READ

Surah Yaseen

يـٰسٓ
83 Ayaat    مکیۃ


36:0
بِسْمِ اللّٰهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحِیْمِ
اللہ کے نام سے شروع جو بہت مہربان رحمت والا

سورة الفاتحة هي السورة الوحيدة التي أمر الإسلام أتباعه أن يقرءوها في كل صلاة. وفي جميع الركعات، وفي كل الأوقات، ولهذا أصبح حفظها ميسورا لكل مؤمن.وهذه السورة على صغر حجمها، وقلة آياتها، قد اشتملت بوجه إجمالي على مقاصد الدين من توحيد، وتعبد، وأحكام، ووعد ووعيد.ونرى من الخير قبل أن نبدأ في تفسيرها بالتفصيل، أن نمهد لذلك بالكلام عما يأتي:أولا: متى نزلت سورة الفاتحة؟للإجابة على هذا السؤال نقول: إن الرأي الراجح بين المحققين من العلماء أنها نزلت بمكة، بل هي من أوائل ما نزل من القرآن بمكة.وقيل: إنها مدنية. وقيل: إنها نزلت مرتين مرة بمكة حين فرضت الصلاة ومرة بالمدينة حين حولت القبلة.قال القرطبي: الأول أصح لقوله- تعالى- في سورة الحجر: وَلَقَدْ آتَيْناكَ سَبْعاً مِنَ الْمَثانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ وسورة الحجر مكية بالإجماع. ولا خلاف في أن فرض الصلاة كان بمكة، وما حفظ أنه لم يكن في الإسلام قط صلاة بغير الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ «يدل على ذلك قوله صلّى الله عليه وسلّم: «لا صلاة إلا بفاتحة الكتاب» . وهذا خبر عن الحكم لا عن الابتداء» .ثانيا: عدد آياتها: وهي سبع آيات لقوله- تعالى-: وَلَقَدْ آتَيْناكَ سَبْعاً مِنَ الْمَثانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ. قال العلماء: السبع المثاني هي الفاتحة.وقال ابن كثير: هي سبع آيات بلا خلاف. وقال عمرو بن عبيد: هي ثماني آيات لأنه جعل إِيَّاكَ نَعْبُدُ آية. وقال حسين الجعفي: هي ست آيات وهذان القولان شاذان» .ثالثا: أسماؤها: لسورة الفاتحة أسماء كثيرة من أشهرها:1- «الفاتحة أو فاتحة الكتاب، وسميت بذلك لأنه تفتتح قراءة القرآن بها لفظا. وتفتتح بها الكتابة في المصحف خطا، وتفتتح بها الصلوات، وإن لم تكن هي أول ما نزل من القرآن. وقد اشتهرت بهذا الاسم في أيام النبوة.وقد أصبح هذا الاسم علما بالغلبة لتلك الطائفة من الآيات التي مبدؤها الْحَمْدُ لِلَّهِ..ونهايتها.. وَلَا الضَّالِّينَ.2- «أم القرآن أو الكتاب» وسميت بذلك لاشتمالها إجمالا على المقاصد التي ذكرت فيه تفصيلا، أو لاشتمالها على ما فيه من الثناء على الله بما هو أهله، والتعبد بأمره ونهيه، وبيان وعده ووعيده، أو على جملة معانيه من الحكم النظرية، والأحكام العملية التي هي سلوك الصراط المستقيم، والاطلاع على معارج السعداء ومنازل الأشقياء.قال ابن جرير: «والعرب تسمى كل أمر جامع أمّا، وكل مقدم له توابع تتبعه «أما» فتقول للجلدة التي تجمع الدماغ: «أم الرأس» . وتسمى لواء الجيش ورايتهم التي يجتمعون تحتها «أما» .3- «السبع المثاني» جمع مثنى كفعلي اسم مكان. أو مثنى- بالتشديد- من التثنية على غير قياس. وسميت بذلك لأنها سبع آيات في الصلاة، أى تكرر فيها أخرج الإمام أحمد، عن أبي هريرة، عن النبي صلّى الله عليه وسلّم أنه قال: «هي أم القرآن، وهي السبع المثاني، وهي القرآن العظيم» .4- وتسمى- أيضا- سورة «الحمد» . 5- و «الكنز» . 6- و «الواقية» .7- و «الشفاء» ، لحديث. هي الشفاء من كل داء.8- و «الكافية» لأنها تكفي عن سواها ولا يكفى سواها عنها.9- و «الأساس» . 10- و «الرقية» .هذا، وقد ذكر القرطبي للفاتحة اثنى عشر اسما، كما ذكر السيوطي لها في كتابه «الإتقان» خمسة وعشرين اسما.رابعا: فضلها: ورد في فضل سورة الفاتحة أحاديث كثيرة منها:ما رواه البخاري في صحيحه عن أبي سعيد بن المعلى- رضي الله عنه- قال:كنت أصلي في المسجد، فدعاني النبي صلّى الله عليه وسلّم فلم أجبه فقلت: يا رسول الله، إني كنت أصلّي.فقال: ألم يقل الله: اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذا دَعاكُمْ.ثم قال لي: «لأعلمنك سورة هي أعظم السور في القرآن قبل أن تخرج من المسجد» . ثم أخذ بيدي، فلما أراد أن يخرج، قلت: يا رسول الله. ألم تقل: لأعلمنك سورة هي أعظم سورة في القرآن. قال: الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ، هي السبع المثاني والقرآن العظيم الذي أوتيته» .وروى مسلّم والنسائي، عن ابن عباس، قال:بينما جبريل قاعد عند النبي صلّى الله عليه وسلّم سمع نقيضا من فوقه- أي: صوتا- فرفع رأسه فقال:هذا باب من السماء فتح اليوم لم يفتح قط إلا اليوم. فسلّم وقال: أبشر بنورين قد أوتيتهما، ولم يؤتهما نبي قبلك: فاتحة الكتاب، وخواتيم سورة البقرة، لم تقرأ بحرف منهما إلا أعطيته» .وروى مسلّم عن أبي هريرة- رضي الله عنه- عن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال:«من صلّى صلاة لم يقرأ فيها بأم القرآن فهي خداج (ثلاثا) : غير تمام» فقيل لأبي هريرة: إنا نكون وراء الإمام؟ فقال: اقرأ بها في نفسك فإني سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: قال الله- تعالى-: «قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين، ولعبدي ما سأل» ، فإذا قال العبد:الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ. قال الله: حمدني عبدي، وإذا قال: الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ. قال الله تعالى: أثنى علي عبدي. وإذا قال: مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ قال الله: مجدني عبدي. فإذا قال:إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ. قال الله: هذا بيني وبين عبدي ولعبدي ما سأل. فإذا قال:اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ. صِراطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ.قال الله: «هذا لعبدي ولعبدي ما سأل» .وأخرج الإمام أحمد في مسنده، عن عبد الله بن جابر، أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال له: ألا أخبرك بأخير سورة في القرآن؟ قلت: بلى يا رسول الله. قال: اقرأ: الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ حتى تختمها .تلك هي بعض الأحاديث التي وردت في فضل هذه السورة الكريمة.وقد ذكر العلماء أنه يسن للمسلّم قبل القراءة أن يستعيذ بالله من الشيطان الرجيم، استجابة لقوله- تعالى- فَإِذا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطانِ الرَّجِيمِ .ومعنى «أعوذ بالله من الشيطان الرجيم» : ألتجئ إلى الله وأتحصن به، واستجير بجنابه من الشيطان الرجيم أن يضرني في ديني أو دنياي.قال ابن كثير: «والشيطان في لغة العرب كل متمرد من الجن والإنس والدواب وكل شيء.وهو مشتق من شطن إذا بعد، فهو بعيد بطبعه عن طباع الشر، وبعيد بفسقه عن كل خير.وقيل: مشتق من شاط لأنه مخلوق من نار. والأول أصح إذ عليه يدل كلام العرب، فهم:يقولون تشيطن فلان إذا فعل أفعال الشيطان، ولو كان من شاط. لقالوا: تشيط، فالشيطان مشتق من البعد على الصحيح» .والرجيم: فعيل بمعنى مفعول أي أنه مرجوم مطرود من رحمة الله ومن كل خير، وقيل:رجيم بمعنى راجم لأنه يرجم الناس بالوساوس والشكوك.قال بعض العلماء: «وإنما خصت القراءة بطلب الاستعاذة مع أنه قد أمر بها على وجه العموم في جميع الشئون، لأن القرآن مصدر الهداية والشيطان مصدر الضلال، فهو يقف للإنسان بالمرصاد في هذا الشأن على وجه خاص، فيثير أمامه ألوانا من الشكوك فيما يقرأ، وفيما يفيد من قراءته، وفيما يقصد بها، فيفوت عليه الانتفاع بهدى الله وآياته، فعلمنا الله أن نتقي ذلك كله بهذه الاستعاذة التي هي في الواقع عنوان صدق، وتعبير حق، عن امتلاء قلب المؤمن بمعنى اللجوء إلى الله، وقوة عزيمته في طرد الوساوس والشكوك، واستقبال الهداية بقلب طاهر،وعقل واع، وإيمان ثابت» .قال القرطبي: وقد أجمع العلماء على أن التعوذ ليس من القرآن ولا آية منه، وهو قول القارئ: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم .والآن وبعد هذا التمهيد الموجز الذي تكلمنا فيه عن نزول سورة الفاتحة، وعن عدد آياتها، وعن أشهر أسمائها، وعن بعض الأحاديث التي وردت في فضلها نحب أن نبدأ في تفسير السورة الكريمة فنقول- وبالله التوفيق-: بسم ٱلله الرَّحْمٰنِ الرَّحِيمِ الاسم: اللفظ الذى يدل على ذات أو معنى. وقد اختلف النحويون في اشتقاقه على وجهين، فقال البصريون: هو مشتق من السمو، وهو العلو والرفعة، فقيل: اسم، لأن صاحبه بمنزلة المرتفع به.وقال الكوفيون: إنه مشتق من السمة وهي العلامة، لأن الاسم علامة لمن وضع له، فأصل اسم على هذا " وسم ".ويرى المحققون أن رأي البصريين أرجح، لأنه يقال في تصغير " اسم " سُمىَ، وفي جمعه أسماء، والتصغير والجمع يردان الأشياء إلى أصولها. ولو كان أصله وسم - كما قال الكوفيون - لقيل في جمعه: أوسام، وفي تصغيره وسيم.ولفظ الجلالة وهو " الله " علم على ذات الخالق - عز وجل - تفرد به - سبحانه - ولا يطلق على غيره، ولا يشاركه فيه أحد.قال القرطبي: قوله " الله " هذا الاسم أكبر أسمائه - سبحانه - وأجمعها حتى قال بعض العلماء: إنه اسم الله الأعظم ولم يتسم به غيره، ولذلك لم يثن ولم يجمع: فالله اسم للموجود الحق الجامع لصفات الإِلهية، المنعوت بنعوت الربوبيه، المنفرد بالوجود الحقيقي، لا إله إلا هو - سبحانه -و ٱلرَّحْمٰنِ ٱلرَّحِيمِ صفتان مشتقتان من الرحمة. والرحمة في أصل اللغة: رقة في القلب تقتضي الإِحسان، وهذا المعنى لا يليق أن يكون وصفاً لله - تعالى-، ولذا فسرها بعض العلماء بإرادة الإِحسان. وفسرها آخرون بالإِحسان نفسه.والموافق لمذهب السلف أن يقال: هي صفة قائمة بذاته - تعالى - لا نعرف حقيقتها، وإنما نعرف أثرها الذي هو الإِحسان.وقد كثرت أقوال المفسرين في العلاقة بين هاتين الصفتين، فبعضهم يرى أن ٱلرَّحْمٰنِ هو المنعم على جميع الخلق. وأن ٱلرَّحِيمِ هو المنعم على المؤمنين خاصه. ويرى آخرون أن ٱلرَّحْمٰنِ هو المنعم بجلائل النعم، وأن ٱلرَّحِيمِ هو المنعم بدقائقها.ويرى فريق ثالث أن الوصفين بمعنى واحد وأن الثاني منهما تأكيد للأول. والذى يراه المحققون من العلماء أن الصفتين ليستا بمعنى واحد، بل روعي فب كل منهما معنى لم يراع في الآخر، فالرحمن بمعنى عظيم الرحمة، لأن فعلان صيغة مبالغة في كثرة الشيء وعظمته، ويلزم منه الدوام كغضبان وسكران. والرحيم بمعنى دائم الرحمة، لأن صيغته فعيل تستعمل في الصفات الدائمة ككريم وظريف. فكأنه قيل: العظيم الرحمة الدائمة.أو أن ٱلرَّحْمٰنِ صفة ذاتية هي مبدأ الرحمة والإِحسان. و ٱلرَّحِيمِ صفة فعل تدل على وصول الرحمة والإِحسان وتعديهما إلى المنعم عليه.ولعل مما يؤيد ذلك أن لفظ الرحمن لم يذكر في القرآن إلا مجرى عليه الصفات كما هو الشأنِ في أسماء الذات. قال - تعالى-: ٱلرَّحْمَٰنُ عَلَّمَ ٱلْقُرْآنَ و ٱلرَّحْمَٰنُ عَلَى ٱلْعَرْشِ ٱسْتَوَىٰ قُلِ ٱدْعُواْ ٱللَّهَ أَوِ ٱدْعُواْ ٱلرَّحْمَٰنَ وهكذا...أما لفظ الرحيم فقد كثر في القرآن استعماله وصفاً فعلياً، وجاء في الغالب بأسلوب التعدية والتعلق بالمنعم عليه. قال - تعالى - إِنَّ ٱللَّهَ بِٱلنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَّحِيمٌ وَكَانَ بِٱلْمُؤْمِنِينَ رَحِيماً إِنَّهُ كَانَ بِكُمْ رَحِيماً إلخ.قال بعض العلماء " وهذا الرأي في نظرنا هو أقوى الآراء، فإن تخصيص أحد الوصفين بدقائق النعم أو ببعض المنعم عليهم لا دليل عليه، كما أنه ليس مستساغاً أن يقال في القرآن: إن كلمة ذكرت بعد أخرى لمجرد تأكيد المعنى المستفاد منها ".والجار والمجرور " بسم " متعلق بمحذوف تقديره ابتدئ.والمعنى: ابتدئ قراءتي متبركاً ومتيمناً باسم الله الذى هو الأول والآخر، والظاهر والباطن، والذى رحمته وسعت كل شيء، وأتبرأ مما كان يفعله المشركون والضالون، من ابتدائهم قراءتهم وأفعالهم باسم اللات أو باسم العزى أو باسم غيرهما من الآلهة الباطلة.هذا وقد أجمع العلماء على أن البسملة جزء آية من سورة النمل فى قوله - تعالى - إِنَّهُ مِن سُلَيْمَانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ ٱللَّهِ ٱلرَّحْمَٰنِ ٱلرَّحِيمِ ثم اختلفوا بعد ذلك في كونها آية مستقلة أنزلت للفصل بين السور مرة واحدة، أو هى آية من سورة الفاتحة ومن كل سورة ألخ.فبعضهم يرى أن البسملة آية من الفاتحة ومن كل سورة، ومن حججهم أن السلف قد أثبتوها في المصحف مع الأمر بتجريد القرآن مما ليس منه، ولذا لم يكتبوا " آمين ". فثبت بهذا أن البسملة جزء من الفاتحة ومن كل سورة.وبهذا الرأي قال ابن عباس وابن عمر وأبو هريرة وسعيد بن جبير والشافعي، وأحمد في أحد قوليه.ويرى آخرون أن البسملة ليست آية من الفاتحة ولا من غيرها من السور، وقالوا: إنها آية فذة. من القرآن أنزلت للفصل والتبرك للابتداء بها، ومن حججهم أنها لو كانت آية من الفاتحة ومن كل سورة، لما اختلف الناس في ذلك، ولما اضطربت أقوالهم في كونها آية من كل سورة أو من الفاتحة فقط.وكما وقع الخلاف بين العلماء في كونها آية مستقلة أو آية من كل سورة، فقد وقع الخلاف بينهم - أيضاً - في وجوب قراءتها فى الصلاة، وفي الجهر بها أو الإِسرار إذا قرئت.وتحقيق القول في ذلك مرجعه إلى كتب الفقه، وإلى كتب التفسير التي عنيت بتفسير آيات الأحكام.
36:1
یٰسٓۚ(۱)
یسٰں

مقدّمة1- سورة «يس» من السور التي يحفظها كثير من الناس، لاشتهارها فيما بينهم، وهي السورة السادسة والثلاثون في ترتيب المصحف، وكان نزولها بعد سورة «الجن» .قال القرطبي: وهي مكية بإجماع، وهي ثلاث وثمانون آية. إلا أن فرقة قالت: إن قوله تعالى-: وَنَكْتُبُ ما قَدَّمُوا وَآثارَهُمْ ... نزلت في بنى سلمة من الأنصار، حين أرادوا أن يتركوا ديارهم، وينتقلوا إلى جوار مسجد الرسول صلّى الله عليه وسلم .2- وقد ذكروا في فضلها كثيرا من الآثار، إلا أن معظم هذه الآثار ضعفها المحققون من العلماء، لذا نكتفي بذكر ما هو مقبول منها.قال ابن كثير ما ملخصه: أخرج الحافظ أبو يعلى عن أبى هريرة قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلم يقول: «من قرأ «يس» في ليلة أصبح مغفورا له» ...وأخرج ابن حيان في صحيحه، عن جندب بن عبد الله قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم:«من قرأ «يس» في ليلة ابتغاء وجه الله غفر له» .وأخرج الإمام أحمد في مسنده، عن معقل بن يسار، أن رسول الله صلّى الله عليه وسلم قال: «البقرة سام القرآن، ويس قلب القرآن. لا يقرأها رجل يريد الله والدار الآخرة إلا غفر له، واقرءوها على موتاكم» أى: في ساعات الاحتضار وعند خروج الروح.قال الإمام أحمد: حدثنا أبو المغيرة، حدثنا صفوان. قال: كان المشيخة يقولون: إذا قرئت- يعنى يس- عند الميت، خفف عنه بها .وقال الآلوسى ما ملخصه: صح من حديث الإمام أحمد، وأبى داود، وابن ماجة، والطبراني، وغيرهم عن معقل بن يسار، أن رسول الله صلّى الله عليه وسلم قال: «يس قلب القرآن» .وذكر أنها تسمى المعمّة، والمدافعة، والقاضية، ومعنى المعمة: التي تعم صاحبها بخير الدنيا والآخرة. ومعنى المدافعة التي تدفع عن صاحبها كل سوء، ومعنى القاضية: التي تقضى له كل حاجة- بإذن الله وفضله.3- وقد افتتحت سورة «يس» بتأكيد صدق الرسول صلّى الله عليه وسلم فيما يبلغه عن ربه، وبتكذيب أعدائه الذين أعرضوا عن دعوته، وبتسليته عما أصابه منهم من أذى.قال- تعالى-: يس وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ. إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ. عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ. تَنْزِيلَ الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ. لِتُنْذِرَ قَوْماً ما أُنْذِرَ آباؤُهُمْ فَهُمْ غافِلُونَ. لَقَدْ حَقَّ الْقَوْلُ عَلى أَكْثَرِهِمْ فَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ.4- ثم ساقت السورة الكريمة بعد ذلك قصة أصحاب القرية، وما جرى بينهم وبين الرسل الذين جاءوا إليهم لهدايتهم، وكيف أهلك الله- تعالى- المكذبين لرسله ...قال- سبحانه-: وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلًا أَصْحابَ الْقَرْيَةِ إِذْ جاءَهَا الْمُرْسَلُونَ. إِذْ أَرْسَلْنا إِلَيْهِمُ اثْنَيْنِ فَكَذَّبُوهُما فَعَزَّزْنا بِثالِثٍ فَقالُوا إِنَّا إِلَيْكُمْ مُرْسَلُونَ. قالُوا ما أَنْتُمْ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنا، وَما أَنْزَلَ الرَّحْمنُ مِنْ شَيْءٍ إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا تَكْذِبُونَ. قالُوا رَبُّنا يَعْلَمُ إِنَّا إِلَيْكُمْ لَمُرْسَلُونَ. وَما عَلَيْنا إِلَّا الْبَلاغُ الْمُبِينُ.5- ثم تسوق السورة الكريمة بعد ذلك، ألوانا من مظاهر قدرة الله- تعالى-، ومن نعمه على عباده، تلك النعم التي نراها في الأرض التي نعيش عليها، وفي الخيرات التي تخرج منها، كما نراها في الليل والنهار. وفي الشمس وفي القمر، وفي غير ذلك من مظاهر نعمه التي لا تحصى.قال- تعالى- وَآيَةٌ لَهُمُ الْأَرْضُ الْمَيْتَةُ أَحْيَيْناها، وَأَخْرَجْنا مِنْها حَبًّا فَمِنْهُ يَأْكُلُونَ. وَجَعَلْنا فِيها جَنَّاتٍ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنابٍ، وَفَجَّرْنا فِيها مِنَ الْعُيُونِ. لِيَأْكُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ، وَما عَمِلَتْهُ أَيْدِيهِمْ أَفَلا يَشْكُرُونَ. سُبْحانَ الَّذِي خَلَقَ الْأَزْواجَ كُلَّها مِمَّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ، وَمِنْ أَنْفُسِهِمْ وَمِمَّا لا يَعْلَمُونَ.6- وبعد هذا البيان الحكيم لمظاهر قدرة الله- تعالى-، وفضله على عباده، حكت السورة الكريمة جانبا من دعاوى المشركين الباطلة، وردت عليهم بما يخرس ألسنتهم، وصورت أحوالهم عند ما يخرجون من قبورهم مسرعين، ليقفوا بين يدي الله- تعالى للحساب والجزاء ...قال- تعالى-: وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَإِذا هُمْ مِنَ الْأَجْداثِ إِلى رَبِّهِمْ يَنْسِلُونَ. قالُوا يا وَيْلَنا مَنْ بَعَثَنا مِنْ مَرْقَدِنا، هذا ما وَعَدَ الرَّحْمنُ وَصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ. إِنْ كانَتْ إِلَّا صَيْحَةً واحِدَةً فَإِذا هُمْ جَمِيعٌ لَدَيْنا مُحْضَرُونَ. فَالْيَوْمَ لا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً، وَلا تُجْزَوْنَ إِلَّا ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ.7- وبعد أن تحكى السورة الكريمة ما أعده الله تعالى بفضله وكرمه لعباده المؤمنين، من جنات النعيم، ومن خير عميم، تعود فتحكى ما سيكون عليه الكافرون من هم وغم، وكرب وبلاء، بسبب كفرهم، وتكذيبهم للحق الذي جاءهم به نبيهم صلّى الله عليه وسلم.قال- تعالى-: أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يا بَنِي آدَمَ أَنْ لا تَعْبُدُوا الشَّيْطانَ، إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ. وَأَنِ اعْبُدُونِي هذا صِراطٌ مُسْتَقِيمٌ. وَلَقَدْ أَضَلَّ مِنْكُمْ جِبِلًّا كَثِيراً أَفَلَمْ تَكُونُوا تَعْقِلُونَ. هذِهِ جَهَنَّمُ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ. اصْلَوْهَا الْيَوْمَ بِما كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ.8- ثم تنزه السورة الكريمة النبي صلّى الله عليه وسلم عما اتهمه به أعداؤه، من أنه شاعر، وتسليه عما أصابه منهم، وتبين للناس أن وظيفته صلّى الله عليه وسلم إنما هي الإنذار والبلاغ.قال- تعالى-: وَما عَلَّمْناهُ الشِّعْرَ وَما يَنْبَغِي لَهُ، إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ وَقُرْآنٌ مُبِينٌ. لِيُنْذِرَ مَنْ كانَ حَيًّا وَيَحِقَّ الْقَوْلُ عَلَى الْكافِرِينَ.إلى أن يقول- سبحانه-: فَلا يَحْزُنْكَ قَوْلُهُمْ إِنَّا نَعْلَمُ ما يُسِرُّونَ وَما يُعْلِنُونَ.9- ثم تختتم السورة الكريمة بحكاية ما قاله أحد الأشقياء منكرا للبعث والحساب، وردت عليه وعلى أمثاله برد جامع حكيم، برشد كل عاقل إلى إمكانية البعث، وأنه حق لا شك فيه ...قال- تعالى-: أَوَلَمْ يَرَ الْإِنْسانُ أَنَّا خَلَقْناهُ مِنْ نُطْفَةٍ فَإِذا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ. وَضَرَبَ لَنا مَثَلًا وَنَسِيَ خَلْقَهُ، قالَ مَنْ يُحْيِ الْعِظامَ وَهِيَ رَمِيمٌ. قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَها أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ. الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ مِنَ الشَّجَرِ الْأَخْضَرِ ناراً فَإِذا أَنْتُمْ مِنْهُ تُوقِدُونَ. أَوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بِقادِرٍ عَلى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ، بَلى وَهُوَ الْخَلَّاقُ الْعَلِيمُ. إِنَّما أَمْرُهُ إِذا أَرادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ. فَسُبْحانَ الَّذِي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ.10- وبعد. فهذا عرض مجمل لسورة «يس» ومنه نرى، أن هذه السورة الكريمة، قد اهتمت بإقامة الأدلة على وحدانية الله- تعالى- وعلى كمال قدرته كما اهتمت بإبراز الأدلة المتعددة على أن البعث حق، وعلى أن الرسول صلّى الله عليه وسلم صادق فيما يبلغه عن ربه ...كما اهتمت بضرب الأمثال لبيان حسن عاقبة الأخيار، وسوء عاقبة الأشرار.كل ذلك بأسلوب بليغ مؤثر، يغلب عليه قصر الآيات، وإيراد الشواهد المتنوعة على قدرة الله- تعالى-، عن طريق مخلوقاته المبثوثة في هذا الكون، والتي من شأن المتأمل فيها بعقل.سليم، أن يهتدى إلى الحق، وإلى الصراط المستقيم.وصدق الله- تعالى- في قوله: سُبْحانَ الَّذِي خَلَقَ الْأَزْواجَ كُلَّها مِمَّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ وَمِنْ أَنْفُسِهِمْ وَمِمَّا لا يَعْلَمُونَ.وصلّى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم،،قوله - تعالى - يس من الألفاظ التى اختلف المفسرون فى معناها ، فمنهم من يرى أن هذه الكلمة اسم للسورة ، أو للقرآن ، أو للرسول صلى الله عليه وسلم .ومنهم من يرى أن معناها : يا رجل ، أو يا إنسان .ولعل أرجح الأقوال أن هذه الكلمة من الألفاظ المقطعة التى افتتحت بها بعض السور القرآنية ، للإِشارة إلى إعجاز القرآن الكريم ، وللتنبيه إلى أن هذا القرآن المؤلف من جنس الألفاظ التى ينطقون بها ، هو من عند الله - تعالى - ، وأنهم ليس فى إمكانهم أو إمكان غيرهم أن يأتوا بمثله ، أو بعشر سور من مثله ، أو بسورة من مثله . . .قال الآلوسى : قوله - تعالى ( يس ) الكلام فيه كالكلام فى " ألم " ونحوه من الحروف المقطعة فى أوائل بعض السور ، إعرابا ومعنى عند الكثيرين .وظاهر كلام بعضهم أن " يس " بمجموعة ، اسم من أسمائه صلى الله عليه وسلم .وقرأ جمع بسكون النون مدغمة فى الواو ، وقرأ آخرون بسكونها مظهرة ، والقراءتان سبعيتان . .
36:2
وَ الْقُرْاٰنِ الْحَكِیْمِۙ(۲)
حکمت والے قرآن کی قسم،

قوله- تعالى-: وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ قسم منه- تعالى- بكتابه ذي الحكمة العالية.والهدايات السامية، والتوجيهات السديدة، والتشريعات القويمة، والآداب الحميدة ...
36:3
اِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِیْنَۙ(۳)
بیشک تم (ف۲)

وقوله- سبحانه-: إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ جواب لهذا القسم.أى: وحق هذا القرآن الحكيم، إنك أيها الرسول الكريم- لمن عبادنا الذين اصطفيناهم لحمل رسالتنا، وتبليغ دعوتنا إلى الناس، لكي يخلصوا العبادة لنا، ولا يشركوا معنا في ذلك غيرنا.وجاء هذا الجواب مشتملا على أكثر من مؤكد، للرد على أولئك المشركين الذين استنكروا رسالة النبي صلّى الله عليه وسلم وقالوا في شأنه: «لست مرسلا» .قال بعض العلماء: واعلم أن الأقسام الواقعة في القرآن. وإن وردت في صورة تأكيد المحلوف عليه، إلا أن المقصود الأصلى بها تعظيم المقسم به لما فيه من الدلالة على اتصافه- تعالى- بصفات الكمال، أو على أفعاله العجيبة، أو على قدرته الباهرة فيكون المقصود من الحلف: الاستدلال به على عظم المحلوف عليه، وهو هنا عظم شأن الرسالة. كأنه قال: إن من أنزل القرآن- وهو من هو في عظم شأنه- هو الذي أرسل رسوله محمدا صلّى الله عليه وسلم ومثل ذلك يقال له في الأقسام التي في السور الآتية ....
36:4
عَلٰى صِرَاطٍ مُّسْتَقِیْمٍؕ(۴)
سیدھی راہ پر بھیجے گئے ہو (ف۳)

وقوله- تعالى-: عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ خبر ثان لحرف «إن» في قوله- تعالى- قبل ذلك: إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ.أى: إنك- يا محمد- لمن أنبيائنا المرسلين، على طريق واضح قويم، لا اعوجاج فيه ولا اضطراب، ولا ارتفاع فيه ولا انخفاض، بل هو في نهاية الاعتدال والاستقامة.قال صاحب الكشاف: قوله: عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ خبر بعد خبر، أو صلة للمرسلين.فإن قلت: أى حاجة إليه خبرا كان أو صلة، وقد علم أن المرسلين لا يكونون إلا على صراط مستقيم؟قلت: ليس الغرض بذكره ما ذهبت إليه من تمييز من أرسل على صراط مستقيم عن غيره ممن ليس على صفته. وإنما الغرض وصفه، ووصف ما جاء به من الشريعة، فجمع بين الوصفين في نظام واحد، كأنه قال: إنك لمن المرسلين الثابتين على طريق ثابت، وأيضا فإن التنكير فيه دل على أنه أرسل من بين الصراط المستقيمة، على صراط مستقيم لا يكتنه وصفه- أى: في التضخيم والتعظيم-
36:5
تَنْزِیْلَ الْعَزِیْزِ الرَّحِیْمِۙ(۵)
عزت والے مہربان کا اتارا ہوا،

ثم مدح- سبحانه- كتابه بمدائح أخرى فقال: تَنْزِيلَ الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ وقد قرأ بعض القراء السبعة: تَنْزِيلَ بالنصب على المدح، أو على المصدرية لفعل محذوف. أى: نزل الله- تعالى- القرآن تنزيل العزيز الرحيم.وقرأ البعض الآخر: تَنْزِيلَ بالرفع على أنه خبر لمبتدأ محذوف. أى: هذا القرآن هو تنزيل العزيز- الذي لا يغلبه غالب-، الرحيم أى الواسع الرحمة بعباده.
36:6
لِتُنْذِرَ قَوْمًا مَّاۤ اُنْذِرَ اٰبَآؤُهُمْ فَهُمْ غٰفِلُوْنَ(۶)
تاکہ تم اس قوم کو ڈر سناؤ جس کے باپ دادا نہ ڈرائے گئے (ف۴) تو وہ بے خبر ہیں،

ثم بين- سبحانه- الحكمة من إرساله لنبيه صلّى الله عليه وسلم فقال: لِتُنْذِرَ قَوْماً ما أُنْذِرَ آباؤُهُمْ فَهُمْ غافِلُونَ.واللام في قوله: لِتُنْذِرَ متعلقة بفعل مضمر يدل عليه قوله: إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ.والإنذار: إخبار معه تخويف في مدة تتسع للتحفظ من الخوف. فإن لم تتسع له فهو إعلام وإشعار لا إنذار. وأكثر ما يستعمل في القرآن في التخويف من عذاب الله- تعالى-.والمراد بالقوم: كفار مكة الذين بعث النبي صلّى الله عليه وسلم لإنذارهم، وهذا لا يمنع أن رسالته عامة إلى الناس جميعا، كما قال- تعالى-: قُلْ يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعاً ... وما نافية. والمراد بآبائهم: آباؤهم الأقربون، لأن آباءهم الأبعدون قد أرسل الله- تعالى- إليهم إسماعيل- عليه السلام-.أى: أرسلناك- يا محمد- بهذه الرسالة من لدنا، لتنذر قوما، وهم قريش المعاصرون لك، لم يسبق لهم أو لآبائهم أن جاءهم نذير منا يحذرهم من سوء عاقبة الإشراك بالله- تعالى- فهم لذلك غافلون عما يجب عليهم نحو خالقهم من إخلاص العبادة له، وطاعته في السر والعلن.قال ابن كثير: قوله لِتُنْذِرَ قَوْماً ما أُنْذِرَ آباؤُهُمْ فَهُمْ غافِلُونَ يعنى بهم العرب، فإنه ما أتاهم من نذير من قبله. وذكرهم وحدهم لا ينفى من عداهم كما أن ذكر بعض الأفراد لا ينفى العموم، الذي وردت به الآيات والأحاديث المتواترة ... .وقال الجمل ما ملخصه: قوله لِتُنْذِرَ قَوْماً ... أى العرب وغيرهم وقوله ما أُنْذِرَ آباؤُهُمْ أى الأقربون، وإلا فآباؤهم الأبعدون قد أنذروا فآباء العرب الأقدمون أنذروا بإسماعيل، وآباء غيرهم أنذروا بعيسى.. و «ما» نافية، لأن قريشا لم يبعث إليهم نبي قبل نبينا صلّى الله عليه وسلم فالجملة صفة لقوله «قوما» أى: قوما لم تنذروا. وقوله فَهُمْ غافِلُونَ مرتب على الإنذار ...
36:7
لَقَدْ حَقَّ الْقَوْلُ عَلٰۤى اَكْثَرِهِمْ فَهُمْ لَا یُؤْمِنُوْنَ(۷)
بیشک ان میں اکثر پر بات ثابت ہوچکی ہے (ف۵) تو وہ ایمان نہ لائیں گے (ف۶)

ثم بين- سبحانه- مصير هؤلاء الغافلين، الذين استمروا في غفلتهم وكفرهم بعد أن جاءهم النذير، فقال: لَقَدْ حَقَّ الْقَوْلُ عَلى أَكْثَرِهِمْ، فَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ.والجملة جواب لقسم محذوف. ومعنى حَقَّ ثبت ووجب.والمراد بالقول: العذاب الذي أعده الله- تعالى- لهم بسبب إصرارهم على كفرهم.أى: والله لقد ثبت وتحقق الحكم أولا بالعذاب على أكثر هؤلاء المنذرين بسبب عدم إيمانهم برسالتك، وجحودهم الحق الذي جئتهم به، وإيثارهم باختيارهم الغي على الرشد، والضلال على الهدى ...وقال- سبحانه- عَلى أَكْثَرِهِمْ لأن قلة منهم اتبعت الحق، وآمنت به، وشبيه بهذه الآية قوله- تعالى-: إِنَّ الَّذِينَ حَقَّتْ عَلَيْهِمْ كَلِمَتُ رَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ. وَلَوْ جاءَتْهُمْ كُلُّ آيَةٍ حَتَّى يَرَوُا الْعَذابَ الْأَلِيمَ .
36:8
اِنَّا جَعَلْنَا فِیْۤ اَعْنَاقِهِمْ اَغْلٰلًا فَهِیَ اِلَى الْاَذْقَانِ فَهُمْ مُّقْمَحُوْنَ(۸)
ہم نے ان کی گردنو ں میں طوق کردیے ہیں کہ وہ ٹھوڑیوں تک ہیں تو یہ اوپر کو منہ اٹھائے رہ گئے (ف۷)

ثم صور- سبحانه- انكبابهم على الكفر، وإصرارهم عليه، تصويرا بليغا فقال: إِنَّا جَعَلْنا فِي أَعْناقِهِمْ أَغْلالًا فَهِيَ إِلَى الْأَذْقانِ فَهُمْ مُقْمَحُونَ.والأغلال: جمع غل- بضم الغين، وهو القيد الذي تشد به اليد إلى العنق بقصد التعذيب والأذقان: جمع ذقن- بفتح الذال- وهو أسفل الفم.ومقمحون. من الإقماح، وهو رفع الرأس مع غض البصر. يقال: قمح البعير قموحا إذا رفع رأسه عن الحوض ولم يشرب. والفاء في قوله فَهِيَ وفي قوله فَهُمْ: للتقريع.أى: إنا جعلنا في أعناق هؤلاء الجاحدين قيودا عظيمة، فهي- أى هذه القيود- واصلة إلى أذقانهم، فهم بسبب ذلك مرفوعة رءوسهم، مع غض أبصارهم، بحيث لا يستطيعون أن يخفضوها، لأن القيود التي وصلت إلى أذقانهم منعتهم من خفض رءوسهم.فقد شبه- سبحانه- في هذه الآية، حال أولئك الكافرين، المصرين على جحودهم وعنادهم، بحال من وضعت الأغلال في عنقه ووصلت إلى ذقنه، ووجه الشبه أن كليهما لا يستطيع الانفكاك عما هو فيه.
36:9
وَ جَعَلْنَا مِنْۢ بَیْنِ اَیْدِیْهِمْ سَدًّا وَّ مِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا فَاَغْشَیْنٰهُمْ فَهُمْ لَا یُبْصِرُوْنَ(۹)
اور ہم نے ان کے آگے دیوار بنادی اور ان کے پیچھے ایک دیوار اور انہیں اوپر سے ڈھانک دیا تو انہیں کچھ نہیں سوجھتا (ف۸)

ثم أكد- سبحانه- هذا الإصرار من الكافرين على كفرهم فقال: وَجَعَلْنا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا فَأَغْشَيْناهُمْ فَهُمْ لا يُبْصِرُونَ. أى: أننا لم نكتف بجعل الأغلال في أعناقهم، بل أضفنا إلى ذلك أننا جعلنا من أمامهم حاجزا عظيما، ومن خلفهم كذلك حاجزا عظيما. فَأَغْشَيْناهُمْ أى: فجعلنا على أبصارهم غشاوة وأغطية تمنعهم من الرؤية فَهُمْ لا يُبْصِرُونَ شيئا بسبب احتجاب الرؤية عنهم.فالآية الكريمة تمثيل آخر لتصميمهم على كفرهم، حيث شبههم- سبحانه- بحال من أحاطت بهم الحواجز من كل جانب، فمنعتهم من الرؤية والإبصار.ولذا قال صاحب الكشاف عند تفسيره لهاتين الآيتين: ثم مثل تصميمهم على الكفر، وأنه لا سبيل الى ارعوائهم، بأن جعلهم كالمغلولين المقمحين في أنهم لا يلتفتون إلى الحق، ولا يعطفون أعناقهم نحوه، ولا يطأطئون رءوسهم له، وكالحاصلين بين سدين لا يبصرون ما قدامهم ولا ما خلفهم في أن لا تأمل لهم ولا تبصر، وأنهم متعامون عن النظر في آيات الله» .وقد ذكروا في سبب نزول هاتين الآيتين روايات منها ما أخرجه ابن جرير عن عكرمة، أن أبا جهل قال: لئن رأيت محمدا لأفعلن ولأفعلن، فأنزل الله- تعالى- قوله: إِنَّا جَعَلْنا فِي أَعْناقِهِمْ أَغْلالًا ... فكانوا يقولون لأبى جهل: هذا محمد صلّى الله عليه وسلم فيقول: أين هو؟ولا يبصره .
36:10
وَ سَوَآءٌ عَلَیْهِمْ ءَاَنْذَرْتَهُمْ اَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لَا یُؤْمِنُوْنَ(۱۰)
اور انہیں ایک سا ہے تم انہیں ڈراؤٕ یا نہ ڈراؤ وہ ایمان لانے کے نہیں،

وقوله- تعالى-: وَسَواءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لا يُؤْمِنُونَ بيان لما وصل إليه هؤلاء الجاحدون من عناد وانصراف عن الحق.وقوله سَواءٌ اسم مصدر بمعنى الاستواء، والمراد به اسم الفاعل. أى: مستو.أى: أن هؤلاء الذين جعلنا في أعناقهم أغلالا ... وجعلنا من بين أيديهم سدا ومن خلفهم سدا، مستو عندهم إنذارك إياهم وعدمه، فهم- لسوء استعدادهم وفساد فطرهم- لا يؤمنون بالحق الذي جئتهم به سواء دعوتهم إليه أم لم تدعهم إليه، وسواء خوفتهم بالعذاب أم لم تخوفهم به، لأنهم ماتت قلوبهم، وصارت لا تتأثر بشيء مما تدعوهم إليه..
36:11
اِنَّمَا تُنْذِرُ مَنِ اتَّبَعَ الذِّكْرَ وَ خَشِیَ الرَّحْمٰنَ بِالْغَیْبِۚ-فَبَشِّرْهُ بِمَغْفِرَةٍ وَّ اَجْرٍ كَرِیْمٍ(۱۱)
تم تو اسی کو ڈر سناتے ہو (ف۹) جو نصیحت پر چلے اور رحمن سے بے دیکھے ڈرے، تو اسے بخشش اور عزت کے ثواب کی بشارت دو (ف۱۰)

ثم بين- سبحانه- من هم أهل للتذكير فقال: إِنَّما تُنْذِرُ مَنِ اتَّبَعَ الذِّكْرَ.أى: إنما تنذر- أيها الرسول الكريم- إنذارا نافعا، أولئك الذين اتبعوا إرشادات القرآن الكريم وأوامره ونواهيه ...وينفع إنذارك- أيضا- مع من خَشِيَ الرَّحْمنَ بِالْغَيْبِ أى: مع من خاف عقاب الرحمن دون أن يرى هذا العقاب، ودون أن يرى الله- تعالى- الذي له الخلق والأمر.هؤلاء هم الذين ينفع معهم الإنذار والتذكير والإرشاد، لأنهم فتحوا قلوبهم للحق، واستجابوا له.والفاء في قوله: فَبَشِّرْهُ بِمَغْفِرَةٍ وَأَجْرٍ كَرِيمٍ لترتيب البشارة أو الأمر بها، على ما قبلها من اتباع الذكر والخشية.أى: فبشر- أيها الرسول الكريم- هذا النوع من الناس، بمغفرة عظيمة منا لذنوبهم، وبأجر كريم لا يعلم مقداره أحد سوانا.
36:12
اِنَّا نَحْنُ نُحْیِ الْمَوْتٰى وَ نَكْتُبُ مَا قَدَّمُوْا وَ اٰثَارَهُمْۣؕ-وَ كُلَّ شَیْءٍ اَحْصَیْنٰهُ فِیْۤ اِمَامٍ مُّبِیْنٍ۠(۱۲)
بیشک ہم مُردوں کو جِلائیں گے اور ہم لکھ رہے ہیں جو انہوں نے آگے بھیجا (ف۱۱) اور جو نشانیاں پیچھے چھوڑ گئے (ف۱۲) اور ہر چیز ہم نے گن رکھی ہے ایک بتانے والی کتاب میں (ف۱۳)

ثم أكد- سبحانه- أن البعث حق، وأن الجزاء حق، لكي لا يغفل عنهما الناس، ولكي يستعدوا لهما بالإيمان والعمل الصالح فقال: إِنَّا نَحْنُ نُحْيِ الْمَوْتى....أى: إنا نحن بقدرتنا وحدها نحيى الموتى بعد موتهم، ونعيدهم إلى الحياة مرة أخرى لكي نحاسبهم على أعمالهم.وَنَكْتُبُ ما قَدَّمُوا وَآثارَهُمْ أى: وإنا نحن الذين نسجل عليهم أعمالهم التي عملوها في الدنيا سواء أكانت هذه الأعمال صالحة أم غير صالحة.ونسجل لهم- أيضا- آثارهم التي تركوها بعد موتهم سواء أكانت صالحة كعلم نافع، أو صدقة جارية ... أم غير صالحة كدار للهو واللعب، وكرأى من الآراء الباطلة التي اتبعها من جاء بعدهم، وسنجازيهم على ذلك بما يستحقون من ثواب أو عقاب وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْناهُ فِي إِمامٍ مُبِينٍ أى: وكل شيء أثبتناه وبيناه في أصل عظيم، وفي كتاب واضح عندنا. ألا وهو اللوح المحفوظ، أو علمنا الذي لا يعزب عنه شيء.قال الإمام ابن كثير ما ملخصه: وفي قوله: آثارَهُمْ قولان:أحدهما: ونكتب أعمالهم التي باشروها بأنفسهم، وآثارهم التي أثروها- أى تركوها- من بعدهم، فنجزيهم على ذلك- أيضا-، إن خيرا فخير، وإن شرا فشر. كقوله صلّى الله عليه وسلم من سن في الإسلام سنة حسنة، فله أجرها وأجر من عمل بها من بعده، من غير أن ينقص من أجورهم شيء، ومن سن في الإسلام سنة سيئة، كان عليه وزرها ووزر من عمل بها من بعده، من غير أن ينقص من أوزارهم شيء..والثاني: أن المراد بقوله وَآثارَهُمْ أى: آثار خطاهم إلى الطاعة أو المعصية. فقد روى مسلم والإمام أحمد عن جابر بن عبد الله قال: خلت البقاع حول المسجد، فأراد بنو سلمة أن ينتقلوا قرب المسجد فبلغ ذلك رسول الله صلّى الله عليه وسلم فقال لهم: «إنه بلغني أنكم تريدون أن تنتقلوا إلى المسجد؟ قالوا: نعم يا رسول الله، قد أردنا ذلك، فقال: يا بنى سلمة، دياركم تكتب آثاركم، دياركم تكتب آثاركم» .ثم قال ابن كثير: ولا تنافى بين هذا القول والذي قبله، بل في القول الثاني تنبيه ودلالة على ذلك بطريق الأولى والأحرى، فإنه إذا كانت هذه الآثار تكتب، فلأن تكتب التي فيها قدوة بهم من خير أو شر بطريق الأولى .هذا، وتلك الرواية الصحيحة تشير إلى أن هذه الآية ليست مدنية- كما قيل-، لأن هذه الرواية تصرح بأن الرسول صلّى الله عليه وسلم قد قال لبنى سلمة، «دياركم تكتب آثاركم» أى:ألزموا دياركم تكتب آثاركم.. دون إشارة إلى سبب النزول.قال الآلوسى ما ملخصه: والأحاديث التي فيها أن الله- تعالى- أنزل هذه الآية، حين أراد بنو سلمة أن ينتقلوا من ديارهم. معارضة بما في الصحيحين من أن النبي صلّى الله عليه وسلم قرأ لهم هذه الآية، ولم يذكر أنها نزلت فيهم، وقراءته صلّى الله عليه وسلم لا تنافى تقدم النزول. أى: أن الآية مكية كبقية السورة .وبذلك نرى الآيات الكريمة، قد أثبتت صدق الرسول صلّى الله عليه وسلم فيما يبلغه عن ربه، وبينت الحكمة من رسالته، كما بينت أن يوم القيامة آت لا ريب فيه.ثم أمر الله- تعالى- رسوله صلّى الله عليه وسلم أن يقرأ على الناس- ليعتبروا ويتعظوا- قصة أصحاب القرية، وما جرى بينهم وبين الرسل الذين جاءوا لهدايتهم وإرشادهم إلى الطريق المستقيم فقال- تعالى-.
36:13
وَ اضْرِبْ لَهُمْ مَّثَلًا اَصْحٰبَ الْقَرْیَةِۘ-اِذْ جَآءَهَا الْمُرْسَلُوْنَۚ(۱۳)
اور ان سے نشانیاں بیان کرو اس شہر والوں کی (ف۱۴) جب ان کے پاس فرستادے (رسول) آئے، (ف۱۵)

قال القرطبي ما ملخصه: قوله- تعالى-: وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلًا أَصْحابَ الْقَرْيَةِ وهذه القرية هي «أنطاكية» في قول جميع المفسرين ... والمرسلون: قيل: هم رسل من الله على الابتداء. وقيل: إن عيسى بعثهم إلى أنطاكية للدعاء إلى الله- تعالى- .ولم يرتض ابن كثير ما ذهب إليه القرطبي والمفسرون من أن المراد بالقرية «أنطاكية» كما أنه لم يرتض الرأى القائل بأن الرسل الثلاثة كانوا من عند عيسى- عليه السلام- فقد قال- رحمه الله- ما ملخصه: وقد تقدم عن كثير من السلف، أن هذه القرية هي أنطاكية، وأن هؤلاء الثلاثة كانوا رسلا من عيسى- عليه السلام- وفي ذلك نظر من وجوه:أحدها: أن ظاهر القصة يدل على أن هؤلاء كانوا رسل الله- عز وجل- لا من جهة عيسى، كما قال- تعالى-: إِذْ أَرْسَلْنا إِلَيْهِمُ اثْنَيْنِ فَكَذَّبُوهُما فَعَزَّزْنا بِثالِثٍ ...الثاني: أن أهل أنطاكية آمنوا برسل عيسى إليهم، وكانوا أول مدينة آمنت بالمسيح عليه السلام، ولهذا كانت عند النصارى، إحدى المدن الأربعة التي فيها بتاركة- أى، علماء بالدين المسيحي..الثالث: أن قصة أنطاكية مع الحواريين أصحاب عيسى، كانت بعد نزول التوراة، وقد ذكر أبو سعيد الخدري وغيره، أن الله تعالى بعد إنزاله التوراة لم يهلك أمة من الأمم عن آخرهم بعذاب يبعثه عليهم، بل أمر المؤمنين بعد ذلك بقتال المشركين ...فعلى هذا يتعين أن هذه القرية المذكورة. قرية أخرى غير أنطاكية.. فإن هذه القرية المشهورة بهذا الاسم لم يعرف أنها أهلكت، لا في الملة النصرانية ولا قبل ذلك .والذي يبدو لنا أن ما ذهب إليه الإمام ابن كثير هو الأقرب إلى الصواب وأن القرآن الكريم لم يذكر من هم أصحاب القرية، لأن اهتمامه في هذه القصة وأمثالها، بالعبر والعظات التي تؤخذ منها.وضرب المثل في القرآن الكريم كثيرا ما يستعمل في تطبيق حالة غريبة، بأخرى تشبهها، كما في قوله- تعالى- ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ كَفَرُوا امْرَأَتَ نُوحٍ وَامْرَأَتَ لُوطٍ، كانَتا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبادِنا صالِحَيْنِ فَخانَتاهُما، فَلَمْ يُغْنِيا عَنْهُما مِنَ اللَّهِ شَيْئاً. وَقِيلَ ادْخُلَا النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ.فيكون المعنى: واجعل- أيها الرسول الكريم- حال أصحاب القرية، مثلا لمشركي مكة في الإصرار على الكفر والعناد، وحذرهم من أن مصيرهم سيكون كمصير هؤلاء السابقين، الذين كانت عاقبتهم أن أخذتهم الصيحة فإذا هم خامدون، لأنهم كذبوا المرسلين.وقوله- سبحانه-: إِذْ جاءَهَا الْمُرْسَلُونَ بدل اشتمال من أَصْحابَ الْقَرْيَةِ.والمراد بالمرسلين: الذين أرسلهم الله إلى أهل تلك القرية، لهدايتهم إلى الحق.
36:14
اِذْ اَرْسَلْنَاۤ اِلَیْهِمُ اثْنَیْنِ فَكَذَّبُوْهُمَا فَعَزَّزْنَا بِثَالِثٍ فَقَالُوْۤا اِنَّاۤ اِلَیْكُمْ مُّرْسَلُوْنَ(۱۴)
جب ہم نے ان کی طرف دو بھیجے (ف۱۶) پھر انہوں نے ان کو جھٹلایا تو ہم نے تیسرے سے زور دیا (ف۱۷) اب ان سب نے کہا (ف۱۸) کہ بیشک ہم تمہاری طرف بھیجے گئے ہیں،

وقوله: إِذْ أَرْسَلْنا إِلَيْهِمُ اثْنَيْنِ فَكَذَّبُوهُما ... بيان لكيفية الإرسال ولموقف أهل القرية ممن جاءوا لإرشادهم إلى الدين الحق.أى: إن موقف المشركين منك- أيها الرسول الكريم-، يشبه موقف أصحاب القرية من الرسل الذين أرسلناهم لهدايتهم، إذ أرسلنا إلى أصحاب هذه القرية اثنين من رسلنا، فكذبوهما. وأعرضوا عن دعوتهما.والفاء في قوله فَكَذَّبُوهُما للإفصاح، أى: أرسلنا إليهم اثنين لدعوتهم إلى إخلاص العبادة لنا فذهبا إليهم فكذبوهما.وقوله: فعززنا بثالث أى: فقو بنا الرسالة برسول ثالث، من التعزيز بمعنى التقوية، ومنه قولهم: تعزز لحم الناقة، إذا اشتد وقوى. وعزز المطر الأرض، إذا قواها وشدها. وأرض عزاز، إذا كانت صلبة قوية.ومفعول فَعَزَّزْنا محذوف لدلالة ما قبله عليه أى: فعززناهما برسول ثالث فَقالُوا أى الرسل الثلاثة لأصحاب القرية: إِنَّا إِلَيْكُمْ مُرْسَلُونَ لا إلى غيركم، فأطيعونا فيما ندعوكم إليه من إخلاص العبادة لله- تعالى-، ونبذ عبادة الأصنام.
36:15
قَالُوْا مَاۤ اَنْتُمْ اِلَّا بَشَرٌ مِّثْلُنَاۙ-وَ مَاۤ اَنْزَلَ الرَّحْمٰنُ مِنْ شَیْءٍۙ-اِنْ اَنْتُمْ اِلَّا تَكْذِبُوْنَ(۱۵)
بولے تم تو نہیں مگر ہم جیسے آدمی اور رحمن نے کچھ نہیں اتارا تم نرے جھوٹے ہو،

ثم حكى- سبحانه- ما دار بين الرسل وأصحاب القرية من محاورات فقال: قالُوا ما أَنْتُمْ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنا، وَما أَنْزَلَ الرَّحْمنُ مِنْ شَيْءٍ، إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا تَكْذِبُونَ.أى: قال أصحاب القرية للرسل على سبيل الاستنكار والتطاول: أنتم لستم إلا بشرا مثلنا في البشرية، ولا مزية لكم علينا، وكأن البشرية في زعمهم تتنافى مع الرسالة، ثم أضافوا إلى ذلك قولهم: وما أنزل الرحمن من شيء مما تدعوننا إليه.ثم وصفوهم بالكذب فقالوا لهم: ما أنتم إلا كاذبون، فيما تدعونه من أنكم رسل إلينا.وهكذا قابل أهل القرية رسل الله، بالإعراض عن دعوتهم وبالتطاول عليهم، وبالإنكار لما جاءوا به، وبوصفهم بالكذب فيم يقولونه.
36:16
قَالُوْا رَبُّنَا یَعْلَمُ اِنَّاۤ اِلَیْكُمْ لَمُرْسَلُوْنَ(۱۶)
وہ بولے ہمارا رب جانتا ہے کہ بیشک ضرور ہم تمہاری طرف بھیجے گئے ہیں،

ولكن الرسل قابلوا كل ذلك بالأناة والصبر، شأن الواثق من صدقه، فقالوا لأهل القرية: بُّنا يَعْلَمُ إِنَّا إِلَيْكُمْ لَمُرْسَلُونَ. وَما عَلَيْنا إِلَّا الْبَلاغُ الْمُبِينُ.أى: قالوا لهم بثقة وأدب: ربنا- وحده- يعلم إنا إليكم لمرسلون، وكفى بعلمه علما، وبحكمه حكما، وما علينا بعد ذلك بالنسبة لكم إلا أن نبلغكم ما كلفنا بتبليغه إليكم تبليغا واضحا، لا غموض فيه ولا التباس.فأنت ترى أن الرسل لم يقابلوا سفاهة أهل القرية بمثلها، وإنما قابلوا تكذيبهم لهم.بالمنطق الرصين، وبتأكيد أنهم رسل الله، وأنهم صادقون في رسالتهم، لأن قولهم رَبُّنا يَعْلَمُ إِنَّا إِلَيْكُمْ لَمُرْسَلُونَ جار مجرى القسم في التوكيد.
36:17
وَ مَا عَلَیْنَاۤ اِلَّا الْبَلٰغُ الْمُبِیْنُ(۱۷)
اور ہمارے ذمہ نہیں مگر صاف پہنچا دینا (ف۱۹)

وقولهم: وَما عَلَيْنا إِلَّا الْبَلاغُ الْمُبِينُ تحديد للوظيفة التي أرسلهم الله- تعالى- من أجلها.
36:18
قَالُوْۤا اِنَّا تَطَیَّرْنَا بِكُمْۚ-لَىٕنْ لَّمْ تَنْتَهُوْا لَنَرْجُمَنَّكُمْ وَ لَیَمَسَّنَّكُمْ مِّنَّا عَذَابٌ اَلِیْمٌ(۱۸)
بولے ہم تمہیں منحوس سمجھتے ہیں (ف۲۰) بیشک اگر تم باز نہ آئے (ف۲۱) تو ضرور ہم تمہیں سنگسار کریں گے بیشک ہمارے ہاتھوں تم پر دکھ کی مار پڑے گی،

ولكن أهل القرية لم يقتنعوا بهذا المنطق السليم، بل ردوا على الرسل ردا قبيحا، فقالوا لهم: إِنَّا تَطَيَّرْنا بِكُمْ، لَئِنْ لَمْ تَنْتَهُوا لَنَرْجُمَنَّكُمْ، وَلَيَمَسَّنَّكُمْ مِنَّا عَذابٌ أَلِيمٌ والتطير:التشاؤم. أى قالوا في الرد عليهم: إنا تشاءمنا من وجودكم بيننا، وكرهنا النظر إلى وجوهكم، وإذا لم ترحلوا عنا، وتكفوا عن دعوتكم لنا إلى ما لا نريده، لنرجمنكم بالحجارة، وليمسنكم منا عذاب شديد الألم قد ينتهى بقتلكم وهلاككم.قال صاحب الكشاف: قوله تَطَيَّرْنا بِكُمْ أى: تشاءمنا بكم، وذلك أنهم كرهوا دينهم، ونفرت منه نفوسهم، وعادة الجهال أن يتيمنوا بكل شيء مالوا إليه، واشتهوه وآثروه وقبلته طباعهم، ويتشاءموا مما نفروا عنه وكرهوه، فإن أصابهم خير أو بلاء، قالوا:ببركة هذا وبشؤم هذا.. .
36:19
قَالُوْا طَآىٕرُكُمْ مَّعَكُمْؕ-اَىٕنْ ذُكِّرْتُمْؕ-بَلْ اَنْتُمْ قَوْمٌ مُّسْرِفُوْنَ(۱۹)
انہوں نے فرمایا تمہاری نحوست تو تمہارے ساتھ ہے (ف۲۲) کیا اس پر بدکتے ہو کہ تم سمجھائے گئے (ف۲۳) بلکہ تم حد سے بڑھنے والے لوگ ہو (ف۲۴)

ولكن الرسل قابلوا هذا التهديد- أيضا- بالثبات، والمنطق الحكيم فقالوا لهم:طائِرُكُمْ مَعَكُمْ، أَإِنْ ذُكِّرْتُمْ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ.أى: قال الرسل لأهل القرية: ليس الأمر كما ذكرتم من أننا سبب شؤمكم، بل الحق أن شؤمكم معكم، ومن عند أنفسكم، بسبب إصراركم على كفركم، وإعراضكم عن الحق الذي جئناكم به من عند خالقكم.وجواب الشرط لقوله: أَإِنْ ذُكِّرْتُمْ محذوف، والتقدير: أئن وعظتم وذكرتم بالحق، وخوفتم من عقاب الله.. تطيرتم وتشاءمتم.وقوله: بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ إضراب عما يقتضيه الاستفهام والشرط من كون التذكير سببا للشؤم.أى: ليس الأمر كما ذكرتم من أن وجودنا بينكم هو سبب شؤمكم، بل الحق أنكم قوم عادتكم الإسراف في المعاصي، وفي إيثار الباطل على الحق، والغي على الرشد، والتشاؤم على التيامن.ثم بين- سبحانه- بعد تلك المحاورة التي دارت بين أهل القرية وبين الرسل، والتي تدل على أن أهل القرية كانوا مثلا في السفاهة والكراهة للخير والحق.بين- سبحانه- بعد ذلك ما دار بين أهل القرية، وبين رجل صالح منهم ساءه أن يرى من قومه تنكرهم لرسل الله- تعالى- وتطاولهم عليهم، وتهديدهم لهم بالرجم: فقال- تعالى-:
36:20
وَ جَآءَ مِنْ اَقْصَا الْمَدِیْنَةِ رَجُلٌ یَّسْعٰى قَالَ یٰقَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِیْنَۙ(۲۰)
اور شہر کے پرلے کنارے سے ایک مرد دوڑتا آیا (ف۲۵) بولا، اے میری قوم! بھیجے ہوؤں کی پیروی کرو،

وقوله- سبحانه-: وَجاءَ مِنْ أَقْصَا الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعى ... معطوف على كلام محذوف يفهم من سياق القصة، والتقدير:وانتشر خبر الرسل بين أصحاب القرية، وعلم الناس بتهديد بعضهم لهم وَجاءَ مِنْ أَقْصَا الْمَدِينَةِ أى من أبعد مواضعها رَجُلٌ يَسْعى أى: رجل ذو فطرة سليمة، يسرع الخطا لينصح قومه، وينهاهم عن إيذاء الرسل ويأمرهم باتباعهم.قالوا: وهذا الرجل كان اسمه حبيب النجار، لأنه كان يشتغل بالنجارة.وقد أكثر بعض المفسرين هنا من ذكر صناعته وحاله قبل مجيئه، ونحن نرى أنه لا حاجة إلى ذلك، لأنه لم يرد نص صحيح يعتمد عليه فيما ذكروه عنه.ويكفيه فخرا هذا الثناء من الله- تعالى- عليه بصرف النظر عن اسمه أو صنعته أو حاله، لأن المقصود من هذه القصة وأمثالها في القرآن الكريم هو الاعتبار والافتداء بأهل الخير.وعبر هنا بالمدينة بعد التعبير عنها في أول القصة بالقرية للإشارة إلى سعتها، وإلى أن خبر هؤلاء الرسل قد انتشر فيها من أولها إلى آخرها.والتعبير بقوله: يَسْعى: يدل على صفاء نفسه، وسلامة قلبه، وعلو همته، ومضاء عزيمته، حيث أسرع بالحضور إلى الرسل وإلى قومه، ليعلن أمام الجميع كلمة الحق، ولم يرتض أن يقبع في بيته- كما يفعل الكثيرون- بل هرول نحو قومه، ليقوم بواجبه في الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر.وقوله- تعالى-: قالَ يا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ بيان لما بدأ ينصح قومه به بعد وصوله إليهم.أى: قالَ لقومه على سبيل الإرشاد والنصح يا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ الذين جاءوا لهدايتكم إلى الصراط المستقيم، ولإنقاذكم من الضلال المبين الذي انغمستم فيه.
36:21
اتَّبِعُوْا مَنْ لَّا یَسْــٴَـلُكُمْ اَجْرًا وَّ هُمْ مُّهْتَدُوْنَ(۲۱)
ایسوں کی پیروی کرو جو تم سے کچھ نیگ (اجر) نہیں مانگتے اور وہ راہ پر ہیں،

ثم أكد هذه الدعوة بقوله: اتَّبِعُوا مَنْ لا يَسْئَلُكُمْ أَجْراً وَهُمْ مُهْتَدُونَ اتبعوا هؤلاء الرسل الذين جاءوا بأمر ربكم إليكم، ليرشدوكم الى الطريق الحق، والحال أنهم في أنفسهم ثابتون على الهدى، راسخون في التمسك بالعقيدة السليمة.
36:22
وَ مَا لِیَ لَاۤ اَعْبُدُ الَّذِیْ فَطَرَنِیْ وَ اِلَیْهِ تُرْجَعُوْنَ(۲۲)
(ف۲۶) اور مجھے کیا ہے کہ اس کی بندگی نہ کروں جس نے مجھے پیدا کیا اور اسی کی طرف تمہیں پلٹنا ہے، (ف۲۷)

ثم أخذ بعد ذلك في حض قومه على اتباع الحق، عن طريق بيان الأسباب التي حملته على الإيمان، حتى يستثير قلوبهم نحو الهدى، فقال- كما حكى القرآن عنه-: وَما لِيَ لا أَعْبُدُ الَّذِي فَطَرَنِي وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ. أَأَتَّخِذُ مِنْ دُونِهِ آلِهَةً؟ إِنْ يُرِدْنِ الرَّحْمنُ بِضُرٍّ لا تُغْنِ عَنِّي شَفاعَتُهُمْ شَيْئاً وَلا يُنْقِذُونِ. إِنِّي إِذاً لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ. إِنِّي آمَنْتُ بِرَبِّكُمْ فَاسْمَعُونِ.أى: قال الرجل الصالح لقومه: وأى مانع يمنعني من أن أعبد الله- تعالى- وحده، لأنه هو الذي خلقني ولم أكن قبل ذلك شيئا مذكورا، وهو الذي إليه يكون مرجعكم بعد مماتكم، فيحاسبكم على أعمالكم في الدنيا، ويجازيكم عليها بما تستحقون من ثواب أو عقاب.
36:23
ءَاَتَّخِذُ مِنْ دُوْنِهٖۤ اٰلِهَةً اِنْ یُّرِدْنِ الرَّحْمٰنُ بِضُرٍّ لَّا تُغْنِ عَنِّیْ شَفَاعَتُهُمْ شَیْــٴًـا وَّ لَا یُنْقِذُوْنِۚ(۲۳)
کیا اللہ کے سوا اور خدا ٹھہراؤں (ف۲۸) کہ اگر رحمٰن میرا کچھ برا چاہے تو ان کی سفارش میرے کچھ کام نہ آئے اور نہ وہ مجھے بچاسکیں،

والاستفهام في قوله: أَأَتَّخِذُ مِنْ دُونِهِ آلِهَةً.. للإنكار والنفي.أى: لا يصح ولا يجوز أن اتخذ معه في العبادة آلهة أخرى، كائنة ما كانت هذه الآلهة، لأنه إِنْ يُرِدْنِ الرَّحْمنُ بِضُرٍّ لا تُغْنِ عَنِّي شَفاعَتُهُمْ شَيْئاً من النفع، حتى ولو كان هذا النفع في نهاية القلة والحقارة.وَلا يُنْقِذُونِ: ولا تستطيع هذه الآلهة إنقاذى وتخليصي مما يصيبني من ضر أراد الرحمن أن ينزله بي.
36:24
اِنِّیْۤ اِذًا لَّفِیْ ضَلٰلٍ مُّبِیْنٍ(۲۴)
بیشک جب تو میں کھلی گمراہی میں ہو (ف۲۹)

إِنِّي إِذاً لو اتخذت هذه الآلهة شريكا مع الله في العبادة لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ أى:لأكونن في ضلال واضح لا يخفى على أحد من العقلاء.
36:25
اِنِّیْۤ اٰمَنْتُ بِرَبِّكُمْ فَاسْمَعُوْنِؕ(۲۵)
مقرر میں تمہارے رب پر ایمان لایا تو میری سنو (ف۳۰)

ثم ختم حديثه معهم بإعلان إيمانه بكل صراحة وقوة فقال: إِنِّي آمَنْتُ بِرَبِّكُمْ، الذي خلقكم ورزقكم فَاسْمَعُونِ أى: فاسمعوا ما نطقت به، واشهدوا لي بأنى آمنت بربكم الذي خلقكم وخلقني، وكفرت بهؤلاء الشركاء، ولن أشرك معه- سبحانه- في العبادة أحدا. مهما كانت النتائج.وهكذا نرى الرجل الصالح الذي استقر الإيمان في قلبه ومشاعره ووجدانه يدافع عن الحق الذي آمن به دفاعا قويا دون أن يخشى أحدا إلا الله، ويدعو قومه بشتى الأساليب إلى اتباعه ويقيم لهم ألوانا من الأدلة على صحة ما يدعو إليه.ثم يصارحهم في النهاية، ويشهدهم على هذه المصارحة، بأنه قد آمن بما جاء به الرسل إيمانا لا يقبل الشك أو التردد، ولا يثنيه عنه وعد أو وعيد أو إيذاء أو قتل.ورحم الله صاحب الكشاف، فقد أجاد في تصوير هذه المعاني فقال ما ملخصه: قوله:اتَّبِعُوا مَنْ لا يَسْئَلُكُمْ أَجْراً وَهُمْ مُهْتَدُونَ كلمة جامعة في الاستجابة لدعوة الرسل، أى: لا تخسرون معهم شيئا من دنياكم، وتربحون صحة دينكم، فينتظم لكم خير الدنيا وخير الآخرة.ثم أبرز الكلام في معرض المناصحة لنفسه، وهو يريد مناصحتهم، وليتلطف بهم ويداريهم.. فقال: وَما لِيَ لا أَعْبُدُ الَّذِي فَطَرَنِي وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ.ثم قال: إِنِّي آمَنْتُ بِرَبِّكُمْ فَاسْمَعُونِ يريد فاسمعوا قولي وأطيعونى، فقد نهيتكم على الصحيح الذي لا معدل عنه، أن العبادة لا تصح إلا لمن منه مبتدؤكم وإليه مرجعكم.. .
36:26
قِیْلَ ادْخُلِ الْجَنَّةَؕ-قَالَ یٰلَیْتَ قَوْمِیْ یَعْلَمُوْنَۙ(۲۶)
اس سے فرمایا گیا کہ جنت میں داخل ہو (ف۳۱) کہا کسی طرح میری قوم جانتی،

ولكن هذه النصائح الغالية الحكيمة من الرجل الصالح لقومه، لم تصادف أذنا واعية بل إن سياق القصة بعد ذلك ليوحى بأن قومه قتلوه، فقد قال- تعالى- بعد أن حكى نصائح هذا الرجل لقومه، قِيلَ ادْخُلِ الْجَنَّةَ....أى: قالت الملائكة لهذا الرجل الصالح عند موته على سبيل البشارة: ادخل الجنة بسبب إيمانك وعملك الطيب.قال الآلوسى: قوله: قِيلَ ادْخُلِ الْجَنَّةَ.. استئناف لبيان ما وقع له بعد قوله ذلك.والظاهر أن الأمر المقصود به الإذن له بدخول الجنة حقيقة، وفي ذلك إشارة إلى أن الرجل قد فارق الحياة، فعن ابن مسعود أنه بعد أن قال ما قال قتلوه..وقيل: الأمر للتبشير لا للإذن بالدخول حقيقة، أى: قالت ملائكة الموت وذلك على سبيل البشارة له بأنه من أهل الجنة- يدخلها إذا دخلها المؤمنون بعد البعث .
36:27
بِمَا غَفَرَ لِیْ رَبِّیْ وَ جَعَلَنِیْ مِنَ الْمُكْرَمِیْنَ(۲۷)
جیسی میرے رب نے میری مغفرت کی اور مجھے عزت والوں میں کیا (ف۳۲)

وقوله- تعالى-: قالَ يا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ. بِما غَفَرَ لِي رَبِّي وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُكْرَمِينَ استئناف بيانى لبيان ما قاله عند البشارة.أى: قيل له ادخل الجنة بسبب إيمانك وعملك الصالح، فرد وقال: يا ليت قومي الذين قتلوني ولم يسمعوا نصحى، يعلمون بما نلته من ثواب من ربي، فقد غفر لي- سبحانه-، وجعلني من المكرمين عنده، بفضله وإحسانه..قال ابن كثير: ومقصوده- من هذا القول- أنهم لو اطلعوا على ما حصل عليه من ثواب ونعيم مقيم، لقادهم ذلك إلى اتباع الرسل، فرحمه الله ورضى عنه، فلقد كان حريصا على هداية قومه.روى ابن أبى حاتم أن عروة بن مسعود الثقفي، قال للنبي صلّى الله عليه وسلم: ابعثني إلى قومي أدعوهم إلى الإسلام، فقال له صلّى الله عليه وسلم «إنى أخاف أن يقتلوك» ، فقال: يا رسول الله، لو وجدوني نائما ما أيقظونى. فقال له رسول الله صلّى الله عليه وسلم «انطلق إليهم» فانطلق إليهم، فمر على اللات والعزى فقال: لأصبحنك غدا بما يسوؤك، فغضبت ثقيف فقال لهم: يا معشر ثقيف: أسلموا تسلموا- ثلاث مرات-. فرماه رجل منهم فأصاب أكحله فقتله- والأكحل: عرق في وسط الذراع- فبلغ ذلك رسول الله صلّى الله عليه وسلم فقال: «هذا مثله كمثل صاحب يس قالَ يا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ. بِما غَفَرَ لِي رَبِّي وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُكْرَمِينَ وقال صاحب الكشاف ما ملخصه: وقوله: يا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ.. إنما تمنى علم قومه بحاله، ليكون علمهم بها سببا لاكتساب مثلها لأنفسهم، بالتوبة عن الكفر، والدخول في الإيمان.. وفي حديث مرفوع: «نصح قومه حيا وميتا» .وفيه تنبيه عظيم على وجوب كظم الغيظ والحلم عن أهل الجهل والترؤف على من أدخل نفسه في غمار الأشرار وأهل البغي، والتشمر في تخليصه، والتلطف في افتدائه، والاشتغال بذلك عن الشماتة به، والدعاء عليه، ألا ترى كيف تمنى الخير لقتلته، وللباغين له الغوائل وهم كفرة وعبدة أصنام.. .
36:28
وَ مَاۤ اَنْزَلْنَا عَلٰى قَوْمِهٖ مِنْۢ بَعْدِهٖ مِنْ جُنْدٍ مِّنَ السَّمَآءِ وَ مَا كُنَّا مُنْزِلِیْنَ(۲۸)
اور ہم نے اس کے بعد اس کی قوم پر آسمان سے کوئی لشکر نہ اتارا (ف۳۳) اور نہ ہمیں وہاں کوئی لشکر اتارنا تھا،

ثم بين- سبحانه- ما نزل بأصحاب القرية من عذاب أهلكهم فقال: وَما أَنْزَلْنا عَلى قَوْمِهِ مِنْ بَعْدِهِ: أى: من بعد موته.مِنْ جُنْدٍ مِنَ السَّماءِ لأنهم كانوا أحقر وأهون من أن نفعل معهم ذلك.وَما كُنَّا مُنْزِلِينَ أى: وما صح وما استقام في حكمتنا أن ننزل عليهم جندا من السماء، لهوان شأنهم، وهوان قدرهم.
36:29
اِنْ كَانَتْ اِلَّا صَیْحَةً وَّاحِدَةً فَاِذَا هُمْ خٰمِدُوْنَ(۲۹)
وہ تو بس ایک ہی چیخ تھی جبھی وہ بجھ کر رہ گئے (ف۳۴)،

إِنْ كانَتْ إِلَّا صَيْحَةً واحِدَةً أى: ما كانت عقوبتنا لهم إلا صيحة واحدة صاحها بهم جبريل بأمرنا.فَإِذا هُمْ خامِدُونَ أى: هامدون ميتون، شأنهم في ذلك كشأن النار التي أصابها الخمود والانطفاء، بعد أن كانت مشتعلة ملتهبة، يقال. خمدت النار تخمد خمودا. إذا سكن لهيبها، وانطفأ شررها، وخمد الرجل- كقعد- إذا مات وانقطعت أنفاسه.وهكذا كانت نهاية الذين كذبوا المرسلين، وقتلوا المصلحين، فقد نزلت بهم عقوبة الله- تعالى- فجعلتهم في ديارهم جاثمين.
36:30
یٰحَسْرَةً عَلَى الْعِبَادِۣۚ-مَا یَاْتِیْهِمْ مِّنْ رَّسُوْلٍ اِلَّا كَانُوْا بِهٖ یَسْتَهْزِءُوْنَ(۳۰)
اور کہا گیا کہ ہائے افسوس ان بندوں پر (ف۳۵) جب ان کے پاس کوئی رسول آتا ہے تو اس سے ٹھٹھا ہی کرتے ہیں،

وبعد أن بين- سبحانه- سوء مصارع المكذبين، أتبع ذلك بدعوة الناس إلى الاتعاظ بذلك من قبل فوات الأوان، فقال- تعالى-: يا حَسْرَةً عَلَى الْعِبادِ ما يَأْتِيهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ.والحسرة: الغم والحزن على ما فات، والندم عليه ندما لا نفع من ورائه، كأن المتحسر قد انحسرت عنه قواه وذهبت، وصار في غير استطاعته إرجاعها.و «يا» حرف نداء. و «حسرة» منادى ونداؤها على المجاز بتنزيلها منزلة العقلاء.والمراد بالعباد: أولئك الذين كذبوا الرسل، وآثروا العمى على الهدى، ويدخل فيهم دخولا أوليا أصحاب تلك القرية المهلكة.والمقصود من الآية الكريمة، التعجب من حال هؤلاء المهلكين، وبيان أن حالهم تستحق التأثر والتأسف والاعتبار، لأنها حالة تدل على بؤسهم وظلمهم لأنفسهم وجهلهم.والمعنى: يا حسرة على العباد الذين أهلكوا بسبب إصرارهم على كفرهم احضرى فهذا أوان حضورك، فإن هؤلاء المهلكين كانوا في دنياهم ما يأتيهم من رسول من الرسل، إلا كانوا به يستهزئون، ويتغامزون، ويستخفون به وبدعوته، مع أنهم- لو كانوا يعقلون. لقابلوا دعوة رسلهم بالطاعة والانقياد.قال صاحب الكشاف: قوله: يا حَسْرَةً عَلَى الْعِبادِ ... نداء للحسرة عليهم، كأنما قيل لها: تعالى يا حسرة فهذه من أحوالك التي حقك أن تحضرى فيها، وهي حال استهزائهم بالرسل.والمعنى: أنهم أحقاء بأن يتحسر عليهم المتحسرون، ويتلهف عليهم المتلهفون. أو هم متحسر عليهم من جهة الملائكة والمؤمنين من الثقلين.وقرئ: يا حسرة العباد، على الإضافة إليهم لاختصاصها بهم، من حيث إنها موجهة إليهم .أى: يا حسرة العباد منهم على أنفسهم، بسبب تكذيبهم لرسلهم، واستهزائهم بهم.
36:31
اَلَمْ یَرَوْا كَمْ اَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِّنَ الْقُرُوْنِ اَنَّهُمْ اِلَیْهِمْ لَا یَرْجِعُوْنَؕ(۳۱)
کیا انہوں نے نہ دیکھا (ف۳۶) ہم نے ان سے پہلے کتنی سنگتیں ہلاک فرمائیں کہ وہ اب ان کی طرف پلٹنے والے نہیں (ف۳۷)

ثم وبخ- سبحانه- كفار مكة، بسبب عدم اعتبارهم بمن سبقهم فقال: أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنا قَبْلَهُمْ مِنَ الْقُرُونِ أَنَّهُمْ إِلَيْهِمْ لا يَرْجِعُونَ.والقرون: جمع قرن. وهم القوم المقترنون في زمن واحد. و «كم» خبرية بمعنى كثير.أى: ألم يعلم كفار مكة أننا أهلكنا كثيرا من الأمم السابقة عليهم، بسبب إصرارهم على كفرهم، واستهزائهم برسلهم، وأن هؤلاء المهلكين لا يرجعون إليهم ليخبروهم بما جرى لهم، لأنهم لن يستطيعوا ذلك في الدنيا، لحكمة أرادها الله- تعالى-.
36:32
وَ اِنْ كُلٌّ لَّمَّا جَمِیْعٌ لَّدَیْنَا مُحْضَرُوْنَ۠(۳۲)
اور جتنے بھی ہیں سب کے سب ہمارے حضور حاضر لائے جائیں گے (ف۳۸)

ولكن الجميع سيعودون إليه- سبحانه- وسيبعثهم يوم القيامة من قبورهم للحساب والجزاء، كما قال- تعالى-: وَإِنْ كُلٌّ لَمَّا جَمِيعٌ لَدَيْنا مُحْضَرُونَ.و «إن» حرف نفى، و «كل» مبتدأ، والتنوين فيه عوض عن المضاف إليه و «لما» بمعنى إلا. و «جميع» خبر المبتدأ. و «محضرون» خبر ثان.أى: لقد علم أهل مكة وغيرهم أننا أهلكنا كثيرا من القرى الظالم أهلها. وأن هؤلاء المهلكين لن يرجعوا إلى أهل مكة في الدنيا، ولكن الحقيقة التي لا شك فيها أنه ما من أمة من الأمم، أو جماعة من الجماعات المتقدمة أو المتأخرة إلا ومرجعها إلينا يوم القيامة، لنحاسبها على أعمالها، ولنجازيها بالجزاء الذي تستحقه.كما قال- سبحانه- في آية أخرى: وَإِنَّ كُلًّا لَمَّا لَيُوَفِّيَنَّهُمْ رَبُّكَ أَعْمالَهُمْ إِنَّهُ بِما يَعْمَلُونَ خَبِيرٌ .ثم ساق- سبحانه- بعد ذلك ألوانا من الأدلة الدالة على وحدانيته وقدرته، وهذه الأدلة منها ما هو أرضى، ومنها ما هو سماوي، ومنها ما هو بحرى، وكلها تدل- أيضا- على فضله ورحمته، قال- تعالى-:
36:33
وَ اٰیَةٌ لَّهُمُ الْاَرْضُ الْمَیْتَةُ ۚۖ-اَحْیَیْنٰهَا وَ اَخْرَجْنَا مِنْهَا حَبًّا فَمِنْهُ یَاْكُلُوْنَ(۳۳)
اور ان کے لیے ایک نشانی مردہ زمین ہے (ف۳۹) ہم نے اسے زندہ کیا (ف۴۰) اور پھر اس سے اناج نکالا تو اس میں سے کھاتے ہیں،

قال الإمام الرازي ما ملخصه قوله: وَآيَةٌ لَهُمُ الْأَرْضُ الْمَيْتَةُ أَحْيَيْناها وجه تعلقه بما قبله، أنه- سبحانه- لما قال: وَإِنْ كُلٌّ لَمَّا جَمِيعٌ لَدَيْنا مُحْضَرُونَ كان ذلك إشارة إلى الحشر، فذكر ما يدل على إمكانه قطعا لإنكارهم واستبعادهم، وعنادهم فقال: وَآيَةٌ لَهُمُ الْأَرْضُ الْمَيْتَةُ أَحْيَيْناها.. أى: وكذلك نحيى الموتى ... .والمراد بالآية هنا: العلامة والبرهان والدليل.والمراد بالأرض الميتة: الأرض الجدباء التي لا نبات فيها.والمراد بالحب: جنسه من حنطة وشعير وغيرهما.أى: ومن العلامات الواضحة لهؤلاء المشركين على قدرتنا على إحياء الموتى، أننا ننزل الماء على الأرض الجدباء. فتهتز وتربو، وتخرج ألوانا وأصنافا من الحبوب التي يعيشون عليها.ويأكلون منها.ونكر- سبحانه- لفظ آيَةٌ للإشعار بأنها آية عظيمة، كان ينبغي لهؤلاء المشركين أن يلتفتوا إليها، لأنهم يشاهدون بأعينهم الأرض القاحلة السوداء، كيف تتحول إلى أرض خضراء بعد نزول المطر عليها.والله- تعالى- الذي قدر على ذلك، قادر- أيضا- على إحياء الموتى وإعادتهم إلى الحياة.وقوله: أَحْيَيْناها كلام مستأنف مبين لكيفية كون الأرض الميتة آية.وقدم- سبحانه- الجار والمجرور في قوله فَمِنْهُ يَأْكُلُونَ للدلالة على أن الحب هو الشيء الذي تكون منه معظم المأكولات التي يعيشون عليها، وأن قلّته تؤدى الى القحط والجوع.
36:34
وَ جَعَلْنَا فِیْهَا جَنّٰتٍ مِّنْ نَّخِیْلٍ وَّ اَعْنَابٍ وَّ فَجَّرْنَا فِیْهَا مِنَ الْعُیُوْنِۙ(۳۴)
اور ہم نے اس میں (ف۴۱) باغ بنائے کھجوروں اور انگو روں کے اور ہم نے اس میں کچھ چشمے بہائے کہ،

ثم بين- سبحانه- بعض النعم الأخرى التي تحملها الأرض لهم فقال: وَجَعَلْنا فِيها جَنَّاتٍ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنابٍ، وَفَجَّرْنا فِيها مِنَ الْعُيُونِ.والآية الكريمة معطوفة على قوله أَحْيَيْناها، ونخيل: جمع نخل، كعبيد جمع عبد، وأعناب: جمع عنب: والعيون، جمع عين. والمراد بها الآبار التي تسقى بها الزروع.أى: أحيينا هذه الأرض الميتة بالماء.. وجعلنا فيها- بقدرتنا ورحمتنا- بساتين كثيرة من نخيل وأعناب، وفجرنا وشققنا فيها كثيرا من الآبار والعيون التي تسقى بها تلك الزروع والثمار.وخص النخيل والأعناب بالذكر، لأنها أشهر الفواكه المعروفة لديهم، وأنفعها عندهم.
36:35
لِیَاْكُلُوْا مِنْ ثَمَرِهٖۙ-وَ مَا عَمِلَتْهُ اَیْدِیْهِمْؕ-اَفَلَا یَشْكُرُوْنَ(۳۵)
اس کے پھلوں میں سے کھائیں اور یہ ان کے ہاتھ کے بنائے نہیں تو کیا حق نہ مانیں گے (ف۴۲)

واللام في قوله: لِيَأْكُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ متعلق بقوله: وَجَعَلْنا.....والضمير في قوله: مِنْ ثَمَرِهِ يعود إلى المذكور من الجنات والنخيل والأعناب. أو إلى الله- تعالى-.أى: وجعلنا في الأرض ما جعلنا من جنات ومن نخيل ومن أعناب، ليأكلوا ثمار هذه الأشياء التي جعلناها لهم، وليشكرونا على هذه النعم.و «ما» في قوله: وَما عَمِلَتْهُ أَيْدِيهِمْ أَفَلا يَشْكُرُونَ الظاهر أنها نافية والجملة حالية، والاستفهام للحض على الشكر.أى: جعلنا لهم في الأرض جنات من نخيل وأعناب، ليأكلوا من ثمار ما جعلناه لهم، وإن هذه الثمار لم تصنعها أيديهم، وإنما الذي أوجدها وصنعها هو الله- تعالى- بقدرته ومشيئته.وما دام الأمر كذلك، فهلا شكرونا على نعمنا، وأخلصوا العبادة لنا.قال ابن كثير: وقوله: وَما عَمِلَتْهُ أَيْدِيهِمْ أى: وما ذاك كله إلا من رحمتنا بهم، لا بسعيهم ولا كدهم، ولا بحولهم وقوتهم. قاله ابن عباس وقتادة. ولهذا قال: أَفَلا يَشْكُرُونَ أى: فهلا يشكرونه على ما أنعم به عليهم من هذه النعم التي لا تعد ولا تحصى .ويصح أن تكون «ما» هنا موصولة فيكون المعنى: ليأكلوا من ثمره ومن الذي عملته أيديهم من هذه الثمار كالعصير الناتج منها، وكغرسهم لتلك الأشجار وتعهدها بالسقى وغيره، إلى أن آتت أكلها.قال الشوكانى: وقوله: وَما عَمِلَتْهُ أَيْدِيهِمْ معطوف على ثمره، أى: ليأكلوا من ثمره، ويأكلوا مما عملته أيديهم كالعصير والدبس ونحوهما وكذلك ما غرسوه وحفروه على أن «ما» موصولة، وقيل: هي نافية، والمعنى: لم يعملوه بأيديهم، بل العامل له هو الله.. .
36:36
سُبْحٰنَ الَّذِیْ خَلَقَ الْاَزْوَاجَ كُلَّهَا مِمَّا تُنْۢبِتُ الْاَرْضُ وَ مِنْ اَنْفُسِهِمْ وَ مِمَّا لَا یَعْلَمُوْنَ(۳۶)
پاکی ہے اسے جس نے سب جوڑے بنائے (ف۴۳) ان چیزوں سے جنہیں زمین اگاتی ہے (ف۴۴) اور خود ان سے (ف۴۵) اور ان چیزوں سے جن کی انہیں خبر نہیں (ف۴۶)

ثم أثنى- سبحانه- على ذاته بما هو أهل له من ثناء فقال: سُبْحانَ الَّذِي خَلَقَ الْأَزْواجَ كُلَّها مِمَّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ، وَمِنْ أَنْفُسِهِمْ، وَمِمَّا لا يَعْلَمُونَ.ولفظ: سُبْحانَ اسم مصدر منصوب على أنه مفعول مطلق بفعل محذوف، والتقدير:سبحت الله سبحانا: أى: تسبيحا. بمعنى نزهته تنزيها عن كل سوء، وعظمته تعظيما.و «من» في الآية الكريمة للبيان.أى: ننزه الله- تعالى- تنزيها عن كل سوء. ونعظمه تعظيما لا نهاية له، فهو- عز وجل- الَّذِي خَلَقَ الْأَزْواجَ كُلَّها أى: الأنواع، والأصناف كلها ذكورا وإناثا.مِمَّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ أى: خلق الأصناف كلها التي تنبت في الأرض من حبوب وغيرها.وَمِنْ أَنْفُسِهِمْ أى: وخلقها من أنفسهم إذ الذكر من الأنثى، والأنثى من الذكر.وَمِمَّا لا يَعْلَمُونَ أى: وخلق هذه الأصناف كلها من أشياء لا علم لهم بها، وإنما مرد علمها إليه وحده- تعالى- كما قال- سبحانه- وَيَخْلُقُ ما لا تَعْلَمُونَ.فالمقصود من الآية الكريمة بيان لمظهر من مظاهر قدرته- تعالى- وبديع خلقه، حيث خلق الأصناف كلها، نرى بعضها نابتا في الأرض، ونرى بعضها متمثلا في الإنسان المكون من ذكر وأنثى، وهناك مخلوقات أخرى لا يعلمها إلا الله- تعالى-.
36:37
وَ اٰیَةٌ لَّهُمُ الَّیْلُ ۚۖ-نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهَارَ فَاِذَا هُمْ مُّظْلِمُوْنَۙ(۳۷)
اور ان کے لیے ایک نشانی (ف۴۷) رات ہے ہم اس پر سے دن کھینچ لیتے ہیں (ف۴۸) جبھی وہ اندھیروں میں ہیں،

وبعد أن بين- سبحانه- مظاهر قدرته عن طريق التأمل في الأرض التي نعيش عليها، عقب ذلك ببيان مظاهر قدرته عن طريق التأمل في تقلب الليل والنهار، وتعاقب الشمس والقمر، فقال- تعالى-: وَآيَةٌ لَهُمُ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهارَ. فَإِذا هُمْ مُظْلِمُونَ.وقوله: نَسْلَخُ من السلخ بمعنى الكشط والإزالة، يقال: سلخ فلان جلد الشاة، إذا أزاله عنها.والمراد هنا: إزالة ضوء النهار عن الليل، ليبقى لليل ظلمته.قال صاحب الكشاف: سلخ جلد الشاة، إذا كشطه عنها وأزاله. ومنه: سلخ الحية لخرشائها- أى: لجلدها- فاستعير ذلك لإزالة الضوء وكشفه عن مكان الليل، وملقى ظله .أى: ومن البراهين والعلامات الواضحة، الدالة على وحدانية الله، وقدرته على إحياء الموتى، وجود الليل والنهار بهذه الطريقة التي نشاهدها، حيث ينزع- سبحانه- عن الليل النهار، فيبقى لليل ظلامه، ويصير الناس في ليل مظلم، بعد أن كانوا في نهار مضيء.فمعنى: فَإِذا هُمْ مُظْلِمُونَ: فإذا هم داخلون في الظلام، بعد أن كانوا بعيدين عنه.يقال: أظلم القوم. إذا دخلوا في الظلام. وأصبحوا، إذا دخلوا في وقت الصباح.
36:38
وَ الشَّمْسُ تَجْرِیْ لِمُسْتَقَرٍّ لَّهَاؕ-ذٰلِكَ تَقْدِیْرُ الْعَزِیْزِ الْعَلِیْمِؕ(۳۸)
اور سورج چلتا ہے اپنے ایک ٹھہراؤ کے لیے (ف۴۹) یہ حکم ہے زبردست علم والے کا (ف۵۰)

وقوله- تعالى-: وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَها بيان لدليل آخر على قدرته- تعالى- وهو معطوف على قوله- تعالى- قبل ذلك: وَآيَةٌ لَهُمُ اللَّيْلُ ...قال الآلوسى ما ملخصه: وقوله: لِمُسْتَقَرٍّ لَها أى لحد معين تنتهي إليه.. شبه بمستقر المسافر إذا انتهى من سيره، والمستقر عليه اسم مكان، واللام بمعنى إلى..ويصح أن يكون اسم زمان، على أنها تجرى إلى وقت لها لا تتعداه، وعلى هذا فمستقرها:انتهاء سيرها عند انقضاء الدنيا.. .والمعنى: وآية أخرى لهم على قدرتنا، وهي أن الشمس تجرى إلى مكان معين لا تتعداه، وإلى زمن محدد لا تتجاوزه، وهذا المكان وذلك الزمان، كلاهما لا يعلمه إلا الله- تعالى-.قال بعض العلماء: قوله- تعالى-: وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَها أى: والشمس تدور حول نفسها، وكان المظنون أنها ثابتة في موضعها الذي تدور فيه حول نفسها. ولكن عرف أخيرا أنها ليست مستقرة في مكانها، وإنما هي تجرى فعلا.. تجرى في اتجاه واحد، في هذا الفضاء الكونى الهائل بسرعة حسبها الفلكيون باثنى عشر ميلا في الثانية.والله ربها الخبير بجريانها وبمصيرها يقول: إنها تجرى لمستقر لها، هذا المستقر الذي ستنتهى إليه لا يعلمه إلا هو- سبحانه- ولا يعلم موعده سواه.وحين نتصور أن حجم هذه الشمس يبلغ نحو مليون ضعف لحجم أرضنا هذه، وأن هذه الكتلة الهائلة تتحرك أو تجرى في الفضاء لا يسندها شيء، حين نتصور ذلك، ندرك طرفا من صفة القدرة التي تصرف هذا الوجود عن قوة وعن علم وقد ساق القرطبي عند تفسيره لهذه الآية جملة من الأحاديث فقال: وفي صحيح مسلم عن أبى ذر قال سألت رسول الله صلّى الله عليه وسلم عن قوله- تعالى-: وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَها قال مستقرها تحت العرش.ولفظ البخاري عن أبى ذر قال: قال النبي صلّى الله عليه وسلم لي حين غربت الشمس. «تدرى أين تذهب» ؟ قلت: الله ورسوله أعلم. قال: فإنها تذهب حتى تسجد تحت العرش، فتستأذن فيؤذن لها، ويوشك أن تسجد فلا يقبل منها، وتستأذن فلا يؤذن لها. فقال لها:ارجعي من حيث جئت. فتطلع من مغربها. فذلك قوله- تعالى-: وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَها .واسم الإشارة في قوله ذلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ يعود الى الجري المفهوم من «تجرى» .أى: ذلك الجريان البديع العجيب المقدر الشمس، تقدير الله- تعالى- العزيز الذي لا يغلبه غالب، العليم بكل شيء في هذا الكون علما لا يخفى معه قليل أو كثير من أحوال هذا الكون.
36:39
وَ الْقَمَرَ قَدَّرْنٰهُ مَنَازِلَ حَتّٰى عَادَ كَالْعُرْجُوْنِ الْقَدِیْمِ(۳۹)
اور چاند کے لیے ہم نے منزلیں مقرر کیں (ف۵۱) یہاں تک کہ پھر ہوگیا جیسے کھجور کی پرانی ڈال (ٹہنی) (ف۵۲)

ثم ذكر- سبحانه- آية أخرى تتعلق بكمال قدرته فقال: وَالْقَمَرَ قَدَّرْناهُ مَنازِلَ ...ولفظ القمر قرأه جمهور القراء بالنصب على أنه مفعول لفعل محذوف يفسره ما بعده.والمنازل جمع منزل. والمراد بها أماكن سيره في كل ليلة، وهي ثمان وعشرون منزلا، تبدأ من أول ليلة في الشهر، إلى الليلة الثامنة والعشرين منه. ثم يستتر القمر ليلتين إن كان الشهر تاما. ويستتر ليلة واحدة إن كان الشهر تسعا وعشرين ليلة.أى: وقدرنا سير القمر في منازل، بأن ينزل في كل ليلة في منزل لا يتخطاه ولا يتقاصر عنه، إذ كل شيء عندنا بمقدار..وقرأ نافع وابن كثير وأبو عمرو «والقمر» بالرفع على الابتداء، وخبره جملة «قدرناه» .قال الآلوسى ما ملخصه. قوله: وَالْقَمَرَ قَدَّرْناهُ- بالنصب- أى: وصيرنا سيره، أى: محله الذي يسير فيه «منازل» فقدّر بمعنى صيّر الناصب لمفعولين. والكلام على حذف مضاف، والمضاف المحذوف مفعوله الأول ومَنازِلَ مفعوله الثاني.وقرأ الحرميان وأبو عمرو: وَالْقَمَرَ بالرفع، على الابتداء، وجملة قَدَّرْناهُ خبره.والمنازل: جمع منزل، والمراد به المسافة التي يقطعها القمر في يوم وليلة .وقوله- سبحانه-: حَتَّى عادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ تصوير بديع لحالة القمر وهو في آخر منازله.والعرجون: هو قنو النخلة ما بين الشماريخ إلى منبته منها، وهو الذي يحمل ثمار النخلة سواء أكانت تلك الثمار مستوية أم غير مستوية. وسمى عرجونا من الانعراج، وهو الانعطاف والتقوس، شبه به القمر في دقته وتقوسه واصفراره.أى: وصيرنا سير القمر في منازل لا يتعداها ولا يتقاصر عنها، فإذا صار في آخر منازله، أصبح في دقته وتقوسه كالعرجون القديم، أى: العتيق اليابس.قال بعض العلماء: والذي يلاحظ القمر ليلة بعد ليلة. يدرك ظل التعبير القرآنى العجيب حَتَّى عادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ وبخاصة ظل ذلك اللفظ «القديم» . فالقمر في لياليه الأولى هلال. وفي لياليه الأخيرة هلال. ولكنه في لياليه الأولى يبدو وكأن فيه نضارة وقوة.وفي لياليه الأخيرة يطلع وكأنما يغشاه سهوم ووجوم، ويكون فيه شحوب وذبول. ذبول العرجون القديم. فليست مصادفة أن يعبر القرآن عنه هذا التعبير الموحى العجيب .
36:40
لَا الشَّمْسُ یَنْۢبَغِیْ لَهَاۤ اَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَ لَا الَّیْلُ سَابِقُ النَّهَارِؕ-وَ كُلٌّ فِیْ فَلَكٍ یَّسْبَحُوْنَ(۴۰)
سورج کو نہیں پہنچتا کہ چاند کو پکڑے (ف۵۳) اور نہ رات دن پر سبقت لے جائے (ف۵۴) اور ہر ایک، ایک گھیرے میں پیر رہا ہے،

وقوله- تعالى-: لَا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَها أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ، وَلَا اللَّيْلُ سابِقُ النَّهارِ، وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ بيان لدقة نظامه- سبحانه- في كونه، وأن هذا الكون الهائل يسير بترتيب في أسمى درجات الدقة، وحسن التنظيم.أى: لا يصح ولا يتأتى للشمس أن تدرك القمر في مسيره فتجتمع معه بالليل.وكذلك لا يصح ولا يتأتى الليل أن يسبق النهار، بأنه يزاحمه في محله أو وقته، وإنما كل واحد من الشمس والقمر، والليل والنهار، يسير، في هذا الكون بنظام بديع قدره الله- تعالى- له، بحيث لا يسبق غيره، أو يزاحمه في سيره.قال الإمام ابن كثير: قوله- تعالى-: لَا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَها أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ قال مجاهد: لكل منهما حد لا يعدوه، ولا يقصر دونه، إذا جاء سلطان هذا ذهب هذا، وإذا ذهب سلطان هذا جاء سلطان هذا..وقال عكرمة: يعنى أن لكل منهما سلطانا فلا ينبغي للشمس أن تطلع بالليل.وقوله: وَلَا اللَّيْلُ سابِقُ النَّهارِ يقول: لا ينبغي إذا كان الليل أن يكون ليل آخر، حتى يكون النهار...وقوله- تعالى-: وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ التنوين في «كل» عوض عن المضاف إليه..قال الآلوسى: والفلك: مجرى الكواكب، سمى بذلك لاستدارته، كفلكة المغزل، وهي الخشبة المستديرة في وسطه، وفلكة الخيمة، وهي الخشبة المستديرة التي توضع على رأس العمود لئلا تتمزق الخيمة .أى: وكل من الشمس والقمر، والليل والنهار، في أجزاء هذا الكون يسيرون بانبساط وسهولة، لأن قدرة الله- تعالى- تمنعهم من التصادم أو التزاحم أو الاضطراب.
  FONT
  THEME
  TRANSLATION
  • English | Ahmed Ali
  • Urdu | Ahmed Raza Khan
  • Turkish | Ali-Bulaç
  • German | Bubenheim Elyas
  • Chinese | Chineese
  • Spanish | Cortes
  • Dutch | Dutch
  • Portuguese | El-Hayek
  • English | English
  • Urdu | Fateh Muhammad Jalandhry
  • French | French
  • Hausa | Hausa
  • Indonesian | Indonesian-Bahasa
  • Italian | Italian
  • Korean | Korean
  • Malay | Malay
  • Russian | Russian
  • Tamil | Tamil
  • Thai | Thai
  • Farsi | مکارم شیرازی
  TAFSEER
  • العربية | التفسير الميسر
  • العربية | تفسير الجلالين
  • العربية | تفسير السعدي
  • العربية | تفسير ابن كثير
  • العربية | تفسير الوسيط لطنطاوي
  • العربية | تفسير البغوي
  • العربية | تفسير القرطبي
  • العربية | تفسير الطبري
  • English | Arberry
  • English | Yusuf Ali
  • Dutch | Keyzer
  • Dutch | Leemhuis
  • Dutch | Siregar
  • Urdu | Sirat ul Jinan
  HELP

يـٰسٓ
يـٰسٓ
  00:00



Download

يـٰسٓ
يـٰسٓ
  00:00



Download