READ
Surah Aal Imraan
اٰلِ عِمْرَان
200 Ayaat مدنیۃ
3:0
بِسْمِ اللّٰهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحِیْمِ
اللہ کے نام سے شروع جو بہت مہربان رحمت والا
القول في الاستعاذةوفيها اثنتا عشرة مسألة :الأولى : أمر الله تعالى بالاستعاذة عند أول كل قراءة فقال تعالى : فإذا قرأت القرآن فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم [ النحل : 98 ] أي إذا أردت أن تقرأ ; فأوقع الماضي موقع المستقبل كما قال الشاعر :وإني لآتيكم لذكري الذي مضى من الود واستئناف ما كان في غدأراد ما يكون في غد ; وقيل : في الكلام تقديم وتأخير ، وأن كل فعلين تقاربا في المعنى جاز تقديم أيهما شئت ; كما قال تعالى : ثم دنا فتدلى [ النجم : 8 ] المعنى فتدلى ثم دنا ; ومثله : اقتربت الساعة وانشق القمر [ القمر : 1 ] وهو كثير .الثانية : هذا الأمر على الندب في قول الجمهور في كل قراءة في غير الصلاة . واختلفوا فيه في الصلاة . حكى النقاش عن عطاء : أن الاستعاذة واجبة ، وكان ابن سيرين والنخعي وقوم يتعوذون في الصلاة كل ركعة ، ويمتثلون أمر الله في الاستعاذة على العموم ، وأبو حنيفة والشافعي يتعوذان في الركعة الأولى من الصلاة ويريان قراءة الصلاة كلها كقراءة واحدة ; ومالك لا يرى التعوذ في الصلاة المفروضة ويراه في قيام رمضان .الثالثة : أجمع العلماء على أن التعوذ ليس من القرآن ولا آية منه ، وهو قول القارئ : أعوذ بالله من الشيطان الرجيم . وهذا اللفظ هو الذي عليه الجمهور من العلماء في التعوذ لأنه لفظ كتاب الله تعالى . وروي عن ابن مسعود أنه قال : قلت أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم ; فقال لي النبي صلى الله عليه وسلم : يا ابن أم عبد أعوذ بالله من الشيطان الرجيم هكذا أقرأني جبريل عن اللوح المحفوظ عن القلم .الرابعة : روى أبو داود وابن ماجه في سننهما عن جبير بن مطعم أنه رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي صلاة فقال عمرو : لا أدري أي صلاة هي ؟ فقال : " الله أكبر كبيرا الله أكبر كبيرا - ثلاثا - الحمد لله كثيرا الحمد لله كثيرا - ثلاثا - وسبحان الله بكرة وأصيلا - ثلاثا - أعوذ بالله من الشيطان من نفخه ونفثه وهمزه . قال عمرو : همزه المؤتة ، ونفثه الشعر ، ونفخه الكبر . وقال ابن ماجه : المؤتة يعني الجنون . والنفث : نفخ الرجل من فيه من غير أن يخرج ريقه . والكبر : التيه . وروى أبو داود عن أبي سعيد الخدري قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قام من الليل كبر ثم يقول : سبحانك اللهم وبحمدك تبارك اسمك وتعالى جدك ولا إله غيرك - ثم يقول : لا إله إلا الله - ثلاثا ثم يقول : - الله أكبر كبيرا - ثلاثا - أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم من همزه ونفخه ونفثه ثم يقرأ . وروى سليمان بن سالم عن ابن القاسم رحمه الله أن الاستعاذة : أعوذ بالله العظيم من الشيطان الرجيم إن الله هو السميع العليم بسم الله الرحمن الرحيم . قال ابن عطية : " وأما المقرئون فأكثروا في هذا من تبديل الصفة في اسم الله تعالى وفي الجهة الأخرى ، كقول بعضهم : أعوذ بالله المجيد ، من الشيطان المريد ; ونحو هذا مما لا أقول فيه : نعمت البدعة ، ولا أقول : إنه لا يجوز " .الخامسة : قال المهدوي : أجمع القراء على إظهار الاستعاذة في أول قراءة سورة " الحمد " إلا حمزة فإنه أسرها . وروى السدي عن أهل المدينة أنهم كانوا يفتتحون القراءة بالبسملة . وذكر أبو الليث السمرقندي عن بعض المفسرين أن التعوذ فرض ، فإذا نسيه القارئ وذكره في بعض الحزب قطع وتعوذ ، ثم ابتدأ من أوله . وبعضهم يقول : يستعيذ ثم يرجع إلى موضعه الذي وقف فيه ; وبالأول قال أسانيد الحجاز والعراق ; وبالثاني قال أسانيد الشام ومصر .السادسة : حكى الزهراوي قال : نزلت الآية في الصلاة وندبنا إلى الاستعاذة في غير الصلاة وليس بفرض . قال غيره : كانت فرضا على النبي صلى الله عليه وسلم وحده ، ثم تأسينا به .السابعة : روي عن أبي هريرة أن الاستعاذة بعد القراءة ; وقاله داود . قال أبو بكر بن العربي : انتهى العي بقوم إلى أن قالوا : إذا فرغ القارئ من قراءة القرآن يستعيذ بالله من الشيطان الرجيم . وقد روى أبو سعيد الخدري أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يتعوذ في صلاته قبل القراءة ، وهذا نص . فإن قيل : فما الفائدة في الاستعاذة من الشيطان الرجيم وقت القراءة ؟ قلنا : فائدتها امتثال الأمر ، وليس للشرعيات فائدة إلا القيام بحق الوفاء لها في امتثالها أمرا أو اجتنابها نهيا ; وقد قيل : فائدتها امتثال الأمر بالاستعاذة من وسوسة الشيطان عند القراءة ; كما قال تعالى وما أرسلنا من قبلك من رسول ولا نبي إلا إذا تمنى ألقى الشيطان في أمنيته [ الحج : 52 ] . قال ابن العربي : ومن أغرب ما وجدناه قول مالك في المجموعة في تفسير هذه الآية : فإذا قرأت القرآن فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم [ النحل : 98 ] قال : ذلك بعد قراءة أم القرآن لمن قرأ في الصلاة ، وهذا قول لم يرد به أثر ، ولا يعضده نظر ; فإن كان هذا كما قال بعض الناس : إن الاستعاذة بعد القراءة ، كان تخصيص ذلك بقراءة أم القرآن في الصلاة دعوى عريضة ، ولا تشبه أصل مالك ولا فهمه ; فالله أعلم بسر هذه الرواية .الثامنة : في فضل التعوذ . روى مسلم عن سليمان بن صرد قال : استب رجلان عند النبي صلى الله عليه وسلم فجعل أحدهما يغضب ويحمر وجهه فنظر إليه النبي صلى الله عليه وسلم فقال : إني لأعلم كلمة لو قالها لذهب ذا عنه ، أعوذ بالله من الشيطان الرجيم . فقام إلى الرجل رجل ممن سمع النبي صلى الله عليه وسلم فقال : هل تدري ما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم آنفا ؟ قال : إني لأعلم كلمة لو قالها لذهب ذا عنه أعوذ بالله من الشيطان الرجيم فقال له الرجل : أمجنونا تراني ! أخرجه البخاري أيضا . وروى مسلم أيضا عن عثمان بن أبي العاص الثقفي أنه أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله ، إن الشيطان قد حال بيني وبين صلاتي وقراءتي يلبسها علي ، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : ذاك شيطان يقال له خنزب فإذا أحسسته فتعوذ بالله منه واتفل عن يسارك ثلاثا قال : ففعلت فأذهبه الله عني . وروى أبو داود عن ابن عمر قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا سافر فأقبل عليه الليل قال : يا أرض ربي وربك الله أعوذ بالله من شرك [ وشر ما فيك ] [ و ] شر ما خلق فيك ومن شر ما يدب عليك [ وأعوذ بالله ] من أسد وأسود ومن الحية والعقرب ومن [ ساكن ] البلد ووالد وما ولد وروت خولة بنت حكيم قالت : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : من نزل منزلا ثم قال أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق لم يضره شيء حتى يرتحل . أخرجه الموطأ ومسلم والترمذي وقال : حديث حسن غريب صحيح . وما يتعوذ منه كثير ثابت في الأخبار ، والله المستعان .التاسعة : معنى الاستعاذة في كلام العرب : الاستجارة والتحيز إلى الشيء ، على معنى الامتناع به من المكروه ; يقال : عذت بفلان واستعذت به ; أي لجأت إليه . وهو عياذي ; أي ملجئي . وأعذت غيري به وعوذته بمعنى . ويقال : عوذ بالله منك ; أي أعوذ بالله منك ; قال الراجزقالت وفيها حيدة وذعر عوذ بربي منكم وحجروالعرب تقول عند الأمر تنكره : حجرا له ، بالضم ، أي دفعا ، وهو استعاذة من الأمر . والعوذة والمعاذة والتعويذ كله بمعنى . وأصل أعوذ : أعوذ نقلت الضمة إلى العين لاستثقالها على الواو فسكنت .العاشرة : الشيطان واحد الشياطين ; على التكسير والنون أصلية ; لأنه من شطن إذا بعد عن الخير . وشطنت داره أي بعدت ; قال الشاعر [ النابغة الذبياني ] :نأت بسعاد عنك نوى شطون فبانت والفؤاد بها رهينوبئر شطون أي بعيدة القعر . والشطن : الحبل ; سمي به لبعد طرفيه وامتداده . ووصف أعرابي فرسا لا يحفى فقال : كأنه شيطان في أشطان . وسمي الشيطان شيطانا لبعده عن الحق وتمرده ; وذلك أن كل عات متمرد من الجن والإنس والدواب شيطان ; قال جرير :أيام يدعونني الشيطان من غزل وهن يهوينني إذ كنت شيطاناوقيل : إن شيطانا مأخوذ من شاط يشيط إذا هلك ، فالنون زائدة . وشاط إذا احترق وشيطت اللحم إذا دخنته ولم تنضجه . واشتاط الرجل إذا احتد غضبا . وناقة مشياط التي يطير فيها السمن . واشتاط إذا هلك ; قال الأعشى :قد نخضب العير من مكنون فائله وقد يشيط على أرماحنا البطلأي يهلك . ويرد على هذه الفرقة أن سيبويه حكى أن العرب تقول : تشيطن فلان إذا فعل أفعال الشياطين ، فهذا بين أنه تفيعل من شطن ، ولو كان من شاط لقالوا : تشيط ، ويرد عليهم أيضا بيت أمية بن أبي الصلت :أيما شاطن عصاه عكاه ورماه في السجن والأغلالفهذا شاطن من شطن لا شك فيه .الحادية عشرة : الرجيم أي المبعد من الخير المهان . وأصل الرجم : الرمي بالحجارة ، وقد رجمته أرجمه ، فهو رجيم ومرجوم . والرجم : القتل واللعن والطرد والشتم ، وقد قيل هذا كله في قوله تعالى : لئن لم تنته يانوح لتكونن من المرجومين [ الشعراء : 116 ] . وقول أبي إبراهيم : لئن لم تنته لأرجمنك [ مريم : 46 ] . وسيأتي إن شاء الله تعالى .الثانية عشرة : روى الأعمش عن أبي وائل عن عبد الله قال : قال علي بن أبي طالب عليه السلام : رأيت النبي صلى الله عليه وسلم عند الصفا وهو مقبل على شخص في صورة الفيل وهو يلعنه ، قلت : ومن هذا الذي تلعنه يا رسول الله ؟ قال هذا الشيطان الرجيم فقلت : يا عدو الله ، والله لأقتلنك والله لأقتلنك ولأريحن الأمة منك ; قال : ما هذا جزائي منك ; قلت : وما جزاؤك مني يا عدو الله ؟ قال : والله ما أبغضك أحد قط إلا شركت أباه في رحم أمه .وفيها سبع وعشرون مسألة :الأولى : قال العلماء : ( بسم الله الرحمن الرحيم ) قسم من ربنا أنزله عند رأس كل سورة ، يقسم لعباده إن هذا الذي وضعت لكم يا عبادي في هذه السورة حق ، وإني أفي لكم بجميع ما ضمنت في هذه السورة من وعدي ولطفي وبري . و ( بسم الله الرحمن الرحيم ) مما أنزله الله تعالى في كتابنا وعلى هذه الأمة خصوصا بعد سليمان عليه السلام . وقال بعض العلماء : إن بسم الله الرحمن الرحيم تضمنت جميع الشرع ، لأنها تدل على الذات وعلى الصفات ; وهذا صحيح .الثانية : قال سعيد بن أبي سكينة : بلغني أن علي بن أبي طالب رضي الله عنه نظر إلى رجل يكتب : ( بسم الله الرحمن الرحيم ) فقال له : جودها فإن رجلا جودها فغفر له . قال سعيد : وبلغني أن رجلا نظر إلى قرطاس فيه ( بسم الله الرحمن الرحيم ) فقبله ووضعه على عينيه فغفر له . ومن هذا المعنى قصة بشر الحافي ، فإنه لما رفع الرقعة التي فيها اسم الله وطيبها طيب اسمه ، ذكره القشيري . وروى النسائي عن أبي المليح عن ردف رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إذا عثرت بك الدابة فلا تقل تعس الشيطان فإنه يتعاظم حتى يصير مثل البيت ويقول بقوته صرعته ولكن قل بسم الله الرحمن الرحيم فإنه يتصاغر حتى يصير مثل الذباب . وقال علي بن الحسين في تفسير قوله تعالى : وإذا ذكرت ربك في القرآن وحده ولوا على أدبارهم نفورا [ الإسراء : 46 ] قال معناه : إذا قلت : بسم الله الرحمن الرحيم . وروى وكيع عن الأعمش عن أبي وائل عن عبد الله بن مسعود قال : من أراد أن ينجيه الله من الزبانية التسعة عشر فليقرأ : بسم الله الرحمن الرحيم ليجعل الله تعالى له بكل حرف منها جنة من كل واحد . فالبسملة تسعة عشر حرفا على عدد ملائكة أهل النار الذين قال الله فيهم : عليها تسعة عشر [ المدثر : 30 ] وهم يقولون في كل أفعالهم : ( بسم الله الرحمن الرحيم ) فمن هنالك هي قوتهم ، وببسم الله استضلعوا . قال ابن عطية : ونظير هذا قولهم في ليلة القدر : إنها ليلة سبع وعشرين ، مراعاة للفظة ( هي ) من كلمات سورة : إنا أنزلناه [ القدر : 1 ] . ونظيره أيضا قولهم في عدد الملائكة الذين ابتدروا قول القائل : ربنا ولك الحمد حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه ، فإنها بضعة وثلاثون حرفا ; فلذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم : لقد رأيت بضعا وثلاثين ملكا يبتدرونها أيهم يكتبها أول . قال ابن عطية : وهذا من ملح التفسير وليس من متين العلم .الثالثة : روى الشعبي والأعمش أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يكتب ( باسمك اللهم ) حتى أمر أن يكتب ( بسم الله ) فكتبها ; فلما نزلت : قل ادعوا الله أو ادعوا الرحمن [ الإسراء : 110 ] كتب ( بسم الله الرحمن ) فلما نزلت : إنه من سليمان وإنه بسم الله الرحمن الرحيم [ النمل : 30 ] كتبها . وفي مصنف أبي داود قال الشعبي وأبو مالك وقتادة وثابت بن عمارة : إن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكتب بسم الله حتى نزلت سورة " النمل " .الرابعة : روي عن جعفر الصادق رضي الله عنه أنه قال : البسملة تيجان السور .قلت : وهذا يدل على أنها ليست بآية من الفاتحة ولا غيرها . وقد اختلف العلماء في هذا المعنى على ثلاثة أقوال :( الأول ) ليست بآية من الفاتحة ولا غيرها ; وهو قول مالك . ( الثاني ) أنها آية من كل سورة ; وهو قول عبد الله بن المبارك . ( الثالث ) قال الشافعي : هي آية في الفاتحة ; وتردد قوله في سائر السور ; فمرة قال : هي آية من كل سورة ، ومرة قال : ليست بآية إلا في الفاتحة وحدها . ولا خلاف بينهم في أنها آية من القرآن في سورة النمل .واحتج الشافعي بما رواه الدارقطني من حديث أبي بكر الحنفي عن عبد الحميد بن جعفر عن نوح بن أبي بلال عن سعيد بن أبي سعيد المقبري عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : إذا قرأتم " الحمد لله رب العالمين " فاقرءوا " بسم الله الرحمن الرحيم " إنها أم القرآن وأم الكتاب والسبع المثاني و " بسم الله الرحمن الرحيم " ، إحداها . رفع هذا الحديث عبد الحميد بن جعفر وعبد الحميد هذا وثقه أحمد بن حنبل ويحيى بن سعيد ويحيى بن معين ; وأبو حاتم يقول فيه : محله الصدق ; وكان سفيان الثوري يضعفه ويحمل عليه . ونوح بن أبي بلال ثقة مشهور .وحجة ابن المبارك وأحد قولي الشافعي ما رواه مسلم عن أنس قال : بينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم بين أظهرنا إذ أغفى إغفاءة ثم رفع رأسه متبسما ; فقلنا : ما أضحكك يا رسول الله ؟ قال : أنزلت علي آنفا سورة فقرأ : بسم الله الرحمن الرحيم إنا أعطيناك الكوثر فصل لربك وانحر إن شانئك هو الأبتر وذكر الحديث ، وسيأتي بكماله في سورة الكوثر إن شاء الله تعالى .الخامسة : الصحيح من هذه الأقوال قول مالك ; لأن القرآن لا يثبت بأخبار الآحاد وإنما طريقه التواتر القطعي الذي لا يختلف فيه . قال ابن العربي : ويكفيك أنها ليست من القرآن اختلاف الناس فيها ، والقرآن لا يختلف فيه . والأخبار الصحاح التي لا مطعن فيها دالة على أن البسملة ليست بآية من الفاتحة ولا غيرها إلا في النمل وحدها . روى مسلم عن أبي هريرة قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : قال [ تعالى ] : " قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين ولعبدي ما سأل فإذا قال العبد : ( الحمد لله رب العالمين ) قال الله تعالى حمدني عبدي وإذا قال : ( الرحمن الرحيم ) قال الله تعالى : أثنى علي عبدي وإذا قال : ( مالك يوم الدين ) قال مجدني عبدي - وقال مرة : فوض إلى عبدي - فإذا قال : ( إياك نعبد وإياك نستعين ) قال : هذا بيني وبين عبدي ، ولعبدي ما سأل ، فإذا قال : ( اهدنا الصراط المستقيم صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين ) قال : هذا لعبدي ولعبدي ما سأل . فقوله سبحانه : " قسمت الصلاة " يريد الفاتحة ، وسماها صلاة لأن الصلاة لا تصح إلا بها ; فجعل الثلاث الآيات الأول لنفسه ، واختص بها تبارك اسمه ، ولم يختلف المسلمون فيها . ثم الآية الرابعة جعلها بينه وبين عبده ; لأنها تضمنت تذلل العبد وطلب الاستعانة منه ، وذلك يتضمن تعظيم الله تعالى ، ثم ثلاث آيات تتمة سبع آيات . ومما يدل على أنها ثلاث قوله : " هؤلاء لعبدي " أخرجه مالك ; ولم يقل : هاتان ; فهذا يدل على أن ( أنعمت عليهم ) آية . قال ابن بكير قال مالك : " أنعمت عليهم " آية ، ثم الآية السابعة إلى آخرها . فثبت بهذه القسمة التي قسمها الله تعالى وبقوله عليه السلام لأبي : كيف تقرأ إذا افتتحت الصلاة قال : فقرأت : الحمد لله رب العالمين حتى أتيت على آخرها - أن البسملة ليست بآية منها ، وكذا عد أهل المدينة وأهل الشام وأهل البصرة ; وأكثر القراء عدوا : ( أنعمت عليهم ) آية ، وكذا روى قتادة عن أبي نضرة عن أبي هريرة قال : الآية السادسة : ( أنعمت عليهم ) . وأما أهل الكوفة من القراء والفقهاء فإنهم عدوا فيها ( بسم الله الرحمن الرحيم ) ولم يعدوا ( أنعمت عليهم ) .فإن قيل : فإنها ثبتت في المصحف وهي مكتوبة بخطه ونقلت نقله ، كما نقلت في النمل ، وذلك متواتر عنهم . قلنا : ما ذكرتموه صحيح ; ولكن لكونها قرآنا ، أو لكونها فاصلة بين السور - كما روي عن الصحابة : كنا لا نعرف انقضاء السورة حتى تنزل " بسم الله الرحمن الرحيم " أخرجه أبو داود - أو تبركا بها ، كما قد اتفقت الأمة على كتبها في أوائل الكتب والرسائل ؟ كل ذلك محتمل . وقد قال الجريري : سئل الحسن عن ( بسم الله الرحمن الرحيم ) قال : في صدور الرسائل . وقال الحسن أيضا : لم تنزل ( بسم الله الرحمن الرحيم ) في شيء من القرآن إلا في " طس " إنه من سليمان وإنه بسم الله الرحمن الرحيم . والفيصل أن القرآن لا يثبت بالنظر والاستدلال ، وإنما يثبت بالنقل المتواتر القطعي الاضطراري . ثم قد اضطرب قول الشافعي فيها في أول كل سورة فدل على أنها ليست بآية من كل سورة ; والحمد لله .فإن قيل : فقد روى جماعة قرآنيتها ، وقد تولى الدارقطني جمع ذلك في جزء صححه . قلنا : لسنا ننكر الرواية بذلك وقد أشرنا إليها ، ولنا أخبار ثابتة في مقابلتها ، رواها الأئمة الثقات والفقهاء الأثبات . روت عائشة في صحيح مسلم قالت : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يستفتح الصلاة بالتكبير ، والقراءة ب " الحمد لله رب العالمين " ، الحديث . وسيأتي بكماله . وروى مسلم أيضا عن أنس بن مالك قال : صليت خلف النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر وعثمان ، فكانوا يستفتحون بالحمد لله رب العالمين ; لا يذكرون " بسم الله الرحمن الرحيم " في أول قراءة ولا في آخرها .ثم إن مذهبنا يترجح في ذلك بوجه عظيم ، وهو المعقول ; وذلك أن مسجد النبي صلى الله عليه وسلم بالمدينة انقضت عليه العصور ، ومرت عليه الأزمنة والدهور ، من لدن رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى زمان مالك ، ولم يقرأ أحد فيه قط " بسم الله الرحمن الرحيم " ؛ اتباعا للسنة ، وهذا يرد أحاديثكم .بيد أن أصحابنا استحبوا قراءتها في النفل ; وعليه تحمل الآثار الواردة في قراءتها أو على السعة في ذلك . قال مالك : ولا بأس أن يقرأ بها في النافلة ومن يعرض القرآن عرضا .وجملة مذهب مالك وأصحابه : أنها ليست عندهم آية من فاتحة الكتاب ولا غيرها ، ولا يقرأ بها المصلي في المكتوبة ولا في غيرها سرا ولا جهرا ; ويجوز أن يقرأها في النوافل . هذا هو المشهور من مذهبه عند أصحابه . وعنه رواية أخرى أنها تقرأ أول السورة في النوافل ، ولا تقرأ أول أم القرآن . وروى عنه ابن نافع ابتداء القراءة بها في الصلاة الفرض والنفل ولا تترك بحال . ومن أهل المدينة من يقول : إنه لابد فيها من ( بسم الله الرحمن الرحيم ) منهم ابن عمر ، وابن شهاب ; وبه قال الشافعي وأحمد وإسحاق وأبو ثور وأبو عبيد . وهذا يدل على أن المسألة مسألة اجتهادية لا قطعية ، كما ظنه بعض الجهال من المتفقهة الذي يلزم على قوله تكفير المسلمين ; وليس كما ظن لوجود الاختلاف المذكور ; والحمد لله .وقد ذهب جمع من العلماء إلى الإسرار بها مع الفاتحة ; منهم : أبو حنيفة والثوري ; وروى ذلك عن عمر وعلي وابن مسعود وعمار وابن الزبير ; وهو قول الحكم وحماد ; وبه قال أحمد بن حنبل وأبو عبيد ; وروي عن الأوزاعي مثل ذلك ; حكاه أبو عمر بن عبد البر في ( الاستذكار ) . واحتجوا من الأثر في ذلك بما رواه منصور بن زاذان عن أنس بن مالك قال : صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يسمعنا قراءة ( بسم الله الرحمن الرحيم ) . وما رواه عمار بن زريق عن الأعمش عن شعبة عن ثابت عن أنس قال : صليت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر وعثمان فلم أسمع أحدا منهم يقرأ بسم الله الرحمن الرحيم .قلت : هذا قول حسن ، وعليه تتفق الآثار عن أنس ولا تتضاد ويخرج به من الخلاف في قراءة البسملة . وقد روي عن سعيد بن جبير قال : كان المشركون يحضرون بالمسجد ; فإذا قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( بسم الله الرحمن الرحيم ) قالوا : هذا محمد يذكر رحمان اليمامة - يعنون مسيلمة - فأمر أن يخافت ب " بسم الله الرحمن الرحيم " ، ونزل : ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها . قال الترمذي الحكيم أبو عبد الله : فبقي ذلك إلى يومنا هذا على ذلك الرسم وإن زالت العلة ، كما بقي الرمل في الطواف وإن زالت العلة ، وبقيت المخافتة في صلاة النهار وإن زالت العلة .السادسة : اتفقت الأمة على جواز كتبها في أول كل كتاب من كتب العلم والرسائل ; فإن كان الكتاب ديوان شعر فروى مجالد عن الشعبي قال : أجمعوا ألا يكتبوا أمام الشعر : بسم الله الرحمن الرحيم . وقال الزهري : مضت السنة ألا يكتبوا في الشعر : ( بسم الله الرحمن الرحيم ) . وذهب إلى رسم التسمية في أول كتب الشعر سعيد بن جبير ، وتابعه على ذلك أكثر المتأخرين . قال أبو بكر الخطيب : وهو الذي نختاره ونستحبه .السابعة : قال الماوردي ويقال لمن قال بسم الله : مبسمل ، وهي لغة مولدة ، وقد جاءت في الشعر ; قال عمر بن أبي ربيعة :لقد بسملت ليلى غداة لقيتها فيا حبذا ذاك الحبيب المبسملقلت : المشهور عن أهل اللغة بسمل . قال يعقوب بن السكيت والمطرز والثعالبي وغيرهم من أهل اللغة : بسمل الرجل ، إذا قال : بسم الله . يقال : قد أكثرت من البسملة ; أي من قول بسم الله ، ومثله : حوقل الرجل ، إذا قال : لا حول ولا قوة إلا بالله ، وهلل ، إذا قال : لا إله إلا الله ، وسبحل ، إذا قال : سبحان الله ، وحمدل ، إذا قال : الحمد لله ، وحيصل ، إذا قال : حي على الصلاة ، وجعفل ، إذا قال : جعلت فداك . وطبقل ، إذا قال : أطال الله بقاءك . ودمعز ، إذا قال أدام الله عزك . وحيفل ، إذا قال : حي على الفلاح . ولم يذكر المطرز : الحيصلة ، إذا قال : حي على الصلاة . وجعفل ، إذا قال : جعلت فداك . وطبقل ، إذا قال أطال الله بقاءك . ودمعز إذا قال : أدام الله عزك .الثامنة : ندب الشرع إلى ذكر البسملة في أول كل فعل ; كالأكل والشرب والنحر ; والجماع والطهارة وركوب البحر ، إلى غير ذلك من الأفعال ; قال الله تعالى : فكلوا مما ذكر اسم الله عليه . وقال اركبوا فيها بسم الله مجريها ومرساها . وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أغلق بابك واذكر اسم الله وأطفئ مصباحك واذكر اسم الله وخمر إناءك واذكر اسم الله وأوك سقاءك واذكر اسم الله . وقال لو أن أحدكم إذا أراد أن يأتي أهله قال : بسم الله اللهم جنبنا الشيطان وجنب الشيطان ما رزقتنا فإنه إن يقدر بينهما ولد في ذلك لم يضره شيطان أبدا . وقال لعمر بن أبي سلمة يا غلام سم الله وكل بيمينك وكل مما يليك وقال : إن الشيطان يستحل الطعام أن لا يذكر اسم الله عليه وقال : من لم يذبح فليذبح باسم الله . وشكا إليه عثمان بن أبي العاص وجعا يجده في جسده منذ أسلم ، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم ضع يدك على الذي تألم من جسدك وقل بسم الله ثلاثا وقل سبع مرات أعوذ بعزة [ بالله ] وقدرته من شر ما أجد وأحاذر . هذا كله ثابت في الصحيح . وروى ابن ماجه والترمذي عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ستر ما بين الجن وعورات بني آدم إذا دخل الكنيف أن يقول : بسم الله . وروى الدارقطني عن عائشة قالت : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا مس طهوره سمى الله تعالى ، ثم يفرغ الماء على يديه .التاسعة : قال علماؤنا : وفيها رد على القدرية وغيرهم ممن يقول : إن أفعالهم مقدورة لهم ، وموضع الاحتجاج عليهم من ذلك أن الله سبحانه أمرنا عند الابتداء بكل فعل أن نفتتح بذلك ، كما ذكرنا .فمعنى بسم الله ، أي بالله . ومعنى ( بالله ) أي بخلقه وتقديره يوصل إلى ما يوصل إليه . وسيأتي لهذا مزيد بيان إن شاء الله تعالى . وقال بعضهم : معنى قوله ( بسم الله ) يعني بدأت بعون الله وتوفيقه وبركته ; وهذا تعليم من الله تعالى عباده ، ليذكروا اسمه عند افتتاح القراءة وغيرها ، حتى يكون الافتتاح ببركة الله جل وعز .العاشرة : ذهب أبو عبيدة معمر بن المثنى إلى أن ( اسم ) صلة زائدة ، واستشهد بقول لبيد :إلى الحول ثم اسم السلام عليكما ومن يبك حولا كاملا فقد اعتذرفذكر ( اسم ) زيادة ، وإنما أراد : ثم السلام عليكما .وقد استدل علماؤنا بقول لبيد هذا على أن الاسم هو المسمى . وسيأتي الكلام فيه في هذا الباب وغيره ، إن شاء الله تعالى .الحادية عشرة : اختلف في معنى زيادة : " اسم " ; فقال قطرب : زيدت لإجلال ذكره تعالى وتعظيمه . وقال الأخفش : زيدت ليخرج بذكرها من حكم القسم إلى قصد التبرك ; لأن أصل الكلام : بالله .الثانية عشرة : اختلفوا أيضا في معنى دخول الباء عليه ، هل دخلت على معنى الأمر ؟ والتقدير : ابدأ بسم الله . أو على معنى الخبر ؟ والتقدير : ابتدأت بسم الله ; قولان : الأول للفراء ، والثاني للزجاج . ف ( باسم ) في موضع نصب على التأويلين . وقيل : المعنى ابتدائي بسم الله ; ف ( بسم الله ) في موضع رفع خبر الابتداء . وقيل : الخبر محذوف ; أي ابتدائي مستقر أو ثابت بسم الله ; فإذا أظهرته كان " بسم الله " في موضع نصب بثابت أو مستقر ، وكان بمنزلة قولك : زيد في الدار . وفي التنزيل : فلما رآه مستقرا عنده قال هذا من فضل ربي ف ( عنده ) في موضع نصب ; روي هذا عن نحاة أهل البصرة . وقيل : التقدير ابتدائي ببسم الله موجود أو ثابت ، ف ( باسم ) في موضع نصب بالمصدر الذي هو ابتدائي .الثالثة عشرة : بسم الله ، تكتب بغير ألف استغناء عنها بباء الإلصاق في اللفظ والخط لكثرة الاستعمال ، بخلاف قوله : اقرأ باسم ربك فإنها لم تحذف ؛ لقلة الاستعمال . واختلفوا في حذفها مع الرحمن والقاهر ; فقال الكسائي وسعيد الأخفش : تحذف الألف . وقال يحيى بن وثاب : لا تحذف إلا مع بسم الله فقط ، لأن الاستعمال إنما كثر فيه .الرابعة عشر : واختلف في تخصيص باء الجر بالكسر على ثلاثة معان ; فقيل : ليناسب لفظها عملها . وقيل : لما كانت الباء لا تدخل إلا على الأسماء خصت بالخفض الذي لا يكون إلا في الأسماء . الثالث : ليفرق بينهما وبين ما قد يكون من الحروف اسما ; نحو الكاف في قول الشاعر :ورحنا بكابن الماء يجنب وسطناأي بمثل ابن الماء أو ما كان مثله .الخامسة عشرة : اسم ، وزنه افع ، والذاهب منه الواو ; لأنه من سموت ، وجمعه أسماء ، وتصغيره سمي . واختلف في تقدير أصله ، فقيل : فعل ، وقيل : فعل . قال الجوهري : وأسماء يكون جمعا لهذا الوزن ، وهو مثل جذع وأجذاع ، وقفل وأقفال ; وهذا لا تدرك صيغته إلا بالسماع . وفيه أربع لغات : إسم بالكسر ، وأسم بالضم . قال أحمد بن يحيى : من ضم الألف أخذه من سموت أسمو ، ومن كسر أخذه من سميت أسمي . ويقال : سم وسم ، وينشد :والله أسماك سما مباركا آثرك الله به إيثاركاوقال آخر :وعامنا أعجبنا مقدمه يدعى أبا السمح وقرضاب سمهمبتركا كل عظم يلحمهقرضب الرجل : إذا أكل شيئا يابسا ، فهو قرضاب . ( سمه ) بالضم والكسر جميعا .ومنه قول الآخر :باسم الذي في كل سورة سمهوسكنت السين من ( باسم ) اعتلالا على غير قياس ، وألفه ألف وصل ، وربما جعلها الشاعر ألف قطع للضرورة ; كقول الأحوص :وما أنا بالمخسوس في جذم مالك ولا من تسمى ثم يلتزم الإسماالسادسة عشرة : تقول العرب في النسب إلى الاسم : سموي ، وإن شئت " اسمي " ، تركته على حاله ، وجمعه أسماء ، وجمع الأسماء أسام . وحكى الفراء : أعيذك بأسماوات الله .السابعة عشرة : اختلفوا في اشتقاق الاسم على وجهين : فقال البصريون : هو مشتق من السمو وهو العلو والرفعة ، فقيل : اسم لأن صاحبه بمنزلة المرتفع به . وقيل : لأن الاسم يسموا بالمسمى فيرفعه عن غيره . وقيل : إنما سمي الاسم اسما لأنه علا بقوته على قسمي الكلام : الحرف والفعل ; والاسم أقوى منهما بالإجماع لأنه الأصل ; فلعلوه عليهما سمي اسما ; فهذه ثلاثة أقوال .وقال الكوفيون : إنه مشتق من السمة وهي العلامة ; لأن الاسم علامة لمن وضع له ; فأصل اسم على هذا ( وسم ) . والأول أصح ; لأنه يقال في التصغير سمي وفي الجمع أسماء ; والجمع والتصغير يردان الأشياء إلى أصولها ; فلا يقال : وسيم ولا أوسام . ويدل على صحته أيضا فائدة الخلاف وهي :الثامنة عشرة : فإن من قال الاسم مشتق من العلو يقول : لم يزل الله سبحانه موصوفا قبل وجود الخلق وبعد وجودهم وعند فنائهم ، ولا تأثير لهم في أسمائه ولا صفاته ; وهذا قول أهل السنة . ومن قال الاسم مشتق من السمة يقول : كان الله في الأزل بلا اسم ولا صفة ، فلما خلق الخلق جعلوا له أسماء وصفات ، فإذا أفناهم بقي بلا اسم ولا صفة ; وهذا قول المعتزلة وهو خلاف ما أجمعت عليه الأمة ، وهو أعظم في الخطأ من قولهم : إن كلامه مخلوق ، تعالى الله عن ذلك ! وعلى هذا الخلاف وقع الكلام في الاسم والمسمى وهي :التاسعة عشرة : فذهب أهل الحق - فيما نقل القاضي أبو بكر بن الطيب - إلى أن الاسم هو المسمى ، وارتضاه ابن فورك ; وهو قول أبي عبيدة وسيبويه . فإذا قال قائل : الله عالم ; فقوله دال على الذات الموصوفة بكونه عالما ، فالاسم لكونه عالما وهو المسمى بعينه . وكذلك إذا قال : الله خالق ; فالخالق هو الرب ، وهو بعينه الاسم . فالاسم عندهم هو المسمى بعينه من غير تفصيل .قال ابن الحصار : من ينفي الصفات من المبتدعة يزعم أن لا مدلول للتسميات إلا الذات ، ولذلك يقولون : الاسم غير المسمى ، ومن يثبت الصفات يثبت للتسميات مدلولات هي أوصاف الذات وهي غير العبارات وهي الأسماء عندهم . وسيأتي لهذه مزيد بيان في ( البقرة ) و ( الأعراف ) إن شاء الله تعالى .الموفية عشرين - قوله : ( الله ) هذا الاسم أكبر أسمائه سبحانه وأجمعها ، حتى قال بعض العلماء : إنه اسم الله الأعظم ولم يتسم به غيره ; ولذلك لم يثن ولم يجمع ، وهو أحد تأويلي قوله تعالى : هل تعلم له سميا أي من تسمى باسمه الذي هو ( الله ) . فالله اسم للموجود الحق الجامع لصفات الإلهية ، المنعوت بنعوت الربوبية ، المنفرد بالوجود الحقيقي ، لا إله إلا هو سبحانه . وقيل : معناه الذي يستحق أن يعبد . وقيل : معناه واجب الوجود الذي لم يزل ولا يزال ; والمعنى واحد .الحادية والعشرون : واختلفوا في هذا الاسم هل هو مشتق أو موضوع للذات علم ؟ فذهب إلى الأول كثير من أهل العلم . واختلفوا في اشتقاقه وأصله ; فروى سيبويه عن الخليل أن أصله إلاه ، مثل فعال ; فأدخلت الألف واللام بدلا من الهمزة . قال سيبويه : مثل الناس أصله أناس . وقيل : أصل الكلمة ( لاه ) وعليه دخلت الألف واللام للتعظيم ، وهذا اختيار سيبويه . وأنشد :لاه ابن عمك لا أفضلت في حسب عني ولا أنت دياني فتخزونيكذا الرواية : فتخزوني ، بالخاء المعجمة ومعناه : تسوسني .وقال الكسائي والفراء : معنى " بسم الله " بسم الإله ; فحذفوا الهمزة وأدغموا اللام الأولى في الثانية فصارتا لاما مشددة ; كما قال عز وجل : لكنا هو الله ربي ومعناه : لكن أنا ، كذلك قرأها الحسن . ثم قيل : هو مشتق من ( وله ) إذا تحير ; والوله : ذهاب العقل . يقال : رجل واله وامرأة والهة وواله ، وماء موله : أرسل في الصحاري . فالله سبحانه تتحير الألباب وتذهب في حقائق صفاته والفكر في معرفته . فعلى هذا أصل : ( إلاه ) ، ( ولاه ) وأن الهمزة مبدلة من واو كما أبدلت في إشاح ووشاح ، وإسادة ووسادة ، وروي عن الخليل . وروي عن الضحاك أنه قال : إنما سمي : ( الله ) إلها ، لأن الخلق يتألهون إليه في حوائجهم ، ويتضرعون إليه عند شدائدهم ، وذكر عن الخليل بن أحمد أنه قال : لأن الخلق يألهون إليه ( بنصب اللام ) ويألهون أيضا ( بكسرها ) وهما لغتان . وقيل : إنه مشتق من الارتفاع ، فكانت العرب تقول لكل شيء مرتفع لاها ، فكانوا يقولون إذا طلعت الشمس : لاهت . وقيل : هو مشتق من أله الرجل إذا تعبد . وتأله إذا تنسك ، ومن ذلك قوله تعالى : ( ويذرك وإلاهتك ) على هذه القراءة ; فإن ابن عباس وغيره قالوا : وعبادتك .قالوا : فاسم الله مشتق من هذا ، فالله سبحانه معناه المقصود بالعبادة ، ومنه قول الموحدين : لا إله إلا الله ، معناه لا معبود غير الله . و ( إلا ) في الكلمة بمعنى غير ، لا بمعنى الاستثناء . وزعم بعضهم أن الأصل فيه ( الهاء ) التي هي الكناية عن الغائب ، وذلك أنهم أثبتوه موجودا في فطر عقولهم فأشاروا إليه بحرف الكناية ثم زيدت فيه لام الملك إذ قد علموا أنه خالق الأشياء ومالكها فصار ( له ) ثم زيدت فيه الألف واللام تعظيما وتفخيما .القول الثاني : ذهب إليه جماعة من العلماء أيضا منهم الشافعي وأبو المعالي والخطابي والغزالي والمفضل وغيرهم ، وروي عن الخليل وسيبويه : أن الألف واللام لازمة له لا يجوز حذفهما منه . قال الخطابي : والدليل على أن الألف واللام من بنية هذا الاسم ، ولم يدخلا للتعريف : دخول حرف النداء عليه ; كقولك : يا الله ، وحروف النداء لا تجتمع مع الألف واللام للتعريف ; ألا ترى أنك لا تقول : يا الرحمن ولا : يا الرحيم ، كما تقول : يا الله ، فدل على أنهما من بنية الاسم . والله أعلم .الثانية والعشرون : واختلفوا أيضا في اشتقاق اسمه الرحمن ; فقال بعضهم : لا اشتقاق له لأنه من الأسماء المختصة به سبحانه ، ولأنه لو كان مشتقا من الرحمة لاتصل بذكر المرحوم ، فجاز أن يقال : الله رحمن بعباده ، كما يقال : رحيم بعباده . وأيضا لو كان مشتقا من الرحمة لم تنكره العرب حين سمعوه ، إذ كانوا لا ينكرون رحمة ربهم ، وقد قال الله عز وجل : وإذا قيل لهم اسجدوا للرحمن قالوا وما الرحمن الآية . ولما كتب علي رضي الله عنه في صلح الحديبية بأمر النبي صلى الله عليه وسلم : بسم الله الرحمن الرحيم قال سهيل بن عمرو : أما ( بسم الله الرحمن الرحيم ) فما ندري ما ( بسم الله الرحمن الرحيم ) ! ولكن اكتب ما نعرف : باسمك اللهم ، الحديث . قال ابن العربي : إنما جهلوا الصفة دون الموصوف ، واستدل على ذلك بقولهم : وما الرحمن ؟ ولم يقولوا : ومن الرحمن ؟ قال ابن الحصار : وكأنه رحمه الله لم يقرأ الآية الأخرى : " وهم يكفرون بالرحمن " . وذهب الجمهور من الناس إلى أن ( الرحمن ) مشتق من الرحمة مبني على المبالغة ; ومعناه ذو الرحمة الذي لا نظير له فيها ؛ فلذلك لا يثنى ولا يجمع كما يثنى ( الرحيم ) ويجمع .قال ابن الحصار : ومما يدل على الاشتقاق ما خرجه الترمذي وصححه عن عبد الرحمن بن عوف أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : قال الله عز وجل أنا الرحمن خلقت الرحم وشققت لها اسما من اسمي فمن وصلها وصلته ومن قطعها قطعته . وهذا نص في الاشتقاق ، فلا معنى للمخالفة والشقاق ، وإنكار العرب له لجهلهم بالله وبما وجب له .الثالثة والعشرون : زعم المبرد فيما ذكر ابن الأنباري في كتاب ( الزاهر ) له : أن ( الرحمن ) اسم عبراني فجاء معه ب ( الرحيم ) وأنشد :لن تدركوا المجد أو تشروا عباءكم بالخز أو تجعلوا الينبوت ضمرانا أو تتركون إلى القسين هجرتكمومسحكم صلبهم رحمان قرباناقال أبو إسحاق الزجاج في ( معاني القرآن ) : وقال أحمد بن يحيى : " الرحيم " عربي و " الرحمان " عبراني ، فلهذا جمع بينهما . وهذا القول مرغوب عنه .وقال أبو العباس : النعت قد يقع للمدح ; كما تقول : قال جرير الشاعر : وروى مطرف عن قتادة في قول الله عز وجل ( بسم الله الرحمن الرحيم ) قال : مدح نفسه . قال أبو إسحاق : وهذا قول حسن . وقال قطرب : يجوز أن يكون جمع بينهما للتوكيد . قال أبو إسحاق : وهذا قول حسن ، وفي التوكيد أعظم الفائدة ، وهو كثير في كلام العرب ، ويستغنى عن الاستشهاد ; والفائدة في ذلك ما قاله محمد بن يزيد : إنه تفضل بعد تفضل ، وإنعام بعد إنعام ، وتقوية لمطامع الراغبين ، ووعد لا يخيب آمله .الرابعة والعشرون : واختلفوا هل هما بمعنى واحد أو بمعنيين ؟ فقيل : هما بمعنى واحد ; كندمان ونديم . قالهأبو عبيدة . وقيل : ليس بناء فعلان كفعيل ، فإن فعلان لا يقع إلا على مبالغة الفعل ; نحو قولك : رجل غضبان ، للممتلئ غضبا . وفعيل قد يكون بمعنى الفاعل والمفعول . قال عملس :فأما إذا عضت بك الحرب عضة فإنك معطوف عليك رحيمف ( الرحمن ) خاص الاسم عام الفعل . و ( الرحيم ) عام الاسم خاص الفعل . هذا قول الجمهور .قال أبو علي الفارسي : ( الرحمن ) اسم عام في جميع أنواع الرحمة ، يختص به الله . ( والرحيم ) إنما هو في جهة المؤمنين ; كما قال تعالى : وكان بالمؤمنين رحيما . وقال العرزمي ( الرحمن ) بجميع خلقه في الأمطار ونعم الحواس والنعم العامة ، و ( الرحيم ) بالمؤمنين في الهداية لهم ، واللطف بهم . وقال ابن المبارك : ( الرحمن ) إذا سئل أعطى ، و ( الرحيم ) إذا لم يسأل غضب . وروى ابن ماجه في سننه والترمذي في جامعه عن أبي صالح عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : من لم يسأل الله يغضب عليه لفظ الترمذي . وقال ابن ماجه : من لم يدع الله سبحانه غضب عليه . وقال : سألت أبا زرعة عن أبي صالح هذا ، فقال : هو الذي يقال له : الفارسي وهو خوزي ولا أعرف اسمه . وقد أخذ بعض الشعراء هذا المعنى فقال :الله يغضب إن تركت سؤاله وبني آدم حين يسأل يغضبوقال ابن عباس : هما اسمان رقيقان ، أحدهما أرق من الآخر ، أي أكثر رحمة .قال الخطابي : وهذا مشكل ; لأن الرقة لا مدخل لها في شيء من صفات الله تعالى .وقال الحسين بن الفضل البجلي : هذا وهم من الراوي ، لأن الرقة ليست من صفات الله تعالى في شيء ، وإنما هما اسمان رفيقان أحدهما أرفق من الآخر ، والرفق من صفات الله عز وجل ; قال النبي صلى الله عليه وسلم : إن الله رفيق يحب الرفق ويعطي على الرفق ما لا يعطي على العنف .الخامسة والعشرون : أكثر العلماء على أن ( الرحمن ) مختص بالله عز وجل ، لا يجوز أن يسمى به غيره ، ألا تراه قال : قل ادعوا الله أو ادعوا الرحمن فعادل الاسم الذي لا يشركه فيه غيره . وقال : واسأل من أرسلنا من قبلك من رسلنا أجعلنا من دون الرحمن آلهة يعبدون فأخبر أن الرحمن هو المستحق للعبادة جل وعز . وقد تجاسر مسيلمة الكذاب - لعنه الله - فتسمى برحمان اليمامة ، ولم يتسم به حتى قرع مسامعه نعت الكذاب فألزمه الله تعالى نعت الكذاب لذلك ، وإن كان كل كافر كاذبا ، فقد صار هذا الوصف لمسيلمة علما يعرف به ، ألزمه الله إياه . وقد قيل في اسمه " الرحمن " : إنه اسم الله الأعظم ذكره ابن العربي .السادسة والعشرون : الرحيم صفة مطلقة للمخلوقين ، ولما في الرحمن من العموم قدم في كلامنا على الرحيم مع موافقة التنزيل ; قاله المهدوي . وقيل : إن معنى الرحيم أي بالرحيم وصلتم إلى الله وإلى الرحمن ، ف ( الرحيم ) نعت محمد صلى الله عليه وسلم ، وقد نعته تعالى بذلك فقال : ( رؤوف رحيم ) فكأن المعنى أن يقول بسم الله الرحمن وبالرحيم ، أي وبمحمد صلى الله عليه وسلم وصلتم إلي ، أي باتباعه وبما جاء به وصلتم إلى ثوابي وكرامتي والنظر إلى وجهي والله أعلم .السابعة والعشرون : روي عن علي بن أبي طالب كرم الله وجهه أنه قال في قوله ( بسم الله ) : إنه شفاء من كل داء ، وعون على كل دواء . وأما الرحمن فهو عون لكل من آمن به ، وهو اسم لم يسم به غيره . وأما الرحيم فهو لمن تاب وآمن وعمل صالحا .وقد فسره بعضهم على الحروف ; فروي عن عثمان بن عفان أنه سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن تفسير ( بسم الله الرحمن الرحيم ) فقال : أما الباء فبلاء الله وروحه ونضرته وبهاؤه وأما السين فسناء الله وأما الميم فملك الله وأما الله فلا إله غيره وأما الرحمن فالعاطف على البر والفاجر من خلقه وأما الرحيم فالرفيق بالمؤمنين خاصة . وروي عن كعب الأحبار أنه قال : الباء بهاؤه والسين سناؤه فلا شيء أعلى منه والميم ملكه وهو على كل شيء قدير فلا شيء يعازه . وقد قيل : إن كل حرف هو افتتاح اسم من أسمائه ; فالباء مفتاح اسمه " بصير " ، والسين مفتاح اسمه " سميع " ، والميم مفتاح اسمه " مليك " ، والألف مفتاح اسمه " الله " ، واللام مفتاح اسمه " لطيف " ، والهاء مفتاح اسمه هاد ، والراء مفتاح اسمه " رازق " ، والحاء مفتاح اسمه " حليم " ، والنون مفتاح اسمه " نور " ; ومعنى هذا كله دعاء الله تعالى عند افتتاح كل شيء .الثامنة والعشرون : واختلف في وصل ( الرحيم ) ب ( الحمد لله ) ; فروي عن أم سلمة عن النبي صلى الله عليه وسلم : ( الرحيم ألحمد ) يسكن الميم ويقف عليها ، ويبتدئ بألف مقطوعة . وقرأ به قوم من الكوفيين . وقرأ جمهور الناس : ( الرحيم الحمد ) تعرب الرحيم بالخفض وبوصل الألف من ( الحمد ) . وحكى الكسائي عن بعض العرب أنها تقرأ ( الرحيم الحمد ) ، بفتح الميم وصلة الألف ; كأنه سكنت الميم وقطعت الألف ثم ألقيت حركتها على الميم وحذفت . قال ابن عطية : ولم ترو هذه قراءة عن أحد فيما علمت . وهذا نظر يحيى بن زياد في قوله تعالى : الم الله .
اختلف أهل التأويل في الحروف التي في أوائل السورة ; فقال عامر الشعبي وسفيان الثوري وجماعة من المحدثين : هي سر الله في القرآن , ولله في كل كتاب من كتبه سر .فهي من المتشابه الذي انفرد الله تعالى بعلمه , ولا يجب أن يتكلم فيها , ولكن نؤمن بها ونقرأ كما جاءت .وروي هذا القول عن أبي بكر الصديق وعن علي بن أبي طالب رضي الله عنهما .وذكر أبو الليث السمرقندي عن عمر وعثمان وابن مسعود أنهم قالوا : الحروف المقطعة من المكتوم الذي لا يفسر .وقال أبو حاتم : لم نجد الحروف المقطعة في القرآن إلا في أوائل السور , ولا ندري ما أراد الله جل وعز بها .قلت : ومن هذا المعنى ما ذكره أبو بكر الأنباري : حدثنا الحسن بن الحباب حدثنا أبو بكر بن أبي طالب حدثنا أبو المنذر الواسطي عن مالك بن مغول عن سعيد بن مسروق عن الربيع بن خثيم قال : إن الله تعالى أنزل هذا القرآن فاستأثر منه بعلم ما شاء , وأطلعكم على ما شاء , فأما ما استأثر به لنفسه فلستم بنائليه فلا تسألوا عنه , وأما الذي أطلعكم عليه فهو الذي تسألون عنه وتخبرون به , وما بكل القرآن تعلمون , ولا بكل ما تعلمون تعملون .قال أبو بكر : فهذا يوضح أن حروفا من القرآن سترت معانيها عن جميع العالم , اختبارا من الله عز وجل وامتحانا ; فمن آمن بها أثيب وسعد , ومن كفر وشك أثم وبعد .حدثنا أبو يوسف بن يعقوب القاضي حدثنا محمد بن أبي بكر حدثنا عبد الرحمن بن مهدي عن سفيان عن الأعمش عن عمارة عن حريث بن ظهير عن عبد الله قال : ما آمن مؤمن أفضل من إيمان بغيب , ثم قرأ : " الذين يؤمنون بالغيب " [ البقرة : 3 ] .قلت : هذا القول في المتشابه وحكمه , وهو الصحيح على ما يأتي بيانه في ( آل عمران ) إن شاء الله تعالى .وقال جمع من العلماء كبير : بل يجب أن نتكلم فيها , ونلتمس الفوائد التي تحتها , والمعاني التي تتخرج عليها ; واختلفوا في ذلك على أقوال عديدة ; فروي عن ابن عباس وعلي أيضا أن الحروف المقطعة في القرآن اسم الله الأعظم , إلا أنا لا نعرف تأليفه منها .وقال قطرب والفراء وغيرهما : هي إشارة إلى حروف الهجاء أعلم الله بها العرب حين تحداهم بالقرآن أنه مؤتلف من حروف هي التي منها بناء كلامهم ; ليكون عجزهم عنه أبلغ في الحجة عليهم إذ لم يخرج عن كلامهم .قال قطرب : كانوا ينفرون عند استماع القرآن , فلما سمعوا : " الم " و " المص " استنكروا هذا اللفظ , فلما أنصتوا له صلى الله عليه وسلم أقبل عليهم بالقرآن المؤتلف ليثبته في أسماعهم وآذانهم ويقيم الحجة عليهم .وقال قوم : روي أن المشركين لما أعرضوا عن سماع القرآن بمكة وقالوا : " لا تسمعوا لهذا القرآن والغوا فيه " [ فصلت : 26 ] نزلت ليستغربوها فيفتحون لها أسماعهم فيسمعون القرآن بعدها فتجب عليهم الحجة .وقال جماعة : هي حروف دالة على أسماء أخذت منها وحذفت بقيتها ; كقول ابن عباس وغيره : الألف من الله , واللام من جبريل , والميم من محمد صلى الله عليه وسلم .وقيل : الألف مفتاح اسمه الله , واللام مفتاح اسمه لطيف , والميم مفتاح اسمه مجيد .وروى أبو الضحى عن ابن عباس في قوله : " الم " قال : أنا الله أعلم , " الر " أنا الله أرى , " المص " أنا الله أفضل .فالألف تؤدي عن معنى أنا , واللام تؤدي عن اسم الله , والميم تؤدي عن معنى أعلم .واختار هذا القول الزجاج وقال : أذهب إلى أن كل حرف منها يؤدي عن معنى ; وقد تكلمت العرب بالحروف المقطعة نظما لها ووضعا بدل الكلمات التي الحروف منها , كقوله : فقلت لها قفي فقالت قاف أراد : قالت وقفت .وقال زهير : بالخير خيرات وإن شرا فا ولا أريد الشر إلا أن تا أراد : وإن شرا فشر .وأراد : إلا أن تشاء .وقال آخر : نادوهم ألا الجموا ألا تا قالوا جميعا كلهم ألا فا أراد : ألا تركبون , قالوا : ألا فاركبوا .وفي الحديث : ( من أعان على قتل مسلم بشطر كلمة ) قال شقيق : هو أن يقول في اقتل : اق ; كما قال عليه السلام ( كفى بالسيف شا ) معناه : شافيا .وقال زيد بن أسلم : هي أسماء للسور .وقال الكلبي : هي أقسام أقسم الله تعالى بها لشرفها وفضلها , وهي من أسمائه ; عن ابن عباس أيضا ورد بعض العلماء هذا القول فقال : لا يصح أن يكون قسما لأن القسم معقود على حروف مثل : إن وقد ولقد وما ; ولم يوجد ها هنا حرف من هذه الحروف , فلا يجوز أن يكون يمينا .والجواب أن يقال : موضع القسم قوله تعالى : " لا ريب فيه " فلو أن إنسانا حلف فقال : والله هذا الكتاب لا ريب فيه ; لكان الكلام سديدا , وتكون " لا " جواب القسم .فثبت أن قول الكلبي وما روي عن ابن عباس سديد صحيح .فإن قيل : ما الحكمة في القسم من الله تعالى , وكان القوم في ذلك الزمان على صنفين : مصدق , ومكذب ; فالمصدق يصدق بغير قسم , والمكذب لا يصدق مع القسم ؟ .قيل له : القرآن نزل بلغة العرب ; والعرب إذا أراد بعضهم أن يؤكد كلامه أقسم على كلامه ; والله تعالى أراد أن يؤكد عليهم الحجة فأقسم أن القرآن من عنده .وقال بعضهم : " الم " أي أنزلت عليك هذا الكتاب من اللوح المحفوظ .وقال قتادة في قوله : " الم " قال اسم من أسماء القرآن .وروي عن محمد بن علي الترمذي أنه قال : إن الله تعالى أودع جميع ما في تلك السورة من الأحكام والقصص في الحروف التي ذكرها في أول السورة , ولا يعرف ذلك إلا نبي أو ولي , ثم بين ذلك في جميع السورة ليفقه الناس .وقيل غير هذا من الأقوال ; فالله أعلم .والوقف على هذه الحروف على السكون لنقصانها إلا إذا أخبرت عنها أو عطفتها فإنك تعربها .واختلف : هل لها محل من الإعراب ؟ فقيل : لا ; لأنها ليست أسماء متمكنة , ولا أفعالا مضارعة ; وإنما هي بمنزلة حروف التهجي فهي محكية .هذا مذهب الخليل وسيبويه .ومن قال : إنها أسماء السور فموضعها عنده الرفع على أنها عنده خبر ابتداء مضمر ; أي هذه " الم " ; كما تقول : هذه سورة البقرة .أو تكون رفعا على الابتداء والخبر ذلك ; كما تقول : زيد ذلك الرجل .وقال ابن كيسان النحوي : " الم " في موضع نصب ; كما تقول : اقرأ " الم " أو عليك " الم " .وقيل : في موضع خفض بالقسم ; لقول ابن عباس : إنها أقسام أقسم الله بها .
اللّٰهُ لَاۤ اِلٰهَ اِلَّا هُوَۙ-الْحَیُّ الْقَیُّوْمُؕ(۲)
اللہ ہے جس کے سوا کسی کی پوجا نہیں (ف۲) آپ زندہ اور ونکا قائم رکھنے والا،
قوله تعالى : الم الله لا إله إلا هو الحي القيومفيه خمس مسائل ( الأولى ) : قوله : الله لا إله إلا هو الحي القيوم هذه السورة مدنية بإجماع . وحكى النقاش أن اسمها في التوراة طيبة ، وقرأ الحسن وعمرو بن عبيد وعاصم بن أبي النجود وأبو جعفر الرؤاسي ( الم الله ) بقطع ألف الوصل ، على تقدير الوقف على ( الم ) كما يقدرون الوقف على أسماء الأعداد في نحو : واحد ، اثنان ، ثلاثة ، أربعة ، وهم واصلون . قال الأخفش سعيد : ويجوز ( الم الله ) بكسر الميم لالتقاء الساكنين . قال الزجاج : هذا خطأ ، ولا تقوله العرب لثقله . قال النحاس : القراءة الأولى قراءة العامة ، وقد تكلم فيها النحويون القدماء . فمذهب سيبويه أن الميم فتحت لالتقاء الساكنين ، واختاروا لها الفتح لئلا يجمع بين كسرة وياء وكسرة قبلها . وقال الكسائي : حروف التهجي إذا لقيتها ألف وصل فحذفت ألف الوصل حركتها بحركة الألف فقلت : الم الله ، والم اذكر ، والم اقتربت . وقال الفراء : الأصل ( الم الله ) كما قرأ الرؤاسي فألقيت حركة الهمزة على الميم . وقرأ عمر بن الخطاب ( الحي القيام ) . وقال خارجة : في مصحف عبد الله ( الحي القيم ) . وقد تقدم ما للعلماء من آراء في الحروف التي في أوائل السور في أول ( البقرة ) . ومن حيث جاء في هذه السورة : الله لا إله إلا هو الحي القيوم جملة قائمة بنفسها فتتصور تلك الأقوال كلها .( الثانية ) : روى الكسائي أن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - صلى العشاء فاستفتح ( آل عمران ) فقرأ ( الم الله لا إله إلا هو الحي القيام ) فقرأ في الركعة الأولى بمائة آية ، وفي الثانية بالمائة الباقية . قال علماؤنا : ولا يقرأ سورة في ركعتين ، فإن فعل أجزأه . وقال مالك في المجموعة : لا بأس به ، وما هو بالشأن .قلت : الصحيح جواز ذلك . وقد قرأ النبي - صلى الله عليه وسلم - بالأعراف في المغرب فرقها في ركعتين . خرجه النسائي أيضا ، وصححه أبو محمد عبد الحق ، وسيأتي .( الثالثة ) : هذه السورة ورد في فضلها آثار وأخبار فمن ذلك ما جاء أنها أمان من الحيات ، وكنز للصعلوك ، وأنها تحاج عن قارئها في الآخرة ، ويكتب لمن قرأ آخرها في ليلة كقيام ليلة ، إلى غير ذلك . ذكر الدارمي أبو محمد في مسنده حدثنا أبو عبيد القاسم بن سلام قال حدثني عبيد الله الأشجعي قال : حدثني مسعر قال حدثني جابر ، قبل أن يقع فيما وقع فيه ، عن الشعبي قال : قال عبد الله : ( نعم كنز الصعلوك سورة ( آل عمران ) يقوم بها في آخر الليل ) حدثنا محمد بن سعيد حدثنا عبد السلام عن الجريري عن أبي السليل قال : أصاب رجل دما قال : فأوى إلى وادي مجنة : واد لا يمشي فيه أحد إلا أصابته حية ، وعلى شفير الوادي راهبان ، فلما أمسى قال أحدهما لصاحبه : هلك والله الرجل ! قال : فافتتح سورة ( آل عمران ) قالا : فقرأ سورة طيبة لعله سينجو . قال : فأصبح سليما . وأسند عن مكحول قال : ( من قرأ سورة ( آل عمران ) يوم الجمعة صلت عليه الملائكة إلى الليل ) وأسند عن عثمان بن عفان قال : ( من قرأ آخر سورة ( آل عمران ) في ليلة كتب له قيام ليلة ) في طريقه ابن لهيعة . وخرج مسلم عن النواس بن سمعان الكلابي قال : سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول : يؤتى بالقرآن يوم القيامة وأهله الذين كانوا يعملون به تقدمه سورة البقرة وآل عمران ، وضرب لهما رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثلاثة أمثال ما نسيتهن بعد ، قال : كأنهما غمامتان أو ظلتان سوداوان بينهما شرق ، أو كأنهما حزقان من طير صواف تحاجان عن صاحبهما . وخرج أيضا عن أبي أمامة قال : سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : اقرءوا القرآن فإنه يأتي يوم القيامة شفيعا لأصحابه اقرءوا الزهراوين البقرة وسورة آل عمران فإنهما يأتيان يوم القيامة كأنهما غمامتان أو كأنهما غيايتان أو كأنهما فرقان من طير صواف تحاجان عن أصحابهما اقرءوا سورة البقرة فإن أخذها بركة وتركها حسرة ولا يستطيعها البطلة . قال معاوية : وبلغني أن البطلة السحرة .( الرابعة ) : للعلماء في تسمية ( البقرة وآل عمران ) بالزهراوين ثلاثة أقوال :الأول : إنهما النيرتان ، مأخوذ من الزهر والزهرة ; فإما لهدايتهما قارئهما بما يزهر له من أنوارهما ، أي من معانيهما ، وإما لما يترتب على قراءتهما من النور التام يوم القيامة ، وهو القول الثاني .الثالث : سميتا بذلك لأنهما اشتركتا فيما تضمنه اسم الله الأعظم ، كما ذكره أبو داود وغيره عن أسماء بنت يزيد أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : إن اسم الله الأعظم في هاتين الآيتين وإلهكم إله واحد لا إله إلا هو الرحمن الرحيم والتي في آل عمران الله لا إله إلا هو الحي القيوم أخرجه ابن ماجه أيضا . والغمام : السحاب الملتف ، وهو الغياية إذا كانت قريبا من الرأس ، وهي الظلة أيضا . والمعنى : إن قارئهما في ظل ثوابهما ، كما جاء ( الرجل في ظل صدقته ) . وقوله : ( تحاجان ) أي يخلق الله من يجادل عنه بثوابهما ملائكة كما جاء في بعض الحديث : ( إن من قرأ شهد الله أنه لا إله إلا هو . . . ) الآية ، خلق الله سبعين ملكا يستغفرون له إلى يوم القيامة . وقوله : ( بينهما شرق ) قيد بسكون الراء وفتحها وهو تنبيه على الضياء ; لأنه لما قال : ( سوداوان ) قد يتوهم أنهما مظلمتان ، فنفى ذلك بقوله : ( بينهما شرق ) . ويعني بكونهما سوداوان أي من كثافتهما التي بسببها حالتا بين من تحتهما وبين حرارة الشمس وشدة اللهب ، والله أعلم .( الخامسة ) : صدر هذه السورة نزل بسبب وفد نجران فيما ذكر محمد بن إسحاق عن محمد بن جعفر بن الزبير ، وكانوا نصارى وفدوا على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالمدينة في ستين راكبا ، فيهم من أشرافهم أربعة عشر رجلا ، في الأربعة عشر ثلاثة نفر إليهم يرجع أمرهم : العاقب أمير القوم وذو آرائهم واسمه عبد المسيح ، والسيد ثمالهم وصاحب مجتمعهم واسمه الأيهم ، وأبو حارثة بن علقمة أحد بكر بن وائل أسقفهم وعالمهم ، فدخلوا على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إثر صلاة العصر ، عليهم ثياب الحبرات جبب وأردية ، فقال أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - : ما رأينا وفدا مثلهم جمالا وجلالة . وحانت صلاتهم فقاموا فصلوا في مسجد النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى المشرق . فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : ( دعوهم ) . ثم أقاموا بها أياما يناظرون رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في عيسى ويزعمون أنه ابن الله ، إلى غير ذلك من أقوال شنيعة مضطربة ، ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - يرد عليهم بالبراهين الساطعة وهم لا يبصرون ، ونزل فيهم صدر هذه السورة إلى نيف وثمانين آية ، إلى أن آل أمرهم إلى أن دعاهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى المباهلة ، حسب ما هو مذكور في سيرة ابن إسحاق وغيره .
نَزَّلَ عَلَیْكَ الْكِتٰبَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِّمَا بَیْنَ یَدَیْهِ وَ اَنْزَلَ التَّوْرٰىةَ وَ الْاِنْجِیْلَۙ(۳)
اس نے تم پر یہ سچی کتاب اتاری اگلی کتابوں کی تصدیق فرماتی اور اس نے اس سے پہلے توریت اور انجیل اتاری،
قوله تعالى : نزل عليك الكتاب يعني القرآن بالحق أي بالصدق ، وقيل : بالحجة البالغة . والقرآن نزل نجوما : شيئا بعد شيء ، فلذلك قال ( نزل ) والتنزيل مرة بعد مرة . والتوراة والإنجيل نزلا دفعة واحدة فلذلك قال أنزل ، والباء في قوله ( بالحق ) في موضع الحال من الكتاب ، والباء متعلقة بمحذوف ، التقدير : آتيا بالحق ولا تتعلق ب نزل لأنه قد تعدى إلى مفعولين أحدهما بحرف جر ، ولا يتعدى إلى ثالث .ومصدقا حال مؤكدة غير منتقلة ; لأنه لا يمكن أن يكون غير مصدق ، أي غير موافق ; هذا قول الجمهور . وقدر فيه بعضهم الانتقال على معنى أنه مصدق لنفسه ومصدق لغيره .قوله تعالى : لما بين يديه يعني من الكتب المنزلة . والتوراة معناها الضياء والنور مشتقة من : ورى الزند ووري لغتان إذا خرجت ناره وأصلها تورية على وزن تفعلة ، التاء زائدة وتحركت الياء وقبلها فتحة فقلبت ألفا ، ويجوز أن تكون تفعلة فتنقل الراء من الكسر إلى الفتح كما قالوا في جارية جاراة وفي ناصية ناصاة كلاهما عن الفراء . وقال الخليل : أصلها فوعلة فالأصل وورية قلبت الواو الأولى تاء كما قلبت في تولج والأصل وولج فوعل من : ولجت ، وقلبت الياء ألفا لحركتها وانفتاح ما قبلها ، وبناء فوعلة أكثر من تفعلة . وقيل : التوراة مأخوذة من التورية ، وهي التعريض بالشيء والكتمان لغيره ، فكأن أكثر التوراة معاريض وتلويحات من غير تصريح وإيضاح ، هذا قول المؤرج . والجمهور على القول الأول لقوله تعالى : ولقد آتينا موسى وهارون الفرقان وضياء وذكرا للمتقين يعني التوراة . والإنجيل إفعيل من النجل وهو الأصل ، ويجمع على أناجيل وتوراة على توار . فالإنجيل أصل لعلوم وحكم . ويقال : لعن الله ناجليه ، يعني والديه ، إذ كانا أصله . وقيل : هو من نجلت الشيء إذا استخرجته ; فالإنجيل مستخرج به علوم وحكم ، ومنه سمي الولد والنسل نجلا لخروجه ، كما قال :إلى معشر لم يورث اللؤم جدهم أصاغرهم وكل فحل لهم نجلوالنجل الماء الذي يخرج من النز . واستنجلت الأرض ، وبها نجال إذا خرج منها الماء ، فسمي الإنجيل به ; لأن الله تعالى أخرج به دارسا من الحق عافيا . وقيل : هو من النجل في العين ( بالتحريك ) وهو سعتها ، وطعنة نجلاء أي واسعة ، قال :ربما ضربة بسيف صقيل بين بصرى وطعنة نجلاءفسمي الإنجيل بذلك ; لأنه أصل أخرجه لهم ووسعه عليهم ونورا وضياء . وقيل : التناجل التنازع ، وسمي إنجيلا لتنازع الناس فيه . وحكى شمر عن بعضهم : الإنجيل كل كتاب مكتوب وافر السطور . وقيل : نجل عمل وصنع ، قال :وأنجل في ذاك الصنيع كما نجلأي اعمل واصنع . وقيل : التوراة والإنجيل من اللغة السريانية . وقيل : الإنجيل بالسريانية إنكليون ، حكاه الثعلبي . قال الجوهري : الإنجيل كتاب عيسى - عليه السلام - يذكر ويؤنث ، فمن أنث أراد الصحيفة ، ومن ذكر أراد الكتاب . قال غيره : وقد يسمى القرآن إنجيلا أيضا ، كما روي في قصة مناجاة موسى - عليه السلام - أنه قال : ( يا رب أرى في الألواح أقواما أناجيلهم في صدورهم فاجعلهم أمتي ) ، فقال الله تعالى له : ( تلك أمة أحمد ) - صلى الله عليه وسلم - وإنما أراد بالأناجيل القرآن . وقرأ الحسن : ( والأنجيل ) بفتح الهمزة ، والباقون بالكسر مثل الإكليل ، لغتان . ويحتمل - إن سمع - أن يكون مما عربته العرب من الأسماء الأعجمية ، ولا مثال له في كلامها .
مِنْ قَبْلُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَ اَنْزَلَ الْفُرْقَانَ۬ؕ-اِنَّ الَّذِیْنَ كَفَرُوْا بِاٰیٰتِ اللّٰهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِیْدٌؕ-وَ اللّٰهُ عَزِیْزٌ ذُو انْتِقَامٍ(۴)
لوگوں کو راہ دکھاتی اور فیصلہ اتارا، بیشک وہ جو اللہ کی آیتوں سے منکر ہوئے (ف۳)ان کے لئے سخت عذاب ہے اور اللہ غالب بدلہ لینے والا ہے،
قوله تعالى : من قبل يعني القرآن هدى للناس قال ابن فورك : التقدير هدى للناس المتقين ، دليله في البقرة هدى للمتقين فرد هذا العام إلى ذلك الخاص . و ( هدى ) في موضع نصب على الحال . و الفرقان القرآن وقد تقدم .إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَاللَّهُ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ
اِنَّ اللّٰهَ لَا یَخْفٰى عَلَیْهِ شَیْءٌ فِی الْاَرْضِ وَ لَا فِی السَّمَآءِؕ(۵)
اللہ پر کچھ چھپا ہوا نہیں زمین میں نہ آسمان میں،
قوله تعالى : إن الله لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء هذا خبر عن علمه تعالى بالأشياء على التفصيل ، ومثله في القرآن كثير . فهو العالم بما كان وما يكون وما لا يكون ، فكيف يكون عيسى إلها أو ابن إله وهو تخفى عليه الأشياء .
هُوَ الَّذِیْ یُصَوِّرُكُمْ فِی الْاَرْحَامِ كَیْفَ یَشَآءُؕ-لَاۤ اِلٰهَ اِلَّا هُوَ الْعَزِیْزُ الْحَكِیْمُ(۶)
وہی ہے کہ تمہاری تصویر بناتا ہے ماؤں کے پیٹ میں جیسی چاہے (ف۴) اس کے سوا کسی کی عبادت نہیں عزت والا حکمت والا (ف۵)
قوله تعالى : هو الذي يصوركم في الأرحام كيف يشاء لا إله إلا هو العزيز الحكيم فيه مسألتان :الأولى : قوله تعالى : هو الذي يصوركم أخبر تعالى عن تصويره للبشر في أرحام الأمهات ، وأصل الرحم من الرحمة ؛ لأنها مما يتراحم به . واشتقاق الصورة من صاره إلى كذا إذا أماله ، فالصورة مائلة إلى شبه وهيئة . وهذه الآية تعظيم لله تعالى ، وفي ضمنها الرد على نصارى نجران ، وأن عيسى من المصورين ، وذلك مما لا ينكره عاقل . وأشار تعالى إلى شرح التصوير في سورة ( الحج ) و ( المؤمنون ) . وكذلك شرحه النبي - صلى الله عليه وسلم - في حديث ابن مسعود ، على ما يأتي هناك بيانه إن شاء الله تعالى . وفيها الرد على الطبائعيين أيضا إذ يجعلونها فاعلة مستبدة ، وقد مضى الرد عليهم في آية التوحيد . وفي مسند ابن سنجر - واسمه محمد بن سنجر - حديث : ( إن الله تعالى يخلق عظام الجنين وغضاريفه من مني الرجل وشحمه ولحمه من مني المرأة ) . وفي هذا أدل دليل على أن الولد يكون من ماء الرجل والمرأة ، وهو صريح في قوله تعالى : يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى . وفي صحيح مسلم من حديث ثوبان وفيه أن اليهودي قال للنبي - صلى الله عليه وسلم - : وجئت أسألك عن شيء لا يعلمه أحد من أهل الأرض إلا نبي أو رجل أو رجلان ، قال : ( ينفعك إن حدثتك ) ؟ قال : أسمع بأذني ، قال : جئتك أسألك عن الولد . فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : ( ماء الرجل أبيض وماء المرأة أصفر فإذا اجتمعا فعلا مني الرجل مني المرأة أذكرا بإذن الله تعالى ، وإذا علا مني المرأة مني الرجل آنثا بإذن الله . . . ) الحديث . وسيأتي بيانه آخر ( الشورى ) إن شاء الله تعالى .الثانية : قوله تعالى : كيف يشاء يعني من حسن وقبح وسواد وبياض وطول وقصر وسلامة وعاهة ، إلى غير ذلك من الشقاء والسعادة . وذكر عن إبراهيم بن أدهم أن القراء اجتمعوا إليه ليسمعوا ما عنده من الأحاديث ، فقال لهم : إني مشغول عنكم بأربعة أشياء ، فلا أتفرغ لرواية الحديث . فقيل له : وما ذاك الشغل ؟ قال : أحدها إني أتفكر في يوم الميثاق حيث قال : ( هؤلاء في الجنة ولا أبالي وهؤلاء في النار ولا أبالي ) فلا أدري من أي الفريقين كنت في ذلك الوقت ، والثاني حيث صورت في الرحم فقال الملك الذي هو موكل على الأرحام : ( يا رب شقي هو أم سعيد ) فلا أدري كيف كان الجواب في ذلك الوقت ، والثالث حين يقبض ملك الموت روحي فيقول : ( يا رب مع الكفر أم مع الإيمان ) فلا أدري كيف يخرج الجواب ، والرابع حيث يقول : وامتازوا اليوم أيها المجرمون فلا أدري في أي الفريقين أكون .ثم قال تعالى : لا إله إلا هو أي لا خالق ولا مصور سواه ، وذلك دليل على وحدانيته ، فكيف يكون عيسى إلها مصورا وهو مصور . العزيز الذي لا يغالب . الحكيم ذو الحكمة أو المحكم ، وهذا أخص بما ذكر من التصوير .
هُوَ الَّذِیْۤ اَنْزَلَ عَلَیْكَ الْكِتٰبَ مِنْهُ اٰیٰتٌ مُّحْكَمٰتٌ هُنَّ اُمُّ الْكِتٰبِ وَ اُخَرُ مُتَشٰبِهٰتٌؕ-فَاَمَّا الَّذِیْنَ فِیْ قُلُوْبِهِمْ زَیْغٌ فَیَتَّبِعُوْنَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَآءَ الْفِتْنَةِ وَ ابْتِغَآءَ تَاْوِیْلِهٖ ﳘ وَ مَا یَعْلَمُ تَاْوِیْلَهٗۤ اِلَّا اللّٰهُ ﳕ وَ الرّٰسِخُوْنَ فِی الْعِلْمِ یَقُوْلُوْنَ اٰمَنَّا بِهٖۙ-كُلٌّ مِّنْ عِنْدِ رَبِّنَاۚ-وَ مَا یَذَّكَّرُ اِلَّاۤ اُولُوا الْاَلْبَابِ(۷)
وہی ہے جس نے تم پر یہ کتاب اتاری اس کی کچھ آیتیں صاف معنی رکھتی ہیں (ف۶) وہ کتاب کی اصل ہیں (ف۷) اور دوسری وہ ہیں جن کے معنی میں اشتباہ ہے (ف۸) وہ جن کے دلوں میں کجی ہے (ف۹) وہ اشتباہ والی کے پیچھے پڑتے ہیں (ف۱۰) گمراہی چاہنے (ف۱۱) اور اس کا پہلو ڈھونڈنے کو (ف۱۲) اور اس کا ٹھیک پہلو اللہ ہی کو معلوم ہے (ف۱۳) اور پختہ علم والے (ف۱۴) کہتے ہیں ہم اس پر ایمان لائے (ف۱۵) سب ہمارے رب کے پاس سے ہے (ف۱۶) اور نصیحت نہیں مانتے مگر عقل والے (ف۱۷)
قوله : هو الذي أنزل عليك الكتاب منه آيات محكمات هن أم الكتاب وأخر متشابهات هو الذي يصوركم في الأرحام كيف يشاء لا إله إلا هو العزيز الحكيمفيه تسع مسائل :الأولى : خرج مسلم عن عائشة - رضي الله عنها - قالت : تلا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - هو الذي أنزل عليك الكتاب منه آيات محكمات هن أم الكتاب وأخر متشابهات فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله وما يعلم تأويله إلا الله والراسخون في العلم يقولون آمنا به كل من عند ربنا وما يذكر إلا أولو الألباب قالت : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : إذا رأيتم الذين يتبعون ما تشابه منه فأولئك الذين سماهم الله فاحذروهم . وعن أبي غالب قال : كنت أمشي مع أبي أمامة وهو على حمار له ، حتى إذا انتهى إلى درج مسجد دمشق فإذا رءوس منصوبة ، فقال : ما هذه الرءوس ؟ قيل : هذه رءوس خوارج يجاء بهم من العراق فقال أبو أمامة : ( كلاب النار ، كلاب النار ، كلاب النار ، شر قتلى تحت ظل السماء ، طوبى لمن قتلهم وقتلوه - يقولها ثلاثا - ثم بكى ) فقلت : ما يبكيك يا أبا أمامة ؟ قال : رحمة لهم ( إنهم كانوا من أهل الإسلام فخرجوا منه ، ثم قرأ هو الذي أنزل عليك الكتاب منه آيات محكمات . . . " إلى آخر الآيات . ثم قرأ ولا تكونوا كالذين تفرقوا واختلفوا من بعد ما جاءهم البينات . فقلت : يا أبا أمامة هم هؤلاء ؟ قال نعم . قلت : أشيء تقوله برأيك أم شيء سمعته من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ؟ فقال : إني إذا لجريء إني إذا لجريء بل سمعته من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - غير مرة ولا مرتين ولا ثلاث ولا أربع ولا خمس ولا ست ولا سبع ، ووضع أصبعيه في أذنيه ، قال : وإلا فصمتا - قالها ثلاثا - ) ثم قال : سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : تفرقت بنو إسرائيل على إحدى وسبعين فرقة واحدة في الجنة وسائرهم في النار ، ولتزيدن عليهم هذه الأمة واحدة واحدة في الجنة وسائرهم في النار .الثانية : اختلف العلماء في المحكمات والمتشابهات على أقوال عديدة ; فقال جابر بن عبد الله - وهو مقتضى قول الشعبي وسفيان الثوري وغيرهما - : ( المحكمات من آي القرآن ما عرف تأويله وفهم معناه وتفسيره ، والمتشابه ما لم يكن لأحد إلى علمه سبيل مما استأثر الله تعالى بعلمه دون خلقه . قال بعضهم : وذلك مثل وقت قيام الساعة ، وخروج يأجوج ومأجوج والدجال وعيسى ، ونحو الحروف المقطعة في أوائل السور )قلت : هذا أحسن ما قيل في المتشابه . وقد قدمنا في أوائل سورة البقرة عن الربيع بن خثيم ( إن الله تعالى أنزل هذا القرآن فاستأثر منه بعلم ما شاء . . . ) الحديث . وقال أبو عثمان : المحكم فاتحة الكتاب التي لا تجزئ الصلاة إلا بها . وقال محمد بن الفضل : سورة الإخلاص ؛ لأنه ليس فيها إلا التوحيد فقط . وقد قيل : القرآن كله محكم ؛ لقوله تعالى : كتاب أحكمت آياته . وقيل : كله متشابه ; لقوله : كتابا متشابها .قلت : وليس هذا من معنى الآية في شيء ، فإن قوله تعالى : كتاب أحكمت آياته أي في النظم والرصف وأنه حق من عند الله ، ومعنى كتابا متشابها أي يشبه بعضه بعضا ويصدق بعضه بعضا . وليس المراد بقوله : آيات محكمات هن أم الكتاب وأخر متشابهات هذا المعنى ، وإنما المتشابه في هذه الآية من باب الاحتمال والاشتباه من قوله : إن البقر تشابه علينا أي التبس علينا ، أي يحتمل أنواعا كثيرة من البقر . والمراد بالمحكم ما في مقابلة هذا ، وهو ما لا التباس فيه ولا يحتمل إلا وجها واحدا . وقيل : إن المتشابه ما يحتمل وجوها ، ثم إذا ردت الوجوه إلى وجه واحد وأبطل الباقي صار المتشابه محكما . فالمحكم أبدا أصل ترد إليه الفروع ، والمتشابه هو الفرع . وقال ابن عباس : ( المحكمات هو قوله في سورة الأنعام قل تعالوا أتل ما حرم ربكم عليكم إلى ثلاث آيات ، وقوله في بني إسرائيل : وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانا قال ابن عطية : وهذا عندي مثال أعطاه في المحكمات . وقال ابن عباس أيضا : ( المحكمات ناسخه وحرامه وفرائضه وما يؤمن به ويعمل به ، والمتشابهات المنسوخات ومقدمه ومؤخره وأمثاله وأقسامه وما يؤمن به ولا يعمل به ) وقال ابن مسعود وغيره : ( المحكمات الناسخات ، والمتشابهات المنسوخات ) وقاله قتادة والربيع والضحاك . وقال محمد بن جعفر بن الزبير : المحكمات هي التي فيها حجة الرب وعصمة العباد ودفع الخصوم والباطل ، ليس لها تصريف ولا تحريف عما وضعن عليه . والمتشابهات لهن تصريف وتحريف وتأويل ، ابتلى الله فيهن العباد ، وقاله مجاهد وابن إسحاق . قال ابن عطية : وهذا أحسن الأقوال في هذه الآية . قال النحاس : أحسن ما قيل في المحكمات والمتشابهات : أن المحكمات ما كان قائما بنفسه لا يحتاج أن يرجع فيه إلى غيره نحو لم يكن له كفوا أحد وإني لغفار لمن تاب . والمتشابهات نحو إن الله يغفر الذنوب جميعا يرجع فيه إلى قوله جل وعلا : وإني لغفار لمن تاب وإلى قوله عز وجل : إن الله لا يغفر أن يشرك به .قلت : ما قاله النحاس يبين ما اختاره ابن عطية ، وهو الجاري على وضع اللسان ؛ وذلك أن المحكم اسم مفعول من أحكم ، والإحكام الإتقان ، ولا شك في أن ما كان واضح المعنى - لا إشكال فيه ولا تردد - إنما يكون كذلك لوضوح مفردات كلماته وإتقان تركيبها ، ومتى اختل أحد الأمرين جاء التشابه والإشكال ، والله أعلم . وقال ابن خويزمنداد : للمتشابه وجوه ، والذي يتعلق به الحكم ما اختلف فيه العلماء : أي الآيتين نسخت الأخرى كقول علي وابن عباس في الحامل المتوفى عنها زوجها ( تعتد أقصى الأجلين ) فكان عمر وزيد بن ثابت وابن مسعود وغيرهم يقولون ( وضع الحمل ) ويقولون : ( سورة النساء القصرى نسخت أربعة أشهر وعشرا ) وكان علي وابن عباس يقولان لم تنسخ . وكاختلافهم في الوصية للوارث هل نسخت أم لم تنسخ . وكتعارض الآيتين أيهما أولى أن تقدم إذا لم يعرف النسخ ولم توجد شرائطه ، كقوله تعالى : وأحل لكم ما وراء ذلكم يقتضي الجمع بين الأقارب من ملك اليمين ، وقوله تعالى : وأن تجمعوا بين الأختين إلا ما قد سلف يمنع ذلك . ومنه أيضا تعارض الأخبار عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وتعارض الأقيسة ، فذلك المتشابه . وليس من المتشابه أن تقرأ الآية بقراءتين ويكون الاسم محتملا أو مجملا يحتاج إلى تفسير ؛ لأن الواجب منه قدر ما يتناول الاسم أو جميعه . والقراءتان كالآيتين يجب العمل بموجبهما جميعا كما قرئ : وامسحوا برؤوسكم وأرجلكم بالفتح والكسر ، على ما يأتي بيانه " في المائدة " إن شاء الله تعالى .الثالثة : روى البخاري عن سعيد بن جبير قال : قال رجل لابن عباس : إني أجد في القرآن أشياء تختلف علي ، قال : ما هو ؟ قال : فلا أنساب بينهم يومئذ ولا يتساءلون وقال : وأقبل بعضهم على بعض يتساءلون وقال : ولا يكتمون الله حديثا وقال : والله ربنا ما كنا مشركين فقد كتموا في هذه الآية ، وفي النازعات أم السماء بناها إلى قوله دحاها فذكر خلق السماء قبل خلق الأرض ، ثم قال : أئنكم لتكفرون بالذي خلق الأرض في يومين . . . إلى : طائعين فذكر في هذا خلق الأرض قبل خلق السماء . وقال : وكان الله غفورا رحيما وكان الله عزيزا حكيما . وكان الله سميعا بصيرا فكأنه كان ثم مضى . فقال ابن عباس : ( فلا أنساب بينهم في النفخة الأولى ، ثم ينفخ في الصور فصعق من في السماوات ومن في الأرض إلا من شاء الله ، فلا أنساب بينهم عند ذلك ولا يتساءلون ، ثم في النفخة الآخرة أقبل بعضهم على بعض يتساءلون . وأما قوله : ما كنا مشركين ولا يكتمون الله حديثا فإن الله يغفر لأهل الإخلاص ذنوبهم ، وقال المشركون : تعالوا نقول : لم نكن مشركين ; فختم الله على أفواههم فتنطق جوارحهم بأعمالهم ، فعند ذلك عرف أن الله لا يكتم حديثا ، وعنده يود الذين كفروا لو كانوا مسلمين . وخلق الله الأرض في يومين ، ثم استوى إلى السماء فسواهن سبع سماوات في يومين ، ثم دحا الأرض أي بسطها فأخرج منها الماء والمرعى ، وخلق فيها الجبال والأشجار والآكام وما بينها في يومين آخرين ; فذلك قوله : والأرض بعد ذلك دحاها . فخلقت الأرض وما فيها في أربعة أيام ، وخلقت السماء في يومين . وقوله : وكان الله غفورا رحيما يعني نفسه ذلك ، أي لم يزل ولا يزال كذلك ; فإن الله لم يرد شيئا إلا أصاب به الذي أراد . ويحك فلا يختلف عليك القرآن ؛ فإن كلا من عند الله )الرابعة : قوله تعالى : وأخر متشابهات لم تصرف ( أخر ) لأنها عدلت عن الألف واللام ; لأن أصلها أن تكون صفة بالألف واللام كالكبر والصغر ، فلما عدلت عن مجرى الألف واللام منعت الصرف . أبو عبيد : لم يصرفوها لأن واحدها لا ينصرف في معرفة ولا نكرة . وأنكر ذلك المبرد وقال : يجب على هذا ألا ينصرف غضاب وعطاش . الكسائي : لم تنصرف لأنها صفة ، وأنكره المبرد أيضا وقال : إن لبدا وحطما صفتان وهما منصرفان . سيبويه : لا يجوز أن تكون أخر معدولة عن الألف واللام ; لأنها لو كانت معدولة عن الألف واللام لكان معرفة ، ألا ترى أن سحر معرفة في جميع الأقاويل لما كانت معدولة عن السحر ، وأمس في قول من قال : ذهب أمس معدولا عن الأمس ; فلو كان أخر معدولا أيضا عن الألف واللام لكان معرفة ، وقد وصفه الله تعالى بالنكرة .الخامسة : قوله تعالى : فأما الذين في قلوبهم زيغ الذين رفع بالابتداء ، والخبر فيتبعون ما تشابه منه ، والزيغ الميل ، ومنه زاغت الشمس ، وزاغت الأبصار . ويقال : زاغ يزيغ زيغا إذا ترك القصد ، ومنه قوله تعالى : فلما زاغوا أزاغ الله قلوبهم . وهذه الآية تعم كل طائفة من كافر وزنديق وجاهل وصاحب بدعة ، وإن كانت الإشارة بها في ذلك الوقت إلى نصارى نجران . وقال قتادة في تفسير قوله تعالى : فأما الذين في قلوبهم زيغ : إن لم يكونوا الحرورية وأنواع الخوارج فلا أدري من هم .قلت : قد مر هذا التفسير عن أبي أمامة مرفوعا ، وحسبك .السادسة قوله تعالى : فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله قال شيخنا أبو العباس رحمة الله عليه : متبعو المتشابه لا يخلو أن يتبعوه ويجمعوه طلبا للتشكيك في القرآن وإضلال العوام ، كما فعلته الزنادقة والقرامطة الطاعنون في القرآن ، أو طلبا لاعتقاد ظواهر المتشابه ، كما فعلته المجسمة الذين جمعوا ما في الكتاب والسنة مما ظاهره الجسمية حتى اعتقدوا أن البارئ تعالى جسم مجسم وصورة مصورة ذات وجه وعين ويد وجنب ورجل وأصبع ، تعالى الله عن ذلك ، أو يتبعوه على جهة إبداء تأويلاتها وإيضاح معانيها ، أو كما فعل صبيغ حين أكثر على عمر فيه السؤال . فهذه أربعة أقسام : ( الأول ) لا شك في كفرهم ، وأن حكم الله فيهم القتل من غير استتابة . ( الثاني ) الصحيح : القول بتكفيرهم ، إذ لا فرق بينهم وبين عباد الأصنام والصور ، ويستتابون فإن تابوا وإلا قتلوا كما يفعل بمن ارتد . ( الثالث ) اختلفوا في جواز ذلك بناءا على الخلاف في جواز تأويلها . وقد عرف أن مذهب السلف ترك التعرض لتأويلها مع قطعهم باستحالة ظواهرها ، فيقولون أمروها كما جاءت . وذهب بعضهم إلى إبداء تأويلاتها وحملها على ما يصح حمله في اللسان عليها من غير قطع بتعيين مجمل منها .( الرابع ) الحكم فيه الأدب البليغ ، كما فعله عمر بصبيغ . وقال أبو بكر الأنباري : وقد كان الأئمة من السلف يعاقبون من يسأل عن تفسير الحروف المشكلات في القرآن ؛ لأن السائل إن كان يبغي بسؤاله تخليد البدعة وإثارة الفتنة فهو حقيق بالنكير وأعظم التعزير ، وإن لم يكن ذلك مقصده فقد استحق العتب بما اجترم من الذنب ، إذ أوجد للمنافقين الملحدين في ذلك الوقت سبيلا إلى أن يقصدوا ضعفة المسلمين بالتشكيك والتضليل في تحريف القرآن عن مناهج التنزيل وحقائق التأويل . فمن ذلك ما حدثنا إسماعيل بن إسحاق القاضي أنبأنا سليمان بن حرب عن حماد بن زيد عن يزيد بن حازم عن سليمان بن يسار أن صبيغ بن عسل قدم المدينة فجعل يسأل عن متشابه القرآن وعن أشياء ، فبلغ ذلك عمر - رضي الله عنه - فبعث إليه عمر فأحضره وقد أعد له عراجين من عراجين النخل . فلما حضر قال له عمر : من أنت ؟ قال : أنا عبد الله صبيغ . فقال عمر - رضي الله عنه - : وأنا عبد الله عمر ، ثم قام إليه فضرب رأسه بعرجون فشجه ، ثم تابع ضربه حتى سال دمه على وجهه ، فقال : حسبك يا أمير المؤمنين فقد والله ذهب ما كنت أجد في رأسي . وقد اختلفت الروايات في أدبه ، وسيأتي ذكرها في ( الذاريات ) . ثم إن الله تعالى ألهمه التوبة وقذفها في قلبه فتاب وحسنت توبته .ومعنى ابتغاء الفتنة طلب الشبهات واللبس على المؤمنين حتى يفسدوا ذات بينهم ، ويردوا الناس إلى زيغهم .وقال أبو إسحاق الزجاج : معنى وابتغاء تأويله أنهم طلبوا تأويل بعثهم وإحيائهم ، فأعلم الله جل وعز أن تأويل ذلك ووقته لا يعلمه إلا الله . قال : والدليل على ذلك قوله تعالى : هل ينظرون إلا تأويله يوم يأتي تأويله أي يوم يرون ما يوعدون من البعث والنشور والعذاب يقول الذين نسوه من قبل أي تركوه - قد جاءت رسل ربنا بالحق أي قد رأينا تأويل ما أنبأتنا به الرسل . قال : فالوقف على قوله تعالى : وما يعلم تأويله إلا الله أي لا يعلم أحد متى البعث إلا الله .السابعة : وما يعلم تأويله إلا الله يقال : إن جماعة من اليهود منهم حيي بن أخطب دخلوا على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقالوا : بلغنا أنه نزل عليك الم فإن كنت صادقا في مقالتك فإن ملك أمتك يكون إحدى وسبعين سنة ; لأن الألف في حساب الجمل واحد ، واللام ثلاثون ، والميم أربعون ، فنزل وما يعلم تأويله إلا الله . والتأويل يكون بمعنى التفسير ، كقولك : تأويل هذه الكلمة على كذا . ويكون بمعنى ما يئول الأمر إليه . واشتقاقه من آل الأمر إلى كذا يئول إليه ، أي صار . وأولته تأويلا أي صيرته . وقد حده بعض الفقهاء فقالوا : هو إبداء احتمال في اللفظ مقصود بدليل خارج عنه . فالتفسير بيان اللفظ ، كقوله لا ريب فيه أي لا شك . وأصله من الفسر وهو البيان ، يقال : فسرت الشيء ( مخففا ) أفسره ( بالكسر ) فسرا . والتأويل بيان المعنى ، كقوله لا شك فيه عند المؤمنين أو لأنه حق في نفسه فلا يقبل ذاته الشك وإنما الشك وصف الشاك . وكقول ابن عباس في الجد أبا لأنه تأول قول الله عز وجل : يابني آدم .الثامنة قوله تعالى : والراسخون في العلم اختلف العلماء في والراسخون في العلم هل هو ابتداء كلام مقطوع مما قبله ، أو هو معطوف على ما قبله فتكون الواو للجمع . فالذي عليه الأكثر أنه مقطوع مما قبله ، وأن الكلام تم عند قوله إلا الله هذا قول ابن عمر وابن عباس وعائشة وعروة بن الزبير وعمر بن عبد العزيز وغيرهم ، وهو مذهب الكسائي والأخفش والفراء وأبي عبيد وغيرهم . قال أبو نهيك الأسدي : إنكم تصلون هذه الآية وإنها مقطوعة . وما انتهى علم الراسخين إلا إلى قولهم آمنا به كل من عند ربنا . وقال مثل هذا عمر بن عبد العزيز ، وحكى الطبري نحوه عن يونس عن أشهب عن مالك بن أنس . و ( يقولون ) على هذا خبر ( الراسخون ) . قال الخطابي : وقد جعل الله تعالى آيات كتابه الذي أمرنا بالإيمان به والتصديق بما فيه قسمين : محكما ومتشابها ، فقال عز من قائل : هو الذي أنزل عليك الكتاب منه آيات محكمات هن أم الكتاب وأخر متشابهات . . . إلى قوله : كل من عند ربنا فاعلم أن المتشابه من الكتاب قد استأثر الله بعلمه ، فلا يعلم تأويله أحد غيره ، ثم أثنى الله عز وجل على الراسخين في العلم بأنهم يقولون آمنا به . ولولا صحة الإيمان منهم لم يستحقوا الثناء عليه . ومذهب أكثر العلماء أن الوقف التام في هذه الآية إنما هو عند قوله تعالى : وما يعلم تأويله إلا الله وأن ما بعده استئناف كلام آخر ، وهو قوله والراسخون في العلم يقولون آمنا به . وروي ذلك عن ابن مسعود وأبي بن كعب وابن عباس وعائشة . وإنما روي عن مجاهد أنه نسق الراسخون على ما قبله وزعم أنهم يعلمونه . واحتج له بعض أهل اللغة فقال : معناه والراسخون في العلم يعلمونه قائلين آمنا ، وزعم أن موضع يقولون نصب على الحال . وعامة أهل اللغة ينكرونه ويستبعدونه ; لأن العرب لا تضمر الفعل والمفعول معا ، ولا تذكر حالا إلا مع ظهور الفعل ، فإذا لم يظهر فعل فلا يكون حال . ولو جاز ذلك لجاز أن يقال : عبد الله راكبا ، بمعنى أقبل عبد الله راكبا ; وإنما يجوز ذلك مع ذكر الفعل كقوله : عبد الله يتكلم يصلح بين الناس ، فكان ( يصلح ) حالا ، كقول الشاعر - أنشدنيه أبو عمر قال أنشدنا أبو العباس ثعلب - :أرسلت فيها قطما لكالكا يقصر يمشي ويطول باركاأي يقصر ماشيا ، فكان قول عامة العلماء مع مساعدة مذاهب النحويين له أولى من قول مجاهد وحده . وأيضا فإنه لا يجوز أن ينفي الله سبحانه شيئا عن الخلق ويثبته لنفسه ثم يكون له في ذلك شريك . ألا ترى قوله عز وجل : قل لا يعلم من في السماوات والأرض الغيب إلا الله وقوله : لا يجليها لوقتها إلا هو وقوله : كل شيء هالك إلا وجهه فكان هذا كله مما استأثر الله سبحانه بعلمه لا يشركه فيه غيره . وكذلك قوله تبارك وتعالى : وما يعلم تأويله إلا الله . ولو كانت الواو في قوله : والراسخون للنسق لم يكن لقوله : كل من عند ربنا فائدة ، والله أعلم .قلت : ما حكاه الخطابي من أنه لم يقل بقول مجاهد غيره فقد روي عن ابن عباس أن الراسخين معطوف على اسم الله عز وجل ، وأنهم داخلون في علم المتشابه ، وأنهم مع علمهم به يقولون آمنا به . وقال الربيع ومحمد بن جعفر بن الزبير والقاسم بن محمد وغيرهم : و يقولون على هذا التأويل نصب على الحال من الراسخين ، كما قال :الريح تبكي شجوها والبرق يلمع في الغمامهوهذا البيت يحتمل المعنيين ; فيجوز أن يكون ( والبرق ) مبتدأ ، والخبر ( يلمع ) على التأويل الأول ، فيكون مقطوعا مما قبله ، ويجوز أن يكون معطوفا على الريح ، و ( يلمع ) في موضع الحال على التأويل الثاني أي لامعا . واحتج قائلو هذه المقالة أيضا بأن الله سبحانه مدحهم بالرسوخ في العلم ، فكيف يمدحهم وهم جهال وقد قال ابن عباس : ( أنا ممن يعلم تأويله ) وقرأ مجاهد هذه الآية وقال : أنا ممن يعلم تأويله ، حكاه عنه إمام الحرمين أبو المعالي .قلت : وقد رد بعض العلماء هذا القول إلى القول الأول فقال : وتقدير تمام الكلام ( عند الله ) أن معناه وما يعلم تأويله إلا الله يعني تأويل المتشابهات ، والراسخون في العلم يعلمون بعضه قائلين آمنا به كل من عند ربنا بما نصب من الدلائل في المحكم ومكن من رده إليه . فإذا علموا تأويل بعضه ولم يعلموا البعض قالوا آمنا بالجميع كل من عند ربنا ، وما لم يحط به علمنا من الخفايا مما في شرعه الصالح فعلمه عند ربنا . فإن قال قائل : قد أشكل على الراسخين بعض تفسيره حتى قال ابن عباس : ( لا أدري ما الأواه ولا ما غسلين ) قيل له : هذا لا يلزم ; لأن ابن عباس قد علم بعد ذلك ففسر ما وقف عليه . وجواب أقطع من هذا وهو أنه سبحانه لم يقل : وكل راسخ فيجب هذا ، فإذا لم يعلمه أحد علمه الآخر . ورجح ابن فورك أن الراسخين يعلمون التأويل وأطنب في ذلك . وفي قوله عليه السلام لابن عباس : اللهم فقهه في الدين وعلمه التأويل ما يبين لك ذلك ، أي علمه معاني كتابك .والوقف على هذا يكون عند قوله والراسخون في العلم . قال شيخنا أبو العباس أحمد بن عمر : وهو الصحيح ; فإن تسميتهم راسخين يقتضي أنهم يعلمون أكثر من المحكم الذي يستوي في علمه جميع من يفهم كلام العرب . وفي أي شيء هو رسوخهم إذا لم يعلموا إلا ما يعلم الجميع .لكن المتشابه يتنوع ، فمنه ما لا يعلم البتة كأمر الروح والساعة مما استأثر الله بغيبه ، وهذا لا يتعاطى علمه أحد لا ابن عباس ولا غيره . فمن قال من العلماء الحذاق بأن الراسخين لا يعلمون علم المتشابه فإنما أراد هذا النوع ، وأما ما يمكن حمله على وجوه في اللغة ومناح في كلام العرب فيتأول ويعلم تأويله المستقيم ، ويزال ما فيه مما عسى أن يتعلق من تأويل غير مستقيم ، كقوله في عيسى : وروح منه إلى غير ذلك فلا يسمى أحد راسخا إلا أن يعلم من هذا النوع كثيرا بحسب ما قدر له .وأما من يقول : إن المتشابه هو المنسوخ فيستقيم على قوله إدخال الراسخين في علم التأويل ، لكن تخصيصه المتشابهات بهذا النوع غير صحيح .والرسوخ : الثبوت في الشيء ، وكل ثابت راسخ . وأصله في الأجرام أن يرسخ الجبل والشجر في الأرض ، قال الشاعر :لقد رسخت في الصدر مني مودة لليلى أبت آياتها أن تغيراورسخ الإيمان في قلب فلان يرسخ رسوخا . وحكى بعضهم : رسخ الغدير : نضب ماؤه ، حكاه ابن فارس فهو من الأضداد . ورسخ ورضخ ورصن ورسب كله ثبت فيه . وسئل النبي - صلى الله عليه وسلم - عن الراسخين في العلم فقال : هو من برت يمينه وصدق لسانه واستقام قلبه . فإن قيل : كيف كان في القرآن متشابه والله يقول : وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم فكيف لم يجعله كله واضحا ؟ قيل له : الحكمة في ذلك - والله أعلم - أن يظهر فضل العلماء ; لأنه لو كان كله واضحا لم يظهر فضل بعضهم على بعض . وهكذا يفعل من يصنف تصنيفا يجعل بعضه واضحا وبعضه مشكلا ، ويترك للجثوة موضعا ; لأن ما هان وجوده قل بهاؤه ، والله أعلم .التاسعة : قوله تعالى : كل من عند ربنا فيه ضمير عائد على كتاب الله تعالى محكمه ومتشابهه ; والتقدير : كله من عند ربنا . وحذف الضمير لدلالة ( كل ) عليه ; إذ هي لفظة تقتضي الإضافة . ثم قال : وما يذكر إلا أولو الألباب أي ما يقول هذا ويؤمن ويقف حيث وقف ويدع اتباع المتشابه إلا ذو لب ، وهو العقل . ولب كل شيء خالصه ; فلذلك قيل للعقل لب . و أولو جمع ذو .
رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوْبَنَا بَعْدَ اِذْ هَدَیْتَنَا وَ هَبْ لَنَا مِنْ لَّدُنْكَ رَحْمَةًۚ-اِنَّكَ اَنْتَ الْوَهَّابُ(۸)
اے رب ہمارے دل ٹیڑھے نہ کر بعد اس کے کہ تو نے ہمیں ہدایت دی اور ہمیں اپنے پاس سے رحمت عطا کر بیشک تو ہے بڑا دینے والا،
قوله تعالى : ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب فيه مسألتانالأولى : قوله تعالى : ربنا لا تزغ قلوبنا في الكلام حذف تقديره يقولون . وهذا حكاية عن الراسخين . ويجوز أن يكون المعنى قل يا محمد ، ويقال : إزاغة القلب فساد وميل عن الدين ، أفكانوا يخافون وقد هدوا أن ينقلهم الله إلى الفساد ؟ فالجواب أن يكونوا سألوا إذ هداهم الله ألا يبتليهم بما يثقل عليهم من الأعمال فيعجزوا عنه ; نحو ولو أنا كتبنا عليهم أن اقتلوا أنفسكم أو اخرجوا من دياركم . . . . قال ابن كيسان : سألوا ألا يزيغوا فيزيغ الله قلوبهم ; نحو فلما زاغوا أزاغ الله قلوبهم . . . ; أي ثبتنا على هدايتك إذ هديتنا وألا نزيغ فنستحق أن تزيغ قلوبنا . وقيل : هو منقطع مما قبل ; وذلك أنه تعالى لما ذكر أهل الزيغ . عقب ذلك بأن علم عباده الدعاء إليه في ألا يكونوا من الطائفة الذميمة التي ذكرت وهي أهل الزيغ .وفي الموطأ عن أبي عبد الله الصنابحي أنه قال : قدمت المدينة في خلافة أبي بكر الصديق فصليت وراءه المغرب ، فقرأ في الركعتين الأوليين بأم القرآن وسورة من قصار المفصل ، ثم قام في الثالثة ، فدنوت منه حتى إن ثيابي لتكاد تمس ثيابه ، فسمعته يقرأ بأم القرآن وهذه الآية ربنا لا تزغ قلوبنا الآية . قال العلماء : قراءته بهذه الآية ضرب من القنوت والدعاء لما كان فيه من أمر أهل الردة . والقنوت جائز في المغرب عند جماعة من أهل العلم ، وفي كل صلاة أيضا إذا دهم المسلمين أمر عظيم يفزعهم ويخافون منه على أنفسهم .وروى الترمذي من حديث شهر بن حوشب قال : قلت لأم سلمة : يا أم المؤمنين ، ما كان أكثر دعاء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا كان عندك ؟ قالت : كان أكثر دعائه ( يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك ) . فقلت : يا رسول الله ، ما أكثر دعاءك يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك قال : يا أم سلمة إنه ليس آدمي إلا وقلبه بين أصبعين من أصابع الله فمن شاء أقام ومن شاء أزاغ . فتلا معاذ ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا . قال : حديث حسن . وهذه الآية حجة على المعتزلة في قولهم : إن الله لا يضل العباد . ولو لم تكن الإزاغة من قبله لما جاز أن يدعى في دفع ما لا يجوز عليه فعله . وقرأ أبو واقد الجراح " لا تزغ قلوبنا " بإسناد الفعل إلى القلوب ، وهذه رغبة إلى الله تعالى . ومعنى الآية على القراءتين ألا يكون منك خلق الزيغ فيها فتزيغ .الثانية : قوله تعالى : وهب لنا من لدنك رحمة أي من عندك ومن قبلك تفضلا لا عن سبب منا ولا عمل . وفي هذا استسلام وتطارح . وفي " لدن " أربع لغات : لدن بفتح اللام وضم الدال وجزم النون ، وهي أفصحها ، وبفتح اللام وضم الدال وحذف النون ; وبضم اللام وجزم الدال وفتح النون ; وبفتح اللام وسكون الدال وفتح النون .ولعل جهال المتصوفة وزنادقة الباطنية يتشبثون بهذه الآية وأمثالها فيقولون : العلم ما وهبه الله ابتداء من غير كسب ، والنظر في الكتب والأوراق حجاب . وهذا مردود على ما يأتي بيانه في هذا الموضع .ومعنى الآية : هب لنا نعيما صادرا عن الرحمة ; لأن الرحمة راجعة إلى صفة الذات فلا يتصور فيها الهبة يقال وهب يهب ; والأصل يوهب بكسر الهاء . ومن قال : الأصل يوهب بفتح الهاء فقد أخطأ لأنه لو كان كما قال لم تحذف الواو كما لم تحذف في يوجل وإنما حذفت الواو لوقوعها بين ياء وكسرة ثم فتح بعد حذفها لأن فيه حرفا من حروف الحلق .
رَبَّنَاۤ اِنَّكَ جَامِعُ النَّاسِ لِیَوْمٍ لَّا رَیْبَ فِیْهِؕ-اِنَّ اللّٰهَ لَا یُخْلِفُ الْمِیْعَادَ۠(۹)
اے رب ہمارے بیشک تو سب لوگوں کو جمع کرنے والا ہے (ف۱۸) اس دن کے لئے جس میں کوئی شبہ نہیں (ف۱۹) بیشک اللہ کا وعدہ نہیں بدلتا (ف۲۰)
قوله تعالى : ربنا إنك جامع الناس ليوم لا ريب فيه إن الله لا يخلف الميعادأي باعثهم ومحييهم بعد تفرقهم ، وفي هذا إقرار بالبعث ليوم القيامة . قال الزجاج : هذا هو التأويل الذي علمه الراسخون وأقروا به ، وخالف الذين اتبعوا ما تشابه عليهم من أمر البعث حتى أنكروه . والريب الشك ، وقد تقدمت محامله في البقرة . والميعاد مفعال من الوعد .
اِنَّ الَّذِیْنَ كَفَرُوْا لَنْ تُغْنِیَ عَنْهُمْ اَمْوَالُهُمْ وَ لَاۤ اَوْلَادُهُمْ مِّنَ اللّٰهِ شَیْــٴًـاؕ-وَ اُولٰٓىٕكَ هُمْ وَ قُوْدُ النَّارِۙ(۱۰)
بیشک وہ جو کافر ہوئے (ف۲۱) ان کے مال اور ان کی اولاد اللہ سے انہیں کچھ نہ بچاسکیں گے اور وہی دوزخ کے ایندھن ہیں،
قوله تعالى : إن الذين كفروا لن تغني عنهم أموالهم ولا أولادهم من الله شيئا وأولئك هم وقود النارمعناه بين ، أي لن تدفع عنهم أموالهم ولا أولادهم من عذاب الله شيئا . وقرأ السلمي " لن يغني " بالياء لتقدم الفعل ودخول الحائل بين الاسم والفعل . وقرأ الحسن " يغني " بالياء وسكون الياء الآخرة للتخفيف ; كقول الشاعر :كفى باليأس من أسماء كافي وليس لسقمها إذ طال شافيوكان حقه أن يقول كافيا ، فأرسل الياء . وأنشد الفراء في مثله :كأن أيديهن بالقاع القرق أيدي جوار يتعاطين الورقالقرق والقرقة لغتان في القاع . و " من " في قوله من الله بمعنى عند ; قاله أبو عبيدة .وأولئك هم وقود النار والوقود اسم للحطب ، وقد تقدم في " البقرة " . وقرأ الحسن ومجاهد وطلحة بن مصرف " وقود " بضم الواو على حذف مضاف تقديره حطب وقود النار . ويجوز في العربية إذا ضم الواو أن تقول أقود مثل أقتت . والوقود بضم الواو المصدر ; وقدت النار تقد إذا اشتعلت . وخرج ابن المبارك من حديث العباس بن عبد المطلب قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : يظهر هذا الدين حتى يجاوز البحار وحتى تخاض البحار بالخيل في سبيل الله - تبارك وتعالى - ثم يأتي أقوام يقرءون القرآن فإذا قرءوه قالوا من أقرأ منا ، من أعلم منا ؟ ثم التفت إلى أصحابه فقال : هل ترون في أولئكم من خير ؟ ) قالوا : لا . قال : ( أولئك منكم وأولئك من هذه الأمة وأولئك هم وقود النار .
كَدَاْبِ اٰلِ فِرْعَوْنَۙ-وَ الَّذِیْنَ مِنْ قَبْلِهِمْؕ-كَذَّبُوْا بِاٰیٰتِنَاۚ-فَاَخَذَهُمُ اللّٰهُ بِذُنُوْبِهِمْؕ-وَ اللّٰهُ شَدِیْدُ الْعِقَابِ(۱۱)
جیسے فرعون والوں اور ان سے اگلوں کا طریقہ، انہوں نے ہماری آیتیں جھٹلائیں تو اللہ نے ان کے گناہوں پر ان کو پکڑا اور اللہ کا عذاب سخت،
قوله تعالى : كدأب آل فرعون والذين من قبلهم كذبوا بآياتنا فأخذهم الله بذنوبهم والله شديد العقابالدأب العادة والشأن . ودأب الرجل في عمله يدأب دأبا ودؤوبا إذا جد واجتهد ، وأدأبته أنا . وأدأب بعيره إذا جهده في السير . والدائبان الليل والنهار . قال أبو حاتم : وسمعت يعقوب يذكر " كدأب " بفتح الهمزة ، وقال لي وأنا غليم : على أي شيء يجوز " كدأب " ؟ فقلت له : أظنه من دئب يدأب دأبا . فقبل ذلك مني وتعجب من جودة تقديري على صغري ; ولا أدري أيقال أم لا . قال النحاس : " وهذا القول خطأ ، لا يقال ألبتة دئب ; وإنما يقال : دأب يدأب دؤوبا ودأبا ; هكذا حكى النحويون ، منهم الفراء حكاه في كتاب المصادر ; كما قال امرؤ القيس :كدأبك من أم الحويرث قبلها وجارتها أم الرباب بمأسلفأما الدأب فإنه يجوز ; كما يقال : شعر وشعر ونهر ونهر ; لأن فيه حرفا من " حروف الحلق " . واختلفوا في الكاف ; فقيل : هي في موضع رفع تقديره دأبهم كدأب آل فرعون ، أي صنيع الكفار معك كصنيع آل فرعون مع موسى . وزعم الفراء أن المعنى : كفرت العرب ككفر آل فرعون . قال النحاس : لا يجوز أن تكون الكاف متعلقة بكفروا ، لأن " كفروا " داخلة في الصلة . وقيل : هي متعلقة ب أخذهم الله ، أي أخذهم أخذا كما أخذ آل فرعون . وقيل : هي متعلقة بقوله لن تغني عنهم أموالهم ولا أولادهم ; أي لم تغن عنهم كما لم تغن الأموال والأولاد عن آل فرعون . وهذا جواب لمن تخلف عن الجهاد وقال : شغلتنا أموالنا وأهلونا . ويصح أن يعمل فيه فعل مقدر من لفظ الوقود ، ويكون التشبيه في نفس الاحتراق . ويؤيد هذا المعنى . . وحاق بآل فرعون سوء العذاب النار يعرضون عليها غدوا وعشيا ويوم تقوم الساعة أدخلوا آل فرعون أشد العذاب . والقول الأول أرجح ، واختاره غير واحد من العلماء . قال ابن عرفة : كدأب آل فرعون أي كعادة آل فرعون . يقول : اعتاد هؤلاء الكفرة الإلحاد والإعنات للنبي - صلى الله عليه وسلم - كما اعتاد آل فرعون من إعنات الأنبياء ; وقال معناه الأزهري .فأما قوله في سورة ( الأنفال ) كدأب آل فرعون فالمعنى جوزي هؤلاء بالقتل والأسر كما جوزي آل فرعون بالغرق والهلاك .قوله تعالى : بآياتنا يحتمل أن يريد الآيات المتلوة ، ويحتمل أن يريد الآيات المنصوبة للدلالة على الوحدانية . فأخذهم الله بذنوبهم والله شديد العقاب
قُلْ لِّلَّذِیْنَ كَفَرُوْا سَتُغْلَبُوْنَ وَ تُحْشَرُوْنَ اِلٰى جَهَنَّمَؕ-وَ بِئْسَ الْمِهَادُ(۱۲)
فرمادو، کافروں سے کوئی دم جاتا ہے کہ تم مغلوب ہوگے اور دوزخ کی طرف ہانکے جاؤ گے (ف۲۲) اور وہ بہت ہی برا بچھونا،
قوله تعالى : قل للذين كفروا ستغلبون وتحشرون إلى جهنم وبئس المهاديعني اليهود ، قال محمد بن إسحاق : لما أصاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قريشا ببدر وقدم المدينة جمع اليهود فقال : ( يا معشر اليهود احذروا من الله مثل ما نزل بقريش يوم بدر قبل أن ينزل بكم ما نزل بهم فقد عرفتم أني نبي مرسل تجدون ذلك في كتابكم وعهد الله إليكم ) فقالوا : يا محمد ، لا يغرنك أنك قتلت أقواما أغمارا لا علم لهم بالحرب فأصبت فيهم فرصة ، والله لو قاتلتنا لعرفت أنا نحن الناس . فأنزل الله تعالى : قل للذين كفروا ستغلبون بالتاء يعني اليهود : أي تهزمونوتحشرون إلى جهنم في الآخرة . فهذه رواية عكرمة وسعيد بن جبير عن ابن عباس . وفي رواية أبي صالح عنه أن اليهود لما فرحوا بما أصاب المسلمين يوم أحد نزلت . فالمعنى على هذا " سيغلبون " بالياء ، يعني قريشا ، " ويحشرون " بالياء فيهما ، وهي قراءة نافع .قوله تعالى : وبئس المهاد يعني جهنم ; هذا ظاهر الآية . وقال مجاهد : المعنى بئس ما مهدوا لأنفسهم ، فكأن المعنى : بئس فعلهم الذي أداهم إلى جهنم .
قَدْ كَانَ لَكُمْ اٰیَةٌ فِیْ فِئَتَیْنِ الْتَقَتَاؕ-فِئَةٌ تُقَاتِلُ فِیْ سَبِیْلِ اللّٰهِ وَ اُخْرٰى كَافِرَةٌ یَّرَوْنَهُمْ مِّثْلَیْهِمْ رَاْیَ الْعَیْنِؕ-وَ اللّٰهُ یُؤَیِّدُ بِنَصْرِهٖ مَنْ یَّشَآءُؕ-اِنَّ فِیْ ذٰلِكَ لَعِبْرَةً لِّاُولِی الْاَبْصَارِ(۱۳)
بیشک تمہارے لئے نشانی تھی (ف۲۳) دو گروہوں میں جو آپس میں بھڑ پڑے (ف۲۴) ایک جتھا اللہ کی راہ میں لڑتا (ف۲۵) اور دوسرا کافر (ف۲۶) کہ انہیں آنکھوں دیکھا اپنے سے دونا سمجھیں، اور اللہ اپنی مدد سے زور دیتا ہے جسے چاہتا ہے (ف۲۷) بیشک اس میں عقلمندوں کے لئے ضرور دیکھ کر سیکھنا ہے،
قوله تعالى : قد كان لكم آية في فئتين التقتا فئة تقاتل في سبيل الله وأخرى كافرة يرونهم مثليهم رأي العين والله يؤيد بنصره من يشاء إن في ذلك لعبرة لأولي الأبصارقوله تعالى : قد كان لكم آية أي علامة . وقال كان ولم يقل " كانت " لأن آية تأنيثها غير حقيقي . وقيل : ردها إلى البيان ، أي قد كان لكم بيان ; فذهب إلى المعنى وترك اللفظ ; كقول امرئ القيس :برهرهة رؤده رخصة كخرعوبة البانة المنفطرولم يقل المنفطرة ; لأنه ذهب إلى القضيب . وقال الفراء : ذكره لأنه فرق بينهما بالصفة ، فلما حالت الصفة بين الاسم والفعل ذكر الفعل . وقد مضى هذا المعنى في البقرة في قوله تعالى : كتب عليكم إذا حضر أحدكم الموت إن ترك خيرا الوصيةفي فئتين التقتا يعني المسلمين والمشركين يوم بدر فئة قرأ الجمهور فئة بالرفع ، بمعنى إحداهما فئة . وقرأ الحسن ومجاهد " فئة " بالخفض وأخرى كافرة على البدل . وقرأ ابن أبي عبلة بالنصب فيهما . قال أحمد بن يحيى : ويجوز النصب على الحال ، أي التقتا مختلفتين مؤمنة وكافرة . قال الزجاج : النصب بمعنى أعني . وسميت الجماعة من الناس فئة لأنها يفاء إليها ، أي يرجع إليها في وقت الشدة . وقال الزجاج : الفئة الفرقة ، مأخوذة من فأوت رأسه بالسيف - ويقال : فأيته - إذا فلقته . ولا خلاف أن الإشارة بهاتين الفئتين هي إلى يوم بدر . واختلف من المخاطب بها ; فقيل : يحتمل أن يخاطب بها المؤمنون ، ويحتمل أن يخاطب بها جميع الكفار ، ويحتمل أن يخاطب بها يهود المدينة ; وبكل احتمال منها قد قال قوم . وفائدة الخطاب للمؤمنين تثبيت النفوس وتشجيعها حتى يقدموا على مثليهم وأمثالهم كما قد وقع .قوله تعالى : يرونهم مثليهم رأي العين والله يؤيد بنصره من يشاء إن في ذلك لعبرة لأولي الأبصار قال أبو علي الرؤية في هذه الآية رؤية عين ; ولذلك تعدت إلى مفعول واحد . قال مكي والمهدوي : يدل عليه رأي العين . وقرأ نافع " ترونهم " بالتاء والباقون بالياء . مثليهم نصب على الحال من الهاء والميم في " ترونهم " . والجمهور من الناس على أن الفاعل بترون هم المؤمنون ، والضمير المتصل هو للكفار . وأنكر أبو عمرو أن يقرأ " ترونهم " بالتاء ; قال : ولو كان كذلك لكان مثليكم . قال النحاس " وذا لا يلزم ، ولكن يجوز أن يكون مثلي أصحابكم . قال مكي : " ترونهم " بالتاء جرى على الخطاب في " لكم " فيحسن أن يكون الخطاب للمسلمين ، والهاء والميم للمشركين . وقد كان يلزم من قرأ بالتاء أن يقرأ مثليكم بالكاف ، وذلك لا يجوز لمخالفة الخط ; ولكن جرى الكلام على الخروج من الخطاب إلى الغيبة ، كقوله تعالى : حتى إذا كنتم في الفلك وجرين بهم ، وقوله تعالى : وما آتيتم من زكاة فخاطب ثم قال : فأولئك هم المضعفون فرجع إلى الغيبة . فالهاء والميم في مثليهم يحتمل أن يكون للمشركين ، أي ترون أيها المسلمون المشركين مثلي ما هم عليه من العدد ; وهو بعيد في المعنى ; لأن الله تعالى لم يكثر المشركين في أعين المسلمين بل أعلمنا أنه قللهم في أعين المؤمنين ، فيكون المعنى ترون أيها المؤمنون المشركين مثليكم في العدد وقد كانوا ثلاثة أمثالهم ، فقلل الله المشركين في أعين المسلمين فأراهم إياهم مثلي عدتهم لتقوى أنفسهم ويقع التجاسر ، وقد كانوا أعلموا أن المائة منهم تغلب المائتين من الكفار ، وقلل المسلمين في أعين المشركين ليجترئوا عليهم فينفذ حكم الله فيهم . ويحتمل أن يكون الضمير في مثليهم للمسلمين ، أي ترون أيها المسلمون المسلمين مثلي ما أنتم عليه من العدد ، أي ترون أنفسكم مثلي عددكم ; فعل الله ذلك بهم لتقوى أنفسهم على لقاء المشركين . والتأويل الأول أولى ; يدل عليه قوله تعالى : إذ يريكهم الله في منامك قليلا ، وقوله : وإذ يريكموهم إذ التقيتم في أعينكم قليلا وروي عن ابن مسعود أنه قال : قلت لرجل إلى جنبي : أتراهم سبعين ؟ قال : أظنهم مائة فلما أخذنا الأسارى أخبرونا أنهم كانوا ألفا . وحكى الطبري عن قوم أنهم قالوا : بل كثر الله عدد المؤمنين في عيون الكافرين حتى كانوا عندهم ضعفين . وضعف الطبري هذا القول . قال ابن عطية : وكذلك هو مردود من جهات . بل قلل الله المشركين في أعين المؤمنين كما تقدم . وعلى هذا التأويل كان يكون " ترون " للكافرين ، أي ترون أيها الكافرون المؤمنين مثليهم ، ويحتمل مثليكم ، على ما تقدم . وزعم الفراء أن المعنى ترونهم مثليهم ثلاثة أمثالهم . وهو بعيد غير معروف في اللغة . قال الزجاج : وهذا باب الغلط ، فيه غلط في جميع المقاييس ; لأنا إنما نعقل مثل الشيء مساويا له ، ونعقل مثله ما يساويه مرتين . قال ابن كيسان : وقد بين الفراء قوله بأن قال : كما تقول وعندك عبد : أحتاج إلى مثله ، فأنت محتاج إليه وإلى مثله . وتقول : أحتاج إلى مثليه ، فأنت محتاج إلى ثلاثة . والمعنى على خلاف ما قاله ، واللغة . والذي أوقع الفراء في هذا أن المشركين كانوا ثلاثة أمثال المؤمنين يوم بدر ; فتوهم أنه لا يجوز أن يكونوا يرونهم إلا على عدتهم ، وهذا بعيد وليس المعنى عليه . وإنما أراهم الله على غير عدتهم لجهتين : إحداهما أنه رأى الصلاح في ذلك ، لأن المؤمنين تقوى قلوبهم بذلك . والأخرى أنه آية للنبي - صلى الله عليه وسلم - وسيأتي ذكر وقعة بدر إن شاء الله تعالى . وأما قراءة الياء فقال ابن كيسان : الهاء والميم في يرونهم عائدة على وأخرى كافرة والهاء والميم في مثليهم عائدة على فئة تقاتل في سبيل الله وهذا من الإضمار الذي يدل عليه سياق الكلام ، وهو قوله : يؤيد بنصره من يشاء . فدل ذلك على أن الكافرين كانوا مثلي المسلمين في رأي العين وثلاثة أمثالهم في العدد . قال : والرؤية هنا لليهود . وقال مكي : الرؤية للفئة المقاتلة في سبيل الله ، والمرئية الفئة الكافرة ; أي ترى الفئة المقاتلة في سبيل الله الفئة الكافرة مثلي الفئة المؤمنة ، وقد كانت الفئة الكافرة ثلاثة أمثال المؤمنة فقللهم الله في أعينهم على ما تقدم . والخطاب في لكم لليهود . وقرأ ابن عباس وطلحة " ترونهم " بضم التاء ، والسلمي بالتاء المضمومة على ما لم يسم فاعله .والله يؤيد بنصره من يشاء إن في ذلك لعبرة لأولي الأبصار تقدم معناه والحمد لله .
زُیِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوٰتِ مِنَ النِّسَآءِ وَ الْبَنِیْنَ وَ الْقَنَاطِیْرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَ الْفِضَّةِ وَ الْخَیْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَ الْاَنْعَامِ وَ الْحَرْثِؕ-ذٰلِكَ مَتَاعُ الْحَیٰوةِ الدُّنْیَاۚ-وَ اللّٰهُ عِنْدَهٗ حُسْنُ الْمَاٰبِ(۱۴)
لوگوں کے لئے آراستہ کی گئی ان خواہشوں کی محبت (ف۲۸) عورتوں اور بیٹے اور تلے اوپر سونے چاندے کے ڈھیر اور نشان کئے ہوئے گھوڑے اور چوپائے اور کھیتی یہ جیتی دنیا کی پونجی ہے (ف۲۹) اور اللہ ہے جس کے پاس اچھا ٹھکانا (ف۳۰)
قوله تعالى : زين للناس حب الشهوات من النساء والبنين والقناطير المقنطرة من الذهب والفضة والخيل المسومة والأنعام والحرث ذلك متاع الحياة الدنيا والله عنده حسن المآبفيه إحدى عشرة مسألة :الأولى : قوله تعالى : زين للناس زين من التزيين واختلف الناس من المزين ; فقالت فرقة : الله زين ذلك ; وهو ظاهر قول عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - ذكره البخاري . وفي التنزيل : إنا جعلنا ما على الأرض زينة لها ; ولما قال عمر : الآن يا رب حين زينتها لنا نزلت : قل أؤنبئكم بخير من ذلكم وقالت فرقة : المزين هو الشيطان ; وهو ظاهر قول الحسن ، فإنه قال : من زينها ؟ ما أحد أشد لها ذما من خالقها . فتزيين الله تعالى إنما هو بالإيجاد والتهيئة للانتفاع وإنشاء الجبلة على الميل إلى هذه الأشياء . وتزيين الشيطان إنما هو بالوسوسة والخديعة وتحسين أخذها من غير وجوهها . والآية على كلا الوجهين ابتداء وعظ لجميع الناس ، وفي ضمن ذلك توبيخ لمعاصريمحمد - صلى الله عليه وسلم - من اليهود وغيرهم . وقرأ الجمهور زين على بناء الفعل للمفعول ، ورفع حب . وقرأ الضحاك ومجاهد " زين " على بناء الفعل للفاعل ، ونصب " حب " وحركت الهاء من الشهوات فرقا بين الاسم والنعت والشهوات جمع شهوة وهي معروفة ورجل شهوان للشيء ، وشيء شهي أي مشتهى واتباع الشهوات مرد وطاعتها مهلكة . وفي صحيح مسلم : حفت الجنة بالمكاره وحفت النار بالشهوات رواه أنس عن النبي - صلى الله عليه وسلم - . وفائدة هذا التمثيل أن الجنة لا تنال إلا بقطع مفاوز المكاره وبالصبر عليها . وأن النار لا ينجى منها إلا بترك الشهوات وفطام النفس عنها . وقد روي عنه - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : طريق الجنة حزن بربوة وطريق النار سهل بسهوة . . . ; وهو معنى قوله ( حفت الجنة بالمكاره وحفت النار بالشهوات ) . أي طريق الجنة صعبة المسلك فيه أعلى ما يكون من الروابي ، وطريق النار سهل لا غلظ فيه ولا وعورة ، وهو معنى قوله ( سهل بسهوة ) وهو بالسين المهملة .الثانية : قوله تعالى : من النساء بدأ بهن لكثرة تشوف النفوس إليهن ; لأنهن حبائل الشيطان وفتنة الرجال . قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ما تركت بعدي فتنة أشد على الرجال من النساء أخرجه البخاري ومسلم . ففتنة النساء أشد من جميع الأشياء . ويقال : في النساء فتنتان ، وفي الأولاد فتنة واحدة . فأما اللتان في النساء فإحداهما أن تؤدي إلى قطع الرحم ; لأن المرأة تأمر زوجها بقطعه عن الأمهات والأخوات ، والثانية يبتلى بجمع المال من الحلال والحرام وذلك لينال رضاهن . وأما البنون فإن الفتنة فيهم واحدة وهو ما ابتلي بجمع المال لأجلهم . وروى عبد الله بن مسعود قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : لا تسكنوا نساءكم الغرف ولا تعلموهن الكتاب . حذرهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لأن في إسكانهن الغرف تطلعا إلى الرجال ، وليس في ذلك تحصين لهن ولا ستر ; لأنهن قد يشرفن على الرجال فتحدث الفتنة والبلاء ، ولأنهن قد خلقن من الرجل ; فهمتها في الرجل والرجل خلق فيه الشهوة وجعلت سكنا له ; فغير مأمون كل واحد منهما على صاحبه . وفي تعلمهن الكتاب هذا المعنى من الفتنة وأشد . وفي كتاب الشهاب عن النبي - صلى الله عليه وسلم - : أعروا النساء يلزمن الحجال . فعلى الإنسان إذا لم يصبر في هذه الأزمان أن يبحث عن ذات الدين ليسلم له الدين ; قال - صلى الله عليه وسلم - : عليك بذات الدين تربت يداك أخرجه مسلم عن أبي هريرة . وفي سنن ابن ماجه عن عبد الله بن عمر قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : لا تزوجوا النساء لحسنهن فعسى حسنهن أن يرديهن ، ولا تزوجوهن لأموالهن فعسى أموالهن أن تطغيهن ، ولكن تزوجوهن على الدين ، ولأمة سوداء خرماء ذات دين أفضل .الثالثة : قوله تعالى : والبنين عطف على ما قبله . وواحد من البنين ابن . قال الله تعالى مخبرا عن نوح : إن ابني من أهلي . وتقول في التصغير " بني " كما قال لقمان . وفي الخبر أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال للأشعث بن قيس : هل لك من ابنة حمزة من ولد ؟ قال : نعم ، لي منها غلام ولوددت أن لي به جفنة من طعام أطعمها من بقي من بني جبلة . فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : لئن قلت ذلك إنهم لثمرة القلوب وقرة الأعين وإنهم مع ذلك لمجبنة مبخلة محزنة .الرابعة : قوله تعالى : والقناطير القناطير جمع قنطار ، كما قال تعالى : وآتيتم إحداهن قنطارا وهو العقدة الكبيرة من المال ، وقيل : هو اسم للمعيار الذي يوزن به ; كما هو الرطل والربع . ويقال لما بلغ ذلك الوزن : هذا قنطار ، أي يعدل القنطار . والعرب تقول : قنطر الرجل إذا بلغ ماله أن يوزن بالقنطار . وقال الزجاج : القنطار مأخوذ من عقد الشيء وإحكامه ; تقول العرب : قنطرت الشيء إذا أحكمته ; ومنه سميت القنطرة لإحكامها . قال طرفة :كقنطرة الرومي أقسم ربها لتكتنفن حتى تشاد بقرمدوالقنطرة المعقودة ; فكأن القنطار عقد مال . واختلف العلماء في تحرير حده كم هو على أقوال عديدة ; فروى أبي بن كعب عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : القنطار ألف أوقية ومائتا أوقية ; وقال بذلك معاذ بن جبل وعبد الله بن عمر وأبو هريرة وجماعة من العلماء . قال ابن عطية : " وهو أصح الأقوال ، لكن القنطار على هذا يختلف باختلاف البلاد في قدر الأوقية " . وقيل : اثنا عشر ألف أوقية ; أسنده البستي في مسنده الصحيح عن أبي هريرة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : القنطار اثنا عشر ألف أوقية الأوقية خير مما بين السماء والأرض . وقال بهذا القول أبو هريرة أيضا . وفي مسند أبي محمد الدارمي عن أبي سعيد الخدري قال : " من قرأ في ليلة عشر آيات كتب من الذاكرين ، ومن قرأ بمائة آية كتب من القانتين ، ومن قرأ بخمسمائة آية إلى الألف أصبح وله قنطار من الأجر " قيل : وما القنطار ؟ قال : " ملء مسك ثور ذهبا " . موقوف ; وقال به أبو نضرة العبدي . وذكر ابن سيده أنه هكذا بالسريانية . وقال النقاش عن ابن الكلبي أنه هكذا بلغة الروم . وقال ابن عباس والضحاك والحسن : ألف ومائتا مثقال من الفضة ; ورفعه الحسن . وعن ابن عباس : اثنا عشر ألف درهم من الفضة ، ومن الذهب ألف دينار دية الرجل المسلم ; وروي عن الحسن والضحاك . وقال سعيد بن المسيب : ثمانون ألفا . قتادة : مائة رطل من الذهب أو ثمانون ألف درهم من الفضة . وقال أبو حمزة الثمالي : القنطار بإفريقية والأندلس ثمانية آلاف مثقال من ذهب أو فضة . السدي : أربعة آلاف مثقال . مجاهد : سبعون ألف مثقال ; وروي عن ابن عمر . وحكى مكي قولا أن القنطار أربعون أوقية من ذهب أو فضة ; وقاله ابن سيده في المحكم ، وقال : القنطار بلغة بربر ألف مثقال . وقال الربيع بن أنس : القنطار المال الكثير بعضه على بعض ; وهذا هو المعروف عند العرب ، ومنه قوله : وآتيتم إحداهن قنطارا أي مالا كثيرا . ومنه الحديث : ( إن صفوان بن أمية قنطر في الجاهلية وقنطر أبوه ) أي صار له قنطار من المال . وعن الحكم هو ما بين السماء والأرض . واختلفوا في معنى " المقنطرة " فقال الطبري وغيره : معناه المضعفة ، وكأن القناطير ثلاثة والمقنطرة تسع . وروي عن الفراء أنه قال : القناطير جمع القنطار ، والمقنطرة جمع الجمع ، فيكون تسع قناطير . السدي : المقنطرة المضروبة حتى صارت دنانير أو دراهم . مكي : المقنطرة المكملة ; وحكاه الهروي ; كما يقال : بدر مبدرة ، وآلاف مؤلفة . وقال بعضهم . ولهذا سمي البناء القنطرة لتكاثف البناء بعضه على بعض . ابن كيسان والفراء : لا تكون المقنطرة أقل من تسع قناطير . وقيل : المقنطرة إشارة إلى حضور المال وكونه عتيدا . وفي صحيح البستي عن عبد الله بن عمر عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : من قام بعشر آيات لم يكتب من الغافلين ومن قام بمائة آية كتب من القانتين ومن قام بألف آية كتب من المقنطرين .الخامسة : قوله تعالى : من الذهب والفضة الذهب ، مؤنثة ; يقال : هي الذهب الحسنة جمعها ذهاب وذهوب . ويجوز أن يكون جمع ذهبة ، ويجمع على الأذهاب . وذهب فلان مذهبا حسنا . والذهب : مكيال لأهل اليمن . ورجل ذهب إذا رأى معدن الذهب فدهش . والفضة معروفة ، وجمعها فضض . فالذهب مأخوذة من الذهاب ، والفضة مأخوذة من انفض الشيء تفرق ; ومنه فضضت القوم فانفضوا ، أي فرقتهم فتفرقوا . وهذا الاشتقاق يشعر بزوالهما وعدم ثبوتهما كما هو مشاهد في الوجود . ومن أحسن ما قيل في هذا المعنى قول بعضهم :النار آخر دينار نطقت به والهم آخر هذا الدرهم الجاريوالمرء بينهما إن كان ذا ورع معذب القلب بين الهم والنارالسادسة : قوله تعالى : والخيل الخيل مؤنثة . قال ابن كيسان : حدثت عن أبي عبيدة أنه قال : واحد الخيل خائل ، مثل طائر وطير ، وضائن وضين ; وسمي الفرس بذلك لأنه يختال في مشيه . وقال غيره : هو اسم جمع لا واحد له من لفظه واحده فرس كالقوم والرهط والنساء والإبل ونحوها . وفي الخبر من حديث علي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - : إن الله خلق الفرس من الريح ولذلك جعلها تطير بلا جناح . وهب بن منبه : خلقها من ريح الجنوب . قال وهب : فليس تسبيحة ولا تكبيرة ولا تهليلة يكبرها صاحبها إلا وهو يسمعها فيجيبه بمثلها . وسيأتي لذكر الخيل ووصفها في سورة " الأنفال " ما فيه كفاية إن شاء الله تعالى . وفي الخبر : ( إن الله عرض على آدم جميع الدواب ، فقيل له : اختر منها واحدا فاختار الفرس ; فقيل له : اخترت عزك ) ; فصار اسمه الخير من هذا الوجه . وسميت خيلا لأنها موسومة بالعز فمن ركبه اعتز بنحلة الله له ويختال به على أعداء الله تعالى . وسمي فرسا لأنه يفترس مسافات الجو افتراس الأسد وثبانا ، ويقطعها كالالتهام بيديه على شيء خبطا وتناولا ، وسمي عربيا لأنه جيء به من بعد آدم لإسماعيل جزاء عن رفع قواعد البيت ، وإسماعيل عربي ، فصار له نحلة من الله تعالى فسمي عربيا . وفي الحديث عن النبي - صلى الله عليه وسلم - : لا يدخل الشيطان دارا فيها فرس عتيق . وإنما سمي عتيقا لأنه قد تخلص من الهجانة . وقد قال - صلى الله عليه وسلم - : خير الخيل الأدهم الأقرح الأرثم ثم الأقرح المحجل طلق اليمين فإن لم يكن أدهم فكميت على هذه الشية . أخرجه الترمذي عن أبي قتادة . وفي مسند الدارمي عنه أن رجلا قال : يا رسول الله ، إني أريد أن أشتري فرسا فأيها أشتري ؟ قال : اشتر أدهم أرثم محجلا طلق اليمين أو من الكميت على هذه الشية تغنم وتسلم . وروى النسائي عن أنس قال : لم يكن أحب إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعد النساء من الخيل .وروى الأئمة عن أبي هريرة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : الخيل ثلاثة : لرجل أجر ، ولرجل ستر ، ولرجل وزر . . . الحديث بطوله ، شهرته أغنت عن ذكره . وسيأتي ذكر أحكام الخيل في " الأنفال " و " النحل " بما فيه كفاية إن شاء الله تعالى .السابعة : قوله تعالى : المسومة يعني الراعية في المروج والمسارح ; قاله سعيد بن جبير . يقال : سامت الدابة والشاة إذا سرحت تسوم سوما فهي سائمة . وأسمتها أنا إذا تركتها لذلك فهي مسامة . وسومتها تسويما فهي مسومة . وفي سنن ابن ماجه عن علي قال : نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن السوم قبل طلوع الشمس ، وعن ذبح ذوات الدر السوم هنا في معنى الرعي ، وقال الله عز وجل : فيه تسيمون قال الأخطل :مثل ابن بزعة أو كآخر مثله أولى لك ابن مسيمة الأجمالأراد ابن راعية الإبل . والسوام : كل بهيمة ترعى ، وقيل : المعدة للجهاد ; قاله ابن زيد . مجاهد : المسومة المطهمة الحسان . وقال عكرمة : سومها الحسن ; واختاره النحاس ، من قولهم : رجل وسيم . وروي عن ابن عباس أنه قال : المسومة المعلمة بشيات الخيل في وجوهها من السيما وهي العلامة . وهذا مذهب الكسائي وأبي عبيدة .قلت : كل ما ذكر يحتمله اللفظ ، فتكون راعية معدة حسانا معلمة لتعرف من غيرها . قال أبو زيد : أصل ذلك أن تجعل عليها صوفة أو علامة تخالف سائر جسدها لتبين من غيرها في المرعى . وحكى ابن فارس اللغوي في مجمله : المسومة المرسلة وعليها ركبانها . وقال المؤرج : المسومة المكوية ، المبرد : المعروفة في البلدان . ابن كيسان : البلق . وكلها متقارب من السيما . قال النابغة :وضمر كالقداح مسومات عليها معشر أشباه جنالثامنة : قوله تعالى : والأنعام قال ابن كيسان : إذا قلت نعم لم تكن إلا للإبل ، فإذا قلت : أنعام وقعت للإبل وكل ما يرعى . قال الفراء : هو مذكر ولا يؤنث ; يقولون هذا نعم وارد ، ويجمع أنعاما . قال الهروي : والنعم يذكر ويؤنث ، والأنعام المواشي من الإبل والبقر والغنم ; ، وإذا قيل : النعم فهو الإبل خاصة . وقال حسان :وكانت لا يزال بها أنيس خلال مروجها نعم وشاءوفي سنن ابن ماجه عن عروة البارقي يرفعه قال : ( الإبل عز لأهلها والغنم بركة والخير معقود في نواصي الخيل إلى يوم القيامة ) . وفيه عن ابن عمر قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : الشاة من دواب الجنة . وفيه عن أبي هريرة قال : أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الأغنياء باتخاذ الغنم ، والفقراء باتخاذ الدجاج . وقال : عند اتخاذ الأغنياء الدجاج يأذن الله تعالى بهلاك القرى . وفيه عن أم هانئ أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال لها : اتخذي غنما فإن فيها بركة . أخرجه عن أبي بكر بن أبي شيبة عن وكيع عن هشام بن عروة عن أبيه عن أم هانئ ، إسناد صحيح .التاسعة : قوله تعالى : والحرث الحرث هنا اسم لكل ما يحرث ، وهو مصدر سمي به ; تقول : حرث الرجل حرثا إذا أثار الأرض لمعنى الفلاحة ; فيقع اسم الحراثة على زرع الحبوب وعلى الجنات وعلى غير ذلك من نوع الفلاحة . وفي الحديث : احرث لدنياك كأنك تعيش أبدا . يقال حرثت واحترثت . وفي حديث عبد الله ( احرثوا هذا القرآن ) أي فتشوه . قال ابن الأعرابي : الحرث التفتيش ; وفي الحديث : ( أصدق الأسماء الحارث ) لأن الحارث هو الكاسب ، واحتراث المال كسبه ، والمحراث مسعر النار والحراث مجرى الوتر في القوس ، والجمع أحرثة ، وأحرث الرجل ناقته أهزلها . وفي حديث معاوية : ما فعلت نواضحكم ؟ قالوا : حرثناها يوم بدر . قال أبو عبيد : يعنون هزلناها ; يقال : حرثت الدابة وأحرثتها ، لغتان . وفي صحيح البخاري عن أبي أمامة الباهلي قال وقد رأى سكة وشيئا من آلة الحرث فقال : سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : لا يدخل هذا بيت قوم إلا دخله الذل . قيل : إن الذل هنا ما يلزم أهل الشغل بالحرث من حقوق الأرض التي يطالبهم بها الأئمة والسلاطين . وقال المهلب : معنى قوله في هذا الحديث - والله أعلم - الحض على معالي الأحوال وطلب الرزق من أشرف الصناعات ; وذلك لما خشي النبي - صلى الله عليه وسلم - على أمته من الاشتغال بالحرث وتضييع ركوب الخيل والجهاد في سبيل الله ; لأنهم إن اشتغلوا بالحرث غلبتهم الأمم الراكبة للخيل المتعيشة من مكاسبها ; فحضهم على التعيش من الجهاد لا من الخلود إلى عمارة الأرض ولزوم المهنة . ألا ترى أن عمر قال : تمعددوا واخشوشنوا واقطعوا الركب وثبوا على الخيل وثبا لا تغلبنكم عليها رعاة الإبل . فأمرهم بملازمة الخيل ، ورياضة أبدانهم بالوثوب عليها . وفي الصحيحين عن أنس بن مالك قال : قال النبي - صلى الله عليه وسلم - : ما من مسلم غرس غرسا أو زرع زرعا فيأكل منه طير أو إنسان أو بهيمة إلا كان له به صدقة .قال العلماء : ذكر الله تعالى أربعة أصناف من المال ، كل نوع من المال يتمول به صنف من الناس ; أما الذهب والفضة فيتمول بها التجار ، وأما الخيل المسومة فيتمول بها الملوك ، وأما الأنعام فيتمول بها أهل البوادي ، وأما الحرث فيتمول بها أهل الرساتيق . فتكون فتنة كل صنف في النوع الذي يتمول ، فأماالنساء والبنون ففتنة للجميع .العاشرة : قوله تعالى : ذلك متاع الحياة الدنيا أي ما يتمتع به فيها ثم يذهب ولا يبقى . وهذا منه تزهيد في الدنيا وترغيب في الآخرة . روى ابن ماجه وغيره عن عبد الله بن عمر أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : إنما الدنيا متاع وليس من متاع الدنيا شيء أفضل من المرأة الصالحة . وفي الحديث : ازهد في الدنيا يحبك الله أي في متاعها من الجاه والمال الزائد على الضروري . قال - صلى الله عليه وسلم - : ليس لابن آدم حق في سوى هذه الخصال بيت يسكنه وثوب يواري عورته وجلف الخبز والماء أخرجه الترمذي من حديث المقدام بن معديكرب . وسئل سهل بن عبد الله : بم يسهل على العبد ترك الدنيا وكل الشهوات ؟ قال : بتشاغله بما أمر به .الحادية عشرة : والله عنده حسن المآب ابتداء وخبر . والمآب المرجع ; آب يئوب إيابا إذا رجع ; قال يئوب إيابا إذا رجع ; قال امرؤ القيس :وقد طوفت في الآفاق حتى رضيت من الغنيمة بالإيابوقال آخر :وكل ذي غيبة يئوب وغائب الموت لا يئوبوأصل مآب مأوب ، قلبت حركة الواو إلى الهمزة وأبدل من الواو ألف ، مثل مقال . ومعنى الآية تقليل الدنيا وتحقيرها والترغيب في حسن المرجع إلى الله تعالى في الآخرة .
قُلْ اَؤُنَبِّئُكُمْ بِخَیْرٍ مِّنْ ذٰلِكُمْؕ-لِلَّذِیْنَ اتَّقَوْا عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنّٰتٌ تَجْرِیْ مِنْ تَحْتِهَا الْاَنْهٰرُ خٰلِدِیْنَ فِیْهَا وَ اَزْوَاجٌ مُّطَهَّرَةٌ وَّ رِضْوَانٌ مِّنَ اللّٰهِؕ-وَ اللّٰهُ بَصِیْرٌۢ بِالْعِبَادِۚ(۱۵)
تم فرماؤ کیا میں تمہیں اس سے (ف۳۱) بہتر چیز بتادوں پرہیزگاروں کے لئے ان کے رب کے پاس جنتیں ہیں جن کے نیچے نہریں رواں ہمیشہ ان میں رہیں گے اور ستھری بیبیاں (ف۳۲) اور اللہ کی خوشنودی (ف۳۳) اور اللہ بندوں کو دیکھتا ہے (ف۳۴)
قوله تعالى : قل أؤنبئكم بخير من ذلكم للذين اتقوا عند ربهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها وأزواج مطهرة ورضوان من الله والله بصير بالعبادمنتهى الاستفهام عند قوله : من ذلكم ، للذين اتقوا خبر مقدم ، وجنات رفع بالابتداء . وقيل : منتهاه عند ربهم ، وجنات على هذا رفع بابتداء مضمر تقديره ذلك جنات . ويجوز على هذا التأويل : " جنات " بالخفض بدلا من " خير " ولا يجوز ذلك على الأول . قال ابن عطية : وهذه الآية والتي قبلها نظير قوله ، عليه السلام : تنكح المرأة لأربع : لمالها وحسبها وجمالها ودينها ، فاظفر بذات الدين ، تربت يداك خرجه مسلم وغيره . فقوله ( فاظفر بذات الدين ) مثال لهذه الآية . وما قبل مثال للأولى . فذكر تعالى هذه تسلية عن الدنيا وتقوية لنفوس تاركيها . وقد تقدم في البقرة معاني ألفاظ هذه الآية . والرضوان مصدر من الرضا ، وهو أنه إذا دخل أهل الجنة الجنة يقول الله تعالى لهم ( تريدون شيئا أزيدكم ) ؟ فيقولون : يا ربنا وأي شيء أفضل من هذا ؟ فيقول : ( رضاي فلا أسخط عليكم بعده أبدا ) خرجه مسلم . وفي قوله تعالى والله بصير بالعباد وعد ووعيد .
اَلَّذِیْنَ یَقُوْلُوْنَ رَبَّنَاۤ اِنَّنَاۤ اٰمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوْبَنَا وَ قِنَا عَذَابَ النَّارِۚ(۱۶)
وہ جو کہتے ہیں ے رب ہمارے! ہم ایمان لائے تو ہمارے گناہ معاف کر اور ہمیں دوزخ کے عذاب سے بچالے،
قوله تعالى : الذين يقولون ربنا إننا آمنا فاغفر لنا ذنوبنا وقنا عذاب النارقوله تعالى : الذين بدل من قوله للذين اتقوا وإن شئت كان رفعا أي هم الذين ، أو نصبا على المدح .ربنا أي : يا ربنا . إننا آمنا أي صدقنا . فاغفر لنا ذنوبنا دعاء بالمغفرة . وقنا عذاب النار تقدم في البقرة .
اَلصّٰبِرِیْنَ وَ الصّٰدِقِیْنَ وَ الْقٰنِتِیْنَ وَ الْمُنْفِقِیْنَ وَ الْمُسْتَغْفِرِیْنَ بِالْاَسْحَارِ(۱۷)
صبر والے (ف۳۵) اور سچے (ف۳۶) اور ادب والے اور راہِ خدا میں خرچنے والے اور پچھلے پہر سے معافی مانگنے والے (ف۳۷)
الصابرين يعني عن المعاصي والشهوات ، وقيل : على الطاعات . والصادقين أي في الأفعال والأقوال والقانتين الطائعين . والمنفقين يعني في سبيل الله . وقد تقدم في البقرة هذه المعاني على الكمال . ففسر تعالى في هذه الآية أحوال المتقين الموعودين بالجنات .واختلف في معنى قوله تعالى : والمستغفرين بالأسحار فقال أنس بن مالك : هم السائلون المغفرة . قتادة : المصلون .قلت : ولا تناقض ، فإنهم يصلون ويستغفرون . وخص السحر بالذكر لأنه مظان القبول ووقت إجابة الدعاء . قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في تفسير قوله تعالى مخبرا عن يعقوب عليه السلام لبنيه : سوف أستغفر لكم ربي : إنه أخر ذلك إلى السحر خرجه الترمذي وسيأتي . وسأل النبي - صلى الله عليه وسلم - جبريل ( أي الليل أسمع ) ؟ فقال : ( لا أدري غير أن العرش يهتز عند السحر ) . يقال سحر وسحر ، بفتح الحاء وسكونها ، وقال الزجاج : السحر من حين يدبر الليل إلى أن يطلع الفجر الثاني ، وقال ابن زيد : السحر هو سدس الليل الآخر .قلت : أصح من هذا ما روى الأئمة عن أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : ينزل الله - عز وجل - إلى سماء الدنيا كل ليلة حين يمضي ثلث الليل الأول فيقول : أنا الملك ، أنا الملك من ذا الذي يدعوني فأستجيب له ، من ذا الذي يسألني فأعطيه ، من ذا الذي يستغفرني فأغفر له . فلا يزال كذلك حتى يطلع الفجر في رواية " حتى ينفجر الصبح " لفظ مسلم . وقد اختلف في تأويله ; وأولى ما قيل فيه ما جاء في كتاب النسائي مفسرا عن أبي هريرة وأبي سعيد - رضي الله عنهما - قالا : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : إن الله - عز وجل - يمهل حتى يمضي شطر الليل الأول ثم يأمر مناديا فيقول هل من داع يستجاب له ! هل من مستغفر يغفر له ! هل من سائل يعطى ! . صححه أبو محمد عبد الحق ، وهو يرفع الإشكال ويوضح كل احتمال ، وأن الأول من باب حذف المضاف ، أي ينزل ملك ربنا فيقول . وقد روي " ينزل " بضم الياء ، وهو يبين ما ذكرنا ، وبالله توفيقنا . وقد أتينا على ذكره في " الكتاب الأسنى في شرح أسماء الله الحسنى وصفاته العلى " .مسألة : الاستغفار مندوب إليه ، وقد أثنى الله تعالى على المستغفرين في هذه الآية وغيرها فقال : وبالأسحار هم يستغفرون . وقال أنس بن مالك : أمرنا أن نستغفر بالسحر سبعين استغفارة . وقال سفيان الثوري : بلغني أنه إذا كان أول الليل نادى مناد ليقم القانتون فيقومون كذلك يصلون إلى السحر ، فإذا كان عند السحر نادى مناد : أين المستغفرون فيستغفر أولئك ، ويقوم آخرون فيصلون فيلحقون بهم . فإذا طلع الفجر نادى مناد : ألا ليقم الغافلون فيقومون من فرشهم كالموتى نشروا من قبورهم . وروي عن أنس سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول : إن الله يقول إني لأهم بعذاب أهل الأرض فإذا نظرت إلى عمار بيوتي وإلى المتحابين في وإلى المتهجدين والمستغفرين بالأسحار صرفت عنهم العذاب بهم . قال مكحول : إذا كان في أمة خمسة عشر رجلا يستغفرون الله كل يوم خمسا وعشرين مرة لم يؤاخذ الله تلك الأمة بعذاب العامة . وذكره أبو نعيم في كتاب الحلية له . وقال نافع : كان ابن عمر يحيي الليل ثم يقول : يا نافع أسحرنا ؟ فأقول : لا . فيعاود الصلاة ثم يسأل ، فإذا قلت نعم قعد يستغفر . وروى إبراهيم بن حاطب عن أبيه قال : سمعت رجلا في السحر في ناحية المسجد يقول : يا رب ، أمرتني فأطعتك ، وهذا سحر فاغفر لي . فنظرت فإذا هو ابن مسعود .قلت : فهذا كله يدل على أنه استغفار باللسان مع حضور القلب . لا ما قال ابن زيد أن المراد بالمستغفرين الذين يصلون صلاة الصبح في جماعة ، والله أعلم . وقال لقمان لابنه : ( يا بني لا يكن الديك أكيس منك ، ينادي بالأسحار وأنت نائم ) . والمختار من لفظ الاستغفار ما رواه البخاري عن شداد بن أوس ، وليس له في الجامع غيره ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : سيد الاستغفار أن تقول : اللهم أنت ربي لا إله إلا أنت خلقتني وأنا عبدك وأنا على عهدك ووعدك ما استطعت ، أعوذ بك من شر ما صنعت ، أبوء لك بنعمتك علي وأبوء بذنبي ، فاغفر لي فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت . قال : ومن قالها من النهار موقنا بها فمات من يومه قبل أن يمسي فهو من أهل الجنة ، ومن قالها من الليل وهو موقن بها فمات من ليله قبل أن يصبح فهو من أهل الجنة . وروى أبو محمد عبد الغني بن سعيد من حديث ابن لهيعة عن أبي صخر عن أبي معاوية عن سعيد بن جبير عن أبي الصهباء البكري عن علي بن أبي طالب ، - رضي الله عنه - : أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أخذ بيد علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - ثم قال : ألا أعلمك كلمات تقولهن لو كانت ذنوبك كمدب النمل ، أو كمدب الذر لغفرها الله لك على أنه مغفور لك : اللهم لا إله إلا أنت سبحانك عملت سوءا وظلمت نفسي فاغفر لي فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت .
شَهِدَ اللّٰهُ اَنَّهٗ لَاۤ اِلٰهَ اِلَّا هُوَۙ-وَ الْمَلٰٓىٕكَةُ وَ اُولُوا الْعِلْمِ قَآىٕمًۢا بِالْقِسْطِؕ-لَاۤ اِلٰهَ اِلَّا هُوَ الْعَزِیْزُ الْحَكِیْمُؕ(۱۸)
اور اللہ نے گواہی دی کہ اس کے سوا کوئی معبود نہیں (ف۳۸) اور فرشتوں نے اور عالموں نے (ف۳۹) انصاف سے قائم ہوکر اس کے سوا کسی کی عبادت نہیں عزت والا حکمت والا،
قوله تعالى : شهد الله أنه لا إله إلا هو والملائكة وأولو العلم قائما بالقسط لا إله إلا هو العزيز الحكيم فيه أربع مسائل ( الأولى ) قال سعيد بن جبير : كان حول الكعبة ثلاثمائة وستون صنما ، فلما نزلت هذه الآية خررن سجدا . وقال الكلبي : لما ظهر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالمدينة قدم عليه حبران من أحبار أهل الشام ; فلما أبصرا المدينة قال أحدهما لصاحبه : ما أشبه هذه المدينة بصفة مدينة النبي الذي يخرج في آخر الزمان . فلما دخلا على النبي - صلى الله عليه وسلم - عرفاه بالصفة والنعت ، فقالا له : أنت محمد ؟ قال ( نعم ) . قالا : وأنت أحمد ؟ قال : ( نعم ) . قالا : نسألك عن شهادة ، فإن أنت أخبرتنا بها آمنا بك وصدقناك . فقال لهما رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ( سلاني ) . فقالا : أخبرنا عن أعظم شهادة في كتاب الله . فأنزل الله تعالى على نبيه - صلى الله عليه وسلم - شهد الله أنه لا إله إلا هو والملائكة وأولو العلم قائما بالقسط فأسلم الرجلان وصدقا برسول الله - صلى الله عليه وسلم - . وقد قيل : إن المراد بأولي العلم الأنبياء عليهم السلام . وقال ابن كيسان : المهاجرون والأنصار . مقاتل : مؤمنو أهل الكتاب السدي والكلبي : المؤمنون كلهم ; وهو الأظهر لأنه عام .( الثانية ) في هذه الآية دليل على فضل العلم وشرف العلماء وفضلهم ; فإنه لو كان أحد أشرف من العلماء لقرنهم الله باسمه واسم ملائكته كما قرن اسم العلماء . وقال في شرف العلم لنبيه - صلى الله عليه وسلم - : وقل رب زدني علما . فلو كان شيء أشرف من العلم لأمر الله تعالى نبيه - صلى الله عليه وسلم - أن يسأله المزيد منه كما أمر أن يستزيده من العلم . وقال - صلى الله عليه وسلم - : إن العلماء ورثة الأنبياء . وقال : العلماء أمناء الله على خلقه . وهذا شرف للعلماء عظيم ، ومحل لهم في الدين خطير . وخرج أبو محمد عبد الغني الحافظ من حديث بركة بن نشيط - وهو عنكل بن حكارك وتفسيره بركة بن نشيط - وكان حافظا ، حدثنا عمر بن المؤمل حدثنا محمد بن أبي الخصيب حدثنا عنكل حدثنا محمد بن إسحاق حدثنا شريك عن أبي إسحاق عن البراء قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : العلماء ورثة الأنبياء يحبهم أهل السماء ويستغفر لهم الحيتان في البحر إذا ماتوا إلى يوم القيامة وفي هذا الباب عن أبي الدرداء خرجه أبو داود .( الثالثة ) روى غالب القطان قال : أتيت الكوفة في تجارة فنزلت قريبا من الأعمش فكنت أختلف إليه . فلما كان ليلة أردت أن أنحدر إلى البصرة قام فتهجد من الليل فقرأ بهذه الآية : شهد الله أنه لا إله إلا هو والملائكة وأولو العلم قائما بالقسط لا إله إلا هو العزيز الحكيم . إن الدين عند الله الإسلام ، قال الأعمش : وأنا أشهد بما شهد الله به ، وأستودع الله هذه الشهادة ، وهي لي عند الله وديعة ، وإن الدين عند الله الإسلام - قالها مرارا - فغدوت إليه وودعته ثم قلت : إني سمعتك تقرأ هذه الآية فما بلغك فيها ؟ أنا عندك منذ سنة لم تحدثني به . قال : والله لا حدثتك به سنة . قال : فأقمت وكتبت على بابه ذلك اليوم ، فلما مضت السنة قلت : يا أبا محمد قد مضت السنة . قال : حدثني أبو وائل ، عن عبد الله بن مسعود قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : يجاء بصاحبها يوم القيامة فيقول الله تعالى : عبدي عهد إلي وأنا أحق من وفى أدخلوا عبدي الجنة . قال أبو الفرج الجوزي : غالب القطان هو غالب بن خطاف القطان ، يروي عن الأعمش حديث ( شهد الله ) وهو حديث معضل . قال ابن عدي الضعف على حديثه بين . وقال أحمد بن حنبل : غالب بن خطاف القطان ثقة ثقة . وقال ابن معين : ثقة . وقال أبو حاتم : صدوق صالح .قلت : يكفيك من عدالته وثقته أن خرج له البخاري ومسلم في كتابيهما ، وحسبك . وروي من حديث أنس عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : من قرأ شهد الله أنه لا إله إلا هو والملائكة وأولو العلم قائما بالقسط لا إله إلا هو العزيز الحكيم عند منامه خلق الله له سبعين ألف ملك يستغفرون له إلى يوم القيامة . ويقال من أقر بهذه الشهادة عن عقد من قلبه فقد قام بالعدل . وروي عن سعيد بن جبير أنه قال : كان حول الكعبة ثلاثمائة وستون صنما لكل حي من أحياء العرب صنم أو صنمان . فلما نزلت هذه الآية أصبحت الأصنام قد خرت ساجدة لله .( الرابعة ) قوله تعالى : شهد الله أي بين وأعلم ; كما يقال : شهد فلان عند القاضي إذا بين وأعلم لمن الحق ، أو على من هو . قال الزجاج : الشاهد هو الذي يعلم الشيء ويبينه ; فقد دلنا الله تعالى على وحدانيته بما خلق وبين . وقال أبو عبيدة : شهد الله بمعنى قضى الله ، أي أعلم . وقال ابن عطية : وهذا مردود من جهات . وقرأ الكسائي بفتح " أن " في قوله أنه لا إله إلا هو وقوله " أن الدين " . قال المبرد : التقدير : أن الدين عند الله الإسلام بأنه لا إله إلا هو ، ثم حذفت الباء كما قال : أمرتك الخير . أي بالخير . قال الكسائي : أنصبهما جميعا ، بمعنى شهد الله أنه كذا ، وأن الدين عند الله . قال ابن كيسان : " أن " الثانية بدل من الأولى ; لأن الإسلام تفسير المعنى الذي هو التوحيد . وقرأ ابن عباس فيما حكى الكسائي " شهد الله إنه " بالكسر أن الدين " بالفتح . والتقدير : شهد الله أن الدين الإسلام ، ثم ابتدأ فقال : إنه لا إله إلا هو . وقرأ أبو المهلب وكان قارئا - شهداء الله بالنصب على الحال ، وعنه " شهداء الله " . وروى شعبة عن عاصم عن زر عن أبي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه كان يقرأ " أن الدين عند الله الحنيفية لا اليهودية ولا النصرانية ولا المجوسية " . قال أبو بكر الأنباري : ولا يخفى على ذي تمييز أن هذا الكلام من النبي - صلى الله عليه وسلم - على جهة التفسير ، أدخله بعض من نقل الحديث في القرآن . وقائما نصب على الحال المؤكدة من اسمه تعالى في قوله شهد الله أو من قوله إلا هو . وقال الفراء : هو نصب على القطع ، كان أصله القائم ، فلما قطعت الألف واللام نصب كقوله : وله الدين واصبا . وفي قراءة عبد الله " القائم بالقسط " على النعت ، والقسط العدل . لا إله إلا هو العزيز الحكيم كرر لأن الأولى حلت محل الدعوى ، والشهادة الثانية حلت محل الحكم . وقال جعفر الصادق : الأولى وصف وتوحيد ، والثانية رسم وتعليم ; يعني قولوا لا إله إلا الله العزيز الحكيم .
اِنَّ الدِّیْنَ عِنْدَ اللّٰهِ الْاِسْلَامُ۫-وَ مَا اخْتَلَفَ الَّذِیْنَ اُوْتُوا الْكِتٰبَ اِلَّا مِنْۢ بَعْدِ مَا جَآءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْیًۢا بَیْنَهُمْؕ-وَ مَنْ یَّكْفُرْ بِاٰیٰتِ اللّٰهِ فَاِنَّ اللّٰهَ سَرِیْعُ الْحِسَابِ(۱۹)
بیشک اللہ کے یہاں اسلام ہی دین ہے (ف۴۰) اور پھوٹ میں نہ پڑے کتابی (ف۴۱) مگر اس کے کہ انہیں علم آچکا (ف۴۲) اپنے دلو ں کی جلن سے (ف۴۳) اور جو اللہ کی آیتوں کا منکر ہو تو بیشک اللہ جلد حساب لینے والا ہے،
قوله تعالى : إن الدين عند الله الإسلام وما اختلف الذين أوتوا الكتاب إلا من بعد ما جاءهم العلم بغيا بينهم ومن يكفر بآيات الله فإن الله سريع الحسابقوله تعالى : إن الدين عند الله الإسلام الدين في هذه الآية الطاعة والملة ، والإسلام بمعنى الإيمان والطاعات ; قاله أبو العالية ، وعليه جمهور المتكلمين . والأصل في مسمى الإيمان والإسلام التغاير ; لحديث جبريل . وقد يكون بمعنى المرادفة . فيسمى كل واحد منهما باسم الآخر ; كما في حديث وفد عبد القيس وأنه أمرهم بالإيمان بالله وحده وقال : ( هل تدرون ما الإيمان ) ؟ قالوا : الله ورسوله أعلم . قال : ( شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وصوم رمضان وأن تؤدوا خمسا من المغنم ) الحديث . وكذلك قوله - صلى الله عليه وسلم - : ( الإيمان بضع وسبعون بابا فأدناها إماطة الأذى وأرفعها قول لا إله إلا الله ) أخرجه الترمذي . وزاد مسلم ( والحياء شعبة من الإيمان ) . ويكون أيضا بمعنى التداخل وهو أن يطلق أحدهما ويراد به مسماه في الأصل ومسمى الآخر ، كما في هذه الآية إذ قد دخل فيها التصديق والأعمال ; ومنه قوله عليه السلام : الإيمان معرفة بالقلب وقول باللسان وعمل بالأركان . أخرجه ابن ماجه ، وقد تقدم والحقيقة هو الأول وضعا وشرعا وما عداه من باب التوسع ، والله أعلم .قوله تعالى : وما اختلف الذين أوتوا الكتاب الآية أخبر تعالى عن اختلاف أهل الكتاب أنه كان على علم منهم بالحقائق ، وأنه كان بغيا وطلبا للدنيا . قاله ابن عمر وغيره . وفي الكلام تقديم وتأخير ، والمعنى : وما اختلف الذين أوتوا الكتاب بغيا بينهم إلا من بعد ما جاءهم العلم ; قاله الأخفش . قال محمد بن جعفر بن الزبير : المراد بهذه الآية النصارى ، وهي توبيخ لنصارى نجران . وقال الربيع بن أنس : المراد بها اليهود . ولفظ الذين أوتوا الكتاب يعم اليهود والنصارى ; أي وما اختلف الذين أوتوا الكتاب يعني في نبوة محمد - صلى الله عليه وسلم - إلا من بعد ما جاءهم العلم يعني بيان صفته ونبوته في كتبهم . وقيل : أي وما اختلف الذين أوتوا الإنجيل في أمر عيسى وفرقوا فيه القول إلا من بعد ما جاءهم العلم بأن الله إله واحد ، وأن عيسى عبد الله ورسوله . بغيا نصب على المفعول من أجله ، أو على الحال من الذين ، والله تعالى أعلم .
فَاِنْ حَآجُّوْكَ فَقُلْ اَسْلَمْتُ وَجْهِیَ لِلّٰهِ وَ مَنِ اتَّبَعَنِؕ-وَ قُلْ لِّلَّذِیْنَ اُوْتُوا الْكِتٰبَ وَ الْاُمِّیّٖنَ ءَاَسْلَمْتُمْؕ-فَاِنْ اَسْلَمُوْا فَقَدِ اهْتَدَوْاۚ-وَ اِنْ تَوَلَّوْا فَاِنَّمَا عَلَیْكَ الْبَلٰغُؕ-وَ اللّٰهُ بَصِیْرٌۢ بِالْعِبَادِ۠(۲۰)
پھر اے محبوب! اگر وہ تم سے حجت کریں تو فرمادو میں اپنا منہ اللہ کے حضور جھکائے ہوں اور جومیرے پیرو ہوئے (ف۴۴) اور کتابیوں اور اَن پڑھوں سے فرماؤ (ف۴۵) کیا تم نے گردن رکھی (ف۴۶) پس اگر وہ گردن رکھیں جب تو راہ پاگئے اور اگر منہ پھیریں تو تم پر تو یہی حکم پہنچادینا ہے (ف۴۷) اور اللہ بندوں کو کو دیکھ رہا ہے،
قوله تعالى : فإن حاجوك فقل أسلمت وجهي لله ومن اتبعن وقل للذين أوتوا الكتاب والأميين أأسلمتم فإن أسلموا فقد اهتدوا وإن تولوا فإنما عليك البلاغ والله بصير بالعباد قوله تعالى : فإن حاجوك فقل أسلمت وجهي لله أي جادلوك بالأقاويل المزورة والمغالطات ، فأسند أمرك إلى ما كلفت من الإيمان والتبليغ وعلى الله نصرك . وقوله وجهي بمعنى ذاتي ; ومنه الحديث سجد وجهي للذي خلقه وصوره . وقيل : الوجه هنا بمعنى القصد ; كما تقول : خرج فلان في وجه كذا . وقد تقدم هذا المعنى في البقرة مستوفى ; والأول أولى . وعبر بالوجه عن سائر الذات إذ هو أشرف أعضاء الشخص وأجمعها للحواس . وقال :أسلمت وجهي لمن أسلمت له المزن تحمل عذبا زلالاوقد قال حذاق المتكلمين في قوله تعالى : ويبقى وجه ربك : إنها عبارة عن الذات وقيل : العمل الذي يقصد به وجهه . وقوله : ومن اتبعن " من " في محل رفع عطفا على التاء في قوله أسلمت أي ومن اتبعني أسلم أيضا ، وجاز العطف على الضمير المرفوع من غير تأكيد للفصل بينهما . وأثبت نافع وأبو عمرو ويعقوب ياء " اتبعني " على الأصل ، وحذف الآخرون اتباعا للمصحف إذ وقعت فيه بغير ياء . وقال الشاعر :ليس تخفى يسارتي قدر يوم ولقد تخفي شيمتي إعساريقوله تعالى : وقل للذين أوتوا الكتاب والأميين أأسلمتم فإن أسلموا فقد اهتدوا وإن تولوا فإنما عليك البلاغ والله بصير بالعباد يعني اليهود والنصارى والأميين الذين لا كتاب لهم وهم مشركو العرب . أأسلمتم استفهام معناه التقرير وفي ضمنه الأمر ، أي أسلموا ; كذا قال الطبري وغيره . وقال الزجاج : أأسلمتم تهديد . وهذا حسن لأن المعنى أأسلمتم أم لا . وجاءت العبارة في قوله فقد اهتدوا بالماضي مبالغة في الإخبار بوقوع الهدى لهم وتحصيله . و " البلاغ " مصدر بلغ بتخفيف عين الفعل ، أي إنما عليك أن تبلغ . وقيل : إنه مما نسخ بالجهاد . وقال ابن عطية : وهذا يحتاج إلى معرفة تاريخ نزولها ; وأما على ظاهر نزول هذه الآيات في وفد نجران فإنما المعنى فإنما عليك أن تبلغ ما أنزل إليك بما فيه من قتال وغيره .
اِنَّ الَّذِیْنَ یَكْفُرُوْنَ بِاٰیٰتِ اللّٰهِ وَ یَقْتُلُوْنَ النَّبِیّٖنَ بِغَیْرِ حَقٍّۙ-وَّ یَقْتُلُوْنَ الَّذِیْنَ یَاْمُرُوْنَ بِالْقِسْطِ مِنَ النَّاسِۙ-فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ اَلِیْمٍ(۲۱)
وہ جو اللہ کی آیتوں سے منکر ہوتے اور پیغمبروں کو ناحق شہید کرتے (ف۴۸) اور انصاف کا حکم کرنے والوں کو قتل کرتے ہیں انہیں خوشخبری دو درناک عذاب کی،
قوله تعالى : إن الذين يكفرون بآيات الله ويقتلون النبيين بغير حق ويقتلون الذين يأمرون بالقسط من الناس فبشرهم بعذاب أليمفيه ست مسائل ( الأولى ) قوله تعالى : إن الذين يكفرون بآيات الله ويقتلون النبيين قال أبو العباس المبرد : كان ناس من بني إسرائيل جاءهم النبيون يدعونهم إلى الله - عز وجل - فقتلوهم ، فقام أناس من بعدهم من المؤمنين فأمروهم بالإسلام فقتلوهم ; ففيهم نزلت هذه الآية . وكذلك قال معقل بن أبي مسكين : كانت الأنبياء صلوات الله عليهم تجيء إلى بني إسرائيل بغير كتاب فيقتلونهم ، فيقوم قوم ممن اتبعهم فيأمرون بالقسط ، أي بالعدل ، فيقتلون . وقد روي عن ابن مسعود قال : قال النبي - صلى الله عليه وسلم - : بئس القوم قوم يقتلون الذين يأمرون بالقسط من الناس ، بئس القوم قوم لا يأمرون بالمعروف ولا ينهون عن المنكر ، بئس القوم قوم يمشي المؤمن بينهم بالتقية وروى أبو عبيدة بن الجراح أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : قتلت بنو إسرائيل ثلاثة وأربعين نبيا من أول النهار في ساعة واحدة فقام مائة رجل واثنا عشر رجلا من عباد بني إسرائيل فأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر فقتلوا جميعا في آخر النهار من ذلك اليوم وهم الذين ذكرهم الله في هذه الآية . ذكره المهدوي وغيره . وروى شعبة عن أبي إسحاق عن أبي عبيدة عن عبد الله قال : كانت بنو إسرائيل تقتل في اليوم سبعين نبيا ثم تقوم سوق بقلهم من آخر النهار .فإن قال قائل : الذين وعظوا بهذا لم يقتلوا نبيا . فالجواب عن هذا أنهم رضوا فعل من قتل فكانوا بمنزلته ; وأيضا فإنهم قاتلوا النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه وهموا بقتلهم ; قال الله عز وجل : وإذ يمكر بك الذين كفروا ليثبتوك أو يقتلوك .( الثانية ) دلت هذه الآية على أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر كان واجبا في الأمم المتقدمة ، وهو فائدة الرسالة وخلافة النبوة . قال الحسن قال النبي - صلى الله عليه وسلم - : من أمر بالمعروف أو نهى عن المنكر فهو خليفة الله في أرضه وخليفة رسوله وخليفة كتابه . وعن درة بنت أبي لهب قالت : جاء رجل إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو على المنبر فقال : من خير الناس يا رسول الله ؟ قال : ( آمرهم بالمعروف وأنهاهم عن المنكر وأتقاهم لله وأوصلهم لرحمه ) . وفي التنزيل : المنافقون والمنافقات بعضهم من بعض يأمرون بالمنكر وينهون عن المعروف ثم قال : والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر . فجعل تعالى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فرقا بين المؤمنين والمنافقين ; فدل على أن أخص أوصاف المؤمن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، ورأسها الدعاء إلى الإسلام والقتال عليه . ثم إن الأمر بالمعروف لا يليق بكل أحد ، وإنما يقوم به السلطان إذ كانت إقامة الحدود إليه ، والتعزيز إلى رأيه ، والحبس والإطلاق له ، والنفي والتغريب ; فينصب في كل بلدة رجلا صالحا قويا عالما أمينا ويأمره بذلك ، ويمضي الحدود على وجهها من غير زيادة . قال الله تعالى : الذين إن مكناهم في الأرض أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر .( الثالثة ) وليس من شرط الناهي أن يكون عدلا عند أهل السنة ، خلافا للمبتدعة حيث تقول : لا يغيره إلا عدل . وهذا ساقط ; فإن العدالة محصورة في القليل من الخلق ، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر عام في جميع الناس . فإن تشبثوا بقوله تعالى : أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم ، وقوله : كبر مقتا عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون ونحوه ، قيل لهم : إنما وقع الذم هاهنا على ارتكاب ما نهي عنه لا على نهيه عن المنكر . ولا شك في أن النهي عنه ممن يأتيه أقبح ممن لا يأتيه ، ولذلك يدور في جهنم كما يدور الحمار بالرحى ، كما بيناه في البقرة عند قوله تعالى : أتأمرون الناس بالبر. ( الرابعة ) أجمع المسلمون فيما ذكر ابن عبد البر أن المنكر واجب تغييره على كل من قدر عليه ، وإنه إذا لم يلحقه بتغييره إلا اللوم الذي لا يتعدى إلى الأذى فإن ذلك لا يجب أن يمنعه من تغييره ; فإن لم يقدر فبلسانه ، فإن لم يقدر فبقلبه ليس عليه أكثر من ذلك . وإذا أنكر بقلبه فقد أدى ما عليه إذا لم يستطع سوى ذلك . قال : والأحاديث عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في تأكيد الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر كثيرة جدا ولكنها مقيدة بالاستطاعة . قال الحسن : إنما يكلم مؤمن يرجى أو جاهل يعلم ; فأما من وضع سيفه أو سوطه فقال : اتقني اتقني فما لك وله . وقال ابن مسعود : بحسب المرء إذا رأى منكرا لا يستطيع تغييره أن يعلم الله من قلبه أنه له كاره . وروى ابن لهيعة عن الأعرج عن أبي هريرة قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : لا يحل لمؤمن أن يذل نفسه . قالوا : يا رسول الله وما إذلاله نفسه ؟ قال : ( يتعرض من البلاء لما لا يقوم له ) .قلت : وخرجه ابن ماجه عن علي بن زيد بن جدعان عن الحسن بن جندب عن حذيفة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وكلاهما قد تكلم فيه . وروي عن بعض الصحابة أنه قال : إن الرجل إذا رأى منكرا لا يستطيع النكير عليه فليقل ثلاث مرات " اللهم إن هذا منكر " فإذا قال ذلك فقد فعل ما عليه ، وزعم ابن العربي أن من رجا زواله وخاف على نفسه من تغييره الضرب أو القتل جاز له عند أكثر العلماء الاقتحام عند هذا الغرر ، وإن لم يرج زواله فأي فائدة عنده . قال : والذي عندي أن النية إذا خلصت فليقتحم كيف ما كان ولا يبالي .قلت : هذا خلاف ما ذكره أبو عمر من الإجماع . وهذه الآية تدل على جواز الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مع خوف القتل . وقال تعالى : وأمر بالمعروف وانه عن المنكر واصبر على ما أصابك . وهذا إشارة إلى الإذاية .( الخامسة ) روى الأئمة عن أبي سعيد الخدري قال : سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول من رأى منكم منكرا فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان . قال العلماء : الأمر بالمعروف باليد على الأمراء ، وباللسان على العلماء ، وبالقلب على الضعفاء ، يعني عوام الناس . فالمنكر إذا أمكنت إزالته باللسان للناهي فليفعله ، وإن لم يمكنه إلا بالعقوبة أو بالقتل فليفعل ، فإن زال بدون القتل لم يجز القتل ; وهذا تلقي من قول الله تعالى : فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء إلى أمر الله . وعليه بنى العلماء أنه إذا دفع الصائل على النفس أو على المال عن نفسه أو عن ماله أو نفس غيره فله ذلك ولا شيء عليه . ولو رأى زيد عمرا وقد قصد مال بكر فيجب عليه أن يدفعه عنه إذا لم يكن صاحب المال قادرا عليه ولا راضيا به ; حتى لقد قال العلماء : لو فرضنا قودا . وقيل : كل بلدة يكون فيها أربعة فأهلها معصومون من البلاء : إمام عادل لا يظلم ، وعالم على سبيل الهدى ، ومشايخ يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويحرضون على طلب العلم والقرآن ، ونساؤهم مستورات لا يتبرجن تبرج الجاهلية الأولى .( السادسة ) روى أنس بن مالك قال : قيل يا رسول الله ، متى نترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ؟ قال : ( إذا ظهر فيكم ما ظهر في الأمم قبلكم ) . قلنا : يا رسول الله وما ظهر في الأمم قبلنا ؟ قال : ( الملك في صغاركم والفاحشة في كباركم والعلم في رذالتكم ) . قال زيد : تفسير معنى قول النبي - صلى الله عليه وسلم - ( والعلم في رذالتكم ) إذا كان العلم في الفساق . خرجه ابن ماجه . وسيأتي لهذا الباب مزيد بيان في " المائدة " وغيرها إن شاء الله تعالى وتقدم معنى فبشرهم وحبطت في البقرة فلا معنى للإعادة .
اُولٰٓىٕكَ الَّذِیْنَ حَبِطَتْ اَعْمَالُهُمْ فِی الدُّنْیَا وَ الْاٰخِرَةِ٘-وَ مَا لَهُمْ مِّنْ نّٰصِرِیْنَ(۲۲)
یہ ہیں وہ جنکے اعمال اکارت گئے دنیا و آخرت میں (ف۴۹) اور ان کا کوئی مددگار نہیں (ف۵۰)
أي بطلت وفسدت ; ومنه الحبط وهو فساد يلحق المواشي في بطونها من كثرة أكلها الكلأ فتنتفخ أجوافها ,
اَلَمْ تَرَ اِلَى الَّذِیْنَ اُوْتُوْا نَصِیْبًا مِّنَ الْكِتٰبِ یُدْعَوْنَ اِلٰى كِتٰبِ اللّٰهِ لِیَحْكُمَ بَیْنَهُمْ ثُمَّ یَتَوَلّٰى فَرِیْقٌ مِّنْهُمْ وَ هُمْ مُّعْرِضُوْنَ(۲۳)
کیا تم نے انہیں دیکھا جنہیں کتاب کا ایک حصہ ملا (ف۵۱) کتاب اللہ کی طرف بلائے جاتے ہیں کہ وہ ان کا فیصلہ کرے پھر ان میں کا ایک گروہ اس سے روگرداں ہوکر پھر جاتا ہے (ف۵۲)
قوله تعالى : ألم تر إلى الذين أوتوا نصيبا من الكتاب يدعون إلى كتاب الله ليحكم بينهم ثم يتولى فريق منهم وهم معرضون فيه ثلاث مسائل ( الأولى ) قال ابن عباس : هذه الآية نزلت بسبب أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - دخل بيت المدراس على جماعة من يهود فدعاهم إلى الله . فقال له نعيم بن عمرو والحارث بن زيد : على أي دين أنت يا محمد ؟ فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : ( إني على ملة إبراهيم ) . فقالا : فإن إبراهيم كان يهوديا . فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : ( فهلموا إلى التوراة فهي بيننا وبينكم ) . فأبيا عليه فنزلت الآية . وذكر النقاش أنها نزلت لأن جماعة من اليهود أنكروا نبوة محمد - صلى الله عليه وسلم - فقال لهم النبي - صلى الله عليه وسلم - : ( هلموا إلى التوراة ففيها صفتي ) فأبوا . وقرأ الجمهور ليحكم وقرأ أبو جعفر يزيد بن القعقاع " ليحكم " بضم الياء . والقراءة الأولى أحسن ; لقوله تعالى : هذا كتابنا ينطق عليكم بالحق ( الثانية ) في هذه الآية دليل على وجوب ارتفاع المدعو إلى الحاكم لأنه دعي إلى كتاب الله ; فإن لم يفعل كان مخالفا يتعين عليه الزجر بالأدب على قدر المخالف والمخالف . وهذا الحكم جار عندنا بالأندلس وبلاد المغرب وليس بالديار المصرية . وهذا الحكم الذي ذكرناه مبين في التنزيل في سورة " النور " في قوله تعالى : وإذا دعوا إلى الله ورسوله ليحكم بينهم إذا فريق منهم معرضون إلى قوله بل أولئك هم الظالمون . وأسند الزهري عن الحسن أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : من دعاه خصمه إلى حاكم من حكام المسلمين فلم يجب فهو ظالم ولا حق له . قال ابن العربي : وهذا حديث باطل . أما قوله " فهو ظالم " فكلام صحيح . وأما قوله " فلا حق له " فلا يصح ، ويحتمل أن يريد أنه على غير الحق . قال ابن خويز منداد المالكي : واجب على كل من دعي إلى مجلس الحاكم أن يجيب ما لم يعلم أن الحاكم فاسق ، أو يعلم عداؤه من المدعي والمدعى عليه .( الثالثة ) وفيها دليل على أن شرائع من قبلنا شريعة لنا إلا ما علمنا نسخه ، وإنه يجب علينا الحكم بشرائع الأنبياء قبلنا ، على ما يأتي بيانه . وإنما لا نقرأ التوراة ولا نعمل بما فيها لأن من هي في يده غير أمين عليها وقد غيرها وبدلها ، ولو علمنا أن شيئا منها لم يتغير ولم يتبدل جاز لنا قراءته . ونحو ذلك روي عن عمر حيث قال لكعب : إن كنت تعلم أنها التوراة التي أنزلها الله على موسى بن عمران فاقرأها . وكان عليه السلام عالما بما لم يغير منها فلذلك دعاهم إليها وإلى الحكم بها . وسيأتي بيان هذا في " المائدة " والأخبار الواردة في ذلك إن شاء الله تعالى وقد قيل : إن هذه الآية نزلت في ذلك والله أعلم .
ذٰلِكَ بِاَنَّهُمْ قَالُوْا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ اِلَّاۤ اَیَّامًا مَّعْدُوْدٰتٍ۪- وَّ غَرَّهُمْ فِیْ دِیْنِهِمْ مَّا كَانُوْا یَفْتَرُوْنَ(۲۴)
یہ جرأت (ف۵۳) انہیں اس لئے ہوئی کہ وہ کہتے ہیں ہرگز ہمیں آگ نہ چھوئے گی مگر گنتی کے دنوں (ف۵۴) اور ان کے دین میں انہیں فریب دیا اس جھوٹ نے جو باندھتے تھے (ف۵۵)
قوله تعالى : ذلك بأنهم قالوا لن تمسنا النار إلا أياما معدودات وغرهم في دينهم ما كانوا يفترون إشارة إلى التولي والإعراض ، واغترار منهم في قولهم : نحن أبناء الله وأحباؤه إلى غير ذلك من أقوالهم وقد مضى الكلام في معنى قولهم : لن تمسنا النار في البقرة .
فَكَیْفَ اِذَا جَمَعْنٰهُمْ لِیَوْمٍ لَّا رَیْبَ فِیْهِ۫-وَ وُفِّیَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ وَ هُمْ لَا یُظْلَمُوْنَ(۲۵)
تو کیسی ہوگی جب ہم انہیں اکٹھا کریں گے اس دن کے لئے جس میں شک نہیں (ف۵۶) اور ہر جان کو اس کی کمائی پوری بھر (بالکل پوری) دی جائے گی اور ان پر ظلم نہ ہوگا،
قوله تعالى : فكيف إذا جمعناهم ليوم لا ريب فيه ووفيت كل نفس ما كسبت وهم لا يظلمون خطاب للنبي - صلى الله عليه وسلم - وأمته على جهة التوقيف والتعجب ، أي فكيف يكون حالهم أو كيف يصنعون إذا حشروا يوم القيامة واضمحلت عنهم تلك الزخارف التي ادعوها في الدنيا ، وجوزوا بما اكتسبوه من كفرهم واجترائهم وقبيح أعمالهم . واللام في قوله ليوم بمعنى " في " ; قاله الكسائي ، وقال البصريون : المعنى لحساب يوم ، الطبري : لما يحدث في يوم .
قُلِ اللّٰهُمَّ مٰلِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِی الْمُلْكَ مَنْ تَشَآءُ وَ تَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَآءُ٘-وَ تُعِزُّ مَنْ تَشَآءُ وَ تُذِلُّ مَنْ تَشَآءُؕ-بِیَدِكَ الْخَیْرُؕ-اِنَّكَ عَلٰى كُلِّ شَیْءٍ قَدِیْرٌ(۲۶)
یوں عرض کر، اے اللہ! ملک کے مالک تو جسے چاہے سلطنت دے اور جس سے چاہے چھین لے، اور جسے چاہے عزت دے اور جسے چاہے ذلت دے، ساری بھلائی تیرے ہی ہاتھ ہے، بیشک تو سب کچھ کرسکتا ہے (ف۵۷)
قوله تعالى : قل اللهم مالك الملك تؤتي الملك من تشاء وتنزع الملك ممن تشاء وتعز من تشاء وتذل من تشاء بيدك الخير إنك على كل شيء قديرقال علي - رضي الله عنه - قال النبي - صلى الله عليه وسلم - : لما أراد الله تعالى أن ينزل فاتحة الكتاب وآية الكرسي وشهد الله وقل اللهم مالك الملك إلى قوله بغير حساب تعلقن بالعرش وليس بينهن وبين الله حجاب وقلن يا رب تهبط بنا دار الذنوب وإلى من يعصيك فقال الله تعالى وعزتي وجلالي لا يقرؤكن عقب كل صلاة مكتوبة إلا أسكنته حظيرة القدس على ما كان منه ، وإلا نظرت إليه بعيني المكنونة في كل يوم سبعين نظرة ، وإلا قضيت له في كل يوم سبعين حاجة أدناها المغفرة ، وإلا أعذته من كل عدو ونصرته عليه ولا يمنعه من دخول الجنة إلا أن يموت . وقال معاذ بن جبل : احتبست عن النبي - صلى الله عليه وسلم - يوما فلم أصل معه الجمعة فقال : ( يا معاذ ما منعك من صلاة الجمعة ؟ ) قلت : يا رسول الله ، كان ليوحنا بن باريا اليهودي علي أوقية من تبر وكان على بابي يرصدني فأشفقت أن يحبسني دونك . قال : ( أتحب يا معاذ أن يقضي الله دينك ؟ ) قلت : نعم . قال : ( قل كل يوم قل اللهم مالك الملك - إلى قوله - بغير حساب رحمن الدنيا والآخرة ورحيمهما تعطي منهما من تشاء وتمنع منهما من تشاء اقض عني ديني فلو كان عليك ملء الأرض ذهبا لأداه الله عنك ) . خرجه أبو نعيم الحافظ ، أيضا عن عطاء الخراساني أن معاذ بن جبل قال : علمني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - آيات من القرآن - أو كلمات - ما في الأرض مسلم يدعو بهن وهو مكروب أو غارم أو ذو دين إلا قضى الله عنه وفرج همه ، احتبست عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ; فذكره . غريب من حديث عطاء أرسله عن معاذ . وقال ابن عباس وأنس بن مالك : لما افتتح رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مكة ووعد أمته ملك فارس والروم قال المنافقون واليهود : هيهات هيهات ! من أين لمحمد ملك فارس والروم هم أعز وأمنع من ذلك ، ألم يكف محمدا مكة والمدينة حتى طمع في ملك فارس والروم ; فأنزل الله تعالى هذه الآية . وقيل : نزلت دامغة لباطل نصارى أهل نجران في قولهم : إن عيسى هو الله ; وذلك أن هذه الأوصاف تبين لكل صحيح الفطرة أن عيسى ليس في شيء منها . قال ابن إسحاق : أعلم الله عز وجل في هذه الآية بعنادهم وكفرهم ، وأن عيسى - صلى الله عليه وسلم - وإن كان الله تعالى أعطاه آيات تدل على نبوته من إحياء الموتى وغير ذلك فإن الله عز وجل هو المنفرد بهذه الأشياء ; من قوله : تؤتي الملك من تشاء وتنزع الملك ممن تشاء وتعز من تشاء وتذل من تشاء . وقوله : تولج الليل في النهار وتولج النهار في الليل وتخرج الحي من الميت وتخرج الميت من الحي وترزق من تشاء بغير حساب فلو كان عيسى إلها كان هذا إليه ; فكان في ذلك اعتبار وآية بينة .قوله تعالى : قل اللهم اختلف النحويون في تركيب لفظة " اللهم " بعد إجماعهم أنها مضمومة الهاء مشددة الميم المفتوحة ، وأنها منادى ; وقد جاءت مخففة الميم في قول الأعشى :كدعوة من أبي رباح يسمعها إليهم الكبارقال الخليل وسيبويه وجميع البصريين : إن أصل اللهم يا ألله ، فلما استعملت الكلمة دون حرف النداء الذي هو " يا " جعلوا بدله هذه الميم المشددة ، فجاءوا بحرفين وهما الميمان عوضا من حرفين وهما الياء والألف ، والضمة في الهاء هي ضمة الاسم المنادى المفرد . وذهب الفراء والكوفيون إلى أن الأصل في اللهم يا ألله أمنا بخير ; فحذف وخلط الكلمتين ، وإن الضمة التي في الهاء هي الضمة التي كانت في أمنا لما حذفت الهمزة انتقلت الحركة . قال النحاس : هذا عند البصريين من الخطأ العظيم ، والقول في هذا ما قال الخليل وسيبويه . قال الزجاج : محال أن يترك الضم الذي هو دليل على النداء المفرد ، وأن يجعل في اسم الله ضمة أم ، هذا إلحاد في اسم الله تعالى . قال ابن عطية : وهذا غلو من الزجاج ، وزعم أنه ما سمع قط " يا ألله أم " ، ولا تقول العرب يا اللهم . وقال الكوفيون : إنه قد يدخل حرف النداء على " اللهم " وأنشدوا على ذلك قول الراجز :غفرت أو عذبت يا اللهماآخر :وما عليك أن تقولي كلما سبحت أو هللت يا اللهمااردد علينا شيخنا مسلما فإننا من خيره لن نعدماآخر :إني إذا ما حدث ألما أقول يا اللهم يا اللهماقالوا : فلو كان الميم عوضا من حرف النداء لما اجتمعا . قال الزجاج : وهذا شاذ ولا يعرف قائله ، ولا يترك له ما كان في كتاب الله وفي جميع ديوان العرب ; وقد ورد مثله في قوله :هما نفثا في في من فمويهما على النابح العاوي أشد رجامقال الكوفيون : وإنما تزاد الميم مخففة في " فم وابنم " ، وأما ميم مشددة فلا تزاد . وقال بعض النحويين : ما قاله الكوفيون خطأ ; لأنه لو كان كما قالوا كان يجب أن يقال : " اللهم " ويقتصر عليه لأنه معه دعاء . وأيضا فقد تقول : أنت اللهم الرزاق . فلو كان كما ادعوا لكنت قد فصلت بجملتين بين الابتداء والخبر . قال النضر بن شميل : من قال اللهم فقد دعا الله تعالى بجميع أسمائه كلها وقال الحسن : اللهم تجمع الدعاء .قوله تعالى : مالك الملك قال قتادة : بلغني أن النبي - صلى الله عليه وسلم - سأل الله - عز وجل - أن يعطي أمته ملك فارس فأنزل الله هذه الآية . وقال مقاتل : سأل النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يجعل الله له ملك فارس والروم في أمته ; فعلمه الله تعالى بأن يدعو بهذا الدعاء . وقد تقدم معناه . و " مالك " منصوب عند سيبويه على أنه نداء ثان ; ومثله قوله تعالى : قل اللهم فاطر السماوات والأرض ولا يجوز عنده أن يوصف اللهم لأنه قد ضمت إليه الميم . وخالفه محمد بن يزيد وإبراهيم بن السري الزجاج فقالا : " مالك " في الإعراب صفة لاسم الله تعالى ، وكذلك فاطر السماوات والأرض . قال أبو علي ; هو مذهب أبي العباس المبرد ; وما قاله سيبويه أصوب وأبين ; وذلك أنه ليس في الأسماء الموصوفة شيء على حد " اللهم " لأنه اسم مفرد ضم إليه صوت ، والأصوات لا توصف ; نحو غاق وما أشبهه . وكان حكم الاسم المفرد ألا يوصف وإن كانوا قد وصفوه في مواضع . فلما ضم هنا ما لا يوصف إلى ما كان قياسه ألا يوصف صار بمنزلة صوت ضم إلى صوت ; نحو حيهل فلم يوصف . و " الملك " هنا النبوة ; عن مجاهد . وقيل ، الغلبة . وقيل : المال والعبيد . الزجاج : المعنى مالك العباد وما ملكوا . وقيل : المعنى مالك الدنيا والآخرة .ومعنى تؤتي الملك أي الإيمان والإسلام . من تشاء أي من تشاء أن تؤتيه إياه ، وكذلك ما بعده ، ولا بد فيه من تقدير الحذف ، أي وتنزع الملك ممن تشاء أن تنزعه منه ، ثم حذف هذا ، وأنشد سيبويه :ألا هل لهذا الدهر من متعلل على الناس مهما شاء بالناس يفعلقال الزجاج : مهما شاء أن يفعل بالناس يفعل . وتعز من تشاء يقال : عز إذا علا وقهر وغلب ; ومنه ، وعزني في الخطاب . وتذل من تشاء ذل يذل إذا غلب وعلا وقهر . قال طرفة :بطيء عن الجلى سريع إلى الخنا ذليل بأجماع الرجال ملهدبيدك الخير أي بيدك الخير والشر فحذف ; كما قال : سرابيل تقيكم الحر . وقيل : خص الخير لأنه موضع دعاء ورغبة في فضله . قال النقاش : بيدك الخير ، أي النصر والغنيمة . وقال أهل الإشارات . كان أبو جهل يملك المال الكثير ، ووقع في الرس يوم بدر ، والفقراء صهيب وبلال وخباب لم يكن لهم مال ، وكان ملكهم الإيمان ، قل اللهم مالك الملك تؤتي الملك من تشاء تقيم الرسول يتيم أبي طالب على رأس الرس حتى ينادي أبدانا قد انقلبت إلى القليب : يا عتبة ، يا شيبة تعز من تشاء وتذل من تشاء . أي صهيب ، أي بلال ، لا تعتقدوا أنا منعناكم من الدنيا ببغضكم . بيدك الخير ما منعكم من عجز إنك على كل شيء قدير إنعام الحق عام يتولى من يشاء .
تُوْلِجُ الَّیْلَ فِی النَّهَارِ وَ تُوْلِجُ النَّهَارَ فِی الَّیْلِ٘-وَ تُخْرِ جُ الْحَیَّ مِنَ الْمَیِّتِ وَ تُخْرِ جُ الْمَیِّتَ مِنَ الْحَیِّ٘-وَ تَرْزُقُ مَنْ تَشَآءُ بِغَیْرِ حِسَابٍ(۲۷)
تو دن کا حصّہ رات میں ڈالے اور رات کا حصہ دن میں ڈالے (ف۵۸) اور مردہ سے زندہ نکالے اور زندہ سے مردہ نکالے (ف۵۹) اور جسے چاہے بے گنتی دے،
قوله تعالى : تولج الليل في النهار وتولج النهار في الليل وتخرج الحي من الميت وتخرج الميت من الحي وترزق من تشاء بغير حسابقال ابن عباس ومجاهد والحسن وقتادة والسدي في معنى قوله تولج الليل في النهار الآية ، أي تدخل ما نقص من أحدهما في الآخر ، حتى يصير النهار خمس عشرة ساعة وهو أطول ما يكون ، والليل تسع ساعات وهو أقصر ما يكون . وكذا تولج النهار في الليل وهو قول الكلبي ، وروي عن ابن مسعود . وتحتمل ألفاظ الآية أن يدخل فيها تعاقب الليل والنهار ، كأن زوال أحدهما ولوج في الآخر .واختلف المفسرون في معنى قوله تعالى : وتخرج الحي من الميت فقال الحسن : معناه تخرج المؤمن من الكافر والكافر من المؤمن ، وروي نحوه عن سلمان الفارسي . وروى معمر عن الزهري أن النبي - صلى الله عليه وسلم - دخل على نسائه فإذا بامرأة حسنة الهيئة قال : ( من هذه ؟ ) قلن إحدى خالاتك . قال : ( ومن هي ؟ ) قلن : هي خالدة بنت الأسود بن عبد يغوث . فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : ( سبحان الذي يخرج الحي من الميت ) . وكانت امرأة صالحة وكان أبوها كافرا . فالمراد على هذا القول موت قلب الكافر وحياة قلب المؤمن ; فالموت والحياة مستعاران . وذهب كثير من العلماء إلى أن الحياة والموت في الآية حقيقتان ; فقال عكرمة : هي إخراج الدجاجة وهي حية من البيضة وهي ميتة ، وإخراج البيضة وهي ميتة من الدجاجة وهي حية . وقال ابن مسعود : هي النطفة تخرج من الرجل وهي ميتة وهو حي ، ويخرج الرجل منها حيا وهي ميتة . وقال عكرمة والسدي : هي الحبة تخرج من السنبلة والسنبلة تخرج من الحبة ، والنواة من النخلة والنخلة تخرج من النواة ; والحياة في النخلة والسنبلة تشبيه .وترزق من تشاء بغير حساب أي بغير تضييق ولا تقتير ; كما تقول : فلان يعطي بغير حساب ; كأنه لا يحسب ما يعطي .
لَا یَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُوْنَ الْكٰفِرِیْنَ اَوْلِیَآءَ مِنْ دُوْنِ الْمُؤْمِنِیْنَۚ-وَ مَنْ یَّفْعَلْ ذٰلِكَ فَلَیْسَ مِنَ اللّٰهِ فِیْ شَیْءٍ اِلَّاۤ اَنْ تَتَّقُوْا مِنْهُمْ تُقٰىةًؕ-وَ یُحَذِّرُكُمُ اللّٰهُ نَفْسَهٗؕ-وَ اِلَى اللّٰهِ الْمَصِیْرُ(۲۸)
مسلمان کافروں کو اپنا دوست نہ بنالیں مسلمانوں کے سوا (ف۶۰) اور جو ایسا کرے گا اسے اللہ سے کچھ علاقہ نہ رہا مگر یہ کہ تم ان سے کچھ ڈرو (ف۶۱) اور اللہ تمہیں اپنے غضب سے ڈراتا ہے اور اللہ ہی کی طرف پھرنا ہے،
قوله تعالى : لا يتخذ المؤمنون الكافرين أولياء من دون المؤمنين ومن يفعل ذلك فليس من الله في شيء إلا أن تتقوا منهم تقاة ويحذركم الله نفسه وإلى الله المصيرفيه مسألتان :الأولى : قال ابن عباس : نهى الله المؤمنين أن يلاطفوا الكفار فيتخذوهم أولياء ; ومثله لا تتخذوا بطانة من دونكم وهناك يأتي بيان هذا المعنى . ومعنى فليس من الله في شيء أي فليس من حزب الله ولا من أوليائه في شيء ; مثل واسأل القرية . وحكى سيبويه " هو مني فرسخين " أي من أصحابي ومعي . ثم استثنى وهي : الثانية : فقال : إلا أن تتقوا منهم تقاة قال معاذ بن جبل ومجاهد : كانت التقية في جدة الإسلام قبل قوة المسلمين ; فأما اليوم فقد أعز الله الإسلام أن يتقوا من عدوهم . قال ابن عباس : هو أن يتكلم بلسانه وقلبه مطمئن بالإيمان ، ولا يقتل ولا يأتي مأثما . وقال الحسن : التقية جائزة للإنسان إلى يوم القيامة ، ولا تقية في القتل . وقرأ جابر بن زيد ومجاهد والضحاك : " إلا أن تتقوا منهم تقية " وقيل : إن المؤمن إذا كان قائما بين الكفار فله أن يداريهم باللسان إذا كان خائفا على نفسه وقلبه مطمئن بالإيمان والتقية لا تحل إلا مع خوف القتل أو القطع أو الإيذاء العظيم . ومن أكره على الكفر فالصحيح أن له أن يتصلب ولا يجيب إلى التلفظ بكلمة الكفر ; بل يجوز له ذلك على ما يأتي بيانه في ( النحل ) إن شاء الله تعالى . وأمال حمزة والكسائي " تقاة " ، وفخم الباقون ; وأصل ( تقاة ) وقية على وزن فعلة ; مثل تؤدة وتهمة ، قلبت الواو تاء والياء ألفا . وروى الضحاك عن ابن عباس أن هذه الآية نزلت في عبادة بن الصامت الأنصاري وكان بدريا تقيا وكان له حلف من اليهود ; فلما خرج النبي - صلى الله عليه وسلم - يوم الأحزاب قال عبادة : يا نبي الله ، إن معي خمسمائة رجل من اليهود ، وقد رأيت أن يخرجوا معي فأستظهر بهم على العدو . فأنزل الله تعالى : لا يتخذ المؤمنون الكافرين أولياء من دون المؤمنين الآية . وقيل : إنها نزلت في عمار بن ياسر حين تكلم ببعض ما أراد منه المشركون ، على ما يأتي بيانه في ( النحل ) .قوله تعالى : ويحذركم الله نفسه قال الزجاج : أي : ويحذركم الله إياه . ثم استغنوا عن ذلك بذا وصار المستعمل ; قال تعالى : تعلم ما في نفسي ولا أعلم ما في نفسك فمعناه تعلم ما عندي وما في حقيقتي ولا أعلم ما عندك ولا ما في حقيقتك . وقال غيره : المعنى ويحذركم الله عقابه ; مثل واسأل القرية . وقال : تعلم ما في نفسي أي مغيبي ، فجعلت النفس في موضع الإضمار لأنه فيها يكون . وإلى الله المصير أي : وإلى جزاء الله المصير . وفيه إقرار بالبعث .
قُلْ اِنْ تُخْفُوْا مَا فِیْ صُدُوْرِكُمْ اَوْ تُبْدُوْهُ یَعْلَمْهُ اللّٰهُؕ-وَ یَعْلَمُ مَا فِی السَّمٰوٰتِ وَ مَا فِی الْاَرْضِؕ-وَ اللّٰهُ عَلٰى كُلِّ شَیْءٍ قَدِیْرٌ(۲۹)
تم فرمادو کہ اگر تم اپنے جی کی بات چھپاؤ یا ظاہر کرو اللہ کو سب معلوم ہے، اور جانتا ہے جو کچھ آسمانوں میں ہے اور جو کچھ زمین میں ہے، اور ہر چیز پر اللہ کا قابو ہے،
قوله تعالى : قل إن تخفوا ما في صدوركم أو تبدوه يعلمه الله ويعلم ما في السماوات وما في الأرض والله على كل شيء قديرفهو العالم بخفيات الصدور وما اشتملت عليه ، وبما في السماوات والأرض وما احتوت عليه ، علام الغيوب لا يعزب عنه مثقال ذرة ولا يغيب عنه شيء ، سبحانه لا إله إلا هو عالم الغيب والشهادة .
یَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَّا عَمِلَتْ مِنْ خَیْرٍ مُّحْضَرًا ﳝ- وَّ مَا عَمِلَتْ مِنْ سُوْٓءٍۚۛ-تَوَدُّ لَوْ اَنَّ بَیْنَهَا وَ بَیْنَهٗۤ اَمَدًۢا بَعِیْدًاؕ-وَ یُحَذِّرُكُمُ اللّٰهُ نَفْسَهٗؕ-وَ اللّٰهُ رَءُوْفٌۢ بِالْعِبَادِ۠(۳۰)
جس دن ہر جان نے جو بھلا کیا حاضر پائے گی (ف۶۲) اور جو برا کام کیا، امید کرے گی کاش مجھ میں اور اس میں دور کا فاصلہ ہوتا (ف۶۳) اور اللہ تمہیں اپنے عذاب سے ڈراتا ہے، اور اللہ بندوں پر مہربان ہے،
قوله تعالى : يوم تجد كل نفس ما عملت من خير محضرا وما عملت من سوء تود لو أن بينها وبينه أمدا بعيدا ويحذركم الله نفسه والله رؤوف بالعباد( يوم ) منصوب متصل بقوله : ويحذركم الله نفسه . يوم تجد . وقيل : هو متصل بقوله : وإلى الله المصير . يوم تجد . وقيل : هو متصل بقوله : والله على كل شيء قدير . يوم تجد ويجوز أن يكون منقطعا على إضمار اذكر ; ومثله قوله : إن الله عزيز ذو انتقام يوم تبدل الأرض .و ( محضرا ) حال من الضمير المحذوف من صلة " ما " تقديره يوم تجد كل نفس ، ما عملته من خير محضرا . هذا على أن يكون تجد من وجدان الضالة . و ( ما ) من قوله وما عملت من سوء عطف على ( ما ) الأولى . و ( تود ) في موضع الحال من ( ما ) الثانية . وإن جعلت تجد بمعنى تعلم كان محضرا المفعول الثاني ، وكذلك تكون تود في موضع المفعول الثاني ; تقديره يوم تجد كل نفس جزاء ما عملت محضرا . ويجوز أن تكون " ما " الثانية رفعا بالابتداء ، و ( تود ) في موضع رفع على أنه خبر الابتداء ، ولا يصح أن تكون " ما " بمعنى الجزاء ; لأن تود مرفوع ، ولو كان ماضيا لجاز أن يكون جزاء ، وكان يكون معنى الكلام : وما عملت من سوء ودت لو أن بينها وبينه أمدا بعيدا ; أي كما بين المشرق والمغرب . ولا يكون المستقبل إذا جعلت ( ما ) للشرط إلا مجزوما ; إلا أن تحمله على تقدير حذف الفاء ، على تقدير : وما عملت من سوء فهي تود . أبو علي : هو قياس قول الفراء عندي ; لأنه قال في قوله تعالى : وإن أطعتموهم إنكم لمشركون : إنه على حذف الفاء . والأمد : الغاية ، وجمعه آماد . ويقال : استولى على الأمد ، أي غلب سابقا . قال النابغة :إلا لمثلك أو من أنت سابقه سبق الجواد إذا استولى على الأمدوالأمد : الغضب . يقال : أمد أمدا ، إذا غضب غضبا .
قُلْ اِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّوْنَ اللّٰهَ فَاتَّبِعُوْنِیْ یُحْبِبْكُمُ اللّٰهُ وَ یَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوْبَكُمْؕ-وَ اللّٰهُ غَفُوْرٌ رَّحِیْمٌ(۳۱)
اے محبوب! تم فرمادو کہ لوگو اگر تم اللہ کو دوست رکھتے ہو تو میرے فرمانبردار ہوجاؤ اللہ تمہیں دوست رکھے گا (ف۶۴) اور تمہارے گناہ بخش دے گا اور اللہ بخشنے والا مہربان ہے،
قوله تعالى : قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم والله غفور رحيم .الحب : المحبة ، وكذلك الحب بالكسر . والحب أيضا الحبيب ; مثل الخدن والخدين ; يقال أحبه فهو محب ، وحبه يحبه ( بالكسر ) فهو محبوب . قال الجوهري : وهذا شاذ ; لأنه لا يأتي في المضاعف يفعل بالكسر . قال أبو الفتح : والأصل فيه حبب كظرف ، فأسكنت الباء وأدغمت في الثانية . قال ابن الدهان سعيد : في حب لغتان : حب وأحب ، وأصل " حب " في هذا البناء حبب كظرف ; يدل على ذلك قولهم : حببت ، وأكثر ما ورد فعيل من فعل . قال أبو الفتح : والدلالة على " أحب " قوله تعالى : يحبهم ويحبونه بضم الياء . و اتبعوني يحببكم الله و " حب " يرد على فعل لقولهم حبيب . وعلى فعل كقولهم محبوب : ولم يرد اسم الفاعل من حب المتعدي ، فلا يقال : أنا حاب . ولم يرد اسم المفعول من أفعل إلا قليلا ; كقوله :مني بمنزلة المحب المكرموحكى أبو زيد : حببته أحبه . وأنشد :فوالله لولا تمره ما حببته ولا كان أدنى من عويف وهاشموأنشد :لعمرك إنني وطلاب مصر لكالمزداد مما حب بعداوحكى الأصمعي فتح حرف المضارعة مع الياء وحدها . والحب الخابية ، فارسي معرب ، والجمع حباب وحببة ; حكاه الجوهري . والآية نزلت في وفد نجران إذ زعموا أن ما ادعوه في عيسى حب لله عز وجل ; قاله محمد بن جعفر بن الزبير . وقال الحسن وابن جريج : نزلت في قوم من أهل الكتاب قالوا : نحن الذين نحب ربنا . وروي أن المسلمين قالوا : يا رسول الله ، والله إنا لنحب ربنا ; فأنزل الله عز وجل : قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني . قال ابن عرفة : المحبة عند العرب إرادة الشيء على قصد له . وقال الأزهري : محبة العبد لله ورسوله طاعته لهما واتباعه أمرهما ; قال الله تعالى : قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني . ومحبة الله للعباد إنعامه عليهم بالغفران ; قال الله تعالى : إن الله لا يحب الكافرين ; أي لا يغفر لهم . وقال سهل بن عبد الله : علامة حب الله حب القرآن ، وعلامة حب القرآن حب النبي - صلى الله عليه وسلم - وعلامة حب النبي - صلى الله عليه وسلم - حب السنة ; وعلامة حب الله وحب القرآن وحب النبي - صلى الله عليه وسلم - وحب السنة حب الآخرة ، وعلامة حب الآخرة أن يحب نفسه ، وعلامة حب نفسه أن يبغض الدنيا ، وعلامة بغض الدنيا ألا يأخذ منها إلا الزاد والبلغة . وروى أبو الدرداء عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في قوله تعالى : قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله قال : ( على البر والتقوى والتواضع وذلة النفس ) خرجه أبو عبد الله الترمذي . وروي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : من أراد أن يحبه الله فعليه بصدق الحديث وأداء الأمانة وألا يؤذي جاره . وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : إن الله إذا أحب عبدا دعا جبريل فقال إني أحب فلانا فأحبه قال فيحبه جبريل ثم ينادي في السماء فيقول إن الله يحب فلانا فأحبوه فيحبه أهل السماء - قال - ثم يوضع له القبول في الأرض ، وإذا أبغض عبدا دعا جبريل فيقول إني أبغض فلانا فأبغضه قال فيبغضه جبريل ثم ينادي في أهل السماء إن الله يبغض فلانا فأبغضوه - قال - فيبغضونه ثم توضع له البغضاء في الأرض . وسيأتي لهذا مزيد بيان في آخر سورة " مريم " إن شاء الله تعالى . وقرأ أبو رجاء العطاردي ( فاتبعوني ) بفتح الباء ، ( ويغفر لكم ) عطف على ( يحببكم ) . وروى محبوب عن أبي عمرو بن العلاء أنه أدغم الراء من ( يغفر ) في اللام من ( لكم ) . قال النحاس : لا يجيز الخليل وسيبويه إدغام الراء في اللام ، وأبو عمرو أجل من أن يغلط في مثل هذا ، ولعله كان يخفي الحركة كما يفعل في أشياء كثيرة .
قُلْ اَطِیْعُوا اللّٰهَ وَ الرَّسُوْلَۚ-فَاِنْ تَوَلَّوْا فَاِنَّ اللّٰهَ لَا یُحِبُّ الْكٰفِرِیْنَ(۳۲)
تم فرمادو کہ حکم مانو اللہ اور رسول کا (ف۶۵) پھر اگر وہ منہ پھیریں تو اللہ کو خوش نہیں آتے کافر،
قوله تعالى : قل أطيعوا الله والرسول فإن تولوا فإن الله لا يحب الكافرين قوله تعالى : قل أطيعوا الله والرسول يأتي بيانه في " النساء " . فإن تولوا شرط ، إلا أنه ماض لا يعرب . والتقدير فإن تولوا على كفرهم وأعرضوا عن طاعة الله ورسوله . فإن الله لا يحب الكافرين أي لا يرضى فعلهم ولا يغفر لهم كما تقدم . وقال فإن الله ولم يقل " فإنه " لأن العرب إذا عظمت الشيء أعادت ذكره ; وأنشد سيبويه :لا أرى الموت يسبق الموت شيء نغص الموت ذا الغنى والفقيرا
اِنَّ اللّٰهَ اصْطَفٰۤى اٰدَمَ وَ نُوْحًا وَّ اٰلَ اِبْرٰهِیْمَ وَ اٰلَ عِمْرٰنَ عَلَى الْعٰلَمِیْنَۙ(۳۳)
بیشک اللہ نے چن لیا آدم اور نوح اور ابراہیم کی آ ل اولاد اور عمران کی آ ل کو سارے جہاں سے (ف۶۶)
قوله تعالى : إن الله اصطفى آدم ونوحا وآل إبراهيم وآل عمران على العالمينقوله تعالى : إن الله اصطفى آدم ونوحا اصطفى اختار ، وقد تقدم في البقرة . وتقدم فيها اشتقاق آدم وكنيته ، والتقدير إن الله اصطفى دينهم وهو دين الإسلام ; فحذف المضاف . وقال الزجاج : اختارهم للنبوة على عالمي زمانهم . ونوحا قيل إنه مشتق من ناح ينوح ، وهو اسم أعجمي إلا أنه انصرف لأنه على ثلاثة أحرف ، وهو شيخ المرسلين ، وأول رسول بعثه الله إلى أهل الأرض بعد آدم عليه السلام بتحريم البنات والأخوات والعمات والخالات وسائر القرابات ، ومن قال : إن إدريس كان قبله من المؤرخين فقد وهم على ما يأتي بيانه في " الأعراف " إن شاء الله تعالى .قوله تعالى : وآل إبراهيم وآل عمران على العالمين تقدم في البقرة معنى الآل وعلى ما يطلق مستوفى . وفي البخاري عن ابن عباس قال : آل إبراهيم وآل عمران المؤمنون من آل إبراهيم وآل عمران وآل ياسين وآل محمد ; يقول الله تعالى : إن أولى الناس بإبراهيم للذين اتبعوه وهذا النبي والذين آمنوا والله ولي المؤمنين وقيل : آل إبراهيم إسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط ، وإن محمدا - صلى الله عليه وسلم - من آل إبراهيم . وقيل : آل إبراهيم نفسه ، وكذا آل عمران ; ومنه قوله تعالى : وبقية مما ترك آل موسى وآل هارون . وفي الحديث : لقد أعطي مزمارا من مزامير آل داود ; وقال الشاعر :ولا تبك ميتا بعد ميت أحبه علي وعباس وآل أبي بكروقال آخر :يلاقي من تذكر آل ليلى كما يلقى السليم من العدادأراد من تذكر ليلى نفسها . وقيل : آل عمران آل إبراهيم ; كما قال : ذرية بعضها من بعض . وقيل : المراد عيسى ، لأن أمه ابنة عمران . وقيل : نفسه كما ذكرنا . قال مقاتل : هو عمران أبو موسى وهارون ، وهو عمران بن يصهر بن فاهاث بن لاوى بن يعقوب . وقال الكلبي : هو عمران أبو مريم ، وهو من ولد سليمان عليه السلام . وحكى السهيلي : عمران بن ماتان ، وامرأته حنة ( بالنون ) . وخص هؤلاء بالذكر من بين الأنبياء لأن الأنبياء والرسل بقضهم وقضيضهم من نسلهم . ولم ينصرف عمران لأن في آخره ألفا ونونا زائدتين . ومعنى قوله : على العالمين أي على عالمي زمانهم ، في قول أهل التفسير . وقال الترمذي الحكيم أبو عبد الله محمد بن علي : جميع الخلق كلهم . وقيل على العالمين : على جميع الخلق كلهم إلى يوم الصور ، وذلك أن هؤلاء رسل وأنبياء فهم صفوة الخلق ; فأما محمد - صلى الله عليه وسلم - فقد جازت مرتبته الاصطفاء لأنه حبيب ورحمة . قال الله تعالى : وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين فالرسل خلقوا للرحمة ، ومحمد - صلى الله عليه وسلم - خلق بنفسه رحمة ، فلذلك صار أمانا للخلق ، لما بعثه الله أمن الخلق العذاب إلى نفخة الصور . وسائر الأنبياء لم يحلوا هذا المحل ; ولذلك قال ، عليه السلام : أنا رحمة مهداة يخبر أنه بنفسه رحمة للخلق من الله . وقوله ( مهداة ) أي هدية من الله للخلق . ويقال : اختار آدم بخمسة أشياء : أولها أنه خلقه بيده في أحسن صورة بقدرته ، والثاني أنه علمه الأسماء كلها ، والثالث أمر الملائكة بأن يسجدوا له ، والرابع أسكنه الجنة ، والخامس جعله أبا البشر . واختار نوحا بخمسة أشياء : أولها أنه جعله أبا البشر ; لأن الناس كلهم غرقوا وصار ذريته هم الباقين ، والثاني أنه أطال عمره ; ويقال : طوبى لمن طال عمره وحسن عمله ، والثالث أنه استجاب دعاءه على الكافرين والمؤمنين ، والرابع أنه حمله على السفينة ، والخامس أنه كان أول من نسخ الشرائع ; وكان قبل ذلك لم يحرم تزويج الخالات والعمات . واختار إبراهيم بخمسة أشياء : أولها أنه جعله أبا الأنبياء ; لأنه روي أنه خرج من صلبه ألف نبي من زمانه إلى زمن النبي - صلى الله عليه وسلم - والثاني أنه اتخذه خليلا ، والثالث أنه أنجاه من النار ، والرابع أنه جعله إماما للناس ، والخامس أنه ابتلاه بالكلمات فوفقه حتى أتمهن . ثم قال : ( وآل عمران ) فإن كان عمران أبا موسى وهارون فإنما اختارهما على العالمين حيث بعث على قومه المن والسلوى وذلك لم يكن لأحد من الأنبياء في العالم . وإن كان أبا مريم فإنه اصطفى له مريم بولادة عيسى بغير أب ولم يكن ذلك لأحد في العالم ، والله أعلم .
ذُرِّیَّةًۢ بَعْضُهَا مِنْۢ بَعْضٍؕ-وَ اللّٰهُ سَمِیْعٌ عَلِیْمٌۚ(۳۴)
یہ ایک نسل ہے ایک دوسرے سے (ف۶۷) اور اللہ سنتا جانتا ہے،
قوله تعالى : ذرية بعضها من بعض والله سميع عليم تقدم في البقرة معنى الذرية واشتقاقها . وهي نصب على الحال ; قاله الأخفش . أي في حال كون بعضهم من بعض ، أي ذرية بعضها من ولد بعض . الكوفيون : على القطع . الزجاج : بدل ، أي اصطفى ذرية بعضها من بعض ، ومعنى بعضها من بعض ، يعني في التناصر في الدين ; كما قال : المنافقون والمنافقات بعضهم من بعض يعني في الضلالة ; قاله الحسن وقتادة . وقيل : في الاجتباء والاصطفاء والنبوة . وقيل : المراد به التناسل ، وهذا أضعفها .
اِذْ قَالَتِ امْرَاَتُ عِمْرٰنَ رَبِّ اِنِّیْ نَذَرْتُ لَكَ مَا فِیْ بَطْنِیْ مُحَرَّرًا فَتَقَبَّلْ مِنِّیْۚ-اِنَّكَ اَنْتَ السَّمِیْعُ الْعَلِیْمُ(۳۵)
جب عمران کی بی بی نے عرض کی (ف۶۸) اے رب میرے! میں تیرے لئے منت مانتی ہو جو میرے پیٹ میں ہے کہ خالص تیری ہی خدمت میں رہے (ف۶۹) تو تو مجھ سے قبول کرلے بیشک تو ہی سنتا جانتا،
قوله تعالى : إذ قالت امرأة عمران رب إني نذرت لك ما في بطني محررا فتقبل مني إنك أنت السميع العليمفيه ثمسائل :الأولى : قوله تعالى : إذ قالت امرأة عمران قال أبو عبيدة : ( إذ ) زائدة . وقال محمد بن يزيد : التقدير : اذكر إذ . وقال الزجاج : المعنى واصطفى آل عمران إذ قالت امرأة عمران . وهي حنة ( بالحاء المهملة والنون ) بنت فاقود بن قنبل أم مريم جدة عيسى عليه السلام ، وليس باسم عربي ولا يعرف في العربية حنة اسم امرأة . وفي العربية أبو حنة البدري ، ويقال فيه : أبو حبة ( بالباء بواحدة ) وهو أصح ، واسمه عامر ، ودير حنة بالشام ، ودير آخر أيضا يقال له كذلك ; قال أبو نواس :يا دير حنة من ذات الأكيراح من يصح عنك فإني لست بالصاحيوحبة في العرب كثير ، منهم أبو حبة الأنصاري ، وأبو السنابل بن بعكك المذكور في حديث سبيعة حبة ، ولا يعرف خنة بالخاء المعجمة إلا بنت يحيى بن أكثم القاضي ، وهي أم محمد بن نصر ، ولا يعرف جنة ( بالجيم ) إلا أبو جنة ، وهو خال ذي الرمة الشاعر . كل هذا من كتاب ابن ماكولا .الثانية : قوله تعالى : رب إني نذرت لك ما في بطني محررا تقدم معنى النذر ، وأنه لا يلزم العبد إلا بأن يلزمه نفسه . ويقال : إنها لما حملت قالت : لئن نجاني الله ووضعت ما في بطني لجعلته محررا . ومعنى لك أي لعبادتك . محررا نصب على الحال ، وقيل : نعت لمفعول محذوف ، أي إني نذرت لك ما في بطني غلاما محررا ، والأول أولى من جهة التفسير وسياق الكلام والإعراب : أما الإعراب فإن إقامة النعت مقام المنعوت لا يجوز في مواضع ، ويجوز على المجاز في أخرى ، وأما التفسير فقيل إن سبب قول امرأة عمران هذا أنها كانت كبيرة لا تلد ، وكانوا أهل بيت من الله بمكان ، وإنها كانت تحت شجرة فبصرت بطائر يزق فرخا فتحركت نفسها لذلك ، ودعت ربها أن يهب لها ولدا ، ونذرت إن ولدت أن تجعل ولدها محررا : أي عتيقا خالصا لله تعالى ، خادما للكنيسة حبيسا عليها ، مفرغا لعبادة الله تعالى . وكان ذلك جائزا في شريعتهم ، وكان على أولادهم أن يطيعوهم . فلما وضعت مريم قالت : رب إني وضعتها أنثى يعني أن الأنثى لا تصلح لخدمة الكنيسة . قيل لما يصيبها من الحيض والأذى . وقيل : لا تصلح لمخالطة الرجال . وكانت ترجو أن يكون ذكرا فلذلك حررت .الثالثة : قال ابن العربي : لا خلاف أن امرأة عمران لا يتطرق إلى حملها نذر لكونها حرة ، فلو كانت امرأته أمة فلا خلاف أن المرء لا يصح له نذر في ولده وكيفما تصرفت حاله ; فإنه إن كان الناذر عبدا فلم يتقرر له قول في ذلك ; وإن كان حرا فلا يصح أن يكون مملوكا له ، وكذلك المرأة مثله ; فأي وجه للنذر فيه ؟ وإنما معناه - والله أعلم - أن المرء إنما يريد ولده للأنس به والاستنصار والتسلي ، فطلبت هذه المرأة الولد أنسا به وسكونا إليه ; فلما من الله تعالى عليها به نذرت أن حظها من الأنس به متروك فيه ، وهو على خدمة الله تعالى موقوف ، وهذا نذر الأحرار من الأبرار . وأرادت به محررا من جهتي ، محررا من رق الدنيا وأشغالها ; وقد قال رجل من الصوفية لأمه : يا أمه : ذريني لله أتعبد له وأتعلم العلم ، فقالت : نعم . فسار حتى تبصر ثم عاد إليها فدق الباب ، فقالت من ؟ فقال لها : ابنك فلان ، قالت : قد تركناك لله ولا نعود فيك .الرابعة : قوله تعالى : محررا مأخوذ من الحرية التي هي ضد العبودية ; من هذا تحرير الكتاب ، وهو تخليصه من الاضطراب والفساد . وروى خصيف عن عكرمة ومجاهد : أن المحرر الخالص لله عز وجل لا يشوبه شيء من أمر الدنيا . وهذا معروف في اللغة أن يقال لكل ما خلص : حر ، ومحرر بمعناه ; قال ذو الرمة :والقرط في حرة الذفرى معلقه تباعد الحبل منه فهو يضطربوطين حر لا رمل فيه ، وباتت فلانة بليلة حرة إذا لم يصل إليها زوجها أول ليلة ; فإن تمكن منها فهي بليلة شيباء ..
فَلَمَّا وَضَعَتْهَا قَالَتْ رَبِّ اِنِّیْ وَضَعْتُهَاۤ اُنْثٰىؕ-وَ اللّٰهُ اَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْؕ-وَ لَیْسَ الذَّكَرُ كَالْاُنْثٰىۚ-وَ اِنِّیْ سَمَّیْتُهَا مَرْیَمَ وَ اِنِّیْۤ اُعِیْذُهَا بِكَ وَ ذُرِّیَّتَهَا مِنَ الشَّیْطٰنِ الرَّجِیْمِ(۳۶)
پھر جب اسے جنا بولی، اے رب میرے! یہ تو میں نے لڑکی جنی (ف۷۰) اور اللہ جو خوب معلوم ہے جو کچھ وہ جنی، اور وہ لڑکا جو اس نے مانگا اس لڑکی سا نہیں (ف۷۱) اور میں نے اس کا نام مریم رکھا (ف۷۲) اور میں اسے اور اس کی اولاد کو تیری پناہ میں دیتی ہوں راندے ہوئے شیطان سے،
قوله تعالى : فلما وضعتها قالت رب إني وضعتها أنثى قال ابن عباس : إنما قالت هذا لأنه لم يكن يقبل في النذر إلا الذكور ، فقبل الله مريم . و أنثى حال ، وإن شئت بدل . فقيل : إنها ربتها حتى ترعرعت وحينئذ أرسلتها ; رواه أشهب عن مالك : وقيل : لفتها في خرقتها وأرسلت بها إلى المسجد ، فوفت بنذرها وتبرأت منها . ولعل الحجاب لم يكن عندهم كما كان في صدر الإسلام ; ففي البخاري ومسلم أن امرأة سوداء كانت تقم المسجد على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فماتت . الحديث .قوله تعالى : والله أعلم بما وضعت هو على قراءة من قرأ " وضعت " بضم التاء من جملة كلامها ; فالكلام متصل . وهي قراءة أبي بكر وابن عامر ، وفيها معنى التسليم لله والخضوع والتنزيه له أن يخفى عليه شيء ، ولم تقله على طريق الإخبار لأن علم الله في كل شيء قد تقرر في نفس المؤمن ، وإنما قالته على طريق التعظيم والتنزيه لله تعالى . وعلى قراءة الجمهور هو من كلام الله عز وجل قدم ، وتقديره أن يكون مؤخرا بعد وإني أعيذها بك وذريتها من الشيطان الرجيم والله أعلم بما وضعت ; قال المهدوي . وقال مكي : هو إعلام من الله تعالى لنا على طريق التثبيت فقال : والله أعلم بما وضعت أم مريم قالته أو لم تقله . ويقوي ذلك أنه لو كان من كلام أم مريم لكان وجه الكلام : وأنت أعلم بما وضعت ; لأنها نادته في أول الكلام في قولها : رب إني وضعتها أنثى . وروي عن ابن عباس ( بما وضعت ) بكسر التاء ، أي قيل لها هذا .قوله تعالى : وليس الذكر كالأنثى استدل به بعض الشافعية على أن المطاوعة في نهار رمضان لزوجها على الوطء لا تساويه في وجوب الكفارة عليها ، ابن العربي ، وهذه منه غفلة ، فإن هذا خبر عن شرع من قبلنا وهم لا يقولون به ، وهذه الصالحة إنما قصدت بكلامها ما تشهد له به بينة حالها ومقطع كلامها ، فإنها نذرت خدمة المسجد في ولدها ، فلما رأته أنثى لا تصلح وأنها عورة اعتذرت إلى ربها من وجودها لها على خلاف ما قصدته فيها . ولم ينصرف ( مريم ) لأنه مؤنث معرفة ، وهو أيضا أعجمي ; قاله النحاس . والله تعالى أعلم .قوله تعالى : وإني سميتها مريم يعني خادم الرب في لغتهم . وإني أعيذها بك يعني مريم . وذريتها يعني عيسى . وهذا يدل على أن الذرية قد تقع على الولد خاصة . وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ما من مولود يولد إلا نخسه الشيطان فيستهل صارخا من نخسة الشيطان إلا ابن مريم وأمه ثم قال أبو هريرة : اقرءوا إن شئتم : وإني أعيذها بك وذريتها من الشيطان الرجيم . قال علماؤنا : فأفاد هذا الحديث أن الله تعالى استجاب دعاء أم مريم ، فإن الشيطان ينخس جميع ولد آدم حتى الأنبياء والأولياء إلا مريم وابنها . قال قتادة : كل مولود يطعن الشيطان في جنبه حين يولد غير عيسى وأمه جعل بينهما حجاب فأصابت الطعنة الحجاب ولم ينفذ لهما منه شيء ، قال علماؤنا : وإن لم يكن كذلك بطلت الخصوصية بهما ، ولا يلزم من هذا أن نخس الشيطان يلزم منه إضلال الممسوس وإغواؤه فإن ذلك ظن فاسد ; فكم تعرض الشيطان للأنبياء والأولياء بأنواع الإفساد والإغواء ومع ذلك فعصمهم الله مما يرومه الشيطان ، كما قال تعالى : إن عبادي ليس لك عليهم سلطان . هذا مع أن كل واحد من بني آدم قد وكل به قرينه من الشياطين ; كما قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فمريم وابنها وإن عصما من نخسه فلم يعصما من ملازمته لهما ومقارنته ، والله أعلم
فَتَقَبَّلَهَا رَبُّهَا بِقَبُوْلٍ حَسَنٍ وَّ اَنْۢبَتَهَا نَبَاتًا حَسَنًاۙ-وَّ كَفَّلَهَا زَكَرِیَّاؕ-كُلَّمَا دَخَلَ عَلَیْهَا زَكَرِیَّا الْمِحْرَابَۙ-وَجَدَ عِنْدَهَا رِزْقًاۚ-قَالَ یٰمَرْیَمُ اَنّٰى لَكِ هٰذَاؕ-قَالَتْ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللّٰهِؕ-اِنَّ اللّٰهَ یَرْزُقُ مَنْ یَّشَآءُ بِغَیْرِ حِسَابٍ(۳۷)
تو اسے اس کے رب نے اچھی طرح قبول کیا (ف۷۳) اور اسے اچھا پروان چڑھایا (ف۷۴) اور اسے زکریا کی نگہبانی میں دیا، جب زکریا اس کے پاس اس کی نماز پڑھنے کی جگہ جاتے اس کے پاس نیا رزق پاتے (ف۷۵) کہا اے مریم! یہ تیرے پاس کہاں سے آیا، بولیں وہ اللہ کے پاس سے ہے، بیشک اللہ جسے چاہے بے گنتی دے (ف۷۶)
قوله تعالى : فتقبلها ربها بقبول حسن وأنبتها نباتا حسنا وكفلها زكريا كلما دخل عليها زكريا المحراب وجد عندها رزقا قال يا مريم أنى لك هذا قالت هو من عند الله إن الله يرزق من يشاء بغير حسابقوله تعالى : فتقبلها ربها بقبول حسن المعنى : سلك بها طريق السعداء ; عن ابن عباس . وقال قوم : معنى التقبل التكفل في التربية والقيام بشأنها . وقال الحسن : معنى التقبل أنه ما عذبها ساعة قط من ليل ولا نهار . وأنبتها نباتا حسنا يعني سوى خلقها من غير زيادة ولا نقصان ، فكانت تنبت في اليوم ما ينبت المولود في عام واحد . والقبول والنبات مصدران على غير المصدر ، والأصل تقبلا وإنباتا . قال الشاعر :أكفرا بعد رد الموت عني وبعد عطائك المائة الرتاعاأراد بعد إعطائك ، لكن لما قال أنبتها دل على نبت ; كما قال امرؤ القيس :فصرنا إلى الحسنى ورق كلامنا ورضت فذلت صعبة أي إذلالوإنما مصدر ذلت ذل ، ولكنه رده على معنى أذللت ; وكذلك كل ما يرد عليك في هذا الباب . فمعنى تقبل وقبل واحد ، فالمعنى فقبلها ربها بقبول حسن . ونظيره قول رؤبة :وقد تطويت انطواء الحضبالأفعى لأن معنى تطويت وانطويت واحد ; ومثله قول القطامي :وخير الأمر ما استقبلت منه وليس بأن تتبعه اتباعالأن تتبعت واتبعت واحد . وفي قراءة ابن مسعود ( وأنزل الملائكة تنزيلا ) لأن معنى نزل وأنزل واحد . وقال المفضل : معناه وأنبتها فنبتت نباتا حسنا . ومراعاة المعنى أولى كما ذكرنا . والأصل في القبول الضم ; لأنه مصدر مثل الدخول والخروج ، والفتح جاء في حروف قليلة ; مثل الولوع والوزوع ; هذه الثلاثة لا غير ; قال أبو عمر والكسائي والأئمة . وأجاز الزجاج ( بقبول ) بضم القاف على الأصل .قوله تعالى : وكفلها زكريا أي ضمها إليه . أبو عبيدة : ضمن القيام بها . وقرأ الكوفيون وكفلها بالتشديد ، فهو يتعدى إلى مفعولين ; والتقدير وكفلها ربها زكريا ، أي ألزمه كفالتها وقدر ذلك عليه ويسره له . وفي مصحف أبي ( وأكفلها ) والهمزة كالتشديد في التعدي ; وأيضا فإن قبله فتقبلها ، و أنبتها فأخبر تعالى عن نفسه بما فعل بها ; فجاء كفلها بالتشديد على ذلك . وخففه الباقون على إسناد الفعل إلى زكريا . فأخبر الله تعالى أنه هو الذي تولى كفالتها والقيام بها ; بدلالة قوله : أيهم يكفل مريم . قال مكي : وهو الاختيار ; لأن التشديد يرجع إلى التخفيف ، لأن الله تعالى إذا كفلها زكريا كفلها بأمر الله ، ولأن زكريا إذا كفلها فعن مشيئة الله وقدرته ; فعلى ذلك فالقراءتان متداخلتان . وروى عمرو بن موسى عن عبد الله بن كثير وأبي عبد الله المزني " وكفلها " بكسر الفاء . قال الأخفش : يقال كفل يكفل وكفل يكفل ولم أسمع كفل ، وقد ذكرت . وقرأ مجاهد " فتقبلها " بإسكان اللام على المسألة والطلب . " ربها " بالنصب نداء مضاف . " وأنبتها " بإسكان التاء " وكفلها " بإسكان اللام " زكرياء " بالمد والنصب . وقرأ حفص وحمزة والكسائي زكريا بغير مد ولا همزة ، ومده الباقون وهمزوه . وقال الفراء : أهل الحجاز يمدون " زكرياء " ويقصرونه ، وأهل نجد يحذفون منه الألف ويصرفونه فيقولون : زكري . قال الأخفش : فيه أربع لغات : المد والقصر ، وزكري بتشديد الياء والصرف ، وزكر ورأيت زكريا . قال أبو حاتم : زكري بلا صرف لأنه أعجمي وهذا غلط ; لأن ما كان فيه " يا " مثل هذا انصرف مثل كرسي ويحيى ، ولم ينصرف زكرياء في المد والقصر لأن فيه ألف تأنيث والعجمة والتعريف .قوله تعالى : كلما دخل عليها زكريا المحراب وجد عندها رزقا إلى قوله إنك سميع الدعاءفيه مسائل :قوله تعالى : كلما دخل عليها زكريا المحراب المحراب في اللغة أكرم موضع في المجلس . وسيأتي له مزيد بيان في سورة ( مريم ) . وجاء في الخبر : إنها كانت في غرفة كان زكريا يصعد إليها بسلم . قال وضاح اليمن :ربة محراب إذا جئتها لم ألقها حتى أرتقي سلماأي ربة غرفة . روى أبو صالح عن ابن عباس قال : حملت امرأة عمران بعدما أسنت فنذرت ما في بطنها محررا فقال لها عمران : ويحك ما صنعت ؟ أرأيت إن كانت أنثى ؟ فاغتما لذلك جميعا . فهلك عمران وحنة حامل فولدت أنثى فتقبلها الله بقبول حسن ، وكان لا يحرر إلا الغلمان فتساهم عليها الأحبار بالأقلام التي يكتبون بها الوحي ، على ما يأتي . فكفلها زكريا وأخذ لها موضعا فلما أسنت جعل لها محرابا لا يرتقى إليه إلا بسلم ، واستأجر لها ظئرا وكان يغلق عليها بابا ، وكان لا يدخل عليها إلا زكريا حتى كبرت ، فكانت إذا حاضت أخرجها إلى منزله فتكون عند خالتها وكانت خالتها امرأة زكريا في قول الكلبي . قال مقاتل : كانت أختها امرأة زكريا . وكانت إذا طهرت من حيضتها واغتسلت ردها إلى المحراب . وقال بعضهم : كانت لا تحيض وكانت مطهرة من الحيض . وكان زكريا إذا دخل عليها يجد عندها فاكهة الشتاء في القيظ وفاكهة القيظ في الشتاء فقال : يا مريم أنى لك هذا ؟ فقالت : هو من عند الله . فعند ذلك طمع زكريا في الولد وقال : إن الذي يأتيها بهذا قادر أن يرزقني ولدا . ومعنى أنى من أين ; قاله أبو عبيدة . قال النحاس : وهذا فيه تساهل ; لأن " أين " سؤال عن المواضع و " أنى " سؤال عن المذاهب والجهات . والمعنى من أي المذاهب ومن أي الجهات لك هذا . وقد فرق الكميت بينهما فقال :أنى ومن أين آبك الطرب من حيث لا صبوة ولا ريبو كلما منصوب ب وجد ، أي كل دخلة .إن الله يرزق من يشاء بغير حساب قيل : هو من قول مريم ، ويجوز أن يكون مستأنفا ; فكان ذلك سبب دعاء زكريا وسؤاله الولد .
هُنَالِكَ دَعَا زَكَرِیَّا رَبَّهٗۚ-قَالَ رَبِّ هَبْ لِیْ مِنْ لَّدُنْكَ ذُرِّیَّةً طَیِّبَةًۚ-اِنَّكَ سَمِیْعُ الدُّعَآءِ(۳۸)
یہاں (ف۷۷) پکارا زکریا اپنے رب کو بولا اے رب! میرے مجھے اپنے پاس سے دے ستھری اولاد، بیشک تو ہی ہے دعا سننے والا،
هنالك دعا زكريا ربه هنالك في موضع نصب ; لأنه ظرف يستعمل للزمان والمكان وأصله للمكان . وقال المفضل بن سلمة : " هنالك " في الزمان و " هناك " في المكان ، وقد يجعل هذا مكان هذا . هب لي أعطني . من لدنك من عندك . ذرية طيبة أي نسلا صالحا . والذرية تكون واحدة وتكون جمعا ذكرا وأنثى ، وهو هنا واحد . يدل عليه قوله . فهب لي من لدنك وليا ولم يقل أولياء ، وإنما أنث طيبة لتأنيث لفظ الذرية ; كقوله :أبوك خليفة ولدته أخرى وأنت خليفة ذاك الكمالفأنث ولدته لتأنيث لفظ الخليفة .وروي من حديث أنس قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : أي رجل مات وترك ذرية طيبة أجرى الله له مثل أجر عملهم ولم ينقص من أجورهم شيئا . وقد مضى في " البقرة " اشتقاق الذرية . و ( طيبة ) أي صالحة مباركة . إنك سميع الدعاء أي قابله ; ومنه : سمع الله لمن حمده .دلت هذه الآية على طلب الولد ، وهي سنة المرسلين والصديقين ، قال الله تعالى : ولقد أرسلنا رسلا من قبلك وجعلنا لهم أزواجا وذرية . وفي صحيح مسلم عن سعد بن أبي وقاص قال : أراد عثمان أن يتبتل فنهاه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولو أجاز له ذلك لاختصينا . وخرج ابن ماجه عن عائشة قالت : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : النكاح من سنتي فمن لم يعمل بسنتي فليس مني وتزوجوا فإني مكاثر بكم الأمم ومن كان ذا طول فلينكح ومن لم يجد فعليه بالصوم فإنه له وجاء . وفي هذا رد على بعض جهال المتصوفة حيث قال : الذي يطلب الولد أحمق ، وما عرف أنه هو الغبي الأخرق ; قال الله تعالى مخبرا عن إبراهيم الخليل : واجعل لي لسان صدق في الآخرين وقال : والذين يقولون ربنا هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين . وقد ترجم البخاري على هذا ( باب طلب الولد ) . وقال - صلى الله عليه وسلم - لأبي طلحة حين مات ابنه : ( أعرستم الليلة ) ؟ قال : نعم . قال : ( بارك الله لكما في غابر ليلتكما ) . قال فحملت . في البخاري : قال سفيان فقال رجل من الأنصار : فرأيت تسعة أولاد كلهم قد قرءوا القرآن . وترجم أيضا " باب الدعاء بكثرة الولد مع البركة " وساق حديث أنس بن مالك قال : قالت أم سليم : يا رسول الله ، خادمك أنس ادع الله له . فقال : اللهم أكثر ماله وولده وبارك له فيما أعطيته . وقال - صلى الله عليه وسلم - : اللهم اغفر لأبي سلمة وارفع درجته في المهديين واخلفه في عقبه في الغابرين . خرجه البخاري ومسلم . وقال - صلى الله عليه وسلم - : تزوجوا الولود الودود فإني مكاثر بكم الأمم . أخرجه أبو داود . والأخبار في هذا المعنى كثيرة تحث على طلب الولد وتندب إليه ; لما يرجوه الإنسان من نفعه في حياته وبعد موته . قال - صلى الله عليه وسلم - : إذا مات أحدكم انقطع عمله إلا من ثلاث فذكر ( أو ولد صالح يدعو له ) . ولو لم يكن إلا هذا الحديث لكان فيه كفاية .فإذا ثبت هذا فالواجب على الإنسان أن يتضرع إلى خالقه في هداية ولده وزوجه بالتوفيق لهما والهداية والصلاح والعفاف والرعاية ، وأن يكونا معينين له على دينه ودنياه حتى تعظم منفعته بهما في أولاه وأخراه ; ألا ترى قول زكريا : واجعله رب رضيا وقال : ذرية طيبة . وقال : هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين . ودعا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لأنس فقال : اللهم أكثر ماله وولده وبارك له فيه . خرجه البخاري ومسلم ، وحسبك .
فَنَادَتْهُ الْمَلٰٓىٕكَةُ وَ هُوَ قَآىٕمٌ یُّصَلِّیْ فِی الْمِحْرَابِۙ-اَنَّ اللّٰهَ یُبَشِّرُكَ بِیَحْیٰى مُصَدِّقًۢا بِكَلِمَةٍ مِّنَ اللّٰهِ وَ سَیِّدًا وَّ حَصُوْرًا وَّ نَبِیًّا مِّنَ الصّٰلِحِیْنَ(۳۹)
تو فرشتوں نے اسے آواز دی اور وہ اپنی نماز کی جگہ کھڑا نماز پڑھ رہا تھا (ف۷۸) بیشک اللہ آپ کو مژدہ دیتا ہے یحییٰ کا جو اللہ کی طرف کے ایک کلمہ کی (ف۷۹) تصدیق کرے گا اور سردار (ف۸۰) اور ہمیشہ کے لیے عورتوں سے بچنے والا اور نبی ہمارے خاصوں میں سے (ف۸۱)
قوله تعالى : فنادته الملائكة وهو قائم يصلي في المحراب أن الله يبشرك بيحيى مصدقا بكلمة من الله وسيدا وحصورا ونبيا من الصالحينقوله تعالى : فنادته الملائكة قرأ حمزة والكسائي " فناداه " بالألف على التذكير ويميلانها لأن أصلها الياء ، ولأنها رابعة . وبالألف قراءة ابن عباس وابن مسعود ، وهو اختيار أبي عبيد . وروي عن جرير عن مغيرة عن إبراهيم قال : كان عبد الله يذكر الملائكة في كل القرآن . قال أبو عبيد : نراه اختار ذلك خلافا على المشركين لأنهم قالوا : الملائكة بنات الله . قال النحاس : هذا احتجاج لا يحصل منه شيء ; لأن العرب تقول : قالت الرجال ، وقال الرجال ، وكذا النساء ، وكيف يحتج عليهم بالقرآن ، ولو جاز أن يحتج عليهم بالقرآن بهذا لجاز أن يحتجوا بقوله تعالى : وإذ قالت الملائكة ولكن الحجة عليهم في قوله عز وجل : أشهدوا خلقهم أي فلم يشاهدوا ، فكيف يقولون إنهم إناث فقد علم أن هذا ظن وهوى . وأما " فناداه " فهو جائز على تذكير الجمع ، " ونادته " على تأنيث الجماعة . قال مكي : والملائكة ممن يعقل في التكسير فجرى في التأنيث مجرى ما لا يعقل ، تقول : هي الرجال ، وهي الجذوع ، وهي الجمال ، وقالت الأعراب . ويقوي ذلك قوله : وإذ قالت الملائكة وقد ذكر في موضع آخر فقال : والملائكة باسطو أيديهم وهذا إجماع . وقال تعالى : والملائكة يدخلون عليهم من كل باب فتأنيث هذا الجمع وتذكيره حسنان . وقال السدي : ناداه جبريل وحده ; وكذا في قراءة ابن مسعود . وفي التنزيل ينزل الملائكة بالروح من أمره يعني جبريل ، والروح الوحي . وجائز في العربية أن يخبر عن الواحد بلفظ الجمع . وجاء في التنزيل الذين قال لهم الناس يعني نعيم بن مسعود ، على ما يأتي . وقيل : ناداه جميع الملائكة ، وهو الأظهر . أي جاء النداء من قبلهم .قوله تعالى : وهو قائم يصلي في المحراب أن الله يبشرك وهو قائم ابتداء وخبر يصلي في موضع رفع ، وإن شئت كان نصبا على الحال من المضمر . أن الله أي بأن الله . وقرأ حمزة والكسائي " إن " أي قالت إن الله ; فالنداء بمعنى القول . يبشرك بالتشديد قراءة أهل المدينة . وقرأ حمزة " يبشرك " مخففا ; وكذلك حميد بن القيس المكي إلا أنه كسر الشين وضم الياء وخفف الباء . قال الأخفش : هي ثلاث لغات بمعنى واحد . دليل الأولى هي قراءة الجماعة أن ما في القرآن من هذا من فعل ماض أو أمر فهو بالتثقيل ; كقوله تعالى : فبشر عبادي فبشره بمغفرة فبشرناها بإسحاق قالوا بشرناك بالحق . وأما الثانية وهي قراءة عبد الله بن مسعود فهي من بشر يبشر وهي لغة تهامة ; ومنه قول الشاعر :بشرت عيالي إذ رأيت صحيفة أتتك من الحجاج يتلى كتابهاوقال آخر :وإذا رأيت الباهشين إلى الندى غبرا أكفهم بقاع ممحلفأعنهم وابشر بما بشروا به وإذا هم نزلوا بضنك فانزلوأما الثالثة فهي من أبشر يبشر إبشارا قاليا أم عمرو أبشري بالبشرى موت ذريع وجراد عظلىقوله تعالى : بيحيى كان اسمه في الكتاب الأول حيا ، وكان اسم سارة زوجة إبراهيم عليه السلام يسارة ، وتفسيره بالعربية لا تلد ، فلما بشرت بإسحاق قيل لها : سارة ، سماها بذلك جبريل عليه السلام . فقالت : يا إبراهيم لم نقص من اسمي حرف ؟ فقال إبراهيم ذلك لجبريل عليهما السلام . فقال : ( إن ذلك الحرف زيد في اسم ابن لها من أفضل الأنبياء اسمه حي وسمي بيحيى ) . ذكره النقاش . وقال قتادة : سمي بيحيى لأن الله تعالى أحياه بالإيمان والنبوة . وقال بعضهم : سمي بذلك لأن الله تعالى أحيا به الناس بالهدى . وقال مقاتل : اشتق اسمه من اسم الله تعالى حي فسمي يحيى . وقيل : لأنه أحيا به رحم أمه .مصدقا بكلمة من الله يعني عيسى في قول أكثر المفسرين . وسمي عيسى كلمة لأنه كان بكلمة الله تعالى التي هي " كن " فكان من غير أب . وقرأ أبو السمال العدوي ( بكلمة ) مكسورة الكاف ساكنة اللام في جميع القرآن ، وهي لغة فصيحة مثل كتف وفخذ . وقيل : سمي كلمة لأن الناس يهتدون به كما يهتدون بكلام الله تعالى . وقال أبو عبيد : معنى بكلمة من الله بكتاب من الله . قال : والعرب تقول أنشدني كلمة أي قصيدة ; كما روي أن الحويدرة ذكر لحسان فقال : لعن الله كلمته ، يعني قصيدته . وقيل غير هذا من الأقوال . والقول الأول أشهر وعليه من العلماء الأكثر . و " يحيى " أول من آمن بعيسى عليهما السلام وصدقه ، وكان يحيى أكبر من عيسى بثلاث سنين ويقال بستة أشهر . وكانا ابني خالة ، فلما سمع زكريا شهادته قام إلى عيسى فضمه إليه وهو في خرقه . وذكر الطبري أن مريم لما حملت بعيسى حملت أيضا أختها بيحيى ; فجاءت أختها زائرة فقالت : يا مريم أشعرت أني حملت ؟ فقالت لها مريم : أشعرت أنت أني حملت ؟ فقالت لها : وإني لأجد ما في بطني يسجد لما في بطنك . وذلك أنه روي أنها أحست جنينها يخر برأسه إلى ناحية بطن مريم . قال السدي : فذلك قول مصدقا بكلمة من الله . " ومصدقا " نصب على الحال .وسيدا السيد : الذي يسود قومه وينتهى إلى قوله ، وأصله سيود يقال : فلان أسود من فلان ، أفعل من السيادة ; ففيه دلالة على جواز تسمية الإنسان سيدا كما يجوز أن يسمى عزيزا أو كريما . وكذلك روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال لبني قريظة : ( قوموا إلى سيدكم ) . وفي البخاري ومسلم أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال في الحسن : إن ابني هذا سيد ولعل الله يصلح به بين فئتين عظيمتين من المسلمين وكذلك كان ، فإنه لما قتل علي - رضي الله عنه - بايعه أكثر من أربعين ألفا وكثير ممن تخلف عن أبيه وممن نكث بيعته ، فبقي نحو سبعة أشهر خليفة بالعراق وما وراءها من خراسان ، ثم سار إلى معاوية في أهل الحجاز والعراق وسار إليه معاوية في أهل الشام ; فلما تراءى الجمعان بموضع يقال له " مسكن " من أرض السواد بناحية الأنبار كره الحسن القتال لعلمه أن إحدى الطائفتين لا تغلب حتى تهلك أكثر الأخرى فيهلك المسلمون ; فسلم الأمر إلى معاوية على شروط شرطها عليه ، منها أن يكون الأمر له من بعد معاوية ، فالتزم كل ذلك معاوية فصدق قوله عليه السلام : ( إن ابني هذا سيد ) ولا أسود ممن سوده الله تعالى ورسوله . قال قتادة في قوله تعالى وسيدا قال : في العلم والعبادة . ابن جبير والضحاك : في العلم والتقى . مجاهد : السيد الكريم . ابن زيد : الذي لا يغلبه الغضب . وقال الزجاج : السيد الذي يفوق أقرانه في كل شيء من الخير . وهذا جامع . وقال الكسائي : السيد من المعز المسن . وفي الحديث ثني من الضأن خير من السيد المعز . قال :سواء عليه شاة عام دنت له ليذبحها للضيف أم شاة سيدوحصورا أصله من الحصر وهو الحبس . حصرني الشيء وأحصرني إذا حبسني . قال ابن ميادة :وما هجر ليلى أن تكون تباعدت عليك ولا أن أحصرتك شغولوناقة حصور : ضيقة الإجليل . والحصور الذي لا يأتي النساء كأنه محجم عنهن ; كما يقال : رجل حصور وحصير إذا حبس رفده ولم يخرج ما يخرجه الندامى . يقال : شرب القوم فحصر عليهم فلان ، أي بخل ; عن أبي عمرو . قال الأخطل :وشارب مربح بالكأس نادمني لا بالحصور ولا فيها بسواروفي التنزيل وجعلنا جهنم للكافرين حصيرا أي محبسا . والحصير الملك لأنه محجوب . وقال لبيد :وقماقم غلب الرقاب كأنهم جن لدى باب الحصير قيامفيحيى عليه السلام حصور ، فعول بمعنى مفعول لا يأتي النساء ; كأنه ممنوع مما يكون في الرجال ; عن ابن مسعود وغيره . وفعول بمعنى مفعول كثير في اللغة ، من ذلك حلوب بمعنى محلوبة ; قال الشاعر :فيها اثنتان وأربعون حلوبة سودا كخافية الغراب الأسحموقال ابن مسعود أيضا وابن عباس وابن جبير وقتادة وعطاء وأبو الشعثاء والحسن وابن زيد : هو الذي يكف عن النساء ولا يقربهن مع القدرة . وهذا أصح الأقوال لوجهين : أحدهما أنه مدح وثناء عليه ، والثناء إنما يكون عن الفعل المكتسب دون الجبلة في الغالب . الثاني أن فعولا في اللغة من صيغ الفاعلين ; كما قال :ضروب بنصل السيف سوق سمانها إذا عدموا زادا فإنك عاقرفالمعنى أنه يحصر نفسه عن الشهوات . ولعل هذا كان شرعه ; فأما شرعنا فالنكاح ، كما تقدم . وقيل : الحصور العنين الذي لا ذكر له يتأتى له به النكاح ولا ينزل ; عن ابن عباس أيضا وسعيد بن المسيب والضحاك . وروى أبو صالح عن أبي هريرة قال : سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : كل ابن آدم يلقى الله بذنب قد أذنبه يعذبه عليه إن شاء أو يرحمه إلا يحيى بن زكريا فإنه كان سيدا وحصورا ونبيا من الصالحين ثم أهوى النبي - صلى الله عليه وسلم - بيده إلى قذاة من الأرض فأخذها وقال : ( كان ذكره هكذا مثل هذه القذاة ) . وقيل : معناه الحابس نفسه عن معاصي الله عز وجل . و نبيا من الصالحين قال الزجاج : الصالح الذي يؤدي لله ما افترض عليه ، وإلى الناس حقوقهم .
قَالَ رَبِّ اَنّٰى یَكُوْنُ لِیْ غُلٰمٌ وَّ قَدْ بَلَغَنِیَ الْكِبَرُ وَ امْرَاَتِیْ عَاقِرٌؕ-قَالَ كَذٰلِكَ اللّٰهُ یَفْعَلُ مَا یَشَآءُ(۴۰)
بولا اے میرے رب میرے لڑکا کہاں سے ہوگا مجھے تو پہنچ گیا بڑھا پا (ف۸۲) اور میری عورت بانجھ (ف۸۳) فرمایا اللہ یوں ہی کرتا ہے جو چاہے (ف۸۴)
قوله تعالى : قال رب أنى يكون لي غلام وقد بلغني الكبر وامرأتي عاقر قال كذلك الله يفعل ما يشاءقيل : الرب هنا جبريل ، أي قال لجبريل : رب - أي يا سيدي - أنى يكون لي غلام ؟ يعني ولدا ; وهذا قول الكلبي . وقال بعضهم : قوله ( رب ) يعني الله تعالى . أنى بمعنى كيف ، وهو في موضع نصب على الظرف . وفي معنى هذا الاستفهام وجهان : أحدهما أنه سأل هل يكون له الولد وهو وامرأته على حاليهما أو يردان إلى حال من يلد ؟ . الثاني سأل هل يرزق الولد من امرأته العاقر أو من غيرها . وقيل : المعنى بأي منزلة أستوجب هذا وأنا وامرأتي على هذه الحال ; على وجه التواضع . ويروى أنه كان بين دعائه والوقت الذي بشر فيه أربعون سنة ، وكان يوم بشر ابن تسعين سنة وامرأته قريبة السن منه . وقال ابن عباس والضحاك : كان يوم بشر ابن عشرين ومائة سنة وكانت امرأته بنت ثمان وتسعين سنة ; فذلك قوله وامرأتي عاقر أي عقيم لا تلد . يقال : رجل عاقر وامرأة عاقر بينة العقر . وقد عقرت وعقر ( بضم القاف فيهما ) تعقر عقرا صارت عاقرا ، مثل حسنت تحسن حسنا ; عن أبي زيد . وعقارة أيضا . وأسماء الفاعلين من فعل فعيلة ، يقال : عظمت فهي عظيمة ، وظرفت فهي ظريفة . وإنما قيل عاقر لأنه يراد به ذات عقر على النسب ، ولو كان على الفعل لقال : عقرت فهي عقيرة كأن بها عقرا ، أي كبرا من السن يمنعها من الولد . والعاقر : العظيم من الرمل لا ينبت شيئا . والعقر أيضا مهر المرأة إذا وطئت على شبهة . وبيضة العقر : زعموا هي بيضة الديك ; لأنه يبيض في عمره بيضة واحدة إلى الطول . وعقر النار أيضا وسطها ومعظمها . وعقر الحوض : مؤخره حيث تقف الإبل إذا وردت ; يقال : عقر وعقر مثل عسر وعسر ، والجمع الأعقار فهو لفظ مشتركوالكاف في قوله كذلك في موضع نصب ، أي يفعل الله ما يشاء مثل ذلك . والغلام مشتق من الغلمة وهو شدة طلب النكاح . واغتلم الفحل غلمة هاج من شهوة الضراب . وقالت ليلى الأخيلية :شفاها من الداء العضال الذي بها غلام إذا هز القناة سقاهاوالغلام الطار الشاب . وهو بين الغلومة والغلومية ، والجمع الغلمة والغلمان . ويقال : إن الغيلم الشاب والجارية أيضا . والغيلم : ذكر السلحفاة . والغيلم : موضع . واغتلم البحر : هاج وتلاطمت أمواجه .
- English | Ahmed Ali
- Urdu | Ahmed Raza Khan
- Turkish | Ali-Bulaç
- German | Bubenheim Elyas
- Chinese | Chineese
- Spanish | Cortes
- Dutch | Dutch
- Portuguese | El-Hayek
- English | English
- Urdu | Fateh Muhammad Jalandhry
- French | French
- Hausa | Hausa
- Indonesian | Indonesian-Bahasa
- Italian | Italian
- Korean | Korean
- Malay | Malay
- Russian | Russian
- Tamil | Tamil
- Thai | Thai
- Farsi | مکارم شیرازی
- العربية | التفسير الميسر
- العربية | تفسير الجلالين
- العربية | تفسير السعدي
- العربية | تفسير ابن كثير
- العربية | تفسير الوسيط لطنطاوي
- العربية | تفسير البغوي
- العربية | تفسير القرطبي
- العربية | تفسير الطبري
- English | Arberry
- English | Yusuf Ali
- Dutch | Keyzer
- Dutch | Leemhuis
- Dutch | Siregar
- Urdu | Sirat ul Jinan