READ
Surah Nuh
نُوْ ح
28 Ayaat مکیۃ
71:0
بِسْمِ اللّٰهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحِیْمِ
اللہ کے نام سے شروع جو بہت مہربان رحمت والا
سورة الفاتحة هي السورة الوحيدة التي أمر الإسلام أتباعه أن يقرءوها في كل صلاة. وفي جميع الركعات، وفي كل الأوقات، ولهذا أصبح حفظها ميسورا لكل مؤمن.وهذه السورة على صغر حجمها، وقلة آياتها، قد اشتملت بوجه إجمالي على مقاصد الدين من توحيد، وتعبد، وأحكام، ووعد ووعيد.ونرى من الخير قبل أن نبدأ في تفسيرها بالتفصيل، أن نمهد لذلك بالكلام عما يأتي:أولا: متى نزلت سورة الفاتحة؟للإجابة على هذا السؤال نقول: إن الرأي الراجح بين المحققين من العلماء أنها نزلت بمكة، بل هي من أوائل ما نزل من القرآن بمكة.وقيل: إنها مدنية. وقيل: إنها نزلت مرتين مرة بمكة حين فرضت الصلاة ومرة بالمدينة حين حولت القبلة.قال القرطبي: الأول أصح لقوله- تعالى- في سورة الحجر: وَلَقَدْ آتَيْناكَ سَبْعاً مِنَ الْمَثانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ وسورة الحجر مكية بالإجماع. ولا خلاف في أن فرض الصلاة كان بمكة، وما حفظ أنه لم يكن في الإسلام قط صلاة بغير الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ «يدل على ذلك قوله صلّى الله عليه وسلّم: «لا صلاة إلا بفاتحة الكتاب» . وهذا خبر عن الحكم لا عن الابتداء» .ثانيا: عدد آياتها: وهي سبع آيات لقوله- تعالى-: وَلَقَدْ آتَيْناكَ سَبْعاً مِنَ الْمَثانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ. قال العلماء: السبع المثاني هي الفاتحة.وقال ابن كثير: هي سبع آيات بلا خلاف. وقال عمرو بن عبيد: هي ثماني آيات لأنه جعل إِيَّاكَ نَعْبُدُ آية. وقال حسين الجعفي: هي ست آيات وهذان القولان شاذان» .ثالثا: أسماؤها: لسورة الفاتحة أسماء كثيرة من أشهرها:1- «الفاتحة أو فاتحة الكتاب، وسميت بذلك لأنه تفتتح قراءة القرآن بها لفظا. وتفتتح بها الكتابة في المصحف خطا، وتفتتح بها الصلوات، وإن لم تكن هي أول ما نزل من القرآن. وقد اشتهرت بهذا الاسم في أيام النبوة.وقد أصبح هذا الاسم علما بالغلبة لتلك الطائفة من الآيات التي مبدؤها الْحَمْدُ لِلَّهِ..ونهايتها.. وَلَا الضَّالِّينَ.2- «أم القرآن أو الكتاب» وسميت بذلك لاشتمالها إجمالا على المقاصد التي ذكرت فيه تفصيلا، أو لاشتمالها على ما فيه من الثناء على الله بما هو أهله، والتعبد بأمره ونهيه، وبيان وعده ووعيده، أو على جملة معانيه من الحكم النظرية، والأحكام العملية التي هي سلوك الصراط المستقيم، والاطلاع على معارج السعداء ومنازل الأشقياء.قال ابن جرير: «والعرب تسمى كل أمر جامع أمّا، وكل مقدم له توابع تتبعه «أما» فتقول للجلدة التي تجمع الدماغ: «أم الرأس» . وتسمى لواء الجيش ورايتهم التي يجتمعون تحتها «أما» .3- «السبع المثاني» جمع مثنى كفعلي اسم مكان. أو مثنى- بالتشديد- من التثنية على غير قياس. وسميت بذلك لأنها سبع آيات في الصلاة، أى تكرر فيها أخرج الإمام أحمد، عن أبي هريرة، عن النبي صلّى الله عليه وسلّم أنه قال: «هي أم القرآن، وهي السبع المثاني، وهي القرآن العظيم» .4- وتسمى- أيضا- سورة «الحمد» . 5- و «الكنز» . 6- و «الواقية» .7- و «الشفاء» ، لحديث. هي الشفاء من كل داء.8- و «الكافية» لأنها تكفي عن سواها ولا يكفى سواها عنها.9- و «الأساس» . 10- و «الرقية» .هذا، وقد ذكر القرطبي للفاتحة اثنى عشر اسما، كما ذكر السيوطي لها في كتابه «الإتقان» خمسة وعشرين اسما.رابعا: فضلها: ورد في فضل سورة الفاتحة أحاديث كثيرة منها:ما رواه البخاري في صحيحه عن أبي سعيد بن المعلى- رضي الله عنه- قال:كنت أصلي في المسجد، فدعاني النبي صلّى الله عليه وسلّم فلم أجبه فقلت: يا رسول الله، إني كنت أصلّي.فقال: ألم يقل الله: اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذا دَعاكُمْ.ثم قال لي: «لأعلمنك سورة هي أعظم السور في القرآن قبل أن تخرج من المسجد» . ثم أخذ بيدي، فلما أراد أن يخرج، قلت: يا رسول الله. ألم تقل: لأعلمنك سورة هي أعظم سورة في القرآن. قال: الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ، هي السبع المثاني والقرآن العظيم الذي أوتيته» .وروى مسلّم والنسائي، عن ابن عباس، قال:بينما جبريل قاعد عند النبي صلّى الله عليه وسلّم سمع نقيضا من فوقه- أي: صوتا- فرفع رأسه فقال:هذا باب من السماء فتح اليوم لم يفتح قط إلا اليوم. فسلّم وقال: أبشر بنورين قد أوتيتهما، ولم يؤتهما نبي قبلك: فاتحة الكتاب، وخواتيم سورة البقرة، لم تقرأ بحرف منهما إلا أعطيته» .وروى مسلّم عن أبي هريرة- رضي الله عنه- عن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال:«من صلّى صلاة لم يقرأ فيها بأم القرآن فهي خداج (ثلاثا) : غير تمام» فقيل لأبي هريرة: إنا نكون وراء الإمام؟ فقال: اقرأ بها في نفسك فإني سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: قال الله- تعالى-: «قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين، ولعبدي ما سأل» ، فإذا قال العبد:الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ. قال الله: حمدني عبدي، وإذا قال: الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ. قال الله تعالى: أثنى علي عبدي. وإذا قال: مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ قال الله: مجدني عبدي. فإذا قال:إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ. قال الله: هذا بيني وبين عبدي ولعبدي ما سأل. فإذا قال:اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ. صِراطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ.قال الله: «هذا لعبدي ولعبدي ما سأل» .وأخرج الإمام أحمد في مسنده، عن عبد الله بن جابر، أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال له: ألا أخبرك بأخير سورة في القرآن؟ قلت: بلى يا رسول الله. قال: اقرأ: الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ حتى تختمها .تلك هي بعض الأحاديث التي وردت في فضل هذه السورة الكريمة.وقد ذكر العلماء أنه يسن للمسلّم قبل القراءة أن يستعيذ بالله من الشيطان الرجيم، استجابة لقوله- تعالى- فَإِذا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطانِ الرَّجِيمِ .ومعنى «أعوذ بالله من الشيطان الرجيم» : ألتجئ إلى الله وأتحصن به، واستجير بجنابه من الشيطان الرجيم أن يضرني في ديني أو دنياي.قال ابن كثير: «والشيطان في لغة العرب كل متمرد من الجن والإنس والدواب وكل شيء.وهو مشتق من شطن إذا بعد، فهو بعيد بطبعه عن طباع الشر، وبعيد بفسقه عن كل خير.وقيل: مشتق من شاط لأنه مخلوق من نار. والأول أصح إذ عليه يدل كلام العرب، فهم:يقولون تشيطن فلان إذا فعل أفعال الشيطان، ولو كان من شاط. لقالوا: تشيط، فالشيطان مشتق من البعد على الصحيح» .والرجيم: فعيل بمعنى مفعول أي أنه مرجوم مطرود من رحمة الله ومن كل خير، وقيل:رجيم بمعنى راجم لأنه يرجم الناس بالوساوس والشكوك.قال بعض العلماء: «وإنما خصت القراءة بطلب الاستعاذة مع أنه قد أمر بها على وجه العموم في جميع الشئون، لأن القرآن مصدر الهداية والشيطان مصدر الضلال، فهو يقف للإنسان بالمرصاد في هذا الشأن على وجه خاص، فيثير أمامه ألوانا من الشكوك فيما يقرأ، وفيما يفيد من قراءته، وفيما يقصد بها، فيفوت عليه الانتفاع بهدى الله وآياته، فعلمنا الله أن نتقي ذلك كله بهذه الاستعاذة التي هي في الواقع عنوان صدق، وتعبير حق، عن امتلاء قلب المؤمن بمعنى اللجوء إلى الله، وقوة عزيمته في طرد الوساوس والشكوك، واستقبال الهداية بقلب طاهر،وعقل واع، وإيمان ثابت» .قال القرطبي: وقد أجمع العلماء على أن التعوذ ليس من القرآن ولا آية منه، وهو قول القارئ: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم .والآن وبعد هذا التمهيد الموجز الذي تكلمنا فيه عن نزول سورة الفاتحة، وعن عدد آياتها، وعن أشهر أسمائها، وعن بعض الأحاديث التي وردت في فضلها نحب أن نبدأ في تفسير السورة الكريمة فنقول- وبالله التوفيق-: بسم ٱلله الرَّحْمٰنِ الرَّحِيمِ الاسم: اللفظ الذى يدل على ذات أو معنى. وقد اختلف النحويون في اشتقاقه على وجهين، فقال البصريون: هو مشتق من السمو، وهو العلو والرفعة، فقيل: اسم، لأن صاحبه بمنزلة المرتفع به.وقال الكوفيون: إنه مشتق من السمة وهي العلامة، لأن الاسم علامة لمن وضع له، فأصل اسم على هذا " وسم ".ويرى المحققون أن رأي البصريين أرجح، لأنه يقال في تصغير " اسم " سُمىَ، وفي جمعه أسماء، والتصغير والجمع يردان الأشياء إلى أصولها. ولو كان أصله وسم - كما قال الكوفيون - لقيل في جمعه: أوسام، وفي تصغيره وسيم.ولفظ الجلالة وهو " الله " علم على ذات الخالق - عز وجل - تفرد به - سبحانه - ولا يطلق على غيره، ولا يشاركه فيه أحد.قال القرطبي: قوله " الله " هذا الاسم أكبر أسمائه - سبحانه - وأجمعها حتى قال بعض العلماء: إنه اسم الله الأعظم ولم يتسم به غيره، ولذلك لم يثن ولم يجمع: فالله اسم للموجود الحق الجامع لصفات الإِلهية، المنعوت بنعوت الربوبيه، المنفرد بالوجود الحقيقي، لا إله إلا هو - سبحانه -و ٱلرَّحْمٰنِ ٱلرَّحِيمِ صفتان مشتقتان من الرحمة. والرحمة في أصل اللغة: رقة في القلب تقتضي الإِحسان، وهذا المعنى لا يليق أن يكون وصفاً لله - تعالى-، ولذا فسرها بعض العلماء بإرادة الإِحسان. وفسرها آخرون بالإِحسان نفسه.والموافق لمذهب السلف أن يقال: هي صفة قائمة بذاته - تعالى - لا نعرف حقيقتها، وإنما نعرف أثرها الذي هو الإِحسان.وقد كثرت أقوال المفسرين في العلاقة بين هاتين الصفتين، فبعضهم يرى أن ٱلرَّحْمٰنِ هو المنعم على جميع الخلق. وأن ٱلرَّحِيمِ هو المنعم على المؤمنين خاصه. ويرى آخرون أن ٱلرَّحْمٰنِ هو المنعم بجلائل النعم، وأن ٱلرَّحِيمِ هو المنعم بدقائقها.ويرى فريق ثالث أن الوصفين بمعنى واحد وأن الثاني منهما تأكيد للأول. والذى يراه المحققون من العلماء أن الصفتين ليستا بمعنى واحد، بل روعي فب كل منهما معنى لم يراع في الآخر، فالرحمن بمعنى عظيم الرحمة، لأن فعلان صيغة مبالغة في كثرة الشيء وعظمته، ويلزم منه الدوام كغضبان وسكران. والرحيم بمعنى دائم الرحمة، لأن صيغته فعيل تستعمل في الصفات الدائمة ككريم وظريف. فكأنه قيل: العظيم الرحمة الدائمة.أو أن ٱلرَّحْمٰنِ صفة ذاتية هي مبدأ الرحمة والإِحسان. و ٱلرَّحِيمِ صفة فعل تدل على وصول الرحمة والإِحسان وتعديهما إلى المنعم عليه.ولعل مما يؤيد ذلك أن لفظ الرحمن لم يذكر في القرآن إلا مجرى عليه الصفات كما هو الشأنِ في أسماء الذات. قال - تعالى-: ٱلرَّحْمَٰنُ عَلَّمَ ٱلْقُرْآنَ و ٱلرَّحْمَٰنُ عَلَى ٱلْعَرْشِ ٱسْتَوَىٰ قُلِ ٱدْعُواْ ٱللَّهَ أَوِ ٱدْعُواْ ٱلرَّحْمَٰنَ وهكذا...أما لفظ الرحيم فقد كثر في القرآن استعماله وصفاً فعلياً، وجاء في الغالب بأسلوب التعدية والتعلق بالمنعم عليه. قال - تعالى - إِنَّ ٱللَّهَ بِٱلنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَّحِيمٌ وَكَانَ بِٱلْمُؤْمِنِينَ رَحِيماً إِنَّهُ كَانَ بِكُمْ رَحِيماً إلخ.قال بعض العلماء " وهذا الرأي في نظرنا هو أقوى الآراء، فإن تخصيص أحد الوصفين بدقائق النعم أو ببعض المنعم عليهم لا دليل عليه، كما أنه ليس مستساغاً أن يقال في القرآن: إن كلمة ذكرت بعد أخرى لمجرد تأكيد المعنى المستفاد منها ".والجار والمجرور " بسم " متعلق بمحذوف تقديره ابتدئ.والمعنى: ابتدئ قراءتي متبركاً ومتيمناً باسم الله الذى هو الأول والآخر، والظاهر والباطن، والذى رحمته وسعت كل شيء، وأتبرأ مما كان يفعله المشركون والضالون، من ابتدائهم قراءتهم وأفعالهم باسم اللات أو باسم العزى أو باسم غيرهما من الآلهة الباطلة.هذا وقد أجمع العلماء على أن البسملة جزء آية من سورة النمل فى قوله - تعالى - إِنَّهُ مِن سُلَيْمَانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ ٱللَّهِ ٱلرَّحْمَٰنِ ٱلرَّحِيمِ ثم اختلفوا بعد ذلك في كونها آية مستقلة أنزلت للفصل بين السور مرة واحدة، أو هى آية من سورة الفاتحة ومن كل سورة ألخ.فبعضهم يرى أن البسملة آية من الفاتحة ومن كل سورة، ومن حججهم أن السلف قد أثبتوها في المصحف مع الأمر بتجريد القرآن مما ليس منه، ولذا لم يكتبوا " آمين ". فثبت بهذا أن البسملة جزء من الفاتحة ومن كل سورة.وبهذا الرأي قال ابن عباس وابن عمر وأبو هريرة وسعيد بن جبير والشافعي، وأحمد في أحد قوليه.ويرى آخرون أن البسملة ليست آية من الفاتحة ولا من غيرها من السور، وقالوا: إنها آية فذة. من القرآن أنزلت للفصل والتبرك للابتداء بها، ومن حججهم أنها لو كانت آية من الفاتحة ومن كل سورة، لما اختلف الناس في ذلك، ولما اضطربت أقوالهم في كونها آية من كل سورة أو من الفاتحة فقط.وكما وقع الخلاف بين العلماء في كونها آية مستقلة أو آية من كل سورة، فقد وقع الخلاف بينهم - أيضاً - في وجوب قراءتها فى الصلاة، وفي الجهر بها أو الإِسرار إذا قرئت.وتحقيق القول في ذلك مرجعه إلى كتب الفقه، وإلى كتب التفسير التي عنيت بتفسير آيات الأحكام.
اِنَّاۤ اَرْسَلْنَا نُوْحًا اِلٰى قَوْمِهٖۤ اَنْ اَنْذِرْ قَوْمَكَ مِنْ قَبْلِ اَنْ یَّاْتِیَهُمْ عَذَابٌ اَلِیْمٌ(۱)
بیشک ہم نے نوح کو اس کی قوم کی طرف بھیجا کہ ان کو ڈرا اس سے پہلے کہ ان پر دردناک عذاب آئے (ف۲)
تفسير سورة نوحمقدمة وتمهيد1- سورة «نوح» - عليه السلام- من السور المكية الخالصة، وسميت بهذا الاسم لاشتمالها على دعوته- عليه السلام- وعلى مجادلته لقومه، وعلى موقفهم منه، وعلى دعائه عليهم.وكان نزولها بعد سورة «النحل» وقبل سورة «إبراهيم» .وعدد آياتها ثمان وعشرون آية في المصحف الكوفي. وتسع وعشرون في المصحف البصري والشامي، وثلاثون آية في المصحف المكي والمدني.2- وهذه السورة الكريمة من أولها إلى آخرها، تحكى لنا ما قاله نوح لقومه، وما ردوا به عليه، كما تحكى تضرعه إلى ربه- عز وجل- وما سلكه مع قومه في دعوته لهم إلى الحق، تارة عن طريق الترغيب وتارة عن طريق الترهيب، وتارة عن طريق دعوتهم إلى التأمل والتفكر في نعم الله- تعالى- عليهم، وتارة عن طريق تذكيرهم بخلقهم.كما تحكى أنه- عليه السلام- بعد أن مكث فيهم ألف سنة إلا خمسين عاما- دعا الله- تعالى- أن يستأصل شأفتهم. فقال: رَبِّ لا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكافِرِينَ دَيَّاراً. إِنَّكَ إِنْ تَذَرْهُمْ يُضِلُّوا عِبادَكَ، وَلا يَلِدُوا إِلَّا فاجِراً كَفَّاراً. رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوالِدَيَّ وَلِمَنْ دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِناً وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ، وَلا تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلَّا تَباراً.وقصة نوح- عليه السلام- مع قومه، قد وردت في سور متعددة منها: سورة الأعراف، ويونس، وهود، والشعراء، والعنكبوت.وينتهى نسب نوح- عليه السلام- إلى شيث بن آدم، وقد ذكر نوح في القرآن في ثلاثة وأربعين موضعا.وكان قوم نوح يعبدون الأصنام، فأرسل الله- تعالى- إليهم نوحا ليدلهم على طريق الرشاد.وقد افتتحت السورة هنا بالأسلوب المؤكد بإنّ، للاهتمام بالخبر، وللاتعاظ بما اشتملت عليه القصة من هدايات وإرشادات.وأن في قوله أَنْ أَنْذِرْ قَوْمَكَ تفسيرية، لأنها وقعت بعد أرسلنا، والإرسال فيه معنى القول دون حروفه، فالجملة لا محل لها من الإعراب.ويصح أن تكون مصدرية، أى: بأن أنذر قومك ... والإنذار، هو الإخبار الذي معه تخويف.وقوم الرجل: هم أهله وخاصته الذين يجتمعون معه في جد واحد. وقد يقيم الرجل بين الأجانب. فيسميهم قومه على سبيل المجاز للمجاورة.أى: إنا قد اقتضت حكمتنا أن نرسل نوحا- عليه السلام- إلى قومه، وقلنا له:يا نوح عليك أن تنذرهم وتخوفهم من عذابنا، وأن تدعوهم إلى إخلاص العبادة لنا، من قبل أن ينزل بهم عذاب مؤلم، لا طاقة لهم بدفعه، لأن هذا العذاب من الله- تعالى- الذي لا راد لقضائه، ولا معقب لحكمه.وقال- سبحانه- أَنْ أَنْذِرْ قَوْمَكَ ولم يقل: أن أنذر الناس، لإثارة حماسته في دعوته، لأن قوم الرجل يحرص الإنسان على منفعتهم.. أكثر من حرصه على منفعة غيرهم.والآية الكريمة صريحة في أن ما أصاب قوم نوح من عذاب أليم، كان بسبب إصرارهم على كفرهم، وعدم استماعهم إلى إنذاره لهم.
قَالَ یٰقَوْمِ اِنِّیْ لَكُمْ نَذِیْرٌ مُّبِیْنٌۙ(۲)
اس نے فرمایا اے میری قوم! میں تمہارے لیے صریح ڈر سنانے والا ہوں،
ثم حكى- سبحانه- بعد ذلك ما قاله نوح لقومه فقال: قالَ يا قَوْمِ إِنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ مُبِينٌ أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ، وَاتَّقُوهُ وَأَطِيعُونِ.اى: قال نوح لقومه- على سبيل التلطف في النصح، والتقرب إلى قلوبهم- يا قوم ويا أهلى وعشيرتي: إنى لكم منذر واضح الإنذار، ولا أسألكم على هذا الإنذار الخالص أجرا، وإنما ألتمس أجرى من الله.وإنى آمركم بثلاثة أشياء: أن تخلصوا لله- تعالى- العبادة، وأن تتقوه في كل أقوالكم وأفعالكم، وأن تطيعوني في كل ما آمركم به وأنهاكم عنه.وافتتح كلامه معهم بالنداء يا قَوْمِ، أملا في لفت أنظارهم إليه، واستجابتهم له، فإن النداء من شأنه التنبيه للمنادى.ووصف إنذاره لهم بأنه مُبِينٌ، ليشعرهم بأنه لا لبس في دعوته لهم إلى الحق، ولا خفاء في كونهم يعرفونه، ويعرفون حرصه على منفعتهم ...وقال: إِنِّي لَكُمْ للإشارة الى أن فائدة استجابتهم له، تعود عليهم لا عليه، فهو مرسل من أجل سعادتهم وخيرهم.
اَنِ اعْبُدُوا اللّٰهَ وَ اتَّقُوْهُ وَ اَطِیْعُوْنِۙ(۳)
کہ اللہ کی بندگی کرو (ف۳) اور اس سے ڈرو (ف۴) اور میرا حکم مانو،
وأمرهم بطاعته، بعد أمرهم بعبادة الله وتقواه، لأن طاعتهم له هي طاعة لله- تعالى- كما قال- تعالى-: مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطاعَ اللَّهَ.
یَغْفِرْ لَكُمْ مِّنْ ذُنُوْبِكُمْ وَ یُؤَخِّرْكُمْ اِلٰۤى اَجَلٍ مُّسَمًّىؕ-اِنَّ اَجَلَ اللّٰهِ اِذَا جَآءَ لَا یُؤَخَّرُۘ-لَوْ كُنْتُمْ تَعْلَمُوْنَ(۴)
وہ تمہارے کچھ گناہ بخش دے گا (ف۵) اور ایک مقرر میعاد تک (ف۶) تمہیں مہلت دے گا (ف۷) بیشک اللہ کا وعدہ جب آتا ہے ہٹایا نہیں جاتا کسی طرح تم جانتے (ف۸)
ثم بين لهم ما يترتب على إخلاص عبادتهم لله، وخشيتهم منه- سبحانه-، وطاعتهم لنبيهم فقال: يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ، وَيُؤَخِّرْكُمْ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى.وقوله: يَغْفِرْ مجزوم في جواب الأوامر الثلاثة، ومِنْ للتبعيض أى: يغفر لكم بعض ذنوبكم، وهي تلك التي اقترفوها قبل إيمانهم وطاعتهم لنبيهم، أو الذنوب التي تتعلق بحقوق الله- تعالى- دون حقوق العباد.ويرى بعضهم أن «من» هنا زائدة لتوكيد هذه المغفرة. أى: يغفر لكم جميع ذنوبكم التي فرطت منكم، متى آمنتم واتقيتم ربكم، وأطعتم نبيكم.وَيُؤَخِّرْكُمْ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى أى: ويؤخر آجالكم إلى وقت معين عنده- سبحانه-، ويبارك لكم فيها، بأن يجعلها عامرة بالعمل الصالح، وبالحياة الآمنة الطيبة.فأنت ترى أن نوحا- عليه السلام- قد وعدهم بالخير الأخروى وهو مغفرة الذنوب يوم القيامة، وبالخير الدنيوي وهو البركة في أعمارهم. وطول البقاء في هناء وسلام.قال ابن كثير: وَيُؤَخِّرْكُمْ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى أى: ويمد في أعماركم، ويدرأ عنكم العذاب، الذي إذا لم تنزجروا عما أنهاكم عنه: أوقعه- سبحانه- بكم.وقد يستدل بهذه الآية من يقول: إن الطاعة والبر وصلة الرحم. يزاد بها في العمر حقيقة، كما ورد به الحديث: «صلة الرحم تزيد في العمر» .وقوله: إِنَّ أَجَلَ اللَّهِ إِذا جاءَ لا يُؤَخَّرُ لَوْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ بمنزلة التعليل لما قبله. أى:يغفر لكم- سبحانه- من ذنوبكم، ويؤخركم إلى أجل معين عنده- تعالى- إن الوقت الذي حدده الله- عز وجل- لانتهاء أعماركم، متى حضر، لا يؤخر عن موعده، لَوْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ أى: لو كنتم من أهل العلم لاستجبتم لنصائحى، وامتثلتم أمرى، وبذلك تنجون من العقاب الدنيوي والأخروى.قال الآلوسى: قوله لَوْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ. أى: لو كنتم من أهل العلم لسارعتم لما آمركم به. لكنكم لستم من أهله في شيء، لذا لم تسارعوا، فجواب لو مما يتعلق بأول الكلام.ويجوز أن يكون مما يتعلق بآخره. أى: لو كنتم من أهل العلم لعلمتم ذلك، أى: عدم تأخير الأجل إذا جاء وقته المقدر له. والفعل في الوجهين منزل منزلة اللازم.. .ثم قصت علينا الآيات الكريمة بعد ذلك، ما قاله نوح لربه. على سبيل الشكوى والضراعة، وما وجهه إلى قومه من نصائح فيها ما فيها من الترغيب والترهيب، ومن الإرشاد الحكيم، والتوجيه السديد.. قال- تعالى-:
قَالَ رَبِّ اِنِّیْ دَعَوْتُ قَوْمِیْ لَیْلًا وَّ نَهَارًاۙ(۵)
عرض کی (ف۹) اے میرے رب! میں نے اپنی قوم کو رات دن بلایا (ف۱۰)
وقوله- تعالى-: قالَ رَبِّ إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلًا وَنَهاراً، فَلَمْ يَزِدْهُمْ دُعائِي إِلَّا فِراراً. بيان للطرق والمسالك التي سلكها نوح مع قومه، وهو يدعوهم إلى إخلاص العبادة لله- تعالى- بحرص شديد ومواظبة تامة.. وموقف قومه من دعوته لهم.والمقصود بهذا الخبر لازم معناه، وهو الشكاية إلى ربه، والتمهيد لطلب النصر منه- تعالى- عليهم، لأنه- سبحانه- لا يخفى عليه أن نوحا- عليه السلام- لم يقصر في تبليغ رسالته.أى: قال نوح متضرعا إلى ربه: يا رب إنك تعلم أننى لم أقصر في دعوة قومي إلى عبادتك، تارة بالليل وتارة بالنهار، من غير فتور ولا توان.
فَلَمْ يَزِدْهُمْ دُعائِي لهم إلى عبادتك وطاعتك إِلَّا فِراراً أى: إلا تباعدا من الإيمان وإعراضا عنه. والفرار: الزّوغان والهرب. يقال: فر فلان يفر فرارا، فهو فرور، إذا هرب من طالبه، وزاغ عن عينه.والتعبير بقوله: دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلًا وَنَهاراً، يشعر بحرص نوح التام على دعوتهم، في كل وقت يظن فيه أن دعوته لهم قد تنفع.كما أن التعبير بقوله: فَلَمْ يَزِدْهُمْ دُعائِي إِلَّا فِراراً يدل دلالة واضحة على إعراضهم التام عن دعوته، أى: فلم يزدهم دعائي شيئا من الهدى، وإنما زادهم بعدا عنى، وفرارا منى.وإسناد الزيادة إلى الدعاء، من باب الإسناد إلى السبب، كما في قولهم: سرتنى رؤيتك.وقوله فِراراً مفعول ثان لقوله فَلَمْ يَزِدْهُمْ والاستثناء مفرغ من عموم الأحوال والمستثنى منه مقدر، أى: فلم يزدهم دعائي شيئا من أحوالهم التي كانوا عليها إلا الفرار.ويصح أن يكون الاستثناء منقطعا. أى: فلم يزدهم دعائي قربا من الحق، لكن زادهم فرارا منه.
وَ اِنِّیْ كُلَّمَا دَعَوْتُهُمْ لِتَغْفِرَ لَهُمْ جَعَلُوْۤا اَصَابِعَهُمْ فِیْۤ اٰذَانِهِمْ وَ اسْتَغْشَوْا ثِیَابَهُمْ وَ اَصَرُّوْا وَ اسْتَكْبَرُوا اسْتِكْبَارًاۚ(۷)
اور میں نے جتنی بار انہیں بلایا (ف۱۲) کہ تو ان کو بخشے انہوں نے اپنے کانوں میں انگلیاں دے لیں (ف۱۳) اور اپنے کپڑے اوڑھ لیے (ف۱۴) اور ہٹ کی (ف۱۵) اور بڑا غرور کیا (ف۱۶)
ثم أضاف إلى فرارهم منه، حالة أخرى. تدل على إعراضهم عنه، وعلى كراهيتهم له، فقال: وَإِنِّي كُلَّما دَعَوْتُهُمْ لِتَغْفِرَ لَهُمْ، جَعَلُوا أَصابِعَهُمْ فِي آذانِهِمْ، وَاسْتَغْشَوْا ثِيابَهُمْ، وَأَصَرُّوا وَاسْتَكْبَرُوا اسْتِكْباراً.وقوله: كُلَّما معمول لجملة: جَعَلُوا التي هي خبر إن، واللام في قوله لِتَغْفِرَ لَهُمْ للتعليل.والمراد بأصابعهم: جزء منها. واستغشاء الثياب معناه: جعلها غشاء، أى: غطاء لرءوسهم ولأعينهم حتى لا ينظروا إليه، ومتعلق الفعل «دعوتهم» محذوف لدلالة ما تقدم عليه، وهو أمرهم بعبادة الله وتقواه.والمعنى: وإنى- يا مولاي- كلما دعوتهم الى عبادتك وتقواك وطاعتي فيما أمرتهم به، لكي تغفر لهم ذنوبهم.. ما كان منهم إلا أن جعلوا أصابعهم في آذانهم حتى لا يسمعوا قولي، وإلا أن وضعوا ثيابهم على رءوسهم. وأبصارهم حتى لا يرونى، وإلا أن أَصَرُّوا إصرارا تاما على كفرهم وَاسْتَكْبَرُوا اسْتِكْباراً عظيما عن قبول الحق.فأنت ترى أن هذه الآية الكريمة، قد صورت عناد قوم نوح، وجحودهم للحق، تصويرا بلغ الغاية في استحبابهم العمى على الهدى.فهي- أولا- جاءت بصيغة «كلما» الدالة على شمول كل دعوة وجهها إليهم نبيهم نوح- عليه السلام- أى: في كل وقت أدعوهم إلى الهدى يكون منهم الإعراض.وهي- ثانيا- عبرت عن عدم استماعهم إليه بقوله- تعالى-: جَعَلُوا أَصابِعَهُمْ فِي آذانِهِمْ. وعبر عن الأنامل بالأصابع على سبيل المبالغة في إرادة سد المسامع، فكأنهم لو أمكنهم إدخال أصابعهم جميعها في آذانهم لفعلوا. حتى لا يسمعوا شيئا مما يقوله نبيهم لهم.فإطلاق اسم الأصابع على الأنامل من باب المجاز المرسل، لعلاقة البعضية، حيث أطلق- سبحانه- الكل وأراد البعض، مبالغة في كراهيتهم لسماع كلمة الحق.وهي- ثالثا- عبرت عن كراهيتهم لنبيهم ومرشدهم بقوله- تعالى-: وَاسْتَغْشَوْا ثِيابَهُمْ أى: بالغوا في التّغطّى بها، حتى لكأنهم قد طلبوا منها أن تلفهم بداخلها حتى لا يتسنى لهم رؤيته إطلاقا.وهذا كناية عن العداوة الشديدة، ومنه قول القائل: لبس لي فلان ثياب العداوة.وهي- رابعا- قد بينت بأنهم لم يكتفوا بكل ذلك، بل أضافوا إليه الإصرار على الكفر- وهو التشديد فيه، والامتناع من الإقلاع عنه مأخوذ من الصرّة بمعنى الشدة- والاستكبار العظيم عن الاستجابة للحق.فقد أفادت هذه الآية، أنهم عصوا نوحا وخالفوه مخالفة ليس هناك ما هو أقبح منها ظاهرا، حيث عطلوا أسماعهم وأبصارهم، وليس هناك ما هو أقبح منها باطنا، حيث أصروا على كفرهم، واستكبروا على اتباع الحق.
ومع كل هذا الإعراض والعناد.. فقد حكت لنا الآيات بعد ذلك، أن نوحا- عليه السلام- قد واصل دعوته لهم بشتى الأساليب. فقال- كما حكى القرآن عنه-: ثُمَّ إِنِّي دَعَوْتُهُمْ جِهاراً.وقوله: جِهاراً صفة لمصدر محذوف، أى: دعوتهم دعاء جهارا. أى: مجاهرا لهم بدعوتي، بحيث صارت دعوتي لهم أمامهم جميعا.
ثُمَّ اِنِّیْۤ اَعْلَنْتُ لَهُمْ وَ اَسْرَرْتُ لَهُمْ اِسْرَارًاۙ(۹)
پھر میں نے ان سے با علان بھی کہا (ف۱۸) اور آہستہ خفیہ بھی کہا (ف۱۹)
ثُمَّ إِنِّي أَعْلَنْتُ لَهُمْ تارة وَأَسْرَرْتُ لَهُمْ إِسْراراً تارة أخرى.أى: أنه- عليه السلام- توخى ما يظنه يؤدى إلى نجاح دعوته، وراعى أحوالهم في ذلك، فهو تارة يدعوهم جهرا، وتارة يدعوهم سرا، وتارة يجمع بين الأمرين.قال صاحب الكشاف: فإن قلت: ذكر أنه دعاهم ليلا ونهارا، ثم دعاهم جهارا، ثم دعاهم في السر والعلن، فيجب أن تكون ثلاث دعوات مختلفات حتى يصح العطف؟قلت: قد فعل- عليه السلام- كما يفعل الذي يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، في الابتداء بالأهون والترقي في الأشد فالأشد، فافتتح بالمناصحة في السر، فلما لم يقبلوا ثنى بالمجاهرة، فلما لم تؤثر ثلث بالجمع بين الإسرار والإعلان.ومعنى «ثم» : الدلالة على تباعد الأحوال، لأن الجهار أغلظ من الإسرار، والجمع بين الأمرين أغلظ من إفراد أحدهما.. .
فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوْا رَبَّكُمْؕ-اِنَّهٗ كَانَ غَفَّارًاۙ(۱۰)
تو میں نے کہا اپنے رب سے معافی مانگو (ف۲۰) وہ بڑا معاف فرمانے والا ہے (ف۲۱)
ثم حكى- سبحانه- جانبا من إرشادات نوح لقومه فقال: فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ.أى: فقلت لهم- على سبيل النصح والإرشاد إلى ما ينفعهم ويغريهم بالطاعة- اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ بأن تتوبوا إليه، وتقلعوا عن كفركم وفسوقكم إِنَّهُ- سبحانه- كانَ غَفَّاراً.أى: كثير الغفران لمن تاب إليه وأناب.
يُرْسِلِ السَّماءَ عَلَيْكُمْ مِدْراراً والمراد بالسماء هنا: المطر لأنه ينزل منها، وقد جاء في الحديث الشريف أن من أسماء المطر السماء، فقد روى الشيخان عن زيد بن خالد الجهني أنه قال «صلى لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة الصبح بالحديبية، على إثر سماء كانت من الليل..» أى: على إثر أمطار نازلة بالليل.ومنه قول بعض الشعرا:إذا نزل السماء بأرض قوم ... رعيناه وإن كانوا غضاباوالمدرار: المطر الغزير المتتابع، يقال: درت السماء بالمطر، إذا نزل منها بكثرة وتتابع، والدر، والدرور معناه: السيلان.. فقوله مِدْراراً صيغة مبالغة منهما.أى: استغفروا ربكم وتوبوا إليه، فإنكم إذا فعلتم ذلك أرسل الله- تعالى- عليكم بفضله ورحمته، أمطارا غزيرة متتابعة، لتنتفعوا بها في مختلف شئون حياتكم.
وَّ یُمْدِدْكُمْ بِاَمْوَالٍ وَّ بَنِیْنَ وَ یَجْعَلْ لَّكُمْ جَنّٰتٍ وَّ یَجْعَلْ لَّكُمْ اَنْهٰرًاؕ(۱۲)
اور مال اور بیٹوں سے تمہاری مدد کرے گا (ف۲۲) اور تمہارے لیے باغ بنادے گا اور تمہارے لیے نہریں بنائے گا (ف۲۳)
وفضلا عن ذلك: وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ أى: بساتين عظيمة، وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهاراً جارية تحت أشجار هذه الجنات، لتزداد جمالا ونفعا.قال الإمام الرازي ما ملخصه: «إن قوم نوح لما كذبوه زمانا طويلا، حبس الله عنهم المطر، وأعقم أرحام نسائهم.. فرجعوا إلى نوح، فقال لهم: استغفروا ربكم من الشرك، حتى يفتح عليكم أبواب نعمه.واعلم أن الاشتغال بالطاعة، سبب لانفتاح أبواب الخيرات، ويدل عليه وجوه: أحدها:أن الكفر سبب لخراب العالم. والإيمان سبب لعمارة العالم. وثانيها: الآيات الكثيرة التي وردت في هذا المعنى، ومنها قوله- تعالى- وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنا عَلَيْهِمْ بَرَكاتٍ مِنَ السَّماءِ وَالْأَرْضِ.. وثالثها: أن عمر خرج يستسقى فما زاد على الاستغفار.فقيل له: ما رأيتك استسقيت؟ فقال: لقد استسقيت لكم بمجاديح السماء، والمجاديح: جمع مجدح- بكسر فسكون وهو نجم من النجوم المعروفة عند العرب.وشكا رجل الى الحسن البصري الفاقة، وشكا إليه آخر الجدب، وشكا إليه ثالث قلة النسل.. فأمر الجميع بالاستغفار.. فقيل له: أتاك رجال يشكون إليك أنواعا من الحاجة، فأمرتهم جميعا بالاستغفار؟ فتلا الحسن هذه الآيات الكريمة .وما قاله الإمام الرازي- رحمه الله-، يؤيده القرآن الكريم في كثير من آياته، ويؤيده واقع الحياة التي نحياها ونشاهد أحداثها.أما آيات القرآن الكريم فمنها قوله- تعالى-: وَأَنْ لَوِ اسْتَقامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْناهُمْ ماءً غَدَقاً .وقوله- سبحانه- على لسان هود- عليه السلام-: وَيا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّماءَ عَلَيْكُمْ مِدْراراً وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلى قُوَّتِكُمْ.. .وقال- عز وجل-: مَنْ عَمِلَ صالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثى وَهُوَ مُؤْمِنٌ، فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَياةً طَيِّبَةً .وأما واقع الحياة. فإننا نشاهد بأعيننا الأمم التي تطبق شريعة الله- تعالى- وتعمل بما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم من آداب وأحكام وهدايات.نرى هذه الأمم سعيدة في حياتها، آمنة في أوطانها، يأتيها رزقها رغدا من كل مكان، وإذا أصابها شيء من النقص في الأنفس أو الثمرات.. فذلك من باب الامتحان الذي يمتحن الله- تعالى- به عباده، والذي لا يتعارض مع كون العاقبة الطيبة إنما هي لهذه الأمم الصادقة في إيمانها.وما يجرى على الأمم والشعوب، يجرى أيضا على الأفراد والجماعات، فتلك سنة الله التي لا تتغير.أما الأمم الفاسقة عن أمر ربها، فإنها مهما أوتيت من ثراء وبسطة في الرزق ... فإن حياتها دائما تكون متلبسة بالقلق النفسي، والشقاء القلبي، والاكتئاب الذي يؤدى إلى فساد الحال واضطراب البال.
مَا لَكُمْ لَا تَرْجُوْنَ لِلّٰهِ وَقَارًاۚ(۱۳)
تمہیں کیا ہوا اللہ سے عزت حاصل کرنے کی امید نہیں کرتے (ف۲۴)
وقوله- سبحانه- بعد ذلك حكاية عن نوح- عليه السلام-: ما لَكُمْ لا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقاراً. وَقَدْ خَلَقَكُمْ أَطْواراً: بيان لما سلكه نوح في دعوته لقومه، من جمعه بين الترغيب والترهيب.فهو بعد أن أرشدهم إلى أن استغفارهم وطاعتهم لربهم، تؤدى بهم إلى البسطة في الرزق..أتبع ذلك بزجرهم لسوء أدبهم مع الله- تعالى- منكرا عليهم استهتارهم واستخفافهم بما يدعوهم إليه.وقوله: ما لَكُمْ مبتدأ وخبر، وهو استفهام قصد به توبيخهم والتعجيب من حالهم.ولفظ «ترجون» يرى بعضهم أنه بمعنى تعتقدون. والوقار معناه: التعظيم والإجلال.
والأطوار: جمع طور، وهو المرة والتارة من الأفعال والأزمان.أى: ما الذي حدث لكم- أيها القوم- حتى صرتم لا تعتقدون لله- تعالى- عظمة أو إجلالا، والحال أنه- سبحانه- هو الذي خلقكم وأوجدكم في أطوار متعددة، نطفة، فعلقة، فمضغة.كما قال- سبحانه- وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ طِينٍ. ثُمَّ جَعَلْناهُ نُطْفَةً فِي قَرارٍ مَكِينٍ. ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً، فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً، فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظاماً، فَكَسَوْنَا الْعِظامَ لَحْماً، ثُمَّ أَنْشَأْناهُ خَلْقاً آخَرَ، فَتَبارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخالِقِينَ .وكما قال- تعالى- اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً، ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفاً وَشَيْبَةً، يَخْلُقُ ما يَشاءُ، وَهُوَ الْعَلِيمُ الْقَدِيرُ .قال القرطبي ما ملخصه: قوله- تعالى-: ما لَكُمْ لا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقاراً قيل:الرجاء هنا بمعنى الخوف.أى: ما لكم لا تخافون لله عظمة وقدرة على أخذكم بالعقوبة.وقيل: المعنى: مالكم لا تعلمون لله عظمة.. أولا ترون لله عظمة.. أو لا تبالون أن لله عظمة.. والوقار: العظمة، والتوقير: التعظيم.. .وبعد هذا الترغيب والترهيب والتوبيخ.. أخذ في لفت أنظارهم إلى عجائب صنع الله في خلقه، فقال: أَلَمْ تَرَوْا كَيْفَ خَلَقَ اللَّهُ سَبْعَ سَماواتٍ طِباقاً. وَجَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ نُوراً، وَجَعَلَ الشَّمْسَ سِراجاً.
اَلَمْ تَرَوْا كَیْفَ خَلَقَ اللّٰهُ سَبْعَ سَمٰوٰتٍ طِبَاقًاۙ(۱۵)
کیا تم نہیں دیکھتے اللہ نے کیونکر سات آسمان بنائے ایک پر ایک،
والاستفهام في قوله: أَلَمْ تَرَوْا.. للتقرير، والرؤية: بصرية وعلمية، لأنهم يشاهدون مخلوقات الله- تعالى- ويعلمون أنه- سبحانه- هو الخالق. وطِباقاً أى: متطابقة كل طبقة أعلى من التي تحتها.أى: لقد علمتم ورأيتم أن الله- تعالى- هو الذي خلق سَبْعَ سَماواتٍ متطابقة، بعضها فوق بعض
وَّ جَعَلَ الْقَمَرَ فِیْهِنَّ نُوْرًا وَّ جَعَلَ الشَّمْسَ سِرَاجًا(۱۶)
اور ان میں چاند کو روشن کیا (ف۲۶) اور سورج کو چراغ (ف۲۷)
وَجَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ نُوراً أى: وجعل- سبحانه- بقدرته القمر في السماء الدنيا نورا للأرض ومن فيها.وإنما قال فِيهِنَّ مع أنه في السماء الدنيا، لأنها محاطة بسائر السموات فما فيها يكون كأنه في الكل. أو لأن كل واحدة منها شفافة، فيرى الكل كأنه سماء واحدة. فساغ أن يقال فيهن.وقوله: وَجَعَلَ الشَّمْسَ سِراجاً أى: كالسراج في إضاءتها وتوهجها وإزالة ظلمة الليل، إذ السراج هو المصباح الزاهر نوره، الذي يضيء ما حوله.قال الآلوسى: قوله وَجَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ نُوراً أى: منورا لوجه الأرض في ظلمة الليل، وجعله فيهن مع أنه في إحداهن- وهي السماء الدنيا-، كما يقال: زيد في بغداد وهو في بقعة منها. والمرجح له الإيجاز والملابسة بالكلية والجزئية، وكونها طباقا شفافة.وَجَعَلَ الشَّمْسَ سِراجاً يزيل الظلمة.. وتنوينه للتعظيم، وفي الكلام تشبيه بليغ، ولكون السراج أعرف وأقرب، جعل مشبها به، ولاعتبار التعدي إلى الغير في مفهومه بخلاف النور، كان أبلغ منه. .وقال بعض العلماء: وفي جعل القمر نورا، إيماء إلى أن ضوء القمر ليس من ذاته. فإن القمر مظلم. وإنما يستضيء بانعكاس أشعة الشمس على ما يستقبلها من وجهه، بحسب اختلاف ذلك الاستقبال من تبعض وتمام، هو أثر ظهوره هلالا.. ثم بدرا.وبعكس ذلك جعلت الشمس سراجا، لأنها ملتهبة، وأنوارها ذاتية فيها، صادرة عنها إلى الأرض وإلى القمر، مثل أنوار السراج تملأ البيت.. .
وَ اللّٰهُ اَنْۢبَتَكُمْ مِّنَ الْاَرْضِ نَبَاتًاۙ(۱۷)
اور اللہ نے تمہیں سبزے کی طرح زمین سے اُگایا (ف۲۸)
ثم انتقل نوح- عليه السلام- من تنبيههم إلى ما في خلق السموات والشمس والقمر من دلالة على وحدانية الله وقدرته.. إلى لفت أنظارهم إلى التأمل في خلق أنفسهم، وفي مبدئهم وإعادتهم إلى الحياة مرة أخرى بعد موتهم، فقال- كما حكى القرآن عنه-: وَاللَّهُ أَنْبَتَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ نَباتاً. ثُمَّ يُعِيدُكُمْ فِيها، وَيُخْرِجُكُمْ إِخْراجاً.والمراد بأنبتكم: أنشأكم وأوجدكم، فاستعير الإنبات للإنشاء للمشابهة بين إنبات النبات، وإنشاء الإنسان، من حيث إن كليهما تكوين وإيجاد للشيء بقدرته- تعالى-.والمراد بأنبتكم: أنبت أصلكم وهو أبوكم آدم، فأنتم فروع عنه. ونَباتاً مصدر لأنبت على حذف الزوائد، فهو مفعول مطلق لأنبتكم، جيء به للتوكيد، ومصدره القياسي «إنباتا» ، واختير «نباتا» لأنه أخف.قال الجمل: قوله: نباتا، يجوز أن يكون مصدرا لأنبت على حذف الزوائد. ويسمى اسم مصدر، ويجوز أن يكون مصدرا لنبتم مقدرا. أى: فنبتّم نباتا- فيكون منصوبا بالمطاوع المقدر. .
ثُمَّ یُعِیْدُكُمْ فِیْهَا وَ یُخْرِجُكُمْ اِخْرَاجًا(۱۸)
پھر تمہیں اسی میں لے جائے گا (ف۲۹) اور دبارہ نکالے گا (ف۳۰)
أى: والله- تعالى- هو الذي أوجد وأنشأ أباكم آدم من الأرض إنشاء وجعلكم فروعا عنه، ثم يعيدكم إلى هذه الأرض بعد موتكم لتكون قبورا لكم، ثم يخرجكم منها يوم البعث للحساب والجزاء.وعبر- سبحانه- عن الإنشاء بالإنبات، لأن هذا التعبير يشعر بأن الإنسان مخلوق محدث، وأنه مثل النبات يحصد ثم يعود إلى الحياة مرة أخرى.وإلى هذا المعنى أشار صاحب الكشاف بقوله: «استعير الإنبات للإنشاء كما يقال: زرعك الله للخير. وكانت هذه الاستعارة أدل دليل على الحدوث لأنهم إذا كانوا نباتا كانوا محدثين لا محالة حدوث النبات» .
ثم ختم نوح- عليه السلام- إرشاداته لقومه، بلفت أنظارهم إلى نعمة الأرض التي يعيشون عليها، فقال: وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ بِساطاً لِتَسْلُكُوا مِنْها سُبُلًا فِجاجاً.أى: والله- تعالى- وحده هو الذي جعل لكم- بفضله ومنته- الأرض مبسوطة.حيث تتقلبون عليها كما يتقلب النائم على البساط.وجعلها لكم كذلك لِتَسْلُكُوا مِنْها سُبُلًا أى: لكي تتخذوا منها لأنفسكم طرقا فِجاجاً أى: متسعة جمع فج وهو الطريق الواسع.وقوله: بِساطاً تشبيه بليغ. أى: جعلها لكم كالبساط، وهذا لا يتنافى مع كون الأرض كروية، لأن الكرة إذا عظمت جدا، كانت القطعة منها كالسطح والبساط في إمكان الانتفاع بها، والتقلب على أرجائها.
وهكذا نرى أن نوحا- عليه السلام- قد سلك مع قومه مسالك متعددة لإقناعهم بصحة ما يدعوهم إليه، ولحملهم على طاعته، والإيمان بصدق رسالته.لقد دعاهم بالليل والنهار، وفي السر وفي العلانية، وبين لهم أن طاعتهم لله- تعالى- تؤدى إلى إمدادهم بالأموال والأولاد، والجنات والأنهار ووبخهم على عدم خشيتهم من الله- تعالى- وذكرهم بأطوار خلقهم، ولفت أنظارهم إلى بديع صنعه- سبحانه- في خلق السموات والشمس والقمر، ونبههم إلى نشأتهم من الأرض، وعودتهم إليها، وإخراجهم منها للحساب والجزاء، وأرشدهم إلى نعم الله- تعالى- في جعل الأرض مبسوطة لهم.وهكذا حاول نوح- عليه السلام- أن يصل إلى آذان قومه وإلى عقولهم وقلوبهم، بشتى الأساليب الحكيمة، والتوجيهات القويمة، في صبر طويل وإرشاد دائم.ولكن قومه كانوا قد بلغوا الغاية في الغباء والجهالة والعناد والطغيان، لذا نرى السورة الكريمة تحكى عن نوح- عليه السلام- ضراعته إلى ربه، والتماسه منه- تعالى- استئصال شأفتهم، وقطع دابرهم، لنستمع في تدبر إلى قوله- تعالى-.
قَالَ نُوْحٌ رَّبِّ اِنَّهُمْ عَصَوْنِیْ وَ اتَّبَعُوْا مَنْ لَّمْ یَزِدْهُ مَالُهٗ وَ وَلَدُهٗۤ اِلَّا خَسَارًاۚ(۲۱)
نوح نے عرض کی، اے میرے رب! انہوں نے میری نافرمانی کی (ف۳۱) اور (ف۳۲) ایسے کے پیچھے ہولیے جیسے اس کے مال اور اولاد نے نقصان ہی بڑھایا (ف۳۳)
وقوله- سبحانه-: قالَ نُوحٌ رَبِّ إِنَّهُمْ عَصَوْنِي وَاتَّبَعُوا.. كلام مستأنف. لأن ما سبقه يستدعى سؤالا تقديره: ماذا كانت عاقبة قوم نوح بعد أن نصحهم ووعظهم بتلك الأساليب المتعددة؟ فكان الجواب: قالَ نُوحٌ- عليه السلام- بعد أن طال نصحه لقومه، وبعد أن مكث فيهم ألف سنة إلا خمسين عاما، وبعد أن يئس من إيمانهم وبعد أن أخبره- سبحانه- أنه لن يؤمن من قومك إلا من قد آمن.قالَ متضرعا إلى ربه رَبِّ إِنَّهُمْ عَصَوْنِي أى: إن قومي قد عصوني وخالفوا أمرى، وكرهوا صحبتي، وأصروا واستكبروا استكبروا استكبارا عظيما عن دعوتي.وَاتَّبَعُوا مَنْ لَمْ يَزِدْهُ مالُهُ وَوَلَدُهُ إِلَّا خَساراً أى: إنهم أصروا على معصيتي، ولم يكتفوا بذلك بل بجانب إعراضهم عنى، اتبعوا غيرى.. اتبعوا رؤساءهم أهل الأموال والأولاد الذين لم تزدهم النعم التي أنعمت بها عليهم إلا خسرانا وجحودا، وضلالا في الدنيا، وعقوبة في الآخرة.فالمراد بالذين لم يزدهم مالهم وولدهم إلا خسارا: أولئك الكبراء والزعماء الذين رزقهم الله المال والولد، ولكنهم استعملوا نعمه في معصيته لا في طاعته.
وقوله: وَمَكَرُوا مَكْراً كُبَّاراً صفة أخرى من صفاتهم الذميمة، وهو معطوف على صلة «من» والجمع باعتبار معناها، كما أن الإفراد في الضمائر السابقة باعتبار اللفظ.والمكر: هو التدبير في خفاء لإنزال السوء بالممكور به.أى: أن هؤلاء الزعماء الذين استعملوا نعمك في الشر، لم يكتفوا بتحريض أتباعهم على معصيتي، بل مكروا بي وبالمؤمنين مكرا قد بلغ النهاية في الضخامة والعظم.فقوله: كُبَّاراً مبالغة في الكبر والعظم. أى: مكرا كبيرا جدا لا تحيط بحجمه العبارة.وكان من مظاهر مكرهم: تحريضهم لسفلتهم على إنزال الأذى بنوح- عليه السلام- وبأتباعه، وإيهامهم لهؤلاء السفلة أنهم على الحق، وأن نوحا ومن معه على الباطل.
وَ قَالُوْا لَا تَذَرُنَّ اٰلِهَتَكُمْ وَ لَا تَذَرُنَّ وَدًّا وَّ لَا سُوَاعًا ﳔ وَّ لَا یَغُوْثَ وَ یَعُوْقَ وَ نَسْرًاۚ(۲۳)
اور بولے (ف۳۶) ہرگز نہ چھوڑنا اپنے خداؤں کو (ف۳۷) اور ہرگز نہ چھوڑنا ودّ اور سواع اور یغوث اور یعوق اور نسر کو (ف۳۸)
وكان من مظاهر مكرهم- أيضا- ما حكاه القرآن بعد ذلك عنهم في قوله: وَقالُوا لا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلا تَذَرُنَّ وَدًّا وَلا سُواعاً وَلا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْراً.أى: ومن مظاهر مكر هؤلاء الرؤساء أنهم قالوا لأتباعهم. احذروا أن تتركوا عبادة آلهتكم، التي وجدتم على عبادتها آباءكم، واحذروا أيضا أن تتركوا عبادة هذه الأصنام الخمسة بصفة خاصة، وهي: ود وسواع ويغوث ويعوق ونسرا.قال الإمام ابن كثير عند تفسيره لهذه الآية ما ملخصه: وهذه أسماء أصنامهم التي كانوا يعبدونها من دون الله. فقد روى البخاري عن ابن عباس: صارت الأوثان التي كانت في قوم نوح في العرب بعد، أما «ود» فكانت لقبيلة بنى كلب بدومة الجندل. وأما «سواع» فكانت لهذيل، وأما «يغوث» فكانت لبنى غطيف، وأما «يعوق» فكانت لهمدان، وأما «نسر» فكانت لحمير.وهي أسماء رجال صالحين من قوم نوح- عليه السلام- فلما هلكوا أوحى الشيطان إلى قومهم، أن انصبوا إلى مجالسهم التي كانوا يجلسون عليها أنصابا، وسموها بأسمائهم، ففعلوا.وقال ابن جرير: كانوا قوما صالحين بين آدم ونوح، وكان لهم أتباع يقتدون بهم، فلما ماتوا قال أصحابهم الذين كانوا يقتدون بهم: لو صورناهم كان أشوق لنا إلى العبادة إذا ذكرناهم، فصوروهم، فلما ماتوا وجاء آخرون دب إليهم إبليس فقال: إنما كانوا يعبدونهم، وبهم يسقون المطر. فعبدوهم. .
وَ قَدْ اَضَلُّوْا كَثِیْرًا ﳛ وَ لَا تَزِدِ الظّٰلِمِیْنَ اِلَّا ضَلٰلًا(۲۴)
اور بیشک انہوں نے بہتوں کو بہکایا (ف۳۹) اور تو ظالموں کو (ف۴۰) زیادہ نہ کرنا مگر گمراہی (ف۴۱)
وقوله- تعالى-: وَقَدْ أَضَلُّوا كَثِيراً، وَلا تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلَّا ضَلالًا معمول لقول مقدر، وهذا القول المقدر معطوف على أقوال نوح السابقة.أى: قال نوح مناجيا ربه بعد أن يئس من إيمان قومه: يا رب، إن قومي قد عصوني، وإنهم قد اتبعوا رؤساءهم المغرورين، وإن هؤلاء الرؤساء قد مكروا بي وبأتباعى مكرا عظيما، ومن مظاهر مكرهم أنهم حرضوا السفهاء على العكوف على عبادة أصنامهم.. وأنهم قد أضلوا خلقا كثيرا بأن حببوهم في الكفر وكرهوا إليهم الإيمان.وقال نوح- أيضا- وأسألك يا رب أن لا تزيد الكافرين إلا ضلالا على ضلالهم، فأنت الذي أخبرتنى بأنه لَنْ يُؤْمِنَ مِنْ قَوْمِكَ إِلَّا مَنْ قَدْ آمَنَ.وإذا فدعاء نوح- عليه السلام- عليهم بالازدياد من الضلال الذي هو ضد الهدى، إنما كان بعد أن يئس من إيمانهم، وبعد أن أخبره ربه أنهم لن يؤمنوا.قال صاحب الكشاف: قوله: وَقَدْ أَضَلُّوا كَثِيراً الضمير للرؤساء، ومعناه: وقد أضلوا كثيرا قبل هؤلاء الذين أمروهم بأن يتمسكوا بعبادة الأصنام.. ويجوز أن يكون الضمير للأصنام، كقوله- تعالى- إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ.فإن قلت: علام عطف قوله: وَلا تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلَّا ضَلالًا؟ قلت: على قوله رَبِّ إِنَّهُمْ عَصَوْنِي على حكاية كلام نوح.. ومعناه: قال رب إنهم عصون، وقال: ولا تزد الظالمين إلا ضلالا.فإن قلت: كيف جاز أن يريد لهم الضلال، ويدعو الله بزيادته؟ قلت: لتصميمهم على الكفر، ووقوع اليأس من إيمانهم.. ويجوز أن يريد بالضلال: الضياع والهلاك.. .
مِمَّا خَطِیْٓــٴٰـتِهِمْ اُغْرِقُوْا فَاُدْخِلُوْا نَارًا ﳔ فَلَمْ یَجِدُوْا لَهُمْ مِّنْ دُوْنِ اللّٰهِ اَنْصَارًا(۲۵)
اپنی کیسی خطاؤں پر ڈبوئے گئے (ف۴۲) پھر آگ میں داخل کیے گئے (ف۴۳) تو انہوں نے اللہ کے مقابل اپنا کوئی مددگار نہ پایا (ف۴۴)
وقوله- سبحانه-: مِمَّا خَطِيئاتِهِمْ أُغْرِقُوا فَأُدْخِلُوا ناراً، فَلَمْ يَجِدُوا لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْصاراً كلام معترض بين ضراعات نوح إلى ربه. والمقصود به التعجيل ببيان سوء عاقبتهم، والتسلية للرسول صلى الله عليه وسلم عما أصابه من قومه.و «من» في قوله مِمَّا خَطِيئاتِهِمْ للتعليل، و «ما» مزيدة لتأكيد هذا التعليل.والخطيئات جمع خطيئة، والمراد بها هنا: الإشراك به- تعالى- وتكذيب نوح- عليه السلام- والسخرية منه ومن المؤمنين.أى: بسبب خطيئاتهم الشنيعة، وليس بسبب آخر أُغْرِقُوا فَأُدْخِلُوا ناراً يصلون سعيرها في قبورهم إلى يوم الدين، ولعذاب الآخرة أشد وأبقى.وهم عند ما نزل بهم الطوفان الذي أهلكهم، وعند ما ينزل بهم عذاب الله في الآخرة. لن يجدوا أحدا ينصرهم ويدفع عنهم عذابه- تعالى- لا من الأصنام التي تواصوا فيما بينهم بالعكوف على عبادتها، ولا من غير هذه الأصنام.فالآية الكريمة تعريض بمشركي قريش، الذين كانوا يزعمون أن أصنامهم ستشفع لهم يوم القيامة، والذين حكى القرآن عنهم قولهم: ما نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونا إِلَى اللَّهِ زُلْفى.والتعبير بالفاء في قوله: أُغْرِقُوا فَأُدْخِلُوا ناراً، فَلَمْ يَجِدُوا لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْصاراً للإشعار بأن دخولهم النار كان في أعقاب غرقهم بدون مهلة، وبأن صراخهم وعويلهم كان بعد نزول العذاب بهم مباشرة، إلا أنهم لم يجدوا أحدا، يدفع عنهم شيئا من هذا العذاب الأليم.
وَ قَالَ نُوْحٌ رَّبِّ لَا تَذَرْ عَلَى الْاَرْضِ مِنَ الْكٰفِرِیْنَ دَیَّارًا(۲۶)
اور نوح نے عرض کی، اے میرے رب! زمین پر کافروں میں سے کوئی بسنے والا نہ چھوڑ،
ثم واصلت السورة الكريمة حكاية ما ناجى نوح به ربه، فقالت: وَقالَ نُوحٌ رَبِّ لا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكافِرِينَ دَيَّاراً.أى: وقال نوح متابعا حديثه مع ربه، ومناجاته له: يا رب، لا تترك على الأرض من هؤلاء الكافرين دَيَّاراً أى: واحدا يسكن دارا، أو واحدا منهم يدور في الأرض ويتحرك عليها، بل خذهم جميعا أخذ عزيز مقتدر.فقوله دَيَّاراً مأخوذ من الدار، أو الدوران، وهو التحرك، والمقصود: لا تذر منهم أحدا أصلا، بل اقطع دابرهم جميعا.قالوا: والديار من الأسماء التي لا تستعمل إلا في النفي العام. يقال: ما بالدار ديار.أى: ليس بها أحد ألبتة، وهو اسم بزنة فيعال.
اِنَّكَ اِنْ تَذَرْهُمْ یُضِلُّوْا عِبَادَكَ وَ لَا یَلِدُوْۤا اِلَّا فَاجِرًا كَفَّارًا(۲۷)
بیشک اگر تو انہیں رہنے دے گا (ف۴۵) تو تیرے بندوں کو گمراہ کردیں گے اور ان کے اولاد ہوگی تو وہ بھی نہ ہوگی مگر بدکار بڑی ناشکر (ف۴۶)
وقوله إِنَّكَ إِنْ تَذَرْهُمْ يُضِلُّوا عِبادَكَ تعليل لدعائه عليهم جميعا بالهلاك. أى: يا رب لا تترك منهم أحدا سالما، بل أهلكهم جميعا لأنك إن تترك منهم أحدا على أرضك بدون إهلاك، فإن هؤلاء المتروكين من دأبهم- كما رأيت منهم زمانا طويلا- إضلال عبادك عن طريق الحق.وقوله: وَلا يَلِدُوا إِلَّا فاجِراً كَفَّاراً زيادة في ذمهم وفي التشنيع عليهم.والفاجر: هو المتصف بالفجور، والملازم له ملازمة شديدة، والفجور: هو الفعل البالغ للنهاية في الفساد والقبح.والكفار: هو المبالغ في الكفر، والجحود لنعم الله- تعالى-.أى: إنك يا إلهى إن تتركهم بدون إهلاك، يضلوا عبادك عن كل خير، وهم فوق ذلك، لن يلدوا إلا من هو مثلهم في الفجور والكفران لأنهم قد نشّأوا أولادهم على كراهية الحق، وعلى محبة الباطل.قال الجمل: فإن قيل: كيف علم نوح أن أولادهم يكفرون؟ أجيب: بأنه لبث فيهم ألف سنة إلا خمسين عاما، فعرف طباعهم وأحوالهم، وكان الرجل منهم ينطلق إليه بابنه ويقول له: احذر هذا- أى نوحا- فإنه كذاب، وإن أبى حذرني منه، فيموت الكبير، وينشأ الصغير على ذلك.وعلى أية حال فالذي نعتقده أن نوحا- عليه السلام- ما دعا عليهم بهذا الدعاء، وما قال في شأنهم هذا القول- وهو واحد من أولى العزم من الرسل- إلا بعد أن يئس من يمانهم، وإلا بعد أن أخبره ربه: أنه لن يؤمن من قومك إلا من قد آمن، وإلا بعد أن رأى منهم- بعد ألف سنة إلا خمسين عاما عاشها معهم- أنهم قوم قد استحبوا العمى على الهدى، وأن الأبناء منهم يسيرون على طريقة الآباء في الكفر والفجور..
رَبِّ اغْفِرْ لِیْ وَ لِوَالِدَیَّ وَ لِمَنْ دَخَلَ بَیْتِیَ مُؤْمِنًا وَّ لِلْمُؤْمِنِیْنَ وَ الْمُؤْمِنٰتِؕ-وَ لَا تَزِدِ الظّٰلِمِیْنَ اِلَّا تَبَارًا۠(۲۸)
اے میرے رب مجھے بخش دے اور میرے ماں باپ کو (ف۴۷) اور اسے جو ایمان کے ساتھ میرے گھر میں ہے اور سب مسلمان مردوں اور سب مسلمان عورتوں کو، اور کافروں کو نہ بڑھا مگر تباہی (ف۴۸)
وإلى جانب دعاء نوح- عليه السلام- على الكافرين بالهلاك الساحق.. نراه يختتم دعاءه بالمغفرة والرحمة للمؤمنين، فيقول: رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوالِدَيَّ.أى: يا رب أسألك أن تغفر لي ذنوبي، وأن تغفر لوالدي- أيضا- ذنوبهما، ويفهم من هذا الدعاء أنهما كانا مؤمنين، وإلا لما دعا لهما بهذا الدعاء.وَلِمَنْ دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِناً واغفر يا إلهى لكل من دخل بيتي وهو متصف بصفة الإيمان، فيخرج بذلك من دخله وهو كافر كامرأته وابنه الذي غرق مع المغرقين.وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ أى: واغفر يا رب ذنوب المؤمنين والمؤمنات بك إلى يوم القيامة.وَلا تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلَّا تَباراً أى: ولا تزد الظالمين إلا هلاكا وخسارا ودمارا. يقال:تبره يتبره، إذا أهلكه. ويتعدى بالتضعيف فيقال: تبره الله تتبيرا، ومنه قوله- تعالى-:إِنَّ هؤُلاءِ مُتَبَّرٌ ما هُمْ فِيهِ.وهكذا اختتمت السورة الكريمة بهذا الدعاء الذي فيه طلب المغفرة للمؤمنين، والهلاك للكافرين.وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
- English | Ahmed Ali
- Urdu | Ahmed Raza Khan
- Turkish | Ali-Bulaç
- German | Bubenheim Elyas
- Chinese | Chineese
- Spanish | Cortes
- Dutch | Dutch
- Portuguese | El-Hayek
- English | English
- Urdu | Fateh Muhammad Jalandhry
- French | French
- Hausa | Hausa
- Indonesian | Indonesian-Bahasa
- Italian | Italian
- Korean | Korean
- Malay | Malay
- Russian | Russian
- Tamil | Tamil
- Thai | Thai
- Farsi | مکارم شیرازی
- العربية | التفسير الميسر
- العربية | تفسير الجلالين
- العربية | تفسير السعدي
- العربية | تفسير ابن كثير
- العربية | تفسير الوسيط لطنطاوي
- العربية | تفسير البغوي
- العربية | تفسير القرطبي
- العربية | تفسير الطبري
- English | Arberry
- English | Yusuf Ali
- Dutch | Keyzer
- Dutch | Leemhuis
- Dutch | Siregar
- Urdu | Sirat ul Jinan