READ

Surah Maryam

مَرْيَم
98 Ayaat    مکیۃ


19:0
بِسْمِ اللّٰهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحِیْمِ
اللہ کے نام سے شروع جو بہت مہربان رحمت والا

( بسم الله الرحمن الرحيم )يقال لها : الفاتحة ، أي فاتحة الكتاب خطا ، وبها تفتح القراءة في الصلاة ، ويقال لها أيضا : أم الكتاب عند الجمهور ، وكره أنس ، والحسن وابن سيرين كرها تسميتها بذلك ، قال الحسن وابن سيرين : إنما ذلك اللوح المحفوظ ، وقال الحسن : الآيات المحكمات : هن أم الكتاب ، ولذا كرها - أيضا - أن يقال لها أم القرآن وقد ثبت في [ الحديث ] الصحيح عند الترمذي وصححه عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : الحمد لله أم القرآن وأم الكتاب والسبع المثاني والقرآن العظيم ويقال لها : الحمد ، ويقال لها : الصلاة ، لقوله عليه السلام عن ربه : قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين ، فإذا قال العبد : الحمد لله رب العالمين ، قال الله : حمدني عبدي الحديث . فسميت الفاتحة صلاة ؛ لأنها شرط فيها . ويقال لها : الشفاء ؛ لما رواه الدارمي عن أبي سعيد مرفوعا : فاتحة الكتاب شفاء من كل سم . ويقال لها : الرقية ؛ لحديث أبي سعيد في الصحيح حين رقى بها الرجل السليم ، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : وما يدريك أنها رقية ؟ . وروى الشعبي عن ابن عباس أنه سماها : أساس القرآن ، قال : فأساسها بسم الله الرحمن الرحيم ، وسماها سفيان بن عيينة : الواقية . وسماها يحيى بن أبي كثير : الكافية ؛ لأنها تكفي عما عداها ولا يكفي ما سواها عنها ، كما جاء في بعض الأحاديث المرسلة : أم القرآن عوض من غيرها ، وليس غيرها عوضا عنها . ويقال لها : سورة الصلاة والكنز ، ذكرهما الزمخشري في كشافه . وهي مكية ، قاله ابن عباس وقتادة وأبو العالية ، وقيل مدنية ، قاله أبو هريرة ومجاهد وعطاء بن يسار والزهري . ويقال : نزلت مرتين : مرة بمكة ، ومرة بالمدينة ، والأول أشبه لقوله تعالى : ( ولقد آتيناك سبعا من المثاني ) [ الحجر : 87 ] ، والله أعلم . وحكى أبو الليث السمرقندي أن نصفها نزل بمكة ونصفها الآخر نزل بالمدينة ، وهو غريب جدا ، نقله القرطبي عنه . وهي سبع آيات بلا خلاف ، [ وقال عمرو بن عبيد : ثمان ، وقال حسين الجعفي : ستة وهذان شاذان ] . وإنما اختلفوا في البسملة : هل هي آية مستقلة من أولها كما هو عند جمهور قراء الكوفة وقول الجماعة من الصحابة والتابعين وخلق من الخلف ، أو بعض آية أو لا تعد من أولها بالكلية ، كما هو قول أهل المدينة من القراء والفقهاء ؟ على ثلاثة أقوال ، سيأتي تقريره في موضعه إن شاء الله تعالى ، وبه الثقة .قالوا : وكلماتها خمس وعشرون كلمة ، وحروفها مائة وثلاثة عشر حرفا . قال البخاري في أول كتاب التفسير : وسميت أم الكتاب سورة الفاتحة ، لأنه يبدأ بكتابتها في المصاحف ، ويبدأ بقراءتها في الصلاة وقيل : إنما سميت بذلك لرجوع معاني القرآن كله إلى ما تضمنته . قال ابن جرير : والعرب تسمي كل جامع أمر أو مقدم لأمر - إذا كانت له توابع تتبعه هو لها إمام جامع - أما ، فتقول للجلدة التي تجمع الدماغ ، أم الرأس ، ويسمون لواء الجيش ورايتهم التي يجتمعون تحتها أما ، واستشهد بقول ذي الرمة :على رأسه أم لنا نقتدي بها جماع أمور ليس نعصي لها أمرايعني : الرمح . قال : وسميت مكة : أم القرى لتقدمها أمام جميعها وجمعها ما سواها ، وقيل : لأن الأرض دحيت منها .ويقال لها أيضا : الفاتحة ؛ لأنها تفتتح بها القراءة ، وافتتحت الصحابة بها كتابة المصحف الإمام ، وصح تسميتها بالسبع المثاني ، قالوا : لأنها تثنى في الصلاة ، فتقرأ في كل ركعة ، وإن كان للمثاني معنى آخر غير هذا ، كما سيأتي بيانه في موضعه إن شاء الله . قال الإمام أحمد : حدثنا يزيد بن هارون ، أنبأنا ابن أبي ذئب وهاشم بن هاشم عن ابن أبي ذئب ، عن المقبري ، عن أبي هريرة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال لأم القرآن : هي أم القرآن ، وهي السبع المثاني ، وهي القرآن العظيم . ثم رواه عن إسماعيل بن عمر عن ابن أبي ذئب به ، وقال أبو جعفر محمد بن جرير الطبري : حدثني يونس بن عبد الأعلى ، أنا ابن وهب ، أخبرني ابن أبي ذئب ، عن سعيد المقبري ، عن أبي هريرة ، رضي الله عنه ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : هي أم القرآن ، وهي فاتحة الكتاب ، وهي السبع المثاني . وقال الحافظ أبو بكر أحمد بن موسى بن مردويه في تفسيره : حدثنا أحمد بن محمد بن زياد ، ثنا محمد بن غالب بن حارث ، ثنا إسحاق بن عبد الواحد الموصلي ، ثنا المعافى بن عمران ، عن عبد الحميد بن جعفر ، عن نوح بن أبي بلال ، عن المقبري ، عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : الحمد لله رب العالمين سبع آيات : بسم الله الرحمن الرحيم إحداهن ، وهي السبع المثاني والقرآن العظيم ، وهي أم الكتاب .وقد رواه الدارقطني أيضا عن أبي هريرة مرفوعا بنحوه أو مثله ، وقال : كلهم ثقات . وروى البيهقي عن علي وابن عباس وأبي هريرة أنهم فسروا قوله تعالى : ( سبعا من المثاني ) [ الحجر : 87 ] بالفاتحة ، وأن البسملة هي الآية السابعة منها ، وسيأتي تمام هذا عند البسملة .وقد روى الأعمش عن إبراهيم قال : قيل لابن مسعود : لم لم تكتب الفاتحة في مصحفك ؟ قال : لو كتبتها لكتبتها في أول كل سورة . قال أبو بكر بن أبي داود : يعني حيث يقرأ في الصلاة ، قال : واكتفيت بحفظ المسلمين لها عن كتابتها .وقد قيل : إن الفاتحة أول شيء نزل من القرآن ، كما ورد في حديث رواه البيهقي في دلائل النبوة ونقله الباقلاني أحد أقوال ثلاثة هذا [ أحدها ] وقيل : ( يا أيها المدثر كما في حديث جابر في الصحيح . وقيل : ( اقرأ باسم ربك الذي خلق ) [ العلق : 1 ] وهذا هو الصحيح ، كما سيأتي تقريره في موضعه ، والله المستعان.ذكر ما ورد في فضل الفاتحةقال الإمام أحمد بن محمد بن حنبل - رحمه الله - في مسنده : حدثنا يحيى بن سعيد ، عن شعبة ، حدثني خبيب بن عبد الرحمن ، عن حفص بن عاصم ، عن أبي سعيد بن المعلى - رضي الله عنه - قال : كنت أصلي فدعاني رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فلم أجبه حتى صليت وأتيته ، فقال : ما منعك أن تأتيني ؟ . قال : قلت : يا رسول الله ، إني كنت أصلي . قال : ألم يقل الله : ( يا أيها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم ) [ الأنفال : 24 ] ثم قال : لأعلمنك أعظم سورة في القرآن قبل أن تخرج من المسجد . قال : فأخذ بيدي ، فلما أراد أن يخرج من المسجد قلت : يا رسول الله إنك قلت : لأعلمنك أعظم سورة في القرآن . قال : نعم ، الحمد لله رب العالمين هي : السبع المثاني والقرآن العظيم الذي أوتيته .وهكذا رواه البخاري عن مسدد ، وعلي بن المديني ، كلاهما عن يحيى بن سعيد القطان ، به . ورواه في موضع آخر من التفسير ، وأبو داود ، والنسائي ، وابن ماجه من طرق عن شعبة ، به . ورواه الواقدي عن محمد بن معاذ الأنصاري ، عن خبيب بن عبد الرحمن ، عن حفص بن عاصم ، عن أبي سعيد بن المعلى ، عن أبي بن كعب ، فذكر نحوه .وقد وقع في الموطأ للإمام مالك بن أنس ، ما ينبغي التنبيه عليه ، فإنه رواه مالك عن العلاء بن عبد الرحمن بن يعقوب الحرقي : أن أبا سعيد مولى عامر بن كريز أخبرهم ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نادى أبي بن كعب ، وهو يصلي في المسجد ، فلما فرغ من صلاته لحقه ، قال : فوضع النبي صلى الله عليه وسلم يده على يدي ، وهو يريد أن يخرج من باب المسجد ، ثم قال : إني لأرجو ألا تخرج من باب المسجد حتى تعلم سورة ما أنزل في التوراة ولا في الإنجيل ولا في الفرقان مثلها . قال أبي : فجعلت أبطئ في المشي رجاء ذلك ، ثم قلت : يا رسول الله ، ما السورة التي وعدتني ؟ قال : كيف تقرأ إذا افتتحت الصلاة ؟ قال : فقرأت عليه : ( الحمد لله رب العالمين حتى أتيت على آخرها ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : هي هذه السورة ، وهي السبع المثاني والقرآن العظيم الذي أعطيت . فأبو سعيد هذا ليس بأبي سعيد بن المعلى ، كما اعتقده ابن الأثير في جامع الأصول ومن تبعه ، فإن ابن المعلى صحابي أنصاري ، وهذا تابعي من موالي خزاعة ، وذاك الحديث متصل صحيح ، وهذا ظاهره أنه منقطع ، إن لم يكن سمعه أبو سعيد هذا من أبي بن كعب ، فإن كان قد سمعه منه فهو على شرط مسلم ، والله أعلم . على أنه قد روي عن أبي بن كعب من غير وجه كما قال الإمام أحمد :حدثنا عفان ، حدثنا عبد الرحمن بن إبراهيم ، حدثنا العلاء بن عبد الرحمن ، عن أبيه ، عن أبي هريرة قال : خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم على أبي بن كعب ، وهو يصلي ، فقال : يا أبي ، فالتفت ثم لم يجبه ، ثم قال : أبي ، فخفف . ثم انصرف إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال : السلام عليك أي رسول الله . فقال : وعليك السلام [ قال ] : ما منعك أي أبي إذ دعوتك أن تجيبني ؟ . قال : أي رسول الله ، كنت في الصلاة ، قال : أولست تجد فيما أوحى الله إلي استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم ) [ الأنفال : 24 ] . قال : بلى يا رسول الله ، لا أعود ، قال : أتحب أن أعلمك سورة لم تنزل لا في التوراة ولا في الإنجيل ولا في الزبور ولا في الفرقان مثلها ؟ قلت : نعم ، أي رسول الله ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إني لأرجو ألا أخرج من هذا الباب حتى تعلمها قال : فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بيدي يحدثني ، وأنا أتبطأ ، مخافة أن يبلغ قبل أن يقضي الحديث ، فلما دنونا من الباب قلت : أي رسول الله ، ما السورة التي وعدتني قال : ما تقرأ في الصلاة ؟ . قال : فقرأت عليه أم القرآن ، قال : والذي نفسي بيده ما أنزل الله في التوراة ولا في الإنجيل ولا في الزبور ، ولا في الفرقان مثلها ؛ إنها السبع المثاني . ورواه الترمذي ، عن قتيبة ، عن الدراوردي ، عن العلاء ، عن أبيه ، عن أبي هريرة ، فذكره ، وعنده : إنها من السبع المثاني والقرآن العظيم الذي أعطيته ، ثم قال : هذا حديث حسن صحيح .وفي الباب ، عن أنس بن مالك ، ورواه عبد الله بن [ الإمام ] أحمد ، عن إسماعيل بن أبي معمر ، عن أبي أسامة ، عن عبد الحميد بن جعفر ، عن العلاء ، عن أبيه ، عن أبي هريرة ، عن أبي بن كعب ، فذكره مطولا بنحوه ، أو قريبا منه . وقد رواه الترمذي والنسائي جميعا عن أبي عمار حسين بن حريث ، عن الفضل بن موسى ، عن عبد الحميد بن جعفر ، عن العلاء ، عن أبيه ، عن أبي هريرة ، عن أبي بن كعب ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ما أنزل الله في التوراة ولا في الإنجيل مثل أم القرآن ، وهي السبع المثاني ، وهي مقسومة بيني وبين عبدي ، هذا لفظ النسائي . وقال الترمذي : حسن غريب .وقال الإمام أحمد : حدثنا محمد بن عبيد ، حدثنا هاشم ، يعني ابن البريد حدثنا عبد الله بن محمد بن عقيل ، عن ابن جابر ، قال : انتهيت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد أهراق الماء ، فقلت : السلام عليك يا رسول الله . فلم يرد علي ، قال : فقلت : السلام عليك يا رسول الله . فلم يرد علي ، قال : فقلت : السلام عليك يا رسول الله ، فلم يرد علي . قال : فانطلق رسول الله صلى الله عليه وسلم يمشي ، وأنا خلفه حتى دخل رحله ، ودخلت أنا المسجد ، فجلست كئيبا حزينا ، فخرج علي رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد تطهر ، فقال : عليك السلام ورحمة الله ، وعليك السلام ورحمة الله ، وعليك السلام ورحمة الله ، ثم قال : ألا أخبرك يا عبد الله بن جابر بأخير سورة في القرآن ؟ قلت : بلى يا رسول الله . قال : اقرأ : الحمد لله رب العالمين ، حتى تختمها . هذا إسناد جيد ، وابن عقيل تحتج به الأئمة الكبار ، وعبد الله بن جابر هذا هو الصحابي ، ذكر ابن الجوزي أنه هو العبدي ، والله أعلم . ويقال : إنه عبد الله بن جابر الأنصاري البياضي ، فيما ذكره الحافظ ابن عساكر . واستدلوا بهذا الحديث وأمثاله على تفاضل بعض الآيات والسور على بعض ، كما هو المحكي عن كثير من العلماء ، منهم : إسحاق بن راهويه ، وأبو بكر بن العربي ، وابن الحصار من المالكية . وذهبت طائفة أخرى إلى أنه لا تفاضل في ذلك ؛ لأن الجميع كلام الله ، ولئلا يوهم التفضيل نقص المفضل عليه ، وإن كان الجميع فاضلا ، نقله القرطبي عن الأشعري ، وأبي بكر الباقلاني ، وأبي حاتم بن حبان البستي ، ويحيى بن يحيى ، ورواية عن الإمام مالك [ أيضا ] .حديث آخر : قال البخاري في فضائل القرآن : حدثنا محمد بن المثنى ، حدثنا وهب ، حدثنا هشام ، عن محمد بن معبد ، عن أبي سعيد الخدري ، قال : كنا في مسير لنا ، فنزلنا ، فجاءت جارية فقالت : إن سيد الحي سليم ، وإن نفرنا غيب ، فهل منكم راق ؟ فقام معها رجل ما كنا نأبنه برقية ، فرقاه ، فبرئ ، فأمر له بثلاثين شاة ، وسقانا لبنا ، فلما رجع قلنا له : أكنت تحسن رقية ، أو كنت ترقي ؟ قال : لا ما رقيت إلا بأم الكتاب ، قلنا : لا تحدثوا شيئا حتى نأتي ، أو نسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فلما قدمنا المدينة ذكرناه للنبي صلى الله عليه وسلم فقال : وما كان يدريه أنها رقية ، اقسموا واضربوا لي بسهم .وقال أبو معمر : حدثنا عبد الوارث ، حدثنا هشام ، حدثنا محمد بن سيرين ، حدثني معبد بن سيرين ، عن أبي سعيد الخدري بهذا .وهكذا رواه مسلم ، وأبو داود من رواية هشام ، وهو ابن حسان ، عن ابن سيرين ، به . وفي بعض روايات مسلم لهذا الحديث : أن أبا سعيد هو الذي رقى ذلك السليم ، يعني : اللديغ ، يسمونه بذلك تفاؤلا .حديث آخر : روى مسلم في صحيحه ، والنسائي في سننه ، من حديث أبي الأحوص سلام بن سليم ، عن عمار بن رزيق ، عن عبد الله بن عيسى بن عبد الرحمن بن أبي ليلى ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس ، قال : بينا رسول الله صلى الله عليه وسلم وعنده جبريل ، إذ سمع نقيضا فوقه ، فرفع جبريل بصره إلى السماء ، فقال : هذا باب قد فتح من السماء ، ما فتح قط . قال : فنزل منه ملك ، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : أبشر بنورين قد أوتيتهما لم يؤتهما نبي قبلك : فاتحة الكتاب ، وخواتيم سورة البقرة ، ولن تقرأ حرفا منهما إلا أوتيته . وهذا لفظ النسائي .ولمسلم نحوه حديث آخر : قال مسلم : حدثنا إسحاق بن إبراهيم الحنظلي ، هو ابن راهويه ، حدثنا سفيان بن عيينة ، عن العلاء ، يعني ابن عبد الرحمن بن يعقوب الحرقي عن أبي هريرة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم ، قال : من صلى صلاة لم يقرأ فيها أم القرآن فهي خداج - ثلاثا - غير تمام . فقيل لأبي هريرة : إنا نكون وراء الإمام ، قال : اقرأ بها في نفسك ؛ فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : قال الله عز وجل : قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين ، ولعبدي ما سأل فإذا قال العبد : ( الحمد لله رب العالمين ) [ الفاتحة : 2 ] ، قال الله : حمدني عبدي ، وإذا قال : ( الرحمن الرحيم [ الفاتحة : 3 ] ، قال الله : أثنى علي عبدي ، فإذا قال : ( مالك يوم الدين ) [ الفاتحة : 4 ] ، قال مجدني عبدي - وقال مرة : فوض إلي عبدي - فإذا قال : ( إياك نعبد وإياك نستعين ) [ الفاتحة : 5 ] ، قال : هذا بيني وبين عبدي ، ولعبدي ما سأل ، فإذا قال : ( اهدنا الصراط المستقيم صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين ) [ الفاتحة : 6 ، 7 ] ، قال هذا لعبدي ولعبدي ما سأل .وهكذا رواه النسائي ، عن إسحاق بن راهويه . وقد روياه - أيضا - عن قتيبة ، عن مالك ، عن العلاء ، عن أبي السائب مولى هشام بن زهرة ، عن أبي هريرة ، به وفي هذا السياق : فنصفها لي ونصفها لعبدي ، ولعبدي ما سأل .وكذا رواه ابن إسحاق ، عن العلاء ، وقد رواه مسلم من حديث ابن جريج ، عن العلاء ، عن أبي السائب هكذا .ورواه - أيضا - من حديث ابن أبي أويس ، عن العلاء ، عن أبيه وأبي السائب ، كلاهما عن أبي هريرة .وقال الترمذي : هذا حديث حسن ، وسألت أبا زرعة عنه فقال : كلا الحديثين صحيح ، من قال : عن العلاء ، عن أبيه ، وعن العلاء عن أبي السائب .وقد روى هذا الحديث عبد الله ابن الإمام أحمد ، من حديث العلاء ، عن أبيه ، عن أبي هريرة ، عن أبي بن كعب مطولا .قال ابن جرير : حدثنا صالح بن مسمار المروزي ، حدثنا زيد بن الحباب ، حدثنا عنبسة بن سعيد ، عن مطرف بن طريف ، عن سعيد بن إسحاق بن كعب بن عجرة ، عن جابر بن عبد الله ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : قال الله تعالى : قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين ، وله ما سأل ، فإذا قال العبد : ( الحمد لله رب العالمين قال : حمدني عبدي ، وإذا قال : ( الرحمن الرحيم قال : أثنى علي عبدي . ثم قال : هذا لي ، وله ما بقيوهذا غريب من هذا الوجه .ثم الكلام على ما يتعلق بهذا الحديث مما يختص بالفاتحة من وجوه :أحدها : أنه قد أطلق فيه لفظ الصلاة ، والمراد القراءة كقوله تعالى : ( ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها وابتغ بين ذلك سبيلا ) [ الإسراء : 110 ] ، أي : بقراءتك كما جاء مصرحا به في الصحيح ، عن ابن عباس وهكذا قال في هذا الحديث : قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين ، فنصفها لي ونصفها لعبدي ، ولعبدي ما سأل ثم بين تفصيل هذه القسمة في قراءة الفاتحة في الصلاة فدل على عظم القراءة في الصلاة ، وأنها من أكبر أركانها ، إذ أطلقت العبادة وأريد بها جزء واحد منها وهو القراءة ؛ كما أطلق لفظ القراءة والمراد به الصلاة في قوله : ( وقرآن الفجر إن قرآن الفجر كان مشهودا ) [ الإسراء : 78 ] ، والمراد صلاة الفجر ، كما جاء مصرحا به في الصحيحين : من أنه يشهدها ملائكة الليل وملائكة النهار ، فدل هذا كله على أنه لا بد من القراءة في الصلاة ، وهو اتفاق من العلماء .ولكن اختلفوا في مسألة نذكرها في الوجه الثاني ، وذلك أنه هل يتعين للقراءة في الصلاة فاتحة الكتاب ، أم تجزئ هي أو غيرها ؟ على قولين مشهورين ، فعند أبي حنيفة ومن وافقه من أصحابه وغيرهم أنها لا تتعين ، بل مهما قرأ به من القرآن أجزأه في الصلاة ، واحتجوا بعموم قوله تعالى : ( فاقرءوا ما تيسر من القرآن ) [ المزمل : 20 ] ، وبما ثبت في الصحيحين ، من حديث أبي هريرة في قصة المسيء صلاته أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له : إذا قمت إلى الصلاة فكبر ، ثم اقرأ ما تيسر معك من القرآن قالوا : فأمره بقراءة ما تيسر ، ولم يعين له الفاتحة ولا غيرها ، فدل على ما قلناه .والقول الثاني : أنه تتعين قراءة الفاتحة في الصلاة ، ولا تجزئ الصلاة بدونها ، وهو قول بقية الأئمة : مالك والشافعي وأحمد بن حنبل وأصحابهم وجمهور العلماء ؛ واحتجوا على ذلك بهذا الحديث المذكور ، حيث قال - صلوات الله وسلامه عليه - : من صلى صلاة لم يقرأ فيها بأم القرآن فهي خداج والخداج هو : الناقص كما فسر به في الحديث : غير تمام . واحتجوا - أيضا - بما ثبت في الصحيحين من حديث الزهري ، عن محمود بن الربيع ، عن عبادة بن الصامت ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب . وفي صحيح ابن خزيمة وابن حبان ، عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لا تجزئ صلاة لا يقرأ فيها بأم القرآن والأحاديث في هذا الباب كثيرة ، ووجه المناظرة هاهنا يطول ذكره ، وقد أشرنا إلى مأخذهم في ذلك ، رحمهم الله .ثم إن مذهب الشافعي وجماعة من أهل العلم : أنه تجب قراءتها في كل ركعة . وقال آخرون : إنما تجب قراءتها في معظم الركعات ، وقال الحسن وأكثر البصريين : إنما تجب قراءتها في ركعة واحدة من الصلوات ، أخذا بمطلق الحديث : لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب .وقال أبو حنيفة وأصحابه والثوري والأوزاعي : لا تتعين قراءتها ، بل لو قرأ بغيرها أجزأه لقوله : ( فاقرءوا ما تيسر من القرآن ) [ المزمل : 20 ] ، [ كما تقدم ] والله أعلم .وقد روى ابن ماجه من حديث أبي سفيان السعدي ، عن أبي نضرة ، عن أبي سعيد مرفوعا : لا صلاة لمن لم يقرأ في كل ركعة بالحمد وسورة في فريضة أو غيرها . وفي صحة هذا نظر ، وموضح تحرير هذا كله في كتاب الأحكام الكبير ، والله أعلم .الوجه الثالث : هل تجب قراءة الفاتحة على المأموم ؟ فيه ثلاثة أقوال للعلماء :أحدها : أنه تجب عليه قراءتها ، كما تجب على إمامه ؛ لعموم الأحاديث المتقدمة .والثاني : لا تجب على المأموم قراءة بالكلية لا الفاتحة ولا غيرها ، لا في الصلاة الجهرية ولا السرية ، لما رواه الإمام أحمد بن حنبل في مسنده ، عن جابر بن عبد الله ، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : من كان له إمام فقراءة الإمام له قراءة ولكن في إسناده ضعف . ورواه مالك ، عن وهب بن كيسان ، عن جابر من كلامه . وقد روي هذا الحديث من طرق ، ولا يصح شيء منها عن النبي صلى الله عليه وسلم ، والله أعلم .والقول الثالث : أنه تجب القراءة على المأموم في السرية ، لما تقدم ، ولا تجب في الجهرية لما ثبت في صحيح مسلم ، عن أبي موسى الأشعري ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إنما جعل الإمام ليؤتم به ، فإذا كبر فكبروا ، وإذا قرأ فأنصتوا وذكر بقية الحديث .وهكذا رواه أهل السنن ؛ أبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه ، عن أبي هريرة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : وإذا قرأ فأنصتوا . وقد صححه مسلم بن الحجاج أيضا ، فدل هذان الحديثان على صحة هذا القول وهو قول قديم للشافعي ، رحمه الله ، ورواية عن الإمام أحمد بن حنبل .والغرض من ذكر هذه المسائل هاهنا بيان اختصاص سورة الفاتحة بأحكام لا تتعلق بغيرها من السور ، والله أعلم .وقال الحافظ أبو بكر البزار : حدثنا إبراهيم بن سعيد الجوهري ، حدثنا غسان بن عبيد ، عن أبي عمران الجوني ، عن أنس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إذا وضعت جنبك على الفراش ، وقرأت فاتحة الكتاب و قل هو الله أحد فقد أمنت من كل شيء إلا الموتالكلام على تفسير الاستعاذةقال الله تعالى : ( خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين وإما ينزغنك من الشيطان نزغ فاستعذ بالله إنه سميع عليم ) [ الأعراف : 199 ، 200 ] ، وقال تعالى : ( ادفع بالتي هي أحسن السيئة نحن أعلم بما يصفون وقل رب أعوذ بك من همزات الشياطين وأعوذ بك رب أن يحضرون ) [ المؤمنون : 96 - 98 ] وقال تعالى : ( ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم وما يلقاها إلا الذين صبروا وما يلقاها إلا ذو حظ عظيم وإما ينزغنك من الشيطان نزغ فاستعذ بالله إنه هو السميع العليم ) [ فصلت : 34 - 36 ] .فهذه ثلاث آيات ليس لهن رابعة في معناها ، وهو أن الله يأمر بمصانعة العدو الإنسي والإحسان إليه ، ليرده عنه طبعه الطيب الأصل إلى الموادة والمصافاة ، ويأمر بالاستعاذة به من العدو الشيطاني لا محالة ؛ إذ لا يقبل مصانعة ولا إحسانا ولا يبتغي غير هلاك ابن آدم ، لشدة العداوة بينه وبين أبيه آدم من قبل ؛ كما قال تعالى : ( يا بني آدم لا يفتننكم الشيطان كما أخرج أبويكم من الجنة ) [ الأعراف : 27 ] وقال : ( إن الشيطان لكم عدو فاتخذوه عدوا إنما يدعو حزبه ليكونوا من أصحاب السعير ) [ فاطر : 6 ] وقال أفتتخذونه وذريته أولياء من دوني وهم لكم عدو بئس للظالمين بدلا ) [ الكهف : 50 ] ، وقد أقسم للوالد إنه لمن الناصحين ، وكذب ، فكيف معاملته لنا وقد قال : ( فبعزتك لأغوينهم أجمعين إلا عبادك منهم المخلصين ) ، وقال تعالى : ( فإذا قرأت القرآن فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم إنه ليس له سلطان على الذين آمنوا وعلى ربهم يتوكلون ) [ النحل : 98 ، 99 ]قالت طائفة من القراء وغيرهم : نتعوذ بعد القراءة ، واعتمدوا على ظاهر سياق الآية ، ولدفع الإعجاب بعد فراغ العبادة ؛ وممن ذهب إلى ذلك حمزة فيما ذكره ابن قلوقا عنه ، وأبو حاتم السجستاني ، حكى ذلك أبو القاسم يوسف بن علي بن جبارة الهذلي المغربي في كتاب الكامل .وروي عن أبي هريرة - أيضا - وهو غريب .[ ونقله فخر الدين محمد بن عمر الرازي في تفسيره عن ابن سيرين في رواية عنه قال : وهو قول إبراهيم النخعي وداود بن علي الأصبهاني الظاهري ، وحكى القرطبي عن أبي بكر بن العربي عن المجموعة ، عن مالك ، رحمه الله تعالى ، أن القارئ يتعوذ بعد الفاتحة ، واستغربه ابن العربي . وحكى قولا ثالثا وهو الاستعاذة أولا وآخرا جمعا بين الدليلين ، نقله فخر الدين ] .والمشهور الذي عليه الجمهور أن الاستعاذة لدفع الوسواس فيها ، إنما تكون قبل التلاوة ، ومعنى الآية عندهم : ( فإذا قرأت القرآن فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم ) [ النحل : 98 ] أي : إذا أردت القراءة كقوله : ( إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم وأيديكم الآية [ المائدة : 6 ] أي : إذا أردتم القيام . والدليل على ذلك الأحاديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك ؛ قال الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله :حدثنا محمد بن الحسن بن آتش حدثنا جعفر بن سليمان ، عن علي بن علي الرفاعي اليشكري ، عن أبي المتوكل الناجي ، عن أبي سعيد الخدري ، قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قام من الليل فاستفتح صلاته وكبر قال : سبحانك اللهم وبحمدك ، وتبارك اسمك ، وتعالى جدك ، ولا إله غيرك . ويقول : لا إله إلا الله ثلاثا ، ثم يقول : أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم ، من همزه ونفخه ونفثه .وقد رواه أهل السنن الأربعة من رواية جعفر بن سليمان ، عن علي بن علي ، وهو الرفاعي ، وقال الترمذي : هو أشهر حديث في هذا الباب . وقد فسر الهمز بالموتة وهي الخنق ، والنفخ بالكبر ، والنفث بالشعر . كما رواه أبو داود وابن ماجه من حديث شعبة ، عن عمرو بن مرة ، عن عاصم العنزي ، عن نافع بن جبير بن مطعم ، عن أبيه قال : رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم حين دخل في الصلاة ، قال : الله أكبر كبيرا ، ثلاثا ، الحمد لله كثيرا ، ثلاثا ، سبحان الله بكرة وأصيلا ثلاثا ، اللهم إني أعوذ بك من الشيطان من همزه ونفخه ونفثه .قال عمرو : وهمزه : الموتة ، ونفخه : الكبر ، ونفثه : الشعر .وقال ابن ماجه : حدثنا علي بن المنذر ، حدثنا ابن فضيل ، حدثنا عطاء بن السائب ، عن أبي عبد الرحمن السلمي ، عن ابن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : اللهم إني أعوذ بك من الشيطان الرجيم ، وهمزه ونفخه ونفثه .قال : همزه : الموتة ، ونفثه : الشعر ، ونفخه : الكبر .وقال الإمام أحمد : حدثنا إسحاق بن يوسف ، حدثنا شريك ، عن يعلى بن عطاء ، عن رجل حدثه : أنه سمع أبا أمامة الباهلي يقول : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قام إلى الصلاة كبر ثلاثا ، ثم قال : لا إله إلا الله - ثلاث مرات ، وسبحان الله وبحمده ، ثلاث مرات . ثم قال : أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ، من همزه ونفخه ونفثه . وقال الحافظ أبو يعلى أحمد بن علي بن المثنى الموصلي في مسنده : حدثنا عبد الله بن عمر بن أبان الكوفي ، حدثنا علي بن هشام بن البريد عن يزيد بن زياد ، عن عبد الملك بن عمير ، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى ، عن أبي بن كعب ، قال : تلاحى رجلان عند النبي صلى الله عليه وسلم ، فتمزع أنف أحدهما غضبا ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إني لأعلم شيئا لو قاله ذهب عنه ما يجد : أعوذ بالله من الشيطان الرجيم .وكذا رواه النسائي في " اليوم والليلة " ، عن يوسف بن عيسى المروزي ، عن الفضل بن موسى ، عن يزيد بن زياد بن أبي الجعد ، به .وقد روى هذا الحديث أحمد بن حنبل ، عن أبي سعيد ، عن زائدة ، وأبو داود عن يوسف بن موسى ، عن جرير بن عبد الحميد ، والترمذي ، والنسائي في " اليوم والليلة " عن بندار ، عن ابن مهدي ، عن الثوري ، والنسائي - أيضا - من حديث زائدة بن قدامة ، ثلاثتهم عن عبد الملك بن عمير ، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى ، عن معاذ بن جبل ، قال : استب رجلان عند النبي صلى الله عليه وسلم ، فغضب أحدهما غضبا شديدا حتى خيل إلي أن أحدهما يتمزع أنفه من شدة غضبه ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : إني لأعلم كلمة لو قالها لذهب عنه ما يجد من الغضب ، قال : ما هي يا رسول الله ؟ قال : يقول : اللهم إني أعوذ بك من الشيطان الرجيم . قال : فجعل معاذ يأمره ، فأبى [ ومحك ] ، وجعل يزداد غضبا . وهذا لفظ أبي داود . وقال الترمذي : مرسل ، يعني أن عبد الرحمن بن أبي ليلى لم يلق معاذ بن جبل ، فإنه مات قبل سنة عشرين .قلت : وقد يكون عبد الرحمن بن أبي ليلى سمعه من أبي بن كعب ، كما تقدم وبلغه عن معاذ بن جبل ، فإن هذه القصة شهدها غير واحد من الصحابة ، رضي الله عنهم . قال البخاري : حدثنا عثمان بن أبي شيبة ، حدثنا جرير ، عن الأعمش ، عن عدي بن ثابت ، قال : قال سليمان بن صرد : استب رجلان عند النبي صلى الله عليه وسلم ، ونحن عنده جلوس ، فأحدهما يسب صاحبه مغضبا قد احمر وجهه ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : إني لأعلم كلمة لو قالها لذهب عنه ما يجد ، لو قال : أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ، فقالوا للرجل : ألا تسمع ما يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : إني لست بمجنون .وقد رواه - أيضا - مع مسلم ، وأبي داود ، والنسائي ، من طرق متعددة ، عن الأعمش ، به .وقد جاء في الاستعاذة أحاديث كثيرة يطول ذكرها هاهنا ، وموطنها كتاب الأذكار وفضائل الأعمال ، والله أعلم . وقد روي أن جبريل - عليه السلام - أول ما نزل بالقرآن على رسول الله صلى الله عليه وسلم أمره بالاستعاذة ، كما قال الإمام أبو جعفر بن جرير :حدثنا أبو كريب ، حدثنا عثمان بن سعيد ، حدثنا بشر بن عمارة ، حدثنا أبو روق ، عن الضحاك ، عن عبد الله بن عباس ، قال : أول ما نزل جبريل على محمد صلى الله عليه وسلم قال : يا محمد ، استعذ . قال : أستعيذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم ، ثم قال : قل : بسم الله الرحمن الرحيم . ثم قال : ( اقرأ باسم ربك الذي خلق قال عبد الله : وهي أول سورة أنزلها الله على محمد صلى الله عليه وسلم ، بلسان جبريل . وهذا الأثر غريب ، وإنما ذكرناه ليعرف ، فإن في إسناده ضعفا وانقطاعا ، والله أعلم .مسألة : وجمهور العلماء على أن الاستعاذة مستحبة ليست بمتحتمة يأثم تاركها ، وحكى فخر الدين عن عطاء بن أبي رباح وجوبها في الصلاة وخارجها كلما أراد القراءة قال : وقال ابن سيرين : إذا تعوذ مرة واحدة في عمره فقد كفى في إسقاط الوجوب ، واحتج فخر الدين لعطاء بظاهر الآية : فاستعذ وهو أمر ظاهره الوجوب وبمواظبة النبي صلى الله عليه وسلم عليها ، ولأنها تدرأ شر الشيطان وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب ، ولأن الاستعاذة أحوط وهو أحد مسالك الوجوب . وقال بعضهم : كانت واجبة على النبي صلى الله عليه وسلم دون أمته ، وحكي عن مالك أنه لا يتعوذ في المكتوبة ويتعوذ لقيام شهر رمضان في أول ليلة منه .مسألة : وقال الشافعي في الإملاء ، يجهر بالتعوذ حكم الجهر بالاستعاذة ، وإن أسر فلا يضر ، وقال في الأم بالتخيير لأنه أسر ابن عمر وجهر أبو هريرة ، واختلف قول الشافعي فيما عدا الركعة الأولى : هل يستحب التعوذ فيها ؟ على قولين ، ورجح عدم الاستحباب ، والله أعلم . فإذا قال المستعيذ : أعوذ بالله من الشيطان الرجيم كفى ذلك عند الشافعي وأبي حنيفة وزاد بعضهم : أعوذ بالله السميع العليم ، وقال آخرون : بل يقول : أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ، إن الله هو السميع العليم ، قاله الثوري والأوزاعي وحكي عن بعضهم أنه يقول : أستعيذ بالله من الشيطان الرجيم ؛ لمطابقة أمر الآية ، ولحديث الضحاك عن ابن عباس المذكور ، والأحاديث الصحيحة - كما تقدم - أولى بالاتباع من هذا ، والله أعلم .مسألة : ثم الاستعاذة في الصلاة إنما هي للتلاوة وهو قول أبي حنيفة ومحمد . وقال أبو يوسف : بل للصلاة ، فعلى هذا يتعوذ المأموم وإن كان لا يقرأ ، ويتعوذ في العيد بعد الإحرام وقبل تكبيرات العيد ، والجمهور بعدها قبل القراءة .ومن لطائف الاستعاذة أنها طهارة للفم مما كان يتعاطاه من اللغو والرفث ، وتطييب له وتهيؤ لتلاوة كلام الله وهي استعانة بالله واعتراف له بالقدرة وللعبد بالضعف والعجز عن مقاومة هذا العدو المبين الباطني الذي لا يقدر على منعه ودفعه إلا الله الذي خلقه ، ولا يقبل مصانعة ، ولا يدارى بالإحسان ، بخلاف العدو من نوع الإنسان كما دلت على ذلك آيات القرآن في ثلاث من المثاني ، وقال تعالى : ( إن عبادي ليس لك عليهم سلطان وكفى بربك وكيلا ) [ الإسراء : 65 ] ، وقد نزلت الملائكة لمقاتلة العدو البشري يوم بدر ، ومن قتله العدو البشري كان شهيدا ، ومن قتله العدو الباطني كان طريدا ، ومن غلبه العدو الظاهر كان مأجورا ، ومن قهره العدو الباطن كان مفتونا أو موزورا ، ولما كان الشيطان يرى الإنسان من حيث لا يراه استعاذ منه بالذي يراه ولا يراه الشيطان .فصل : والاستعاذة معناها : هي الالتجاء إلى الله والالتصاق بجنابه من شر كل ذي شر ، والعياذة تكون لدفع الشر ، واللياذ يكون لطلب جلب الخير كما قال المتنبي :يا من ألوذ به فيما أؤمله ومن أعوذ به ممن أحاذره لا يجبر الناس عظما أنت كاسرهولا يهيضون عظما أنت جابرهفصل معنى الاستعاذةومعنى أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ، أي : أستجير بجناب الله من الشيطان الرجيم أن يضرني في ديني أو دنياي ، أو يصدني عن فعل ما أمرت به ، أو يحثني على فعل ما نهيت عنه ؛ فإن الشيطان لا يكفه عن الإنسان إلا الله ؛ ولهذا أمر الله تعالى بمصانعة شيطان الإنس ومداراته بإسداء الجميل إليه ، ليرده طبعه عما هو فيه من الأذى ، وأمر بالاستعاذة به من شيطان الجن لأنه لا يقبل رشوة ولا يؤثر فيه جميل ؛ لأنه شرير بالطبع ولا يكفه عنك إلا الذي خلقه ، وهذا المعنى في ثلاث آيات من القرآن لا أعلم لهن رابعة ، قوله في الأعراف : ( خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين ) [ الأعراف : 199 ] ، فهذا فيما يتعلق بمعاملة الأعداء من البشر ، ثم قال : ( وإما ينزغنك من الشيطان نزغ فاستعذ بالله إنه سميع عليم ) [ الأعراف : 200 ] ، وقال تعالى في سورة " قد أفلح المؤمنون " : ( ادفع بالتي هي أحسن السيئة نحن أعلم بما يصفون وقل رب أعوذ بك من همزات الشياطين وأعوذ بك رب أن يحضرون ) [ المؤمنون : 96 - 98 ] ، وقال تعالى في سورة حم السجدة : ( ولا تستوي الحسنة ولا السيئة ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم وما يلقاها إلا الذين صبروا وما يلقاها إلا ذو حظ عظيم وإما ينزغنك من الشيطان نزغ فاستعذ بالله إنه هو السميع العليم ) [ فصلت : 34 - 36 ] .والشيطان معناه في لغة العرب مشتق من شطن إذا بعد ، فهو بعيد بطبعه عن طباع البشر ، وبعيد بفسقه عن كل خير ، وقيل : مشتق من شاط لأنه مخلوق من نار ، ومنهم من يقول : كلاهما صحيح في المعنى ، ولكن الأول أصح ، وعليه يدل كلام العرب ؛ قال أمية بن أبي الصلت في ذكر ما أوتي سليمان ، عليه السلام :أيما شاطن عصاه عكاه ثم يلقى في السجن والأغلالفقال : أيما شاطن ، ولم يقل : أيما شائط .وقال النابغة الذبياني - وهو : زياد بن عمرو بن معاوية بن جابر بن ضباب بن يربوع بن مرة بن سعد بن ذبيان - :نأت بسعاد عنك نوى شطون فبانت والفؤاد بها رهينيقول : بعدت بها طريق بعيدة .[ وقال سيبويه : العرب تقول : تشيطن فلان إذا فعل فعل الشيطان ولو كان من شاط ، لقالوا : تشيط ] . والشيطان مشتق من البعد على الصحيح ؛ ولهذا يسمون كل ما تمرد من جني وإنسي وحيوان شيطانا ، قال الله تعالى : ( وكذلك جعلنا لكل نبي عدوا شياطين الإنس والجن يوحي بعضهم إلى بعض زخرف القول غرورا ) [ الأنعام : 112 ] . وفي مسند الإمام أحمد ، عن أبي ذر - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : يا أبا ذر ، تعوذ بالله من شياطين الإنس والجن ، فقلت : أوللإنس شياطين ؟ قال : نعم . وفي صحيح مسلم عن أبي ذر - أيضا - قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : يقطع الصلاة المرأة والحمار والكلب الأسود . فقلت : يا رسول الله ، ما بال الكلب الأسود من الأحمر والأصفر فقال : الكلب الأسود شيطان . وقال ابن وهب : أخبرني هشام بن سعد ، عن زيد بن أسلم ، عن أبيه ، أن عمر بن الخطاب ، رضي الله عنه ، ركب برذونا ، فجعل يتبختر به ، فجعل يضربه فلا يزداد إلا تبخترا ، فنزل عنه ، وقال : ما حملتموني إلا على شيطان ، ما نزلت عنه حتى أنكرت نفسي . إسناده صحيح .والرجيم معناه : فعيل بمعنى مفعول ، أي : أنه مرجوم مطرود عن الخير كله ، كما قال تعالى : ( ولقد زينا السماء الدنيا بمصابيح وجعلناها رجوما للشياطين ) [ الملك : 5 ] ، وقال تعالى : ( إنا زينا السماء الدنيا بزينة الكواكب وحفظا من كل شيطان مارد لا يسمعون إلى الملإ الأعلى ويقذفون من كل جانب دحورا ولهم عذاب واصب إلا من خطف الخطفة فأتبعه شهاب ثاقب ) [ الصافات : 6 - 10 ] ، وقال تعالى : ( ولقد جعلنا في السماء بروجا وزيناها للناظرين وحفظناها من كل شيطان رجيم إلا من استرق السمع فأتبعه شهاب مبين ) [ الحجر : 16 - 18 ] ، إلى غير ذلك من الآيات . [ وقيل : رجيم بمعنى راجم ؛ لأنه يرجم الناس بالوساوس والربائث والأول أشهر ] ." بسم الله الرحمن الرحيم " افتتح بها الصحابة كتاب الله ، واتفق العلماء على أنها بعض آية من سورة النمل ، ثم اختلفوا : هل هي آية مستقلة بسم الله الرحمن الرحيم في أول كل سورة ، أو من أول كل سورة كتبت في أولها ، أو أنها بعض آية من أول كل سورة ، أو أنها كذلك في الفاتحة دون غيرها ، أو أنها [ إنما ] كتبت للفصل ، لا أنها آية ؟ على أقوال للعلماء سلفا وخلفا ، وذلك مبسوط في غير هذا الموضع .وفي سنن أبي داود بإسناد صحيح ، عن ابن عباس ، رضي الله عنهما ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان لا يعرف فصل السورة حتى ينزل عليه بسم الله الرحمن الرحيم وأخرجه الحاكم أبو عبد الله النيسابوري في مستدركه أيضا ، وروي مرسلا عن سعيد بن جبير . وفي صحيح ابن خزيمة ، عن أم سلمة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قرأ البسملة في أول الفاتحة في الصلاة وعدها آية ، لكنه من رواية عمر بن هارون البلخي ، وفيه ضعف ، عن ابن جريج ، عن ابن أبي مليكة ، عنها . وروى له الدارقطني متابعا ، عن أبي هريرة مرفوعا . وروى مثله عن علي وابن عباس وغيرهما . وممن حكي عنه أنها آية من كل سورة إلا " براءة " : ابن عباس ، وابن عمر ، وابن الزبير ، وأبو هريرة ، وعلي . ومن التابعين : عطاء ، وطاوس ، وسعيد بن جبير ، ومكحول ، والزهري ، وبه يقول عبد الله بن المبارك ، والشافعي ، وأحمد بن حنبل ، في رواية عنه ، وإسحاق بن راهويه ، وأبو عبيد القاسم بن سلام ، رحمهم الله . وقال مالك وأبو حنيفة وأصحابهما : ليست آية من الفاتحة ولا من غيرها من السور ، وقال الشافعي في قول ، في بعض طرق مذهبه : هي آية من الفاتحة وليست من غيرها ، وعنه أنها بعض آية من أول كل سورة ، وهما غريبان .وقال داود : هي آية مستقلة في أول كل سورة لا منها ، وهذه رواية عن الإمام أحمد بن حنبل . وحكاه أبو بكر الرازي ، عن أبي الحسن الكرخي ، وهما من أكابر أصحاب أبي حنيفة ، رحمهم الله . هذا ما يتعلق بكونها من الفاتحة أم لا . فأما ما يتعلق بالجهر بها بسم الله الرحمن الرحيم ، فمفرع على هذا ؛ فمن رأى أنها ليست من الفاتحة فلا يجهر بها ، وكذا من قال : إنها آية من أولها ، وأما من قال بأنها من أوائل السور فاختلفوا ؛ فذهب الشافعي ، رحمه الله ، إلى أنه يجهر بها مع الفاتحة والسورة ، وهو مذهب طوائف من الصحابة والتابعين وأئمة المسلمين سلفا وخلفا ، فجهر بها من الصحابة أبو هريرة ، وابن عمر ، وابن عباس ، ومعاوية ، وحكاه ابن عبد البر ، والبيهقي عن عمر وعلي ، ونقله الخطيب عن الخلفاء الأربعة ، وهم : أبو بكر وعمر وعثمان وعلي ، وهو غريب . ومن التابعين : عن سعيد بن جبير ، وعكرمة ، وأبي قلابة ، والزهري ، وعلي بن الحسين ، وابنه محمد ، وسعيد بن المسيب ، وعطاء ، وطاوس ، ومجاهد ، وسالم ، ومحمد بن كعب القرظي ، وأبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم ، وأبي وائل ، وابن سيرين ، ومحمد بن المنكدر ، وعلي بن عبد الله بن عباس ، وابنه محمد ، ونافع مولى ابن عمر ، وزيد بن أسلم ، وعمر بن عبد العزيز ، والأزرق بن قيس ، وحبيب بن أبي ثابت ، وأبي الشعثاء ، ومكحول ، وعبد الله بن معقل بن مقرن . زاد البيهقي : وعبد الله بن صفوان ، ومحمد ابن الحنفية . زاد ابن عبد البر : وعمرو بن دينار .والحجة في ذلك أنها بعض الفاتحة ، فيجهر بها كسائر أبعاضها ، وأيضا فقد روى النسائي في سننه وابن خزيمة وابن حبان في صحيحيهما ، والحاكم في مستدركه ، عن أبي هريرة أنه صلى فجهر في قراءته بالبسملة ، وقال بعد أن فرغ : إني لأشبهكم صلاة برسول الله صلى الله عليه وسلم . وصححه الدارقطني والخطيب والبيهقي وغيرهم .وروى أبو داود والترمذي ، عن ابن عباس : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يفتتح الصلاة ببسم الله الرحمن الرحيم . ثم قال الترمذي : وليس إسناده بذاك .وقد رواه الحاكم في مستدركه ، عن ابن عباس قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يجهر ببسم الله الرحمن الرحيم ، ثم قال : صحيح وفي صحيح البخاري ، عن أنس بن مالك أنه سئل عن قراءة رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : كانت قراءته مدا ، ثم قرأ " بسم الله الرحمن الرحيم " ، يمد " بسم الله " ، ويمد " الرحمن " ، ويمد " الرحيم .وفي مسند الإمام أحمد ، وسنن أبي داود ، وصحيح ابن خزيمة ، ومستدرك الحاكم ، عن أم سلمة ، قالت : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقطع قراءته : ( بسم الله الرحمن الرحيم . الحمد لله رب العالمين . الرحمن الرحيم . مالك يوم الدين . وقال الدارقطني : إسناده صحيح .وروى الشافعي ، رحمه الله ، والحاكم في مستدركه ، عن أنس : أن معاوية صلى بالمدينة ، فترك البسملة ، فأنكر عليه من حضره من المهاجرين ذلك ، فلما صلى المرة الثانية بسمل .وفي هذه الأحاديث ، والآثار التي أوردناها كفاية ومقنع في الاحتجاج لهذا القول عما عداها ، فأما المعارضات والروايات الغريبة ، وتطريقها ، وتعليلها وتضعيفها ، وتقريرها ، فله موضع آخر .وذهب آخرون إلى أنه لا يجهر بالبسملة في الصلاة ، وهذا هو الثابت عن الخلفاء الأربعة وعبد الله بن مغفل ، وطوائف من سلف التابعين والخلف ، وهو مذهب أبي حنيفة ، والثوري ، وأحمد بن حنبل .وعند الإمام مالك : أنه لا يقرأ البسملة بالكلية ، لا جهرا ولا سرا ، واحتجوا بما في صحيح مسلم ، عن عائشة ، رضي الله عنها ، قالت : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يفتتح الصلاة بالتكبير ، والقراءة ب الحمد لله رب العالمين . وبما في الصحيحين ، عن أنس بن مالك ، قال : صليت خلف النبي صلى الله عليه وسلم ، وأبي بكر وعمر وعثمان ، فكانوا يستفتحون ب الحمد لله رب العالمين . ولمسلم : لا يذكرون بسم الله الرحمن الرحيم في أول قراءة ولا في آخرها . ونحوه في السنن عن عبد الله بن مغفل ، رضي الله عنه .فهذه مآخذ الأئمة - رحمهم الله - في هذه المسألة وهي قريبة ؛ لأنهم أجمعوا على صحة صلاة من جهر بالبسملة ومن أسر ، ولله الحمد والمنة .قال الإمام العالم الحبر العابد أبو محمد عبد الرحمن بن أبي حاتم ، رحمه الله ، في تفسيره : حدثنا أبي ، حدثنا جعفر بن مسافر ، حدثنا زيد بن المبارك الصنعاني ، حدثنا سلام بن وهب الجندي ، حدثنا أبي ، عن طاوس ، عن ابن عباس ؛ أن عثمان بن عفان سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بسم الله الرحمن الرحيم . فقال : هو اسم من أسماء الله ، وما بينه وبين اسم الله الأكبر ، إلا كما بين سواد العينين وبياضهما من القرب .وهكذا رواه أبو بكر بن مردويه ، عن سليمان بن أحمد ، عن علي بن المبارك ، عن زيد بن المبارك ، به .وقد روى الحافظ ابن مردويه من طريقين ، عن إسماعيل بن عياش ، عن إسماعيل بن يحيى ، عن مسعر ، عن عطية ، عن أبي سعيد ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن عيسى ابن مريم أسلمته أمه إلى الكتاب ليعلمه ، فقال المعلم : اكتب ، قال ما أكتب ؟ قال : باسم الله ، قال له عيسى : وما باسم الله ؟ قال المعلم : ما أدري . قال له عيسى : الباء بهاء الله ، والسين سناؤه ، والميم مملكته ، والله إله الآلهة ، والرحمن رحمن الدنيا والآخرة ، والرحيم رحيم الآخرةوقد رواه ابن جرير من حديث إبراهيم بن العلاء الملقب : زبريق ، عن إسماعيل بن عياش ، عن إسماعيل بن يحيى ، عن ابن أبي مليكة ، عمن حدثه ، عن ابن مسعود ، ومسعر ، عن عطية ، عن أبي سعيد ، عن النبي صلى الله عليه وسلم ، فذكره . وهذا غريب جدا ، وقد يكون صحيحا إلى من دون رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ويكون من الإسرائيليات لا من المرفوعات ، والله أعلم .وقد روى جويبر ، عن الضحاك ، نحوه من قبله .وقد روى ابن مردويه ، من حديث يزيد بن خالد ، عن سليمان بن بريدة ، وفي رواية عن عبد الكريم أبي أمية ، عن ابن بريدة ، عن أبيه ؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : أنزلت علي آية لم تنزل على نبي غير سليمان بن داود وغيري ، وهي بسم الله الرحمن الرحيم .وروى بإسناده عن عبد الكبير بن المعافى بن عمران ، عن أبيه ، عن عمر بن ذر ، عن عطاء بن أبي رباح ، عن جابر بن عبد الله ، قال : لما نزل بسم الله الرحمن الرحيم هرب الغيم إلى المشرق ، وسكنت الرياح ، وهاج البحر ، وأصغت البهائم بآذانها ، ورجمت الشياطين من السماء ، وحلف الله تعالى بعزته وجلاله ألا يسمى اسمه على شيء إلا بارك فيه .[ وقال وكيع عن الأعمش عن أبي وائل عن ابن مسعود قال : من أراد أن ينجيه الله من الزبانية التسعة عشر فليقرأ : بسم الله الرحمن الرحيم ، ليجعل الله له من كل حرف منها جنة من كل واحد ، ذكره ابن عطية والقرطبي ووجهه ابن عطية ونصره بحديث : فقد رأيت بضعة وثلاثين ملكا يبتدرونها لقول الرجل : ربنا ولك الحمد حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه ، من أجل أنها بضعة وثلاثون حرفا وغير ذلك ] .وقال الإمام أحمد بن حنبل في مسنده : حدثنا محمد بن جعفر ، حدثنا شعبة ، عن عاصم ، قال : سمعت أبا تميمة يحدث ، عن رديف النبي صلى الله عليه وسلم قال : عثر بالنبي صلى الله عليه وسلم ، فقلت : تعس الشيطان . فقال النبي صلى الله عليه وسلم : لا تقل تعس الشيطان . فإنك إذا قلت : تعس الشيطان تعاظم ، وقال : بقوتي صرعته ، وإذا قلت : باسم الله ، تصاغر حتى يصير مثل الذباب .هكذا وقع في رواية الإمام أحمد وقد روى النسائي في اليوم والليلة ، وابن مردويه في تفسيره ، من حديث خالد الحذاء ، عن أبي تميمة هو الهجيمي ، عن أبي المليح بن أسامة بن عمير ، عن أبيه ، قال : كنت رديف النبي صلى الله عليه وسلم فذكره وقال : لا تقل هكذا ، فإنه يتعاظم حتى يكون كالبيت ، ولكن قل : بسم الله ، فإنه يصغر حتى يكون كالذبابة . فهذا من تأثير بركة بسم الله ؛ ولهذا تستحب في أول كل عمل بسم ا
19:1
كٓهٰیٰعٓصٓ۫ۚ(۱)
کھیٰعص

سورة مريم: وهي مكية .وقد روى محمد بن إسحاق في السيرة من حديث أم سلمة وأحمد بن حنبل عن ابن مسعود في قصة الهجرة إلى أرض الحبشة من مكة أن جعفر بن أبي طالب رضي الله عنه قرأ صدر هذه السورة على النجاشي وأصحابه.قد اختلف المفسرون في الحروف المقطعة التي في أوائل السور فمنهم من قال هي مما استأثر الله بعلمه فردوا علمها إلى الله ولم يفسرها حكاه القرطبي في تفسره عن أبي بكر وعمر وعثمان وعلي وابن مسعود رضي الله عنهم أجمعين وقاله عامر الشعبي وسفيان الثوري والربيع بن خيثم واختاره أبو حاتم بن حبان.ومنهم من فسرها واختلف هؤلاء في معناها فقال عبدالرحمن بن زيد بن أسلم إنما هي أسماء السور.قال العلامة أبو القاسم محمود بن عمر الزمخشري في تفسيره وعليه إطباق الأكثر ونقل عن سيبويه أنه نص عليه ويعتضد لهذا بما ورد في الصحيحين عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقرأ في صلاة الصبح يوم الجمعة "الم" السجدة و "هل أتى على الإنسان" وقال سفيان الثوري عن ابن أبي نجيح عن مجاهد أنه قال: الم وحم والمص وص.فواتح افتتح الله بها القرآن وكذا قال غيره عن مجاهد وقال مجاهد في رواية أبي حذيفة موسى بن مسعود عن شبل عن ابن أبي نجيح عنه أنه قال الم اسم من أسماء القرآن وهكذا وقال قتادة وزيد بن أسلم ولعل هذا يرجع إلى معنى قول عبدالرحمن بن زيد بن أسلم أنه اسم من أسماء السور فإن كل سورة يطلق عليها اسم القرآن فإنه يبعد أن يكون المص اسما للقرآن كله لأن المتبادر إلى فهم سامع من يقول قرأت المص إنما ذلك عبارة عن سورة الأعراف لا لمجموع القرآن والله أعلم.وقيل هي اسم من أسماء الله تعالى فقال عنها في فواتح السور من أسماء الله تعالى وكذلك قال سالم بن عبدالله وإسماعيل بن عبدالرحمن السدي الكبير وقال شعبة عن السدي بلغني أن ابن عباس قال الم اسم من أسماء الله الأعظم.هكذا رواه ابن أبي حاتم من حديث شعبة ورواه ابن جرير عن بندار عن ابن مهدي عن شعبة قال سألت السدي عن حم وطس والم فقال قال ابن عباس هي اسم الله الأعظم وقال ابن جرير وحدثنا محمد بن المثنى حدثنا أبو النعمان حدثنا شعبة عن إسماعيل السدي عن مرة الهمذانى قال: قال عبدالله فذكر نحوه.وحُكي مثله عن علي وابن عباس وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس هو قسم أقسم الله به وهو من أسماء الله تعالى وروى ابن أبي حاتم وابن جرير من حديث ابن علية عن خالد الحذاء عن عكرمة أنه قال الم قسم.وروينا أيضا من حديث شريك بن عبدالله بن عطاء بن السائب عن أبى الضحى عن ابن عباس: الم قال أنا الله أعلم وكذا قال سعيد بن جبير وقال السدي عن أبي مالك وعن أبي صالح عن ابن عباس وعن مرة الهمذاني عن ابن مسعود وعن ناس من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم الم قال أما الم فهي حروف استفتحت من حروف هجاء أسماء الله تعالى.قال وأبو جعفر الرازي عن الربيع بن أنس عن أبي العالية في قوله تعالى الم قال هذه الأحرف الثلاثة من التسعة والعشرين حرفا دارت فيها الألسن كلها ليس منها حرف إلا وهو مفتاح اسم من أسمائه وليس منها حرف إلا وهو من آلائه وبلألائه ليس منها حرف إلا وهو في مدة أقوام وآجالهم.قال عيسى ابن مريم عليه السلام وعجب: فقال أعجب أنهم يظنون بأسمائه ويعيشون في رزقه فكيف يكفرون به فالألف مفتاح الله واللام مفتاح اسمه لطيف والميم مفتاح اسمه مجيد فالألف آلاء الله واللام لطف الله والميم مجد الله والألف سنة واللام ثلاثون سنة والميم أربعون سنة.هذا لفظ ابن أبي حاتم ونحوه رواه ابن جرير ثم شرع يوجه كل واحد من هذه الأقوال ويوفق بينها وأنه لا منافاة بين كل واحد منها وبين الآخر وأن الجمع ممكن فهي أسماء للسور ومن أسماء الله تعالى يفتتح بها السور فكل حرف منها دل على اسم من أسمائه وصفة من صفاته كما افتتح سورا كثيرة بتحميده وتسبيحه وتعظيمه قال ولا مانع من دلالة الحرف منها على اسم من أسماء الله وعلى صفة من صفاته وعلى مدة وغير ذلك كما ذكره الربيع بن أنس عن أبي العالية لأن الكلمة الواحدة تطلق على معاني كثيرة كلفظة الأمة فإنها تطلق ويراد به الدين كقوله تعالى "إنا وجدنا آباءنا على أمة" وتطلق ويراد بها الرجل المطيع لله كقوله تعالى "إن إبراهيم كان أمة قانتا لله حنيفا ولم يك من المشركين" وتطلق ويراد بها الجماعة كقوله تعالى "وجد عليه أمة من الناس يسقون" وقوله تعالى "ولقد بعثنا في كل أمة رسولا" وتطلق ويراد بها الحين من الدهر كقوله تعالى "وقال الذي نجا منهما وادكر بعد أمة" أي بعد حين على أصح القولين قال فكذلك هذا.هذا حاصل كلامه موجها ولكن هذا ليس كما ذكره أبو العالية فإن أبا العالية زعم أن الحرف دل على هذا وعلى هذا وعلى هذا معا ولفظة الأمة وما أشبهها من الألفاظ المشتركة في الاصطلاح إنما دل في القرآن في كل موطن على معنى واحد دل عليه سياق الكلام فأما حمله على مجموع محامله إذا أمكن فمسألة مختلف فيها بين علماء الأصول ليس هذا موضع البحث فيها والله أعلم.ثم إن لفظة الأمة تدل على كل من معانيها في سياق الكلام بدلالة الوضع فأما دلالة الحرف الواحد على اسم يمكن أن يدل على اسم آخر من غير أن يكون أحدهما أولى من الآخر في التقدير أو الإضمار بوضع ولا بغيره فهذا مما لا يفهم إلا بتوقيف والمسألة مختلف فيها وليس فيها إجماع حتى يحكم به وما أنشدوه من الشواهد على صحة إطلاق الحرف الواحد على بقية الكلمة فإن في السياق ما يدل على ما حذف بخلاف هذا كما قال الشاعر: قلنا قفي لنا فقالت قاف لا تحسبي أنا نسينا الإيجاف تعني وقفت.وقال الآخر: ما للظليم عال كيف لاي نقد عنه جلده إذا ي فقال ابن جرير كأنه أراد أن يقول إذا يفعل كذا وكذا فاكتفى بالياء من يفعل وقال الآخر: بالخير خيرات وان شرا فا ولا أريد الشر إلا أن ت يقول وإن شرا فشرا ولا أريد الشر إلا أن تشاء فاكتفى بالفاء والتاء من الكلمتين عن بقيتهما ولكن هذا ظاهر من سياق الكلام والله أعلم.قال القرطبي وفي الحديث "من أعان على قتل مسلم بشطر كلمة" الحديث قال سفيان هو أن يقول في اقتل"ا ق" وقال خصيف عن مجاهد أنه قال فواتح السور كلها"ق وص وحم وطسم والر" وغير ذلك هجاء موضوع وقال بعض أهل العربية هي حروف من حروف المعجم استغنى بذكر ما ذكر منها في أوائل السور عن ذكر بواقيها التي هي تتمة الثمانية والعشرين حرفا كما يقول القائل ابني يكتب في - ا ب ت ث - أي في حروف المعجم الثمانية والعشرين فيستغني بذكر بعضها عن مجموعها حكاه ابن جرير.قلت مجموع الحروف المذكورة في أوائل السور بحذف المكرر منها أربعة عشر حرفا وهي - ال م ص ر ك ه ي ع ط س ح ق ن- يجمعها قولك: نص حكيم قاطع له سر.وهي نصف الحروف عددا والمذكور منها أشرف من المتروك وبيان ذلك من صناعة التصريف.قال الزمخشري وهذه الحروف الأربعة عشر مشتملة على أصناف أجناس الحروف يعني من المهموسة والمجهورة ومن الرخوة والشديدة ومن المطبقة والمفتوحة ومن المستعلية والمنخفضة ومن حروف القلقلة.وقد سردها مفصلة ثم قال: فسبحان الذي دقت في كل شىء حكمته.وهذه الأجناس المعدودة مكثورة بالمذكورة منها وقد علمت أن معظم الشيء وجله ينزل منزلة كله وههنا ههنا لخص بعضهم في هذا المقام كلاما فقال: لا شك أن هذه الحروف لم ينزلها سبحانه وتعالى عبثا ولا سدى ومن قال من الجهلة إن في القرآن ما هو تعبد لا معنى له بالكلمة فقد أخطأ خطأ كبيرا فتعين أن لها معنى في نفس الأمر فإن صح لنا فيها عن المعصوم شيء قلنا به وإلا وقفنا حيث وقفنا وقلنا "آمنا به كل من عند ربنا" ولم يجمع العلماء فيها على شيء معين وإنما اختلفوا فمن ظهر له بعض الأقوال بدليل فعليه اتباعه وإلا فالوقف حتى يتبين هذا المقام.المقام الآخر في الحكمة التي اقتضت إيراد هذه الحروف في أوائل السور ما هي مع قطع النظر عن معانيها في أنفسها فقال بعضهم إنما ذكرت ليعرف بها أوائل السور حكاه ابن جرير وهذا ضعيف لأن الفصل حاصل بدونها فيما لم تذكر فيه وفيما ذكرت فيه البسملة تلاوة وكتابة وقال آخرون بل ابتدىء بها لتفتح لاستماعها أسماع المشركين إذ تواصوا بالإعراض عن القرآن حتى إذا استمعوا له تلا عليهم المؤلف منه حكاه ابن جرير أيضا وهو ضعيف أيضا لأنه لو كان كذلك لكان ذلك في جميع السور لا يكون في بعضها بل غالبها ليس كذلك ولو كان كذلك أيضا لانبغى الابتداء بها في أوائل الكلام معهم سواء كان افتتاح سورة أو غير ذلك ثم إن هذه السورة والتي تليها أعني البقرة وآل عمران مدنيتان ليستا خطابا للمشركين فانتقض ما ذكروه بهذه الوجوه.وقال آخرون بل إنما ذكرت هذه الحروف في أوائل السور التي ذكرت فيها بيانا لإعجاز القرآن وأن الخلق عاجزون عن معارضته بمثله هذا مع أنه مركب من هذه الحروف المقطعة التي يتخاطبون بها وقد حكى هذا المذهب الرازي في تفسيره عن المبرد وجمع من المحققين وحكى القرطبي عن الفراء وقطرب نحو هذا وقرره الزمخشري فى كشافه ونصره أتم نصر وإليه ذهب الشيخ الإمام العلامة أبو العباس ابن تيمية وشيخنا الحافظ المجتهد أبو الحجاج المزي وحكاه لي عن ابن تيمية.قال الزمخشري ولم ترد كلها مجموعة في أول القرآن وإنما كررت ليكون أبلغ في التحدي والتبكيت كما كررت قصص كثيرة وكرر التحدي بالصريح في أماكن قال وجاء منها على حرف واحد كقوله - ص ن ق- وحرفين مثل "حم" وثلاثة مثل "الم" وأربعة مثل "المر" و "المص" وخمسة مثل "كهيعص- و- حمعسق" لأن أساليب كلامهم على هذا من الكلمات ما هو على حرف وعلى حرفين وعلى ثلاثة وعلى أربعة وعلى خمسة لا أكثر من ذلك "قلت" ولهذا كل سورة افتتحت بالحروف فلا بد أن يذكر فيها الانتصار للقرآن وبيان إعجازه وعظمته وهذا معلوم بالاستقراء وهو الواقع في تسع وعشرين سورة ولهذا يقول تعالى "الم ذلك الكتاب لا ريب فيه" "الم الله لا إله إلا هو الحي القيوم نزل عليك الكتاب بالحق مصدقا لما بين يديه" "المص كتاب أنزل إليك فلا يكن في صدرك حرج منه" "الر كتاب أنزلناه إليك لتخرج الناس من الظلمات إلى النور بإذن ربهم" "الم تنزيل الكتاب لا ريب فيه من رب العالمين" "حم تنزيل من الرحمن الرحيم" "حم عسق كذلك يوحي إليك وإلى الذين من قبلك الله العزيز الحكيم" وغير ذلك من الآيات الدالة على صحة ما ذهب إليه هؤلاء لمن أمعن النظر والله أعلم.وأما من زعم أنها دالة على معرفة المدد وأنه يستخرج من ذلك أوقات الحوادث والفتن والملاحم فقد ادعى ما ليس له وطار في غير مطاره وقد ورد في ذلك حديث ضعيف وهو مع ذلك أدل على بطلان هذا المسلك من التمسك به على صحته وهو ما رواه محمد بن إسحق بن يسار صاحب المغازي حدثني الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس عن جابر بن عبدالله بن رباب قال مر أبو ياسر بن أخطب في رجال من يهود برسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يتلو فاتحة سورة البقرة "الم ذلك الكتاب لا ريب فيه" فأتى أخاه بن أخطب في رجال من اليهود فقال تعلمون والله لقد سمعت محمدا يتلو فيما أنزل الله تعالى عليه "الم ذلك الكتاب لا ريب فيه" فقال أنت سمعته قال نعم قال فمشى حي بن أخطب في أولئك النفر من اليهود إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا يا محمد ألم يذكر أنك تتلوا فيما أنزل الله عليك "الم ذلك الكتاب"؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "بلى" فقالوا جاءك بهذا جبريل من عند الله؟ فقال "نعم" قالوا لقد بعث الله قبلك أنبياء ما نعلمه بين لنبي منهم ما مدة ملكه وما أجل أمته غيرك.فقام حي بن أخطب وأقبل على من كان معه فقال لهم الألف واحدة واللام ثلاثون والميم أربعون فهذه إحدى وسبعون سنة أفتدخلون في دين نبي إنما مدة ملكه وأجل أمته إحدى وسبعون سنة؟ ثم أقبل على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا محمد هل مع هذا غيره فقال "نعم" قال ما ذاك؟ قال "المص" قال هذا أثقل وأطول الألف واحد واللام ثلاثون والميم أربعون والصاد تسعون فهذه إحدى وثلاثون ومائة سنة.هل مع هذا يا محمد غيره؟ قال "نعم" قال ما ذاك؟ قال "الر" قال هذا أثقل وأطول الألف واحدة واللام ثلاثون والراء مائتان فهذه إحدى وثلاثون ومائتا سنة.فهل مع هذا يا محمد غيره؟ قال "نعم" قال ماذا قال "المر" قال هذه أثقل وأطول الألف واحدة واللام ثلاثون والميم أربعون والراء مائتان فهذه إحدى وسبعون ومائتان ثم قال: لقد لبس علينا أمرك يا محمد حتى ما ندري أقليلا أعطيت أم كثيرا.ثم قال قوموا عنه ثم قال أبو ياسر لأخيه حي بن أخطب ولمن معه من الأحبار ما يدريكم لعله قد جمع هذا لمحمد كله إحدى وسبعون وإحدى وثلاثون ومائة وإحدى وثلاثون ومائتان وإحدى وسبعون ومائتان فذلك سبعمائة وأربع سنين؟ فقالوا لقد تشابه علينا أمره فيزعمون أن هؤلاء الآيات نزلت فيهم "هو الذي أنزل عليك الكتاب منه آيات محكمات هن أم الكتاب وأخر متشابهات" فهذا الحديث مداره على محمد بن السائب الكلبي وهو ممن لا يحتج بما انفرد به ثم كان مقتضى هذا المسلك إن كان صحيحا أن يحسب ما لكل حرف من الحروف الأربعة عشر التي ذكرناها وذلك يبلغ منه جملة كثيرة وإن حسبت مع التكرر فأطم وأعظم والله أعلم.
19:2
ذِكْرُ رَحْمَتِ رَبِّكَ عَبْدَهٗ زَكَرِیَّاۖۚ(۲)
یہ مذکور ہے تیرے رب کی اس رحمت کا جو اس نے اپنے بندہ زکریا پر کی،

وقوله : ( ذكر رحمة ربك ) أي : هذا ذكر رحمة الله بعبده زكريا .وقرأ يحيى بن يعمر " ذكر رحمة ربك عبده زكريا " .و ) زكريا ) : يمد ويقصر قراءتان مشهورتان . وكان نبيا عظيما من أنبياء بني إسرائيل . وفي صحيح البخاري : أنه كان نجارا ، أي : كان يأكل من عمل يديه في النجارة .
19:3
اِذْ نَادٰى رَبَّهٗ نِدَآءً خَفِیًّا(۳)
جب اس نے اپنے رب کو آہستہ پکارا (ف۲)

وقوله : ( إذ نادى ربه نداء خفيا ) : قال بعض المفسرين : إنما أخفى دعاءه ، لئلا ينسب في طلب الولد إلى الرعونة لكبره . حكاه الماوردي .وقال آخرون : إنما أخفاه لأنه أحب إلى الله . كما قال قتادة في هذه الآية ( إذ نادى ربه نداء خفيا ) : إن الله يعلم القلب التقي ، ويسمع الصوت الخفي .وقال بعض السلف : قام من الليل ، عليه السلام ، وقد نام أصحابه ، فجعل يهتف بربه يقول خفية : يا رب ، يا رب ، يا رب فقال الله : لبيك ، لبيك ، لبيك .
19:4
قَالَ رَبِّ اِنِّیْ وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّیْ وَ اشْتَعَلَ الرَّاْسُ شَیْبًا وَّ لَمْ اَكُنْۢ بِدُعَآىٕكَ رَبِّ شَقِیًّا(۴)
عرض کی اے میرے رب میری ہڈی کمزور ہوگئی (ف۳) اور سرے سے بڑھاپے کا بھبھوکا پھوٹا (شعلہ چمکا) (ف۴) اور اے میرے رب میں تجھے پکار کر کبھی نامراد نہ رہا (ف۵)

( قال رب إني وهن العظم مني ) أي : ضعفت وخارت القوى ، ( واشتعل الرأس شيبا ) أي اضطرم المشيب في السواد ، كما قال ابن دريد في مقصورته :إما ترى رأسي حاكي لونه طرة صبح تحت أذيال الدجى واشتعل المبيض في مسودهمثل اشتعال النار في جمر الغضاوالمراد من هذا : الإخبار عن الضعف والكبر ، ودلائله الظاهرة والباطنة .وقوله : ( ولم أكن بدعائك رب شقيا ) أي : ولم أعهد منك إلا الإجابة في الدعاء ، ولم تردني قط فيما سألتك .
19:5
وَ اِنِّیْ خِفْتُ الْمَوَالِیَ مِنْ وَّرَآءِیْ وَ كَانَتِ امْرَاَتِیْ عَاقِرًا فَهَبْ لِیْ مِنْ لَّدُنْكَ وَلِیًّاۙ(۵)
اور مجھے اپنے بعد اپنے قرابت والوں کا ڈر ہے (ف۶) اور میری عورت بانجھ ہے تو مجھے اپنے پاس سے کوئی ایسا دے ڈال جو میرا کام اٹھائے (ف۷)

وقوله : ( وإني خفت الموالي من ورائي ) : قرأ الأكثرون بنصب " الياء " من ( الموالي ) على أنه مفعول ، وعن الكسائي أنه سكن الياء ، كما قال الشاعر :كأن أيديهن في القاع الفرق أيدي جوار يتعاطين الورقوقال الآخر :فتى لو يباري الشمس ألقت قناعها أو القمر الساري لألقى المقالداومنه قول أبي تمام حبيب بن أوس الطائي :تغاير الشعر فيه إذ سهرت له حتى ظننت قوافيه ستقتتلوقال مجاهد ، وقتادة ، والسدي : أراد بالموالي العصبة . وقال أبو صالح : الكلالة .وروي عن أمير المؤمنين عثمان بن عفان - رضي الله عنه - أنه كان يقرؤها : " وإني خفت الموالي من ورائي " بتشديد الفاء بمعنى : قلت عصباتي من بعدي .وعلى القراءة الأولى ، وجه خوفه أنه خشي أن يتصرفوا من بعده في الناس تصرفا سيئا ، فسأل الله ولدا ، يكون نبيا من بعده ، ليسوسهم بنبوته وما يوحى إليه . فأجيب في ذلك ، لا أنه خشي من وراثتهم له ماله ، فإن النبي أعظم منزلة وأجل قدرا من أن يشفق على ماله إلى ما هذا حده أن يأنف من وراثة عصباته له ، ويسأل أن يكون له ولد ، فيحوز ميراثه دونه دونهم . هذا وجه .الثاني : أنه لم يذكر أنه كان ذا مال ، بل كان نجارا يأكل من كسب يديه ، ومثل هذا لا يجمع مالا ، ولا سيما الأنبياء ، عليهم السلام ، فإنهم كانوا أزهد شيء في الدنيا .الثالث : أنه قد ثبت في الصحيحين من غير وجه : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " لا نورث ، ما تركنا فهو صدقة " وفي رواية عند الترمذي بإسناد صحيح : " نحن معشر الأنبياء لا نورث " وعلى هذا فتعين حمل قوله : ( فهب لي من لدنك وليا يرثني ) على ميراث النبوة; ولهذا قال : ( ويرث من آل يعقوب ) ، كما قال تعالى : ( وورث سليمان داود ) [ النمل : 16 ] أي : في النبوة; إذ لو كان في المال لما خصه من بين إخوته بذلك ، ولما كان في الإخبار بذلك كبير فائدة ، إذ من المعلوم المستقر في جميع الشرائع والملل أن الولد يرث أباه ، فلولا أنها وراثة خاصة لما أخبر بها ، وكل هذا يقرره ويثبته ما صح في الحديث : " نحن معاشر الأنبياء لا نورث ، ما تركنا فهو صدقة " .
19:6
یَّرِثُنِیْ وَ یَرِثُ مِنْ اٰلِ یَعْقُوْبَ ﳓ وَ اجْعَلْهُ رَبِّ رَضِیًّا(۶)
وہ میرا جانشین ہو اور اولاد یعقوب کا وارث ہو، اور اے میرے رب! اسے پسندیدہ کر (ف۸)

قال مجاهد في قوله : ( يرثني ويرث من آل يعقوب ) قال : كان وراثته علما وكان زكريا من ذرية يعقوب .وقال هشيم : أخبرنا إسماعيل بن أبي خالد ، عن أبي صالح في قوله : ( يرثني ويرث من آل يعقوب ) قال : قد يكون نبيا كما كانت آباؤه أنبياء .وقال عبد الرزاق ، عن معمر ، عن قتادة ، عن الحسن : يرث نبوته وعلمه .وقال السدي : يرث نبوتي ونبوة آل يعقوب .وعن مالك ، عن زيد بن أسلم : ( ويرث من آل يعقوب ) قال : نبوتهم .وقال جابر بن نوح ويزيد بن هارون ، كلاهما عن إسماعيل بن أبي خالد ، عن أبي صالح في قوله : ( يرثني ويرث من آل يعقوب ) قال : يرث مالي ، ويرث من آل يعقوب النبوة .وهذا اختيار ابن جرير في تفسيره .وقال عبد الرزاق : أخبرنا معمر ، عن قتادة : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " يرحم الله زكريا ، وما كان عليه من ورثة ، ويرحم الله لوطا ، إن كان ليأوي إلى ركن شديد "وقال ابن جرير : حدثنا أبو كريب ، حدثنا جابر بن نوح ، عن مبارك - هو ابن فضالة - عن الحسن قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " رحم الله أخي زكريا ، ما كان عليه من ورثة ماله حين يقول : ( فهب لي من لدنك وليا يرثني ويرث من آل يعقوب )وهذه مرسلات لا تعارض الصحاح ، والله أعلم .وقوله : ( واجعله رب رضيا ) أي مرضيا عندك وعند خلقك ، تحبه وتحببه إلى خلقك في دينه وخلقه .
19:7
یٰزَكَرِیَّاۤ اِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلٰمِ-ﹰاسْمُهٗ یَحْیٰىۙ-لَمْ نَجْعَلْ لَّهٗ مِنْ قَبْلُ سَمِیًّا(۷)
اے زکریا ہم تجھے خوشی سناتے ہیں ایک لڑکے کی جن کا نام یحییٰ ہے اس کے پہلے ہم نے اس نام کا کوئی نہ کیا،

هذا الكلام يتضمن محذوفا ، وهو أنه أجيب إلى ما سأل في دعائه فقيل له : ( يا زكريا إنا نبشرك بغلام اسمه يحيى ) ، كما قال تعالى : ( هنالك دعا زكريا ربه قال رب هب لي من لدنك ذرية طيبة إنك سميع الدعاء فنادته الملائكة وهو قائم يصلي في المحراب أن الله يبشرك بيحيى مصدقا بكلمة من الله وسيدا وحصورا ونبيا من الصالحين ) [ آل عمران : 38 ، 39وقوله : ( لم نجعل له من قبل سميا ) قال قتادة ، وابن جريج ، وابن زيد : أي لم يسم أحد قبله بهذا الاسم ، واختاره ابن جرير ، رحمه الله .وقال مجاهد : ( لم نجعل له من قبل سميا ) أي : شبيها .أخذه من معنى قوله : ( فاعبده واصطبر لعبادته هل تعلم له سميا ) [ مريم : 65 ] أي : شبيها .وقال علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس : أي لم تلد العواقر قبله مثله .وهذا دليل على أن زكريا عليه السلام ، كان لا يولد له ، وكذلك امرأته كانت عاقرا من أول عمرها ، بخلاف إبراهيم وسارة ، عليهما السلام ، فإنهما إنما تعجبا من البشارة بإسحاق على كبرهما لا لعقرهما ; ولهذا قال : ( أبشرتموني على أن مسني الكبر فبم تبشرون ) [ الحجر : 54 ] مع أنه كان قد ولد له قبله إسماعيل بثلاث عشرة سنة . وقالت امرأته : ( ياويلتى أألد وأنا عجوز وهذا بعلي شيخا إن هذا لشيء عجيب قالوا أتعجبين من أمر الله رحمة الله وبركاته عليكم أهل البيت إنه حميد مجيد ) [ هود : 72 ] ، 73 .
19:8
قَالَ رَبِّ اَنّٰى یَكُوْنُ لِیْ غُلٰمٌ وَّ كَانَتِ امْرَاَتِیْ عَاقِرًا وَّ قَدْ بَلَغْتُ مِنَ الْكِبَرِ عِتِیًّا(۸)
عرض کی اے میرے رب! میرے لڑکا کہاں سے ہوگا میری عورت تو بانجھ ہے اور میں بڑھاپے سے سوکھ جانے کی حالت کو پہنچ گیا (ف۹)

هذا تعجب من زكريا ، عليه السلام ، حين أجيب إلى ما سأل ، وبشر بالولد ، ففرح فرحا شديدا ، وسأل عن كيفية ما يولد له ، والوجه الذي يأتيه منه الولد ، مع أن امرأته كانت عاقرا لم تلد من أول عمرها مع كبرها ، ومع أنه قد كبر وعتا ، أي عسا عظمه ونحل ولم يبق فيه لقاح ولا جماع .تقول العرب للعود إذا يبس : " عتا يعتو عتيا وعتوا ، وعسا يعسو عسوا وعسيا " .وقال مجاهد : ( عتيا ) بمعنى : نحول العظم .وقال ابن عباس وغيره : ( عتيا ) يعني : الكبر .والظاهر أنه أخص من الكبر .وقال ابن جرير : حدثنا يعقوب ، حدثنا هشيم ، أخبرنا حصين ، عن عكرمة ، عن ابن عباس قال : لقد علمت السنة كلها ، غير أني لا أدري أكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ في الظهر والعصر أم لا ؟ ولا أدري كيف كان يقرأ هذا الحرف : ( وقد بلغت من الكبر عتيا ) أو " عسيا " .
19:9
قَالَ كَذٰلِكَۚ-قَالَ رَبُّكَ هُوَ عَلَیَّ هَیِّنٌ وَّ قَدْ خَلَقْتُكَ مِنْ قَبْلُ وَ لَمْ تَكُ شَیْــٴًـا(۹)
فرمایا ایسا ہی ہے (ف۱۰) تیرے رب نے فرمایا وہ مجھے آسان ہے اور میں نے تو اس سے پہلے تجھے اس وقت بنایا جب تک کچھ بھی نہ تھا (ف۱۱)

ورواه الإمام أحمد عن سريج بن النعمان ، وأبو داود ، عن زياد بن أيوب ، كلاهما عن هشيم ، به .( قال ) أي الملك مجيبا لزكريا عما استعجب منه : ( كذلك قال ربك هو علي هين ) أي : إيجاد الولد منك ومن زوجتك هذه لا من غيرها ) هين ) أي : يسير سهل على الله .ثم ذكر له ما هو أعجب مما سأل عنه ، فقال : ( وقد خلقتك من قبل ولم تك شيئا ) كما قال تعالى : ( هل أتى على الإنسان حين من الدهر لم يكن شيئا مذكورا ) الإنسان : 1
19:10
قَالَ رَبِّ اجْعَلْ لِّیْۤ اٰیَةًؕ-قَالَ اٰیَتُكَ اَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلٰثَ لَیَالٍ سَوِیًّا(۱۰)
عرض کی اے میرے رب! مجھے کوئی نشانی دے دے (ف۱۲) فرمایا تیری نشانی یہ ہے کہ تو تین رات دن لوگوں سے کلام نہ کرے بھلا چنگا ہوکر (ف۱۳)

يقول تعالى مخبرا عن زكريا ، عليه السلام ، أنه ( قال رب اجعل لي آية ) أي : علامة ودليلا على وجود ما وعدتني ، لتستقر نفسي ويطمئن قلبي بما وعدتني كما قال إبراهيم ، عليه السلام : ( رب أرني كيف تحي الموتى قال أولم تؤمن قال بلى ولكن ليطمئن قلبي ) الآية [ البقرة : 260 ] . ) قال آيتك ) أي : علامتك ( ألا تكلم الناس ثلاث ليال سويا ) أي : أن تحبس لسانك عن الكلام ثلاث ليال وأنت صحيح سوي من غير مرض ولا علة .قال ابن عباس ، ومجاهد ، وعكرمة ، ووهب بن منبه ، والسدي وقتادة وغير واحد : اعتقل لسانه من غير مرض .وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم : كان يقرأ ويسبح ولا يستطيع أن يكلم قومه إلا إشارة .وقال العوفي ، عن ابن عباس : ( ثلاث ليال سويا ) أي : متتابعات .والقول الأول عنه وعن الجمهور أصح كما قال تعالى في أول [ آل عمران : ( قال رب اجعل لي آية قال آيتك ألا تكلم الناس ثلاثة أيام إلا رمزا واذكر ربك كثيرا وسبح بالعشي والإبكار ) [ آل عمران : 41 ]وقال مالك ، عن زيد بن أسلم : ( ثلاث ليال سويا ) من غير خرس .وهذا دليل على أنه لم يكن يكلم الناس في هذه الليالي الثلاث وأيامها ) إلا رمزا ) أي : إشارة
19:11
فَخَرَ جَ عَلٰى قَوْمِهٖ مِنَ الْمِحْرَابِ فَاَوْحٰۤى اِلَیْهِمْ اَنْ سَبِّحُوْا بُكْرَةً وَّ عَشِیًّا(۱۱)
تو اپنی قوم پر مسجد سے باہر آیا (ف۱۴) تو انہیں اشارہ سے کہا کہ صبح و شام تسبیح کرتے رہو،

ولهذا قال في هذه الآية الكريمة : ( فخرج على قومه من المحراب ) أي : الذي بشر فيه بالولد ، ( فأوحى إليهم ) أي : أشار إشارة خفية سريعة : ( أن سبحوا بكرة وعشيا ) أي : موافقة له فيما أمر به في هذه الأيام الثلاثة زيادة على أعماله ، وشكرا لله على ما أولاه .قال مجاهد : ( فأوحى إليهم ) أي : أشار . وبه قال وهب ، وقتادة .وقال مجاهد في رواية عنه : ( فأوحى إليهم ) أي : كتب لهم في الأرض ، كذا قال السدي .
19:12
یٰیَحْیٰى خُذِ الْكِتٰبَ بِقُوَّةٍؕ-وَ اٰتَیْنٰهُ الْحُكْمَ صَبِیًّاۙ(۱۲)
اے یحییٰ کتاب (ف۱۶) مضبوط تھام، اور ہم نے اسے بچپن ہی میں نبوت دی (ف۱۷)

وهذا أيضا تضمن محذوفا ، تقديره : أنه وجد هذا الغلام المبشر به ، وهو يحيى ، عليه السلام ، وأن الله علمه الكتاب ، وهو التوراة التي كانوا يتدارسونها بينهم ، ويحكم بها النبيون الذين أسلموا للذين هادوا والربانيون والأحبار . وقد كان سنه إذ ذاك صغيرا ، فلهذا نوه بذكره ، وبما أنعم به عليه وعلى والديه ، فقال : ( يا يحيى خذ الكتاب بقوة ) أي : تعلم الكتاب ) بقوة ) أي : بجد وحرص واجتهاد ( وآتيناه الحكم صبيا ) أي : الفهم والعلم والجد والعزم ، والإقبال على الخير ، والإكباب عليه ، والاجتهاد فيه وهو صغير حدث السن .قال عبد الله بن المبارك : قال معمر : قال الصبيان ليحيى بن زكريا : اذهب بنا نلعب . قال : ما للعب خلقت ، قال : فلهذا أنزل الله : ( وآتيناه الحكم صبيا ) .
19:13
وَّ حَنَانًا مِّنْ لَّدُنَّا وَ زَكٰوةًؕ-وَ كَانَ تَقِیًّاۙ(۱۳)
اور اپنی طرف سے مہربانی (ف۱۸) اور ستھرائی (ف۱۹) اور کمال ڈر والا تھا (ف۲۰)

وقوله : ( وحنانا من لدنا ) قال علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس : ( وحنانا من لدنا ) يقول : ورحمة من عندنا ، وكذا قال عكرمة ، وقتادة ، والضحاك وزاد : لا يقدر عليها غيرنا . وزاد قتادة : رحم بها زكريا .وقال مجاهد : ( وحنانا من لدنا ) وتعطفا من ربه عليه .وقال عكرمة : ( وحنانا من لدنا ) قال : محبة عليه . وقال ابن زيد : أما الحنان فالمحبة . وقال عطاء بن أبي رباح : ( وحنانا من لدنا ) ، قال : تعظيما من لدنا .وقال ابن جريج : أخبرني عمرو بن دينار ، أنه سمع عكرمة عن ابن عباس قال : لا والله ما أدري ما حنانا .وقال ابن جرير : حدثنا ابن حميد ، حدثنا جرير ، عن منصور : سألت سعيد بن جبير عن قوله : ( وحنانا من لدنا ) ، فقال : سألت عنها عباسا ، فلم يحر فيها شيئا .والظاهر من هذا السياق أن : ( وحنانا من لدنا ) معطوف على قوله : ( وآتيناه الحكم صبيا ) أي : وآتيناه الحكم وحنانا ، ( وزكاة ) أي : وجعلناه ذا حنان وزكاة ، فالحنان هو المحبة في شفقة وميل كما تقول العرب : حنت الناقة على ولدها ، وحنت المرأة على زوجها . ومنه سميت المرأة " حنة " من الحنة ، وحن الرجل إلى وطنه ، ومنه التعطف والرحمة ، كما قال الشاعر :تحنن علي هداك المليك فإن لكل مقام مقالاوفي المسند للإمام أحمد ، عن أنس ، رضي الله عنه ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " يبقى رجل في النار ينادي ألف سنة : يا حنان يا منان "وقد يثني ومنهم من يجعل ما ورد من ذلك لغة بذاتها ، كما قال طرفة :أنا منذر أفنيت فاستبق بعضنا حنانيك بعض الشر أهون من بعضوقوله : ( وزكاة ) معطوف على ) وحنانا ) فالزكاة الطهارة من الدنس والآثام والذنوب .وقال قتادة : الزكاة العمل الصالح .وقال الضحاك وابن جريج : العمل الصالح الزكي .وقال العوفي عن ابن عباس : ( وزكاة ) قال : بركة ( وكان تقيا ) طهر ، فلم يعمل بذنب .
19:14
وَّ بَرًّۢا بِوَالِدَیْهِ وَ لَمْ یَكُنْ جَبَّارًا عَصِیًّا(۱۴)
اور اپنے ماں باپ سے اچھا سلوک کرنے والا تھا زبردست و نافرمان نہ تھا (ف۲۱)

وقوله : ( وبرا بوالديه ولم يكن جبارا عصيا ) لما ذكر تعالى طاعته لربه ، وأنه خلقه ذا رحمة وزكاة وتقى ، عطف بذكر طاعته لوالديه وبره بهما ، ومجانبته عقوقهما ، قولا وفعلا وأمرا ونهيا; ولهذا قال : ( ولم يكن جبارا عصيا )
19:15
وَ سَلٰمٌ عَلَیْهِ یَوْمَ وُلِدَ وَ یَوْمَ یَمُوْتُ وَ یَوْمَ یُبْعَثُ حَیًّا۠(۱۵)
اور سلامتی ہے اس پر جس دن پیدا ہوا اور جس دن مرے گا اورجس دن مردہ اٹھایا جائے گا (ف۲۲)

ثم قال بعد هذه الأوصاف الجميلة جزاء له على ذلك : ( وسلام عليه يوم ولد ويوم يموت ويوم يبعث حيا ) أي : له الأمان في هذه الثلاثة الأحوال .وقال سفيان بن عيينة : أوحش ما يكون الخلق في ثلاثة مواطن : يوم يولد ، فيرى نفسه خارجا مما كان فيه ، ويوم يموت فيرى قوما لم يكن عاينهم ، ويوم يبعث ، فيرى نفسه في محشر عظيم . قال : فأكرم الله فيها يحيى بن زكريا فخصه بالسلام عليه ، ( وسلام عليه يوم ولد ويوم يموت ويوم يبعث حيا ) رواه ابن جرير عن أحمد بن منصور المروزي عن صدقة بن الفضل عنه .وقال عبد الرزاق : أخبرنا معمر ، عن قتادة ، في قوله : ( جبارا عصيا ) ، قال : كان ابن المسيب يذكر ، قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم : " ما من أحد يلقى الله يوم القيامة إلا ذا ذنب ، إلا يحيى بن زكريا " . قال قتادة : ما أذنب ولا هم بامرأة . مرسلوقال محمد بن إسحاق ، عن يحيى بن سعيد ، عن سعيد بن المسيب ، حدثني ابن العاص أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " كل بني آدم يأتي يوم القيامة وله ذنب ، إلا ما كان من يحيى بن زكريا " ابن إسحاق هذا مدلس ، وقد عنعن هذا الحديث ، فالله أعلم .وقال الإمام أحمد : حدثنا عفان ، حدثنا حماد ، أخبرنا علي بن زيد ، عن يوسف بن مهران ، عن ابن عباس ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " ما من أحد من ولد آدم إلا وقد أخطأ ، أو هم بخطيئة ، ليس يحيى بن زكريا ، وما ينبغي لأحد أن يقول : أنا خير من يونس بن متى "وهذا أيضا ضعيف ; لأن علي بن زيد بن جدعان له منكرات كثيرة ، والله أعلم .وقال سعيد بن أبي عروبة ، عن قتادة : أن حسنا قال : إن يحيى وعيسى ، عليهما السلام ، التقيا ، فقال له عيسى : استغفر لي ، أنت خير مني ، فقال له الآخر : استغفر لي فأنت خير مني . فقال له عيسى : أنت خير مني ، سلمت على نفسي ، وسلم الله عليك ، فعرف والله فضلهما .
19:16
وَ اذْكُرْ فِی الْكِتٰبِ مَرْیَمَۘ-اِذِ انْتَبَذَتْ مِنْ اَهْلِهَا مَكَانًا شَرْقِیًّاۙ(۱۶)
اور کتاب میں مریم کو یاد کرو (ف۲۳) جب اپنے گھر والوں سے پورب کی طرف ایک جگہ الگ گئی (ف۲۴)

لما ذكر تعالى قصة زكريا ، عليه السلام ، وأنه أوجد منه ، في حال كبره وعقم زوجته - ولدا زكيا طاهرا مباركا - عطف بذكر قصة مريم في إيجاده ولدها عيسى ، عليهما السلام ، منها من غير أب ، فإن بين القصتين مناسبة ومشابهة ; ولهذا ذكرهما في آل عمران وهاهنا وفي سورة الأنبياء ، يقرن بين القصتين لتقارب ما بينهما في المعنى ، ليدل عباده على قدرته وعظمة سلطانه ، وأنه على ما يشاء قادر ، فقال : ( واذكر في الكتاب مريم ) وهي مريم بنت عمران ، من سلالة داود ، عليه السلام ، وكانت من بيت طاهر طيب في بني إسرائيل . وقد ذكر الله تعالى قصة ولادة أمها لها في " آل عمران " ، وأنها نذرتها محررة ، أي : تخدم مسجد بيت المقدس ، وكانوا يتقربون بذلك ، ( فتقبلها ربها بقبول حسن وأنبتها نباتا حسنا ) [ آل عمران : 37 ] ونشأت في بني إسرائيل نشأة عظيمة ، فكانت إحدى العابدات الناسكات المشهورات بالعبادة العظيمة والتبتل والدءوب ، وكانت في كفالة زوج أختها - وقيل : خالتها - زكريا نبي بني إسرائيل إذ ذاك وعظيمهم ، الذي يرجعون إليه في دينهم . ورأى لها زكريا من الكرامات الهائلة ما بهره ( كلما دخل عليها زكريا المحراب وجد عندها رزقا قال يا مريم أنى لك هذا قالت هو من عند الله إن الله يرزق من يشاء بغير حساب ) [ آل عمران : 37 ] فذكر أنه كان يجد عندها ثمر الشتاء في الصيف وثمر الصيف في الشتاء ، كما تقدم بيانه في " آل عمران " . فلما أراد الله تعالى - وله الحكمة والحجة البالغة - أن يوجد منها عبده ورسوله عيسى عليه السلام ، أحد الرسل أولي العزم الخمسة العظام ، ( انتبذت من أهلها مكانا شرقيا ) أي : اعتزلتهم وتنحت عنهم ، وذهبت إلى شرق المسجد المقدس .قال السدي : لحيض أصابها . وقيل لغير ذلك . قال أبو كدينة ، عن قابوس بن أبي ظبيان ، عن أبيه عن ابن عباس قال : إن أهل الكتاب كتب عليهم الصلاة إلى البيت والحج إليه ، وما صرفهم عنه إلا قيل ربك : ( انتبذت من أهلها مكانا شرقيا ) قال : خرجت مريم مكانا شرقيا ، فصلوا قبل مطلع الشمس . رواه ابن أبي حاتم ، وابن جرير .وقال ابن جرير أيضا : حدثنا إسحاق بن شاهين ، حدثنا خالد بن عبد الله ، عن داود ، عن عامر ، عن ابن عباس قال : إني لأعلم خلق الله ؛ لأي شيء اتخذت النصارى المشرق قبلة ; لقول الله تعالى ( انتبذت من أهلها مكانا شرقيا ) واتخذوا ميلاد عيسى قبلةوقال قتادة : ( مكانا شرقيا ) شاسعا متنحيا .وقال محمد بن إسحاق : ذهبت بقلتها تستقي من الماء .وقال نوف البكالي : اتخذت لها منزلا تتعبد فيه . فالله أعلم .
19:17
فَاتَّخَذَتْ مِنْ دُوْنِهِمْ حِجَابًا ﱏ فَاَرْسَلْنَاۤ اِلَیْهَا رُوْحَنَا فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَرًا سَوِیًّا(۱۷)
تو ان سے ادھر (ف۲۵) ایک پردہ کرلیا، تو اس کی طرف ہم نے اپنا روحانی (روح الامین) بھیجا (ف۲۶) وہ اس کے سامنے ایک تندرست آدمی کے روپ میں ظاہر ہوا،

وقوله : ( فاتخذت من دونهم حجابا ) أي : استترت منهم وتوارت ، فأرسل الله تعالى إليها جبريل عليه السلام ( فتمثل لها بشرا سويا ) أي : على صورة إنسان تام كامل .قال مجاهد ، والضحاك ، وقتادة ، وابن جريج ووهب بن منبه ، والسدي ، في قوله : ( فأرسلنا إليها روحنا ) يعني : جبريل ، عليه السلام .وهذا الذي قالوه هو ظاهر القرآن فإنه تعالى قد قال في الآية الأخرى : ( نزل به الروح الأمين على قلبك لتكون من المنذرين ) [ الشعراء : 193 ، 194 ] .وقال أبو جعفر الرازي ، عن الربيع بن أنس ، عن أبي العالية ، عن أبي بن كعب قال : إن روح عيسى ، عليه السلام ، من جملة الأرواح التي أخذ عليها العهد في زمان آدم ، وهو الذي تمثل لها بشرا سويا ، أي : روح عيسى ، فحملت الذي خاطبها ، وحل في فيها .وهذا في غاية الغرابة والنكارة ، وكأنه إسرائيلي .
19:18
قَالَتْ اِنِّیْۤ اَعُوْذُ بِالرَّحْمٰنِ مِنْكَ اِنْ كُنْتَ تَقِیًّا(۱۸)
بولی میں تجھ سے رحمان کی پناہ مانگتی ہوں اگر تجھے خدا کا ڈر ہے،

( قالت إني أعوذ بالرحمن منك إن كنت تقيا ) أي : لما تبدى لها الملك في صورة بشر ، وهي في مكان منفرد وبينها وبين قومها حجاب ، خافته وظنت أنه يريدها على نفسها ، فقالت : ( إني أعوذ بالرحمن منك إن كنت تقيا ) أي : إن كنت تخاف الله . تذكير له بالله ، وهذا هو المشروع في الدفع أن يكون بالأسهل فالأسهل ، فخوفته أولا بالله ، عز وجل .قال ابن جرير : حدثني أبو كريب ، حدثنا أبو بكر ، عن عاصم قال : قال أبو وائل - وذكر قصة مريم - فقال : قد علمت أن التقي ذو نهية حين قالت : ( إني أعوذ بالرحمن منك إن كنت تقيا قال إنما أنا رسول ربك ) أي : فقال لها الملك مجيبا لها ومزيلا ما حصل عندها من الخوف على نفسها : لست مما تظنين ، ولكني رسول ربك ، أي : بعثني إليك ، ويقال : إنها لما ذكرت الرحمن انتفض جبريل فرقا وعاد إلى هيئته
19:19
قَالَ اِنَّمَاۤ اَنَا رَسُوْلُ رَبِّكِ ﳓ لِاَهَبَ لَكِ غُلٰمًا زَكِیًّا(۱۹)
بولا میں تیرے رب کا بھیجا ہوا ہوں، کہ میں تجھے ایک ستھرا بیٹا دوں،

وقال : " إنما أنا رسول ربك ليهب لك غلاما زكيا " .هكذا قرأ أبو عمرو بن العلاء أحد مشهوري القراء . وقرأ الآخرون : ( لأهب لك غلاما زكيا ) وكلا القراءتين له وجه حسن ، ومعنى صحيح ، وكل تستلزم الأخرى .
19:20
قَالَتْ اَنّٰى یَكُوْنُ لِیْ غُلٰمٌ وَّ لَمْ یَمْسَسْنِیْ بَشَرٌ وَّ لَمْ اَكُ بَغِیًّا(۲۰)
بولی میرے لڑکا کہاں سے ہوگا مجھے تو کسی آدمی نے ہاتھ نہ لگایا نہ میں بدکار ہوں،

( قالت أنى يكون لي غلام ولم يمسسني بشر ولم أك بغيا ) أي : فتعجبت مريم من هذا وقالت : كيف يكون لي غلام ؟ أي : على أي صفة يوجد هذا الغلام مني ، ولست بذات زوج ، ولا يتصور مني الفجور ; ولهذا قالت : ( ولم يمسسني بشر ولم أك بغيا ) والبغي : هي الزانية; ولهذا جاء في الحديث : نهي عن مهر البغي .
19:21
قَالَ كَذٰلِكِۚ-قَالَ رَبُّكِ هُوَ عَلَیَّ هَیِّنٌۚ-وَ لِنَجْعَلَهٗۤ اٰیَةً لِّلنَّاسِ وَ رَحْمَةً مِّنَّاۚ-وَ كَانَ اَمْرًا مَّقْضِیًّا(۲۱)
کہا یونہی ہے (ف۲۷) تیرے رب نے فرمایا ہے کہ یہ (ف۲۸) مجھے آسان ہے، اور اس لیے کہ ہم اسے لوگوں کے واسطے نشانی (ف۲۹) کریں اور اپنی طرف سے ایک رحمت (ف۳۰) اور یہ کام ٹھہرچکا ہے (ف۳۱)

( قال كذلك قال ربك هو علي هين ) أي : فقال لها الملك مجيبا لها عما سألت : إن الله قد قال : إنه سيوجد منك غلاما ، وإن لم يكن لك بعل ولا توجد منك فاحشة ، فإنه على ما يشاء قادر ; ولهذا قال : ( ولنجعله آية للناس ) أي : دلالة وعلامة للناس على قدرة بارئهم وخالقهم ، الذي نوع في خلقهم ، فخلق أباهم آدم من غير ذكر ولا أنثى ، وخلق حواء من ذكر بلا أنثى ، وخلق بقية الذرية من ذكر وأنثى ، إلا عيسى فإنه أوجده من أنثى بلا ذكر ، فتمت القسمة الرباعية الدالة على كمال قدرته وعظيم سلطانه فلا إله غيره ولا رب سواه .وقوله : ( ورحمة منا ) أي ونجعل هذا الغلام رحمة من الله نبيا من الأنبياء يدعو إلى عبادة الله تعالى وتوحيده ، كما قال تعالى في الآية الأخرى : ( إذ قالت الملائكة يا مريم إن الله يبشرك بكلمة منه اسمه المسيح عيسى ابن مريم وجيها في الدنيا والآخرة ومن المقربين ويكلم الناس في المهد وكهلا ومن الصالحين ) [ آل عمران : 45 ، 46 ] أي : يدعو إلى عبادة الله ربه في مهده وكهولته .قال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي ، حدثنا عبد الرحيم بن إبراهيم - دحيم - حدثنا مروان ، حدثنا العلاء بن الحارث الكوفي ، عن مجاهد قال : قالت مريم ، عليها السلام : كنت إذا خلوت حدثني عيسى وكلمني وهو في بطني وإذا كنت مع الناس سبح في بطني وكبر .وقوله : ( وكان أمرا مقضيا ) يحتمل أن هذا من كلام جبريل لمريم ، يخبرها أن هذا أمر مقدر في علم الله تعالى وقدره ومشيئته . ويحتمل أن يكون من خبر الله تعالى لرسوله محمد صلى الله عليه وسلم وأنه كنى بهذا عن النفخ في فرجها ، كما قال تعالى : ( ومريم ابنة عمران التي أحصنت فرجها فنفخنا فيه من روحنا ) [ التحريم : 12 ] وقال ( والتي أحصنت فرجها فنفخنا فيها من روحنا ) [ الأنبياء : 91 ]قال محمد بن إسحاق : ( وكان أمرا مقضيا ) أي : أن الله قد عزم على هذا ، فليس منه بد ، واختار هذا أيضا ابن جرير في تفسيره ، ولم يحك غيره ، والله أعلم .
19:22
فَحَمَلَتْهُ فَانْتَبَذَتْ بِهٖ مَكَانًا قَصِیًّا(۲۲)
اب مریم نے اسے پیٹ میں لیا پھر اسے لیے ہوئے ایک دور جگہ چلی گئی (ف۳۲)

يقول تعالى مخبرا عن مريم أنها لما قال لها جبريل عن الله تعالى ما قال : إنها استسلمت لقضاء الله تعالى فذكر غير واحد من علماء السلف أن الملك - وهو جبريل عليه السلام - عند ذلك نفخ في جيب درعها ، فنزلت النفخة حتى ولجت في الفرج ، فحملت بالولد بإذن الله تعالى . فلما حملت به ضاقت ذرعا به ولم تدر ماذا تقول للناس ، فإنها تعلم أن الناس لا يصدقونها فيما تخبرهم به ، غير أنها أفشت سرها وذكرت أمرها لأختها امرأة زكريا . وذلك أن زكريا عليه السلام ، كان قد سأل الله الولد ، فأجيب إلى ذلك ، فحملت امرأته ، فدخلت عليها مريم فقامت إليها فاعتنقتها ، وقالت : أشعرت يا مريم أني حبلى ؟ فقالت لها مريم : وهل علمت أيضا أني حبلى ؟ وذكرت لها شأنها وما كان من خبرها وكانوا بيت إيمان وتصديق ، ثم كانت امرأة زكريا بعد ذلك إذا واجهت مريم تجد الذي في جوفها يسجد للذي في بطن مريم ، أي : يعظمه ويخضع له ، فإن السجود كان في ملتهم عند السلام مشروعا ، كما سجد ليوسف أبواه وإخوته ، وكما أمر الله الملائكة أن تسجد لآدم ، عليه السلام ، ولكن حرم في ملتنا هذه تكميلا لتعظيم جلال الرب تعالى .قال ابن أبي حاتم : حدثنا علي بن الحسين قال : قرئ على الحارث بن مسكين وأنا أسمع ، قال : أخبرنا عبد الرحمن بن القاسم قال : قال مالك رحمه الله : بلغني أن عيسى ابن مريم ويحيى بن زكريا ابنا خالة ، وكان حملهما جميعا معا ، فبلغني أن أم يحيى قالت لمريم : إني أرى أن ما في بطني يسجد لما في بطنك . قال مالك : أرى ذلك لتفضيل عيسى عليه السلام; لأن الله جعله يحيي الموتى ويبرئ الأكمه والأبرص .ثم اختلف المفسرون في مدة حمل عيسى عليه السلام فالمشهور عن الجمهور أنها حملت به تسعة أشهر . وقال عكرمة : ثمانية أشهر - قال : ولهذا لا يعيش ولد لثمانية أشهر .وقال ابن جريج : أخبرني المغيرة بن عثمان بن عبد الله الثقفي ، سمع ابن عباس وسئل عن حبل مريم ، قال : لم يكن إلا أن حملت فوضعت .وهذا غريب ، وكأنه أخذه من ظاهر قوله تعالى : ( فحملته فانتبذت به مكانا قصيا فأجاءها المخاض إلى جذع النخلة ) فالفاء وإن كانت للتعقيب ، ولكن تعقيب كل شيء بحسبه ، كما قال تعالى : ( ولقد خلقنا الإنسان من سلالة من طين ثم جعلناه نطفة في قرار مكين ثم خلقنا النطفة علقة فخلقنا العلقة مضغة فخلقنا المضغة عظاما ) [ المؤمنون : 12 - 14 ] فهذه الفاء للتعقيب بحسبها . وقد ثبت في الصحيحين : أن بين كل صفتين أربعين يوما وقال تعالى : ( ألم تر أن الله أنزل من السماء ماء فتصبح الأرض مخضرة ) [ الحج : 63 ] فالمشهور الظاهر - والله على كل شيء قدير - أنها حملت به كما تحمل النساء بأولادهن; ولهذا لما ظهرت مخايل الحمل عليها وكان معها في المسجد رجل صالح من قراباتها يخدم معها البيت المقدس ، يقال له : يوسف النجار ، فلما رأى ثقل بطنها وكبره ، أنكر ذلك من أمرها ، ثم صرفه ما يعلم من براءتها ونزاهتها ودينها وعبادتها ، ثم تأمل ما هي فيه ، فجعل أمرها يجوس في فكره ، لا يستطيع صرفه عن نفسه ، فحمل نفسه على أن عرض لها في القول ، فقال : يا مريم ، إني سائلك عن أمر فلا تعجلي علي . قالت : وما هو ؟ قال : هل يكون قط شجر من غير حب ؟ وهل يكون زرع من غير بذر ؟ وهل يكون ولد من غير أب ؟ فقالت : نعم - فهمت ما أشار إليه - أما قولك : " هل يكون شجر من غير حب وزرع من غير بذر ؟ " فإن الله قد خلق الشجر والزرع أول ما خلقهما من غير حب ، ولا بذر " وهل خلق يكون من غير أب ؟ " فإن الله قد خلق آدم من غير أب ولا أم . فصدقها ، وسلم لها حالها .ولما استشعرت مريم من قومها اتهامها بالريبة ، انتبذت منهم مكانا قصيا ، أي : قاصيا منهم بعيدا عنهم; لئلا تراهم ولا يروها .قال محمد بن إسحاق : فلما حملت به وملأت قلتها ورجعت ، استمسك عنها الدم وأصابها ما يصيب الحامل على الولد من الوصب والترحم وتغير اللون ، حتى فطر لسانها ، فما دخل على أهل بيت ما دخل على آل زكريا ، وشاع الحديث في بني إسرائيل ، فقالوا : " إنما صاحبها يوسف " ، ولم يكن معها في الكنيسة غيره ، وتوارت من الناس ، واتخذت من دونهم حجابا ، فلا يراها أحد ولا تراه .
19:23
فَاَجَآءَهَا الْمَخَاضُ اِلٰى جِذْعِ النَّخْلَةِۚ-قَالَتْ یٰلَیْتَنِیْ مِتُّ قَبْلَ هٰذَا وَ كُنْتُ نَسْیًا مَّنْسِیًّا(۲۳)
پھر اسے جننے کا درد ایک کھجور کی جڑ میں لے آیا (ف۳۳) بولی ہائے کسی طرح میں اس سے پہلے مرگئی ہوتی اور بھولی بسری ہوجاتی،

وقوله : ( فأجاءها المخاض إلى جذع النخلة ) أي : فاضطرها وألجأها الطلق إلى جذع النخلة وهي نخلة في المكان الذي تنحت إليه .وقد اختلفوا فيه ، فقال السدي : كان شرقي محرابها الذي تصلي فيه من بيت المقدس .وقال وهب بن منبه : ذهبت هاربة ، فلما كانت بين الشام وبلاد مصر ، ضربها الطلق . وفي رواية عن وهب : كان ذلك على ثمانية أميال من بيت المقدس ، في قرية هناك يقال لها : " بيت لحم " .قلت : وقد تقدم في حديث الإسراء ، من رواية النسائي عن أنس ، رضي الله عنه ، والبيهقي عن شداد بن أوس ، رضي الله عنه : أن ذلك ببيت لحم ، فالله أعلم ، وهذا هو المشهور الذي تلقاه الناس بعضهم عن بعض ، ولا يشك فيه النصارى أنه ببيت لحم ، وقد تلقاه الناس . وقد ورد به الحديث إن صح .وقوله تعالى إخبارا عنها : ( قالت ياليتني مت قبل هذا وكنت نسيا منسيا ) فيه دليل على جواز تمني الموت عند الفتنة ، فإنها عرفت أنها ستبتلى وتمتحن بهذا المولود الذي لا يحمل الناس أمرها فيه على السداد ، ولا يصدقونها في خبرها ، وبعدما كانت عندهم عابدة ناسكة ، تصبح عندهم فيما يظنون عاهرة زانية ، فقالت : ( يا ليتني مت قبل هذا ) أي قبل هذا الحال ، ( وكنت نسيا منسيا ) أي لم أخلق ولم أك شيئا . قاله ابن عباس .وقال السدي : قالت وهي تطلق من الحبل - استحياء من الناس : يا ليتني مت قبل هذا الكرب الذي أنا فيه ، والحزن بولادتي المولود من غير بعل ( وكنت نسيا منسيا ) نسي فترك طلبه ، كخرق الحيض إذا ألقيت وطرحت لم تطلب ولم تذكر . وكذلك كل شيء نسي وترك فهو نسي .وقال قتادة : ( وكنت نسيا منسيا ) أي : شيئا لا يعرف ، ولا يذكر ، ولا يدرى من أنا .وقال الربيع بن أنس : ( وكنت نسيا منسيا ) وهو السقط .وقال ابن زيد : لم أكن شيئا قط .وقد قدمنا الأحاديث الدالة على النهي عن تمني الموت إلا عند الفتنة ، عند قوله : ( توفني مسلما وألحقني بالصالحين ) [ يوسف : 101 ]
19:24
فَنَادٰىهَا مِنْ تَحْتِهَاۤ اَلَّا تَحْزَنِیْ قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِیًّا(۲۴)
تو اسے (ف۳۴) اس کے تلے سے پکارا کہ غم نہ کھا (ف۳۵) بیشک تیرے رب نے نیچے ایک نہر بہادی ہے (ف۳۶)

قرأ بعضهم ) من تحتها ) بمعنى الذي تحتها . وقرأ آخرون : ( من تحتها ) على أنه حرف جر .واختلف المفسرون في المراد بذلك من هو ؟ فقال العوفي وغيره ، عن ابن عباس : ( فناداها من تحتها ) جبريل ، ولم يتكلم عيسى حتى أتت به قومها ، وكذا قال سعيد بن جبير ، والضحاك ، وعمرو بن ميمون ، والسدي ، وقتادة : إنه الملك جبريل عليه الصلاة والسلام ، أي : ناداها من أسفل الوادي .وقال مجاهد : ( فناداها من تحتها ) قال : عيسى ابن مريم ، وكذا قال عبد الرزاق ، عن معمر ، عن قتادة قال : قال الحسن : هو ابنها . وهو إحدى الروايتين عن سعيد بن جبير : أنه ابنها ، قال : أولم تسمع الله يقول : ( فأشارت إليه ) [ مريم : 29 ] ؟ واختاره ابن زيد ، وابن جرير في تفسيرهوقوله : ( ألا تحزني ) أي : ناداها قائلا لا تحزني ، ( قد جعل ربك تحتك سريا ) قال سفيان الثوري وشعبة ، عن أبي إسحاق ، عن البراء بن عازب : ( قد جعل ربك تحتك سريا ) قال : الجدول . وكذا قال علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس : السري : النهر . وبه قال عمرو بن ميمون : نهر تشرب منه .وقال مجاهد : هو النهر بالسريانية .وقال سعيد بن جبير : السري : النهر الصغير بالنبطية .وقال الضحاك : هو النهر الصغير بالسريانية .وقال إبراهيم النخعي : هو النهر الصغير .وقال قتادة : هو الجدول بلغة أهل الحجاز .وقال وهب بن منبه : السري : هو ربيع الماء .وقال السدي : هو النهر ، واختار هذا القول ابن جرير . وقد ورد في ذلك حديث مرفوع ، فقال الطبراني :حدثنا أبو شعيب الحراني : حدثنا يحيى بن عبد الله البابلتي حدثنا أيوب بن نهيك ، سمعت عكرمة مولى ابن عباس يقول : سمعت ابن عمر يقول : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " إن السري الذي قال الله لمريم : ( قد جعل ربك تحتك سريا ) نهر أخرجه الله لتشرب منه " وهذا حديث غريب جدا من هذا الوجه . وأيوب بن نهيك هذا هو الحبلي قال فيه أبو حاتم الرازي : ضعيف . وقال أبو زرعة : منكر الحديث . وقال أبو الفتح الأزدي : متروك الحديث .وقال آخرون : المراد بالسري : عيسى ، عليه السلام ، وبه قال الحسن ، والربيع بن أنس ، ومحمد بن عباد بن جعفر . وهو إحدى الروايتين عن قتادة ، وقول عبد الرحمن بن زيد بن أسلم ، والقول الأول أظهر ; ولهذا قال بعده :
19:25
وَ هُزِّیْۤ اِلَیْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسٰقِطْ عَلَیْكِ رُطَبًا جَنِیًّا٘(۲۵)
اور کھجور کی جڑ پکڑ کر اپنی طرف ہلا تجھ پر تازی پکی کھجوریں گریں گی (ف۳۷)

( وهزي إليك بجذع النخلة ) أي : وخذي إليك بجذع النخلة . قيل : كانت يابسة ، قاله ابن عباس . وقيل : مثمرة . قال مجاهد : كانت عجوة . وقال الثوري ، عن أبي داود نفيع الأعمى : كانت صرفانةوالظاهر أنها كانت شجرة ، ولكن لم تكن في إبان ثمرها ، قاله وهب بن منبه ; ولهذا امتن عليها بذلك ، أن جعل عندها طعاما وشرابا ، فقال : ( تساقط عليك رطبا جنيا)
19:26
فَكُلِیْ وَ اشْرَبِیْ وَ قَرِّیْ عَیْنًاۚ-فَاِمَّا تَرَیِنَّ مِنَ الْبَشَرِ اَحَدًاۙ-فَقُوْلِیْۤ اِنِّیْ نَذَرْتُ لِلرَّحْمٰنِ صَوْمًا فَلَنْ اُكَلِّمَ الْیَوْمَ اِنْسِیًّاۚ(۲۶)
تو کھا اور پی اور آنکھ ٹھنڈی رکھ (ف۳۸) پھر اگر تو کسی آدمی کو دیکھے (ف۳۹) تو کہہ دینا میں نے آج رحمان کا روزہ مانا ہے تو آج ہرگز کسی آدمی سے بات نہ کرو ں گی (ف۴۰)

( فكلي واشربي وقري عينا ) أي : طيبي نفسا; ولهذا قال عمرو بن ميمون : ما من شيء خير للنفساء من التمر والرطب ، ثم تلا هذه الآية الكريمة .وقال ابن أبي حاتم : حدثنا علي بن الحسين ، حدثنا شيبان ، حدثنا مسرور بن سعيد التميمي حدثنا عبد الرحمن بن عمرو الأوزاعي ، عن عروة بن رويم ، عن علي بن أبي طالب قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أكرموا عمتكم النخلة ، فإنها خلقت من الطين الذي خلق منه آدم عليه السلام ، وليس من الشجر شيء يلقح غيرها " . وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أطعموا نساءكم الولد الرطب ، فإن لم يكن رطب فتمر ، وليس من الشجرة شجرة أكرم على الله من شجرة نزلت تحتها مريم بنت عمران " .هذا حديث منكر جدا ، ورواه أبو يعلى ، عن شيبان ، بهوقرأ بعضهم قوله : " تساقط " بتشديد السين ، وآخرون بتخفيفها ، وقرأ أبو نهيك : ( تساقط عليك رطبا جنيا ) وروى أبو إسحاق عن البراء : أنه قرأها : " تساقط " أي : الجذع . والكل متقارب .وقوله : ( فإما ترين من البشر أحدا ) أي : مهما رأيت من أحد ، ( فقولي إني نذرت للرحمن صوما فلن أكلم اليوم إنسيا ) المراد بهذا القول : الإشارة إليه بذلك . لا أن المراد به القول اللفظي ; لئلا ينافي : ( فلن أكلم اليوم إنسيا )قال أنس بن مالك في قوله : ( إني نذرت للرحمن صوما ) أي : صمتا وكذا قال ابن عباس ، والضحاك . وفي رواية عن أنس : " صوما وصمتا " ، وكذا قال قتادة وغيرهما .والمراد أنهم كانوا إذا صاموا في شريعتهم يحرم عليهم الطعام والكلام ، نص على ذلك السدي ، وقتادة ، وعبد الرحمن بن زيد .وقال أبو إسحاق ، عن حارثة قال : كنت عند ابن مسعود ، فجاء رجلان فسلم أحدهما ولم يسلم الآخر ، فقال : ما شأنك ؟ قال أصحابه : حلف ألا يكلم الناس اليوم . فقال عبد الله بن مسعود : كلم الناس وسلم عليهم ، فإنما تلك امرأة علمت أن أحدا لا يصدقها أنها حملت من غير زوج . يعني بذلك مريم ، عليها السلام; ليكون عذرا لها إذا سئلت . ورواه ابن أبي حاتم ، وابن جرير ، رحمهما الله .وقال عبد الرحمن بن زيد : لما قال عيسى لمريم : ( ألا تحزني ) قالت : وكيف لا أحزن وأنت معي ؟ ! لا ذات زوج ولا مملوكة ، أي شيء عذري عند الناس ؟ يا ليتني مت قبل هذا وكنت نسيا منسيا ، قال لها عيسى : أنا أكفيك الكلام : ( فإما ترين من البشر أحدا فقولي إني نذرت للرحمن صوما فلن أكلم اليوم إنسيا ) قال : هذا كله من كلام عيسى لأمه . وكذا قال وهب .
19:27
فَاَتَتْ بِهٖ قَوْمَهَا تَحْمِلُهٗؕ-قَالُوْا یٰمَرْیَمُ لَقَدْ جِئْتِ شَیْــٴًـا فَرِیًّا(۲۷)
تو اسے گود میں لے اپنی قوم کے پاس آئی (ف۴۱) بولے اے مریم! بیشک تو نے بہت بری بات کی،

يقول تعالى مخبرا عن مريم حين أمرت أن تصوم يومها ذلك ، وألا تكلم أحدا من البشر فإنها ستكفى أمرها ويقام بحجتها فسلمت لأمر الله - عز وجل - واستسلمت لقضائه ، وأخذت ولدها ( فأتت به قومها تحمله ) فلما رأوها كذلك ، أعظموا أمرها واستنكروه جدا ، وقالوا : ( يا مريم لقد جئت شيئا فريا ) أي : أمرا عظيما . قاله مجاهد ، وقتادة والسدي ، وغير واحد .وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي ، حدثنا عبد الله بن أبي زياد ، حدثنا سيار حدثنا جعفر بن سليمان ، حدثنا أبو عمران الجوني ، عن نوف البكالي قال : وخرج قومها في طلبها ، وكانت من أهل بيت نبوة وشرف . فلم يحسوا منها شيئا ، فرأوا راعي بقر فقالوا : رأيت فتاة كذا وكذا نعتها ؟ قال : لا ولكني رأيت الليلة من بقري ما لم أره منها قط . قالوا : وما رأيت ؟ قال : رأيتها سجدا نحو هذا الوادي . قال عبد الله بن أبي زياد : وأحفظ عن سيار أنه قال : رأيت نورا ساطعا . فتوجهوا حيث قال لهم ، فاستقبلتهم مريم ، فلما رأتهم قعدت وحملت ابنها في حجرها ، فجاءوا حتى قاموا عليها ، ( قالوا يا مريم لقد جئت شيئا فريا ) أمرا عظيما .
19:28
یٰۤاُخْتَ هٰرُوْنَ مَا كَانَ اَبُوْكِ امْرَاَ سَوْءٍ وَّ مَا كَانَتْ اُمُّكِ بَغِیًّاۖۚ(۲۸)
اے ہارون کی بہن (ف۴۲) تیرا باپ (ف۴۳) برا آدمی نہ تھا اور نہ تیری ماں (ف۴۴) بدکار،

( يا أخت هارون ) أي : يا شبيهة هارون في العبادة ( ما كان أبوك امرأ سوء وما كانت أمك بغيا ) أي : أنت من بيت طيب طاهر ، معروف بالصلاح والعبادة والزهادة ، فكيف صدر هذا منك ؟قال علي بن أبي طلحة ، والسدي : قيل لها : ( يا أخت هارون ) أي : أخي موسى ، وكانت من نسله كما يقال للتميمي : يا أخا تميم ، وللمضري : يا أخا مضر .وقيل : نسبت إلى رجل صالح كان فيهم اسمه هارون ، فكانت تقاس به في العبادة ، والزهادة .وحكى ابن جرير عن بعضهم : أنهم شبهوها برجل فاجر كان فيهم . يقال له : هارون . ورواه ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير .وأغرب من هذا كله ما رواه ابن أبي حاتم .حدثنا علي بن الحسين الهسنجاني حدثنا ابن أبي مريم ، حدثنا المفضل بن فضالة ، حدثنا أبو صخر ، عن القرظي في قول الله عز وجل : ( يا أخت هارون ) قال : هي أخت هارون لأبيه وأمه ، وهي أخت موسى أخي هارون التي قصت أثر موسى ، ( فبصرت به عن جنب وهم لا يشعرون ) [ القصص : 11 ]وهذا القول خطأ محض ، فإن الله تعالى قد ذكر في كتابه أنه قفى بعيسى بعد الرسل ، فدل على أنه آخر الأنبياء بعثا وليس بعده إلا محمد صلوات الله وسلامه عليه ; ولهذا ثبت في الصحيح عند البخاري ، عن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " أنا أولى الناس بابن مريم ; إلا أنه ليس بيني وبينه نبي " ولو كان الأمر كما زعم محمد بن كعب القرظي ، لم يكن متأخرا عن الرسل سوى محمد . ولكان قبل سليمان وداود ; فإن الله قد ذكر أن داود بعد موسى ، عليهما السلام في قوله تعالى : ( ألم تر إلى الملأ من بني إسرائيل من بعد موسى إذ قالوا لنبي لهم ابعث لنا ملكا نقاتل في سبيل الله قال هل عسيتم إن كتب عليكم القتال ألا تقاتلوا قالوا وما لنا ألا نقاتل في سبيل الله ) [ البقرة : 246 ] فذكر القصة إلى أن قال : ( وقتل داود جالوت ) الآية [ البقرة : 251 ] ، والذي جرأ القرظي على هذه المقالة ما في التوراة بعد خروج موسى وبني إسرائيل من البحر ، وإغراق فرعون وقومه ، قال : وكانت مريم بنت عمران أخت موسى وهارون النبيين ، تضرب بالدف هي والنساء معها يسبحن الله ويشكرنه على ما أنعم به على بني إسرائيل ، فاعتقد القرظي أن هذه هي أم عيسى . وهي هفوة وغلطة شديدة ، بل هي باسم هذه ، وقد كانوا يسمون بأسماء أنبيائهم وصالحيهم ، كما قال الإمام أحمد :حدثنا عبد الله بن إدريس ، سمعت أبي يذكره عن سماك ، عن علقمة بن وائل ، عن المغيرة بن شعبة قال : بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى نجران فقالوا : أرأيت ما تقرءون : ( يا أخت هارون ) ، وموسى قبل عيسى بكذا وكذا ؟ قال : فرجعت فذكرت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : " ألا أخبرتهم أنهم كانوا يتسمون بالأنبياء والصالحين قبلهم ؟ " .انفرد بإخراجه مسلم ، والترمذي ، والنسائي ، من حديث عبد الله بن إدريس ، عن أبيه ، عن سماك ، به ، وقال الترمذي : حسن صحيح غريب ، لا نعرفه إلا من حديث ابن إدريس .وقال ابن جرير : حدثني يعقوب ، حدثنا ابن علية ، عن سعيد بن أبي صدقة ، عن محمد بن سيرين قال نبئت أن كعبا قال : إن قوله : ( يا أخت هارون ) : ليس بهارون أخي موسى . قال : فقالت له عائشة : كذبت ، قال : يا أم المؤمنين ، إن كان النبي صلى الله عليه وسلم قاله ، فهو أعلم وأخبر ، وإلا فإني أجد بينهما ستمائة سنة . قال : فسكتت وفي هذا التاريخ نظر .وقال ابن جرير أيضا : حدثنا بشر ، حدثنا يزيد ، حدثنا سعيد ، عن قتادة قوله : ( يا أخت هارون ما كان أبوك امرأ سوء وما كانت أمك بغيا ) قال : كانت من أهل بيت يعرفون بالصلاح ، ولا يعرفون بالفساد ، ومن الناس من يعرفون بالصلاح ويتوالدون به ، وآخرون يعرفون بالفساد ويتوالدون به . وكان هارون مصلحا محببا ، في عشيرته ، وليس بهارون أخي موسى ، ولكنه هارون آخر ، قال : وذكر لنا أنه شيع جنازته يوم مات أربعون ألفا ، كلهم يسمى هارون ، من بني إسرائيل .
19:29
فَاَشَارَتْ اِلَیْهِؕ-قَالُوْا كَیْفَ نُكَلِّمُ مَنْ كَانَ فِی الْمَهْدِ صَبِیًّا(۲۹)
اس پر مریم نے بچے کی طرف اشارہ کیا (ف۴۵) وہ بولے ہم کیسے بات کریں اس سے جو پالنے میں بچہ ہے (ف۴۶)

وقوله : ( فأشارت إليه قالوا كيف نكلم من كان في المهد صبيا ) أي : إنهم لما استرابوا في أمرها واستنكروا قضيتها ، وقالوا لها ما قالوا معرضين بقذفها ورميها بالفرية ، وقد كانت يومها ذلك صائمة ، صامتة فأحالت الكلام عليه ، وأشارت لهم إلى خطابه وكلامه ، فقالوا متهكمين بها ، ظانين أنها تزدري بهم وتلعب بهم : ( كيف نكلم من كان في المهد صبيا )قال ميمون بن مهران : ( فأشارت إليه ) ، قالت : كلموه . فقالوا : على ما جاءت به من الداهية تأمرنا أن نكلم من كان في المهد صبيا!وقال السدي : لما أشارت إليه غضبوا ، وقالوا : لسخريتها بنا حين تأمرنا أن نكلم هذا الصبي أشد علينا من زناها .( قالوا كيف نكلم من كان في المهد صبيا ) أي : من هو موجود في مهده في حال صباه وصغره ، كيف يتكلم ؟
19:30
قَالَ اِنِّیْ عَبْدُ اللّٰهِ ﳴ اٰتٰىنِیَ الْكِتٰبَ وَ جَعَلَنِیْ نَبِیًّاۙ(۳۰)
بچہ نے فرمایا میں اللہ کا بندہ (ف۴۷) اس نے مجھے کتاب دی اور مجھے غیب کی خبریں بتانے والا (نبی) کیا (ف۴۸)

قال : ( إني عبد الله ) أول شيء تكلم به أن نزه جناب ربه تعالى وبرأ الله عن الولد ، وأثبت لنفسه العبودية لربه .وقوله : ( آتاني الكتاب وجعلني نبيا ) : تبرئة لأمه مما نسبت إليه من الفاحشة .قال نوف البكالي : لما قالوا لأمه ما قالوا ، كان يرتضع ثديه ، فنزع الثدي من فمه ، واتكأ على جنبه الأيسر ، وقال : ( إني عبد الله آتاني الكتاب وجعلني نبيا ) إلى قوله : ( ما دمت حيا )وقال حماد بن سلمة ، عن ثابت البناني : رفع إصبعه السبابة فوق منكبه ، وهو يقول : ( إني عبد الله آتاني الكتاب وجعلني نبيا ) الآية .وقال عكرمة : ( آتاني الكتاب ) أي : قضى أنه يؤتيني الكتاب فيما قضى .وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي ، حدثنا محمد بن المصفى ، حدثنا يحيى بن سعيد عن عبد العزيز بن زياد ، عن أنس بن مالك - رضي الله عنه - قال : كان عيسى ابن مريم قد درس الإنجيل وأحكمه في بطن أمه فذلك قوله : ( إني عبد الله آتاني الكتاب وجعلني نبيا ) .يحيى بن سعيد العطار الحمصي : متروك .
19:31
وَّ جَعَلَنِیْ مُبٰرَكًا اَیْنَ مَا كُنْتُ۪-وَ اَوْصٰنِیْ بِالصَّلٰوةِ وَ الزَّكٰوةِ مَا دُمْتُ حَیًّاﳚ(۳۱)
اور اس نے مجھے مبارک کیا (ف۴۹) میں کہیں ہوں اور مجھے نماز و زکوٰة کی تاکید فرمائی جب تک جیوں،

وقوله : ( وجعلني مباركا أين ما كنت ) قال مجاهد ، وعمرو بن قيس ، والثوري : وجعلني معلما للخير . وفي رواية عن مجاهد : نفاعا .وقال ابن جرير : حدثني سليمان بن عبد الجبار ، حدثنا محمد بن يزيد بن خنيس المخزومي ، سمعت وهيب بن الورد مولى بني مخزوم قال : لقي عالم عالما هو فوقه في العلم ، فقال له : يرحمك الله ، ما الذي أعلن من عملي ؟ قال : الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر; فإنه دين الله الذي بعث به أنبياءه إلى عباده ، وقد أجمع الفقهاء على قول الله : (وجعلني مباركا أين ما كنت ) ، وقيل : ما بركته ؟ قال : الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، أينما كان .وقوله : ( وأوصاني بالصلاة والزكاة ما دمت حيا ) كقوله تعالى لمحمد صلى الله عليه وسلم : ( واعبد ربك حتى يأتيك اليقين ) [ الحجر : 99 ] .وقال عبد الرحمن بن القاسم ، عن مالك بن أنس في قوله : ( وأوصاني بالصلاة والزكاة ما دمت حيا ) قال : أخبره بما هو كائن من أمره إلى أن يموت ، ما أثبتها لأهل القدر .
19:32
وَّ بَرًّۢا بِوَالِدَتِیْ٘-وَ لَمْ یَجْعَلْنِیْ جَبَّارًا شَقِیًّا(۳۲)
اور اپنی ماں سے اچھا سلوک کرنے والا (ف۵۰) اور مجھے زبردست بدبخت نہ کیا،

وقوله : ( وبرا بوالدتي ) أي : وأمرني ببر والدتي ، ذكره بعد طاعة الله ربه ; لأن الله تعالى كثيرا ما يقرن بين الأمر بعبادته وطاعة الوالدين ، كما قال تعالى : ( وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانا ) [ الإسراء : 23 ] وقال ( أن اشكر لي ولوالديك إلي المصير ) [ لقمان : 14 ] .وقوله : ( ولم يجعلني جبارا شقيا ) أي : ولم يجعلني جبارا مستكبرا عن عبادته وطاعته وبر والدتي ، فأشقى بذلك .قال سفيان الثوري : الجبار الشقي : الذي يقبل على الغضب .وقال بعض السلف : لا تجد أحدا عاقا لوالديه إلا وجدته جبارا شقيا ، ثم قرأ : ( وبرا بوالدتي ولم يجعلني جبارا شقيا ) ، قال : ولا تجد سيئ الملكة إلا وجدته مختالا فخورا ، ثم قرأ : ( وما ملكت أيمانكم إن الله لا يحب من كان مختالا فخورا ) [ النساء : 36 ]وقال قتادة : ذكر لنا أن امرأة رأت ابن مريم يحيي الموتى ويبرئ الأكمه والأبرص ، في آيات سلطه الله عليهن ، وأذن له فيهن ، فقالت : طوبى للبطن الذي حملك وللثدي الذي أرضعت به ، فقال نبي الله عيسى ، عليه السلام ، يجيبها : طوبى لمن تلا كلام الله ، فاتبع ما فيه ولم يكن جبارا شقيا .
19:33
وَ السَّلٰمُ عَلَیَّ یَوْمَ وُلِدْتُّ وَ یَوْمَ اَمُوْتُ وَ یَوْمَ اُبْعَثُ حَیًّا(۳۳)
اور وہی سلامتی مجھ پر (ف۵۱) جس دن میں پیدا ہوا اور جس دن مروں اور جس دن زندہ اٹھایا جاؤں (ف۵۲)

وقوله : ( والسلام علي يوم ولدت ويوم أموت ويوم أبعث حيا ) : إثبات منه لعبوديته لله عز وجل ، وأنه مخلوق من خلق الله يحيا ويموت ويبعث كسائر الخلائق ، ولكن له السلامة في هذه الأحوال التي هي أشق ما يكون على العباد ، صلوات الله وسلامه عليه
19:34
ذٰلِكَ عِیْسَى ابْنُ مَرْیَمَۚ-قَوْلَ الْحَقِّ الَّذِیْ فِیْهِ یَمْتَرُوْنَ(۳۴)
یہ ہے عیسیٰ مریم کا بیٹا سچی بات جس میں شک کرتے ہیں (ف۵۳)

يقول تعالى لرسوله محمد صلى الله عليه وسلم : عليه ذلك الذي قصصنا عليك من خبر عيسى ، " قول الحق الذي فيه يمترون " أي : يختلف المبطلون والمحقون ممن آمن به وكفر به; ولهذا قرأ الأكثرون : " قول الحق " برفع قول . وقرأ عاصم ، وعبد الله بن عامر : ( قول الحق ) .وعن ابن مسعود أنه قرأ : " ذلك عيسى ابن مريم قال الحق " . والرفع أظهر إعرابا ، ويشهد له قوله تعالى : ( الحق من ربك فلا تكن من الممترين ) [ آل عمران : 59 ، 60 ] .
19:35
مَا كَانَ لِلّٰهِ اَنْ یَّتَّخِذَ مِنْ وَّلَدٍۙ-سُبْحٰنَهٗؕ-اِذَا قَضٰۤى اَمْرًا فَاِنَّمَا یَقُوْلُ لَهٗ كُنْ فَیَكُوْنُؕ(۳۵)
اللہ کو لائق نہیں کہ کسی کو اپنا بچہ ٹھہرائے پاکی ہے اس کو (ف۵۴) جب کسی کام کا حکم فرماتا ہے تو یونہی کہ اس سے فرماتا ہے ہوجاؤ وہ فوراًٰ ہوجاتا ہے،

ولما ذكر تعالى أنه خلقه عبدا نبيا ، نزه نفسه المقدسة فقال : ( ما كان لله أن يتخذ من ولد سبحانه ) أي : عما يقول هؤلاء الجاهلون الظالمون المعتدون علوا كبيرا ، ( إذا قضى أمرا فإنما يقول له كن فيكون ) أي : إذا أراد شيئا فإنما يأمر به ، فيصير كما يشاء ، كما قال تعالى : ( إن مثل عيسى عند الله كمثل آدم خلقه من تراب ثم قال له كن فيكون الحق من ربك فلا تكن من الممترين ) [ آل عمران : 59 ، 60 ]
19:36
وَ اِنَّ اللّٰهَ رَبِّیْ وَ رَبُّكُمْ فَاعْبُدُوْهُؕ-هٰذَا صِرَاطٌ مُّسْتَقِیْمٌ(۳۶)
اور عیسیٰ نے کہا بیشک اللہ رب ہے میرا اور تمہارا (ف۵۵) تو اس کی بندگی کرو، یہ راہ سیدھی ہے،

وقوله : ( وإن الله ربي وربكم فاعبدوه هذا صراط مستقيم ) أي : ومما أمر عيسى به قومه وهو في مهده ، أن أخبرهم إذ ذاك أن الله ربهم وربه ، وأمرهم بعبادته ، فقال : ( فاعبدوه هذا صراط مستقيم ) أي : هذا الذي جئتكم به عن الله صراط مستقيم ، أي : قويم ، من اتبعه رشد وهدى ، ومن خالفه ضل وغوى .
19:37
فَاخْتَلَفَ الْاَحْزَابُ مِنْۢ بَیْنِهِمْۚ-فَوَیْلٌ لِّلَّذِیْنَ كَفَرُوْا مِنْ مَّشْهَدِ یَوْمٍ عَظِیْمٍ(۳۷)
پھر جماعتیں آپس میں مختلف ہوگئیں (ف۵۶) تو خرابی ہے، کافروں کے لیے ایک بڑے دن کی حاضری سے (ف۵۷)

وقوله : ( فاختلف الأحزاب من بينهم ) أي : اختلفت أقوال أهل الكتاب في عيسى بعد بيان أمره ووضوح حاله ، وأنه عبده ورسوله وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه ، فصممت طائفة - وهم جمهور اليهود ، عليهم لعائن الله - على أنه ولد زنية ، وقالوا : كلامه هذا سحر . وقالت طائفة أخرى : إنما تكلم الله . وقال آخرون : هو ابن الله ، وقال آخرون : ثالث ثلاثة . وقال آخرون : بل هو عبد الله ورسوله . وهذا هو قول الحق ، الذي أرشد الله إليه المؤمنين . وقد روي نحو هذا عن عمرو بن ميمون ، وابن جريج ، وقتادة ، وغير واحد من السلف والخلف .قال عبد الرزاق : أخبرنا معمر ، عن قتادة في قوله : ( ذلك عيسى ابن مريم قول الحق الذي فيه يمترون ) ، قال : اجتمع بنو إسرائيل فأخرجوا منهم أربعة نفر ، أخرج كل قوم عالمهم ، فامتروا في عيسى حين رفع ، فقال أحدهم : هو الله هبط إلى الأرض فأحيا من أحيا ، وأمات من أمات ، ثم صعد إلى السماء - وهم اليعقوبية . فقال الثلاثة : كذبت . ثم قال اثنان منهم للثالث : قل أنت فيه ، قال : هو ابن الله - وهم النسطورية . فقال الاثنان : كذبت . ثم قال أحد الاثنين للآخر : قل فيه . قال : هو ثالث ثلاثة : الله إله ، وهو إله ، وأمه إله - وهم الإسرائيلية ملوك النصارى ، عليهم لعائن الله . قال الرابع : كذبت ، بل هو عبد الله ورسوله وروحه ، وكلمته ، وهم المسلمون . فكان لكل رجل منهم أتباع على ما قالوا ، فاقتتلوا فظهر على المسلمين ، وذلك قول الله تعالى : ( ويقتلون الذين يأمرون بالقسط من الناس ) [ آل عمران : 21 ] وقال قتادة : وهم الذين قال الله : ( فاختلف الأحزاب من بينهم ) قال : اختلفوا فيه فصاروا أحزاباوقد روى ابن أبي حاتم ، عن ابن عباس ، وعن عروة بن الزبير ، وعن بعض أهل العلم ، قريبا من ذلك . وقد ذكر غير واحد من علماء التاريخ من أهل الكتاب وغيرهم : أن قسطنطين جمعهم في محفل كبير من مجامعهم الثلاثة المشهورة عندهم ، فكان جماعة الأساقفة منهم ألفين ومائة وسبعين أسقفا ، فاختلفوا في عيسى ابن مريم ، عليه السلام ، اختلافا متباينا ، فقالت كل شرذمة فيه قولا فمائة تقول فيه قولا وسبعون تقول فيه قولا آخر ، وخمسون تقول فيه شيئا آخر ، ومائة وستون تقول شيئا ، ولم يجتمع على مقالة واحدة أكثر من ثلاثمائة وثمانية منهم ، اتفقوا على قول وصمموا عليه ومال إليهم الملك ، وكان فيلسوفا ، فقدمهم ونصرهم وطرد من عداهم ، فوضعوا له الأمانة الكبيرة ، بل هي الخيانة العظيمة ، ووضعوا له كتب القوانين ، وشرعوا له أشياء وابتدعوا بدعا كثيرة ، وحرفوا دين المسيح ، وغيروه ، فابتنى حينئذ لهم الكنائس الكبار في مملكته كلها : بلاد الشام ، والجزيرة ، والروم ، فكان مبلغ الكنائس في أيامه ما يقارب اثنتي عشرة ألف كنيسة ، وبنت أمه هيلانة قمامة على المكان الذي صلب فيه المصلوب الذي تزعم اليهود والنصارى أنه المسيح ، وقد كذبوا ، بل رفعه الله إلى السماء .وقوله : ( فويل للذين كفروا من مشهد يوم عظيم ) تهديد ووعيد شديد لمن كذب على الله ، وافترى ، وزعم أن له ولدا . ولكن أنظرهم تعالى إلى يوم القيامة وأجلهم حلما وثقة بقدرته عليهم; فإنه الذي لا يعجل على من عصاه ، كما جاء في الصحيحين : " إن الله ليملي للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته " ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( وكذلك أخذ ربك إذا أخذ القرى وهي ظالمة إن أخذه أليم شديد ) [ هود : 102 ] وفي الصحيحين أيضا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : " لا أحد أصبر على أذى سمعه من الله ، إنهم يجعلون له ولدا ، وهو يرزقهم ويعافيهم " . وقد قال الله تعالى : ( وكأين من قرية أمليت لها وهي ظالمة ثم أخذتها وإلي المصير ) [ الحج : 48 ] وقال تعالى : ( ولا تحسبن الله غافلا عما يعمل الظالمون إنما يؤخرهم ليوم تشخص فيه الأبصار ) [ إبراهيم : 42 ] ولهذا قال هاهنا : ( فويل للذين كفروا من مشهد يوم عظيم ) أي : يوم القيامة ، وقد جاء في الحديث الصحيح المتفق على صحته ، عن عبادة بن الصامت - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من شهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمدا عبده ورسوله وأن عيسى عبد الله ورسوله وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه ، وأن الجنة حق ، والنار حق ، أدخله الله الجنة على ما كان من العمل "
19:38
اَسْمِعْ بِهِمْ وَ اَبْصِرْۙ-یَوْمَ یَاْتُوْنَنَا لٰكِنِ الظّٰلِمُوْنَ الْیَوْمَ فِیْ ضَلٰلٍ مُّبِیْنٍ(۳۸)
کتنا سنیں گے اور کتنا دیکھیں گے جس دن ہمارے پاس حاضر ہونگے (ف۵۸) مگر آج ظالم کھلی گمراہی میں ہیں (ف۵۹)

يقول تعالى مخبرا عن الكفار يوم القيامة أنهم أسمع شيء وأبصره كما قال تعالى : ( ولو ترى إذ المجرمون ناكسو رءوسهم عند ربهم ربنا أبصرنا وسمعنا فارجعنا نعمل صالحا إنا موقنون ) [ السجدة : 12 ] أي : يقولون ذلك حين لا ينفعهم ولا يجدي عنهم شيئا ، ولو كان هذا قبل معاينة العذاب ، لكان نافعا لهم ومنقذا من عذاب الله ، ولهذا قال : ( أسمع بهم وأبصر ) أي : ما أسمعهم وأبصرهم ) يوم يأتوننا ) يعني : يوم القيامة ) لكن الظالمون اليوم ) أي : في الدنيا ) في ضلال مبين ) أي : لا يسمعون ولا يبصرون ولا يعقلون ، فحيث يطلب منهم الهدى لا يهتدون ، ويكونون مطيعين حيث لا ينفعهم ذلك .
19:39
وَ اَنْذِرْهُمْ یَوْمَ الْحَسْرَةِ اِذْ قُضِیَ الْاَمْرُۘ-وَ هُمْ فِیْ غَفْلَةٍ وَّ هُمْ لَا یُؤْمِنُوْنَ(۳۹)
اور انہیں ڈر سناؤ پچھتاوے کے دن کا (ف۶۰) جب کام ہوچکے گا (ف۶۱) اور وہ غفلت میں ہیں (ف۶۲) اور نہیں مانتے،

ثم قال تعالى : ( وأنذرهم يوم الحسرة ) أي : أنذر الخلائق يوم الحسرة ، ( إذ قضي الأمر ) أي : فصل بين أهل الجنة وأهل النار ، ودخل كل إلى ما صار إليه مخلدا فيه ، ( وهم ) أي : اليوم ) في غفلة ) عما أنذروا به ) وهم لا يؤمنون ) أي : لا يصدقون به .قال الإمام أحمد : حدثنا محمد بن عبيد ، حدثنا الأعمش ، عن أبي صالح ، عن أبي سعيد الخدري قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إذا دخل أهل الجنة الجنة ، وأهل النار النار ، يجاء بالموت كأنه كبش أملح ، فيوقف بين الجنة والنار ، فيقال : يا أهل الجنة ، هل تعرفون هذا ؟ قال : " فيشرئبون فينظرون ويقولون : نعم هذا الموت " . قال : " فيقال : يا أهل النار ، هل تعرفون هذا ؟ قال : فيشرئبون فينظرون ويقولون : نعم ، هذا الموت " قال : " فيؤمر به فيذبح " قال : " ويقال : يا أهل الجنة ، خلود ولا موت ، ويا أهل النار خلود ولا موت " قال : ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( وأنذرهم يوم الحسرة إذ قضي الأمر وهم في غفلة ) وأشار بيده قال : " أهل الدنيا في غفلة الدنيا " .هكذا رواه الإمام أحمد وقد أخرجه البخاري ومسلم في صحيحيهما ، من حديث الأعمش ، به . ولفظهما قريب من ذلك . وقد روى هذا الحديث الحسن بن عرفة : حدثني أسباط بن محمد ، عن الأعمش ، عن أبي صالح ، عن أبي هريرة مرفوعا ، مثله . وفي سنن ابن ماجه وغيره ، من حديث محمد بن عمرو ، عن أبي سلمة ، عن أبي هريرة بنحوه وهو في الصحيحين عن ابن عمر . ورواه ابن جريج قال : قال ابن عباس : فذكر من قبله نحوه . ورواه أيضا عن أبيه أنه سمع عبيد بن عمير يقول في قصصه : يؤتى بالموت كأنه دابة ، فيذبح والناس ينظرون وقال سفيان الثوري ، عن سلمة بن كهيل ، حدثنا أبو الزعراء ، عن عبد الله - هو ابن مسعود - في قصة ذكرها ، قال : فليس نفس إلا وهي تنظر إلى بيت في الجنة وبيت في النار ، وهو يوم الحسرة . فيرى أهل النار البيت الذي كان قد أعده الله لهم لو آمنوا ، فيقال لهم : لو آمنتم وعملتم صالحا ، كان لكم هذا الذي ترونه في الجنة ، فتأخذهم الحسرة قال : ويرى أهل الجنة البيت الذي في النار ، فيقال : لولا أن من الله عليكم . . .وقال السدي ، عن زياد ، عن زر بن حبيش ، عن ابن مسعود في قوله : ( وأنذرهم يوم الحسرة إذ قضي الأمر ) قال : إذا دخل أهل الجنة الجنة ، وأهل النار النار ، أتي بالموت في صورة كبش أملح ، حتى يوقف بين الجنة والنار ، ثم ينادي مناد : يا أهل الجنة ، هذا الموت الذي كان يميت الناس في الدنيا ، فلا يبقى أحد في أهل عليين ولا في أسفل درجة في الجنة إلا نظر إليه ، ثم ينادى : يا أهل النار ، هذا الموت الذي كان يميت الناس في الدنيا ، فلا يبقى أحد في ضحضاح من نار ولا في أسفل درك من جهنم ، إلا نظر إليه ، ثم يذبح بين الجنة والنار ، ثم ينادى : يا أهل الجنة ، هو الخلود أبد الآبدين ، ويا أهل النار ، هو الخلود أبد الآبدين ، فيفرح أهل الجنة فرحة لو كان أحد ميتا من فرح ماتوا ، ويشهق أهل النار شهقة لو كان أحد ميتا من شهقة ماتوا فذلك قوله : ( وأنذرهم يوم الحسرة إذ قضي الأمر ) يقول : إذا ذبح الموت . رواه ابن أبي حاتم في تفسيره .وقال علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس في قوله : ( وأنذرهم يوم الحسرة ) من أسماء يوم القيامة عظمه الله وحذره عباده .وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم في قوله : ( وأنذرهم يوم الحسرة ) قال : يوم القيامة ، وقرأ : ( أن تقول نفس يا حسرتا على ما فرطت في جنب الله ) [ الزمر : 56 ]
19:40
اِنَّا نَحْنُ نَرِثُ الْاَرْضَ وَ مَنْ عَلَیْهَا وَ اِلَیْنَا یُرْجَعُوْنَ۠(۴۰)
بیشک زمین اور جو کچھ اس پر ہے سب کے وارث ہم ہوں گے (ف۶۳) اور وہ ہماری ہی طرف پھریں گے (ف۶۴)

وقوله : ( إنا نحن نرث الأرض ومن عليها وإلينا يرجعون ) يخبر تعالى أنه الخالق المالك المتصرف ، وأن الخلق كلهم يهلكون ويبقى هو ، تعالى وتقدس ولا أحد يدعي ملكا ولا تصرفا ، بل هو الوارث لجميع خلقه ، الباقي بعدهم ، الحاكم فيهم ، فلا تظلم نفس شيئا ولا جناح بعوضة ولا مثقال ذرة .قال ابن أبي حاتم : ذكر هدبة بن خالد القيسي : حدثنا حزم بن أبي حزم القطعي قال : كتب عمر بن عبد العزيز إلى عبد الحميد بن عبد الرحمن صاحب الكوفة : أما بعد ، فإن الله كتب على خلقه حين خلقهم الموت ، فجعل مصيرهم إليه ، وقال فيما أنزل من كتابه الصادق الذي حفظه بعلمه ، وأشهد ملائكته على خلقه : أنه يرث الأرض ومن عليها ، وإليه يرجعون .
  FONT
  THEME
  TRANSLATION
  • English | Ahmed Ali
  • Urdu | Ahmed Raza Khan
  • Turkish | Ali-Bulaç
  • German | Bubenheim Elyas
  • Chinese | Chineese
  • Spanish | Cortes
  • Dutch | Dutch
  • Portuguese | El-Hayek
  • English | English
  • Urdu | Fateh Muhammad Jalandhry
  • French | French
  • Hausa | Hausa
  • Indonesian | Indonesian-Bahasa
  • Italian | Italian
  • Korean | Korean
  • Malay | Malay
  • Russian | Russian
  • Tamil | Tamil
  • Thai | Thai
  • Farsi | مکارم شیرازی
  TAFSEER
  • العربية | التفسير الميسر
  • العربية | تفسير الجلالين
  • العربية | تفسير السعدي
  • العربية | تفسير ابن كثير
  • العربية | تفسير الوسيط لطنطاوي
  • العربية | تفسير البغوي
  • العربية | تفسير القرطبي
  • العربية | تفسير الطبري
  • English | Arberry
  • English | Yusuf Ali
  • Dutch | Keyzer
  • Dutch | Leemhuis
  • Dutch | Siregar
  • Urdu | Sirat ul Jinan
  HELP

مَرْيَم
مَرْيَم
  00:00



Download

مَرْيَم
مَرْيَم
  00:00



Download