READ
Surah Yunus
يُوْنُس
109 Ayaat مکیۃ
فَلَمَّاۤ اَلْقَوْا قَالَ مُوْسٰى مَا جِئْتُمْ بِهِۙ-السِّحْرُؕ-اِنَّ اللّٰهَ سَیُبْطِلُهٗؕ-اِنَّ اللّٰهَ لَا یُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِیْنَ(۸۱)
پھر جب انہوں نے ڈالا موسیٰ نے کہا یہ جو تم لائے یہ جادو ہے (ف۱۷۵) اب اللہ اسے باطل کردے گا، اللہ مفسدوں کا کام نہیں بناتا،
فَلَمَّا أَلْقَوْا أى: فلما ألقى السحرة حبالهم وعصيهم.قالَ لهم مُوسى على سبيل السخرية مما صنعوه.ما جِئْتُمْ بِهِ السِّحْرُ إِنَّ اللَّهَ سَيُبْطِلُهُ، إِنَّ اللَّهَ لا يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ أى: قال لهم موسى: أيها السحرة، إن الذي جئتم به هو السحر بعينه، وليس الذي جئت به أنا مما وصفه فرعون وملؤه بأنه سحر مبين.وإن الذي جئتم به سيمحقه الله ويزيل أثره من النفوس، عن طريق ما أمرنى الله به- سبحانه- من إلقاء عصاي، فقد جرت سنته- سبحانه- أنه لا يصلح عمل الذين يفسدون في الأرض ولا يصلحون وصنيعكم هذا هو من نوع الإفساد وليس من نوع الإصلاح.
وَ یُحِقُّ اللّٰهُ الْحَقَّ بِكَلِمٰتِهٖ وَ لَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُوْنَ۠(۸۲)
اور اللہ اپنی باتوں سے (ف۱۷۶) حق کو حق کر دکھاتا ہے پڑے برا مانیں مجرم،
وقوله: وَيُحِقُّ اللَّهُ الْحَقَّ بِكَلِماتِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ تأكيد لسنة الله- تعالى- في تنازع الحق والباطل، والصلاح والفساد.أى: أنه جرت سنة الله تعالى- أن لا يصلح عمل المفسدين، بل يمحقه ويبطله، وأنه- سبحانه- يحق الحق أى يثبته ويقويه ويؤيده بِكَلِماتِهِ النافذة، وقضائه الذي لا يرد، ووعده الذي لا يتخلف وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ ذلك لأن كراهيتهم لإحقاق الحق وإبطال الباطل، لا تعطل مشيئة الله، ولا تحول بين تنفيذ آياته وكلماته وقد كان الأمر كذلك فقد أوحى الله إلى موسى أَنْ أَلْقِ عَصاكَ فَإِذا هِيَ تَلْقَفُ ما يَأْفِكُونَ. فَوَقَعَ الْحَقُّ وَبَطَلَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ .ثم انتقلت السورة الكريمة للحديث عن جانب مما دار بين موسى- عليه السلام- وبين قومه بنى إسرائيل، إثر الحديث عن جانب مما دار بينه وبين فرعون وملئه وسحرته فقال- تعالى-:
فَمَاۤ اٰمَنَ لِمُوْسٰۤى اِلَّا ذُرِّیَّةٌ مِّنْ قَوْمِهٖ عَلٰى خَوْفٍ مِّنْ فِرْعَوْنَ وَ مَلَاۡىٕهِمْ اَنْ یَّفْتِنَهُمْؕ-وَ اِنَّ فِرْعَوْنَ لَعَالٍ فِی الْاَرْضِۚ-وَ اِنَّهٗ لَمِنَ الْمُسْرِفِیْنَ(۸۳)
تو موسیٰ پر ایمان نہ لائے مگر اس کی قوم کی اولاد سے کچھ لوگ (ف۱۷۷) فرعون اور اس کے درباریوں سے ڈرتے ہوئے کہ کہیں انہیں (ف۱۷۸) ہٹنے پر مجبور نہ کردیں اور بیشک فرعون زمین پر سر اٹھانے والا تھا، اور بیشک وہ حد سے گزر گیا (ف۱۷۹)
قال الجمل: «قوله- سبحانه- فَما آمَنَ لِمُوسى إِلَّا ذُرِّيَّةٌ مِنْ قَوْمِهِ ... لما ذكر الله- تعالى- ما أتى به موسى- عليه السلام- من المعجزات العظيمة الباهرة، أخبر- سبحانه- أنه مع مشاهدة هذه المعجزات، ما آمن لموسى إلا ذرية من قومه. وإنما ذكر الله هذا تسلية لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم لأنه كان كثير الاهتمام بإيمان قومه، وكان يغتم بسبب إعراضهم عن الإيمان به، واستمرارهم على الكفر والتكذيب، فبين الله له أن له أسوة بالأنبياء- عليهم الصلاة والسلام-. لأن ما جاء به موسى من المعجزات، كان أمرا عظيما. ومع ذلك فما آمن له إلا ذرية من قومه» .والآية الكريمة معطوفة على كلام محذوف يدل عليه السياق، والتقدير: لقد أتى موسى- عليه السلام- بالمعجزات التي تشهد بصدقه، والتي على رأسها، أن ألقى عصاه فإذا هي تبتلع ما فعله السحرة، ومع كل تلك البراهين الدالة على صدقه، فما آمن به إلا ذرية من قومه.والمراد بالذرية هنا: العدد القليل من الشباب، الذين آمنوا بموسى، بعد أن تخلف عن الإيمان آباؤهم وأغنياؤهم.قال الآلوسى: قوله إِلَّا ذُرِّيَّةٌ مِنْ قَوْمِهِ أى: إلا أولاد بعض بنى إسرائيل حيث دعا- عليه السلام- الآباء فلم يجيبوه خوفا من فرعون، وأجابته طائفة من شبابهم فالمراد من الذرية: الشبان لا الأطفال .والضمير في قوله مِنْ قَوْمِهِ يعود لموسى- عليه السلام-، وعليه يكون المعنى:فما آمن لموسى- عليه السلام- في دعوته إلى وحدانية الله، إلا عدد قليل من شباب قومه بنى إسرائيل، الذين كانوا يعيشون في مصر، والذين كان فرعون يسومهم سوء العذاب، أما آباؤهم وأصحاب الجاه فيهم، فقد انحازوا إلى فرعون طمعا في عطائه، وخوفا من بطشه بهم.ويرى بعض المفسرين أن الضمير في قوله مِنْ قَوْمِهِ يعود إلى فرعون لا إلى موسى.فيكون المعنى: فما آمن لموسى إلا عدد قليل من شباب قوم فرعون.قال ابن كثير ما ملخصه مرجحا هذا الرأى: «يخبر الله- تعالى- أنه لم يؤمن بموسى- عليه السلام- مع ما جاء به من الآيات والحجج، إلا قليل من قوم فرعون، من الذرية- وهم الشباب-، على وجل وخوف منه ومن ملئه.قال العوفى عن ابن عباس: «إن الذرية التي آمنت لموسى من قوم فرعون منهم:امرأته، ومؤمن آل فرعون، وخازنه، وامرأة خازنه» .ثم قال: واختار ابن جرير قول مجاهد في الذرية، أنها من بنى إسرائيل، لا من قوم فرعون. لعود الضمير على أقرب مذكور.وفي هذا نظر، لأن من المعروف أن بنى إسرائيل كلهم آمنوا بموسى. واستبشروا به، فقد كانوا يعرفون نعته وصفته والبشارة به.وإذا تقرر هذا فكيف يكون المراد إلا ذرية من قوم موسى وهم بنو إسرائيل؟» .والذي نراه أن ما اختاره ابن جرير من عودة الضمير إلى موسى- عليه السلام- أرجح، لأن هناك نوع خفاء في إطلاق كلمة الذرية على من آمن من قوم فرعون، ومنهم زوجته، وامرأة خازنه.ولأنه لا دليل على أن بنى إسرائيل كلهم قد آمنوا بموسى، بل الحق أن منهم من آمن به ومنهم من كفر به، كقارون والسامري وغيرهما.ولأن رجوع الضمير إلى موسى- عليه السلام- هو الظاهر المتبادر من الآية، لأنه أقرب مذكور، وليس هناك ما يدعو إلى صرف الآية الكريمة عن هذا الظاهر.ورحم الله ابن جرير فقد قال في ترجيحه لما ذهب إليه من عودة الضمير إلى موسى- عليه السلام- ما ملخصه:وأولى هذه الأقوال عندي بتأويل الآية، القول الذي ذكرته عن مجاهد وهو أن الذرية في هذا الموضع، أريد بها ذرية من أرسل إليه موسى من بنى إسرائيل، وإنما قلت هذا القول أولى بالصواب، لأنه لم يجر في هذه الآية ذكر لغير موسى، فلأن تكون الهاء في قوله مِنْ قَوْمِهِ من ذكر موسى لقربها من ذكره أولى من أن تكون من ذكر فرعون، لبعد ذكره منها.ولأن في قوله عَلى خَوْفٍ مِنْ فِرْعَوْنَ وَمَلَائِهِمْ الدليل الواضح على أن الهاء في قوله إِلَّا ذُرِّيَّةٌ مِنْ قَوْمِهِ من ذكر موسى لا من ذكر فرعون، لأنها لو كانت من ذكر فرعون لكان الكلام على خوف منه، ولم يكن على خوف من فرعون..» .وقوله: عَلى خَوْفٍ مِنْ فِرْعَوْنَ وَمَلَائِهِمْ أَنْ يَفْتِنَهُمْ ... حال من كلمة ذُرِّيَّةٌ، وعَلى هنا بمعنى مع. والضمير في قوله مَلَائِهِمْ يعود إلى ملأ الذرية، وهم كبار بنى إسرائيل الذين لاذوا بفرعون طمعا في عطائه أو خوفا من عقابه ولم يتبعوا موسى- عليه السلام-.والمعنى: فما آمن لموسى الا عدد قليل من شباب قومه، والحال أن إيمانهم كان مع خوف من فرعون ومن أشراف قومهم أن يفتنوهم عن دينهم، أى: أن يعذبوهم ليحملوهم على ترك اتباع موسى- عليه السلام.والضمير في يَفْتِنَهُمْ يعود إلى فرعون خاصة، لأنه هو الآمر بالتعذيب ولأن الملأ إنما كانوا يأتمرون بأمره، وينتهون عن نهيه، فهم كالآلة في يده يصرفها كيف يشاء.وجملة أَنْ يَفْتِنَهُمْ في تأويل مصدر، بدل اشتمال من فرعون، أى: على خوف من فرعون فتنته.وقوله: وَإِنَّ فِرْعَوْنَ لَعالٍ فِي الْأَرْضِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الْمُسْرِفِينَ اعتراض تذييلى مؤكد لمضمون ما قبله، ومقرر لطغيان فرعون وعتوه.أى: وإن فرعون المتكبر متجبر في أرض مصر كلها، وإنه لمن المسرفين المتجاوزين لكل حد في الظلم والبغي وادعاء ما ليس له.والمتجبرون والمسرفون يحتاجون في مقاومتهم إلى إيمان عميق، واعتماد على الله وثيق، وثبات يزيل المخاوف ويطمئن القلوب إلى حسن العاقبة، ولذا قال موسى لأتباعه المؤمنين:يا قَوْمِ إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللَّهِ فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُسْلِمِينَ.
وَ قَالَ مُوْسٰى یٰقَوْمِ اِنْ كُنْتُمْ اٰمَنْتُمْ بِاللّٰهِ فَعَلَیْهِ تَوَكَّلُوْۤا اِنْ كُنْتُمْ مُّسْلِمِیْنَ(۸۴)
اور موسیٰ نے کہا اے میری قوم اگر تم اللہ پر ایمان لائے تو اسی پر بھروسہ کرو (ف۱۸۰) اگر تم اسلام رکھتے ہو،
أى: قال موسى لقومه تطمينا لقلوبهم، وقد رأى الخوف من فرعون يعلو وجوه بعضهم:يا قوم إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللَّهِ حق الإيمان، وأسلمتم وجوهكم له حق الإسلام فعليه وحده اعتمدوا، وبجنابه وحده تمسكوا، فإن من توكل على الله واتجه إليه، كان الله معه بنصره وتأييده.
فَقَالُوْا عَلَى اللّٰهِ تَوَكَّلْنَاۚ-رَبَّنَا لَا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِّلْقَوْمِ الظّٰلِمِیْنَۙ(۸۵)
بولے ہم نے اللہ پر بھروسہ کیا الہٰی ہم کو ظالم لوگوں کے لیے آزمائش نہ بنا (ف۱۸۱)
ثم حكى القرآن جوابهم الذي يدل على صدق يقينهم فقال: فَقالُوا أى مجيبين لنصيحة نبيهم عَلَى اللَّهِ وحده لا على غيره تَوَكَّلْنا واعتمدنا وفوضنا أمورنا إليه.رَبَّنا لا تَجْعَلْنا فِتْنَةً لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ أى يا ربنا لا تجعلنا موضوع فتنة وعذاب للقوم الظالمين. بأن تمكنهم منا فيسوموننا سوء العذاب، وعندئذ يعتقدون أنهم على الحق ونحن على الباطل، لأننا لو كنا على الحق- في زعمهم- لما تمكنوا منا، ولما انتصروا علينا.
وَ نَجِّنَا بِرَحْمَتِكَ مِنَ الْقَوْمِ الْكٰفِرِیْنَ(۸۶)
اور اپنی رحمت فرماکر ہمیں کافروں سے نجات دے (ف۱۸۲)
ثم أضافوا إلى هذا الدعاء دعاء آخر، أكثر صراحة من سابقه في المباعدة بينهم وبين الظالمين فقالوا وَنَجِّنا بِرَحْمَتِكَ مِنَ الْقَوْمِ الْكافِرِينَ.أى: نحن لا نلتمس منك يا مولانا ألا تجعلنا فتنة لهم فقط، بل نلتمس منك- أيضا- أن تنجينا من شرور القوم الكافرين، وأن تخلصنا من سوء جوارهم، وأن تفرق بيننا وبينهم كما فرقت بين أهل المشرق وأهل المغرب.قال الإمام الشوكانى: «وفي هذا الدعاء الذي تضرعوا به إلى الله- دليل على أنه كان لهم اهتمام بأمر الدين فوق اهتمامهم بسلامة أنفسهم» .
وَ اَوْحَیْنَاۤ اِلٰى مُوْسٰى وَ اَخِیْهِ اَنْ تَبَوَّاٰ لِقَوْمِكُمَا بِمِصْرَ بُیُوْتًا وَّ اجْعَلُوْا بُیُوْتَكُمْ قِبْلَةً وَّ اَقِیْمُوا الصَّلٰوةَؕ-وَ بَشِّرِ الْمُؤْمِنِیْنَ(۸۷)
اور ہم نے موسیٰ اور اس کے بھائی کو وحی بھیجی کہ مصر میں اپنی قوم کے لیے مکانات بناؤ اور اپنے گھروں کو نماز کی جگہ کرو (ف۱۸۳) اور نماز قائم رکھو، اور مسلمانوں کو خوشخبری سناؤ (ف۱۸۴)
وبعد هذا الدعاء المخلص، وجه الله- تعالى- نبيه موسى وأخاه هارون- عليهما السلام- إلى ما يوصل إلى نصرهما ونصر أتباعهما فقال- تعالى- وَأَوْحَيْنا إِلى مُوسى وَأَخِيهِ أَنْ تَبَوَّءا لِقَوْمِكُما بِمِصْرَ بُيُوتاً وَاجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً ...وقوله تَبَوَّءا من التبوء وهو اتخاذ المباءة أى المنزل، كالتوطن بمعنى اتخاذ الوطن.يقال بوأته وبوأت له منزلا إذا أنزلته فيه، وهيأته له.والمعنى: وأوحينا إلى موسى وأخيه هارون بعد أن لج فرعون في طغيانه وفي إنزال العذاب بالمؤمنين- أن اتخذا لقومكما المؤمنين بيوتا خاصة بهم في مصر، ينزلون بها، ويستقرون فيها، ويعتزلون فرعون وجنده، إلى أن يقضى الله أمرا كان مفعولا.وقوله وَاجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً أى: واجعلوا هذه البيوت التي حللتم بها مكانا لصلاتكم وعبادتكم، بعد أن حال فرعون وجنده بينكم وبين أداء عباداتكم في الأماكن المخصصة لذلك.قال القرطبي: «المراد صلوا في بيوتكم سرا لتأمنوا، وذلك حين أخافهم فرعون، فأمروا بالصبر واتخاذ المساجد في البيوت، والإقدام على الصلاة، والدعاء، إلى أن ينجز الله وعده، وهو المراد بقوله قالَ مُوسى لِقَوْمِهِ اسْتَعِينُوا بِاللَّهِ وَاصْبِرُوا وكان من دينهم أنهم لا يصلون إلا في البيع والكنائس ماداموا على أمن، فإذا خافوا فقد أذن لهم أن يصلوا في بيوتهم ... » .وقوله: وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ أى: داوموا عليها، وأدوها في أوقاتها بخشوع وإخلاص، فإن في أدائها بهذه الصورة. وسيلة إلى تفريج الكروب، وفي الحديث الشريف: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا حزبه أمر صلى» .وقوله وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ تذييل قصد به بعث الأمل في نفوسهم متى أدوا ما كلفوا به.أى: وبشر المؤمنين بالنصر والفلاح في الدنيا، وبالثواب الجزيل في الآخرة.قال صاحب الكشاف: «فإن قلت: كيف نوع الخطاب فثنى أولا، ثم جمع، ثم وحد آخرا؟قلت: خوطب موسى وهارون- عليه السلام- أن يتبوآ لقومهما بيوتا ويختاراها للعبادة، وذلك مما يفوض إلى الأنبياء. ثم سيق الخطاب عاما لهما ولقومهما باتخاذ المساجد والصلاة فيها، لأن ذلك واجب على الجمهور. ثم خص موسى- عليه السلام- بالبشارة التي هي الغرض تعظيما لها، وللمبشر بها» .ولأن بشارة الأمة- كما يقول الآلوسى- وظيفة صاحب الشريعة، وهي من الأعظم أسرّ وأوقع في النفس .هذا، ومن التوجيهات الحكيمة التي نأخذها من هذه الآية الكريمة، أن مما يعين المؤمنين على النصر والفلاح، أن يعتزلوا أهل الكفر والفسوق والعصيان، إذا لم تنفع معهم النصيحة، وأن يستعينوا على بلوغ غايتهم بالصبر والصلاة، وأن يقيموا حياتهم فيما بينهم على المحبة الصادقة، وعلى الأخوة الخالصة، وأن يجعلوا توكلهم على الله وحده وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ، إِنَّ اللَّهَ بالِغُ أَمْرِهِ، قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً.ثم حكى القرآن الكريم بعد ذلك، ما تضرع به موسى- عليه السلام- إلى الله- تعالى- من دعوات خاشعات، بعد أن يئس من إيمان فرعون وملئه فقال- سبحانه-:
وَ قَالَ مُوْسٰى رَبَّنَاۤ اِنَّكَ اٰتَیْتَ فِرْعَوْنَ وَ مَلَاَهٗ زِیْنَةً وَّ اَمْوَالًا فِی الْحَیٰوةِ الدُّنْیَاۙ-رَبَّنَا لِیُضِلُّوْا عَنْ سَبِیْلِكَۚ-رَبَّنَا اطْمِسْ عَلٰۤى اَمْوَالِهِمْ وَ اشْدُدْ عَلٰى قُلُوْبِهِمْ فَلَا یُؤْمِنُوْا حَتّٰى یَرَوُا الْعَذَابَ الْاَلِیْمَ(۸۸)
اور موسیٰ نے عرض کی اے رب ہمارے تو نے فرعون اور اس کے سرداروں کو آرائش (ف۱۸۵) اور مال دنیا کی زندگی میں دیے، اے رب ہمارے! اس لیے کہ تیری راہ سے بہکادیں، اے رب ہمارے! ان کے مال برباد کردے (ف۱۸۶) اور ان کے دل سخت کردے کہ ایمان نہ لائیں جب تک دردناک عذاب نہ دیکھ لیں (ف۱۸۷)
والزينة: اسم لما يتزين به الإنسان من ألوان اللباس وأوانى الطعام والشراب، ووسائل الركوب.. وغير ذلك مما يستعمله الإنسان في زينته ورفاهيته.والمال: يشمل أصناف الزينة، ويشمل غير ذلك مما يتملكه الإنسان.والمعنى: وقال موسى- عليه السلام- مخاطبا ربه، بعد أن فقد الأمل في إصلاح فرعون وملئه: يا ربنا إنك أعطيت فرعون وأشراف قومه وأصحاب الرياسات منهم، الكثير من مظاهر الزينة والرفاهية والتنعم، كما أعطيتهم الكثير من الأموال في هذه الحياة الدنيا.وهذا العطاء الجزيل لهم قد يضعف الإيمان في بعض النفوس، إما بالإغراء الذي يحدثه مظهر النعمة في نفوس الناظرين إليها، وإما بالترهيب الذي يملكه هؤلاء المنعمون، بحيث يصيرون قادرين على إذلال غيرهم.واللام في قوله رَبَّنا لِيُضِلُّوا عَنْ سَبِيلِكَ لام العاقبة والصيرورة أى: أعطيتهم ما أعطيتهم من الزينة والمال، ليخلصوا لك العبادة والطاعة، وليقابلوا هذا العطاء بالشكر، ولكنهم لم يفعلوا بل قابلوا هذه النعم بالجحود والبطر، فكانت عاقبة أمرهم الخسران والضلال، فأزل يا مولانا هذه النعم من بين أيديهم.قال القرطبي: «اختلف في هذه اللام، وأصح ما قبل فيها- وهو قول الخليل وسيبويه- أنها لام العاقبة والصيرورة، وفي الخبر: «إن لله- تعالى- ملكا ينادى كل يوم: لدوا للموت وابنوا للخراب» أى: لما كان عاقبة أمرهم إلى الضلال، صار كأنه أعطاهم ليضلوا» .وقال صاحب المنار: «قوله: رَبَّنا لِيُضِلُّوا عَنْ سَبِيلِكَ أى: لتكون عاقبة هذا العطاء إضلال عبادك عن سبيلك الموصلة إلى مرضاتك باتباع الحق والعدل والعمل الصالح، ذلك لأن الزينة سبب الكبر والخيلاء والطغيان على الناس، وكثرة الأموال تمكنهم من ذلك، وتخضع رقاب الناس لهم، كما قال- تعالى- إِنَّ الْإِنْسانَ لَيَطْغى، أَنْ رَآهُ اسْتَغْنى.فاللام في قوله لِيُضِلُّوا تسمى لام العاقبة والصيرورة، وهي الدالة على أن ما بعدها أثر وغاية فعلية لمتعلقها، يترتب عليه بالفعل لا بالسببية، ولا بقصد فاعل الفعل الذي تتعلق به كقوله- تعالى- فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَناً ... .ومنهم من يرى أن هذه اللام للتعليل، والفعل منصوب بها، فيكون المعنى:وقال موسى مخاطبا ربه: يا ربنا إنك قد أعطيت فرعون وملأه زينة وأموالا في الحياة الدنيا، وإنك يا ربنا قد أعطيتهم ذلك على سبيل الاستدراج ليزدادوا طغيانا على طغيانهم، ثم تأخذهم أخذ عزيز مقتدر.وشبيه بهذه الجملة في هذا المعنى قوله- تعالى-: وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّما نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لِأَنْفُسِهِمْ، إِنَّما نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدادُوا إِثْماً وَلَهُمْ عَذابٌ مُهِينٌ .وقد رجح هذا المعنى الإمام ابن جرير فقال: «والصواب من القول في ذلك عندي أنها لام كي، ومعنى الكلام: ربنا أعطيتهم ما أعطيتهم من زينة الحياة الدنيا والأموال لتفتنهم فيه، ويضلوا عن سبيلك عبادك عقوبة منك لهم، وهذا كما قال جل ثناؤه لَأَسْقَيْناهُمْ ماءً غَدَقاً. لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ. .ومنهم من يرى أن هذه اللام هي لام الدعاء، وأنها للدعاء عليهم بالزيادة من الإضلال والغواية فيكون المعنى:وقال موسى يا ربنا إنك أعطيت فرعون وملأه زينة وأموالا في الحياة الدنيا اللهم يا ربنا زدهم ضلالا على ضلالهم.وقد سار على هذا الرأى صاحب الكشاف. فقد قال ما ملخصه: «فإن قلت: ما معنى قوله: لِيُضِلُّوا عَنْ سَبِيلِكَ؟قلت: هو دعاء بلفظ الأمر كقوله: ربنا اطمس واشدد. وذلك أنه لما عرض عليهم آيات الله وبيناته عرضا مكررا، وردد عليهم النصائح والمواعظ زمانا طويلا. وحذرهم من عذاب الله ومن انتقامه، وأنذرهم سوء عاقبة ما كانوا عليه من الكفر والضلال، ورآهم لا يزيدون على عرض الآيات إلا كفرا وعلى الإنذار إلا استكبارا، وعن النصيحة إلا نبوا، ولم يبق له مطمع فيهم. وعلم بالتجربة وطول الصحبة أو بوحي من الله، أنه لا يجيء منهم إلا الغي والضلال.لما رأى منهم كل ذلك: اشتد غضبه عليهم، وكره حالهم، فدعا الله عليهم بما علم أنه لا يكون غيره وهو ضلالهم.فكأنه قال: ليثبتوا على ما هم عليه من الضلال..»وعلى أية حال فهذه الأقوال الثلاثة، لكل واحد منها اتجاهه في التعبير عن ضيق موسى- عليه السلام- لإصرار فرعون وشيعته على الكفر، ولما هم فيه من نعم لم يقابلوها بالشكر، بل قابلوها بالجحود والبطر.وإن كان الرأى الأول هو أظهرها في الدلالة على ذلك، وأقربها إلى سياق الآية الكريمة.قال الشوكانى: «وقرأ الكوفيون لِيُضِلُّوا بضم الياء. أى: ليوقعوا الإضلال على غيرهم. وقرأ الباقون بالفتح أى يضلون في أنفسهم» .وقوله: رَبَّنَا اطْمِسْ عَلى أَمْوالِهِمْ، وَاشْدُدْ عَلى قُلُوبِهِمْ. فَلا يُؤْمِنُوا حَتَّى يَرَوُا الْعَذابَ الْأَلِيمَ دعا عليهم بما يستحقونه من عقوبات بسبب إصرارهم على الكفر والضلال.والطمس: الإهلاك والإتلاف ومحو أثر الشيء يقال: طمس الشيء ويطمس طموسا إذا زال بحيث لا يرى ولا يعرف لذهاب صورته.والشد: الربط والطبع على الشيء، بحيث لا يخرج منه ما هو بداخله، ولا يدخل فيه ما هو خارج منه.والمعنى: وقال موسى مخاطبا ربه: يا ربنا إنك آتيت فرعون وملأه زينة وأموالا في الحياة الدنيا، وقد أعطيتهم ذلك ليشكروك، ولكنهم لم يفعلوا، بل قابلوا عطاءك بالجحود، اللهم يا ربنا اطمس على أموالهم بأن تهلكها وتزيلها وتمحقها من بين أيديهم، حتى ترحم عبادك المؤمنين، من سوء استعمال الكافرين لنعمك في الإفساد والأذى.وَاشْدُدْ عَلى قُلُوبِهِمْ بأن تزيدها قسوة على قسوتها، وعنادا على عنادها مع استمرارها على ذلك، حتى يأتيهم العذاب الأليم الذي لا ينفع عند إتيانه إيمان، ولا تقبل معه توبة، لأنهما حدثا في غير وقتهما.قال الجمل: «وهذا الطمس هو أحد الآيات التسع التي أوتيها موسى- عليه السلام- .وقال الإمام ابن كثير: «وهذه الدعوة كانت من موسى- عليه السلام- غضبا لله- تعالى- ولدينه على فرعون وملئه. الذين تبين له أنه لا خير فيهم، كما دعا نوح- عليه السلام- على قومه فقال: رَبِّ لا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكافِرِينَ دَيَّاراً.. ولهذا استجاب الله- تعالى- لموسى- عليه السلام- هذه الدعوة فيهم..» .
قَالَ قَدْ اُجِیْبَتْ دَّعْوَتُكُمَا فَاسْتَقِیْمَا وَ لَا تَتَّبِعٰٓنِّ سَبِیْلَ الَّذِیْنَ لَا یَعْلَمُوْنَ(۸۹)
فرمایا تم دونوں کی دعا قبول ہوئی (ف۱۸۸) تو ثابت قدم رہو اور (ف۱۸۹) نادانوں کی راہ نہ چلو (ف۱۹۰)
فقال: قالَ قَدْ أُجِيبَتْ دَعْوَتُكُما فَاسْتَقِيما، وَلا تَتَّبِعانِّ سَبِيلَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ.أى: قال الله- تعالى- لموسى وهارون- عليهما السلام-: أبشرا فقد أجبت دعوتكما في شأن فرعون وملئه فَاسْتَقِيما على أمرى، وامضيا في دعوتكما الناس إلى الحق، وأثبتا على ما أنتما عليه من الإيمان بي والطاعة لأمري.وَلا تَتَّبِعانِّ سَبِيلَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ ما جرت به سنتي في خلقي، ولا يدركون طريق الخير من طريق الشر.وكان الجواب من الله- تعالى- لموسى وهارون، مع أن الداعي موسى فقط كما صرحت الآيات السابقة، لأن هارون كان يؤمن على دعاء أخيه موسى والتأمين لون من الدعاء.هذا، ومن الحكم والعظات التي نأخذها من هاتين الآيتين الكريمتين: أن من علامات الإيمان الصادق. أن يكون الإنسان غيورا على دين الله، ومن مظاهر هذه الغيرة أن يتمنى زوال النعمة من بين أيدى المصرين على جحودهم وفسوقهم وبطرهم لأن وجود النعم بين أيديهم كثيرا ما يكون سببا في إيذاء المؤمنين، وإدخال القلق والحيرة على نفوس بعضهم.وأن الداعي متى توجه إلى الله- تعالى- بقلب سليم، ولسان صادق، كان دعاؤه مرجو القبول عنده- سبحانه-.ثم ختم- سبحانه- قصة موسى- عليه السلام- مع فرعون في هذه السورة الكريمة ببيان سنة من سننه التي لا تتخلف، وهي حسن عاقبة المؤمنين وسوء عاقبة المكذبين فقال- تعالى-:
وَ جَاوَزْنَا بِبَنِیْۤ اِسْرَآءِیْلَ الْبَحْرَ فَاَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ وَ جُنُوْدُهٗ بَغْیًا وَّ عَدْوًاؕ-حَتّٰۤى اِذَاۤ اَدْرَكَهُ الْغَرَقُۙ-قَالَ اٰمَنْتُ اَنَّهٗ لَاۤ اِلٰهَ اِلَّا الَّذِیْۤ اٰمَنَتْ بِهٖ بَنُوْۤا اِسْرَآءِیْلَ وَ اَنَا مِنَ الْمُسْلِمِیْنَ(۹۰)
اور ہم بنی اسرائیل کو دریا پار لے گئے تو فرعون اور اس کے لشکروں نے ان کا پیچھا کیا سرکشی اور ظلم سے یہاں تک کہ جب اسے ڈوبنے نے ا ٓ لیا (ف۱۹۱) بولا میں ایمان لایا کہ کوئی سچا معبود نہیں سوا اس کے جس پر بنی اسرائیل ایمان لائے اور میں مسلمان ہوں (ف۱۹۲)
قوله- سبحانه- وَجاوَزْنا هو من جاوز المكان، إذا قطعه وتخطاه وخلفه وراء ظهره وهو متعد بالباء إلى المفعول الأول الذي كان فاعلا في الأصل، وإلى الثاني بنفسه.والمراد بالبحر هنا: بحر القلزم، وهو المسمى الآن بالبحر الأحمر. وقوله بَغْياً وَعَدْواً أى ظلما واعتداء. يقال: بغى فلان على فلان بغيا، إذا تطاول عليه وظلمه.ويقال: عدا عليه عدوا وعدوانا إذا سلبه حقه.وهما مصدران منصوبان على الحالية بتأويل اسم الفاعل. أى: باغين وعادين. أو على المفعولية لأجله أى: من أجل البغي والعدوان.والمعنى: وجاوزنا ببني إسرائيل البحر، وهم تحت رعايتنا وقدرتنا، حيث جعلناه لهم طريقا يبسا، فساروا فيه حتى بلغوا نهايته، فأتبعهم فرعون وجنوده لا لطلب الهداية والإيمان، ولكن لطلب البغي والعدوان.قال الآلوسى: «وذلك أن الله- تعالى- لما أخبر موسى وهارون- عليهما السلام- بإجابته دعوتهما، أمرهما بإخراج بنى إسرائيل من مصر ليلا، فخرجا بهم على حين غفلة من فرعون وملئه، فلما أحسن بذلك، خرج هو وجنوده على أثرهم مسرعين، فالتفت القوم فإذا الطامة الكبرى وراءهم، فقالوا يا موسى، هذا فرعون وجنوده وراءنا. وهذا البحر أمامنا فكيف الخلاص، فأوحى الله- تعالى- إلى موسى، أن اضرب بعصاك البحر، فضربه فانفلق اثنى عشر فرقا كل فرق كالطود العظيم، وصار لكل سبط طريق فسلكوا، ووصل فرعون ومن معه إلى الساحل وبنو إسرائيل قد خرجوا من البحر ومسلكهم باق على حاله، فسلكه فرعون وجنوده، فلما دخل آخرهم وهم أولهم بالخروج من البحر، انطبق عليهم وغشيهم من اليم ما غشيهم» .ثم حكى- سبحانه- ما قاله فرعون عند ما نزل به قضاء الله الذي لا يرد فقال- تعالى-: حَتَّى إِذا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قالَ آمَنْتُ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُوا إِسْرائِيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ.أى: لقد اتبع فرعون وجنوده بنى إسرائيل بغيا وعدوا، فانطبق عليه البحر، ولفه تحت أمواجه ولججه، حتى إذا أدركه الغرق وعاين الموت وأيقن أنه لا نجاة له منه، قال آمنت وصدقت. بأنه لا معبود بحق سوى الإله الذي آمنت به بنو إسرائيل، وأنا من القوم الذين أسلموا نفوسهم لله وحده وأخلصوها لطاعته.
ﰰ لْــٴٰـنَ وَ قَدْ عَصَیْتَ قَبْلُ وَ كُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِیْنَ(۹۱)
کیا اب (ف۱۹۳) اور پہلے سے نافرمان رہا اور تو فسادی تھا (ف۱۹۴)
ولما كان هذا القول قد جاء في غير أوانه، وأن هذا الإيمان لا ينفع لأنه جاء عند معاينة الموت، فقد رد الله- تعالى- على فرعون بقوله- سبحانه- آلْآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ، وَكُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ.أى: آلآن تدعى الإيمان حين يئست من الحياة، وأيقنت بالموت، والحال أنك كنت قبل ذلك من العصاة المفسدين في الأرض، المصرين على تكذيب الحق الذي جاءك به رسولنا موسى- عليه السلام- والظرف «آلآن» متعلق بمحذوف متأخر، والاستفهام للتقريع والتوبيخ والإنكار.وقوله: وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ جملة حالية من فاعل الفعل المقدر، أى: آلآن تدعى الإيمان والحال أنك عصيت قبل وكنت من المفسدين.قال الإمام ابن كثير: «وهذا الذي حكاه الله- تعالى- عن فرعون من قوله هذا في حاله ذاك. من أسرار الغيب التي أعلم الله- تعالى- بها رسوله- صلى الله عليه وسلم-، ولهذا قال الإمام أحمد بن حنبل- رحمه الله.حدثنا سليمان بن حرب، حدثنا حماد بن سلمة، عن على بن زيد، عن يوسف بن مهران، عن ابن عباس قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم- «لما قال فرعون:آمنت أنه لا إله إلا الذي آمنت به بنو إسرائيل، قال جبريل لي يا محمد لو رأيتنى وقد أخذت حالا من حال البحر- أى طينا أسود من طين البحر- فدسسته في فمه مخافة أن تناله الرحمة» .ورواه الترمذي، وابن جرير، وابن أبى حاتم في تفاسيرهم، من حديث، حماد بن سلمة وقال الترمذي: حديث حسن.ثم ساق ابن كثير بعد ذلك جملة من الأحاديث في هذا المعنى» .
فَالْیَوْمَ نُنَجِّیْكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُوْنَ لِمَنْ خَلْفَكَ اٰیَةًؕ-وَ اِنَّ كَثِیْرًا مِّنَ النَّاسِ عَنْ اٰیٰتِنَا لَغٰفِلُوْنَ۠(۹۲)
آج ہم تیری لاش کو اوترا دیں (باقی رکھیں) گے تو اپنے پچھلوں کے لیے نشانی ہو (ف۱۹۵) اور بیشک لوگ ہما ری آ یتو ں سے غافل ہیں،
وقوله- سبحانه-: فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً.. تهكم به، وتخييب لآماله، وقطع لدابر أطماعه، والمعنى إن دعواك الإيمان الآن مرفوضة، لأنها جاءت في غير وقتها، وإننا اليوم بعد أن حل بك الموت، نلقى بجسمك الذي خلا من الروح على مكان مرتفع من الأرض لتكون عبرة وعظة للأحياء الذين يعيشون من بعدك سواء أكانوا من بنى إسرائيل أم من غيرهم، حتى يعرف الجميع بالمشاهدة أو الإخبار، سوء عاقبة المكذبين، وأن الألوهية لا تكون إلا لله الواحد الأحد، الفرد الصمد.قال الإمام الشوكانى: «قوله فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ.. قرئ ننجيك بالتخفيف، والجمهور على التثقيل.أى: نلقيك على نجوة من الأرض. وذلك أن بنى إسرائيل لم يصدقوا أن فرعون قد غرق، وقالوا: هو أعظم شأنا من ذلك، فألقاه الله على نجوة من الأرض أى مكان مرتفع من الأرض حتى شاهدوه.ومعنى بِبَدَنِكَ بجسدك بعد سلب الروح منه. وقيل معناه بدرعك والدرع يسمى بدنا، ومنه قول كعب بن مالك:ترى الأبدان فيها مسبغات ... على الأبطال واليلب الحصيناأراد بالأبدان الدروع - وباليلب- بفتح الياء واللام- الدروع اليمانية كانت تتخذ من الجلود.وقوله: وَإِنَّ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ عَنْ آياتِنا لَغافِلُونَ تذييل قصد به دعوة الناس جميعا إلى التأمل والتدبر، والاعتبار بآيات الله، وبمظاهر قدرته.أى: وإن كثيرا من الناس لغافلون عن آياتنا الدالة على وحدانيتنا وقدرتنا على إهلاك كل ظالم جبار.قال ابن كثير: وكان هلاك فرعون يوم عاشوراء. كما قال البخاري: حدثنا محمد بن بشار، حدثنا غندر، حدثنا شعبة، عن أبى بشر، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس قال: قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة واليهود تصوم يوم عاشوراء فقالوا: هذا يوم ظهر فيه موسى على فرعون. فقال النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه: أنتم أحق بموسى منهم فصوموه» .
وَ لَقَدْ بَوَّاْنَا بَنِیْۤ اِسْرَآءِیْلَ مُبَوَّاَ صِدْقٍ وَّ رَزَقْنٰهُمْ مِّنَ الطَّیِّبٰتِۚ-فَمَا اخْتَلَفُوْا حَتّٰى جَآءَهُمُ الْعِلْمُؕ-اِنَّ رَبَّكَ یَقْضِیْ بَیْنَهُمْ یَوْمَ الْقِیٰمَةِ فِیْمَا كَانُوْا فِیْهِ یَخْتَلِفُوْنَ(۹۳)
اور بیشک ہم نے بنی اسرائیل کو عزت کی جگہ دی (ف۱۹۶) اور انہیں ستھری روزی عطا کی تو اختلاف میں نہ پڑے (ف۱۹۷) مگر علم آنے کے بعد (ف۱۹۸) بیشک تمہارا رب قیامت کے دن ان میں فیصلہ کردے گا جس بات میں جھگڑتے تھے (ف۱۹۹)
ثم بين- سبحانه- بعد ذلك بعض مظاهر نعمه على بنى إسرائيل بعد أن أهلك عدوهم فرعون فقال- تعالى-: وَلَقَدْ بَوَّأْنا بَنِي إِسْرائِيلَ مُبَوَّأَ صِدْقٍ وَرَزَقْناهُمْ مِنَ الطَّيِّباتِ.وقوله: بَوَّأْنا أى: أنزلنا وأسكنا، من التبوء، وهو اتخاذ المباءة أى: المنزل والمسكن.وفي إضافة المبوأ إلى الصدق مدح له، فقد جرت عادة العرب على أنهم إذا مدحوا شيئا أضافوه إلى الصدق فقالوا: رجل صدق إذا كان متحليا بمكارم الأخلاق.قال الآلوسى: «والمراد بهذا المبوأ، كما رواه ابن المنذر وغيره عن الضحاك: الشام ومصر، فإن بنى إسرائيل الذين كانوا في زمان موسى- عليه السلام- وهم المرادون هنا، ملكوا ذلك حسبما ذهب إليه جمع من الفضلاء .وأخرج أبو الشيخ وغيره عن قتادة أن المراد به الشام وبيت المقدس، واختاره بعضهم، بناء على أن أولئك لم يعودوا إلى مصر بعد ذلك.وينبغي أن يراد ببني إسرائيل على القولين، ما يشمل ذريتهم بناء على أنهم ما دخلوا الشام في حياة موسى- عليه السلام- إنما دخلها أبناؤهم- بقيادة يوشع بن نون.وقيل المراد به أطراف المدينة إلى جهة الشام، وببني إسرائيل الذين كانوا على عهد نبينا محمد صلى الله عليه وسلم.والمعنى: ولقد أنزلنا بنى إسرائيل بعد هلاك عدوهم فرعون منزلا صالحا مرضيا، فيه الأمان، والاطمئنان لهم، وأعطيناهم فوق ذلك الكثير من ألوان المأكولات والمشروبات الطيبات التي أحللناها لهم.وقوله: فَمَا اخْتَلَفُوا حَتَّى جاءَهُمُ الْعِلْمُ.... توبيخ لهم على موقفهم الجحودى من هذه النعم التي أنعم الله بها عليهم.أى: أنهم ما تفرقوا في أمور دينهم ودنياهم على مذاهب شتى، إلا من بعد ما جاءهم العلم الحاسم لكل شبهة، وهو ما بين أيديهم من الوحى الذي أمرهم الله- تعالى- أن يتلوه حق تلاوته، وان لا يستخدموه في التأويلات الباطلة.فالجملة الكريمة توبخهم على جعلهم العلم الذي كان من الواجب عليهم أن يستعملوه- في الحق والخير- وسيلة للاختلاف والابتعاد عن الطريق المستقيم.وقوله: إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ فِيما كانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ تذييل قصد به الزجر عن الاختلاف واتباع الباطل.أى: إن ربك يفصل بين هؤلاء المختلفين، فيجازى أهل الحق بما يستحقونه من ثواب، ويجازى أهل الباطل بما يستحقونه من عقاب.وبعد هذا الحديث المتنوع عن قصة موسى- عليه السلام- مع فرعون وملئه، ومع قومه بنى إسرائيل، وجه القرآن خطابا إلى النبي صلى الله عليه وسلم تثبيتا لقلبه، وتسلية له عما أصابه من أذى، فقال- تعالى-:
فَاِنْ كُنْتَ فِیْ شَكٍّ مِّمَّاۤ اَنْزَلْنَاۤ اِلَیْكَ فَسْــٴَـلِ الَّذِیْنَ یَقْرَءُوْنَ الْكِتٰبَ مِنْ قَبْلِكَۚ-لَقَدْ جَآءَكَ الْحَقُّ مِنْ رَّبِّكَ فَلَا تَكُوْنَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِیْنَۙ(۹۴)
اور اے سننے والے! اگر تجھے کچھ شبہ ہو اس میں جو ہم نے تیری طرف اتارا (ف۲۰۰) تو ان سے پوچھ دیکھ جو تجھ سے پہلے کتاب پڑھنے والے ہیں (ف۲۰۱) بیشک تیرے پاس تیرے رب کی طرف سے حق آیا (ف۲۰۲) تو تُو ہر گز شک والوں میں نہ ہو،
والمراد مِمَّا أَنْزَلْنا إِلَيْكَ هنا: ما أوحاه الله- تعالى- إلى نبيه صلى الله عليه وسلم من قصص حكيم يتعلق بأنبياء الله- تعالى- ورسله.قال الآلوسى: «وخصت القصص بالذكر، لأن الأحكام المنزلة عليه صلى الله عليه وسلم ناسخة لأحكامهم، ومخالفة لها فلا يتصور سؤالهم عنها» .والمراد بالكتاب: جنسه فيشمل التوراة والإنجيل.والمعنى: فإن كنت أيها الرسول الكريم- على سبيل الفرض والتقدير- في شك مما أنزلنا إليك من قصص حكيم كقصة موسى ونوح وغيرهما فَسْئَلِ الَّذِينَ يَقْرَؤُنَ الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكَ وهم علماء أهل الكتاب، فإن ما قصصناه عليك ثابت في كتبهم.فليس المراد من هذه الآية ثبوت الشك للرسول صلى الله عليه وسلم وإنما المراد على سبيل الفرض والتقدير، لا على سبيل الثبوت.قال ابن كثير: «قال قتادة بن دعامة: بلغنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا أشك ولا أسأل» .وكذا قال ابن عباس وسعيد بن جبير والحسن البصري، وهذا فيه تثبيت للأمة، وإعلام لهم بأن صفة نبيهم صلى الله عليه وسلم موجودة في الكتب المتقدمة التي بأيدى أهل الكتاب، كما قال- تعالى- الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِنْدَهُمْ فِي التَّوْراةِ وَالْإِنْجِيلِ.. .وشبيه بهذه الآية قوله- تعالى- في شأن عيسى- عليه السلام-: أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّي إِلهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ؟ قالَ سُبْحانَكَ ما يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ ما لَيْسَ لِي بِحَقٍّ. إِنْ كُنْتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ ...فعيسى- عليه السلام- يعلم علم اليقين أنه لم يقل ذلك، وإنما يفرض قوله فرضا.ليستدل عليه بأنه لو قاله لعلمه الله- تعالى- منه.أى: إن كنت قلته- على سبيل الفرض والتقدير- فقولي هذا لا يخفى عليك.قال صاحب الكشاف ما ملخصه: فإن قلت: كيف قال الله- تعالى- لرسوله صلى الله عليه وسلم: فَإِنْ كُنْتَ فِي شَكٍّ مِمَّا أَنْزَلْنا إِلَيْكَ..؟قلت: هو على سبيل الفرض والتمثيل. كأنه قيل: فإن وقع لك شك- مثلا- وخيل لك الشيطان خيالا منه تقديرا فَسْئَلِ الَّذِينَ يَقْرَؤُنَ الْكِتابَ.والمعنى: أن الله- عز وجل- قدم ذكر بنى إسرائيل، وهم قراء الكتاب ووصفهم بأن العلم قد جاءهم، لأن أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم مكتوب عندهم في التوراة والإنجيل، وهم يعرفونه كما يعرفون أبناءهم فأراد أن يؤكد علمهم بصحة القرآن، وصحة نبوة محمد صلى الله عليه وسلم ويبالغ في ذلك فقال: فإن وقع لك شك فرضا وتقديرا. فسل علماء أهل الكتاب يعنى أنهم من الإحاطة بصحة ما أنزل إليك، بحيث يصلحون لمراجعة مثلك، فضلا عن غيرك.فالغرض وصف الأحبار بالرسوخ في العلم بصحة ما أنزل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم لا وصفه بالشك فيه.ويجوز أن يكون على طريق التهييج والإلهاب كقوله فَلا تَكُونَنَّ ظَهِيراً لِلْكافِرِينَ..ولذلك قال صلى الله عليه وسلم عند نزوله: «لا أشك ولا أسأل بل أشهد أنه الحق» .وقيل: خوطب رسول الله صلى الله عليه وسلم والمراد خطاب أمته.ومعناه: «فإن كنتم في شك مما أنزلنا إليكم..»وقوله لَقَدْ جاءَكَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلا تَكُونَنَّ مِنَ المُمْتَرِينَ كلام مستأنف مؤكد لاجتثاث إرادة الشك.والتقدير: أقسم لقد جاءك الحق الذي لا لبس فيه من ربك لا من غيره، فلا تكونن من الشاكين المترددين في صحة ذلك.
وَ لَا تَكُوْنَنَّ مِنَ الَّذِیْنَ كَذَّبُوْا بِاٰیٰتِ اللّٰهِ فَتَكُوْنَ مِنَ الْخٰسِرِیْنَ(۹۵)
اور ہرگز ان میں نہ ہونا جنہوں نے اللہ کی آیتیں جھٹلائیں کہ تو خسارے والوں میں ہوجائے گا،
وقوله: وَلا تَكُونَنَّ مِنَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِ اللَّهِ فَتَكُونَ مِنَ الْخاسِرِينَ تعريض بأولئك الشاكين والمكذبين له صلى الله عليه وسلم من قومه. أى: ولا تكونن من القوم الذين كذبوا بآيات الله الدالة على صدقك فيما تبلغه عنا، فتكون بذلك من الخاسرين الذين أضاعوا دنياهم وأخراهم.قال الآلوسى: «وفائدة النهى في الموضعين التهييج والإلهاب نظير ما مر. والمراد بذلك الإعلام بأن الامتراء والتكذيب قد بلغا في القبح والمحذورية إلى حيث ينبغي أن ينهى عنهما من لا يمكن أن يتصف بهما، فكيف بمن يمكن اتصافه بذلك..» .
اِنَّ الَّذِیْنَ حَقَّتْ عَلَیْهِمْ كَلِمَتُ رَبِّكَ لَا یُؤْمِنُوْنَۙ(۹۶)
بیشک وہ جن پر تیرے رب کی بات ٹھیک پڑچکی ہے (ف۲۰۳) ایمان نہ لائیں گے،
وقوله: إِنَّ الَّذِينَ حَقَّتْ عَلَيْهِمْ كَلِمَتُ رَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ، وَلَوْ جاءَتْهُمْ كُلُّ آيَةٍ حَتَّى يَرَوُا الْعَذابَ الْأَلِيمَتوبيخ للكافرين على إصرارهم على الكفر، وجحودهم للحق.والمراد بكلمة ربك: حكمه النافذ، وقضاؤه الذي لا يرد، وسنته التي لا تتغير ولا تتبدل في الهداية والإضلال.والمراد بالآية: المعجزات والبراهين الدالة على صدق الرسول صلى الله عليه وسلم.أى: إن الذين حكم الله- تعالى- عليهم بعدم الإيمان- لأنهم استحبوا العمى على الهدى- لا يؤمنون بالحق الذي جئت به- أيها الرسول الكريم.. مهما سفت لهم من معجزات وبراهين دالة على صدقك..ولكنهم سيؤمنون بأن ما جئت به هو الحق، حين يرون العذاب الأليم وقد نزل بهم من كل جانب.وهنا سيكون إيمانهم كلا إيمان، لأنه جاء في غير وقته، وصدق الله إذ يقول: فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ إِيمانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنا.. .وسيكون حالهم كحال فرعون، الذي عند ما أدركه الغرق قال آمنت.وبذلك ترى الآيات الكريمة قد نهت عن الشك والافتراء في شأن الحق الذي جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم بأبلغ أسلوب، وأقوى بيان، كما بينت سنة من سنن الله في خلقه، وهي أن من لا يأخذ بأسباب الهدى لا يهتدى، ومن لا يفتح بصيرته للنور لا يراه، فتكون نهايته إلى الضلال، مهما تكن الآيات والبينات الدالة على طريق الحق.ثم فتحت السورة الكريمة للمكذبين باب الأمل والنجاة، فذكرتهم بقوم يونس- عليه السلام- الذين نجوا من العذاب بسبب إيمانهم، كما ذكرتهم بإرادة الله التامة، وقدرته النافذة، ودعتهم إلى الاعتبار والاتعاظ بما اشتمل عليه هذا الكون.استمع إلى السورة الكريمة وهي تسوق كل ذلك وغيره بأسلوبها البليغ المؤثر فتقول:
وَ لَوْ جَآءَتْهُمْ كُلُّ اٰیَةٍ حَتّٰى یَرَوُا الْعَذَابَ الْاَلِیْمَ(۹۷)
اگرچہ سب نشانیاں ان کے پاس آئیں جب تک دردناک عذاب نہ دیکھ لیں (ف۲۰۴)
وقوله: إِنَّ الَّذِينَ حَقَّتْ عَلَيْهِمْ كَلِمَتُ رَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ، وَلَوْ جاءَتْهُمْ كُلُّ آيَةٍ حَتَّى يَرَوُا الْعَذابَ الْأَلِيمَتوبيخ للكافرين على إصرارهم على الكفر، وجحودهم للحق.والمراد بكلمة ربك: حكمه النافذ، وقضاؤه الذي لا يرد، وسنته التي لا تتغير ولا تتبدل في الهداية والإضلال.والمراد بالآية: المعجزات والبراهين الدالة على صدق الرسول صلى الله عليه وسلم.أى: إن الذين حكم الله- تعالى- عليهم بعدم الإيمان- لأنهم استحبوا العمى على الهدى- لا يؤمنون بالحق الذي جئت به- أيها الرسول الكريم.. مهما سفت لهم من معجزات وبراهين دالة على صدقك..ولكنهم سيؤمنون بأن ما جئت به هو الحق، حين يرون العذاب الأليم وقد نزل بهم من كل جانب.وهنا سيكون إيمانهم كلا إيمان، لأنه جاء في غير وقته، وصدق الله إذ يقول: فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ إِيمانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنا.. .وسيكون حالهم كحال فرعون، الذي عند ما أدركه الغرق قال آمنت.وبذلك ترى الآيات الكريمة قد نهت عن الشك والافتراء في شأن الحق الذي جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم بأبلغ أسلوب، وأقوى بيان، كما بينت سنة من سنن الله في خلقه، وهي أن من لا يأخذ بأسباب الهدى لا يهتدى، ومن لا يفتح بصيرته للنور لا يراه، فتكون نهايته إلى الضلال، مهما تكن الآيات والبينات الدالة على طريق الحق.ثم فتحت السورة الكريمة للمكذبين باب الأمل والنجاة، فذكرتهم بقوم يونس- عليه السلام- الذين نجوا من العذاب بسبب إيمانهم، كما ذكرتهم بإرادة الله التامة، وقدرته النافذة، ودعتهم إلى الاعتبار والاتعاظ بما اشتمل عليه هذا الكون.استمع إلى السورة الكريمة وهي تسوق كل ذلك وغيره بأسلوبها البليغ المؤثر فتقول:
فَلَوْ لَا كَانَتْ قَرْیَةٌ اٰمَنَتْ فَنَفَعَهَاۤ اِیْمَانُهَاۤ اِلَّا قَوْمَ یُوْنُسَؕ-لَمَّاۤ اٰمَنُوْا كَشَفْنَا عَنْهُمْ عَذَابَ الْخِزْیِ فِی الْحَیٰوةِ الدُّنْیَا وَ مَتَّعْنٰهُمْ اِلٰى حِیْنٍ(۹۸)
تو ہوئی ہوتی نہ کوئی بستی (ف۲۰۵) کہ ایمان لاتی (ف۲۰۶) تو اس کا ایمان کام آتا ہاں یونس کی قوم، جب ایمان لائے ہم نے ان سے رسوائی کا عذاب دنیا کی زندگی میں ہٹادیا اور ایک وقت تک انہیں برتنے دیا (ف۲۰۷)
قال القرطبي ما ملخصه: «روى في قصة يونس- عليه السلام- عن جماعة من المفسرين، أن قوم يونس كانوا بنينوى من أرض الموصل- بالعراق- وكانوا يعبدون الأصنام، فأرسل الله إليهم يونس يدعوهم إلى الإسلام، وترك ما هم عليه فأبوا، فقيل: إنه أقام يدعوهم تسع سنين فيئس من إيمانهم. فقيل له: أخبرهم أن العذاب مصبحهم إلى ثلاث ففعل. وقالوا: هو رجل لا يكذب فارقبوه، فإن أقام معكم وبين أظهركم فلا عليكم، وإن ارتحل عنكم، فهو نزول العذاب لا شك ...فلما كان الليل تزود يونس وخرج عنهم، فأصبحوا فلم يجدوه، فآمنوا وتابوا، ودعوا الله ولبسوا المسوح، وفرقوا بين الأمهات والأولاد من الناس والبهائم، وردوا المظالم..قال الزجاج: إنهم لم يقع بهم العذاب، وإنما رأوا العلامة التي تدل على العذاب، ولو رأوا العذاب لما نفعهم الإيمان» .وكلمة فَلَوْلا في قوله- سبحانه- فَلَوْلا كانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ ... للحث والتحضيض، فهي بمعنى هلا.والمقصود بالقرية أهلها وهم أقوام الأنبياء السابقين، وهي اسم كان. وقوله آمَنَتْ خبرها. وقوله فَنَفَعَها إِيمانُها معطوف على آمَنَتْ.والمعنى: فهلا عاد المكذبون إلى رشدهم وصوابهم، فآمنوا بالحق الذي جاءتهم به رسلهم، فنجوا بذلك من عذاب الاستئصال الذي حل بهم فقطع دابرهم، كما نجا منه قوم يونس- عليه السلام- فإنهم عند ما رأوا أمارات العذاب الذي أنذرهم به نبيهم آمنوا وصدقوا، فكشف الله عنهم هذا العذاب الذي كاد ينزل بهم، ومتعهم بالحياة المقدرة لهم، إلى حين انقضاء آجالهم في هذه الدنيا.قال الإمام الشوكانى: والاستثناء بقوله: إِلَّا قَوْمَ يُونُسَ.. منقطع، وهو استثناء من القرية لأن المراد أهلها.والمعنى: فهلا قرية واحدة من القرى التي أهلكناها آمنت إيمانا معتدا به- وذلك بأن يكون خالصا لله- قبل معاينة العذاب، ولم تؤخره كما أخره فرعون، لكن قوم يونس «لما آمنوا» إيمانا معتدا به قبل معاينة العذاب، أو عند أول المعاينة قبل حلوله بهم «كشفنا عنهم عذاب الخزي» أى: الذل والهوان.وقيل يجوز أن يكون متصلا، والجملة في معنى النفي، كأنه قيل: ما آمنت قرية من القرى الهالكة إلا قوم يونس..» .وقال الشيخ القاسمى ما ملخصه: «وما يرويه بعض المفسرين هنا من أن العذاب نزل عليهم، وجعل يدور على رءوسهم.. ونحو هذا، ليس له أصل لا في القرآن ولا في السنة ...وفي الآية إشارة إلى أنه لم توجد قرية آمنت بأجمعها بنبيها المرسل إليها من سائر القرى، سوى قوم يونس.والبقية دأبهم التكذيب، كلهم أو أكثرهم، كما قال- تعالى- وَكَذلِكَ ما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ إِلَّا قالَ مُتْرَفُوها إِنَّا وَجَدْنا آباءَنا عَلى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلى آثارِهِمْ مُقْتَدُونَ.وفي الحديث الصحيح: «عرض على الأنبياء، فجعل النبي يمر ومعه الفئام من الناس- أى العدد القليل- والنبي معه الرجل، والنبي معه الرجلان، والنبي ليس معه أحد» .وفي الآية الكريمة- أيضا- تسلية الرسول صلى الله عليه وسلم عما أصابه من حزن بسبب إعراض قومه عن دعوته، وفيها كذلك تعريض بأهل مكة، وإنذارهم من سوء عاقبة الإصرار على الكفر والجحود، وحض لهم على أن يكونوا كقوم يونس- عليه السلام- الذين آمنوا قبل نزول العذاب فنفعهم إيمانهم.
وَ لَوْ شَآءَ رَبُّكَ لَاٰمَنَ مَنْ فِی الْاَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِیْعًاؕ-اَفَاَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتّٰى یَكُوْنُوْا مُؤْمِنِیْنَ(۹۹)
اور اگر تمہارا رب چاہتا زمین میں جتنے ہیں سب کے سب ایمان لے آتے (ف۲۰۸) تو کیا تم لوگوں کو زبردستی کرو گے یہاں تک کہ مسلمان ہوجائیں (ف۲۰۹)
ثم أضاف- سبحانه- إلى هذه التسلية لرسوله صلى الله عليه وسلم تسلية أخرى فقال: وَلَوْ شاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعاً ... ومفعول المشيئة محذوف والتقدير:ولو شاء ربك- يا محمد- إيمان أهل الأرض كلهم جميعا لآمنوا دون أن يتخلف منهم أحد، ولكنه- سبحانه- لم يشأ ذلك، لأنه مخالف للحكمة التي عليها أساس التكوين والتشريع، والإثابة والمعاقبة، فقد اقتضت حكمته- سبحانه- أن يخلق الكفر والإيمان، وأن يحذر من الكفر ويحض على الإيمان، ثم بعد ذلك من كفر فعليه تقع عقوبة كفره، ومن آمن فله ثواب إيمانه.والهمزة في قوله- سبحانه- أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ للاستفهام الإنكارى، والفاء للتفريع.والمراد بالناس: المصرين على كفرهم وعنادهم.والمعنى: تلك هي مشيئتنا لو أردنا إنفاذها لنفذناها، ولكننا لم نشأ ذلك فهل أنت يا محمد في وسعك أن تكره الناس الذين لم يرد الله هدايتهم على الإيمان؟.لا، ليس ذلك في وسعك ولا في وسع الخلق جميعا، بل الذي في وسعك هو التبليغ لما أمرناك بتبليغه.وفي هذه الجملة الكريمة تسلية أخرى للرسول صلى الله عليه وسلم ودفع لما يضيق به صدره، من إعراض بعض الناس عن دعوته.
وَ مَا كَانَ لِنَفْسٍ اَنْ تُؤْمِنَ اِلَّا بِاِذْنِ اللّٰهِؕ-وَ یَجْعَلُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِیْنَ لَا یَعْقِلُوْنَ(۱۰۰)
اور کسی جان کی قدرت نہیں کہ ایمان لے آئے مگر اللہ کے حکم سے (ف۲۱۰) اور عذاب ان پر ڈالنا ہے جنہیں عقل نہیں،
وقوله- سبحانه- وَما كانَ لِنَفْسٍ أَنْ تُؤْمِنَ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ ... تأكيد لما اشتملت عليه الآية السابقة من قدرة نافذة لله- تعالى- أى: وما صح وما استقام لنفس من الأنفس، أن تؤمن في حال من الأحوال، إلا بإذن الله» أى: إلا بإرادته ومشيئته وتوفيقه وهدايته.وقوله: وَيَجْعَلُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لا يَعْقِلُونَ. معطوف على محذوف يدل عليه الكلام السابق دلالة الضد على الضد، والرجس: يطلق على الشيء القبيح المستقذر.والمعنى: وما كان لنفس أن تؤمن إلا بإذن الله، فيأذن لمن يشاء من تلك الأنفس بالإيمان، ويجعل الرجس أى الكفر وما يترتب عليه من عذاب على القوم الذين لم يستعملوا عقولهم فيما يهدى إلى الحق والخير، بل استعملوها فيما يوصل إلى الأباطيل والشرور.
قُلِ انْظُرُوْا مَا ذَا فِی السَّمٰوٰتِ وَ الْاَرْضِؕ-وَ مَا تُغْنِی الْاٰیٰتُ وَ النُّذُرُ عَنْ قَوْمٍ لَّا یُؤْمِنُوْنَ(۱۰۱)
تم فرماؤ دیکھو (ف۲۱۱) آسمانوں اور زمین میں کیا ہے (ف۲۱۲) اور آیتیں اور رسول انہیں کچھ نہیں دیتے جن کے نصیب میں ایمان نہیں،
ولما كان التأمل في ملكوت السموات والأرض، يعين على التفكير السليم، وعلى استعمال العقل فيما يهدى إلى الحق والخير، أمر الله- تعالى- الناس بالنظر والاعتبار فقال- سبحانه-: قُلِ انْظُرُوا ماذا فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ....أى: قل- أيها الرسول الكريم- لقومك: انظروا وتأملوا وتفكروا فيما اشتملت عليه السموات من شموس وأقمار، وكواكب ونجوم، وسحاب وأمطار ...وفيما اشتملت عليه الأرض من زروع وأنهار، ومن جبال وأشجار، ومن حيوانات ودواب متنوعة.انظروا إلى كل ذلك وتفكروا، فإن هذا التفكر يهدى أصحاب العقول السليمة إلى أن لهذا الكون إلها واحدا عليما قديرا، هو وحده المستحق للعبادة والطاعة.وقوله: وَما تُغْنِي الْآياتُ وَالنُّذُرُ عَنْ قَوْمٍ لا يُؤْمِنُونَ توبيخ للغافلين عن النظر السليم الذي يؤدى إلى الهداية.وما نافية، والمراد بالآيات: ما أشار إليه- سبحانه- قبل ذلك بقوله: ماذا فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ والنذر: جمع نذير، وهو من يخبر غيره بأمر مخوف حتى يحذره.والمعنى: انظروا وتفكروا واعتبروا بما في السموات والأرض من آيات بينات دالة على وحدانية الخالق وقدرته..ومع ذلك فإن الآيات مهما اتضحت، والنذر مهما تعددت، لا تجدى شيئا، بالنسبة لمن تركوا الإيمان، وأصروا على الجحود والعناد.ويجوز أن تكون ما للاستفهام الإنكارى، فيكون المعنى وأى شيء تجدى الآيات السماوية والأرضية، والنذر بحججها وبراهينها، أمام قوم جاحدين معاندين، قد استحبوا الكفر على الإيمان؟.
فَهَلْ یَنْتَظِرُوْنَ اِلَّا مِثْلَ اَیَّامِ الَّذِیْنَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِهِمْؕ-قُلْ فَانْتَظِرُوْۤا اِنِّیْ مَعَكُمْ مِّنَ الْمُنْتَظِرِیْنَ(۱۰۲)
تو انہیں کاہے کا انتظار ہے مگر انہیں لوگوں کے سے دنوں کا جو ان سے پہلے ہو گزرے (ف۲۱۳) تم فرماؤ تو انتظار کرو میں بھی تمہارے ساتھ انتظار میں ہوں (ف۲۱۴)
ثم ساق- سبحانه- للمكذبين برسوله صلى الله عليه وسلم تهديدا يخلع قلوبهم فقال: فَهَلْ يَنْتَظِرُونَ إِلَّا مِثْلَ أَيَّامِ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِهِمْ، قُلْ فَانْتَظِرُوا إِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُنْتَظِرِينَ.قال القرطبي: «الأيام هنا بمعنى الوقائع، يقال فلان عالم بأيام العرب أى بوقائعهم قال قتادة: يعنى وقائع الله في قوم نوح وعاد وثمود وغيرهم، والعرب تسمى العذاب أياما والنعم أياما، كقوله- تعالى- وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللَّهِ، وكل ما مضى لك من خير أو شر فهو أيام» .والمعنى: إذا كان الأمر كما قصصنا عليك من إثابتنا للمؤمنين، وجعل الرجس على الذين لا يعقلون، فهل ينتظر هؤلاء المكذبون لدعوتك، إلا العذاب الذي نزل بالمكذبين لدعوة الرسل من قبلك؟ فالاستفهام للتهكم والتقريع.وقوله: قُلْ فَانْتَظِرُوا إِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُنْتَظِرِينَ أمر من الله- تعالى- لنبيه صلى الله عليه وسلم بأن يستمر في تهديدهم ووعيدهم.أى: قل- يا محمد- لهؤلاء الجاحدين للحق الذي جئت به: إذا فانتظروا العذاب الذي نزل بالسابقين من أمثالكم، إنى معكم من المنتظرين لوعد ربي لي، ولوعيده لكم.
ثُمَّ نُنَجِّیْ رُسُلَنَا وَ الَّذِیْنَ اٰمَنُوْا كَذٰلِكَۚ-حَقًّا عَلَیْنَا نُنْجِ الْمُؤْمِنِیْنَ۠(۱۰۳)
پھر ہم اپنے رسولوں اور ایمان والوں کو نجات دیں گے بات یہی ہے ہمارے ذمہ کرم پر حق ہے مسلمانوں کو نجات دینا،
ثم ختم- سبحانه- هذه الآيات الكريمة ببيان سنة من سننه التي لا تتخلف ولا تتبدل فقال: ثُمَّ نُنَجِّي رُسُلَنا وَالَّذِينَ آمَنُوا، كَذلِكَ حَقًّا عَلَيْنا نُنْجِ الْمُؤْمِنِينَ.والجملة الكريمة عطف على محذوف، والتقدير: تلك سنتنا في خلقنا نهلك الأمم المكذبة ثُمَّ نُنَجِّي رُسُلَنا الذين أرسلناهم لإخراج الناس من ظلمات الكفر إلى نور الإيمان، وننجي- أيضا- الذين آمنوا برسلنا وصدقوهم وقوله كَذلِكَ حَقًّا عَلَيْنا نُنْجِ الْمُؤْمِنِينَ الكاف في كَذلِكَ بمعنى: مثل، وهي صفة لمصدر محذوف، واسم الإشارة يعود على الإنجاء الذي تكفل الله به للرسل السابقين ولمن آمن بهم ولفظ حَقًّا منصوب بفعل مقدر أى: حق ذلك علينا حقا أى: مثل ذلك الإنجاء الذي تكفلنا به لرسلنا ولمن آمن بهم، ننج المؤمنين بك- أيها الرسول الكريم-، ونعذب المصرين على تكذيبك، وهذا وعد أخذناه على ذاتنا فضلا منا وكرما.سُنَّةَ مَنْ قَدْ أَرْسَلْنا قَبْلَكَ مِنْ رُسُلِنا وَلا تَجِدُ لِسُنَّتِنا تَحْوِيلًا وبذلك ترى الآيات الكريمة قد حضت الضالين على الاقتداء بقوم يونس- عليه السلام- لكي ينجوا من العذاب، وذكرتهم بنفاذ إرادة الله وقدرته، ودعتهم إلى التفكر في ملكوت السموات والأرض، وأخبرتهم بأن سنة الله ماضية في إنجاء المؤمنين، وفي إهلاك المكذبين.وبعد هذا الحديث المتنوع الذي زخرت به سورة يونس- عليه السلام- عن وحدانية الله وقدرته، وعن صدق الرسول صلى الله عليه وسلم، وعن النفس الإنسانية وأحوالها، وعن يوم القيامة وأهوالها ...بعد كل ذلك وجهت في ختامها نداءين إلى الناس أمرتهم فيهما بإخلاص العبادة لله- تعالى- وبالاعتماد عليه وحده، وبتزكية نفوسهم ...استمع إلى السورة الكريمة في ختامها وهي تقول:
قُلْ یٰۤاَیُّهَا النَّاسُ اِنْ كُنْتُمْ فِیْ شَكٍّ مِّنْ دِیْنِیْ فَلَاۤ اَعْبُدُ الَّذِیْنَ تَعْبُدُوْنَ مِنْ دُوْنِ اللّٰهِ وَ لٰكِنْ اَعْبُدُ اللّٰهَ الَّذِیْ یَتَوَفّٰىكُمْ ۚۖ-وَ اُمِرْتُ اَنْ اَكُوْنَ مِنَ الْمُؤْمِنِیْنَۙ(۱۰۴)
تم فرماؤ، اے لوگو! اگر تم میرے دین کی طرف سے کسی شبہ میں ہو تو میں تو اسے نہ پوجوں کا جسے تم اللہ کے سوا پوجتے ہو (ف۲۱۵) ہاں اس اللہ کو پوجتا ہوں جو تمہاری جان نکالے گا (ف۲۱۶) اور مجھے حکم ہے کہ ایمان والوں میں ہوں،
والمعنى: قُلْ أيها الرسول الكريم، لجميع من ارتاب في دينك.يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي شَكٍّ مِنْ دِينِي الذي جئتكم به من عند الله- تعالى-، وترغبون في تحويلي عنه، فاعلموا أنى برىء من شككم ومن أديانكم التي أنتم عليها.ومادام الأمر كذلك، فأنا «لا أعبد الذين تعبدون من دون الله» من آلهة باطلة في حال من الأحوال.وَلكِنْ أَعْبُدُ اللَّهَ- تعالى- الذي خلقكم والَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ عند انقضاء آجالكم، ويعاقبكم على كفركم.وقوله وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ تأكيد لإخلاص عبادته صلى الله عليه وسلم لله وحده.أى: وأمرت من قبل خالقي- عز وجل- بأن أكون من المؤمنين بأنه لا معبود بحق سواه.وأوثر الخطاب باسم الجنس «الناس» مع تصديره بحرف التنبيه، تعميما للخطاب، وإظهارا لكمال العناية بشأن المبلغ إليهم.وعبر عن شكهم «بإن» المفيدة لعدم اليقين، مع أنهم قد شكوا فعلا في صحة هذا الدين بدليل عدم إيمانهم به، تنزيلا للمحقق منزلة المشكوك فيه، وتنزيها لساحة هذا الدين عن أن يتحقق الشك فيه من أى أحد، وتوبيخا لهم على وضعهم الأمور في غير مواضعها.وقدم- سبحانه- ترك عبادة الغير على عبادته- عز وجل-، إيذانا بمخالفتهم من أول الأمر، ولتقديم التخلية على التحلية.وتخصيص التوفي بالذكر، للتهديد والترهيب، أى: ولكن أعبد الله الذي يتوفاكم فيفعل بكم ما يفعل من العذاب الشديد، ولأنه أشد الأحوال مهابة في القلوب.
وَ اَنْ اَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّیْنِ حَنِیْفًاۚ-وَ لَا تَكُوْنَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِیْنَ(۱۰۵)
اور یہ کہ اپنا منہ دین کے لیے سیدھا رکھ سب سے الگ ہوکر (ف۲۱۷) اور ہرگز شرک والوں میں نہ ہونا،
وقوله: وَأَنْ أَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً ... معطوف على قوله: أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ.وحَنِيفاً حال من الدين أو من الوجه، والحنيف: هو المائل عن كل دين من الأديان إلى دين الإسلام.وخص الوجه بالذكر، لأنه أشرف الأعضاء.والمعنى: أن الله- سبحانه- أمره بالاستقامة في الدين. والثبات عليه، وعدم التزلزل عنه بحال من الأحوال.قال الآلوسى: «إقامة الوجه للدين، كناية عن توجيه النفس بالكلية إلى عبادته- تعالى-، والإعراض عما سواه، فإن من أراد أن ينظر إلى شيء نظر استقصاء، يقيم وجهه في مقابلته، بحيث لا يلتفت يمينا ولا شمالا، إذ لو التفت بطلت المقابلة، فلذا كنى به عن صرف العمل بالكلية إلى الدين، فالمراد بالوجه الذات.أى: اصرف ذاتك وكليتك للدين..» .وقوله- تعالى-: وَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ تأكيد للأمر بإخلاص العبادة لله- تعالى- وحده. وهو معطوف على أَقِمْ.أى: استقم على ما أنت عليه من إخلاص العبادة لله- تعالى- وحده واثبت على ذلك، ولا تكونن من الذين أشركوا مع الله آلهة أخرى.
وَ لَا تَدْعُ مِنْ دُوْنِ اللّٰهِ مَا لَا یَنْفَعُكَ وَ لَا یَضُرُّكَۚ-فَاِنْ فَعَلْتَ فَاِنَّكَ اِذًا مِّنَ الظّٰلِمِیْنَ(۱۰۶)
اور اللہ کے سوا اس کی بندگی نہ کر جو نہ تیرا بھلا کرسکے نہ برا، پھر اگر ایسا کرے تو اس وقت تو ظالموں سے ہوگا،
ثم أضاف- سبحانه- إلى ذلك تأكيدا آخر فقال: وَلا تَدْعُ مِنْ دُونِ اللَّهِ ما لا يَنْفَعُكَ وَلا يَضُرُّكَ.أى: ولا تدع من دون الله في أى وقت من الأوقات ما لا يَنْفَعُكَ إذا دعوته لدفع مكروه أو جلب محبوب وَلا يَضُرُّكَ إذا تركته وأهملته.فَإِنْ فَعَلْتَ شيئا مما نهيناك عنه فَإِنَّكَ إِذاً تكون مِنَ الظَّالِمِينَ الذين ظلموا أنفسهم بإيرادها مورد المهالك، لإشراكها مع الله- تعالى- آلهة أخرى.
وَ اِنْ یَّمْسَسْكَ اللّٰهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهٗۤ اِلَّا هُوَۚ-وَ اِنْ یُّرِدْكَ بِخَیْرٍ فَلَا رَآدَّ لِفَضْلِهٖؕ-یُصِیْبُ بِهٖ مَنْ یَّشَآءُ مِنْ عِبَادِهٖؕ-وَ هُوَ الْغَفُوْرُ الرَّحِیْمُ(۱۰۷)
اور اگر تجھے اللہ کوئی تکلیف پہنچائے تو اس کا کوئی ٹالنے والا نہیں اس کے سوا، اور اگر تیرا بھلا چاہے تو اس کے فضل کے رد کرنے والا کوئی نہیں (ف۲۱۸) اسے پہنچا تا ہے اپنے بندوں میں جسے چاہے، اور وہی بخشنے والا مہربان ہے،
ثم بين- سبحانه- أنه وحده هو الضار والنافع فقال: وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلا كاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ، وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلا رَادَّ لِفَضْلِهِ يُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ.«المس» : أعم من اللمس في الاستعمال، يقال: مسه السوء والكبر والعذاب والتعب، أى: أصابه ذلك ونزل به.والضر: اسم للألم والحزن وما يفضى إليهما أو إلى أحدهما، كما أن النفع اسم للذة والسرور وما يفضى إليهما أو إلى أحدهما.والخير: اسم لكل ما كان فيه منفعة أو مصلحة حاضرة أو مستقبلة.والمعنى: وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ كمرض وتعب وحزن، فلا كاشف له، أى: لهذا الضر إِلَّا هُوَ- سبحانه-.وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ كمنحة وغنى وقوة فَلا رَادَّ لِفَضْلِهِ أى: فلا يستطيع أحد أن يرد هذا الخير عنك.وعبر- سبحانه- بالفضل مكان الخير للإرشاد إلى تفضله على عباده بأكثر مما يستحقون من خيرات.وقوله يُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ أى: يصيب بذلك الفضل والخير مَنْ يَشاءُ إصابته مِنْ عِبادِهِ.وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ أى: وهو الكثير المغفرة والرحمة لمن تاب إليه، وتوكل عليه، وأخلص له العبادة.وفي معنى هذه الآية جاء قوله- تعالى-: ما يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلا مُمْسِكَ لَها،وَما يُمْسِكْ فَلا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ.وقال ابن كثير: «وروى ابن عساكر عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«اطلبوا الخير دهركم كله، وتعرضوا لنفحات ربكم، فإن لله نفحات من رحمته، يصيب بها من يشاء من عباده، واسألوه أن يستر عوراتكم، ويؤمن روعاتكم» .
قُلْ یٰۤاَیُّهَا النَّاسُ قَدْ جَآءَكُمُ الْحَقُّ مِنْ رَّبِّكُمْۚ-فَمَنِ اهْتَدٰى فَاِنَّمَا یَهْتَدِیْ لِنَفْسِهٖۚ-وَ مَنْ ضَلَّ فَاِنَّمَا یَضِلُّ عَلَیْهَاۚ-وَ مَاۤ اَنَا عَلَیْكُمْ بِوَكِیْلٍؕ(۱۰۸)
تم فرماؤ اے لوگو! تمہارے پاس تمہارے رب کی طرف سے حق آیا (ف۲۱۹) تو جو راہ پر آیا وہ اپنے بھلے کو راہ پر آیا (ف۲۲۰) اور جو بہکا وہ اپنے برے کو بہکا (ف۲۲۱) اور کچھ میں کڑوڑا (حاکمِ اعلیٰ) نہیں (ف۲۲۲)
ثم ختم- سبحانه- السورة الكريمة بنداء آخر- أمر رسوله صلى الله عليه وسلم أن يوجهه للناس فقال: قُلْ يا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جاءَكُمُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ ...أى: قل- أيها الرسول الكريم- مخاطبا جميع الناس، سواء منهم من سمع نداءك أم من سيبلغه هذا النداء من بعدك قل لهم جميعا: قَدْ جاءَكُمُ الْحَقُّ المتمثل في كتاب الله وفي سنتي مِنْ رَبِّكُمْ وليس من أحد سواه.فَمَنِ اهْتَدى إلى هذا الحق، وعمل بمقتضاه فَإِنَّما يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ أى: فإنما تكون منفعة هدايته لنفسه لا لغيره.وَمَنْ ضَلَّ عن هذا الحق وأعرض عنه فَإِنَّما يَضِلُّ عَلَيْها أى: فإنما يكون وبال ضلاله على نفسه.وَما أَنَا عَلَيْكُمْ بِوَكِيلٍ أى بحفيظ يحفظ أموركم، وإنما أنا بشير ونذير والله وحده هو الذي يتولى محاسبتكم على أعمالكم.ثم أمره- سبحانه- باتباع ما أوحاه إليه فقال: وَاتَّبِعْ ما يُوحى إِلَيْكَ وَاصْبِرْ حَتَّى يَحْكُمَ اللَّهُ، وَهُوَ خَيْرُ الْحاكِمِينَ.
وَ اتَّبِـعْ مَا یُوْحٰۤى اِلَیْكَ وَ اصْبِرْ حَتّٰى یَحْكُمَ اللّٰهُ ۚۖ-وَ هُوَ خَیْرُ الْحٰكِمِیْنَ۠(۱۰۹)
اور اس پر چلو جو تم پر وحی ہوتی ہے اور صبر کرو (ف۲۲۳) یہاں تک کہ اللہ حکم فرمائے (ف۲۲۴) اور وہ سب سے بہتر حکم فرمانے والا ہے (ف۲۲۵)
أى: وَاتَّبِعْ- أيها الرسول الكريم- في جميع شئونك ما يُوحى إِلَيْكَ من ربك من تشريعات حكيمة، وآداب قويمة..وَاصْبِرْ على مشاق الدعوة وتكاليفها..حَتَّى يَحْكُمَ اللَّهُ بينك وبين قومك، وَهُوَ خَيْرُ الْحاكِمِينَ. لأنه هو العليم بالظواهر والبواطن، وهو الذي لا معقب لحكمه.وبعد: فهذه هي سورة يونس- عليه السلام- رأينا ونحن نفسرها كيف أقامت الأدلة على وحدانية الله- عز وجل- وعلى كمال قدرته، وشمول علمه، ونفاذ إرادته، وسعة رحمته، وسمو عزته..وكيف أنها أقامت الأدلة- أيضا- على صدق الرسول صلى الله عليه وسلم فيما يبلغه عن ربه، وعلى أن هذا القرآن من عنده- سبحانه.وكيف أنها ساقت الأدلة على أن يوم القيامة حق، وعلى أحوال الناس فيه، مما يرقق القلوب القاسية، ويبعث في النفوس الخشية وحسن الاستعداد لهذا اليوم الهائل الشديد، وكيف أنها ساقت جانبا من أحوال بعض الأنبياء مع أممهم، وقررت سنة من سنن الله التي لا تتخلف، وهي نجاة رسل الله والمؤمنين بهم، وجعل الرجس على الذين لا يعقلون.وكيف أنها بينت أحوال الناس في السراء والضراء ... بيانا صادقا قويا مؤثرا، من شأنه أن يحملهم على التحلي بالأخلاق الكريمة والتخلي عن الأخلاق الذميمة.نسأل الله- تعالى- أن يجعل القرآن الكريم ربيع قلوبنا، وأنس نفوسنا.وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه وأتباعه أجمعين.
- English | Ahmed Ali
- Urdu | Ahmed Raza Khan
- Turkish | Ali-Bulaç
- German | Bubenheim Elyas
- Chinese | Chineese
- Spanish | Cortes
- Dutch | Dutch
- Portuguese | El-Hayek
- English | English
- Urdu | Fateh Muhammad Jalandhry
- French | French
- Hausa | Hausa
- Indonesian | Indonesian-Bahasa
- Italian | Italian
- Korean | Korean
- Malay | Malay
- Russian | Russian
- Tamil | Tamil
- Thai | Thai
- Farsi | مکارم شیرازی
- العربية | التفسير الميسر
- العربية | تفسير الجلالين
- العربية | تفسير السعدي
- العربية | تفسير ابن كثير
- العربية | تفسير الوسيط لطنطاوي
- العربية | تفسير البغوي
- العربية | تفسير القرطبي
- العربية | تفسير الطبري
- English | Arberry
- English | Yusuf Ali
- Dutch | Keyzer
- Dutch | Leemhuis
- Dutch | Siregar
- Urdu | Sirat ul Jinan