READ

Surah Aal Imraan

اٰلِ عِمْرَان
200 Ayaat    مدنیۃ


3:121
وَ  اِذْ  غَدَوْتَ  مِنْ  اَهْلِكَ  تُبَوِّئُ  الْمُؤْمِنِیْنَ  مَقَاعِدَ  لِلْقِتَالِؕ-وَ  اللّٰهُ  سَمِیْعٌ  عَلِیْمٌۙ(۱۲۱)
اور یاد کرو اے محبوب! جب تم صبح کو (ف۲۲۶) اپنے دولت خانہ سے برآمد ہوئے مسلمانوں کو لڑائی کے مور چوں پر قائم کرتے (ف۲۲۷) اور اللہ سنتا جانتا ہے،

قوله تعالى : وإذ غدوت من أهلك تبوئ المؤمنين مقاعد للقتال والله سميع عليمقوله تعالى : وإذ غدوت من أهلك العامل في " إذ " فعل مضمر تقديره : واذكر إذ غدوت ، يعني خرجت بالصباح . من أهلك من منزلك من عند عائشة .تبوئ المؤمنين مقاعد للقتال والله سميع عليم هذه غزوة أحد وفيها نزلت هذه الآية كلها . وقال مجاهد والحسن ومقاتل والكلبي : هي غزوة الخندق . وعن الحسن أيضا يوم بدر . والجمهور على أنها غزوة أحد ; يدل عليه قوله تعالى : إذ همت طائفتان منكم أن تفشلا وهذا إنما كان يوم أحد ، وكان المشركون قصدوا المدينة في ثلاثة آلاف رجل ليأخذوا بثأرهم في يوم بدر ; فنزلوا عند أحد على شفير الوادي بقناة مقابل المدينة ، يوم الأربعاء الثاني عشر من شوال سنة ثلاث من الهجرة ، على رأس أحد وثلاثين شهرا من الهجرة ، فأقاموا هنالك يوم الخميس والنبي - صلى الله عليه وسلم - بالمدينة ، فرأى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في منامه أن في سيفه ثلمة ، وأن بقرا له تذبح ، وأنه أدخل يده في درع حصينة ; فتأولها أن نفرا من أصحابه يقتلون ، وأن رجلا من أهل بيته يصاب ، وأن الدرع الحصينة المدينة . أخرجه مسلم . فكان كل ذلك على ما هو معروف مشهور من تلك الغزاة . وأصل التبوء اتخاذ المنزل ، بوأته منزلا إذا أسكنته إياه ; ومنه قوله عليه السلام : من كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار أي ليتخذ فيها منزلا . فمعنى تبوئ المؤمنين تتخذ لهم مصاف . وذكر البيهقي من حديث أنس أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : رأيت فيما يرى النائم كأني مردف كبشا وكأن ضبة سيفي انكسرت فأولت أني أقتل كبش القوم وأولت كسر ضبة سيفي قتل رجل من عترتي فقتل حمزة وقتل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - طلحة ، وكان صاحب اللواء . وذكر موسى بن عقبة عن ابن شهاب : وكان حامل لواء المهاجرين رجل من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال : أنا عاصم إن شاء الله لما معي ; فقال له طلحة بن عثمان أخو سعيد بن عثمان اللخمي : هل لك يا عاصم في المبارزة ؟ قال نعم ; فبدره ذلك الرجل . فضرب بالسيف على رأس طلحة حتى وقع السيف في لحيته فقتله ; فكان قتل صاحب اللواء تصديقا لرؤيا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ( كأني مردف كبشا ) .
3:122
اِذْ  هَمَّتْ  طَّآىٕفَتٰنِ  مِنْكُمْ  اَنْ  تَفْشَلَاۙ-وَ  اللّٰهُ  وَلِیُّهُمَاؕ-وَ  عَلَى  اللّٰهِ  فَلْیَتَوَكَّلِ  الْمُؤْمِنُوْنَ(۱۲۲)
جب تم میں کے دو گروہوں کا ارادہ ہوا کہ نامردی کرجائیں (ف۲۲۸) اور اللہ ان کا سنبھالنے والا ہے اور مسلمانوں کو اللہ ہی پر بھروسہ چاہئے،

قوله تعالى : إذ همت طائفتان منكم أن تفشلا والله وليهما وعلى الله فليتوكل المؤمنونالعامل في " إذ - تبوئ " أو " سميع عليم " . والطائفتان : بنو سلمة من الخزرج ، وبنو حارثة من الأوس ، وكانا جناحي العسكر يوم أحد . ومعنى أن تفشلا أن تجبنا . وفي البخاري عن جابر قال : فينا نزلت إذ همت طائفتان منكم أن تفشلا والله وليهما قال : نحن الطائفتان : بنو حارثة وبنو سلمة ، وما نحب أنها لم تنزل ; لقول الله عز وجل : والله وليهما . وقيل : هم بنو الحارث وبنو الخزرج وبنو النبيت ، والنبيت هو عمرو بن مالك من بني الأوس . والفشل عبارة عن الجبن ; وكذلك هو في اللغة . والهم من الطائفتين كان بعد الخروج لما رجع عبد الله بن أبي بمن معه من المنافقين فحفظ الله قلوبهم فلم يرجعوا ; فذلك قوله تعالى : والله وليهما يعني حافظ قلوبهما عن تحقيق هذا الهم . وقيل : أرادوا التقاعد عن الخروج ، وكان ذلك صغيرة منهم . وقيل : كان ذلك حديث نفس منهم خطر ببالهم فأطلع الله نبيه عليه السلام عليه فازدادوا بصيرة ; ولم يكن ذلك الخور مكتسبا لهم فعصمهم الله ، وذم بعضهم بعضا ، ونهضوا مع النبي - صلى الله عليه وسلم - فمضى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى أطل على المشركين ، وكان خروجه من المدينة في ألف ، فرجع عنه عبد الله بن أبي بن سلول بثلاثمائة رجل مغاضبا ; إذ خولف رأيه حين أشار بالقعود والقتال في المدينة إن نهض إليهم العدو ، وكان رأيه وافق رأي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأبى ذلك أكثر الأنصار ، وسيأتي . ونهض رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالمسلمين فاستشهد منهم من أكرمه الله بالشهادة . قال مالك رحمه الله : قتل من المهاجرين يوم أحد أربعة ، ومن الأنصار سبعون رضي الله عنهم . والمقاعد : جمع مقعد وهو مكان القعود ، وهذا بمنزلة مواقف ، ولكن لفظ القعود دال على الثبوت ; ولا سيما أن الرماة كانوا قعودا . هذا معنى حديث غزاة أحد على الاختصار ، وسيأتي من تفصيلها ما فيه شفاء . وكان مع المشركين يومئذ مائة فرس عليها خالد بن الوليد ، ولم يكن مع المسلمين يومئذ فرس . وفيها جرح رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في وجهه وكسرت رباعيته اليمنى السفلى بحجر وهشمت البيضة من على رأسه - صلى الله عليه وسلم - وجزاه عن أمته بأفضل ما جزى به نبيا من أنبيائه على صبره . وكان الذي تولى ذلك من النبي - صلى الله عليه وسلم - عمرو بن قميئة الليثي ، وعتبة بن أبي وقاص . وقد قيل : إن عبد الله بن شهاب جد الفقيه محمد بن مسلم بن شهاب هو الذي شج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في جبهته . قال الواقدي : والثابت عندنا أن الذي رمى في وجه النبي - صلى الله عليه وسلم - ابن قميئة ، والذي أدمى شفته وأصاب رباعيته عتبة بن أبي وقاص . قال الواقدي بإسناده عن نافع بن جبير قال : سمعت رجلا من المهاجرين يقول : شهدت أحدا فنظرت إلى النبل تأتي من كل ناحية ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - وسطها كل ذلك يصرف عنه . ولقد رأيت عبد الله بن شهاب الزهري يقول يومئذ دلوني على محمد دلوني على محمد ، فلا نجوت إن نجا . وإن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى جنبه ما معه أحد ثم جاوزه ، فعاتبه في ذلك صفوان فقال : والله ما رأيته ، أحلف بالله إنه منا ممنوع ! خرجنا أربعة فتعاهدنا وتعاقدنا على قتله فلم نخلص إلى ذلك . وأكبت الحجارة على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى سقط في حفرة ، كان أبو عامر الراهب قد حفرها مكيدة للمسلمين ، فخر عليه السلام على جنبه واحتضنه طلحة حتى قام ، ومص مالك بن سنان والد أبي سعيد الخدري من جرح رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الدم ، ونشبت حلقتان من درع المغفر في وجهه - صلى الله عليه وسلم - فانتزعهما أبو عبيدة بن الجراح وعض عليهما بثنيته فسقطتا ; فكان أهتم يزينه هتمه - رضي الله عنه - . وفي هذه الغزاة قتل حمزة - رضي الله عنه - ، قتله وحشي ، وكان وحشي مملوكا لجبير بن مطعم . وقد كان جبير قال له : إن قتلت محمدا جعلنا لك أعنة الخيل ، وإن أنت قتلت علي بن أبي طالب جعلنا لك مائة ناقة كلها سود الحدق ، وإن أنت قتلت حمزة فأنت حر . فقال وحشي : أما محمد فعليه حافظ من الله لا يخلص إليه أحد . وأما علي ما برز إليه أحد إلا قتله . وأما حمزة فرجل شجاع ، وعسى أن أصادفه فأقتله . وكانت هند كلما تهيأ وحشي أو مرت به قالت : إيها أبا دسمة اشف واستشف . فكمن له خلف صخرة ، وكان حمزة حمل على القوم من المشركين ; فلما رجع من حملته ومر بوحشي زرقه بالمزراق فأصابه فسقط ميتا رحمه الله ورضي عنه . قال ابن إسحاق : فبقرت هند عن كبد حمزة فلاكتها ولم تستطع أن تسيغها فلفظتها ثم علت على صخرة مشرفة فصرخت بأعلى صوتها فقالت :نحن جزيناكم بيوم بدر والحرب بعد الحرب ذات سعر ما كان عن عتبة لي من صبرولا أخي وعمه وبكري شفيت نفسي وقضيت نذريشفيت وحشي غليل صدري فشكر وحشي علي عمريحتى ترم أعظمي في قبريفأجابتها هند بنت أثاثة بن عباد بن عبد المطلب فقالت :خزيت في بدر وبعد بدر يا بنت وقاع عظيم الكفرصبحك الله غداة الفجر ملهاشميين الطوال الزهربكل قطاع حسام يفري حمزة ليثي وعلي صقريإذ رام شيب وأبوك غدري فخضبا منه ضواحي النحرونذرك السوء فشر نذروقال عبد الله بن رواحة يبكي حمزة - رضي الله عنه - :بكت عيني وحق لها بكاها وما يغني البكاء ولا العويلعلى أسد الإله غداة قالوا أحمزة ذاكم الرجل القتيلأصيب المسلمون به جميعا هناك وقد أصيب به الرسولأبا يعلى لك الأركان هدت وأنت الماجد البر الوصولعليك سلام ربك في جنان مخالطها نعيم لا يزولألا يا هاشم الأخيار صبرا فكل فعالكم حسن جميلرسول الله مصطبر كريم بأمر الله ينطق إذ يقولألا من مبلغ عني لؤيا فبعد اليوم دائلة تدولوقبل اليوم ما عرفوا وذاقوا وقائعنا بها يشفى الغليلنسيتم ضربنا بقليب بدر غداة أتاكم الموت العجيلغداة ثوى أبو جهل صريعا عليه الطير حائمة تجولوعتبة وابنه خرا جميعا وشيبة عضه السيف الصقيلومتركنا أمية مجلعبا وفي حيزومه لدن نبيلوهام بني ربيعة سائلوها ففي أسيافنا منها فلولألا يا هند لا تبدي شماتا بحمزة إن عزكم ذليلألا يا هند فابكي لا تملي فأنت الواله العبرى الهبولورثته أيضا أخته صفية ، وذلك مذكور في السيرة ، رضي الله عنهم أجمعين .قوله تعالى : وعلى الله فليتوكل المؤمنون فيه مسألة واحدة ، وهي بيان التوكل . والتوكل في اللغة إظهار العجز والاعتماد على الغير . وواكل فلان إذا ضيع أمره متكلا على غيره .واختلف العلماء في حقيقة التوكل ; فسئل عنه سهل بن عبد الله فقال : قالت فرقة الرضا بالضمان ، وقطع الطمع من المخلوقين . وقال قوم : التوكل ترك الأسباب والركون إلى مسبب الأسباب ; فإذا شغله السبب عن المسبب زال عنه اسم التوكل . قال سهل : من قال إن التوكل يكون بترك السبب فقد طعن في سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لأن الله عز وجل يقول : فكلوا مما غنمتم حلالا طيبا فالغنيمة اكتساب . وقال تعالى : فاضربوا فوق الأعناق واضربوا منهم كل بنان فهذا عمل . وقال النبي - صلى الله عليه وسلم - إن الله يحب العبد المحترف . وكان أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقرضون على السرية . وقال غيره : وهذا قول عامة الفقهاء ، وأن التوكل على الله هو الثقة بالله والإيقان بأن قضاءه ماض ، واتباع سنة نبيه - صلى الله عليه وسلم - في السعي فيما لا بد منه من الأسباب من مطعم ومشرب وتحرز من عدو وإعداد الأسلحة واستعمال ما تقتضيه سنة الله تعالى المعتادة . وإلى هذا ذهب محققو الصوفية ، لكنه لا يستحق اسم التوكل عندهم مع الطمأنينة إلى تلك الأسباب والالتفات إليها بالقلوب ; فإنها لا تجلب نفعا ولا تدفع ضرا ، بل السبب والمسبب فعل الله تعالى ، والكل منه وبمشيئته ; ومتى وقع من المتوكل ركون إلى تلك الأسباب فقد انسلخ عن ذلك الاسم . ثم المتوكلون على حالين : الأول : حال المتمكن في التوكل فلا يلتفت إلى شيء من تلك الأسباب بقلبه ، ولا يتعاطاه إلا بحكم الأمر . الثاني : حال غير المتمكن وهو الذي يقع له الالتفات إلى تلك الأسباب أحيانا غير أنه يدفعها عن نفسه بالطرق العلمية ، والبراهين القطعية ، والأذواق الحالية ; فلا يزال كذلك إلى أن يرقيه الله بجوده إلى مقام المتوكلين المتمكنين ، ويلحقه بدرجات العارفين .
3:123
وَ  لَقَدْ  نَصَرَكُمُ  اللّٰهُ  بِبَدْرٍ  وَّ  اَنْتُمْ  اَذِلَّةٌۚ-فَاتَّقُوا  اللّٰهَ  لَعَلَّكُمْ  تَشْكُرُوْنَ(۱۲۳)
اور بیشک اللہ نے بدر میں تمہاری مدد کی جب تم بالکل بے سر و سامان تھے (ف۲۲۹) تو اللہ سے ڈرو کہیں تم شکر گزار ہو،

قوله تعالى : ولقد نصركم الله ببدر وأنتم أذلة فاتقوا الله لعلكم تشكرونفيه مسائل :الأولى : قوله تعالى : ولقد نصركم الله ببدر كانت بدر يوم سبعة عشر من رمضان ، يوم جمعة لثمانية عشر شهرا من الهجرة ، وبدر ماء هنالك وبه سمي الموضع . وقال الشعبي : كان ذلك الماء لرجل من جهينة يسمى بدرا ، وبه سمي الموضع . والأول أكثر . وقال الواقدي وغيره : بدر اسم لموضع غير منقول . وسيأتي في قصة بدر في " الأنفال " إن شاء الله تعالى . و ( أذلة ) معناها قليلون ; وذلك أنهم كانوا ثلاثمائة وثلاثة عشر أو أربعة عشر رجلا . وكان عددهم ما بين التسعمائة إلى الألف . وأذلة جمع ذليل . واسم الذل في هذا الموضع مستعار ، ولم يكونوا في أنفسهم إلا أعزة ، ولكن نسبتهم إلى عدوهم وإلى جميع الكفار في أقطار الأرض تقتضي عند التأمل ذلتهم وأنهم يغلبون . والنصر العون ; فنصرهم الله يوم بدر ، وقتل فيه صناديد المشركين ، وعلى ذلك اليوم ابتني الإسلام ، وكان أول قتال قاتله النبي - صلى الله عليه وسلم - . وفي صحيح مسلم عن بريدة قال : غزا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سبع عشرة غزوة ، قاتل في ثمان منهن . وفيه عن ابن إسحاق قال : لقيت زيد بن أرقم فقلت له : كم غزا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ؟ قال تسع عشرة غزوة . فقلت : فكم غزوت أنت معه ؟ فقال : سبع عشرة غزوة . قال فقلت : فما أول غزوة غزاها ؟ قال : ذات العسير أو العشير . وهذا كله مخالف لما عليه أهل التواريخ والسير . قال محمد بن سعد في كتاب الطبقات له : إن غزوات رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سبع وعشرون غزوة ، وسراياه ست وخمسون ، وفي رواية ست وأربعون ، والتي قاتل فيها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : بدر وأحد والمريسيع والخندق وخيبر وقريظة والفتح وحنين والطائف . قال ابن سعد : هذا الذي اجتمع لنا عليه . وفي بعض الروايات أنه قاتل في بني النضير وفي وادي القرى منصرفه من خيبر وفي الغابة . وإذا تقرر هذا فنقول : زيد وبريدة إنما أخبر كل واحد منهما بما في علمه أو شاهده . وقول زيد : " إن أول غزاة غزاها ذات العسيرة " مخالف أيضا لما قال أهل التواريخ والسير . قال محمد بن سعد : كان قبل غزوة العشيرة ثلاث غزوات ، يعني غزاها بنفسه . وقال ابن عبد البر في كتاب الدرر في المغازي والسير . أول غزاة غزاها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - غزوة ودان غزاها بنفسه في صفر ; وذلك أنه وصل إلى المدينة لاثنتي عشرة ليلة خلت من ربيع الأول ، أقام بها بقية ربيع الأول ، وباقي العام كله . إلى صفر من سنة اثنتين من الهجرة : ثم خرج في صفر المذكور واستعمل على المدينة سعد بن عبادة حتى بلغ ودان فوادع بني ضمرة ، ثم رجع إلى المدينة ولم يلق حربا ، وهي المسماة بغزوة الأبواء . ثم أقام بالمدينة إلى شهر ربيع الآخر من السنة المذكورة ، ثم خرج فيها واستعمل على المدينة السائب بن عثمان بن مظعون حتى بلغ بواط من ناحية رضوى ، ثم رجع إلى المدينة ولم يلق حربا ، ثم أقام بها بقية ربيع الآخر وبعض جمادى الأولى ، ثم خرج غازيا واستخلف على المدينة أبا سلمة بن عبد الأسد ، وأخذ على طريق ملك إلى العسيرة .قلت : ذكر ابن إسحاق عن عمار بن ياسر قال : كنت أنا وعلي بن أبي طالب رفيقين في غزوة العشيرة من بطن ينبع فلما نزلها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أقام بها شهرا فصالح بها بني مدلج وحلفاءهم من بني ضمرة فوادعهم ; فقال لي علي بن أبي طالب : هل لك أبا اليقظان أن تأتي هؤلاء - نفر من بني مدلج يعملون في عين لهم - ننظر كيف يعملون ؟ فأتيناهم فنظرنا إليهم ساعة ثم غشينا النوم فعمدنا إلى صور من النخل في دقعاء من الأرض فنمنا فيه ; فوالله ما أهبنا إلا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بقدمه ; فجلسنا وقد تتربنا من تلك الدقعاء فيومئذ قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لعلي : ( ما بالك يا أبا تراب ) ; فأخبرناه بما كان من أمرنا فقال : ( ألا أخبركم بأشقى الناس رجلين ) قلنا : بلى يا رسول الله ; فقال : ( أحيمر ثمود الذي عقر الناقة ، والذي يضربك يا علي على هذه - ووضع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يده على رأسه - حتى يبل منها هذه ) ووضع يده على لحيته . فقال أبو عمر : فأقام بها بقية جمادى الأولى وليالي من جمادى الآخرة ، ووادع فيها بني مدلج ثم رجع ولم يلق حربا . ثم كانت بعد ذلك غزوة بدر الأولى بأيام قلائل ، هذا الذي لا يشك فيه أهل التواريخ والسير ، فزيد بن أرقم إنما أخبر عما عنده ، والله أعلم . ويقال : ذات العسير بالسين والشين ، ويزاد عليها هاء فيقال : العشيرة . ثم غزوة بدر الكبرى وهي أعظم المشاهد فضلا لمن شهدها ، وفيها أمد الله بملائكته نبيه والمؤمنين في قول جماعة العلماء ، وعليه يدل ظاهر الآية ، لا في يوم أحد . ومن قال : إن ذلك كان يوم أحد جعل قوله تعالى : ولقد نصركم الله ببدر إلى قوله : تشكرون اعتراضا بين الكلامين . هذا قول عامر الشعبي ، وخالفه الناس .وتظاهرت الروايات بأن الملائكة حضرت يوم بدر وقاتلت ; ومن ذلك قول أبي أسيد بن مالك بن ربيعة وكان شهيد بدر : لو كنت معكم الآن ببدر ومعي بصري لأريتكم الشعب الذي خرجت منه الملائكة ، لا أشك ولا أمتري . رواه عقيل عن الزهري عن أبي حازم سلمة بن دينار . قال ابن أبي حاتم : لا يعرف للزهري عن أبي حازم غير هذا الحديث الواحد ، وأبو أسيد يقال إنه آخر من مات من أهل بدر ; ذكره أبو عمر في الاستيعاب وغيره . وفي صحيح مسلم من حديث عمر بن الخطاب قال : لما كان يوم بدر نظر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى المشركين وهم ألف ، وأصحابه ثلاثمائة وتسعة عشر رجلا ، فاستقبل نبي الله - صلى الله عليه وسلم - القبلة ثم مد يديه فجعل يهتف بربه : ( اللهم أنجز لي ما وعدتني ، اللهم آت ما وعدتني ، اللهم إن تهلك هذه العصابة من أهل الإسلام لا تعبد في الأرض ) فما زال يهتف بربه مادا يديه مستقبل القبلة حتى سقط رداؤه عن منكبيه ، فأتاه أبو بكر فأخذ رداءه فألقاه على منكبيه ، ثم التزمه من ورائه وقال : يا نبي الله ، كفاك مناشدتك ربك ، فإنه سينجز لك ما وعدك ; فأنزل الله عز وجل : إذ تستغيثون ربكم فاستجاب لكم أني ممدكم بألف من الملائكة مردفين فأمده الله تعالى بالملائكة . قال أبو زميل : فحدثني ابن عباس قال : بينما رجل من المسلمين يومئذ يشتد في أثر رجل من المشركين أمامه إذ سمع ضربة بالسوط فوقه وصوت الفارس يقول : أقدم حيزوم ; فنظر إلى المشرك أمامه فخر مستلقيا ، فنظر إليه فإذا هو قد خطم أنفه وشق وجهه كضربة السوط فاخضر ذلك أجمع . فجاء الأنصاري فحدث بذلك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال : ( صدقت ذلك من مدد السماء الثالثة ) فقتلوا يومئذ سبعين وأسروا سبعين . وذكر الحديث . وسيأتي تمامه في آخر " الأنفال " إن شاء الله تعالى . فتظاهرت السنة والقرآن على ما قاله الجمهور ، والحمد لله . وعن خارجة بن إبراهيم عن أبيه قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لجبريل : ( من القائل يوم بدر من الملائكة أقدم حيزوم ؟ ) فقال جبريل : ( يا محمد ما كل أهل السماء أعرف ) . وعن علي - رضي الله عنه - أنه خطب الناس فقال : بينا أنا أمتح من قليب بدر جاءت ريح شديدة لم أر مثلها قط ، ثم ذهبت ، ثم جاءت ريح شديدة لم أر مثلها قط إلا التي كانت قبلها . قال : وأظنه ذكر : ثم جاءت ريح شديدة ، فكانت الريح الأولى جبريل نزل في ألف من الملائكة مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وكانت الريح الثانية ميكائيل نزل في ألف من الملائكة عن يمين رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وكان أبو بكر عن يمينه ، وكانت الريح الثالثة إسرافيل نزل في ألف من الملائكة عن ميسرة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأنا في الميسرة . وعن سهل بن حنيف - رضي الله عنه - قال : لقد رأيتنا يوم بدر وأن أحدنا يشير بسيفه إلى رأس المشرك فيقع رأسه عن جسده قبل أن يصل إليه . وعن الربيع بن أنس قال : كان الناس يوم بدر يعرفون قتلى الملائكة ممن قتلوهم بضرب فوق الأعناق وعلى البنان مثل سمة النار قد أحرق به ; ذكر جميعه البيهقي رحمه الله . وقال بعضهم : إن الملائكة كانوا يقاتلون وكانت علامة ضربهم في الكفار ظاهرة ; لأن كل موضع أصابت ضربتهم اشتعلت النار في ذلك الموضع ، حتى إن أبا جهل قال لابن مسعود : أنت قتلتني ؟ إنما قتلني الذي لم يصل سناني إلى سنبك فرسه وإن اجتهدت . وإنما كانت الفائدة في كثرة الملائكة لتسكين قلوب المؤمنين ; ولأن الله تعالى جعل أولئك الملائكة مجاهدين إلى يوم القيامة ; فكل عسكر صبر واحتسب تأتيهم الملائكة ويقاتلون معهم . وقال ابن عباس ومجاهد : لم تقاتل الملائكة إلا يوم بدر ، وفيما سوى ذلك يشهدون ولا يقاتلون إنما يكونون عددا أو مددا . وقال بعضهم : إنما كانت الفائدة في كثرة الملائكة أنهم كانوا يدعون ويسبحون ، ويكثرون الذين يقاتلون يومئذ ; فعلى هذا لم تقاتل الملائكة يوم بدر وإنما حضروا للدعاء بالتثبيت ، والأول أكثر .قال قتادة : كان هذا يوم بدر ، أمدهم الله بألف ثم صاروا ثلاثة آلاف ، ثم صاروا خمسة آلاف ; فذلك قوله تعالى : إذ تستغيثون ربكم فاستجاب لكم أني ممدكم بألف من الملائكة مردفين وقوله : ألن يكفيكم أن يمدكم ربكم بثلاثة آلاف من الملائكة منزلين وقوله : بلى إن تصبروا وتتقوا ويأتوكم من فورهم هذا يمددكم ربكم بخمسة آلاف من الملائكة مسومين فصبر المؤمنون يوم بدر واتقوا الله فأمدهم الله بخمسة آلاف من الملائكة على ما وعدهم ; فهذا كله يوم بدر . وقال الحسن : فهؤلاء الخمسة آلاف ردء للمؤمنين إلى يوم القيامة . قال الشعبي : بلغ النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه يوم بدر أن كرز بن جابر المحاربي يريد أن يمد المشركين فشق ذلك على النبي - صلى الله عليه وسلم - وعلى المسلمين ;
3:124
اِذْ  تَقُوْلُ  لِلْمُؤْمِنِیْنَ  اَلَنْ  یَّكْفِیَكُمْ  اَنْ  یُّمِدَّكُمْ  رَبُّكُمْ  بِثَلٰثَةِ  اٰلٰفٍ  مِّنَ  الْمَلٰٓىٕكَةِ  مُنْزَلِیْنَؕ(۱۲۴)
جب اے محبوب تم مسلمانوں سے فرماتے تھے کیا تمہیں یہ کافی نہیں کہ تمہارا رب تمہاری مدد کرے تین ہزار فرشتہ اتار کر،

فأنزل الله تعالى : ألن يكفيكم إلى قوله : مسومين فبلغ كرزا الهزيمة فلم يمدهم ورجع ، فلم يمدهم الله أيضا بالخمسة آلاف ، وكانوا قد مدوا بألف . وقيل : إنما وعد الله المؤمنين يوم بدر إن صبروا على طاعته ، واتقوا محارمه أن يمدهم أيضا في حروبهم كلها ، فلم يصبروا ولم يتقوا محارمه إلا في يوم الأحزاب ، فأمدهم حين حاصروا قريظة . وقيل : إنما كان هذا يوم أحد ، وعدهم الله المدد إن صبروا ، فما صبروا فلم يمدهم بملك واحد ، ولو أمدوا لما هزموا ; قاله عكرمة والضحاك . فإن قيل : فقد ثبت عن سعد بن أبي وقاص أنه قال : رأيت عن يمين رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وعن يساره يوم بدر رجلين عليهما ثياب بيض يقاتلان عنه أشد القتال ، ما رأيتهما قبل ولا بعد . قيل له : لعل هذا مختص بالنبي - صلى الله عليه وسلم - خصه بملكين يقاتلان عنه ، ولا يكون هذا إمدادا للصحابة ، والله أعلم .نزول الملائكة سبب من أسباب النصر لا يحتاج إليه الرب تعالى ، وإنما يحتاج إليه المخلوق فليعلق القلب بالله وليثق به ، فهو الناصر بسبب وبغير سبب ; إنما أمره إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون . لكن أخبر بذلك ليمتثل الخلق ما أمرهم به من الأسباب التي قد خلت من قبل ، ولن تجد لسنة الله تبديلا ، ولا يقدح ذلك في التوكل . وهو رد على من قال : إن الأسباب إنما سنت في حق الضعفاء لا للأقوياء ; فإن النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه كانوا الأقوياء وغيرهم هم الضعفاء ; وهذا واضح . و " مد " في الشر و " أمد " في الخير . وقد تقدم في البقرة . وقرأ أبو حيوة " منزلين " بكسر الزاي مخففا ، يعني منزلين النصر . وقرأ ابن عامر مشددة الزاي مفتوحة على التكثير .
3:125
بَلٰۤىۙ-اِنْ  تَصْبِرُوْا  وَ  تَتَّقُوْا  وَ  یَاْتُوْكُمْ  مِّنْ  فَوْرِهِمْ  هٰذَا  یُمْدِدْكُمْ  رَبُّكُمْ  بِخَمْسَةِ  اٰلٰفٍ  مِّنَ  الْمَلٰٓىٕكَةِ  مُسَوِّمِیْنَ(۱۲۵)
ہا ں کیوں نہیں اگر تم صبرو تقویٰ کرو اور کافر اسی دم تم پر آپڑیں تو تمہارا رب تمہاری مدد کو پانچ ہزار فرشتے نشان والے بھیجے گا (ف۲۳۰)

ثم قال : بلى وتم الكلام . إن تصبروا شرط ، أي على لقاء العدو . وتتقوا عطف عليه ، أي معصيته . والجواب يمددكم . ومعنى من فورهم من وجههم . هذا عن عكرمة وقتادة والحسن والربيع والسدي وابن زيد . وقيل : من غضبهم ; عن مجاهد والضحاك . كانوا قد غضبوا يوم أحد ليوم بدر مما لقوا . وأصل الفور القصد إلى الشيء والأخذ فيه بجد ; وهو من قولهم : فارت القدر تفور فورا وفورانا إذا غلت . والفور الغليان . وفار غضبه إذا جاش . وفعله من فوره أي قبل أن يسكن . والفوارة ما يفور من القدر . وفي التنزيل وفار التنور . قال الشاعر :تفور علينا قدرهم فنديمهاقوله تعالى : " مسومين " بفتح الواو اسم مفعول ، وهي قراءة ابن عامر وحمزة والكسائي ونافع . أي معلمين بعلامات . و ( مسومين ) بكسر الواو اسم فاعل ، وهي قراءة أبي عمرو وابن كثير وعاصم ; فيحتمل من المعنى ما تقدم ، أي قد أعلموا أنفسهم بعلامة ، وأعلموا خيلهم . ورجح الطبري وغيره هذه القراءة . وقال كثير من المفسرين : مسومين أي مرسلين خيلهم في الغارة . وذكر المهدوي هذا المعنى في " مسومين " بفتح الواو ، أي أرسلهم الله تعالى على الكفار . وقاله ابن فورك أيضا . وعلى القراءة الأولى اختلفوا في سيما الملائكة ; فروي عن علي بن أبي طالب وابن عباس وغيرهما أن الملائكة اعتمت بعمائم بيض قد أرسلوها بين أكتافهم ; ذكره البيهقي عن ابن عباس وحكاه المهدوي عن الزجاج . إلا جبريل فإنه كان بعمامة صفراء على مثال الزبير بن العوام ، وقاله ابن إسحاق . وقال الربيع : كانت سيماهم أنهم كانوا على خيل بلق .قلت : ذكر البيهقي عن سهيل بن عمرو - رضي الله عنه - قال : لقد رأيت يوم بدر رجالا بيضا على خيل بلق بين السماء والأرض معلمين يقتلون ويأسرون . فقوله : ( معلمين ) دل على أن الخيل البلق ليست السيما ، والله أعلم . وقال مجاهد : كانت خيلهم مجزوزة الأذناب والأعراف معلمة النواصي والأذناب بالصوف والعهن . وروي عن ابن عباس : تسومت الملائكة يوم بدر بالصوف الأبيض في نواصي الخيل وأذنابها . وقال عباد بن عبد الله بن الزبير وهشام بن عروة والكلبي : نزلت الملائكة في سيما الزبير عليهم عمائم صفر على أكتافهم . وقال ذلك عبد الله وعروة ابنا الزبير . وقال عبد الله : كانت ملاءة صفراء اعتم بها الزبير - رضي الله عنه - .قلت : و دلت الآية : على اتخاذ الشارة والعلامة للقبائل والكتائب يجعلها السلطان لهم ; لتتميز كل قبيلة وكتيبة من غيرها عند الحرب ، وعلى فضل الخيل البلق لنزول الملائكة عليها . قلت : ولعلها نزلت عليها موافقة لفرس المقداد ; فإنه كان أبلق ولم يكن لهم فرس غيره ، فنزلت الملائكة على الخيل البلق إكراما للمقداد ; كما نزل جبريل معتجرا بعمامة صفراء على مثال الزبير ، والله أعلم .ودلت الآية أيضا : على لباس الصوف وقد لبسه الأنبياء والصالحون . وروى أبو داود وابن ماجه واللفظ له عن أبي بردة عن أبيه قال : قال لي أبي : لو شهدتنا ونحن مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا أصابتنا السماء لحسبت أن ريحنا ريح الضأن . ولبس - صلى الله عليه وسلم - جبة رومية من صوف ضيقة الكمين ; رواه الأئمة . ولبسها يونس عليه السلام ; رواه مسلم . وسيأتي لهذا المعنى مزيد بيان في " النحل " إن شاء الله تعالى .قلت : وأما ما ذكره مجاهد من أن خيلهم كانت مجزوزة الأذناب والأعراف فبعيد ; فإن في مصنف أبي داود عن عتبة بن عبد السلمي أنه سمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : لا تقصوا نواصي الخيل ولا معارفها ولا أذنابها فإن أذنابها مذابها ، ومعارفها دفاؤها ، ونواصيها معقود فيها الخير . فقول مجاهد يحتاج إلى توقيف من أن خيل الملائكة كانت على تلك الصفة ، والله أعلم .ودلت الآية على حسن الأبيض والأصفر من الألوان لنزول الملائكة بذلك ، وقد قال ابن عباس : من لبس نعلا أصفر قضيت حاجته . وقال عليه السلام : البسوا من ثيابكم البياض فإنه من خير ثيابكم وكفنوا فيه موتاكم وأما العمائم فتيجان العرب ولباسها . وروى ركانة - وكان صارع النبي - صلى الله عليه وسلم - فصرعه النبي - صلى الله عليه وسلم - قال ركانة : وسمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول : فرق ما بيننا وبين المشركين العمائم على القلانس أخرجه أبو داود . قال البخاري : إسناده مجهول لا يعرف سماع بعضه من بعض .
3:126
وَ  مَا  جَعَلَهُ  اللّٰهُ  اِلَّا  بُشْرٰى  لَكُمْ  وَ  لِتَطْمَىٕنَّ  قُلُوْبُكُمْ  بِهٖؕ-وَ  مَا  النَّصْرُ  اِلَّا  مِنْ  عِنْدِ  اللّٰهِ  الْعَزِیْزِ  الْحَكِیْمِۙ(۱۲۶)
اور یہ فتح اللہ نے نہ کی مگر تمہاری خوشی کے لئے اور اسی لئے کہ اس سے تمہارے دلوں کو چین ملے (ف۲۳۱) اور مدد نہیں مگر اللہ غالب حکمت والے کے پاس سے (ف۲۳۲)

قوله تعالى : وما جعله الله إلا بشرى لكم ولتطمئن قلوبكم به وما النصر إلا من عند الله العزيز الحكيمويدل عليه يمددكم أو للتسويم أو للإنزال أو العدد على المعنى ; لأن خمسة آلاف عدد . ولتطمئن قلوبكم به اللام لام كي ، أي ولتطمئن قلوبكم به جعله ; كقوله : وزينا السماء الدنيا بمصابيح وحفظا أي وحفظا لها جعل ذلك . وما النصر إلا من عند الله يعني نصر المؤمنين ، ولا يدخل في ذلك نصر الكافرين ; لأن ما وقع لهم من غلبة إنما هو إملاء محفوف بخذلان وسوء عاقبة وخسران .
3:127
لِیَقْطَعَ  طَرَفًا  مِّنَ  الَّذِیْنَ  كَفَرُوْۤا  اَوْ  یَكْبِتَهُمْ  فَیَنْقَلِبُوْا  خَآىٕبِیْنَ(۱۲۷)
اس لئے کہ کافروں کا ایک حصہ کاٹ دے (ف۲۳۳) یا انہیں ذلیل کرے کہ نامراد پھر جائیں،

ليقطع طرفا من الذين كفروا أي بالقتل . ونظم الآية : ولقد نصركم الله ببدر ليقطع . وقيل : المعنى وما النصر إلا من عند الله ليقطع . ويجوز أن يكون متعلقا ب يمددكم ، أي يمددكم ليقطع . والمعنى : من قتل من المشركين يوم بدر ، عن الحسن وغيره . السدي : يعني به من قتل من المشركين يوم أحد وكانوا ثمانية عشر رجلا . ومعنى يكبتهم يحزنهم ; والمكبوت المحزون . وروي أن النبي - صلى الله عليه وسلم - جاء إلى أبي طلحة فرأى ابنه مكبوتا فقال : ( ما شأنه ) ؟ فقيل : مات بعيره . وأصله فيما ذكر بعض أهل اللغة " يكبدهم " أي يصيبهم بالحزن والغيظ في أكبادهم ، فأبدلت الدال تاء ، كما قلبت في سبت رأسه وسبده أي حلقه . كبت الله العدو كبتا إذا صرفه وأذله ، كبده ، أصابه في كبده ; يقال : قد أحرق الحزن كبده ، وأحرقت العداوة كبده . وتقول العرب للعدو : أسود الكبد ; قال الأعشى :فما أجشمت من إتيان قوم هم الأعداء والأكباد سودكأن الأكباد لما احترقت بشدة العداوة اسودت . وقرأ أبو مجلز " أو يكبدهم " بالدال . والخائب : المنقطع الأمل . خاب يخيب إذا لم ينل ما طلب . والخياب : القدح لا يوري .
3:128
لَیْسَ   لَكَ  مِنَ  الْاَمْرِ  شَیْءٌ  اَوْ  یَتُوْبَ  عَلَیْهِمْ  اَوْ  یُعَذِّبَهُمْ  فَاِنَّهُمْ  ظٰلِمُوْنَ(۱۲۸)
یہ بات تمہارے ہاتھ نہیں یا انہیں توبہ کی توفیق دے یا ان پر عذاب کرے کہ وہ ظالم ہیں،

قوله تعالى : ليس لك من الأمر شيء أو يتوب عليهم أو يعذبهم فإنهم ظالمونفيه مسائل :الأولى : ثبت في صحيح مسلم أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كسرت رباعيته يوم أحد ، وشج في رأسه ، فجعل يسلت الدم عنه ويقول : كيف يفلح قوم شجوا رأس نبيهم وكسروا رباعيته وهو يدعوهم إلى الله تعالى فأنزل الله تعالى : ليس لك من الأمر شيء . الضحاك : هم النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يدعو على المشركين فأنزل الله تعالى : ليس لك من الأمر شيء . وقيل : استأذن في أن يدعو في استئصالهم ، فلما نزلت هذه الآية علم أن منهم من سيسلم وقد آمن كثير منهم خالد بن الوليد وعمرو بن العاص وعكرمة بن أبي جهل وغيرهم . وروى الترمذي عن ابن عمر قال : وكان النبي - صلى الله عليه وسلم - يدعو على أربعة نفر فأنزل الله عز وجل : ليس لك من الأمر شيء فهداهم الله للإسلام وقال : هذا حديث حسن غريب صحيح . وقوله تعالى : أو يتوب عليهم قيل : هو معطوف على ليقطع طرفا . والمعنى : ليقتل طائفة منهم ، أو يحزنهم بالهزيمة أو يتوب عليهم أو يعذبهم . وقد تكون " أو " هاهنا بمعنى " حتى " و " إلا أن " . قال امرؤ القيس :فقلت له لا تبل عينك إنما نحاول ملكا أو نموت فنعذراقوله عليه السلام : ( كيف يفلح قوم شجوا رأس نبيهم ) استبعاد لتوفيق من فعل ذلك به . وقوله تعالى : ليس لك من الأمر شيء تقريب لما استبعده وإطماع في إسلامهم ، ولما أطمع في ذلك قال - صلى الله عليه وسلم - : اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون كما في صحيح مسلم عن ابن مسعود قال : كأني أنظر إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يحكي نبيا من الأنبياء ضربه قومه وهو يمسح الدم عن وجهه ويقول : رب اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون . قال علماؤنا : فالحاكي في حديث ابن مسعود هو الرسول عليه الصلاة والسلام ، وهو المحكي عنه ; بدليل ما قد جاء صريحا مبينا أنه عليه الصلاة والسلام لما كسرت رباعيته وشج وجهه يوم أحد شق ذلك على أصحابه شقا شديدا وقالوا : لو دعوت عليهم ! فقال : ( إني لم أبعث لعانا ولكني بعثت داعيا ورحمة ، اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون ) . فكأنه عليه السلام أوحي إليه بذلك قبل وقوع قضية أحد ، ولم يعين له ذلك النبي ; فلما وقع له ذلك تعين أنه المعني بذلك بدليل ما ذكرنا . وبينه أيضا ما قاله عمر له في بعض كلامه : بأبي أنت وأمي يا رسول الله ! لقد دعا نوح على قومه فقال : رب لا تذر على الأرض من الكافرين ديارا الآية . ولو دعوت علينا مثلها لهلكنا من عند آخرنا ; فقد وطئ ظهرك وأدمي وجهك وكسرت رباعيتك فأبيت أن تقول إلا خيرا ، فقلت : ( رب اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون ) . وقوله : ( اشتد غضب الله على قوم كسروا رباعية نبيهم ) يعني بذلك المباشر لذلك ، وقد ذكرنا اسمه على اختلاف في ذلك ، وإنما قلنا إنه خصوص في المباشر ; لأنه قد أسلم جماعة ممن شهد أحدا وحسن إسلامهم .الثانية : زعم بعض الكوفيين أن هذه الآية ناسخة للقنوت الذي كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يفعله بعد الركوع في الركعة الأخيرة من الصبح ، واحتج بحديث ابن عمر أنه سمع النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول في صلاة الفجر بعد رفع رأسه من الركوع فقال : ( اللهم ربنا ولك الحمد في الآخرة ، ثم قال : اللهم العن فلانا وفلانا ) فأنزل الله عز وجل ليس لك من الأمر شيء أو يتوب عليهم أو يعذبهم الآية . أخرجه البخاري ، وأخرجه مسلم أيضا من حديث أبي هريرة أتم منه . وليس هذا موضع نسخ وإنما نبه الله تعالى على نبيه على أن الأمر ليس إليه ، وأنه لا يعلم من الغيب شيئا إلا ما أعلمه ، وأن الأمر كله لله يتوب على من يشاء ويعجل العقوبة لمن يشاء . والتقدير : ليس لك من الأمر شيء ولله ما في السماوات وما في الأرض دونك ودونهم يغفر لمن يشاء ويتوب على من يشاء . فلا نسخ ، والله أعلم . وبين بقوله : ليس لك من الأمر شيء أن الأمور بقضاء الله وقدره ردا على القدرية وغيرهم .الثالثة : واختلف العلماء في القنوت في صلاة الفجر وغيرها ; فمنع الكوفيون منه في الفجر وغيرها . وهو مذهب الليث ويحيى بن يحيى الليثي الأندلسي صاحب مالك ، وأنكره الشعبي . وفي الموطأ عن ابن عمر : أنه كان لا يقنت في شيء من الصلاة . وروى النسائي ، أنبأنا قتيبة ، عن خلف ، عن أبي مالك الأشجعي عن أبيه قال : صليت خلف النبي - صلى الله عليه وسلم - فلم يقنت ، وصليت خلف أبي بكر فلم يقنت ، وصليت خلف عمر فلم يقنت ، وصليت خلف عثمان فلم يقنت ، وصليت خلف علي فلم يقنت ; ثم قال : يا بني إنها بدعة . وقيل : يقنت في الفجر دائما وفي سائر الصلوات إذا نزل بالمسلمين نازلة ; قاله الشافعي والطبري . وقيل : هو مستحب في صلاة الفجر ، وروي عن الشافعي . وقال الحسن وسحنون : إنه سنة . وهو مقتضى رواية علي بن زياد عن مالك بإعادة تاركه للصلاة عمدا . وحكى الطبري الإجماع على أن تركه غير مفسد للصلاة . وعن الحسن : في تركه سجود السهو ; وهو أحد قولي الشافعي . وذكر الدارقطني عن سعيد بن عبد العزيز فيمن نسي القنوت في صلاة الصبح قال : يسجد سجدتي السهو . واختار مالك قبل الركوع ; وهو قول إسحاق . وروي أيضا عن مالك بعد الركوع ، وروي عن الخلفاء الأربعة ، وهو قول الشافعي وأحمد وإسحاق أيضا . وروى عن جماعة من الصحابة التخيير في ذلك . وروى الدارقطني بإسناد صحيح عن أنس أنه قال : ما زال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقنت في صلاة الغداة حتى فارق الدنيا . وذكر أبو داود في المراسيل عن خالد بن أبي عمران قال : بينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يدعو على مضر إذ جاءه جبريل فأومأ إليه أن اسكت فسكت ; فقال : ( يا محمد إن الله لم يبعثك سبابا ولا لعانا ، وإنما بعثك رحمة ولم يبعثك عذابا ليس لك من الأمر شيء أو يتوب عليهم أو يعذبهم فإنهم ظالمون قال : ثم علمه هذا القنوت فقال : ( اللهم إنا نستعينك ونستغفرك ونؤمن بك ونخنع لك ونخلع ونترك من يكفرك اللهم إياك نعبد ولك نصلي ونسجد وإليك نسعى ونحفد ونرجو رحمتك ونخاف عذابك الجد إن عذابك بالكافرين ملحق ) .
3:129
وَ  لِلّٰهِ  مَا  فِی  السَّمٰوٰتِ  وَ  مَا  فِی  الْاَرْضِؕ-یَغْفِرُ  لِمَنْ  یَّشَآءُ  وَ  یُعَذِّبُ  مَنْ  یَّشَآءُؕ-وَ  اللّٰهُ  غَفُوْرٌ  رَّحِیْمٌ۠(۱۲۹)
اور اللہ ہی کا ہے جو کچھ آسمانوں میں ہے اور جو کچھ زمین میں ہے جسے چاہے بخشے اور جسے چاہے عذاب کرے، اور اللہ بخشنے والا مہربان،

3:130
یٰۤاَیُّهَا  الَّذِیْنَ  اٰمَنُوْا  لَا  تَاْكُلُوا  الرِّبٰۤوا  اَضْعَافًا  مُّضٰعَفَةً۪-  وَّ  اتَّقُوا  اللّٰهَ  لَعَلَّكُمْ  تُفْلِحُوْنَۚ(۱۳۰)
اے ایمان والوں سود دونا دون نہ کھاؤ (ف۲۳۴) اللہ سے ڈرو اس امید پر کہ تمہیں فلاح ملے،

قوله تعالى : يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا الربا أضعافا مضاعفة واتقوا الله لعلكم تفلحونقوله تعالى : يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا الربا أضعافا هذا النهي عن أكل الربا اعتراض بين أثناء قصة أحد . قال ابن عطية : ولا أحفظ في ذلك شيئا مرويا .قلت : قال مجاهد : كانوا يبيعون البيع إلى أجل ، فإذا حل الأجل زادوا في الثمن على أن يؤخروا ; فأنزل الله عز وجل : يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا الربا أضعافا مضاعفة قلت وإنما خص الربا من بين سائر المعاصي ; لأنه الذي أذن الله فيه بالحرب في قوله : فإن لم تفعلوا فأذنوا بحرب من الله ورسوله والحرب يؤذن بالقتل ; فكأنه يقول : إن لم تتقوا الربا هزمتم وقتلتم . فأمرهم بترك الربا ; لأنه كان معمولا به عندهم ، والله أعلم . و ( أضعافا ) نصب على الحال و ( مضاعفة ) نعته . وقرئ " مضعفة " ومعناه : الربا الذي كانت العرب تضعف فيه الدين فكان الطالب يقول : أتقضي أم تربي ؟ كما تقدم في " البقرة " . و ( مضاعفة ) إشارة إلى تكرار التضعيف عاما بعد عام كما كانوا يصنعون ; فدلت هذه العبارة المؤكدة على شنعة فعلهم وقبحه ، ولذلك ذكرت حالة التضعيف خاصة .قوله تعالى : واتقوا الله أي في أموال الربا فلا تأكلوها .
3:131
وَ  اتَّقُوا  النَّارَ  الَّتِیْۤ  اُعِدَّتْ  لِلْكٰفِرِیْنَۚ(۱۳۱)
اور اس آگ سے بچو جو کافروں کے لئے تیار رکھی ہے (ف۲۳۵)

ثم خوفهم فقال : واتقوا النار التي أعدت للكافرين قال كثير من المفسرين : وهذا الوعيد لمن استحل الربا ، ومن استحل الربا فإنه يكفر ويكفر . وقيل : معناه اتقوا العمل الذي ينزع منكم الإيمان فتستوجبون النار ; لأن من الذنوب ما يستوجب به صاحبه نزع الإيمان ويخاف عليه ; من ذلك عقوق الوالدين . وقد جاء في ذلك أثر أن رجلا كان عاقا لوالديه يقال له علقمة ; فقيل له عند الموت : قل لا إله إلا الله ، فلم يقدر على ذلك حتى جاءته أمه فرضيت عنه . ومن ذلك قطيعة الرحم وأكل الربا والخيانة في الأمانة وذكر أبو بكر الوراق عن أبي حنيفة أنه قال : أكثر ما ينزع الإيمان من العبد عند الموت . ثم قال أبو بكر : فنظرنا في الذنوب التي تنزع الإيمان فلم نجد شيئا أسرع نزعا للإيمان من ظلم العباد . وفي هذه الآية دليل على أن النار مخلوقة ردا على الجهمية ; لأن المعدوم لا يكون معدا .
3:132
وَ  اَطِیْعُوا  اللّٰهَ  وَ  الرَّسُوْلَ  لَعَلَّكُمْ  تُرْحَمُوْنَۚ(۱۳۲)
اور اللہ و رسول کے فرمانبردار رہو (ف۲۳۶) اس امید پر کہ تم رحم کیے جاؤ،

ثم قال : وأطيعوا الله يعني أطيعوا الله في الفرائض والرسول في السنن : وقيل : أطيعوا الله في تحريم الربا والرسول فيما بلغكم من التحريم . لعلكم ترحمون أي كي يرحمكم الله . وقد تقدم .
3:133
وَ  سَارِعُوْۤا  اِلٰى  مَغْفِرَةٍ  مِّنْ  رَّبِّكُمْ  وَ  جَنَّةٍ  عَرْضُهَا  السَّمٰوٰتُ  وَ  الْاَرْضُۙ-اُعِدَّتْ  لِلْمُتَّقِیْنَۙ(۱۳۳)
اور دوڑو (ف۲۳۷) اپنے رب کی بخشش اور ایسی جنت کی طرف جس کی چوڑان میں سب آسمان و زمین پرہیزگاروں کے لئے تیار کر رکھی ہے

قوله تعالى : وسارعوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها السماوات والأرض أعدت للمتقينفيه مسألتان :الأولى : قوله تعالى : وسارعوا قرأ نافع وابن عامر " سارعوا " بغير واو ; وكذلك هي في مصاحف أهل المدينة وأهل الشام . وقرأ باقي السبعة وسارعوا . وقال أبو علي : كلا الأمرين شائع مستقيم ، فمن قرأ بالواو فلأنه عطف الجملة على الجملة ، ومن ترك الواو فلأن الجملة الثانية ملتبسة بالأولى مستغنية بذلك عن العطف بالواو . والمسارعة المبادرة ، وهي مفاعلة . وفي الآية حذف . أي سارعوا إلى ما يوجب المغفرة وهي الطاعة . قال أنس بن مالك ومكحول في تفسير ( سارعوا إلى مغفرة من ربكم ) : معناه إلى تكبيرة الإحرام . وقال علي بن أبي طالب : إلى أداء الفرائض . عثمان بن عفان : إلى الإخلاص . الكلبي : إلى التوبة من الربا . وقيل : إلى الثبات في القتال . وقيل غير هذا . والآية عامة في الجميع ، ومعناها معنى فاستبقوا الخيرات وقد تقدم .الثانية : قوله تعالى : وجنة عرضها السماوات والأرض تقديره ( كعرض ) فحذف المضاف ; كقوله : ما خلقكم ولا بعثكم إلا كنفس واحدة ; أي إلا كخلق نفس واحدة وبعثها . قال الشاعر :حسبت بغام راحلتي عناقا وما هي ويب غيرك بالعناقيريد صوت عناق . نظيره في سورة الحديد وجنة عرضها كعرض السماء والأرضواختلف العلماء في تأويله ; فقال ابن عباس : تقرن السماوات والأرض بعضها إلى بعض كما تبسط الثياب ويوصل بعضها ببعض ; فذلك عرض الجنة ، ولا يعلم طولها إلا الله . وهذا قول الجمهور ، وذلك لا ينكر ; فإن في حديث أبي ذر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ( ما السماوات السبع والأرضون السبع في الكرسي إلا كدراهم ألقيت في فلاة من الأرض وما الكرسي في العرش إلا كحلقة ألقيت في فلاة من الأرض ) . فهذه مخلوقات أعظم بكثير جدا من السماوات والأرض ، وقدرة الله أعظم من ذلك كله . وقال الكلبي : الجنان أربعة : جنة عدن ، وجنة المأوى ، وجنة الفردوس ، وجنة النعيم . وكل جنة منها كعرض السماء والأرض لو وصل بعضها ببعض . وقال إسماعيل السدي : لو كسرت السماوات والأرض وصرن خردلا ، فكل خردلة جنة عرضها كعرض السماء والأرض . وفي الصحيح : إن أدنى أهل الجنة منزلة من يتمنى ويتمنى حتى إذا انقطعت به الأماني قال الله تعالى : لك ذلك وعشرة أمثاله رواه أبو سعيد الخدري ، خرجه مسلم وغيره . وقال يعلى بن أبي مرة : لقيت التنوخي رسول هرقل إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - بحمص شيخا كبيرا قال : قدمت على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بكتاب هرقل ، فناول الصحيفة رجلا عن يساره ; قال : فقلت من صاحبكم الذي يقرأ ؟ قالوا : معاوية ; فإذا كتاب صاحبي : إنك كتبت تدعوني إلى جنة عرضها السماوات والأرض فأين النار ؟ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ( سبحان الله فأين الليل إذا جاء النهار ) . وبمثل هذه الحجة استدل الفاروق على اليهود حين قالوا له : أرأيت قولكم وجنة عرضها السماوات والأرض فأين النار ؟ فقالوا له : لقد نزعت بما في التوراة . ونبه تعالى بالعرض على الطول لأن الغالب أن الطول يكون أكثر من العرض ، والطول إذا ذكر لا يدل على قدر العرض . قال الزهري : إنما وصف عرضها ، فأما طولها فلا يعلمه إلا الله ; وهذا كقوله تعالى : متكئين على فرش بطائنها من إستبرق فوصف البطانة بأحسن ما يعلم من الزينة ، إذ معلوم أن الظواهر تكون أحسن وأتقن من البطائن . وتقول العرب : بلاد عريضة ، وفلاة عريضة ، أي واسعة ; قال الشاعر :كأن بلاد الله وهي عريضة على الخائف المطلوب كفة حابلوقال قوم : الكلام جار على مقطع العرب من الاستعارة ; فلما كانت الجنة من الاتساع والانفساح في غاية قصوى حسنت العبارة عنها بعرض السماوات والأرض ; كما تقول للرجل : هذا بحر ، ولشخص كبير من الحيوان : هذا جبل . ولم تقصد الآية تحديد العرض ، ولكن أراد بذلك أنها أوسع شيء رأيتموه . وعامة العلماء على أن الجنة مخلوقة موجودة : لقوله أعدت للمتقين وهو نص حديث الإسراء وغيره في الصحيحين وغيرهما . وقالت المعتزلة : إنهما غير مخلوقتين في وقتنا ، وإن الله تعالى إذا طوى السماوات والأرض ابتدأ خلق الجنة والنار حيث شاء ; لأنهما دار جزاء بالثواب والعقاب ، فخلقتا بعد التكليف في وقت الجزاء ; لئلا تجتمع دار التكليف ودار الجزاء في الدنيا ، كما لم يجتمعا في الآخرة . وقال ابن فورك : الجنة يزاد فيها يوم القيامة . قال ابن عطية : وفي هذا متعلق لمنذر بن سعيد وغيره ممن قال : إن الجنة لم تخلق بعد . قال ابن عطية : وقول ابن فورك " يزاد فيها " إشارة إلى موجود ، لكنه يحتاج إلى سند يقطع العذر في الزيادةقلت : صدق ابن عطية - رضي الله عنه - فيما قال : وإذا كانت السماوات السبع والأرضون السبع بالنسبة إلى الكرسي كدراهم ألقيت في فلاة من الأرض ، والكرسي بالنسبة إلى العرش كحلقة ملقاة بأرض فلاة ; فالجنة الآن على ما هي عليه في الآخرة عرضها كعرض السماوات والأرض ; إذ العرش سقفها ، حسب ما ورد في صحيح مسلم . ومعلوم أن السقف يحتوي على ما تحته ويزيد . وإذا كانت المخلوقات كلها بالنسبة إليه كالحلقة فمن ذا الذي يقدره ويعلم طوله وعرضه إلا الله خالقه الذي لا نهاية لقدرته ، ولا غاية لسعة مملكته ، سبحانه وتعالى .
3:134
الَّذِیْنَ  یُنْفِقُوْنَ  فِی  السَّرَّآءِ  وَ  الضَّرَّآءِ  وَ  الْكٰظِمِیْنَ  الْغَیْظَ  وَ  الْعَافِیْنَ  عَنِ  النَّاسِؕ-وَ  اللّٰهُ  یُحِبُّ  الْمُحْسِنِیْنَۚ(۱۳۴)
(ف۲۳۹) وہ جو اللہ کے راہ میں خرچ کرتے ہیں خوشی میں اور رنج میں (ف۲۴۰) اور غصہ پینے والے اور لوگوں سے درگزر کرنے والے، اور نیک لوگ اللہ کے محبوب ہیں،

قوله تعالى : الذين ينفقون في السراء والضراء والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس والله يحب المحسنينفيه أربع مسائل :الأولى : قوله تعالى : الذين ينفقون هذا من صفة المتقين الذين أعدت لهم الجنة ، وظاهر الآية أنها مدح بفعل المندوب إليه . السراء اليسر والضراء العسر ; قاله ابن عباس والكلبي ومقاتل . وقال عبيد بن عمير والضحاك : السراء والضراء الرخاء والشدة . ويقال في حال الصحة والمرض . وقيل : في السراء في الحياة ، وفي الضراء يعني يوصي بعد الموت . وقيل : في السراء في العرس والولائم ، وفي الضراء في النوائب والمآتم . وقيل : في السراء النفقة التي تسركم ; مثل النفقة على الأولاد والقرابات ، والضراء على الأعداء . ويقال : في السراء ما يضيف به الفتى ويهدى إليه . والضراء ما ينفقه على أهل الضر ويتصدق به عليهم . قلت : والآية تعم . ثم قال تعالى : والكاظمين الغيظ وهي المسألةالثانية : وكظم الغيظ رده في الجوف ; يقال : كظم غيظه أي سكت عليه ولم يظهره مع قدرته على إيقاعه بعدوه ، وكظمت السقاء أي ملأته وسددت عليه ، والكظامة ما يسد به مجرى الماء ; ومنه الكظام للسير الذي يسد به فم الزق والقربة . وكظم البعير جرته إذا ردها في جوفه ; وقد يقال لحبسه الجرة قبل أن يرسلها إلى فيه : كظم ; حكاه الزجاج . يقال : كظم البعير والناقة إذا لم يجترا ; ومنه قول الراعي :فأفضن بعد كظومهن بجرة من ذي الأبارق إذا رعين حقيلاالحقيل : موضع . والحقيل : نبت . وقد قيل : إنها تفعل ذلك عند الفزع والجهد فلا تجتر ; قال أعشى باهلة يصف رجلا نحارا للإبل فهي تفزع منه :قد تكظم البزل منه حين تبصره حتى تقطع في أجوافها الجررومنه : رجل كظيم ومكظوم إذا كان ممتلئا غما وحزنا . وفي التنزيل : وابيضت عيناه من الحزن فهو كظيم . ظل وجهه مسودا وهو كظيم . إذ نادى وهو مكظوم . والغيظ أصل الغضب ، وكثيرا ما يتلازمان لكن فرقان ما بينهما ، أن الغيظ لا يظهر على الجوارح ، بخلاف الغضب فإنه يظهر في الجوارح مع فعل ما ولا بد ; ولهذا جاء إسناد الغضب إلى الله تعالى إذ هو عبارة عن أفعاله في المغضوب عليهم . وقد فسر بعض الناس الغيظ بالغضب ; وليس بجيد ، والله أعلم .الثالثة : قوله تعالى : والعافين عن الناس العفو عن الناس أجل ضروب فعل الخير ; حيث يجوز للإنسان أن يعفو وحيث يتجه حقه . وكل من استحق عقوبة فتركت له فقد عفي عنه . واختلف في معنى عن الناس ; فقال أبو العالية والكلبي والزجاج : والعافين عن الناس يريد عن المماليك . قال ابن عطية : وهذا حسن على جهة المثال ; إذ هم الخدمة فهم يذنبون كثيرا والقدرة عليهم متيسرة ، وإنفاذ العقوبة سهل ; فلذلك مثل هذا المفسر به . وروي عن ميمون بن مهران أن جاريته جاءت ذات يوم بصحفة فيها مرقة حارة ، وعنده أضياف فعثرت فصبت المرقة عليه ، فأراد ميمون أن يضربها ، فقالت الجارية : يا مولاي ، استعمل قوله تعالى : والكاظمين الغيظ قال لها : قد فعلت . فقالت : اعمل بما بعده والعافين عن الناس . فقال : قد عفوت عنك . فقالت الجارية : والله يحب المحسنين . قال ميمون : قد أحسنت إليك ، فأنت حرة لوجه الله تعالى . وروي عن الأحنف بن قيس مثله . وقال زيد بن أسلم : والعافين عن الناس عن ظلمهم وإساءتهم . وهذا عام ، وهو ظاهر الآية . وقال مقاتل بن حيان في هذه الآية : بلغنا أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال عند ذلك : إن هؤلاء من أمتي قليل إلا من عصمه الله وقد كانوا كثيرا في الأمم التي مضت . فمدح الله تعالى الذين يغفرون عند الغضب وأثنى عليهم فقال : وإذا ما غضبوا هم يغفرون ، وأثنى على الكاظمين الغيظ بقوله : والعافين عن الناس ، وأخبر أنه يحبهم بإحسانهم في ذلك . ووردت في كظم الغيظ والعفو عن الناس وملك النفس عند الغضب أحاديث ; وذلك من أعظم العبادة وجهاد النفس ; فقال - صلى الله عليه وسلم - : ليس الشديد بالصرعة ولكن الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب . وقال عليه السلام ما من جرعة يتجرعها العبد خير له وأعظم أجرا من جرعة غيظ في الله . وروى أنس أن رجلا قال : يا رسول الله ، ما أشد من كل شيء ؟ قال : ( غضب الله ) . قال فما ينجي من غضب الله ؟ قال : ( لا تغضب ) . قال العرجي :وإذا غضبت فكن وقورا كاظما للغيظ تبصر ما تقول وتسمعفكفى به شرفا تبصر ساعة يرضى بها عنك الإله وترفعوقال عروة بن الزبير في العفو :لن يبلغ المجد أقوام وإن شرفوا حتى يذلوا وإن عزوا لأقوامويشتموا فترى الألوان مشرقة لا عفو ذل ولكن عفو إكراموروى أبو داود وأبو عيسى الترمذي عن سهل بن معاذ بن أنس الجهني عن أبيه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : من كظم غيظا وهو يستطيع أن ينفذه دعاه الله يوم القيامة على رءوس الخلائق حتى يخيره في أي الحور شاء قال : هذا حديث حسن غريب . وروى أنس عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : إذا كان يوم القيامة نادى مناد من كان أجره على الله فليدخل الجنة . فيقال من ذا الذي أجره على الله فيقوم العافون عن الناس يدخلون الجنة بغير حساب . ذكره الماوردي . وقال ابن المبارك : كنت عند المنصور جالسا فأمر بقتل رجل ; فقلت : يا أمير المؤمنين ، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : إذا كان يوم القيامة نادى مناد بين يدي الله - عز وجل - من كانت له يد عند الله فليتقدم فلا يتقدم إلا من عفا عن ذنب فأمر بإطلاقه .الرابعة : قوله تعالى والله يحب المحسنين أي يثيبهم على إحسانهم . قال سري السقطي : الإحسان أن تحسن وقت الإمكان ، فليس كل وقت يمكنك الإحسان قال الشاعر :بادر بخير إذا ما كنت مقتدرا فليس في كل وقت أنت مقتدروقال أبو العباس الجماني فأحسن :ليس في كل ساعة وأوان تتهيأ صنائع الإحسانوإذا أمكنت فبادر إليها حذرا من تعذر الإمكانوقد مضى في " البقرة " القول في المحسن والإحسان فلا معنى للإعادة .
3:135
وَ  الَّذِیْنَ  اِذَا  فَعَلُوْا  فَاحِشَةً  اَوْ  ظَلَمُوْۤا  اَنْفُسَهُمْ  ذَكَرُوا  اللّٰهَ  فَاسْتَغْفَرُوْا  لِذُنُوْبِهِمْ۫-وَ  مَنْ  یَّغْفِرُ  الذُّنُوْبَ  اِلَّا  اللّٰهُ  ﳑ  وَ  لَمْ  یُصِرُّوْا  عَلٰى  مَا  فَعَلُوْا  وَ  هُمْ  یَعْلَمُوْنَ(۱۳۵)
اور وہ کہ جب کوئی بے حیائی یا اپنی جانوں پر ظلم کریں (ف۲۴۱) اللہ کو یاد کرکے اپنے گناہوں کی معافی چاہیں (ف۲۴۲) اور گناہ کون بخشے سوا اللہ کے، اور اپنے کیے پر جان بوجھ کر اڑ نہ جائیں،

قوله تعالى : والذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم ذكروا الله فاستغفروا لذنوبهم ومن يغفر الذنوب إلا الله ولم يصروا على ما فعلوا وهم يعلمونفيه سبع مسائل :الأولى : قوله تعالى : والذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم ذكر الله تعالى في هذه الآية صنفا ، هم دون الصنف الأول فألحقهم به برحمته ومنه ; فهؤلاء هم التوابون . قال ابن عباس في رواية عطاء : نزلت هذه الآية في نبهان التمار - وكنيته أبو مقبل - أتته امرأة حسناء باع منها تمرا ، فضمها إلى نفسه وقبلها فندم على ذلك ، فأتى النبي - صلى الله عليه وسلم - فذكر ذلك له ; فنزلت هذه الآية . وذكر أبو داود الطيالسي في مسنده عن علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - قال : حدثني أبو بكر ، وصدق أبو بكر ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : ما من عبد يذنب ذنبا ثم يتوضأ ويصلي ركعتين ثم يستغفر الله إلا غفر له ثم تلا هذه الآية والذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم ذكروا الله فاستغفروا لذنوبهم الآية ، والآية الأخرى ومن يعمل سوءا أو يظلم نفسه . وخرجه الترمذي وقال : حديث حسن . وهذا عام . وقد تنزل الآية بسبب خاص ثم تتناول جميع من فعل ذلك أو أكثر منه . وقد قيل : إن سبب نزولها أن ثقيفيا خرج في غزاة وخلف صاحبا له أنصاريا على أهله ، فخانه فيها بأن اقتحم عليها فدفعت عن نفسها فقبل يدها ، فندم على ذلك فخرج يسيح في الأرض نادما تائبا ; فجاء الثقفي فأخبرته زوجته بفعل صاحبه ، فخرج في طلبه فأتى به إلى أبي بكر وعمر رجاء أن يجد عندهما فرجا فوبخاه ; فأتى النبي - صلى الله عليه وسلم - فأخبره بفعله ; فنزلت هذه الآية . والعموم أولى للحديث . وروي عن ابن مسعود أن الصحابة قالوا : يا رسول الله ، كانت بنو إسرائيل أكرم على الله منا ، حيث كان المذنب منهم تصبح عقوبته مكتوبة على باب داره ، وفي رواية : كفارة ذنبه مكتوبة على عتبة داره : اجدع أنفك ، اقطع أذنك ، افعل كذا ; فأنزل الله تعالى هذه الآية توسعة ورحمة وعوضا من ذلك الفعل ببني إسرائيل . ويروى أن إبليس بكى حين نزلت هذه الآية . والفاحشة تطلق على كل معصية ، وقد كثر اختصاصها بالزنا حتى فسر جابر بن عبد الله والسدي هذه الآية بالزنا . و " أو " في قوله : أو ظلموا أنفسهم قيل هي بمعنى الواو ; والمراد ما دون الكبائر . ذكروا الله معناه بالخوف من عقابه والحياء منه . الضحاك : ذكروا العرض الأكبر على الله . وقيل تفكروا في أنفسهم أن الله سائلهم عنه ; قاله الكلبي ومقاتل . وعن مقاتل أيضا : ذكروا الله باللسان عند الذنوب .فاستغفروا لذنوبهم أي طلبوا الغفران لأجل ذنوبهم . وكل دعاء فيه هذا المعنى أو لفظه فهو استغفار . وقد تقدم في صدر هذه السورة سيد الاستغفار ، وأن وقته الأسحار . فالاستغفار عظيم وثوابه جسيم ، حتى لقد روى الترمذي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : من قال : أستغفر الله الذي لا إله إلا هو الحي القيوم وأتوب إليه . غفر له . وإن كان قد فر من الزحف . وروى مكحول عن أبي هريرة قال : ما رأيت أكثر استغفارا من رسول الله ، - صلى الله عليه وسلم - . وقال مكحول : ما رأيت أكثر استغفارا من أبي هريرة . وكان مكحول كثير الاستغفار . قال علماؤنا : الاستغفار المطلوب هو الذي يحل عقد الإصرار ويثبت معناه في الجنان ، لا التلفظ باللسان . فأما من قال بلسانه : أستغفر الله ، وقلبه مصر على معصيته فاستغفاره ذلك يحتاج إلى استغفار ، وصغيرته لاحقة بالكبائر . وروي عن الحسن البصري أنه قال : استغفارنا يحتاج إلى استغفار .قلت : هذا يقوله في زمانه ، فكيف في زماننا هذا الذي يرى فيه الإنسان مكبا على الظلم ، حريصا عليه لا يقلع ، والسبحة في يده زاعما أنه يستغفر الله من ذنبه ، وذلك استهزاء منه واستخفاف . وفي التنزيل ولا تتخذوا آيات الله هزوا . وقد تقدم .الثانية : قوله تعالى : ومن يغفر الذنوب إلا الله أي ليس أحد يغفر المعصية ولا يزيل عقوبتها إلا الله . ولم يصروا على ما فعلوا أي ولم يثبتوا ويعزموا على ما فعلوا . وقال مجاهد : أي ولم يمضوا . وقال معبد بن صبيح : صليت خلف عثمان وعلي إلى جانبي ، فأقبل علينا فقال : صليت بغير وضوء ثم ذهب فتوضأ وصلى . ولم يصروا على ما فعلوا وهم يعلمون . الإصرار هو العزم بالقلب على الأمر وترك الإقلاع عنه . ومنه صر الدنانير أي الربط عليها ; قال الحطيئة يصف الخيل :عوابس بالشعث الكماة إذا ابتغوا علالتها بالمحصدات أصرتأي ثبتت على عدوها . وقال قتادة : الإصرار الثبوت على المعاصي ; قال الشاعر :يصر بالليل ما تخفي شواكله يا ويح كل مصر القلب ختارقال سهل بن عبد الله : الجاهل ميت ، والناسي نائم ، والعاصي سكران ، والمصر هالك ، والإصرار هو التسويف ، والتسويف أن يقول : أتوب غدا ; وهذا دعوى النفس ، كيف يتوب غدا لا يملكه ! . وقال غير سهل : الإصرار هو أن ينوي ألا يتوب فإذا نوى التوبة النصوح خرج عن الإصرار . وقول سهل أحسن . وروي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : لا توبة مع إصرارالثالثة : قال علماؤنا : الباعث على التوبة وحل الإصرار إدامة الفكر في كتاب الله العزيز الغفار ، وما ذكره الله سبحانه من تفاصيل الجنة ووعد به المطيعين ، وما وصفه من عذاب النار وتهدد به العاصين ، ودام على ذلك حتى قوي خوفه ورجاؤه فدعا الله رغبا ورهبا ; والرغبة والرهبة ثمرة الخوف والرجاء ، يخاف من العقاب ويرجو الثواب ، والله الموفق للصواب . وقد قيل : إن الباعث على ذلك تنبيه إلهي ينبه به من أراد سعادته ; لقبح الذنوب وضررها إذ هي سموم مهلكة .قلت : وهذا خلاف في اللفظ لا في المعنى ، فإن الإنسان لا يتفكر في وعد الله ووعيده إلا بتنبيهه ; فإذا نظر العبد بتوفيق الله تعالى إلى نفسه فوجدها مشحونة بذنوب اكتسبها وسيئات اقترفها ، وانبعث منه الندم على ما فرط ، وترك مثل ما سبق مخافة عقوبة الله تعالى صدق عليه أنه تائب ، فإن لم يكن كذلك كان مصرا على المعصية وملازما لأسباب الهلكة . قال سهل بن عبد الله : علامة التائب أن يشغله الذنب عن الطعام والشراب ; كالثلاثة الذين خلفوا .الرابعة : قوله تعالى : وهم يعلمون فيه أقوال . فقيل : أي يذكرون ذنوبهم فيتوبون منها . قال النحاس : وهذا قول حسن . وقيل : وهم يعلمون أني أعاقب على الإصرار . وقال عبد الله بن عبيد بن عمير : وهم يعلمون أنهم إن تابوا تاب الله عليهم . وقيل : يعلمون أنهم إن استغفروا غفر لهم . وقيل : يعلمون بما حرمت عليهم ; قاله ابن إسحاق . وقال ابن عباس والحسن ومقاتل والكلبي : وهم يعلمون أن الإصرار ضار ، وأن تركه خير من التمادي . وقال الحسن بن الفضل : وهم يعلمون أن لهم ربا يغفر الذنب .قلت : وهذا أخذه من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - فيما يحكي عن ربه عز وجل قال : أذنب عبد ذنبا فقال اللهم اغفر لي ذنبي فقال تبارك وتعالى أذنب عبدي فعلم أن له ربا يغفر الذنب ، ويأخذ بالذنب ثم عاد فأذنب فقال أي رب اغفر لي ذنبي . فذكر مثله مرتين ، وفي آخره : اعمل ما شئت فقد غفرت لك أخرجه مسلم . وفيه دليل على صحة التوبة بعد نقضها بمعاودة الذنب ; لأن التوبة الأولى طاعة وقد انقضت وصحت ، وهو محتاج بعد مواقعة الذنب الثاني إلى توبة أخرى مستأنفة ، والعود إلى الذنب وإن كان أقبح من ابتدائه ; لأنه أضاف إلى الذنب نقض التوبة ، فالعود إلى التوبة أحسن من ابتدائها ; لأنه أضاف إليها ملازمة الإلحاح بباب الكريم ، وإنه لا غافر للذنوب سواه . وقوله في آخر الحديث ( اعمل ما شئت ) أمر معناه الإكرام في أحد الأقوال ; فيكون من باب قوله : ادخلوها بسلام . وآخر الكلام خبر عن حال المخاطب بأنه مغفور له ما سلف من ذنبه ، ومحفوظ إن شاء الله تعالى فيما يستقبل من شأنه . ودلت الآية والحديث على عظيم فائدة الاعتراف بالذنب والاستغفار منه ، قال - صلى الله عليه وسلم - : إن العبد إذا اعترف بذنبه ثم تاب إلى الله تاب الله عليه أخرجاه في الصحيحين . وقال :يستوجب العفو الفتى إذا اعترف بما جنى من الذنوب واقترفوقال آخر :أقرر بذنبك ثم اطلب تجاوزه إن الجحود جحود الذنب ذنبانوفي صحيح مسلم عن أبي هريرة قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : والذي نفسي بيده لو لم تذنبوا لذهب الله بكم ولجاء بقوم يذنبون ويستغفرون فيغفر لهم . وهذه فائدة اسم الله تعالى الغفار والتواب ، على ما بيناه في الكتاب الأسنى في شرح أسماء الله الحسنى .الخامسة : الذنوب التي يتاب منها إما كفر أو غيره ، فتوبة الكافر إيمانه مع ندمه على ما سلف من كفره ، وليس مجرد الإيمان نفس توبة ، وغير الكفر إما حق لله تعالى ، وإما حق لغيره ، فحق الله تعالى يكفي في التوبة منه الترك ; غير أن منها ما لم يكتف الشرع فيها بمجرد الترك بل أضاف إلى ذلك في بعضها قضاء كالصلاة والصوم ، ومنها ما أضاف إليها كفارة كالحنث في الأيمان والظهار وغير ذلك ، وأما حقوق الآدميين فلا بد من إيصالها إلى مستحقيها ، فإن لم يوجدوا تصدق عنهم ، ومن لم يجد السبيل لخروج ما عليه لإعسار فعفو الله مأمول ، وفضله مبذول ; فكم ضمن من التبعات وبدل من السيئات بالحسنات . وستأتي زيادة بيان لهذا المعنى .السادسة : ليس على الإنسان إذا لم يذكر ذنبه ويعلمه أن يتوب منه بعينه ، ولكن يلزمه إذا ذكر ذنبا تاب منه . وقد تأول كثير من الناس فيما ذكر شيخنا أبو محمد عبد المعطي الإسكندراني - رضي الله عنه - أن الإمام المحاسبي - رحمه الله - يرى أن التوبة من أجناس المعاصي لا تصح ، وأن الندم على جملتها لا يكفي ، بل لا بد أن يتوب من كل فعل بجارحته وكل عقد بقلبه على التعيين . ظنوا ذلك من قوله ، وليس هذا مراده ، ولا يقتضيه كلامه ، بل حكم المكلف إذا عرف حكم أفعاله ، وعرف المعصية من غيرها ، صحت منه التوبة من جملة ما عرف ; فإنه إن لم يعرف كون فعله الماضي معصية لا يمكنه أن يتوب منه لا على الجملة ولا على التفصيل ; ومثاله رجل كان يتعاطى بابا من أبواب الربا ولا يعرف أنه ربا فإذا سمع كلام الله عز وجل : يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وذروا ما بقي من الربا إن كنتم مؤمنين . فإن لم تفعلوا فأذنوا بحرب من الله ورسوله عظم عليه هذا التهديد ، وظن أنه سالم من الربا ، فإذا علم حقيقة الربا الآن ، ثم تفكر فيما مضى من أيامه وعلم أنه لابس منه شيئا كثيرا في أوقات متقدمة ، صح أن يندم عليه الآن جملة ، ولا يلزمه تعيين أوقاته ، وهكذا كل ما واقع من الذنوب والسيئات كالغيبة والنميمة وغير ذلك من المحرمات التي لم يعرف كونها محرمة ، فإذا فقه العبد وتفقد ما مضى من كلامه تاب من ذلك جملة ، وندم على ما فرط فيه من حق الله تعالى ، وإذا استحل من كان ظلمه فحال له على الجملة وطابت نفسه بترك حقه جاز ; لأنه من باب هبة المجهول ، هذا مع شح العبد وحرصه على طلب حقه ، فكيف بأكرم الأكرمين المتفضل بالطاعات وأسبابها والعفو عن المعاصي صغارها وكبارها . قال شيخنا ، رحمه الله تعالى : هذا مراد الإمام ، والذي يدل عليه كلامه لمن تفقده ، وما ظنه به الظان من أنه لا يصح الندم إلا على فعل فعل وحركة حركة وسكنة سكنة على التعيين هو من باب تكليف ما لا يطاق ، الذي لم يقع شرعا وإن جاز عقلا ، ويلزم عنه أن يعرف كم جرعة جرعها في شرب الخمر ، وكم حركة تحركها في الزنا ، وكم خطوة مشاها إلى محرم ، وهذا ما لا يطيقه أحد ، ولا تتأتى منه توبة على التفصيل . وسيأتي لهذا الباب مزيد بيان من أحكام التوبة وشروطها في " النساء " وغيرها إن شاء الله تعالى .السابعة : في قوله تعالى : ولم يصروا حجة واضحة ودلالة قاطعة لما قاله سيف السنة ، ولسان الأمة القاضي أبو بكر بن الطيب : أن الإنسان يؤاخذ بما وطن عليه بضميره ، وعزم عليه بقلبه من المعصية .قلت : وفي التنزيل : ومن يرد فيه بإلحاد بظلم نذقه من عذاب أليم وقال : فأصبحت كالصريم . فعوقبوا قبل فعلهم بعزمهم وسيأتي بيانه . وفي البخاري ( إذا التقى المسلمان بسيفيهما فالقاتل والمقتول في النار ) قالوا : يا رسول الله هذا القاتل ، فما بال المقتول ؟ قال : ( إنه كان حريصا على قتل صاحبه ) . فعلق الوعيد على الحرص وهو العزم وألغى إظهار السلاح ، وأنص من هذا ما خرجه الترمذي من حديث أبي كبشة الأنماري وصححه مرفوعا إنما الدنيا لأربعة نفر رجل أعطاه الله مالا وعلما فهو يتقي فيه ربه ويصل فيه رحمه ويعلم لله فيه حقا ، فهذا بأفضل المنازل ، ورجل آتاه الله علما ولم يؤته مالا فهو صادق النية يقول لو أن لي مالا لعملت فيه بعمل فلان فهو بنيته فأجرهما سواء ، ورجل آتاه الله مالا ولم يؤته علما فهو يخبط في ماله بغير علم لا يتقي فيه ربه ولا يصل به رحمه ولا يعلم لله فيه حقا فهذا بأخبث المنازل ، ورجل لم يؤته الله مالا ولا علما فهو يقول : لو أن لي مالا لعملت فيه بعمل فلان فهو بنيته فوزرهما سواء . وهذا الذي صار إليه القاضي هو الذي عليه عامة السلف وأهل العلم من الفقهاء والمحدثين والمتكلمين ، ولا يلتفت إلى خلاف من زعم أن ما يهم الإنسان به وإن وطن عليه لا يؤاخذ به . ولا حجة له في قوله عليه السلام : من هم بسيئة فلم يعملها لم تكتب عليه فإن عملها كتبت سيئة واحدة لأن معنى ( فلم يعملها ) فلم يعزم على عملها بدليل ما ذكرنا ، ومعنى ( فإن عملها ) أي أظهرها أو عزم عليها بدليل ما وصفنا . وبالله توفيقنا .
3:136
اُولٰٓىٕكَ  جَزَآؤُهُمْ  مَّغْفِرَةٌ  مِّنْ  رَّبِّهِمْ  وَ  جَنّٰتٌ  تَجْرِیْ  مِنْ  تَحْتِهَا  الْاَنْهٰرُ  خٰلِدِیْنَ  فِیْهَاؕ-وَ  نِعْمَ  اَجْرُ  الْعٰمِلِیْنَؕ(۱۳۶)
ایسوں کو بدلہ ان کے رب کی بخشش اور جنتیں ہیں (ف۲۴۳) جن کے نیچے نہریں رواں ہمیشہ ان میں رہیں اور کامیوں (نیک لوگوں) کا اچھا نیگ (انعام، حصہ) ہے (ف۲۴۴)

قوله تعالى : أولئك جزاؤهم مغفرة من ربهم وجنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها ونعم أجر العاملينرتب تعالى بفضله وكرمه غفران الذنوب لمن أخلص في توبته ولم يصر على ذنبه . ويمكن أن يتصل هذا بقصة أحد ، أي من فر ثم تاب ولم يصر فله مغفرة الله .
3:137
قَدْ  خَلَتْ  مِنْ  قَبْلِكُمْ  سُنَنٌۙ-فَسِیْرُوْا  فِی  الْاَرْضِ   فَانْظُرُوْا  كَیْفَ  كَانَ  عَاقِبَةُ  الْمُكَذِّبِیْنَ(۱۳۷)
تم سے پہلے کچھ طریقے برتاؤ میں آچکے ہیں (ف۲۴۵) تو زمین میں چل کر دیکھو کیسا انجام ہوا جھٹلانے والوں کا (ف۲۴۶)

قوله تعالى : قد خلت من قبلكم سنن فسيروا في الأرض فانظروا كيف كان عاقبة المكذبينهذا تسلية من الله تعالى للمؤمنين ، والسنن جمع سنة وهي الطريق المستقيم . وفلان على السنة أي على طريق الاستواء لا يميل إلى شيء من الأهواء ، قال الهذلي :فلا تجزعن من سنة أنت سرتها فأول راض سنة من يسيرهاوالسنة : الإمام المتبع المؤتم به ، يقال : سن فلان سنة حسنة وسيئة إذا عمل عملا اقتدي به فيه من خير أو شر ، قال لبيد :من معشر سنت لهم آباؤهم ولكل قوم سنة وإمامهاوالسنة الأمة ، والسنن الأمم ; عن المفضل . وأنشد :ما عاين الناس من فضل كفضلهم ولا رأوا مثلهم في سالف السننوقال الزجاج : والمعنى أهل سنن ، فحذف المضاف . وقال أبو زيد : أمثال . عطاء : شرائع . مجاهد : المعنى قد خلت من قبلكم سنن يعنى بالهلاك فيمن كذب قبلكم كعاد وثمود . والعاقبة : آخر الأمر ، وهذا في يوم أحد . يقول فأنا أمهلهم وأملي لهم وأستدرجهم حتى يبلغ الكتاب أجله ، يعني بنصرة النبي - صلى الله عليه وسلم - والمؤمنين وهلاك أعدائهم الكافرين .
3:138
هٰذَا  بَیَانٌ  لِّلنَّاسِ   وَ  هُدًى  وَّ  مَوْعِظَةٌ  لِّلْمُتَّقِیْنَ(۱۳۸)
یہ لوگوں کو بتانا اور راہ دکھانا اور پرہیزگاروں کو نصیحت ہے،

قوله تعالى : هذا بيان للناس وهدى وموعظة للمتقين يعني القرآن ، عن الحسن وغيره . وقيل : هذا إشارة إلى قوله : قد خلت من قبلكم سنن . والموعظة الوعظ . وقد تقدم .
3:139
وَ  لَا  تَهِنُوْا  وَ  لَا  تَحْزَنُوْا  وَ  اَنْتُمُ  الْاَعْلَوْنَ  اِنْ  كُنْتُمْ  مُّؤْمِنِیْنَ(۱۳۹)
اور نہ سستی کرو اور نہ غم کھاؤ (ف۲۴۷) تم ہی غالب آؤ گے اگر ایمان رکھتے ہو،

قوله تعالى : ولا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنينعزاهم وسلاهم بما نالهم يوم أحد من القتل والجراح ، وحثهم على قتال عدوهم ونهاهم عن العجز والفشل فقال ولا تهنوا أي لا تضعفوا ولا تجبنوا يا أصحاب محمد عن جهاد أعدائكم لما أصابكم . ولا تحزنوا على ظهورهم ، ولا على ما أصابكم من الهزيمة والمصيبة . وأنتم الأعلون أي لكم تكون العاقبة بالنصر والظفر إن كنتم مؤمنين أي بصدق وعدي . وقيل : " إن " بمعنى " إذ " . قال ابن عباس : انهزم أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم أحد فبينا هم كذلك إذ أقبل خالد بن الوليد بخيل من المشركين ، يريد أن يعلو عليهم الجبل ; فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : اللهم لا يعلن علينا ، اللهم لا قوة لنا إلا بك ، اللهم ليس يعبدك بهذه البلدة غير هؤلاء النفر . فأنزل الله هذه الآيات . وثاب نفر من المسلمين رماة فصعدوا الجبل ورموا خيل المشركين حتى هزموهم ; فذلك قوله تعالى : وأنتم الأعلون يعني الغالبين على الأعداء بعد أحد . فلم يخرجوا بعد ذلك عسكرا إلا ظفروا في كل عسكر كان في عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وفي كل عسكر كان بعد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وكان فيه واحد من الصحابة كان الظفر لهم ، وهذه البلدان كلها إنما افتتحت على عهد أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثم بعد انقراضهم ما افتتحت بلدة على الوجه كما كانوا يفتتحون في ذلك الوقت . وفي هذه الآية بيان فضل هذه الأمة ; لأنه خاطبهم بما خاطب به أنبياءه ; لأنه قال لموسى : إنك أنت الأعلى وقال لهذه الأمة : وأنتم الأعلون . وهذه اللفظة مشتقة من اسمه الأعلى فهو سبحانه العلي ، وقال للمؤمنين : وأنتم الأعلون
3:140
اِنْ  یَّمْسَسْكُمْ  قَرْحٌ  فَقَدْ  مَسَّ  الْقَوْمَ  قَرْحٌ  مِّثْلُهٗؕ-وَ  تِلْكَ  الْاَیَّامُ  نُدَاوِلُهَا  بَیْنَ  النَّاسِۚ-وَ  لِیَعْلَمَ  اللّٰهُ  الَّذِیْنَ  اٰمَنُوْا  وَ  یَتَّخِذَ  مِنْكُمْ  شُهَدَآءَؕ-وَ  اللّٰهُ  لَا  یُحِبُّ  الظّٰلِمِیْنَۙ(۱۴۰)
اگر تمہیں (ف۲۴۸) کوئی تکلیف پہنچی تو وہ لوگ بھی ویسی ہی تکلیف پاچکے ہیں (ف۲۴۹) اور یہ دن ہیں جن میں ہم نے لوگوں کے لیے باریاں رکھی ہیں (ف۲۵۰) اور اس لئے کہ اللہ پہچان کرادے ایمان والوں کی (ف۲۵۱) اور تم میں سے کچھ لوگوں کو شہادت کا مرتبہ دے اور اللہ دوست نہیں رکھتا ظالموں کو،

قوله تعالى : إن يمسسكم قرح فقد مس القوم قرح مثله وتلك الأيام نداولها بين الناس وليعلم الله الذين آمنوا ويتخذ منكم شهداء والله لا يحب الظالمينقوله تعالى : إن يمسسكم قرح القرح الجرح . والضم والفتح فيه لغتان عن الكسائي والأخفش ، مثل عقر وعقر . الفراء : هو بالفتح الجرح ، وبالضم ألمه . والمعنى : إن يمسسكم يوم أحد قرح فقد مس القوم يوم بدر قرح مثله . وقرأ محمد بن السميقع " قرح " بفتح القاف والراء على المصدر .وتلك الأيام نداولها بين الناس قيل : هذا في الحرب ، تكون مرة للمؤمنين لينصر الله عز وجل دينه ، ومرة للكافرين إذا عصى المؤمنون ليبتليهم ويمحص ذنوبهم ; فأما إذا لم يعصوا فإن حزب الله هم الغالبون . وقيل : نداولها بين الناس من فرح وغم وصحة وسقم وغنى وفقر . والدولة الكرة ; قال الشاعر :فيوم لنا ويوم علينا ويوم نساء ويوم نسروليعلم الله الذين آمنوا معناه ، وإنما كانت هذه المداولة ليرى المؤمن من المنافق فيميز بعضهم من بعض ; كما قال : وما أصابكم يوم التقى الجمعان فبإذن الله وليعلم المؤمنين وليعلم الذين نافقوا وقيل : ليعلم صبر المؤمنين ، العلم الذي يقع عليه الجزاء كما علمه غيبا قبل أن كلفهم . وقد تقدم في " البقرة " هذا المعنى .قوله تعالى : ويتخذ منكم شهداء فيه ثلاث مسائل :الأولى : قوله تعالى ويتخذ منكم شهداء أي يكرمكم بالشهادة ; أي ليقتل قوم فيكونوا شهداء على الناس بأعمالهم . وقيل : لهذا قيل شهيد : وقيل : سمي شهيدا لأنه مشهود له بالجنة وقيل : سمي شهيدا لأن أرواحهم احتضرت دار السلام ، لأنهم أحياء عند ربهم ، وأرواح غيرهم لا تصل إلى الجنة ; فالشهيد بمعنى الشاهد أي الحاضر للجنة ، وهذا هو الصحيح على ما يأتي والشهادة فضلها عظيم ، ويكفيك في فضلها قوله تعالى : إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم الآية . يا أيها الذين آمنوا هل أدلكم على تجارة تنجيكم من عذاب أليم تؤمنون بالله ورسوله وتجاهدون في سبيل الله بأموالكم وأنفسكم إلى قوله : ذلك الفوز العظيم وفي صحيح البستي عن أبي هريرة قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ما يجد الشهيد من القتل إلا كما يجد أحدكم من القرحة . وروى النسائي عن راشد بن سعد عن رجل من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - أن رجلا قال : يا رسول الله ، ما بال المؤمنين يفتنون في قبورهم إلا الشهيد ؟ قال : كفى ببارقة السيوف على رأسه فتنة . وفي البخاري : " من قتل من المسلمين يوم أحد " منهم حمزة واليمان والنضر بن أنس ومصعب بن عمير ، حدثني عمرو بن علي أن معاذ بن هشام قال حدثني أبي عن قتادة قال : ما نعلم حيا من أحياء العرب أكثر شهيدا أعز يوم القيامة من الأنصار . قال قتادة : وحدثنا أنس بن مالك أنه قتل منهم يوم أحد سبعون ، ويوم بئر معونة سبعون ، ويوم اليمامة سبعون . قال : وكان بئر معونة على عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - ويوم اليمامة على عهد أبي بكر يوم مسيلمة الكذاب . وقال أنس : أتي النبي - صلى الله عليه وسلم - بعلي بن أبي طالب وبه نيف وستون جراحة من طعنة وضربة ورمية ، فجعل النبي - صلى الله عليه وسلم - يمسحها وهي تلتئم بإذن الله تعالى كأن لم تكن .الثانية : في قوله تعالى : ويتخذ منكم شهداء دليل على أن الإرادة غير الأمر كما يقول أهل السنة ; فإن الله تعالى نهى الكفار عن قتل المؤمنين : حمزة وأصحابه وأراد قتلهم ، ونهى آدم عن أكل الشجرة وأراده فواقعه آدم ، وعكسه أنه أمر إبليس بالسجود ولم يرده فامتنع منه ; وعنه وقعت الإشارة بقوله الحق : ولكن كره الله انبعاثهم فثبطهم . وإن كان قد أمر جميعهم بالجهاد ، ولكنه خلق الكسل والأسباب القاطعة عن المسير فقعدوا .الثالثة : روي عن علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - قال : جاء جبريل إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - يوم بدر فقال له : ( خير أصحابك في الأسارى إن شاءوا القتل وإن شاءوا الفداء على أن يقتل منهم عام المقبل مثلهم فقالوا الفداء ويقتل منا ) أخرجه الترمذي وقال : حديث حسن . فأنجز الله وعده بشهادة أوليائه بعد أن خيرهم فاختاروا القتل . والله لا يحب الظالمين أي المشركين ، أي : وإن أنال الكفار من المؤمنين فهو لا يحبهم ، وإن أحل ألما بالمؤمنين فإنه يحب المؤمنين .
3:141
وَ  لِیُمَحِّصَ   اللّٰهُ  الَّذِیْنَ  اٰمَنُوْا  وَ  یَمْحَقَ  الْكٰفِرِیْنَ(۱۴۱)
اور اس لئے کہ اللہ مسلمانوں کا نکھار کردے (ف۲۵۲) اور کافروں کو مٹادے (ف۲۵۳)

قوله تعالى : وليمحص الله الذين آمنوا ويمحق الكافرين فيه ثلاثة أقوال : يمحص يختبر . الثاني : يطهر ; أي من ذنوبهم فهو على حذف مضاف . المعنى : وليمحص الله ذنوب الذين آمنوا ; قاله الفراء . الثالث : يمحص يخلص ; فهذا أغربها . قال الخليل : يقال محص الحبل يمحص محصا إذا انقطع وبره ; ومنه ( اللهم محص عنا ذنوبنا ) أي خلصنا من عقوبتها . وقال أبو إسحاق الزجاج : قرأت على محمد بن يزيد عن الخليل : التمحيص التخليص . يقال : محصه يمحصه محصا إذا خلصه ; فالمعنى عليه ليبتلي المؤمنين ليثيبهم ويخلصهم من ذنوبهم . ويمحق الكافرين أي يستأصلهم بالهلاك .
3:142
اَمْ  حَسِبْتُمْ  اَنْ  تَدْخُلُوا  الْجَنَّةَ  وَ  لَمَّا  یَعْلَمِ  اللّٰهُ  الَّذِیْنَ  جٰهَدُوْا  مِنْكُمْ  وَ  یَعْلَمَ  الصّٰبِرِیْنَ(۱۴۲)
کیا اس گمان میں ہو کہ جنت میں چلے جاؤ گے اور ابھی اللہ نے تمہارے غازیوں کا امتحان نہ لیا اور نہ صبر والوں آزمائش کی(ف۲۵۴)

قوله تعالى : أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يعلم الله الذين جاهدوا منكم ويعلم الصابرين" أم " بمعنى بل . وقيل : الميم زائدة ، والمعنى أحسبتم يا من انهزم يوم أحد أن تدخلوا الجنة كما دخل الذين قتلوا وصبروا على ألم الجراح والقتل من غير أن تسلكوا طريقهم وتصبروا صبرهم لا ; حتى يعلم الله الذين جاهدوا منكم أي علم شهادة حتى يقع عليه الجزاء . والمعنى : ولم تجاهدوا فيعلم ذلك منكم ; فلما بمعنى " لم " . وفرق سيبويه بين " لم " و " لما " فزعم أن " لم يفعل " نفي فعل ، وأن : " لما يفعل " . نفي قد فعل . ويعلم الصابرين منصوب بإضمار أن ; عن الخليل . وقرأ الحسن ويحيى بن يعمر " يعلم الصابرين " بالجزم على النسق . وقرئ بالرفع على القطع ، أي وهو يعلم . وروى هذه القراءة عبد الوارث عن أبي عمرو . وقال الزجاج . الواو هنا بمعنى حتى ، أي ولما يعلم الله الذين جاهدوا منكم حتى يعلم صبرهم كما تقدم آنفا .
3:143
وَ  لَقَدْ  كُنْتُمْ  تَمَنَّوْنَ  الْمَوْتَ  مِنْ  قَبْلِ  اَنْ  تَلْقَوْهُ۪-فَقَدْ  رَاَیْتُمُوْهُ  وَ  اَنْتُمْ  تَنْظُرُوْنَ۠(۱۴۳) 
اور تم تو موت کی تمنا کیا کرتے تھے اس کے ملنے سے پہلے (ف۲۵۵) تو اب وہ تمہیں نظر آئی آنکھوں کے سامنے،

قوله تعالى : ولقد كنتم تمنون الموت من قبل أن تلقوه فقد رأيتموه وأنتم تنظرونقوله تعالى : ولقد كنتم تمنون الموت أي الشهادة من قبل أن تلقوه . وقرأ الأعمش " من قبل أن تلاقوه " أي من قبل القتل . وقيل : من قبل أن تلقوا أسباب الموت وذلك أن كثيرا ممن لم يحضروابدرا كانوا يتمنون يوما يكون فيه قتال ، فلما كان يوم أحد انهزموا ، وكان منهم من تجلد حتى قتل ، ومنهم أنس بن النضر عم أنس بن مالك ، فإنه قال لما انكشف المسلمون : اللهم إني أبرأ إليك مما جاء به هؤلاء ، وباشر القتال وقال : إيها إنها ريح الجنة ! إني لأجدها ، ومضى حتى استشهد . قال أنس : فما عرفناه إلا ببنانه ووجدنا فيه بضعا وثمانين جراحة . وفيه وفي أمثاله نزل رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه . فالآية عتاب في حق من انهزم ، لا سيما وكان منهم حمل للنبي - صلى الله عليه وسلم - على الخروج من المدينة ، وسيأتي . وتمني الموت يرجع من المسلمين إلى تمني الشهادة المبنية على الثبات والصبر على الجهاد ، لا إلى قتل الكفار لهم ; لأنه معصية وكفر ولا يجوز إرادة المعصية ، وعلى هذا يحمل سؤال المسلمين من الله أن يرزقهم الشهادة ، فيسألون الصبر على الجهاد وإن أدى إلى القتل .قوله تعالى : وأنتم تنظرون قال الأخفش : هو تكرير بمعنى التأكد لقوله : فقد رأيتموه مثل ولا طائر يطير بجناحيه . وقيل : معناه وأنتم بصراء ليس في أعينكم علل ; كما تقول : قد رأيت كذا وكذا وليس في عينيك علة ، أي فقد رأيته رؤية حقيقية ; وهذا راجع إلى معنى التوكيد . وقال بعضهم : وأنتم تنظرون إلى محمد - صلى الله عليه وسلم - . وفي الآية إضمار ، أي فقد رأيتموه وأنتم تنظرون فلم انهزمتم ؟
3:144
وَ  مَا  مُحَمَّدٌ  اِلَّا  رَسُوْلٌۚ-قَدْ  خَلَتْ  مِنْ  قَبْلِهِ  الرُّسُلُؕ-اَفَاۡىٕنْ  مَّاتَ  اَوْ  قُتِلَ  انْقَلَبْتُمْ  عَلٰۤى  اَعْقَابِكُمْؕ-وَ  مَنْ  یَّنْقَلِبْ  عَلٰى  عَقِبَیْهِ  فَلَنْ  یَّضُرَّ  اللّٰهَ  شَیْــٴًـاؕ-وَ  سَیَجْزِی  اللّٰهُ  الشّٰكِرِیْنَ(۱۴۴)
اور محمد تو ایک رسول (ف۲۵۶) ان سے پہلے اور رسول ہوچکے (ف۲۵۷) تو کیا اگر وہ انتقال فرمائیں یا شہید ہوں تو تم الٹے پاؤں پھر جاؤں گے اور جو الٹے پاؤں پھرے گا اللہ کا کچھ نقصان نہ کرے گا، اور عنقریب اللہ شکر والوں کو صلہ دے گا،

قوله تعالى : وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم ومن ينقلب على عقبيه فلن يضر الله شيئا وسيجزي الله الشاكرينفيه خمس مسائل :الأولى : روي أنها نزلت بسبب انهزام المسلمين يوم أحد حين صاح الشيطان : قد قتل محمد . قال عطية العوفي : فقال بعض الناس : قد أصيب محمد فأعطوهم بأيديكم فإنما هم إخوانكم . وقال بعضهم : إن كان محمد قد أصيب ألا تمضون على ما مضى عليه نبيكم حتى تلحقوا به ; فأنزل الله تعالى في ذلك وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل إلى قوله : فآتاهم الله ثواب الدنيا . و " ما " نافية ، وما بعدها ابتداء وخبر ، وبطل عمل " ما " . وقرأ ابن عباس " قد خلت من قبله رسل " بغير ألف ولام . فأعلم الله تعالى في هذه الآية أن الرسل ليست بباقية في قومها أبدا ، وأنه يجب التمسك بما أتت به الرسل وإن فقد الرسول بموت أو قتل . وأكرم نبيه - صلى الله عليه وسلم - وصفيه باسمين مشتقين من اسمه : محمد وأحمد ، تقول العرب : رجل محمود ومحمد إذا كثرت خصاله المحمودة ، قال الشاعر :إلى الماجد القرم الجواد المحمدوقد مضى هذا في الفاتحة . وقال عباس بن مرداس :يا خاتم النبآء إنك مرسل بالخير كل هدى السبيل هداكاإن الإله بنى عليك محبة في خلقه ومحمدا سماكافهذه الآية من تتمة العتاب مع المنهزمين ، أي لم يكن لهم الانهزام وإن قتل محمد ، والنبوة لا تدرأ الموت ، والأديان لا تزول بموت الأنبياء ، والله أعلم .الثانية : هذه الآية أدل دليل على شجاعة الصديق وجراءته ، فإن الشجاعة والجرأة حدهما ثبوت القلب عند حلول المصائب ، ولا مصيبة أعظم من موت النبي - صلى الله عليه وسلم - كما تقدم بيانه في " البقرة " فظهرت عنده شجاعته وعلمه . قال الناس : لم يمت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - منهم عمر ، وخرس عثمان ، واستخفى علي ، واضطرب الأمر فكشفه الصديق بهذه الآية حين قدومه من مسكنه بالسنح ، الحديث ; كذا في البخاري . وفي سنن ابن ماجه عن عائشة قالت : لما قبض رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأبو بكر عند امرأته ابنة خارجة بالعوالي ، فجعلوا يقولون : لم يمت النبي - صلى الله عليه وسلم - إنما هو بعض ما كان يأخذه عند الوحي . فجاء أبو بكر فكشف عن وجهه وقبل بين عينيه وقال : أنت أكرم على الله من أن يميتك مرتين . قد والله مات رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وعمر في ناحية المسجد يقول : والله ما مات رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولا يموت حتى يقطع أيدي أناس من المنافقين كثير وأرجلهم . فقام أبو بكر فصعد المنبر فقال : من كان يعبد الله فإن الله حي لم يمت ، ومن كان يعبد محمدا فإن محمدا قد مات وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم ومن ينقلب على عقبيه فلن يضر الله شيئا وسيجزي الله الشاكرين . قال عمر : " فلكأني لم أقرأها إلا يومئذ " . ورجع عن مقالته التي قالها فيما ذكر الوائلي أبو نصر عبيد الله في كتابه الإبانة : عن أنس بن مالك أنه سمع عمر بن الخطاب حين بويع أبو بكر في مسجد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - واستوى على منبر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تشهد قبلأبي بكر فقال : أما بعد فإني قلت لكم أمس مقالة وإنها لم تكن كما قلت ، وإني والله ما وجدت المقالة التي قلت لكم في كتاب أنزله الله ولا في عهد عهده إلي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولكني كنت أرجو أن يعيش رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى يدبرنا - يريد أن يقول حتى يكون آخرنا موتا - فاختار الله عز وجل لرسوله الذي عنده على الذي عندكم ، وهذا الكتاب الذي هدى الله به رسوله فخذوا به تهتدوا لما هدي له رسول الله - صلى الله عليه وسلم - . قال الوائلي أبو نصر : المقالة التي قالها ثم رجع عنها هي " أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يمت ولن يموت حتى يقطع أيدي رجال وأرجلهم " وكان قال ذلك لعظيم ما ورد عليه ، وخشي الفتنة وظهور المنافقين ، فلما شاهد قوة يقينالصديق الأكبر أبي بكر ، وتفوهه بقول الله عز وجل : كل نفس ذائقة الموت وقوله : إنك ميت وإنهم ميتون وما قاله ذلك اليوم تنبيه وتثبيت وقال : كأني لم أسمع بالآية إلا من أبي بكر . وخرج الناس يتلونها في سكك المدينة ، كأنها لم تنزل قط إلا ذلك اليوم ومات - صلى الله عليه وسلم - يوم الاثنين بلا اختلاف ، في وقت دخولهالمدينة في هجرته حين اشتد الضحاء ، ودفن يوم الثلاثاء ، وقيل ليلة الأربعاء . وقالت صفية بنت عبد المطلب ترثي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :ألا يا رسول الله كنت رجاءنا وكنت بنا برا ولم تك جافياوكنت رحيما هاديا ومعلما ليبك عليك اليوم من كان باكيالعمرك ما أبكي النبي لفقده ولكن لما أخشى من الهرج آتياكأن على قلبي لذكر محمد وما خفت من بعد النبي المكاوياأفاطم صلى الله رب محمد على جدث أمسى بيثرب ثاويافدى لرسول الله أمي وخالتي وعمي وآبائي ونفسي ومالياصدقت وبلغت الرسالة صادقا ومت صليب العود أبلج صافيافلو أن رب الناس أبقى نبينا سعدنا ولكن أمره كان ماضياعليك من الله السلام تحية وأدخلت جنات من العدن راضياأرى حسنا أيتمته وتركته يبكي ويدعو جده اليوم ناعيافإن قيل وهي :الثالثة : فلم أخر دفن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقد قال لأهل بيت أخروا دفن ميتهم : ( عجلوا دفن جيفتكم ولا تؤخروها ) . فالجواب من ثلاثة أوجه : الأول : ما ذكرناه من عدم اتفاقهم على موته . الثاني : لأنهم لا يعلمون حيث يدفنونه . قال قوم في البقيع ، وقال آخرون في المسجد ، وقال قوم : يحبس حتى يحمل إلى أبيه إبراهيم . حتى قال العالم الأكبر : سمعته يقول : ما دفن نبي إلا حيث يموت ذكره ابن ماجه والموطأ وغيرهما . الثالث : أنهم اشتغلوا بالخلاف الذي وقع بين المهاجرين والأنصار في البيعة ، فنظروا فيها حتى استتب الأمر وانتظم الشمل واستوثقت الحال ، واستقرت الخلافة في نصابها فبايعوا أبا بكر ، ثم بايعوه من الغد بيعة أخرى عن ملأ منهم ورضا ; فكشف الله به الكربة من أهل الردة ، وقام به الدين ، والحمد لله رب العالمين . ثم رجعوا بعد ذلك إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فنظروا في دفنه وغسلوه وكفنوه ، والله أعلم .الرابعة : واختلف هل صلي عليه أم لا ، فمنهم من قال : لم يصل عليه أحد ، وإنما وقف كل واحد يدعو ، لأنه كان أشرف من أن يصلى عليه . وقال ابن العربي : وهذا كلام ضعيف ; لأن السنة تقام بالصلاة عليه في الجنازة ، كما تقام بالصلاة عليه في الدعاء ، فيقول : اللهم صل على محمد إلى يوم القيامة ، وذلك منفعة لنا . وقيل : لم يصل عليه ; لأنه لم يكن هناك إمام . وهذا ضعيف لأن الذي كان يقيم بهم الصلاة الفريضة هو الذي كان يؤم بهم في الصلاة . وقيل : صلى عليه الناس أفذاذا ; لأنه كان آخر العهد به ، فأرادوا أن يأخذ كل أحد بركته مخصوصا دون أن يكون فيها تابعا لغيره . والله أعلم بصحة ذلك .قلت : قد خرج ابن ماجه بإسناد حسن بل صحيح من حديث ابن عباس وفيه : فلما فرغوا من جهازه يوم الثلاثاء وضع على سريره في بيته ، ثم دخل الناس على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أرسالا يصلون عليه ، حتى إذا فرغوا أدخلوا النساء ، حتى إذا فرغن أدخلوا الصبيان ، ولم يؤم الناس على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أحد . خرجه عن نصر بن علي الجهضمي أنبأنا وهب بن جرير حدثنا أبي عن محمد بن إسحاق . قال حدثني حسين بن عبد الله عن عكرمة عن ابن عباس ، الحديث بطوله .الخامسة : في تغيير الحال بعد موت النبي - صلى الله عليه وسلم - عن أنس قال : لما كان اليوم الذي دخل فيه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المدينة أضاء منها كل شيء ، فلما كان اليوم الذي مات فيه أظلم منها كل شيء ، وما نفضنا عن النبي - صلى الله عليه وسلم - الأيدي حتى أنكرنا قلوبنا . أخرجه ابن ماجه ، وقال : حدثنا محمد بن بشار أخبرنا عبد الرحمن بن مهدي حدثنا سفيان عن عبد الله بن دينار عن ابن عمر قال : كنا نتقي الكلام والانبساط إلى نسائنا على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مخافة أن ينزل فينا القرآن ، فلما مات رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تكلمنا . وأسند عن أم سلمة بنت أبي أمية زوج النبي - صلى الله عليه وسلم - أنها قالت : كان الناس في عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا قام المصلي يصلي لم يعد بصر أحدهم موضع قدميه ، فلما توفي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وكان أبو بكر ، فكان الناس إذا قام أحدهم يصلي لم يعد بصر أحدهم موضع جبينه ، فتوفي أبو بكر وكان عمر ، فكان الناس إذا قام أحدهم يصلي لم يعد بصر أحدهم موضع القبلة ، فكان عثمان بن عفان فكانت الفتنة فتلفت الناس في الصلاة يمينا وشمالا .قوله تعالى : أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم أفإن مات شرط أو قتل عطف عليه ، والجواب انقلبتم . ودخل حرف الاستفهام على حرف الجزاء لأن الشرط قد انعقد به وصار جملة واحدة وخبرا واحدا . والمعنى : أفتنقلبون على أعقابكم إن مات أو قتل ؟ وكذلك كل استفهام دخل على حرف الجزاء ; فإنه في غير موضعه ، وموضعه أن يكون قبل جواب الشرط . وقوله انقلبتم على أعقابكم تمثيل ، ومعناه ارتددتم كفارا بعد إيمانكم ، قال قتادة وغيره . ويقال لمن عاد إلى ما كان عليه : انقلب على عقبيه . ومنه نكص على عقبيه . وقيل : المراد بالانقلاب هنا الانهزام ، فهو حقيقة لا مجاز . وقيل : المعنى فعلتم فعل المرتدين وإن لم تكن ردة .قوله تعالى : ومن ينقلب على عقبيه فلن يضر الله شيئا بل يضر نفسه ويعرضها للعقاب بسبب المخالفة ، والله تعالى لا تنفعه الطاعة ولا تضره المعصية لغناه . وسيجزي الله الشاكرين ، أي الذين صبروا وجاهدوا واستشهدوا . وجاء وسيجزي الله الشاكرين بعد قوله : فلن يضر الله شيئا فهو اتصال وعد بوعيد .
3:145
وَ  مَا  كَانَ  لِنَفْسٍ  اَنْ  تَمُوْتَ  اِلَّا  بِاِذْنِ  اللّٰهِ  كِتٰبًا  مُّؤَجَّلًاؕ-وَ  مَنْ  یُّرِدْ  ثَوَابَ  الدُّنْیَا  نُؤْتِهٖ  مِنْهَاۚ-وَ  مَنْ  یُّرِدْ  ثَوَابَ  الْاٰخِرَةِ  نُؤْتِهٖ  مِنْهَاؕ-وَ  سَنَجْزِی  الشّٰكِرِیْنَ(۱۴۵)
اور کوئی جان بے حکم خدا مر نہیں سکتی (ف۲۵۹) سب کا وقت لکھا رکھا ہے (ف۲۶۰) اور دنیا کا انعام چاہے ۰ف۲۶۱) ہم اس میں سے اسے دیں اور جو آخرت کا انعام چاہے ہم اس میں سے اسے دیں (ف۲۶۲) اور قریب ہے کہ ہم شکر والوں کو صلہ عطا کریں،

وله تعالى : وما كان لنفس أن تموت إلا بإذن الله كتابا مؤجلا ومن يرد ثواب الدنيا نؤته منها ومن يرد ثواب الآخرة نؤته منها وسنجزي الشاكرينقوله تعالى : وما كان لنفس أن تموت إلا بإذن الله كتابا مؤجلا هذا حض على الجهاد ، وإعلام أن الموت لا بد منه وأن كل إنسان مقتول أو غير مقتول ميت إذا بلغ أجله المكتوب له ; لأن معنى مؤجلا إلى أجل . ومعنى بإذن الله بقضاء الله وقدره . و كتابا نصب على المصدر ، أي كتب الله كتابا مؤجلا . وأجل الموت هو الوقت الذي في معلومه سبحانه ، أن روح الحي تفارق جسده ، ومتى قتل العبد علمنا أن ذلك أجله . ولا يصح أن يقال : لو لم يقتل لعاش . والدليل على قوله : كتابا مؤجلا إذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون إن أجل الله لآت لكل أجل كتاب . والمعتزلي يقول : يتقدم الأجل ويتأخر ، وإن من قتل فإنما يهلك قبل أجله ، وكذلك كل ما ذبح من الحيوان كان هلاكه قبل أجله ; لأنه يجب على القاتل الضمان والدية . وقد بين الله تعالى في هذه الآية أنه لا تهلك نفس قبل أجلها . وسيأتي لهذا مزيد بيان في " الأعراف " إن شاء الله تعالى . وفيه دليل على كتب العلم وتدوينه . وسيأتي بيانه في " طه " عند قوله . قال علمها عند ربي في كتاب إن شاء الله تعالى .قوله تعالى : ومن يرد ثواب الدنيا نؤته منها يعني الغنيمة . نزلت في الذين تركوا المركز طلبا للغنيمة . وقيل : هي عامة في كل من أراد الدنيا دون الآخرة ; والمعنى نؤته منها ما قسم له . وفي التنزيل : من كان يريد العاجلة عجلنا له فيها ما نشاء لمن نريدومن يرد ثواب الآخرة نؤته منها أي نؤته جزاء عمله ، على ما وصف الله تعالى من تضعيف الحسنات لمن يشاء . وقيل : المراد منها عبد الله بن جبير ومن لزم المركز معه حتى قتلوا . وسنجزي الشاكرين أي نؤتيهم الثواب الأبدي جزاء لهم على ترك الانهزام ، فهو تأكيد ما تقدم من إيتاء مزيد الآخرة . وقيل : وسنجزي الشاكرين من الرزق في الدنيا لئلا يتوهم أن الشاكر يحرم ما قسم له مما يناله الكافر .
3:146
وَ  كَاَیِّنْ  مِّنْ  نَّبِیٍّ  قٰتَلَۙ-مَعَهٗ  رِبِّیُّوْنَ  كَثِیْرٌۚ-فَمَا  وَ  هَنُوْا  لِمَاۤ  اَصَابَهُمْ  فِیْ  سَبِیْلِ  اللّٰهِ  وَ  مَا  ضَعُفُوْا  وَ  مَا  اسْتَكَانُوْاؕ-وَ  اللّٰهُ  یُحِبُّ  الصّٰبِرِیْنَ(۱۴۶)
اور کتنے ہی انبیاء نے جہاد کیا ان کے ساتھ بہت خدا والے تھے، تو نہ سست پڑے ان مصیبتوں سے جو اللہ کی راہ میں انہیں پہنچیں اور نہ کمزور ہوئے اور نہ دبے (ف۲۶۳) اور صبر والے اللہ کو محبوب ہیں،

قوله تعالى : وكأين من نبي قاتل معه ربيون كثير فما وهنوا لما أصابهم في سبيل الله وما ضعفوا وما استكانوا والله يحب الصابرينقوله تعالى : وكأين من نبي قاتل معه ربيون كثير قال الزهري : صاح الشيطان يوم أحد : قتل محمد ; فانهزم جماعة من المسلمين . قال كعب بن مالك : فكنت أول من عرف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رأيت عينيه من تحت المغفر تزهران ، فناديت بأعلى صوتي : هذا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأومأ إلي أن اسكت ، فأنزل الله عز وجل : وكأين من نبي قاتل معه ربيون كثير فما وهنوا لما أصابهم في سبيل الله وما ضعفوا الآية . و كأين بمعنى كم . قال الخليل وسيبويه : هي أي دخلت عليها كاف التشبيه وبنيت معها فصار في الكلام معنى وكم وصورت في المصحف نونا ; لأنها كلمة . نقلت عن أصلها فغير لفظها لتغير معناها ، ثم كثر استعمالها فتلعبت بها العرب وتصرفت فيها بالقلب والحذف ، فحصل فيها لغات أربع قرئ بها . وقرأ ابن كثير " وكائن " مثل وكاعن ، على وزن فاعل ، وأصله كيء فقلبت الياء ألفا ، كما قلبت في ييأس فقيل ياءس ; قال الشاعر :وكائن بالأباطح من صديق يراني لو أصبت هو المصاباوقال آخر :وكائن رددنا عنكم من مدجج يجيء أمام الركب يردي مقنعاوقال آخر :وكائن في المعاشر من أناس أخوهم فوقهم وهم كراموقرأ ابن محيصن " وكئن " مهموزا مقصورا مثل وكعن ، وهو من كائن حذفت ألفه . وعنه أيضا " وكأين " مثل وكعين وهو مقلوب كيء المخفف . وقرأ الباقون كأين بالتشديد مثل كعين وهو الأصل ، قال الشاعر :كأين من أناس لم يزالوا أخوهم فوقهم وهم كراموقال آخر :كأين أبدنا من عدو بعزنا وكائن أجرنا من ضعيف وخائففجمع بين لغتين : كأين وكائن ، ولغة خامسة كيئن مثل كيعن ، وكأنه مخفف من كيء مقلوب كأين . ولم يذكر الجوهري غير لغتين : كائن مثل كاعن ، وكأين مثل كعين ; تقول كأين رجلا لقيت ; بنصب ما بعد كأين على التمييز . وتقول أيضا : كأين من رجل لقيت ; وإدخال " من " بعد كأين أكثر من النصب بها وأجود . وبكأين تبيع هذا الثوب ؟ أي بكم تبيع ; قال ذو الرمة :وكائن ذعرنا من مهاة ورامح بلاد العدا ليست له ببلادقال النحاس : ووقف أبو عمرو " وكأي " بغير نون ; لأنه تنوين . وروى ذلك سورة بن المبارك عن الكسائي . ووقف الباقون بالنون اتباعا لخط المصحف . ومعنى الآية تشجيع المؤمنين ، والأمر بالاقتداء بمن تقدم من خيار أتباع الأنبياء ; أي كثير من الأنبياء قتل معه ربيون كثير ، أو كثير من الأنبياء قتلوا فما ارتد أممهم ; قولان : الأول للحسن وسعيد بن جبير . قال الحسن : ما قتل نبي في حرب قط . وقال ابن جبير : ما سمعنا أن نبيا قتل في القتال . والثاني عن قتادة وعكرمة . والوقف - على هذا القول - على " قتل " جائز ، وهي قراءة نافع وابن جبير وأبي عمرو ويعقوب . وهي قراءة ابن عباس واختارها أبو حاتم . وفيه وجهان : أحدهما أن يكون " قتل " واقعا على النبي وحده ، وحينئذ يكون تمام الكلام عند قوله " قتل " ويكون في الكلام إضمار ، أي ومعه ربيون كثير ; كما يقال : قتل الأمير معه جيش عظيم ، أي ومعه جيش . وخرجت معي تجارة ; أي ومعي . الوجه الثاني أن يكون القتل نال النبي ومن معه من الربيين ، ويكون وجه الكلام قتل بعض من كان معه ; تقول العرب : قتلنا بني تميم وبني سليم ، وإنما قتلوا بعضهم . ويكون قوله فما وهنوا راجعا إلى من بقي منهم . قلت : وهذا القول أشبه بنزول الآية وأنسب ، فإن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يقتل ، وقتل معه جماعة من أصحابه . وقرأ الكوفيون وابن عامر قاتل وهي قراءة ابن مسعود ; واختارها أبو عبيد وقال . إن الله إذا حمد من قاتل كان من قتل داخلا فيه ، وإذا حمد من قتل لم يدخل فيه غيرهم ; فقاتل أعم وأمدح . و " الربيون " بكسر الراء قراءة الجمهور . وقراءة علي - رضي الله عنه - بضمها . وابن عباس بفتحها ; ثلاث لغات . والربيون الجماعات الكثيرة ; عن مجاهد . وقتادة والضحاك وعكرمة ، واحدهم ربي بضم الراء وكسرها ; منسوب إلى الربة بكسر الراء أيضا وضمها ، وهي الجماعة . وقال عبد الله بن مسعود : الربيون الألوف الكثيرة . وقال ابن زيد : الربيون الأتباع . والأول أعرف في اللغة ; ومنه يقال للخرقة التي تجمع فيها القداح : ربة وربة . والرباب قبائل تجمعت . وقال أبان بن ثعلب : الربي عشرة آلاف . وقال الحسن : هم العلماء الصبر . ابن عباس ومجاهد وقتادة والربيع والسدي : الجمع الكثير ; قال حسان :وإذا معشر تجافوا عن الحق حملنا عليهم ربياوقال الزجاج : هاهنا قراءتان " ربيون " بضم الراء " وربيون " بكسر الراء ; أما الربيون ( بالضم ) : الجماعات الكثيرة . ويقال : عشرة آلاف . قلت : وقد روي عن ابن عباس " ربيون " بفتح الراء منسوب إلى الرب . قال الخليل : الربي الواحد من العباد الذين صبروا مع الأنبياء . وهم الربانيون نسبوا إلى التأله والعبادة ومعرفة الربوبية لله تعالى ، والله أعلم .قوله تعالى : فما وهنوا لما أصابهم في سبيل الله وهنوا أي ضعفوا ، وقد تقدم . والوهن انكسار الجد بالخوف . وقرأ الحسن وأبو السمال " وهنوا " بكسر الهاء وضمها ، لغتان عن أبي زيد . وهن الشيء يهن وهنا . وأوهنته أنا ووهنته ضعفته . والواهنة : أسفل الأضلاع وقصارها . والوهن من الإبل : الكثيف . والوهن : ساعة تمضي من الليل ، وكذلك الموهن . وأوهنا صرنا في تلك الساعة ; أي ما وهنوا لقتل نبيهم ، أو لقتل من قتل منهم ، أي ما وهن باقيهم ; فحذف المضاف . وما ضعفوا أي عن عدوهم . وما استكانوا أي لما أصابهم في الجهاد . والاستكانة : الذلة والخضوع ; وأصلها " استكنوا " على افتعلوا ; فأشبعت فتحة الكاف فتولدت منها ألف . ومن جعلها من الكون فهي استفعلوا ; والأول أشبه بمعنى الآية . وقرئ " فما وهنوا وما ضعفوا " بإسكان الهاء والعين . وحكى الكسائي " ضعفوا " بفتح العين . ثم أخبر تعالى عنهم بعد أن قتل منهم أو قتل نبيهم بأنهم صبروا ولم يفروا ووطنوا أنفسهم على الموت ، واستغفروا ليكون موتهم على التوبة من الذنوب إن رزقوا الشهادة ، ودعوا في الثبات حتى لا ينهزموا ، وبالنصر على أعدائهم . وخصوا الأقدام بالثبات دون غيرها من الجوارح لأن الاعتماد عليها . يقول : فهلا فعلتم وقلتم مثل ذلك يا أصحاب محمد ؟ فأجاب دعاءهم وأعطاهم النصر والظفر والغنيمة في الدنيا والمغفرة في الآخرة إذا صاروا إليها . وهكذا يفعل الله مع عباده المخلصين التائبين الصادقين الناصرين لدينه ، الثابتين عند لقاء عدوه بوعده الحق ، وقوله الصدق . والله يحب الصابرين يعني الصابرين على الجهاد .
3:147
وَ  مَا  كَانَ  قَوْلَهُمْ  اِلَّاۤ  اَنْ  قَالُوْا  رَبَّنَا  اغْفِرْ  لَنَا  ذُنُوْبَنَا  وَ  اِسْرَافَنَا  فِیْۤ  اَمْرِنَا  وَ  ثَبِّتْ  اَقْدَامَنَا  وَ  انْصُرْنَا  عَلَى  الْقَوْمِ  الْكٰفِرِیْنَ(۱۴۷)
اور وہ کچھ بھی نہ کہتے تھے سوا اس دعا کے (ف۲۶۴) کہ اے ہمارے رب بخش دے ہمارے گناہ اور جو زیادتیاں ہم نے اپنے کام کیں (ف۲۶۵) اور ہمارے قدم جما دے اور ہمیں ان کافر لوگوں پر مدد دے(ف۲۶۶)

وقرأ بعضهم " وما كان قولهم " بالرفع ; جعل القول اسما لكان ; فيكون معناه وما كان قولهم إلا قولهم ربنا اغفر لنا ذنوبنا ومن قرأ بالنصب جعل القول خبر كان . واسمها إلا أن قالوا ربنا اغفر لنا ذنوبنا يعني الصغائر وإسرافنا يعني الكبائر . والإسراف : الإفراط في الشيء ومجاوزة الحد . وفي صحيح مسلم عن أبي موسى الأشعري عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه كان يدعو بهذا الدعاء اللهم اغفر لي خطيئتي وجهلي وإسرافي في أمري وما أنت أعلم به مني وذكر الحديث . فعلى الإنسان أن يستعمل ما في كتاب الله وصحيح السنة من الدعاء ويدع ما سواه ، ولا يقول أختار كذا ; فإن الله تعالى قد اختار لنبيه وأوليائه وعلمهم كيف يدعون .
3:148
فَاٰتٰىهُمُ  اللّٰهُ  ثَوَابَ  الدُّنْیَا  وَ  حُسْنَ  ثَوَابِ  الْاٰخِرَةِؕ-وَ  اللّٰهُ  یُحِبُّ  الْمُحْسِنِیْنَ۠(۱۴۸)
تو اللہ نے انہیں دنیا کا انعام دیا (ف۲۶۷) اور آخرت کے ثواب کی خوبی (ف۲۶۸) اور نیکی والے اللہ کو پیارے ہیں،

قوله تعالى : فآتاهم الله ثواب الدنيا وحسن ثواب الآخرة والله يحب المحسنين قوله تعالى : فآتاهم الله أي أعطاهم ثواب الدنيا ، يعني النصر والظفر على عدوهم . وحسن ثواب الآخرة يعني الجنة . وقرأ الجحدري " فأثابهم الله " من الثواب . والله يحب المحسنين تقدم .
3:149
یٰۤاَیُّهَا  الَّذِیْنَ  اٰمَنُوْۤا  اِنْ  تُطِیْعُوا  الَّذِیْنَ  كَفَرُوْا  یَرُدُّوْكُمْ  عَلٰۤى  اَعْقَابِكُمْ  فَتَنْقَلِبُوْا  خٰسِرِیْنَ(۱۴۹)
اے ایمان والو! اگر تم کافروں کے کہے پر چلے (ف۲۶۹) تو وہ تمہیں الٹے پاؤں لوٹادیں گے (ف۲۷۰) پھر ٹوٹا کھا کے پلٹ جاؤ گے (ف۲۷۱)

قوله تعالى : ياأيها الذين آمنوا إن تطيعوا الذين كفروا يردوكم على أعقابكم فتنقلبوا خاسرينلما أمر الله تعالى بالاقتداء بمن تقدم من أنصار الأنبياء حذر طاعة الكافرين ; يعني مشركي العرب : أبا سفيان وأصحابه . وقيل : اليهود والنصارى . وقال علي - رضي الله عنه - : يعني المنافقين في قولهم للمؤمنين عند الهزيمة : ارجعوا إلى دين آبائكم .يردوكم على أعقابكم أي إلى الكفر . فتنقلبوا خاسرين أي فترجعوا مغبونين .
3:150
بَلِ  اللّٰهُ  مَوْلٰىكُمْۚ-وَ  هُوَ  خَیْرُ  النّٰصِرِیْنَ(۱۵۰)
بلکہ اللہ تمہارا مولا ہے اور وہ سب سے بہتر مددگار،

ثم قال : بل الله مولاكم أي متولي نصركم وحفظكم إن أطعتموه . وقرئ " بل الله " بالنصب ، على تقدير بل وأطيعوا الله مولاكم .
3:151
سَنُلْقِیْ  فِیْ  قُلُوْبِ  الَّذِیْنَ  كَفَرُوا  الرُّعْبَ  بِمَاۤ  اَشْرَكُوْا  بِاللّٰهِ  مَا  لَمْ  یُنَزِّلْ  بِهٖ  سُلْطٰنًاۚ-وَ  مَاْوٰىهُمُ  النَّارُؕ-وَ  بِئْسَ  مَثْوَى  الظّٰلِمِیْنَ(۱۵۱)
کوئی دم جاتا ہے کہ ہم کافروں کے دلوں میں رعب ڈالیں گے (ف۲۷۲) کہ انہوں نے اللہ کا شریک ٹھہرایا جس پر اس نے کوئی سمجھ نہ اتاری اور ان کا ٹھکانا دوزخ ہے، اور کیا برا ٹھکانا ناانصافوں کا،

قوله تعالى : سنلقي في قلوب الذين كفروا الرعب بما أشركوا بالله ما لم ينزل به سلطانا ومأواهم النار وبئس مثوى الظالميننظيره وقذف في قلوبهم الرعب . وقرأ ابن عامر والكسائي " الرعب " بضم العين ; وهما لغتان . والرعب : الخوف ; يقال : رعبته رعبا ورعبا ، فهو مرعوب . ويجوز أن يكون الرعب مصدرا ، والرعب الاسم . وأصله من الملء ; يقال سيل راعب يملأ الوادي . ورعبت الحوض ملأته . والمعنى : سنملأ قلوب المشركين خوفا وفزعا . وقرأ السختياني " سيلقي " بالياء ، والباقون بنون العظمة . قال السدي وغيره : لما ارتحل أبو سفيان والمشركون يوم أحد متوجهين إلى مكة انطلقوا حتى إذا كانوا ببعض الطريق ندموا وقالوا : بئس ما صنعنا ! قتلناهم حتى إذا لم يبق منهم إلا الشريد تركناهم ، ارجعوا فاستأصلوهم ; فلما عزموا على ذلك ألقى الله في قلوبهم الرعب حتى رجعوا عما هموا به . والإلقاء يستعمل حقيقة في الأجسام ; قال الله تعالى : وألقى الألواح فألقوا حبالهم وعصيهم فألقى عصاه . قال الشاعر :فألقت عصاها واستقر بها النوىثم قد يستعمل مجازا كما في هذه الآية ، وقوله : وألقيت عليك محبة مني وألقي عليك مسألة .قوله تعالى : بما أشركوا بالله تعليل ; أي كان سبب إلقاء الرعب في قلوبهم إشراكهم ; فما للمصدر . ويقال أشرك به أي عدل به غيره ليجعله شريكا .قوله تعالى : ما لم ينزل به سلطانا حجة وبيانا ، وعذرا وبرهانا ; ومن هذا قيل ، للوالي سلطان ; لأنه حجة الله عز وجل في الأرض . ويقال : إنه مأخوذ من السليط وهو ما يضاء به السراج ، وهو دهن السمسم ; قال امرؤ القيس :أمال السليط بالذبال المفتلفالسلطان يستضاء به في إظهار الحق وقمع الباطل . وقيل السليط الحديد . والسلاطة الحدة . والسلاطة من التسليط وهو القهر ; والسلطان من ذلك ، فالنون زائدة . فأصل السلطان القوة ، فإنه يقهر بها كما يقهر بالسلطان . والسليطة المرأة الصاخبة . والسليط الرجل الفصيح اللسان . ومعنى هذا أنه لم تثبت عبادة الأوثان في شيء من الملل . ولم يدل عقل على جواز ذلك . ثم أخبر الله تعالى عن مصيرهم ومرجعهم فقال : ومأواهم النار ثم ذمه فقال : وبئس مثوى الظالمين والمثوى : المكان الذي يقام فيه ; يقال : ثوى يثوي ثواء . والمأوى : كل مكان يرجع إليه شيء ليلا أو نهارا .
3:152
وَ  لَقَدْ  صَدَقَكُمُ  اللّٰهُ  وَعْدَهٗۤ  اِذْ  تَحُسُّوْنَهُمْ  بِاِذْنِهٖۚ-حَتّٰۤى  اِذَا  فَشِلْتُمْ  وَ  تَنَازَعْتُمْ  فِی  الْاَمْرِ  وَ  عَصَیْتُمْ  مِّنْۢ  بَعْدِ  مَاۤ  اَرٰىكُمْ  مَّا  تُحِبُّوْنَؕ-مِنْكُمْ  مَّنْ  یُّرِیْدُ  الدُّنْیَا  وَ  مِنْكُمْ  مَّنْ  یُّرِیْدُ  الْاٰخِرَةَۚ-ثُمَّ  صَرَفَكُمْ  عَنْهُمْ  لِیَبْتَلِیَكُمْۚ-وَ  لَقَدْ  عَفَا  عَنْكُمْؕ-وَ  اللّٰهُ  ذُوْ  فَضْلٍ  عَلَى  الْمُؤْمِنِیْنَ(۱۵۲)
اور بیشک اللہ نے تمہیں سچ کر دکھایا اپنا وعدہ جب کہ تم اس کے حکم سے کافروں کو قتل کرتے تھے (ف۲۷۳) یہاں تک کہ جب تم نے بزدلی کی اور حکم میں جھگڑا ڈالا (ف۲۷۴) اور نافرمانی کی (ف۲۷۵) بعد اس کے کہ اللہ تمہیں دکھا چکا تمہاری خوشی کی بات (ف۲۷۶) تم میں کوئی دنیا چاہتا تھا (ف۲۷۷) اور تم میں کوئی آخرت چاہتا تھا (ف۲۷۸) پھر تمہارا منہ ان سے پھیردیا کہ تمہیں آزمائے (ف۲۷۹) اور بیشک اس نے تمہیں معاف کردیا، اور اللہ مسلمانوں پر فضل کرتا ہے،

قوله تعالى : ولقد صدقكم الله وعده إذ تحسونهم بإذنه حتى إذا فشلتم وتنازعتم في الأمر وعصيتم من بعد ما أراكم ما تحبون منكم من يريد الدنيا ومنكم من يريد الآخرة ثم صرفكم عنهم ليبتليكم ولقد عفا عنكم والله ذو فضل على المؤمنينقال محمد بن كعب القرظي : لما رجع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى المدينة بعد أحد وقد أصيبوا قال بعضهم لبعض : من أين أصابنا هذا وقد وعدنا الله النصر ! فنزلت هذه الآية . وذلك أنهم قتلوا صاحب لواء المشركين وسبعة نفر منهم بعده على اللواء ، وكان الظفر ابتداء للمسلمين غير أنهم اشتغلوا بالغنيمة ، وترك بعض الرماة أيضا مركزهم طلبا للغنيمة فكان ذلك سبب الهزيمة . روى البخاري عن البراء بن عازب قال : لما كان يوم أحد ولقينا المشركين أجلس رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أناسا من الرماة وأمر عليهم عبد الله بن جبير وقال لهم : ( لا تبرحوا من مكانكم إن رأيتمونا ظهرنا عليهم فلا تبرحوا وإن رأيتموهم قد ظهروا علينا فلا تعينونا عليهم ) قال : فلما التقى القوم وهزمهم المسلمون حتى نظرنا إلى النساء يشتددن في الجبل ، وقد رفعن عن سوقهن قد بدت خلاخلهن فجعلوا يقولون : الغنيمة الغنيمة . فقال لهم عبد الله : أمهلوا ! أما عهد إليكم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ألا تبرحوا ، فانطلقوا فلما أتوهم صرف الله وجوههم وقتل من المسلمين سبعون رجلا . ثم إن أبا سفيان بن حرب أشرف علينا وهو في نشز فقال : أفي القوم محمد ؟ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ( لا تجيبوه ) حتى قالها ثلاثا . ثم قال : أفي القوم ابن أبي قحافة ؟ ثلاثا ، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : ( لا تجيبوه ) ثم قال : أفي القوم عمر بن الخطاب ؟ ثلاثا ، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : ( لا تجيبوه ) ثم التفت إلى أصحابه فقال : أما هؤلاء فقد قتلوا . فلم يملك عمر - رضي الله عنه - نفسه دون أن قال : كذبت يا عدو الله ! قد أبقى الله لك من يخزيك به . فقال : اعل هبل ; مرتين . فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : ( أجيبوه ) فقالوا : ما نقول يا رسول الله ؟ قال : ( قولوا الله أعلى وأجل ) . قال أبو سفيان : لنا العزى ولا عزى لكم . فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ( أجيبوه ) . قالوا : ما نقول يا رسول الله ؟ قال : قولوا ( الله مولانا ولا مولى لكم ) . قال أبو سفيان : يوم بيوم بدر ، والحرب سجال ، أما إنكم ستجدون في القوم مثلة لم آمر بها ولم تسؤني . وفي البخاري ومسلم عن سعد بن أبي وقاص قال : رأيت عن يمين رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وعن شماله يوم أحد رجلين عليهما ثياب بيض يقاتلان عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أشد القتال . وفي رواية عن سعد : عليهما ثياب بيض ما رأيتهما قبل ولا بعد . يعني جبريل وميكائيل . وفي رواية أخرى : يقاتلان عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أشد القتال ما رأيتهما قبل ذلك اليوم ولا بعده . وعن مجاهد قال : لم تقاتل الملائكة معهم يومئذ ، ولا قبله ولا بعده إلا يوم بدر . قال البيهقي : إنما أراد مجاهد أنهم لم يقاتلوا يوم أحد عن القوم حين عصوا الرسول ولم يصبروا على ما أمرهم به . وعن عروة بن الزبير قال : وكان الله عز وجل وعدهم على الصبر والتقوى أن يمدهم بخمسة آلاف من الملائكة مسومين : وكان قد فعل ; فلما عصوا أمر الرسول وتركوا مصافهم وتركوا الرماة عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إليهم ألا يبرحوا من منازلهم ، وأرادوا الدنيا ، رفع عنهم مدد الملائكة ، وأنزل الله تعالى : ولقد صدقكم الله وعده إذ تحسونهم بإذنه فصدق الله وعده وأراهم الفتح ، فلما عصوا أعقبهم البلاء . وعن عمير بن إسحاق قال : لما كان يوم أحد انكشفوا عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وسعد يرمي بين يديه ، وفتى ينبل له ، كلما ذهبت نبلة أتاه بها . قال ارم أبا إسحاق . فلما فرغوا نظروا من الشاب ؟ فلم يروه ولم يعرفوه . وقال محمد بن كعب : ولما قتل صاحب لواء المشركين وسقط لواؤهم ، رفعته عمرة بنت علقمة الحارثية ; وفي ذلك يقول حسان :فلولا لواء الحارثية أصبحوا يباعون في الأسواق بيع الجلائبو تحسونهم معناه تقتلونهم وتستأصلونهم ; قال الشاعر :حسسناهم بالسيف حسا فأصبحت بقيتهم قد شردوا وتبددواوقال جرير :تحسهم السيوف كما تسامى حريق النار في الأجم الحصيدقال أبو عبيد : الحس الاستئصال بالقتل ; يقال : جراد محسوس إذا قتله البرد . والبرد محسة للنبت . أي محرقة له ذاهبة به . وسنة حسوس أي جدبة تأكل كل شيء ; قال رؤبة :إذا شكونا سنة حسوسا تأكل بعد الأخضر اليبيساوأصله من الحس الذي هو الإدراك بالحاسة . فمعنى حسه أذهب حسه بالقتل . بإذنه بعلمه ، أو بقضائه وأمره . حتى إذا فشلتم أي جبنتم وضعفتم . يقال فشل يفشل فهو فشل وفشل . وجواب " حتى " محذوف ، أي حتى إذا فشلتم امتحنتم . ومثل هذا جائز كقوله : فإن استطعت أن تبتغي نفقا في الأرض أو سلما في السماء فافعل . وقال الفراء : جواب حتى ، وتنازعتم والواو مقحمة زائدة ; كقوله فلما أسلما وتله للجبين وناديناه أي ناديناه . وقال امرؤ القيس :فلما أجزنا ساحة الحي وانتحىأي انتحى . وعند هؤلاء يجوز إقحام الواو من وعصيتم . أي حتى إذا فشلتم وتنازعتم عصيتم . وعلى هذا فيه تقديم وتأخير ، أي حتى إذا تنازعتم وعصيتم فشلتم . وقال أبو علي : يجوز أن يكون الجواب صرفكم عنهم ، و " ثم " زائدة ، والتقدير حتى إذا فشلتم وتنازعتم وعصيتم صرفكم عنهم وقد أنشد بعض النحويين في زيادتها قول الشاعر :أراني إذا ما بت بت على هوى فثم إذا أصبحت أصبحت عادياوجوز الأخفش أن تكون زائدة ; كما في قوله تعالى : حتى إذا ضاقت عليهم الأرض بما رحبت وضاقت عليهم أنفسهم وظنوا أن لا ملجأ من الله إلا إليه ثم تاب عليهم . وقيل : ( حتى ) بمعنى " إلى " وحينئذ لا جواب له ; أي صدقكم الله وعده إلى أن فشلتم ، أي كان ذلك الوعد بشرط الثبات .ومعنى وتنازعتم اختلفتم ; يعني الرماة حين قال بعضهم لبعض : نلحق الغنائم . وقال بعضهم : بل نثبت في مكاننا الذي أمرنا النبي - صلى الله عليه وسلم - بالثبوت فيه .وعصيتم أي خالفتم أمر الرسول في الثبوت . من بعد ما أراكم ما تحبون يعني من الغلبة التي كانت للمسلمين يوم أحد أول أمرهم ; وذلك حين صرع صاحب لواء المشركين على ما تقدم ، وذلك أنه لما صرع انتشر النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه وصاروا كتائب متفرقة فحاسوا العدو ضربا حتى أجهضوهم عن أثقالهم . وحملت خيل المشركين على المسلمين ثلاث مرات كل ذلك تنضح بالنبل فترجع مغلوبة ، وحمل المسلمون فنهكوهم قتلا . فلما أبصر الرماة الخمسون أن الله عز وجل قد فتح لإخوانهم قالوا : والله ما نجلس ههنا لشيء ، قد أهلك الله العدو وإخواننا في عسكر المشركين . وقال طوائف منهم : علام نقف وقد هزم الله العدو ؟ فتركوا منازلهم التي عهد إليهم النبي صلي الله عليه وسلم ألا يتركوها ، وتنازعوا وفشلوا وعصوا الرسول فأوجفت الخيل فيهم قتلا . وألفاظ الآية تقتضي التوبيخ لهم ، ووجه التوبيخ لهم أنهم رأوا مبادئ النصر ، فكان الواجب أن يعلموا أن تمام النصر في الثبات لا في الانهزام . ثم بين سبب التنازع . فقال : منكم من يريد الدنيا يعني الغنيمة . قال ابن مسعود : ما شعرنا أن أحدا من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - يريد الدنيا وعرضها حتى كان يوم أحد . ومنكم من يريد الآخرة وهم الذين ثبتوا في مركزهم ، ولم يخالفوا أمر نبيهم - صلى الله عليه وسلم - مع أميرهم عبد الله بن جبير ; فحمل خالد بن الوليد وعكرمة بن أبي جهل عليه ، وكانا يومئذ كافرين فقتلوه مع من بقي ، رحمهم الله . والعتاب مع من انهزم لا مع من ثبت ، فإن من ثبت فاز بالثواب ، وهذا كما أنه إذا حل بقوم عقوبة عامة فأهل الصلاح والصبيان يهلكون ; ولكن لا يكون ما حل بهم عقوبة ، بل هو سبب المثوبة ، والله أعلم .قوله تعالى : ثم صرفكم عنهم ليبتليكم أي بعد أن استوليتم عليهم ردكم عنهم بالانهزام . ودل هذا على أن المعصية مخلوقة لله تعالى . وقالت المعتزلة : المعنى ثم انصرفتم ; فإضافته إلى الله تعالى بإخراجه الرعب من قلوب الكافرين من المسلمين ابتلاء لهم . قال القشيري : وهذا لا يغنيهم ; لأن إخراج الرعب من قلوب الكافرين حتى يستخفوا بالمسلمين قبيح ولا يجوز عندهم ، أن يقع من الله قبيح ، فلا يبقى لقوله : ثم صرفكم عنهم معنى . وقيل : معنى صرفكم عنهم أي لم يكلفكم طلبهم .قوله تعالى : ولقد عفا عنكم والله ذو فضل على المؤمنين أي لم يستأصلكم بعد المعصية والمخالفة . والخطاب قيل هو للجميع . وقيل : هو للرماة الذين خالفوا ما أمروا به ، واختاره النحاس . وقال أكثر المفسرين : ونظير هذه الآية قوله : ثم عفونا عنكم . والله ذو فضل على المؤمنين بالعفو والمغفرة . وعن ابن عباس قال : ما نصر النبي - صلى الله عليه وسلم - في موطن كما نصر يوم أحد ، قال : وأنكرنا ذلك ، فقال ابن عباس : بيني وبين من أنكر ذلك كتاب الله عز وجل ، إن الله عز وجل يقول في يوم أحد : ولقد صدقكم الله وعده إذ تحسونهم بإذنه - يقول ابن عباس : والحس القتل - حتى إذا فشلتم وتنازعتم في الأمر وعصيتم من بعد ما أراكم ما تحبون منكم من يريد الدنيا ومنكم من يريد الآخرة ثم صرفكم عنهم ليبتليكم ولقد عفا عنكم والله ذو فضل على المؤمنين وإنما عنى بهذا الرماة . وذلك أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أقامهم في موضع ثم قال : ( احموا ظهورنا فإن رأيتمونا نقتل فلا تنصرونا وإن رأيتمونا قد غنمنا فلا تشركونا ) . فلما غنم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأباحوا عسكر المشركين انكفأت الرماة جميعا فدخلوا في العسكر ينتهبون ، وقد التقت صفوف أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - فهم هكذا - وشبك أصابع يديه - والتبسوا . فلما أخل الرماة تلك الخلة التي كانوا فيها دخلت الخيل من ذلك الموضع على أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فضرب بعضهم بعضا والتبسوا ، وقتل من المسلمين ناس كثير ، وقد كان لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه أول النهار حتى قتل من أصحاب لواء المشركين سبعة أو تسعة ، وجال المسلمون نحو الجبل ، ولم يبلغوا حيث يقول الناس : الغار ، إنما كانوا تحت المهراس وصاح الشيطان : قتل محمد . فلم يشك فيه أنه حق ، فما زلنا كذلك ما نشك أنه قتل حتى طلع علينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بين السعدين ، نعرفه بتكفئه إذا مشى . قال : ففرحنا حتى كأنا لم يصبنا ما أصابنا . قال : فرقي نحونا وهو يقول : ( اشتد غضب الله على قوم دموا وجه نبيهم ) . وقال كعب بن مالك : أنا كنت أول من عرف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من المسلمين ; عرفته بعينيه من تحت المغفر تزهران فناديت بأعلى صوتي : يا معشر المسلمين ! أبشروا ، هذا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قد أقبل . فأشار إلي أن اسكت .
3:153
اِذْ  تُصْعِدُوْنَ  وَ  لَا  تَلْوٗنَ  عَلٰۤى  اَحَدٍ  وَّ  الرَّسُوْلُ  یَدْعُوْكُمْ  فِیْۤ  اُخْرٰىكُمْ  فَاَثَابَكُمْ  غَمًّۢا  بِغَمٍّ  لِّكَیْلَا  تَحْزَنُوْا  عَلٰى  مَا  فَاتَكُمْ  وَ  لَا  مَاۤ  اَصَابَكُمْؕ-وَ  اللّٰهُ  خَبِیْرٌۢ  بِمَا  تَعْمَلُوْنَ(۱۵۳)
جب تم منہ اٹھائے چلے جاتے تھے اور پیٹھ پھیر کر کسی کو نہ دیکھتے اور دوسری جماعت میں ہمارے رسول تمہیں پکار رہے تھے (ف۲۸۰) تو تمہیں غم کا بدلہ غم دیا (ف۲۸۱) اور معافی اس لئے سنائی کہ جو ہاتھ سے گیا اور جو افتاد پڑی اس کا رنج نہ کرو اور اللہ کوتمہارے کاموں کی خبر ہے،

قوله تعالى : إذ تصعدون ولا تلوون على أحد والرسول يدعوكم في أخراكم فأثابكم غما بغم لكيلا تحزنوا على ما فاتكم ولا ما أصابكم والله خبير بما تعملونإذ متعلق بقوله : ولقد عفا عنكم . وقراءة العامة تصعدون بضم التاء وكسر العين . وقرأ أبو رجاء العطاردي وأبو عبد الرحمن السلمي والحسن وقتادة بفتح التاء والعين ، يعني تصعدون الجبل . وقرأ ابن محيصن وشبل " إذ يصعدون ولا يلوون " بالياء فيهما . وقرأ الحسن " تلون " بواو واحدة . وروى أبو بكر بن عياش عن عاصم " ولا تلوون " بضم التاء ; وهي لغة شاذة ذكرها النحاس . وقال أبو حاتم : أصعدت إذا مضيت حيال وجهك ، وصعدت إذا ارتقيت في جبل أو غيره . فالإصعاد : السير في مستو من الأرض وبطون الأودية والشعاب . والصعود : الارتفاع على الجبال والسطوح والسلاليم والدرج . فيحتمل أن يكون صعودهم في الجبل بعد إصعادهم في الوادي ; فيصح المعنى على قراءة تصعدون و " تصعدون " . قال قتادة والربيع : أصعدوا يوم أحد في الوادي . وقراءة أبي " إذ تصعدون في الوادي " . قال ابن عباس : صعدوا في أحد فرارا . فكلتا القراءتين صواب ; كان يومئذ من المنهزمين مصعد وصاعد ، والله أعلم . قال القتبي والمبرد : أصعد إذا أبعد في الذهاب وأمعن فيه ; فكأن الإصعاد إبعاد في الأرض كإبعاد الارتفاع ; قال الشاعر :ألا أيهذا السائلي أين أصعدت فإن لها من بطن يثرب موعداوقال الفراء : الإصعاد الابتداء في السفر ، والانحدار الرجوع منه ; يقال : أصعدنا من بغداد إلى مكة وإلى خراسان وأشباه ذلك إذا خرجنا إليها وأخذنا في السفر ، وانحدرنا إذا رجعنا . وأنشد أبو عبيدة :قد كنت تبكين على الإصعاد فاليوم سرحت وصاح الحاديوقال المفضل : صعد وأصعد وصعد بمعنى واحد . ومعنى تلوون تعرجون وتقيمون ، أي لا يلتفت بعضكم إلى بعض هربا ; فإن المعرج على الشيء يلوي إليه عنقه أو عنان دابته . على أحد يريد محمدا - صلى الله عليه وسلم - ; قاله الكلبي .والرسول يدعوكم في أخراكم أي في آخركم ; يقال : جاء فلان في آخر الناس وأخرة الناس وأخرى الناس وأخريات الناس . وفي البخاري أخراكم تأنيث آخركم : حدثنا عمرو بن خالد حدثنا زهير حدثنا أبو إسحاق قال : سمعت البراء بن عازب قال : جعل النبي - صلى الله عليه وسلم - على الرجالة يوم أحد عبد الله بن جبير وأقبلوا منهزمين فذاك إذ يدعوهم الرسول في أخراهم . ولم يبق مع النبي - صلى الله عليه وسلم - غير اثني عشر رجلا . قال ابن عباس وغيره : كان دعاء النبي - صلى الله عليه وسلم - : ( أي عباد الله ارجعوا ) وكان دعاؤه تغييرا للمنكر ، ومحال أن يرى عليه السلام المنكر وهو الانهزام ثم لا ينهى عنه . قلت : هذا على أن يكون الانهزام معصية وليس كذلك ، على ما يأتي بيانه إن شاء الله تعالى .قوله تعالى : فأثابكم غما بغم الغم في اللغة : التغطية . غممت الشيء غطيته . ويوم غم وليلة غمة إذا كانا مظلمين . ومنه غم الهلال إذا لم ير ، وغمني الأمر يغمني . قال مجاهد وقتادة وغيرهما : الغم الأول القتل والجراح ، والغم الثاني الإرجاف بقتل النبي - صلى الله عليه وسلم - ; إذ صاح به الشيطان . وقيل : الغم الأول ما فاتهم من الظفر والغنيمة ، والثاني ما أصابهم من القتل والهزيمة . وقيل : الغم الأول الهزيمة ، والثاني إشراف أبي سفيان وخالد عليهم في الجبل ; فلما نظر إليهم المسلمون غمهم ذلك ، وظنوا أنهم يميلون عليهم فيقتلونهم فأنساهم هذا ما نالهم ; فعند ذلك قال النبي - صلى الله عليه وسلم - : ( اللهم لا يعلن علينا ) كما تقدم . والباء في بغم على هذا بمعنى على . وقيل : هي على بابها ، والمعنى أنهم غموا النبي - صلى الله عليه وسلم - بمخالفتهم إياه ، فأثابهم بذلك غمهم بمن أصيب منهم . وقال الحسن : فأثابكم غما يوم أحد بغم يوم بدر للمشركين . وسمي الغم ثوابا كما سمي جزاء الذنب ذنبا . وقيل : وقفهم الله على ذنبهم فشغلوا بذلك عما أصابهم .قوله تعالى : لكيلا تحزنوا على ما فاتكم ولا ما أصابكم والله خبير بما تعملون اللام متعلقة بقوله : ولقد عفا عنكم وقيل : هي متعلقة بقوله : فأثابكم غما بغم أي كان هذا الغم بعد الغم لكيلا تحزنوا على ما فات من الغنيمة ، ولا ما أصابكم من الهزيمة . والأول أحسن . و " ما " في قوله ما أصابكم في موضع خفض . وقيل : " لا " صلة . أي لكي تحزنوا على ما فاتكم وما أصابكم عقوبة لكم على مخالفتكم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - . وهو مثل قوله : ما منعك ألا تسجد إذ أمرتك ; أي أن تسجد . وقوله لئلا يعلم أهل الكتاب أي ليعلم ، وهذا قول المفضل . وقيل : أراد بقوله فأثابكم غما بغم أي توالت عليكم الغموم ، لكيلا تشتغلوا بعد هذا بالغنائم . والله خبير بما تعملون فيه معنى التحذير والوعيد .
3:154
ثُمَّ  اَنْزَلَ  عَلَیْكُمْ  مِّنْۢ  بَعْدِ  الْغَمِّ  اَمَنَةً  نُّعَاسًا  یَّغْشٰى  طَآىٕفَةً  مِّنْكُمْۙ-وَ  طَآىٕفَةٌ  قَدْ  اَهَمَّتْهُمْ  اَنْفُسُهُمْ  یَظُنُّوْنَ  بِاللّٰهِ  غَیْرَ  الْحَقِّ  ظَنَّ  الْجَاهِلِیَّةِؕ-یَقُوْلُوْنَ  هَلْ  لَّنَا  مِنَ  الْاَمْرِ  مِنْ  شَیْءٍؕ-قُلْ  اِنَّ  الْاَمْرَ  كُلَّهٗ  لِلّٰهِؕ-یُخْفُوْنَ  فِیْۤ  اَنْفُسِهِمْ  مَّا  لَا  یُبْدُوْنَ  لَكَؕ-یَقُوْلُوْنَ  لَوْ  كَانَ  لَنَا  مِنَ  الْاَمْرِ  شَیْءٌ  مَّا  قُتِلْنَا  هٰهُنَاؕ-قُلْ  لَّوْ  كُنْتُمْ  فِیْ  بُیُوْتِكُمْ  لَبَرَزَ  الَّذِیْنَ  كُتِبَ  عَلَیْهِمُ  الْقَتْلُ  اِلٰى  مَضَاجِعِهِمْۚ-وَ  لِیَبْتَلِیَ  اللّٰهُ  مَا  فِیْ  صُدُوْرِكُمْ  وَ  لِیُمَحِّصَ   مَا  فِیْ  قُلُوْبِكُمْؕ-وَ  اللّٰهُ  عَلِیْمٌۢ  بِذَاتِ  الصُّدُوْرِ(۱۵۴)
پھر تم پر غم کے بعد چین کی نیند اتاری (ف۲۸۲) کہ تمہاری ایک جماعت کو گھیرے تھی (ف۲۸۳) اور ایک گروہ کو (ف۲۸۴) اپنی جان کی پڑی تھی (ف۲۸۵) اللہ پر بے جا گمان کرتے تھے (ف۲۸۶) جاہلیت کے سے گمان، کہتے کیا اس کام میں کچھ ہمارا بھی اختیار ہے تم فرمادو کہ اختیار تو سارا اللہ کا ہے (ف۲۸۷) اپنے دلوں میں چھپاتے ہیں (ف۲۸۸) جو تم پر ظاہر نہیں کرتے کہتے ہیں، ہمارا کچھ بس ہوتا (ف۲۸۹) تو ہم یہاں نہ مارے جاتے، تم فرمادو کہ اگر تم اپنے گھروں میں ہوتے جب بھی جن کا مارا جانا لکھا جاچکا تھا اپنی قتل گاہوں تک نکل آتے (ف۲۹۰) اور اس لئے کہ اللہ تمہارے سینوں کی بات آزمائے اور جو کچھ تمہارے دلو ں میں ہے (ف۲۹۱) اسے کھول دے اور اللہ دلوں کی بات جانتا ہے(ف۲۹۲)

قوله تعالى : ثم أنزل عليكم من بعد الغم أمنة نعاسا الأمنة والأمن سواء . وقيل : الأمنة إنما تكون مع أسباب الخوف ، والأمن مع عدمه . وهي منصوبة ب أنزل ، ونعاسا بدل منها . وقيل : نصب على المفعول له ; كأنه قال : أنزل عليكم للأمنة نعاسا . وقرأ ابن محيصن " أمنة " بسكون الميم . تفضل الله تعالى على المؤمنين بعد هذه الغموم في يوم أحد بالنعاس حتى نام أكثرهم ; وإنما ينعس من يأمن والخائف لا ينام . روى البخاري عن أنس أن أبا طلحة قال : غشينا النعاس ونحن في مصافنا يوم أحد ، قال : فجعل سيفي يسقط من يدي وآخذه ، ويسقط وآخذه .يغشى قرئ بالياء والتاء . الياء للنعاس ، . والتاء للأمنة . وطائفة قد أهمتهم أنفسهم والطائفة تطلق على الواحد والجماعة . يعني المنافقين : معتب بن قشير وأصحابه ، وكانوا خرجوا طمعا في الغنيمة وخوف المؤمنين فلم يغشهم النعاس وجعلوا يتأسفون على الحضور ، ويقولون الأقاويل . ومعنى قد أهمتهم أنفسهم حملتهم على الهم ، والهم ما هممت به ; يقال : أهمني الشيء أي كان من همي . وأمر مهم : شديد . وأهمني الأمر : أقلقني : وهمني : أذابني . والواو في قوله وطائفة واو الحال بمعنى إذ ، أي إذ طائفة يظنون أن أمر محمد - صلى الله عليه وسلم - باطل ، وأنه لا ينصر . ظن الجاهلية أي ظن أهل الجاهلية ، فحذف . يقولون هل لنا من الأمر من شيء لفظه استفهام ومعناه الجحد ، أي ما لنا شيء من الأمر ، أي من أمر الخروج ، وإنما خرجنا كرها ; يدل عليه قوله تعالى إخبارا عنهم : لو كان لنا من الأمر شيء ما قتلنا هاهنا . قال الزبير : أرسل علينا النوم ذلك اليوم ، وإني لأسمع قول معتب بن قشير والنعاس يغشاني يقول : لو كان لنا من الأمر شيء ما قتلنا هاهنا . وقيل : المعنى يقول ليس لنا من الظفر الذي وعدنا به محمد شيء ، والله أعلم .قوله تعالى : قل إن الأمر كله لله قرأ أبو عمرو ويعقوب " كله " بالرفع على الابتداء ، وخبره " لله " ، والجملة خبر " إن " . وهو كقوله : ويوم القيامة ترى الذين كذبوا على الله وجوههم مسودة . والباقون بالنصب ; كما تقول : إن الأمر أجمع لله . فهو توكيد ، وهو بمعنى أجمع في الإحاطة والعموم ، وأجمع لا يكون إلا توكيدا . وقيل : نعت للأمر . وقال الأخفش : بدل ; أي النصر بيد الله ينصر من يشاء ويخذل من يشاء . وقال جويبر عن الضحاك عن ابن عباس في قوله يظنون بالله غير الحق ظن الجاهلية يعني التكذيب بالقدر . وذلك أنهم تكلموا فيه ، فقال الله تعالى : قل إن الأمر كله لله يعني القدر خيره وشره من الله .يخفون في أنفسهم أي من الشرك والكفر والتكذيب . ما لا يبدون لك يظهرون لك . يقولون لو كان لنا من الأمر شيء ما قتلنا هاهنا أي ما قتل عشائرنا . فقيل : إن المنافقين قالوا لو كان لنا عقل ما خرجنا إلى قتال أهل مكة ، ولما قتل رؤساؤنا . فرد الله عليهم فقال : قل لو كنتم في بيوتكم لبرز أي لخرج . الذين كتب أي فرض . عليهم القتل يعني في اللوح المحفوظ . إلى مضجاعهم أي مصارعهم . وقيل : كتب عليهم القتل أي فرض عليهم القتال ، فعبر عنه بالقتل ; لأنه قد يئول إليه . وقرأ أبو حيوة " لبرز " بضم الباء وشد الراء ; بمعنى يجعل يخرج . وقيل : لو تخلفتم أيها المنافقون لبرزتم إلى موطن آخر غيره تصرعون فيه حتى يبتلي الله ما في الصدور ويظهره للمؤمنين . والواو في قوله : وليبتلي مقحمة كقوله : وليكون من الموقنين أي ليكون ، وحذف الفعل الذي مع لام كي . والتقدير وليبتلي الله ما في صدوركم وليمحص ما في قلوبكم فرض الله عليكم القتال والحرب ولم ينصركم يوم أحد ليختبر صبركم وليمحص عنكم سيئاتكم إن تبتم وأخلصتم . وقيل : معنى ليبتلي ليعاملكم معاملة المختبر . وقيل : ليقع منكم مشاهدة ما علمه غيبا . وقيل : هو على حذف مضاف ، والتقدير ليبتلي أولياء الله تعالى . وقد تقدم معنى التمحيص . والله عليم بذات الصدور أي ما فيها من خير وشر . وقيل : ذات الصدور هي الصدور ; لأن ذات الشيء نفسه .
3:155
اِنَّ  الَّذِیْنَ  تَوَلَّوْا  مِنْكُمْ  یَوْمَ  الْتَقَى  الْجَمْعٰنِۙ-اِنَّمَا  اسْتَزَلَّهُمُ  الشَّیْطٰنُ  بِبَعْضِ   مَا  كَسَبُوْاۚ-وَ  لَقَدْ  عَفَا  اللّٰهُ  عَنْهُمْؕ-اِنَّ  اللّٰهَ  غَفُوْرٌ  حَلِیْمٌ۠(۱۵۵)
بیشک وہ جو تم میں سے پھرگئے (ف۲۹۳) جس دن دونوں فوجیں ملی تھیں انہیں شیطان ہی نے لغزش دی ان کے بعض اعمال کے باعث (ف۲۹۴) اور بیشک اللہ نے انہیں معاف فرمادیا، بیشک اللہ بخشنے والا حلم والا ہے،

قوله تعالى : إن الذين تولوا منكم يوم التقى الجمعان إنما استزلهم الشيطان ببعض ما كسبوا ولقد عفا الله عنهم إن الله غفور حليمقوله تعالى : إنما استزلهم الشيطان ببعض ما كسبوا هذه الجملة هي خبر إن الذين تولوا والمراد من تولى عن المشركين يوم أحد ; عن عمر - رضي الله عنه - وغيره . السدي : يعني من هرب إلى المدينة في وقت الهزيمة دون من صعد الجبل . وقيل : هي في قوم بأعيانهم تخلفوا عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في وقت هزيمتهم ثلاثة أيام ثم انصرفوا . ومعنى استزلهم الشيطان استدعى زللهم بأن ذكرهم خطايا سلفت منهم ، فكرهوا الثبوت لئلا يقتلوا . وهو معنى ببعض ما كسبوا وقيل : استزلهم حملهم على الزلل ، وهو استفعل من الزلة وهي الخطيئة . وقيل : زل وأزل بمعنى واحد . ثم قيل : كرهوا القتال قبل إخلاص التوبة ، فإنما تولوا لهذا ، وهذا على القول الأول . وعلى الثاني بمعصيتهم النبي - صلى الله عليه وسلم - في تركهم المركز وميلهم إلى الغنيمة . وقال الحسن : ما كسبوا قبولهم من إبليس ما وسوس إليهم . وقال الكلبي : زين لهم الشيطان أعمالهم . وقيل : لم يكن الانهزام معصية ; لأنهم أرادوا التحصن بالمدينة ، فيقطع العدو طمعه فيهم لما سمعوا أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قتل . ويجوز أن يقال : لم يسمعوا دعاء النبي - صلى الله عليه وسلم - للهول الذي كانوا فيه . ويجوز أن يقال : زاد عدد العدو على الضعف ; لأنهم كانوا سبعمائة والعدو ثلاثة آلاف . وعند هذا يجوز الانهزام ولكن الانهزام عن النبي - صلى الله عليه وسلم - خطأ لا يجوز ، ولعلهم توهموا أن النبي - صلى الله عليه وسلم - انحاز إلى الجبل أيضا . وأحسنها الأول . وعلى الجملة فإن حمل الأمر على ذنب محقق فقد عفا الله عنه ، وإن حمل على انهزام مسوغ فالآية فيمن أبعد في الهزيمة وزاد على القدر المسوغ . وذكر أبو الليث السمرقندي نصر بن محمد بن إبراهيم قال : حدثنا الخليل بن أحمد قال حدثنا السراج قال حدثنا قتيبة قال حدثنا أبو بكر بن غيلان عن جرير : أن عثمان كان بينه وبين عبد الرحمن بن عوف كلام ، فقال له عبد الرحمن بن عوف : أتسبني وقد شهدت بدرا ولم تشهد ، وقد بايعت تحت الشجرة ولم تبايع ، وقد كنت تولى مع من تولى يوم الجمع ، يعني يوم أحد . فرد عليه عثمان فقال : أما قولك : أنا شهدت بدرا ولم تشهد ، فإني لم أغب عن شيء شهده رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلا أن بنت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كانت مريضة وكنت معها أمرضها ، فضرب لي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سهما في سهام المسلمين ، وأما بيعة الشجرة فإن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعثني ربيئة على المشركين بمكة - الربيئة هو الناظر - فضرب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يمينه على شماله فقال : ( هذه لعثمان ) فيمين رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وشماله خير لي من يميني وشمالي . وأما يوم الجمع فقال الله عنهم ولقد عفا الله عنهم فكنت فيمن عفا الله عنهم . فحج عثمان عبد الرحمن .قلت : وهذا المعنى صحيح أيضا عن ابن عمر ، كما في صحيح البخاري قال : حدثنا عبدان أخبرنا أبو حمزة عن عثمان بن موهب قال : جاء رجل حج البيت فرأى قوما جلوسا فقال : من هؤلاء القعود ؟ قالوا : هؤلاء قريش . قال : من الشيخ ؟ قالوا : ابن عمر ; فأتاه فقال : إني سائلك عن شيء أتحدثني ؟ قال : أنشدك بحرمة هذا البيت ، أتعلم أن عثمان بن عفان فر يوم أحد ؟ قال : نعم . قال : فتعلمه تغيب عن بدر فلم يشهدها ؟ قال : نعم . قال : فتعلم أنه تخلف عن بيعة الرضوان فلم يشهدها ؟ قال نعم . قال : فكبر . قال ابن عمر : تعال لأخبرك ولأبين لك عما سألتني عنه ; أما فراره يوم أحد فأشهد أن الله عفا عنه . وأما تغيبه عن بدر فإنه كان تحته بنت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وكانت مريضة ، فقال له النبي - صلى الله عليه وسلم - ( إن لك أجر رجل ممن شهد بدرا وسهمه ) . وأما تغيبه عن بيعة الرضوان فإنه لو كان أحد أعز ببطن مكة من عثمان بن عفان لبعثه مكانه ، فبعث عثمان وكانت بيعة الرضوان بعدما ذهب عثمان إلى مكة ; فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - بيده اليمنى : ( هذه يد عثمان ) فضرب بها على يده فقال : ( هذه لعثمان ) . اذهب بهذا الآن معك .قلت : ونظير هذه الآية توبة الله على آدم عليه السلام . وقوله عليه السلام : ( فحج آدم موسى ) أي غلبه بالحجة ; وذلك أن موسى عليه السلام أراد توبيخ آدم ولومه في إخراج نفسه وذريته من الجنة بسبب أكله من الشجرة ; فقال له آدم : ( أفتلومني على أمر قدره الله تعالى علي قبل أن أخلق بأربعين سنة تاب علي منه ومن تاب عليه فلا ذنب له ومن لا ذنب له لا يتوجه عليه لوم ) . وكذلك من عفا الله عنه . وإنما كان هذا لإخباره تعالى بذلك ، وخبره صدق . وغيرهما من المذنبين التائبين يرجون رحمته ويخافون عذابه ، فهم على وجل وخوف ألا تقبل توبتهم ، وإن قبلت فالخوف أغلب عليهم إذ لا علم لهم بذلك . فاعلم .
3:156
یٰۤاَیُّهَا  الَّذِیْنَ  اٰمَنُوْا  لَا  تَكُوْنُوْا  كَالَّذِیْنَ  كَفَرُوْا  وَ  قَالُوْا  لِاِخْوَانِهِمْ  اِذَا  ضَرَبُوْا  فِی  الْاَرْضِ   اَوْ  كَانُوْا  غُزًّى  لَّوْ  كَانُوْا  عِنْدَنَا  مَا  مَاتُوْا  وَ  مَا  قُتِلُوْاۚ-لِیَجْعَلَ  اللّٰهُ  ذٰلِكَ  حَسْرَةً  فِیْ  قُلُوْبِهِمْؕ-وَ  اللّٰهُ  یُحْیٖ  وَ  یُمِیْتُؕ-وَ  اللّٰهُ  بِمَا  تَعْمَلُوْنَ  بَصِیْرٌ(۱۵۶)
اے ایمان والو! ان کافروں (ف۲۹۵) کی طرح نہ ہونا جنہوں نے اپنے بھائیوں کی نسبت کہا کہ جب وہ سفر یا جہاد کو گئے (ف۲۹۶) کہ ہمارے پاس ہوتے تو نہ مرتے اور نہ مارے اتے اس لئے اللہ ان کے دلوں میں اس کا افسوس رکھے، اور اللہ جِلاتا اور مارتا ہے (ف۲۹۷) اور اللہ تمہارے کام دیکھ رہا ہے،

قوله تعالى : يا أيها الذين آمنوا لا تكونوا كالذين كفروا وقالوا لإخوانهم إذا ضربوا في الأرض أو كانوا غزى لو كانوا عندنا ما ماتوا وما قتلوا ليجعل الله ذلك حسرة في قلوبهم والله يحيي ويميت والله بما تعملون بصيرقوله تعالى : يا أيها الذين آمنوا لا تكونوا كالذين كفروا يعني المنافقين . وقالوا لإخوانهم يعني في النفاق أو في النسب في السرايا التي بعث النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى بئر معونة . لو كانوا عندنا ما ماتوا وما قتلوا فنهي المسلمون أن يقولوا مثل قولهم . وقوله : إذا ضربوا هو لما مضى ; أي إذ ضربوا ; لأن في الكلام معنى الشرط من حيث كان " الذين " مبهما غير موقت ، فوقع " إذا " موقع " إذ " كما يقع الماضي في الجزاء موضع المستقبل . ومعنى ضربوا في الأرض سافروا فيها وساروا لتجارة أو غيرها فماتوا .أو كانوا غزى غزاة فقتلوا . والغزى جمع منقوص لا يتغير لفظها في رفع وخفض ، واحدهم غاز ، كراكع وركع ، وصائم وصوم ، ونائم ونوم ، وشاهد وشهد ، وغائب وغيب . ويجوز في الجمع غزاة مثل قضاة ، وغزاء بالمد مثل ضراب وصوام . ويقال : غزى جمع الغزاة . قال الشاعر :قل للقوافل والغزى إذا غزواوروي عن الزهري أنه قرأه " غزى " بالتخفيف . والمغزية المرأة التي غزا زوجها . وأتان مغزية متأخرة النتاج ثم تنتج . وأغزت الناقة إذا عسر لقاحها . والغزو قصد الشيء . والمغزى المقصد . ويقال في النسب إلى الغزو : غزوي .قوله تعالى : ليجعل الله ذلك حسرة في قلوبهم يعني ظنهم وقولهم . واللام متعلقة بقوله قالوا أي ليجعل ظنهم أنهم لو لم يخرجوا ما قتلوا . حسرة أي ندامة في قلوبهم . والحسرة الاهتمام على فائت لم يقدر بلوغه ; قال الشاعر :فواحسرتي لم أقض منها لبانتي ولم أتمتع بالجوار وبالقربوقيل : هي متعلقة بمحذوف . والمعنى : لا تكونوا مثلهم " ليجعل الله ذلك " القول " حسرة في قلوبهم " لأنهم ظهر نفاقهم . وقيل : المعنى لا تصدقوهم ولا تلتفتوا إليهم ; فكان ذلك حسرة في قلوبهم . وقيل : ليجعل الله ذلك حسرة في قلوبهم يوم القيامة لما هم فيه من الخزي والندامة ، ولما فيه المسلمون من النعيم والكرامة .والله يحيي ويميت أي يقدر على أن يحيي من يخرج إلى القتال ، ويميت من أقام في أهله .والله بما تعملون بصير قرئ بالياء والتاء . ثم أخبر تعالى أن القتل في سبيل الله والموت فيه خير من جميع الدنيا .
3:157
وَ  لَىٕنْ  قُتِلْتُمْ  فِیْ  سَبِیْلِ  اللّٰهِ  اَوْ  مُتُّمْ  لَمَغْفِرَةٌ  مِّنَ  اللّٰهِ  وَ  رَحْمَةٌ  خَیْرٌ  مِّمَّا  یَجْمَعُوْنَ(۱۵۷)
اور بیشک اگر تم اللہ کی راہ میں مارے جاؤ یا مرجاؤ تو اللہ کی بخشش اور رحمت (ف۲۹۹) ان کے سارے دھن دولت سے بہتر ہے،

قوله تعالى : ولئن قتلتم في سبيل الله أو متم لمغفرة من الله ورحمة خير مما يجمعونجواب الجزاء محذوف ، استغني عنه بجواب القسم في قوله : لمغفرة من الله ورحمة وكان الاستغناء بجواب القسم أولى ; لأن له صدر الكلام ، ومعناه ليغفرن لكم . وأهل الحجاز يقولون : متم ، بكسر الميم مثل نمتم ، من مات يمات مثل خفت يخاف . وسفلى مضر يقولون : متم ، بضم الميم مثل صمتم ، من مات يموت . كقولك كان يكون ، وقال يقول . هذا قول الكوفيين وهو حسن .
3:158
وَ  لَىٕنْ  مُّتُّمْ  اَوْ  قُتِلْتُمْ  لَاِالَى  اللّٰهِ  تُحْشَرُوْنَ(۱۵۸)
اور اگر تم مرو یا مارے جاؤ تو اللہ کی طرف اٹھنا ہے (ف۳۰۰)

وقوله : لإلى الله تحشرون وعظ . وعظهم الله بهذا القول ، أي لا تفروا من القتال ومما أمركم به ، بل فروا من عقابه وأليم عذابه ، فإن مردكم إليه لا يملك لكم أحد ضرا ولا نفعا غيره . والله سبحانه وتعالى أعلم .
3:159
فَبِمَا  رَحْمَةٍ  مِّنَ  اللّٰهِ  لِنْتَ  لَهُمْۚ-وَ  لَوْ  كُنْتَ  فَظًّا  غَلِیْظَ  الْقَلْبِ  لَا  نْفَضُّوْا  مِنْ  حَوْلِكَ۪-  فَاعْفُ  عَنْهُمْ  وَ  اسْتَغْفِرْ  لَهُمْ  وَ  شَاوِرْهُمْ  فِی  الْاَمْرِۚ-فَاِذَا  عَزَمْتَ  فَتَوَكَّلْ  عَلَى  اللّٰهِؕ-اِنَّ  اللّٰهَ  یُحِبُّ  الْمُتَوَكِّلِیْنَ(۱۵۹)
تو کیسی کچھ اللہ کی مہربانی ہے کہ اے محبوب! تم ان کے لئے نرم دل ہوئے (ف۳۰۱) اور اگر تند مزاج سخت دل ہوتے (ف۳۰۲) تو وہ ضرور تمہارے گرد سے پریشان ہوجاتے تو تم انہیں معاف فرماؤ او ر ان کی شفاعت کرو (ف۳۰۳) اور کاموں میں ان سے مشورہ لو (ف۳۰۴) اور جو کسی بات کا ارادہ پکا کرلو تو اللہ پر بھروسہ کرو (ف۳۰۵) بیشک توکل والے اللہ کو پیارے ہیں،

قوله تعالى : فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك فاعف عنهم واستغفر لهم وشاورهم في الأمر فإذا عزمت فتوكل على الله إن الله يحب المتوكلين" ما " صلة فيها معنى التأكيد ، أي فبرحمة ; كقوله : عما قليل فبما نقضهم ميثاقهم جند ما هنالك مهزوم . وليست بزائدة على الإطلاق ، وإنما أطلق عليها سيبويه معنى الزيادة من حيث زال عملها . ابن كيسان : " ما " نكرة في موضع جر بالباء ورحمة بدل منها . ومعنى الآية : أنه عليه السلام لما رفق بمن تولى يوم أحد ولم يعنفهم بين الرب تعالى أنه إنما فعل ذلك بتوفيق الله تعالى إياه . وقيل : " ما " استفهام . والمعنى : فبأي رحمة من الله لنت لهم ; فهو تعجيب . وفيه بعد ; لأنه لو كان كذلك لكان " فبم " بغير ألف . لنت من لان يلين لينا وليانا بالفتح . والفظ الغليظ الجافي . فظظت تفظ فظاظة وفظاظا فأنت فظ . والأنثى فظة والجمع أفظاظ . وفي صفة النبي عليه السلام ليس بفظ ولا غليظ ولا صخاب في الأسواق ; وأنشد المفضل في المذكر :وليس بفظ في الأداني والأولى يؤمون جدواه ولكنه سهل وفظ على أعدائه يحذرونهفسطوته حتف ونائله جزلوقال آخر في المؤنث :أموت من الضر في منزلي وغيري يموت من الكظهودنيا تجود على الجاهلي ن وهي على ذي النهى فظهوغلظ القلب عبارة عن تجهم الوجه ، وقلة الانفعال في الرغائب ، وقلة الإشفاق والرحمة ، ومن ذلك قول الشاعر :يبكى علينا ولا نبكي على أحد لنحن أغلظ أكبادا من الإبلومعنى لانفضوا لتفرقوا ; فضضتهم فانفضوا ، أي فرقتهم فتفرقوا ; ومن ذلك قول أبي النجم يصف إبلا :مستعجلات القيض غير جرد ينفض عنهن الحصى بالصمدوأصل الفض الكسر ; ومنه قولهم : لا يفضض الله فاك . والمعنى : يا محمد لولا رفقك لمنعهم الاحتشام والهيبة من القرب منك بعد ما كان من توليهم .قوله تعالى : فاعف عنهم واستغفر لهم وشاورهم في الأمر فيه ثمان مسائل : الأولى : قال العلماء : أمر الله تعالى نبيه - صلى الله عليه وسلم - بهذه الأوامر التي هي بتدريج بليغ ; وذلك أنه أمره بأن يعفو عنهم ما له في خاصته عليهم من تبعة ; فلما صاروا في هذه الدرجة أمره أن يستغفر فيما لله عليهم من تبعة أيضا ، فإذا صاروا في هذه الدرجة صاروا أهلا للاستشارة في الأمور . قال أهل اللغة : الاستشارة مأخوذة من قول العرب : شرت الدابة وشورتها إذا علمت خبرها بجري أو غيره . ويقال للموضع الذي تركض فيه : مشوار . وقد يكون من قولهم : شرت العسل واشترته فهو مشور ومشتار إذا أخذته من موضعه ، قال عدي بن زيد :في سماع يأذن الشيخ له وحديث مثل ماذي مشارالثانية : قال ابن عطية : والشورى من قواعد الشريعة وعزائم الأحكام ; من لا يستشير أهل العلم والدين فعزله واجب . هذا ما لا خلاف فيه . وقد مدح الله المؤمنين بقوله : وأمرهم شورى بينهم . قال أعرابي : ما غبنت قط حتى يغبن قومي ; قيل : وكيف ذلك ؟ قال لا أفعل شيئا حتى أشاورهم . وقال ابن خويز منداد : واجب على الولاة مشاورة العلماء فيما لا يعلمون ، وفيما أشكل عليهم من أمور الدين ، ووجوه الجيش فيما يتعلق بالحرب ، ووجوه الناس فيما يتعلق بالمصالح ، ووجوه الكتاب والوزراء والعمال فيما يتعلق بمصالح البلاد وعمارتها . وكان يقال : ما ندم من استشار . وكان يقال : من أعجب برأيه ضل .الثالثة : قوله تعالى : وشاورهم في الأمر يدل على جواز الاجتهاد في الأمور والأخذ بالظنون مع إمكان الوحي ; فإن الله أذن لرسوله - صلى الله عليه وسلم - في ذلك . واختلف أهل التأويل في المعنى الذي أمر الله نبيه عليه السلام أن يشاور فيه أصحابه ; فقالت طائفة : ذلك في مكائد الحروب ، وعند لقاء العدو ، وتطييبا لنفوسهم ، ورفعا لأقدارهم ، وتألفا على دينهم ، وإن كان الله تعالى قد أغناه عن رأيهم بوحيه . روي هذا عن قتادة والربيع وابن إسحاق والشافعي . قال الشافعي : هو كقوله ( والبكر تستأمر ) تطيبا لقلبها ; لا أنه واجب . وقال مقاتل وقتادة والربيع : كانت سادات العرب إذا لم يشاوروا في الأمر شق عليهم : فأمر الله تعالى ; نبيه عليه السلام أن يشاورهم في الأمر : فإن ذلك أعطف لهم عليه وأذهب لأضغانهم ، وأطيب لنفوسهم . فإذا شاورهم عرفوا إكرامه لهم . وقال آخرون : ذلك فيما لم يأته فيه وحي . روي ذلك عن الحسن البصري والضحاك قالا : ما أمر الله تعالى نبيه بالمشاورة لحاجة منه إلى رأيهم ، وإنما أراد أن يعلمهم ما في المشاورة من الفضل ، ولتقتدي به أمته من بعده . وفي قراءة ابن عباس : " وشاورهم في بعض الأمر " ولقد أحسن القائل :شاور صديقك في الخفي المشكل واقبل نصيحة ناصح متفضلفالله قد أوصى بذاك نبيه في قوله : ( شاورهم ) و ( توكل )جاء في مصنف أبي داود عن أبي هريرة قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : المستشار مؤتمن . قال العلماء : وصفة المستشار إن كان في الأحكام أن يكون عالما دينا ، وقلما يكون ذلك إلا في عاقل . قال الحسن : ما كمل دين امرئ ما لم يكمل عقله . فإذا استشير من هذه صفته واجتهد في الصلاح وبذل جهده فوقعت الإشارة خطأ فلا غرامة عليه ; قاله الخطابي وغيره .الخامسة : وصفة المستشار في أمور الدنيا أن يكون عاقلا مجربا وادا في المستشير . قال :شاور صديقك في الخفي المشكلوقد تقدم . وقال آخر :وإن باب أمر عليك التوى فشاور لبيبا ولا تعصهفي أبيات . والشورى بركة . وقال عليه السلام : ما ندم من استشار ولا خاب من استخار . وروى سهل بن سعد الساعدي عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما شقي قط عبد بمشورة وما سعد باستغناء رأي . وقال بعضهم : شاور من جرب الأمور ; فإنه يعطيك من رأيه ما وقع عليه غاليا وأنت تأخذه مجانا . وقد جعل عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - الخلافة - وهي أعظم النوازل - شورى . قال البخاري : وكانت الأئمة بعد النبي - صلى الله عليه وسلم - يستشيرون الأمناء من أهل العلم في الأمور المباحة ليأخذوا بأسهلها . وقال سفيان الثوري : ليكن أهل مشورتك أهل التقوى والأمانة ، ومن يخشى الله تعالى . وقال الحسن : والله ما تشاور قوم بينهم إلا هداهم لأفضل ما يحضر بهم . وروي عن علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ما من قوم كانت لهم مشورة فحضر معهم من اسمه أحمد أو محمد فأدخلوه في مشورتهم إلا خير لهم .السادسة : والشورى مبنية على اختلاف الآراء ، والمستشير ينظر في ذلك الخلاف ، وينظر أقربها قولا إلى الكتاب والسنة إن أمكنه ، فإذا أرشده الله تعالى إلى ما شاء منه عزم عليه وأنفذه متوكلا عليه ، إذ هذه غاية الاجتهاد المطلوب ; وبهذا أمر الله تعالى نبيه في هذه الآية .السابعة : قوله تعالى : فإذا عزمت فتوكل على الله قال قتادة : أمر الله تعالى نبيه عليه السلام إذا عزم على أمر أن يمضي فيه ويتوكل على الله ، لا على مشاورتهم . والعزم هو الأمر المروى المنقح ، وليس ركوب الرأي دون روية عزما ، إلا على مقطع المشيحين من فتاك العرب ; كما قال :إذا هم ألقى بين عينيه عزمه ونكب عن ذكر العواقب جانباولم يستشر في رأيه غير نفسه ولم يرض إلا قائم السيف صاحباوقال النقاش : العزم والحزم واحد ، والحاء مبدلة من العين . قال ابن عطية : وهذا خطأ ; فالحزم جودة النظر في الأمر وتنقيحه والحذر من الخطأ فيه . والعزم قصد الإمضاء ; والله تعالى يقول : وشاورهم في الأمر فإذا عزمت . فالمشاورة وما كان في معناها هو الحزم . والعرب تقول : قد أحزم لو أعزم . وقرأ جعفر الصادق وجابر بن زيد : " فإذا عزمت " بضم التاء . نسب العزم إلى نفسه سبحانه إذ هو بهدايته وتوفيقه ; كما قال : وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى . ومعنى الكلام أي عزمت لك ووفقتك وأرشدتك فتوكل على الله . والباقون بفتح التاء . قال المهلب : وامتثل هذا النبي - صلى الله عليه وسلم - من أمر ربه فقال : لا ينبغي لنبي يلبس لأمته أن يضعها حتى يحكم الله . أي ليس ينبغي له إذا عزم أن ينصرف ; لأنه نقض للتوكل الذي شرطه الله عز وجل مع العزيمة . فلبسه لأمته - صلى الله عليه وسلم - حين أشار عليه بالخروج يوم أحد من أكرمه الله بالشهادة فيه ، وهم صلحاء المؤمنين ممن كان فاتته بدر : يا رسول الله اخرج بنا إلى عدونا ; دال على العزيمة . وكان - صلى الله عليه وسلم - أشار بالقعود ، وكذلك عبد الله بن أبي أشار بذلك وقال : أقم يا رسول الله ولا تخرج إليهم بالناس ، فإن هم أقاموا أقاموا بشر مجلس ، وإن جاءونا إلى المدينة قاتلناهم في الأفنية وأفواه السكك ، ورماهم النساء والصبيان بالحجارة من الآطام ، فوالله ما حاربنا قط عدو في هذه المدينة إلا غلبناه ، ولا خرجنا منها إلى عدو إلا غلبنا . وأبى هذا الرأي من ذكرنا ، وشجعوا الناس ودعوا إلى الحرب . فصلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الجمعة ، ودخل إثر صلاته بيته ولبس سلاحه ، فندم أولئك القوم وقالوا : أكرهنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ; فلما خرج عليهم في سلاحه قالوا : يا رسول الله ، أقم إن شئت فإنا لا نريد أن نكرهك ، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : لا ينبغي لنبي إذا لبس سلاحه أن يضعها حتى يقاتل .الثامنة : قوله تعالى : فتوكل على الله إن الله يحب المتوكلين التوكل : الاعتماد على الله مع إظهار العجز ، والاسم التكلان . يقال منه : اتكلت عليه في أمري ، وأصله : " اوتكلت " قلبت الواو ياء لانكسار ما قبلها ، ثم أبدلت منها التاء وأدغمت في تاء الافتعال . ويقال : وكلته بأمري توكيلا ، والاسم الوكالة بكسر الواو وفتحها .واختلف العلماء في التوكل ; فقالت طائفة من المتصوفة : لا يستحقه إلا من لم يخالط قلبه خوف غير الله من سبع أو غيره ، وحتى يترك السعي في طلب الرزق لضمان الله تعالى . وقال عامة الفقهاء : ما تقدم ذكره عند قوله تعالى : وعلى الله فليتوكل المؤمنون . وهو الصحيح كما بيناه . وقد خاف موسى وهارون بإخبار الله تعالى عنهما في قوله لا تخافا . وقال : فأوجس في نفسه خيفة موسى قلنا لا تخف وأخبر عن إبراهيم بقوله : فلما رأى أيديهم لا تصل إليه نكرهم وأوجس منهم خيفة قالوا لا تخف . فإذا كان الخليل وموسى الكليم قد خافا - وحسبك بهما - فغيرهما أولى . وسيأتي بيان هذا المعنى .
3:160
اِنْ  یَّنْصُرْكُمُ  اللّٰهُ  فَلَا  غَالِبَ  لَكُمْۚ-وَ  اِنْ  یَّخْذُلْكُمْ  فَمَنْ  ذَا  الَّذِیْ  یَنْصُرُكُمْ  مِّنْۢ  بَعْدِهٖؕ-وَ  عَلَى  اللّٰهِ  فَلْیَتَوَكَّلِ  الْمُؤْمِنُوْنَ(۱۶۰)
اگر اللہ تمہاری مدد کرے تو کوئی تم پر غالب نہیں آسکتا (ف۳۰۶) اور اگر وہ تمہیں چھوڑ دے تو ایسا کون ہے جو پھر تمہاری مدد کرے اور مسلمانوں کو اللہ ہی پر بھروسہ چاہئے،

قوله تعالى : إن ينصركم الله فلا غالب لكم وإن يخذلكم فمن ذا الذي ينصركم من بعده وعلى الله فليتوكل المؤمنونقوله تعالى : إن ينصركم الله فلا غالب لكم أي عليه توكلوا فإنه إن يعنكم ويمنعكم من عدوكم لن تغلبوا . وإن يخذلكم يترككم من معونته . فمن ذا الذي ينصركم من بعده أي لا ينصركم أحد من بعده ، أي من بعد خذلانه إياكم ; لأنه قال : وإن يخذلكم والخذلان ترك العون . والمخذول : المتروك لا يعبأ به . وخذلت الوحشية أقامت على ولدها في المرعى وتركت صواحباتها ; فهي خذول . قال طرفة :خذول تراعي ربربا بخميلة تناول أطراف البرير وترتديوقال أيضا :نظرت إليك بعين جارية خذلت صواحبها على طفلوقيل : هذا من المقلوب ; لأنها هي المخذولة إذا تركت . وتخاذلت رجلاه إذا ضعفتا . قال :وخذول الرجل من غير كسحورجل خذلة للذي لا يزال يخذل ، والله أعلم .
  FONT
  THEME
  TRANSLATION
  • English | Ahmed Ali
  • Urdu | Ahmed Raza Khan
  • Turkish | Ali-Bulaç
  • German | Bubenheim Elyas
  • Chinese | Chineese
  • Spanish | Cortes
  • Dutch | Dutch
  • Portuguese | El-Hayek
  • English | English
  • Urdu | Fateh Muhammad Jalandhry
  • French | French
  • Hausa | Hausa
  • Indonesian | Indonesian-Bahasa
  • Italian | Italian
  • Korean | Korean
  • Malay | Malay
  • Russian | Russian
  • Tamil | Tamil
  • Thai | Thai
  • Farsi | مکارم شیرازی
  TAFSEER
  • العربية | التفسير الميسر
  • العربية | تفسير الجلالين
  • العربية | تفسير السعدي
  • العربية | تفسير ابن كثير
  • العربية | تفسير الوسيط لطنطاوي
  • العربية | تفسير البغوي
  • العربية | تفسير القرطبي
  • العربية | تفسير الطبري
  • English | Arberry
  • English | Yusuf Ali
  • Dutch | Keyzer
  • Dutch | Leemhuis
  • Dutch | Siregar
  • Urdu | Sirat ul Jinan
  HELP

اٰلِ عِمْرَان
اٰلِ عِمْرَان
  00:00



Download

اٰلِ عِمْرَان
اٰلِ عِمْرَان
  00:00



Download