READ
Surah Aal Imraan
اٰلِ عِمْرَان
200 Ayaat مدنیۃ
3:0
بِسْمِ اللّٰهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحِیْمِ
اللہ کے نام سے شروع جو بہت مہربان رحمت والا
( بسم الله الرحمن الرحيم )يقال لها : الفاتحة ، أي فاتحة الكتاب خطا ، وبها تفتح القراءة في الصلاة ، ويقال لها أيضا : أم الكتاب عند الجمهور ، وكره أنس ، والحسن وابن سيرين كرها تسميتها بذلك ، قال الحسن وابن سيرين : إنما ذلك اللوح المحفوظ ، وقال الحسن : الآيات المحكمات : هن أم الكتاب ، ولذا كرها - أيضا - أن يقال لها أم القرآن وقد ثبت في [ الحديث ] الصحيح عند الترمذي وصححه عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : الحمد لله أم القرآن وأم الكتاب والسبع المثاني والقرآن العظيم ويقال لها : الحمد ، ويقال لها : الصلاة ، لقوله عليه السلام عن ربه : قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين ، فإذا قال العبد : الحمد لله رب العالمين ، قال الله : حمدني عبدي الحديث . فسميت الفاتحة صلاة ؛ لأنها شرط فيها . ويقال لها : الشفاء ؛ لما رواه الدارمي عن أبي سعيد مرفوعا : فاتحة الكتاب شفاء من كل سم . ويقال لها : الرقية ؛ لحديث أبي سعيد في الصحيح حين رقى بها الرجل السليم ، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : وما يدريك أنها رقية ؟ . وروى الشعبي عن ابن عباس أنه سماها : أساس القرآن ، قال : فأساسها بسم الله الرحمن الرحيم ، وسماها سفيان بن عيينة : الواقية . وسماها يحيى بن أبي كثير : الكافية ؛ لأنها تكفي عما عداها ولا يكفي ما سواها عنها ، كما جاء في بعض الأحاديث المرسلة : أم القرآن عوض من غيرها ، وليس غيرها عوضا عنها . ويقال لها : سورة الصلاة والكنز ، ذكرهما الزمخشري في كشافه . وهي مكية ، قاله ابن عباس وقتادة وأبو العالية ، وقيل مدنية ، قاله أبو هريرة ومجاهد وعطاء بن يسار والزهري . ويقال : نزلت مرتين : مرة بمكة ، ومرة بالمدينة ، والأول أشبه لقوله تعالى : ( ولقد آتيناك سبعا من المثاني ) [ الحجر : 87 ] ، والله أعلم . وحكى أبو الليث السمرقندي أن نصفها نزل بمكة ونصفها الآخر نزل بالمدينة ، وهو غريب جدا ، نقله القرطبي عنه . وهي سبع آيات بلا خلاف ، [ وقال عمرو بن عبيد : ثمان ، وقال حسين الجعفي : ستة وهذان شاذان ] . وإنما اختلفوا في البسملة : هل هي آية مستقلة من أولها كما هو عند جمهور قراء الكوفة وقول الجماعة من الصحابة والتابعين وخلق من الخلف ، أو بعض آية أو لا تعد من أولها بالكلية ، كما هو قول أهل المدينة من القراء والفقهاء ؟ على ثلاثة أقوال ، سيأتي تقريره في موضعه إن شاء الله تعالى ، وبه الثقة .قالوا : وكلماتها خمس وعشرون كلمة ، وحروفها مائة وثلاثة عشر حرفا . قال البخاري في أول كتاب التفسير : وسميت أم الكتاب سورة الفاتحة ، لأنه يبدأ بكتابتها في المصاحف ، ويبدأ بقراءتها في الصلاة وقيل : إنما سميت بذلك لرجوع معاني القرآن كله إلى ما تضمنته . قال ابن جرير : والعرب تسمي كل جامع أمر أو مقدم لأمر - إذا كانت له توابع تتبعه هو لها إمام جامع - أما ، فتقول للجلدة التي تجمع الدماغ ، أم الرأس ، ويسمون لواء الجيش ورايتهم التي يجتمعون تحتها أما ، واستشهد بقول ذي الرمة :على رأسه أم لنا نقتدي بها جماع أمور ليس نعصي لها أمرايعني : الرمح . قال : وسميت مكة : أم القرى لتقدمها أمام جميعها وجمعها ما سواها ، وقيل : لأن الأرض دحيت منها .ويقال لها أيضا : الفاتحة ؛ لأنها تفتتح بها القراءة ، وافتتحت الصحابة بها كتابة المصحف الإمام ، وصح تسميتها بالسبع المثاني ، قالوا : لأنها تثنى في الصلاة ، فتقرأ في كل ركعة ، وإن كان للمثاني معنى آخر غير هذا ، كما سيأتي بيانه في موضعه إن شاء الله . قال الإمام أحمد : حدثنا يزيد بن هارون ، أنبأنا ابن أبي ذئب وهاشم بن هاشم عن ابن أبي ذئب ، عن المقبري ، عن أبي هريرة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال لأم القرآن : هي أم القرآن ، وهي السبع المثاني ، وهي القرآن العظيم . ثم رواه عن إسماعيل بن عمر عن ابن أبي ذئب به ، وقال أبو جعفر محمد بن جرير الطبري : حدثني يونس بن عبد الأعلى ، أنا ابن وهب ، أخبرني ابن أبي ذئب ، عن سعيد المقبري ، عن أبي هريرة ، رضي الله عنه ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : هي أم القرآن ، وهي فاتحة الكتاب ، وهي السبع المثاني . وقال الحافظ أبو بكر أحمد بن موسى بن مردويه في تفسيره : حدثنا أحمد بن محمد بن زياد ، ثنا محمد بن غالب بن حارث ، ثنا إسحاق بن عبد الواحد الموصلي ، ثنا المعافى بن عمران ، عن عبد الحميد بن جعفر ، عن نوح بن أبي بلال ، عن المقبري ، عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : الحمد لله رب العالمين سبع آيات : بسم الله الرحمن الرحيم إحداهن ، وهي السبع المثاني والقرآن العظيم ، وهي أم الكتاب .وقد رواه الدارقطني أيضا عن أبي هريرة مرفوعا بنحوه أو مثله ، وقال : كلهم ثقات . وروى البيهقي عن علي وابن عباس وأبي هريرة أنهم فسروا قوله تعالى : ( سبعا من المثاني ) [ الحجر : 87 ] بالفاتحة ، وأن البسملة هي الآية السابعة منها ، وسيأتي تمام هذا عند البسملة .وقد روى الأعمش عن إبراهيم قال : قيل لابن مسعود : لم لم تكتب الفاتحة في مصحفك ؟ قال : لو كتبتها لكتبتها في أول كل سورة . قال أبو بكر بن أبي داود : يعني حيث يقرأ في الصلاة ، قال : واكتفيت بحفظ المسلمين لها عن كتابتها .وقد قيل : إن الفاتحة أول شيء نزل من القرآن ، كما ورد في حديث رواه البيهقي في دلائل النبوة ونقله الباقلاني أحد أقوال ثلاثة هذا [ أحدها ] وقيل : ( يا أيها المدثر كما في حديث جابر في الصحيح . وقيل : ( اقرأ باسم ربك الذي خلق ) [ العلق : 1 ] وهذا هو الصحيح ، كما سيأتي تقريره في موضعه ، والله المستعان.ذكر ما ورد في فضل الفاتحةقال الإمام أحمد بن محمد بن حنبل - رحمه الله - في مسنده : حدثنا يحيى بن سعيد ، عن شعبة ، حدثني خبيب بن عبد الرحمن ، عن حفص بن عاصم ، عن أبي سعيد بن المعلى - رضي الله عنه - قال : كنت أصلي فدعاني رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فلم أجبه حتى صليت وأتيته ، فقال : ما منعك أن تأتيني ؟ . قال : قلت : يا رسول الله ، إني كنت أصلي . قال : ألم يقل الله : ( يا أيها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم ) [ الأنفال : 24 ] ثم قال : لأعلمنك أعظم سورة في القرآن قبل أن تخرج من المسجد . قال : فأخذ بيدي ، فلما أراد أن يخرج من المسجد قلت : يا رسول الله إنك قلت : لأعلمنك أعظم سورة في القرآن . قال : نعم ، الحمد لله رب العالمين هي : السبع المثاني والقرآن العظيم الذي أوتيته .وهكذا رواه البخاري عن مسدد ، وعلي بن المديني ، كلاهما عن يحيى بن سعيد القطان ، به . ورواه في موضع آخر من التفسير ، وأبو داود ، والنسائي ، وابن ماجه من طرق عن شعبة ، به . ورواه الواقدي عن محمد بن معاذ الأنصاري ، عن خبيب بن عبد الرحمن ، عن حفص بن عاصم ، عن أبي سعيد بن المعلى ، عن أبي بن كعب ، فذكر نحوه .وقد وقع في الموطأ للإمام مالك بن أنس ، ما ينبغي التنبيه عليه ، فإنه رواه مالك عن العلاء بن عبد الرحمن بن يعقوب الحرقي : أن أبا سعيد مولى عامر بن كريز أخبرهم ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نادى أبي بن كعب ، وهو يصلي في المسجد ، فلما فرغ من صلاته لحقه ، قال : فوضع النبي صلى الله عليه وسلم يده على يدي ، وهو يريد أن يخرج من باب المسجد ، ثم قال : إني لأرجو ألا تخرج من باب المسجد حتى تعلم سورة ما أنزل في التوراة ولا في الإنجيل ولا في الفرقان مثلها . قال أبي : فجعلت أبطئ في المشي رجاء ذلك ، ثم قلت : يا رسول الله ، ما السورة التي وعدتني ؟ قال : كيف تقرأ إذا افتتحت الصلاة ؟ قال : فقرأت عليه : ( الحمد لله رب العالمين حتى أتيت على آخرها ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : هي هذه السورة ، وهي السبع المثاني والقرآن العظيم الذي أعطيت . فأبو سعيد هذا ليس بأبي سعيد بن المعلى ، كما اعتقده ابن الأثير في جامع الأصول ومن تبعه ، فإن ابن المعلى صحابي أنصاري ، وهذا تابعي من موالي خزاعة ، وذاك الحديث متصل صحيح ، وهذا ظاهره أنه منقطع ، إن لم يكن سمعه أبو سعيد هذا من أبي بن كعب ، فإن كان قد سمعه منه فهو على شرط مسلم ، والله أعلم . على أنه قد روي عن أبي بن كعب من غير وجه كما قال الإمام أحمد :حدثنا عفان ، حدثنا عبد الرحمن بن إبراهيم ، حدثنا العلاء بن عبد الرحمن ، عن أبيه ، عن أبي هريرة قال : خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم على أبي بن كعب ، وهو يصلي ، فقال : يا أبي ، فالتفت ثم لم يجبه ، ثم قال : أبي ، فخفف . ثم انصرف إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال : السلام عليك أي رسول الله . فقال : وعليك السلام [ قال ] : ما منعك أي أبي إذ دعوتك أن تجيبني ؟ . قال : أي رسول الله ، كنت في الصلاة ، قال : أولست تجد فيما أوحى الله إلي استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم ) [ الأنفال : 24 ] . قال : بلى يا رسول الله ، لا أعود ، قال : أتحب أن أعلمك سورة لم تنزل لا في التوراة ولا في الإنجيل ولا في الزبور ولا في الفرقان مثلها ؟ قلت : نعم ، أي رسول الله ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إني لأرجو ألا أخرج من هذا الباب حتى تعلمها قال : فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بيدي يحدثني ، وأنا أتبطأ ، مخافة أن يبلغ قبل أن يقضي الحديث ، فلما دنونا من الباب قلت : أي رسول الله ، ما السورة التي وعدتني قال : ما تقرأ في الصلاة ؟ . قال : فقرأت عليه أم القرآن ، قال : والذي نفسي بيده ما أنزل الله في التوراة ولا في الإنجيل ولا في الزبور ، ولا في الفرقان مثلها ؛ إنها السبع المثاني . ورواه الترمذي ، عن قتيبة ، عن الدراوردي ، عن العلاء ، عن أبيه ، عن أبي هريرة ، فذكره ، وعنده : إنها من السبع المثاني والقرآن العظيم الذي أعطيته ، ثم قال : هذا حديث حسن صحيح .وفي الباب ، عن أنس بن مالك ، ورواه عبد الله بن [ الإمام ] أحمد ، عن إسماعيل بن أبي معمر ، عن أبي أسامة ، عن عبد الحميد بن جعفر ، عن العلاء ، عن أبيه ، عن أبي هريرة ، عن أبي بن كعب ، فذكره مطولا بنحوه ، أو قريبا منه . وقد رواه الترمذي والنسائي جميعا عن أبي عمار حسين بن حريث ، عن الفضل بن موسى ، عن عبد الحميد بن جعفر ، عن العلاء ، عن أبيه ، عن أبي هريرة ، عن أبي بن كعب ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ما أنزل الله في التوراة ولا في الإنجيل مثل أم القرآن ، وهي السبع المثاني ، وهي مقسومة بيني وبين عبدي ، هذا لفظ النسائي . وقال الترمذي : حسن غريب .وقال الإمام أحمد : حدثنا محمد بن عبيد ، حدثنا هاشم ، يعني ابن البريد حدثنا عبد الله بن محمد بن عقيل ، عن ابن جابر ، قال : انتهيت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد أهراق الماء ، فقلت : السلام عليك يا رسول الله . فلم يرد علي ، قال : فقلت : السلام عليك يا رسول الله . فلم يرد علي ، قال : فقلت : السلام عليك يا رسول الله ، فلم يرد علي . قال : فانطلق رسول الله صلى الله عليه وسلم يمشي ، وأنا خلفه حتى دخل رحله ، ودخلت أنا المسجد ، فجلست كئيبا حزينا ، فخرج علي رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد تطهر ، فقال : عليك السلام ورحمة الله ، وعليك السلام ورحمة الله ، وعليك السلام ورحمة الله ، ثم قال : ألا أخبرك يا عبد الله بن جابر بأخير سورة في القرآن ؟ قلت : بلى يا رسول الله . قال : اقرأ : الحمد لله رب العالمين ، حتى تختمها . هذا إسناد جيد ، وابن عقيل تحتج به الأئمة الكبار ، وعبد الله بن جابر هذا هو الصحابي ، ذكر ابن الجوزي أنه هو العبدي ، والله أعلم . ويقال : إنه عبد الله بن جابر الأنصاري البياضي ، فيما ذكره الحافظ ابن عساكر . واستدلوا بهذا الحديث وأمثاله على تفاضل بعض الآيات والسور على بعض ، كما هو المحكي عن كثير من العلماء ، منهم : إسحاق بن راهويه ، وأبو بكر بن العربي ، وابن الحصار من المالكية . وذهبت طائفة أخرى إلى أنه لا تفاضل في ذلك ؛ لأن الجميع كلام الله ، ولئلا يوهم التفضيل نقص المفضل عليه ، وإن كان الجميع فاضلا ، نقله القرطبي عن الأشعري ، وأبي بكر الباقلاني ، وأبي حاتم بن حبان البستي ، ويحيى بن يحيى ، ورواية عن الإمام مالك [ أيضا ] .حديث آخر : قال البخاري في فضائل القرآن : حدثنا محمد بن المثنى ، حدثنا وهب ، حدثنا هشام ، عن محمد بن معبد ، عن أبي سعيد الخدري ، قال : كنا في مسير لنا ، فنزلنا ، فجاءت جارية فقالت : إن سيد الحي سليم ، وإن نفرنا غيب ، فهل منكم راق ؟ فقام معها رجل ما كنا نأبنه برقية ، فرقاه ، فبرئ ، فأمر له بثلاثين شاة ، وسقانا لبنا ، فلما رجع قلنا له : أكنت تحسن رقية ، أو كنت ترقي ؟ قال : لا ما رقيت إلا بأم الكتاب ، قلنا : لا تحدثوا شيئا حتى نأتي ، أو نسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فلما قدمنا المدينة ذكرناه للنبي صلى الله عليه وسلم فقال : وما كان يدريه أنها رقية ، اقسموا واضربوا لي بسهم .وقال أبو معمر : حدثنا عبد الوارث ، حدثنا هشام ، حدثنا محمد بن سيرين ، حدثني معبد بن سيرين ، عن أبي سعيد الخدري بهذا .وهكذا رواه مسلم ، وأبو داود من رواية هشام ، وهو ابن حسان ، عن ابن سيرين ، به . وفي بعض روايات مسلم لهذا الحديث : أن أبا سعيد هو الذي رقى ذلك السليم ، يعني : اللديغ ، يسمونه بذلك تفاؤلا .حديث آخر : روى مسلم في صحيحه ، والنسائي في سننه ، من حديث أبي الأحوص سلام بن سليم ، عن عمار بن رزيق ، عن عبد الله بن عيسى بن عبد الرحمن بن أبي ليلى ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس ، قال : بينا رسول الله صلى الله عليه وسلم وعنده جبريل ، إذ سمع نقيضا فوقه ، فرفع جبريل بصره إلى السماء ، فقال : هذا باب قد فتح من السماء ، ما فتح قط . قال : فنزل منه ملك ، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : أبشر بنورين قد أوتيتهما لم يؤتهما نبي قبلك : فاتحة الكتاب ، وخواتيم سورة البقرة ، ولن تقرأ حرفا منهما إلا أوتيته . وهذا لفظ النسائي .ولمسلم نحوه حديث آخر : قال مسلم : حدثنا إسحاق بن إبراهيم الحنظلي ، هو ابن راهويه ، حدثنا سفيان بن عيينة ، عن العلاء ، يعني ابن عبد الرحمن بن يعقوب الحرقي عن أبي هريرة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم ، قال : من صلى صلاة لم يقرأ فيها أم القرآن فهي خداج - ثلاثا - غير تمام . فقيل لأبي هريرة : إنا نكون وراء الإمام ، قال : اقرأ بها في نفسك ؛ فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : قال الله عز وجل : قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين ، ولعبدي ما سأل فإذا قال العبد : ( الحمد لله رب العالمين ) [ الفاتحة : 2 ] ، قال الله : حمدني عبدي ، وإذا قال : ( الرحمن الرحيم [ الفاتحة : 3 ] ، قال الله : أثنى علي عبدي ، فإذا قال : ( مالك يوم الدين ) [ الفاتحة : 4 ] ، قال مجدني عبدي - وقال مرة : فوض إلي عبدي - فإذا قال : ( إياك نعبد وإياك نستعين ) [ الفاتحة : 5 ] ، قال : هذا بيني وبين عبدي ، ولعبدي ما سأل ، فإذا قال : ( اهدنا الصراط المستقيم صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين ) [ الفاتحة : 6 ، 7 ] ، قال هذا لعبدي ولعبدي ما سأل .وهكذا رواه النسائي ، عن إسحاق بن راهويه . وقد روياه - أيضا - عن قتيبة ، عن مالك ، عن العلاء ، عن أبي السائب مولى هشام بن زهرة ، عن أبي هريرة ، به وفي هذا السياق : فنصفها لي ونصفها لعبدي ، ولعبدي ما سأل .وكذا رواه ابن إسحاق ، عن العلاء ، وقد رواه مسلم من حديث ابن جريج ، عن العلاء ، عن أبي السائب هكذا .ورواه - أيضا - من حديث ابن أبي أويس ، عن العلاء ، عن أبيه وأبي السائب ، كلاهما عن أبي هريرة .وقال الترمذي : هذا حديث حسن ، وسألت أبا زرعة عنه فقال : كلا الحديثين صحيح ، من قال : عن العلاء ، عن أبيه ، وعن العلاء عن أبي السائب .وقد روى هذا الحديث عبد الله ابن الإمام أحمد ، من حديث العلاء ، عن أبيه ، عن أبي هريرة ، عن أبي بن كعب مطولا .قال ابن جرير : حدثنا صالح بن مسمار المروزي ، حدثنا زيد بن الحباب ، حدثنا عنبسة بن سعيد ، عن مطرف بن طريف ، عن سعيد بن إسحاق بن كعب بن عجرة ، عن جابر بن عبد الله ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : قال الله تعالى : قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين ، وله ما سأل ، فإذا قال العبد : ( الحمد لله رب العالمين قال : حمدني عبدي ، وإذا قال : ( الرحمن الرحيم قال : أثنى علي عبدي . ثم قال : هذا لي ، وله ما بقيوهذا غريب من هذا الوجه .ثم الكلام على ما يتعلق بهذا الحديث مما يختص بالفاتحة من وجوه :أحدها : أنه قد أطلق فيه لفظ الصلاة ، والمراد القراءة كقوله تعالى : ( ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها وابتغ بين ذلك سبيلا ) [ الإسراء : 110 ] ، أي : بقراءتك كما جاء مصرحا به في الصحيح ، عن ابن عباس وهكذا قال في هذا الحديث : قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين ، فنصفها لي ونصفها لعبدي ، ولعبدي ما سأل ثم بين تفصيل هذه القسمة في قراءة الفاتحة في الصلاة فدل على عظم القراءة في الصلاة ، وأنها من أكبر أركانها ، إذ أطلقت العبادة وأريد بها جزء واحد منها وهو القراءة ؛ كما أطلق لفظ القراءة والمراد به الصلاة في قوله : ( وقرآن الفجر إن قرآن الفجر كان مشهودا ) [ الإسراء : 78 ] ، والمراد صلاة الفجر ، كما جاء مصرحا به في الصحيحين : من أنه يشهدها ملائكة الليل وملائكة النهار ، فدل هذا كله على أنه لا بد من القراءة في الصلاة ، وهو اتفاق من العلماء .ولكن اختلفوا في مسألة نذكرها في الوجه الثاني ، وذلك أنه هل يتعين للقراءة في الصلاة فاتحة الكتاب ، أم تجزئ هي أو غيرها ؟ على قولين مشهورين ، فعند أبي حنيفة ومن وافقه من أصحابه وغيرهم أنها لا تتعين ، بل مهما قرأ به من القرآن أجزأه في الصلاة ، واحتجوا بعموم قوله تعالى : ( فاقرءوا ما تيسر من القرآن ) [ المزمل : 20 ] ، وبما ثبت في الصحيحين ، من حديث أبي هريرة في قصة المسيء صلاته أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له : إذا قمت إلى الصلاة فكبر ، ثم اقرأ ما تيسر معك من القرآن قالوا : فأمره بقراءة ما تيسر ، ولم يعين له الفاتحة ولا غيرها ، فدل على ما قلناه .والقول الثاني : أنه تتعين قراءة الفاتحة في الصلاة ، ولا تجزئ الصلاة بدونها ، وهو قول بقية الأئمة : مالك والشافعي وأحمد بن حنبل وأصحابهم وجمهور العلماء ؛ واحتجوا على ذلك بهذا الحديث المذكور ، حيث قال - صلوات الله وسلامه عليه - : من صلى صلاة لم يقرأ فيها بأم القرآن فهي خداج والخداج هو : الناقص كما فسر به في الحديث : غير تمام . واحتجوا - أيضا - بما ثبت في الصحيحين من حديث الزهري ، عن محمود بن الربيع ، عن عبادة بن الصامت ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب . وفي صحيح ابن خزيمة وابن حبان ، عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لا تجزئ صلاة لا يقرأ فيها بأم القرآن والأحاديث في هذا الباب كثيرة ، ووجه المناظرة هاهنا يطول ذكره ، وقد أشرنا إلى مأخذهم في ذلك ، رحمهم الله .ثم إن مذهب الشافعي وجماعة من أهل العلم : أنه تجب قراءتها في كل ركعة . وقال آخرون : إنما تجب قراءتها في معظم الركعات ، وقال الحسن وأكثر البصريين : إنما تجب قراءتها في ركعة واحدة من الصلوات ، أخذا بمطلق الحديث : لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب .وقال أبو حنيفة وأصحابه والثوري والأوزاعي : لا تتعين قراءتها ، بل لو قرأ بغيرها أجزأه لقوله : ( فاقرءوا ما تيسر من القرآن ) [ المزمل : 20 ] ، [ كما تقدم ] والله أعلم .وقد روى ابن ماجه من حديث أبي سفيان السعدي ، عن أبي نضرة ، عن أبي سعيد مرفوعا : لا صلاة لمن لم يقرأ في كل ركعة بالحمد وسورة في فريضة أو غيرها . وفي صحة هذا نظر ، وموضح تحرير هذا كله في كتاب الأحكام الكبير ، والله أعلم .الوجه الثالث : هل تجب قراءة الفاتحة على المأموم ؟ فيه ثلاثة أقوال للعلماء :أحدها : أنه تجب عليه قراءتها ، كما تجب على إمامه ؛ لعموم الأحاديث المتقدمة .والثاني : لا تجب على المأموم قراءة بالكلية لا الفاتحة ولا غيرها ، لا في الصلاة الجهرية ولا السرية ، لما رواه الإمام أحمد بن حنبل في مسنده ، عن جابر بن عبد الله ، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : من كان له إمام فقراءة الإمام له قراءة ولكن في إسناده ضعف . ورواه مالك ، عن وهب بن كيسان ، عن جابر من كلامه . وقد روي هذا الحديث من طرق ، ولا يصح شيء منها عن النبي صلى الله عليه وسلم ، والله أعلم .والقول الثالث : أنه تجب القراءة على المأموم في السرية ، لما تقدم ، ولا تجب في الجهرية لما ثبت في صحيح مسلم ، عن أبي موسى الأشعري ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إنما جعل الإمام ليؤتم به ، فإذا كبر فكبروا ، وإذا قرأ فأنصتوا وذكر بقية الحديث .وهكذا رواه أهل السنن ؛ أبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه ، عن أبي هريرة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : وإذا قرأ فأنصتوا . وقد صححه مسلم بن الحجاج أيضا ، فدل هذان الحديثان على صحة هذا القول وهو قول قديم للشافعي ، رحمه الله ، ورواية عن الإمام أحمد بن حنبل .والغرض من ذكر هذه المسائل هاهنا بيان اختصاص سورة الفاتحة بأحكام لا تتعلق بغيرها من السور ، والله أعلم .وقال الحافظ أبو بكر البزار : حدثنا إبراهيم بن سعيد الجوهري ، حدثنا غسان بن عبيد ، عن أبي عمران الجوني ، عن أنس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إذا وضعت جنبك على الفراش ، وقرأت فاتحة الكتاب و قل هو الله أحد فقد أمنت من كل شيء إلا الموتالكلام على تفسير الاستعاذةقال الله تعالى : ( خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين وإما ينزغنك من الشيطان نزغ فاستعذ بالله إنه سميع عليم ) [ الأعراف : 199 ، 200 ] ، وقال تعالى : ( ادفع بالتي هي أحسن السيئة نحن أعلم بما يصفون وقل رب أعوذ بك من همزات الشياطين وأعوذ بك رب أن يحضرون ) [ المؤمنون : 96 - 98 ] وقال تعالى : ( ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم وما يلقاها إلا الذين صبروا وما يلقاها إلا ذو حظ عظيم وإما ينزغنك من الشيطان نزغ فاستعذ بالله إنه هو السميع العليم ) [ فصلت : 34 - 36 ] .فهذه ثلاث آيات ليس لهن رابعة في معناها ، وهو أن الله يأمر بمصانعة العدو الإنسي والإحسان إليه ، ليرده عنه طبعه الطيب الأصل إلى الموادة والمصافاة ، ويأمر بالاستعاذة به من العدو الشيطاني لا محالة ؛ إذ لا يقبل مصانعة ولا إحسانا ولا يبتغي غير هلاك ابن آدم ، لشدة العداوة بينه وبين أبيه آدم من قبل ؛ كما قال تعالى : ( يا بني آدم لا يفتننكم الشيطان كما أخرج أبويكم من الجنة ) [ الأعراف : 27 ] وقال : ( إن الشيطان لكم عدو فاتخذوه عدوا إنما يدعو حزبه ليكونوا من أصحاب السعير ) [ فاطر : 6 ] وقال أفتتخذونه وذريته أولياء من دوني وهم لكم عدو بئس للظالمين بدلا ) [ الكهف : 50 ] ، وقد أقسم للوالد إنه لمن الناصحين ، وكذب ، فكيف معاملته لنا وقد قال : ( فبعزتك لأغوينهم أجمعين إلا عبادك منهم المخلصين ) ، وقال تعالى : ( فإذا قرأت القرآن فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم إنه ليس له سلطان على الذين آمنوا وعلى ربهم يتوكلون ) [ النحل : 98 ، 99 ]قالت طائفة من القراء وغيرهم : نتعوذ بعد القراءة ، واعتمدوا على ظاهر سياق الآية ، ولدفع الإعجاب بعد فراغ العبادة ؛ وممن ذهب إلى ذلك حمزة فيما ذكره ابن قلوقا عنه ، وأبو حاتم السجستاني ، حكى ذلك أبو القاسم يوسف بن علي بن جبارة الهذلي المغربي في كتاب الكامل .وروي عن أبي هريرة - أيضا - وهو غريب .[ ونقله فخر الدين محمد بن عمر الرازي في تفسيره عن ابن سيرين في رواية عنه قال : وهو قول إبراهيم النخعي وداود بن علي الأصبهاني الظاهري ، وحكى القرطبي عن أبي بكر بن العربي عن المجموعة ، عن مالك ، رحمه الله تعالى ، أن القارئ يتعوذ بعد الفاتحة ، واستغربه ابن العربي . وحكى قولا ثالثا وهو الاستعاذة أولا وآخرا جمعا بين الدليلين ، نقله فخر الدين ] .والمشهور الذي عليه الجمهور أن الاستعاذة لدفع الوسواس فيها ، إنما تكون قبل التلاوة ، ومعنى الآية عندهم : ( فإذا قرأت القرآن فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم ) [ النحل : 98 ] أي : إذا أردت القراءة كقوله : ( إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم وأيديكم الآية [ المائدة : 6 ] أي : إذا أردتم القيام . والدليل على ذلك الأحاديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك ؛ قال الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله :حدثنا محمد بن الحسن بن آتش حدثنا جعفر بن سليمان ، عن علي بن علي الرفاعي اليشكري ، عن أبي المتوكل الناجي ، عن أبي سعيد الخدري ، قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قام من الليل فاستفتح صلاته وكبر قال : سبحانك اللهم وبحمدك ، وتبارك اسمك ، وتعالى جدك ، ولا إله غيرك . ويقول : لا إله إلا الله ثلاثا ، ثم يقول : أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم ، من همزه ونفخه ونفثه .وقد رواه أهل السنن الأربعة من رواية جعفر بن سليمان ، عن علي بن علي ، وهو الرفاعي ، وقال الترمذي : هو أشهر حديث في هذا الباب . وقد فسر الهمز بالموتة وهي الخنق ، والنفخ بالكبر ، والنفث بالشعر . كما رواه أبو داود وابن ماجه من حديث شعبة ، عن عمرو بن مرة ، عن عاصم العنزي ، عن نافع بن جبير بن مطعم ، عن أبيه قال : رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم حين دخل في الصلاة ، قال : الله أكبر كبيرا ، ثلاثا ، الحمد لله كثيرا ، ثلاثا ، سبحان الله بكرة وأصيلا ثلاثا ، اللهم إني أعوذ بك من الشيطان من همزه ونفخه ونفثه .قال عمرو : وهمزه : الموتة ، ونفخه : الكبر ، ونفثه : الشعر .وقال ابن ماجه : حدثنا علي بن المنذر ، حدثنا ابن فضيل ، حدثنا عطاء بن السائب ، عن أبي عبد الرحمن السلمي ، عن ابن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : اللهم إني أعوذ بك من الشيطان الرجيم ، وهمزه ونفخه ونفثه .قال : همزه : الموتة ، ونفثه : الشعر ، ونفخه : الكبر .وقال الإمام أحمد : حدثنا إسحاق بن يوسف ، حدثنا شريك ، عن يعلى بن عطاء ، عن رجل حدثه : أنه سمع أبا أمامة الباهلي يقول : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قام إلى الصلاة كبر ثلاثا ، ثم قال : لا إله إلا الله - ثلاث مرات ، وسبحان الله وبحمده ، ثلاث مرات . ثم قال : أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ، من همزه ونفخه ونفثه . وقال الحافظ أبو يعلى أحمد بن علي بن المثنى الموصلي في مسنده : حدثنا عبد الله بن عمر بن أبان الكوفي ، حدثنا علي بن هشام بن البريد عن يزيد بن زياد ، عن عبد الملك بن عمير ، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى ، عن أبي بن كعب ، قال : تلاحى رجلان عند النبي صلى الله عليه وسلم ، فتمزع أنف أحدهما غضبا ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إني لأعلم شيئا لو قاله ذهب عنه ما يجد : أعوذ بالله من الشيطان الرجيم .وكذا رواه النسائي في " اليوم والليلة " ، عن يوسف بن عيسى المروزي ، عن الفضل بن موسى ، عن يزيد بن زياد بن أبي الجعد ، به .وقد روى هذا الحديث أحمد بن حنبل ، عن أبي سعيد ، عن زائدة ، وأبو داود عن يوسف بن موسى ، عن جرير بن عبد الحميد ، والترمذي ، والنسائي في " اليوم والليلة " عن بندار ، عن ابن مهدي ، عن الثوري ، والنسائي - أيضا - من حديث زائدة بن قدامة ، ثلاثتهم عن عبد الملك بن عمير ، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى ، عن معاذ بن جبل ، قال : استب رجلان عند النبي صلى الله عليه وسلم ، فغضب أحدهما غضبا شديدا حتى خيل إلي أن أحدهما يتمزع أنفه من شدة غضبه ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : إني لأعلم كلمة لو قالها لذهب عنه ما يجد من الغضب ، قال : ما هي يا رسول الله ؟ قال : يقول : اللهم إني أعوذ بك من الشيطان الرجيم . قال : فجعل معاذ يأمره ، فأبى [ ومحك ] ، وجعل يزداد غضبا . وهذا لفظ أبي داود . وقال الترمذي : مرسل ، يعني أن عبد الرحمن بن أبي ليلى لم يلق معاذ بن جبل ، فإنه مات قبل سنة عشرين .قلت : وقد يكون عبد الرحمن بن أبي ليلى سمعه من أبي بن كعب ، كما تقدم وبلغه عن معاذ بن جبل ، فإن هذه القصة شهدها غير واحد من الصحابة ، رضي الله عنهم . قال البخاري : حدثنا عثمان بن أبي شيبة ، حدثنا جرير ، عن الأعمش ، عن عدي بن ثابت ، قال : قال سليمان بن صرد : استب رجلان عند النبي صلى الله عليه وسلم ، ونحن عنده جلوس ، فأحدهما يسب صاحبه مغضبا قد احمر وجهه ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : إني لأعلم كلمة لو قالها لذهب عنه ما يجد ، لو قال : أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ، فقالوا للرجل : ألا تسمع ما يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : إني لست بمجنون .وقد رواه - أيضا - مع مسلم ، وأبي داود ، والنسائي ، من طرق متعددة ، عن الأعمش ، به .وقد جاء في الاستعاذة أحاديث كثيرة يطول ذكرها هاهنا ، وموطنها كتاب الأذكار وفضائل الأعمال ، والله أعلم . وقد روي أن جبريل - عليه السلام - أول ما نزل بالقرآن على رسول الله صلى الله عليه وسلم أمره بالاستعاذة ، كما قال الإمام أبو جعفر بن جرير :حدثنا أبو كريب ، حدثنا عثمان بن سعيد ، حدثنا بشر بن عمارة ، حدثنا أبو روق ، عن الضحاك ، عن عبد الله بن عباس ، قال : أول ما نزل جبريل على محمد صلى الله عليه وسلم قال : يا محمد ، استعذ . قال : أستعيذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم ، ثم قال : قل : بسم الله الرحمن الرحيم . ثم قال : ( اقرأ باسم ربك الذي خلق قال عبد الله : وهي أول سورة أنزلها الله على محمد صلى الله عليه وسلم ، بلسان جبريل . وهذا الأثر غريب ، وإنما ذكرناه ليعرف ، فإن في إسناده ضعفا وانقطاعا ، والله أعلم .مسألة : وجمهور العلماء على أن الاستعاذة مستحبة ليست بمتحتمة يأثم تاركها ، وحكى فخر الدين عن عطاء بن أبي رباح وجوبها في الصلاة وخارجها كلما أراد القراءة قال : وقال ابن سيرين : إذا تعوذ مرة واحدة في عمره فقد كفى في إسقاط الوجوب ، واحتج فخر الدين لعطاء بظاهر الآية : فاستعذ وهو أمر ظاهره الوجوب وبمواظبة النبي صلى الله عليه وسلم عليها ، ولأنها تدرأ شر الشيطان وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب ، ولأن الاستعاذة أحوط وهو أحد مسالك الوجوب . وقال بعضهم : كانت واجبة على النبي صلى الله عليه وسلم دون أمته ، وحكي عن مالك أنه لا يتعوذ في المكتوبة ويتعوذ لقيام شهر رمضان في أول ليلة منه .مسألة : وقال الشافعي في الإملاء ، يجهر بالتعوذ حكم الجهر بالاستعاذة ، وإن أسر فلا يضر ، وقال في الأم بالتخيير لأنه أسر ابن عمر وجهر أبو هريرة ، واختلف قول الشافعي فيما عدا الركعة الأولى : هل يستحب التعوذ فيها ؟ على قولين ، ورجح عدم الاستحباب ، والله أعلم . فإذا قال المستعيذ : أعوذ بالله من الشيطان الرجيم كفى ذلك عند الشافعي وأبي حنيفة وزاد بعضهم : أعوذ بالله السميع العليم ، وقال آخرون : بل يقول : أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ، إن الله هو السميع العليم ، قاله الثوري والأوزاعي وحكي عن بعضهم أنه يقول : أستعيذ بالله من الشيطان الرجيم ؛ لمطابقة أمر الآية ، ولحديث الضحاك عن ابن عباس المذكور ، والأحاديث الصحيحة - كما تقدم - أولى بالاتباع من هذا ، والله أعلم .مسألة : ثم الاستعاذة في الصلاة إنما هي للتلاوة وهو قول أبي حنيفة ومحمد . وقال أبو يوسف : بل للصلاة ، فعلى هذا يتعوذ المأموم وإن كان لا يقرأ ، ويتعوذ في العيد بعد الإحرام وقبل تكبيرات العيد ، والجمهور بعدها قبل القراءة .ومن لطائف الاستعاذة أنها طهارة للفم مما كان يتعاطاه من اللغو والرفث ، وتطييب له وتهيؤ لتلاوة كلام الله وهي استعانة بالله واعتراف له بالقدرة وللعبد بالضعف والعجز عن مقاومة هذا العدو المبين الباطني الذي لا يقدر على منعه ودفعه إلا الله الذي خلقه ، ولا يقبل مصانعة ، ولا يدارى بالإحسان ، بخلاف العدو من نوع الإنسان كما دلت على ذلك آيات القرآن في ثلاث من المثاني ، وقال تعالى : ( إن عبادي ليس لك عليهم سلطان وكفى بربك وكيلا ) [ الإسراء : 65 ] ، وقد نزلت الملائكة لمقاتلة العدو البشري يوم بدر ، ومن قتله العدو البشري كان شهيدا ، ومن قتله العدو الباطني كان طريدا ، ومن غلبه العدو الظاهر كان مأجورا ، ومن قهره العدو الباطن كان مفتونا أو موزورا ، ولما كان الشيطان يرى الإنسان من حيث لا يراه استعاذ منه بالذي يراه ولا يراه الشيطان .فصل : والاستعاذة معناها : هي الالتجاء إلى الله والالتصاق بجنابه من شر كل ذي شر ، والعياذة تكون لدفع الشر ، واللياذ يكون لطلب جلب الخير كما قال المتنبي :يا من ألوذ به فيما أؤمله ومن أعوذ به ممن أحاذره لا يجبر الناس عظما أنت كاسرهولا يهيضون عظما أنت جابرهفصل معنى الاستعاذةومعنى أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ، أي : أستجير بجناب الله من الشيطان الرجيم أن يضرني في ديني أو دنياي ، أو يصدني عن فعل ما أمرت به ، أو يحثني على فعل ما نهيت عنه ؛ فإن الشيطان لا يكفه عن الإنسان إلا الله ؛ ولهذا أمر الله تعالى بمصانعة شيطان الإنس ومداراته بإسداء الجميل إليه ، ليرده طبعه عما هو فيه من الأذى ، وأمر بالاستعاذة به من شيطان الجن لأنه لا يقبل رشوة ولا يؤثر فيه جميل ؛ لأنه شرير بالطبع ولا يكفه عنك إلا الذي خلقه ، وهذا المعنى في ثلاث آيات من القرآن لا أعلم لهن رابعة ، قوله في الأعراف : ( خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين ) [ الأعراف : 199 ] ، فهذا فيما يتعلق بمعاملة الأعداء من البشر ، ثم قال : ( وإما ينزغنك من الشيطان نزغ فاستعذ بالله إنه سميع عليم ) [ الأعراف : 200 ] ، وقال تعالى في سورة " قد أفلح المؤمنون " : ( ادفع بالتي هي أحسن السيئة نحن أعلم بما يصفون وقل رب أعوذ بك من همزات الشياطين وأعوذ بك رب أن يحضرون ) [ المؤمنون : 96 - 98 ] ، وقال تعالى في سورة حم السجدة : ( ولا تستوي الحسنة ولا السيئة ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم وما يلقاها إلا الذين صبروا وما يلقاها إلا ذو حظ عظيم وإما ينزغنك من الشيطان نزغ فاستعذ بالله إنه هو السميع العليم ) [ فصلت : 34 - 36 ] .والشيطان معناه في لغة العرب مشتق من شطن إذا بعد ، فهو بعيد بطبعه عن طباع البشر ، وبعيد بفسقه عن كل خير ، وقيل : مشتق من شاط لأنه مخلوق من نار ، ومنهم من يقول : كلاهما صحيح في المعنى ، ولكن الأول أصح ، وعليه يدل كلام العرب ؛ قال أمية بن أبي الصلت في ذكر ما أوتي سليمان ، عليه السلام :أيما شاطن عصاه عكاه ثم يلقى في السجن والأغلالفقال : أيما شاطن ، ولم يقل : أيما شائط .وقال النابغة الذبياني - وهو : زياد بن عمرو بن معاوية بن جابر بن ضباب بن يربوع بن مرة بن سعد بن ذبيان - :نأت بسعاد عنك نوى شطون فبانت والفؤاد بها رهينيقول : بعدت بها طريق بعيدة .[ وقال سيبويه : العرب تقول : تشيطن فلان إذا فعل فعل الشيطان ولو كان من شاط ، لقالوا : تشيط ] . والشيطان مشتق من البعد على الصحيح ؛ ولهذا يسمون كل ما تمرد من جني وإنسي وحيوان شيطانا ، قال الله تعالى : ( وكذلك جعلنا لكل نبي عدوا شياطين الإنس والجن يوحي بعضهم إلى بعض زخرف القول غرورا ) [ الأنعام : 112 ] . وفي مسند الإمام أحمد ، عن أبي ذر - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : يا أبا ذر ، تعوذ بالله من شياطين الإنس والجن ، فقلت : أوللإنس شياطين ؟ قال : نعم . وفي صحيح مسلم عن أبي ذر - أيضا - قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : يقطع الصلاة المرأة والحمار والكلب الأسود . فقلت : يا رسول الله ، ما بال الكلب الأسود من الأحمر والأصفر فقال : الكلب الأسود شيطان . وقال ابن وهب : أخبرني هشام بن سعد ، عن زيد بن أسلم ، عن أبيه ، أن عمر بن الخطاب ، رضي الله عنه ، ركب برذونا ، فجعل يتبختر به ، فجعل يضربه فلا يزداد إلا تبخترا ، فنزل عنه ، وقال : ما حملتموني إلا على شيطان ، ما نزلت عنه حتى أنكرت نفسي . إسناده صحيح .والرجيم معناه : فعيل بمعنى مفعول ، أي : أنه مرجوم مطرود عن الخير كله ، كما قال تعالى : ( ولقد زينا السماء الدنيا بمصابيح وجعلناها رجوما للشياطين ) [ الملك : 5 ] ، وقال تعالى : ( إنا زينا السماء الدنيا بزينة الكواكب وحفظا من كل شيطان مارد لا يسمعون إلى الملإ الأعلى ويقذفون من كل جانب دحورا ولهم عذاب واصب إلا من خطف الخطفة فأتبعه شهاب ثاقب ) [ الصافات : 6 - 10 ] ، وقال تعالى : ( ولقد جعلنا في السماء بروجا وزيناها للناظرين وحفظناها من كل شيطان رجيم إلا من استرق السمع فأتبعه شهاب مبين ) [ الحجر : 16 - 18 ] ، إلى غير ذلك من الآيات . [ وقيل : رجيم بمعنى راجم ؛ لأنه يرجم الناس بالوساوس والربائث والأول أشهر ] ." بسم الله الرحمن الرحيم " افتتح بها الصحابة كتاب الله ، واتفق العلماء على أنها بعض آية من سورة النمل ، ثم اختلفوا : هل هي آية مستقلة بسم الله الرحمن الرحيم في أول كل سورة ، أو من أول كل سورة كتبت في أولها ، أو أنها بعض آية من أول كل سورة ، أو أنها كذلك في الفاتحة دون غيرها ، أو أنها [ إنما ] كتبت للفصل ، لا أنها آية ؟ على أقوال للعلماء سلفا وخلفا ، وذلك مبسوط في غير هذا الموضع .وفي سنن أبي داود بإسناد صحيح ، عن ابن عباس ، رضي الله عنهما ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان لا يعرف فصل السورة حتى ينزل عليه بسم الله الرحمن الرحيم وأخرجه الحاكم أبو عبد الله النيسابوري في مستدركه أيضا ، وروي مرسلا عن سعيد بن جبير . وفي صحيح ابن خزيمة ، عن أم سلمة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قرأ البسملة في أول الفاتحة في الصلاة وعدها آية ، لكنه من رواية عمر بن هارون البلخي ، وفيه ضعف ، عن ابن جريج ، عن ابن أبي مليكة ، عنها . وروى له الدارقطني متابعا ، عن أبي هريرة مرفوعا . وروى مثله عن علي وابن عباس وغيرهما . وممن حكي عنه أنها آية من كل سورة إلا " براءة " : ابن عباس ، وابن عمر ، وابن الزبير ، وأبو هريرة ، وعلي . ومن التابعين : عطاء ، وطاوس ، وسعيد بن جبير ، ومكحول ، والزهري ، وبه يقول عبد الله بن المبارك ، والشافعي ، وأحمد بن حنبل ، في رواية عنه ، وإسحاق بن راهويه ، وأبو عبيد القاسم بن سلام ، رحمهم الله . وقال مالك وأبو حنيفة وأصحابهما : ليست آية من الفاتحة ولا من غيرها من السور ، وقال الشافعي في قول ، في بعض طرق مذهبه : هي آية من الفاتحة وليست من غيرها ، وعنه أنها بعض آية من أول كل سورة ، وهما غريبان .وقال داود : هي آية مستقلة في أول كل سورة لا منها ، وهذه رواية عن الإمام أحمد بن حنبل . وحكاه أبو بكر الرازي ، عن أبي الحسن الكرخي ، وهما من أكابر أصحاب أبي حنيفة ، رحمهم الله . هذا ما يتعلق بكونها من الفاتحة أم لا . فأما ما يتعلق بالجهر بها بسم الله الرحمن الرحيم ، فمفرع على هذا ؛ فمن رأى أنها ليست من الفاتحة فلا يجهر بها ، وكذا من قال : إنها آية من أولها ، وأما من قال بأنها من أوائل السور فاختلفوا ؛ فذهب الشافعي ، رحمه الله ، إلى أنه يجهر بها مع الفاتحة والسورة ، وهو مذهب طوائف من الصحابة والتابعين وأئمة المسلمين سلفا وخلفا ، فجهر بها من الصحابة أبو هريرة ، وابن عمر ، وابن عباس ، ومعاوية ، وحكاه ابن عبد البر ، والبيهقي عن عمر وعلي ، ونقله الخطيب عن الخلفاء الأربعة ، وهم : أبو بكر وعمر وعثمان وعلي ، وهو غريب . ومن التابعين : عن سعيد بن جبير ، وعكرمة ، وأبي قلابة ، والزهري ، وعلي بن الحسين ، وابنه محمد ، وسعيد بن المسيب ، وعطاء ، وطاوس ، ومجاهد ، وسالم ، ومحمد بن كعب القرظي ، وأبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم ، وأبي وائل ، وابن سيرين ، ومحمد بن المنكدر ، وعلي بن عبد الله بن عباس ، وابنه محمد ، ونافع مولى ابن عمر ، وزيد بن أسلم ، وعمر بن عبد العزيز ، والأزرق بن قيس ، وحبيب بن أبي ثابت ، وأبي الشعثاء ، ومكحول ، وعبد الله بن معقل بن مقرن . زاد البيهقي : وعبد الله بن صفوان ، ومحمد ابن الحنفية . زاد ابن عبد البر : وعمرو بن دينار .والحجة في ذلك أنها بعض الفاتحة ، فيجهر بها كسائر أبعاضها ، وأيضا فقد روى النسائي في سننه وابن خزيمة وابن حبان في صحيحيهما ، والحاكم في مستدركه ، عن أبي هريرة أنه صلى فجهر في قراءته بالبسملة ، وقال بعد أن فرغ : إني لأشبهكم صلاة برسول الله صلى الله عليه وسلم . وصححه الدارقطني والخطيب والبيهقي وغيرهم .وروى أبو داود والترمذي ، عن ابن عباس : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يفتتح الصلاة ببسم الله الرحمن الرحيم . ثم قال الترمذي : وليس إسناده بذاك .وقد رواه الحاكم في مستدركه ، عن ابن عباس قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يجهر ببسم الله الرحمن الرحيم ، ثم قال : صحيح وفي صحيح البخاري ، عن أنس بن مالك أنه سئل عن قراءة رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : كانت قراءته مدا ، ثم قرأ " بسم الله الرحمن الرحيم " ، يمد " بسم الله " ، ويمد " الرحمن " ، ويمد " الرحيم .وفي مسند الإمام أحمد ، وسنن أبي داود ، وصحيح ابن خزيمة ، ومستدرك الحاكم ، عن أم سلمة ، قالت : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقطع قراءته : ( بسم الله الرحمن الرحيم . الحمد لله رب العالمين . الرحمن الرحيم . مالك يوم الدين . وقال الدارقطني : إسناده صحيح .وروى الشافعي ، رحمه الله ، والحاكم في مستدركه ، عن أنس : أن معاوية صلى بالمدينة ، فترك البسملة ، فأنكر عليه من حضره من المهاجرين ذلك ، فلما صلى المرة الثانية بسمل .وفي هذه الأحاديث ، والآثار التي أوردناها كفاية ومقنع في الاحتجاج لهذا القول عما عداها ، فأما المعارضات والروايات الغريبة ، وتطريقها ، وتعليلها وتضعيفها ، وتقريرها ، فله موضع آخر .وذهب آخرون إلى أنه لا يجهر بالبسملة في الصلاة ، وهذا هو الثابت عن الخلفاء الأربعة وعبد الله بن مغفل ، وطوائف من سلف التابعين والخلف ، وهو مذهب أبي حنيفة ، والثوري ، وأحمد بن حنبل .وعند الإمام مالك : أنه لا يقرأ البسملة بالكلية ، لا جهرا ولا سرا ، واحتجوا بما في صحيح مسلم ، عن عائشة ، رضي الله عنها ، قالت : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يفتتح الصلاة بالتكبير ، والقراءة ب الحمد لله رب العالمين . وبما في الصحيحين ، عن أنس بن مالك ، قال : صليت خلف النبي صلى الله عليه وسلم ، وأبي بكر وعمر وعثمان ، فكانوا يستفتحون ب الحمد لله رب العالمين . ولمسلم : لا يذكرون بسم الله الرحمن الرحيم في أول قراءة ولا في آخرها . ونحوه في السنن عن عبد الله بن مغفل ، رضي الله عنه .فهذه مآخذ الأئمة - رحمهم الله - في هذه المسألة وهي قريبة ؛ لأنهم أجمعوا على صحة صلاة من جهر بالبسملة ومن أسر ، ولله الحمد والمنة .قال الإمام العالم الحبر العابد أبو محمد عبد الرحمن بن أبي حاتم ، رحمه الله ، في تفسيره : حدثنا أبي ، حدثنا جعفر بن مسافر ، حدثنا زيد بن المبارك الصنعاني ، حدثنا سلام بن وهب الجندي ، حدثنا أبي ، عن طاوس ، عن ابن عباس ؛ أن عثمان بن عفان سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بسم الله الرحمن الرحيم . فقال : هو اسم من أسماء الله ، وما بينه وبين اسم الله الأكبر ، إلا كما بين سواد العينين وبياضهما من القرب .وهكذا رواه أبو بكر بن مردويه ، عن سليمان بن أحمد ، عن علي بن المبارك ، عن زيد بن المبارك ، به .وقد روى الحافظ ابن مردويه من طريقين ، عن إسماعيل بن عياش ، عن إسماعيل بن يحيى ، عن مسعر ، عن عطية ، عن أبي سعيد ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن عيسى ابن مريم أسلمته أمه إلى الكتاب ليعلمه ، فقال المعلم : اكتب ، قال ما أكتب ؟ قال : باسم الله ، قال له عيسى : وما باسم الله ؟ قال المعلم : ما أدري . قال له عيسى : الباء بهاء الله ، والسين سناؤه ، والميم مملكته ، والله إله الآلهة ، والرحمن رحمن الدنيا والآخرة ، والرحيم رحيم الآخرةوقد رواه ابن جرير من حديث إبراهيم بن العلاء الملقب : زبريق ، عن إسماعيل بن عياش ، عن إسماعيل بن يحيى ، عن ابن أبي مليكة ، عمن حدثه ، عن ابن مسعود ، ومسعر ، عن عطية ، عن أبي سعيد ، عن النبي صلى الله عليه وسلم ، فذكره . وهذا غريب جدا ، وقد يكون صحيحا إلى من دون رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ويكون من الإسرائيليات لا من المرفوعات ، والله أعلم .وقد روى جويبر ، عن الضحاك ، نحوه من قبله .وقد روى ابن مردويه ، من حديث يزيد بن خالد ، عن سليمان بن بريدة ، وفي رواية عن عبد الكريم أبي أمية ، عن ابن بريدة ، عن أبيه ؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : أنزلت علي آية لم تنزل على نبي غير سليمان بن داود وغيري ، وهي بسم الله الرحمن الرحيم .وروى بإسناده عن عبد الكبير بن المعافى بن عمران ، عن أبيه ، عن عمر بن ذر ، عن عطاء بن أبي رباح ، عن جابر بن عبد الله ، قال : لما نزل بسم الله الرحمن الرحيم هرب الغيم إلى المشرق ، وسكنت الرياح ، وهاج البحر ، وأصغت البهائم بآذانها ، ورجمت الشياطين من السماء ، وحلف الله تعالى بعزته وجلاله ألا يسمى اسمه على شيء إلا بارك فيه .[ وقال وكيع عن الأعمش عن أبي وائل عن ابن مسعود قال : من أراد أن ينجيه الله من الزبانية التسعة عشر فليقرأ : بسم الله الرحمن الرحيم ، ليجعل الله له من كل حرف منها جنة من كل واحد ، ذكره ابن عطية والقرطبي ووجهه ابن عطية ونصره بحديث : فقد رأيت بضعة وثلاثين ملكا يبتدرونها لقول الرجل : ربنا ولك الحمد حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه ، من أجل أنها بضعة وثلاثون حرفا وغير ذلك ] .وقال الإمام أحمد بن حنبل في مسنده : حدثنا محمد بن جعفر ، حدثنا شعبة ، عن عاصم ، قال : سمعت أبا تميمة يحدث ، عن رديف النبي صلى الله عليه وسلم قال : عثر بالنبي صلى الله عليه وسلم ، فقلت : تعس الشيطان . فقال النبي صلى الله عليه وسلم : لا تقل تعس الشيطان . فإنك إذا قلت : تعس الشيطان تعاظم ، وقال : بقوتي صرعته ، وإذا قلت : باسم الله ، تصاغر حتى يصير مثل الذباب .هكذا وقع في رواية الإمام أحمد وقد روى النسائي في اليوم والليلة ، وابن مردويه في تفسيره ، من حديث خالد الحذاء ، عن أبي تميمة هو الهجيمي ، عن أبي المليح بن أسامة بن عمير ، عن أبيه ، قال : كنت رديف النبي صلى الله عليه وسلم فذكره وقال : لا تقل هكذا ، فإنه يتعاظم حتى يكون كالبيت ، ولكن قل : بسم الله ، فإنه يصغر حتى يكون كالذبابة . فهذا من تأثير بركة بسم الله ؛ ولهذا تستحب في أول كل عمل بسم ا
وصدرها إلى ثلاث وثمانين آية منها نزل في وفد نجران وكان قدومهم في سنة تسع من الهجرة كما سيأتى بيان ذلك عند تفسير آية المباهلة منها إن شاء الله تعالى وقد ذكر ما ورد من فضلها مع سورة البقرة أول البقرة.قد اختلف المفسرون في الحروف المقطعة التي في أوائل السور فمنهم من قال هي مما استأثر الله بعلمه فردوا علمها إلى الله ولم يفسرها حكاه القرطبي في تفسره عن أبي بكر وعمر وعثمان وعلي وابن مسعود رضي الله عنهم أجمعين وقاله عامر الشعبي وسفيان الثوري والربيع بن خيثم واختاره أبو حاتم بن حبان.ومنهم من فسرها واختلف هؤلاء في معناها فقال عبدالرحمن بن زيد بن أسلم إنما هي أسماء السور.قال العلامة أبو القاسم محمود بن عمر الزمخشري في تفسيره وعليه إطباق الأكثر ونقل عن سيبويه أنه نص عليه ويعتضد لهذا بما ورد في الصحيحين عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقرأ في صلاة الصبح يوم الجمعة "الم" السجدة و "هل أتى على الإنسان" وقال سفيان الثوري عن ابن أبي نجيح عن مجاهد أنه قال:الم وحم والمص وص.فواتح افتتح الله بها القرآن وكذا قال غيره عن مجاهد وقال مجاهد في رواية أبي حذيفة موسى بن مسعود عن شبل عن ابن أبي نجيح عنه أنه قال الم اسم من أسماء القرآن وهكذا وقال قتادة وزيد بن أسلم ولعل هذا يرجع إلى معنى قول عبدالرحمن بن زيد بن أسلم أنه اسم من أسماء السور فإن كل سورة يطلق عليها اسم القرآن فإنه يبعد أن يكون المص اسما للقرآن كله لأن المتبادر إلى فهم سامع من يقول قرأت المص إنما ذلك عبارة عن سورة الأعراف لا لمجموع القرآن والله أعلم.وقيل هي اسم من أسماء الله تعالى فقال عنها في فواتح السور من أسماء الله تعالى وكذلك قال سالم بن عبدالله وإسماعيل بن عبدالرحمن السدي الكبير وقال شعبة عن السدي بلغني أن ابن عباس قال الم اسم من أسماء الله الأعظم.هكذا رواه ابن أبي حاتم من حديث شعبة ورواه ابن جرير عن بندار عن ابن مهدي عن شعبة قال سألت السدي عن حم وطس والم فقال قال ابن عباس هي اسم الله الأعظم وقال ابن جرير وحدثنا محمد بن المثنى حدثنا أبو النعمان حدثنا شعبة عن إسماعيل السدي عن مرة الهمذانى قال: قال عبدالله فذكر نحوه.وحُكي مثله عن علي وابن عباس وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس هو قسم أقسم الله به وهو من أسماء الله تعالى وروى ابن أبي حاتم وابن جرير من حديث ابن علية عن خالد الحذاء عن عكرمة أنه قال الم قسم.وروينا أيضا من حديث شريك بن عبدالله بن عطاء بن السائب عن أبى الضحى عن ابن عباس:الم قال أنا الله أعلم وكذا قال سعيد بن جبير وقال السدي عن أبي مالك وعن أبي صالح عن ابن عباس وعن مرة الهمذاني عن ابن مسعود وعن ناس من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم الم قال أما الم فهي حروف استفتحت من حروف هجاء أسماء الله تعالى.قال وأبو جعفر الرازي عن الربيع بن أنس عن أبي العالية في قوله تعالى الم قال هذه الأحرف الثلاثة من التسعة والعشرين حرفا دارت فيها الألسن كلها ليس منها حرف إلا وهو مفتاح اسم من أسمائه وليس منها حرف إلا وهو من آلائه وبلألائه ليس منها حرف إلا وهو في مدة أقوام وآجالهم.قال عيسى ابن مريم عليه السلام وعجب:فقال أعجب أنهم يظنون بأسمائه ويعيشون في رزقه فكيف يكفرون به فالألف مفتاح الله واللام مفتاح اسمه لطيف والميم مفتاح اسمه مجيد فالألف آلاء الله واللام لطف الله والميم مجد الله والألف سنة واللام ثلاثون سنة والميم أربعون سنة.هذا لفظ ابن أبي حاتم ونحوه رواه ابن جرير ثم شرع يوجه كل واحد من هذه الأقوال ويوفق بينها وأنه لا منافاة بين كل واحد منها وبين الآخر وأن الجمع ممكن فهي أسماء للسور ومن أسماء الله تعالى يفتتح بها السور فكل حرف منها دل على اسم من أسمائه وصفة من صفاته كما افتتح سورا كثيرة بتحميده وتسبيحه وتعظيمه قال ولا مانع من دلالة الحرف منها على اسم من أسماء الله وعلى صفة من صفاته وعلى مدة وغير ذلك كما ذكره الربيع بن أنس عن أبي العالية لأن الكلمة الواحدة تطلق على معاني كثيرة كلفظة الأمة فإنها تطلق ويراد به الدين كقوله تعالى "إنا وجدنا آباءنا على أمة" وتطلق ويراد بها الرجل المطيع لله كقوله تعالى "إن إبراهيم كان أمة قانتا لله حنيفا ولم يك من المشركين" وتطلق ويراد بها الجماعة كقوله تعالى "وجد عليه أمة من الناس يسقون" وقوله تعالى "ولقد بعثنا في كل أمة رسولا" وتطلق ويراد بها الحين من الدهر كقوله تعالى "وقال الذي نجا منهما وادكر بعد أمة" أي بعد حين على أصح القولين قال فكذلك هذا.هذا حاصل كلامه موجها ولكن هذا ليس كما ذكره أبو العالية فإن أبا العالية زعم أن الحرف دل على هذا وعلى هذا وعلى هذا معا ولفظة الأمة وما أشبهها من الألفاظ المشتركة في الاصطلاح إنما دل في القرآن في كل موطن على معنى واحد دل عليه سياق الكلام فأما حمله على مجموع محامله إذا أمكن فمسألة مختلف فيها بين علماء الأصول ليس هذا موضع البحث فيها والله أعلم.ثم إن لفظة الأمة تدل على كل من معانيها في سياق الكلام بدلالة الوضع فأما دلالة الحرف الواحد على اسم يمكن أن يدل على اسم آخر من غير أن يكون أحدهما أولى من الآخر في التقدير أو الإضمار بوضع ولا بغيره فهذا مما لا يفهم إلا بتوقيف والمسألة مختلف فيها وليس فيها إجماع حتى يحكم به وما أنشدوه من الشواهد على صحة إطلاق الحرف الواحد على بقية الكلمة فإن في السياق ما يدل على ما حذف بخلاف هذا كما قال الشاعر: قلنا قفي لنا فقالت قاف لا تحسبي أنا نسينا الإيجاف تعني وقفت.وقال الآخر: ما للظليم عال كيف لاي ينقد عنه جلده إذا ي فقال ابن جرير كأنه أراد أن يقول إذا يفعل كذا وكذا فاكتفى بالياء من يفعل وقال الآخر: بالخير خيرات وإن شرا ف ولا أريد الشر إلا أن ت يقول وإن شرا فشرا ولا أريد الشر إلا أن تشاء فاكتفى بالفاء والتاء من الكلمتين عن بقيتهما ولكن هذا ظاهر من سياق الكلام والله أعلم.قال القرطبي وفي الحديث "من أعان على قتل مسلم بشطر كلمة" الحديث قال سفيان هو أن يقول في اقتل"ا ق" وقال خصيف عن مجاهد أنه قال فواتح السور كلها"ق وص وحم وطسم والر" وغير ذلك هجاء موضوع وقال بعض أهل العربية هي حروف من حروف المعجم استغنى بذكر ما ذكر منها في أوائل السور عن ذكر بواقيها التي هي تتمة الثمانية والعشرين حرفا كما يقول القائل ابني يكتب في - ا ب ت ث - أي في حروف المعجم الثمانية والعشرين فيستغني بذكر بعضها عن مجموعها حكاه ابن جرير.قلت مجموع الحروف المذكورة في أوائل السور بحذف المكرر منها أربعة عشر حرفا وهي - ال م ص ر ك ه ي ع ط س ح ق ن- يجمعها قولك:نص حكيم قاطع له سر.وهي نصف الحروف عددا والمذكور منها أشرف من المتروك وبيان ذلك من صناعة التصريف.قال الزمخشري وهذه الحروف الأربعة عشر مشتملة على أصناف أجناس الحروف يعني من المهموسة والمجهورة ومن الرخوة والشديدة ومن المطبقة والمفتوحة ومن المستعلية والمنخفضة ومن حروف القلقلة.وقد سردها مفصلة ثم قال:فسبحان الذي دقت في كل شىء حكمته.وهذه الأجناس المعدودة مكثورة بالمذكورة منها وقد علمت أن معظم الشيء وجله ينزل منزلة كله وههنا ههنا لخص بعضهم في هذا المقام كلاما فقال:لا شك أن هذه الحروف لم ينزلها سبحانه وتعالى عبثا ولا سدى ومن قال من الجهلة إن في القرآن ما هو تعبد لا معنى له بالكلمة فقد أخطأ خطأ كبيرا فتعين أن لها معنى في نفس الأمر فإن صح لنا فيها عن المعصوم شيء قلنا به وإلا وقفنا حيث وقفنا وقلنا "آمنا به كل من عند ربنا" ولم يجمع العلماء فيها على شيء معين وإنما اختلفوا فمن ظهر له بعض الأقوال بدليل فعليه اتباعه وإلا فالوقف حتى يتبين هذا المقام.المقام الآخر في الحكمة التي اقتضت إيراد هذه الحروف في أوائل السور ما هي مع قطع النظر عن معانيها في أنفسها فقال بعضهم إنما ذكرت ليعرف بها أوائل السور حكاه ابن جرير وهذا ضعيف لأن الفصل حاصل بدونها فيما لم تذكر فيه وفيما ذكرت فيه البسملة تلاوة وكتابة وقال آخرون بل ابتدئ بها لتفتح لاستماعها أسماع المشركين إذ تواصوا بالإعراض عن القرآن حتى إذا استمعوا له تلا عليهم المؤلف منه حكاه ابن جرير أيضا وهو ضعيف أيضا لأنه لو كان كذلك لكان ذلك في جميع السور لا يكون في بعضها بل غالبها ليس كذلك ولو كان كذلك أيضا لانبغى الابتداء بها في أوائل الكلام معهم سواء كان افتتاح سورة أو غير ذلك ثم إن هذه السورة والتي تليها أعني البقرة وآل عمران مدنيتان ليستا خطابا للمشركين فانتقض ما ذكروه بهذه الوجوه.وقال آخرون بل إنما ذكرت هذه الحروف في أوائل السور التي ذكرت فيها بيانا لإعجاز القرآن وأن الخلق عاجزون عن معارضته بمثله هذا مع أنه مركب من هذه الحروف المقطعة التي يتخاطبون بها وقد حكى هذا المذهب الرازي في تفسيره عن المبرد وجمع من المحققين وحكى القرطبي عن الفراء وقطرب نحو هذا وقرره الزمخشري فى كشافه ونصره أتم نصر وإليه ذهب الشيخ الإمام العلامة أبو العباس ابن تيمية وشيخنا الحافظ المجتهد أبو الحجاج المزي وحكاه لي عن ابن تيمية.قال الزمخشري ولم ترد كلها مجموعة في أول القرآن وإنما كررت ليكون أبلغ في التحدي والتبكيت كما كررت قصص كثيرة وكرر التحدي بالصريح في أماكن قال وجاء منها على حرف واحد كقوله - ص ن ق- وحرفين مثل "حم" وثلاثة مثل "الم" وأربعة مثل "المر" و "المص" وخمسة مثل "كهيعص- و- حمعسق" لأن أساليب كلامهم على هذا من الكلمات ما هو على حرف وعلى حرفين وعلى ثلاثة وعلى أربعة وعلى خمسة لا أكثر من ذلك "قلت" ولهذا كل سورة افتتحت بالحروف فلا بد أن يذكر فيها الانتصار للقرآن وبيان إعجازه وعظمته وهذا معلوم بالاستقراء وهو الواقع في تسع وعشرين سورة ولهذا يقول تعالى "الم ذلك الكتاب لا ريب فيه" "الم الله لا إله إلا هو الحي القيوم نزل عليك الكتاب بالحق مصدقا لما بين يديه" "المص كتاب أنزل إليك فلا يكن في صدرك حرج منه" "الر كتاب أنزلناه إليك لتخرج الناس من الظلمات إلى النور بإذن ربهم" "الم تنزيل الكتاب لا ريب فيه من رب العالمين" "حم تنزيل من الرحمن الرحيم" "حم عسق كذلك يوحي إليك وإلى الذين من قبلك الله العزيز الحكيم" وغير ذلك من الآيات الدالة على صحة ما ذهب إليه هؤلاء لمن أمعن النظر والله أعلم.وأما من زعم أنها دالة على معرفة المدد وأنه يستخرج من ذلك أوقات الحوادث والفتن والملاحم فقد ادعى ما ليس له وطار في غير مطاره وقد ورد في ذلك حديث ضعيف وهو مع ذلك أدل على بطلان هذا المسلك من التمسك به على صحته وهو ما رواه محمد بن إسحق بن يسار صاحب المغازي حدثني الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس عن جابر بن عبدالله بن رباب قال مر أبو ياسر بن أخطب في رجال من يهود برسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يتلو فاتحة سورة البقرة "الم ذلك الكتاب لا ريب فيه" فأتى أخاه بن أخطب في رجال من اليهود فقال تعلمون والله لقد سمعت محمدا يتلو فيما أنزل الله تعالى عليه "الم ذلك الكتاب لا ريب فيه" فقال أنت سمعته قال نعم قال فمشى حي بن أخطب في أولئك النفر من اليهود إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا يا محمد ألم يذكر أنك تتلوا فيما أنزل الله عليك "الم ذلك الكتاب"؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "بلى" فقالوا جاءك بهذا جبريل من عند الله؟ فقال "نعم" قالوا لقد بعث الله قبلك أنبياء ما نعلمه بين لنبي منهم ما مدة ملكه وما أجل أمته غيرك.فقام حي بن أخطب وأقبل على من كان معه فقال لهم الألف واحدة واللام ثلاثون والميم أربعون فهذه إحدى وسبعون سنة أفتدخلون في دين نبي إنما مدة ملكه وأجل أمته إحدى وسبعون سنة؟ ثم أقبل على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا محمد هل مع هذا غيره فقال "نعم" قال ما ذاك؟ قال "المص" قال هذا أثقل وأطول الألف واحد واللام ثلاثون والميم أربعون والصاد تسعون فهذه إحدى وثلاثون ومائة سنة.هل مع هذا يا محمد غيره؟ قال "نعم" قال ما ذاك؟ قال "الر" قال هذا أثقل وأطول الألف واحدة واللام ثلاثون والراء مائتان فهذه إحدى وثلاثون ومائتا سنة.فهل مع هذا يا محمد غيره؟ قال "نعم" قال ماذا قال "المر" قال هذه أثقل وأطول الألف واحدة واللام ثلاثون والميم أربعون والراء مائتان فهذه إحدى وسبعون ومائتان ثم قال:لقد لبس علينا أمرك يا محمد حتى ما ندري أقليلا أعطيت أم كثيرا.ثم قال قوموا عنه ثم قال أبو ياسر لأخيه حي بن أخطب ولمن معه من الأحبار ما يدريكم لعله قد جمع هذا لمحمد كله إحدى وسبعون وإحدى وثلاثون ومائة وإحدى وثلاثون ومائتان وإحدى وسبعون ومائتان فذلك سبعمائة وأربع سنين؟ فقالوا لقد تشابه علينا أمره فيزعمون أن هؤلاء الآيات نزلت فيهم "هو الذي أنزل عليك الكتاب منه آيات محكمات هن أم الكتاب وأخر متشابهات" فهذا الحديث مداره على محمد بن السائب الكلبي وهو ممن لا يحتج بما انفرد به ثم كان مقتضى هذا المسلك إن كان صحيحا أن يحسب ما لكل حرف من الحروف الأربعة عشر التي ذكرناها وذلك يبلغ منه جملة كثيرة وإن حسبت مع التكرر فأطم وأعظم والله أعلم.
اللّٰهُ لَاۤ اِلٰهَ اِلَّا هُوَۙ-الْحَیُّ الْقَیُّوْمُؕ(۲)
اللہ ہے جس کے سوا کسی کی پوجا نہیں (ف۲) آپ زندہ اور ونکا قائم رکھنے والا،
وقد ذكرنا الحديث الوارد في أن اسم الله الأعظم في هاتين الآيتين : ( الله لا إله إلا هو الحي القيوم ) و ( الم الله لا إله إلا هو الحي القيوم ) عند تفسير آية الكرسي ، وتقدم الكلام على قوله تعالى : ( الم ) في أول سورة البقرة ، بما أغنى عن إعادته ، وتقدم أيضا الكلام على قوله : ( الله لا إله إلا هو الحي القيوم ) في تفسير آية الكرسي .
نَزَّلَ عَلَیْكَ الْكِتٰبَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِّمَا بَیْنَ یَدَیْهِ وَ اَنْزَلَ التَّوْرٰىةَ وَ الْاِنْجِیْلَۙ(۳)
اس نے تم پر یہ سچی کتاب اتاری اگلی کتابوں کی تصدیق فرماتی اور اس نے اس سے پہلے توریت اور انجیل اتاری،
وقوله تعالى ( نزل عليك الكتاب بالحق ) يعني : نزل عليك القرآن يا محمد ) بالحق ) أي : لا شك فيه ولا ريب ، بل هو منزل من عند الله [ عز وجل ] أنزله بعلمه والملائكة يشهدون ، وكفى بالله شهيدا .وقوله : ( مصدقا لما بين يديه ) أي : من الكتب المنزلة قبله من السماء على عباد الله الأنبياء ، فهي تصدقه بما أخبرت به وبشرت في قديم الزمان ، وهو يصدقها ، لأنه طابق ما أخبرت به وبشرت ، من الوعد من الله بإرسال محمد صلى الله عليه وسلم ، وإنزال القرآن العظيم عليه .وقوله : ( وأنزل التوراة ) أي : على موسى بن عمران [ عليه السلام ] ) والإنجيل ) أي : على عيسى ابن مريم .
مِنْ قَبْلُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَ اَنْزَلَ الْفُرْقَانَ۬ؕ-اِنَّ الَّذِیْنَ كَفَرُوْا بِاٰیٰتِ اللّٰهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِیْدٌؕ-وَ اللّٰهُ عَزِیْزٌ ذُو انْتِقَامٍ(۴)
لوگوں کو راہ دکھاتی اور فیصلہ اتارا، بیشک وہ جو اللہ کی آیتوں سے منکر ہوئے (ف۳)ان کے لئے سخت عذاب ہے اور اللہ غالب بدلہ لینے والا ہے،
( من قبل ) أي : من قبل هذا القرآن . ) هدى للناس ) أي : في زمانهما ( وأنزل الفرقان ) وهو الفارق بين الهدى والضلال ، والحق والباطل ، والغي والرشاد ، بما يذكره الله تعالى من الحجج والبينات ، والدلائل الواضحات ، والبراهين القاطعات ، ويبينه ويوضحه ويفسره ويقرره ، ويرشد إليه وينبه عليه من ذلك .وقال قتادة والربيع بن أنس : الفرقان هاهنا القرآن . واختار ابن جرير أنه مصدر هاهنا ، لتقدم ذكر القرآن في قوله : ( نزل عليك الكتاب بالحق مصدقا لما بين يديه ) وهو القرآن . وأما ما رواه ابن أبي حاتم عن أبي صالح أن المراد هاهنا بالفرقان : التوراة فضعيف أيضا ، لتقدم ذكرها ، والله أعلموقوله تعالى : ( إن الذين كفروا بآيات الله ) أي : جحدوا بها وأنكروها ، وردوها بالباطل ( لهم عذاب شديد ) أي : يوم القيامة ) والله عزيز ) أي : منيع الجناب عظيم السلطان ) ذو انتقام ) أي : ممن كذب بآياته وخالف رسله الكرام ، وأنبياءه العظام .
اِنَّ اللّٰهَ لَا یَخْفٰى عَلَیْهِ شَیْءٌ فِی الْاَرْضِ وَ لَا فِی السَّمَآءِؕ(۵)
اللہ پر کچھ چھپا ہوا نہیں زمین میں نہ آسمان میں،
يخبر تعالى أنه يعلم غيب السماوات والأرض ، [ و ] لا يخفى عليه شيء من ذلك .
هُوَ الَّذِیْ یُصَوِّرُكُمْ فِی الْاَرْحَامِ كَیْفَ یَشَآءُؕ-لَاۤ اِلٰهَ اِلَّا هُوَ الْعَزِیْزُ الْحَكِیْمُ(۶)
وہی ہے کہ تمہاری تصویر بناتا ہے ماؤں کے پیٹ میں جیسی چاہے (ف۴) اس کے سوا کسی کی عبادت نہیں عزت والا حکمت والا (ف۵)
( هو الذي يصوركم في الأرحام كيف يشاء ) أي : يخلقكم كما يشاء في الأرحام من ذكر وأنثى ، [ و ] حسن وقبيح ، وشقي وسعيد ( لا إله إلا هو العزيز الحكيم ) أي : هو الذي خلق ، وهو المستحق للإلهية وحده لا شريك له ، وله العزة التي لا ترام ، والحكمة والأحكام .وهذه الآية فيها تعريض بل تصريح بأن عيسى ابن مريم عبد مخلوق ، كما خلق الله سائر البشر ، لأن الله [ تعالى ] صوره في الرحم وخلقه كما يشاء ، فكيف يكون إلها كما زعمته النصارى - عليهم لعائن الله - وقد تقلب في الأحشاء ، وتنقل من حال إلى حال ، كما قال تعالى : ( يخلقكم في بطون أمهاتكم خلقا من بعد خلق في ظلمات ثلاث ذلكم الله ربكم له الملك لا إله إلا هو فأنى تصرفون ) [ الزمر : 6 ]
هُوَ الَّذِیْۤ اَنْزَلَ عَلَیْكَ الْكِتٰبَ مِنْهُ اٰیٰتٌ مُّحْكَمٰتٌ هُنَّ اُمُّ الْكِتٰبِ وَ اُخَرُ مُتَشٰبِهٰتٌؕ-فَاَمَّا الَّذِیْنَ فِیْ قُلُوْبِهِمْ زَیْغٌ فَیَتَّبِعُوْنَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَآءَ الْفِتْنَةِ وَ ابْتِغَآءَ تَاْوِیْلِهٖ ﳘ وَ مَا یَعْلَمُ تَاْوِیْلَهٗۤ اِلَّا اللّٰهُ ﳕ وَ الرّٰسِخُوْنَ فِی الْعِلْمِ یَقُوْلُوْنَ اٰمَنَّا بِهٖۙ-كُلٌّ مِّنْ عِنْدِ رَبِّنَاۚ-وَ مَا یَذَّكَّرُ اِلَّاۤ اُولُوا الْاَلْبَابِ(۷)
وہی ہے جس نے تم پر یہ کتاب اتاری اس کی کچھ آیتیں صاف معنی رکھتی ہیں (ف۶) وہ کتاب کی اصل ہیں (ف۷) اور دوسری وہ ہیں جن کے معنی میں اشتباہ ہے (ف۸) وہ جن کے دلوں میں کجی ہے (ف۹) وہ اشتباہ والی کے پیچھے پڑتے ہیں (ف۱۰) گمراہی چاہنے (ف۱۱) اور اس کا پہلو ڈھونڈنے کو (ف۱۲) اور اس کا ٹھیک پہلو اللہ ہی کو معلوم ہے (ف۱۳) اور پختہ علم والے (ف۱۴) کہتے ہیں ہم اس پر ایمان لائے (ف۱۵) سب ہمارے رب کے پاس سے ہے (ف۱۶) اور نصیحت نہیں مانتے مگر عقل والے (ف۱۷)
خبر تعالى أن في القرآن آيات محكمات هن أم الكتاب ، أي : بينات واضحات الدلالة ، لا التباس فيها على أحد من الناس ، ومنه آيات أخر فيها اشتباه في الدلالة على كثير من الناس أو بعضهم ، فمن رد ما اشتبه عليه إلى الواضح منه ، وحكم محكمه على متشابهه عنده ، فقد اهتدى . ومن عكس انعكس ، ولهذا قال تعالى : ( هو الذي أنزل عليك الكتاب منه آيات محكمات هن أم الكتاب ) أي : أصله الذي يرجع إليه عند الاشتباه ( وأخر متشابهات ) أي : تحتمل دلالتها موافقة المحكم ، وقد تحتمل شيئا آخر من حيث اللفظ والتركيب ، لا من حيث المراد .وقد اختلفوا في المحكم والمتشابه ، فروي عن السلف عبارات كثيرة ، فقال علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس [ أنه قال ] المحكمات ناسخه ، وحلاله وحرامه ، وحدوده وفرائضه ، وما يؤمر به ويعمل به .وكذا روي عن عكرمة ، ومجاهد ، وقتادة ، والضحاك ، ومقاتل بن حيان ، والربيع بن أنس ، والسدي أنهم قالوا : المحكم الذي يعمل به .وعن ابن عباس أيضا أنه قال : المحكمات [ في ] قوله تعالى : ( قل تعالوا أتل ما حرم ربكم عليكم ألا تشركوا به شيئا ) [ الأنعام : 151 ] والآيتان بعدها ، وقوله تعالى : ( وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه ) [ الإسراء : 23 ] إلى ثلاث آيات بعدها . رواه ابن أبي حاتم ، وحكاه عن سعيد بن جبير [ ثم ] قال : حدثنا أبي ، حدثنا سليمان بن حرب ، حدثنا حماد بن زيد ، عن إسحاق بن سويد أن يحيى بن يعمر وأبا فاختة تراجعا في هذه الآية : ( هن أم الكتاب ) فقال أبو فاختة : فواتح السور . وقال يحيى بن يعمر : الفرائض ، والأمر والنهي ، والحلال والحرام .وقال ابن لهيعة ، عن عطاء بن دينار ، عن سعيد بن جبير : ( هن أم الكتاب ) يقول : أصل الكتاب ، وإنما سماهن أم الكتاب ، لأنهن مكتوبات في جميع الكتب .وقال مقاتل بن حيان : لأنه ليس من أهل دين إلا يرضى بهن .وقيل في المتشابهات : إنهن المنسوخة ، والمقدم منه والمؤخر ، والأمثال فيه والأقسام ، وما يؤمن به ولا يعمل به . رواه علي بن أبي طلحة عن ابن عباس .وقيل : هي الحروف المقطعة في أوائل السور ، قاله مقاتل بن حيان .وعن مجاهد : المتشابهات يصدق بعضهن بعضا . وهذا إنما هو في تفسير قوله : ( كتابا متشابها مثاني ) [ الزمر : 23 ] هناك ذكروا : أن المتشابه هو الكلام الذي يكون في سياق واحد ، والمثاني هو الكلام في شيئين متقابلين كصفة الجنة وصفة النار ، وذكر حال الأبرار ثم حال الفجار ، ونحو ذلك ، فأما هاهنا فالمتشابه هو الذي يقابل المحكم .وأحسن ما قيل فيه الذي قدمناه ، وهو الذي نص عليه محمد بن إسحاق بن يسار ، رحمه الله ، حيث قال : ( منه آيات محكمات هن أم الكتاب ) فيهن حجة الرب ، وعصمة العباد ، ودفع الخصوم والباطل ، ليس لهن تصريف ولا تحريف عما وضعن عليه .قال : والمتشابهات في الصدق ، لهن تصريف وتحريف وتأويل ، ابتلى الله فيهن العباد ، كما ابتلاهم في الحلال والحرام ألا يصرفن إلى الباطل ، ولا يحرفن عن الحق .ولهذا قال تعالى : ( فأما الذين في قلوبهم زيغ ) أي : ضلال وخروج عن الحق إلى الباطل ( فيتبعون ما تشابه منه ) أي : إنما يأخذون منه بالمتشابه الذي يمكنهم أن يحرفوه إلى مقاصدهم الفاسدة ، وينزلوه عليها ، لاحتمال لفظه لما يصرفونه ، فأما المحكم فلا نصيب لهم فيه ، لأنه دامغ لهم وحجة عليهم ، ولهذا قال : ( ابتغاء الفتنة ) أي : الإضلال لأتباعهم ، إيهاما لهم أنهم يحتجون على بدعتهم بالقرآن ، وهذا حجة عليهم لا لهم ، كما لو احتج النصارى بأن القرآن قد نطق بأن عيسى هو روح الله وكلمته ألقاها إلى مريم ، وتركوا الاحتجاج بقوله [ تعالى ] ( إن هو إلا عبد أنعمنا عليه ) [ الزخرف : 59 ] وبقوله : ( إن مثل عيسى عند الله كمثل آدم خلقه من تراب ثم قال له كن فيكون ) [ آل عمران : 59 ] وغير ذلك من الآيات المحكمة المصرحة بأنه خلق من مخلوقات الله ، وعبد ورسول من رسل الله .وقوله : ( وابتغاء تأويله ) أي : تحريفه على ما يريدون ، وقال مقاتل والسدي : يبتغون أن يعلموا ما يكون وما عواقب الأشياء من القرآن .وقد قال الإمام أحمد : حدثنا إسماعيل ، حدثنا أيوب عن عبد الله بن أبي مليكة ، عن عائشة قالت : قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( هو الذي أنزل عليك الكتاب منه آيات محكمات هن أم الكتاب وأخر متشابهات [ فأما الذين في قلوبهم زيغ ] ) إلى قوله : ( أولو الألباب ) فقال : " فإذا رأيتم الذين يجادلون فيه فهم الذين عنى الله فاحذروهم .هكذا وقع هذا الحديث في مسند الإمام أحمد ، رحمه الله ، من رواية ابن أبي مليكة ، عن عائشة ، ليس بينهما أحد .وهكذا رواه ابن ماجه من طريق إسماعيل ابن علية وعبد الوهاب الثقفي ، كلاهما عن أيوب ، عن عبد الله بن عبيد الله بن أبي مليكة ، عنها .ورواه محمد بن يحيى العبدي في مسنده عن عبد الوهاب الثقفي ، عن أيوب ، به . وكذا رواه عبد الرزاق ، عن معمر عن أيوب . وكذا رواه غير واحد عن أيوب . وقد رواه ابن حبان في صحيحه ، من حديث أيوب ، به .وتابع أيوب أبو عامر الخزاز وغيره عن ابن أبي مليكة ، فرواه الترمذي عن بندار ، عن أبي داود الطيالسي ، عن أبي عامر الخزاز ، فذكره . وهكذا رواه سعيد بن منصور في سننه ، عن حماد بن يحيى الأبح ، عن عبد الله بن أبي مليكة ، عن عائشة . ورواه ابن جرير ، من حديث روح بن القاسم ونافع بن عمر الجمحي ، كلاهما عن ابن أبي مليكة ، عن عائشة ، به . وقال نافع في روايته عن ابن أبي مليكة : حدثتني عائشة ، فذكره .وقد روى هذا الحديث البخاري ، رحمه الله ، عند تفسير هذه الآية ، ومسلم في كتاب القدر من صحيحه ، وأبو داود في السنة من سننه ، ثلاثتهم ، عن القعنبي ، عن يزيد بن إبراهيم التستري ، عن ابن أبي مليكة ، عن القاسم بن محمد ، عن عائشة ، رضي الله عنها ، قالت : تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( هو الذي أنزل عليك الكتاب منه آيات محكمات [ هن أم الكتاب وأخر متشابهات ] ) إلى قوله : ( وما يذكر إلا أولو الألباب ) قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " فإذا رأيت الذين يتبعون ما تشابه منه فأولئك الذين سمى الله فاحذروهم " لفظ البخاري .وكذا رواه الترمذي أيضا ، عن بندار ، عن أبي داود الطيالسي ، عن يزيد بن إبراهيم التستري ، به . وقال : حسن صحيح . وذكر أن يزيد بن إبراهيم التستري تفرد بذكر القاسم في هذا الإسناد ، وقد رواه غير واحد عن ابن أبي مليكة ، عن عائشة ، ولم يذكروا القاسم . كذا قال .ورواه ابن المنذر في تفسيره من طريقين عن النعمان بن محمد بن الفضل السدوسي - ولقبه عارم - حدثنا حماد بن زيد ، حدثنا أيوب ، عن ابن أبي مليكة ، عن عائشة ، به .وقد رواه ابن أبي حاتم فقال : حدثنا أبي ، حدثنا أبو الوليد الطيالسي ، حدثنا يزيد بن إبراهيم التستري وحماد بن سلمة ، عن ابن أبي مليكة ، عن القاسم بن محمد ، عن عائشة قالت : سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قول الله عز وجل : ( فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ) فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إذا رأيتم الذين يتبعون ما تشابه منه فأولئك الذين سمى الله ، فاحذروهم " .وقال ابن جرير : حدثنا علي بن سهل حدثنا الوليد بن مسلم ، عن حماد بن سلمة ، عن عبد الرحمن بن القاسم ، عن أبيه ، عن عائشة قالت : نزع رسول الله صلى الله عليه وسلم بهذه الآية : ( فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة ) فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " قد حذركم الله ، فإذا رأيتموهم فاعرفوهم " . ورواه ابن مردويه من طريق أخرى ، عن القاسم ، عن عائشة به .وقال الإمام أحمد : حدثنا أبو كامل ، حدثنا حماد ، عن أبي غالب قال : سمعت أبا أمامة يحدث ، عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله : ( فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ) قال : " هم الخوارج " ، وفي قوله : ( يوم تبيض وجوه وتسود وجوه ) . [ آل عمران : 106 ] قال : " هم الخوارج " .وقد رواه ابن مردويه من غير وجه ، عن أبي غالب ، عن أبي أمامة مرفوعا ، فذكره .وهذا الحديث أقل أقسامه أن يكون موقوفا من كلام الصحابي ، ومعناه صحيح ، فإن أول بدعة وقعت في الإسلام فتنة الخوارج ، وكان مبدؤهم بسبب الدنيا حين قسم رسول الله صلى الله عليه وسلم غنائم حنين ، فكأنهم رأوا في عقولهم الفاسدة أنه لم يعدل في القسمة ، ففاجئوه بهذه المقالة ، فقال قائلهم - وهو ذو الخويصرة - بقر الله خاصرته - اعدل فإنك لم تعدل ، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لقد خبت وخسرت إن لم أكن أعدل ، أيأمنني على أهل الأرض ولا تأمنوني " . فلما قفا الرجل استأذن عمر بن الخطاب - وفي رواية : خالد بن الوليد - [ ولا بعد في الجمع ] - رسول الله في قتله ، فقال : " دعه فإنه يخرج من ضئضئ هذا - أي : من جنسه - قوم يحقر أحدكم صلاته مع صلاتهم ، وصيامه مع صيامهم ، وقراءته مع قراءتهم ، يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية ، فأينما لقيتموهم فاقتلوهم ، فإن في قتلهم أجرا لمن قتلهم .ثم كان ظهورهم أيام علي بن أبي طالب ، وقتلهم بالنهروان ، ثم تشعبت منهم شعوب وقبائل وآراء وأهواء ومقالات ونحل كثيرة منتشرة ، ثم نبعت القدرية ، ثم المعتزلة ، ثم الجهمية ، وغير ذلك من البدع التي أخبر عنها الصادق المصدوق في قوله : " وستفترق هذه الأمة على ثلاث وسبعين فرقة ، كلها في النار إلا واحدة " قالوا : [ من ] هم يا رسول الله ؟ قال : " من كان على ما أنا عليه وأصحابي " أخرجه الحاكم في مستدركه بهذه الزيادة .وقال الحافظ أبو يعلى : حدثنا أبو موسى ، حدثنا عمرو بن عاصم ، حدثنا المعتمر ، عن أبيه ، عن قتادة ، عن الحسن عن جندب بن عبد الله أنه بلغه ، عن حذيفة - أو سمعه منه - يحدث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه ذكر : " إن في أمتي قوما يقرءون القرآن ينثرونه نثر الدقل ، يتأولونه على غير تأويله " . [ لم ] يخرجوه .[ وقوله ] ( وما يعلم تأويله إلا الله ) اختلف القراء في الوقف هاهنا ، فقيل : على الجلالة ، كما تقدم عن ابن عباس أنه قال : التفسير على أربعة أنحاء : فتفسير لا يعذر أحد في فهمه ، وتفسير تعرفه العرب من لغاتها ، وتفسير يعلمه الراسخون في العلم ، وتفسير لا يعلمه إلا الله عز وجل . ويروى هذا القول عن عائشة ، وعروة ، وأبي الشعثاء ، وأبي نهيك ، وغيرهم .وقد قال الحافظ أبو القاسم في المعجم الكبير : حدثنا هاشم بن مرثد حدثنا محمد بن إسماعيل بن عياش ، حدثني أبي ، حدثني ضمضم بن زرعة ، عن شريح بن عبيد ، عن أبي مالك الأشعري أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " لا أخاف على أمتي إلا ثلاث خلال : أن يكثر لهم المال فيتحاسدوا فيقتتلوا ، وأن يفتح لهم الكتاب فيأخذه المؤمن يبتغي تأويله ، ( وما يعلم تأويله إلا الله والراسخون في العلم يقولون آمنا به [ كل من عند ربنا وما يذكر إلا أولو الألباب ] ) الآية ، وأن يزداد علمهم فيضيعوه ولا يبالون عليه " غريب جدا . وقال الحافظ أبو بكر بن مردويه : حدثنا محمد بن أحمد بن إبراهيم ، أخبرنا أحمد بن عمرو ، أخبرنا هشام بن عمار ، أخبرنا ابن أبي حاتم عن أبيه ، عن عمرو بن شعيب ، عن أبيه ، عن ابن العاص ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " إن القرآن لم ينزل ليكذب بعضه بعضا ، فما عرفتم منه فاعملوا به ، وما تشابه منه فآمنوا به " .وقال عبد الرزاق : أنبأنا معمر ، عن ابن طاوس ، عن أبيه قال : كان ابن عباس يقرأ : " وما يعلم تأويله إلا الله ، ويقول الراسخون : آمنا به " وكذا رواه ابن جرير ، عن عمر بن عبد العزيز ، ومالك بن أنس : أنهم يؤمنون به ولا يعلمون تأويله . وحكى ابن جرير أن في قراءة عبد الله بن مسعود : " إن تأويله إلا عند الله والراسخون في العلم يقولون آمنا به " . وكذا عن أبي بن كعب . واختار ابن جرير هذا القول .ومنهم من يقف على قوله : ( والراسخون في العلم ) وتبعهم كثير من المفسرين وأهل الأصول ، وقالوا : الخطاب بما لا يفهم بعيد .وقد روى ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، عن ابن عباس أنه قال : أنا من الراسخين الذين يعلمون تأويله . وقال ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : والراسخون في العلم يعلمون تأويله ويقولون آمنا به . وكذا قال الربيع بن أنس .وقال محمد بن إسحاق ، عن محمد بن جعفر بن الزبير : ( وما يعلم تأويله ) الذي أراد ما أراد ( إلا الله والراسخون في العلم يقولون آمنا به ) ثم ردوا تأويل المتشابه على ما عرفوا من تأويل المحكمة التي لا تأويل لأحد فيها إلا تأويل واحد ، فاتسق بقولهم الكتاب ، وصدق بعضه بعضا ، فنفذت الحجة ، وظهر به العذر ، وزاح به الباطل ، ودفع به الكفر .وفي الحديث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دعا لابن عباس فقال : " اللهم فقهه في الدين وعلمه التأويل " .ومن العلماء من فصل في هذا المقام ، فقال : التأويل يطلق ويراد به في القرآن معنيان ، أحدهما : التأويل بمعنى حقيقة الشيء ، وما يئول أمره إليه ، ومنه قوله تعالى : ( ورفع أبويه على العرش وخروا له سجدا وقال يا أبت هذا تأويل رؤياي من قبل قد جعلها ربي حقا ) [ يوسف : 100 ] وقوله ( هل ينظرون إلا تأويله يوم يأتي تأويله ) [ الأعراف : 53 ] أي : حقيقة ما أخبروا به من أمر المعاد ، فإن أريد بالتأويل هذا ، فالوقف على الجلالة ، لأن حقائق الأمور وكنهها لا يعلمه على الجلية إلا الله عز وجل ، ويكون قوله : ( والراسخون في العلم ) مبتدأ و ( يقولون آمنا به ) خبره . وأما إن أريد بالتأويل المعنى الآخر وهو التفسير والتعبير والبيان عن الشيء كقوله تعالى : ( نبئنا بتأويله ) [ يوسف : 36 ] أي : بتفسيره ، فإن أريد به هذا المعنى ، فالوقف على : ( والراسخون في العلم ) لأنهم يعلمون ويفهمون ما خوطبوا به بهذا الاعتبار ، وإن لم يحيطوا علما بحقائق الأشياء على كنه ما هي عليه ، وعلى هذا فيكون قوله : ( يقولون آمنا به ) حالا منهم ، وساغ هذا ، وهو أن يكون من المعطوف دون المعطوف عليه ، كقوله : ( للفقراء المهاجرين الذين أخرجوا من ديارهم وأموالهم ) إلى قوله : ( [ والذين جاءوا من بعدهم ] يقولون ربنا اغفر لنا ولإخواننا [ الذين سبقونا بالإيمان ] ) الآية [ الحشر : 8 - 10 ] ، وكقوله تعالى : ( وجاء ربك والملك صفا صفا ) [ الفجر : 22 ] أي : وجاءت الملائكة صفوفا صفوفا .وقوله إخبارا عنهم أنهم ( يقولون آمنا به ) أي : بالمتشابه ( كل من عند ربنا ) أي : الجميع من المحكم والمتشابه حق وصدق ، وكل واحد منهما يصدق الآخر ويشهد له ، لأن الجميع من عند الله وليس شيء من عند الله بمختلف ولا متضاد لقوله : ( أفلا يتدبرون القرآن ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا ) [ النساء : 82 ] ولهذا قال تعالى : ( وما يذكر إلا أولو الألباب ) أي : إنما يفهم ويعقل ويتدبر المعاني على وجهها أولو العقول السليمة والفهوم المستقيمة .وقد قال ابن أبي حاتم : حدثنا محمد بن عوف الحمصي ، حدثنا نعيم بن حماد ، حدثنا فياض الرقي ، حدثنا عبد الله بن يزيد - وكان قد أدرك أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم : أنسا ، وأبا أمامة ، وأبا الدرداء ، رضي الله عنهم ، قال : حدثنا أبو الدرداء ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن الراسخين في العلم ، فقال : " من برت يمينه ، وصدق لسانه ، واستقام قلبه ، ومن أعف بطنه وفرجه ، فذلك من الراسخين في العلم " .وقال الإمام أحمد : حدثنا عبد الرزاق ، حدثنا معمر ، عن الزهري ، عن عمرو بن شعيب عن أبيه ، عن جده قال : سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم قوما يتدارءون فقال : " إنما هلك من كان قبلكم بهذا ، ضربوا كتاب الله بعضه ببعض ، وإنما أنزل كتاب الله ليصدق بعضه بعضا ، فلا تكذبوا بعضه ببعض ، فما علمتم منه فقولوا ، وما جهلتم فكلوه إلى عالمه " .و [ قد ] تقدم رواية ابن مردويه لهذا الحديث ، من طريق هشام بن عمار ، عن ابن أبي حازم عن أبيه ، عن عمرو بن شعيب ، به .وقد قال الحافظ أبو يعلى أحمد بن علي بن المثنى الموصلي في مسنده ، حدثنا زهير بن حرب ، حدثنا أنس بن عياض ، عن أبي حازم ، عن أبي سلمة قال : لا أعلمه إلا عن أبي هريرة ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " نزل القرآن على سبعة أحرف ، والمراء في القرآن كفر - ثلاثا - ما عرفتم منه فاعملوا به ، وما جهلتم منه فردوه إلى عالمه " .وهذا إسناد صحيح ، ولكن فيه علة بسبب قول الراوي : " لا أعلمه إلا عن أبي هريرة " .وقال ابن المنذر في تفسيره : أخبرنا محمد بن عبد الله بن عبد الحكم ، أخبرنا ابن وهب قال : أخبرني نافع بن يزيد قال : يقال : الراسخون في العلم المتواضعون لله ، المتذللون لله في مرضاته ، لا يتعاطون من فوقهم ، ولا يحقرون من دونهم . [ ولهذا قال تعالى : ( وما يذكر إلا أولو الألباب ) أي : إنما يفهم ويعقل ويتدبر المعاني على وجهها أولو العقول السليمة أو الفهوم المستقيمة ] .
رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوْبَنَا بَعْدَ اِذْ هَدَیْتَنَا وَ هَبْ لَنَا مِنْ لَّدُنْكَ رَحْمَةًۚ-اِنَّكَ اَنْتَ الْوَهَّابُ(۸)
اے رب ہمارے دل ٹیڑھے نہ کر بعد اس کے کہ تو نے ہمیں ہدایت دی اور ہمیں اپنے پاس سے رحمت عطا کر بیشک تو ہے بڑا دینے والا،
ثم قال تعالى عنهم مخبرا أنهم دعوا ربهم قائلين : ( ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا ) أي : لا تملها عن الهدى بعد إذ أقمتها عليه ولا تجعلنا كالذين في قلوبهم زيغ ، الذين يتبعون ما تشابه من القرآن ولكن ثبتنا على صراطك المستقيم ، ودينك القويم ( وهب لنا من لدنك ) أي : من عندك ) رحمة ) تثبت بها قلوبنا ، وتجمع بها شملنا ، وتزيدنا بها إيمانا وإيقانا ( إنك أنت الوهاب )قال ابن أبي حاتم : حدثنا عمرو بن عبد الله الأودي - وقال ابن جرير : حدثنا أبو كريب - قالا جميعا : حدثنا وكيع ، عن عبد الحميد بن بهرام ، عن شهر بن حوشب ، عن أم سلمة ، رضي الله عنها ، أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول : " يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك " ثم قرأ : ( ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب ) رواه ابن مردويه من طريق محمد بن بكار ، عن عبد الحميد بن بهرام ، عن شهر بن حوشب ، عن أم سلمة ، وهي أسماء بنت يزيد بن السكن ، سمعها تحدث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يكثر في دعائه : " اللهم مقلب القلوب ، ثبت قلبي على دينك " قالت : قلت : يا رسول الله ، وإن القلب ليتقلب ؟ قال : " نعم ، ما خلق الله من بني آدم من بشر إلا أن قلبه بين أصبعين من أصابع الله عز وجل ، فإن شاء أقامه ، وإن شاء أزاغه " . فنسأل الله ربنا ألا يزيغ قلوبنا بعد إذ هدانا ، ونسأله أن يهب لنا من لدنه رحمة ، إنه هو الوهاب .وهكذا رواه ابن جرير من حديث أسد بن موسى ، عن عبد الحميد بن بهرام ، به مثله . ورواه أيضا عن المثنى ، عن الحجاج بن منهال ، عن عبد الحميد بن بهرام ، به مثله ، وزاد : " قلت يا رسول الله ، ألا تعلمني دعوة أدعو بها لنفسي ؟ قال : " بلى قولي : اللهم رب النبي محمد ، اغفر لي ذنبي ، وأذهب غيظ قلبي ، وأجرني من مضلات الفتن " .ثم قال ابن مردويه : حدثنا سليمان بن أحمد ، حدثنا محمد بن هارون بن بكار الدمشقي ، أخبرنا العباس بن الوليد الخلال ، أخبرنا يزيد بن يحيى بن عبيد الله ، أخبرنا سعيد بن بشير ، عن قتادة ، عن أبي حسان الأعرج عن عائشة ، رضي الله عنها ، قالت : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم كثيرا ما يدعو : " يا مقلب القلوب ، ثبت قلبي على دينك " ، قلت : يا رسول الله ، ما أكثر ما تدعو بهذا الدعاء . فقال : " ليس من قلب إلا وهو بين أصبعين من أصابع الرحمن ، إذا شاء أن يقيمه أقامه ، وإذا شاء أن يزيغه أزاغه ، أما تسمعين قوله : ( ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب ) . غريب من هذا الوجه ، ولكن أصله ثابت في الصحيحين وغيرهما من طرق كثيرة بدون زيادة ذكر هذه الآية الكريمة .وقد روى أبو داود والنسائي وابن مردويه ، من حديث أبي عبد الرحمن المقرئ - زاد النسائي وابن حبان : وعبد الله بن وهب ، كلاهما عن سعيد بن أبي أيوب حدثني عبد الله بن الوليد التجيبي ، عن سعيد بن المسيب ، عن عائشة ، رضي الله عنها ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا استيقظ من الليل قال : " لا إله إلا أنت سبحانك ، اللهم إني أستغفرك لذنبي ، وأسألك رحمة ، اللهم زدني علما ، ولا تزغ قلبي بعد إذ هديتني ، وهب لي من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب " لفظ ابن مردويه .وقال عبد الرزاق ، عن مالك ، عن أبي عبيد - مولى سليمان بن عبد الملك - عن عبادة بن نسي ، أنه أخبره ، أنه سمع قيس بن الحارث يقول : أخبرني أبو عبد الله الصنابحي ، أنه صلى وراء أبي بكر الصديق المغرب ، فقرأ أبو بكر في الركعتين الأوليين بأم القرآن وسورتين من قصار المفصل ، وقرأ في الركعة الثالثة ، قال : فدنوت منه حتى إن ثيابي لتكاد تمس ثيابه ، فسمعته يقرأ بأم القرآن وهذه الآية : ( ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا [ وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب ] ) .قال أبو عبيد : وأخبرني عبادة بن نسي : أنه كان عند عمر بن عبد العزيز في خلافته ، فقال عمر لقيس : كيف أخبرتني عن أبي عبد الله الصنابحي فأخبره بما سمع أبا عبد الله ثانيا . قال عمر : فما تركناها منذ سمعناها منه ، وإن كنت قبل ذلك لعلى غير ذلك . فقال له رجل : على أي شيء كان أمير المؤمنين قبل ذلك ؟ قال : كنت أقرأ ( قل هو الله أحد ) [ الإخلاص : 1 ] وقد روى هذا الأثر الوليد بن مسلم ، عن مالك والأوزاعي ، كلاهما عن أبي عبيد ، به . ورواه الوليد أيضا ، عن ابن جابر ، عن يحيى بن يحيى الغساني ، عن محمود بن لبيد ، عن الصنابحي : أنه صلى خلف أبي بكر - رضي الله عنه - المغرب فقرأ في الأوليين بفاتحة الكتاب وسورة قصيرة ، يجهر بالقراءة ، فلما قام إلى الثالثة ابتدأ القراءة فدنوت منه حتى إن ثيابي لتمس ثيابه ، فقرأ هذه الآية : ( ربنا لا تزغ قلوبنا [ بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب ] ) .
رَبَّنَاۤ اِنَّكَ جَامِعُ النَّاسِ لِیَوْمٍ لَّا رَیْبَ فِیْهِؕ-اِنَّ اللّٰهَ لَا یُخْلِفُ الْمِیْعَادَ۠(۹)
اے رب ہمارے بیشک تو سب لوگوں کو جمع کرنے والا ہے (ف۱۸) اس دن کے لئے جس میں کوئی شبہ نہیں (ف۱۹) بیشک اللہ کا وعدہ نہیں بدلتا (ف۲۰)
وقوله : ( ربنا إنك جامع الناس ليوم لا ريب فيه إن الله لا يخلف الميعاد ) أي : يقولون في دعائهم : إنك - يا ربنا - ستجمع بين خلقك يوم معادهم ، وتفصل بينهم وتحكم فيهم فيما اختلفوا فيه ، وتجزي كلا بعمله ، وما كان عليه في الدنيا من خير وشر .
اِنَّ الَّذِیْنَ كَفَرُوْا لَنْ تُغْنِیَ عَنْهُمْ اَمْوَالُهُمْ وَ لَاۤ اَوْلَادُهُمْ مِّنَ اللّٰهِ شَیْــٴًـاؕ-وَ اُولٰٓىٕكَ هُمْ وَ قُوْدُ النَّارِۙ(۱۰)
بیشک وہ جو کافر ہوئے (ف۲۱) ان کے مال اور ان کی اولاد اللہ سے انہیں کچھ نہ بچاسکیں گے اور وہی دوزخ کے ایندھن ہیں،
يخبر تعالى عن الكفار أنهم وقود النار ، ( يوم لا ينفع الظالمين معذرتهم ولهم اللعنة ولهم سوء الدار ) [ غافر : 52 ] وليس ما أوتوه في الدنيا من الأموال والأولاد بنافع لهم عند الله ، ولا بمنجيهم من عذابه وأليم عقابه ، بل كما قال تعالى : ( ولا تعجبك أموالهم وأولادهم إنما يريد الله أن يعذبهم بها في الدنيا وتزهق أنفسهم وهم كافرون ) [ التوبة : 85 ] وقال تعالى : ( لا يغرنك تقلب الذين كفروا في البلاد متاع قليل ثم مأواهم جهنم وبئس المهاد ) [ آل عمران : 196 : 197 ] كما قال هاهنا : ( إن الذين كفروا ) أي : بآيات الله وكذبوا رسله ، وخالفوا كتابه ، ولم ينتفعوا بوحيه إلى أنبيائه ( لن تغني عنهم أموالهم ولا أولادهم من الله شيئا وأولئك هم وقود النار ) أي : حطبها الذي تسجر به وتوقد به ، كقوله : ( إنكم وما تعبدون من دون الله حصب جهنم [ أنتم لها واردون ] ) [ الأنبياء : 98 ] .وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي ، حدثنا ابن أبي مريم ، أخبرنا ابن لهيعة ، أخبرني ابن الهاد ، عن هند بنت الحارث ، عن أم الفضل أم عبد الله بن عباس قالت : بينما نحن بمكة قام رسول الله صلى الله عليه وسلم من الليل ، فقال هل بلغت ، اللهم هل بلغت . . . " ثلاثا ، فقام عمر بن الخطاب فقال : نعم . ثم أصبح فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " ليظهرن الإسلام حتى يرد الكفر إلى مواطنه ، ولتخوضن البحار بالإسلام ، وليأتين على الناس زمان يتعلمون القرآن ويقرءونه ، ثم يقولون : قد قرأنا وعلمنا ، فمن هذا الذي هو خير منا ، فهل في أولئك من خير ؟ " قالوا : يا رسول الله ، فمن أولئك ؟ قال : " أولئك منكم وأولئك هم وقود النار " . وكذا رأيته بهذا اللفظ .وقد رواه ابن مردويه من حديث يزيد بن عبد الله بن الهاد ، عن هند بنت الحارث ، امرأة عبد الله بن شداد ، عن أم الفضل ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قام ليلة بمكة فقال : " هل بلغت " يقولها ثلاثا ، فقام عمر بن الخطاب - وكان أواها - فقال : اللهم نعم ، وحرصت وجهدت ونصحت فاصبر . فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " ليظهرن الإيمان حتى يرد الكفر إلى مواطنه ، وليخوضن رجال البحار بالإسلام وليأتين على الناس زمان يقرءون القرآن ، فيقرءونه ويعلمونه ، فيقولون : قد قرأنا ، وقد علمنا ، فمن هذا الذي هو خير منا ؟ فما في أولئك من خير " قالوا : يا رسول الله ، فمن أولئك ؟ قال : " أولئك منكم ، وأولئك هم وقود النار " ثم رواه من طريق موسى بن عبيد ، عن محمد بن إبراهيم ، عن بنت الهاد ، عن العباس بن عبد المطلب بنحوه .
كَدَاْبِ اٰلِ فِرْعَوْنَۙ-وَ الَّذِیْنَ مِنْ قَبْلِهِمْؕ-كَذَّبُوْا بِاٰیٰتِنَاۚ-فَاَخَذَهُمُ اللّٰهُ بِذُنُوْبِهِمْؕ-وَ اللّٰهُ شَدِیْدُ الْعِقَابِ(۱۱)
جیسے فرعون والوں اور ان سے اگلوں کا طریقہ، انہوں نے ہماری آیتیں جھٹلائیں تو اللہ نے ان کے گناہوں پر ان کو پکڑا اور اللہ کا عذاب سخت،
وقوله تعالى : ( كدأب آل فرعون ) قال الضحاك ، عن ابن عباس : كصنيع آل فرعون . وكذا روي عن عكرمة ، ومجاهد ، وأبي مالك ، والضحاك ، وغير واحد ، ومنهم من يقول : كسنة آل فرعون ، وكفعل آل فرعون وكشبه آل فرعون ، والألفاظ متقاربة . والدأب - بالتسكين ، والتحريك أيضا كنهر ونهر - : هو الصنع والشأن والحال والأمر والعادة ، كما يقال : لا يزال هذا دأبي ودأبك ، وقال امرؤ القيس :وقوفا بها صحبي علي مطيهم يقولون : لا تهلك أسى وتجمل كدأبك من أم الحويرث قبلهاوجارتها أم الرباب بمأسلوالمعنى : كعادتك في أم الحويرث حين أهلكت نفسك في حبها وبكيت دارها ورسمها .والمعنى في الآية : أن الكافرين لا تغني عنهم الأولاد ولا الأموال ، بل يهلكون ويعذبون ، كما جرى لآل فرعون ومن قبلهم من المكذبين للرسل فيما جاءوا به من آيات الله وحججه .( [ كدأب آل فرعون والذين من قبلهم كذبوا بآياتنا فأخذهم الله بذنوبهم ] والله شديد العقاب ) أي : شديد الأخذ أليم العذاب ، لا يمتنع منه أحد ، ولا يفوته شيء بل هو الفعال لما يريد ، الذي [ قد ] غلب كل شيء وذل له كل شيء ، لا إله غيره ولا رب سواه .
قُلْ لِّلَّذِیْنَ كَفَرُوْا سَتُغْلَبُوْنَ وَ تُحْشَرُوْنَ اِلٰى جَهَنَّمَؕ-وَ بِئْسَ الْمِهَادُ(۱۲)
فرمادو، کافروں سے کوئی دم جاتا ہے کہ تم مغلوب ہوگے اور دوزخ کی طرف ہانکے جاؤ گے (ف۲۲) اور وہ بہت ہی برا بچھونا،
يقول تعالى : قل يا محمد للكافرين : ( ستغلبون ) أي : في الدنيا ، ( وتحشرون ) أي : يوم القيامة ( إلى جهنم وبئس المهاد ) .وقد ذكر محمد بن إسحاق بن يسار ، عن عاصم بن عمر بن قتادة ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما أصاب من أهل بدر ما أصاب ورجع إلى المدينة ، جمع اليهود في سوق بني قينقاع وقال : " يا معشر يهود ، أسلموا قبل أن يصيبكم الله ما أصاب قريشا " . فقالوا : يا محمد ، لا يغرنك من نفسك أن قتلت نفرا من قريش كانوا أغمارا لا يعرفون القتال ، إنك والله لو قاتلتنا لعرفت أنا نحن الناس ، وأنك لم تلق مثلنا ؟ فأنزل الله في ذلك من قولهم : ( قل للذين كفروا ستغلبون وتحشرون إلى جهنم وبئس المهاد ) إلى قوله : ( لعبرة لأولي الأبصار ) .وقد رواه ابن إسحاق أيضا ، عن محمد بن أبي محمد ، عن سعيد أو عكرمة ، عن ابن عباس فذكره
قَدْ كَانَ لَكُمْ اٰیَةٌ فِیْ فِئَتَیْنِ الْتَقَتَاؕ-فِئَةٌ تُقَاتِلُ فِیْ سَبِیْلِ اللّٰهِ وَ اُخْرٰى كَافِرَةٌ یَّرَوْنَهُمْ مِّثْلَیْهِمْ رَاْیَ الْعَیْنِؕ-وَ اللّٰهُ یُؤَیِّدُ بِنَصْرِهٖ مَنْ یَّشَآءُؕ-اِنَّ فِیْ ذٰلِكَ لَعِبْرَةً لِّاُولِی الْاَبْصَارِ(۱۳)
بیشک تمہارے لئے نشانی تھی (ف۲۳) دو گروہوں میں جو آپس میں بھڑ پڑے (ف۲۴) ایک جتھا اللہ کی راہ میں لڑتا (ف۲۵) اور دوسرا کافر (ف۲۶) کہ انہیں آنکھوں دیکھا اپنے سے دونا سمجھیں، اور اللہ اپنی مدد سے زور دیتا ہے جسے چاہتا ہے (ف۲۷) بیشک اس میں عقلمندوں کے لئے ضرور دیکھ کر سیکھنا ہے،
ولهذا قال تعالى : ( قد كان لكم آية ) أي : قد كان لكم - أيها اليهود القائلون ما قلتم - ( آية ) أي : دلالة على أن الله معز دينه ، وناصر رسوله ، ومظهر كلمته ، ومعل أمره ( في فئتين ) أي : طائفتين ( التقتا ) أي : للقتال ( فئة تقاتل في سبيل الله ) وهم المسلمون ، ( وأخرى كافرة ) وهم مشركو قريش يوم بدر .وقوله : ( يرونهم مثليهم رأي العين ) قال بعض العلماء - فيما حكاه ابن جرير : يرى المشركون يوم بدر المسلمين مثليهم في العدد رأي أعينهم ، أي : جعل الله ذلك فيما رأوه سببا لنصرة الإسلام عليهم . وهذا لا إشكال عليه إلا من جهة واحدة ، وهي أن المشركين بعثوا عمر بن سعد يومئذ قبل القتال يحزر لهم المسلمين ، فأخبرهم بأنهم ثلاثمائة ، يزيدون قليلا أو ينقصون قليلا . وهكذا كان الأمر ، كانوا ثلاثمائة وبضعة عشر رجلا ثم لما وقع القتال أمدهم الله بألف من خواص الملائكة وساداتهم .والقول الثاني : " أن المعنى في قوله : ( يرونهم مثليهم رأي العين ) أي : ترى الفئة المسلمة الفئة الكافرة مثليهم ، أي : ضعفيهم في العدد ، ومع هذا نصرهم الله عليهم . وهذا لا إشكال فيه على ما رواه العوفي ، عن ابن عباس أن المؤمنين كانوا يوم بدر ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلا والمشركين كانوا ستمائة وستة وعشرين رجلا . وكأن هذا القول مأخوذ من ظاهر هذه الآية ، ولكنه خلاف المشهور عند أهل التواريخ والسير وأيام الناس ، وخلاف المعروف عند الجمهور من أن المشركين كانوا ما بين التسعمائة إلى الألف كما رواه محمد بن إسحاق ، عن يزيد بن رومان ، عن عروة بن الزبير ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما سأل ذلك العبد الأسود لبني الحجاج عن عدة قريش ، فقال : كثير ، قال : " كم ينحرون كل يوم ؟ " قال : يوما تسعا ويوما عشرا ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " القوم ما بين التسعمائة إلى الألف " .وروى أبو إسحاق السبيعي ، عن حارثة ، عن علي ، قال : كانوا ألفا ، وكذا قال ابن مسعود . والمشهور أنهم كانوا ما بين التسعمائة إلى الألف ، وعلى كل تقدير فقد كانوا ثلاثة أمثال المسلمين ، وعلى هذا فيشكل هذا القول والله أعلم . لكن وجه ابن جرير هذا ، وجعله صحيحا كما تقول : عندي ألف وأنا محتاج إلى مثليها ، وتكون محتاجا إلى ثلاثة آلاف ، كذا قال . وعلى هذا فلا إشكال .لكن بقي سؤال آخر وهو وارد على القولين ، وهو أن يقال : ما الجمع بين هذه الآية وبين قوله تعالى في قصة بدر : ( وإذ يريكموهم إذ التقيتم في أعينكم قليلا ويقللكم في أعينهم ليقضي الله أمرا كان مفعولا ) ؟ [ الأنفال : 44 ] والجواب : أن هذا كان في حال ، والآخر كان في حال أخرى ، كما قال السدي ، عن الطيب عن ابن مسعود في قوله : ( قد كان لكم آية في فئتين التقتا [ فئة تقاتل في سبيل الله وأخرى كافرة يرونهم مثليهم رأي العين ] ) الآية ، قال : هذا يوم بدر . قال عبد الله بن مسعود : وقد نظرنا إلى المشركين فرأيناهم يضعفون علينا ، ثم نظرنا إليهم فما رأيناهم يزيدون علينا رجلا واحدا ، وذلك قوله تعالى : ( وإذ يريكموهم إذ التقيتم في أعينكم قليلا ويقللكم في أعينهم ) .وقال أبو إسحاق ، عن أبي عبيدة ، عن عبد الله بن مسعود ، رضي الله عنه ، قال : لقد قللوا في أعيننا حتى قلت لرجل إلى جانبي تراهم سبعين ؟ قال : أراهم مائة . قال : فأسرنا رجلا منهم فقلنا : كم كنتم ؟ قال : ألفا . فعندما عاين كل الفريقين الآخر رأى المسلمون المشركين مثليهم ، أي : أكثر منهم بالضعف ، ليتوكلوا ويتوجهوا ويطلبوا الإعانة من ربهم ، عز وجل . ورأى المشركون المؤمنين كذلك ليحصل لهم الرعب والخوف والجزع والهلع ، ثم لما حصل التصاف والتقى الفريقان قلل الله هؤلاء في أعين هؤلاء ، وهؤلاء في أعين هؤلاء ، ليقدم كل منهما على الآخر .( ليقضي الله أمرا كان مفعولا ) أي : ليفرق بين الحق والباطل ، فيظهر كلمة الإيمان على الكفر ، ويعز المؤمنين ويذل الكافرين ، كما قال تعالى : ( ولقد نصركم الله ببدر وأنتم أذلة ) [ آل عمران : 123 ] وقال هاهنا : ( والله يؤيد بنصره من يشاء إن في ذلك لعبرة لأولي الأبصار ) أي : إن في ذلك لمعتبرا لمن له بصيرة وفهم يهتدي به إلى حكم الله وأفعاله ، وقدره الجاري بنصر عباده المؤمنين في هذه الحياة الدنيا ويوم يقوم الأشهاد .
زُیِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوٰتِ مِنَ النِّسَآءِ وَ الْبَنِیْنَ وَ الْقَنَاطِیْرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَ الْفِضَّةِ وَ الْخَیْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَ الْاَنْعَامِ وَ الْحَرْثِؕ-ذٰلِكَ مَتَاعُ الْحَیٰوةِ الدُّنْیَاۚ-وَ اللّٰهُ عِنْدَهٗ حُسْنُ الْمَاٰبِ(۱۴)
لوگوں کے لئے آراستہ کی گئی ان خواہشوں کی محبت (ف۲۸) عورتوں اور بیٹے اور تلے اوپر سونے چاندے کے ڈھیر اور نشان کئے ہوئے گھوڑے اور چوپائے اور کھیتی یہ جیتی دنیا کی پونجی ہے (ف۲۹) اور اللہ ہے جس کے پاس اچھا ٹھکانا (ف۳۰)
يخبر تعالى عما زين للناس في هذه الحياة الدنيا من أنواع الملاذ من النساء والبنين ، فبدأ بالنساء لأن الفتنة بهن أشد ، كما ثبت في الصحيح أنه ، عليه السلام ، قال ما تركت بعدي فتنة أضر على الرجال من النساء " . فأما إذا كان القصد بهن الإعفاف وكثرة الأولاد ، فهذا مطلوب مرغوب فيه مندوب إليه ، كما وردت الأحاديث بالترغيب في التزويج والاستكثار منه ، " وإن خير هذه الأمة كان أكثرها نساء " وقوله ، عليه السلام الدنيا متاع ، وخير متاعها المرأة الصالحة ، إن نظر إليها سرته ، وإن أمرها أطاعته ، وإن غاب عنها حفظته في نفسها وماله " وقوله في الحديث الآخر : " حبب إلي النساء والطيب وجعلت قرة عيني في الصلاة " وقالت عائشة ، رضي الله عنها : لم يكن شيء أحب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من النساء إلا الخيل ، وفي رواية : من الخيل إلا النساء .وحب البنين تارة يكون للتفاخر والزينة فهو داخل في هذا ، وتارة يكون لتكثير النسل ، وتكثير أمة محمد صلى الله عليه وسلم ممن يعبد الله وحده لا شريك له ، فهذا محمود ممدوح ، كما ثبت في الحديث : " تزوجوا الودود الولود ، فإني مكاثر بكم الأمم يوم القيامة "وحب المال - كذلك - تارة يكون للفخر والخيلاء والتكبر على الضعفاء ، والتجبر على الفقراء ، فهذا مذموم ، وتارة يكون للنفقة في القربات وصلة الأرحام والقرابات ووجوه البر والطاعات ، فهذا ممدوح محمود عليه شرعا .وقد اختلف المفسرون في مقدار القنطار على أقوال ، وحاصلها : أنه المال الجزيل ، كما قاله الضحاك وغيره ، وقيل : ألف دينار . وقيل : ألف ومائتا دينار . وقيل : اثنا عشر ألفا . وقيل : أربعون ألفا . وقيل : ستون ألفا وقيل : سبعون ألفا . وقيل : ثمانون ألفا . وقيل غير ذلك .وقد قال الإمام أحمد : حدثنا عبد الصمد ، حدثنا حماد ، عن عاصم ، عن أبي صالح ، عن أبي هريرة ، رضي الله عنه ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " القنطار اثنا عشر ألف أوقية ، كل أوقية خير مما بين السماء والأرض " .وقد رواه ابن ماجه ، عن أبي بكر بن أبي شيبة ، عن عبد الصمد بن عبد الوارث ، عن حماد بن سلمة ، به . وقد رواه ابن جرير عن بندار ، عن ابن مهدي ، عن حماد بن زيد ، عن عاصم - هو ابن بهدلة - عن أبي صالح ، عن أبي هريرة موقوفا ، وهذا أصح . وهكذا رواه ابن جرير عن معاذ بن جبل وابن عمر . وحكاه ابن أبي حاتم ، عن أبي هريرة وأبي الدرداء ، أنهم قالوا : القنطار ألف ومائتا أوقية .ثم قال ابن جرير : حدثني زكريا بن يحيى الضرير ، حدثنا شبابة ، حدثنا مخلد بن عبد الواحد ، عن علي بن زيد ، عن عطاء بن أبي ميمونة ، عن زر بن حبيش عن أبي بن كعب ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " القنطار ألف أوقية ومائتا أوقية " .وهذا حديث منكر أيضا ، والأقرب أن يكون موقوفا على أبي بن كعب ، كغيره من الصحابة . وقد روى ابن مردويه ، من طريق موسى بن عبيدة الربذي عن محمد بن إبراهيم عن يحنش أبي موسى ، عن أم الدرداء ، عن أبي الدرداء قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من قرأ مائة آية لم يكتب من الغافلين ، ومن قرأ مائة آية إلى ألف أصبح له قنطار من أجر عند الله ، القنطار منه مثل الجبل العظيم " . ورواه وكيع ، عن موسى بن عبيدة ، بمعناه وقال الحاكم في مستدركه : حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب ، حدثنا أحمد بن عيسى بن زيد اللخمي بتنيس ، حدثنا عمرو بن أبي سلمة ، حدثنا زهير بن محمد ، حدثنا حميد الطويل ، ورجل آخر ، عن أنس بن مالك قال : سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قول الله ، عز وجل : ( والقناطير المقنطرة ) قال : " القنطار ألفا أوقية " . صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه ، هكذا رواه الحاكم .وقد رواه ابن أبي حاتم بلفظ آخر فقال : حدثنا أحمد بن عبد الرحمن الرقي ، حدثنا عمرو بن أبي سلمة ، حدثنا زهير - يعني ابن محمد - حدثنا حميد الطويل ورجل آخر قد سماه - يعني يزيد الرقاشي - عن أنس ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في قوله : قنطار ، يعني ألف دينار " . وهكذا [ رواه ] ابن مردويه ، ورواه الطبراني ، عن عبد الله بن محمد بن أبي مريم ، عن عمرو بن أبي سلمة ، فذكر بإسناده مثله سواء .وروى ابن جرير عن الحسن البصري مرسلا عنه وموقوفا عليه : القنطار ألف ومائتا دينار . وكذا رواه العوفي عن ابن عباس .وقال الضحاك : من العرب من يقول : القنطار ألف دينار . ومنهم من يقول : اثنا عشر ألفا .وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي ، حدثنا عارم ، عن حماد ، عن سعيد الجريري عن أبي نضرة ، عن أبي سعيد الخدري ، رضي الله عنه ، قال : [ القنطار ] ملء مسك الثور ذهبا .قال أبو محمد : ورواه محمد بن موسى الحرشي ، عن حماد بن زيد ، مرفوعا . والموقوف أصح .وحب الخيل على ثلاثة أقسام ، تارة يكون ربطها أصحابها معدة لسبيل الله تعالى ، متى احتاجوا إليها غزوا عليها ، فهؤلاء يثابون . وتارة تربط فخرا ونواء لأهل الإسلام ، فهذه على صاحبها وزر . وتارة للتعفف واقتناء نسلها . ولم ينس حق الله في رقابها ، فهذه لصاحبها ستر ، كما سيأتي الحديث بذلك [ إن شاء الله تعالى ] عند قوله تعالى : ( وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل [ ترهبون به عدو الله وعدوكم ] ) [ الأنفال : 60 ] .وأما ( المسومة ) فعن ابن عباس ، رضي الله عنهما : المسومة الراعية ، والمطهمة الحسان ، وكذا روي عن مجاهد ، وعكرمة ، وسعيد بن جبير ، وعبد الرحمن بن عبد الله بن أبزى ، والسدي ، والربيع بن أنس ، وأبي سنان وغيرهم .وقال مكحول : المسومة : الغرة والتحجيل . وقيل غير ذلك .وقد قال الإمام أحمد : حدثنا يحيى بن سعيد ، عن عبد الحميد بن جعفر ، عن يزيد بن أبي حبيب ، عن سويد بن قيس ، عن معاوية بن حديج ، عن أبي ذر ، رضي الله عنه ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ليس من فرس عربي إلا يؤذن له مع كل فجر يدعو بدعوتين ، يقول : اللهم إنك خولتني من خولتني من ] بني آدم ، فاجعلني من أحب ماله وأهله إليه ، أو أحب أهله وماله إليه " .وقوله : ( والأنعام ) يعني الإبل والبقر والغنم ( والحرث ) يعني الأرض المتخذة للغراس والزراعة .قال الإمام أحمد : حدثنا روح بن عبادة ، حدثنا أبو نعامة العدوي ، عن مسلم بن بديل عن إياس بن زهير ، عن سويد بن هبيرة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " خير مال امرئ له مهرة مأمورة ، أو سكة مأبورة " المأمورة : الكثيرة النسل ، والسكة : النخل المصطف ، والمأبورة : الملقحة .ثم قال تعالى : ( ذلك متاع الحياة الدنيا ) أي : إنما هذا زهرة الحياة الدنيا وزينتها الفانية الزائلة ( والله عنده حسن المآب ) أي : حسن المرجع والثواب .وقد قال ابن جرير : حدثنا ابن حميد ، حدثنا جرير ، عن عطاء ، عن أبي بكر بن حفص بن عمر بن سعد قال : قال عمر بن الخطاب ، رضي الله عنه : لما أنزلت : ( زين للناس حب الشهوات ) قلت : الآن يا رب حين زينتها لنا فنزلت : ( قل أؤنبئكم بخير من ذلكم للذين اتقوا [ عند ربهم جنات تجري من تحتها الأنهار ] ) .
قُلْ اَؤُنَبِّئُكُمْ بِخَیْرٍ مِّنْ ذٰلِكُمْؕ-لِلَّذِیْنَ اتَّقَوْا عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنّٰتٌ تَجْرِیْ مِنْ تَحْتِهَا الْاَنْهٰرُ خٰلِدِیْنَ فِیْهَا وَ اَزْوَاجٌ مُّطَهَّرَةٌ وَّ رِضْوَانٌ مِّنَ اللّٰهِؕ-وَ اللّٰهُ بَصِیْرٌۢ بِالْعِبَادِۚ(۱۵)
تم فرماؤ کیا میں تمہیں اس سے (ف۳۱) بہتر چیز بتادوں پرہیزگاروں کے لئے ان کے رب کے پاس جنتیں ہیں جن کے نیچے نہریں رواں ہمیشہ ان میں رہیں گے اور ستھری بیبیاں (ف۳۲) اور اللہ کی خوشنودی (ف۳۳) اور اللہ بندوں کو دیکھتا ہے (ف۳۴)
ولهذا قال تعالى : ( قل أؤنبئكم بخير من ذلكم ) أي : قل يا محمد للناس : أأخبركم بخير مما زين للناس في هذه الحياة الدنيا من زهرتها ونعيمها ، الذي هو زائل لا محالة . ثم أخبر عن ذلك ، فقال : ( للذين اتقوا عند ربهم جنات تجري من تحتها الأنهار ) أي : تنخرق بين جوانبها وأرجائها الأنهار ، من أنواع الأشربة ، من العسل واللبن والخمر والماء وغير ذلك ، مما لا عين رأت ، ولا أذن سمعت ، ولا خطر على قلب بشر .( خالدين فيها ) أي : ماكثين فيها أبد الآباد لا يبغون عنها حولا .( وأزواج مطهرة ) أي : من الدنس ، والخبث ، والأذى ، والحيض ، والنفاس ، وغير ذلك مما يعتري نساء الدنيا .( ورضوان من الله ) أي : يحل عليهم رضوانه ، فلا يسخط عليهم بعده أبدا ، ولهذا قال تعالى في الآية الأخرى التي في ( براءة ) : ( ورضوان من الله أكبر ) [ التوبة : 72 ] أي : أعظم مما أعطاهم من النعيم المقيم ، ثم قال [ تعالى ] ( والله بصير بالعباد ) أي : يعطي كلا بحسب ما يستحقه من العطاء .
اَلَّذِیْنَ یَقُوْلُوْنَ رَبَّنَاۤ اِنَّنَاۤ اٰمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوْبَنَا وَ قِنَا عَذَابَ النَّارِۚ(۱۶)
وہ جو کہتے ہیں ے رب ہمارے! ہم ایمان لائے تو ہمارے گناہ معاف کر اور ہمیں دوزخ کے عذاب سے بچالے،
يصف تعالى عباده المتقين الذين وعدهم الثواب الجزيل ، فقال تعالى : ( الذين يقولون ربنا إننا آمنا ) أي : بك وبكتابك وبرسولك ( فاغفر لنا ذنوبنا ) أي بإيماننا بك وبما شرعته لنا فاغفر لنا ذنوبنا وتقصيرنا من أمرنا بفضلك ورحمتك ( وقنا عذاب النار )
اَلصّٰبِرِیْنَ وَ الصّٰدِقِیْنَ وَ الْقٰنِتِیْنَ وَ الْمُنْفِقِیْنَ وَ الْمُسْتَغْفِرِیْنَ بِالْاَسْحَارِ(۱۷)
صبر والے (ف۳۵) اور سچے (ف۳۶) اور ادب والے اور راہِ خدا میں خرچنے والے اور پچھلے پہر سے معافی مانگنے والے (ف۳۷)
ثم قال : ( الصابرين ) أي : في قيامهم بالطاعات وتركهم المحرمات ( والصادقين ) فيما أخبروا به من إيمانهم بما يلتزمونه من الأعمال الشاقة ( والقانتين ) والقنوت : الطاعة والخضوع ( والمنفقين ) أي : من أموالهم في جميع ما أمروا به من الطاعات ، وصلة الأرحام والقربات ، وسد الخلات ، ومواساة ذوي الحاجات ( والمستغفرين بالأسحار ) دل على فضيلة الاستغفار وقت الأسحار .وقد قيل : إن يعقوب ، عليه السلام ، لما قال لبنيه : ( سوف أستغفر لكم ربي ) [ يوسف : 98 ] أنه أخرهم إلى وقت السحر . وثبت في الصحيحين وغيرهما من المساند والسنن ، من غير وجه ، عن جماعة من الصحابة ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " ينزل الله تبارك وتعالى في كل ليلة إلى سماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الآخر فيقول : هل من سائل فأعطيه ؟ هل من داع فأستجيب له ؟ هل من مستغفر فأغفر له ؟ " الحديث ، وقد أفرد الحافظ أبو الحسن الدارقطني في ذلك جزءا على حدة فرواه من طرق متعددة .وفي الصحيحين ، عن عائشة ، رضي الله عنها ، قالت : من كل الليل قد أوتر رسول الله صلى الله عليه وسلم ، من أوله وأوسطه وآخره ، فانتهى وتره إلى السحر .وكان عبد الله بن عمر يصلي من الليل ، ثم يقول : يا نافع ، هل جاء السحر ؟ فإذا قال : نعم ، أقبل على الدعاء والاستغفار حتى يصبح . رواه ابن أبي حاتم .وقال ابن جرير : حدثنا ابن وكيع ، حدثنا أبي ، عن حريث بن أبي مطر ، عن إبراهيم بن حاطب ، عن أبيه قال : سمعت رجلا في السحر في ناحية المسجد وهو يقول : رب أمرتني فأطعتك ، وهذا سحر ، فاغفر لي . فنظرت فإذا ابن مسعود ، رضي الله عنه .وروى ابن مردويه عن أنس بن مالك قال : كنا نؤمر إذا صلينا من الليل أن نستغفر في آخر السحر سبعين مرة .
شَهِدَ اللّٰهُ اَنَّهٗ لَاۤ اِلٰهَ اِلَّا هُوَۙ-وَ الْمَلٰٓىٕكَةُ وَ اُولُوا الْعِلْمِ قَآىٕمًۢا بِالْقِسْطِؕ-لَاۤ اِلٰهَ اِلَّا هُوَ الْعَزِیْزُ الْحَكِیْمُؕ(۱۸)
اور اللہ نے گواہی دی کہ اس کے سوا کوئی معبود نہیں (ف۳۸) اور فرشتوں نے اور عالموں نے (ف۳۹) انصاف سے قائم ہوکر اس کے سوا کسی کی عبادت نہیں عزت والا حکمت والا،
شهد تعالى - وكفى به شهيدا ، وهو أصدق الشاهدين وأعدلهم ، وأصدق القائلين - ( أنه لا إله إلا هو ) أي : المتفرد بالإلهية لجميع الخلائق ، وأن الجميع عبيده وخلقه ، والفقراء إليه ، وهو الغني عما سواه كما قال تعالى : ( لكن الله يشهد بما أنزل إليك أنزله بعلمه والملائكة يشهدون وكفى بالله شهيدا ) الآية [ النساء : 166 ] .ثم قرن شهادة ملائكته وأولي العلم بشهادته فقال : ( شهد الله أنه لا إله إلا هو والملائكة وأولو العلم ) وهذه خصوصية عظيمة للعلماء في هذا المقام .( قائما بالقسط ) منصوب على الحال ، وهو في جميع الأحوال كذلك .( لا إله إلا هو ) تأكيد لما سبق ( العزيز الحكيم ) العزيز الذي لا يرام جنابه عظمة وكبرياء ، الحكيم في أقواله وأفعاله وشرعه وقدره .وقال الإمام أحمد : حدثنا يزيد بن عبد ربه ، حدثنا بقية بن الوليد ، حدثني جبير بن عمرو القرشي ، حدثنا أبو سعيد الأنصاري ، عن أبي يحيى مولى آل الزبير بن العوام ، عن الزبير بن العوام ، قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو بعرفة يقرأ هذه الآية : ( شهد الله أنه لا إله إلا هو والملائكة وأولو العلم قائما بالقسط لا إله إلا هو العزيز الحكيم ) " وأنا على ذلك من الشاهدين يا رب " .وقد رواه ابن أبي حاتم من وجه آخر ، فقال : حدثنا علي بن حسين ، حدثنا محمد بن المتوكل العسقلاني ، حدثنا عمر بن حفص بن ثابت أبو سعيد الأنصاري ، حدثنا عبد الملك بن يحيى بن عباد بن عبد الله بن الزبير ، عن أبيه ، عن جده ، عن الزبير قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قرأ هذه الآية : ( شهد الله أنه لا إله إلا هو والملائكة ) قال : " وأنا أشهد أي رب " .وقال الحافظ أبو القاسم الطبراني في المعجم الكبير : حدثنا عبدان بن أحمد وعلي بن سعيد الرازي قالا حدثنا عمار بن عمر بن المختار ، حدثني أبي ، حدثني غالب القطان قال : أتيت الكوفة في تجارة ، فنزلت قريبا من الأعمش ، فلما كانت ليلة أردت أن أنحدر ، قام فتهجد من الليل ، فمر بهذه الآية : ( شهد الله أنه لا إله إلا هو والملائكة وأولو العلم قائما بالقسط لا إله إلا هو العزيز الحكيم . إن الدين عند الله الإسلام ) ثم قال الأعمش : وأنا أشهد بما شهد الله به ، وأستودع الله هذه الشهادة ، وهي لي عند الله وديعة : ( إن الدين عند الله الإسلام ) قالها مرارا . قلت : لقد سمع فيها شيئا ، فغدوت إليه فودعته ، ثم قلت : يا أبا محمد ، إني سمعتك تردد هذه الآية . قال : أوما بلغك ما فيها ؟ قلت : أنا عندك منذ شهر لم تحدثني . قال : والله لا أحدثك بها إلى سنة . فأقمت سنة فكنت على بابه ، فلما مضت السنة قلت : يا أبا محمد ، قد مضت السنة . قال : حدثني أبو وائل ، عن عبد الله قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " يجاء بصاحبها يوم القيامة ، فيقول الله عز وجل : عبدي عهد إلي ، وأنا أحق من وفى بالعهد ، أدخلوا عبدي الجنة " .
اِنَّ الدِّیْنَ عِنْدَ اللّٰهِ الْاِسْلَامُ۫-وَ مَا اخْتَلَفَ الَّذِیْنَ اُوْتُوا الْكِتٰبَ اِلَّا مِنْۢ بَعْدِ مَا جَآءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْیًۢا بَیْنَهُمْؕ-وَ مَنْ یَّكْفُرْ بِاٰیٰتِ اللّٰهِ فَاِنَّ اللّٰهَ سَرِیْعُ الْحِسَابِ(۱۹)
بیشک اللہ کے یہاں اسلام ہی دین ہے (ف۴۰) اور پھوٹ میں نہ پڑے کتابی (ف۴۱) مگر اس کے کہ انہیں علم آچکا (ف۴۲) اپنے دلو ں کی جلن سے (ف۴۳) اور جو اللہ کی آیتوں کا منکر ہو تو بیشک اللہ جلد حساب لینے والا ہے،
وقوله : ( إن الدين عند الله الإسلام ) إخبار من الله تعالى بأنه لا دين عنده يقبله من أحد سوى الإسلام ، وهو اتباع الرسل فيما بعثهم الله به في كل حين ، حتى ختموا بمحمد صلى الله عليه وسلم ، الذي سد جميع الطرق إليه إلا من جهة محمد صلى الله عليه وسلم ، فمن لقي الله بعد بعثته محمدا صلى الله عليه وسلم بدين على غير شريعته ، فليس بمتقبل . كما قال تعالى : ( ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه [ وهو في الآخرة من الخاسرين ] ) [ آل عمران : 85 ] وقال في هذه الآية مخبرا بانحصار الدين المتقبل عنده في الإسلام : ( إن الدين عند الله الإسلام )وذكر ابن جرير أن ابن عباس قرأ : ( شهد الله أنه لا إله إلا هو والملائكة وأولو العلم قائما بالقسط لا إله إلا هو العزيز الحكيم إن الدين عند الله الإسلام ) بكسر " إنه " وفتح ( إن الدين عند الله الإسلام ) أي : شهد هو وملائكته وأولو العلم من البشر بأن الدين عند الله الإسلام . والجمهور قرءوها بالكسر على الخبر ، وكلا المعنيين صحيح . ولكن هذا على قول الجمهور أظهر والله أعلم .ثم أخبر تعالى بأن الذين أوتوا الكتاب الأول إنما اختلفوا بعد ما قامت عليهم الحجة بإرسال الرسل إليهم ، وإنزال الكتب عليهم ، فقال : ( وما اختلف الذين أوتوا الكتاب إلا من بعد ما جاءهم العلم بغيا بينهم ) أي : بغى بعضهم على بعض ، فاختلفوا في الحق لتحاسدهم وتباغضهم وتدابرهم ، فحمل بعضهم بغض البعض الآخر على مخالفته في جميع أقواله وأفعاله ، وإن كانت حقا ، ثم قال : ( ومن يكفر بآيات الله فإن الله سريع الحساب ) أي : من جحد بما أنزل الله في كتابه فإن الله سيجازيه على ذلك ، ويحاسبه على تكذيبه ، ويعاقبه على مخالفته كتابه
فَاِنْ حَآجُّوْكَ فَقُلْ اَسْلَمْتُ وَجْهِیَ لِلّٰهِ وَ مَنِ اتَّبَعَنِؕ-وَ قُلْ لِّلَّذِیْنَ اُوْتُوا الْكِتٰبَ وَ الْاُمِّیّٖنَ ءَاَسْلَمْتُمْؕ-فَاِنْ اَسْلَمُوْا فَقَدِ اهْتَدَوْاۚ-وَ اِنْ تَوَلَّوْا فَاِنَّمَا عَلَیْكَ الْبَلٰغُؕ-وَ اللّٰهُ بَصِیْرٌۢ بِالْعِبَادِ۠(۲۰)
پھر اے محبوب! اگر وہ تم سے حجت کریں تو فرمادو میں اپنا منہ اللہ کے حضور جھکائے ہوں اور جومیرے پیرو ہوئے (ف۴۴) اور کتابیوں اور اَن پڑھوں سے فرماؤ (ف۴۵) کیا تم نے گردن رکھی (ف۴۶) پس اگر وہ گردن رکھیں جب تو راہ پاگئے اور اگر منہ پھیریں تو تم پر تو یہی حکم پہنچادینا ہے (ف۴۷) اور اللہ بندوں کو کو دیکھ رہا ہے،
ثم قال تعالى : ( فإن حاجوك ) أي : جادلوك في التوحيد ( فقل أسلمت وجهي لله ومن اتبعن ) أي : فقل أخلصت عبادتي لله وحده ، لا شريك له ولا ند [ له ] ولا ولد ولا صاحبة له ( ومن اتبعن ) على ديني ، يقول كمقالتي ، كما قال تعالى : ( قل هذه سبيلي أدعو إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني [ وسبحان الله وما أنا من المشركين ] ) [ يوسف : 108 ] .ثم قال تعالى آمرا لعبده ورسوله محمد صلى الله عليه وسلم أن يدعو إلى طريقته ودينه ، والدخول في شرعه وما بعثه الله به الكتابيين من الملتين والأميين من المشركين فقال : ( وقل للذين أوتوا الكتاب والأميين أأسلمتم فإن أسلموا فقد اهتدوا وإن تولوا فإنما عليك البلاغ ) أي : والله عليه حسابهم وإليه مرجعهم ومآبهم ، وهو الذي يهدي من يشاء ، ويضل من يشاء ، وله الحكمة في ذلك ، والحجة البالغة ، ولهذا قال : ( والله بصير بالعباد ) أي : هو عليم بمن يستحق الهداية ممن يستحق الضلالة ، وهو الذي ( لا يسأل عما يفعل وهم يسألون ) [ الأنبياء : 33 ] وما ذاك إلا لحكمته ورحمته .وهذه الآية وأمثالها من أصرح الدلالات على عموم بعثته ، صلوات الله وسلامه عليه ، إلى جميع الخلق ، كما هو معلوم من دينه ضرورة ، وكما دل عليه الكتاب والسنة في غير ما آية وحديث ، فمن ذلك قوله تعالى : ( قل يا أيها الناس إني رسول الله إليكم جميعا ) [ الأعراف : 158 ] وقال تعالى : ( تبارك الذي نزل الفرقان على عبده ليكون للعالمين نذيرا ) [ الفرقان : 1 ] وفي الصحيحين وغيرهما ، مما ثبت تواتره بالوقائع المتعددة ، أنه بعث كتبه صلى الله عليه وسلم يدعو إلى الله ملوك الآفاق ، وطوائف بني آدم من عربهم وعجمهم ، كتابيهم وأميهم ، امتثالا لأمر الله له بذلك . وقد روى عبد الرزاق ، عن معمر ، عن همام ، عن أبي هريرة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " والذي نفسي بيده ، لا يسمع بي أحد من هذه الأمة يهودي ولا نصراني ، ومات ولم يؤمن بالذي أرسلت به ، إلا كان من أهل النار " رواه مسلم .وقال صلى الله عليه وسلم : " بعثت إلى الأحمر والأسود " وقال : " كان النبي يبعث إلى قومه خاصة وبعثت إلى الناس عامة " . وقال الإمام أحمد : حدثنا مؤمل ، حدثنا حماد ، حدثنا ثابت عن أنس ، رضي الله عنه : أن غلاما يهوديا كان يضع للنبي صلى الله عليه وسلم وضوءه ويناوله نعليه ، فمرض ، فأتاه النبي صلى الله عليه وسلم فدخل عليه وأبوه قاعد عند رأسه ، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم : " يا فلان ، قل : لا إله إلا الله " فنظر إلى أبيه ، فسكت أبوه ، فأعاد عليه النبي صلى الله عليه وسلم ، فنظر إلى أبيه ، فقال أبوه : أطع أبا القاسم ، فقال الغلام : أشهد أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله ، فخرج النبي صلى الله عليه وسلم وهو يقول : " الحمد لله الذي أخرجه بي من النار " أخرجه البخاري في الصحيح إلى غير ذلك من الآيات والأحاديث .
اِنَّ الَّذِیْنَ یَكْفُرُوْنَ بِاٰیٰتِ اللّٰهِ وَ یَقْتُلُوْنَ النَّبِیّٖنَ بِغَیْرِ حَقٍّۙ-وَّ یَقْتُلُوْنَ الَّذِیْنَ یَاْمُرُوْنَ بِالْقِسْطِ مِنَ النَّاسِۙ-فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ اَلِیْمٍ(۲۱)
وہ جو اللہ کی آیتوں سے منکر ہوتے اور پیغمبروں کو ناحق شہید کرتے (ف۴۸) اور انصاف کا حکم کرنے والوں کو قتل کرتے ہیں انہیں خوشخبری دو درناک عذاب کی،
هذا ذم من الله تعالى لأهل الكتاب فيما ارتكبوه من المآثم والمحارم في تكذيبهم بآيات الله قديما وحديثا ، التي بلغتهم إياها الرسل ، استكبارا عليهم وعنادا لهم ، وتعاظما على الحق واستنكافا عن اتباعه ، ومع هذا قتلوا من قتلوا من النبيين حين بلغوهم عن الله شرعه ، بغير سبب ولا جريمة منهم إليهم ، إلا لكونهم دعوهم إلى الحق ( ويقتلون الذين يأمرون بالقسط من الناس ) وهذا هو غاية الكبر ، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم : " الكبر بطر الحق وغمط الناس " .وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبو الزبير الحسن بن علي بن مسلم النيسابوري ، نزيل مكة ، حدثني أبو حفص عمر بن حفص - يعني ابن ثابت بن زرارة الأنصاري - حدثنا محمد بن حمزة ، حدثني أبو الحسن مولى لبني أسد ، عن مكحول ، عن قبيصة بن ذؤيب الخزاعي ، عن أبي عبيدة بن الجراح ، رضي الله عنه قال : قلت يا رسول الله ، أي الناس أشد عذابا يوم القيامة ؟ قال : " رجل قتل نبيا أو من أمر بالمعروف ونهى عن المنكر " . ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( إن الذين يكفرون بآيات الله ويقتلون النبيين بغير حق ويقتلون الذين يأمرون بالقسط من الناس فبشرهم بعذاب أليم ) [ إلى قوله : ( وما لهم من ناصرين ] ) الآية . ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " يا أبا عبيدة ، قتلت بنو إسرائيل ثلاثة وأربعين نبيا ، من أول النهار في ساعة واحدة ، فقام مائة وسبعون رجلا من بني إسرائيل ، فأمروا من قتلهم بالمعروف ونهوهم عن المنكر ، فقتلوا جميعا من آخر النهار من ذلك اليوم ، فهم الذين ذكر الله عز وجل " .وهكذا رواه ابن جرير عن أبي عبيد الوصابي محمد بن حفص ، عن ابن حمير ، عن أبي الحسن مولى بني أسد ، عن مكحول ، به .وعن عبد الله بن مسعود ، رضي الله عنه ، قال : قتلت بنو إسرائيل ثلاثمائة نبي من أول النهار ، وأقاموا سوق بقلهم من آخره . رواه ابن أبي حاتم . ولهذا لما أن تكبروا عن الحق واستكبروا على الخلق ، قابلهم الله على ذلك بالذلة والصغار في الدنيا والعذاب المهين في الآخرة ، فقال : ( فبشرهم بعذاب أليم ) أي : موجع مهين .
اُولٰٓىٕكَ الَّذِیْنَ حَبِطَتْ اَعْمَالُهُمْ فِی الدُّنْیَا وَ الْاٰخِرَةِ٘-وَ مَا لَهُمْ مِّنْ نّٰصِرِیْنَ(۲۲)
یہ ہیں وہ جنکے اعمال اکارت گئے دنیا و آخرت میں (ف۴۹) اور ان کا کوئی مددگار نہیں (ف۵۰)
أُولَٰئِكَ الَّذِينَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَمَا لَهُم مِّن نَّاصِرِينَ
اَلَمْ تَرَ اِلَى الَّذِیْنَ اُوْتُوْا نَصِیْبًا مِّنَ الْكِتٰبِ یُدْعَوْنَ اِلٰى كِتٰبِ اللّٰهِ لِیَحْكُمَ بَیْنَهُمْ ثُمَّ یَتَوَلّٰى فَرِیْقٌ مِّنْهُمْ وَ هُمْ مُّعْرِضُوْنَ(۲۳)
کیا تم نے انہیں دیکھا جنہیں کتاب کا ایک حصہ ملا (ف۵۱) کتاب اللہ کی طرف بلائے جاتے ہیں کہ وہ ان کا فیصلہ کرے پھر ان میں کا ایک گروہ اس سے روگرداں ہوکر پھر جاتا ہے (ف۵۲)
يقول تعالى منكرا على اليهود والنصارى ، المتمسكين فيما يزعمون بكتابيهم اللذين بأيديهم ، وهما التوراة والإنجيل ، وإذا دعوا إلى التحاكم إلى ما فيهما من طاعة الله فيما أمرهم به فيهما ، من اتباع محمد صلى الله عليه وسلم ، تولوا وهم معرضون عنهما ، وهذا في غاية ما يكون من ذمهم ، والتنويه بذكرهم بالمخالفة والعناد .
ذٰلِكَ بِاَنَّهُمْ قَالُوْا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ اِلَّاۤ اَیَّامًا مَّعْدُوْدٰتٍ۪- وَّ غَرَّهُمْ فِیْ دِیْنِهِمْ مَّا كَانُوْا یَفْتَرُوْنَ(۲۴)
یہ جرأت (ف۵۳) انہیں اس لئے ہوئی کہ وہ کہتے ہیں ہرگز ہمیں آگ نہ چھوئے گی مگر گنتی کے دنوں (ف۵۴) اور ان کے دین میں انہیں فریب دیا اس جھوٹ نے جو باندھتے تھے (ف۵۵)
ثم قال : ( ذلك بأنهم قالوا لن تمسنا النار إلا أياما معدودات ) أي : إنما حملهم وجرأهم على مخالفة الحق افتراؤهم على الله فيما ادعوه لأنفسهم أنهم إنما يعذبون في النار سبعة أيام ، عن كل ألف سنة في الدنيا يوما . وقد تقدم تفسير ذلك في سورة البقرة . ثم قال : ( وغرهم في دينهم ما كانوا يفترون ) [ أي غرهم في دينهم ] أي : ثبتهم على دينهم الباطل ما خدعوا به أنفسهم من زعمهم أن النار لا تمسهم بذنوبهم إلا أياما معدودات ، وهم الذين افتروا هذا من تلقاء أنفسهم وافتعلوه ، ولم ينزل الله به سلطانا
فَكَیْفَ اِذَا جَمَعْنٰهُمْ لِیَوْمٍ لَّا رَیْبَ فِیْهِ۫-وَ وُفِّیَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ وَ هُمْ لَا یُظْلَمُوْنَ(۲۵)
تو کیسی ہوگی جب ہم انہیں اکٹھا کریں گے اس دن کے لئے جس میں شک نہیں (ف۵۶) اور ہر جان کو اس کی کمائی پوری بھر (بالکل پوری) دی جائے گی اور ان پر ظلم نہ ہوگا،
قال الله تعالى متهددا لهم ومتوعدا : ( فكيف إذا جمعناهم ليوم لا ريب فيه ) أي : كيف يكون حالهم وقد افتروا على الله وكذبوا رسله وقتلوا أنبياءه والعلماء من قومهم ، الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر ، والله تعالى سائلهم عن ذلك كله ، ومحاسبهم عليه ، ومجازيهم به، ولهذا قال : ( فكيف إذا جمعناهم ليوم لا ريب فيه ) لا شك في وقوعه وكونه ( ووفيت كل نفس ما كسبت وهم لا يظلمون )
قُلِ اللّٰهُمَّ مٰلِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِی الْمُلْكَ مَنْ تَشَآءُ وَ تَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَآءُ٘-وَ تُعِزُّ مَنْ تَشَآءُ وَ تُذِلُّ مَنْ تَشَآءُؕ-بِیَدِكَ الْخَیْرُؕ-اِنَّكَ عَلٰى كُلِّ شَیْءٍ قَدِیْرٌ(۲۶)
یوں عرض کر، اے اللہ! ملک کے مالک تو جسے چاہے سلطنت دے اور جس سے چاہے چھین لے، اور جسے چاہے عزت دے اور جسے چاہے ذلت دے، ساری بھلائی تیرے ہی ہاتھ ہے، بیشک تو سب کچھ کرسکتا ہے (ف۵۷)
يقول تعالى : ( قل ) يا محمد ، معظما لربك ومتوكلا عليه ، وشاكرا له ومفوضا إليه : ( اللهم مالك الملك ) أي : لك الملك كله ( تؤتي الملك من تشاء وتنزع الملك ممن تشاء وتعز من تشاء وتذل من تشاء ) أي : أنت المعطي ، وأنت المانع ، وأنت الذي ما شئت كان وما لم تشأ لم يكن .وفي هذه الآية تنبيه وإرشاد إلى شكر نعمة الله تعالى على رسوله صلى الله عليه وسلم وهذه الأمة ، لأن الله حول النبوة من بني إسرائيل إلى النبي العربي القرشي المكي الأمي خاتم الأنبياء على الإطلاق ، ورسول الله إلى جميع الثقلين الإنس والجن ، الذي جمع الله فيه محاسن من كان قبله ، وخصه بخصائص لم يعطها نبيا من الأنبياء ولا رسولا من الرسل ، في العلم بالله وشريعته وإطلاعه على الغيوب الماضية والآتية ، وكشفه عن حقائق الآخرة ونشر أمته في الآفاق ، في مشارق الأرض ومغاربها ، وإظهار دينه وشرعه على سائر الأديان والشرائع ، فصلوات الله وسلامه عليه دائما إلى يوم الدين ، ما تعاقب الليل والنهار . ولهذا قال تعالى : ( قل اللهم مالك الملك [ تؤتي الملك من تشاء وتنزع الملك ممن تشاء وتعز من تشاء وتذل من تشاء بيدك الخير إنك على كل شيء قدير ] ) أي : أنت المتصرف في خلقك ، الفعال لما تريد ، كما رد تبارك وتعالى على من يتحكم عليه في أمره ، حيث قال : ( وقالوا لولا نزل هذا القرآن على رجل من القريتين عظيم ) [ الزخرف : 31 ] .قال الله تعالى ردا عليهم : ( أهم يقسمون رحمة ربك [ نحن قسمنا بينهم معيشتهم في الحياة الدنيا ورفعنا بعضهم فوق بعض درجات ] ) الآية [ الزخرف : 32 ] أي : نحن نتصرف في خلقنا كما نريد ، بلا ممانع ولا مدافع ، ولنا الحكمة والحجة في ذلك ، وهكذا نعطي النبوة لمن نريد ، كما قال تعالى : ( الله أعلم حيث يجعل رسالته ) [ الأنعام : 124 ] وقال تعالى : ( انظر كيف فضلنا بعضهم على بعض [ وللآخرة أكبر درجات وأكبر تفضيلا ] ) [ الإسراء : 21 ] وقد روى الحافظ ابن عساكر في ترجمة " إسحاق بن أحمد " من تاريخه عن المأمون الخليفة : أنه رأى في قصر ببلاد الروم مكتوبا بالحميرية ، فعرب له ، فإذا هو :باسم الله ما اختلف الليل والنهار ، ولا دارت نجوم السماء في الفلك إلا بنقل النعيم عن ملكقد زال سلطانه إلى ملك وملك ذي العرش دائم أبداليس بفان ولا بمشترك.
تُوْلِجُ الَّیْلَ فِی النَّهَارِ وَ تُوْلِجُ النَّهَارَ فِی الَّیْلِ٘-وَ تُخْرِ جُ الْحَیَّ مِنَ الْمَیِّتِ وَ تُخْرِ جُ الْمَیِّتَ مِنَ الْحَیِّ٘-وَ تَرْزُقُ مَنْ تَشَآءُ بِغَیْرِ حِسَابٍ(۲۷)
تو دن کا حصّہ رات میں ڈالے اور رات کا حصہ دن میں ڈالے (ف۵۸) اور مردہ سے زندہ نکالے اور زندہ سے مردہ نکالے (ف۵۹) اور جسے چاہے بے گنتی دے،
وقوله : ( تولج الليل في النهار وتولج النهار في الليل ) أي : تأخذ من طول هذا فتزيده في قصر هذا فيعتدلان ، ثم تأخذ من هذا في هذا فيتفاوتان ، ثم يعتدلان . وهكذا في فصول السنة : ربيعا وصيفا وخريفا وشتاء .وقوله : ( وتخرج الحي من الميت وتخرج الميت من الحي ) أي : تخرج الحبة من الزرع والزرع من الحبة ، والنخلة من النواة والنواة من النخلة ، والمؤمن من الكافر والكافر من المؤمن ، والدجاجة من البيضة والبيضة من الدجاجة ، وما جرى هذا المجرى من جميع الأشياء ( وترزق من تشاء بغير حساب ) أي : تعطي من شئت من المال ما لا يعده ولا يقدر على إحصائه ، وتقتر على آخرين ، لما لك في ذلك من الحكمة والإرادة والمشيئة والعدل . قال الطبراني : حدثنا محمد بن زكريا الغلابي ، حدثنا جعفر بن جسر بن فرقد ، حدثنا أبي ، عن عمرو بن مالك ، عن أبي الجوزاء ، عن ابن عباس ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " اسم الله الأعظم الذي إذا دعي به أجاب ، في هذه الآية من آل عمران : ( قل اللهم مالك الملك [ تؤتي الملك من تشاء وتنزع الملك ممن تشاء وتعز من تشاء وتذل من تشاء بيدك الخير إنك على كل شيء قدير ] ) .
لَا یَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُوْنَ الْكٰفِرِیْنَ اَوْلِیَآءَ مِنْ دُوْنِ الْمُؤْمِنِیْنَۚ-وَ مَنْ یَّفْعَلْ ذٰلِكَ فَلَیْسَ مِنَ اللّٰهِ فِیْ شَیْءٍ اِلَّاۤ اَنْ تَتَّقُوْا مِنْهُمْ تُقٰىةًؕ-وَ یُحَذِّرُكُمُ اللّٰهُ نَفْسَهٗؕ-وَ اِلَى اللّٰهِ الْمَصِیْرُ(۲۸)
مسلمان کافروں کو اپنا دوست نہ بنالیں مسلمانوں کے سوا (ف۶۰) اور جو ایسا کرے گا اسے اللہ سے کچھ علاقہ نہ رہا مگر یہ کہ تم ان سے کچھ ڈرو (ف۶۱) اور اللہ تمہیں اپنے غضب سے ڈراتا ہے اور اللہ ہی کی طرف پھرنا ہے،
نهى الله ، تبارك وتعالى ، عباده المؤمنين أن يوالوا الكافرين ، وأن يتخذوهم أولياء يسرون إليهم بالمودة من دون المؤمنين ، ثم توعد على ذلك فقال : ( ومن يفعل ذلك فليس من الله في شيء ) أي : من يرتكب نهي الله في هذا فقد برئ من الله كما قال : ( يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا الكافرين أولياء من دون المؤمنين أتريدون أن تجعلوا لله عليكم سلطانا مبينا ) [ النساء : 144 ] وقال [ تعالى ] ( يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء بعضهم أولياء بعض ومن يتولهم منكم فإنه منهم [ إن الله لا يهدي القوم الظالمين ] ) [ المائدة : 51 ] .[ وقال تعالى ] ( يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء تلقون إليهم بالمودة ) إلى أن قال : ( ومن يفعله منكم فقد ضل سواء السبيل ) [ الممتحنة : 1 ] وقال تعالى - بعد ذكر موالاة المؤمنين للمؤمنين من المهاجرين والأنصار والأعراب - : ( والذين كفروا بعضهم أولياء بعض إلا تفعلوه تكن فتنة في الأرض وفساد كبير ) [ الأنفال : 73 ] .وقوله : ( إلا أن تتقوا منهم تقاة ) أي : إلا من خاف في بعض البلدان أو الأوقات من شرهم ، فله أن يتقيهم بظاهره لا بباطنه ونيته ، كما حكاه البخاري عن أبي الدرداء أنه قال : " إنا لنكشر في وجوه أقوام وقلوبنا تلعنهم " .وقال الثوري : قال ابن عباس ، رضي الله عنهما : ليس التقية بالعمل إنما التقية باللسان ، وكذا رواه العوفي عن ابن عباس : إنما التقية باللسان ، وكذا قال أبو العالية ، وأبو الشعثاء والضحاك ، والربيع بن أنس . ويؤيد ما قالوه قول الله تعالى : ( من كفر بالله من بعد إيمانه إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان [ ولكن من شرح بالكفر صدرا فعليهم غضب من الله ولهم عذاب عظيم ] ) [ النحل : 106 ] .وقال البخاري : قال الحسن : التقية إلى يوم القيامة .ثم قال تعالى : ( ويحذركم الله نفسه ) أي : يحذركم نقمته ، أي مخالفته وسطوته في عذابه لمن والى أعداءه وعادى أولياءه .ثم قال تعالى : ( وإلى الله المصير ) أي : إليه المرجع والمنقلب ، فيجازي كل عامل بعمله .قال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي ، حدثنا سويد بن سعيد ، حدثنا مسلم بن خالد ، عن ابن أبي حسين ، عن عبد الرحمن بن سابط ، عن عمرو بن ميمون [ بن مهران ] قال : قام فينا معاذ بن جبل فقال : يا بني أود ، إني رسول رسول الله إليكم ، تعلمون أن المعاد [ إلى الله ] إلى الجنة أو إلى النار .
قُلْ اِنْ تُخْفُوْا مَا فِیْ صُدُوْرِكُمْ اَوْ تُبْدُوْهُ یَعْلَمْهُ اللّٰهُؕ-وَ یَعْلَمُ مَا فِی السَّمٰوٰتِ وَ مَا فِی الْاَرْضِؕ-وَ اللّٰهُ عَلٰى كُلِّ شَیْءٍ قَدِیْرٌ(۲۹)
تم فرمادو کہ اگر تم اپنے جی کی بات چھپاؤ یا ظاہر کرو اللہ کو سب معلوم ہے، اور جانتا ہے جو کچھ آسمانوں میں ہے اور جو کچھ زمین میں ہے، اور ہر چیز پر اللہ کا قابو ہے،
يخبر تبارك وتعالى عباده أنه يعلم السرائر والضمائر والظواهر ، وأنه لا يخفى عليه منهم خافية ، بل علمه محيط بهم في سائر الأحوال والآنات واللحظات وجميع الأوقات ، وبجميع ما في السماوات والأرض ، لا يغيب عنه مثقال ذرة ، ولا أصغر من ذلك في جميع أقطار الأرض والبحار والجبال ، وهو ( على كل شيء قدير ) أي : قدرته نافذة في جميع ذلك .وهذا تنبيه منه لعباده على خوفه وخشيته ، وألا يرتكبوا ما نهى عنه وما يبغضه منهم ، فإنه عالم بجميع أمورهم ، وهو قادر على معاجلتهم بالعقوبة ، وإن أنظر من أنظر منهم ، فإنه يمهل ثم يأخذ أخذ عزيز مقتدر ، ولهذا قال بعد هذا :
یَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَّا عَمِلَتْ مِنْ خَیْرٍ مُّحْضَرًا ﳝ- وَّ مَا عَمِلَتْ مِنْ سُوْٓءٍۚۛ-تَوَدُّ لَوْ اَنَّ بَیْنَهَا وَ بَیْنَهٗۤ اَمَدًۢا بَعِیْدًاؕ-وَ یُحَذِّرُكُمُ اللّٰهُ نَفْسَهٗؕ-وَ اللّٰهُ رَءُوْفٌۢ بِالْعِبَادِ۠(۳۰)
جس دن ہر جان نے جو بھلا کیا حاضر پائے گی (ف۶۲) اور جو برا کام کیا، امید کرے گی کاش مجھ میں اور اس میں دور کا فاصلہ ہوتا (ف۶۳) اور اللہ تمہیں اپنے عذاب سے ڈراتا ہے، اور اللہ بندوں پر مہربان ہے،
( يوم تجد كل نفس ما عملت من خير محضرا [ وما عملت من سوء تود لو أن بينها وبينه أمدا بعيدا ] ) الآية ، يعني : يوم القيامة يحضر للعبد جميع أعماله من خير وشر كما قال تعالى : ( ينبأ الإنسان يومئذ بما قدم وأخر ) [ القيامة : 13 ] فما رأى من أعماله حسنا سره ذلك وأفرحه ، وما رأى من قبيح ساءه وغاظه ، وود لو أنه تبرأ منه ، وأن يكون بينهما أمد بعيد ، كما يقول لشيطانه الذي كان مقترنا به في الدنيا ، وهو الذي جرأه على فعل السوء : ( يا ليت بيني وبينك بعد المشرقين فبئس القرين ) [ الزخرف : 38 ] .ثم قال تعالى مؤكدا ومهددا ومتوعدا : ( ويحذركم الله نفسه ) أي : يخوفكم عقابه ، ثم قال مرجيا لعباده لئلا ييأسوا من رحمته ويقنطوا من لطفه : ( والله رءوف بالعباد )قال الحسن البصري : من رأفته بهم حذرهم نفسه . وقال غيره : أي رحيم بخلقه ، يحب لهم أن يستقيموا على صراطه المستقيم ودينه القويم ، وأن يتبعوا رسوله الكريم .
قُلْ اِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّوْنَ اللّٰهَ فَاتَّبِعُوْنِیْ یُحْبِبْكُمُ اللّٰهُ وَ یَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوْبَكُمْؕ-وَ اللّٰهُ غَفُوْرٌ رَّحِیْمٌ(۳۱)
اے محبوب! تم فرمادو کہ لوگو اگر تم اللہ کو دوست رکھتے ہو تو میرے فرمانبردار ہوجاؤ اللہ تمہیں دوست رکھے گا (ف۶۴) اور تمہارے گناہ بخش دے گا اور اللہ بخشنے والا مہربان ہے،
هذه الآية الكريمة حاكمة على كل من ادعى محبة الله ، وليس هو على الطريقة المحمدية فإنه كاذب في دعواه في نفس الأمر ، حتى يتبع الشرع المحمدي والدين النبوي في جميع أقواله وأحواله ، كما ثبت في الصحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : " من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد " ولهذا قال : ( قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ) أي : يحصل لكم فوق ما طلبتم من محبتكم إياه ، وهو محبته إياكم ، وهو أعظم من الأول ، كما قال بعض الحكماء العلماء : ليس الشأن أن تحب ، إنما الشأن أن تحب ، وقال الحسن البصري وغيره من السلف : زعم قوم أنهم يحبون الله فابتلاهم الله بهذه الآية ، فقال : ( قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ) .وقد قال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي ، حدثنا علي بن محمد الطنافسي ، حدثنا عبيد الله بن موسى عن عبد الأعلى بن أعين ، عن يحيى بن أبي كثير ، عن عروة ، عن عائشة ، رضي الله عنها ، قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " وهل الدين إلا الحب والبغض ؟ قال الله تعالى : ( قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ) قال أبو زرعة : عبد الأعلى هذا منكر الحديث .ثم قال : ( ويغفر لكم ذنوبكم والله غفور رحيم ) أي : باتباعكم للرسول صلى الله عليه وسلم يحصل لكم هذا كله ببركة سفارته .
قُلْ اَطِیْعُوا اللّٰهَ وَ الرَّسُوْلَۚ-فَاِنْ تَوَلَّوْا فَاِنَّ اللّٰهَ لَا یُحِبُّ الْكٰفِرِیْنَ(۳۲)
تم فرمادو کہ حکم مانو اللہ اور رسول کا (ف۶۵) پھر اگر وہ منہ پھیریں تو اللہ کو خوش نہیں آتے کافر،
ثم قال آمرا لكل أحد من خاص وعام : ( قل أطيعوا الله والرسول فإن تولوا ) أي : خالفوا عن أمره ( فإن الله لا يحب الكافرين ) فدل على أن مخالفته في الطريقة كفر ، والله لا يحب من اتصف بذلك ، وإن ادعى وزعم في نفسه أنه يحب لله ويتقرب إليه ، حتى يتابع الرسول النبي الأمي خاتم الرسل ، ورسول الله إلى جميع الثقلين الجن والإنس الذي لو كان الأنبياء - بل المرسلون ، بل أولو العزم منهم - في زمانه لما وسعهم إلا اتباعه ، والدخول في طاعته ، واتباع شريعته ، كما سيأتي تقريره عند قوله : ( وإذ أخذ الله ميثاق النبيين ) الآية [ آل عمران : 31 ] [ إن شاء الله تعالى ] .
اِنَّ اللّٰهَ اصْطَفٰۤى اٰدَمَ وَ نُوْحًا وَّ اٰلَ اِبْرٰهِیْمَ وَ اٰلَ عِمْرٰنَ عَلَى الْعٰلَمِیْنَۙ(۳۳)
بیشک اللہ نے چن لیا آدم اور نوح اور ابراہیم کی آ ل اولاد اور عمران کی آ ل کو سارے جہاں سے (ف۶۶)
يخبر تعالى أنه اختار هذه البيوت على سائر أهل الأرض ، فاصطفى آدم ، عليه السلام ، خلقه بيده ، ونفخ فيه من روحه ، وأسجد له ملائكته ، وعلمه أسماء كل شيء ، وأسكنه الجنة ثم أهبطه منها ، لما له في ذلك من الحكمة .واصطفى نوحا ، عليه السلام ، وجعله أول رسول [ بعثه ] إلى أهل الأرض ، لما عبد الناس الأوثان ، وأشركوا في دين الله ما لم ينزل به سلطانا ، وانتقم له لما طالت مدته بين ظهراني قومه ، يدعوهم إلى الله ليلا ونهارا ، سرا وجهارا ، فلم يزدهم ذلك إلا فرارا ، فدعا عليهم ، فأغرقهم الله عن آخرهم ، ولم ينج منهم إلا من اتبعه على دينه الذي بعثه الله به .واصطفى آل إبراهيم ، ومنهم : سيد البشر وخاتم الأنبياء على الإطلاق محمد صلى الله عليه وسلم ، وآل عمران ، والمراد بعمران هذا : هو والد مريم بنت عمران ، أم عيسى ابن مريم ، عليهم السلام .
ذُرِّیَّةًۢ بَعْضُهَا مِنْۢ بَعْضٍؕ-وَ اللّٰهُ سَمِیْعٌ عَلِیْمٌۚ(۳۴)
یہ ایک نسل ہے ایک دوسرے سے (ف۶۷) اور اللہ سنتا جانتا ہے،
قال محمد بن إسحاق بن يسار رحمه الله : هو عمران بن ياشم بن أمون بن ميشا بن حزقيا بن أحزيق بن يوثم بن عزاريا بن أمصيا بن ياوش بن أجريهو بن يازم بن يهفاشاط بن إنشا بن أبيان بن رخيعم بن سليمان بن داود ، عليهما السلام . فعيسى ، عليه السلام ، من ذرية إبراهيم ، كما سيأتي بيانه في سورة الأنعام ، إن شاء الله وبه الثقة .
اِذْ قَالَتِ امْرَاَتُ عِمْرٰنَ رَبِّ اِنِّیْ نَذَرْتُ لَكَ مَا فِیْ بَطْنِیْ مُحَرَّرًا فَتَقَبَّلْ مِنِّیْۚ-اِنَّكَ اَنْتَ السَّمِیْعُ الْعَلِیْمُ(۳۵)
جب عمران کی بی بی نے عرض کی (ف۶۸) اے رب میرے! میں تیرے لئے منت مانتی ہو جو میرے پیٹ میں ہے کہ خالص تیری ہی خدمت میں رہے (ف۶۹) تو تو مجھ سے قبول کرلے بیشک تو ہی سنتا جانتا،
امرأة عمران هذه أم مريم [ بنت عمران ] عليها السلام وهي حنة بنت فاقوذ ، قال محمد بن إسحاق : وكانت امرأة لا تحمل ، فرأت يوما طائرا يزق فرخه ، فاشتهت الولد ، فدعت الله ، عز وجل ، أن يهبها ولدا ، فاستجاب الله دعاءها ، فواقعها زوجها ، فحملت منه ، فلما تحققت الحمل نذرته أن يكون ( محررا ) أي : خالصا مفرغا للعبادة ، ولخدمة بيت المقدس ، فقالت : ( رب إني نذرت لك ما في بطني محررا فتقبل مني إنك أنت السميع العليم ) أي : السميع لدعائي ، العليم بنيتي ، ولم تكن تعلم ما في بطنها أذكرا أم أنثى ؟
فَلَمَّا وَضَعَتْهَا قَالَتْ رَبِّ اِنِّیْ وَضَعْتُهَاۤ اُنْثٰىؕ-وَ اللّٰهُ اَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْؕ-وَ لَیْسَ الذَّكَرُ كَالْاُنْثٰىۚ-وَ اِنِّیْ سَمَّیْتُهَا مَرْیَمَ وَ اِنِّیْۤ اُعِیْذُهَا بِكَ وَ ذُرِّیَّتَهَا مِنَ الشَّیْطٰنِ الرَّجِیْمِ(۳۶)
پھر جب اسے جنا بولی، اے رب میرے! یہ تو میں نے لڑکی جنی (ف۷۰) اور اللہ جو خوب معلوم ہے جو کچھ وہ جنی، اور وہ لڑکا جو اس نے مانگا اس لڑکی سا نہیں (ف۷۱) اور میں نے اس کا نام مریم رکھا (ف۷۲) اور میں اسے اور اس کی اولاد کو تیری پناہ میں دیتی ہوں راندے ہوئے شیطان سے،
( فلما وضعتها قالت رب إني وضعتها أنثى والله أعلم بما وضعت ) قرئ برفع التاء على أنها تاء المتكلم ، وأن ذلك من تمام قولها ، وقرئ بتسكين التاء على أنه من قول الله عز وجل ( وليس الذكر كالأنثى ) أي : في القوة والجلد في العبادة وخدمة المسجد الأقصى ( وإني سميتها مريم ) فيه دلالة على جواز التسمية يوم الولادة كما هو الظاهر من السياق ، لأنه شرع من قبلنا ، وقد حكي مقررا ، وبذلك ثبتت السنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث قال : " ولد لي الليلة ولد سميته باسم أبي إبراهيم " . أخرجاه وكذلك ثبت فيهما أن أنس بن مالك ذهب بأخيه ، حين ولدته أمه ، إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فحنكه وسماه عبد الله وفي صحيح البخاري : أن رجلا قال : يا رسول الله ، ولد لي ولد ، فما أسميه ؟ قال : " اسم ولدك عبد الرحمن " وثبت في الصحيح أيضا : أنه لما جاءه أبو أسيد بابنه ليحنكه ، فذهل عنه ، فأمر به أبوه فرده إلى منزلهم ، فلما ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم في المجلس سماه المنذر .فأما حديث قتادة ، عن الحسن البصري ، عن سمرة بن جندب ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " كل غلام رهين بعقيقته ، يذبح عنه يوم سابعه ، ويسمى ويحلق رأسه " فقد رواه أحمد وأهل السنن ، وصححه الترمذي بهذا اللفظ ، ويروي : " ويدمى " ، وهو أثبت وأحفظ والله أعلم . وكذا ما رواه الزبير بن بكار في كتاب النسب : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم عق عن ولده إبراهيم يوم سابعه وسماه إبراهيم . فإسناده لا يثبت ، وهو مخالف لما في الصحيح ولو صح لحمل على أنه أشهر اسمه بذلك يومئذ ، والله أعلم .وقوله إخبارا عن أم مريم أنها قالت : ( وإني أعيذها بك وذريتها من الشيطان الرجيم ) أي : عوذتها بالله ، عز وجل ، من شر الشيطان ، وعوذت ذريتها ، وهو ولدها عيسى ، عليه السلام . فاستجاب الله لها ذلك كما قال عبد الرزاق : أنبأنا معمر ، عن الزهري ، عن ابن المسيب ، عن أبي هريرة ، رضي الله عنه ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ما من مولود يولد إلا مسه الشيطان حين يولد ، فيستهل صارخا من مسه إياه ، إلا مريم وابنها " . ثم يقول أبو هريرة : اقرأوا إن شئتم : ( وإني أعيذها بك وذريتها من الشيطان الرجيم ) أخرجاه من حديث عبد الرزاق . ورواه ابن جرير ، عن أحمد بن الفرج ، عن بقية ، [ عن الزبيدي ] عن الزهري ، عن أبي سلمة ، عن أبي هريرة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم ، بنحوه . وروى من حديث قيس ، عن الأعمش ، عن أبي صالح ، عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ما من مولود إلا وقد عصره الشيطان عصرة أو عصرتين إلا عيسى ابن مريم ومريم " . ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( وإني أعيذها بك وذريتها من الشيطان الرجيم ) .ومن حديث العلاء عن أبيه عن أبي هريرة . ورواه مسلم ، عن أبي الطاهر ، عن ابن وهب ، عن عمرو بن الحارث ، عن أبي يونس ، عن أبي هريرة . ورواه وهب أيضا ، عن ابن أبي ذئب ، عن عجلان مولى المشمعل ، عن أبي هريرة . ورواه محمد بن إسحاق ، عن يزيد بن عبد الله بن قسيط ، عن أبي هريرة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم بأصل الحديث . وهكذا رواه الليث بن سعد ، عن جعفر بن ربيعة ، عن عبد الرحمن بن هرمز ، الأعرج قال : قال أبو هريرة : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " كل بني آدم يطعن الشيطان في جنبه حين تلده أمه ، إلا عيسى ابن مريم ، ذهب يطعن فطعن في الحجاب " .
فَتَقَبَّلَهَا رَبُّهَا بِقَبُوْلٍ حَسَنٍ وَّ اَنْۢبَتَهَا نَبَاتًا حَسَنًاۙ-وَّ كَفَّلَهَا زَكَرِیَّاؕ-كُلَّمَا دَخَلَ عَلَیْهَا زَكَرِیَّا الْمِحْرَابَۙ-وَجَدَ عِنْدَهَا رِزْقًاۚ-قَالَ یٰمَرْیَمُ اَنّٰى لَكِ هٰذَاؕ-قَالَتْ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللّٰهِؕ-اِنَّ اللّٰهَ یَرْزُقُ مَنْ یَّشَآءُ بِغَیْرِ حِسَابٍ(۳۷)
تو اسے اس کے رب نے اچھی طرح قبول کیا (ف۷۳) اور اسے اچھا پروان چڑھایا (ف۷۴) اور اسے زکریا کی نگہبانی میں دیا، جب زکریا اس کے پاس اس کی نماز پڑھنے کی جگہ جاتے اس کے پاس نیا رزق پاتے (ف۷۵) کہا اے مریم! یہ تیرے پاس کہاں سے آیا، بولیں وہ اللہ کے پاس سے ہے، بیشک اللہ جسے چاہے بے گنتی دے (ف۷۶)
يخبر ربنا أنه تقبلها من أمها نذيرة ، وأنه ( أنبتها نباتا حسنا ) أي : جعلها شكلا مليحا ومنظرا بهيجا ، ويسر لها أسباب القبول ، وقرنها بالصالحين من عباده تتعلم منهم الخير والعلم والدين . ولهذا قال : ( وكفلها زكريا ) وفي قراءة : ( وكفلها زكريا ) بتشديد الفاء ونصب زكريا على المفعولية ، أي جعله كافلا لها .قال ابن إسحاق : وما ذاك إلا أنها كانت يتيمة . وذكر غيره أن بني إسرائيل أصابتهم سنة جدب ، فكفل زكريا مريم لذلك . ولا منافاة بين القولين . والله أعلم .وإنما قدر الله كون زكريا كافلها لسعادتها ، لتقتبس منه علما جما نافعا وعملا صالحا ، ولأنه كان زوج خالتها ، على ما ذكره ابن إسحاق وابن جرير [ وغيرهما ] وقيل : زوج أختها ، كما ورد في الصحيح : " فإذا بيحيى وعيسى ، وهما ابنا الخالة " ، وقد يطلق على ما ذكره ابن إسحاق ذلك أيضا توسعا ، فعلى هذا كانت في حضانة خالتها . وقد ثبت في الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم قضى في عمارة بنت حمزة أن تكون في حضانة خالتها امرأة جعفر بن أبي طالب وقال : " الخالة بمنزلة الأم " .ثم أخبر تعالى عن سيادتها وجلالتها في محل عبادتها ، فقال : ( كلما دخل عليها زكريا المحراب وجد عندها رزقا ) قال مجاهد ، وعكرمة ، وسعيد بن جبير ، وأبو الشعثاء ، وإبراهيم النخعي ، والضحاك ، وقتادة ، والربيع بن أنس ، وعطية العوفي ، والسدي [ والشعبي ] يعني وجد عندها فاكهة الصيف في الشتاء وفاكهة الشتاء في الصيف . وعن مجاهد ( وجد عندها رزقا ) أي : علما ، أو قال : صحفا فيها علم . رواه ابن أبي حاتم ، والأول أصح ، وفيه دلالة على كرامات الأولياء . وفي السنة لهذا نظائر كثيرة . فإذا رأى زكريا هذا عندها ( قال يا مريم أنى لك هذا ) أي : يقول من أين لك هذا ؟ ( قالت هو من عند الله إن الله يرزق من يشاء بغير حساب ) .وقال الحافظ أبو يعلى : حدثنا سهل بن زنجلة ، حدثنا عبد الله بن صالح ، حدثنا عبد الله بن لهيعة ، عن محمد بن المنكدر ، عن جابر ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أقام أياما لم يطعم طعاما ، حتى شق ذلك عليه ، فطاف في منازل أزواجه فلم يجد عند واحدة منهن شيئا ، فأتى فاطمة فقال : " يا بنية ، هل عندك شيء آكله ، فإني جائع ؟ " فقالت : لا والله بأبي أنت وأمي . فلما خرج من عندها بعثت إليها جارة لها برغيفين وقطعة لحم ، فأخذته منها فوضعته في جفنة لها ، وقالت : والله لأوثرن بهذا رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] على نفسي ومن عندي . وكانوا جميعا محتاجين إلى شبعة طعام ، فبعثت حسنا أو حسينا إلى رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] فرجع إليها فقالت له : بأبي وأمي قد أتى الله بشيء فخبأته لك . قال : " هلمي يا بنية " قالت : فأتيته بالجفنة . فكشفت عن الجفنة فإذا هي مملوءة خبزا ولحما ، فلما نظرت إليها بهتت وعرفت أنها بركة من الله ، فحمدت الله وصلت على نبيه ، وقدمته إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم . فلما رآه حمد الله وقال : " من أين لك هذا يا بنية ؟ " فقالت يا أبت ، ( هو من عند الله إن الله يرزق من يشاء بغير حساب ) فحمد الله وقال : " الحمد لله الذي جعلك - يا بنية - شبيهة بسيدة نساء بني إسرائيل ، فإنها كانت إذا رزقها الله شيئا فسئلت عنه قالت : ( هو من عند الله إن الله يرزق من يشاء بغير حساب ) فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى علي ثم أكل رسول الله صلى الله عليه وسلم وأكل علي ، وفاطمة ، وحسن ، وحسين ، وجميع أزواج النبي صلى الله عليه وسلم وأهل بيته جميعا حتى شبعوا . قالت : وبقيت الجفنة كما هي ، فأوسعت ببقيتها على جميع الجيران ، وجعل الله فيها بركة وخيرا كثيرا .
هُنَالِكَ دَعَا زَكَرِیَّا رَبَّهٗۚ-قَالَ رَبِّ هَبْ لِیْ مِنْ لَّدُنْكَ ذُرِّیَّةً طَیِّبَةًۚ-اِنَّكَ سَمِیْعُ الدُّعَآءِ(۳۸)
یہاں (ف۷۷) پکارا زکریا اپنے رب کو بولا اے رب! میرے مجھے اپنے پاس سے دے ستھری اولاد، بیشک تو ہی ہے دعا سننے والا،
لما رأى زكريا ، عليه السلام ، أن الله تعالى يرزق مريم ، عليها السلام ، فاكهة الشتاء في الصيف ، وفاكهة الصيف في الشتاء ، طمع حينئذ في الولد ، و [ إن ] كان شيخا كبيرا قد [ ضعف و ] وهن منه العظم ، واشتعل رأسه شيبا ، وإن كانت امرأته مع ذلك كبيرة وعاقرا ، لكنه مع هذا كله سأل ربه وناداه نداء خفيا ، وقال : ( رب هب لي من لدنك ) أي : من عندك ( ذرية طيبة ) أي : ولدا صالحا ( إنك سميع الدعاء ) .
فَنَادَتْهُ الْمَلٰٓىٕكَةُ وَ هُوَ قَآىٕمٌ یُّصَلِّیْ فِی الْمِحْرَابِۙ-اَنَّ اللّٰهَ یُبَشِّرُكَ بِیَحْیٰى مُصَدِّقًۢا بِكَلِمَةٍ مِّنَ اللّٰهِ وَ سَیِّدًا وَّ حَصُوْرًا وَّ نَبِیًّا مِّنَ الصّٰلِحِیْنَ(۳۹)
تو فرشتوں نے اسے آواز دی اور وہ اپنی نماز کی جگہ کھڑا نماز پڑھ رہا تھا (ف۷۸) بیشک اللہ آپ کو مژدہ دیتا ہے یحییٰ کا جو اللہ کی طرف کے ایک کلمہ کی (ف۷۹) تصدیق کرے گا اور سردار (ف۸۰) اور ہمیشہ کے لیے عورتوں سے بچنے والا اور نبی ہمارے خاصوں میں سے (ف۸۱)
قال الله تعالى : ( فنادته الملائكة وهو قائم يصلي في المحراب ) أي : خاطبته الملائكة شفاها خطابا أسمعته ، وهو قائم يصلي في محراب عبادته ، ومحل خلوته ، ومجلس مناجاته وصلاته . ثم أخبر عما بشرته به الملائكة : ( أن الله يبشرك بيحيى ) أي : بولد يوجد لك من صلبك اسمه يحيى . قال قتادة وغيره : إنما سمي يحيى لأن الله تعالى أحياه بالإيمان .وقوله : ( مصدقا بكلمة من الله ) روى العوفي وغيره عن ابن عباس . وقال الحسن وقتادة وعكرمة ومجاهد وأبو الشعثاء والسدي والربيع بن أنس ، والضحاك ، وغيرهم في هذه الآية : ( مصدقا بكلمة من الله ) أي : بعيسى ابن مريم ، قال الربيع بن أنس : هو أول من صدق بعيسى ابن مريم ، وقال قتادة : وعلى سننه ومنهاجه . وقال ابن جريج : قال ابن عباس في قوله : ( مصدقا بكلمة من الله ) قال : كان يحيى وعيسى ابني خالة ، وكانت أم يحيى تقول لمريم : إني أجد الذي في بطني يسجد للذي في بطنك فذلك تصديقه بعيسى : تصديقه له في بطن أمه ، وهو أول من صدقعيسى ، وكلمة الله عيسى ، وهو أكبر من عيسى عليه السلام ، وهكذا قال السدي أيضا .وقوله : ( وسيدا ) قال أبو العالية ، والربيع بن أنس ، وقتادة ، وسعيد بن جبير ، وغيرهم : الحكيم ، وقال قتادة : سيدا في العلم والعبادة . وقال ابن عباس ، والثوري ، والضحاك : السيد الحكيم المتقي ، وقال سعيد بن المسيب : هو الفقيه العالم . وقال عطية : السيد في خلقه ودينه . وقال عكرمة : هو الذي لا يغلبه الغضب . وقال ابن زيد : هو الشريف . وقال مجاهد وغيره هو الكريم على الله ، عز وجل .وقوله : ( وحصورا ) روي عن ابن مسعود ، وابن عباس ، ومجاهد ، وعكرمة ، وسعيد بن جبير ، وأبي الشعثاء ، وعطية العوفي أنهم قالوا : هو الذي لا يأتي النساء . وعن أبي العالية والربيع بن أنس : هو الذي لا يولد له . وقال الضحاك : هو الذي لا ولد له ولا ماء له .وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي ، حدثنا يحيى بن المغيرة ، أنبأنا جرير ، عن قابوس ، عن أبيه ، عن ابن عباس في الحصور : الذي لا ينزل الماء ، وقد روى ابن أبي حاتم في هذا حديثا غريبا جدا فقال : حدثنا أبو جعفر محمد بن غالب البغدادي ، حدثني سعيد بن سليمان ، حدثنا عبادة - يعني ابن العوام - عن يحيى بن سعيد ، عن سعيد بن المسيب ، عن ابن العاص - لا يدري عبد الله أو عمرو - عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله : ( وسيدا وحصورا ) قال : ثم تناول شيئا من الأرض فقال : " كان ذكره مثل هذا " .ثم قال ابن أبي حاتم : حدثنا أحمد بن سنان ، حدثنا يحيى بن سعيد القطان ، عن يحيى بن سعيد الأنصاري ، أنه سمع سعيد بن المسيب ، عن عبد الله بن عمرو بن العاص يقول : ليس أحد من خلق الله لا يلقاه بذنب غير يحيى بن زكريا ، ثم قرأ سعيد : ( وسيدا وحصورا ) ثم أخذ شيئا من الأرض فقال الحصور ما كان ذكره مثل ذي وأشار يحيى بن سعيد القطان بطرف إصبعه السبابة . فهذا موقوف وهو أقوى إسنادا من المرفوع ، بل وفي صحة المرفوع نظر ، والله سبحانه وتعالى أعلم .وقد قال القاضي عياض في كتابه الشفاء : اعلم أن ثناء الله تعالى على يحيى أنه كان ) حصورا ) ليس كما قاله بعضهم : إنه كان هيوبا ، أو لا ذكر له ، بل قد أنكر هذا حذاق المفسرين ونقاد العلماء ، وقالوا : هذه نقيصة وعيب ولا تليق بالأنبياء ، عليهم السلام ، وإنما معناه : أنه معصوم من الذنوب ، أي لا يأتيها كأنه حصر عنها ، وقيل : مانعا نفسه من الشهوات . وقيل : ليست له شهوة في النساء .وقد بان لك من هذا أن عدم القدرة على النكاح نقص ، وإنما الفضل في كونها موجودة ثم قمعها : إما بمجاهدة كعيسى أو بكفاية من الله عز وجل ، كيحيى ، عليه السلام . ثم هي حق من أقدر عليها وقام بالواجب فيها ولم تشغله عن ربه درجة علياء ، وهي درجة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم الذي لم يشغله كثرتهن عن عبادة ربه ، بل زاده ذلك عبادة ، بتحصينهن وقيامه عليهن ، واكتسابه لهن ، وهدايته إياهن . بل قد صرح أنها ليست من حظوظ دنياه هو ، وإن كانت من حظوظ دنيا غيره ، فقال : " حبب إلي من دنياكم " .هذا لفظه . والمقصود أنه مدح يحيى بأنه حصور ليس أنه لا يأتي النساء ، بل معناه كما قاله هو وغيره : أنه معصوم عن الفواحش والقاذورات ، ولا يمنع ذلك من تزويجه بالنساء الحلال وغشيانهن وإيلادهن ، بل قد يفهم وجود النسل له من دعاء زكريا المتقدم حيث قال : ( هب لي من لدنك ذرية طيبة ) كأنه قال : ولدا له ذرية ونسل وعقب ، والله سبحانه وتعالى أعلم .[ وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي حدثنا عيسى بن حماد زغبة ومحمد بن سلمة المرادي قالا حدثنا حجاج ، عن سلمان بن القمري ، عن الليث بن سعد ، عن محمد بن عجلان ، عن القعقاع ، عن أبي صالح ، عن أبي هريرة ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " كل ابن آدم يلقى الله بذنب قد أذنبه يعذبه عليه ، إن شاء أو يرحمه ، إلا يحيى بن زكريا ، فإنه كان سيدا وحصورا ونبيا من الصالحين " ، ثم أهوى النبي صلى الله عليه وسلم إلى قذاة من الأرض فأخذها وقال : " كان ذكره مثل هذه القذاة " ] .قوله : ( ونبيا من الصالحين ) هذه بشارة ثانية بنبوة يحيى بعد البشارة بولادته ، وهي أعلى من الأولى كقوله تعالى لأم موسى : ( إنا رادوه إليك وجاعلوه من المرسلين ) [ القصص : 7 ]
قَالَ رَبِّ اَنّٰى یَكُوْنُ لِیْ غُلٰمٌ وَّ قَدْ بَلَغَنِیَ الْكِبَرُ وَ امْرَاَتِیْ عَاقِرٌؕ-قَالَ كَذٰلِكَ اللّٰهُ یَفْعَلُ مَا یَشَآءُ(۴۰)
بولا اے میرے رب میرے لڑکا کہاں سے ہوگا مجھے تو پہنچ گیا بڑھا پا (ف۸۲) اور میری عورت بانجھ (ف۸۳) فرمایا اللہ یوں ہی کرتا ہے جو چاہے (ف۸۴)
فلما تحقق زكريا ، عليه السلام ، هذه البشارة أخذ يتعجب من وجود الولد منه بعد الكبر ( قال رب أنى يكون لي غلام وقد بلغني الكبر وامرأتي عاقر قال ) أي الملك : ( كذلك الله يفعل ما يشاء ) أي : هكذا أمر الله عظيم ، لا يعجزه شيء ولا يتعاظمه أمر .
- English | Ahmed Ali
- Urdu | Ahmed Raza Khan
- Turkish | Ali-Bulaç
- German | Bubenheim Elyas
- Chinese | Chineese
- Spanish | Cortes
- Dutch | Dutch
- Portuguese | El-Hayek
- English | English
- Urdu | Fateh Muhammad Jalandhry
- French | French
- Hausa | Hausa
- Indonesian | Indonesian-Bahasa
- Italian | Italian
- Korean | Korean
- Malay | Malay
- Russian | Russian
- Tamil | Tamil
- Thai | Thai
- Farsi | مکارم شیرازی
- العربية | التفسير الميسر
- العربية | تفسير الجلالين
- العربية | تفسير السعدي
- العربية | تفسير ابن كثير
- العربية | تفسير الوسيط لطنطاوي
- العربية | تفسير البغوي
- العربية | تفسير القرطبي
- العربية | تفسير الطبري
- English | Arberry
- English | Yusuf Ali
- Dutch | Keyzer
- Dutch | Leemhuis
- Dutch | Siregar
- Urdu | Sirat ul Jinan