READ

Surah al-Baqarah

اَلْبَقَرَة
286 Ayaat    مدنیۃ


2:121
اَلَّذِیْنَ اٰتَیْنٰهُمُ الْكِتٰبَ یَتْلُوْنَهٗ حَقَّ تِلَاوَتِهٖؕ-اُولٰٓىٕكَ یُؤْمِنُوْنَ بِهٖؕ-وَ مَنْ یَّكْفُرْ بِهٖ فَاُولٰٓىٕكَ هُمُ الْخٰسِرُوْنَ۠(۱۲۱)
جنہیں ہم نے کتاب دی ہے وہ جیسی چاہئے اس کی تلاوت کرتے ہیں وہی اس پر ایمان رکھتے ہیں اور جو اس کے منکر ہوں تو وہی زیاں کار ہیں -(ف۲۲۱)

قوله تعالى : الذين آتيناهم الكتاب يتلونه حق تلاوته أولئك يؤمنون به ومن يكفر به فأولئك هم الخاسرونقوله تعالى : الذين آتيناهم الكتاب قال قتادة : هم أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ، والكتاب على هذا التأويل القرآن . وقال ابن زيد : هم من أسلم من بني إسرائيل . والكتاب على هذا التأويل : التوراة ، والآية تعم . والذين رفع بالابتداء ، آتيناهم صلته ، يتلونه خبر الابتداء ، وإن شئت كان الخبر أولئك يؤمنون به .واختلف في معنى يتلونه حق تلاوته فقيل : يتبعونه حق اتباعه ، باتباع الأمر والنهي ، فيحللون حلاله ، ويحرمون حرامه ، ويعملون بما تضمنه ، قاله عكرمة . قال عكرمة : أما سمعت قول الله تعالى : والقمر إذا تلاها أي أتبعها ، وهو معنى قول ابن عباس وابن مسعود رضي الله عنهما . وقال الشاعر :قد جعلت دلوي تستتلينيوروى نصر بن عيسى عن مالك عن نافع عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله تعالى : يتلونه حق تلاوته قال : ( يتبعونه حق اتباعه ) . في إسناده غير واحد من المجهولين فيما ذكر الخطيب أبو بكر أحمد إلا أن معناه صحيح . وقال أبو موسى الأشعري : من يتبع القرآن يهبط به على رياض الجنة . وعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه : هم الذين إذا مروا بآية رحمة سألوها من الله ، وإذا مروا بآية عذاب استعاذوا منها . وقد روي هذا المعنى عن النبي صلى الله عليه وسلم : كان إذا مر بآية رحمة سأل ، وإذا مر بآية عذاب تعوذ . وقال الحسن : هم الذين يعملون بمحكمه ، ويؤمنون بمتشابهه ، ويكلون ما أشكل عليهم إلى عالمه . وقيل : يقرءونه حق قراءته .قلت : وهذا فيه بعد ، إلا أن يكون المعنى يرتلون ألفاظه ، ويفهمون معانيه ، فإن بفهم المعاني يكون الاتباع لمن وفق .
2:122
یٰبَنِیْۤ اِسْرَآءِیْلَ اذْكُرُوْا نِعْمَتِیَ الَّتِیْۤ اَنْعَمْتُ عَلَیْكُمْ وَ اَنِّیْ فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعٰلَمِیْنَ(۱۲۲)
اے اولاد یعقوب یاد کرو میرا احسان جو میں نے تم پر کیا او ر وہ جو میں نے اس زمانہ کے سب لوگوں پر تمہیں بڑائی دی -

تقدم تفسير هذه الأية
2:123
وَ اتَّقُوْا یَوْمًا لَّا تَجْزِیْ نَفْسٌ عَنْ نَّفْسٍ شَیْــٴًـا وَّ لَا یُقْبَلُ مِنْهَا عَدْلٌ وَّ لَا تَنْفَعُهَا شَفَاعَةٌ وَّ لَا هُمْ یُنْصَرُوْنَ(۱۲۳)
اور ڈرو اس دن سے کہ کوئی جان دوسرے کا بدلہ نہ ہوگی اور نہ اس کو کچھ لے کر چھوڑیں اور نہ کافر کو کوئی سفارش نفع دے (ف۲۲۲) اور نہ ان کی مدد ہو -

تقدم تفسير هذه الأية
2:124
وَ اِذِ ابْتَلٰۤى اِبْرٰهٖمَ رَبُّهٗ بِكَلِمٰتٍ فَاَتَمَّهُنَّؕ-قَالَ اِنِّیْ جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ اِمَامًاؕ-قَالَ وَ مِنْ ذُرِّیَّتِیْؕ-قَالَ لَا یَنَالُ عَهْدِی الظّٰلِمِیْنَ(۱۲۴)
اور جب (ف۲۲۳) ابراہیم کو اس کے رب نے کچھ باتوں سے آزمایا (ف۲۲۴) تو اس نے وہ پوری کر دکھائیں (ف۲۲۵) فرمایا میں تمہیں لوگوں کا پیشوا بنانے والا ہوں عرض کی اور میری اولاد سے فرمایا میرا عہد ظالموں کو نہیں پہنچتا-(ف۲۲۶)

قوله تعالى : وإذ ابتلى إبراهيم ربه بكلمات فأتمهن قال إني جاعلك للناس إماما قال ومن ذريتي قال لا ينال عهدي الظالمينفيه ثلاثة وعشرون مسألة الأولى : لما جرى ذكر الكعبة والقبلة اتصل ذلك بذكر إبراهيم عليه السلام ، وأنه الذي بنى البيت ، فكان من حق اليهود - وهم من نسل إبراهيم - ألا يرغبوا عن دينه . والابتلاء : الامتحان والاختبار ، ومعناه أمر وتعبد . وإبراهيم تفسيره بالسريانية فيما ذكر الماوردي ، وبالعربية فيما ذكر ابن عطية : أب رحيم . قال السهيلي : وكثيرا ما يقع الاتفاق بين السرياني والعربي أو يقاربه في اللفظ ، ألا ترى أن إبراهيم تفسيره أب راحم ، لرحمته بالأطفال ، ولذلك جعل هو وسارة زوجته كافلين لأطفال المؤمنين يموتون صغارا إلى يوم القيامة .قلت : ومما يدل على هذا ما خرجه البخاري من حديث الرؤيا الطويل عن سمرة ، وفيه : أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى في الروضة إبراهيم عليه السلام وحوله أولاد الناس . وقد أتينا عليه في كتاب التذكرة ، والحمد لله .وإبراهيم هو ابن تارخ بن ناخور في قول بعض المؤرخين . وفي التنزيل : وإذ قال إبراهيم لأبيه آزر وكذلك في صحيح البخاري ، ولا تناقض في ذلك ، على ما يأتي في " الأنعام " بيانه إن شاء الله تعالى . وكان له أربع بنين : إسماعيل وإسحاق ومدين ومدائن على ما ذكره السهيلي . وقدم على الفاعل للاهتمام ، إذ كون الرب تبارك وتعالى مبتليا معلوم ، وكون الضمير المفعول في العربية متصلا بالفاعل موجب تقديم المفعول ، فإنما بني الكلام على هذا الاهتمام ، فاعلمه . وقراءة العامة إبراهيم بالنصب ، ربه بالرفع على ما ذكرنا . وروي عن جابر بن زيد أنه قرأ على العكس ، وزعم أن ابن عباس أقرأه كذلك . والمعنى دعا إبراهيم ربه وسأل ، وفيه بعد ، لأجل الباء في قوله : بكلمات .الثانية : بكلمات الكلمات جمع كلمة ، ويرجع تحقيقها إلى كلام الباري تعالى ، لكنه عبر عنها عن الوظائف التي كلفها إبراهيم عليه السلام ، ولما كان تكليفها بالكلام سميت به ، كما سمي عيسى كلمة ; لأنه صدر عن كلمة وهي كن . وتسمية الشيء بمقدمته أحد قسمي المجاز ، قاله ابن العربي .الثالثة : واختلف العلماء في المراد بالكلمات على أقوال : أحدها : شرائع الإسلام ، وهي ثلاثون سهما ، عشرة منها في سورة براءة : التائبون العابدون إلى آخرها ، وعشرة في الأحزاب : إن المسلمين والمسلمات إلى آخرها ، وعشرة في المؤمنون : قد أفلح المؤمنون إلى قوله : على صلواتهم يحافظون وقوله في سأل سائل : إلا المصلين إلى قوله : والذين هم على صلاتهم يحافظون . قال ابن عباس رضي الله عنهما : ما ابتلى الله أحدا بهن فقام بها كلها إلا إبراهيم عليه السلام ، ابتلي بالإسلام فأتمه فكتب الله له البراءة فقال : وإبراهيم الذي وفى . وقال بعضهم : بالأمر والنهي ، وقال بعضهم : بذبح ابنه ، وقال بعضهم : بأداء الرسالة ، والمعنى متقارب . وقال مجاهد : هي قوله تعالى : إني مبتليك بأمر ، قال : تجعلني للناس إماما ؟ قال نعم . قال : ومن ذريتي ؟ قال : لا ينال عهدي الظالمين ، قال : تجعل البيت مثابة للناس ؟ قال نعم . قال : وأمنا ؟ قال نعم . قال : وترينا مناسكنا وتتوب علينا ؟ قال نعم . قال : وترزق أهله من الثمرات ؟ قال نعم . وعلى هذا القول فالله تعالى هو الذي أتم . وأصح من هذا ما ذكرهعبد الرزاق عن معمر عن طاوس عن ابن عباس في قوله : وإذ ابتلى إبراهيم ربه بكلمات فأتمهن قال : ابتلاه الله بالطهارة ، خمس في الرأس وخمس في الجسد : قص الشارب ، والمضمضة ، والاستنشاق ، والسواك ، وفرق الشعر . وفي الجسد : تقليم الأظفار ، وحلق العانة ، والاختتان ، ونتف الإبط ، وغسل مكان الغائط والبول بالماء ، وعلى هذا القول فالذي أتم هو إبراهيم ، وهو ظاهر القرآن . وروى مطرف عن أبي الجلد أنها عشر أيضا ، إلا أنه جعل موضع الفرق غسل البراجم ، وموضع الاستنجاء الاستحداد . وقال قتادة : هي مناسك الحج خاصة . الحسن : هي الخلال الست : الكوكب ، والقمر ، والشمس ، والنار ، والهجرة ، والختان . قال أبو إسحاق الزجاج : وهذه الأقوال ليست بمتناقضة ; لأن هذا كله مما ابتلي به إبراهيم عليه السلام .قلت : وفي الموطأ وغيره عن يحيى بن سعيد أنه سمع سعيد بن المسيب يقول : إبراهيم عليه السلام أول من اختتن ، وأول من أضاف الضيف ، وأول من استحد ، وأول من قلم الأظفار ، وأول من قص الشارب ، وأول من شاب ، فلما رأى الشيب قال : ما هذا ؟ قال : وقار ، قال : يا رب زدني وقارا . وذكر أبو بكر بن أبي شيبة عن سعيد بن إبراهيم عن أبيه قال : أول من خطب على المنابر إبراهيم خليل الله . قال غيره : وأول من ثرد الثريد ، وأول من ضرب بالسيف ، وأول من استاك ، وأول من استنجى بالماء ، وأول من لبس السراويل . وروى معاذ بن جبل قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم : إن أتخذ المنبر فقد اتخذه أبي إبراهيم وإن أتخذ العصا فقد اتخذها أبي إبراهيم .قلت : وهذه أحكام يجب بيانها والوقف عليها والكلام فيها ، فأول ذلك " الختان " وما جاء فيه ، وهي المسألة :الرابعة : أجمع العلماء على أن إبراهيم عليه السلام أول من اختتن . واختلف في السن لي اختتن فيها ، ففي الموطأ عن أبي هريرة موقوفا : وهو ابن مائة وعشرين سنة وعاش بعد ذلك ثمانين سنة . ومثل هذا لا يكون رأيا ، وقد رواه الأوزاعي مرفوعا عن يحيى بن سعيد عن سعيد ابن المسيب عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : اختتن إبراهيم عليه السلام وهو ابن مائة وعشرين سنة ثم عاش بعد ذلك ثمانين سنة . ذكره أبو عمر . وروي مسندا مرفوعا من غير رواية يحيى من وجوه : أنه اختتن حين بلغ ثمانين سنة واختتن بالقدوم . كذا في صحيح مسلم وغيره " ابن ثمانين سنة " ، وهو المحفوظ في حديث ابن عجلان وحديث الأعرج عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم . قال عكرمة : اختتن إبراهيم وهو ابن ثمانين سنة . قال : ولم يطف بالبيت بعد على ملة إبراهيم إلا مختون ، هكذا قال عكرمة وقال المسيب بن رافع ، ذكره المروزي . و " القدوم " يروى مشددا ومخففا . قال أبو الزناد : القدوم ( مشددا ) : موضع .الخامسة : واختلف العلماء في الختان ، فجمهورهم على أن ذلك من مؤكدات السنن ومن فطرة الإسلام التي لا يسع تركها في الرجال . وقالت طائفة : ذلك فرض ، لقوله تعالى : أن اتبع ملة إبراهيم حنيفا . قال قتادة : هو الاختتان ، وإليه مال بعض المالكيين ، وهو قول الشافعي . واستدل ابن سريج على وجوبه بالإجماع على تحريم النظر إلى العورة ، وقال : لولا أن الختان فرض لما أبيح النظر إليها من المختون . وأجيب عن هذا بأن مثل هذا يباح لمصلحة الجسم كنظر الطبيب ، والطب ليس بواجب إجماعا ، على ما يأتي في " النحل " بيانه إن شاء الله تعالى . وقد احتج بعض أصحابنا بما رواه الحجاج بن أرطأة عن أبي المليح عن أبيه عن شداد بن أوس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : الختان سنة للرجال مكرمة للنساء . والحجاج ليس ممن يحتج به .قلت : أعلى ما يحتج به في هذا الباب حديث أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( الفطرة خمس الاختتان . . . ) الحديث ، وسيأتي . وروى أبو داود عن أم عطية أن امرأة كانت تختن النساء بالمدينة ، فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم : لا تنهكي فإن ذلك أحظى للمرأة وأحب للبعل . قال أبو داود : وهذا الحديث ضعيف راويه مجهول . وفي رواية ذكرها رزين : ولا تنهكي فإنه أنور للوجه وأحظى عند الرجل .السادسة : فإن ولد الصبي مختونا فقد كفي مؤنة الختان . قال الميموني قال لي أحمد : إن ها هنا رجلا ولد له ولد مختون ، فاغتم لذلك غما شديدا ، فقلت له : إذا كان الله قد كفاك المؤنة فما غمك بهذا .السابعة : قال أبو الفرج الجوزي حدثت عن كعب الأحبار قال : خلق من الأنبياء ثلاثة عشر مختونين : آدم وشيث وإدريس ونوح وسام ولوط ويوسف وموسى وشعيب وسليمان ويحيى وعيسى والنبي صلى الله عليه وسلم . وقال محمد بن حبيب الهاشمي : هم أربعة عشر : آدم وشيث ونوح وهود وصالح ولوط وشعيب ويوسف وموسى وسليمان وزكريا وعيسى وحنظلة بن صفوان ( نبي أصحاب الرس ) ومحمد صلى الله عليه وعليهم أجمعين .قلت : اختلفت الروايات في النبي صلى الله عليه وسلم ، فذكر أبو نعيم الحافظ في " كتاب الحلية " بإسناده أن النبي صلى الله عليه وسلم ولد مختونا . وأسند أبو عمر في التمهيد حدثنا أحمد بن محمد بن أحمد حدثنا محمد بن عيسى حدثنا يحيى بن أيوب بن بادي العلاف حدثنا محمد بن أبي السري العسقلاني حدثنا الوليد بن مسلم عن شعيب عن عطاء الخراساني عن عكرمة عن ابن عباس : أن عبد المطلب ختن النبي صلى الله عليه وسلم يوم سابعه ، وجعل له مأدبة وسماه " محمدا " . قال أبو عمر : هذا حديث مسند غريب . قال يحيى بن أيوب : طلبت هذا الحديث فلم أجده عند أحد من أهل الحديث ممن لقيته إلا عند ابن أبي السري . قال أبو عمر : وقد قيل : إن النبي صلى الله عليه وسلم ولد مختونا .الثامنة : واختلفوا متى يختن الصبي ، فثبت في الأخبار عن جماعة من العلماء أنهم قالوا : ختن إبراهيم إسماعيل لثلاث عشرة سنة . وختن ابنه إسحاق لسبعة أيام . وروي عن فاطمة أنها كانت تختن ولدها يوم السابع ، وأنكر ذلك مالك وقال ذلك من عمل اليهود . ذكره عنه ابن وهب . وقال الليث بن سعد : يختن الصبي ما بين سبع سنين إلى عشر . ونحوه روى ابن وهب عن مالك . وقال أحمد : لم أسمع في ذلك شيئا . وفي البخاري عن سعيد بن جبير قال : سئل ابن عباس : مثل من أنت حين قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ قال : أنا يومئذ مختون . قال : وكانوا لا يختنون الرجل حتى يدرك أو يقارب الاحتلام .واستحب العلماء في الرجل الكبير يسلم أن يختن ، وكان عطاء يقول : لا يتم إسلامه حتى يختتن وإن بلغ ثمانين سنة . وروي عن الحسن أنه كان يرخص للشيخ الذي يسلم ألا يختتن ، ولا يرى به بأسا ولا بشهادته وذبيحته وحجه وصلاته ، قال ابن عبد البر : وعامة أهل العلم على هذا . وحديث بريدة في حج الأغلف لا يثبت . وروي عن ابن عباس وجابر بن زيد وعكرمة : أن الأغلف لا تؤكل ذبيحته ولا تجوز شهادته .التاسعة : [ وأول من استحد ] فالاستحداد استعمال الحديد في حلق العانة . وروت أم سلمة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا اطلى ولي عانته بيده . وروى ابن عباس أن رجلا طلى رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى إذا بلغ إلى عانته قال له : اخرج عني ، ثم طلى عانته بيده . وروى أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم كان لا يتنور ، وكان إذا كثر الشعر على عانته حلقه . قال ابن خويز منداد : وهذا يدل على أن الأكثر من فعله كان الحلق وإنما تنور نادرا ، ليصح الجمع بين الحديثين .العاشرة : في تقليم الأظفار . وتقليم الأظفار : قصها ، والقلامة ما يزال منها . وقال مالك : أحب للنساء من قص الأظفار وحلق العانة مثل ما هو على الرجال . ذكره الحارث بن مسكين وسحنون عن ابن القاسم . وذكر الترمذي الحكيم في " نوادر الأصول " له ( الأصل التاسع والعشرون ) : حدثنا عمر بن أبي عمر قال : حدثنا إبراهيم بن العلاء الزبيدي عن عمر بن بلال الفزاري قال : سمعت عبد الله بن بشر المازني يقول : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : قصوا أظافيركم وادفنوا قلاماتكم ونقوا براجمكم ونظفوا لثاتكم من الطعام وتسننوا ولا تدخلوا علي قخرا بخرا ثم تكلم عليه فأحسن . قال الترمذي : فأما قص الأظفار فمن أجل أنه يخدش ويخمش ويضر ، وهو مجتمع الوسخ ، فربما أجنب ولا يصل الماء إلى البشرة من أجل الوسخ فلا يزال جنبا . ومن أجنب فبقي موضع إبرة من جسده بعد الغسل غير مغسول فهو جنب على حاله حتى يعم الغسل جسده كله ، فلذلك ندبهم إلى قص الأظفار . والأظافير جمع الأظفور ، والأظفار جمع الظفر . وفي حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث سها في صلاته فقال : وما لي لا أوهم ورفغ أحدكم بين ظفره وأنملته ويسألني أحدكم عن خبر السماء وفي أظافيره الجنابة والتفث . وذكر هذا الخبر أبو الحسن علي بن محمد الطبري المعروف بإلكيا في " أحكام القرآن " له ، عن سليمان بن فرج أبي واصل قال : أتيت أبا أيوب رضي الله عنه فصافحته ، فرأى في أظفاري طولا فقال : جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم يسأله عن خبر السماء فقال : يجيء أحدكم يسأل عن خبر السماء وأظفاره كأظفار الطير حتى يجتمع فيها الوسخ والتفث .وأما قوله : ادفنوا قلاماتكم فإن جسد المؤمن ذو حرمة ، فما سقط منه وزال عنه فحفظه من الحرمة قائم ، فيحق عليه أن يدفنه ، كما أنه لو مات دفن ، فإذا مات بعضه فكذلك أيضا تقام حرمته بدفنه ، كي لا يتفرق ولا يقع في النار أو في مزابل قذرة . وقد أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بدفن دمه حيث احتجم كي لا تبحث عنه الكلاب . حدثنا بذلك أبي رحمه الله تعالى قال : حدثنا موسى بن إسماعيل قال : حدثنا الهنيد بن القاسم بن عبد الرحمن بن ماعز قال : سمعت عامر بن عبد الله بن الزبير يقول إن أباه حدثه أنه أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يحتجم ، فلما فرغ قال : يا عبد الله اذهب بهذا الدم فأهرقه حيث لا يراك أحد . فلما برز عن رسول الله صلى الله عليه وسلم عمد إلى الدم فشربه ، فلما رجع قال : يا عبد الله ما صنعت به ؟ . قال : جعلته في أخفى مكان ظننت أنه خافيا عن الناس . قال : لعلك شربته ؟ قال نعم . قال : لم شربت الدم ، وويل للناس منك وويل لك من الناس . حدثني أبي قال : حدثنا مالك بن سليمان الهروي قال : حدثنا داود بن عبد الرحمن عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة قالت : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمر بدفن سبعة أشياء من الإنسان : الشعر ، والظفر ، والدم ، والحيضة ، والسن ، والقلفة ، والبشيمة .وأما قوله : نقوا براجمكم فالبراجم تلك الغضون من المفاصل ، وهي مجتمع الدرن ( واحدها برجمة ) وهو ظهر عقدة كل مفصل ، فظهر العقدة يسمى برجمة ، وما بين العقدتين تسمى راجبة ، وجمعها رواجب ، وذلك مما يلي ظهرها ، وهي قصبة الأصبع ، فلكل أصبع برجمتان وثلاث رواجب إلا الإبهام فإن لها برجمة وراجبتين ، فأمر بتنقيته لئلا يدرن فتبقى فيه الجنابة ، ويحول الدرن بين الماء والبشرة .وأما قوله : نظفوا لثاتكم فاللثة واحدة ، واللثات جماعة ، وهي اللحمة فوق الأسنان ودون الأسنان ، وهي منابتها . والعمور : اللحمة القليلة بين السنين ، واحدها عمر . فأمر بتنظيفها لئلا يبقى فيها ويضر الطعام فتتغير عليه النكهة وتتنكر الرائحة ، ويتأذى الملكان ; لأنه طريق القرآن ، ومقعد الملكين عند نابيه . وروي في الخبر في قوله تعالى : ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد قال : عند نابيه . حدثنا بذلك محمد بن علي الشقيقي قال : سمعت أبي يذكر ذلك عن سفيان بن عيينة وجاد ما قال ، وذلك أن اللفظ هو عمل الشفتين يلفظ الكلام عن لسانه إلى البراز . وقوله : لديه أي عنده ، والدى والعند في لغتهم السائرة بمعنى واحد ، وكذلك قولهم " لدن " فالنون زائدة . فكأن الآية تنبئ أن الرقيب عتيد عند مغلظ الكلام وهو الناب .وأما قوله : تسننوا وهو السواك مأخوذ من السن ، أي نظفوا السن .وقوله : لا تدخلوا علي قخرا بخرا فالمحفوظ عندي ( قحلا وقلحا ) . وسمعت الجارود يذكر عن النضر قال : الأقلح الذي قد اصفرت أسنانه حتى بخرت من باطنها ، ولا أعرف القخر . والبخر : الذي تجد له رائحة منكرة لبشرته ، يقال : رجل أبخر ، ورجال بخر . حدثنا الجارود قال : حدثنا جرير عن منصور عن أبي علي عن أبي جعفر بن تمام بن العباس عن أبيه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : استاكوا ، ما لكم تدخلون علي قلحا .الحادية عشرة : في قص الشارب . وهو الأخذ منه حتى يبدو طرف الشفة وهو الإطار ، ولا يجزه فيمثل نفسه ، قاله مالك . وذكر ابن عبد الحكم عنه قال : وأرى أن يؤدب من حلق شاربه . وذكر أشهب عنه أنه قال في حلق الشارب : هذه بدع ، وأرى أن يوجع ضربا من فعله . وقال ابن خويز منداد قال مالك : أرى أن يوجع من حلقه ضربا . كأنه يراه ممثلا بنفسه ، وكذلك بنتفه الشعر ، وتقصيره عنده أولى من حلقه . وكذلك روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان ذا لمة ، وكان أصحابه من بين وافر الشعر أو مقصر ، وإنما حلق وحلقوا في النسك . وروي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقص أظافره وشاربه قبل أن يخرج إلى الجمعة . وقال الطحاوي : لم نجد عن الشافعي في هذا شيئا منصوصا ، وأصحابه الذين رأيناهم : المزني والربيع كانا يحفيان شواربهما ، ويدل ذلك أنهما أخذا ذلك عن الشافعي رحمه الله تعالى . قال : وأما أبو حنيفة وزفر وأبو يوسف ومحمد فكان مذهبهم في شعر الرأس والشارب أن الإحفاء أفضل من التقصير . وذكر ابن خويز منداد عن الشافعي أن مذهبه في حلق الشارب كمذهب أبي حنيفة سواء . وقال أبو بكر الأثرم : رأيت أحمد بن حنبل يحفي شاربه شديدا ، وسمعته سئل عن السنة في إحفاء الشارب فقال : يحفى كما قال النبي صلى الله عليه وسلم : أحفوا الشوارب . قال أبو عمر : إنما في هذا الباب أصلان : أحدهما : أحفوا ، وهو لفظ محتمل التأويل . والثاني : قص الشارب ، وهو مفسر ، والمفسر يقضي على المجمل ، وهو عمل أهل المدينة ، وهو أولى ما قيل به في هذا الباب . روى الترمذي عن ابن عباس قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقص من شاربه ويقول : إن إبراهيم خليل الرحمن كان يفعله . قال : هذا حديث حسن غريب . وخرج مسلم عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : الفطرة خمس الاختتان والاستحداد وقص الشارب وتقليم الأظفار ونتف الإبط . وفيه عن ابن عمر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : خالفوا المشركين أحفوا الشوارب وأوفوا اللحى . والأعاجم يقصون لحاهم ، ويوفرون شواربهم أو يوفرونهما معا ، وذلك عكس الجمال والنظافة . ذكر رزين عن نافع أن ابن عمر كان يحفي شاربه حتى ينظر إلى الجلد ، ويأخذ هذين ، يعني ما بين الشارب واللحية . وفي البخاري : وكان ابن عمر يأخذ من طول لحيته ما زاد على القبضة إذا حج أو اعتمر . وروى الترمذي عن عبد الله بن عمرو بن العاص أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يأخذ من لحيته من عرضها وطولها . قال : هذا حديث غريب .الثانية عشرة : وأما الإبط فسنته النتف ، كما أن سنة العانة الحلق ، فلو عكس جاز لحصول النظافة ، والأول أولى ; لأنه المتيسر المعتاد .الثالثة عشرة : وفرق الشعر : تفريقه في المفرق ، وفي صفته صلى الله عليه وسلم : إن انفرقت عقيصته فرق ، يقال : فرقت الشعر أفرقه فرقا ، يقال : إن انفرق شعر رأسه فرقه في مفرقه ، فإن لم ينفرق تركه وفرة واحدة . خرج النسائي عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يسدل شعره ، وكان المشركون يفرقون شعورهم ، وكان يحب موافقة أهل الكتاب فيما لم يؤمر فيه بشيء ، ثم فرق رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد ذلك ، أخرجه البخاري ومسلم عن أنس . قال القاضي عياض : سدل الشعر إرساله ، والمراد به ها هنا عند العلماء إرساله على الجبين ، واتخاذه كالقصة ، والفرق في الشعر سنة ; لأنه الذي رجع إليه النبي صلى الله عليه وسلم .وقد روي أن عمر بن عبد العزيز كان إذا انصرف من الجمعة أقام على باب المسجد حرسا يجزون ناصية كل من لم يفرق شعره . وقد قيل : إن الفرق كان من سنة إبراهيم عليه السلام ، فالله أعلم .الرابعة عشرة : وأما الشيب فنور ويكره نتفه ، ففي النسائي وأبي داود من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لا تنتفوا الشيب ما من مسلم يشيب شيبة في الإسلام إلا كانت له نورا يوم القيامة وكتب الله له حسنة وحط عنه خطيئة .قلت : وكما يكره نتفه كذلك يكره تغييره بالسواد ، فأما تغييره بغير السواد فجائز ، لقوله صلى الله عليه وسلم في حق أبي قحافة - وقد جيء به ولحيته كالثغامة بياضا - : غيروا هذا بشيء واجتنبوا السواد . ولقد أحسن من قال :يسود أعلاها ويبيض أصلها ولا خير في الأعلى إذا فسد الأصلوقال الآخر :يا خاضب الشيب بالحناء تستره سل المليك له سترا من النارالخامسة عشرة : وأما الثريد فهو أزكى الطعام وأكثره بركة ، وهو طعام العرب ، وقد شهد له النبي صلى الله عليه وسلم بالفضل على سائر الطعام فقال : فضل عائشة على النساء كفضل الثريد على سائر الطعام . وفي صحيح البستي عن أسماء بنت أبي بكر أنها كانت إذا ثردت غطته شيئا حتى يذهب فوره وتقول : إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : إنه أعظم للبركة .السادسة عشرة : قلت : وهذا كله في معنى ما ذكره عبد الرزاق عن ابن عباس ، وما قاله سعيد بن المسيب وغيره . ويأتي ذكر المضمضة والاستنشاق والسواك في سورة " النساء " وحكم الاستنجاء في " براءة " وحكم الضيافة في " هود " إن شاء الله تعالى . وخرج مسلم عن أنس قال : وقت لنا في قص الشارب وتقليم الأظفار ونتف الإبط وحلق العانة ألا نترك أكثر من أربعين ليلة ، قال علماؤنا : هذا تحديد في أكثر المدة ، والمستحب تفقد ذلك من الجمعة إلى الجمعة ، وهذا الحديث يرويه جعفر بن سليمان . قال العقيلي : في حديثه نظر . وقال أبو عمر فيه : ليس بحجة ، لسوء حفظه وكثرة غلطه . وهذا الحديث ليس بالقوي من جهة النقل ; ولكنه قد قال به قوم ، وأكثرهم على ألا توقيت في ذلك ، وبالله التوفيق .السابعة عشرة : قوله تعالى : قال إني جاعلك للناس إماماالإمام : القدوة ، ومنه قيل لخيط البناء : إمام ، وللطريق : إمام ; لأنه يؤم فيه للمسالك ، أي يقصد . فالمعنى : جعلناك للناس إماما يأتمون بك في هذه الخصال ، ويقتدي بك الصالحون . فجعله الله تعالى إماما لأهل طاعته ، فلذلك اجتمعت الأمم على الدعوى فيه - والله أعلم - أنه كان حنيفا .الثامنة عشرة : قال ومن ذريتي دعاء على جهة الرغباء إلى الله تعالى ، أي من ذريتي يا رب فاجعل . وقيل : هذا منه على جهة الاستفهام عنهم ، أي ومن ذريتي يا رب ماذا يكون ؟ فأخبره الله تعالى أن فيهم عاصيا وظالما لا يستحق الإمامة . قال ابن عباس : سأل إبراهيم عليه السلام أن يجعل من ذريته إمام ، فأعلمه الله أن في ذريته من يعصي فقال : لا ينال عهدي الظالمين .التاسعة عشرة : قوله تعالى : ومن ذريتي أصل ذرية ، فعلية من الذر ; لأن الله تعالى أخرج الخلق من صلب آدم عليه السلام كالذر حين أشهدهم على أنفسهم . وقيل : هو مأخوذ من ذرأ الله الخلق يذرؤهم ذرءا خلقهم ، ومنه الذرية وهي نسل الثقلين ، إلا أن العرب تركت همزها ، والجمع الذراري . وقرأ زيد بن ثابت " ذرية " بكسر الذال و " ذرية " بفتحها . قال ابن جني أبو الفتح عثمان : يحتمل أصل هذا الحرف أربعة ألفاظ : أحدها : ذرأ ، والثاني : ذرر ، والثالث : ذرو ، والرابع : ذري ، فأما الهمزة فمن ذرأ الله الخلق ، وأما ذرر فمن لفظ الذر ومعناه ، وذلك لما ورد في الخبر ( أن الخلق كان كالذر ) وأما الواو والياء ، فمن ذروت الحب وذريته يقالان جميعا ، وذلك قوله تعالى : فأصبح هشيما تذروه الرياح وهذا للطفه وخفته ، وتلك حال الذر أيضا . قال الجوهري : ذرت الريح التراب وغيره تذروه وتذريه ذروا وذريا أي نسفته ، ومنه قولهم : ذرى الناس الحنطة ، وأذريت الشيء إذا ألقيته ، كإلقائك الحب للزرع . وطعنه فأذراه عن ظهر دابته ، أي ألقاه . وقال الخليل : إنما سموا ذرية ; لأن الله تعالى ذرأها على الأرض كما ذرأ الزارع البذر . وقيل : أصل ذرية ، ذرورة ، لكن لما كثر التضعيف أبدل من إحدى الراءات ياء ، فصارت ذروية ، ثم أدغمت الواو في الياء فصارت ذرية . والمراد بالذرية هنا الأبناء خاصة ، وقد تطلق على الآباء والأبناء ، ومنه قوله تعالى : وآية لهم أنا حملنا ذريتهم يعني آباءهم .الموفية عشرين : قوله تعالى : قال لا ينال عهدي الظالمين اختلف في المراد بالعهد ، فروى أبو صالح عن ابن عباس أنه النبوة ، وقاله السدي . مجاهد : الإمامة . قتادة : الإيمان . عطاء : الرحمة . الضحاك : دين الله تعالى . وقيل : عهده أمره . ويطلق العهد على الأمر ، قال الله تعالى : إن الله عهد إلينا أي أمرنا . وقال : ألم أعهد إليكم يابني آدم يعني ألم أقدم إليكم الأمر به ، وإذا كان عهد الله هو أوامره فقوله : لا ينال عهدي الظالمين أي لا يجوز أن يكونوا بمحل من يقبل منهم أوامر الله ولا يقيمون عليها ، على ما يأتي بيانه بعد هذا آنفا إن شاء الله تعالى . وروى معمر عن قتادة في قوله تعالى : لا ينال عهدي الظالمين قال : لا ينال عهد الله في الآخرة الظالمين ، فأما في الدنيا فقد ناله الظالم فآمن به ، وأكل وعاش وأبصر . قال الزجاج : وهذا قول حسن ، أي لا ينال أماني الظالمين ، أي لا أؤمنهم من عذابي . وقال سعيد بن جبير : الظالم هنا المشرك . وقرأ ابن مسعود وطلحة بن مصرف لا ينال عهدي الظالمون برفع الظالمون . الباقون بالنصب . وأسكن حمزة وحفص وابن محيصن الياء في عهدي ، وفتحها الباقون .الحادية والعشرون : استدل جماعة من العلماء بهذه الآية على أن الإمام يكون من أهل العدل والإحسان والفضل مع القوة على القيام بذلك ، وهو الذي أمر النبي صلى الله عليه وسلم ألا ينازعوا الأمر أهله ، على ما تقدم من القول فيه . فأما أهل الفسوق والجور والظلم فليسوا له بأهل ، لقوله تعالى : لا ينال عهدي الظالمين ولهذا خرج ابن الزبير والحسين بن علي رضي الله عنهم . وخرج خيار أهل العراق وعلماؤهم على الحجاج ، وأخرج أهل المدينة بني أمية وقاموا عليهم ، فكانت الحرة التي أوقعها بهم مسلم بن عقبة .والذي عليه الأكثر من العلماء أن الصبر على طاعة الإمام الجائر أولى من الخروج عليه ; لأن في منازعته والخروج عليه استبدال الأمن بالخوف ، وإراقة الدماء ، وانطلاق أيدي السفهاء ، وشن الغارات على المسلمين ، والفساد في الأرض . والأول مذهب طائفة من المعتزلة ، وهو مذهب الخوارج ، فاعلمه .الثانية والعشرون : قال ابن خويز منداد : وكل من كان ظالما لم يكن نبيا ولا خليفة ولا حاكما ولا مفتيا ، ولا إمام صلاة ، ولا يقبل عنه ما يرويه عن صاحب الشريعة ، ولا تقبل شهادته في الأحكام ، غير أنه لا يعزل بفسقه حتى يعزله أهل الحل والعقد . وما تقدم من أحكامه موافقا للصواب ماض غير منقوض . وقد نص مالك على هذا في الخوارج والبغاة أن أحكامهم لا تنقض إذا أصابوا بها وجها من الاجتهاد ، ولم يخرقوا الإجماع ، أو يخالفوا النصوص . وإنما قلنا ذلك لإجماع الصحابة ، وذلك أن الخوارج قد خرجوا في أيامهم ولم ينقل أن الأئمة تتبعوا أحكامهم ، ولا نقضوا شيئا منها ، ولا أعادوا أخذ الزكاة ولا إقامة الحدود التي أخذوا وأقاموا ، فدل على أنهم إذا أصابوا وجه الاجتهاد لم يتعرض لأحكامهم .الثالثة والعشرون : قال ابن خويز منداد : وأما أخذ الأرزاق من الأئمة الظلمة فلذلك ثلاثة أحوال : إن كان جميع ما في أيديهم مأخوذا على موجب الشريعة فجائز أخذه ، وقد أخذت الصحابة والتابعون من يد الحجاج وغيره . وإن كان مختلطا حلالا وظلما كما في أيدي الأمراء اليوم فالورع تركه ، ويجوز للمحتاج أخذه ، وهو كلص في يده مال مسروق ، ومال جيد حلال وقد وكله فيه رجل فجاء اللص يتصدق به على إنسان فيجوز أن تؤخذ منه الصدقة ، وإن كان قد يجوز أن يكون اللص يتصدق ببعض ما سرق ، إذا لم يكن شيء معروف بنهب ، وكذلك لو باع أو اشترى كان العقد صحيحا لازما - وإن كان الورع التنزه عنه - وذلك أن الأموال لا تحرم بأعيانها وإنما تحرم لجهاتها . وإن كان ما في أيديهم ظلما صراحا فلا يجوز أن يؤخذ من أيديهم . ولو كان ما في أيديهم من المال مغصوبا غير أنه لا يعرف له صاحب ولا مطالب ، فهو كما لو وجد في أيدي اللصوص وقطاع الطريق ، ويجعل في بيت المال وينتظر طالبه بقدر الاجتهاد ، فإذا لم يعرف صرفه الإمام في مصالح المسلمين .
2:125
وَ اِذْ جَعَلْنَا الْبَیْتَ مَثَابَةً لِّلنَّاسِ وَ اَمْنًاؕ-وَ اتَّخِذُوْا مِنْ مَّقَامِ اِبْرٰهٖمَ مُصَلًّىؕ-وَ عَهِدْنَاۤ اِلٰۤى اِبْرٰهٖمَ وَ اِسْمٰعِیْلَ اَنْ طَهِّرَا بَیْتِیَ لِلطَّآىٕفِیْنَ وَ الْعٰكِفِیْنَ وَ الرُّكَّعِ السُّجُوْدِ(۱۲۵)
اور (یاد کرو) جب ہم نے اس گھر کو (ف۲۲۷) لوگوں کے لئے مرجع اور امان بنایا (ف۲۲۸) اور ابراہیم کے کھڑے ہونے کی جگہ کو نماز کا مقام بناؤ (ف۲۲۹) اور ہم نے تاکید فرمائی ابراہیم و اسماعیل ؑ کو کہ میرا گھر خوب ستھرا کرو طواف کرنے والوں اور اعتکاف والوں اور رکوع و سجود والوں کے لئے -

قوله تعالى : وإذ جعلنا البيت مثابة للناس وأمنا واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى وعهدنا إلى إبراهيم وإسماعيل أن طهرا بيتي للطائفين والعاكفين والركع السجودقوله تعالى : وإذ جعلنا البيت مثابة للناس وأمنا فيه مسألتان :الأولى : قوله تعالى : جعلنا بمعنى صيرنا لتعديه إلى مفعولين ، وقد تقدم . البيت يعني الكعبة . مثابة أي مرجعا ، يقال : ثاب يثوب مثابا ومثابة وثؤوبا وثوبانا . فالمثابة مصدر وصف به ويراد به الموضع الذي يثاب إليه ، أي يرجع إليه . قال ورقة بن نوفل في الكعبة :مثابا لأفناء القبائل كلها تخب إليها اليعملات الذواملوقرأ الأعمش : " مثابات " على الجمع . ويحتمل أن يكون من الثواب ، أي يثابون هناك . وقال مجاهد : لا يقضي أحد منه وطرا ، قال الشاعر :جعل البيت مثابا لهم ليس منه الدهر يقضون الوطروالأصل مثوبة ، قلبت حركة الواو على الثاء فقلبت الواو ألفا اتباعا لثاب يثوب ، وانتصب على المفعول الثاني ، ودخلت الهاء للمبالغة لكثرة من يثوب أي يرجع ; لأنه قل ما يفارق أحد البيت إلا وهو يرى أنه لم يقض منه وطرا ، فهي كنسابة وعلامة ، قاله الأخفش . وقال غيره : هي هاء تأنيث المصدر وليست للمبالغة .فإن قيل : ليس كل من جاءه يعود إليه ، قيل : ليس يختص بمن ورد عليه ، وإنما المعنى أنه لا يخلو من الجملة ، ولا يعدم قاصدا من الناس ، والله تعالى أعلم .الثانية : قوله تعالى : وأمنا استدل به أبو حنيفة وجماعة من فقهاء الأمصار على ترك إقامة الحد في الحرم على المحصن والسارق إذا لجأ إليه ، وعضدوا ذلك بقوله تعالى : ومن دخله كان آمنا كأنه قال : آمنوا من دخل البيت . والصحيح إقامة الحدود في الحرم ، وأن ذلك من المنسوخ ; لأن الاتفاق حاصل أنه لا يقتل في البيت ، ويقتل خارج البيت . وإنما الخلاف هل يقتل في الحرم أم لا ؟ والحرم لا يقع عليه اسم البيت حقيقة . وقد أجمعوا أنه لو قتل في الحرم قتل به ، ولو أتى حدا أقيد منه فيه ، ولو حارب فيه حورب وقتل مكانه . وقال أبو حنيفة : من لجأ إلى الحرم لا يقتل فيه ولا يتابع ، ولا يزال يضيق عليه حتى يموت أو يخرج . فنحن نقتله بالسيف ، وهو يقتله بالجوع والصد ، فأي قتل أشد من هذا . وفي قوله : وأمنا تأكيد للأمر باستقبال الكعبة ، أي ليس في بيت المقدس هذه الفضيلة ، ولا يحج إليه الناس ، ومن استعاذ بالحرم أمن من أن يغار عليه . وسيأتي بيان هذا في " المائدة " إن شاء الله تعالى .قوله تعالى : واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى فيه ثلاث مسائل :الأولى : قوله تعالى : واتخذوا قرأ نافع وابن عامر بفتح الخاء على جهة الخبر عمن اتخذه من متبعي إبراهيم ، وهو معطوف على جعلنا أي جعلنا البيت مثابة واتخذوه مصلى . وقيل هو معطوف على تقدير إذ ، كأنه قال : وإذ جعلنا البيت مثابة وإذ اتخذوا ، فعلى الأول الكلام جملة واحدة ، وعلى الثاني جملتان . وقرأ جمهور القراء واتخذوا بكسر الخاء على جهة الأمر ، قطعوه من الأول وجعلوه معطوفا جملة على جملة . قال المهدوي : يجوز أن يكون معطوفا على اذكروا نعمتي كأنه قال ذلك لليهود ، أو على معنى إذ جعلنا البيت ; لأن معناه اذكروا إذ جعلنا . أو على معنى قوله : مثابة لأن معناه ثوبوا .الثانية : روى ابن عمر قال : قال عمر : وافقت ربي في ثلاث : في مقام إبراهيم ، وفي الحجاب ، وفي أسارى بدر . خرجه مسلم وغيره . وخرجه البخاري عن أنس قال : قال عمر : وافقت الله في ثلاث ، أو وافقني ربي في ثلاث . . . الحديث ، وأخرجه أبو داود الطيالسي في مسنده فقال : حدثنا حماد بن سلمة حدثنا علي بن زيد عن أنس بن مالك قال : قال عمر : وافقت ربي في أربع ، قلت يا رسول الله : لو صليت خلف المقام ؟ فنزلت هذه الآية : واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى وقلت : يا رسول الله ، لو ضربت على نسائك الحجاب فإنه يدخل عليهن البر والفاجر ؟ فأنزل الله : وإذا سألتموهن متاعا فاسألوهن من وراء حجاب ، ونزلت هذه الآية : ولقد خلقنا الإنسان من سلالة من طين ، فلما نزلت قلت أنا : تبارك الله أحسن الخالقين ، فنزلت : فتبارك الله أحسن الخالقين ، ودخلت على أزواج النبي صلى الله عليه وسلم فقلت : لتنتهن أو ليبدلنه الله بأزواج خير منكن ، فنزلت الآية : عسى ربه إن طلقكن .قلت : ليس في هذه الرواية ذكر للأسارى ، فتكون موافقة عمر في خمس .الثالثة : قوله تعالى : من مقام المقام في اللغة : موضع القدمين . قال النحاس : مقام من قام يقوم ، ويكون مصدرا واسما للموضع . ومقام من أقام ، فأما قول زهير :وفيهم مقامات حسان وجوههم وأندية ينتابها القول والفعلفمعناه : فيهم أهل مقامات . واختلف في تعيين المقام على أقوال ، أصحها - أنه الحجر الذي تعرفه الناس اليوم الذي يصلون عنده ركعتي طواف القدوم . وهذا قول جابر بن عبد الله وابن عباس وقتادة وغيرهم . وفي صحيح مسلم من حديث جابر الطويل أن النبي صلى الله عليه وسلم لما رأى البيت استلم الركن فرمل ثلاثا ، ومشى أربعا ، ثم تقدم إلى مقام إبراهيم فقرأ : واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى فصلى ركعتين قرأ فيهما ب قل هو الله أحد و قل يا أيها الكافرون . وهذا يدل على أن ركعتي الطواف وغيرهما من الصلوات لأهل مكة أفضل ويدل من وجه على أن الطواف للغرباء أفضل ، على ما يأتي . وفي البخاري : أنه الحجر الذي ارتفع عليه إبراهيم حين ضعف عن رفع الحجارة التي كان إسماعيل يناولها إياه في بناء البيت ، وغرقت قدماه فيه . قال أنس : رأيت في المقام أثر أصابعه وعقبه وأخمص قدميه ، غير أنه أذهبه مسح الناس بأيديهم ، حكاه القشيري . وقال السدي : المقام الحجر الذي وضعته زوجة إسماعيل تحت قدم إبراهيم عليه السلام حين غسلت رأسه . وعن ابن عباس أيضا ومجاهد وعكرمة وعطاء : الحج كله . وعن عطاء : عرفة ومزدلفة والجمار ، وقاله الشعبي . النخعي : الحرم كله مقام إبراهيم ، وقاله مجاهد .قلت : والصحيح في المقام القول الأول ، حسب ما ثبت في الصحيح . وخرج أبو نعيم من حديث محمد بن سوقة عن محمد بن المنكدر عن جابر قال : نظر النبي صلى الله عليه وسلم إلى رجل بين الركن والمقام ، أو الباب والمقام وهو يدعو ويقول : اللهم اغفر لفلان ، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم : ما هذا ؟ فقال : رجل استودعني أن أدعو له في هذا المقام ، فقال : ارجع فقد غفر لصاحبك . قال أبو نعيم : حدثناه أحمد بن محمد بن أحمد بن إبراهيم القاضي قال حدثنا محمد بن عاصم بن يحيى الكاتب قال حدثنا عبد الرحمن بن القاسم القطان الكوفي قال حدثنا الحارث بن عمران الجعفري عن محمد بن سوقة فذكره . قال أبو نعيم : كذا رواه عبد الرحمن عن الحارث عن محمد عن جابر ، وإنما يعرف من حديث الحارث عن محمد عن عكرمة عن ابن عباس . ومعنى " مصلى " . مدعى يدعى فيه ، قاله مجاهد . وقيل : موضع صلاة يصلى عنده ، قاله قتادة . وقيل : قبلة يقف الإمام عندها ، قاله الحسن .قوله تعالى : وعهدنا إلى إبراهيم وإسماعيل أن طهرا بيتي للطائفين والعاكفين والركع السجودفيه ست مسائل :الأولى : قوله تعالى : وعهدنا قيل : معناه أمرنا . وقيل : أوحينا . أن طهرا أن في موضع نصب على تقدير حذف الخافض . وقال سيبويه : إنها بمعنى أي مفسرة ، فلا موضع لها من الإعراب . وقال الكوفيون : تكون بمعنى القول . وطهرا قيل معناه : من الأوثان ، عن مجاهد والزهري . وقال عبيد بن عمير وسعيد بن جبير : من الآفات والريب . وقيل : من الكفار . وقال السدي : ابنياه وأسساه على طهارة ونية طهارة ، فيجيء مثل قوله : أسس على التقوى . وقال يمان : بخراه وخلقاه . بيتي أضاف البيت إلى نفسه إضافة تشريف وتكريم ، وهي إضافة مخلوق إلى خالق ، ومملوك إلى مالك . وقرأ الحسن وابن أبي إسحاق وأهل المدينة وهشام وحفص : بيتي بفتح الياء ، والآخرون بإسكانها .الثانية : للطائفين ظاهره الذين يطوفون به ، وهو قول عطاء . وقال سعيد بن جبير : معناه للغرباء الطارئين على مكة ، وفيه بعد .( والعاكفين ) المقيمين من بلدي وغريب ، عن عطاء . وكذلك قوله : للطائفين . والعكوف في اللغة : اللزوم والإقبال على الشيء ، كما قال الشاعر [ هو العجاج ] :[ وهن يعكفن به إذا حجا ] عكف النبيط يلعبون الفنزجاوقال مجاهد : العاكفون المجاورون . ابن عباس : المصلون . وقيل : الجالسون بغير طواف والمعنى متقارب . والركع السجود أي المصلون عند الكعبة . وخص الركوع والسجود بالذكر لأنهما أقرب أحوال المصلي إلى الله تعالى . وقد تقدم معنى الركوع والسجود لغة والحمد لله .الثالثة : لما قال الله تعالى أن طهرا بيتي دخل فيه بالمعنى جميع بيوته تعالى ، فيكون حكمها حكمه في التطهير والنظافة . وإنما خص الكعبة بالذكر لأنه لم يكن هناك غيرها ، أو لكونها أعظم حرمة ، والأول أظهر ، والله أعلم . وفي التنزيل في بيوت أذن الله أن ترفع وهناك يأتي حكم المساجد إن شاء الله تعالى . وروي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه سمع صوت رجل في المسجد فقال : ما هذا ! أتدري أين أنت ! ؟ وقال حذيفة قال النبي صلى الله عليه وسلم : إن الله أوحى إلي يا أخا المنذرين يا أخا المرسلين أنذر قومك ألا يدخلوا بيتا من بيوتي إلا بقلوب سليمة وألسنة صادقة وأيد نقية وفروج طاهرة وألا يدخلوا بيتا من بيوتي ما دام لأحد عندهم مظلمة فإني ألعنه ما دام قائما بين يدي حتى يرد تلك الظلامة إلى أهلها فأكون سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به ويكون من أوليائي وأصفيائي ويكون جاري مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين .الرابعة : استدل الشافعي وأبو حنيفة والثوري وجماعة من السلف بهذه الآية على جواز الصلاة الفرض والنفل داخل البيت . قال الشافعي رحمه الله : إن صلى في جوفها مستقبلا حائطا من حيطانها فصلاته جائزة ، وإن صلى نحو الباب والباب مفتوح فصلاته باطلة ، وكذلك من صلى على ظهرها ; لأنه لم يستقبل منها شيئا . وقال مالك : لا يصلى فيه الفرض ولا السنن ، ويصلى فيه التطوع ، غير أنه إن صلى فيه الفرض أعاد في الوقت . وقال أصبغ : يعيد أبدا .قلت : وهو الصحيح ، لما رواه مسلم عن ابن عباس قال : أخبرني أسامة بن زيد أن النبي صلى الله عليه وسلم لما دخل البيت دعا في نواحيه كلها ولم يصل فيه حتى خرج منه ، فلما خرج ركع في قبل الكعبة ركعتين وقال : ( هذه القبلة ) وهذا نص .فإن قيل : فقد روى البخاري عن ابن عمر قال : دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم هو وأسامة بن زيد وبلال وعثمان بن طلحة الحجبي البيت فأغلقوا عليهم الباب . فلما فتحوا كنت أول من ولج فلقيت بلالا فسألته : هل صلى فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ قال ، نعم بين العمودين اليمانيين . وأخرجه مسلم وفيه قال : جعل عمودين عن يساره وعمودا عن يمينه وثلاثة أعمدة وراءه ، وكان البيت يومئذ على ستة أعمدة . قلنا : هذا يحتمل أن يكون صلى بمعنى دعا ، كما قال أسامة ، ويحتمل أن يكون صلى الصلاة العرفية ، وإذا احتمل هذا وهذا سقط الاحتجاج به .فإن قيل : فقد روى ابن المنذر وغيره عن أسامة قال : رأى النبي صلى الله عليه وسلم صورا في الكعبة فكنت آتيه بماء في الدلو يضرب به تلك الصور . وخرجه أبو داود الطيالسي قال : حدثنا ابن أبي ذئب عن عبد الرحمن بن مهران قال حدثنا عمير مولى ابن عباس عن أسامة بن زيد قال : دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم في الكعبة ورأى صورا قال : فدعا بدلو من ماء فأتيته به فجعل يمحوها ويقول : قاتل الله قوما يصورون ما لا يخلقون . فيحتمل أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم صلى في حالة مضي أسامة في طلب الماء فشاهد بلال ما لم يشاهده أسامة ، فكان من أثبت أولى ممن نفى ، وقد قال أسامة نفسه : فأخذ الناس بقول بلال وتركوا قولي . وقد روى مجاهد عن عبد الله بن صفوان قال : قلت لعمر بن الخطاب : كيف صنع رسول الله صلى الله عليه وسلم حين دخل الكعبة ؟ قال : صلى ركعتين .قلنا : هذا محمول على النافلة ، ولا نعلم خلافا بين العلماء في صحة النافلة في الكعبة ، وأما الفرض فلا ; لأن الله تعالى عين الجهة بقوله تعالى : فولوا وجوهكم شطره على ما يأتي بيانه ، وقوله صلى الله عليه وسلم لما خرج : ( هذه القبلة ) فعينها كما عينها الله تعالى . ولو كان الفرض يصح داخلها لما قال : ( هذه القبلة ) . وبهذا يصح الجمع بين الأحاديث ، وهو أولى من إسقاط بعضها ، فلا تعارض ، والحمد لله .الخامسة : واختلفوا أيضا في الصلاة على ظهرها ، فقال الشافعي ما ذكرناه . وقال مالك : من صلى على ظهر الكعبة أعاد في الوقت . وقد روي عن بعض أصحاب مالك : يعيد أبدا . وقال أبو حنيفة : من صلى على ظهر الكعبة فلا شيء عليه .السادسة : واختلفوا أيضا أيما أفضل الصلاة عند البيت أو الطواف به ؟ فقال مالك : الطواف لأهل الأمصار أفضل ، والصلاة لأهل مكة أفضل وذكر عن ابن عباس وعطاء ومجاهد . والجمهور على أن الصلاة أفضل . وفي الخبر : لولا رجال خشع وشيوخ ركع وأطفال رضع وبهائم رتع لصببنا عليكم العذاب صبا . وذكر أبو بكر أحمد بن علي بن ثابت الخطيب في كتاب ( السابق واللاحق ) عن عبد الله بن مسعود قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لولا فيكم رجال خشع وبهائم رتع وصبيان رضع لصب العذاب على المذنبين صبا . لم يذكر فيه " وشيوخ ركع " . وفي حديث أبي ذر الصلاة خير موضوع فاستكثر أو استقل . خرجه الآجري . والأخبار في فضل الصلاة والسجود كثيرة تشهد لقول الجمهور ، والله تعالى أعلم .
2:126
وَ اِذْ قَالَ اِبْرٰهٖمُ رَبِّ اجْعَلْ هٰذَا بَلَدًا اٰمِنًا وَّ ارْزُقْ اَهْلَهٗ مِنَ الثَّمَرٰتِ مَنْ اٰمَنَ مِنْهُمْ بِاللّٰهِ وَ الْیَوْمِ الْاٰخِرِؕ-قَالَ وَ مَنْ كَفَرَ فَاُمَتِّعُهٗ قَلِیْلًا ثُمَّ اَضْطَرُّهٗۤ اِلٰى عَذَابِ النَّارِؕ-وَ بِئْسَ الْمَصِیْرُ(۱۲۶)
اور جب عرض کی ابراہیم ؑ نے کہ اے میرے رب اس شہر کو امان والا کردے اور اس کے رہنے والوں کو طرح طرح کے پھلوں سے روزی دے جو ان میں سے اللہ اور پچھلے دن پر ایمان لائیں (ف۲۳۰) فرمایا اور جو کافر ہوا تھوڑا برتنے کو اسے بھی دوں گا پھر اسے عذاب ِ دوزخ کی طرف مجبور کردوں گا اور بہت بری جگہ ہے پلٹنے کی-

قوله تعالى : وإذ قال إبراهيم رب اجعل هذا بلدا آمنا وارزق أهله من الثمرات من آمن منهم بالله واليوم الآخر قال ومن كفر فأمتعه قليلا ثم أضطره إلى عذاب النار وبئس المصيروفيه ثلاث مسائل :الأولى : قوله تعالى : بلدا آمنا يعني مكة ، فدعا لذريته وغيرهم بالأمن ورغد العيش . فروي أنه لما دعا بهذا الدعاء أمر الله تعالى جبريل فاقتلع الطائف من الشام فطاف بها حول البيت أسبوعا ، فسميت الطائف لذلك ، ثم أنزلها تهامة ، وكانت مكة وما يليها حين ذلك قفرا لا ماء ولا نبات ، فبارك الله فيما حولها كالطائف وغيرها ، وأنبت فيها أنواع الثمرات ، على ما يأتي بيانه في سورة " إبراهيم " إن شاء الله تعالى .الثانية : اختلف العلماء في مكة هل صارت حرما آمنا بسؤال إبراهيم أو كانت قبله كذلك على قولين :أحدهما : أنها لم تزل حرما من الجبابرة المسلطين ، ومن الخسوف والزلازل ، وسائر المثلات التي تحل بالبلاد ، وجعل في النفوس المتمردة من تعظيمها والهيبة لها ما صار به أهلها متميزين بالأمن من غيرهم من أهل القرى . ولقد جعل فيها سبحانه من العلامة العظيمة على توحيده ما شوهد من أمر الصيد فيها ، فيجتمع فيها الكلب والصيد فلا يهيج الكلب الصيد ولا ينفر منه ، حتى إذا خرجا من الحرم عدا الكلب عليه وعاد إلى النفور والهرب .وإنما سأل إبراهيم ربه أن يجعلها آمنا من القحط والجدب والغارات ، وأن يرزق أهله من الثمرات ، لا على ما ظنه بعض الناس أنه المنع من سفك الدم في حق من لزمه القتل ، فإن ذلك يبعد كونه مقصودا لإبراهيم صلى الله عليه وسلم حتى يقال : طلب من الله أن يكون في شرعه تحريم قتل من التجأ إلى الحرم ، هذا بعيد جدا .الثاني : أن مكة كانت حلالا قبل دعوة إبراهيم عليه السلام كسائر البلاد ، وأن بدعوته صارت حرما آمنا كما صارت المدينة بتحريم رسول الله صلى الله عليه وسلم آمنا بعد أن كانت حلالا .احتج أهل المقالة الأولى بحديث ابن عباس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم فتح مكة إن هذا البلد حرمه الله تعالى يوم خلق السماوات والأرض فهو حرام بحرمة الله تعالى إلى يوم القيامة وإنه لم يحل القتال فيه لأحد قبلي ولم يحل لي إلا ساعة من نهار فهو حرام بحرمة الله إلى يوم القيامة لا يعضد شوكه ولا ينفر صيده ولا تلتقط لقطته إلا من عرفها ولا يختلى خلاها فقال العباس : يا رسول الله إلا الإذخر فإنه لقينهم ولبيوتهم ، فقال : إلا الإذخر . ونحوه حديث أبي شريح ، أخرجهما مسلم وغيره .وفي صحيح مسلم أيضا عن عبد الله بن زيد بن عاصم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : إن إبراهيم حرم مكة ودعا لأهلها وإني حرمت المدينة كما حرم إبراهيم مكة وإني دعوت في صاعها ومدها بمثلي ما دعا به إبراهيم لأهل مكة . قال ابن عطية : " ولا تعارض بين الحديثين ; لأن الأول إخبار بسابق علم الله فيها وقضائه ، وكون الحرمة مدة آدم وأوقات عمارة القطر بإيمان . والثاني إخبار بتجديد إبراهيم لحرمتها وإظهاره ذلك بعد الدثور ، وكان القول الأول من النبي صلى الله عليه وسلم ثاني يوم الفتح إخبارا بتعظيم حرمة مكة على المؤمنين بإسناد التحريم إلى الله تعالى ، وذكر إبراهيم عند تحريم المدينة مثالا لنفسه ، ولا محالة أن تحريم المدينة هو أيضا من قبل الله تعالى ومن نافذ قضائه وسابق علمه " . وقال الطبري : كانت مكة حراما فلم يتعبد الله الخلق بذلك حتى سأله إبراهيم فحرمها .الثالثة : وارزق أهله من الثمرات من آمن تقدم معنى الرزق . والثمرات جمع ثمرة ، قد تقدم . من آمن بدل من أهل ، بدل البعض من الكل . والإيمان : التصديق ، وقد تقدم .قال ومن كفر فأمتعه قليلا ثم أضطره إلى عذاب النار وبئس المصيرقال ومن كفر من في قوله ومن كفر في موضع نصب ، والتقدير وارزق من كفر ، ويجوز أن يكون في موضع رفع بالابتداء ، وهي شرط والخبر فأمتعه وهو الجواب .واختلف هل هذا القول من الله تعالى أو من إبراهيم عليه السلام ؟ فقال أبي بن كعب وابن إسحاق وغيرهما : هو من الله تعالى ، وقرءوا فأمتعه بضم الهمزة وفتح الميم وتشديد التاء . ثم أضطره بقطع الألف وضم الراء ، وكذلك القراء السبعة خلا ابن عامر فإنه سكن الميم وخفف التاء . وحكى أبو إسحاق الزجاج أن في قراءة أبي " فنمتعه قليلا ثم نضطره " بالنون . وقال ابن عباس ومجاهد وقتادة : هذا القول من إبراهيم عليه السلام . وقرءوا " فأمتعه " بفتح الهمزة وسكون الميم ، ثم اضطره بوصل الألف وفتح الراء ، فكأن إبراهيم عليه السلام دعا للمؤمنين وعلى الكافرين ، وعليه فيكون الضمير في قال لإبراهيم وأعيد قال لطول الكلام ، أو لخروجه من الدعاء لقوم إلى الدعاء على آخرين . والفاعل في قال على قراءة الجماعة اسم الله تعالى ، واختاره النحاس وجعل القراءة بفتح الهمزة وسكون الميم ووصل الألف شاذة ، قال : ونسق الكلام والتفسير جميعا يدلان على غيرها ، أما نسق الكلام فإن الله تعالى خبر عن إبراهيم عليه السلام أنه قال : رب اجعل هذا بلدا آمنا ثم جاء بقوله عز وجل : وارزق أهله من الثمرات من آمن منهم بالله واليوم الآخر ولم يفصل بينه بقال ، ثم قال بعد : قال ومن كفر فكان هذا جوابا من الله ، ولم يقل بعد : قال إبراهيم . وأما التفسير فقد صح عن ابن عباس وسعيد بن جبير ومحمد بن كعب . وهذا لفظ ابن عباس : دعا إبراهيم عليه السلام لمن آمن دون الناس خاصة ، فأعلم الله عز وجل أنه يرزق من كفر كما يرزق من آمن ، وأنه يمتعه قليلا ثم يضطره إلى عذاب النار . قال أبو جعفر : وقال الله عز وجل : كلا نمد هؤلاء وهؤلاء من عطاء ربك وقال جل ثناؤه : وأمم سنمتعهم . قال أبو إسحاق : إنما علم إبراهيم عليه السلام أن في ذريته كفارا فخص المؤمنين ; لأن الله تعالى قال : لا ينال عهدي الظالمين .
2:127
وَ اِذْ یَرْفَعُ اِبْرٰهٖمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَیْتِ وَ اِسْمٰعِیْلُؕ-رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّاؕ-اِنَّكَ اَنْتَ السَّمِیْعُ الْعَلِیْمُ(۱۲۷)
اور جب اٹھاتا تھا ابراہیم ؑ اس گھر کی نیویں اور اسمٰعیل ؑ یہ کہتے ہوئے اے رب ہمارے ہم سے قبول فرما (ف۲۳۱) بیشک تو ہی ہے سنتا جانتا،

قوله تعالى : وإذ يرفع إبراهيم القواعد من البيت وإسماعيل ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليمقوله تعالى : وإذ يرفع إبراهيم القواعد من البيت وإسماعيل القواعد : أساسه ، في قول أبي عبيدة والفراء . وقال الكسائي : هي الجدر . والمعروف أنها الأساس . وفي الحديث : إن البيت لما هدم أخرجت منه حجارة عظام فقال ابن الزبير : هذه القواعد التي رفعها إبراهيم عليه السلام . وقيل : إن القواعد كانت قد اندرست فأطلع الله إبراهيم عليها . ابن عباس : وضع البيت على أركان رآها قبل أن تخلق الدنيا بألفي عام ثم دحيت الأرض من تحته . والقواعد واحدتها قاعدة . والقواعد من النساء واحدها قاعد .واختلف الناس فيمن بنى البيت أولا وأسسه ، فقيل : الملائكة . روي عن جعفر بن محمد قال : سئل أبي وأنا حاضر عن بدء خلق البيت فقال : إن الله عز وجل لما قال : إني جاعل في الأرض خليفة قالت الملائكة : أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك فغضب عليهم ، فعاذوا بعرشه وطافوا حوله سبعة أشواط يسترضون ربهم حتى رضي الله عنهم ، وقال لهم : ابنوا لي بيتا في الأرض يتعوذ به من سخطت عليه من بني آدم ، ويطوف حوله كما طفتم حول عرشي ، فأرضى عنه كما رضيت عنكم ، فبنوا هذا البيت .وذكر عبد الرزاق عن ابن جريج عن عطاء وابن المسيب وغيرهما أن الله عز وجل أوحى إلى آدم : إذا هبطت ابن لي بيتا ثم احفف به كما رأيت الملائكة تحف بعرشي الذي في السماء . قال عطاء : فزعم الناس أنه بناه من خمسة أجبل : من حراء ، ومن طور سينا ، ومن لبنان ، ومن الجودي ، ومن طور زيتا ، وكان ربضه من حراء . قال الخليل : والربض ها هنا الأساس المستدير بالبيت من الصخر ، ومنه يقال لما حول المدينة : ربض . وذكر الماوردي عن عطاء عن ابن عباس قال : لما أهبط آدم من الجنة إلى الأرض قال له : يا آدم ، اذهب فابن لي بيتا وطف به واذكرني عنده كما رأيت الملائكة تصنع حول عرشي ، فأقبل آدم يتخطى وطويت له الأرض ، وقبضت له المفازة ، فلا يقع قدمه على شيء من الأرض إلا صار عمرانا حتى انتهى إلى موضع البيت الحرام ، وأن جبريل عليه السلام ضرب بجناحيه الأرض فأبرز عن أس ثابت على الأرض السابعة السفلى ، وقذفت إليه الملائكة بالصخر ، فما يطيق الصخرة منها ثلاثون رجلا ، وأنه بناه من خمسة أجبل كما ذكرنا . وقد روي في بعض الأخبار : أنه أهبط لآدم عليه السلام خيمة من خيام الجنة ، فضربت في موضع الكعبة ليسكن إليها ويطوف حولها ، فلم تزل باقية حتى قبض الله عز وجل آدم ثم رفعت . وهذا من طريق وهب بن منبه . وفي رواية : أنه أهبط معه بيت فكان يطوف به والمؤمنون من ولده كذلك إلى زمان الغرق ، ثم رفعه الله فصار في السماء ، وهو الذي يدعى البيت المعمور .روي هذا عن قتادة ذكره الحليمي في كتاب " منهاج الدين " له ، وقال : يجوز أن يكون معنى ما قال قتادة من أنه أهبط مع آدم بيت ، أي أهبط معه مقدار البيت المعمور طولا وعرضا وسمكا ، ثم قيل له : ابن بقدره ، وتحرى أن يكون بحياله ، فكان حياله موضع الكعبة ، فبناها فيه . وأما الخيمة فقد يجوز أن تكون أنزلت وضربت في موضع الكعبة ، فلما أمر ببنائها فبناها كانت حول الكعبة طمأنينة لقلب آدم صلى الله عليه وسلم ما عاش ثم رفعت ، فتتفق هذه الأخبار . فهذا بناء آدم عليه السلام ، ثم بناه إبراهيم عليه السلام . قال ابن جريج وقال ناس : أرسل الله سحابة فيها رأس ، فقال الرأس : يا إبراهيم ، إن ربك يأمرك أن تأخذ بقدر هذه السحابة ، فجعل ينظر إليها ويخط قدرها ، ثم قال الرأس : إنه قد فعلت ، فحفر فأبرز عن أساس ثابت في الأرض .وروي عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه : أن الله تعالى لما أمر إبراهيم بعمارة البيت خرج من الشام ومعه ابنه إسماعيل وأمه هاجر ، وبعث معه السكينة لها لسان تتكلم به يغدو معها إبراهيم إذا غدت ، ويروح معها إذا راحت ، حتى انتهت به إلى مكة ، فقالت لإبراهيم : ابن على موضعي الأساس ، فرفع البيت هو وإسماعيل حتى انتهى إلى موضع الركن ، فقال لابنه : يا بني ، ابغني حجرا أجعله علما للناس ، فجاءه بحجر فلم يرضه ، وقال : ابغني غيره فذهب يلتمس ، فجاءه وقد أتى بالركن فوضعه موضعه ، فقال : يا أبة ، من جاءك بهذا الحجر ؟ فقال : من لم يكلني إليك . ابن عباس : صاح أبو قبيس : يا إبراهيم ، يا خليل الرحمن ، إن لك عندي وديعة فخذها ، فإذا هو بحجر أبيض من ياقوت الجنة كان آدم قد نزل به من الجنة ، فلما رفع إبراهيم وإسماعيل القواعد من البيت جاءت سحابة مربعة فيها رأس فنادت : أن ارفعا على تربيعي . فهذا بناء إبراهيم عليه السلام .وروي أن إبراهيم وإسماعيل لما فرغا من بناء البيت أعطاهما الله الخيل جزاء عن رفع قواعد البيت . روى الترمذي الحكيم حدثنا عمر بن أبي عمر حدثني نعيم بن حماد حدثنا عبد الوهاب بن همام أخو عبد الرزاق عن ابن جريج عن ابن أبي مليكة عن ابن عباس قال : كانت الخيل وحشا كسائر الوحش ، فلما أذن الله لإبراهيم وإسماعيل برفع القواعد قال الله تبارك اسمه : إني معطيكما كنزا ادخرته لكما ثم أوحى إلى إسماعيل أن اخرج إلى أجياد فادع يأتك الكنز . فخرج إلى أجياد - وكانت وطنا - ولا يدري ما الدعاء ولا الكنز ، فألهمه ، فلم يبق على وجه الأرض فرس بأرض العرب إلا جاءته فأمكنته من نواصيها وذللها له ، فاركبوها واعلفوها فإنها ميامين ، وهي ميراث أبيكم إسماعيل ، فإنما سمي الفرس عربيا لأن إسماعيل أمر بالدعاء وإياه أتى . وروى عبد المنعم بن إدريس عن وهب بن منبه ، قال : أول من بنى البيت بالطين والحجارة شيث عليه السلام .وأما بنيان قريش له فمشهور ، وخبر الحية في ذلك مذكور ، وكانت تمنعهم من هدمه إلى أن اجتمعت قريش عند المقام فعجوا إلى الله تعالى وقالوا : ربنا ، لم ترع ، أردنا تشريف بيتك وتزيينه ، فإن كنت ترضى بذلك وإلا فما بدا لك فافعل ، فسمعوا خواتا من السماء - والخوات : حفيف جناح الطير الضخم - فإذا هو بطائر أعظم من النسر ، أسود الظهر أبيض البطن والرجلين ، فغرز مخاليبه في قفا الحية ، ثم انطلق بها تجر ذنبها أعظم من كذا وكذا حتى انطلق بها نحو أجياد ، فهدمتها قريش وجعلوا يبنونها بحجارة الوادي تحملها قريش على رقابها ، فرفعوها في السماء عشرين ذراعا ، فبينا النبي صلى الله عليه وسلم يحمل حجارة من أجياد وعليه نمرة فضاقت عليه النمرة فذهب يرفع النمرة على عاتقه ، فترى عورته من صغر النمرة ، فنودي : يا محمد ، خمر عورتك ، فلم ير عريانا بعد . وكان بين بنيان الكعبة وبين ما أنزل عليه خمس سنين ، وبين مخرجه وبنائها خمس عشرة سنة . ذكره عبد الرزاق عن معمر عن عبد الله بن عثمان عن أبي الطفيل . وذكر عن معمر عن الزهري : حتى إذا بنوها وبلغوا موضع الركن اختصمت قريش في الركن ، أي القبائل تلي رفعه ؟ حتى شجر بينهم ، فقالوا : تعالوا نحكم أول من يطلع علينا من هذه السكة ، فاصطلحوا على ذلك ، فاطلع عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو غلام عليه وشاح نمرة ، فحكموه فأمر بالركن فوضع في ثوب ، ثم أمر سيد كل قبيلة فأعطاه ناحية من الثوب ، ثم ارتقى هو فرفعوا إليه الركن ، فكان هو يضعه صلى الله عليه وسلم .قال ابن إسحاق : وحدثت أن قريشا وجدوا في الركن كتابا بالسريانية فلم يدر ما هو ، حتى قرأه لهم رجل من يهود ، فإذا فيه : " أنا الله ذو بكة خلقتها يوم خلقت السماوات والأرض وصورت الشمس والقمر ، وحففتها بسبعة أملاك حنفاء لا تزول حتى يزول أخشباها ، مبارك لأهلها في الماء واللبن " . وعن أبي جعفر محمد بن علي قال : كان باب الكعبة على عهد العماليق وجرهم وإبراهيم عليه السلام بالأرض حتى بنته قريش . خرج مسلم عن عائشة رضي الله عنها قالت : سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الجدر أمن البيت هو ؟ قال : نعم قلت : فلم لم يدخلوه [ في البيت ] ؟ قال : إن قومك قصرت بهم النفقة . قلت : فما شأن بابه مرتفعا ؟ قال : فعل ذلك قومك ليدخلوا من شاءوا ويمنعوا من شاءوا ولولا أن قومك حديث عهدهم في الجاهلية فأخاف أن تنكر قلوبهم لنظرت أن أدخل الجدر في البيت وأن ألزق بابه بالأرض . وخرج عن عبد الله بن الزبير رضي الله عنه قال : حدثتني خالتي ( يعني عائشة ) رضي الله عنها قالت قال النبي صلى الله عليه وسلم : يا عائشة لولا أن قومك حديثو عهد بشرك لهدمت الكعبة فألزقتها بالأرض وجعلت لها بابين بابا شرقيا وبابا غربيا وزدت فيها ستة أذرع من الحجر فإن قريشا اقتصرتها حيث بنت الكعبة . وعن عروة عن أبيه عن عائشة قالت قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم : لولا حداثة عهد قومك بالكفر لنقضت الكعبة ولجعلتها على أساس إبراهيم فإن قريشا حين بنت الكعبة استقصرت ، ولجعلت لها خلفا . وفي البخاري قال هشام بن عروة : يعني بابا . وفي البخاري أيضا : لجعلت لها خلفين يعني بابين ، فهذا بناء قريش . ثم لما غزا أهل الشام عبد الله بن الزبير ووهت الكعبة من حريقهم ، هدمها ابن الزبير وبناها على ما أخبرته عائشة ، وزاد فيه خمسة أذرع من الحجر ، حتى أبدى أسا نظر الناس إليه ، فبنى عليه البناء ، وكان طول الكعبة ثماني عشرة ذراعا ، فلما زاد فيه استقصره ، فزاد في طوله عشرة أذرع ، وجعل لها بابين ؛ أحدهما يدخل منه ، والآخر يخرج منه ، كذا في صحيح مسلم ، وألفاظ الحديث تختلف . وذكر سفيان عن داود بن شابور عن مجاهد قال : لما أراد ابن الزبير أن يهدم الكعبة ويبنيه قال للناس : اهدموا ، قال : فأبوا أن يهدموا وخافوا أن ينزل عليهم العذاب . قال مجاهد : فخرجنا إلى منى فأقمنا بها ثلاثا ننتظر العذاب . قال : وارتقى ابن الزبير على جدار الكعبة هو بنفسه ، فلما رأوا أنه لم يصبه شيء اجترءوا على ذلك ، قال : فهدموا . فلما بناها جعل لها بابين : بابا يدخلون منه ، وبابا يخرجون منه ، وزاد فيه مما يلي الحجر ستة أذرع ، وزاد في طولها تسعة أذرع . قال مسلم في حديثه : فلما قتل ابن الزبير كتب الحجاج إلى عبد الملك بن مروان يخبره بذلك ، ويخبره أن ابن الزبير قد وضع البناء على أس نظر إليه العدول من أهل مكة ، فكتب إليه عبد الملك : إنا لسنا من تلطيخ ابن الزبير في شيء ، أما ما زاد في طوله فأقره ، وأما ما زاد فيه من الحجر فرده إلى بنائه ، وسد الباب الذي فتحه ، فنقضه وأعاده إلى بنائه . في رواية : قال عبد الملك : ما كنت أظن أبا خبيب ( يعني ابن الزبير ) سمع من عائشة ما كان يزعم أنه سمعه منها ، قال الحارث بن عبد الله : بلى ، أنا سمعته منها ، قال : سمعتها تقول ماذا ؟ قال : قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن قومك استقصروا من بنيان البيت ولولا حداثة عهدهم بالشرك أعدت ما تركوا منه فإن بدا لقومك من بعدي أن يبنوه فهلمي لأريك ما تركوا منه فأراها قريبا من سبعة أذرع . في أخرى : قال عبد الملك : لو كنت سمعته قبل أن أهدمه لتركته على ما بنى ابن الزبير . فهذا ما جاء في بناء الكعبة من الآثار .وروي أن الرشيد ذكر لمالك بن أنس أنه يريد هدم ما بنى الحجاج من الكعبة ، وأن يرده على بناء ابن الزبير لما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم وامتثله ابن الزبير ، فقال له مالك : ناشدتك الله يا أمير المؤمنين ، ألا تجعل هذا البيت ملعبة للملوك ، لا يشاء أحد منهم إلا نقض البيت وبناه ، فتذهب هيبته من صدور الناس . وذكر الواقدي : حدثنا معمر عن همام بن منبه سمع أبا هريرة يقول ، : نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن سب أسعد الحميري ، وهو تبع ، وهو أول من كسا البيت ، وهو تبع الآخر . قال ابن إسحاق : كانت تكسى القباطي ثم كسيت البرد وأول من كساها الديباج الحجاج .قال العلماء : ولا ينبغي أن يؤخذ من كسوة الكعبة شيء ، فإنه مهدى إليها ، ولا ينقص منها شيء . روي عن سعيد بن جبير أنه كان يكره أن يؤخذ من طيب الكعبة يستشفى به ، وكان إذا رأى الخادم يأخذ منه قفدها قفدة لا يألو أن يوجعها . وقال عطاء : كان أحدنا إذا أراد أن يستشفي به جاء بطيب من عنده فمسح به الحجر ثم أخذه .قوله تعالى : ربنا تقبل منا المعنى : ويقولان ربنا ، فحذف . وكذلك هي في قراءة أبي وعبد الله بن مسعود : وإذ يرفع إبراهيم القواعد من البيت وإسماعيل ويقولان ربنا تقبل مناوتفسير إسماعيل : اسمع يا ألله ; لأن " إيل " بالسريانية هو الله ، وقد تقدم . فقيل : إن إبراهيم لما دعا ربه قال : اسمع يا إيل ، فلما أجابه ربه ورزقه الولد سماه بما دعاه . ذكره الماوردي .قوله تعالى : إنك أنت السميع العليم اسمان من أسماء الله تعالى قد أتينا عليهما في الكتاب " الأسنى في شرح أسماء الله الحسنى " .
2:128
رَبَّنَا وَ اجْعَلْنَا مُسْلِمَیْنِ لَكَ وَ مِنْ ذُرِّیَّتِنَاۤ اُمَّةً مُّسْلِمَةً لَّكَ ۪-وَ اَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَ تُبْ عَلَیْنَاۚ-اِنَّكَ اَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِیْمُ(۱۲۸)
اے رب ہمارے اور کر ہمیں تیرے حضور گردن رکھنے والا (ف۲۳۲) اور ہماری اولاد میں سے ایک امت تیری فرمانبردار اور ہمیں ہماری عبادت کے قاعدے بتا اور ہم پر اپنی رحمت کے ساتھ رجوع فرما (ف۲۳۳) بیشک تو ہی ہے بہت توبہ قبول کرنے والا مہربان۔

قوله تعالى : ربنا واجعلنا مسلمين لك ومن ذريتنا أمة مسلمة لك وأرنا مناسكنا وتب علينا إنك أنت التواب الرحيمقوله تعالى : ربنا واجعلنا مسلمين لك أي صيرنا ، ومسلمين مفعول ثان ، سألا التثبيت والدوام . والإسلام في هذا الموضع : الإيمان والأعمال جميعا ، ومنه قوله تعالى : إن الدين عند الله الإسلام ففي هذا دليل لمن قال : إن الإيمان والإسلام شيء واحد ، وعضدوا هذا بقوله تعالى في الآية الأخرى : فأخرجنا من كان فيها من المؤمنين فما وجدنا فيها غير بيت من المسلمين . وقرأ ابن عباس وعوف الأعرابي " مسلمين " على الجمع .قوله تعالى : ومن ذريتنا أمة مسلمة لك أي ومن ذريتنا فاجعل ، فيقال : إنه لم يدع نبي إلا لنفسه ولأمته إلا إبراهيم فإنه دعا مع دعائه لنفسه ولأمته ولهذه الأمة . ومن في قوله : ومن ذريتنا للتبعيض ; لأن الله تعالى قد كان أعلمه أن منهم ظالمين . وحكى الطبري : أنه أراد بقوله ومن ذريتنا العرب خاصة . قال السهيلي : وذريتهما العرب ; لأنهم بنو نبت بن إسماعيل ، أو بنو تيمن بن إسماعيل ، ويقال : قيدر بن نبت بن إسماعيل . أما العدنانية فمن نبت ، وأما القحطانية فمن قيدر بن نبت بن إسماعيل ، أو تيمن على أحد القولين . قال ابن عطية : وهذا ضعيف ; لأن دعوته ظهرت في العرب وفيمن آمن من غيرهم . والأمة : الجماعة هنا ، وتكون واحدا إذا كان يقتدى به في الخير ، ومنه قوله تعالى : إن إبراهيم كان أمة قانتا لله ، وقال صلى الله عليه وسلم في زيد بن عمرو بن نفيل : ( يبعث أمة وحده ) لأنه لم يشرك في دينه غيره ، والله أعلم . وقد يطلق لفظ الأمة على غير هذا المعنى ، ومنه قوله تعالى :إنا وجدنا آباءنا على أمة أي على دين وملة ، ومنه قوله تعالى : إن هذه أمتكم أمة واحدة . وقد تكون بمعنى الحين والزمان ، ومنه قوله تعالى وادكر بعد أمة أي بعد حين وزمان . ويقال : هذه أمة زيد ، أي أم زيد . والأمة أيضا : القامة ، يقال : فلان حسن الأمة ، أي حسن القامة ، قال [ هو الأعشى ] :وإن معاوية الأكرمين حسان الوجوه طوال الأمموقيل : الأمة الشجة التي تبلغ أم الدماغ ، يقال : رجل مأموم وأميم .قوله تعالى : وأرنا مناسكنا أرنا من رؤية البصر ، فتتعدى إلى مفعولين ، وقيل : من رؤية القلب ، ويلزم قائله أن يتعدى الفعل منه إلى ثلاثة مفاعيل . قال ابن عطية : وينفصل بأنه يوجد معدى بالهمزة من رؤية القلب إلى مفعولين [ كغير المعدى ] قال حطائط بن يعفر أخو الأسود بن يعفر :أريني جوادا مات هزلا لأنني أرى ما ترين أو بخيلا مخلداوقرأ عمر بن عبد العزيز وقتادة وابن كثير وابن محيصن والسدي وروح عن يعقوب ورويس والسوسي " أرنا " بسكون الراء في القرآن ، واختاره أبو حاتم . وقرأ أبو عمرو باختلاس كسرة الراء ، والباقون بكسرها ، واختاره أبو عبيد . وأصله أرئنا بالهمز ، فمن قرأ بالسكون قال : ذهبت الهمزة وذهبت حركتها وبقيت الراء ساكنة على حالها ، واستدل بقول الشاعر :أرنا إداوة عبد الله نملؤها من ماء زمزم إن القوم قد ظمئواومن كسر فإنه نقل حركة الهمزة المحذوفة إلى الراء وأبو عمرو طلب الخفة . وعن شجاع بن أبي نصر وكان أمينا صادقا أنه رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم في المنام فذاكره أشياء من حروف أبي عمرو فلم يرد عليه إلا حرفين : هذا ، والآخر " ما ننسخ من آية أو ننسأها " مهموزا .قوله تعالى : مناسكنا يقال : إن أصل النسك في اللغة الغسل ، يقال منه : نسك ثوبه إذا غسله . وهو في الشرع اسم للعبادة ، يقال : رجل ناسك إذا كان عابدا .واختلف العلماء في المراد بالمناسك هنا ، فقيل : مناسك الحج ومعالمه ، قاله قتادة والسدي . وقال مجاهد وعطاء وابن جريج : المناسك المذابح ، أي مواضع الذبح . وقيل : جميع المتعبدات . وكل ما يتعبد به إلى الله تعالى يقال له منسك ومنسك . والناسك : العابد . قال النحاس : يقال نسك ينسك ، فكان يجب أن يقال على هذا : منسك ، إلا أنه ليس في كلام العرب مفعل . وعن زهير بن محمد قال : لما فرغ إبراهيم عليه السلام من بناء البيت الحرام قال : أي رب ، قد فرغت فأرنا مناسكنا ، فبعث الله تعالى إليه جبريل فحج به ، حتى إذا رجع من عرفة وجاء يوم النحر عرض له إبليس ، فقال له : أحصبه ، فحصبه بسبع حصيات ، ثم الغد ثم اليوم الثالث ، ثم علا ثبيرا فقال : يا عباد الله ، أجيبوا ، فسمع دعوته من بين الأبحر ممن في قلبه مثقال ذرة من إيمان ، فقال : لبيك ، اللهم لبيك ، قال : ولم يزل على وجه الأرض سبعة مسلمون فصاعدا ، لولا ذلك لأهلكت الأرض ومن عليها . وأول من أجابه أهل اليمن .وعن أبي مجلز قال : لما فرغ إبراهيم من البيت جاءه جبريل عليه السلام فأراه الطواف بالبيت - قال : وأحسبه قال : " والصفا والمروة - ثم انطلقا إلى العقبة فعرض لهما الشيطان ، فأخذ جبريل سبع حصيات وأعطى إبراهيم سبع حصيات ، فرمى وكبر ، وقال لإبراهيم : ارم وكبر ، فرميا وكبرا مع كل رمية حتى أفل الشيطان . ثم انطلقا إلى الجمرة الوسطى ، فعرض لهما الشيطان ، فأخذ جبريل سبع حصيات وأعطى إبراهيم سبع حصيات ، وقال : ارم وكبر ، فرميا وكبرا مع كل رمية حتى أفل الشيطان . ثم أتيا الجمرة القصوى فعرض لهما الشيطان ، فأخذ جبريل سبع حصيات وأعطى إبراهيم سبع حصيات وقال : ارم وكبر ، فرميا وكبرا مع كل رمية حتى أفل الشيطان . ثم أتى به جمعا فقال : ها هنا يجمع الناس الصلوات . ثم أتى به عرفات فقال : عرفت ؟ فقال نعم ، فمن ثم سمي عرفات . وروي أنه قال له : عرفت ، عرفت ، عرفت ؟ أي منى والجمع وهذا ، فقال نعم ، فسمي ذلك المكان عرفات . وعن خصيف بن عبد الرحمن أن مجاهدا حدثه قال : لما قال إبراهيم عليه السلام : وأرنا مناسكنا أي الصفا والمروة ، وهما من شعائر الله بنص القرآن ، ثم خرج به جبريل ، فلما مر بجمرة العقبة إذا إبليس عليها ، فقال له جبريل : كبر وارمه ، فارتفع إبليس إلى الوسطى ، فقال جبريل : كبر وارمه ، ثم في الجمرة القصوى كذلك . ثم انطلق به إلى المشعر الحرام ، ثم أتى به عرفة فقال له : هل عرفت ما أريتك ؟ قال نعم ، فسميت عرفات لذلك فيما قيل ، قال : فأذن في الناس بالحج ، قال : كيف أقول ؟ قال قل : يا أيها الناس ، أجيبوا ربكم ، ثلاث مرات ، ففعل ، فقالوا : لبيك ، اللهم لبيك . قال : فمن أجاب يومئذ فهو حاج . وفي رواية أخرى : أنه حين نادى استدار فدعا في كل وجه ، فلبى الناس من كل مشرق ومغرب ، وتطأطأت الجبال حتى بعد صوته . وقال محمد بن إسحاق : لما فرغ إبراهيم خليل الرحمن صلوات الله عليه من بناء البيت الحرام جاءه جبريل عليه السلام فقال له : طف به سبعا ، فطاف به سبعا هو وإسماعيل عليهما السلام ، يستلمان الأركان كلها في كل طواف ، فلما أكملا سبعا صليا خلف المقام ركعتين . قال : فقام جبريل فأراه المناسك كلها : الصفا والمروة ومنى والمزدلفة . قال : فلما دخل منى وهبط من العقبة تمثل له إبليس . . . . ، فذكر نحو ما تقدم . قال ابن إسحاق : وبلغني أن آدم عليه السلام كان يستلم الأركان كلها قبل إبراهيم عليه السلام . وقال : حج إسحاق وسارة من الشام ، وكان إبراهيم عليه السلام يحجه كل سنة على البراق ، وحجته بعد ذلك الأنبياء والأمم . وروى محمد بن سابط عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : كان النبي من الأنبياء إذا هلكت أمته لحق مكة فتعبد بها هو ومن آمن معه حتى يموتوا فمات بها نوح وهود وصالح وقبورهم بين زمزم والحجر .وذكر ابن وهب أن شعيبا مات بمكة هو ومن معه من المؤمنين ، فقبورهم في غربي مكة بين دار الندوة وبين بني سهم . وقال ابن عباس : في المسجد الحرام قبران ليس فيه غيرهما ، قبر إسماعيل وقبر شعيب عليهما السلام ، فقبر إسماعيل في الحجر ، وقبر شعيب مقابل الحجر الأسود . وقال عبد الله بن ضمرة السلولي : ما بين الركن والمقام إلى زمزم قبور تسعة وتسعين نبيا جاءوا حجاجا فقبروا هنالك ، صلوات الله عليهم أجمعين .قوله تعالى : وتب علينااختلف في معنى قول إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام : وتب علينا وهم أنبياء معصومون ، فقالت طائفة : طلبا التثبيت والدوام ، لا أنهما كان لهما ذنب .قلت : وهذا حسن ، وأحسن منه أنهما لما عرفا المناسك وبنيا البيت أرادا أن يبينا للناس ويعرفاهم أن ذلك الموقف وتلك المواضع مكان التنصل من الذنوب وطلب التوبة . وقيل : المعنى وتب على الظلمة منا . وقد مضى الكلام في عصمة الأنبياء عليهم السلام في قصة آدم عليه السلام . وتقدم القول في معنى قوله : إنك أنت التواب الرحيم فأغنى عن إعادته .
2:129
رَبَّنَا وَ ابْعَثْ فِیْهِمْ رَسُوْلًا مِّنْهُمْ یَتْلُوْا عَلَیْهِمْ اٰیٰتِكَ وَ یُعَلِّمُهُمُ الْكِتٰبَ وَ الْحِكْمَةَ وَ یُزَكِّیْهِمْؕ-اِنَّكَ اَنْتَ الْعَزِیْزُ الْحَكِیْمُ۠(۱۲۹)
اے رب ہمارے اور بھیج ان میں (ف۲۳۴) ایک رسول انہیں میں سے کہ ان پر تیری آیتیں تلاوت فرمائے اور انہیں تیری کتاب (ف۲۳۵) اور پختہ علم سکھائے (ف۲۳۶) اور انہیں خوب ستھرا فرمادے (ف۲۳۷) بیشک تو ہی ہے غالب حکمت والا-

قوله تعالى : ربنا وابعث فيهم رسولا منهم يتلو عليهم آياتك ويعلمهم الكتاب والحكمة ويزكيهم إنك أنت العزيز الحكيم قوله تعالى : ربنا وابعث فيهم رسولا منهم يعني محمدا صلى الله عليه وسلم . وفي قراءة أبي " وابعث في آخرهم رسولا منهم " . وقد روى خالد بن معدان : أن نفرا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قالوا له : يا رسول الله ، أخبرنا عن نفسك ، قال : نعم أنا دعوة أبي إبراهيم وبشرى عيسى . ورسولا أي مرسلا ، وهو فعول من الرسالة . قال ابن الأنباري : يشبه أن يكون أصله من قولهم : ناقة مرسال ورسلة ، إذا كانت سهلة السير ماضية أمام النوق . ويقال للجماعة المهملة المرسلة : رسل ، وجمعه أرسال . يقال : جاء القوم أرسالا ، أي بعضهم في أثر بعض ، ومنه يقال للبن رسل ; لأنه يرسل من الضرع .قوله تعالى : ويعلمهم الكتاب والحكمة الكتاب القرآن والحكمة المعرفة بالدين ، والفقه في التأويل ، والفهم الذي هو سجية ونور من الله تعالى ، قاله مالك ، ورواه عنه ابن وهب ، وقاله ابن زيد . وقال قتادة : الحكمة السنة وبيان الشرائع . وقيل : الحكم والقضاء خاصة ، والمعنى متقارب . ونسب التعليم إلى النبي صلى الله عليه وسلم من حيث هو يعطي الأمور التي ينظر فيها ، ويعلم طريق النظر بما يلقيه الله إليه من وحيه . ويزكيهم أي يطهرهم من وضر الشرك ، عن ابن جريج وغيره . والزكاة : التطهير ، وقد تقدم . وقيل : إن الآيات تلاوة ظاهر الألفاظ . والكتاب معاني الألفاظ . والحكمة الحكم ، وهو مراد الله بالخطاب من مطلق ومقيد ، ومفسر ومجمل ، وعموم وخصوص ، وهو معنى ما تقدم ، والله تعالى أعلم .إنك أنت العزيز الحكيم والعزيز معناه المنيع الذي لا ينال ولا يغالب . وقال ابن كيسان : معناه الذي لا يعجزه شيء ، دليله : وما كان الله ليعجزه من شيء في السماوات ولا في الأرض . الكسائي : العزيز الغالب ، ومنه قوله تعالى : وعزني في الخطاب وفي المثل : " من عز بز " أي من غلب سلب . وقيل : العزيز الذي لا مثل له ، بيانه ليس كمثله شيء . وقد زدنا هذا المعنى بيانا في اسمه العزيز في كتاب " الأسنى في شرح أسماء الله الحسنى " وقد تقدم معنى الحكيم والحمد لله .
2:130
وَ مَنْ یَّرْغَبُ عَنْ مِّلَّةِ اِبْرٰهٖمَ اِلَّا مَنْ سَفِهَ نَفْسَهٗؕ-وَ لَقَدِ اصْطَفَیْنٰهُ فِی الدُّنْیَاۚ-وَ اِنَّهٗ فِی الْاٰخِرَةِ لَمِنَ الصّٰلِحِیْنَ(۱۳۰)
اور ابراہیم کے دین سے کون منہ پھیرے (ف۲۳۸) سوا اس کے جو دل کا احمق ہے اور بیشک ضرور ہم نے دنیا میں اسے چن لیا (ف۲۳۹) اور بیشک وہ آخرت میں ہمارے خاص قرب کی قابلیت والوں میں ہے -(ف۲۴۰)

قوله تعالى : ومن يرغب عن ملة إبراهيم إلا من سفه نفسه ولقد اصطفيناه في الدنيا وإنه في الآخرة لمن الصالحين قوله تعالى : ومن يرغب عن ملة إبراهيم إلا من سفه نفسه من استفهام في موضع رفع بالابتداء ، ويرغب صلة من . إلا من سفه نفسه في موضع الخبر . وهو تقريع وتوبيخ وقع فيه معنى النفي ، أي وما يرغب ، قاله النحاس . والمعنى : يزهد فيها وينأى بنفسه عنها ، أي عن الملة وهي الدين والشرع . إلا من سفه نفسه قال قتادة : هم اليهود والنصارى ، رغبوا عن ملة إبراهيم واتخذوا اليهودية والنصرانية بدعة ليست من الله تعالى . قال الزجاج : سفه بمعنى جهل ، أي جهل أمر نفسه فلم يفكر فيها . وقال أبو عبيدة : المعنى أهلك نفسه . وحكى ثعلب والمبرد أن سفه بكسر الفاء يتعدى كسفه بفتح الفاء وشدها . وحكي عن أبي الخطاب ويونس أنها لغة . وقال الأخفش : سفه نفسه أي فعل بها من السفه ما صار به سفيها . وعنه أيضا هي لغة بمعنى سفه ، حكاه المهدوي ، والأول ذكره الماوردي . فأما سفه بضم الفاء فلا يتعدى ، قاله المبرد وثعلب . وحكى الكسائي عن الأخفش أن المعنى جهل في نفسه ، فحذفت " في " فانتصب . قال الأخفش : ومثله عقدة النكاح ، أي على عقدة النكاح . وهذا يجري على مذهب سيبويه فيما حكاه من قولهم : ضرب فلان الظهر والبطن ، أي في الظهر والبطن . الفراء : هو تمييز . قال ابن بحر : معناه جهل نفسه وما فيها من الدلالات والآيات الدالة على أن لها صانعا ليس كمثله شيء ، فيعلم به توحيد الله وقدرته .قلت : وهذا هو معنى قول الزجاج فيفكر في نفسه من يدين يبطش بهما ، ورجلين يمشي عليهما ، وعين يبصر بها ، وأذن يسمع بها ، ولسان ينطق به ، وأضراس تنبت له عند غناه عن الرضاع وحاجته إلى الغذاء ليطحن بها الطعام ، ومعدة أعدت لطبخ الغذاء ، وكبد يصعد إليها صفوه ، وعروق ومعابر ينفذ فيها إلى الأطراف ، وأمعاء يرسب إليها ثفل الغذاء ويبرز من أسفل البدن ، فيستدل بهذا على أن له خالقا قادرا عليما حكيما ، وهذا معنى قوله تعالى : وفي أنفسكم أفلا تبصرون . أشار إلى هذا الخطابي رحمه الله تعالى . وسيأتي له مزيد بيان في سورة " والذاريات " إن شاء الله تعالى .وقد استدل بهذه الآية من قال : إن شريعة إبراهيم شريعة لنا إلا ما نسخ منها وهذا كقوله : ملة أبيكم إبراهيم أن اتبع ملة إبراهيم . وسيأتي بيانه .قوله تعالى : ولقد اصطفيناه في الدنيا أي اخترناه للرسالة فجعلناه صافيا من الأدناس والأصل في اصطفيناه اصتفيناه ، أبدلت التاء طاء لتناسبها مع الصاد في الإطباق . واللفظ مشتق من الصفوة ، ومعناه تخير الأصفى .قوله تعالى : وإنه في الآخرة لمن الصالحين ، الصالح في الآخرة هو الفائز . ثم قيل : كيف جاز تقديم في الآخرة وهو داخل في الصلة ، قال النحاس : فالجواب أنه ليس التقدير إنه لمن الصالحين في الآخرة ، فتكون الصلة قد تقدمت ، ولأهل العربية فيه ثلاثة أقوال : منها أن يكون المعنى وإنه صالح في الآخرة ، ثم حذف . وقيل : في الآخرة متعلق بمصدر محذوف ، أي صلاحه في الآخرة . والقول الثالث : أن الصالحين ليس بمعنى الذين صلحوا ; ولكنه اسم قائم بنفسه ، كما يقال الرجل والغلام .قلت : وقول رابع أن المعنى وإنه في عمل الآخرة لمن الصالحين ، فالكلام على حذف مضاف . وقال الحسين بن الفضل : في الكلام تقديم وتأخير ، مجازه : ولقد اصطفيناه في الدنيا والآخرة وإنه لمن الصالحين . وروى حجاج بن حجاج - وهو حجاج الأسود ، وهو أيضا حجاج الأحول المعروف بزق العسل - قال : سمعت معاوية بن قرة يقول : اللهم إن الصالحين أنت أصلحتهم ورزقتهم أن عملوا بطاعتك فرضيت عنهم ، اللهم كما أصلحتهم فأصلحنا ، وكما رزقتهم أن عملوا بطاعتك فرضيت عنهم فارزقنا أن نعمل بطاعتك ، وارض عنا .
2:131
اِذْ قَالَ لَهٗ رَبُّهٗۤ اَسْلِمْۙ-قَالَ اَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعٰلَمِیْنَ(۱۳۱)
جبکہ اس سے اس کے رب نے فرمایا گردن رکھ عرض کی میں نے گردن رکھی اس کے لئے جو رب ہے سارے جہان کا-

قوله تعالى : إذ قال له ربه أسلم قال أسلمت لرب العالمين العامل في إذ قوله : اصطفيناه أي اصطفيناه إذ قال له ربه أسلم . وكان هذا القول من الله تعالى حين ابتلاه بالكوكب والقمر والشمس . قال ابن كيسان والكلبي : أي أخلص دينك لله بالتوحيد . وقيل : اخضع واخشع . وقال ابن عباس : إنما قال له ذلك حين خرج من السرب ، على ما يأتي ذكره في " الأنعام " . والإسلام هنا على أتم وجوهه . والإسلام في كلام العرب : الخضوع والانقياد للمستسلم . وليس كل إسلام إيمانا ، وكل إيمان إسلام ، لأن من آمن بالله فقد استلم وانقاد لله . وليس كل من أسلم آمن بالله ; لأنه قد يتكلم فزعا من السيف ، ولا يكون ذلك إيمانا ، خلافا للقدرية والخوارج حيث قالوا : إن الإسلام هو الإيمان ، فكل مؤمن مسلم ، وكل مسلم مؤمن ، لقوله : إن الدين عند الله الإسلام فدل على أن الإسلام هو الدين ، وأن من ليس بمسلم فليس بمؤمن . ودليلنا قوله تعالى : قالت الأعراب آمنا قل لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا الآية . فأخبر الله تعالى أنه ليس كل من أسلم مؤمنا ، فدل على أنه ليس كل مسلم مؤمنا ، وقال صلى الله عليه وسلم لسعد بن أبي وقاص لما قال له : أعط فلانا فإنه مؤمن ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : ( أومسلم ) الحديث ، خرجه مسلم ، فدل على أن الإيمان ليس الإسلام ، فإن الإيمان باطن ، والإسلام ظاهر ، وهذا بين . وقد يطلق الإيمان بمعنى الإسلام ، والإسلام ويراد به الإيمان ، للزوم أحدهما الآخر وصدوره عنه ، كالإسلام الذي هو ثمرة الإيمان ودلالة على صحته ، فاعلمه . وبالله التوفيق .
2:132
وَ وَصّٰى بِهَاۤ اِبْرٰهٖمُ بَنِیْهِ وَ یَعْقُوْبُؕ-یٰبَنِیَّ اِنَّ اللّٰهَ اصْطَفٰى لَكُمُ الدِّیْنَ فَلَا تَمُوْتُنَّ اِلَّا وَ اَنْتُمْ مُّسْلِمُوْنَؕ(۱۳۲)
اور اسی دین کی وصیت کی ابراہیم ؑ نے اپنے بیٹوں کو اور یعقوب نے کہ اے میرے بیٹو! بیشک اللہ نے یہ دین تمہارے لئے چن لیا تو نہ مرنا مگر مسلمان -

قوله تعالى : ووصى بها إبراهيم بنيه ويعقوب يابني إن الله اصطفى لكم الدين فلا تموتن إلا وأنتم مسلمون قوله تعالى : ووصى بها إبراهيم أي بالملة ، وقيل : بالكلمة التي هي قوله : " أسلمت لرب العالمين " وهو أصوب ; لأنه أقرب مذكور ، أي قولوا أسلمنا . ووصى وأوصى لغتان لقريش وغيرهم بمعنى ، مثل كرمنا وأكرمنا ، وقرئ بهما . وفي مصحف عبد الله " ووصى " ، وفي مصحف عثمان " وأوصى " وهي قراءة أهل المدينة والشام . الباقون " ووصى " وفيه معنى التكثير . " وإبراهيم " رفع بفعله ، " ويعقوب " عطف عليه ، وقيل : هو مقطوع مستأنف ، والمعنى : وأوصى يعقوب وقال يا بني إن الله اصطفى لكم الدين ، فيكون إبراهيم قد وصى بنيه ، ثم وصى بعده يعقوب بنيه .وبنو إبراهيم : إسماعيل ، وأمه هاجر القبطية ، وهو أكبر ولده ، نقله إبراهيم إلى مكة وهو رضيع . وقيل : كان له سنتان ، وقيل : كان له أربع عشرة سنة ، والأول أصح ، على ما يأتي في سورة إبراهيم بيانه إن شاء الله تعالى ، وولد قبل أخيه إسحاق بأربع عشرة سنة ، ومات وله مائة وسبع وثلاثون سنة . وقيل : مائة وثلاثون . وكان سنه لما مات أبوه إبراهيم عليهما السلام تسعا وثمانين سنة ، وهو الذبيح في قول . وإسحاق أمه سارة ، وهو الذبيح في قول آخر ، وهو الأصح ، على ما يأتي بيانه في سورة " والصافات " إن شاء الله . ومن ولده الروم واليونان والأرمن ومن يجري مجراهم وبنو إسرائيل . وعاش إسحاق مائة وثمانين سنة ، ومات بالأرض المقدسة ودفن عند أبيه إبراهيم الخليل عليهما السلام . ثم لما توفيت سارة تزوج إبراهيم عليه السلام قنطورا بنت يقطن الكنعانية ، فولدت له مدين ، ومداين ، ونهشان ، وزمران ، ونشيق ، وشيوخ ، ثم توفي عليه السلام . وكان بين وفاته وبين مولد النبي صلى الله عليه وسلم نحو من ألفي سنة وستمائة سنة واليهود ينقصون من ذلك نحوا من أربعمائة سنة . وسيأتي ذكر أولاد يعقوب في سورة " يوسف " إن شاء الله تعالى . وقرأ عمرو بن فائد الأسواري وإسماعيل بن عبد الله المكي : ويعقوب بالنصب عطفا على بنيه ، فيكون يعقوب داخلا فيمن أوصى . قال القشيري : وقرئ يعقوب بالنصب عطفا على بنيه وهو بعيد ; لأن يعقوب لم يكن فيما بين أولاد إبراهيم لما وصاهم ، ولم ينقل أن يعقوب أدرك جده إبراهيم ، وإنما ولد بعد موت إبراهيم ، وأن يعقوب أوصى بنيه أيضا كما فعل إبراهيم . وسيأتي تسمية أولاد يعقوب إن شاء الله تعالى .قال الكلبي : لما دخل يعقوب إلى مصر رآهم يعبدون الأوثان والنيران والبقر ، فجمع ولده وخاف عليهم وقال : ما تعبدون من بعدي ؟ويقال : إنما سمي يعقوب لأنه كان هو والعيص توأمين ، فخرج من بطن أمه آخذا بعقب أخيه العيص . وفي ذلك نظر ; لأن هذا اشتقاق عربي ، ويعقوب اسم أعجمي ، وإن كان قد وافق العربية في التسمية به كذكر الحجل . عاش عليه السلام مائة وسبعا وأربعين سنة ومات بمصر ، وأوصى أن يحمل إلى الأرض المقدسة ، ويدفن عند أبيه إسحاق ، فحمله يوسف ودفنه عنده .قوله تعالى : يا بني معناه أن يا بني ، وكذلك هو في قراءة أبي وابن مسعود والضحاك . قال الفراء : ألغيت أن لأن التوصية كالقول ، وكل كلام يرجع إلى القول جاز فيه دخول أن وجاز فيه إلغاؤها . قال : وقول النحويين إنما أراد " أن " فألغيت ليس بشيء . النحاس : يا بني نداء مضاف ، وهذه ياء النفس لا يجوز هنا إلا فتحها ; لأنها لو سكنت لالتقى ساكنان ، ومثله بمصرخي . إن الله كسرت إن لأن أوصى وقال واحد . وقيل : على إضمار القول . اصطفى اختار . قال الراجز :يا بن ملوك ورثوا الأملاكا خلافة الله التي أعطاكا لك اصطفاها ولها اصطفاكالكم الدين أي الإسلام ، والألف واللام في " الدين " للعهد ; لأنهم قد كانوا عرفوه . فلا تموتن إلا وأنتم مسلمون إيجاز بليغ . والمعنى : الزموا الإسلام ودوموا عليه ولا تفارقوه حتى تموتوا . فأتى بلفظ موجز يتضمن المقصود ، ويتضمن وعظا وتذكيرا بالموت ، وذلك أن المرء يتحقق أنه يموت ولا يدري متى ، فإذا أمر بأمر لا يأتيه الموت إلا وهو عليه ، فقد توجه الخطاب من وقت الأمر دائبا لازما . لا نهي تموتن في موضع جزم بالنهي ، أكد بالنون الثقيلة ، وحذفت الواو لالتقاء الساكنين . إلا وأنتم مسلمون ابتداء وخبر في موضع الحال ، أي محسنون بربكم الظن ، وقيل مخلصون ، وقيل مفوضون ، وقيل مؤمنون .
2:133
اَمْ كُنْتُمْ شُهَدَآءَ اِذْ حَضَرَ یَعْقُوْبَ الْمَوْتُۙ-اِذْ قَالَ لِبَنِیْهِ مَا تَعْبُدُوْنَ مِنْۢ بَعْدِیْؕ-قَالُوْا نَعْبُدُ اِلٰهَكَ وَ اِلٰهَ اٰبَآىٕكَ اِبْرٰهٖمَ وَ اِسْمٰعِیْلَ وَ اِسْحٰقَ اِلٰهًا وَّاحِدًاۖ-ۚ وَّ نَحْنُ لَهٗ مُسْلِمُوْنَ(۱۳۳)
بلکہ تم میں کے خود موجود تھے (ف۲۴۱) جب یعقوب ؑ کو موت آئی جبکہ اس نے اپنے بیٹوں سے فرمایا میرے بعد کس کی پوجا کروگے بولے ہم پوجیں گے اسے جو خدا ہے آپ کا اور آپ کے آباء ابراہیم ؑ و اسمٰعیل ؑ (ف۲۴۲) و اسحاقؑ کا ایک خدا اور ہم اس کے حضور گردن رکھے ہیں،

قوله تعالى أم كنتم شهداء إذ حضر يعقوب الموت إذ قال لبنيه ما تعبدون من بعدي قالوا نعبد إلهك وإله آبائك إبراهيم وإسماعيل وإسحاق إلها واحدا ونحن له مسلمونقوله تعالى : أم كنتم شهداء ( شهداء ) خبر كان ، ولم يصرف لأن فيه ألف التأنيث ، ودخلت لتأنيث الجماعة كما تدخل الهاء . والخطاب لليهود والنصارى الذين ينسبون إلى إبراهيم ما لم يوص به بنيه ، وأنهم على اليهودية والنصرانية ، فرد الله عليهم قولهم وكذبهم ، وقال لهم على جهة التوبيخ : أشهدتم يعقوب وعلمتم بما أوصى فتدعون عن علم ، أي لم تشهدوا ، بل أنتم تفترون . وأم بمعنى بل ، أي بل أشهد أسلافكم يعقوب . والعامل في إذ الأولى معنى الشهادة ، وإذ الثانية بدل من الأولى . وشهداء جمع شاهد أي حاضر . ومعنى حضر يعقوب الموت أي مقدماته وأسبابه ، وإلا فلو حضر الموت لما أمكن أن يقول شيئا . وعبر عن المعبود ب ما ولم يقل من ; لأنه أراد أن يختبرهم ، ولو قال " من " لكان مقصوده أن ينظر من لهم الاهتداء منهم ، وإنما أراد تجربتهم فقال ما . وأيضا فالمعبودات المتعارفة من دون الله جمادات كالأوثان والنار والشمس والحجارة ، فاستفهم عما يعبدون من هذه . ومعنى من بعدي أي من بعد موتي . وحكي أن يعقوب حين خير كما تخير الأنبياء اختار الموت وقال : أمهلوني حتى أوصي بني وأهلي ، فجمعهم وقال لهم هذا ، فاهتدوا وقالوا : نعبد إلهك الآية . فأروه ثبوتهم على الدين ومعرفتهم بالله تعالى .قوله تعالى : قالوا نعبد إلهك وإله آبائك إبراهيم وإسماعيل وإسحاق إبراهيم وإسماعيل وإسحاق في موضع خفض على البدل ، ولم تنصرف لأنها أعجمية . قال الكسائي : وإن شئت صرفت إسحاق وجعلته من السحق ، وصرفت يعقوب وجعلته من الطير . وسمى الله كل واحد من العم والجد أبا ، وبدأ بذكر الجد ثم إسماعيل العم لأنه أكبر من إسحاق . وإلها بدل من إلهك بدل النكرة من المعرفة ، وكرره لفائدة الصفة بالوحدانية . وقيل : إلها حال . قال ابن عطية : وهو قول حسن ; لأن الغرض إثبات حال الوحدانية . وقرأ الحسن ويحيى بن يعمر والجحدري وأبو رجاء العطاردي " وإله أبيك " وفيه وجهان : أحدهما : أن يكون أفرد وأراد إبراهيم وحده ، وكره أن يجعل إسماعيل أبا لأنه عم . قال النحاس : وهذا لا يجب ; لأن العرب تسمي العم أبا .الثاني : على مذهب سيبويه أن يكون " أبيك " جمع سلامة ، حكى سيبويه أب وأبون وأبين ، كما قال الشاعر :فقلنا أسلموا إنا أخوكموقال آخر :فلما تبين أصواتنا بكين وفديننا بالأبيناقوله تعالى : ونحن له مسلمون ابتداء وخبر ، ويحتمل أن يكون في موضع الحال والعامل نعبد .
2:134
تِلْكَ اُمَّةٌ قَدْ خَلَتْۚ-لَهَا مَا كَسَبَتْ وَ لَكُمْ مَّا كَسَبْتُمْۚ-وَ لَا تُسْــٴَـلُوْنَ عَمَّا كَانُوْا یَعْمَلُوْنَ(۱۳۴)
یہ (ف۲۴۳) ایک امت ہے کہ گزرچکی (ف۲۴۴) ان کے لیے ہے جو انہوں نے کمایا اور تمہارے لئے ہے جو تم کماؤ اور ان کے کاموں کی تم سے پرسش نہ ہوگی-

قوله تعالى : تلك أمة قد خلت لها ما كسبت ولكم ما كسبتم ولا تسألون عما كانوا يعملون قوله تعالى : تلك أمة قد خلت تلك مبتدأ ، وأمة خبر ، قد خلت نعت لأمة ، وإن شئت كانت خبر المبتدأ ، وتكون أمة بدلا من تلك . لها ما كسبت ما في موضع رفع بالابتداء أو بالصفة على قول الكوفيين . ولكم ما كسبتم مثله ، يريد من خير وشر . وفي هذا دليل على أن العبد يضاف إليه أعمال وأكساب ، وإن كان الله تعالى أقدره على ذلك ، إن كان خيرا فبفضله وإن كان شرا فبعدله ، وهذا مذهب أهل السنة ، والآي في القرآن بهذا المعنى كثيرة . فالعبد مكتسب لأفعاله ، على معنى أنه خلقت له قدرة مقارنة للفعل ، يدرك بها الفرق بين حركة الاختيار وحركة الرعشة مثلا ، وذلك التمكن هو مناط التكليف . وقال الجبرية بنفي اكتساب العبد ، وإنه كالنبات الذي تصرفه الرياح . وقالت القدرية والمعتزلة خلاف هذين القولين ، وإن العبد يخلق أفعاله .قوله تعالى : ولا تسألون عما كانوا يعملون أي لا يؤاخذ أحد بذنب أحد ، مثل قوله تعالى : ولا تزر وازرة وزر أخرى أي لا تحمل حاملة ثقل أخرى ، وسيأتي .
2:135
وَ قَالُوْا كُوْنُوْا هُوْدًا اَوْ نَصٰرٰى تَهْتَدُوْاؕ-قُلْ بَلْ مِلَّةَ اِبْرٰهٖمَ حَنِیْفًاؕ-وَ مَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِیْنَ(۱۳۵)
اور کتابی بولے (ف۲۴۵) یہودی یا نصرانی ہوجاؤ راہ پاؤگے تم فرماؤ بلکہ ہم تو ابراہیم ؑ کا دین لیتے ہیں جو ہر باطل سے جدا تھے اور مشرکوں سے نہ تھے -(ف۲۴۶)

قوله تعالى : وقالوا كونوا هودا أو نصارى تهتدوا قل بل ملة إبراهيم حنيفا وما كان من المشركينقوله تعالى : وقالوا كونوا هودا أو نصارى تهتدوا دعت كل فرقة إلى ما هي عليه ، فرد الله تعالى ذلك عليهم فقال : بل ملة أي قل يا محمد : بل نتبع ملة ، فلهذا نصب الملة . وقيل : المعنى بل نهتدي بملة إبراهيم ، فلما حذف حرف الجر صار منصوبا . وقرأ الأعرج وابن أبي عبلة : بل ملة بالرفع ، والتقدير بل الهدى ملة ، أو ملتنا دين إبراهيم . وحنيفا مائلا عن الأديان المكروهة إلى الحق دين إبراهيم ، وهو في موضع نصب على الحال ، قاله الزجاج . أي بل نتبع ملة إبراهيم في هذه الحالة . وقال علي بن سليمان : هو منصوب على أعني ، والحال خطأ ، لا يجوز جاءني غلام هند مسرعة . وسمي إبراهيم حنيفا لأنه حنف إلى دين الله وهو الإسلام . والحنف : الميل ، ومنه رجل حنفاء ، ورجل أحنف ، وهو الذي تميل قدماه كل واحدة منهما إلى أختها بأصابعها . قالت أم الأحنف :والله لولا حنف برجله ما كان في فتيانكم من مثلهوقال الشاعر :إذا حول الظل العشي رأيته حنيفا وفي قرن الضحى يتنصرأي الحرباء تستقبل القبلة بالعشي ، والمشرق بالغداة ، وهو قبلة النصارى . وقال قوم : الحنف الاستقامة ، فسمي دين إبراهيم حنيفا لاستقامته . وسمي المعوج الرجلين أحنف تفاؤلا بالاستقامة ، كما قيل للديغ سليم ، وللمهلكة مفازة ، في قول أكثرهم .
2:136
قُوْلُوْۤا اٰمَنَّا بِاللّٰهِ وَ مَاۤ اُنْزِلَ اِلَیْنَا وَ مَاۤ اُنْزِلَ اِلٰۤى اِبْرٰهٖمَ وَ اِسْمٰعِیْلَ وَ اِسْحٰقَ وَ یَعْقُوْبَ وَ الْاَسْبَاطِ وَ مَاۤ اُوْتِیَ مُوْسٰى وَ عِیْسٰى وَ مَاۤ اُوْتِیَ النَّبِیُّوْنَ مِنْ رَّبِّهِمْۚ-لَا نُفَرِّقُ بَیْنَ اَحَدٍ مِّنْهُمْ٘-وَ نَحْنُ لَهٗ مُسْلِمُوْنَ(۱۳۶)
یوں کہو کہ ہم ایمان لائے اللہ پر اس پر جو ہماری طرف اترا اور جو اتارا گیا ابراہیم ؑ و اسمٰعیل ؑ و اسحاقؑ و یعقوبؑ اور ان کی اولاد پر اور جو عطا کئے گئے موسیٰ ؑ و عیسیٰ ؑ اور جو عطا کئے گئے باقی انبیاء اپنے رب کے پاس سے ہم ان پر ایمان میں فرق نہیں کرتے اور ہم اللہ کے حضور گردن رکھے ہیں-

قوله تعالى : قولوا آمنا بالله وما أنزل إلينا وما أنزل إلى إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط وما أوتي موسى وعيسى وما أوتي النبيون من ربهم لا نفرق بين أحد منهم ونحن له مسلمونقوله تعالى : قولوا آمنا بالله خرج البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : كان أهل الكتاب يقرءون التوراة بالعبرانية ويفسرونها بالعربية لأهل الإسلام ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( لا تصدقوا أهل الكتاب ولا تكذبوهم وقولوا آمنا بالله وما أنزل ) الآية . وقال محمد بن سيرين : إذا قيل لك أنت مؤمن ؟ فقل : آمنا بالله وما أنزل إلينا وما أنزل إلى إبراهيم وإسماعيل وإسحاق الآية . وكره أكثر السلف أن يقول الرجل : أنا مؤمن حقا ، وسيأتي بيانه في " الأنفال " إن شاء الله تعالى . وسئل بعض المتقدمين عن رجل قيل له : أتؤمن بفلان النبي ، فسماه باسم لم يعرفه ، فلو قال نعم ، فلعله لم يكن نبيا ، فقد شهد بالنبوة لغير نبي ، ولو قال لا ، فلعله نبي ، فقد جحد نبيا من الأنبياء ، فكيف يصنع ؟ فقال : ينبغي أن يقول : إن كان نبيا فقد آمنت به . والخطاب في هذه الآية لهذه الأمة ، علمهم الإيمان . قال ابن عباس : جاء نفر من اليهود إلى النبي صلى الله عليه وسلم فسألوه عمن يؤمن به من الأنبياء ، فنزلت الآية . فلما جاء ذكر عيسى قالوا : لا نؤمن بعيسى ولا من آمن به .قوله تعالى : وما أنزل إلينا وما أنزل إلى إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط جمع إبراهيم براهيم وإسماعيل سماعيل ، قاله الخليل وسيبويه ، وقاله الكوفيون ، وحكوا براهمة وسماعلة ، وحكوا براهم وسماعل . قال محمد بن يزيد : هذا غلط ; لأن الهمزة ليس هذا موضع زيادتها ، ولكن أقول : أباره وأسامع ، ويجوز أباريه وأساميع . وأجاز أحمد بن يحيى براه ، كما يقال في التصغير بريه . وجمع إسحاق أساحيق ، وحكى الكوفيون أساحقة وأساحق ، وكذا يعقوب ويعاقيب ، ويعاقبة ويعاقب . قال النحاس : فأما إسرائيل فلا نعلم أحدا يجيز حذف الهمزة من أوله ، وإنما يقال أساريل ، وحكى الكوفيون أسارلة وأسارل . والباب في هذا كله أن يجمع مسلما فيقال : إبراهيمون وإسحاقون ويعقوبون ، والمسلم لا عمل فيه .والأسباط : ولد يعقوب عليه السلام ، وهم اثنا عشر ولدا ، ولد لكل واحد منهم أمة من الناس ، واحدهم سبط . والسبط في بني إسرائيل بمنزلة القبيلة في ولد إسماعيل . وسموا الأسباط من السبط وهو التتابع ، فهم جماعة متتابعون . وقيل : أصله من السبط ( بالتحريك ) وهو الشجر ، أي هم في الكثرة بمنزلة الشجر ، الواحدة سبطة . قال أبو إسحاق الزجاج : ويبين لك هذا ما حدثنا به محمد بن جعفر الأنباري قال حدثنا أبو نجيد الدقاق قال حدثنا الأسود بن عامر قال حدثنا إسرائيل عن سماك عن عكرمة عن ابن عباس قال : كل الأنبياء من بني إسرائيل إلا عشرة : نوحا وشعيبا وهودا وصالحا ولوطا وإبراهيم وإسحاق ويعقوب وإسماعيل ومحمدا صلى الله عليه وسلم . ولم يكن أحد له اسمان إلا عيسى ويعقوب . والسبط : الجماعة والقبيلة الراجعون إلى أصل واحد . وشعر سبط وسبط : غير جعد . لا نفرق بين أحد منهم ونحن له مسلمون قال الفراء : أي لا نؤمن ببعضهم ونكفر ببعضهم كما فعلت اليهود والنصارى .
2:137
فَاِنْ اٰمَنُوْا بِمِثْلِ مَاۤ اٰمَنْتُمْ بِهٖ فَقَدِ اهْتَدَوْاۚ-وَ اِنْ تَوَلَّوْا فَاِنَّمَا هُمْ فِیْ شِقَاقٍۚ-فَسَیَكْفِیْكَهُمُ اللّٰهُۚ-وَ هُوَ السَّمِیْعُ الْعَلِیْمُؕ(۱۳۷)
پھر اگر وہ بھی یونہی ایمان لائے جیسا تم لائے جب تو وہ ہدایت پاگئے اور اگر منہ پھیریں تو وہ نری ضد میں ہیں (ف۲۴۷) تو اے محبوب! عنقریب اللہ ان کی طرف سے تمہیں کفایت کرے گا اور وہی ہے سنتا جانتا -(ف۲۴۸)

قوله تعالى : فإن آمنوا بمثل ما آمنتم به فقد اهتدوا وإن تولوا فإنما هم في شقاق فسيكفيكهم الله وهو السميع العليم قوله تعالى : فإن آمنوا بمثل ما آمنتم به فقد اهتدوا الخطاب لمحمد صلى الله عليه وسلم وأمته . المعنى : فإن آمنوا مثل إيمانكم ، وصدقوا مثل تصديقكم فقد اهتدوا ، فالمماثلة وقعت بين الإيمانين ، وقيل : إن الباء زائدة مؤكدة . وكان ابن عباس يقرأ فيما حكى الطبري : فإن آمنوا بالذي آمنتم به فقد اهتدوا وهذا هو معنى القراءة وإن خالف المصحف ، ف مثل زائدة كما هي في قوله : ليس كمثله شيء أي ليس كهو شيء . وقال الشاعر [ هو حميد الأرقط ] :فصيروا مثل كعصف مأكولوروى بقية حدثنا شعبة عن أبي حمزة عن ابن عباس قال : لا تقولوا فإن آمنوا بمثل ما آمنتم به فإن الله ليس له مثل ، ولكن قولوا : بالذي آمنتم به . تابعه علي بن نصر الجهضمي عن شعبة ، ذكره البيهقي . والمعنى : أي فإن آمنوا بنبيكم وبعامة الأنبياء ولم يفرقوا بينهم كما لم تفرقوا فقد اهتدوا ، وإن أبوا إلا التفريق فهم الناكبون عن الدين إلى الشقاق فسيكفيكهم الله . وحكي عن جماعة من أهل النظر قالوا : ويحتمل أن تكون الكاف في قوله : ليس كمثله شيء زائدة . قال : والذي روي عن ابن عباس من نهيه عن القراءة العامة شيء ذهب إليه للمبالغة في نفي التشبيه عن الله عز وجل . وقال ابن عطية : هذا من ابن عباس على جهة التفسير ، أي هكذا فليتأول . وقد قيل : إن الباء بمعنى على ، والمعنى : فإن آمنوا على مثل إيمانكم . وقيل : مثل على بابها أي بمثل المنزل ، دليله قوله : وقل آمنت بما أنزل الله من كتاب ، وقوله : وقولوا آمنا بالذي أنزل إلينا وأنزل إليكم .قوله تعالى : وإن تولوا أي عن الإيمان فإنما هم في شقاق قال زيد بن أسلم : الشقاق المنازعة . وقيل : الشقاق المجادلة والمخالفة والتعادي . وأصله من الشق وهو الجانب ، فكأن كل واحد من الفريقين في شق غير شق صاحبه . قال الشاعر :إلى كم تقتل العلماء قسرا وتفجر بالشقاق وبالنفاقوقال آخر :وإلا فاعلموا أنا وأنتم بغاة ما بقينا في شقاقوقيل : إن الشقاق مأخوذ من فعل ما يشق ويصعب ، فكأن كل واحد من الفريقين يحرص على ما يشق على صاحبه .قوله تعالى : فسيكفيكهم الله أي فسيكفي الله رسوله عدوه . فكان هذا وعدا من الله تعالى لنبيه عليه السلام أنه سيكفيه من عانده ومن خالفه من المتولين بمن يهديه من المؤمنين ، فأنجز له الوعد ، وكان ذلك في قتل بني قينقاع وبني قريظة وإجلاء بني النضير . والكاف والهاء والميم في موضع نصب مفعولان . ويجوز في غير القرآن : فسيكفيك إياهم . وهذا الحرف فسيكفيكهم الله هو الذي وقع عليه دم عثمان حين قتل بإخبار النبي صلى الله عليه وسلم إياه بذلك . والسميع لقول كل قائل العليم بما ينفذه في عباده ويجريه عليهم . وحكي أن أبا دلامة دخل على المنصور وعليه قلنسوة طويلة ، ودراعة مكتوب بين كتفيها فسيكفيكهم الله وهو السميع العليم ، وسيف معلق في وسطه ، وكان المنصور قد أمر الجند بهذا الزي ، فقال له : كيف حالك يا أبا دلامة ؟ قال : بشر يا أمير المؤمنين قال : وكيف ذاك ؟ قال : ما ظنك برجل وجهه في وسطه ، وسيفه في استه ، وقد نبذ كتاب الله وراء ظهره فضحك المنصور منه ، وأمر بتغيير ذلك الزي من وقته .
2:138
صِبْغَةَ اللّٰهِۚ-وَ مَنْ اَحْسَنُ مِنَ اللّٰهِ صِبْغَةً٘-وَّ نَحْنُ لَهٗ عٰبِدُوْنَ(۱۳۸)
ہم نے اللہ کی رینی (رنگائی) لی (ف۲۴۹) اور اللہ سے بہتر کس کی رینی؟ (رنگائی) اور ہم اسی کو پوجتے ہیں،

قوله تعالى : صبغة الله ومن أحسن من الله صبغة ونحن له عابدون فيه مسالتان : الأولى : قوله تعالى : صبغة الله قال الأخفش وغيره : دين الله ، وهو بدل من ( ملة ) وقال الكسائي : وهي منصوبة على تقدير اتبعوا . أو على الإغراء أي الزموا . ولو قرئت بالرفع لجاز ، أي هي صبغة الله . وروىشيبان عن قتادة قال : إن اليهود تصبغ أبناءهم يهودا ، وإن النصارى تصبغ أبناءهم نصارى ، وإن صبغة الله الإسلام . قال الزجاج : ويدلك على هذا أن صبغة بدل من ملة . وقال مجاهد : أي فطرة الله التي فطر الناس عليها . قال أبو إسحاق الزجاج : وقول مجاهد هذا يرجع إلى الإسلام ; لأن الفطرة ابتداء الخلق ، وابتداء ما خلقوا عليه الإسلام . وروي عن مجاهد والحسن وأبي العالية وقتادة : الصبغة الدين . وأصل ذلك أن النصارى كانوا يصبغون أولادهم في الماء ، وهو الذي يسمونه المعمودية ، ويقولون : هذا تطهير لهم . وقال ابن عباس : هو أن النصارى كانوا إذا ولد لهم ولد فأتى عليه سبعة أيام غمسوه في ماء لهم يقال له ماء المعمودية ، فصبغوه بذلك ليطهروا به مكان الختان ; لأن الختان تطهير ، فإذا فعلوا ذلك قالوا : الآن صار نصرانيا حقا ، فرد الله تعالى ذلك عليهم بأن قال : صبغة الله أي صبغة الله أحسن صبغة وهي الإسلام ، فسمي الدين صبغة استعارة ومجازا من حيث تظهر أعماله وسمته على المتدين ، كما يظهر أثر الصبغ في الثوب . وقال بعض شعراء ملوك همدان :وكل أناس لهم صبغة وصبغة همدان خير الصبغ صبغنا على ذاك أبناءنافأكرم بصبغتنا في الصبغوقيل : إن الصبغة الاغتسال لمن أراد الدخول في الإسلام ، بدلا من معمودية النصارى ، ذكره الماوردي .قلت : وعلى هذا التأويل يكون غسل الكافر واجبا تعبدا ; وهي المسألة :الثانية لأن معنى صبغة الله غسل الله ، أي اغتسلوا عند إسلامكم الغسل الذي أوجبه الله عليكم . وبهذا المعنى جاءت السنة الثابتة في قيس بن عاصم وثمامة بن أثال حين أسلما . روى أبو حاتم البستي في صحيح مسنده عن أبي هريرة رضي الله عنه : أن ثمامة الحنفي أسر فمر به النبي صلى الله عليه وسلم يوما فأسلم ، فبعث به إلى حائط أبي طلحة فأمره أن يغتسل فاغتسل وصلى ركعتين ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : حسن إسلام صاحبكم . وخرج أيضا عن قيس بن عاصم أنه أسلم ، فأمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يغتسل بماء وسدر . ذكره النسائي وصححه أبو محمد عبد الحق . وقيل : إن القربة إلى الله تعالى يقال لها صبغة ، حكاه ابن فارس في المجمل . وقال الجوهري : صبغة الله دينه . وقيل : إن الصبغة الختان ، اختتن إبراهيم فجرت الصبغة على الختان لصبغهم الغلمان في الماء ، قاله الفراء . ونحن له عابدون ابتداء وخبر .
2:139
قُلْ اَتُحَآجُّوْنَنَا فِی اللّٰهِ وَ هُوَ رَبُّنَا وَ رَبُّكُمْۚ-وَ لَنَاۤ اَعْمَالُنَا وَ لَكُمْ اَعْمَالُكُمْۚ-وَ نَحْنُ لَهٗ مُخْلِصُوْنَۙ(۱۳۹)
تم فرماؤ اللہ کے بارے میں جھگڑتے ہو (ف۲۵۰) حالانکہ وہ ہمارا بھی مالک ہے اور تمہارا بھی (ف۲۵۱) اور ہماری کرنی (ہمارے اعمال) ہمارے ساتھ اور تمہاری کرنی (تمہارے اعمال) تمہارے ساتھ اور ہم نِرے اسی کے ہیں- (ف۲۵۲)

قوله تعالى : قل أتحاجوننا في الله وهو ربنا وربكم ولنا أعمالنا ولكم أعمالكم ونحن له مخلصونقال الحسن : كانت المحاجة أن قالوا : نحن أولى بالله منكم ; لأنا أبناء الله وأحباؤه . وقيل : لتقدم آبائنا وكتبنا ; ولأنا لم نعبد الأوثان . فمعنى الآية : قل لهم يا محمد ، أي قل لهؤلاء اليهود والنصارى الذين زعموا أنهم أبناء الله وأحباؤه وادعوا أنهم أولى بالله منكم لقدم آبائهم وكتبهم : أتحاجوننا أي أتجاذبوننا الحجة على دعواكم والرب واحد ، وكل مجازى بعمله ، فأي تأثير لقدم الدين . ومعنى في الله أي في دينه والقرب منه والحظوة له . وقراءة الجماعة : أتحاجوننا . وجاز اجتماع حرفين مثلين من جنس واحد متحركين ; لأن الثاني كالمنفصل . وقرأ ابن محيصن " أتحاجونا " بالإدغام لاجتماع المثلين . قال النحاس : وهذا جائز إلا أنه مخالف للسواد . ويجوز " أتحاجون " بحذف النون الثانية ، كما قرأ نافع فبم تبشرونقوله تعالى : ونحن له مخلصون أي مخلصون العبادة ، وفيه معنى التوبيخ ، أي ولم تخلصوا أنتم فكيف تدعون ما نحن أولى به منكم ، والإخلاص حقيقته تصفية الفعل عن ملاحظة المخلوقين ، قال صلى الله عليه وسلم : إن الله تعالى يقول أنا خير شريك فمن أشرك معي شريكا فهو لشريكي يا أيها الناس أخلصوا أعمالكم لله تعالى فإن الله تعالى لا يقبل إلا ما خلص له ولا تقولوا هذا لله وللرحم فإنها للرحم وليس لله منها شيء ولا تقولوا هذا لله ولوجوهكم فإنها لوجوهكم وليس لله تعالى منها شيء . رواه الضحاك بن قيس الفهري قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم . فذكره ، خرجه الدارقطني . وقال رويم : الإخلاص من العمل هو ألا يريد صاحبه عليه عوضا في الدارين ولا حظا من الملكين . وقال الجنيد : الإخلاص سر بين العبد وبين الله ، لا يعلمه ملك فيكتبه ، ولا شيطان فيفسده ، ولا هوى فيميله . وذكر أبو القاسم القشيري وغيره عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : سألت جبريل عن الإخلاص ما هو فقال : سألت رب العزة عن الإخلاص ما هو قال سر من سري استودعته قلب من أحببته من عبادي .
2:140
اَمْ تَقُوْلُوْنَ اِنَّ اِبْرٰهٖمَ وَ اِسْمٰعِیْلَ وَ اِسْحٰقَ وَ یَعْقُوْبَ وَ الْاَسْبَاطَ كَانُوْا هُوْدًا اَوْ نَصٰرٰىؕ-قُلْ ءَاَنْتُمْ اَعْلَمُ اَمِ اللّٰهُؕ-وَ مَنْ اَظْلَمُ مِمَّنْ كَتَمَ شَهَادَةً عِنْدَهٗ مِنَ اللّٰهِؕ-وَ مَا اللّٰهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُوْنَ(۱۴۰)
بلکہ تم یوں کہتے ہو کہ ابراہیم ؑ و اسمٰعیل ؑ و اسحاقؑ و یعقوب ؑ اور ان کے بیٹے یہودی یا نصرانی تھے، تم فرماؤ کیا تمہیں علم زیادہ ہے یا اللہ کو (ف۲۵۳) اور اس سے بڑھ کر ظالم کون جس کے پاس اللہ کی طرف کی گواہی ہو اور وہ اسے چھپائے (ف ۲۵۴) اور خدا تمہارے کوتکوں (برے اعمال) سے بے خبر نہیں-

قوله تعالى : أم تقولون إن إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط كانوا هودا أو نصارى قل أأنتم أعلم أم الله ومن أظلم ممن كتم شهادة عنده من الله وما الله بغافل عما تعملونقوله تعالى : أم تقولون بمعنى قالوا . وقرأ حمزة والكسائي وعاصم في رواية حفص تقولون بالتاء وهي قراءة حسنة ; لأن الكلام متسق ، كأن المعنى : أتحاجوننا في الله أم تقولون إن الأنبياء كانوا على دينكم ، فهي أم المتصلة ، وهي على قراءة من قرأ بالياء منقطعة ، فيكون كلامين وتكون أم بمعنى بل . هودا خبر كان ، وخبر إن في الجملة . ويجوز في غير القرآن رفع ( هودا ) على خبر إن وتكون كان ملغاة ، ذكره النحاس .قوله تعالى : قل أأنتم أعلم أم الله تقرير وتوبيخ في ادعائهم بأنهم كانوا هودا أو نصارى . فرد الله عليهم بأنه أعلم بهم منكم ، أي لم يكونوا هودا ولا نصارى .قوله تعالى : ومن أظلم لفظه الاستفهام ، والمعنى : لا أحد أظلم . ممن كتم شهادة عنده من الله يريد علمهم بأن الأنبياء كانوا على الإسلام . وقيل : ما كتموه من صفة محمد صلى الله عليه وسلم ، قاله قتادة ، والأول أشبه بسياق الآية . وما الله بغافل عما تعملون وعيد وإعلام بأنه لم يترك أمرهم سدى وأنه يجازيهم على أعمالهم . والغافل : الذي لا يفطن للأمور إهمالا منه ، مأخوذ من الأرض الغفل وهي التي لا علم بها ولا أثر عمارة . وناقة غفل : لا سمة بها . ورجل غفل : لم يجرب الأمور . وقال الكسائي : أرض غفل لم تمطر . غفلت عن الشيء غفلة وغفولا ، وأغفلت الشيء : تركته على ذكر منك .
2:141
تِلْكَ اُمَّةٌ قَدْ خَلَتْۚ-لَهَا مَا كَسَبَتْ وَ لَكُمْ مَّا كَسَبْتُمْۚ-وَ لَا تُسْــٴَـلُوْنَ عَمَّا كَانُوْا یَعْمَلُوْنَ۠(۱۴۱)
وہ ایک گروہ ہے کہ گزر گیا ان کے لئے ان کی کمائی اور تمہارے لئے تمہاری کمائی اور ان کے کاموں کی تم سے پرسش نہ ہوگی۔

قوله تعالى : تلك أمة قد خلت لها ما كسبت ولكم ما كسبتم ولا تسألون عما كانوا يعملونكررها لأنها تضمنت معنى التهديد والتخويف ، أي إذا كان أولئك الأنبياء على إمامتهم وفضلهم يجازون بكسبهم فأنتم أحرى ، فوجب التأكيد ، فلذلك كررها .
2:142
سَیَقُوْلُ السُّفَهَآءُ مِنَ النَّاسِ مَا وَلّٰىهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ الَّتِیْ كَانُوْا عَلَیْهَاؕ-قُلْ لِّلّٰهِ الْمَشْرِقُ وَ الْمَغْرِبُؕ-یَهْدِیْ مَنْ یَّشَآءُ اِلٰى صِرَاطٍ مُّسْتَقِیْمٍ(۱۴۲)
اب کہیں گے (ف ۲۵۵) بیوقوف لوگ، کس نے پھیردیامسلمانوں کو، ان کے اس قبلہ سے، جس پر تھے (ف۲۵۶) تم فرمادو کہ پورب پچھم (مشرق مغرب) سب اللہ ہی کا ہے (ف۲۵۷) جسے چاہے سیدھی راہ چلاتا ہے۔

قوله تعالى : سيقول السفهاء من الناس ما ولاهم عن قبلتهم التي كانوا عليها قل لله المشرق والمغرب يهدي من يشاء إلى صراط مستقيمفيه إحدى عشرة مسألة الأولى : قوله تعالى : سيقول السفهاء من الناس أعلم الله تعالى أنهم سيقولون في تحويل المؤمنين من الشام إلى الكعبة ما ولاهم . وسيقول بمعنى قال ، جعل المستقبل موضع الماضي ، دلالة على استدامة ذلك وأنهم يستمرون على ذلك القول . وخص بقوله : من الناس لأن السفه يكون في جمادات وحيوانات . والمراد من السفهاء جميع من قال : ما ولاهم . والسفهاء جمع ، واحده سفيه ، وهو الخفيف العقل ، من قولهم : ثوب سفيه إذا كان خفيف النسج ، وقد تقدم . والنساء سفائه . وقال المؤرج : السفيه البهات الكذاب المتعمد خلاف ما يعلم . قطرب : الظلوم الجهول ، والمراد بالسفهاء هنا اليهود الذين بالمدينة ، قاله مجاهد . السدي : المنافقون . الزجاج : كفار قريش لما أنكروا تحويل القبلة قالوا : قد اشتاق محمد إلى مولده وعن قريب يرجع إلى دينكم ، وقالت اليهود : قد التبس عليه أمره وتحير . وقال المنافقون : ما ولاهم عن قبلتهم ، واستهزءوا بالمسلمين . وولاهم يعني عدلهم وصرفهم .الثانية : روى الأئمة واللفظ لمالك عن ابن عمر قال : بينما الناس بقباء في صلاة الصبح إذ جاءهم آت فقال : رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أنزل عليه الليلة قرآن ، وقد أمر أن يستقبل الكعبة فاستقبلوها ، وكانت وجوههم إلى الشام فاستداروا إلى الكعبة . وخرج البخاري عن البراء أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى إلى بيت المقدس ستة عشر شهرا أو سبعة عشر شهرا ، وكان يعجبه أن تكون قبلته قبل البيت ، وإنه صلى أول صلاة صلاها العصر وصلى معه قوم ، فخرج رجل ممن كان صلى مع النبي صلى الله عليه وسلم فمر على أهل المسجد وهم راكعون فقال : أشهد بالله ، لقد صليت مع النبي صلى الله عليه وسلم قبل مكة ، فداروا كما هم قبل البيت . وكان الذي مات على القبلة قبل أن تحول قبل البيت رجال قتلوا لم ندر ما نقول فيهم ، فأنزل الله عز وجل : وما كان الله ليضيع إيمانكم ، ففي هذه الرواية صلاة العصر ، وفي رواية مالك صلاة الصبح . وقيل : نزل ذلك على النبي صلى الله عليه وسلم في مسجد بني سلمة وهو في صلاة الظهر بعد ركعتين منها فتحول في الصلاة ، فسمي ذلك المسجد مسجد القبلتين . وذكر أبو الفرج أن عباد بن نهيك كان مع النبي صلى الله عليه وسلم في هذه الصلاة . وذكر أبو عمر في التمهيد عن نويلة بنت أسلم وكانت من المبايعات ، قالت : كنا في صلاة الظهر فأقبل عباد بن بشر بن قيظي فقال : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد استقبل القبلة - أو قال : البيت الحرام - فتحول الرجال مكان النساء ، وتحول النساء مكان الرجال . وقيل : إن الآية نزلت في غير صلاة ، وهو الأكثر . وكان أول صلاة إلى الكعبة العصر ، والله أعلم .وروي أن أول من صلى إلى الكعبة حين صرفت القبلة عن بيت المقدس أبو سعيد بن المعلى وذلك أنه كان مجتازا على المسجد فسمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب الناس بتحويل القبلة على المنبر وهو يقرأ هذه الآية : قد نرى تقلب وجهك في السماء حتى فرغ من الآية ، فقلت لصاحبي : تعال نركع ركعتين قبل أن ينزل رسول الله صلى الله عليه وسلم فنكون أول من صلى فتوارينا نعما فصليناهما ، ثم نزل رسول الله صلى الله عليه وسلم فصلى بالناس الظهر يومئذ . قال أبو عمر : ليس لأبي سعيد بن المعلى غير هذا الحديث ، وحديث : " كنت أصلي " في فضل الفاتحة ، خرجه البخاري ، وقد تقدم .الثالثة : واختلف في وقت تحويل القبلة بعد قدومه المدينة ، فقيل : حولت بعد ستة عشر شهرا أو سبعة عشر شهرا ، كما في البخاري . وخرجه الدارقطني عن البراء أيضا . قال : صلينا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد قدومه المدينة ستة عشر شهرا نحو بيت المقدس ، ثم علم الله هوى نبيه فنزلت : قد نرى تقلب وجهك في السماء الآية . ففي هذه الرواية ستة عشر شهرا من غير شك . وروى مالك عن يحيى بن سعيد عن سعيد بن المسيب أن تحويلها كان قبل غزوة بدر بشهرين . قال إبراهيم بن إسحاق : وذلك في رجب من سنة اثنتين . وقال أبو حاتم البستي : صلى المسلمون إلى بيت المقدس سبعة عشر شهرا وثلاثة أيام سواء ، وذلك أن قدومه المدينة كان يوم الاثنين لاثنتي عشرة ليلة خلت من شهر ربيع الأول ، وأمره الله عز وجل باستقبال الكعبة يوم الثلاثاء للنصف من شعبان .الرابعة : واختلف العلماء أيضا في كيفية استقباله بيت المقدس على ثلاثة أقوال ، فقال الحسن : كان ذلك منه عن رأي واجتهاد ، وقاله عكرمة وأبو العالية . الثاني : أنه كان مخيرا بينه وبين الكعبة ، فاختار القدس طمعا في إيمان اليهود واستمالتهم ، قاله الطبري ، وقال الزجاج : امتحانا للمشركين لأنهم ألفوا الكعبة . الثالث : وهو الذي عليه الجمهور : ابن عباس وغيره ، وجب عليه استقباله بأمر الله تعالى ووحيه لا محالة ، ثم نسخ الله ذلك وأمره الله أن يستقبل بصلاته الكعبة ، واستدلوا بقوله تعالى : وما جعلنا القبلة التي كنت عليها إلا لنعلم من يتبع الرسول ممن ينقلب على عقبيه الآية .الخامسة : واختلفوا أيضا حين فرضت عليه الصلاة أولا بمكة ، هل كانت إلى بيت المقدس أو إلى مكة ، على قولين ، فقالت طائفة : إلى بيت المقدس وبالمدينة سبعة عشر شهرا ، ثم صرفه الله تعالى إلى الكعبة ، قاله ابن عباس . وقال آخرون : أول ما افترضت الصلاة عليه إلى الكعبة ، ولم يزل يصلي إليها طول مقامه بمكة على ما كانت عليه صلاة إبراهيم وإسماعيل ، فلما قدم المدينة صلى إلى بيت المقدس ستة عشر شهرا أو سبعة عشر شهرا ، على الخلاف ، ثم صرفه الله إلى الكعبة . قال أبو عمر : وهذا أصح القولين عندي . قال غيره : وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم لما قدم المدينة أراد أن يستألف اليهود فتوجه [ إلى ] قبلتهم ليكون ذلك أدعى لهم ، فلما تبين عنادهم وأيس منهم أحب أن يحول إلى الكعبة فكان ينظر إلى السماء ، وكانت محبته إلى الكعبة لأنها قبلة إبراهيم ، عن ابن عباس . وقيل : لأنها كانت أدعى للعرب إلى الإسلام ، وقيل : مخالفة لليهود ، عن مجاهد . وروي عن أبي العالية الرياحي أنه قال : كانت مسجد صالح عليه السلام وقبلته إلى الكعبة ، قال : وكان موسى عليه السلام يصلي إلى الصخرة نحو الكعبة ، وهي قبلة الأنبياء كلهم ، صلوات الله عليهم أجمعين .السادسة : في هذه الآية دليل واضح على أن في أحكام الله تعالى وكتابه ناسخا ومنسوخا ، وأجمعت عليه الأمة إلا من شذ ، كما تقدم . وأجمع العلماء على أن القبلة أول ما نسخ من القرآن ، وأنها نسخت مرتين ، على أحد القولين المذكورين في المسألة قبل .السابعة : ودلت أيضا على جواز نسخ السنة بالقرآن ، وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى نحو بيت المقدس ، وليس في ذلك قرآن ، فلم يكن الحكم إلا من جهة السنة ثم نسخ ذلك بالقرآن ، وعلى هذا يكون : " كنت عليها " بمعنى أنت عليها .الثامنة : وفيها دليل على جواز القطع بخبر الواحد ، وذلك أن استقبال بيت المقدس كان مقطوعا به من الشريعة عندهم ، ثم إن أهل قباء لما أتاهم الآتي وأخبرهم أن القبلة قد حولت إلى المسجد الحرام قبلوا قوله واستداروا نحو الكعبة ، فتركوا المتواتر بخبر الواحد وهو مظنون .وقد اختلف العلماء في جوازه عقلا ووقوعه ، فقال أبو حاتم : والمختار جواز ذلك عقلا لو تعبد الشرع به ، ووقوعا في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم بدليل قصة قباء ، وبدليل أنه كان عليه السلام ينفذ آحاد الولاة إلى الأطراف وكانوا يبلغون الناسخ والمنسوخ جميعا . ولكن ذلك ممنوع بعد وفاته صلى الله عليه وسلم ، بدليل الإجماع من الصحابة على أن القرآن والمتواتر المعلوم لا يرفع بخبر الواحد ، فلا ذاهب إلى تجويزه من السلف والخلف . احتج من منع ذلك بأنه يفضي إلى المحال وهو رفع المقطوع بالمظنون . وأما قصة أهل قباء وولاة النبي صلى الله عليه وسلم فمحمول على قرائن إفادة العلم إما نقلا وتحقيقا ، وإما احتمالا وتقديرا . وتتميم هذا سؤالا وجوابا في أصول الفقه .التاسعة : وفيها دليل على أن من لم يبلغه الناسخ إنه متعبد بالحكم الأول ، . خلافا لمن قال : إن الحكم الأول يرتفع بوجود الناسخ لا بالعلم به ، والأول أصح ; لأن أهل قباء لم يزالوا يصلون إلى بيت المقدس إلى أن أتاهم الآتي فأخبرهم بالناسخ فمالوا نحو الكعبة . فالناسخ إذا حصل في الوجود فهو رافع لا محالة لكن بشرط العلم به ; لأن الناسخ خطاب ، ولا يكون خطابا في حق من لم يبلغه . وفائدة هذا الخلاف في عبادات فعلت بعد النسخ وقبل البلاغ هل تعاد أم لا ، وعليه تنبني مسألة الوكيل في تصرفه بعد عزل موكله أو موته وقبل علمه بذلك على قولين . وكذلك المقارض والحاكم إذا مات من ولاه أو عزل . والصحيح أن ما فعله كل واحد من هؤلاء ينفذ فعله ولا يرد حكمه . قال القاضي عياض : ولم يختلف المذهب في أحكام من أعتق ولم يعلم بعتقه أنها أحكام حر فيما بينه وبين الناس ، وأما بينه وبين الله تعالى فجائزة . ولم يختلفوا في المعتقة أنها لا تعيد ما صلت بعد عتقها وقبل علمها بغير ستر ، وإنما اختلفوا فيمن يطرأ عليه موجب يغير حكم عبادته وهو فيها ، قياسا على مسألة قباء ، فمن صلى على حال ثم تغيرت به حاله تلك قبل أن يتم صلاته إنه يتمها ولا يقطعها ويجزيه ما مضى . وكذلك كمن صلى عريانا ثم وجد ثوبا في الصلاة ، أو ابتدأ صلاته صحيحا فمرض ، أو مريضا فصح ، أو قاعدا ثم قدر على القيام ، أو أمة عتقت وهي في الصلاة إنها تأخذ قناعها وتبني .قلت : وكمن دخل في الصلاة بالتيمم فطرأ عليه الماء إنه لا يقطع ، كما يقوله مالك والشافعي - رحمهما الله - وغيرهما . وقيل : يقطع ، وهو قول أبي حنيفة رحمه الله تعالى وسيأتي .العاشرة : وفيها دليل على قبول خبر الواحد ، وهو مجمع عليه من السلف معلوم بالتواتر من عادة النبي صلى الله عليه وسلم في توجيهه ولاته ورسله آحادا للآفاق ، ليعلموا الناس دينهم فيبلغوهم سنة رسولهم صلى الله عليه وسلم من الأوامر والنواهي .الحادية عشرة : وفيها دليل على أن القرآن كان ينزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئا بعد شيء وفي حال بعد حال على حسب الحاجة إليه ، حتى أكمل الله دينه ، كما قال : اليوم أكملت لكم دينكم .قوله تعالى : قل لله المشرق والمغرب أقامه حجة ، أي له ملك المشارق والمغارب وما بينهما ، فله أن يأمر بالتوجه إلى أي جهة شاء ، وقد تقدم .قوله تعالى : يهدي من يشاء إشارة إلى هداية الله تعالى هذه الأمة إلى قبلة إبراهيم ، والله تعالى أعلم . والصراط الطريق . والمستقيم : الذي لا اعوجاج فيه ، وقد تقدم .
2:143
وَ كَذٰلِكَ جَعَلْنٰكُمْ اُمَّةً وَّسَطًا لِّتَكُوْنُوْا شُهَدَآءَ عَلَى النَّاسِ وَ یَكُوْنَ الرَّسُوْلُ عَلَیْكُمْ شَهِیْدًاؕ-وَ مَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِیْ كُنْتَ عَلَیْهَاۤ اِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ یَّتَّبِـعُ الرَّسُوْلَ مِمَّنْ یَّنْقَلِبُ عَلٰى عَقِبَیْهِؕ-وَ اِنْ كَانَتْ لَكَبِیْرَةً اِلَّا عَلَى الَّذِیْنَ هَدَى اللّٰهُؕ-وَ مَا كَانَ اللّٰهُ لِیُضِیْعَ اِیْمَانَكُمْؕ-اِنَّ اللّٰهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوْفٌ رَّحِیْمٌ(۱۴۳)
اور بات یوں ہی ہے کہ ہم نے تمہیں کیا سب امتوں میں افضل، کہ تم لوگوں پر گواہ ہو (ف۲۵۸) اور یہ رسول تمہارے نگہبان و گواہ (ف۲۵۹) اور اے محبوب!تم پہلے جس قبلہ پر تھے ہم نے وہ اسی لئے مقرر کیا تھا کہ دیکھیں کون رسول کی پیروی کرتا ہے اور کون الٹے پاؤں پھر جاتا ہے۔ (ف۲۶۰) اور بیشک یہ بھاری تھی مگر ان پر، جنہیں اللہ نے ہدایت کی اور اللہ کی شان نہیں کہ تمہارا ایمان اکارت کرے (ف۲۶۱) بیشک اللہ آدمیوں پر بہت مہربان، رحم والا ہے۔

قوله تعالى : وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا وما جعلنا القبلة التي كنت عليها إلا لنعلم من يتبع الرسول ممن ينقلب على عقبيه وإن كانت لكبيرة إلا على الذين هدى الله وما كان الله ليضيع إيمانكم إن الله بالناس لرءوف رحيمفيه أربع مسائل :الأولى : قوله تعالى : وكذلك جعلناكم أمة وسطا المعنى : وكما أن الكعبة وسط الأرض كذلك جعلناكم أمة وسطا ، أي جعلناكم دون الأنبياء وفوق الأمم . والوسط : العدل ، وأصل هذا أن أحمد الأشياء أوسطها . وروى الترمذي عن أبي سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله تعالى : وكذلك جعلناكم أمة وسطا قال : ( عدلا ) . قال : هذا حديث حسن صحيح . وفي التنزيل : قال أوسطهم أي أعدلهم وخيرهم . وقال زهير :هم وسط يرضى الأنام بحكمهم إذا نزلت إحدى الليالي بمعظمآخر :أنتم أوسط حي علموا بصغير الأمر أو إحدى الكبروقال آخر :لا تذهبن في الأمور فرطا لا تسألن إن سألت شططاوكن من الناس جميعا وسطاووسط الوادي : خير موضع فيه وأكثره كلأ وماء . ولما كان الوسط مجانبا للغلو والتقصير كان محمودا ، أي هذه الأمة لم تغل غلو النصارى في أنبيائهم ، ولا قصروا تقصير اليهود في أنبيائهم . وفي الحديث : خير الأمور أوسطها . وفيه عن علي رضي الله عنه : " عليكم بالنمط الأوسط ، فإليه ينزل العالي ، وإليه يرتفع النازل " . وفلان من أوسط قومه ، وإنه لواسطة قومه ، ووسط قومه ، أي من خيارهم وأهل الحسب منهم . وقد وسط وساطة وسطة ، وليس من الوسط الذي بين شيئين في شيء . والوسط ( بسكون السين ) الظرف ، تقول : صليت وسط القوم . وجلست وسط الدار ( بالتحريك ) لأنه اسم . قال الجوهري : وكل موضع صلح فيه " بين " فهو وسط ، وإن لم يصلح فيه " بين " فهو وسط بالتحريك ، وربما يسكن وليس بالوجه .الثانية : قوله تعالى : لتكونوا نصب بلام كي ، أي لأن تكونوا . شهداء على الناس خبر كان . على الناس أي في المحشر للأنبياء على أممهم ، كما ثبت في صحيح البخاري عن أبي سعيد الخدري قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : يدعى نوح عليه السلام يوم القيامة فيقول لبيك وسعديك يا رب فيقول هل بلغت فيقول نعم فيقال لأمته هل بلغكم فيقولون ما أتانا من نذير فيقول من يشهد لك فيقول محمد وأمته فيشهدون أنه قد بلغ ويكون الرسول عليكم شهيدا فذلك قوله عز وجل : وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا . وذكر هذا الحديث مطولا ابن المبارك بمعناه ، وفيه : فتقول تلك الأمم كيف يشهد علينا من لم يدركنا فيقول لهم الرب سبحانه كيف تشهدون على من لم تدركوا فيقولون ربنا بعثت إلينا رسولا وأنزلت إلينا عهدك وكتابك وقصصت علينا أنهم قد بلغوا فشهدنا بما عهدت إلينا فيقول الرب صدقوا فذلك قوله عز وجل وكذلك جعلناكم أمة وسطا - والوسط العدل - لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا . قال ابن أنعم : فبلغني أنه يشهد يومئذ أمة محمد عليه السلام ، إلا من كان في قلبه حنة على أخيه . وقالت طائفة : معنى الآية يشهد بعضكم على بعض بعد الموت ، كما ثبت في صحيح مسلم عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال حين مرت به جنازة فأثني عليها خير فقال : وجبت وجبت وجبت . ثم مر عليه بأخرى فأثني عليها شر فقال : وجبت وجبت وجبت . فقال عمر : فدى لك أبي وأمي ، مر بجنازة فأثني عليها خير فقلت : وجبت وجبت وجبت ، ومر بجنازة فأثني عليها شر فقلت : وجبت وجبت وجبت ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : من أثنيتم عليه خيرا وجبت له الجنة ومن أثنيتم عليه شرا وجبت له النار أنتم شهداء الله في الأرض أنتم شهداء الله في الأرض أنتم شهداء الله في الأرض . أخرجه البخاري بمعناه . وفي بعض طرقه في غير الصحيحين وتلا : لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا . وروى أبان وليث عن شهر بن حوشب عن عبادة بن الصامت قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : أعطيت أمتي ثلاثا لم تعط إلا الأنبياء ؛ كان الله إذا بعث نبيا قال له ادعني أستجب لك وقال لهذه الأمة ادعوني أستجب لكم وكان الله إذا بعث النبي قال له ما جعل عليك في الدين من حرج وقال لهذه الأمة وما جعل عليكم في الدين من حرج وكان الله إذا بعث النبي جعله شهيدا على قومه وجعل هذه الأمة شهداء على الناس . خرجه الترمذي الحكيم أبو عبد الله في " نوادر الأصول " .الثالثة : قال علماؤنا : أنبأنا ربنا تبارك وتعالى في كتابه بما أنعم علينا من تفضيله لنا باسم العدالة وتولية خطير الشهادة على جميع خلقه ، فجعلناه أولا مكانا وإن كنا آخرا زمانا ، كما قال عليه السلام : نحن الآخرون الأولون . وهذا دليل على أنه لا يشهد إلا العدول ، ولا ينفذ قول الغير على الغير إلا أن يكون عدلا . وسيأتي بيان العدالة وحكمها في آخر السورة إن شاء الله تعالى .الرابعة : وفيه دليل على صحة الإجماع ووجوب الحكم به ; لأنهم إذا كانوا عدولا شهدوا على الناس . فكل عصر شهيد على من بعده فقول الصحابة حجة وشاهد على التابعين ، وقول التابعين على من بعدهم . وإذ جعلت الأمة شهداء فقد وجب قبول قولهم . ولا معنى لقول من قال : أريد به جميع الأمة لأنه حينئذ لا يثبت مجمع عليه إلى قيام الساعة . وبيان هذا في كتب أصول الفقه .قوله تعالى : ويكون الرسول عليكم شهيدا قيل : معناه بأعمالكم يوم القيامة . وقيل : " عليكم " بمعنى لكم ، أي يشهد لكم بالإيمان . وقيل : أي يشهد عليكم بالتبليغ لكم .قوله تعالى : وما جعلنا القبلة التي كنت عليها قيل : المراد بالقبلة هنا القبلة الأولى ، لقوله كنت عليها . وقيل : الثانية ، فتكون الكاف زائدة ، أي أنت الآن عليها ، كما تقدم ، وكما قال : كنتم خير أمة أخرجت للناس أي أنتم ، في قول بعضهم ، وسيأتي .قوله تعالى : إلا لنعلم من يتبع الرسول قال علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه : معنى لنعلم لنرى . والعرب تضع العلم مكان الرؤية ، والرؤية مكان العلم ، كقوله تعالى : ألم تر كيف فعل ربك بمعنى ألم تعلم . وقيل : المعنى إلا لتعلموا أننا نعلم ، فإن المنافقين كانوا في شك من علم الله تعالى بالأشياء قبل كونها . وقيل : المعنى لنميز أهل اليقين من أهل الشك ، حكاه ابن فورك ، وذكره الطبري عن ابن عباس . وقيل : المعنى إلا ليعلم النبي وأتباعه ، وأخبر تعالى بذلك عن نفسه ، كما يقال : فعل الأمير كذا ، وإنما فعله أتباعه ، ذكره المهدوي وهو جيد . وقيل : معناه ليعلم محمد ، فأضاف علمه إلى نفسه تعالى تخصيصا وتفضيلا ، كما كنى عن نفسه سبحانه في قوله : يا بن آدم مرضت فلم تعدني الحديث . والأول أظهر ، وأن معناه علم المعاينة الذي يوجب الجزاء ، وهو سبحانه عالم الغيب والشهادة ، علم ما يكون قبل أن يكون ، تختلف الأحوال على المعلومات ، وعلمه لا يختلف بل يتعلق بالكل تعلقا واحدا . وهكذا كل ما ورد في الكتاب من هذا المعنى من قوله تعالى : وليعلم الله الذين آمنوا ويتخذ منكم شهداء ، ولنبلونكم حتى نعلم المجاهدين منكم والصابرين وما أشبه . والآية جواب لقريش في قولهم : ما ولاهم عن قبلتهم التي كانوا عليها وكانت قريش تألف الكعبة ، فأراد الله عز وجل أن يمتحنهم بغير ما ألفوه ليظهر من يتبع الرسول ممن لا يتبعه . وقرأ الزهري إلا ليعلم ف من في موضع رفع على هذه القراءة ; لأنها اسم ما لم يسم فاعله . وعلى قراءة الجماعة في موضع نصب على المفعول . يتبع الرسول يعني فيما أمر به من استقبال الكعبة . ممن ينقلب على عقبيه يعني ممن يرتد عن دينه ; لأن القبلة لما حولت ارتد من المسلمين قوم ونافق قوم ; و لهذا قال : وإن كانت لكبيرة أي تحويلها ، قاله ابن عباس ومجاهد وقتادة . والتقدير في العربية : وإن كانت التحويلة .قوله تعالى : وإن كانت لكبيرة ذهب الفراء إلى أن إن واللام بمعنى ما وإلا ، والبصريون يقولون : هي إن الثقيلة خففت . وقال الأخفش : أي وإن كانت القبلة أو التحويلة أو التولية لكبيرة ، إلا على الذين هدى الله أي خلق الهدى الذي هو الإيمان في قلوبهم ، كما قال تعالى : أولئك كتب في قلوبهم الإيمان .قوله تعالى : وما كان الله ليضيع إيمانكم اتفق العلماء على أنها نزلت فيمن مات وهو يصلي إلى بيت المقدس ، كما ثبت في البخاري من حديث البراء بن عازب على ما تقدم . وخرج الترمذي عن ابن عباس قال : لما وجه النبي صلى الله عليه وسلم إلى الكعبة قالوا : يا رسول الله ، كيف بإخواننا الذين ماتوا وهم يصلون إلى بيت المقدس ؟ فأنزل الله تعالى : وما كان الله ليضيع إيمانكم الآية ، قال : هذا حديث حسن صحيح . فسمى الصلاة إيمانا لاشتمالها على نية وقول وعمل . وقال مالك : إني لأذكر بهذه الآية قول المرجئة : إن الصلاة ليست من الإيمان . وقال محمد بن إسحاق : وما كان الله ليضيع إيمانكم أي بالتوجه إلى القبلة وتصديقكم لنبيكم ، وعلى هذا معظم المسلمين والأصوليين . وروى ابن وهب وابن القاسم وابن عبد الحكم وأشهب عن مالك وما كان الله ليضيع إيمانكم قال : صلاتكم .قوله تعالى : إن الله بالناس لرءوف رحيم الرأفة أشد من الرحمة . وقال أبو عمرو بن العلاء : الرأفة أكثر من الرحمة ، والمعنى متقارب . وقد أتينا على لغته وأشعاره ومعانيه في الكتاب " الأسنى في شرح أسماء الله الحسنى " فلينظر هناك . وقرأ الكوفيون وأبو عمرو " لرؤف " على وزن فعل ، وهي لغة بني أسد ، ومنه قول الوليد بن عقبة :وشر الطالبين فلا تكنه يقاتل عمه الرؤف الرحيموحكى الكسائي أن لغة بني أسد " لرأف " ، على فعل . وقرأ أبو جعفر بن القعقاع " لروف " مثقلا بغير همز ، وكذلك سهل كل همزة في كتاب الله تعالى ، ساكنة كانت أو متحركة .
2:144
قَدْ نَرٰى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِی السَّمَآءِۚ-فَلَنُوَلِّیَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضٰىهَا۪-فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِؕ-وَ حَیْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوْا وُجُوْهَكُمْ شَطْرَهٗؕ-وَ اِنَّ الَّذِیْنَ اُوْتُوا الْكِتٰبَ لَیَعْلَمُوْنَ اَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَّبِّهِمْؕ-وَ مَا اللّٰهُ بِغَافِلٍ عَمَّا یَعْمَلُوْنَ(۱۴۴)
ہم دیکھ رہے ہیں بار بار تمہارا آسمان کی طرف منہ کرنا (ف ۲۶۲) تو ضرور ہم تمہیں پھیردیں گے اس قبلہ کی طرف جس میں تمہاری خوشی ہے ابھی اپنا منہ پھیر دو مسجد حرام کی طرف اور اے مسلمانو! تم جہاں کہیں ہو اپنا منہ اسی کی طرف کرو (ف۲۶۳) اور وہ جنہیں کتاب ملی ہے ضرور جانتے کہ یہ انکے رب کی طرف سے حق ہے (ف۲۶۴) اور اللہ ان کے کوتکوں (اعمال) سے بے خبر نہیں-

قوله تعالى : قد نرى تقلب وجهك في السماء فلنولينك قبلة ترضاها فول وجهك شطر المسجد الحرام وحيثما كنتم فولوا وجوهكم شطره وإن الذين أوتوا الكتاب ليعلمون أنه الحق من ربهم وما الله بغافل عما يعملونقال العلماء : هذه الآية مقدمة في النزول على قوله تعالى : سيقول السفهاء من الناس . ومعنى تقلب وجهك : تحول وجهك إلى السماء ، قاله الطبري . الزجاج : تقلب عينيك في النظر إلى السماء ، والمعنى متقارب . وخص السماء بالذكر إذ هي مختصة بتعظيم ما أضيف إليها ويعود منها كالمطر والرحمة والوحي . ومعنى ترضاها تحبها . قال السدي : كان إذا صلى نحو بيت المقدس رفع رأسه إلى السماء ينظر ما يؤمر به ، وكان يحب أن يصلي إلى قبل الكعبة فأنزل الله تعالى : قد نرى تقلب وجهك في السماء . وروى أبو إسحاق عن البراء قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى نحو بيت المقدس ستة عشر شهرا أو سبعة عشر شهرا ، وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحب أن يوجه نحو الكعبة ، فأنزل الله تعالى : قد نرى تقلب وجهك في السماء . وقد تقدم هذا المعنى والقول فيه ، والحمد لله .قوله تعالى : فول وجهك شطر المسجد الحرام فيه خمس مسائل : الأولى : قوله تعالى : فول أمر وجهك شطر أي ناحية المسجد الحرام يعني الكعبة ، ولا خلاف في هذا . قيل : حيال البيت كله ، عن ابن عباس . وقال ابن عمر : حيال الميزاب من الكعبة ، قاله ابن عطية . والميزاب : هو قبلة المدينة وأهل الشام ، وهناك قبلة أهل الأندلس .قلت : قد روى ابن جريج عن عطاء عن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : البيت قبلة لأهل المسجد والمسجد قبلة لأهل الحرم والحرم قبلة لأهل الأرض في مشارقها ومغاربها من أمتي .الثانية : قوله تعالى : شطر المسجد الحرام الشطر له محامل : يكون الناحية والجهة ، كما في هذه الآية ، وهو ظرف مكان ، كما تقول : تلقاءه وجهته . وانتصب الظرف لأنه فضلة بمنزلة المفعول [ به ] ، وأيضا فإن الفعل واقع فيه . وقال داود بن أبي هند : إن في حرف ابن مسعود " فول وجهك تلقاء المسجد الحرام " . وقال الشاعر [ هو أبو زنباع الجذامي ] :أقول لأم زنباع أقيمي صدور العيس شطر بني تميموقال آخر :وقد أظلكم من شطر ثغركم هول له ظلم يغشاكم قطعاوقال آخر :ألا من مبلغ عمرا رسولا وما تغني الرسالة شطر عمرووشطر الشيء : نصفه ، ومنه الحديث : الطهور شطر الإيمان . ويكون من الأضداد ، يقال : شطر إلى كذا إذا أقبل نحوه ، وشطر عن كذا إذا أبعد منه وأعرض عنه . فأما الشاطر من الرجال فلأنه قد أخذ في نحو غير الاستواء ، وهو الذي أعيا أهله خبثا ، وقد شطر وشطر ( بالضم ) شطارة فيهما وسئل بعضهم عن الشاطر ، فقال : هو من أخذ في البعد عما نهى الله عنه .الثالثة : لا خلاف بين العلماء أن الكعبة قبلة في كل أفق وأجمعوا على أن من شاهدها وعاينها فرض عليه استقبالها ، وأنه إن ترك استقبالها وهو معاين لها وعالم بجهتها فلا صلاة له ، وعليه إعادة كل ما صلى ذكره أبو عمر . وأجمعوا على أن كل من غاب عنها أن يستقبل ناحيتها وشطرها وتلقاءها ، فإن خفيت عليه فعليه أن يستدل على ذلك بكل ما يمكنه من النجوم والرياح والجبال وغير ذلك مما يمكن أن يستدل به على ناحيتها . ومن جلس في المسجد الحرام فليكن وجهه إلى الكعبة وينظر إليها إيمانا واحتسابا ، فإنه يروى أن النظر إلى الكعبة عبادة ، قاله عطاء ومجاهد .الرابعة : واختلفوا هل فرض الغائب استقبال العين أو الجهة ، فمنهم من قال بالأول . قال ابن العربي : وهو ضعيف ; لأنه تكليف لما لا يصل إليه . ومنهم من قال بالجهة ، وهو الصحيح لثلاثة أوجه : الأول : أنه الممكن الذي يرتبط به التكليف . الثاني : أنه المأمور به في القرآن ، لقوله تعالى : فول وجهك شطر المسجد الحرام وحيثما كنتم يعني من الأرض من شرق أو غرب فولوا وجوهكم شطره . الثالث : أن العلماء احتجوا بالصف الطويل الذي يعلم قطعا أنه أضعاف عرض البيت .الخامسة : في هذه الآية حجة واضحة لما ذهب إليه مالك ومن وافقه في أن المصلي حكمه أن ينظر أمامه لا إلى موضع سجوده . وقال الثوري وأبو حنيفة والشافعي والحسن بن حي . يستحب أن يكون نظره إلى موضع سجوده . وقال شريك القاضي : ينظر في القيام إلى موضع السجود ، وفي الركوع إلى موضع قدميه ، وفي السجود إلى موضع أنفه ، وفي القعود إلى حجره . قال ابن العربي : إنما ينظر أمامه فإنه إن حنى رأسه ذهب بعض القيام المفترض عليه في الرأس وهو أشرف الأعضاء ، وإن أقام رأسه وتكلف النظر ببصره إلى الأرض فتلك مشقة عظيمة وحرج . وما جعل علينا في الدين من حرج ، أما إن ذلك أفضل لمن قدر عليه .قوله تعالى : وإن الذين أوتوا الكتاب يريد اليهود والنصارى ليعلمون أنه الحق من ربهم يعني تحويل القبلة من بيت المقدس . فإن قيل : كيف يعلمون ذلك وليس من دينهم ولا في كتابهم ؟ قيل عنه جوابان : أحدهما : أنهم لما علموا من كتابهم أن محمدا صلى الله عليه وسلم نبي علموا أنه لا يقول إلا الحق ولا يأمر إلا به . الثاني : أنهم علموا من دينهم جواز النسخ وإن جحده بعضهم ، فصاروا عالمين بجواز القبلة .قوله تعالى : وما الله بغافل عما يعملون تقدم معناه . وقرأ ابن عامر وحمزة والكسائي " تعملون " بالتاء على مخاطبة أهل الكتاب أو أمة محمد صلى الله عليه وسلم . وعلى الوجهين فهو إعلام بأن الله تعالى لا يهمل أعمال العباد ولا يغفل عنها ، وضمنه الوعيد . وقرأ الباقون بالياء من تحت .
2:145
وَ لَىٕنْ اَتَیْتَ الَّذِیْنَ اُوْتُوا الْكِتٰبَ بِكُلِّ اٰیَةٍ مَّا تَبِعُوْا قِبْلَتَكَۚ-وَ مَاۤ اَنْتَ بِتَابِـعٍ قِبْلَتَهُمْۚ-وَ مَا بَعْضُهُمْ بِتَابِـعٍ قِبْلَةَ بَعْضٍؕ-وَ لَىٕنِ اتَّبَعْتَ اَهْوَآءَهُمْ مِّنْۢ بَعْدِ مَا جَآءَكَ مِنَ الْعِلْمِۙ-اِنَّكَ اِذًا لَّمِنَ الظّٰلِمِیْنَۘ(۱۴۵)
اور اگر تم ان کتابیوں کے پاس ہر نشانی لے کر آ ؤ وہ تمہارے قبلہ کی پیروی نہ کریں گے (ف۲۶۵) اور نہ تم ان کے قبلہ کی پیروی کرو (ف ۲۶۶) اور وہ آپس میں بھی ایک دوسرے کے قبلہ کے تابع نہیں (ف۲۶۷) اور (اے سننے والے کسے باشد) اگر تو ان کی خواہشوں پر چلا بعد اس کے کہ تجھے علم مل چکا تو اس وقت تو ضرور ستم گر ہوگا۔

قوله تعالى : ولئن أتيت الذين أوتوا الكتاب بكل آية ما تبعوا قبلتك وما أنت بتابع قبلتهم وما بعضهم بتابع قبلة بعض ولئن اتبعت أهواءهم من بعد ما جاءك من العلم إنك إذا لمن الظالمينقوله تعالى : ولئن أتيت الذين أوتوا الكتاب بكل آية ما تبعوا قبلتك لأنهم كفروا وقد تبين لهم الحق ، وليس تنفعهم الآيات ، أي العلامات . وجمع قبلة في التكسير : قبل . وفي التسليم : قبلات . ويجوز أن تبدل من الكسرة فتحة ، فتقول قبلات . ويجوز أن تحذف الكسرة وتسكن الباء فتقول قبلات . وأجيبت " لئن " بجواب " لو " وهي ضدها في أن " لو " تطلب في جوابها المضي والوقوع ، و " لئن " تطلب الاستقبال ، فقال الفراء والأخفش : أجيبت بجواب " لو " لأن المعنى : ولو أتيت . وكذلك تجاب " لو " بجواب " لئن " ، تقول : لو أحسنت أحسن إليك ، ومثله قوله تعالى : ولئن أرسلنا ريحا فرأوه مصفرا لظلوا أي ولو أرسلنا ريحا . وخالفهما سيبويه فقال : إن معنى لئن مخالف لمعنى " لو " فلا يدخل واحد منهما على الآخر ، فالمعنى : ولئن أتيت الذين أوتوا الكتاب بكل آية لا يتبعون قبلتك . قال سيبويه : ومعنى ولئن أرسلنا ريحا فرأوه مصفرا لظلوا ليظلن .قوله تعالى : وما أنت بتابع قبلتهم لفظ خبر ويتضمن الأمر ، أي فلا تركن إلى شيء من ذلك ثم أخبر تعالى أن اليهود ليست متبعة قبلة النصارى ولا النصارى متبعة قبلة اليهود ، عن السدي وابن زيد . فهذا إعلام باختلافهم وتدابرهم وضلالهم . وقال قوم : المعنى وما من اتبعك ممن أسلم منهم بمتبع قبلة من لم يسلم ، ولا من لم يسلم قبلة من أسلم . والأول أظهر ، والله تعالى أعلم .قوله تعالى : ولئن اتبعت أهواءهم من بعد ما جاءك من العلم إنك إذا لمن الظالمين الخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم ، والمراد أمته ممن يجوز أن يتبع هواه فيصير باتباعه ظالما ، وليس يجوز أن يفعل النبي صلى الله عليه وسلم ما يكون به ظالما ، فهو محمول على إرادة أمته لعصمة النبي صلى الله عليه وسلم وقطعنا أن ذلك لا يكون منه ، وخوطب النبي صلى الله عليه وسلم تعظيما للأمر ولأنه المنزل عليه . والأهواء : جمع هوى ، وقد تقدم ، وكذا من العلم تقدم أيضا ، فلا معنى للإعادة
2:146
اَلَّذِیْنَ اٰتَیْنٰهُمُ الْكِتٰبَ یَعْرِفُوْنَهٗ كَمَا یَعْرِفُوْنَ اَبْنَآءَهُمْؕ-وَ اِنَّ فَرِیْقًا مِّنْهُمْ لَیَكْتُمُوْنَ الْحَقَّ وَ هُمْ یَعْلَمُوْنَ(ؔ۱۴۶)
جنہیں ہم نے کتاب عطا فرمائی (ف۲۶۸) وہ اس نبی کو ایسا پہچانتے ہیں جیسے آدمی اپنے بیٹوں کو پہچانتا ہے (ف۲۶۹) اور بیشک ان میں ایک گروہ جان بوجھ کر حق چھپاتے ہیں -(ف۲۷۰)

قوله تعالى : الذين آتيناهم الكتاب يعرفونه كما يعرفون أبناءهم وإن فريقا منهم ليكتمون الحق وهم يعلمونقوله تعالى : الذين آتيناهم الكتاب يعرفونه كما يعرفون أبناءهم الذين في موضع رفع بالابتداء والخبر يعرفونه . ويصح أن يكون في موضع خفض على الصفة ل " لظالمين " ويعرفون في موضع الحال ، أي يعرفون نبوته وصدق رسالته ، والضمير عائد على محمد صلى الله عليه وسلم ، قاله مجاهد وقتادة وغيرهما . وقيل : يعرفون تحويل القبلة عن بيت المقدس إلى الكعبة أنه حق ، قاله ابن عباس وابن جريج والربيع وقتادة أيضا . وخص الأبناء في المعرفة بالذكر دون الأنفس وإن كانت ألصق لأن الإنسان يمر عليه من زمنه برهة لا يعرف فيها نفسه ، ولا يمر عليه وقت لا يعرف فيه ابنه . وروي أن عمر قال لعبد الله بن سلام : أتعرف محمدا صلى الله عليه وسلم كما تعرف ابنك ؟ فقال : نعم وأكثر ، بعث الله أمينه في سمائه إلى أمينه في أرضه بنعته فعرفته ، وابني لا أدري ما كان من أمه .قوله تعالى : وإن فريقا منهم ليكتمون الحق يعني محمدا صلى الله عليه وسلم ، قاله مجاهد وقتادة وخصيف . وقيل : استقبال الكعبة ، على ما ذكرنا آنفا .قوله تعالى : وهم يعلمون ظاهر في صحة الكفر عنادا ، ومثله : وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم وقوله فلما جاءهم ما عرفوا كفروا به .
2:147
اَلْحَقُّ مِنْ رَّبِّكَ فَلَا تَكُوْنَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِیْنَ۠(۱۴۷)
(اے سننے والو) یہ حق ہے تیرے رب کی طرف سے (یا حق وہی ہے جو تیرے رب کی طرف سے ہو) تو خبردار توشک نہ کرنا -

قوله تعالى : الحق من ربك فلا تكونن من الممترينقوله تعالى : الحق من ربك يعني استقبال الكعبة ، لا ما أخبرك به اليهود من قبلتهم . وروي عن علي رضي الله عنه أنه قرأ الحق منصوبا ب يعلمون أي يعلمون الحق . ويصح نصبه على تقدير الزم الحق . والرفع على الابتداء أو على إضمار مبتدإ والتقدير هو الحق ، أو على إضمار فعل ، أي جاءك الحق . قال النحاس : فأما الذي في " الأنبياء " الحق فهم معرضون فلا نعلم أحدا قرأه إلا منصوبا ، والفرق بينهما أن الذي في سورة " البقرة " مبتدأ آية ، والذي في الأنبياء ليس كذلكقوله تعالى : فلا تكونن من الممترين أي من الشاكين . والخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم والمراد أمته . يقال : امترى فلان [ في ] كذا إذا اعترضه اليقين مرة والشك أخرى فدافع إحداهما بالأخرى ، ومنه المراء لأن كل واحد منهما يشك في قول صاحبه . والامتراء في الشيء الشك فيه ، وكذا التماري . وأنشد الطبري شاهدا على أن الممترين الشاكون قول الأعشى :تدر على أسؤق الممتري ن ركضا إذا ما السراب أرجحنقال ابن عطية : ووهم في هذا ; لأن أبا عبيدة وغيره قال : الممترون في البيت هم الذين يمرون الخيل بأرجلهم همزا لتجري كأنهم يحتلبون الجري منها ، وليس في البيت معنى الشك كما قال الطبري .قلت : معنى الشك فيه موجود ; لأنه يحتمل أن يختبر الفرس صاحبه هل هو على ما عهد منه الجري أم لا ، لئلا يكون أصابه شيء ، أو يكون هذا عند أول شرائه فيجريه ليعلم مقدار جريه . قال الجوهري : ومريت الفرس إذا استخرجت ما عنده من الجري بسوط أو غيره . والاسم المرية ( بالكسر ) وقد تضم . ومريت الناقة مريا : إذا مسحت ضرعها لتدر . وأمرت هي إذا در لبنها ، والاسم المرية ( بالكسر ) ، والضم غلط . والمرية : الشك ، وقد تضم ، وقرئ بهما .
2:148
وَ لِكُلٍّ وِّجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّیْهَا فَاسْتَبِقُوا الْخَیْرٰتِﳳ-اَیْنَ مَا تَكُوْنُوْا یَاْتِ بِكُمُ اللّٰهُ جَمِیْعًاؕ-اِنَّ اللّٰهَ عَلٰى كُلِّ شَیْءٍ قَدِیْرٌ(۱۴۸)
اور ہر ایک کے لئے توجہ ایک سمعت ہے کہ وہ اسی طرف منہ کرتا ہے تو یہ چاہو کہ نیکیوں میں اوروں سے آگے نکل جائیں تو کہیں ہو اللہ تم سب کو اکٹھا لے آئے گا (ف ۲۷۱) بیشک اللہ جو چاہے کرے-

قوله تعالى : ولكل وجهة هو موليها فاستبقوا الخيرات أينما تكونوا يأت بكم الله جميعا إن الله على كل شيء قديرفيه أربع مسائل :الأولى : قوله تعالى : ولكل وجهة الوجهة وزنها فعلة من المواجهة . والوجهة والجهة والوجه بمعنى واحد ، والمراد القبلة ، أي إنهم لا يتبعون قبلتك وأنت لا تتبع قبلتهم ، ولكل وجهة إما بحق وإما بهوى .الثانية : قوله تعالى : هو موليها هو عائد على لفظ كل لا على معناه ; لأنه لو كان على المعنى لقال : هم مولوها وجوههم ، فالهاء والألف مفعول أول والمفعول الثاني محذوف ، أي هو موليها وجهه ونفسه . والمعنى : ولكل صاحب ملة قبلة ، صاحب القبلة موليها وجهه ، على لفظ كل وهو قول الربيع وعطاء وابن عباس . وقال علي بن سليمان : موليها أي متوليها . وقرأ ابن عباس وابن عامر " مولاها " على ما لم يسم فاعله . والضمير على هذه القراءة لواحد ، أي ولكل واحد من الناس قبلة ، الواحد مولاها أي مصروف إليها ، قاله الزجاج . ويحتمل أن يكون على قراءة الجماعة هو ضمير اسم الله عز وجل وإن لم يجر له ذكر ، إذ معلوم أن الله عز وجل فاعل ذلك والمعنى : لكل صاحب ملة قبلة الله موليها إياه . وحكى الطبري : أن قوما قرءوا ولكل وجهة بإضافة كل إلى وجهة . قال ابن عطية : وخطأها الطبري ، وهي متجهة ، أي فاستبقوا الخيرات لكل وجهة ولاكموها ، ولا تعترضوا فيما أمركم بين هذه وهذه ، أي إنما عليكم الطاعة في الجميع . وقدم قوله ولكل وجهة على الأمر في قوله : فاستبقوا الخيرات للاهتمام بالوجهة كما يقدم المفعول ، وذكر أبو عمرو الداني هذه القراءة عن ابن عباس رضي الله عنهما . وسلمت الواو في وجهة للفرق بين عدة وزنة ، لأن جهة ظرف ، وتلك مصادر . وقال أبو علي : ذهب قوم إلى أنه مصدر شذ عن القياس فسلم . وذهب قوم إلى أنه اسم وليس بمصدر . وقال غير أبي علي : وإذا أردت المصدر قلت جهة ، وقد يقال الجهة في الظرف .الثالثة : قوله تعالى : فاستبقوا الخيرات أي إلى الخيرات ، فحذف الحرف ، أي بادروا ما أمركم الله عز وجل من استقبال البيت الحرام وإن كان يتضمن الحث على المبادرة والاستعجال إلى جميع الطاعات بالعموم ، فالمراد ما ذكر من الاستقبال لسياق الآي . والمعنى المراد المبادرة بالصلاة أول وقتها ، والله تعالى أعلم . روى النسائي عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : إنما مثل المهجر إلى الصلاة كمثل الذي يهدي البدنة ثم الذي على أثره كالذي يهدي البقرة ثم الذي على أثره كالذي يهدي الكبش ثم الذي على أثره كالذي يهدي الدجاجة ثم الذي على أثره كالذي يهدي البيضة . وروى الدارقطني عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن أحدكم ليصلي الصلاة لوقتها وقد ترك من الوقت الأول ما هو خير له من أهله وماله . وأخرجه مالك عن يحيى بن سعيد قوله . وروى الدارقطني أيضا عن ابن عمر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : خير الأعمال الصلاة في أول وقتها . وفي حديث ابن مسعود " أول وقتها " بإسقاط " في " . وروي أيضا عن إبراهيم بن عبد الملك عن أبي محذورة عن أبيه عن جده قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أول الوقت رضوان الله ووسط الوقت رحمة الله وآخر الوقت عفو الله . زاد ابن العربي : فقال أبو بكر : رضوان الله أحب إلينا من عفوه ، فإن رضوانه عن المحسنين وعفوه عن المقصرين ، وهذا اختيار الشافعي . وقال أبو حنيفة : آخر الوقت أفضل ; لأنه وقت الوجوب . وأما مالك ففصل القول ؛ فأما الصبح والمغرب فأول الوقت فيهما أفضل ، أما الصبح فلحديث عائشة رضي الله عنها قالت : إن كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ليصلي الصبح فينصرف النساء متلفعات بمروطهن ما يعرفن من الغلس - في رواية - ( متلففات ) . وأما المغرب فلحديث سلمة بن الأكوع أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصلي المغرب إذا غربت الشمس وتوارت بالحجاب ، أخرجهما مسلم . وأما العشاء فتأخيرها أفضل لمن قدر عليه . روى ابن عمر قال : مكثنا ذات ليلة ننتظر رسول الله صلى الله عليه وسلم لصلاة العشاء الآخرة ، فخرج إلينا حين ذهب ثلث الليل أو بعده ، فلا ندري أشيء شغله في أهله أو غير ذلك ، فقال حين خرج : إنكم لتنتظرون صلاة ما ينتظرها أهل دين غيركم ولولا أن يثقل على أمتي لصليت بهم هذه الساعة . وفي البخاري عن أنس قال : أخر النبي صلى الله عليه وسلم صلاة العشاء إلى نصف الليل ثم صلى . . . ، وذكر الحديث . وقال أبو برزة : كان النبي صلى الله عليه وسلم يستحب تأخيرها . وأما الظهر فإنها تأتي الناس [ على ] غفلة فيستحب تأخيرها قليلا حتى يتأهبوا ويجتمعوا . قال أبو الفرج قال مالك : أول الوقت أفضل في كل صلاة إلا للظهر في شدة الحر . وقال ابن أبي أويس : وكان مالك يكره أن يصلى الظهر عند الزوال ولكن بعد ذلك ، ويقول : تلك صلاة الخوارج . وفي صحيح البخاري وصحيح الترمذي عن أبي ذر الغفاري قال : كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في سفر فأراد المؤذن أن يؤذن للظهر ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : ( أبرد ) ثم أراد أن يؤذن فقال له : ( أبرد ) حتى رأينا فيء التلول ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : إن شدة الحر من فيح جهنم فإذا اشتد الحر فأبردوا بالصلاة . وفي صحيح مسلم عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي الظهر إذا زالت الشمس . والذي يجمع بين الحديثين ما رواه أنس أنه إذا كان الحر أبرد بالصلاة ، وإذا كان البرد عجل . قال أبو عيسى الترمذي : " وقد اختار قوم [ من أهل العلم ] تأخير صلاة الظهر في شدة الحر ، وهو قول ابن المبارك وأحمد وإسحاق . قال الشافعي : إنما الإبراد بصلاة الظهر إذا كان [ مسجدا ] ينتاب أهله من البعد ، فأما المصلي وحده والذي يصلي في مسجد قومه فالذي أحب له ألا يؤخر الصلاة في شدة الحر . قال أبو عيسى : ومعنى من ذهب إلى تأخير الظهر في شدة الحر هو أولى وأشبه بالاتباع ، وأما ما ذهب إليه الشافعي رحمه الله أن الرخصة لمن ينتاب من البعد وللمشقة على الناس ، فإن في حديث أبي ذر رضي الله عنه ما يدل على خلاف ما قال الشافعي . قال أبو ذر : كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في سفر فأذن بلال بصلاة الظهر ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : [ يا بلال ] أبرد ثم أبرد . فلو كان الأمر على ما ذهب إليه الشافعي لم يكن للإبراد في ذلك الوقت معنى ، لاجتماعهم في السفر وكانوا لا يحتاجون أن ينتابوا من البعد " . وأما العصر فتقديمها أفضل . ولا خلاف في مذهبنا أن تأخير الصلاة رجاء الجماعة أفضل من تقديمها ، فإن فضل الجماعة معلوم ، وفضل أول الوقت مجهول ، وتحصيل المعلوم أولى قاله ابن العربي .الرابعة : قوله تعالى : أينما تكونوا شرط ، وجوابه : يأت بكم الله جميعا يعني يوم القيامة . ثم وصف نفسه تعالى بالقدرة على كل شيء لتناسب الصفة مع ما ذكر من الإعادة بعد الموت والبلى .
2:149
وَ مِنْ حَیْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِؕ-وَ اِنَّهٗ لَلْحَقُّ مِنْ رَّبِّكَؕ-وَ مَا اللّٰهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُوْنَ(۱۴۹)
اور جہاں سے ا ٓ ؤ (ف۲۷۲) اپنا منہ مسجد حرام کی طرف کرو اور وہ ضرور تمہارے رب کی طرف سے حق ہے اور اللہ تمہارے کاموں سے غافل نہیں-

ومن حيث خرجت فول وجهك شطر المسجد الحرام وإنه للحق من ربك وما الله بغافل عما تعملونقوله تعالى : ومن حيث خرجت فول وجهك شطر المسجد الحرام قيل : هذا تأكيد للأمر باستقبال الكعبة واهتمام بها لأن موقع التحويل كان صعبا في نفوسهم جدا ، فأكد الأمر ليرى الناس الاهتمام به فيخف عليهم وتسكن نفوسهم إليه . وقيل : أراد بالأول : ول وجهك شطر الكعبة ، أي عاينها إذا صليت تلقاءها . ثم قال : وحيثما كنتم معاشر المسلمين في سائر المساجد بالمدينة وغيرها فولوا وجوهكم شطره ثم قال ومن حيث خرجت يعني وجوب الاستقبال في الأسفار ، فكان هذا أمرا بالتوجه إلى الكعبة في جميع المواضع من نواحي الأرض .قلت : هذا القول أحسن من الأول ; لأن فيه حمل كل آية على فائدة . وقد روى الدارقطني عن أنس بن مالك قال : كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا كان في سفر فأراد أن يصلي على راحلته استقبل القبلة وكبر ثم صلى حيث توجهت به . أخرجه أبو داود أيضا ، وبه قال الشافعي وأحمد وأبو ثور . وذهب مالك إلى أنه لا يلزمه الاستقبال ، لحديث ابن عمر قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي وهو مقبل من مكة إلى المدينة على راحلته . قال : وفيه نزل فأينما تولوا فثم وجه الله وقد تقدم .قلت : ولا تعارض بين الحديثين ; لأن هذا من باب المطلق والمقيد ، فقول الشافعي أولى ، وحديث أنس في ذلك حديث صحيح . ويروى أن جعفر بن محمد سئل ما معنى تكرير القصص في القرآن ؟ فقال : علم الله أن كل الناس لا يحفظ القرآن ، فلو لم تكن القصة مكررة لجاز أن تكون عند بعض الناس ولا تكون عند بعض ، فكررت لتكون عند من حفظ البعض .
2:150
وَ مِنْ حَیْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِؕ-وَ حَیْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوْا وُجُوْهَكُمْ شَطْرَهٗۙ-لِئَلَّا یَكُوْنَ لِلنَّاسِ عَلَیْكُمْ حُجَّةٌۗۙ-اِلَّا الَّذِیْنَ ظَلَمُوْا مِنْهُمْۗ-فَلَا تَخْشَوْهُمْ وَ اخْشَوْنِیْۗ-وَ لِاُتِمَّ نِعْمَتِیْ عَلَیْكُمْ وَ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُوْنَۙۛ(۱۵۰)
اور اے محبوب تم جہاں سے آ ؤ اپنا منہ مسجد حرام کی طرف کرو اور اے مسلمانو! تم جہاں کہیں ہو اپنا منہ اسی کی طرف کرو کہ لوگوں کو تم پر کوئی حجت نہ رہے (ف۲۷۳) مگر جو ان میں ناانصافی کریں (ف۲۷۴) تو ان سے نہ ڈرو اور مجھ سے ڈرو اور یہ اس لئے ہے کہ میں اپنی نعمت تم پر پوری کروں اور کسی طرح تم ہدایت پاؤ،

قوله تعالى : لئلا يكون للناس عليكم حجة إلا الذين ظلموا منهم قال مجاهد : هم مشركو العرب . وحجتهم قولهم : راجعت قبلتنا ، وقد أجيبوا عن هذا بقوله : قل لله المشرق والمغرب . وقيل : معنى لئلا يكون للناس عليكم حجة لئلا يقولوا لكم : قد أمرتم باستقبال الكعبة ولستم ترونها ، فلما قال عز وجل : وحيثما كنتم فولوا وجوهكم شطره زال هذا . وقال أبو عبيدة : إن " إلا " ها هنا بمعنى الواو ، أي والذين ظلموا ، فهو استثناء بمعنى الواو ، ومنه قول الشاعر [ هو الفرزدق ] :ما بالمدينة دار غير واحدة دار الخليفة إلا دار مرواناكأنه قال : إلا دار الخليفة ودار مروان ، وكذا قيل في قوله تعالى : إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات فلهم أجر غير ممنون أي الذين آمنوا . وأبطل الزجاج هذا القول وقال : هذا خطأ عند الحذاق من النحويين ، وفيه بطلان المعاني ، وتكون إلا وما بعدها مستغنى عن ذكرهما . والقول عندهم أن هذا استثناء ليس من الأول ، أي لكن الذين ظلموا منهم فإنهم يحتجون . قال أبو إسحاق الزجاج : أي عرفكم الله أمر الاحتجاج في القبلة في قوله : ولكل وجهة هو موليها لئلا يكون للناس عليكم حجة إلا من ظلم باحتجاجه فيما قد وضح له ، كما تقول : ما لك علي حجة إلا الظلم أو إلا أن تظلمني ، أي ما لك حجة ألبتة ولكنك تظلمني ، فسمى ظلمه حجة لأن المحتج به سماه حجة وإن كانت داحضة . وقال قطرب : يجوز أن يكون المعنى لئلا يكون للناس عليكم حجة إلا على الذين ظلموا ، فالذين بدل من الكاف والميم في عليكم . وقالت فرقة : إلا الذين استثناء متصل ، روي معناه عن ابن عباس وغيره ، واختاره الطبري وقال : نفى الله أن يكون لأحد حجة على النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه في استقبالهم الكعبة . والمعنى : لا حجة لأحد عليكم إلا الحجة الداحضة . حيث قالوا : ما ولاهم ، وتحير محمد في دينه ، وما توجه إلى قبلتنا إلا أنا كنا أهدى منه ، وغير ذلك من الأقوال التي لم تنبعث إلا من عابد وثن أو يهودي أو منافق . والحجة بمعنى المحاجة التي هي المخاصمة والمجادلة . وسماها الله حجة وحكم بفسادها حيث كانت من ظلمة . وقال ابن عطية : وقيل إن الاستثناء منقطع ، وهذا على أن يكون المراد بالناس اليهود ، ثم استثنى كفار العرب ، كأنه قال : لكن الذين ظلموا يحاجونكم ، وقوله منهم يرد هذا التأويل . والمعنى لكن الذين ظلموا ، يعني كفار قريش في قولهم : رجع محمد إلى قبلتنا وسيرجع إلى ديننا كله . ويدخل في ذلك كل من تكلم في النازلة من غير اليهود . وقرأ ابن عباس وزيد بن علي وابن زيد " ألا الذين ظلموا " بفتح الهمزة وتخفيف اللام على معنى استفتاح الكلام ، فيكون الذين ظلموا ابتداء ، أو على معنى الإغراء ، فيكون الذين منصوبا بفعل مقدر .قوله تعالى : فلا تخشوهم يريد الناس واخشوني الخشية أصلها طمأنينة في القلب تبعث على التوقي . والخوف : فزع القلب تخف له الأعضاء ، ولخفة الأعضاء به سمي خوفا . ومعنى الآية التحقير لكل من سوى الله تعالى ، والأمر باطراح أمرهم ومراعاة أمر الله تعالى .قوله تعالى : ولأتم نعمتي عليكم معطوف على لئلا يكون أي ولأن أتم ، قاله الأخفش . وقيل : مقطوع في موضع رفع بالابتداء والخبر مضمر ، التقدير : ولأتم نعمتي عليكم عرفتكم قبلتي ، قالهالزجاج . وإتمام النعمة الهداية إلى القبلة ، وقيل : دخول الجنة . قال سعيد بن جبير : ولم تتم نعمة الله على عبد حتى يدخله الجنة .ولعلكم تهتدون تقدم .
2:151
كَمَاۤ اَرْسَلْنَا فِیْكُمْ رَسُوْلًا مِّنْكُمْ یَتْلُوْا عَلَیْكُمْ اٰیٰتِنَا وَ یُزَكِّیْكُمْ وَ یُعَلِّمُكُمُ الْكِتٰبَ وَ الْحِكْمَةَ وَ یُعَلِّمُكُمْ مَّا لَمْ تَكُوْنُوْا تَعْلَمُوْنَؕۛ(۱۵۱)
جیسا کہ ہم نے تم میں بھیجا ایک رسول تم میں سے (ف۲۷۵) کہ تم پر ہماری آیتیں تلاوت فرماتا ہے اور تمہیں پاک کرتا (ف۲۷۴) اور کتاب اور پختہ علم سکھاتا ہے (ف۲۷۷) اور تمہیں وہ تعلیم فرماتا ہے جس کا تمہیں علم نہ تھا،

قوله تعالى : كما أرسلنا فيكم رسولا منكم يتلو عليكم آياتنا ويزكيكم ويعلمكم الكتاب والحكمة ويعلمكم ما لم تكونوا تعلمون قوله تعالى : كما أرسلنا الكاف في موضع نصب على النعت لمصدر محذوف ، المعنى : ولأتم نعمتي عليكم إتماما مثل ما أرسلنا ، قاله الفراء . قال ابن عطية : وهذا أحسن الأقوال ، أي ولأتم نعمتي عليكم في بيان سنة إبراهيم عليه السلام مثل ما أرسلنا . وقيل : المعنى ولعلكم تهتدون اهتداء مثل ما أرسلنا . وقيل : هي في موضع نصب على الحال ، والمعنى : ولأتم نعمتي عليكم في هذه الحال . والتشبيه واقع على أن النعمة في القبلة كالنعمة في الرسالة ، وأن الذكر المأمور به في عظمه كعظم النعمة . وقيل : معنى الكلام على التقديم والتأخير ، أي فاذكروني كما أرسلنا روي عن علي رضي الله عنه واختاره الزجاج . أي كما أرسلنا فيكم رسولا تعرفونه بالصدق فاذكروني بالتوحيد والتصديق به . والوقف على تهتدون على هذا القول جائز .قلت : وهذا اختيار الترمذي الحكيم في كتابه ، أي كما فعلت بكم هذا من المنن التي عددتها عليكم فاذكروني بالشكر أذكركم بالمزيد ; لأن في ذكركم ذلك شكرا لي ، وقد وعدتكم بالمزيد على الشكر ، وهو قوله : لئن شكرتم لأزيدنكم ، فالكاف في قوله كما هنا ، وفي الأنفال كما أخرجك ربك وفي آخر الحجر كما أنزلنا على المقتسمين متعلقة بما بعده ، على ما يأتي بيانه .
2:152
فَاذْكُرُوْنِیْۤ اَذْكُرْكُمْ وَ اشْكُرُوْا لِیْ وَ لَا تَكْفُرُوْنِ۠(۱۵۲)
تو میری یاد کرو میں تمہارا چرچا کروں گا (ف۲۷۸) اور میرا حق مانو اور میری ناشکری نہ کرو-

قوله تعالى : فاذكروني أذكركم واشكروا لي ولا تكفرون يا أيها الذين آمنوا استعينوا بالصبر والصلاة إن الله مع الصابرينقوله تعالى : فاذكروني أذكركم أمر وجوابه ، وفيه معنى المجازاة فلذلك جزم . وأصل الذكر التنبه بالقلب للمذكور والتيقظ له . وسمي الذكر باللسان ذكرا لأنه دلالة على الذكر القلبي ، غير أنه لما كثر إطلاق الذكر على القول اللساني صار هو السابق للفهم .ومعنى الآية : اذكروني بالطاعة أذكركم بالثواب والمغفرة ، قاله سعيد بن جبير . وقال أيضا : الذكر طاعة الله ، فمن لم يطعه لم يذكره وإن أكثر التسبيح والتهليل وقراءة القرآن ، وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم : من أطاع الله فقد ذكر الله وإن أقل صلاته وصومه وصنيعه للخير ومن عصى الله فقد نسي الله وإن كثر صلاته وصومه وصنيعه للخير ، ذكره أبو عبد الله محمد بن خويز منداد في " أحكام القرآن " له . وقال أبو عثمان النهدي : إني لأعلم الساعة التي يذكرنا الله فيها ، قيل له : ومن أين تعلمها ؟ قال يقول الله عز وجل : فاذكروني أذكركم . وقال السدي : ليس من عبد يذكر الله إلا ذكره الله عز وجل ، لا يذكره مؤمن إلا ذكره الله برحمته ، ولا يذكره كافر إلا ذكره الله بعذاب . وسئل أبو عثمان فقيل له : نذكر الله ولا نجد في قلوبنا حلاوة ؟ فقال : احمدوا الله تعالى على أن زين جارحة من جوارحكم بطاعته . وقال ذو النون المصري رحمه الله : من ذكر الله تعالى ذكرا على الحقيقة نسي في جنب ذكره كل شيء ، حفظ الله عليه كل شيء ، وكان له عوضا من كل شيء . وقال معاذ بن جبل رضي الله عنه : ما عمل ابن آدم من عمل أنجى له من عذاب الله من ذكر الله . والأحاديث في فضل الذكر وثوابه كثيرة خرجها الأئمة . روى ابن ماجه عن عبد الله بن بسر أن أعرابيا قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم : إن شرائع الإسلام قد كثرت علي فأنبئني منها بشيء أتشبث به ، قال : لا يزال لسانك رطبا من ذكر الله عز وجل . وخرج عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : إن الله عز وجل يقول أنا مع عبدي إذا هو ذكرني وتحركت بي شفتاه . وسيأتي لهذا الباب مزيد بيان عند قوله تعالى : يا أيها الذين آمنوا اذكروا الله ذكرا كثيرا وأن المراد ذكر القلب الذي يجب استدامته في عموم الحالات .قوله تعالى : واشكروا لي ولا تكفرون قال الفراء يقال : شكرتك وشكرت لك ، ونصحتك ونصحت لك ، والفصيح الأول . والشكر معرفة الإحسان والتحدث به ، وأصله في اللغة الظهور ، وقد تقدم . فشكر العبد لله تعالى ثناؤه عليه بذكر إحسانه إليه ، وشكر الحق سبحانه للعبد ثناؤه عليه بطاعته له ، إلا أن شكر العبد نطق باللسان وإقرار بالقلب بإنعام الرب مع الطاعات .قوله تعالى : ولا تكفرون نهي ، ولذلك حذفت منه نون الجماعة ، وهذه نون المتكلم . وحذفت الياء لأنها رأس آية ، وإثباتها أحسن في غير القرآن ، أي لا تكفروا نعمتي وأيادي . فالكفر هنا ستر النعمة لا التكذيب . وقد مضى القول في الكفر لغة ، ومضى القول في معنى الاستعانة بالصبر والصلاة ، فلا معنى للإعادة .
2:153
یٰۤاَیُّهَا الَّذِیْنَ اٰمَنُوا اسْتَعِیْنُوْا بِالصَّبْرِ وَ الصَّلٰوةِؕ-اِنَّ اللّٰهَ مَعَ الصّٰبِرِیْنَ(۱۵۳)
اے ایمان والو! صبر اور نماز سے مدد چاہو (ف۲۷۹) بیشک اللہ صابروں کے ساتھ ہے -

مَضَى الْقَوْل فِي مَعْنَى الِاسْتِعَانَة بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاة , فَلَا مَعْنَى لِلْإِعَادَةِ .
2:154
وَ لَا تَقُوْلُوْا لِمَنْ یُّقْتَلُ فِیْ سَبِیْلِ اللّٰهِ اَمْوَاتٌؕ-بَلْ اَحْیَآءٌ وَّ لٰكِنْ لَّا تَشْعُرُوْنَ(۱۵۴)
اور جو خدا کی راہ میں مارے جائیں انہیں مردہ نہ کہو (ف۲۸۰) بلکہ وہ زندہ ہیں ہاں تمہیں خبرنہیں-(ف۲۸۱)

قوله تعالى : ولا تقولوا لمن يقتل في سبيل الله أموات بل أحياء ولكن لا تشعرون هذا مثل قوله تعالى في الآية الأخرى : ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون وهناك يأتي الكلام في الشهداء وأحكامهم ، إن شاء الله تعالى .وإذا كان الله تعالى يحييهم بعد الموت ليرزقهم - على ما يأتي - فيجوز أن يحيي الكفار ليعذبهم ، ويكون فيه دليل على عذاب القبر . والشهداء أحياء كما قال الله تعالى ، وليس معناه أنهم سيحيون ، إذ لو كان كذلك لم يكن بين الشهداء وبين غيرهم فرق إذ كل أحد سيحيا . ويدل على هذا قوله تعالى : ولكن لا تشعرون والمؤمنون يشعرون أنهم سيحيون . وارتفع أموات على إضمار مبتدأ ، وكذلك بل أحياء أي هم أموات وهم أحياء ، ولا يصح إعمال القول فيه لأنه ليس بينه وبينه تناسب ، كما يصح في قولك : قلت كلاما وحجة .
2:155
وَ لَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَیْءٍ مِّنَ الْخَوْفِ وَ الْجُوْ عِ وَ نَقْصٍ مِّنَ الْاَمْوَالِ وَ الْاَنْفُسِ وَ الثَّمَرٰتِؕ-وَ بَشِّرِ الصّٰبِرِیْنَۙ(۱۵۵)
اور ضرور ہم تمہیں آزمائیں گے کچھ ڈر اور بھوک سے (ف۲۸۲) اور کچھ مالوں اور جانوں اور پھلوں کی کمی سے (ف۲۸۳) اور خوشخبری سنا ان صبر والوں کو -

قوله تعالى : ولنبلونكم بشيء من الخوف والجوع ونقص من الأموال والأنفس والثمرات وبشر الصابرينقوله تعالى : " ولنبلونكم " هذه الواو مفتوحة عند سيبويه لالتقاء الساكنين . وقال غيره : لما ضمت إلى النون الثقيلة بني الفعل فصار بمنزلة خمسة عشر . والبلاء يكون حسنا ويكون سيئا . وأصله المحنة ، وقد تقدم . والمعنى لأمتحننكم لنعلم المجاهد والصابر علم معاينة حتى يقع عليه الجزاء ، كما تقدم . وقيل : إنما ابتلوا بهذا ليكون آية لمن بعدهم فيعلموا أنهم إنما صبروا على هذا حين وضح لهم الحق . وقيل : أعلمهم بهذا ليكونوا على يقين منه أنه يصيبهم ، فيوطنوا أنفسهم عليه فيكونوا أبعد لهم من الجزع ، وفيه تعجيل ثواب الله تعالى على العز وتوطين النفس .قوله تعالى : بشيء لفظ مفرد ومعناه الجمع . وقرأ الضحاك " بأشياء " على الجمع . وقرأ الجمهور بالتوحيد ، أي بشيء من هذا وشيء من هذا ، فاكتفى بالأول إيجازا : من الخوف أي خوف العدو والفزع في القتال ، قاله ابن عباس . وقال الشافعي : هو خوف الله عز وجل . والجوع يعني المجاعة بالجدب والقحط ، في قول ابن عباس . وقال الشافعي : هو الجوع في شهر رمضان . ونقص من الأموال بسبب الاشتغال بقتال الكفار . وقيل : بالجوائح المتلفة . وقال الشافعي : بالزكاة المفروضة . والأنفس قال ابن عباس : بالقتل والموت في الجهاد . وقال الشافعي : يعني بالأمراض . والثمرات قال الشافعي : المراد موت الأولاد ، وولد الرجل ثمرة قلبه ، كما جاء في الخبر ، على ما يأتي . وقال ابن عباس : المراد قلة النبات وانقطاع البركات .قوله تعالى : وبشر الصابرين أي بالثواب على الصبر . والصبر أصله الحبس ، وثوابه غير مقدر ، وقد تقدم . لكن لا يكون ذلك إلا بالصبر عند الصدمة الأولى ، كما روى البخاري عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : إنما الصبر عند الصدمة الأولى . وأخرجه مسلم أتم منه ، أي إنما الصبر الشاق على النفس الذي يعظم الثواب عليه إنما هو عند هجوم المصيبة وحرارتها ، فإنه يدل على قوة القلب وتثبته في مقام الصبر ، وأما إذا بردت حرارة المصيبة فكل أحد يصبر إذ ذاك ، ولذلك قيل : يجب على كل عاقل أن يلتزم عند المصيبة ما لا بد للأحمق منه بعد ثلاث . وقال سهل بن عبد الله التستري : لما قال تعالى : وبشر الصابرين صار الصبر عيشا . والصبر صبران : صبر عن معصية الله ، فهذا مجاهد ، وصبر على طاعة الله ، فهذا عابد . فإذا صبر عن معصية الله وصبر على طاعة الله أورثه الله الرضا بقضائه وعلامة الرضا سكون القلب بما ورد على النفس من المكروهات والمحبوبات . وقال الخواص : الصبر الثبات على أحكام الكتاب والسنة . وقال رويم : الصبر ترك الشكوى . وقال ذو النون المصري : الصبر هو الاستعانة بالله تعالى . وقال الأستاذ أبو علي : الصبر حده ألا تعترض على التقدير ، فأما إظهار البلوى على غير وجه الشكوى فلا ينافي الصبر ، قال الله تعالى في قصة أيوب : إنا وجدناه صابرا نعم العبد مع ما أخبر عنه أنه قال : مسني الضر .
2:156
الَّذِیْنَ اِذَاۤ اَصَابَتْهُمْ مُّصِیْبَةٌۙ-قَالُوْۤا اِنَّا لِلّٰهِ وَ اِنَّاۤ اِلَیْهِ رٰجِعُوْنَؕ(۱۵۶)
کہ جب ان پر کوئی مصیبت پڑے تو کہیں ہم اللہ کے مال ہیں اور ہم کو اسی کی طرف پھرنا-(ف۲۸۴)

قوله تعالى : الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعونفيه ست مسائل :الأولى : قوله تعالى : مصيبة المصيبة : كل ما يؤذي المؤمن ويصيبه ، يقال : أصابه إصابة ومصابة ومصابا . والمصيبة واحدة المصائب . والمصوبة ( بضم الصاد ) مثل المصيبة . وأجمعت العرب على همز المصائب ، وأصله الواو ، كأنهم شبهوا الأصلي بالزائد ، ويجمع على مصاوب ، وهو الأصل . والمصاب الإصابة ، قال الشاعر :أسليم إن مصابكم رجلا أهدى السلام تحية ظلموصاب السهم القرطاس يصيب صيبا ، لغة في أصابه . والمصيبة : النكبة ينكبها الإنسان وإن صغرت ، وتستعمل في الشر ، روى عكرمة أن مصباح رسول الله صلى الله عليه وسلم انطفأ ذات ليلة فقال : إنا لله وإنا إليه راجعون فقيل : أمصيبة هي يا رسول الله ؟ قال : نعم كل ما آذى المؤمن فهو مصيبة .قلت : هذا ثابت معناه في الصحيح ، خرج مسلم عن أبي سعيد وعن أبي هريرة رضي الله عنهما أنهما سمعا رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ما يصيب المؤمن من وصب ولا نصب ولا سقم ولا حزن حتى الهم يهمه إلا كفر به من سيئاته .الثانية : خرج ابن ماجه في سننه حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا وكيع بن الجراح عن هشام بن زياد عن أمه عن فاطمة بنت الحسين عن أبيها قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : من أصيب بمصيبة فذكر مصيبته فأحدث استرجاعا وإن تقادم عهدها كتب الله له من الأجر مثله يوم أصيب .الثالثة : من أعظم المصائب المصيبة في الدين ، ذكر أبو عمر عن الفريابي قال حدثنا فطر بن خليفة حدثنا عطاء بن أبي رباح قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إذا أصاب أحدكم مصيبة فليذكر مصابه بي فإنها من أعظم المصائب . أخرجه السمرقندي أبو محمد في مسنده ، أخبرنا أبو نعيم قال : أنبأنا فطر . . . ، فذكر مثله سواء . وأسند مثله عن مكحول مرسلا . قال أبو عمر : وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم ; لأن المصيبة به أعظم من كل مصيبة يصاب بها المسلم بعده إلى يوم القيامة ، انقطع الوحي وماتت النبوة . وكان أول ظهور الشر بارتداد العرب وغير ذلك ، وكان أول انقطاع الخير وأول نقصانه . قال أبو سعيد : ما نفضنا أيدينا من التراب من قبر رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أنكرنا قلوبنا . ولقد أحسن أبو العتاهية في نظمه معنى هذا الحديث حيث يقول :اصبر لكل مصيبة وتجلد واعلم بأن المرء غير مخلدأوما ترى أن المصائب جمة وترى المنية للعباد بمرصدمن لم يصب ممن ترى بمصيبة ؟ هذا سبيل لست فيه بأوحدفإذا ذكرت محمدا ومصابه فاذكر مصابك بالنبي محمدالرابعة : قوله تعالى : قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون جعل الله تعالى هذه الكلمات ملجأ لذوي المصائب ، وعصمة للممتحنين : لما جمعت من المعاني المباركة ، فإن قوله : إنا لله توحيد وإقرار بالعبودية والملك . وقوله : وإنا إليه راجعون إقرار بالهلك ، على أنفسنا والبعث من قبورنا ، واليقين أن رجوع الأمر كله إليه كما هو له . قال سعيد بن جبير رحمه الله تعالى : لم تعط هذه الكلمات نبيا قبل نبينا ، ولو عرفها يعقوب لما قال : يا أسفى على يوسف .الخامسة : قال أبو سنان : دفنت ابني سنانا وأبو طلحة الخولاني على شفير القبر ، فلما أردت الخروج أخذ بيدي فأنشطني وقال : ألا أبشرك يا أبا سنان حدثني الضحاك عن أبي موسى أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : إذا مات ولد العبد قال الله لملائكته أقبضتم ولد عبدي فيقولون نعم فيقول أقبضتم ثمرة فؤاده فيقولون نعم فيقول فماذا قال عبدي فيقولون حمدك واسترجع فيقول الله تعالى ابنوا لعبدي بيتا في الجنة وسموه بيت الحمد . وروى مسلم عن أم سلمة قالت سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ما من مسلم تصيبه مصيبة فيقول ما أمره الله عز وجل إنا لله وإنا إليه راجعون اللهم أجرني في مصيبتي وأخلف لي خيرا منها إلا أخلف الله له خيرا منها . فهذا تنبيه على قوله تعالى : وبشر الصابرين إما بالخلف كما أخلف الله لأم سلمة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فإنه تزوجها لما مات أبو سلمة زوجها . وإما بالثواب الجزيل ، كما في حديث أبي موسى ، وقد يكون بهما .
2:157
اُولٰٓىٕكَ عَلَیْهِمْ صَلَوٰتٌ مِّنْ رَّبِّهِمْ وَ رَحْمَةٌ -وَ اُولٰٓىٕكَ هُمُ الْمُهْتَدُوْنَ(۱۵۷)
یہ لوگ ہیں جن پر ان کے رب کی دروُ دیں ہیں اوررحمت اور یہی لوگ راہ پر ہیں،

السادسة : قوله تعالى : أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة هذه نعم من الله عز وجل على الصابرين المسترجعين . وصلاة الله على عبده : عفوه ورحمته وبركته وتشريفه إياه في الدنيا والآخرة . وقال الزجاج : الصلاة من الله عز وجل الغفران والثناء الحسن . ومن هذا الصلاة على الميت إنما هو الثناء عليه والدعاء له ، وكرر الرحمة لما اختلف اللفظ تأكيدا وإشباعا للمعنى ، كما قال : من البينات والهدى ، وقوله أم يحسبون أنا لا نسمع سرهم ونجواهم . وقال الشاعر :صلى على يحيى وأشياعه رب كريم وشفيع مطاعوقيل : أراد بالرحمة كشف الكربة وقضاء الحاجة . وفي البخاري وقال عمر رضي الله عنه : نعم العدلان ونعم العلاوة : الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة وأولئك هم المهتدون . أراد بالعدلين الصلاة والرحمة ، وبالعلاوة الاهتداء . قيل : إلى استحقاق الثواب وإجزال الأجر ، وقيل : إلى تسهيل المصائب وتخفيف الحزن .
2:158
اِنَّ الصَّفَا وَ الْمَرْوَةَ مِنْ شَعَآىٕرِ اللّٰهِۚ-فَمَنْ حَجَّ الْبَیْتَ اَوِ اعْتَمَرَ فَلَا جُنَاحَ عَلَیْهِ اَنْ یَّطَّوَّفَ بِهِمَاؕ-وَ مَنْ تَطَوَّعَ خَیْرًاۙ-فَاِنَّ اللّٰهَ شَاكِرٌ عَلِیْمٌ(۱۵۸)
بیشک صفا اور مروہ (ف۲۸۵) اللہ کے نشانوں سے ہیں (ف۲۸۶) تو جو اس گھر کا حج یا عمرہ کرے اس پر کچھ گناہ نہیں کہ ان دونوں کے پھیرے کرے (ف۲۸۷) اور جو کوئی بھلی بات اپنی طرف سے کرے تو اللہ نیکی کا صلہ دینے خبردار ہے-

قوله تعالى : إن الصفا والمروة من شعائر الله فمن حج البيت أو اعتمر فلا جناح عليه أن يطوف بهما ومن تطوع خيرا فإن الله شاكر عليم فيه تسع مسائل :الأولى : روى البخاري عن عاصم بن سليمان قال : سألت أنس بن مالك عن الصفا والمروة فقال : كنا نرى أنهما من أمر الجاهلية ، فلما كان الإسلام أمسكنا عنهما ، فأنزل الله عز وجل إن الصفا والمروة من شعائر الله فمن حج البيت أو اعتمر فلا جناح عليه أن يطوف بهما وخرج الترمذي عن عروة قال : قلت لعائشة ما أرى على أحد لم يطف بين الصفا والمروة شيئا ، وما أبالي ألا أطوف بينهما . فقالت : بئس ما قلت يا ابن أختي ! طاف رسول الله صلى الله عليه وسلم وطاف المسلمون ، وإنما كان من أهل لمناة الطاغية التي بالمشلل لا يطوفون بين الصفا والمروة ، فأنزل الله تعالى : فمن حج البيت أو اعتمر فلا جناح عليه أن يطوف بهما ولو كانت كما تقول لكانت : " فلا جناح عليه ألا يطوف بهما " قال الزهري : فذكرت ذلك لأبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام فأعجبه ذلك وقال : إن هذا لعلم ، ولقد سمعت رجالا من أهل العلم يقولون : إنما كان من لا يطوف بين الصفا والمروة من العرب يقولون إن طوافنا بين هذين الحجرين من أمر الجاهلية . وقال آخرون من الأنصار : إنما أمرنا بالطواف [ بالبيت ] ولم نؤمر به بين الصفا والمروة ، فأنزل الله تعالى : إن الصفا والمروة من شعائر الله قال أبو بكر بن عبد الرحمن : فأراها قد نزلت في هؤلاء وهؤلاء . قال : " هذا حديث حسن صحيح " . أخرجه البخاري بمعناه ، وفيه بعد قوله فأنزل الله تعالى إن الصفا والمروة من شعائر الله : قالت عائشة وقد سن رسول الله صلى الله عليه وسلم الطواف بينهما ، فليس لأحد أن يترك الطواف بينهما ، ثم أخبرت أبا بكر بن عبد الرحمن فقال : إن هذا لعلم ما كنت سمعته ، ولقد سمعت رجالا من أهل العلم يذكرون أن الناس - إلا من ذكرت عائشة - ممن كان يهل بمناة كانوا يطوفون كلهم بالصفا والمروة ، فلما ذكر الله تعالى الطواف بالبيت ولم يذكر الصفا والمروة في القرآن قالوا : يا رسول الله ، كنا نطوف بالصفا والمروة ، وإن الله أنزل الطواف بالبيت فلم يذكر الصفا ، فهل علينا من حرج أن نطوف بالصفا والمروة ؟ فأنزل الله عز وجل : إن الصفا والمروة من شعائر الله الآية . قال أبو بكر : فأسمع هذه الآية نزلت في الفريقين كليهما : في الذين كانوا يتحرجون أن يطوفوا في الجاهلية بالصفا والمروة ، والذين يطوفون ثم تحرجوا أن يطوفوا بهما في الإسلام ، من أجل أن الله تعالى أمر بالطواف بالبيت ، ولم يذكر الصفا حتى ذكر ذلك بعدما ذكر الطواف بالبيت " . وروى الترمذي عن عاصم بن سليمان الأحول قال : سألت أنس بن مالك عن الصفا والمروة فقال : كانا من شعائر الجاهلية ، فلما كان الإسلام أمسكنا عنهما ، فأنزل الله عز وجل : إن الصفا والمروة من شعائر الله فمن حج البيت أو اعتمر فلا جناح عليه أن يطوف بهما قال : هما تطوع ومن تطوع خيرا فإن الله شاكر عليم قال : هذا حديث حسن صحيح . خرجه البخاري أيضا . وعن ابن عباس قال كان في الجاهلية شياطين تعزف الليل كله بين الصفا والمروة وكان بينهما آلهة ، فلما ظهر الإسلام قال المسلمون : يا رسول الله ، لا نطوف بين الصفا والمروة فإنهما شرك ، فنزلت . وقال الشعبي : كان على الصفا في الجاهلية صنم يسمى " إسافا " وعلى المروة صنم يسمى " نائلة " فكانوا يمسحونهما إذا طافوا ، فامتنع المسلمون من الطواف بينهما من أجل ذلك ، فنزلت الآية .الثانية : أصل الصفا في اللغة الحجر الأملس ، وهو هنا جبل بمكة معروف ، وكذلك المروة جبل أيضا ، ولذلك أخرجهما بلفظ التعريف . وذكر الصفا لأن آدم المصطفى صلى الله عليه وسلم وقف عليه فسمي به ، ووقفت حواء على المروة فسميت باسم المرأة ، فأنث لذلك ، والله أعلم . وقال الشعبي : كان على الصفا صنم يسمى [ إسافا ] وعلى المروة صنم يدعى [ نائلة ] فاطرد ذلك في التذكير والتأنيث وقدم المذكر ، وهذا حسن ; لأن الأحاديث المذكورة تدل على هذا المعنى . وما كان كراهة من كره الطواف بينهما إلا من أجل هذا ، حتى رفع الله الحرج في ذلك . وزعم أهل الكتاب أنهما زنيا في الكعبة فمسخهما الله حجرين فوضعهما على الصفا والمروة ليعتبر بهما ، فلما طالت المدة عبدا من دون الله ، والله تعالى أعلم . والصفا ( مقصور ) : جمع صفاة ، وهي الحجارة الملس . وقيل : الصفا اسم مفرد ، وجمعه صفي ( بضم الصاد ) وأصفاء على مثل أرحاء . قال الراجز [ هو الأخيل ] :كأن متنيه من النفي مواقع الطير على الصفيوقيل : من شروط الصفا البياض والصلابة ، واشتقاقه من صفا يصفو ، أي خلص من التراب والطين . والمروة ( واحدة المرو ) وهي الحجارة الصغار التي فيها لين . وقد قيل إنها الصلاب . والصحيح أن المرو الحجارة صليبها ورخوها الذي يتشظى وترق حاشيته ، وفي هذا يقال : المرو أكثر ويقال في الصليب . قال الشاعر :وتولى الأرض خفا ذابلا فإذا ما صادف المرو رضخوقال أبو ذؤيب :حتى كأن للحوادث مروة بصفا المشقر كل يوم تقرعوقد قيل : إنها الحجارة السود . وقيل : حجارة بيض براقة تكون فيها النار .الثالثة : من شعائر الله أي من معالمه ومواضع عباداته ، وهي جمع شعيرة . والشعائر : المتعبدات التي أشعرها الله تعالى ، أي جعلها أعلاما للناس ، من الموقف والسعي والنحر . والشعار : العلامة ، يقال : أشعر الهدي أعلمه بغرز حديدة في سنامه ، من قولك : أشعرت أي أعلمت ، وقال الكميت :نقتلهم جيلا فجيلا تراهم شعائر قربان بهم يتقربالرابعة : قوله تعالى : فمن حج البيت أي قصد . وأصل الحج القصد ، قال الشاعر :فأشهد من عوف حلولا كثيرة يحجون سب الزبرقان المزعفراالسب : لفظ مشترك . قال أبو عبيدة : السب ( بالكسر ) الكثير السباب . وسبك أيضا الذي يسابك ، قال الشاعر [ هو عبد الرحمن بن حسان ] :لا تسبنني فلست بسبي إن سبي من الرجال الكريموالسب أيضا الخمار ، وكذلك العمامة ، قال المخبل السعدي :يحجون سب الزبرقان المزعفراوالسب أيضا الحبل في لغة هذيل ، قال أبو ذؤيب :تدلى عليها بين سب وخيطة بجرداء مثل الوكف يكبو غرابهاوالسبوب : الحبال . والسب : شقة كتان رقيقة ، والسبيبة مثله ، والجمع السبوب والسبائب ، قاله الجوهري . وحج الطبيب الشجة إذا سبرها بالميل ، قال الشاعر [ هو عذار بن درة الطائي ] :يحج مأمومة في قعرها لجفاللجف : الخسف . تلجفت البئر : انخسف أسفلها . ثم اختص هذا الاسم بالقصد إلى البيت الحرام لأفعال مخصوصة .الخامسة : قوله تعالى : أو اعتمر أي زار والعمرة : الزيارة ، قال الشاعر [ هو العجاج ] :لقد سما ابن معمر حين اعتمر مغزى بعيدا من بعيد وضبرالسادسة : قوله تعالى : فلا جناح عليه أي لا إثم . وأصله من الجنوح وهو الميل ، ومنه الجوانح للأعضاء لاعوجاجها . وقد تقدم تأويل عائشة لهذه الآية . قال ابن العربي : " وتحقيق القول فيه أن قول القائل : لا جناح عليك أن تفعل ، إباحة الفعل . وقوله : لا جناح عليك ألا تفعل ، إباحة لترك الفعل ، فلما سمع عروة قول الله تعالى : فلا جناح عليه أن يطوف بهما قال : هذا دليل على أن ترك الطواف جائز ، ثم رأى الشريعة مطبقة على أن الطواف لا رخصة في تركه فطلب الجمع بين هذين المتعارضين . فقالت له عائشة : ليس قوله : فلا جناح عليه أن يطوف بهما دليلا على ترك الطواف ، إنما كان يكون دليلا على تركه لو كان " فلا جناح عليه ألا يطوف بهما " فلم يأت هذا اللفظ لإباحة ترك الطواف ، ولا فيه دليل عليه ، وإنما جاء لإفادة إباحة الطواف لمن كان يتحرج منه في الجاهلية ، أو لمن كان يطوف به في الجاهلية قصدا للأصنام التي كانت فيه ، فأعلمهم الله سبحانه أن الطواف ليس بمحظور إذا لم يقصد الطائف قصدا باطلا " .فإن قيل : فقد روى عطاء عن ابن عباس أنه قرأ " فلا جناح عليه ألا يطوف بهما " وهي قراءة ابن مسعود ، ويروى أنها في مصحف أبي كذلك ، ويروى عن أنس مثل هذا . والجواب أن ذلك خلاف ما في المصحف ، ولا يترك ما قد ثبت في المصحف إلى قراءة لا يدرى أصحت أم لا ، وكان عطاء يكثر الإرسال عن ابن عباس من غير سماع . والرواية في هذا عن أنس قد قيل إنها ليست بالمضبوطة ، أو تكون " لا " زائدة للتوكيد ، كما قال :وما ألوم البيض ألا تسخرا لما رأين الشمط القفندراالسابعة : روى الترمذي عن جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم حين قدم مكة فطاف بالبيت سبعا فقرأ : واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى وصلى خلف المقام ، ثم أتى الحجر فاستلمه ثم قال : ( نبدأ بما بدأ الله به ) فبدأ بالصفا وقال إن الصفا والمروة من شعائر الله قال : هذا حديث حسن صحيح ، والعمل على هذا عند أهل العلم أنه يبدأ بالصفا قبل المروة ، فإن بدأ بالمروة قبل الصفا لم يجزه ويبدأ بالصفا .الثامنة : واختلف العلماء في وجوب السعي بين الصفا والمروة ، فقال الشافعي وابن حنبل : هو ركن ، وهو المشهور من مذهب مالك ، لقوله عليه السلام : اسعوا فإن الله كتب عليكم السعي . خرجه الدارقطني . وكتب بمعنى أوجب ، لقوله تعالى : كتب عليكم الصيام وقوله عليه السلام : خمس صلوات كتبهن الله على العباد . وخرج ابن ماجه عن أم ولد لشيبة قالت : رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يسعى بين الصفا والمروة وهو يقول : لا يقطع الأبطح إلا شدا فمن تركه أو شوطا منه ناسيا أو عامدا رجع من بلده أو من حيث ذكر إلى مكة فيطوف ويسعى ، لأن السعي لا يكون إلا متصلا بالطواف . وسواء عند مالك كان ذلك في حج أو عمرة وإن لم يكن في العمرة فرضا ، فإن كان قد أصاب النساء فعليه عمرة وهدي عند مالك مع تمام مناسكه . وقال الشافعي : عليه هدي ، ولا معنى للعمرة إذا رجع وطاف وسعى . وقال أبو حنيفة وأصحابه والثوري والشعبي : ليس بواجب ، فإن تركه أحد من الحاج حتى يرجع إلى بلاده جبره بالدم ; لأنه سنة من سنن الحج . وهو قول مالك في العتبية . وروي عن ابن عباس وابن الزبير وأنس بن مالك وابن سيرين أنه تطوع ، لقوله تعالى : ومن تطوع خيرا . وقرأ حمزة والكسائي " يطوع " مضارع مجزوم ، وكذلك فمن تطوع خيرا فهو خير له الباقون تطوع ماض ، وهو ما يأتيه المؤمن من قبل نفسه فمن أتى بشيء من النوافل فإن الله يشكره . وشكر الله للعبد إثابته على الطاعة . والصحيح ما ذهب إليه الشافعي رحمه الله تعالى لما ذكرنا ، وقوله عليه السلام : خذوا عني مناسككم فصار بيانا لمجمل الحج ، فالواجب أن يكون فرضا ، كبيانه لعدد الركعات ، وما كان مثل ذلك إذا لم يتفق على أنه سنة أو تطوع .وقال طليب : رأى ابن عباس قوما يطوفون بين الصفا والمروة فقال : هذا ما أورثتكم أمكم أم إسماعيل .قلت : وهذا ثابت في صحيح البخاري على ما يأتي بيانه في سورة " إبراهيم " .التاسعة : ولا يجوز أن يطوف أحد بالبيت ولا بين الصفا والمروة راكبا إلا من عذر ، فإن طاف معذورا فعليه دم ، وإن طاف غير معذور أعاد إن كان بحضرة البيت ، وإن غاب عنه أهدى . إنما قلنا ذلك لأن النبي صلى الله عليه وسلم طاف بنفسه وقال : خذوا عني مناسككم . وإنما جوزنا ذلك من العذر ; لأن النبي صلى الله عليه وسلم طاف على بعيره واستلم الركن بمحجنه وقال لعائشة وقد قالت له : إني أشتكي ، فقال : طوفي من وراء الناس وأنت راكبة . وفرق أصحابنا بين أن يطوف على بعير أو يطوف على ظهر إنسان ، فإن طاف على ظهر إنسان لم يجزه ; لأنه حينئذ لا يكون طائفا ، وإنما الطائف الحامل . وإذا طاف على بعير يكون هو الطائف . قال ابن خويز منداد : وهذه تفرقة اختيار ، وأما الإجزاء فيجزئ ، ألا ترى أنه لو أغمي عليه فطيف به محمولا ، أو وقف به بعرفات محمولا كان مجزئا عنه .
2:159
اِنَّ الَّذِیْنَ یَكْتُمُوْنَ مَاۤ اَنْزَلْنَا مِنَ الْبَیِّنٰتِ وَ الْهُدٰى مِنْۢ بَعْدِ مَا بَیَّنّٰهُ لِلنَّاسِ فِی الْكِتٰبِۙ-اُولٰٓىٕكَ یَلْعَنُهُمُ اللّٰهُ وَ یَلْعَنُهُمُ اللّٰعِنُوْنَۙ(۱۵۹)
بیشک وہ جو ہماری اتاری ہوئی روشن باتوں اور ہدایت کو چھپاتے ہیں (ف۲۸۸) بعد اس کے کہ لوگوں کے لئے ہم اسے کتاب میں واضح فرماچکے ہیں ان پر اللہ کی لعنت ہے اور لعنت کرنے والوں کی لعنت -(ف۲۸۹)

قوله تعالى : إن الذين يكتمون ما أنزلنا من البينات والهدى من بعد ما بيناه للناس في الكتاب أولئك يلعنهم الله ويلعنهم اللاعنونوفيه سبع مسائل :الأولى : أخبر الله تعالى أن الذي يكتم ما أنزل من البينات والهدى ملعون . واختلفوا من المراد بذلك ، فقيل : أحبار اليهود ورهبان النصارى الذين كتموا أمر محمد صلى الله عليه وسلم ، وقد كتم اليهود أمر الرجم . وقيل : المراد كل من كتم الحق ، فهي عامة في كل من كتم علما من دين الله يحتاج إلى بثه ، وذلك مفسر في قوله صلى الله عليه وسلم : من سئل عن علم يعلمه فكتمه ألجمه الله يوم القيامة بلجام من نار . رواه أبو هريرة وعمرو بن العاص أخرجه ابن ماجه . ويعارضه قول عبد الله بن مسعود : ما أنت بمحدث قوما حديثا لا تبلغه عقولهم إلا كان لبعضهم فتنة . وقال عليه السلام : حدث الناس بما يفهمون أتحبون أن يكذب الله ورسوله . وهذا محمول على بعض العلوم ، كعلم الكلام أو ما لا يستوي في فهمه جميع العوام ، فحكم العالم أن يحدث بما يفهم عنه ، وينزل كل إنسان منزلته ، والله تعالى أعلم .الثانية : هذه الآية هي التي أراد أبو هريرة رضي الله عنه في قوله : لولا آية في كتاب الله تعالى ما حدثتكم حديثا . وبها استدل العلماء على وجوب تبليغ العلم الحق ، وتبيان العلم على الجملة ، دون أخذ الأجرة عليه ، إذ لا يستحق الأجرة على ما عليه فعله ، كما لا يستحق الأجرة على الإسلام ، وقد مضى القول في هذا .وتحقيق الآية هو : أن العالم إذا قصد كتمان العلم عصى ، وإذا لم يقصده لم يلزمه التبليغ إذا عرف أنه مع غيره . وأما من سئل فقد وجب عليه التبليغ لهذه الآية وللحديث . أما أنه لا يجوز تعليم الكافر القرآن والعلم حتى يسلم ، وكذلك لا يجوز تعليم المبتدع الجدال والحجاج ليجادل به أهل الحق ، ولا يعلم الخصم على خصمه حجة يقطع بها ماله ، ولا السلطان تأويلا يتطرق به إلى مكاره الرعية ، ولا ينشر الرخص في السفهاء فيجعلوا ذلك طريقا إلى ارتكاب المحظورات ، وترك الواجبات ونحو ذلك . يروى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : لا تمنعوا الحكمة أهلها فتظلموهم ولا تضعوها في غير أهلها فتظلموها . وروي عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال : لا تعلقوا الدر في أعناق الخنازير ، يريد تعليم الفقه من ليس من أهله . وقد قال سحنون : إن حديث أبي هريرة وعمرو بن العاص إنما جاء في الشهادة . قال ابن العربي : والصحيح خلافه ; لأن في الحديث ( من سئل عن علم ) ولم يقل عن شهادة ، والبقاء على الظاهر حتى يرد عليه ما يزيله ، والله أعلم .الثالثة : قوله تعالى : من البينات والهدى يعم المنصوص عليه والمستنبط ، لشمول اسم الهدى للجميع . وفيه دليل على وجوب العمل بقول الواحد ; لأنه لا يجب عليه البيان إلا وقد وجب قبول قوله ، وقال : إلا الذين تابوا وأصلحوا وبينوا فحكم بوقوع البيان بخبرهم .فإن قيل : إنه يجوز أن يكون كل واحد منهم منهيا عن الكتمان ومأمورا بالبيان ليكثر المخبرون ويتواتر بهم الخبر . قلنا : هذا غلط ; لأنهم لم ينهوا عن الكتمان إلا وهم ممن يجوز عليهم التواطؤ عليه ، ومن جاز منهم التواطؤ على الكتمان فلا يكون خبرهم موجبا للعلم ، والله تعالى أعلم .الرابعة : لما قال : من البينات والهدى دل على أن ما كان من غير ذلك جائز كتمه ، لا سيما إن كان مع ذلك خوف فإن ذلك آكد في الكتمان . وقد ترك أبو هريرة ذلك حين خاف فقال : حفظت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وعاءين ، فأما أحدهما فبثثته ، وأما الآخر فلو بثثته قطع هذا البلعوم . أخرجه البخاري . قال أبو عبد الله : البلعوم مجرى الطعام . قال علماؤنا : وهذا الذي لم يبثه أبو هريرة وخاف على نفسه فيه الفتنة أو القتل إنما هو مما يتعلق بأمر الفتن والنص على أعيان المرتدين والمنافقين ، ونحو هذا مما لا يتعلق بالبينات والهدى ، والله تعالى أعلم .الخامسة : قوله تعالى : من بعد ما بيناه الكناية في بيناه ترجع إلى ما أنزل من البينات والهدى . والكتاب : اسم جنس ، فالمراد جميع الكتب المنزلة .السادسة : قوله تعالى : أولئك يلعنهم الله أي يتبرأ منهم ويبعدهم من ثوابه ويقول لهم : عليكم لعنتي ، كما قال للعين : وإن عليك لعنتي . وأصل اللعن في اللغة الإبعاد والطرد ، وقد تقدم .السابعة : قوله تعالى : ويلعنهم اللاعنون قال قتادة والربيع : المراد ب اللاعنون الملائكة والمؤمنون . قال ابن عطية : وهذا واضح جار على مقتضى الكلام . وقال مجاهد وعكرمة : هم الحشرات والبهائم يصيبهم الجدب بذنوب علماء السوء الكاتمين فيلعنونهم . قال الزجاج : والصواب قول من قال : اللاعنون الملائكة والمؤمنون ، فأما أن يكون ذلك لدواب الأرض فلا يوقف على حقيقته إلا بنص أو خبر لازم ولم نجد من ذينك شيئا .قلت : قد جاء بذلك خبر رواه البراء بن عازب رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في قوله تعالى : يلعنهم الله ويلعنهم اللاعنون قال : ( دواب الأرض ) . أخرجه ابن ماجه عن محمد بن الصباح أنبأنا عمار بن محمد عن ليث عن أبي المنهال عن زاذان عن البراء إسناد حسن .فإن قيل : كيف جمع من لا يعقل جمع من يعقل ؟ قيل : لأنه أسند إليهم فعل من يعقل ، كما قال : رأيتهم لي ساجدين ولم يقل ساجدات ، وقد قال : لم شهدتم علينا ، وقال : وتراهم ينظرون إليك ، ومثله كثير ، وسيأتي إن شاء الله تعالى . وقال البراء بن عازب وابن عباس : اللاعنون كل المخلوقات ما عدا الثقلين : الجن والإنس ، وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : الكافر إذا ضرب في قبره فصاح سمعه الكل إلا الثقلين ولعنه كل سامع . وقال ابن مسعود والسدي : ( هو الرجل يلعن صاحبه فترتفع اللعنة إلى السماء ثم تنحدر فلا تجد صاحبها الذي قيلت فيه أهلا لذلك ، فترجع إلى الذي تكلم بها فلا تجده أهلا فتنطلق فتقع على اليهود الذين كتموا ما أنزل الله تعالى ، فهو قوله : ويلعنهم اللاعنون فمن مات منهم ارتفعت اللعنة عنه فكانت فيمن بقي من اليهود ) .
2:160
اِلَّا الَّذِیْنَ تَابُوْا وَ اَصْلَحُوْا وَ بَیَّنُوْا فَاُولٰٓىٕكَ اَتُوْبُ عَلَیْهِمْۚ-وَ اَنَا التَّوَّابُ الرَّحِیْمُ(۱۶۰)
مگر وہ جو توبہ کریں اور سنواریں اور ظاہر کریں تو میں ان کی توبہ قبول فرماؤں گا اور میں ہی ہوں بڑا توبہ قبول فرمانے والا مہربان،

قوله تعالى : إلا الذين تابوا وأصلحوا وبينوا فأولئك أتوب عليهم وأنا التواب الرحيمقوله تعالى : إلا الذين تابوا استثنى تعالى التائبين الصالحين لأعمالهم وأقوالهم المنيبين لتوبتهم . ولا يكفي في التوبة عند علمائنا قول القائل : قد تبت ، حتى يظهر منه في الثاني خلاف الأول ، فإن كان مرتدا رجع إلى الإسلام مظهرا شرائعه ، وإن كان من أهل المعاصي ظهر منه العمل الصالح ، وجانب أهل الفساد والأحوال التي كان عليها ، وإن كان من أهل الأوثان جانبهم وخالط أهل الإسلام ، وهكذا يظهر عكس ما كان عليه . وسيأتي بيان التوبة وأحكامها في " النساء " إن شاء الله تعالى .وقال بعض العلماء في قوله : وبينوا أي بكسر الخمر وإراقتها . وقيل : بينوا يعني ما في التوراة من نبوة محمد صلى الله عليه وسلم ووجوب اتباعه . والعموم أولى على ما بيناه ، أي بينوا خلاف ما كانوا عليه ، والله تعالى أعلم . فأولئك أتوب عليهم وأنا التواب الرحيم تقدم والحمد لله .
  FONT
  THEME
  TRANSLATION
  • English | Ahmed Ali
  • Urdu | Ahmed Raza Khan
  • Turkish | Ali-Bulaç
  • German | Bubenheim Elyas
  • Chinese | Chineese
  • Spanish | Cortes
  • Dutch | Dutch
  • Portuguese | El-Hayek
  • English | English
  • Urdu | Fateh Muhammad Jalandhry
  • French | French
  • Hausa | Hausa
  • Indonesian | Indonesian-Bahasa
  • Italian | Italian
  • Korean | Korean
  • Malay | Malay
  • Russian | Russian
  • Tamil | Tamil
  • Thai | Thai
  • Farsi | مکارم شیرازی
  TAFSEER
  • العربية | التفسير الميسر
  • العربية | تفسير الجلالين
  • العربية | تفسير السعدي
  • العربية | تفسير ابن كثير
  • العربية | تفسير الوسيط لطنطاوي
  • العربية | تفسير البغوي
  • العربية | تفسير القرطبي
  • العربية | تفسير الطبري
  • English | Arberry
  • English | Yusuf Ali
  • Dutch | Keyzer
  • Dutch | Leemhuis
  • Dutch | Siregar
  • Urdu | Sirat ul Jinan
  HELP

اَلْبَقَرَة
اَلْبَقَرَة
  00:00



Download

اَلْبَقَرَة
اَلْبَقَرَة
  00:00



Download