن عبد الرحمن السدي الكبير : لما تابت بنو إسرائيل من عبادة العجل وتاب الله عليهم بقتل بعضهم بعضا كما أمرهم به ، أمر الله موسى أن يأتيه في كل أناس من بني إسرائيل ، يعتذرون إليه من عبادة العجل ، ووعدهم موسى ، فاختار موسى قومه سبعين رجلا على عينه ، ثم ذهب بهم ليعتذروا . وساق البقية .[ وهذا السياق يقتضي أن الخطاب توجه إلى بني إسرائيل في قوله : ( وإذ قلتم يا موسى لن نؤمن لك حتى نرى الله جهرة ) والمراد السبعون المختارون منهم ، ولم يحك كثير من المفسرين سواه ، وقد أغرب فخر الدين الرازي في تفسيره حين حكى في قصة هؤلاء السبعين : أنهم بعد إحيائهم قالوا : يا موسى ، إنك لا تطلب من الله شيئا إلا أعطاك ، فادعه أن يجعلنا أنبياء ، فدعا بذلك فأجاب الله دعوته ، وهذا غريب جدا ، إذ لا يعرف في زمان موسى نبي سوى هارون ثم يوشع بن نون ، وقد غلط أهل الكتاب أيضا في دعواهم أن هؤلاء رأوا الله عز وجل ، فإن موسى الكليم ، عليه السلام ، قد سأل ذلك فمنع منه فكيف يناله هؤلاء السبعون ؟القول الثاني في الآية ] قال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم في تفسير هذه الآية : قال لهم موسى - لما رجع من عند ربه بالألواح ، قد كتب فيها التوراة ، فوجدهم يعبدون العجل ، فأمرهم بقتل أنفسهم ، ففعلوا ، فتاب الله عليهم ، فقال : إن هذه الألواح فيها كتاب الله ، فيه أمركم الذي أمركم به ونهيكم الذي نهاكم عنه . فقالوا : ومن يأخذه بقولك أنت ؟ لا والله حتى نرى الله جهرة ، حتىيطلع الله علينا فيقول : هذا كتابي فخذوه ، فما له لا يكلمنا كما يكلمك أنت يا موسى ! وقرأ قول الله : ( لن نؤمن لك حتى نرى الله جهرة ) قال : فجاءت غضبة من الله ، فجاءتهم صاعقة بعد التوبة ، فصعقتهم فماتوا أجمعون . قال : ثم أحياهم الله من بعد موتهم ، وقرأ قول الله : ( ثم بعثناكم من بعد موتكم لعلكم تشكرون ) فقال لهم موسى : خذوا كتاب الله . فقالوا : لا فقال : أي شيء أصابكم ؟ فقالوا : أصابنا أنا متنا ثم حيينا . قال : خذوا كتاب الله . قالوا : لا . فبعث الله ملائكة فنتقت الجبل فوقهم .[ وهذا السياق يدل على أنهم كلفوا بعد ما أحيوا . وقد حكى الماوردي في ذلك قولين : أحدهما : أنه سقط التكليف عنهم لمعاينتهم الأمر جهرة حتى صاروا مضطرين إلى التصديق ؛ والثاني : أنهم مكلفون لئلا يخلو عاقل من تكليف ، قال القرطبي : وهذا هو الصحيح لأن معاينتهم للأمور الفظيعة لا تمنع تكليفهم ؛ لأن بني إسرائيل قد شاهدوا أمورا عظاما من خوارق العادات ، وهم في ذلك مكلفون وهذا واضح ، والله أعلم ] .
وَ ظَلَّلْنَا عَلَیْكُمُ الْغَمَامَ وَ اَنْزَلْنَا عَلَیْكُمُ الْمَنَّ وَ السَّلْوٰىؕ-كُلُوْا مِنْ طَیِّبٰتِ مَا رَزَقْنٰكُمْؕ-وَ مَا ظَلَمُوْنَا وَ لٰكِنْ كَانُوْۤا اَنْفُسَهُمْ یَظْلِمُوْنَ(۵۷)
اور ہم نے ابر کو تمہارا سائبان کیا (ف۹۲) اور تم پر من اور سلویٰ اتارا کھاؤ ہماری دی ہوئی ستھری چیزیں (ف۹۳) اور انہوں نے کچھ ہمارا نہ بگاڑا ہاں اپنی ہی جانوں کو بگاڑ کرتے تھے-(ف۹۴) اور جب ہم نے فرمایا اس بستی میں جاؤ -
لما ذكر تعالى ما دفعه عنهم من النقم ، شرع يذكرهم - أيضا - بما أسبغ عليهم من النعم ، فقال : ( وظللنا عليكم الغمام ) وهو جمع غمامة ، سمي بذلك لأنه يغم السماء ، أي : يواريها ويسترها . وهو السحاب الأبيض ، ظللوا به في التيه ليقيهم حر الشمس . كما رواه النسائي وغيره عن ابن عباس في حديث الفتون ، قال : ثم ظلل عليهم في التيه بالغمام .قال ابن أبي حاتم : وروي عن ابن عمر ، والربيع بن أنس ، وأبي مجلز ، والضحاك ، والسدي ، نحو قول ابن عباس .وقال الحسن وقتادة : ( وظللنا عليكم الغمام ) [ قال ] كان هذا في البرية ظلل عليهم الغمام من الشمس .وقال ابن جرير قال آخرون : وهو غمام أبرد من هذا ، وأطيب .وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي ، حدثنا أبو حذيفة ، حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : ( وظللنا عليكم الغمام ) قال : ليس بالسحاب ، هو الغمام الذي يأتي الله فيه يوم القيامة ، ولم يكن إلا لهم .وهكذا رواه ابن جرير ، عن المثنى بن إبراهيم ، عن أبي حذيفة .وكذا رواه الثوري ، وغيره ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، وكأنه يريد ، والله أعلم ، أنه ليس من زي هذا السحاب ، بل أحسن منه وأطيب وأبهى منظرا ، كما قال سنيد في تفسيره عن حجاج بن محمد ، عن ابن جريج قال : قال ابن عباس : ( وظللنا عليكم الغمام ) قال : غمام أبرد من هذا وأطيب ، وهو الذي يأتي الله فيه في قوله : ( هل ينظرون إلا أن يأتيهم الله في ظلل من الغمام والملائكة ) [ البقرة : 210 ] وهو الذي جاءت فيه الملائكة يوم بدر . قال ابن عباس : وكان معهم في التيه .وقوله : ( وأنزلنا عليكم المن ) اختلفت عبارات المفسرين في المن : ما هو ؟ فقال علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس : كان المن ينزل عليهم على الأشجار ، فيغدون إليه فيأكلون منه ما شاءوا .وقال مجاهد : المن : صمغة . وقال عكرمة : المن : شيء أنزله الله عليهم مثل الطل ، شبه الرب الغليظ .وقال السدي : قالوا : يا موسى ، كيف لنا بما هاهنا ؟ أين الطعام ؟ فأنزل الله عليهم المن ، فكان يسقط على شجر الزنجبيل .وقال قتادة : كان المن ينزل عليهم في محلتهم سقوط الثلج ، أشد بياضا من اللبن ، وأحلى من العسل ، يسقط عليهم من طلوع الفجر إلى طلوع الشمس ، يأخذ الرجل منهم قدر ما يكفيه يومه ذلك ؛ فإذا تعدى ذلك فسد ولم يبق ، حتى إذا كان يوم سادسه ، ليوم جمعته ، أخذ ما يكفيه ليوم سادسه ويوم سابعه ؛ لأنه كان يوم عيد لا يشخص فيه لأمر معيشته ولا يطلبه لشيء ، وهذا كله في البرية .وقال الربيع بن أنس : المن شراب كان ينزل عليهم مثل العسل ، فيمزجونه بالماء ثم يشربونه .وقال وهب بن منبه - وسئل عن المن - فقال : خبز الرقاق مثل الذرة أو مثل النقي .وقال أبو جعفر بن جرير : حدثني أحمد بن إسحاق ، حدثنا أبو أحمد ، حدثنا إسرائيل ، عن جابر ، عن عامر وهو الشعبي ، قال : عسلكم هذا جزء من سبعين جزءا من المن .وكذا قال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم : إنه العسل .ووقع في شعر أمية بن أبي الصلت ، حيث قال :فرأى الله أنهم بمضيع لا بذي مزرع ولا مثمورا فسناها عليهم غادياتوترى مزنهم خلايا وخورا عسلا ناطفا وماء فراتاوحليبا ذا بهجة مرمورافالناطف : هو السائل ، والحليب المرمور : الصافي منه .والغرض أن عبارات المفسرين متقاربة في شرح المن ، فمنهم من فسره بالطعام ، ومنهم من فسره بالشراب ، والظاهر ، والله أعلم ، أنه كل ما امتن الله به عليهم من طعام وشراب ، وغير ذلك ، مما ليس لهم فيه عمل ولا كد ، فالمن المشهور إن أكل وحده كان طعاما وحلاوة ، وإن مزج مع الماء صار شرابا طيبا ، وإن ركب مع غيره صار نوعا آخر ، ولكن ليس هو المراد من الآية وحده ؛ والدليل على ذلك قول البخاري :حدثنا أبو نعيم ، حدثنا سفيان ، عن عبد الملك ، عن عمرو بن حريث عن سعيد بن زيد - رضي الله عنه - قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم : الكمأة من المن ، وماؤها شفاء للعين .وهذا الحديث رواه الإمام أحمد ، عن سفيان بن عيينة ، عن عبد الملك ، وهو ابن عمير ، به .وأخرجه الجماعة في كتبهم ، إلا أبا داود ، من طرق عن عبد الملك ، وهو ابن عمير ، به . وقال الترمذي : حسن صحيح ، ورواه البخاري ومسلم والنسائي من رواية الحكم ، عن الحسن العرني ، عن عمرو بن حريث ، به .وقال الترمذي : حدثنا أبو عبيدة بن أبي السفر ومحمود بن غيلان ، قالا حدثنا سعيد بن عامر ، عن محمد بن عمرو ، عن أبي سلمة ، عن أبي هريرة ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : العجوة من الجنة ، وفيها شفاء من السم ، والكمأة من المن وماؤها شفاء للعين .تفرد بإخراجه الترمذي ، ثم قال : هذا حديث حسن غريب ، لا نعرفه إلا من حديث محمد بن عمرو ، وإلا من حديث سعيد بن عامر ، عنه ، وفي الباب عن سعيد بن زيد ، وأبي سعيد وجابر .كذا قال ، وقد رواه الحافظ أبو بكر بن مردويه في تفسيره ، من طريق آخر ، عن أبي هريرة ، فقال : حدثنا أحمد بن الحسن بن أحمد البصري ، حدثنا أسلم بن سهل ، حدثنا القاسم بن عيسى ، حدثنا طلحة بن عبد الرحمن ، عن قتادة عن سعيد بن المسيب ، عن أبي هريرة ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : الكمأة من المن ، وماؤها شفاء للعين .وهذا حديث غريب من هذا الوجه ، وطلحة بن عبد الرحمن هذا سلمي واسطي ، يكنى بأبي محمد، وقيل : أبو سليمان المؤدب قال فيه الحافظ أبو أحمد بن عدي : روى عن قتادة أشياء لا يتابع عليها .ثم قال [ الترمذي ] حدثنا محمد بن بشار ، حدثنا معاذ بن هشام ، حدثنا أبي ، عن قتادة ، عن شهر بن حوشب ، عن أبي هريرة : أن ناسا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قالوا : الكمأة جدري الأرض ، فقال نبي الله صلى الله عليه وسلم : الكمأة من المن ، وماؤها شفاء للعين ، والعجوة من الجنة وهي شفاء من السم .وهذا الحديث قد رواه النسائي ، عن محمد بن بشار ، به . وعنه ، عن غندر ، عن شعبة ، عن أبي بشر جعفر بن إياس ، عن شهر بن حوشب ، عن أبي هريرة ، به . وعن محمد بن بشار ، عن عبد الأعلى ، عن خالد الحذاء ، عن شهر بن حوشب . بقصة الكمأة فقط .وروى النسائي - أيضا - وابن ماجه من حديث محمد بن بشار ، عن أبي عبد الصمد عبد العزيز بن عبد الصمد ، عن مطر الوراق ، عن شهر : بقصة العجوة عند النسائي ، وبالقصتين عند ابن ماجه .وهذه الطريق منقطعة بين شهر بن حوشب وأبي هريرة فإنه لم يسمعه منه ، بدليل ما رواه النسائي في الوليمة من سننه ، عن علي بن الحسين الدرهمي عن عبد الأعلى ، عن سعيد بن أبي عروبة ، عن قتادة ، عن شهر بن حوشب ، عن عبد الرحمن بن غنم ، عن أبي هريرة ، قال : خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم وهم يذكرون الكمأة ، وبعضهم يقول جدري الأرض ، فقال : الكمأة من المن ، وماؤها شفاء للعين .وروي عن شهر بن حوشب عن أبي سعيد وجابر ، كما قال الإمام أحمد :حدثنا أسباط بن محمد ، حدثنا الأعمش ، عن جعفر بن إياس ، عن شهر بن حوشب ، عن جابر بن عبد الله وأبي سعيد الخدري ، قالا قال 1 270رسول الله صلى الله عليه وسلم : الكمأة من المن وماؤها شفاء للعين والعجوة من الجنة وهي شفاء من السم .قال النسائي في الوليمة أيضا : حدثنا محمد بن بشار ، حدثنا محمد بن جعفر ، حدثنا شعبة ، عن أبي بشر جعفر بن إياس عن شهر بن حوشب ، عن أبي سعيد وجابر ، رضي الله عنهما ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : الكمأة من المن ، وماؤها شفاء للعين . ثم رواه - أيضا - ، وابن ماجه من طرق ، عن الأعمش ، عن أبي بشر ، عن شهر ، عنهما ، به .وقد رويا - أعني النسائي وابن ماجه - من حديث سعيد بن مسلم كلاهما عن الأعمش ، عن جعفر بن إياس عن أبي نضرة ، عن أبي سعيد ، زاد النسائي : [ وحديث ] جابر ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : الكمأة من المن ، وماؤها شفاء للعين .ورواه ابن مردويه ، عن أحمد بن عثمان ، عن عباس الدوري ، عن لاحق بن صواب عن عمار بن رزيق عن الأعمش ، كابن ماجه .وقال ابن مردويه أيضا : حدثنا أحمد بن عثمان ، حدثنا عباس الدوري ، حدثنا الحسن بن الربيع ، حدثنا أبو الأحوص ، عن الأعمش ، عن المنهال بن عمرو ، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى ، عن أبي سعيد الخدري ، قال : خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي يده كمآت ، فقال : الكمأة من المن ، وماؤها شفاء للعين .وأخرجه النسائي ، عن عمرو بن منصور ، عن الحسن بن الربيع ثم [ رواه ] ابن مردويه . رواه أيضا عن عبد الله بن إسحاق عن الحسن بن سلام ، عن عبيد الله بن موسى ، عن شيبان عن الأعمش به ، وكذا رواه النسائي عن أحمد بن عثمان بن حكيم ، عن عبيد الله بن موسى [ به ] .وقد روى من حديث أنس بن مالك ، رضي الله عنه كما قال ابن مردويه :حدثنا محمد بن عبد الله بن إبراهيم ، حدثنا حمدون بن أحمد ، حدثنا حوثرة بن أشرس ، حدثنا حماد ، عن شعيب بن الحبحاب عن أنس : أن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم تدارؤوا في الشجرة التي اجتثت من فوق الأرض ما لها من قرار ، فقال بعضهم : نحسبه الكمأة . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : الكمأة من المن وماؤها شفاء للعين ، والعجوة من الجنة ، وفيها شفاء من السم .وهذا الحديث محفوظ أصله من رواية حماد بن سلمة . وقد روى الترمذي والنسائي من طريقه شيئا من هذا ، والله أعلم .[ وقد ] روي عن شهر ، عن ابن عباس ، كما رواه النسائي - أيضا - في الوليمة ، عن أبي بكر أحمد بن علي بن سعيد ، عن عبد الله بن عون الخراز ، عن أبي عبيدة الحداد ، عن عبد الجليل بن عطية ، عن شهر ، عن عبد الله بن عباس ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : الكمأة من المن ، وماؤها شفاء للعين .فقد اختلف - كما ترى فيه - على شهر بن حوشب ، ويحتمل عندي أنه حفظه ورواه من هذه الطرق كلها ، وقد سمعه من بعض الصحابة وبلغه عن بعضهم ، فإن الأسانيد إليه جيدة ، وهو لا يتعمد الكذب ، وأصل الحديث محفوظ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، كما تقدم من رواية سعيد بن زيد .وأما السلوى فقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس : السلوى طائر شبيه بالسمانى ، كانوا يأكلون منه .وقال السدي في خبر ذكره عن أبي مالك وعن أبي صالح ، عن ابن عباس - وعن مرة ، عن ابن مسعود ، وعن ناس من الصحابة : السلوى : طائر يشبه السمانى .وقال ابن أبي حاتم : حدثنا الحسن بن محمد بن الصباح ، حدثنا عبد الصمد بن عبد الوارث ، حدثنا قرة بن خالد ، عن جهضم ، عن ابن عباس ، قال : السلوى : هو السمانى .وكذا قال مجاهد ، والشعبي ، والضحاك ، والحسن ، وعكرمة ، والربيع بن أنس ، رحمهم الله .وعن عكرمة : أما السلوى فطير كطير يكون بالجنة أكبر من العصفور ، أو نحو ذلك .وقال قتادة : السلوى من طير إلى الحمرة ، تحشرها عليهم الريح الجنوب . وكان الرجل يذبح منها قدر ما يكفيه يومه ذلك ، فإذا تعدى فسد ولم يبق عنده ، حتى إذا كان يوم سادسه ليوم جمعته أخذ ما يكفيه ليوم سادسه ويوم سابعه ؛ لأنه كان يوم عبادة لا يشخص فيه لشيء ولا يطلبه .وقال وهب بن منبه : السلوى : طير سمين مثل الحمام ، كان يأتيهم فيأخذون منه من سبت إلى سبت . وفي رواية عن وهب ، قال : سألت بنو إسرائيل موسى عليه السلام ، اللحم ، فقال الله : لأطعمنهم من أقل لحم يعلم في الأرض ، فأرسل عليهم ريحا ، فأذرت عند مساكنهم السلوى ، وهو السمانى مثل ميل في ميل قيد رمح إلى السماء فخبئوا للغد فنتن اللحم وخنز الخبز .وقال السدي : لما دخل بنو إسرائيل التيه ، قالوا لموسى ، عليه السلام : كيف لنا بما هاهنا ؟ أين الطعام ؟ فأنزل الله عليهم المن فكان يسقط على الشجر الزنجبيل ، والسلوى وهو طائر يشبه السمانى أكبر منه ، فكان يأتي أحدهم فينظر إلى الطير ، فإن كان سمينا ذبحه وإلا أرسله ، فإذا سمن أتاه ، فقالوا : هذا الطعام فأين الشراب ؟ فأمر موسى فضرب بعصاه الحجر ، فانفجرت منه اثنتا عشرة عينا ، فشرب كل سبط من عين ، فقالوا : هذا الشراب ، فأين الظل ؟ فظلل عليهم الغمام . فقالوا : هذا الظل ، فأين اللباس ؟ فكانت ثيابهم تطول معهم كما يطول الصبيان ، ولا ينخرق لهم ثوب ، فذلك قوله تعالى : ( وظللنا عليكم الغمام وأنزلنا عليكم المن والسلوى ) وقوله ( وإذ استسقى موسى لقومه فقلنا اضرب بعصاك الحجر فانفجرت منه اثنتا عشرة عينا قد علم كل أناس مشربهم ) [ البقرة : 60 ] .وروي عن وهب بن منبه ، وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم نحو ما قاله السدي .وقال سنيد ، عن حجاج ، عن ابن جريج ، قال : قال ابن عباس : خلق لهم في التيه ثياب لا تخرق ولا تدرن ، قال ابن جريج : فكان الرجل إذا أخذ من المن والسلوى فوق طعام يوم فسد ، إلا أنهم كانوا يأخذون في يوم الجمعة طعام يوم السبت فلا يصبح فاسدا .[ قال ابن عطية : السلوى : طير بإجماع المفسرين ، وقد غلط الهذلي في قوله : إنه العسل ، وأنشد في ذلك مستشهدا :وقاسمها بالله جهدا لأنتم ألذ من السلوى إذا ما أشورهاقال : فظن أن السلوى عسلا قال القرطبي : دعوى الإجماع لا تصح ؛ لأن المؤرج أحد علماء اللغة والتفسير قال : إنه العسل ، واستدل ببيت الهذلي هذا ، وذكر أنه كذلك في لغة كنانة ؛ لأنه يسلى به ومنه عين سلوان ، وقال الجوهري : السلوى العسل ، واستشهد ببيت الهذلي - أيضا - ، والسلوانة بالضم خرزة ، كانوا يقولون إذا صب عليها ماء المطر فشربها العاشق سلا قال الشاعر :شربت على سلوانة ماء مزنة فلا وجديد العيش يا مي ما أسلوواسم ذلك الماء السلوان ، وقال بعضهم : السلوان دواء يشفي الحزين فيسلو والأطباء يسمونه ( مفرج ) ، قالوا : والسلوى جمع بلفظ - الواحد - أيضا ، كما يقال : سمانى للمفرد والجمع وويلى كذلك ، وقال الخليل واحده سلواة ، وأنشد :وإني لتعروني لذكراك هزة كما انتفض السلواة من بلل القطروقال الكسائي : السلوى واحدة وجمعه سلاوي ، نقله كله القرطبي ] .وقوله تعالى : ( كلوا من طيبات ما رزقناكم ) أمر إباحة وإرشاد وامتنان . وقوله : ( وما ظلمونا ولكن كانوا أنفسهم يظلمون ) [ البقرة : 57 ] ، أي أمرناهم بالأكل مما رزقناهم وأن يعبدوا ، كما قال : ( كلوا من رزق ربكم واشكروا له ) [ سبأ : 15 ] فخالفوا وكفروا فظلموا أنفسهم ، هذا مع ما شاهدوه من الآيات البينات والمعجزات القاطعات ، وخوارق العادات ، ومن هاهنا تتبين فضيلة أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم ورضي عنهم ، على سائر أصحاب الأنبياء في صبرهم وثباتهم وعدم تعنتهم ، كما كانوا معه في أسفاره وغزواته ، منها عام تبوك ، في ذلك القيظ والحر الشديد والجهد ، لم يسألوا خرق عادة ، ولا إيجاد أمر ، مع أن ذلك كان سهلا على الرسول صلى الله عليه وسلم ، ولكن لما أجهدهم الجوع سألوه في تكثير طعامهم فجمعوا ما معهم ، فجاء قدر مبرك الشاة ، فدعا [ الله ] فيه ، وأمرهم فملئوا كل وعاء معهم ، وكذا لما احتاجوا إلى الماء سأل الله تعالى ، فجاءت سحابة فأمطرتهم ، فشربوا وسقوا الإبل وملئوا أسقيتهم . ثم نظروا فإذا هي لم تجاوز العسكر . فهذا هو الأكمل في الاتباع : المشي مع قدر الله ، مع متابعة الرسول صلى الله عليه وسلم .
وَ اِذْ قُلْنَا ادْخُلُوْا هٰذِهِ الْقَرْیَةَ فَكُلُوْا مِنْهَا حَیْثُ شِئْتُمْ رَغَدًا وَّ ادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّدًا وَّ قُوْلُوْا حِطَّةٌ نَّغْفِرْ لَكُمْ خَطٰیٰكُمْؕ-وَ سَنَزِیْدُ الْمُحْسِنِیْنَ(۵۸)
پھر اس میں جہاں چاہو بے روک ٹوک کھاؤ اور دروازہ میں سجدہ کرتے داخل ہو (ف۹۵) اور کہو ہمارے گناہ معاف ہوں ہم تمہاری خطائیں بخش دیں گے اور قریب ہے کہ نیکی والوں کو اور زیادہ دیں- (ف۹۶)
يقول تعالى لائما لهم على نكولهم عن الجهاد ودخول الأرض المقدسة ، لما قدموا من بلاد مصر صحبة موسى ، عليه السلام ، فأمروا بدخول الأرض المقدسة التي هي ميراث لهم عن أبيهم إسرائيل ، وقتال من فيها من العماليق الكفرة ، فنكلوا عن قتالهم وضعفوا واستحسروا ، فرماهم الله في التيه عقوبة لهم ، كما ذكره تعالى في سورة المائدة ؛ ولهذا كان أصح القولين أن هذه البلدة هي بيت المقدس ، كما نص على ذلك السدي ، والربيع بن أنس ، وقتادة ، [ وأبو مسلم الأصفهاني وغير واحد وقد قال الله تعالى : ( يا قوم ادخلوا الأرض المقدسة التي كتب الله لكم ) الآيات ] . [ المائدة : 21 - 24 ]وقال آخرون : هي أريحا [ ويحكى عن ابن عباس وعبد الرحمن بن زيد ] وهذا بعيد ؛ لأنها ليست على طريقهم ، وهم قاصدون بيت المقدس لا أريحا [ وأبعد من ذلك قول من ذهب أنها مصر ، حكاه فخر الدين في تفسيره ، والصحيح هو الأول ؛ لأنها بيت المقدس ] . وهذا كان لما خرجوا من التيه بعد أربعين سنة مع يوشع بن نون ، عليه السلام ، وفتحها الله عليهم عشية جمعة ، وقد حبست لهم الشمس يومئذ قليلا حتى أمكن الفتح ، وأما أريحا فقرية ليست مقصودة لبني إسرائيل ، ولما فتحوها أمروا أن يدخلوا الباب - باب البلد - ( سجدا ) أي : شكرا لله تعالى على ما أنعم به عليهم من الفتح والنصر ، ورد بلدهم إليهم وإنقاذهم من التيه والضلال .قال العوفي في تفسيره ، عن ابن عباس أنه كان يقول في قوله : ( وادخلوا الباب سجدا ) أي ركعا .وقال ابن جرير : حدثنا محمد بن بشار ، حدثنا أبو أحمد الزبيري ، حدثنا سفيان ، عن الأعمش ، عن المنهال بن عمرو ، وعن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس في قوله : ( وادخلوا الباب سجدا ) قال : ركعا من باب صغير .رواه الحاكم من حديث سفيان ، به . ورواه ابن أبي حاتم من حديث سفيان ، وهو الثوري ، به . وزاد : فدخلوا من قبل استاههم .[ وقال الحسن البصري : أمروا أن يسجدوا على وجوههم حال دخولهم ، واستبعده الرازي ، وحكى عن بعضهم : أن المراد بالسجود هاهنا الخضوع لتعذر حمله على حقيقته ] .وقال خصيف : قال عكرمة ، قال ابن عباس : كان الباب قبل القبلة .وقال [ ابن عباس ] ومجاهد ، والسدي ، وقتادة ، والضحاك : هو باب الحطة من باب إيلياء ببيت المقدس ، [ وحكى الرازي عن بعضهم أنه عن باب جهة من جهات القرية ] .وقال خصيف : قال عكرمة : قال ابن عباس : فدخلوا على شق ، وقال السدي ، عن أبي سعيد الأزدي ، عن أبي الكنود ، عن عبد الله بن مسعود : وقيل لهم ادخلوا الباب سجدا ، فدخلوا مقنعي رؤوسهم ، أي : رافعي رؤوسهم خلاف ما أمروا .وقوله : ( وقولوا حطة ) قال الثوري عن الأعمش ، عن المنهال ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس : ( وقولوا حطة ) قال : مغفرة ، استغفروا .وروي عن عطاء ، والحسن ، وقتادة ، والربيع بن أنس ، نحوه .وقال الضحاك عن ابن عباس : ( وقولوا حطة ) قال : قولوا : هذا الأمر حق ، كما قيل لكم .وقال عكرمة : قولوا : لا إله إلا الله .وقال الأوزاعي : كتب ابن عباس إلى رجل قد سماه يسأله عن قوله تعالى : ( وقولوا حطة ) فكتب إليه : أن أقروا بالذنب .وقال الحسن وقتادة : أي احطط عنا خطايانا .( نغفر لكم خطاياكم وسنزيد المحسنين ) هذا جواب الأمر ، أي : إذا فعلتم ما أمرناكم غفرنا لكم الخطيئات وضاعفنا لكم الحسنات .وحاصل الأمر : أنهم أمروا أن يخضعوا لله تعالى عند الفتح بالفعل والقول ، وأن يعترفوا بذنوبهم ويستغفروا منها ، والشكر على النعمة عندها والمبادرة إلى ذلك من المحبوب لله تعالى ، كما قال تعالى : ( إذا جاء نصر الله والفتح ورأيت الناس يدخلون في دين الله أفواجا فسبح بحمد ربك واستغفره إنه كان توابا ) [ سورة النصر ] فسره بعض الصحابة بكثرة الذكر والاستغفار عند الفتح والنصر ، وفسره ابن عباس بأنه نعي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أجله فيها ، وأقره على ذلك عمر [ بن الخطاب ] رضي الله عنه . ولا منافاة بين أن يكون قد أمر بذلك عند ذلك ، ونعى إليه روحه الكريمة أيضا ؛ ولهذا كان عليه السلام يظهر عليه الخضوع جدا عند النصر ، كما روي أنه كان يوم الفتح - فتح مكة - داخلا إليها من الثنية العليا ، وإنه الخاضع لربه حتى إن عثنونه ليمس مورك رحله ، يشكر الله على ذلك . ثم لما دخل البلد اغتسل وصلى ثماني ركعات وذلك ضحى ، فقال بعضهم : هذه صلاة الضحى ، وقال آخرون : بل هي صلاة الفتح ، فاستحبوا للإمام وللأمير إذا فتح بلدا أن يصلي فيه ثماني ركعات عند أول دخوله ، كما فعل سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه لما دخل إيوان كسرى صلى فيه ثماني ركعات ، والصحيح أنه يفصل بين كل ركعتين بتسليم ؛ وقيل : يصليها كلها بتسليم واحد ، والله أعلم .
فَبَدَّلَ الَّذِیْنَ ظَلَمُوْا قَوْلًا غَیْرَ الَّذِیْ قِیْلَ لَهُمْ فَاَنْزَلْنَا عَلَى الَّذِیْنَ ظَلَمُوْا رِجْزًا مِّنَ السَّمَآءِ بِمَا كَانُوْا یَفْسُقُوْنَ۠(۵۹)
تو ظالموں نے اور بات بدل دی جو فرمائی گئی تھی اس کے سوا (ف۹۷) تو ہم نے آسمان سے ان پر عذاب اتارا (ف۹۸) بدلہ ان کی بے حکمی کا۔
وقوله تعالى : ( فبدل الذين ظلموا قولا غير الذي قيل لهم ) قال البخاري : حدثني محمد ، حدثنا عبد الرحمن بن مهدي ، عن ابن المبارك ، عن معمر ، عن همام بن منبه ، عن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : قيل لبني إسرائيل : ( ادخلوا الباب سجدا وقولوا حطة ) فدخلوا يزحفون على استاههم ، فبدلوا وقالوا : حطة : حبة في شعرة .ورواه النسائي ، عن محمد بن إسماعيل بن إبراهيم ، عن عبد الرحمن بن مهدي به موقوفا وعن محمد بن عبيد بن محمد ، عن ابن المبارك ببعضه مسندا ، في قوله تعالى : ( حطة ) قال : فبدلوا . فقالوا : حبة .وقال عبد الرزاق : أنبأنا معمر ، عن همام بن منبه أنه سمع أبا هريرة يقول : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : قال الله لبني إسرائيل : ( وادخلوا الباب سجدا وقولوا حطة نغفر لكم خطاياكم ) فبدلوا ، ودخلوا الباب يزحفون على استاههم ، فقالوا : حبة في شعرة .وهذا حديث صحيح ، رواه البخاري عن إسحاق بن نصر ، ومسلم عن محمد بن رافع . والترمذي عن عبد بن حميد ، كلهم عن عبد الرزاق ، به . وقال الترمذي : حسن صحيح .وقال محمد بن إسحاق : كان تبديلهم كما حدثني صالح بن كيسان ، عن صالح مولى التوأمة ، عن أبي هريرة ، وعمن لا أتهم ، عن ابن عباس : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : دخلوا الباب - الذي أمروا أن يدخلوا فيه سجدا - يزحفون على استاههم ، وهم يقولون : حنطة في شعيرة .وقال أبو داود : حدثنا أحمد بن صالح ، وحدثنا سليمان بن داود ، حدثنا عبد الله بن وهب ، حدثنا هشام بن سعد ، عن زيد بن أسلم ، عن عطاء بن يسار ، عن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - عن النبي صلى الله عليه وسلم : قال الله لبني إسرائيل : ( ادخلوا الباب سجدا وقولوا حطة نغفر لكم خطاياكم ) ثم قال أبو داود : حدثنا جعفر بن مسافر ، حدثنا ابن أبي فديك ، عن هشام بن سعد ، مثله .هكذا رواه منفردا به في كتاب الحروف مختصرا .وقال ابن مردويه : حدثنا عبد الله بن جعفر ، حدثنا إبراهيم بن مهدي ، حدثنا أحمد بن محمد بن المنذر القزاز ، حدثنا محمد بن إسماعيل بن أبي فديك ، عن هشام بن سعد ، عن زيد بن أسلم ، عن عطاء بن يسار ، عن أبي سعيد الخدري ، قال : سرنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى إذا كان من آخر الليل ، أجزنا في ثنية يقال لها : ذات الحنظل ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ما مثل هذه الثنية الليلة إلا كمثل الباب الذي قال الله لبني إسرائيل : ( ادخلوا الباب سجدا وقولوا حطة نغفر لكم خطاياكم ) .وقال سفيان الثوري ، عن أبي إسحاق ، عن البراء : ( سيقول السفهاء من الناس ) [ البقرة : 142 ] قال اليهود : قيل لهم : ادخلوا الباب سجدا ، قال : ركعا ، وقولوا : حطة : أي مغفرة ، فدخلوا على استاههم ، وجعلوا يقولون : حنطة حمراء فيها شعيرة ، فذلك قول الله تعالى : ( فبدل الذين ظلموا قولا غير الذي قيل لهم ) .وقال الثوري ، عن السدي ، عن أبي سعد الأزدي ، عن أبي الكنود ، عن ابن مسعود : ( وقولوا حطة ) فقالوا : حنطة حبة حمراء فيها شعيرة ، فأنزل الله : ( فبدل الذين ظلموا قولا غير الذي قيل لهم )وقال أسباط ، عن السدي ، عن مرة ، عن ابن مسعود أنه قال : إنهم قالوا : هطي سمعاتا أزبة مزبا فهي بالعربية : حبة حنطة حمراء مثقوبة فيها شعرة سوداء ، فذلك قوله : ( فبدل الذين ظلموا قولا غير الذي قيل لهم )وقال الثوري ، عن الأعمش ، عن المنهال ، عن سعيد ، عن ابن عباس في قوله : ( ادخلوا الباب سجدا ) ركعا من باب صغير ، فدخلوا من قبل استاههم ، وقالوا : حنطة ، فهو قوله تعالى : ( فبدل الذين ظلموا قولا غير الذي قيل لهم )وهكذا روي عن عطاء ، ومجاهد ، وعكرمة ، والضحاك ، والحسن ، وقتادة ، والربيع بن أنس ، ويحيى بن رافع .وحاصل ما ذكره المفسرون وما دل عليه السياق من الحديث أنهم بدلوا أمر الله لهم من الخضوع بالقول والفعل ، فأمروا أن يدخلوا سجدا ، فدخلوا يزحفون على استاههم من قبل استاههم رافعي رؤوسهم ، وأمروا أن يقولوا : حطة ، أي : احطط عنا ذنوبنا ، فاستهزؤوا فقالوا : حنطة في شعرة . وهذا في غاية ما يكون من المخالفة والمعاندة ؛ ولهذا أنزل الله بهم بأسه وعذابه بفسقهم ، وهو خروجهم عن طاعته ؛ ولهذا قال : ( فأنزلنا على الذين ظلموا رجزا من السماء بما كانوا يفسقون )وقال الضحاك عن ابن عباس : كل شيء في كتاب الله من الرجز يعني به العذاب .وهكذا روي عن مجاهد ، وأبي مالك ، والسدي ، والحسن ، وقتادة ، أنه العذاب . وقال أبو العالية : الرجز الغضب . وقال الشعبي : الرجز : إما الطاعون ، وإما البرد . وقال سعيد بن جبير : هو الطاعون .وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبو سعيد الأشج ، حدثنا وكيع ، عن سفيان ، عن حبيب بن أبي ثابت ، عن إبراهيم بن سعد - يعني ابن أبي وقاص - عن سعد بن مالك ، وأسامة بن زيد ، وخزيمة بن ثابت ، رضي الله عنهم ، قالوا : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : الطاعون رجز عذاب عذب به من كان قبلكم .وهكذا رواه النسائي من حديث سفيان الثوري به . وأصل الحديث في الصحيحين من حديث حبيب بن أبي ثابت : إذا سمعتم بالطاعون بأرض فلا تدخلوها الحديث .قال ابن جرير : أخبرني يونس بن عبد الأعلى ، عن ابن وهب ، عن يونس ، عن الزهري ، قال : أخبرني عامر بن سعد بن أبي وقاص ، عن أسامة بن زيد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال : إن هذا الوجع والسقم رجز عذب به بعض الأمم قبلكم . وهذا الحديث أصله مخرج في الصحيحين ، من حديث الزهري ، ومن حديث مالك ، عن محمد بن المنكدر ، وسالم أبي النضر ، عن عامر بن سعد ، بنحوه .
وَ اِذِ اسْتَسْقٰى مُوْسٰى لِقَوْمِهٖ فَقُلْنَا اضْرِبْ بِّعَصَاكَ الْحَجَرَؕ-فَانْفَجَرَتْ مِنْهُ اثْنَتَا عَشْرَةَ عَیْنًاؕ-قَدْ عَلِمَ كُلُّ اُنَاسٍ مَّشْرَبَهُمْؕ-كُلُوْا وَ اشْرَبُوْا مِنْ رِّزْقِ اللّٰهِ وَ لَا تَعْثَوْا فِی الْاَرْضِ مُفْسِدِیْنَ(۶۰)
اور جب موسیٰ نے اپنی قوم کے لئے پانی مانگا تو ہم نے فرمایا اس پتھر پر اپنا عصا مارو فوراً اس میں سے بارہ چشمے بہ نکلے (ف۹۹) ہر گروہ نے اپنا گھاٹ پہچان لیا کھاؤ اور پیؤ خدا کا دیا (ف۱۰۰) اور زمین میں فساد اٹھاتے نہ پھرو(ف۱۰۱)
يقول تعالى : واذكروا نعمتي عليكم في إجابتي لنبيكم موسى ، عليه السلام ، حين استسقاني لكم ، وتيسيري لكم الماء ، وإخراجه لكم من حجر يحمل معكم ، وتفجيري الماء لكم منه من ثنتي عشرة عينا لكل سبط من أسباطكم عين قد عرفوها ، فكلوا من المن والسلوى ، واشربوا من هذا الماء الذي أنبعته لكم بلا سعي منكم ولا كد ، واعبدوا الذي سخر لكم ذلك . ( ولا تعثوا في الأرض مفسدين ) ولا تقابلوا النعم بالعصيان فتسلبوها . وقد بسطه المفسرون في كلامهم ، كما قال ابن عباس : وجعل بين ظهرانيهم حجر مربع وأمر موسى ، عليه السلام ، فضربه بعصاه ، فانفجرت منه اثنتا عشرة عينا ، في كل ناحية منه ثلاث عيون ، وأعلم كل سبط عينهم ، يشربون منها لا يرتحلون من منقلة إلا وجدوا ذلك معهم بالمكان الذي كان منهم بالمنزل الأول .وهذا قطعة من الحديث الذي رواه النسائي ، وابن جرير ، وابن أبي حاتم ، وهو حديث الفتون الطويل .وقال عطية العوفي : وجعل لهم حجر مثل رأس الثور يحمل على ثور ، فإذا نزلوا منزلا وضعوه فضربه موسى بعصاه ، فانفجرت منه اثنتا عشرة عينا ، فإذا ساروا حملوه على ثور ، فاستمسك الماء .وقال عثمان بن عطاء الخراساني ، عن أبيه : كان لبني إسرائيل حجر ، فكان يضعه هارون ويضربه موسى بالعصا .وقال قتادة : كان حجرا طوريا ، من الطور ، يحملونه معهم حتى إذا نزلوا ضربه موسى بعصاه .[ وقال الزمخشري : وقيل : كان من رخام وكان ذراعا في ذراع ، وقيل : مثل رأس الإنسان ، وقيل : كان من أسس الجنة طوله عشرة أذرع على طول موسى . وله شعبتان تتقدان في الظلمة وكان يحمل على حمار ، قال : وقيل : أهبطه آدم من الجنة فتوارثوه ، حتى وقع إلى شعيب فدفعه إليه مع العصا ، وقيل : هو الحجر الذي وضع عليه ثوبه حين اغتسل ، فقال له جبريل : ارفع هذا الحجر فإن فيه قدرة ولك فيه معجزة ، فحمله في مخلاته . قال الزمخشري : ويحتمل أن تكون اللام للجنس لا للعهد ، أي اضرب الشيء الذي يقال له الحجر ، وعن الحسن لم يأمره أن يضرب حجرا بعينه ، قال : وهذا أظهر في المعجزة وأبين في القدرة فكان يضرب الحجر بعصاه فينفجر ثم يضربه فييبس ، فقالوا : إن فقد موسى هذا الحجر عطشنا ، فأوحى الله إليه أن يكلم الحجارة فتنفجر ولا يمسها بالعصا لعلهم يقرون ] .وقال يحيى بن النضر : قلت لجويبر : كيف علم كل أناس مشربهم ؟ قال : كان موسى يضع الحجر ، ويقوم من كل سبط رجل ، ويضرب موسى الحجر فينفجر منه اثنتا عشرة عينا فينضح من كل عين على رجل ، فيدعو ذلك الرجل سبطه إلى تلك العين .وقال الضحاك : قال ابن عباس : لما كان بنو إسرائيل في التيه شق لهم من الحجر أنهارا .وقال سفيان الثوري ، عن أبي سعيد ، عن عكرمة ، عن ابن عباس ، قال : ذلك في التيه ، ضرب لهم موسى الحجر فصار فيه اثنتا عشرة عينا من ماء ، لكل سبط منهم عين يشربون منها .وقال مجاهد نحو قول ابن عباس .وهذه القصة شبيهة بالقصة المذكورة في سورة الأعراف ، ولكن تلك مكية ، فلذلك كان الإخبار عنهم بضمير الغائب ؛ لأن الله تعالى يقص ذلك على رسوله صلى الله عليه وسلم عما فعل بهم . وأما في هذه السورة ، وهي البقرة فهي مدنية ؛ فلهذا كان الخطاب فيها متوجها إليهم . وأخبر هناك بقوله : ( فانبجست منه اثنتا عشرة عينا ) [ الأعراف : 160 ] وهو أول الانفجار ، وأخبر هاهنا بما آل إليه الأمر آخرا وهو الانفجار فناسب ذكر الانفجار هاهنا ، وذاك هناك ، والله أعلم .وبين السياقين تباين من عشرة أوجه لفظية ومعنوية قد سأل عنها الرازي في تفسيره وأجاب عنها بما عنده ، والأمر في ذلك قريب والله تبارك وتعالى أعلم بأسرار كتابه .
وَ اِذْ قُلْتُمْ یٰمُوْسٰى لَنْ نَّصْبِرَ عَلٰى طَعَامٍ وَّاحِدٍ فَادْعُ لَنَا رَبَّكَ یُخْرِ جْ لَنَا مِمَّا تُنْۢبِتُ الْاَرْضُ مِنْۢ بَقْلِهَا وَ قِثَّآىٕهَا وَ فُوْمِهَا وَ عَدَسِهَا وَ بَصَلِهَاؕ-قَالَ اَتَسْتَبْدِلُوْنَ الَّذِیْ هُوَ اَدْنٰى بِالَّذِیْ هُوَ خَیْرٌؕ-اِهْبِطُوْا مِصْرًا فَاِنَّ لَكُمْ مَّا سَاَلْتُمْؕ-وَ ضُرِبَتْ عَلَیْهِمُ الذِّلَّةُ وَ الْمَسْكَنَةُۗ-وَ بَآءُوْ بِغَضَبٍ مِّنَ اللّٰهِؕ ذٰلِكَ بِاَنَّهُمْ كَانُوْا یَكْفُرُوْنَ بِاٰیٰتِ اللّٰهِ وَ یَقْتُلُوْنَ النَّبِیّٖنَ بِغَیْرِ الْحَقِّؕ-ذٰلِكَ بِمَا عَصَوْا وَّ كَانُوْا یَعْتَدُوْنَ۠(۶۱)
اور جب تم نے کہا اے موسیٰ (ف۱۰۲) ہم سے تو ایک کھانے پر (ف۱۰۳) ہرگز صبر نہ ہوگا تو آپ اپنے رب سے دعا کیجئے کہ زمین کی اگائی ہوئی چیزیں ہمارے لئے نکالے کچھ ساگ اور ککڑی اور گیہوں اور مسور اور پیاز فرمایا کیا ادنیٰ چیز کو بہتر کے بدلے مانگتے ہو (ف۱۰۴) اچھا مصر (ف۱۰۵) یا کسی شہر میں اترو وہاں تمہیں ملے گا جو تم نے مانگا (ف۱۰۶) اور ان پر مقرر کردی گئی خواری اور ناداری (ف۱۰۷) اور خدا کے غضب میں لوٹے (ف۱۰۸) یہ بدلہ تھا اس کا کہ وہ اللہ کی آیتوں کا انکار کرتے اور انبیاء کو ناحق شہید کرتے (ف۱۰۹) یہ بدلہ تھا ان کی نافرمانیوں اور حد سے بڑھنے کا-
يقول تعالى : واذكروا نعمتي عليكم في إنزالي عليكم المن والسلوى ، طعاما طيبا نافعا هنيئا سهلا واذكروا دبركم وضجركم مما رزقتكم وسؤالكم موسى استبدال ذلك بالأطعمة الدنية من البقول ونحوها مما سألتم . وقال الحسن البصري رحمه الله : فبطروا ذلك ولم يصبروا عليه ، وذكروا عيشهم الذي كانوا فيه ، وكانوا قوما أهل أعداس وبصل وبقل وفوم ، فقالوا : ( يا موسى لن نصبر على طعام واحد فادع لنا ربك يخرج لنا مما تنبت الأرض من بقلها وقثائها وفومها وعدسها وبصلها ) [ وهم يأكلون المن والسلوى ، لأنه لا يتبدل ولا يتغير كل يوم فهو كأكل واحد ] . فالبقول والقثاء والعدس والبصل كلها معروفة . وأما الفوم فقد اختلف السلف في معناه فوقع في قراءة ابن مسعود وثومها بالثاء ، وكذلك فسره مجاهد في رواية ليث بن أبي سليم ، عنه ، بالثوم . وكذا الربيع بن أنس ، وسعيد بن جبير .وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي ، حدثنا عمرو بن رافع ، حدثنا أبو عمارة يعقوب بن إسحاق البصري ، عن يونس ، عن الحسن ، في قوله : ( وفومها ) قال : قال ابن عباس : الثوم .قالوا : وفي اللغة القديمة : فوموا لنا بمعنى : اختبزوا . وقال ابن جرير : فإن كان ذلك صحيحا ، فإنه من الحروف المبدلة كقولهم : وقعوا في عاثور شر ، وعافور شر ، وأثافي وأثاثي ، ومغافير ومغاثير . وأشباه ذلك مما تقلب الفاء ثاء والثاء فاء لتقارب مخرجيهما ، والله أعلم .وقال آخرون : الفوم الحنطة ، وهو البر الذي يعمل منه الخبز .قال ابن أبي حاتم : حدثنا يونس بن عبد الأعلى قراءة ، أنبأنا ابن وهب قراءة ، حدثني نافع بن أبي نعيم : أن ابن عباس سئل عن قول الله : ( وفومها ) ما فومها ؟ قال : الحنطة . قال ابن عباس : أما سمعت قول أحيحة بن الجلاح وهو يقول :قد كنت أغنى الناس شخصا واحدا ورد المدينة عن زراعة فوموقال ابن جرير : حدثنا علي بن الحسن ، حدثنا مسلم الجرمي ، حدثنا عيسى بن يونس ، عن رشدين بن كريب ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، في قول الله تعالى : ( وفومها ) قال : الفوم الحنطة بلسان بني هاشم .وكذا قال علي بن أبي طلحة ، والضحاك وعكرمة عن ابن عباس أن الفوم : الحنطة .وقال سفيان الثوري ، عن ابن جريج ، عن مجاهد وعطاء : ( وفومها ) قالا وخبزها .وقال هشيم عن يونس ، عن الحسن ، وحصين ، عن أبي مالك : ( وفومها ) قال : الحنطة .وهو قول عكرمة ، والسدي ، والحسن البصري ، وقتادة ، وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم ، وغيرهم ، والله أعلم .[ وقال الجوهري : الفوم : الحنطة . وقال ابن دريد : الفوم : السنبلة ، وحكى القرطبي عن عطاء وقتادة أن الفوم كل حب يختبز . قال : وقال بعضهم : هو الحمص لغة شامية ، ومنه يقال لبائعه : فامي مغير عن فومي ] .وقال البخاري : وقال بعضهم : الحبوب التي تؤكل كلها فوم .وقوله تعالى : ( قال أتستبدلون الذي هو أدنى بالذي هو خير ) فيه تقريع لهم وتوبيخ على ما سألوا من هذه الأطعمة الدنية مع ما هم فيه من العيش الرغيد ، والطعام الهنيء الطيب النافع .وقوله : ( اهبطوا مصرا ) هكذا هو منون مصروف مكتوب بالألف في المصاحف الأئمة العثمانية ، وهو قراءة الجمهور بالصرف .قال ابن جرير : ولا أستجيز القراءة بغير ذلك ؛ لإجماع المصاحف على ذلك .وقال ابن عباس : ( اهبطوا مصرا ) قال : مصرا من الأمصار ، رواه ابن أبي حاتم ، من حديث أبي سعيد البقال سعيد بن المرزبان ، عن عكرمة ، عنه .قال : وروي عن السدي ، وقتادة ، والربيع بن أنس نحو ذلك .وقال ابن جرير : وقع في قراءة أبي بن كعب وابن مسعود : اهبطوا مصر من غير إجراء يعني من غير صرف . ثم روى عن أبي العالية ، والربيع بن أنس أنهما فسرا ذلك بمصر فرعون .وكذا رواه ابن أبي حاتم عن أبي العالية ، وعن الأعمش أيضا .وقال ابن جرير : ويحتمل أن يكون المراد مصر فرعون على قراءة الإجراء أيضا . ويكون ذلك من باب الاتباع لكتابة المصحف ، كما في قوله تعالى : ( قواريرا قواريرا ) [ الإنسان : 15 ، 16 ] . ثم توقف في المراد ما هو ؟ أمصر فرعون أم مصر من الأمصار ؟وهذا الذي قاله فيه نظر ، والحق أن المراد مصر من الأمصار كما روي عن ابن عباس وغيره ، والمعنى على ذلك لأن موسى ، عليه السلام يقول لهم : هذا الذي سألتم ليس بأمر عزيز ، بل هو كثير في أي بلد دخلتموه وجدتموه ، فليس يساوي مع دناءته وكثرته في الأمصار أن أسأل الله فيه ؛ ولهذا قال : ( أتستبدلون الذي هو أدنى بالذي هو خير اهبطوا مصرا فإن لكم ما سألتم ) أي : ما طلبتم ، ولما كان سؤالهم هذا من باب البطر والأشر ولا ضرورة فيه ، لم يجابوا إليه ، والله أعلميقول تعالى : ( وضربت عليهم الذلة والمسكنة ) أي : وضعت عليهم وألزموا بها شرعا وقدرا ، أي : لا يزالون مستذلين ، من وجدهم استذلهم وأهانهم ، وضرب عليهم الصغار ، وهم مع ذلك في أنفسهم أذلاء متمسكنون .قال الضحاك عن ابن عباس في قوله : ( وضربت عليهم الذلة والمسكنة ) قال : هم أصحاب النيالات يعني أصحاب الجزية .وقال عبد الرزاق ، عن معمر ، عن الحسن وقتادة ، في قوله تعالى : ( وضربت عليهم ) قال : يعطون الجزية عن يد وهم صاغرون ، وقال الضحاك : ( وضربت عليهم الذلة ) قال : الذل . وقال الحسن : أذلهم الله فلا منعة لهم ، وجعلهم الله تحت أقدام المسلمين . ولقد أدركتهم هذه الأمة وإن المجوس لتجبيهم الجزية .وقال أبو العالية والربيع بن أنس والسدي : المسكنة : الفاقة . وقال عطية العوفي : الخراج . وقال الضحاك : الجزية .وقوله تعالى : ( وباءوا بغضب من الله ) قال الضحاك : استحقوا الغضب من الله ، وقال الربيع بن أنس : فحدث عليهم غضب من الله . وقال سعيد بن جبير : ( وباءوا بغضب من الله ) يقول : استوجبوا سخطا ، وقال ابن جرير : يعني بقوله : ( وباءوا بغضب من الله ) انصرفوا ورجعوا ، ولا يقال : باءوا إلا موصولا إما بخير وإما بشر ، يقال منه : باء فلان بذنبه يبوء به بوءا وبواء . ومنه قوله تعالى : ( إني أريد أن تبوء بإثمي وإثمك ) [ المائدة : 29 ] يعني : تنصرف متحملهما وترجع بهما ، قد صارا عليك دوني . فمعنى الكلام إذا : فرجعوا منصرفين متحملين غضب الله ، قد صار عليهم من الله غضب ، ووجب عليهم من الله سخط .وقوله تعالى : ( ذلك بأنهم كانوا يكفرون بآيات الله ويقتلون النبيين بغير الحق ) يقول تعالى :هذا الذي جازيناهم من الذلة والمسكنة ، وإحلال الغضب بهم بسبب استكبارهم عن اتباع الحق ، وكفرهم بآيات الله ، وإهانتهم حملة الشرع وهم الأنبياء وأتباعهم ، فانتقصوهم إلى أن أفضى بهم الحال إلى أن قتلوهم ، فلا كبر أعظم من هذا ، إنهم كفروا بآيات الله وقتلوا أنبياء الله بغير الحق ؛ ولهذا جاء في الحديث المتفق على صحته أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : الكبر بطر الحق ، وغمط الناس .وقال الإمام أحمد : حدثنا إسماعيل ، عن ابن عون ، عن عمرو بن سعيد ، عن حميد بن عبد الرحمن ، قال : قال ابن مسعود : كنت لا أحجب عن النجوى ، ولا عن كذا ولا عن كذا قال : فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وعنده مالك بن مرارة الرهاوي ، فأدركته من آخر حديثه ، وهو يقول : يا رسول الله ، قد قسم لي من الجمال ما ترى ، فما أحب أن أحدا من الناس فضلني بشراكين فما فوقهما أفليس ذلك هو البغي ؟ فقال : لا ليس ذلك من البغي ، ولكن البغي من بطر - أو قال : سفه الحق - وغمط الناس . يعني : رد الحق وانتقاص الناس ، والازدراء بهم والتعاظم عليهم . ولهذا لما ارتكب بنو إسرائيل ما ارتكبوه من الكفر بآيات الله وقتل أنبيائهم ، أحل الله بهم بأسه الذي لا يرد ، وكساهم ذلا في الدنيا موصولا بذل الآخرة جزاء وفاقا .قال أبو داود الطيالسي : حدثنا شعبة ، عن الأعمش ، عن إبراهيم ، عن أبي معمر ، عن عبد الله بن مسعود ، قال : كانت بنو إسرائيل في اليوم تقتل ثلاثمائة نبي ، ثم يقيمون سوق بقلهم في آخر النهار .وقد قال الإمام أحمد : حدثنا عبد الصمد ، حدثنا أبان ، حدثنا عاصم ، عن أبي وائل ، عن عبد الله - يعني ابن مسعود - أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : أشد الناس عذابا يوم القيامة رجل قتله نبي ، أو قتل نبيا ، وإمام ضلالة وممثل من الممثلين .وقوله تعالى : ( ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون ) وهذه علة أخرى في مجازاتهم بما جوزوا به ، أنهم كانوا يعصون ويعتدون ، فالعصيان فعل المناهي ، والاعتداء المجاوزة في حد المأذون فيه أو المأمور به . والله أعلم .
اِنَّ الَّذِیْنَ اٰمَنُوْا وَ الَّذِیْنَ هَادُوْا وَ النَّصٰرٰى وَ الصّٰبِـٕیْنَ مَنْ اٰمَنَ بِاللّٰهِ وَ الْیَوْمِ الْاٰخِرِ وَ عَمِلَ صَالِحًا فَلَهُمْ اَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْۚ-وَ لَا خَوْفٌ عَلَیْهِمْ وَ لَا هُمْ یَحْزَنُوْنَ(۶۲)
بیشک ایمان والے نیز یہودیوں اور نصرانیوں اور ستارہ پرستوں میں سے وہ کہ سچے دل سے اللہ اور پچھلے دن پر ایمان لائیں اور نیک کام کریں ان کا ثواب ان کے رب کے پاس ہے اور نہ انہیں کچھ اندیشہ ہو اور نہ کچھ غم(ف۱۱۰)
لما بين [ الله ] تعالى حال من خالف أوامره وارتكب زواجره ، وتعدى في فعل ما لا إذن فيه وانتهك المحارم ، وما أحل بهم من النكال ، نبه تعالى على أن من أحسن من الأمم السالفة وأطاع ، فإن له جزاء الحسنى ، وكذلك الأمر إلى قيام الساعة ؛ كل من اتبع الرسول النبي الأمي فله السعادة الأبدية ، ولا خوف عليهم فيما يستقبلونه ، ولا هم يحزنون على ما يتركونه ويخلفونه ، كما قال تعالى : ( ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون ) [ يونس : 62 ] وكما تقول الملائكة للمؤمنين عند الاحتضار في قوله : ( إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا تتنزل عليهم الملائكة ألا تخافوا ولا تحزنوا وأبشروا بالجنة التي كنتم توعدون ) [ فصلت : 30 ] .قال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي ، حدثنا ابن أبي عمر العدني ، حدثنا سفيان ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قال : قال سلمان : سألت النبي صلى الله عليه وسلم عن أهل دين كنت معهم ، فذكرت من صلاتهم وعبادتهم ، فنزلت : ( إن الذين آمنوا والذين هادوا والنصارى والصابئين من آمن بالله واليوم الآخر ) إلى آخر الآية .وقال السدي : ( إن الذين آمنوا والذين هادوا والنصارى والصابئين من آمن بالله واليوم الآخر وعمل صالحا ) الآية : نزلت في أصحاب سلمان الفارسي ، بينا هو يحدث النبي صلى الله عليه وسلم إذ ذكر أصحابه ، فأخبره خبرهم ، فقال : كانوا يصومون ويصلون ويؤمنون بك ، ويشهدون أنك ستبعث نبيا ، فلما فرغ سلمان من ثنائه عليهم ، قال له نبي الله صلى الله عليه وسلم : يا سلمان ، هم من أهل النار . فاشتد ذلك على سلمان ، فأنزل الله هذه الآية ، فكان إيمان اليهود : أنه من تمسك بالتوراة وسنة موسى ، عليه السلام ؛ حتى جاء عيسى . فلما جاء عيسى كان من تمسك بالتوراة وأخذ بسنة موسى ، فلم يدعها ولم يتبع عيسى ، كان هالكا . وإيمان النصارى أن من تمسك بالإنجيل منهم وشرائع عيسى كان مؤمنا مقبولا منه حتى جاء محمد صلى الله عليه وسلم ، فمن لم يتبع محمدا صلى الله عليه وسلم منهم ويدع ما كان عليه من سنة عيسى والإنجيل - كان هالكا .وقال ابن أبي حاتم : وروي عن سعيد بن جبير نحو هذا .قلت : وهذا لا ينافي ما روى علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس : ( إن الذين آمنوا والذين هادوا والنصارى والصابئين من آمن بالله واليوم الآخر ) الآية فأنزل الله بعد ذلك : ( ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين ) [ آل عمران : 85 ] .فإن هذا الذي قاله [ ابن عباس ] إخبار عن أنه لا يقبل من أحد طريقة ولا عملا إلا ما كان موافقا لشريعة محمد صلى الله عليه وسلم بعد أن بعثه [ الله ] بما بعثه به ، فأما قبل ذلك فكل من اتبع الرسول في زمانه فهو على هدى وسبيل ونجاة ، فاليهود أتباع موسى ، عليه السلام ، الذين كانوا يتحاكمون إلى التوراة في زمانهم .واليهود من الهوادة وهي المودة أو التهود وهي التوبة ؛ كقول موسى ، عليه السلام : ( إنا هدنا إليك ) [ الأعراف : 156 ] أي : تبنا ، فكأنهم سموا بذلك في الأصل لتوبتهم ومودتهم في بعضهم لبعض .[ وقيل : لنسبتهم إلى يهوذا أكبر أولاد يعقوب عليه السلام ، وقال أبو عمرو بن العلاء : لأنهم يتهودون ، أي : يتحركون عند قراءة التوراة ] .فلما بعث عيسى صلى الله عليه وسلم وجب على بني إسرائيل اتباعه والانقياد له ، فأصحابه وأهل دينه هم النصارى ، وسموا بذلك لتناصرهم فيما بينهم ، وقد يقال لهم : أنصار أيضا ، كما قال عيسى ، عليه السلام : ( من أنصاري إلى الله قال الحواريون نحن أنصار الله ) [ آل عمران : 52 ] وقيل : إنهم إنما سموا بذلك من أجل أنهم نزلوا أرضا يقال لها ناصرة ، قاله قتادة وابن جريج ، وروي عن ابن عباس أيضا ، والله أعلم .والنصارى : جمع نصران كنشاوى جمع نشوان ، وسكارى جمع سكران ، ويقال للمرأة : نصرانة ، قال الشاعر :نصرانة لم تحنففلما بعث الله محمدا صلى الله عليه وسلم خاتما للنبيين ، ورسولا إلى بني آدم على الإطلاق ، وجب عليهم تصديقه فيما أخبر ، وطاعته فيما أمر ، والانكفاف عما عنه زجر . وهؤلاء هم المؤمنون [ حقا ] . وسميت أمة محمد صلى الله عليه وسلم مؤمنين لكثرة إيمانهم وشدة إيقانهم ، ولأنهم يؤمنون بجميع الأنبياء الماضية والغيوب الآتية . وأما الصابئون فقد اختلف فيهم ؛ فقال سفيان الثوري ، عن ليث بن أبي سليم ، عنمجاهد ، قال : الصابئون قوم بين المجوس واليهود والنصارى ، ليس لهم دين . وكذا رواه ابن أبي نجيح ، عنه وروي عن عطاء وسعيد بن جبير نحو ذلك .وقال أبو العالية والربيع بن أنس ، والسدي ، وأبو الشعثاء جابر بن زيد ، والضحاك [ وإسحاق بن راهويه ] الصابئون فرقة من أهل الكتاب يقرؤون الزبور .[ ولهذا قال أبو حنيفة وإسحاق : لا بأس بذبائحهم ومناكحتهم ] .وقال هشيم عن مطرف : كنا عند الحكم بن عتيبة فحدثه رجل من أهل البصرة عن الحسن أنه كان يقول في الصابئين : إنهم كالمجوس ، فقال الحكم : ألم أخبركم بذلك .وقال عبد الرحمن بن مهدي ، عن معاوية بن عبد الكريم : سمعت الحسن ذكر الصابئين ، فقال : هم قوم يعبدون الملائكة .[ وقال ابن جرير : حدثنا محمد بن عبد الأعلى ، حدثنا المعتمر بن سليمان عن أبيه ، عن الحسن قال : أخبر زياد أن الصابئين يصلون إلى القبلة ويصلون الخمس . قال : فأراد أن يضع عنهم الجزية . قال : فخبر بعد أنهم يعبدون الملائكة ] .وقال أبو جعفر الرازي : بلغني أن الصابئين قوم يعبدون الملائكة ، ويقرؤون الزبور ، ويصلون إلى القبلة .وكذا قال سعيد بن أبي عروبة ، عن قتادة .وقال ابن أبي حاتم : حدثنا يونس بن عبد الأعلى ، أخبرنا ابن وهب ، أخبرني ابن أبي الزناد ، عن أبيه ، قال : الصابئون قوم مما يلي العراق ، وهم بكوثى ، وهم يؤمنون بالنبيين كلهم ، ويصومون من كل سنة ثلاثين يوما ويصلون إلى اليمن كل يوم خمس صلوات .وسئل وهب بن منبه عن الصابئين ، فقال : الذي يعرف الله وحده ، وليست له شريعة يعمل بها ولم يحدث كفرا .وقال عبد الله بن وهب : قال عبد الرحمن بن زيد : الصابئون أهل دين من الأديان ، كانوا بجزيرة الموصل يقولون : لا إله إلا الله ، وليس لهم عمل ولا كتاب ولا نبي إلا قول : لا إله إلا الله ، قال : ولم يؤمنوا برسول ، فمن أجل ذلك كان المشركون يقولون للنبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه : هؤلاء الصابئون ، يشبهونهم بهم ، يعني في قول : لا إله إلا الله .وقال الخليل هم قوم يشبه دينهم دين النصارى ، إلا أن قبلتهم نحو مهب الجنوب ، يزعمون أنهم على دين نوح ، عليه السلام . وحكى القرطبي عن مجاهد والحسن وابن أبي نجيح : أنهم قوم تركب دينهم بين اليهود والمجوس ، ولا تؤكل ذبائحهم ، قال ابن عباس : ولا تنكح نساؤهم . قال القرطبي : والذي تحصل من مذهبهم فيما ذكره بعض العلماء أنهم موحدون ويعتقدون تأثير النجوم ، وأنها فاعلة ؛ ولهذا أفتى أبو سعيد الإصطخري بكفرهم للقادر بالله حين سأله عنهم ، واختار فخر الدين الرازي أن الصابئين قوم يعبدون الكواكب ؛ بمعنى أن الله جعلها قبلة للعبادة والدعاء ، أو بمعنى أن الله فوض تدبير أمر هذا العالم إليها ، قال : وهذا القول هو المنسوب إلى الكشرانيين الذين جاءهم إبراهيم الخليل ، عليه السلام ، رادا عليهم ومبطلا لقولهم .وأظهر الأقوال ، والله أعلم ، قول مجاهد ومتابعيه ، ووهب بن منبه : أنهم قوم ليسوا على دين اليهود ولا النصارى ولا المجوس ولا المشركين ، وإنما هم قوم باقون على فطرتهم ولا دين مقرر لهم يتبعونه ويقتفونه ؛ ولهذا كان المشركون ينبزون من أسلم بالصابئي ، أي : أنه قد خرج عن سائر أديان أهل الأرض إذ ذاك .وقال بعض العلماء : الصابئون الذين لم تبلغهم دعوة نبي ، والله أعلم .
وَ اِذْ اَخَذْنَا مِیْثَاقَكُمْ وَ رَفَعْنَا فَوْقَكُمُ الطُّوْرَؕ-خُذُوْا مَاۤ اٰتَیْنٰكُمْ بِقُوَّةٍ وَّ اذْكُرُوْا مَا فِیْهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُوْنَ(۶۳)
اور جب ہم نے تم سے عہد لیا (ف۱۱۱) اور تم پر طور کو اونچا کیا (ف۱۱۲) لو جو کچھ ہم تم کو دیتے ہیں زور سے (ف۱۱۳) اور اس کے مضمون یاد کرو اس امید پر کہ تمہیں پرہیزگاری ملے-
يقول تعالى مذكرا بني إسرائيل ما أخذ عليهم من العهود والمواثيق بالإيمان به وحده لا شريك له واتباع رسله ، وأخبر تعالى أنه لما أخذ عليهم الميثاق رفع الجبل على رؤوسهم ليقروا بما عوهدوا عليه ، ويأخذوه بقوة وحزم وهمة وامتثال كما قال تعالى : ( وإذ نتقنا الجبل فوقهم كأنه ظلة وظنوا أنه واقع بهم خذوا ما آتيناكم بقوة واذكروا ما فيه لعلكم تتقون ) [ الأعراف : 171 ] الطور هو الجبل ، كما فسره بآية الأعراف ، ونص على ذلك ابن عباس ، ومجاهد ، وعطاء وعكرمة والحسن والضحاك والربيع بن أنس ، وغير واحد ، وهذا ظاهر .وفي رواية عن ابن عباس : الطور ما أنبت من الجبال ، وما لم ينبت فليس بطور .وفي حديث الفتون : عن ابن عباس : أنهم لما امتنعوا عن الطاعة رفع عليهم الجبل ليسمعوا [ فسجدوا ] .وقال السدي : فلما أبوا أن يسجدوا أمر الله الجبل أن يقع عليهم ، فنظروا إليه وقد غشيهم ،فسقطوا سجدا [ فسجدوا ] على شق ، ونظروا بالشق الآخر ، فرحمهم الله فكشفه عنهم ، فقالوا والله ما سجدة أحب إلى الله من سجدة كشف بها العذاب عنهم ، فهم يسجدون كذلك ، وذلك قوله تعالى : ( ورفعنا فوقكم الطور ) .وقال الحسن في قوله : ( خذوا ما آتيناكم بقوة ) يعني التوراة .وقال أبو العالية ، والربيع بن أنس : ( بقوة ) أي بطاعة . وقال مجاهد : بقوة : بعمل بما فيه . وقال قتادة ( خذوا ما آتيناكم بقوة ) القوة : الجد وإلا قذفته عليكم .قال : فأقروا بذلك : أنهم يأخذون ما أوتوا بقوة . ومعنى قوله : وإلا قذفته عليكم ، أي أسقطته عليكم ، يعني الجبل .وقال أبو العالية والربيع : ( واذكروا ما فيه ) يقول : اقرؤوا ما في التوراة واعملوا به .
ثُمَّ تَوَلَّیْتُمْ مِّنْۢ بَعْدِ ذٰلِكَۚ-فَلَوْ لَا فَضْلُ اللّٰهِ عَلَیْكُمْ وَ رَحْمَتُهٗ لَكُنْتُمْ مِّنَ الْخٰسِرِیْنَ(۶۴)
پھر اس کے بعد تم پھر گئے تو اگر اللہ کا فضل اور اس کی رحمت تم پر نہ ہوتی تو تم ٹوٹے والوں میں ہو جاتے -(ف۱۱۴)
وقوله تعالى : ( ثم توليتم من بعد ذلك ) يقول تعالى : ثم بعد هذا الميثاق المؤكد العظيم توليتم عنه وانثنيتم ونقضتموه ( فلولا فضل الله عليكم ورحمته ) أي : توبته عليكم وإرساله النبيين والمرسلين إليكم ( لكنتم من الخاسرين ) بنقضكم ذلك الميثاق في الدنيا والآخرة .
وَ لَقَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِیْنَ اعْتَدَوْا مِنْكُمْ فِی السَّبْتِ فَقُلْنَا لَهُمْ كُوْنُوْا قِرَدَةً خٰسِـٕیْنَۚ(۶۵)
اور بیشک ضرور تمہیں معلوم ہے تم میں کے وہ جنہوں نے ہفتہ میں سرکشی کی (ف۱۱۵) تو ہم نے ان سے فرمایا کہ ہوجاؤ بندر دھتکارے ہوئے -
يقول تعالى : ( ولقد علمتم ) يا معشر اليهود ، ما حل من البأس بأهل القرية التي عصت أمر الله وخالفوا عهده وميثاقه فيما أخذه عليهم من تعظيم السبت والقيام بأمره ، إذ كان مشروعا لهم ، فتحيلوا على اصطياد الحيتان في يوم السبت ، بما وضعوه لها من الشصوص والحبائل والبرك قبل يوم السبت ، فلما جاءت يوم السبت على عادتها في الكثرة نشبت بتلك الحبائل والحيل ، فلم تخلص منها يومها ذلك ، فلما كان الليل أخذوها بعد انقضاء السبت . فلما فعلوا ذلك مسخهم الله إلى صورة القردة ، وهي أشبه شيء بالأناسي في الشكل الظاهر وليست بإنسان حقيقة . فكذلك أعمال هؤلاء وحيلهم لما كانت مشابهة للحق في الظاهر ومخالفة له في الباطن ، كان جزاؤهم من جنس عملهم . وهذه القصة مبسوطة في سورة الأعراف ، حيث يقول تعالى : ( واسألهم عن القرية التي كانت حاضرة البحر إذ يعدون في السبت إذ تأتيهم حيتانهم يوم سبتهم شرعا ويوم لا يسبتون لا تأتيهم كذلك نبلوهم بما كانوا يفسقون ) [ الأعراف : 163 ] القصة بكمالها .وقال السدي : أهل هذه القرية هم أهل أيلة . وكذا قال قتادة ، وسنورد أقوال المفسرين هناك مبسوطة إن شاء الله وبه الثقة .وقوله : ( كونوا قردة خاسئين ) قال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي ، حدثنا أبو حذيفة ، حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : ( فقلنا لهم كونوا قردة خاسئين ) قال : مسخت قلوبهم ، ولم يمسخوا قردة ، وإنما هو مثل ضربه الله ( كمثل الحمار يحمل أسفارا ) [ الجمعة : 5 ] .ورواه ابن جرير ، عن المثنى ، عن أبي حذيفة . وعن محمد بن عمرو الباهلي ، عن أبي عاصم ، عن عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، به .وهذا سند جيد عن مجاهد ، وقول غريب خلاف الظاهر من السياق في هذا المقام وفي غيره ، قال الله تعالى : ( قل هل أنبئكم بشر من ذلك مثوبة عند الله من لعنه الله وغضب عليه وجعل منهم القردة والخنازير وعبد الطاغوت ) الآية [ المائدة : 60 ] .وقال العوفي في تفسيره عن ابن عباس : ( فقلنا لهم كونوا قردة خاسئين ) فجعل [ الله ] منهم القردة والخنازير . فزعم أن شباب القوم صاروا قردة والمشيخة صاروا خنازير .وقال شيبان النحوي ، عن قتادة : ( فقلنا لهم كونوا قردة خاسئين ) فصار القوم قرودا تعاوى لها أذناب بعد ما كانوا رجالا ونساء .وقال عطاء الخراساني : نودوا : يا أهل القرية ، ( كونوا قردة خاسئين ) فجعل الذين نهوهم يدخلون عليهم فيقولون : يا فلان ، ألم ننهكم ؟ فيقولون برؤوسهم ، أي بلى .وقال ابن أبي حاتم : حدثنا علي بن الحسين حدثنا عبد الله بن محمد بن ربيعة بالمصيصة ، حدثنا محمد بن مسلم - يعني الطائفي - عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، عن ابن عباس ، قال : إنما كان الذين اعتدوا في السبت فجعلوا قردة فواقا ثم هلكوا . ما كان للمسخ نسل .وقال الضحاك ، عن ابن عباس : فمسخهم الله قردة بمعصيتهم ، يقول : إذ لا يحيون في الأرض إلا ثلاثة أيام ، قال : ولم يعش مسخ قط فوق ثلاثة أيام ، ولم يأكل ولم يشرب ولم ينسل . وقد خلق الله القردة والخنازير وسائر الخلق في الستة الأيام التي ذكرها الله في كتابه ، فمسخ [ الله ] هؤلاء القوم في صورة القردة ، وكذلك يفعل بمن يشاء كما يشاء . ويحوله كما يشاء .وقال أبو جعفر الرازي عن الربيع ، عن أبي العالية في قوله : ( كونوا قردة خاسئين ) قال : يعني أذلة صاغرين . وروي عن مجاهد ، وقتادة والربيع ، وأبي مالك ، نحوه .وقال محمد بن إسحاق ، عن داود بن الحصين ، عن عكرمة ، قال : قال ابن عباس : إن الله إنما افترض على بني إسرائيل اليوم الذي افترض عليكم في عيدكم - يوم الجمعة - فخالفوا إلى السبت فعظموه ، وتركوا ما أمروا به . فلما أبوا إلا لزوم السبت ابتلاهم الله فيه ، فحرم عليهم ما أحل لهم في غيره . وكانوا في قرية بين أيلة والطور ، يقال لها : مدين ؛ فحرم الله عليهم في السبت الحيتان : صيدها وأكلها . وكانوا إذا كان يوم السبت أقبلت إليهم شرعا إلى ساحل بحرهم ، حتى إذا ذهب السبت ذهبن ، فلم يروا حوتا صغيرا ولا كبيرا . حتى إذا كان يوم السبت أتين شرعا ، حتى إذا ذهب السبت ذهبن ، فكانوا كذلك ، حتى إذا طال عليهم الأمد وقرموا إلى الحيتان ، عمد رجل منهم فأخذ حوتا سرا يوم السبت ، فخزمه بخيط ، ثم أرسله في الماء ، وأوتد له وتدا في الساحل فأوثقه ، ثم تركه . حتى إذا كان الغد جاء فأخذه ، أي : إني لم آخذه في يوم السبت ثم انطلق به فأكله . حتى إذا كان يوم السبت الآخر ، عاد لمثل ذلك ، ووجد الناس ريح الحيتان ، فقال أهل القرية : والله لقد وجدنا ريح الحيتان ، ثم عثروا على صنيع ذلك الرجل . قال : ففعلوا كما فعل ، وصنعوا سرا زمانا طويلا لم يعجل الله عليهم العقوبة حتى صادوها علانية وباعوها بالأسواق . فقالت طائفة منهم من أهل البقية : ويحكم ، اتقوا الله . ونهوهم عما يصنعون . فقالت طائفة أخرى لم تأكل الحيتان ، ولم تنه القوم عما صنعوا : ( لم تعظون قوما الله مهلكهم أو معذبهم عذابا شديدا قالوا معذرة إلى ربكم ) لسخطنا أعمالهم ( ولعلهم يتقون ) [ الأعراف : 164 ] .قال ابن عباس : فبينما هم على ذلك أصبحت تلك البقية في أنديتهم ومساجدهم وفقدوا الناس فلم يرونهم قال : فقال بعضهم لبعض : إن للناس لشأنا! فانظروا ما هو . فذهبوا ينظرون في دورهم ، فوجدوها مغلقة عليهم ، قد دخلوها ليلا فغلقوها على أنفسهم ، كما يغلق الناس على أنفسهم فأصبحوا فيها قردة ، وإنهم ليعرفون الرجل بعينه وإنه لقرد ، والمرأة بعينها وإنها لقردة ، والصبي بعينه وإنه لقرد . قال : يقول ابن عباس : فلولا ما ذكر الله أنه أنجى الذين نهوا عن السوء لقلنا أهلك الجميع منهم ، قال : وهي القرية التي قال الله جل ثناؤه لمحمد صلى الله عليه وسلم : ( واسألهم عن القرية التي كانت حاضرة البحر ) الآية [ الأعراف : 163 ] . وروى الضحاك عن ابن عباس نحوا من هذا .قال السدي في قوله تعالى : ( ولقد علمتم الذين اعتدوا منكم في السبت فقلنا لهم كونوا قردة خاسئين ) قال : فهم أهل أيلة ، وهي القرية التي كانت حاضرة البحر ، فكانت الحيتان إذا كان يوم السبت - وقد حرم الله على اليهود أن يعملوا في السبت شيئا - لم يبق في البحر حوت إلا خرج ، حتى يخرجن خراطيمهن من الماء ، فإذا كان يوم الأحد لزمن مقل البحر ، فلم ير منهن شيء حتى يكون يوم السبت ، فذلك قوله تعالى : ( واسألهم عن القرية التي كانت حاضرة البحر إذ يعدون في السبت إذ تأتيهم حيتانهم يوم سبتهم شرعا ويوم لا يسبتون لا تأتيهم [ كذلك نبلوهم بما كانوا يفسقون ] ) . فاشتهى بعضهم السمك ، فجعل الرجل يحفر الحفيرة ، ويجعل لها نهرا إلى البحر ، فإذا كان يوم السبت فتح النهر فأقبل الموج بالحيتان يضربها حتى يلقيها في الحفيرة ، فيريد الحوت أن يخرج ، فلا يطيق من أجل قلة ماء النهر ، فيمكث فإذا كان يوم الأحد جاء فأخذه ، فجعل الرجل يشوي السمك فيجد جاره ريحه فيسأله فيخبره ، فيصنع مثل ما صنع جاره ، حتى فشا فيهم أكل السمك ، فقال لهم علماؤهم : ويحكم! إنما تصطادون يوم السبت ، وهو لا يحل لكم ، فقالوا : إنما صدناه يوم الأحد حين أخذناه . فقال العلماء لا ولكنكم صدتموه يوم فتحكم الماء فدخل ، قال : وغلبوا أن ينتهوا . فقال بعض الذين نهوهم لبعض : ( لم تعظون قوما الله مهلكهم أو معذبهم عذابا شديدا ) يقول : لم تعظوهم ، وقد وعظتموهم فلم يطيعوكم ؟ فقال بعضهم : ( معذرة إلى ربكم ولعلهم يتقون ) [ الأعراف : 164 ] فلما أبوا قال المسلمون : والله لا نساكنكم في قرية واحدة . فقسموا القرية بجدار ، ففتح المسلمون بابا والمعتدون في السبت بابا ، ولعنهم داود ، عليه السلام ، فجعل المسلمون يخرجون من بابهم ، والكفار من بابهم ، فخرج المسلمون ذات يوم ، ولم يفتح الكفار بابهم ، فلما أبطؤوا عليهم تسور المسلمون عليهم الحائط ، فإذا هم قردة يثب بعضهم على بعض ، ففتحوا عنهم ، فذهبوا في الأرض ، فذلك قول الله تعالى : ( فلما عتوا عن ما نهوا عنه قلنا لهم كونوا قردة خاسئين ) [ الأعراف : 166 ] وذلك حين يقول : ( لعن الذين كفروا من بني إسرائيل على لسان داود وعيسى ابن مريم ) [ المائدة : 78 ] . فهم القردة .قلت : والغرض من هذا السياق عن هؤلاء الأئمة بيان خلاف ما ذهب إليه مجاهد ، رحمه الله ، من أن مسخهم إنما كان معنويا لا صوريا بل الصحيح أنه معنوي صوري ، والله أعلم .
فَجَعَلْنٰهَا نَكَالًا لِّمَا بَیْنَ یَدَیْهَا وَ مَا خَلْفَهَا وَ مَوْعِظَةً لِّلْمُتَّقِیْنَ(۶۶)
تو ہم نے (اس بستی کا) یہ واقعہ اس کے آگے اور پیچھے والوں کے لیے عبرت کردیا اور پرہیزگاروں کے لیے نصیحت-
وقوله تعالى : ( فجعلناها نكالا لما بين يديها وما خلفها وموعظة للمتقين ) قال بعضهم : الضمير في ) فجعلناها ) عائد على القردة ، وقيل : على الحيتان ، وقيل : على العقوبة ، وقيل : على القرية ؛ حكاها ابن جرير .والصحيح أن الضمير عائد على القرية ، أي : فجعل الله هذه القرية ، والمراد أهلها بسبب اعتدائهم في سبتهم ) نكالا ) أي : عاقبناهم عقوبة ، فجعلناها . عبرة ، كما قال الله عن فرعون : ( فأخذه الله نكال الآخرة والأولى ) [ النازعات : 25 ] .وقوله : ( لما بين يديها وما خلفها ) أي من القرى . قال ابن عباس : يعني جعلناها بما أحللنا بها من العقوبة عبرة لما حولها من القرى . كما قال تعالى : ( ولقد أهلكنا ما حولكم من القرى وصرفنا الآيات لعلهم يرجعون ) [ الأحقاف : 27 ] ، ومنه قوله تعالى : ( أولم يروا أنا نأتي الأرض ننقصها من أطرافها ) الآية [ الرعد : 41 ] ، على أحد الأقوال ، فالمراد : لما بين يديها وما خلفها في المكان ، كما قال محمد بن إسحاق ، عن داود بن الحصين ، عن عكرمة ، عن ابن عباس : لما بين يديها من القرى وما خلفها من القرى . وكذا قال سعيد بن جبير ( لما بين يديها وما خلفها ) [ قال ] من بحضرتها من الناس يومئذ .وروي عن إسماعيل بن أبي خالد ، وقتادة ، وعطية العوفي : ( فجعلناها نكالا لما بين يديها ) [ وما خلفها ] ) قال : ما [ كان ] قبلها من الماضين في شأن السبت .وقال أبو العالية والربيع وعطية : ( وما خلفها ) لما بقي بعدهم من الناس من بني إسرائيل أن يعملوا مثل عملهم .وكان هؤلاء يقولون : المراد بما بين يديها وما خلفها في الزمان .وهذا مستقيم بالنسبة إلى من يأتي بعدهم من الناس أن يكون أهل تلك القرية عبرة لهم ، وأما بالنسبة إلى من سلف قبلهم من الناس فكيف يصح هذا الكلام أن تفسر الآية به وهو أن يكون عبرة لمن سبقهم ؟ هذا لعل أحدا من الناس لا يقوله بعد تصوره ، فتعين أن المراد بما بين يديها وما خلفها في المكان ، وهو ما حولها من القرى ؛ كما قاله ابن عباس وسعيد بن جبير ، والله أعلم .وقال أبو جعفر الرازي ، عن الربيع عن أبي العالية : ( فجعلناها نكالا لما بين يديها ) أي : عقوبة لما خلا من ذنوبهم .وقال ابن أبي حاتم وروي عن عكرمة ، ومجاهد ، والسدي ، والحسن ، وقتادة ، والربيع بن أنس ، نحو ذلك .وحكى القرطبي ، عن ابن عباس والسدي ، والفراء ، وابن عطية ( لما بين يديها ) بين ذنوب القوم ( وما خلفها ) لمن يعمل بعدها مثل تلك الذنوب ، وحكى فخر الدين ثلاثة أقوال :أحدها : أن المراد بما بين يديها وما خلفها : من تقدمها من القرى ، بما عندهم من العلم بخبرها ، بالكتب المتقدمة ومن بعدها .الثاني : المراد بذلك من بحضرتها من القرى والأمم .والثالث : أنه جعلها تعالى عقوبة لجميع ما ارتكبوه من قبل هذا الفعل وما بعده ، قال : وهذا قول الحسن . قلت : وأرجح الأقوال أن المراد بما بين يديها وما خلفها : من بحضرتها من القرى التي يبلغهم خبرها ، وما حل بها ، كما قال : ( ولقد أهلكنا ما حولكم من القرى وصرفنا الآيات لعلهم يرجعون ) [ الأحقاف : 27 ] وقال تعالى : ( ولا يزال الذين كفروا تصيبهم بما صنعوا قارعة أو تحل قريبا من دارهم ) [ الرعد : 31 ] ، وقال ( أفلا يرون أنا نأتي الأرض ننقصها من أطرافها ) [ الأنبياء : 44 ] ، فجعلهم عبرة ونكالا لمن في زمانهم ، وعبرة لمن يأتي بعدهم بالخبر المتواتر عنهم ، ولهذا قال : ( وموعظة للمتقين )وقوله تعالى : ( وموعظة للمتقين ) قال محمد بن إسحاق ، عن داود بن الحصين ، عن عكرمة ، عن ابن عباس : ( وموعظة للمتقين ) الذين من بعدهم إلى يوم القيامة .وقال الحسن وقتادة : ( وموعظة للمتقين ) بعدهم ، فيتقون نقمة الله ، ويحذرونها .وقال السدي ، وعطية العوفي : ( وموعظة للمتقين ) قال : أمة محمد صلى الله عليه وسلم .قلت : المراد بالموعظة هاهنا الزاجر ، أي : جعلنا ما أحللنا بهؤلاء من البأس والنكال في مقابلة ما ارتكبوه من محارم الله ، وما تحيلوا به من الحيل ، فليحذر المتقون صنيعهم لئلا يصيبهم ما أصابهم ، كما قال الإمام أبو عبد الله بن بطة : حدثنا أحمد بن محمد بن مسلم ، حدثنا الحسن بن محمد بن الصباح الزعفراني ، حدثنا يزيد بن هارون ، حدثنا محمد بن عمرو [ عن أبي سلمة ] عن أبي هريرة : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : لا ترتكبوا ما ارتكب اليهود ، فتستحلوا محارم الله بأدنى الحيل .وهذا إسناد جيد ، وأحمد بن محمد بن مسلم هذا وثقه الحافظ أبو بكر الخطيب البغدادي ، وباقي رجاله مشهورون على شرط الصحيح . والله أعلم .
وَ اِذْ قَالَ مُوْسٰى لِقَوْمِهٖۤ اِنَّ اللّٰهَ یَاْمُرُكُمْ اَنْ تَذْبَحُوْا بَقَرَةًؕ-قَالُوْۤا اَتَتَّخِذُنَا هُزُوًاؕ-قَالَ اَعُوْذُ بِاللّٰهِ اَنْ اَكُوْنَ مِنَ الْجٰهِلِیْنَ(۶۷)
اور جب موسیٰ نے اپنی قوم سے فرمایا خدا تمہیں حکم دیتا ہے کہ ایک گائے ذبح کرو (ف۱۱۶) بولے کہ آپ ہمیں مسخرہ بناتے ہیں (ف۱۱۷) فرمایا خدا کی پناہ کہ میں جاہلوں سے ہوں-(ف۱۱۸)
يقول تعالى : واذكروا - يا بني إسرائيل - نعمتي عليكم في خرق العادة لكم في شأن البقرة ، وبيان القاتل من هو بسببها وإحياء الله المقتول ، ونصه على من قتله منهم . [ مسألة الإبل تنحر والغنم تذبح واختلفوا في البقر فقيل : تذبح ، وقيل : تنحر ، والذبح أولى لنص القرآن ولقرب منحرها من مذبحها . قال ابن المنذر : ولا أعلم خلافا صحيحا بين ما ينحر أو نحر ما يذبح ، غير أن مالكا كره ذلك . وقد يكره الإنسان ما لا يحرم ، وقال أبو عبد الله : أعلم أن نزول قصة البقرة على موسى ، عليه السلام ، في أمر القتيل قبل نزول القسامة في التوراة .بسط القصة ] - كما قال ابن أبي حاتم - :حدثنا الحسن بن محمد بن الصباح ، حدثنا يزيد بن هارون ، أنبأنا هشام بن حسان ، عن محمد بن سيرين ، عن عبيدة السلماني ، قال : كان رجل من بني إسرائيل عقيما لا يولد له ، وكان له مال كثير ، وكان ابن أخيه وارثه ، فقتله ثم احتمله ليلا فوضعه على باب رجل منهم ، ثم أصبح يدعيه عليهم حتى تسلحوا ، وركب بعضهم إلى بعض ، فقال ذوو الرأي منهم والنهى : علام يقتل بعضكم بعضا وهذا رسول الله فيكم ؟ فأتوا موسى ، عليه السلام ، فذكروا ذلك له ، فقال : ( إن الله يأمركم أن تذبحوا بقرة قالوا أتتخذنا هزوا قال أعوذ بالله أن أكون من الجاهلين ) قال : فلو لم يعترضوا [ البقر ] لأجزأت عنهم أدنى بقرة ، ولكنهم شددوا فشدد عليهم ، حتى انتهوا إلى البقرة التي أمروا بذبحها فوجدوها عند رجل ليس له بقرة غيرها ، فقال : والله لا أنقصها من ملء جلدها ذهبا ، فأخذوها بملء جلدها ذهبا فذبحوها ، فضربوه ببعضها فقام فقالوا : من قتلك ؟ فقال : هذا ، لابن أخيه . ثم مال ميتا ، فلم يعط من ماله شيئا ، فلم يورث قاتل بعد .ورواه ابن جرير من حديث أيوب ، عن محمد بن سيرين ، عن عبيدة بنحو من ذلك والله أعلم .ورواه عبد بن حميد في تفسيره : أنبأنا يزيد بن هارون ، به .ورواه آدم بن أبي إياس في تفسيره ، عن أبي جعفر - هو الرازي - عن هشام بن حسان ، به . وقال آدم بن أبي إياس في تفسيره : أنبأنا أبو جعفر الرازي ، عن الربيع ، عن أبي العالية ، في قول الله تعالى : ( إن الله يأمركم أن تذبحوا بقرة ) قال : كان رجل من بني إسرائيل ، وكان غنيا ، ولم يكن له ولد ، وكان له قريب وكان وارثه ، فقتله ليرثه ، ثم ألقاه على مجمع الطريق ، وأتى موسى ، عليه السلام ، فقال له : إن قريبي قتل وإني إلى أمر عظيم ، وإني لا أجد أحدا يبين [ لي ] من قتله غيرك يا نبي الله . قال : فنادى موسى في الناس ، فقال : أنشد الله من كان عنده من هذا علم إلا بينه لنا ، [ قال ] : فلم يكن عندهم علم ، فأقبل القاتل على موسى عليه السلام ، فقال له : أنت نبي الله فاسأل لنا ربك أن يبين لنا ، فسأل ربه فأوحى الله إليه : ( إن الله يأمركم أن تذبحوا بقرة ) فعجبوا من ذلك ، فقالوا : ( أتتخذنا هزوا قال أعوذ بالله أن أكون من الجاهلين قالوا ادع لنا ربك يبين لنا ما هي قال إنه يقول إنها بقرة لا فارض ) يعني : لا هرمة ( ولا بكر ) يعني : ولا صغيرة ( عوان بين ذلك ) أي : نصف بين البكر والهرمة ( قالوا ادع لنا ربك يبين لنا ما لونها قال إنه يقول إنها بقرة صفراء فاقع لونها ) أي : صاف لونها ( تسر الناظرين ) أي : تعجب الناظرين ( قالوا ادع لنا ربك يبين لنا ما هي إن البقر تشابه علينا وإنا إن شاء الله لمهتدون قال إنه يقول إنها بقرة لا ذلول ) أي : لم يذللها العمل ( تثير الأرض ) يعني : وليست بذلول تثير الأرض ( ولا تسقي الحرث ) يقول : ولا تعمل في الحرث ( مسلمة ) يعني : مسلمة من العيوب ( لا شية فيها ) يقول : لا بياض فيها ( قالوا الآن جئت بالحق فذبحوها وما كادوا يفعلون ) قال : ولو أن القوم حين أمروا أن يذبحوا بقرة ، استعرضوا بقرة من البقر فذبحوها ، لكانت إياها ، ولكنهم شددوا على أنفسهم فشدد عليهم ، ولولا أن القوم استثنوا فقالوا : ( وإنا إن شاء الله لمهتدون ) لما هدوا إليها أبدا . فبلغنا أنهم لم يجدوا البقرة التي نعتت لهم إلا عند عجوز عندها يتامى ، وهي القيمة عليهم ، فلما علمت أنه لا يزكو لهم غيرها ، أضعفت عليهم الثمن . فأتوا موسى فأخبروه أنهم لم يجدوا هذا النعت إلا عند فلانة ، وأنها سألتهم أضعاف ثمنها . فقال لهم موسى : إن الله قد كان خفف عليكم فشددتم على أنفسكم فأعطوها رضاها وحكمها . ففعلوا ، واشتروها فذبحوها ، فأمرهم موسى ، عليه السلام ، أن يأخذوا عظما منها فيضربوا به القتيل ، ففعلوا ، فرجع إليه روحه ، فسمى لهم قاتله ، ثم عاد ميتا كما كان ، فأخذ قاتله - وهو الذي كان أتى موسى فشكا إليه [ مقتله ] - فقتله الله على أسوأ عمله .وقال محمد بن جرير : حدثني ابن سعد حدثني أبي ، حدثني عمي ، حدثني أبي ، عن أبيه [ عن جده ] عن ابن عباس ، في قوله في شأن البقرة : وذلك أن شيخا من بني إسرائيل على عهد موسى ، عليه السلام ، كان مكثرا من المال ، وكان بنو أخيه فقراء لا مال لهم ، وكان الشيخ لا ولد له وبنو أخيه ورثته فقالوا : ليت عمنا قد مات فورثنا ماله ، وإنه لما تطاول عليهم ألا يموت عمهم ، أتاهم الشيطان فقال لهم : هل لكم إلى أن تقتلوا عمكم ، فترثوا ماله ، وتغرموا أهل المدينة التي لستم بها ديته ، وذلك أنهما كانتا مدينتين ، كانوا في إحداهما وكان القتيل إذا قتل فطرح بين المدينتين قيس ما بين القتيل والقريتين فأيهما كانت أقرب إليه غرمت الدية ، وأنهم لما سول لهم الشيطان ذلك ، وتطاول عليهم ألا يموت عمهم عمدوا إليه فقتلوه ، ثم عمدوا فطرحوه على باب المدينة التي ليسوا فيها . فلما أصبح أهل المدينة جاء بنو أخي الشيخ ، فقالوا : عمنا قتل على باب مدينتكم ، فوالله لتغرمن لنا دية عمنا . قال أهل المدينة : نقسم بالله ما قتلنا ولا علمنا قاتلا ولا فتحنا باب مدينتنا منذ أغلق حتى أصبحنا . وإنهم عمدوا إلى موسى ، عليه السلام ، فلما أتوه قال بنو أخي الشيخ : عمنا وجدناه مقتولا على باب مدينتهم . وقال أهل المدينة : نقسم بالله ما قتلناه ولا فتحنا باب المدينة من حين أغلقناه حتى أصبحنا ، وإنه جبريل جاء بأمر السميع العليم إلى موسى ، عليه السلام ، فقال : قل لهم : ( إن الله يأمركم أن تذبحوا بقرة ) فتضربوه ببعضها .وقال السدي : ( وإذ قال موسى لقومه إن الله يأمركم أن تذبحوا بقرة ) قال : كان رجل من بني إسرائيل مكثرا من المال وكانت له ابنة ، وكان له ابن أخ محتاج ، فخطب إليه ابن أخيه ابنته ، فأبى أن يزوجه ، فغضب الفتى ، وقال : والله لأقتلن عمي ، ولآخذن ماله ، ولأنكحن ابنته ، ولآكلن ديته . فأتاه الفتى وقد قدم تجار في بعض أسباط بني إسرائيل ، فقال : يا عم انطلق معي فخذ لي من تجارة هؤلاء القوم ، لعلي أن أصيب منها فإنهم إذا رأوك معي أعطوني . فخرج العم مع الفتى ليلا فلما بلغ الشيخ ذلك السبط قتله الفتى ، ثم رجع إلى أهله . فلما أصبح جاء كأنه يطلب عمه ، كأنه لا يدري أين هو ، فلم يجده . فانطلق نحوه ، فإذا هو بذلك السبط مجتمعين عليه ، فأخذهم وقال : قتلتم عمي ، فأدوا إلي ديته فجعل يبكي ويحثو التراب على رأسه ، وينادي : واعماه . فرفعهم إلى موسى ، فقضى عليهم بالدية ، فقالوا له : يا رسول الله ، ادع الله لنا حتى يبين لنا من صاحبه ، فيؤخذ صاحب الجريمة فوالله إن ديته علينا لهينة ، ولكنا نستحيي أن نعير به فذلك حين يقول الله تعالى : ( وإذ قتلتم نفسا فادارأتم فيها والله مخرج ما كنتم تكتمون ) فقال لهم موسى ، عليه السلام : ( إن الله يأمركم أن تذبحوا بقرة ) قالوا : نسألك عن القتيل وعمن قتله ، وتقول : اذبحوا بقرة . أتهزأ بنا! ( قال أعوذ بالله أن أكون من الجاهلين ) قال ابن عباس : فلو اعترضوا بقرة فذبحوها لأجزأت عنهم ، ولكنهم شددوا وتعنتوا [ على ] موسى فشدد الله عليهم . فقالوا : ( ادع لنا ربك يبين لنا ما هي قال إنه يقول إنها بقرة لا فارض ولا بكر عوان بين ذلك ) والفارض : الهرمة التي لا تلد ، والبكر التي لم تلد إلا ولدا واحدا . والعوان : النصف التي بين ذلك ، التي قد ولدت وولد ولدها ( فافعلوا ما تؤمرون قالوا ادع لنا ربك يبين لنا ما لونها قال إنه يقول إنها بقرة صفراء فاقع لونها ) قال : نقي لونها ( تسر الناظرين ) قال : تعجب الناظرين ( قالوا ادع لنا ربك يبين لنا ما هي إن البقر تشابه علينا وإنا إن شاء الله لمهتدون قال إنه يقول إنها بقرة لا ذلول تثير الأرض ولا تسقي الحرث مسلمة لا شية فيها ) من بياض ولا سواد ولا حمرة ( قالوا الآن جئت بالحق ) فطلبوها فلم يقدروا عليها .وكان رجل في بني إسرائيل ، من أبر الناس بأبيه ، وإن رجلا مر به معه لؤلؤ يبيعه ، وكان أبوه نائما تحت رأسه المفتاح ، فقال له الرجل : تشتري مني هذا اللؤلؤ بسبعين ألفا ؟ فقال له الفتى : كما أنت حتى يستيقظ أبي فآخذه منك بثمانين ألفا . فقال الآخر : أيقظ أباك وهو لك بستين ألفا ، فجعل التاجر يحط له حتى بلغ ثلاثين ألفا ، وزاد الآخر على أن ينتظر أباه حتى يستيقظ حتى بلغ مائة ألف ، فلما أكثر عليه قال : والله لا أشتريه منك بشيء أبدا ، وأبى أن يوقظ أباه ، فعوضه الله من ذلك اللؤلؤ أن جعل له تلك البقرة ، فمرت به بنو إسرائيل يطلبون البقرة وأبصروا البقرة عنده ، فسألوه أن يبيعهم إياها بقرة ببقرة ، فأبى ، فأعطوه ثنتين فأبى ، فزادوه حتى بلغوا عشرا ، فأبى ، فقالوا : والله لا نتركك حتى نأخذها منك . فانطلقوا به إلى موسى ، عليه السلام ، فقالوا : يا نبي الله ، إنا وجدناها عند هذا فأبى أن يعطيناها وقد أعطيناه ثمنا فقال له موسى : أعطهم بقرتك . فقال : يا رسول الله ، أنا أحق بمالي . فقال : صدقت . وقال للقوم : أرضوا صاحبكم ، فأعطوه وزنها ذهبا ، فأبى ، فأضعفوا له مثل ما أعطوه وزنها ، حتى أعطوه وزنها عشر مرات ذهبا ، فباعهم إياها وأخذ ثمنها ، فذبحوها . قال : اضربوه ببعضها ، فضربوه بالبضعة التي بين الكتفين ، فعاش ، فسألوه : من قتلك ؟ فقال لهم : ابن أخي ، قال : أقتله ، فآخذ ماله ، وأنكح ابنته . فأخذوا الغلام فقتلوه .وقال سنيد : حدثنا حجاج هو ابن محمد ، عن ابن جريج ، عن مجاهد ، وحجاج ، عن أبي معشر ، عن محمد بن كعب القرظي ومحمد بن قيس - دخل حديث بعضهم في حديث بعض - قالوا : إن سبطا من بني إسرائيل لما رأوا كثرة شرور الناس ، بنوا مدينة فاعتزلوا شرور الناس ، فكانوا إذا أمسوا لم يتركوا أحدا منهم خارجا إلا أدخلوه ، وإذا افتتحوا قام رئيسهم فنظر وأشرف ، فإذا لم ير شيئا فتح المدينة ، فكانوا مع الناس حتى يمسوا . قال : وكان رجل من بني إسرائيل له مال كثير ، ولم يكن له وارث غير أخيه ، فطال عليه حياته فقتله ليرثه ، ثم حمله فوضعه على باب المدينة ، ثم كمن في مكان هو وأصحابه . قال : فأشرف رئيس المدينة على باب المدينة فنظر ، فلم ير شيئا ففتح الباب ، فلما رأى القتيل رد الباب ، فناداه أخو المقتول وأصحابه : هيهات! قتلتموه ثم تردون الباب . وكان موسى لما رأى القتل كثيرا في أصحابه بني إسرائيل ، كان إذا رأى القتيل بين ظهراني القوم أخذهم ، فكاد يكون بين أخي المقتول وبين أهل المدينة قتال ، حتى لبس الفريقان السلاح ، ثم كف بعضهم عن بعض ، فأتوا موسى فذكروا له شأنهم . قالوا : يا رسول الله ، إن هؤلاء قتلوا قتيلا ثم ردوا الباب ، وقال أهل المدينة : يا رسول الله قد عرفت اعتزالنا الشرور وبنينا مدينة ، كما رأيت ، نعتزل شرور الناس ، والله ما قتلنا ولا علمنا قاتلا . فأوحى الله تعالى إليه أن يذبحوا بقرة فقال لهم موسى :( إن الله يأمركم أن تذبحوا بقرة ) .وهذه السياقات [ كلها ] عن عبيدة وأبي العالية والسدي وغيرهم ، فيها اختلاف ما ، والظاهر أنها مأخوذة من كتب بني إسرائيل وهي مما يجوز نقلها ولكن لا نصدق ولا نكذب فلهذا لا نعتمد عليها إلا ما وافق الحق عندنا ، والله أعلم .
قَالُوا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ یُبَیِّنْ لَّنَا مَا هِیَ ؕ-قَالَ اِنَّهٗ یَقُوْلُ اِنَّهَا بَقَرَةٌ لَّا فَارِضٌ وَّ لَا بِكْرٌؕ-عَوَانٌۢ بَیْنَ ذٰلِكَؕ-فَافْعَلُوْا مَا تُؤْمَرُوْنَ(۶۸)
بولے اپنے رب سے دعا کیجئے کہ وہ ہمیں بتادے گائے کیسی کہا وہ فرماتا ہے کہ وہ ایک گائے ہے نہ بوڑھی اور نہ اَدسر بلکہ ان دونوں کے بیچ میں تو کرو جس کا تمہیں حکم ہوتا ہے،
أخبر تعالى عن تعنت بني إسرائيل وكثرة سؤالهم لرسولهم . ولهذا لما ضيقوا على أنفسهم ضيق عليهم ، ولو أنهم ذبحوا أي بقرة كانت لوقعت الموقع عنهم ، كما قال ابن عباس وعبيدة وغير واحد ، ولكنهم شددوا فشدد عليهم ، فقالوا : ( ادع لنا ربك يبين لنا ما هي ) ما هذه البقرة ؟ وأي شيء صفتها ؟قال ابن جرير : حدثنا أبو كريب ، حدثنا عثام بن علي ، عن الأعمش ، عن المنهال بن عمرو ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس ، قال : لو أخذوا أدنى بقرة اكتفوا بها ، ولكنهم شددوا فشدد الله عليهم .إسناد صحيح ، وقد رواه غير واحد عن ابن عباس . وكذا قال عبيدة ، والسدي ، ومجاهد ، وعكرمة ، وأبو العالية وغير واحد .وقال ابن جريج : قال [ لي ] عطاء : لو أخذوا أدنى بقرة كفتهم . قال ابن جريج : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إنما أمروا بأدنى بقرة ، ولكنهم لما شددوا على أنفسهم شدد الله عليهم ؛ وايم الله لو أنهم لم يستثنوا ما بينت لهم آخر الأبد .( قال إنه يقول إنها بقرة لا فارض ولا بكر ) أي : لا كبيرة هرمة ولا صغيرة لم يلحقهاالفحل ، كما قاله أبو العالية ، والسدي ، ومجاهد ، وعكرمة ، وعطية العوفي ، وعطاء الخراساني ووهب بن منبه ، والضحاك ، والحسن ، وقتادة ، وقاله ابن عباس أيضا .وقال الضحاك ، عن ابن عباس ( عوان بين ذلك ) [ يقول : نصف ] بين الكبيرة والصغيرة ، وهي أقوى ما يكون من الدواب والبقر وأحسن ما تكون . وروي عن عكرمة ، ومجاهد ، وأبي العالية ، والربيع بن أنس ، وعطاء الخراساني ، والضحاك نحو ذلك .وقال السدي : العوان : النصف التي بين ذلك التي ولدت ، وولد ولدها .وقال هشيم ، عن جويبر ، عن كثير بن زياد ، عن الحسن في البقرة : كانت بقرة وحشية .وقال ابن جريج ، عن عطاء ، عن ابن عباس : من لبس نعلا صفراء لم يزل في سرور ما دام لابسها
قَالُوا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ یُبَیِّنْ لَّنَا مَا لَوْنُهَاؕ-قَالَ اِنَّهٗ یَقُوْلُ اِنَّهَا بَقَرَةٌ صَفْرَآءُۙ-فَاقِعٌ لَّوْنُهَا تَسُرُّ النّٰظِرِیْنَ(۶۹)
بولے اپنے رب سے دعا کیجئے ہمیں بتادے اس کا رنگ کیا ہے کہا وہ فرماتا ہے وہ ایک پیلی گائے ہے جس کی رنگت ڈہڈہاتی دیکھنے والوں کو خوشی دیتی،
وذلك قوله تعالى : ( صفراء فاقع لونها تسر الناظرين ) وكذا قال مجاهد ، ووهب بن منبه أنها كانت صفراء .وعن ابن عمر : كانت صفراء الظلف . وعن سعيد بن جبير : كانت صفراء القرن والظلف .وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي ، حدثنا نصر بن علي ، حدثنا نوح بن قيس ، أنبأنا أبو رجاء ، عن الحسن في قوله : ( بقرة صفراء فاقع لونها ) قال : سوداء شديدة السواد .وهذا غريب ، والصحيح الأول ، ولهذا أكد صفرتها بأنه ( فاقع لونها )وقال عطية العوفي : ( فاقع لونها ) تكاد تسود من صفرتها .وقال سعيد بن جبير : ( فاقع لونها ) قال : صافية اللون . وروي عن أبي العالية ، والربيع بن أنس ، والسدي ، والحسن ، وقتادة نحوه .وقال شريك ، عن مغراء عن ابن عمر : ( فاقع لونها ) قال : صاف .وقال العوفي في تفسيره ، عن ابن عباس : ( فاقع لونها ) شديدة الصفرة ، تكاد من صفرتها تبيض .وقال السدي : ( تسر الناظرين ) أي : تعجب الناظرين وكذا قال أبو العالية ، وقتادة ، والربيع بن أنس .[ وفي التوراة : أنها كانت حمراء ، فلعل هذا خطأ في التعريب أو كما قال الأول : إنها كانت شديدة الصفرة تضرب إلى حمرة وسواد ، والله أعلم ] .وقال وهب بن منبه : إذا نظرت إلى جلدها يخيل إليك أن شعاع الشمس يخرج من جلدها .
قَالُوا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ یُبَیِّنْ لَّنَا مَا هِیَۙ-اِنَّ الْبَقَرَ تَشٰبَهَ عَلَیْنَاؕ-وَ اِنَّاۤ اِنْ شَآءَ اللّٰهُ لَمُهْتَدُوْنَ(۷۰)
بولے اپنے رب سے دعا کیجئے کہ ہمارے لیے صاف بیان کردے وہ گائے کیسی ہے بیشک گائیوں میں ہم کو شبہ پڑگیا اور اللہ چاہے تو ہم راہ پا جائیں گے -(ف۱۱۹)
قوله : ( إن البقر تشابه علينا ) أي : لكثرتها ، فميز لنا هذه البقرة وصفها وحلها لنا ( وإنا إن شاء الله ) إذا بينتها لنا ) لمهتدون ) إليها .وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أحمد بن يحيى الأودي الصوفي ، حدثنا أبو سعيد أحمد بن داود الحداد ، حدثنا سرور بن المغيرة الواسطي ، ابن أخي منصور بن زاذان ، عن عباد بن منصور ، عن الحسن ، عن أبي رافع ، عن أبي هريرة ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لولا أن بني إسرائيل قالوا : ( وإنا إن شاء الله لمهتدون ) لما أعطوا ، ولكن استثنوا .ورواه الحافظ أبو بكر بن مردويه في تفسيره من وجه آخر ، عن سرور بن المغيرة ، عن زاذان ، عن عباد بن منصور ، عن الحسن ، عن حديث أبي رافع ، عن أبي هريرة ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لولا أن بني إسرائيل قالوا : ( وإنا إن شاء الله لمهتدون ) ما أعطوا أبدا ، ولو أنهم اعترضوا بقرة من البقر فذبحوا لأجزأت عنهم ، ولكنهم شددوا ، فشدد الله عليهم .وهذا حديث غريب من هذا الوجه ، وأحسن أحواله أن يكون من كلام أبي هريرة ، كما تقدم مثله عن السدي ، والله أعلم .
قَالَ اِنَّهٗ یَقُوْلُ اِنَّهَا بَقَرَةٌ لَّا ذَلُوْلٌ تُثِیْرُ الْاَرْضَ وَ لَا تَسْقِی الْحَرْثَۚ-مُسَلَّمَةٌ لَّا شِیَةَ فِیْهَاؕ-قَالُوا الْـٰٔنَ جِئْتَ بِالْحَقِّؕ-فَذَبَحُوْهَا وَ مَا كَادُوْا یَفْعَلُوْنَ۠(۷۱)
کہا وہ فرماتا ہے کہ وہ ایک گائے ہے جس سے خدمت نہیں لی جاتی کہ زمین جوتے اور نہ کھیتی کو پانی دے بے عیب ہے جس میں کوئی داغ نہیں بولے اب آپ ٹھیک بات لائے (ف ۱۲۰) تو اسے ذبح کیا اور (ذبح) کرتے معلوم نہ ہوتے تھے(ف۱۲۱)
قال إنه يقول إنها بقرة لا ذلول تثير الأرض ولا تسقي الحرث ) أي : إنها ليست مذللة بالحراثة ولا معدة للسقي في السانية ، بل هي مكرمة حسنة صبيحة ( مسلمة ) صحيحة لا عيب فيها ( لا شية فيها ) أي : ليس فيها لون غير لونها .وقال عبد الرزاق ، عن معمر ، عن قتادة ( مسلمة ) يقول : لا عيب فيها ، وكذا قال أبو العالية والربيع ، وقال مجاهد ( مسلمة ) من الشية .وقال عطاء الخراساني : ( مسلمة ) القوائم والخلق ( لا شية فيها ) قال مجاهد : لا بياض ولا سواد . وقال أبو العالية والربيع ، والحسن وقتادة : ليس فيها بياض . وقال عطاء الخراساني : ( لا شية فيها ) قال : لونها واحد بهيم . وروي عن عطية العوفي ، ووهب بن منبه ، وإسماعيل بن أبي خالد ، نحو ذلك . وقال السدي : ( لا شية فيها ) من بياض ولا سواد ولا حمرة ، وكل هذه الأقوال متقاربة [ في المعنى ، وقد زعم بعضهم أن المعنى في ذلك قوله تعالى : ( إنها بقرة لا ذلول ) ليست بمذللة بالعمل ثم استأنف فقال : ( تثير الأرض ) أي : يعمل عليها بالحراثة لكنها لا تسقي الحرث ، وهذا ضعيف ؛ لأنه فسر الذلول التي لم تذلل بالعمل بأنها لا تثير الأرض ولا تسقي الحرث كذا قرره القرطبي وغيره ]( قالوا الآن جئت بالحق ) قال قتادة : الآن بينت لنا ، وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم : وقبل ذلك والله قد جاءهم الحق .( فذبحوها وما كادوا يفعلون ) قال الضحاك ، عن ابن عباس : كادوا ألا يفعلوا ، ولم يكن ذلك الذي أرادوا ، لأنهم أرادوا ألا يذبحوها .يعني أنهم مع هذا البيان وهذه الأسئلة ، والأجوبة ، والإيضاح ما ذبحوها إلا بعد الجهد ، وفي هذا ذم لهم ، وذلك أنه لم يكن غرضهم إلا التعنت ، فلهذا ما كادوا يذبحونها .وقال محمد بن كعب ، ومحمد بن قيس : ( فذبحوها وما كادوا يفعلون ) لكثرة ثمنها .وفي هذا نظر ; لأن كثرة ثمنها لم يثبت إلا من نقل بني إسرائيل ، كما تقدم من حكاية أبي العالية والسدي ، ورواه العوفي عن ابن عباس . وقال عبيدة ، ومجاهد ، ووهب بن منبه ، وأبو العالية ، وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم : إنهم اشتروها بمال كثير وفيه اختلاف ، ثم قد قيل في ثمنها غير ذلك . وقال عبد الرزاق : أنبأنا ابن عيينة ، أخبرني محمد بن سوقة ، عن عكرمة ، قال : ما كان ثمنها إلا ثلاثة دنانير وهذا إسناد جيد عن عكرمة ، والظاهر أنه نقله عن أهل الكتاب أيضا .وقال ابن جرير : وقال آخرون : لم يكادوا أن يفعلوا ذلك خوف الفضيحة ، إن اطلع الله على قاتل القتيل الذي اختصموا فيه .ولم يسنده عن أحد ، ثم اختار أن الصواب في ذلك أنهم لم يكادوا يفعلوا ذلك لغلاء ثمنها ، وللفضيحة . وفي هذا نظر ، بل الصواب والله أعلم ما تقدم من رواية الضحاك ، عن ابن عباس ، على ما وجهناه . وبالله التوفيق .مسألة : استدل بهذه الآية في حصر صفات هذه البقرة حتى تعينت أو تم تقييدها بعد الإطلاق على صحة السلم في الحيوان كما هو مذهب مالك والأوزاعي والليث والشافعي وأحمد وجمهور العلماء سلفا وخلفا بدليل ما ثبت في الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم : " لا تنعت المرأة المرأة لزوجها كأنه ينظر إليها " . وكما وصف النبي صلى الله عليه وسلم إبل الدية في قتل الخطأ وشبه العمد بالصفات المذكورة بالحديث ، وقال أبو حنيفة والثوري والكوفيون : لا يصح السلم في الحيوان لأنه لا تنضبط أحواله ، وحكى مثله عن ابن مسعود وحذيفة بن اليمان وعبد الرحمن بن سمرة وغيرهم .
وَ اِذْ قَتَلْتُمْ نَفْسًا فَادّٰرَءْتُمْ فِیْهَاؕ-وَ اللّٰهُ مُخْرِ جٌ مَّا كُنْتُمْ تَكْتُمُوْنَۚ(۷۲)
اور جب تم نے ایک خون کیا تو ایک دوسرے پر اس کی تہمت ڈالنے لگے اور اللہ کو ظاہر کرنا تھا جو تم چھپاتے تھے،
قال البخاري : ( فادارأتم ) اختلفتم . وهكذا قال مجاهد فيما رواه ابن أبي حاتم ، عن أبيه ، عن أبي حذيفة ، عن شبل عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، أنه قال في قوله تعالى : ( وإذ قتلتم نفسا فادارأتم فيها ) اختلفتم .وقال عطاء الخراساني ، والضحاك : اختصمتم فيها . وقال ابن جريج ( وإذ قتلتم نفسا فادارأتم فيها ) قال : قال بعضهم أنتم قتلتموه .وقال آخرون : بل أنتم قتلتموه . وكذا قال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم .( والله مخرج ما كنتم تكتمون ) قال مجاهد : ما تغيبون . وقال ابن أبي حاتم : حدثنا عمرو بن مسلم البصري ، حدثنا محمد بن الطفيل العبدي ، حدثنا صدقة بن رستم ، سمعت المسيب بن رافع يقول : ما عمل رجل حسنة في سبعة أبيات إلا أظهرها الله ، وما عمل رجل سيئة في سبعة أبيات إلا أظهرها الله ، وتصديق ذلك في كلام الله : ( والله مخرج ما كنتم تكتمون)
فَقُلْنَا اضْرِبُوْهُ بِبَعْضِهَاؕ-كَذٰلِكَ یُحْیِ اللّٰهُ الْمَوْتٰىۙ-وَ یُرِیْكُمْ اٰیٰتِهٖ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُوْنَ(۷۳)
تو ہم نے فرمایا اس مقتول کو اس گائے کا ایک ٹکڑا مارو (ف۱۲۲) اللہ یونہی مرُدے جلائے گا۔ اور تمہیں اپنی نشانیاں دکھاتا ہے کہ کہیں تمہیں عقل ہو(ف۱۲۳)
( فقلنا اضربوه ببعضها ) هذا البعض أي شيء كان من أعضاء هذه البقرة فالمعجزة حاصلة به .وخرق العادة به كائن ، وقد كان معينا في نفس الأمر ، فلو كان في تعيينه لنا فائدة تعود علينا في أمر الدين أو الدنيا لبينه الله تعالى لنا ، ولكن أبهمه ، ولم يجئ من طريق صحيح عن معصوم بيانه فنحن نبهمه كما أبهمه الله .ولهذا قال ابن أبي حاتم : حدثنا أحمد بن سنان ، حدثنا عفان بن مسلم ، حدثنا عبد الواحد بن زياد حدثنا الأعمش ، عن المنهال بن عمرو ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس ، قال : إن أصحاب بقرة بني إسرائيل طلبوها أربعين سنة حتى وجدوها عند رجل في بقر له ، وكانت بقرة تعجبه ، قال : فجعلوا يعطونه بها فيأبى ، حتى أعطوه ملء مسكها دنانير ، فذبحوها ، فضربوه يعني القتيل بعضو منها ، فقام تشخب أوداجه دما [ فسألوه ] فقالوا له : من قتلك ؟ قال : قتلني فلان .وكذا قال الحسن ، وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم : إنه ضرب ببعضها .وفي رواية عن ابن عباس : إنهم ضربوه بالعظم الذي يلي الغضروف .وقال عبد الرزاق : أنبأنا معمر ، قال : قال أيوب ، عن ابن سيرين ، عن عبيدة : ضربوا القتيل ببعض لحمها . وقال معمر : قال قتادة : فضربوه بلحم فخذها فعاش ، فقال : قتلني فلان .وقال أبو أسامة ، عن النضر بن عربي ، عن عكرمة : ( فقلنا اضربوه ببعضها ) [ قال ] فضرببفخذها فقام ، فقال : قتلني فلان .قال ابن أبي حاتم : وروي عن مجاهد ، وقتادة ، نحو ذلك .وقال السدي : فضربوه بالبضعة التي بين الكتفين فعاش ، فسألوه ، فقال : قتلني ابن أخي .وقال أبو العالية : أمرهم موسى ، عليه السلام ، أن يأخذوا عظما من عظامها ، فيضربوا به القتيل ، ففعلوا ، فرجع إليه روحه ، فسمى لهم قاتله ثم عاد ميتا كما كان .وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم : فضربوه ببعض آرابها [ وقيل : بلسانها ، وقيل : بعجب ذنبها ] .وقوله : ( كذلك يحيي الله الموتى ) أي : فضربوه فحيي . ونبه تعالى على قدرته وإحيائه الموتى بما شاهدوه من أمر القتيل : جعل تبارك وتعالى ذلك الصنع حجة لهم على المعاد ، وفاصلا ما كان بينهم من الخصومة والفساد ، والله تعالى قد ذكر في هذه السورة ما خلقه في إحياء الموتى ، في خمسة مواضع : ( ثم بعثناكم من بعد موتكم ) [ البقرة : 56 ] . وهذه القصة ، وقصة الذين خرجوا من ديارهم وهم ألوف حذر الموت ، وقصة الذي مر على قرية وهي خاوية على عروشها ، وقصة إبراهيم والطيور الأربعة .ونبه تعالى بإحياء الأرض بعد موتها على إعادة الأجسام بعد صيرورتها رميما ، كما قال أبو داود الطيالسي : حدثنا شعبة ، أخبرني يعلى بن عطاء ، قال : سمعت وكيع بن عدس ، يحدث عن أبي رزين العقيلي ، قال : قلت : يا رسول الله ، كيف يحيي الله الموتى ؟ قال : " أما مررت بواد ممحل ، ثم مررت به خضرا ؟ " قال : بلى . قال : " كذلك النشور " . أو قال : " كذلك يحيي الله الموتى " . وشاهد هذا قوله تعالى : ( وآية لهم الأرض الميتة أحييناها وأخرجنا منها حبا فمنه يأكلون وجعلنا فيها جنات من نخيل وأعناب وفجرنا فيها من العيون ليأكلوا من ثمره وما عملته أيديهم أفلا يشكرون ) [ يس : 35 ] .مسألة : استدل لمذهب مالك في كون قول الجريح : فلان قتلني لوثا بهذه القصة ; لأن القتيل لما حيي سئل عمن قتله فقال : قتلني فلان ، فكان ذلك مقبولا منه ; لأنه لا يخبر حينئذ إلا بالحق ، ولا يتهم والحالة هذه ، ورجحوا ذلك بحديث أنس : أن يهوديا قتل جارية على أوضاح لها ، فرضخ رأسها بين حجرين فقيل : من فعل بك هذا ؟ أفلان ؟ أفلان ؟ حتى ذكر اليهودي ، فأومأت برأسها ، فأخذ اليهودي ، فلم يزل به حتى اعترف ، فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يرد رأسه بين حجرين وعند مالك : إذا كان لوثا حلف أولياء القتيل قسامة ، وخالف الجمهور في ذلك ولم يجعلوا قول القتيل فيذلك لوثا .
ثُمَّ قَسَتْ قُلُوْبُكُمْ مِّنْۢ بَعْدِ ذٰلِكَ فَهِیَ كَالْحِجَارَةِ اَوْ اَشَدُّ قَسْوَةًؕ-وَ اِنَّ مِنَ الْحِجَارَةِ لَمَا یَتَفَجَّرُ مِنْهُ الْاَنْهٰرُؕ-وَ اِنَّ مِنْهَا لَمَا یَشَّقَّقُ فَیَخْرُ جُ مِنْهُ الْمَآءُؕ-وَ اِنَّ مِنْهَا لَمَا یَهْبِطُ مِنْ خَشْیَةِ اللّٰهِؕ-وَ مَا اللّٰهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُوْنَ(۷۴)
پھر اس کے بعد تمہارے دل سخت ہوگئے (ف۱۲۴) تو وہ پتھروں کی مثل ہیں بلکہ ان سے بھی زیادہ کرّے اور پتھروں میں تو کچھ وہ ہیں جن سے ندیاں بہہ نکلتی ہیں اور کچھ وہ ہیں جو پھٹ جاتے ہیں تو ان سے پانی نکلتا ہے اور کچھ وہ ہیں جو اللہ کے ڈر سے گر پڑتے ہیں (ف۱۲۵) اور اللہ تمہارے کوتکوں سے بے خبر نہیں،
يقول تعالى توبيخا لبني إسرائيل ، وتقريعا لهم على ما شاهدوه من آيات الله تعالى ، وإحيائه الموتى : ( ثم قست قلوبكم من بعد ذلك ) كله ( فهي كالحجارة ) التي لا تلين أبدا . ولهذا نهى الله المؤمنين عن مثل حالهم فقال : ( ألم يأن للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله وما نزل من الحق ولا يكونوا كالذين أوتوا الكتاب من قبل فطال عليهم الأمد فقست قلوبهم وكثير منهم فاسقون ) [ الحديد : 16 ] .وقال العوفي ، في تفسيره ، عن ابن عباس : لما ضرب المقتول ببعض البقرة جلس أحيا ما كان قط ، فقيل له : من قتلك ؟ فقال : بنو أخي قتلوني . ثم قبض . فقال بنو أخيه حين قبض : والله ما قتلناه ، فكذبوا بالحق بعد إذا رأوا . فقال الله : ( ثم قست قلوبكم من بعد ذلك ) يعني : بني أخي الشيخ ( فهي كالحجارة أو أشد قسوة ) فصارت قلوب بني إسرائيل مع طول الأمد قاسية بعيدة عن الموعظة بعد ما شاهدوه من الآيات والمعجزات فهي في قسوتها كالحجارة التي لا علاج للينها أو أشد قسوة من الحجارة ، فإن من الحجارة ما تتفجر منها العيون الجارية بالأنهار ، ومنها ما يشقق فيخرج منه الماء ، وإن لم يكن جاريا ، ومنها ما يهبط من رأس الجبل من خشية الله ، وفيه إدراك لذلك بحسبه ، كما قال : ( تسبح له السماوات السبع والأرض ومن فيهن وإن من شيء إلا يسبح بحمده ولكن لا تفقهون تسبيحهم إنه كان حليما غفورا ) [ الإسراء : 44 ] .وقال ابن أبي نجيح ، عن مجاهد أنه كان يقول : كل حجر يتفجر منه الماء ، أو يتشقق عن ماء ، أو يتردى من رأس جبل ، لمن خشية الله ، نزل بذلك القرآن .وقال محمد بن إسحاق : حدثني محمد بن أبي محمد ، عن عكرمة أو سعيد بن جبير ، عن ابن عباس : ( وإن من الحجارة لما يتفجر منه الأنهار وإن منها لما يشقق فيخرج منه الماء وإن منها لما يهبط من خشية الله ) أي وإن من الحجارة لألين من قلوبكم عما تدعون إليه من الحق ( وما الله بغافل عما تعملون )[ وقال أبو علي الجبائي في تفسيره : ( وإن منها لما يهبط من خشية الله ) هو سقوط البرد منالسحاب . قال القاضي الباقلاني : وهذا تأويل بعيد ، وتبعه في استبعاده فخر الدين الرازي وهو كما قالا ; فإن هذا خروج عن ظاهر اللفظ بلا دليل ، والله أعلم ] .وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي ، حدثنا هشام بن عمار ، حدثنا الحكم بن هشام الثقفي ، حدثني يحيى بن أبي طالب يعني يحيى بن يعقوب في قوله تعالى : ( وإن من الحجارة لما يتفجر منه الأنهار ) قال : هو كثرة البكاء ( وإن منها لما يشقق فيخرج منه الماء ) قال : قليل البكاء ( وإن منها لما يهبط من خشية الله ) قال : بكاء القلب ، من غير دموع العين .وقد زعم بعضهم أن هذا من باب المجاز ; وهو إسناد الخشوع إلى الحجارة كما أسندت الإرادة إلى الجدار في قوله : ( يريد أن ينقض ) قال الرازي والقرطبي وغيرهما من الأئمة : ولا حاجة إلى هذا فإن الله تعالى يخلق فيها هذه الصفة كما في قوله تعالى : ( إنا عرضنا الأمانة على السماوات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها ) الآية ، وقال : ( والنجم والشجر يسجدان ) و ( أولم يروا إلى ما خلق الله من شيء يتفيأ ظلاله ) الآية ، ( قالتا أتينا طائعين ) ( لو أنزلنا هذا القرآن على جبل ) الآية ، ( وقالوا لجلودهم لم شهدتم علينا قالوا أنطقنا الله ) الآية ، وفي الصحيح : " هذا جبل يحبنا ونحبه " ، وكحنين الجذع المتواتر خبره ، وفي صحيح مسلم : " إني لأعرف حجرا بمكة كان يسلم علي قبل أن أبعث إني لأعرفه الآن " وفي صفة الحجر الأسود أنه يشهد لمن استلمه بحق يوم القيامة ، وغير ذلك مما في معناه . وحكى القرطبي قولا أنها للتخيير ; أي مثلا لهذا وهذا ، وهذا مثل جالس الحسن أو ابن سيرين . . وكذا حكاه الرازي في تفسيره وزاد قولا آخر : إنها للإبهام بالنسبة إلى المخاطب كقول القائل أكلت خبزا أو تمرا ، وهو يعلم أيهما أكل ، وقال آخر : إنها بمعنى قول القائل : كل حلوا أو حامضا ; أي لا يخرج عن واحد منهما ; أي وقلوبكم صارت كالحجارة أو أشد قسوة منها لا تخرج عن واحد من هذين الشيئين . والله أعلم .تنبيه :اختلف علماء العربية في معنى قوله تعالى : ( فهي كالحجارة أو أشد قسوة ) بعد الإجماع على استحالة كونها للشك ، فقال بعضهم : " أو " هاهنا بمعنى الواو ، تقديره : فهي كالحجارة وأشد قسوة كقوله تعالى : ( ولا تطع منهم آثما أو كفورا ) [ الإنسان : 24 ] ، وكما قال النابغة الذبياني :قالت ألا ليتما هذا الحمام لنا إلى حمامتنا أو نصفه فقدتريد : ونصفه ، قاله ابن جرير . وقال جرير بن عطية :نال الخلافة أو كانت له قدرا كما أتى ربه موسى على قدرقال ابن جرير : يعني نال الخلافة ، وكانت له قدرا .وحكى القرطبي قولا أنها للتخيير في مفهومها بهذا أو بهذا مثل جالس الحسن أو ابن سيرين ، وكذا حكاه فخر الدين في تفسيره وزاد قولا آخر وهو : أنها للإبهام وبالنسبة إلى المخاطب ، كقول القائل : أكلت خبزا أو تمرا وهو يعلم أيهما أكل ، وقولا آخر وهو أنها بمعنى قول القائل : أكلي حلو أو حامض ، أي : لا يخرج عن واحد منهما ، أي : وقلوبكم صارت في قسوتها كالحجارة أو أشد قسوة منها لا يخرج عن واحد من هذين الشيئين والله أعلم .وقال آخرون : " أو " هاهنا بمعنى بل ، تقديره فهي كالحجارة بل أشد قسوة ، وكقوله : ( إذا فريق منهم يخشون الناس كخشية الله أو أشد خشية ) [ النساء : 77 ] ( وأرسلناه إلى مائة ألف أو يزيدون ) [ الصافات : 147 ] ( فكان قاب قوسين أو أدنى ) [ النجم : 9 ] وقال آخرون : معنى ذلك ( فهي كالحجارة أو أشد قسوة ) عندكم . حكاه ابن جرير .وقال آخرون : المراد بذلك الإبهام على المخاطب ، كما قال أبو الأسود :أحب محمدا حبا شديدا وعباسا وحمزة والوصيافإن يك حبهم رشدا أصبه ولست بمخطئ إن كان غياقال ابن جرير : قالوا : ولا شك أن أبا الأسود لم يكن شاكا في أن حب من سمى رشد ، ولكنه أبهم على من خاطبه ، قال : وقد ذكر عن أبي الأسود أنه لما قال هذه الأبيات قيل له : شككت ؟ فقال : كلا والله . ثم انتزع بقول الله تعالى : ( وإنا أو إياكم لعلى هدى أو في ضلال مبين ) فقال : أوكان شاكا من أخبر بهذا في الهادي منهم من الضلال ؟وقال بعضهم : معنى ذلك : فقلوبكم لا تخرج عن أحد هذين المثلين ، إما أن تكون مثل الحجارة في القسوة وإما أن تكون أشد منها قسوة .قال ابن جرير : ومعنى ذلك على هذا التأويل : فبعضها كالحجارة قسوة ، وبعضها أشد قسوة من الحجارة . وقد رجحه ابن جرير مع توجيه غيره .قلت : وهذا القول الأخير يبقى شبيها بقوله تعالى : ( مثلهم كمثل الذي استوقد نارا ) [ البقرة : 17 ] مع قوله : ( أو كصيب من السماء ) [ البقرة : 19 ] وكقوله : ( والذين كفروا أعمالهم كسراب بقيعة ) [ النور : 39 ] مع قوله : ( أو كظلمات في بحر لجي ) [ النور : 40 ] ، الآية أي : إن منهم من هو هكذا ، ومنهم من هو هكذا ، والله أعلم .قال الحافظ أبو بكر بن مردويه : حدثنا محمد بن أحمد بن إبراهيم ، حدثنا محمد بن أيوب ، حدثنا محمد بن عبد الله بن أبي الثلج ، حدثنا علي بن حفص ، حدثنا إبراهيم بن عبد الله بن حاطب ، عن عبد الله بن دينار ، عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " لا تكثروا الكلام بغير ذكر الله ، فإن كثرة الكلام بغير ذكر الله قسوة القلب ، وإن أبعد الناس من الله القلب القاسي " .رواه الترمذي في كتاب الزهد من جامعه ، عن محمد بن عبد الله بن أبي الثلج ، صاحب الإمام أحمد ، به . ومن وجه آخر عن إبراهيم بن عبد الله بن الحارث بن حاطب ، به ، وقال : غريب لا نعرفه إلا من حديث إبراهيم .[ وروى البزار عن أنس مرفوعا : " أربع من الشقاء : جمود العين ، وقسي القلب ، وطول الأمل ، والحرص على الدنيا " ] . .
اَفَتَطْمَعُوْنَ اَنْ یُّؤْمِنُوْا لَكُمْ وَ قَدْ كَانَ فَرِیْقٌ مِّنْهُمْ یَسْمَعُوْنَ كَلٰمَ اللّٰهِ ثُمَّ یُحَرِّفُوْنَهٗ مِنْۢ بَعْدِ مَا عَقَلُوْهُ وَ هُمْ یَعْلَمُوْنَ(۷۵)
تو اے مسلمانو! کیا تمہیں یہ طمع ہے کہ یہ (یہودی) تمہارا یقین لائیں گے اور ان میں کا تو ایک گروہ وه تھا کہ اللہ کا کلام سنتے پھر سمجھنے کے بعد اسے دانستہ بدل دیتے، ف۱۲۶)
يقول تعالى : ( أفتطمعون ) أيها المؤمنون ( أن يؤمنوا لكم ) أي : ينقاد لكم بالطاعة ، هؤلاء الفرقة الضالة من اليهود ، الذين شاهد آباؤهم من الآيات البينات ما شاهدوه ثم قست قلوبهم من بعد ذلك ( وقد كان فريق منهم يسمعون كلام الله ثم يحرفونه ) أي : يتأولونه على غير تأويله ( من بعد ما عقلوه ) أي : فهموه على الجلية ومع هذا يخالفونه على بصيرة ( وهم يعلمون ) أنهم مخطئون فيما ذهبوا إليه من تحريفه وتأويله ؟ وهذا المقام شبيه بقوله تعالى : ( فبما نقضهم ميثاقهم لعناهم وجعلنا قلوبهم قاسية يحرفون الكلم عن مواضعه ) [ المائدة : 13 ] .قال محمد بن إسحاق : حدثني محمد بن أبي محمد ، عن عكرمة أو سعيد بن جبير ، عن ابن عباس أنه قال : ثم قال الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم ، ولمن معه من المؤمنين يؤيسهم منهم : ( أفتطمعون أن يؤمنوا لكم وقد كان فريق منهم يسمعون كلام الله ) وليس قوله : ( يسمعون كلام الله ) يسمعون التوراة . كلهم قد سمعها . ولكن الذين سألوا موسى رؤية ربهم فأخذتهم الصاعقة فيها .قال محمد بن إسحاق : فيما حدثني بعض أهل العلم أنهم قالوا لموسى : يا موسى ، قد حيل بيننا وبين رؤية الله تعالى ، فأسمعنا كلامه حين يكلمك . فطلب ذلك موسى إلى ربه تعالى فقال : نعم ، مرهم فليتطهروا ، وليطهروا ثيابهم ويصوموا ففعلوا ، ثم خرج بهم حتى أتوا الطور ، فلما غشيهم الغمام أمرهم موسى أن يسجدوا ، فوقعوا سجودا ، وكلمه ربه تعالى ، فسمعوا كلامه يأمرهم وينهاهم ، حتى عقلوا عنه ما سمعوا . ثم انصرف بهم إلى بني إسرائيل ، فلما جاءوهم حرف فريق منهم ما أمرهم به ، وقالوا حين قال موسى لبني إسرائيل : إن الله قد أمركم بكذا وكذا . قال ذلك الفريق الذين ذكرهم الله : إنما قال كذا وكذا خلافا لما قال الله عز وجل لهم ، فهم الذين عنى الله لرسوله صلى الله عليه وسلم .وقال السدي : ( وقد كان فريق منهم يسمعون كلام الله ثم يحرفونه ) قال : هي التوراة ، حرفوها .وهذا الذي ذكره السدي أعم مما ذكره ابن عباس وابن إسحاق ، وإن كان قد اختاره ابن جرير لظاهر السياق . فإنه ليس يلزم من سماع كلام الله أن يكون منه كما سمعه الكليم موسى بن عمران ، عليه الصلاة والسلام ، وقد قال الله تعالى : ( وإن أحد من المشركين استجارك فأجره حتى يسمع كلام الله ) [ التوبة : 6 ] ، أي : مبلغا إليه ; ولهذا قال قتادة في قوله : ( ثم يحرفونه من بعد ما عقلوه وهم يعلمون ) قال : هم اليهود كانوا يسمعون كلام الله ثم يحرفونه من بعد ما عقلوه ووعوه .وقال مجاهد : الذين يحرفونه والذين يكتمونه هم العلماء منهم .وقال أبو العالية : عمدوا إلى ما أنزل الله في كتابهم ، من نعت محمد صلى الله عليه وسلم ، فحرفوه عن مواضعه .وقال السدي : ( وهم يعلمون ) أي أنهم أذنبوا . وقال ابن وهب : قال ابن زيد في قوله : ( يسمعون كلام الله ثم يحرفونه ) قال : التوراة التي أنزلها الله عليهم يحرفونها يجعلون الحلال فيها حراما ، والحرام فيها حلالا والحق فيها باطلا والباطل فيها حقا ; إذا جاءهم المحق برشوة أخرجوا له كتاب الله ، وإذا جاءهم المبطل برشوة أخرجوا له ذلك الكتاب ، فهو فيه محق ، وإن جاءهم أحد يسألهم شيئا ليس فيه حق ، ولا رشوة ، ولا شيء ، أمروه بالحق ، فقال الله لهم : ( أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم وأنتم تتلون الكتاب أفلا تعقلون ) [ البقرة : 44 ] .
وَ اِذَا لَقُوا الَّذِیْنَ اٰمَنُوْا قَالُوْۤا اٰمَنَّا ۚۖ-وَ اِذَا خَلَا بَعْضُهُمْ اِلٰى بَعْضٍ قَالُوْۤا اَتُحَدِّثُوْنَهُمْ بِمَا فَتَحَ اللّٰهُ عَلَیْكُمْ لِیُحَآجُّوْكُمْ بِهٖ عِنْدَ رَبِّكُمْؕ-اَفَلَا تَعْقِلُوْنَ(۷۶)
اور جب مسلمانوں سے ملیں تو کہیں ہم ایمان لائے (ف۱۲۷) اور جب آپس میں اکیلے ہوں تو کہیں وہ علم جو اللہ نے تم پر کھولا مسلمانوں سے بیان کیے دیتے ہو کہ اس سے تمہارے رب کے یہاں تمہیں پر حجت لائیں کیا تمہیں عقل نہیں -
وقوله : ( وإذا لقوا الذين آمنوا قالوا آمنا ) الآية .قال محمد بن إسحاق : حدثنا محمد بن أبي محمد ، عن عكرمة أو سعيد بن جبير ، عن ابن عباس : ( وإذا لقوا الذين آمنوا قالوا آمنا ) أي بصاحبكم رسول الله ، ولكنه إليكم خاصة . ( وإذا خلا بعضهم إلى بعض قالوا ) لا تحدثوا العرب بهذا ، فإنكم قد كنتم تستفتحون به عليهم ، فكان منهم . فأنزل الله : ( وإذا لقوا الذين آمنوا قالوا آمنا وإذا خلا بعضهم إلى بعض قالوا أتحدثونهم بما فتح الله عليكم ليحاجوكم به عند ربكم ) أي : تقرون بأنه نبي ، وقد علمتم أنه قد أخذ له الميثاق عليكم باتباعه ، وهو يخبرهم أنه النبي الذي كنا ننتظر ، ونجد في كتابنا . اجحدوه ولا تقروا به . يقول الله تعالى : ( أولا يعلمون أن الله يعلم ما يسرون وما يعلنون ) .وقال الضحاك ، عن ابن عباس : يعني المنافقين من اليهود كانوا إذا لقوا أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم قالوا : آمنا .وقال السدي : هؤلاء ناس من اليهود آمنوا ثم نافقوا . وكذا قال الربيع بن أنس ، وقتادة وغير واحد من السلف والخلف ، حتى قال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم ، فيما رواه ابن وهب عنه : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد قال : " لا يدخلن علينا قصبة المدينة إلا مؤمن " . فقال رؤساؤهم من أهل الكفر والنفاق : اذهبوا فقولوا : آمنا ، واكفروا إذا رجعتم إلينا ، فكانوا يأتون المدينة بالبكر ، ويرجعون إليهم بعد العصر . وقرأ قول الله تعالى : ( وقالت طائفة من أهل الكتاب آمنوا بالذي أنزل على الذين آمنوا وجه النهار واكفروا آخره لعلهم يرجعون ) [ آل عمران : 72 ]وكانوا يقولون ، إذا دخلوا المدينة : نحن مسلمون . ليعلموا خبر رسول الله صلى الله عليه وسلم وأمره . فإذا رجعوا رجعوا إلى الكفر . فلما أخبر الله نبيه صلى الله عليه وسلم قطع ذلك عنهم فلم يكونوا يدخلون . وكان المؤمنون يظنون أنهم مؤمنون فيقولون : أليس قد قال الله لكم كذا وكذا ؟ فيقولون : بلى . فإذا رجعوا إلى قومهم [ يعني الرؤساء ] قالوا : ( أتحدثونهم بما فتح الله عليكم ) الآية .وقال أبو العالية : ( أتحدثونهم بما فتح الله عليكم ) يعني : بما أنزل الله عليكم في كتابكم من نعت محمد صلى الله عليه وسلم .وقال عبد الرزاق ، عن معمر ، عن قتادة : ( أتحدثونهم بما فتح الله عليكم ليحاجوكم به عند ربكم ) قال : كانوا يقولون : سيكون نبي . فخلا بعضهم ببعض فقالوا : ( أتحدثونهم بما فتح الله عليكم ) .قول آخر في المراد بالفتح : قال ابن جريج : حدثني القاسم بن أبي بزة ، عن مجاهد ، في قوله تعالى : ( أتحدثونهم بما فتح الله عليكم ) قال : قام النبي صلى الله عليه وسلم يوم قريظة تحت حصونهم ، فقال : " يا إخوان القردة والخنازير ، ويا عبدة الطاغوت " ، فقالوا : من أخبر بهذا الأمر محمدا ؟ ما خرج هذا القول إلا منكم ( أتحدثونهم بما فتح الله عليكم ) بما حكم الله ، للفتح ، ليكون لهم حجة عليكم . قال ابن جريج ، عن مجاهد : هذا حين أرسل إليهم عليا فآذوا محمدا صلى الله عليه وسلم .وقال السدي : ( أتحدثونهم بما فتح الله عليكم ) من العذاب ( ليحاجوكم به عند ربكم ) هؤلاء ناس من اليهود آمنوا ثم نافقوا وكانوا يحدثون المؤمنين من العرب بما عذبوا به . فقال بعضهم لبعض : ( أتحدثونهم بما فتح الله عليكم ) من العذاب ، ليقولوا : نحن أحب إلى الله منكم ، وأكرم على الله منكم .وقال عطاء الخراساني : ( أتحدثونهم بما فتح الله عليكم ) يعني : بما قضى [ الله ] لكم وعليكم .وقال الحسن البصري : هؤلاء اليهود ، كانوا إذا لقوا الذين آمنوا قالوا : آمنا ، وإذا خلا بعضهم إلى بعض ، قال بعضهم : لا تحدثوا أصحاب محمد بما فتح الله عليكم مما في كتابكم ، فيحاجوكم به عند ربكم ، فيخصموكم .
اَوَ لَا یَعْلَمُوْنَ اَنَّ اللّٰهَ یَعْلَمُ مَا یُسِرُّوْنَ وَ مَا یُعْلِنُوْنَ(۷۷)
کیا تم نہیں جانتے کہ اللہ جانتا ہے جو کچھ وہ چھپاتے ہیں اور جو کچھ ظاہر کرتے ہیں-
وقوله : ( أولا يعلمون أن الله يعلم ما يسرون وما يعلنون ) قال أبو العالية : يعني ما أسروا من كفرهم بمحمد صلى الله عليه وسلم وتكذيبهم به ، وهو يجدونه مكتوبا عندهم . وكذا قال قتادة .وقال الحسن : ( أن الله يعلم ما يسرون ) قال : كان ما أسروا أنهم كانوا إذا تولوا عن أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم وخلا بعضهم إلى بعض ، تناهوا أن يخبر أحد منهم أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم بما فتح الله عليهم مما في كتابهم ، خشية أن يحاجهم أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم بما في كتابهم عند ربهم . ( وما يعلنون ) يعني : حين قالوا لأصحاب محمد صلى الله عليه وسلم : آمنا . وكذا قال أبو العالية ، والربيع ، وقتادة .
وَ مِنْهُمْ اُمِّیُّوْنَ لَا یَعْلَمُوْنَ الْكِتٰبَ اِلَّاۤ اَمَانِیَّ وَ اِنْ هُمْ اِلَّا یَظُنُّوْنَ(۷۸)
اور ان میں کچھ اَن پڑھ ہیں کہ جو کتاب (ف۱۲۸) کو نہیں جانتے مگر زبانی پڑھ لینا (ف۱۲۹) یا کچھ اپنی من گھڑت اور وہ نرے گمان میں ہیں -
يقول تعالى : ( ومنهم أميون ) أي : ومن أهل الكتاب ، قاله مجاهد : والأميون جمع أمي ، وهو : الرجل الذي لا يحسن الكتابة ، قاله أبو العالية ، والربيع ، وقتادة ، وإبراهيم النخعي ، وغير واحد وهو ظاهر في قوله تعالى : ( لا يعلمون الكتاب ) [ إلا أماني ] ) أي : لا يدرون ما فيه . ولهذا في صفات النبي صلى الله عليه وسلم أنه أمي ; لأنه لم يكن يحسن الكتابة ، كما قال تعالى : ( وما كنت تتلو من قبله من كتاب ولا تخطه بيمينك إذا لارتاب المبطلون ) [ العنكبوت : 48 ] وقال عليه الصلاة والسلام : " إنا أمة أمية ، لا نكتب ولا نحسب ، الشهر هكذا وهكذا وهكذا " الحديث . أي : لا نفتقر في عباداتنا ومواقيتها إلى كتاب ولا حساب وقال تعالى : ( هو الذي بعث في الأميين رسولا منهم ) [ الجمعة : 2 ] .وقال ابن جرير : نسبت العرب من لا يكتب ولا يخط من الرجال إلى أمه في جهله بالكتاب دون أبيه ، قال : وقد روي عن ابن عباس ، رضي الله عنهما قول خلاف هذا ، وهو ما حدثنا به أبو كريب : حدثنا عثمان بن سعيد ، عن بشر بن عمارة ، عن أبي روق ، عن الضحاك ، عن ابن عباس ، في قوله : ( ومنهم أميون ) قال : الأميون قوم لم يصدقوا رسولا أرسله الله ، ولا كتابا أنزله الله ، فكتبوا كتابا بأيديهم ، ثم قالوا لقوم سفلة جهال : ( هذا من عند الله ) وقال : قد أخبر أنهم يكتبون بأيديهم ، ثم سماهم أميين ، لجحودهم كتب الله ورسله . ثم قال ابن جرير : وهذا التأويل على خلاف ما يعرف من كلام العرب المستفيض بينهم . وذلك أن الأمي عند العرب : الذي لا يكتب .قلت : ثم في صحة هذا عن ابن عباس ، بهذا الإسناد ، نظر . والله أعلم .قوله تعالى : ( إلا أماني ) قال ابن أبي طلحة عن ابن عباس : ( إلا أماني ) إلا أحاديث .وقال الضحاك ، عن ابن عباس ، في قوله : ( إلا أماني ) يقول : إلا قولا يقولونه بأفواههم كذبا . وقال مجاهد : إلا كذبا . وقال سنيد ، عن حجاج ، عن ابن جريج عن مجاهد : ( ومنهم أميون لا يعلمون الكتاب إلا أماني ) قال : أناس من يهود لم يكونوا يعلمون من الكتاب شيئا ، وكانوا يتكلمون بالظن بغير ما في كتاب الله ، ويقولون : هو من الكتاب ، أماني يتمنونها . وعن الحسن البصري ، نحوه .وقال أبو العالية ، والربيع وقتادة : ( إلا أماني ) يتمنون على الله ما ليس لهم .وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم : ( إلا أماني ) قال : تمنوا فقالوا : نحن من أهل الكتاب . وليسوا منهم .قال ابن جرير : والأشبه بالصواب قول الضحاك عن ابن عباس ، وقال مجاهد : إن الأميين الذين وصفهم الله أنهم لا يفقهون من الكتاب الذي أنزل الله على موسى شيئا ، ولكنهم يتخرصون الكذب ويتخرصون الأباطيل كذبا وزورا . والتمني في هذا الموضع هو تخلق الكذب وتخرصه . ومنه الخبر المروي عن عثمان بن عفان رضي الله عنه : " ما تغنيت ولا تمنيت " . يعني ما تخرصت الباطل ولا اختلقت الكذب .وقال محمد بن إسحاق : حدثني محمد بن أبي محمد ، عن عكرمة أو سعيد بن جبير ، عن ابن عباس : ( لا يعلمون الكتاب إلا أماني وإن هم إلا يظنون ) ولا يدرون ما فيه ، وهم يجحدون نبوتك بالظن .وقال مجاهد : ( وإن هم إلا يظنون ) يكذبون .وقال قتادة : وأبو العالية ، والربيع : يظنون الظنون بغير الحق .
فَوَیْلٌ لِّلَّذِیْنَ یَكْتُبُوْنَ الْكِتٰبَ بِاَیْدِیْهِمْۗ-ثُمَّ یَقُوْلُوْنَ هٰذَا مِنْ عِنْدِ اللّٰهِ لِیَشْتَرُوْا بِهٖ ثَمَنًا قَلِیْلًاؕ-فَوَیْلٌ لَّهُمْ مِّمَّا كَتَبَتْ اَیْدِیْهِمْ وَ وَیْلٌ لَّهُمْ مِّمَّا یَكْسِبُوْنَ(۷۹)
تو خرابی ہے ان کے لئے جو کتاب اپنے ہاتھ سے لکھیں پھر کہہ دیں یہ خدا کے پاس سے ہے کہ اس کے عوض تھوڑے دام حاصل کریں (ف۱۳۰) تو خرابی ہے ان کے لئے ان کے ہاتھوں کے لکھے سے اور خرابی ان کے لئے اس کمائی سے-
وقوله : ( فويل للذين يكتبون الكتاب بأيديهم ثم يقولون هذا من عند الله ليشتروا به ثمنا قليلا ) الآية : هؤلاء صنف آخر من اليهود ، وهم الدعاة إلى الضلال بالزور والكذب على الله ، وأكل أموال الناس بالباطل .والويل : الهلاك والدمار ، وهي كلمة مشهورة في اللغة . وقال سفيان الثوري ، عن زياد بن فياض : سمعت أبا عياض يقول : ويل : صديد في أصل جهنم .وقال عطاء بن يسار . الويل : واد في جهنم لو سيرت فيه الجبال لماعت .وقال ابن أبي حاتم : حدثنا يونس بن عبد الأعلى ، أخبرنا ابن وهب ، أخبرني عمرو بن الحارث ، عن دراج ، عن أبي الهيثم ، عن أبي سعيد الخدري ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال : " ويل واد في جهنم ، يهوي فيه الكافر أربعين خريفا قبل أن يبلغ قعره " .ورواه الترمذي عن عبد بن حميد ، عن الحسن بن موسى ، عن ابن لهيعة ، عن دراج ، به . وقال : هذا حديث غريب لا نعرفه إلا من حديث ابن لهيعة .قلت : لم ينفرد به ابن لهيعة كما ترى ، ولكن الآفة ممن بعده ، وهذا الحديث بهذا الإسناد مرفوعا منكر ، والله أعلم .وقال ابن جرير : حدثنا المثنى ، حدثنا إبراهيم بن عبد السلام بن صالح العشيري حدثنا علي بن جرير ، عن حماد بن سلمة ، عن عبد الحميد بن جعفر ، عن كنانة العدوي ، عن عثمان بن عفان ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( فويل لهم مما كتبت أيديهم وويل لهم مما يكسبون ) قال : " الويل جبل في النار . وهو الذي أنزل في اليهود ; لأنهم حرفوا التوراة ، زادوا فيها ما أحبوا ، ومحوا منها ما يكرهون ، ومحوا اسم محمد صلى الله عليه وسلم من التوراة . ولذلك غضب الله عليهم ، فرفع بعض التوراة ، فقال : ( فويل لهم مما كتبت أيديهم وويل لهم مما يكسبون ) .وهذا غريب أيضا جدا .[ وعن ابن عباس : الويل : السعير من العذاب ، وقال الخليل بن أحمد : الويل : شدة الشر ، وقال سيبويه : ويل : لمن وقع في الهلكة ، وويح لمن أشرف عليها ، وقال الأصمعي : الويل : تفجع والويل ترحم ، وقال غيره : الويل الحزن . وقال الخليل : وفي معنى ويل : ويح وويش وويه وويك وويب ، ومنهم من فرق بينها ، وقال بعض النحاة : إنما جاز الابتداء بها وهي نكرة ; لأن فيها معنى الدعاء ، ومنهم من جوز نصبها ، بمعنى : ألزمهم ويلا . قلت : لكن لم يقرأ بذلك أحد ] .وعن عكرمة ، عن ابن عباس : ( فويل للذين يكتبون الكتاب بأيديهم ) قال : هم أحبار اليهود . وكذا قال سعيد ، عن قتادة : هم اليهود .وقال سفيان الثوري ، عن عبد الرحمن بن علقمة : سألت ابن عباس عن قوله تعالى : ( فويل للذين يكتبون الكتاب بأيديهم ) قال : نزلت في المشركين وأهل الكتاب .وقال السدي : كان ناس من اليهود كتبوا كتابا من عندهم ، يبيعونه من العرب ، ويحدثونهم أنه من عند الله ، ليأخذوا به ثمنا قليلا .وقال الزهري : أخبرني عبيد الله بن عبد الله ، عن ابن عباس أنه قال : يا معشر المسلمين ، كيف تسألون أهل الكتاب عن شيء ، وكتابكم الذي أنزل الله على نبيه ، أحدث أخبار الله تقرؤونه محضا لم يشب ؟ وقد حدثكم الله تعالى أن أهل الكتاب قد بدلوا كتاب الله وغيروه ، وكتبوا بأيديهم الكتاب ، وقالوا : هو من عند الله ليشتروا به ثمنا قليلا ; أفلا ينهاكم ما جاءكم من العلم عن مساءلتهم ؟ ولا والله ما رأينا منهم أحدا قط سألكم عن الذي أنزل إليكم . رواه البخاري من طرق عن الزهري .وقال الحسن بن أبي الحسن البصري : الثمن القليل : الدنيا بحذافيرها .وقوله تعالى : ( فويل لهم مما كتبت أيديهم وويل لهم مما يكسبون ) أي : فويل لهم مما كتبوا بأيديهم من الكذب والبهتان ، والافتراء ، وويل لهم مما أكلوا به من السحت ، كما قال الضحاك عن ابن عباس : ( فويل لهم ) يقول : فالعذاب عليهم ، من الذي كتبوا بأيديهم من ذلك الكذب ، ( وويل لهم مما يكسبون ) يقول : مما يأكلون به الناس السفلة وغيرهم .
وَ قَالُوْا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ اِلَّاۤ اَیَّامًا مَّعْدُوْدَةًؕ-قُلْ اَتَّخَذْتُمْ عِنْدَ اللّٰهِ عَهْدًا فَلَنْ یُّخْلِفَ اللّٰهُ عَهْدَهٗۤ اَمْ تَقُوْلُوْنَ عَلَى اللّٰهِ مَا لَا تَعْلَمُوْنَ(۸۰)
اور بولے ہمیں تو آگ نہ چھوئے گی مگر گنتی کے دن (ف۱۳۱) تم فرمادو کیا خدا سے تم نے کوئی عہد لے رکھا ہے جب تو اللہ ہرگز اپنا عہد خلاف نہ کرے گا (ف۱۳۲) یا خدا پر وہ بات کہتے ہو جس کا تمہیں علم نہیں -
يقول تعالى إخبارا عن اليهود فيما نقلوه وادعوه لأنفسهم ، من أنهم لن تمسهم النار إلا أياما معدودة ، ثم ينجون منها ، فرد الله عليهم ذلك بقوله : ( قل أتخذتم عند الله عهدا ) أي : بذلك ؟ فإن كان قد وقع عهد فهو لا يخلف عهده .ولكن هذا ما جرى ولا كان . ولهذا أتى ب " أم " التي بمعنى : بل ، أي : بل تقولون على الله ما لا تعلمون من الكذب والافتراء عليه .قال محمد بن إسحاق ، عن سيف بن سليمان عن مجاهد ، عن ابن عباس : أن اليهود كانوا يقولون : هذه الدنيا سبعة آلاف سنة ، وإنما نعذب بكل ألف سنة يوما في النار ، وإنما هي سبعة أيام معدودة . فأنزل الله تعالى : ( وقالوا لن تمسنا النار إلا أياما معدودة ) إلى قوله : ( خالدون ) [ البقرة : 82 ] .ثم رواه عن محمد ، عن سعيد أو عكرمة عن ابن عباس ، بنحوه .وقال العوفي عن ابن عباس : ( وقالوا لن تمسنا النار إلا أياما معدودة ) اليهود قالوا : لن تمسنا النار إلا أربعين ليلة ، [ زاد غيره : هي مدة عبادتهم العجل ، وحكاه القرطبي عن ابن عباس وقتادة ] .وقال الضحاك : قال ابن عباس : زعمت اليهود أنهم وجدوا في التوراة مكتوبا : أن ما بين طرفي جهنم مسيرة أربعين سنة ، إلى أن ينتهوا إلى شجرة الزقوم ، التي هي نابتة في أصل الجحيم . وقال أعداء الله : إنما نعذب حتى ننتهي إلى شجرة الزقوم فتذهب جهنم وتهلك . فذلك قوله تعالى : ( وقالوا لن تمسنا النار إلا أياما معدودة )وقال عبد الرزاق ، عن معمر ، عن قتادة : ( وقالوا لن تمسنا النار إلا أياما معدودة ) يعني : الأيام التي عبدنا فيها العجل .وقال عكرمة : خاصمت اليهود رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا : لن ندخل النار إلا أربعين ليلة ، وسيخلفنا إليها قوم آخرون ، يعنون محمدا صلى الله عليه وسلم وأصحابه ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده على رءوسهم : " بل أنتم خالدون مخلدون لا يخلفكم إليها أحد " . فأنزل الله : ( وقالوا لن تمسنا النار إلا أياما معدودة ) الآية .وقال الحافظ أبو بكر بن مردويه رحمه الله : حدثنا عبد الرحمن بن جعفر ، حدثنا محمد بن محمد بن صخر ، حدثنا أبو عبد الرحمن المقرئ ، حدثنا ليث بن سعد ، حدثني سعيد بن أبي سعيد ، عن أبي هريرة ، رضي الله عنه ، قال : لما فتحت خيبر أهديت لرسول الله صلى الله عليه وسلم شاة فيها سم ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " اجمعوا لي من كان من اليهود هاهنا " فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من أبوكم ؟ " قالوا : فلان . قال : " كذبتم ، بل أبوكم فلان " . فقالوا : صدقت وبررت ، ثم قال لهم : " هل أنتم صادقي عن شيء إن سألتكم عنه ؟ " . قالوا : نعم ، يا أبا القاسم ، وإن كذبناك عرفت كذبنا كما عرفته في أبينا . فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من أهل النار ؟ " فقالوا : نكون فيها يسيرا ثم تخلفونا فيها . فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم : " اخسئوا ، والله لا نخلفكم فيها أبدا " . ثم قال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم : " هل أنتم صادقي عن شيء إن سألتكم عنه ؟ " . قالوا : نعم يا أبا القاسم . فقال : " هل جعلتم في هذه الشاة سما ؟ " . فقالوا : نعم . قال : " فما حملكم على ذلك ؟ " . فقالوا : أردنا إن كنت كاذبا أن نستريح منك ، وإن كنت نبيا لم يضرك .ورواه أحمد ، والبخاري ، والنسائي ، من حديث الليث بن سعد ، بنحوه .
- English | Ahmed Ali
- Urdu | Ahmed Raza Khan
- Turkish | Ali-Bulaç
- German | Bubenheim Elyas
- Chinese | Chineese
- Spanish | Cortes
- Dutch | Dutch
- Portuguese | El-Hayek
- English | English
- Urdu | Fateh Muhammad Jalandhry
- French | French
- Hausa | Hausa
- Indonesian | Indonesian-Bahasa
- Italian | Italian
- Korean | Korean
- Malay | Malay
- Russian | Russian
- Tamil | Tamil
- Thai | Thai
- Farsi | مکارم شیرازی
- العربية | التفسير الميسر
- العربية | تفسير الجلالين
- العربية | تفسير السعدي
- العربية | تفسير ابن كثير
- العربية | تفسير الوسيط لطنطاوي
- العربية | تفسير البغوي
- العربية | تفسير القرطبي
- العربية | تفسير الطبري
- English | Arberry
- English | Yusuf Ali
- Dutch | Keyzer
- Dutch | Leemhuis
- Dutch | Siregar
- Urdu | Sirat ul Jinan