READ

Surah Maryam

مَرْيَم
98 Ayaat    مکیۃ


19:41
وَ اذْكُرْ فِی الْكِتٰبِ اِبْرٰهِیْمَ۬ؕ-اِنَّهٗ كَانَ صِدِّیْقًا نَّبِیًّا(۴۱)
اور کتاب میں (ف۶۵) ابراہیم کو یاد کرو بیشک وہ صدیق (ف۶۶) تھا (نبی) غیب کی خبریں بتاتا،

قال الإمام الرازي ما ملخصه: «اعلم أن الغرض من هذه السورة، بيان التوحيد والنبوة والحشر، والمنكرون للتوحيد فريقان: فريق أثبت معبودا غير الله حيا عاقلا وهم النصارى ومن على شاكلتهم، وفريق أثبت معبودا من الجماد ليس بحي ولا عاقل، وهم عبدة الأوثان.والفريقان وإن اشتركا في الضلال إلا أن ضلال الفريق الثاني أعظم. ولما بين- سبحانه- ضلال الفريق الأول- وهم النصارى-، أتبعه بذكر الفريق الثاني، وهم عبدة الأوثان قوم إبراهيم- عليه السلام- وإبراهيم- عليه السلام- هو من أولى العزم من الرسل، وهو الذي جعل الله في ذريته النبوة والكتاب، وهو الذي وصفه الله- تعالى- بجملة من الصفات الكريمة، منها قوله- تعالى-: إِنَّ إِبْراهِيمَ لَحَلِيمٌ أَوَّاهٌ مُنِيبٌ .أى: واذكر- أيها الرسول الكريم- للناس في هذا القرآن قصة أبيهم إبراهيم- عليه السلام-، لكي يعتبروا ويتعظوا ويقتدوا بهذا النبي الكريم في قوة إيمانه، وصفاء يقينه وجميل أخلاقه.وقوله: إِنَّهُ كانَ صِدِّيقاً نَبِيًّا استئناف مسوق لتعليل موجب الأمر في قوله:وَاذْكُرْ.والصديق: صيغة مبالغة من الصدق. أى: إنه كان ملازما للصدق في كل أقواله وأفعاله وأحواله، كما كان نبيا من أولى العزم، الذين فضلهم الله على غيرهم من الرسل الكرام.
19:42
اِذْ قَالَ لِاَبِیْهِ یٰۤاَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لَا یَسْمَعُ وَ لَا یُبْصِرُ وَ لَا یُغْنِیْ عَنْكَ شَیْــٴًـا(۴۲)
جب اپنے باپ سے بولا (ف۶۷) اے میرے باپ کیوں ایسے کو پوجتا ہے جو نہ سنے نہ دیکھے اور نہ کچھ تیرے کام آئے (ف۶۸)

ثم بين- سبحانه- مظاهر صدقه وإخلاصه لدعوة الحق فقال: إِذْ قالَ لِأَبِيهِ يا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ ما لا يَسْمَعُ وَلا يُبْصِرُ وَلا يُغْنِي عَنْكَ شَيْئاً.والظرف إِذْ بدل اشتمال من إِبْراهِيمَ وجملة إِنَّهُ كانَ صِدِّيقاً نَبِيًّا معترضة بين البدل والمبدل منه لتعظيم شأنه- عليه السلام-.والتاء في قوله يا أَبَتِعوض عن ياء المتكلم، إذ الأصل با أبى، وناداه بهذا الوصف دون أن يذكر اسمه: زيادة في احترامه واستمالة قلبه للحق.أى: واذكر خبر إبراهيم وقت أن قال لأبيه آزر مستعطفا إياه: يا أبت لماذا تعبد شيئا لا يسمع من يناديه. ولا يبصر من يقف أمامه، ولا يغنى عنك شيئا من الإغناء، لأنه لا يملك لنفسه- فضلا عن غيره- نفعا ولا ضرا.
19:43
یٰۤاَبَتِ اِنِّیْ قَدْ جَآءَنِیْ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَمْ یَاْتِكَ فَاتَّبِعْنِیْۤ اَهْدِكَ صِرَاطًا سَوِیًّا(۴۳)
اے میرے باپ بیشک میرے پاس (ف۶۹) وہ علم آیا جو تجھے نہ آیا تو تُو میرے پیچھے چلا آ (ف۷۰) میں تجھے سیدھی راہ دکھاؤں (ف۷۱)

ثم دعاه إلى اتباع الحق بألطف أسلوب فقال: يا أَبَتِ إِنِّي قَدْ جاءَنِي مِنَ الْعِلْمِ النافع الذي علمني الله- تعالى- إياه ما لَمْ يَأْتِكَ أنت، وهذا فضل الله يؤتيه من يشاء، فَاتَّبِعْنِي فيما أدعوك إليه أَهْدِكَ صِراطاً سَوِيًّا أى: أهدك إلى الطريق المستقيم الذي لا عوج فيه ولا اضطراب.
19:44
یٰۤاَبَتِ لَا تَعْبُدِ الشَّیْطٰنَؕ-اِنَّ الشَّیْطٰنَ كَانَ لِلرَّحْمٰنِ عَصِیًّا(۴۴)
اے میرے باپ شیطان کا بندہ نہ بن (ف۷۲) بیشک شیطان رحمان کا نافرمان ہے،

ثم نهاه عن عبادة الشيطان، لأنها جهل وانحطاط في التفكير فقال: يا أَبَتِ لا تَعْبُدِ الشَّيْطانَ فإن عبادتك لهذه الأصنام هي عبادة وطاعة للشيطان الذي هو عدو للإنسان.ثم علل له هذا النهى بقوله: إِنَّ الشَّيْطانَ كانَ لِلرَّحْمنِ عَصِيًّا أى: إن الشيطان الذي أغراك بعبادة هذه الأصنام كان للرحمن عصيا، أى: كثير العصيان، لا يهدى الناس إلى طاعة الله، وإنما يهديهم إلى مخالفته ومعصيته وموجبات غضبه.
19:45
یٰۤاَبَتِ اِنِّیْۤ اَخَافُ اَنْ یَّمَسَّكَ عَذَابٌ مِّنَ الرَّحْمٰنِ فَتَكُوْنَ لِلشَّیْطٰنِ وَلِیًّا(۴۵)
اے میرے باپ میں ڈرتا ہوں کہ تجھے رحمن کا کوئی عذاب پہنچے تو تُو شیطان کا رفیق ہوجائے (ف۷۳)

ثم ختم هذا النداء بما يدل على حبه له، وشفقته عليه فقال: يا أَبَتِ إِنِّي أَخافُ أَنْ يَمَسَّكَ عَذابٌ مِنَ الرَّحْمنِ فَتَكُونَ لِلشَّيْطانِ وَلِيًّا.أى: يا أبت إنى أشفق عليك من أن ينزل بك عذاب من الرحمن بسبب إصرارك على عبادة غيره، وبذلك تصبح قرينا للشيطان في العذاب بالنار، لأنك انقدت له، وخالفت طريق الحق.بهذا الأسلوب الحكيم الهادئ الرقيق ... خاطب إبراهيم أباه، وهو يدعوه إلى عبادته- تعالى- وحده.ورحم الله صاحب الكشاف فقد قال ما ملخصه: انظر كيف رتب إبراهيم الكلام مع أبيه في أحسن اتساق، وساقه أرشق مساق، مع استعماله المجاملة واللطف والرفق واللين والأدب الجميل والخلق الحسن.وذلك أنه طلب منه- أولا- العلة في خطئه. طلب منبه على تماديه، موقظ لإفراطه وتناهيه ... حيث عبد ما ليس به حس ولا شعور.ثم ثنى بدعوته إلى الحق مترفقا به متلطفا، فلم يصف أباه بالجهل المفرط، ولا نفسه بالعلم الفائق. ولكنه قال: إن معى طائفة من العلم وشيئا منه ليس معك.. ثم ثلث بتثبيطه ونهيه عما كان عليه، بتصويره بصورة يستنكرها كل عاقل.. ثم ربع بتخويفه سوء العاقبة، وما يجره ما هو فيه من الوبال.ولم يخل ذلك من حسن الأدب، حيث لم يصرح بأن العقاب لا حق له، وأن العذاب لاصق به، ولكنه قال: إِنِّي أَخافُ أَنْ يَمَسَّكَ....وصدر كل نصيحة من النصائح الأربع بقوله: يا أَبَتِتوسلا واستعطافا ... .
19:46
قَالَ اَرَاغِبٌ اَنْتَ عَنْ اٰلِهَتِیْ یٰۤاِبْرٰهِیْمُۚ-لَىٕنْ لَّمْ تَنْتَهِ لَاَرْجُمَنَّكَ وَ اهْجُرْنِیْ مَلِیًّا(۴۶)
بولا کیا تو میرے خداؤں سے منہ پھیرتا ہے، اے ابراہیم بیشک اگر تو (ف۷۴) باز نہ آیا تو میں تجھے پتھراؤ کروں گا اور مجھ سے زمانہ دراز تک بے علاقہ ہوجا (ف۷۵)

ولكن هذه النصيحة الحكيمة الغالية من إبراهيم لأبيه. لم تصادف أذنا واعية ولم تحظ من أبيه بالقبول بل قوبلت بالاستنكار والتهديد فقد قال الأب الكافر لابنه المؤمن: أَراغِبٌ أَنْتَ عَنْ آلِهَتِي يا إِبْراهِيمُ؟ لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ لَأَرْجُمَنَّكَ وَاهْجُرْنِي مَلِيًّا.والاستفهام في قوله أَراغِبٌ للإنكار والتهديد والرغبة عن الشيء: تركه عمدا زهدا فيه لعدم الحاجة إليه.ولفظ راغِبٌ مبتدأ، وأَنْتَ فاعل سد مسد الخبر، ومَلِيًّا أى: زمنا طويلا. مأخوذ من الملاوة، وهي الفترة الطويلة من الزمان، ويقال لليل والنهار: الملوان.والمعنى: قال والد إبراهيم له على سبيل التهديد والوعيد، أتارك أنت يا إبراهيم عبادة آلهتي، وكاره لتقرب الناس إليها، ومنفرهم منها لئن لم تنته عن هذا المسلك، لَأَرْجُمَنَّكَ بالحجارة وبالكلام القبيح وَاهْجُرْنِي مَلِيًّا بأن تغرب عن وجهى زمنا طويلا لا أحب أن أراك فيه.وهكذا قابل الأب الكافر أدب ابنه المؤمن، بالفظاظة والغلظة والتهديد والعناد والجهالة..شأن القلب الذي أفسده الكفر.
19:47
قَالَ سَلٰمٌ عَلَیْكَۚ-سَاَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّیْؕ-اِنَّهٗ كَانَ بِیْ حَفِیًّا(۴۷)
کہا بس تجھے سلام ہے (ف۷۶) قریب ہے کہ میں تیرے لیے اپنے رب سے معافی مانگوں گا (ف۷۷) بیشک وہ مجھ مہربان ہے،

ولكن إبراهيم- عليه السلام- لم يقابل فظاظة أبيه وتهديده بالغضب والضيق، بل قابل ذلك بسعة الصدر. وجميل المنطق، حيث قال له: سَلامٌ عَلَيْكَ سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي إِنَّهُ كانَ بِي حَفِيًّا.أى: لك منى- يا أبت- السلام الذي لا يخالطه جدال أو أذى، والوداع الذي أقابل فيه إساءتك إلى بالإحسان إليك. وفضلا عن ذلك فإنى سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي إِنَّهُ كانَ بِي حَفِيًّا أى: بارّا بي، كثير الإحسان إلى.يقال: فلان حفى بفلان حفاوة، إذا بالغ في إكرامه، واهتم بشأنه.وقد وفي إبراهيم بوعده، حيث استمر على استغفاره لأبيه إلى أن تبين له أنه عدو لله- تعالى- فتبرأ منه كما قال- تعالى-: وَما كانَ اسْتِغْفارُ إِبْراهِيمَ لِأَبِيهِ إِلَّا عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَها إِيَّاهُ، فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ، إِنَّ إِبْراهِيمَ لَأَوَّاهٌ حَلِيمٌ .
19:48
وَ اَعْتَزِلُكُمْ وَ مَا تَدْعُوْنَ مِنْ دُوْنِ اللّٰهِ وَ اَدْعُوْا رَبِّیْ ﳲ عَسٰۤى اَلَّاۤ اَكُوْنَ بِدُعَآءِ رَبِّیْ شَقِیًّا(۴۸)
اور میں ایک کنارے ہوجاؤں گا (ف۷۸) تم سے اور ان سب سے جن کو اللہ کے سوا پوجتے ہو اور اپنے رب کو پوجوں گا (ف۷۹) قریب ہے کہ میں اپنے رب کی بندگی سے بدبخت نہ ہوں (ف۸۰)

ثم حكى- سبحانه- بعد ذلك أن إبراهيم- عليه السلام- عند ما رأى تصميم أبيه وقومه على الكفر والضلال، قرر اعتزالهم والابتعاد عنهم فقال- تعالى-: وَأَعْتَزِلُكُمْ وَما تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَأَدْعُوا رَبِّي عَسى أَلَّا أَكُونَ بِدُعاءِ رَبِّي شَقِيًّا.أى: وقال إبراهيم- أيضا- لأبيه: إنى بجانب استغفاري لك، ودعوتي لك بالهداية، فإنى سأعتزلك وأعتزل قومك، وأعتزل عبادة أصنامكم التي تعبدونها من دون الله وأرتحل عنكم جميعا إلى أرض الله الواسعة، وأخص ربي وخالقي بالعبادة والطاعة والدعاء، فقد عودنى- سبحانه- أن لا يخيب دعائي وتضرعي إليه.وفي تصدير كلامه بلفظ عَسى دليل على تواضعه، وعلى أدبه مع خالقه- تعالى-.
19:49
فَلَمَّا اعْتَزَلَهُمْ وَ مَا یَعْبُدُوْنَ مِنْ دُوْنِ اللّٰهِۙ-وَهَبْنَا لَهٗۤ اِسْحٰقَ وَ یَعْقُوْبَؕ-وَ كُلًّا جَعَلْنَا نَبِیًّا(۴۹)
پھر جب ان سے اور اللہ کے سوا ان کے معبودوں سے کنارہ کر گیا (ف۸۱) ہم نے اسے اسحاق (ف۸۲) اور یعقوب (ف۸۳) عطا کیے، اور ہر ایک کو غیب کی خبریں بتانے والا کیا،

ثم بين- سبحانه- ما ترتب على اعتزال إبراهيم للشرك والمشركين فقال: فَلَمَّا اعْتَزَلَهُمْ وَما يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ، وَهَبْنا لَهُ إِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ وَكُلًّا جَعَلْنا نَبِيًّا. وَوَهَبْنا لَهُمْ مِنْ رَحْمَتِنا، وَجَعَلْنا لَهُمْ لِسانَ صِدْقٍ عَلِيًّا.أى: فحين اعتزل إبراهيم- عليه السلام- أباه وقومه وآلهتهم الباطلة. لم نضيعه، وإنما أكرمناه وتفضلنا عليه بأن وهبنا له إسحاق ويعقوب ليأنس بهما بعد أن فارق أباه وقومه من أجل إعلاء كلمتنا وَكُلًّا جَعَلْنا نَبِيًّا أى: وكل واحد منهما جعلناه نبيا
19:50
وَ وَهَبْنَا لَهُمْ مِّنْ رَّحْمَتِنَا وَ جَعَلْنَا لَهُمْ لِسَانَ صِدْقٍ عَلِیًّا۠(۵۰)
اور ہم نے انہیں اپنی رحمت عطا کی (ف۸۴) اور ان کے لیے سچی بلند ناموری رکھی (ف۸۵)

وَوَهَبْنا لَهُمْ أى: لإبراهيم وإسحاق ويعقوب مِنْ رَحْمَتِنا بأن جعلناهم أنبياء ومنحناهم الكثير من فضلنا وإحساننا ورزقنا.وجعلنا لهم لسان صدق عليا، بأن صيرنا الناس يثنون عليهم ويمدحونهم ويذكرونهم بالذكر الجميل، لخصالهم الحميدة، وأخلاقهم الكريمة.وهكذا نرى أن اعتزال الشرك والمشركين، والفسق والفاسقين، يؤدى إلى السعادة الدينية والدنيوية، وما أصدق قوله- تعالى-: فَلَمَّا اعْتَزَلَهُمْ وَما يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَهَبْنا لَهُ إِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ وَكُلًّا جَعَلْنا نَبِيًّا.وخص- سبحانه- هنا اسحق ويعقوب بالذكر دون إسماعيل لأن إسماعيل سيذكر فضله بعد قليل.ثم مدح الله- تعالى- موسى- عليه السلام- وهو واحد من أولى العزم من الرسل، وينتهى نسبه إلى إبراهيم- عليه السلام- فقال- تعالى-:
19:51
وَ اذْكُرْ فِی الْكِتٰبِ مُوْسٰۤى٘-اِنَّهٗ كَانَ مُخْلَصًا وَّ كَانَ رَسُوْلًا نَّبِیًّا(۵۱)
اور کتاب میں موسیٰ کو یاد کرو، بیشک وہ چنا ہوا تھا اور رسول تھا غیب کی خبریں بتانے والا،

ولفظ مُخْلَصاً فيه قراءتان سبعيتان، إحداهما بفتح اللام- بصيغة اسم المفعول- أى: أخلصه الله- تعالى- لذاته، واصطفاه، كما قال- تعالى-: قالَ يا مُوسى إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسالاتِي وَبِكَلامِي.. .والثانية بكسر اللام- بصيغة اسم الفاعل- أى: كان مخلصا لنا في عبادته وطاعته.والمعنى: واذكر- أيها الرسول الكريم- للناس خبر أخيك موسى- عليه السلام- إنه كان من الذين أخلصناهم واصطفيناهم لحمل رسالتنا، وكان من الذين أخلصوا لنا وحدنا العبادة والطاعة، وكان- أيضا- رَسُولًا من جهتنا لتبليغ ما أمرناه بتبليغه، وكان كذلك نَبِيًّا رفيع القدر، عالى المكانة والمنزلة، فقد جمع الله- تعالى- له بين هاتين الصفتين الساميتين صفة الرسالة وصفة النبوة.
19:52
وَ نَادَیْنٰهُ مِنْ جَانِبِ الطُّوْرِ الْاَیْمَنِ وَ قَرَّبْنٰهُ نَجِیًّا(۵۲)
اور اسے ہم نے طور کی داہنی جانب سے ندا فرمائی (ف۸۶) اور اسے اپنا راز کہنے کو قریب کیا (ف۸۷)

وقوله- تعالى-: وَنادَيْناهُ مِنْ جانِبِ الطُّورِ الْأَيْمَنِ وَقَرَّبْناهُ نَجِيًّا بيان لفضائل أخرى منحها الله- تعالى- لموسى- عليه السلام-.والطور: جبل بين مصر وقرى مدين، الأيمن: أى الذي يلي يمين موسى.قال الآلوسى: «والأيمن» صفة لجانب، لقوله- تعالى- في آية أخرى: جانِبِ الطُّورِ الْأَيْمَنِ بالنصب. أى: ناديناه من ناحيته اليمنى، من اليمين المقابل لليسار. والمراد به يمين موسى، أى: الناحية التي تلى يمينه «إذ الجبل نفسه لا ميمنة له ولا ميسرة» .ويجوز أن يكون الأيمن من اليمن وهو البركة، وهو صفة لجانب- أيضا- أى: من جانبه الميمون المبارك ...والمراد من ندائه من ذلك الجانب: ظهور كلامه- تعالى- من تلك الجهة، والظاهر أنه- عليه السلام- إنما سمع الكلام اللفظي ... » .وقوله وَقَرَّبْناهُ نَجِيًّا أى: وقربناه تقريب تشريف وتكريم حالة مناجاته لنا، حيث أسمعناه كلامنا، واصطفيناه لحمل رسالتنا إلى الناس.فقوله نَجِيًّا من المناجاة وهي المسارة بالكلام، وهو حال من مفعول وقربناه، أى:وقربنا موسى منا حال كونه مناجيا لنا.
19:53
وَ وَهَبْنَا لَهٗ مِنْ رَّحْمَتِنَاۤ اَخَاهُ هٰرُوْنَ نَبِیًّا(۵۳)
اور اپنی رحمت سے اس کا بھائی ہارون عطا کیا (غیب کی خبریں بتانے والا نبی) (ف۸۸)

وقوله- تعالى-: وَوَهَبْنا لَهُ مِنْ رَحْمَتِنا أَخاهُ هارُونَ نَبِيًّا بيان لمظهر آخر من مظاهر فضل الله- تعالى- على عبده موسى.أى: ووهبنا لموسى من أجل رحمتنا له. وعطفنا عليه. أخاه هارون ليكون عونا له في أداء رسالته كما قال- تعالى- حكاية عنه وَاجْعَلْ لِي وَزِيراً مِنْ أَهْلِي. هارُونَ أَخِي اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي. وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي....وقوله: نَبِيًّا حال من هارون، أى حال كونه نبيا من أنبياء الله- عز وجل-.هذا، وما ذكره الله- تعالى- هنا مجملا عن ندائه لموسى من جانب الطور الأيمن، قد جاء مفصلا في مواطن أخرى منها قوله- تعالى-: فَلَمَّا قَضى مُوسَى الْأَجَلَ وَسارَ بِأَهْلِهِ آنَسَ مِنْ جانِبِ الطُّورِ ناراً قالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ ناراً لَعَلِّي آتِيكُمْ مِنْها بِخَبَرٍ أَوْ جَذْوَةٍ مِنَ النَّارِ لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ، فَلَمَّا أَتاها نُودِيَ مِنْ شاطِئِ الْوادِ الْأَيْمَنِ فِي الْبُقْعَةِ الْمُبارَكَةِ مِنَ الشَّجَرَةِ، أَنْ يا مُوسى إِنِّي أَنَا اللَّهُ رَبُّ الْعالَمِينَ ...ثم ساق- سبحانه- جانبا من فضائل إسماعيل- عليه السلام- وهو الفرع الثاني من ذرية إبراهيم، فقال- تعالى-:
19:54
وَ اذْكُرْ فِی الْكِتٰبِ اِسْمٰعِیْلَ٘-اِنَّهٗ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ وَ كَانَ رَسُوْلًا نَّبِیًّاۚ(۵۴)
اور کتاب میں اسماعیل کو یاد کرو (ف۸۹) بیشک وہ وعدے کا سچا تھا (ف۹۰) اور رسول تھا غیب کی خبریں بتاتا،

أى: واذكر في هذا الكتاب لقومك- أيها الرسول الكريم- خبر جدك إسماعيل بن إبراهيم- عليهما السلام- لكي يتأسوا به في صفاته الجليل، إِنَّهُ كانَ صادِقَ الْوَعْدِ ويكفى للدلالة على صدق وعده، وشدة وفائه، أنه وعد أباه بصير على ذبحه فلم يخلف وعده. بل قال- كما حكى القرآن عنه- يا أَبَتِ افْعَلْ ما تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ.ووصف بصدق الوعد وإن كان غيره من النبيين كذلك تشريفا وتكريما له، ولأن هذا الوصف من الأوصاف التي اكتملت شهرتها فيه.وقد مدح الله- تعالى- الأوفياء بعهودهم في آيات كثيرة منها قوله- تعالى- وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذا عاهَدُوا، وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْساءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ، أُولئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا، وَأُولئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ.وروى الإمام الطبراني عن ابن مسعود قال: لا يعد أحدكم صبيه ثم لا ينجز له فإن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «العدة دين» ...وقال القرطبي: «والعرب تمتدح بالوفاء، وتذم بالخلف والغدر، وكذلك سائر الأمم، ولقد أحسن القائل:متى ما يقل حر لصاحب حاجة نعم، يقضها، والحر للوعد ضامن وقوله- تعالى-: وَكانَ رَسُولًا نَبِيًّا أى: وكان من رسلنا الذين أرسلناهم لتبليغ شريعتنا، ومن أنبيائنا الذين رفعنا منزلتهم وأعلينا قدرهم.قالوا: وكانت رسالته بشريعة أبيه إلى قبيلة جرهم من عرب اليمن، الذين نزلوا على أمه هاجر بوادي مكة حين خلفها إبراهيم هي وابنها بذلك الوادي، فسكنوا هناك حتى كبر إسماعيل وزوجوه منهم، وأرسله الله- تعالى- إليهم» .
19:55
وَ كَانَ یَاْمُرُ اَهْلَهٗ بِالصَّلٰوةِ وَ الزَّكٰوةِ۪-وَ كَانَ عِنْدَ رَبِّهٖ مَرْضِیًّا(۵۵)
اور اپنے گھر والوں کو (ف۹۱) نماز اور زکوٰة کا حکم دیتا اور اپنے رب کو پسند تھا (ف۹۲)

ثم وصفه الله- تعالى- بصفة كريمة ثالثة فقال: وَكانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلاةِ وَالزَّكاةِ....أى: وكان بجانب حرصه على أداء هاتين الفريضتين، يأمر أهله وأقرب الناس إليه بالحرص على أدائهما حتى يكون هو وأهله قدوة لغيرهم في العمل الصالح.وكان النبي صلّى الله عليه وسلّم يفعل ذلك الذي أثنى الله به على نبيه إسماعيل استجابة لقوله- تعالى-: وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْها ...قال الإمام ابن كثير: «وقد جاء في الحديث عن أبى هريرة قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم:«رحم الله رجلا قام من الليل فصلى وأيقظ امرأته، فإن أبت نضح في وجهها الماء رحم الله امرأة قامت من الليل فصلت وأيقظت زوجها فإن أبى نضحت في وجهه الماء» .وعن أبى سعيد عن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: «إذا استيقظ الرجل من الليل وأيقظ امرأته فصليا ركعتين، كتبا من الذاكرين الله كثيرا والذاكرات» .ثم ختم- سبحانه- هذه الصفات الجميلة التي مدح بها نبيه إسماعيل فقال: وَكانَ عِنْدَ رَبِّهِ مَرْضِيًّا.أى: وكان إسماعيل عند ربه مرضى الخصال، لاستقامته في أقواله وأفعاله، وللصدق في وعده، ولأمره أهله بالصلاة والزكاة، ولا شك أن من جمع هذه المناقب كان ممن رضى الله عنهم ورضوا عنه.ثم ختم الله هذا الحديث عن بعض الأنبياء، بذكر جانب من قصة إدريس- عليه السلام- فقال:
19:56
وَ اذْكُرْ فِی الْكِتٰبِ اِدْرِیْسَ٘-اِنَّهٗ كَانَ صِدِّیْقًا نَّبِیًّاۗۙ(۵۶)
اور کتاب میں ادریس کو یاد کرو (ف۹۳) بیشک وہ صدیق تھا غیب کی خبریں دیتا،

قال الآلوسى ما ملخصه: «وإدريس هو نبي قبل نوح وبينهما ألف سنة وهو أخنوخ ابن يرد.. بن شيث بن آدم. وهو أول من نظر في النجوم والحساب، وأول رسول بعد آدم ... » .أى: واذكر- أيضا- في الكتاب خبر إدريس- عليه السلام-. إنه كان ملازما للصدق، وكان ممن شرفناهم بالنبوة.
19:57
وَّ رَفَعْنٰهُ مَكَانًا عَلِیًّا(۵۷)
اور ہم نے اسے بلند مکان پر اٹھالیا (ف۹۴)

وقوله: وَرَفَعْناهُ مَكاناً عَلِيًّا قالوا: هو شرف النبوة والزلفى عند الله- تعالى- أو المراد برفعه إلى المكان العلى: إسكانه في الجنة، إذ لا شرف أعلى من ذلك..وروى أن النابغة الجعدي لما أنشد قوله:بلغنا السماء مجدنا وسناؤنا ... وإنا لنرجو فوق ذلك مظهراقال له الرسول صلّى الله عليه وسلّم: إلى أين المظهر يا أبا ليلى؟ قال: إلى الجنة. قال: أجل إن شاء الله- تعالى-.وإلى هنا تكون السورة الكريمة قد حدثتنا عن طرف من قصص زكريا ويحيى وعيسى وإبراهيم وموسى وإسماعيل وإدريس- عليهم الصلاة والسلام- وقد وصفتهم بما هم أهله من صفات كريمة، ليتأسى الناس بهم في ذلك.ثم تسوق السورة الكريمة بعد ذلك موازنة بين هؤلاء الأخيار، وبين من جاءوا بعدهم من أقوامهم الذين أضاعوا الصلاة واتبعوا الشهوات، وتفتح السورة باب التوبة ليدخله بصدق وإخلاص المخطئون، حتى يكفر الله- تعالى- عنهم ما فرط منهم. قال- تعالى-:
19:58
اُولٰٓىٕكَ الَّذِیْنَ اَنْعَمَ اللّٰهُ عَلَیْهِمْ مِّنَ النَّبِیّٖنَ مِنْ ذُرِّیَّةِ اٰدَمَۗ-وَ مِمَّنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوْحٍ٘-وَّ مِنْ ذُرِّیَّةِ اِبْرٰهِیْمَ وَ اِسْرَآءِیْلَ٘-وَ مِمَّنْ هَدَیْنَا وَ اجْتَبَیْنَاؕ-اِذَا تُتْلٰى عَلَیْهِمْ اٰیٰتُ الرَّحْمٰنِ خَرُّوْا سُجَّدًا وَّ بُكِیًّا۩(۵۸)
یہ ہیں جن پر ا لله نے احسان کیا غیب کی خبریں بتانے میں سے آدم کی اولاد سے (ف۹۵) اور ان میں جن کو ہم نے نوح کے ساتھ سوار کیا تھا (ف۹۶) اور ابراہیم (ف۹۷) اور یعقوب کی اولاد سے (ف۹۸) اور ان میں سے جنہیں ہم نے راہ دکھائی اور چن لیا (ف۹۹) جب ان پر رحمن کی آیتیں پڑھی جاتیں گر پڑتے سجدہ کرتے اور روتے (ف۱۰۰) (السجدة) ۵

واسم الإشارة في قوله: أُولئِكَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ ... يعود إلى الأنبياء المذكورين في هذه السورة. وهم عشرة أولهم في الذكر زكريا وآخرهم إدريس.قال القرطبي: «قوله- تعالى- أُولئِكَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ مِنْ ذُرِّيَّةِ آدَمَ يريد إدريس وحده وَمِمَّنْ حَمَلْنا مَعَ نُوحٍ يريد إبراهيم وحده وَمِنْ ذُرِّيَّةِ إِبْراهِيمَ يريد إسماعيل وإسحاق ويعقوب وَمن ذرية إِسْرائِيلَ يريد موسى وهارون وزكريا ويحيى وعيسى فكان لإدريس ونوح شرف القرب من آدم، ولإبراهيم شرف القرب من نوح، ولإسماعيل وإسحاق ويعقوب، شرف القرب من إبراهيم» .وقوله: وَمِمَّنْ هَدَيْنا وَاجْتَبَيْنا معطوف على قوله مِنْ ذُرِّيَّةِ آدَمَ ومن للتبعيض.أى: ومن جملة من أنعم الله عليهم، أولئك الذين هديناهم إلى طريق الحق واجتبيناهم واخترناهم لحمل رسالتنا ووحينا.فأنت ترى أن الله- تعالى- قد جمع لهؤلاء المنعم عليهم جملة من المزايا منها: أعمالهم الصالحة، ومناقبهم الحميدة التي سبق الحديث عنها، ومنها: كونهم من نسل هؤلاء المصطفين الأخيار، ومنها أنهم ممن هداهم الله- تعالى- واصطفاهم لحمل رسالته.وقد بين- سبحانه- في سورة النساء من أنعم عليهم بصورة أكثر شمولا فقال: وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَداءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولئِكَ رَفِيقاً .وقوله- تعالى-: إِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُ الرَّحْمنِ خَرُّوا سُجَّداً وَبُكِيًّا بيان لرقة مشاعرهم، وشدة تأثرهم عند سماع آيات الله- تعالى-.فالجملة الكريمة استئناف مسوق لبيان عظم خشيتهم من الله- تعالى- أو هي خبر لاسم الإشارة أُولئِكَ وسُجَّداً وَبُكِيًّا جمع ساجد وباك.أى: أولئك الذين أنعم الله- تعالى- عليهم، من صفاتهم أنهم إذا تتلى عليهم آيات الرحمن، المتضمنة لتمجيده وتعظيمه وحججه.. خروا على جباههم ساجدين وباكين. وسقطوا خاضعين خاشعين خوفا ورجاء، وتعظيما وتمجيدا لله رب العالمين.وجمع- سبحانه- بين السجود والبكاء بالنسبة لهم، للإشعار بأنهم مع تعظيمهم الشديد لمقام ربهم، فهم أصحاب قلوب رقيقة، وعواطف جياشة بالخوف من الله- تعالى-.وفي معنى هذه الجملة الكريمة وردت آيات كثيرة، منه قوله- تعالى-: قُلْ آمِنُوا بِهِ أَوْ لا تُؤْمِنُوا إِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِهِ إِذا يُتْلى عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلْأَذْقانِ سُجَّداً وَيَقُولُونَ سُبْحانَ رَبِّنا إِنْ كانَ وَعْدُ رَبِّنا لَمَفْعُولًا وَيَخِرُّونَ لِلْأَذْقانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعاً .وقوله- سبحانه-: وَإِذا سَمِعُوا ما أُنْزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُوا مِنَ الْحَقِّ، يَقُولُونَ رَبَّنا آمَنَّا فَاكْتُبْنا مَعَ الشَّاهِدِينَ .فهذه الآيات الكريمة تدل على أن من صفات المؤمنين الصادقين، أنهم يتأثرون تأثرا عظيما عند سماعهم لكلام الله- تعالى-، تأثرا يجعلهم يبكون ويسجدون وتقشعر جلودهم، وتوجل قلوبهم، وتلين نفوسهم.قال ابن كثير- رحمه الله-: قوله- تعالى-: إِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُ الرَّحْمنِ خَرُّوا سُجَّداً وَبُكِيًّا أى: إذا سمعوا كلام الله المتضمن حججه ودلائله وبراهينه سجدوا لربهم خضوعا واستكانة وشكرا على ما هم فيه من نعم.. فلهذا أجمع العلماء على شرعية السجود هاهنا اقتداء بهم، واتباعا لمنوالهم وقرأ عمر بن الخطاب- رضى الله عنه- هذه الآية فسجد وقال: هذا السجود فأين البكاء» .
19:59
فَخَلَفَ مِنْۢ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ اَضَاعُوا الصَّلٰوةَ وَ اتَّبَعُوا الشَّهَوٰتِ فَسَوْفَ یَلْقَوْنَ غَیًّاۙ(۵۹)
تو ان کے بعد ان کی جگہ وہ ناخلف آئے (ف۱۰۱) جنہوں نے نمازیں گنوائیں اور اپنی خواہشوں کے پیچھے ہوئے (ف۱۰۲) تو عنقریب وہ دوزخ میں غی کا جنگل پائیں گے (ف۱۰۳)

ثم بين- سبحانه- ما حدث من الذين جاءوا بعد هؤلاء المنعم عليهم فقال: فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ، أَضاعُوا الصَّلاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَواتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا.ولفظ الخلف بسكون اللام- الأولاد، والواحد والجمع فيه سواء، وأكثر ما يطلق على الأشرار والطالحين، ومنه المثل السائر: «سكت ألفا ونطق خلفا» وقوله الشاعر:ذهب الذين نعيش في أكنافهم ... وبقيت في خلف كجلد الأجربوالمراد بهذا اللفظ في الآية: اليهود والنصارى وغيرهم من المشركين الذين جاءوا بعد أنبيائهم، ولكنهم خالفوا شريعتهم، وأهملوا ما أمروهم به وما نهوهم عنه.أما لفظ «الخلف» بفتح اللام- فيطلق على البدل ولدا كان أو غير ولد وأكثر استعمالاته في المدح، ومنه قوله صلّى الله عليه وسلّم: «يحمل هذا العلم من كل خلف عدوله..» .والمعنى: فخلف من بعد أولئك الأخيار الذين أنعم الله عليهم، خلف سوء وشر، ومن الأدلة على سوئهم وفجورهم أنهم أَضاعُوا الصَّلاةَ بأن تركوها، أو لم يؤدوها على وجهها المشروع وَاتَّبَعُوا الشَّهَواتِ التي جعلتهم ينهمكون في المعاصي، ويسارعون في اقتراف المنكرات.وقوله فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا بيان لسوء عاقبتهم، أى: فسوف يلقى هؤلاء المضيعون للصلاة، المتبعون للشهوات، خسرانا وشرا في دنياهم وآخرتهم، بسبب ضلالهم وتنكبهم الصراط المستقيم.فالمراد بالغىّ: الخسران والضلال. يقال: غوى فلان يغوى إذ ضل. والاسم الغواية.وقيل: المراد بالغيّ هنا: واد في جهنم تستعيذ من حره أوديتها. وقيل: هو نهر في أسفل جهنم يسيل فيه صديد أهلها.
19:60
اِلَّا مَنْ تَابَ وَ اٰمَنَ وَ عَمِلَ صَالِحًا فَاُولٰٓىٕكَ یَدْخُلُوْنَ الْجَنَّةَ وَ لَا یُظْلَمُوْنَ شَیْــٴًـاۙ(۶۰)
مگر جو تائب ہوئے اور ایمان لائے اور اچھے کام کیے تو یہ لوگ جنت میں جائیں گے اور انہیں کچھ نقصان نہ دیا جائے گا (ف۱۰۴)

ثم فتح- سبحانه- للتائبين باب الرحمة فقال: إِلَّا مَنْ تابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صالِحاً....أى: هذا العقاب الشديد للمضيعين للصلاة، وللمتبعين للشهوات، لكن من تاب منهم توبة نصوحا، وآمن بالله- تعالى- حق الإيمان، وعمل في دنياه الأعمال الصالحة.فَأُولئِكَ المنعوتون بالتوبة والإيمان والعمل الصالح يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ بفضله- تعالى- ورحمته وَلا يُظْلَمُونَ شَيْئاً أى: ولا ينقصون من أجور أعمالهم شيئا.
19:61
جَنّٰتِ عَدْنِ ﹰالَّتِیْ وَعَدَ الرَّحْمٰنُ عِبَادَهٗ بِالْغَیْبِؕ-اِنَّهٗ كَانَ وَعْدُهٗ مَاْتِیًّا(۶۱)
بسنے کے باغ جن کا وعدہ رحمن نے اپنے (ف۱۰۵) بندوں سے غیب میں کیا (ف۱۰۶) بیشک اس کا وعدہ آنے والا ہے،

وقوله جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدَ الرَّحْمنُ عِبادَهُ بِالْغَيْبِ. بدل من الجنة في قوله فَأُولئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ.أى: هؤلاء التائبون المؤمنون العاملون للصالحات يدخلهم الله- تعالى- جنات عدن، أى: الجنات الدائمة التي وعدهم الرحمن بدخولها، وكان هذا الوعد في الدنيا قبل أن يشاهدوها أو يروها.فقوله: بِالْغَيْبِ حال من المفعول وهو عِبادَهُ أى: وعدهم بها حالة كونهم غائبين عنها، لا يرونها، وإنما آمنوا بوجودها بمجرد إخباره- سبحانه- لهم بذلك.وقد أكد- سبحانه- هذا الوعد لهم في الدنيا بقوله: إِنَّهُ كانَ وَعْدُهُ مَأْتِيًّا أى: إنه- تعالى- كان وما زال ما وعد به عباده وهو الجنة مَأْتِيًّا أى: يأتيه ويصل إليه من وعده الله- تعالى- به، لأنه- سبحانه- لا يخلف وعده.فقوله: مَأْتِيًّا اسم مفعول من أتاه الشيء بمعنى جاءه، وقيل: هو اسم مفعول بمعنى فاعل، أى: إن وعده- سبحانه- لعباده كان آتيا لا ريب فيه.
19:62
لَا یَسْمَعُوْنَ فِیْهَا لَغْوًا اِلَّا سَلٰمًاؕ-وَ لَهُمْ رِزْقُهُمْ فِیْهَا بُكْرَةً وَّ عَشِیًّا(۶۲)
وہ اس میں کوئی بیکار بات نہ سنیں گے مگر سلام (ف۱۰۷) اور انہیں اس میں ان کا رزق ہے صبح و شام (ف۱۰۸)

ثم وصف- سبحانه- الجنات وأهلها بما يحمل العقلاء على العمل الصالح الذي يوصلهم إليها بفضله- تعالى- وكرمه فقال: لا يَسْمَعُونَ فِيها لَغْواً إِلَّا سَلاماً ...واللغو: هو فضول الكلام، وما لا قيمة له منه، ويدخل فيه الكلام الباطل.وقوله إِلَّا سَلاماً الظاهر فيه أنه استثناء منقطع، لأن المستثنى ليس من جنس المستثنى منه.أى: لا يسمعون فيها كلاما لغوا، لكنهم يسمعون فيها سلاما. أى: تسليما من الملائكة عليهم، كما قال- تعالى-: وَالْمَلائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بابٍ سَلامٌ عَلَيْكُمْ بِما صَبَرْتُمْ ...أو يسمعون فيها تسليما وتحية من بعضهم على بعض، كما قال- تعالى-: وَتَحِيَّتُهُمْ فِيها سَلامٌ.قال الآلوسى: قوله إلا سلاما، استثناء منقطع، والسلام إما بمعناه المعروف.أى: لكن يسمعون تسليم الملائكة عليهم، أو تسليم بعضهم على بعض، أو بمعنى الكلام السالم من العيب والنقص، أى: لكن يسمعون كلاما سالما من العيب والنقص.وجوز أن يكون استثناء متصلا، وهو من تأكيد المدح بما يشبه الذم، كما في قوله:ولا عيب فيهم غير أن سيوفهم ... بهن فلول من قراع الكتائبوهو يفيد نفى سماع اللغو بالطريق البرهاني الأقوى. والاتصال على هذا على طريق الفرض والتقدير، ولولا ذلك لم يقع موقعه من الحسن والمبالغة» .وقوله- تعالى-: وَلَهُمْ رِزْقُهُمْ فِيها بُكْرَةً وَعَشِيًّا بيان لدوام رزقهم فيها بدون انقطاع، إذ ليس في الجنة نهار ولا ليل، ولا بكرة ولا عشى ...قال القرطبي ما ملخصه قوله وَلَهُمْ رِزْقُهُمْ فِيها بُكْرَةً وَعَشِيًّا أى: لهم ما يشتهون من المطاعم والمشارب بكرة وعشيا، أى: في قدر هذين الوقتين، إذ لا بكرة ثم- أى هناك- ولا عشيا.. وقيل: رزقهم فيها غير منقطع ...وخرج الحكيم الترمذي في نوادر الأصول من حديث أبان عن الحسن وأبى قلابة قالا: قال رجل يا رسول الله، هل في الجنة من ليل؟ قال صلّى الله عليه وسلّم: «وما هيجك على هذا» ؟ قال:سمعت الله- تعالى- يذكر في الكتاب: وَلَهُمْ رِزْقُهُمْ فِيها بُكْرَةً وَعَشِيًّا فقلت: الليل بين البكرة والعشى. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ليس هناك ليل وإنما هو ضوء ونور، يرد الغدو على الرواح، والرواح على الغدو، وتأتيهم طرف الهدايا من الله لمواقيت الصلاة التي كانوا يصلون فيها في الدنيا، وتسلم عليهم الملائكة» .ثم قال الإمام القرطبي: «وهذا في غاية البيان لمعنى الآية ... » .
19:63
تِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِیْ نُوْرِثُ مِنْ عِبَادِنَا مَنْ كَانَ تَقِیًّا(۶۳)
یہ وہ باغ ہے جس کا وارث ہم اپنے بندوں میں سے اسے کریں گے جو پرہیزگار ہے،

ثم أضاف- سبحانه- إلى تعظيمه لشأن الجنة تعظيما آخر فقال: تِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي نُورِثُ مِنْ عِبادِنا مَنْ كانَ تَقِيًّا.فاسم الإشارة تِلْكَ يعود إلى ما تقدم من قوله: فَأُولئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ ...وقوله جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدَ الرَّحْمنُ عِبادَهُ بِالْغَيْبِ ...أى: تلك هي الجنة العظيمة الشأن، العالية القدر، التي نجعلها ميراثا للمؤمنين الصادقين المتقين من عبادنا، كما قال- تعالى-: أُولئِكَ هُمُ الْوارِثُونَ الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيها خالِدُونَ وكما قال- سبحانه-: تِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي أُورِثْتُمُوها بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ.قال صاحب الكشاف: قوله نُورِثُ.. أى: نبقى عليه الجنة كما نبقى على الوارث مال المورث، ولأن الأتقياء يلقون ربهم يوم القيامة وقد انقضت أعمالهم وثمرتها باقية وهي الجنة، فإذا أدخلهم- سبحانه- الجنة، فقد أورثهم من تقواهم كما يورث الوارث المال من المتوفى..» .ثم ساق- سبحانه- ما يدل على كمال قدرته، وشمول علمه، فقال- تعالى-:
19:64
وَ مَا نَتَنَزَّلُ اِلَّا بِاَمْرِ رَبِّكَۚ-لَهٗ مَا بَیْنَ اَیْدِیْنَا وَ مَا خَلْفَنَا وَ مَا بَیْنَ ذٰلِكَۚ-وَ مَا كَانَ رَبُّكَ نَسِیًّاۚ(۶۴)
(اور جبریل نے محبوب سے عرض کی (ٖف ۱۰۹) ہم فرشتے نہیں اترتے مگر حضور کے رب کے حکم سے اسی کا ہے جو ہمارے آگے ہے اور جو ہمارے پیچھے اور جو اس کے درمیان ہے (ف۱۱۰) اور حضور کا رب بھولنے والا نہیں (ف۱۱۱)

والتنزل: النزول على مهل. فإنه مطاوع نزل- بالتشديد-، يقال: نزلته فتنزل، إذا حدث النزول على مهل وتدرج. وقد يطلق التنزيل بمعنى النزول مطلقا، إلا أن المناسب هنا هو المعنى الأول.والآية الكريمة حكاية لما قاله جبريل للنبي صلّى الله عليه وسلّم، فقد ذكر كثير من المفسرين أن الوحى احتبس عن الرسول صلّى الله عليه وسلّم لفترة من الوقت بعد أن سأله المشركون أسئلة تتعلق بأصحاب الكهف. وبذي القرنين وبالروح، حتى قال المشركون: إن رب محمد صلّى الله عليه وسلّم قد قلاه- أى: أبغضه وكرهه- فلما نزل جبريل على النبي صلّى الله عليه وسلّم بعد فترة من غياب- قيل خمسة عشر يوما وقيل أكثر قال له: يا جبريل احتبست عنى حتى ساء ظني واشتقت إليك فقال له جبريل: إنى كنت أشوق ولكني عبد مأمور، إذا بعثت جئت، وإذا حبست احتبست، وأنزل الله- تعالى- هذه الآية وسورة الضحى» .وقال الآلوسى: «ولا يأبى ما تقدم في سبب النزول ما أخرجه أحمد، والبخاري والترمذي، والنسائي، وجماعة، في سببه عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لجبريل: ما يمنعك أن تزورنا أكثر مما تزورنا؟ فنزلت: وَما نَتَنَزَّلُ إِلَّا بِأَمْرِ رَبِّكَ..لجواز أن يكون صلّى الله عليه وسلّم قال ذلك في محاورته السابقة- أيضا-، واقتصر في كل رواية على شيء مما وقع في المحاورة ... » .والمعنى: قال جبريل للرسول صلّى الله عليه وسلّم عند ما سأله عن سبب احتباسه عنه لفترة من الوقت: يا محمد إنى ما أتنزل عليك وقتا بعد وقت، إلا بأمر ربك وإرادته، فأنا عبده الذي لا يعصى له أمرا ...لَهُ- سبحانه- ما بَيْنَ أَيْدِينا وَما خَلْفَنا وَما بَيْنَ ذلِكَ أى: له وحده جميع الجهات والأماكن، وجميع الأزمان الحاضرة والماضية والمستقبلة، وما بين ذلك، فلا نقدر أن ننتقل من جهة إلى جهة، أو من وقت إلى وقت إلا بأمر ربك ومشيئته.فالجملة الكريمة مسوقة لبيان ملكية الله- تعالى- لكل شيء، وقدرته على كل شيء وعلمه بكل شيء.وقوله- تعالى-: وَما كانَ رَبُّكَ نَسِيًّا مؤكد لما قبله من إثبات قدرة الله- تعالى- وعلمه.أى: وما كان ربك- أيها الرسول الكريم- ناسيا أو تاركا لك أو مهملا لشأنك، ولكنه- سبحانه- محيط بأحوالك وبأحوال جميع المخلوقات لا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقالُ ذَرَّةٍ فِي السَّماواتِ وَلا فِي الْأَرْضِ، وَلا أَصْغَرُ مِنْ ذلِكَ وَلا أَكْبَرُ إِلَّا فِي كِتابٍ مُبِينٍ.قال ابن كثير: «قال ابن أبى حاتم: حدثنا يزيد بن محمد ... عن أبى الدرداء يرفعه قال:«ما أحل الله في كتابه فهو حلال، وما حرمه فهو حرام، وما حرمه فهو حرام، وما سكت عنه فهو عافية، فاقبلوا من الله عافيته، فإن الله لم يكن لينسى شيئا» ثم تلا هذه الآية: وَما كانَ رَبُّكَ نَسِيًّا .
19:65
رَبُّ السَّمٰوٰتِ وَ الْاَرْضِ وَ مَا بَیْنَهُمَا فَاعْبُدْهُ وَ اصْطَبِرْ لِعِبَادَتِهٖؕ-هَلْ تَعْلَمُ لَهٗ سَمِیًّا۠(۶۵)
آسمانوں اور زمین اور جو کچھ ان کے بیچ میں ہے سب کا مالک تو اے پوجو اور اس کی بندگی پر ثابت رہو، کیا اس کے نام کا دوسرا جانتے ہو (ف۱۱۲)

ثم قال- تعالى-: رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُما أى: هو رب السموات والأرض ورب ما بينهما، وهو خالقهما وخالق كل شيء، ومالكهما ومالك كل شيء.وما دام الأمر كذلك: فَاعْبُدْهُ وَاصْطَبِرْ لِعِبادَتِهِ أى: فأخلص له العبادة ووطن نفسك على أداء هذه العبادة بصبر وجلد وقوة احتمال، فإن المداومة على طاعة الله تحتاج إلى عزيمة صادقة، ومجاهدة للنفس الأمارة بالسوء.والاستفهام في قوله: هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا للإنكار والنفي. والسمى بمعنى المسامى والمضاهي والنظير والشبيه.أى: هل تعلم له نظيرا أو شبيها يستحق معه المشاركة في العبادة أو الطاعة؟ كلا، إنك لا تعلم ذلك، لأنه- سبحانه- هو وحده المستحق للعبادة والطاعة، إذ هو الخالق لكل شيء والعليم بكل شيء، والقادر على كل شيء، وما سواه إنما هو مخلوق له، وساجد له طوعا أو كرها، ولا شبهة في صفة من صفاته، فهو- سبحانه- لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ.ثم ساقت السورة الكريمة بعد ذلك موقف المشركين من عقيدة البعث. فحكت أقوالهم الباطلة، وردت عليهم بما يكبتهم وبينت أن يوم القيامة آت لا ريب فيه، وأن النجاة في هذا اليوم للمتقين، والعذاب والخسران للكافرين قال- تعالى-:
19:66
وَ یَقُوْلُ الْاِنْسَانُ ءَاِذَا مَا مِتُّ لَسَوْفَ اُخْرَ جُ حَیًّا(۶۶)
اور آدمی کہتا ہے کیا جب میں مرجاؤں گا تو ضرور عنقریب جِلا کر نکالا جاؤں گا (ف۱۱۳)

ذكر كثير من المفسرين أن قوله- تعالى-: وَيَقُولُ الْإِنْسانُ ... نزل في أشخاص معينين.فمنهم من يرى أن هذه الآية نزلت في «أبى بن خلف» فإنه أخذ عظما باليا، فجعل يفتته بيده، ويذريه في الريح ويقول: زعم محمد صلّى الله عليه وسلّم أننا نبعث بعد أن نموت ونصير مثل هذا العظم البالي ومنهم من يرى أنها نزلت في الوليد بن المغيرة، أو في العاصي بن وائل، أو في أبى جهل.وعلى كل واحد من هذه الأقوال تكون أل في الإنسان للعهد، والمراد بها أحد هؤلاء الأشخاص، ويكون لفظ الإنسان من قبيل العام الذي أريد به الخصوص.ومن الأساليب العربية المعروفة، إسناد الفعل إلى المجموع، مع أن فاعله بعضهم لا جميعهم كما يقال: بنو فلان قتلوا فلانا مع أن القاتل واحد منهم، ومن هذا القبيل قول الفرزدق: فسيوف بنى عبس وقد ضربوا به ... نبت بيدي ورقاء من رأس خالدفقد أسند الضرب إلى بنى عبس، مع أنه صرح بأن الضارب هو ورقاء الذي كان السيف بيده.وقيل: المراد بالإنسان هنا: جماعة معينون وهم الكفرة المنكرون للبعث أو المراد: جنس الكافر المنكر للبعث.و «إذا» في قوله: أَإِذا ما مِتُّ منصوب بفعل مضمر دل عليه جزاء الشرط.والمعنى: ويقول هذا الإنسان الجاهل الجحود، المنكر للبعث والنشور، أأعود للحياة مرة أخرى بعد موتى، وبعد أن أكون كالعظام النخرة.والاستفهام للإنكار والنفي، وعبر- سبحانه- بالمضارع يَقُولُ لاستحضار تلك الصورة الغريبة، وتلك الأقوال المنكرة التي صدرت عن هذا الكافر، أو لإفادة أن هذا القول موجود ومستمر عند كثير من الكافرين.وشبيه بهذه الآية قوله- تعالى- حكاية عن هؤلاء الجاحدين: أَإِذا مِتْنا وَكُنَّا تُراباً ذلِكَ رَجْعٌ بَعِيدٌ .وقوله- عز وجل-: يَقُولُونَ أَإِنَّا لَمَرْدُودُونَ فِي الْحافِرَةِ. أَإِذا كُنَّا عِظاماً نَخِرَةً قالُوا تِلْكَ إِذاً كَرَّةٌ خاسِرَةٌ .
19:67
اَوَ لَا یَذْكُرُ الْاِنْسَانُ اَنَّا خَلَقْنٰهُ مِنْ قَبْلُ وَ لَمْ یَكُ شَیْــٴًـا(۶۷)
اور کیا آدمی کو یاد نہیں کہ ہم نے اس سے پہلے اسے بنایا اور وہ کچھ نہ تھا (ف۱۱۴)

وقد رد الله- تعالى- عليهم بما يبطل قولهم، ويخرس ألسنتهم فقال: أَوَلا يَذْكُرُ الْإِنْسانُ أَنَّا خَلَقْناهُ مِنْ قَبْلُ وَلَمْ يَكُ شَيْئاً.والاستفهام للتوبيخ والتقريع، والواو للعطف على مقدر.والمعنى: أيقول هذا الإنسان ذلك القول الباطل، ولا يتذكر أننا أوجدناه بقدرتنا من العدم ولم يكن شيئا مذكورا، ومن المعروف عند العقلاء، أن إعادة الإنسان إلى الحياة بعد وجوده، أيسر من إيجاده من العدم.فالآية الكريمة ترد على كل جاحد للبعث بدليل منطقي برهاني، يهدى القلوب إلى الحق، ويقنع العقول بأن البعث حق وصدق.وفي معنى هذه الآية الكريمة جاءت آيات أخرى كثيرة منها قوله- تعالى- وَضَرَبَ لَنا مَثَلًا وَنَسِيَ خَلْقَهُ، قالَ مَنْ يُحْيِ الْعِظامَ وَهِيَ رَمِيمٌ، قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَها أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ.. .وقوله- سبحانه-: وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ النَّشْأَةَ الْأُولى فَلَوْلا تَذَكَّرُونَ .قال الإمام ابن كثير: «وفي الحديث الصحيح- الذي يرويه النبي صلّى الله عليه وسلّم عن ربه:«يقول الله- تعالى- كذبني ابن آدم ولم يكن له أن يكذبني، وآذاني ابن آدم ولم يكن له أن يؤذيني. أما تكذيبه لي فقوله: لن يعيدني كما بدأنى، وليس أول الخلق أهون على من آخره.وأما أذاه إياى فقوله: «إن لي ولدا وأنا الأحد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد» .
19:68
فَوَرَبِّكَ لَنَحْشُرَنَّهُمْ وَ الشَّیٰطِیْنَ ثُمَّ لَنُحْضِرَنَّهُمْ حَوْلَ جَهَنَّمَ جِثِیًّاۚ(۶۸)
تو تمہارے رب کی قسم ہم انہیں (ف۱۱۵) اور شیطانوں سب کو گھیر لائیں گے (ف۱۱۶) اور انہیں دوزخ کے آس پاس حاضر کریں گے گھٹنوں کے بل گرے،

ثم عقب- سبحانه- على هذا التوبيخ والتقريع لهذا الإنسان الجاحد، بقسم منه- سبحانه- على وقوع البعث والنشور، فقال: فَوَ رَبِّكَ لَنَحْشُرَنَّهُمْ وَالشَّياطِينَ، ثُمَّ لَنُحْضِرَنَّهُمْ حَوْلَ جَهَنَّمَ جِثِيًّا.والحشر: الجمع. يقال: حشر القائد جنده، إذا جمعهم.والمراد بالشياطين: أولئك الأشرار الذين كانوا في الدنيا يوسوسون لهم بإنكار البعث.أى: أقسم لك بذاتى- أيها الرسول الكريم- أن هؤلاء المنكرين للبعث لنجمعنهم جميعا يوم القيامة للحساب والجزاء، ولنجمعن معهم الشياطين الذين كانوا يضلونهم في الدنيا.قالوا: وفائدة القسم أمران: أحدهما: أن العادة جارية بتأكيد الخبر باليمين، والثاني: أن في إقسام الله- تعالى- باسمه، مضافا إلى الرسول صلّى الله عليه وسلّم رفعا منه لشأنه، كما رفع من شأن السموات والأرض في قوله- تعالى-: فَوَ رَبِّ السَّماءِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ مِثْلَ ما أَنَّكُمْ تَنْطِقُونَ .وقوله: ثُمَّ لَنُحْضِرَنَّهُمْ حَوْلَ جَهَنَّمَ جِثِيًّا تصوير حسى بليغ لسوء مصيرهم، ونكد حالهم.وجِثِيًّا جمع جاث وهو الجالس على ركبتيه. يقال: جثا فلان يجثو ويجثى جثوا وجثيا فهو جاث إذا جلس على ركبتيه، أو قام على أطراف أصابعه. والعادة عند العرب أنهم إذا كانوا في موقف شديد، وأمر ضنك جثوا على ركبهم.أى: فوربك لنحضرنهم يوم القيامة للحساب ومعهم شياطينهم، ثم لنحضرنهم جميعا حول جهنم، حالة كونهم باركين على الركب، عجزا منهم عن القيام، بسبب ما يصيبهم من هول يوم القيامة وشدته.قال- تعالى-: وَتَرى كُلَّ أُمَّةٍ جاثِيَةً، كُلُّ أُمَّةٍ تُدْعى إِلى كِتابِهَا، الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ، هذا كِتابُنا يَنْطِقُ عَلَيْكُمْ بِالْحَقِّ، إِنَّا كُنَّا نَسْتَنْسِخُ ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ .
19:69
ثُمَّ لَنَنْزِعَنَّ مِنْ كُلِّ شِیْعَةٍ اَیُّهُمْ اَشَدُّ عَلَى الرَّحْمٰنِ عِتِیًّاۚ(۶۹)
پھر ہم (ف۱۱۷) ہر گروہ سے نکالیں گے جو ان میں رحمن پر سب سے زیادہ بے باک ہوگا (ف۱۱۸)

ثم يخص- سبحانه- بالذكر المصير المفزع للمتكبرين من هؤلاء الكافرين فيقول:ثُمَّ لَنَنْزِعَنَّ مِنْ كُلِّ شِيعَةٍ أَيُّهُمْ أَشَدُّ عَلَى الرَّحْمنِ عِتِيًّا.والنزع: العزل والإخراج. يقال: نزع السلطان عامله، إذا عزله وأخرجه من عمله، والشيعة في الأصل: الجماعة من الناس يتعاونون فيما بينهم على أمر من الأمور، يقال: تشايع القوم، إذا تعاونوا فيما بينهم.وعِتِيًّا أى: خروجا عن الطاعة والاستجابة للأمر، يقال: عتا فلان يعتو عتوا- من باب قعد- فهو عات إذا استكبر وجاوز حدوده في العصيان والطغيان.والمعنى: ثم لنستخرجن من كل طائفة تشايعت وتعاهدت على الكفر بالبعث، والجحود للحق، الذين هم أشد خروجا عن طاعتنا وامتثال أمرنا فنبدأ بتعذيبهم أولا، لأنهم أشد من غيرهم في العتو والعناد والجحود والضلال.قال الجمل ما ملخصه: «وأظهر الأعاريب في قوله: أَيُّهُمْ أَشَدُّ أن «أى» موصولة بمعنى الذي. وأن حركتها حركة بناء- أى هي مبنية على الضم-، وأشد خبر مبتدأ مضمر.والجملة صلة لأى. وأيهم وصلتها في محل نصب مفعولا به لننزعن. وعتيا تمييز محول عن المبتدأ المحذوف الذي هو أشد، أى: جراءته على الرحمن أشد من جراءة غيره» .
19:70
ثُمَّ لَنَحْنُ اَعْلَمُ بِالَّذِیْنَ هُمْ اَوْلٰى بِهَا صِلِیًّا(۷۰)
پھر ہم خوب جانتے ہیں جو اس آگ میں بھوننے کے زیادہ لائق ہیں،

وقوله- تعالى-: ثُمَّ لَنَحْنُ أَعْلَمُ بِالَّذِينَ هُمْ أَوْلى بِها صِلِيًّا بيان لشمول علمه- تعالى- بأحوال هؤلاء الجاحدين، وبأحوال غيرهم.وصِلِيًّا مصدر صلى النار- كرضى- يصلاها صليا- بكسر الصاد وضمها- إذا ذاق حرها، واكتوى بها.أى: ثم لنحن أعلم من كل أحد سوانا، بالذين هم أحق بجهنم، وباصطلاء نارها، وبالاكتواء بحرها وسعيرها، لأننا لا يخفى علينا شيء من أحوال خلقنا وسنجازى المتقين بما يستحقون من خير وثواب، وسنجازى الجاحدين بما يستحقون من إهانة وعذاب.
19:71
وَ اِنْ مِّنْكُمْ اِلَّا وَارِدُهَاۚ-كَانَ عَلٰى رَبِّكَ حَتْمًا مَّقْضِیًّاۚ(۷۱)
اور تم میں کوئی ایسا نہیں جس کا گزر دوزخ پر نہ ہو (ف۱۱۹) تمہارے رب کے ذمہ پر یہ ضرور ٹھہری ہوئی بات ہے (ف۱۲۰)

ثم بين- سبحانه- أن الجميع سيرد جهنم، فقال: وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وارِدُها كانَ عَلى رَبِّكَ حَتْماً مَقْضِيًّا.وللعلماء أقوال متعددة في المراد بقوله- تعالى- وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وارِدُها.فمنهم من يرى أن المراد بورودها: دخولها فجميع الناس مؤمنهم وكافرهم يدخلونها، إلا أن النار تكون بردا وسلاما على المؤمنين عند دخولهم إياها، وتكون لهيبا وسعيرا على غيرهم.ومنهم من يرى أن المراد بورودها: رؤيتها والقرب منها والإشراف عليها دون دخولها. كما في قوله- تعالى- وَلَمَّا وَرَدَ ماءَ مَدْيَنَ أى: أشرف عليه وقاربه.ومنهم من يرى أن المراد بورودها، خصوص الكافرين، أى: أنهم وحدهم هم الذين يردون عليها ويدخلونها. أما المؤمنون فلا يردون عليها ولا يدخلونها.ويبدو لنا أن المراد بالورود هنا: الدخول، أى: دخول النار بالنسبة للناس جميعا إلا أنها تكون بردا وسلاما على المؤمنين، وهناك أدلة على ذلك منها.أن هناك آيات قرآنية جاء فيها الورود، بمعنى الدخول، ومن هذه الآيات قوله- تعالى-: وَلَقَدْ أَرْسَلْنا مُوسى بِآياتِنا وَسُلْطانٍ مُبِينٍ. إِلى فِرْعَوْنَ وَمَلَائِهِ فَاتَّبَعُوا أَمْرَ فِرْعَوْنَ. وَما أَمْرُ فِرْعَوْنَ بِرَشِيدٍ. يَقْدُمُ قَوْمَهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ فَأَوْرَدَهُمُ النَّارَ وَبِئْسَ الْوِرْدُ الْمَوْرُودُ .ومعنى فأوردهم: فأدخلهم.يضاف إلى ذلك أن قوله- تعالى- بعد هذه الآية: ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيها جِثِيًّا قرينة قوية على أن المراد بقوله وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وارِدُها.. أى: داخلها سواء أكان مؤمنا أم كافرا، إلا أنه- سبحانه- بفضله وكرمه ينجى الذين اتقوا من حرها، ويترك الظالمين يصطلون بسعيرها.كذلك مما يشهد بأن الورود بمعنى الدخول، ما أخرجه الإمام أحمد وعبد بن حميد والترمذي، وابن المنذر، وابن أبى حاتم، والحاكم ... عن أبى سمية قال: اختلفنا في الورود فقال بعضنا لا يدخلها مؤمن، وقال آخرون يدخلونها جميعا، ثم ينجى الله الذين اتقوا.قال: فلقيت جابر بن عبد الله- رضى الله عنهما- فذكرت له ذلك فقال- وأهوى بإصبعه على أذنيه- صمّتا إن لم أكن سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «لا يبقى بر ولا فاجر إلا دخلها، فتكون على المؤمنين بردا وسلاما، كما كانت على إبراهيم حتى إن للنار ضجيجا من بردهم، ثم ينجى الله الذين اتقوا، ويذر الظالمين فيها جثيا» .ولا يمنع من كون الورود بمعنى الدخول قوله- تعالى- إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنى أُولئِكَ عَنْها مُبْعَدُونَ. لا يَسْمَعُونَ حَسِيسَها.. لأن دخول المؤمنين فيها لا يجعلهم يشعرون بحرها أو حسيسها، وإنما هي تكون بردا وسلاما عليهم، كما جاء في الحديث الشريف.قال الإمام القرطبي بعد أن توسع في ذكر هذه الأقوال: «وظاهر الورود الدخول..إلا أنها تكون بردا وسلاما على المؤمنين، وينجون منها سالمين. قال خالد بن معدان: إذا دخل أهل الجنة الجنة قالوا: ألم يقل ربنا: إنا نرد النار فيقال لهم: لقد وردتموها فألفيتموها رمادا.قلت: وهذا القول يجمع شتات الأقوال، فإن من وردها ولم تؤذه بلهبها وحرها، فقد أبعد عنها ونجى منها، نجانا الله- تعالى- منها بفضله وكرمه، وجعلنا ممن وردها فدخلها سالما، وخرج منها غانما.فإن قيل: فهل يدخل الأنبياء النار؟ قلنا: لا نطلق هذا، ولكن نقول: إن الخلق جميعا يردونها- كما دل عليه حديث جابر- فالعصاة يدخلونها بجرائمهم، والأولياء والسعداء لشفاعتهم، فبين الدخولين بون..» .والمعنى: وما منكم- أيها الناس- أحد إلا وهو داخل النار، سواء أكان مسلما أم كافرا، إلا أنها تكون بردا وسلاما على المؤمنين. وهذا الدخول فيها كان على ربك أمرا واجبا ومحتوما، بمقتضى حكمته الإلهية، لا بإيجاب أحد عليه.
19:72
ثُمَّ نُنَجِّی الَّذِیْنَ اتَّقَوْا وَّ نَذَرُ الظّٰلِمِیْنَ فِیْهَا جِثِیًّا(۷۲)
پھر ہم ڈر والوں کو بچالیں گے (ف۱۲۱) اور ظالموں کو اس میں چھوڑ دیں گے گھٹنوں کے بل گرے،

ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا أى: ثم بعد دخول الناس جميعا النار، ننجي الذين اتقوا، فنخرجهم منها دون أن يذوقوا حرها وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيها جِثِيًّا أى: ونترك الظالمين في النار مخلدين فيها. جاثين على ركبهم، عاجزين عن الحركة، من شدة ما يصيبهم من هولها وسعيرها.وبذلك نرى الآيات الكريمة قد حكت لنا أقوال الجاحدين في شأن البعث والحساب، وردت عليهم ردا يبطل أقوالهم، كما أثبتت أن البعث حق، وأن الحساب حق، وأن الظالمين سيدخلون النار، وأن المؤمنين سينجيهم الله- تعالى- بفضله منها.ثم تسوق السورة بعد ذلك موقف الكافرين عند سماعهم لآيات الله- تعالى- كما تسوق ما قالوه للمؤمنين على سبيل التفاخر عليهم، وما رد به القرآن على هؤلاء المترفين المتعالين، قال- تعالى-:
19:73
وَ اِذَا تُتْلٰى عَلَیْهِمْ اٰیٰتُنَا بَیِّنٰتٍ قَالَ الَّذِیْنَ كَفَرُوْا لِلَّذِیْنَ اٰمَنُوْۤاۙ-اَیُّ الْفَرِیْقَیْنِ خَیْرٌ مَّقَامًا وَّ اَحْسَنُ نَدِیًّا(۷۳)
اور جب ان پر ہماری روشن آیتیں پڑھی جاتی ہیں (ف۱۲۲) کافر مسلمانوں سے کہتے ہیں کون سے گروہ کا مکان اچھا اورمجلس بہتر ہے (ف۱۲۳)

فقوله- سبحانه-: وَإِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُنا بَيِّناتٍ ... حكاية لما قاله الكافرون للمؤمنين على سبيل التباهي والتفاخر.أى: وإذا تتلى على هؤلاء المشركين المنكرين للبعث آياتنا البينات الواضحات، الدالة على صحة وقوع البعث والحساب يوم القيامة قالَ الَّذِينَ كَفَرُوا على سبيل العناد والتعالي لِلَّذِينَ آمَنُوا بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر، قالوا لهم انظروا أَيُّ الْفَرِيقَيْنِ خَيْرٌ مَقاماً وَأَحْسَنُ نَدِيًّا.والمقام- بفتح الميم-: مكان القيام والمراد به مساكنهم ومنازلهم التي يسكنونها وينزلون بها.والندى والنادي والمنتدى: مجلس القوم ومكان تجمعهم.يقال: ندوت القوم أندوهم ندوا، إذا جمعتهم في مجلس للانتداء. ومنه: دار الندوة للمكان الذي كانت تجتمع فيه قريش للتشاور في أمورها.أى: وإذا تتلى على هؤلاء الكافرين آياتنا الدالة على وحدانيتنا وقدرتنا وعلى أن البعث حق. قالوا للمؤمنين على سبيل الاحتقار لهم: نحن وأنتم أينا خير من الآخر مكانا، وأحسن مجلسا ومجتمعا فهم يتفاخرون على المؤمنين بمساكنهم الفارهة، ومجالسهم التي يجتمع فيها أغنياؤهم ووجهاؤهم.قال الجمل في حاشيته: «أى قالوا للمؤمنين: انظروا إلى منازلنا فتروها أحسن من منازلكم وانظروا إلى مجلسنا عند التحدث ومجلسكم، فترونا نجلس في صدر المجلس، وأنتم جالسون في طرفه الحقير. فإذا كنا بهذه المثابة وأنتم بتلك فنحن عند الله خير منكم، ولو كنتم على حق لأكرمكم الله بهذه الأمور كما أكرمنا بها» .وما حكاه الله- تعالى- عن هؤلاء الكافرين في هذه الآية، قد جاء ما يشبهه في آيات أخرى، ومن ذلك قوله- تعالى-: وَقالُوا نَحْنُ أَكْثَرُ أَمْوالًا وَأَوْلاداً وَما نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ .
19:74
وَ كَمْ اَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِّنْ قَرْنٍ هُمْ اَحْسَنُ اَثَاثًا وَّ رِءْیًا(۷۴)
اور ہم نے ان سے پہلے کتنی سنگتیں کھپادیں (قومیں ہلاک کردیں) (ف۱۲۴) کہ وہ ان سے بھی سامان اور نمود میں بہتر تھے،

وقد رد الله- تعالى- على هؤلاء الجاهلين المغرورين بقوله: وَكَمْ أَهْلَكْنا قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْنٍ هُمْ أَحْسَنُ أَثاثاً وَرِءْياً.وكَمْ هنا خبرية، ومعناها الاخبار عن العدد الكثير وهي في محل نصب على المفعول به لجملة أَهْلَكْنا ومِنْ قَرْنٍ تمييز لها. والقرن: اسم لأهل كل أمة تتقدم في الوجود على غيرها، مأخوذ من قرن الدابة لتقدمه فيها.والأثاث المتاع للبيت. وقيل: هو الجديد من الفراش، وقد يطلق على المال بصفة عامة.ورِءْياً أى: منظرا وهيئة ومرأى في العين مأخوذ من الرؤية التي تراها العين.والمعنى: قل- أيها الرسول الكريم- لهؤلاء الكافرين المتباهين بمساكنهم ومجالسهم: لا تفتخروا ولا يغرنكم ما أنتم فيه من نعيم، فإنما هو نوع من الاستدراج، فإن الله- تعالى- قد أهلك كثيرا من الأمم السابقة عليكم، كانوا أحسن منكم متاعا وزينة، وكانوا أجمل منكم منظرا وهيئة فلم ينفعهم أثاثهم ورياشهم ومظهرهم الحسن، عند ما أراد الله- تعالى- إهلاكهم بسبب كفرهم وجحودهم.فالآية الكريمة تهديد للكافرين المعاصرين للنبي صلّى الله عليه وسلّم ورد على أقوالهم الباطلة، وعنجهيتهم الذميمة إذ لو كانت المظاهر والأمتعة والهيئات الحسنة تنفع أصحابها، لنفعت أولئك المهلكين من الأمم السابقة.وشبيه بهذه الآية في الرد على هؤلاء الكافرين قوله- تعالى-: وَما أَمْوالُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ بِالَّتِي تُقَرِّبُكُمْ عِنْدَنا زُلْفى. إِلَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صالِحاً فَأُولئِكَ لَهُمْ جَزاءُ الضِّعْفِ بِما عَمِلُوا وَهُمْ فِي الْغُرُفاتِ آمِنُونَ.وقوله- سبحانه-: فَذَرْنِي وَمَنْ يُكَذِّبُ بِهذَا الْحَدِيثِ سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لا يَعْلَمُونَ. وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ .
19:75
قُلْ مَنْ كَانَ فِی الضَّلٰلَةِ فَلْیَمْدُدْ لَهُ الرَّحْمٰنُ مَدًّاۚ۬-حَتّٰۤى اِذَا رَاَوْا مَا یُوْعَدُوْنَ اِمَّا الْعَذَابَ وَ اِمَّا السَّاعَةَؕ-فَسَیَعْلَمُوْنَ مَنْ هُوَ شَرٌّ مَّكَانًا وَّ اَضْعَفُ جُنْدًا(۷۵)
تم فرماؤ جو گمراہی میں ہو تو اسے رحمن خوب ڈھیل دے (ف۱۲۵) یہاں تک کہ جب وہ دیکھیں وہ چیز جس کا انہیں وعدہ دیا جاتا ہے یا تو عذاب (ف۱۲۶) یا قیامت (ف۱۲۷) تو اب جان لیں گے کہ کس کا برا درجہ ہے اور کس کی فوج کمزور (ف۱۲۸)

ثم أمر الله- تعالى- رسوله صلّى الله عليه وسلّم أن يضيف إلى تهديدهم السابق تهديدا آخر فقال:قُلْ مَنْ كانَ فِي الضَّلالَةِ فَلْيَمْدُدْ لَهُ الرَّحْمنُ مَدًّا ...أى: قل- أيها الرسول الكريم- لهؤلاء الكافرين المتفاخرين بمساكنهم ومظاهرهم.. قل لهم: من كان منغمسا في الضلالة والشقاوة والغفلة.. فقد اقتضت حكمة الله- تعالى- أن يمد له العطاء كأن يطيل عمره ويوسع رزقه، على سبيل الاستدراج والإمهال..فصيغة الطلب وهي قوله- تعالى-: فَلْيَمْدُدْ على هذا التفسير، المراد بها:الإخبار عن سنة من سنن الله- تعالى- في خلقه، وهي أن سننه- تعالى- قد اقتضت أن يمهل الضالين، وأن يزيدهم من العطاء الدنيوي، ثم يأخذهم أخذ عزيز مقتدر.قال- تعالى-: فَلَمَّا نَسُوا ما ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنا عَلَيْهِمْ أَبْوابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذا فَرِحُوا بِما أُوتُوا أَخَذْناهُمْ بَغْتَةً فَإِذا هُمْ مُبْلِسُونَ. فَقُطِعَ دابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ .وقال- سبحانه-: وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّما نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لِأَنْفُسِهِمْ إِنَّما نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدادُوا إِثْماً وَلَهُمْ عَذابٌ مُهِينٌ .وقد صدر الآلوسى تفسيره للآية بهذا التفسير فقال ما ملخصه: قوله قُلْ مَنْ كانَ فِي الضَّلالَةِ ... أمر منه- تعالى- لرسوله صلّى الله عليه وسلّم بأن يجيب على هؤلاء المتفاخرين بما لهم من الحظوظ الدنيوية..وقوله: فَلْيَمْدُدْ لَهُ الرَّحْمنُ مَدًّا أى: يمد- سبحانه- له ويمهله بطول العمر، وإعطاء المال، والتمكن من التصرفات، فالطلب في معنى الخبر واختير للإيذان بأن ذلك مما ينبغي أن يفعل بموجب الحكمة لقطع المعاذير فيكون حاصل المعنى: من كان في الضلالة فلا عذر له فقد أمهله الرحمن ومد له مدا وجوز أن يكون ذلك للاستدراج.وحاصل المعنى: من كان في الضلالة فعادة الله أن يمد له ويستدرجه .ومن المفسرين من يرى أن صيغة الطلب وهي فَلْيَمْدُدْ على بابها، ويكون المقصود بالآية الدعاء على الضال من الفريقين بالازدياد من الضلال.وعليه يكون المعنى: قل- أيها الرسول الكريم لهؤلاء المتفاخرين، من كان منا أو منكم على الضلالة، فليزده الله من ذلك، وكأن الآية الكريمة تأمر الرسول صلّى الله عليه وسلّم بمباهلة المشركين كما أمره الله- تعالى- في آية أخرى بمباهلة اليهود في قوله: قُلْ يا أَيُّهَا الَّذِينَ هادُوا إِنْ زَعَمْتُمْ أَنَّكُمْ أَوْلِياءُ لِلَّهِ مِنْ دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ.. .وكما أمر الله بمباهلة النصارى في قوله- سبحانه- فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ ما جاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعالَوْا نَدْعُ أَبْناءَنا وَأَبْناءَكُمْ، وَنِساءَنا وَنِساءَكُمْ، وَأَنْفُسَنا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَى الْكاذِبِينَ .ومن المفسرين الذين ساروا على هذا التفسير الإمامان ابن جرير وابن كثير، فقد قال ابن كثير: يقول- تعالى- قُلْ يا محمد لهؤلاء المشركين بربهم المدعين أنهم على الحق وأنكم على الباطل مَنْ كانَ فِي الضَّلالَةِ أى منا ومنكم فَلْيَمْدُدْ لَهُ الرَّحْمنُ مَدًّا أى: فأمهله الرحمن فيما هو فيه حتى يلقى ربه وينقضي أجله.. قال مجاهد في قوله فَلْيَمْدُدْ لَهُ الرَّحْمنُ مَدًّا فليدعه الله في طغيانه هكذا، قرر ذلك أبو جعفر بن جرير، وهذه مباهلة للمشركين الذين يزعمون أنهم على هدى فيما هم فيه كما ذكر- تعالى- مباهلة اليهود والنصارى.. .ومع وجاهة التفسيرين لمعنى فَلْيَمْدُدْ لَهُ.. إلا أننا نميل إلى الرأى الأول وهو أن صيغة الطلب يراد بها الإخبار عن سنة الله- تعالى- في الضالين، لأنه هو المتبادر من معنى الآية الكريمة ولأن قوله- تعالى- بعد ذلك وَيَزِيدُ اللَّهُ الَّذِينَ اهْتَدَوْا هُدىً.. يؤيد هذا الرأى.وقوله- سبحانه-: حَتَّى إِذا رَأَوْا ما يُوعَدُونَ.. متعلق بما قبله.أى: فليمدد له الرحمن مدا على سبيل الاستدراج والإمهال، حتى إذا رأى هؤلاء الكافرون ما توعدهم الله- تعالى- به، علموا وأيقنوا أن الأمر بخلاف ما كانوا يظنون وما كانوا يقولون لأنهم سينزل الله- تعالى- بهم إِمَّا الْعَذابَ الدنيوي على أيدى المؤمنين وَإِمَّا السَّاعَةَ أى: وإما عذاب الآخرة وهو أشد وأبقى.وحينئذ يعلمون ويوقنون مَنْ هُوَ من الفريقين شَرٌّ مَكاناً أى: أسوأ منزلا ومسكنا وَأَضْعَفُ جُنْداً وأضعف أعوانا وأنصارا.وهذه الجملة الكريمة رد على قول المشركين قبل ذلك: أَيُّ الْفَرِيقَيْنِ خَيْرٌ مَقاماً وَأَحْسَنُ نَدِيًّا.
19:76
وَ یَزِیْدُ اللّٰهُ الَّذِیْنَ اهْتَدَوْا هُدًىؕ-وَ الْبٰقِیٰتُ الصّٰلِحٰتُ خَیْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَّ خَیْرٌ مَّرَدًّا(۷۶)
او رجنہوں نے ہدایت پائی (ف۱۲۹) اللہ انھیں اور ہدایت بڑھائے گا (ف۱۳۰) اور باقی رہنے والی نیک باتوں کا (ف۱۳۱) تیرے رب کے یہاں سب سے بہتر ثواب اور سب سے بھلا انجام (ف۱۳۲)

وقوله- تعالى-: وَيَزِيدُ اللَّهُ الَّذِينَ اهْتَدَوْا هُدىً.. كلام مستأنف مسوق لبيان سنة الله- تعالى- التي لا تتخلف في المهتدين، بعد بيان سنته في الضالين.أى: ويزيد الله- تعالى- المهتدين إلى طريق الحق هداية على هدايتهم، بأن يثبتهم عليه، كما قال- سبحانه-: وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زادَهُمْ هُدىً وَآتاهُمْ تَقْواهُمْ. وكما قال- عز وجل-: هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ لِيَزْدادُوا إِيماناً مَعَ إِيمانِهِمْ ...وقوله- تعالى-: وَالْباقِياتُ الصَّالِحاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَواباً وَخَيْرٌ مَرَدًّا أى:والأعمال الباقيات الصالحات كالصلاة والزكاة والصيام والحج وغيرها من أعمال البر، خير عند ربك ثوابا وجزاء مما تمتع به الكفار في دنياهم من شهوات وَخَيْرٌ مَرَدًّا أى: مرجعا وعاقبة.وقال صاحب الكشاف: فإن قلت: كيف قيل: خير عند ربك ثوابا، كأن لمفاخراتهم ثوابا، حتى يجعل ثواب الصالحات خيرا منه؟.قلت: كأنه قيل: ثوابهم النار على طريقة قوله: تحية بينهم ضرب وجيع، ثم ينى عليه خير ثوابا، وفيه ضرب من التهكم الذي هو أغيظ للمتهدد من أن يقال له: عقابك النار..والخلاصة أنه لا ثواب لهؤلاء الكافرين سوى النار، أما المؤمنون فثوابهم جنات تجرى من تحتها الأنهار.وقال بعض العلماء: «ويظهر لي في الآية جواب آخر أقرب من هذا، وهو أن الكافر يجازى بعمله الصالح في الدنيا، فإذا بر والديه، ونفس عن المكروب.. فإن الله يثيبه في الدنيا. فثوابه هذا الراجع إليه من عمله في الدنيا، هو الذي فضل عليه ثواب المؤمنين، وهذا واضح لا إشكال فيه»وبذلك نرى الآيات الكريمة، قد حكت جانبا من تباهي الكافرين بدنياهم، وردت عليهم بما يخرس ألسنتهم.ثم ساقت السورة الكريمة بعد ذلك لونا آخر من ألوان تبجحهم، وأقوالهم الباطلة، وردت عليها بأسلوب منطقي حكيم فقال- تعالى-:
19:77
اَفَرَءَیْتَ الَّذِیْ كَفَرَ بِاٰیٰتِنَا وَ قَالَ لَاُوْتَیَنَّ مَالًا وَّ وَلَدًاؕ(۷۷)
تو کیا تم نے اسے دیکھا جو ہماری آیتوں سے منکر ہوا اور کہتا ہے مجھے ضرو ر مال و اولاد ملیں گے (ف۱۳۳)

ذكر المفسرون في سبب نزول هذه الآيات روايات منها ما أخرجه البخاري ومسلم عن خباب بن الأرت قال: جئت العاص بن وائل السهمي أتقاضاه حقا لي عنده، فقال لي: لا أعطيك حتى تكفر بمحمد صلّى الله عليه وسلّم فقلت له: لا، والله لا أكفر بمحمد صلّى الله عليه وسلّم حيا ولا ميتا ولا إذا بعثت. فقال العاص: فإذا بعثت جئتني ولي هناك مال وولد فأعطيك حقك، فأنزل الله- تعالى- هذه الآيات.وفي رواية أن رجالا من أصحاب النبي صلّى الله عليه وسلّم أتوا العاص يتقاضون دينا لهم عليه فقال: ألستم تزعمون أن في الجنة ذهبا وفضة وحريرا ومن كل الثمرات؟ قالوا: بلى. قال:«موعدكم الآخرة والله لأوتين مالا وولدا» .والاستفهام في قوله- سبحانه- أَفَرَأَيْتَ.. للتعجيب من شأن هذا الكافر الجهول والفاء للعطف على مقدر يستدعيه المقام، والتقدير: أنظرت أيها العاقل فرأيت هذا الجاحد الجهول الذي كفر بآياتنا الدالة على وحدانيتنا، وعلى أن البعث حق، وعلى أن ما جاء به رسولنا صلّى الله عليه وسلّم حق وصدق ...ولم يكتف بهذا الكفر، بل قال بكل تبجح، وإصرار على الباطل، واستهزاء بالدين الحق: والله لَأُوتَيَنَّ في الآخرة مالًا وَوَلَداً كما هو حالي في الدنيا.فأنت ترى أن هذا الكافر لم يكتف بكفره، بل أضاف إليه القول الباطل المصحوب بالقسم الكاذب، وبالتهكم بالدين الحق.وقرأ حمزة والكسائي: لَأُوتَيَنَّ مالًا وَوَلَداً- بضم الواو الثانية وسكون اللام-، وقرأ الباقون بفتحهما. قالوا: والقراءتان بمعنى واحد كالعرب والعرب. ويرى بعضهم الولد بالفتح للمفرد، والولد- بضم الواو وسكون اللام- للجمع.
19:78
اَطَّلَعَ الْغَیْبَ اَمِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمٰنِ عَهْدًاۙ(۷۸)
کیا غیب کو جھانک آیا ہے (ف۱۳۴) یا رحمن کے پاس کوئی قرار رکھا ہے،

وقد رد الله- تعالى- على هذا المتبجح المغرور ردا حكيما ملزما فقال: أَطَّلَعَ الْغَيْبَ أَمِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمنِ عَهْداً كَلَّا ...والاستفهام للإنكار والنفي، والأصل: أاطلع فحذفت همزة الوصل للتخفيف.والمعنى: إن قول هذا الجاهل إما أن يكون مستندا إلى اطلاعه على الغيب وعلمه بأن الله سيؤتيه في الآخرة مالا وولدا، وإما أن يكون مستندا إلى عهد أعطاه الله- تعالى- له بذلك.ومما لا شك فيه أن كلا الأمرين لم يتحققا بالنسبة له، فهو لم يطلع على الغيب، ولم يتخذ عند الله عهدا، فثبت كذبه وافتراؤه، ولذا كذبه الله- تعالى- بقوله كَلَّا وهو قول يفيد الزجر والردع والنفي.أى: كلا لم يطلع على الغيب، ولم يتخذ عند الرحمن عهدا. بل قال ذلك افتراء على الله.
19:79
كَلَّاؕ-سَنَكْتُبُ مَا یَقُوْلُ وَ نَمُدُّ لَهٗ مِنَ الْعَذَابِ مَدًّاۙ(۷۹)
ہرگز نہیں (ف۱۳۵) اب ہم لکھ رکھیں گے جو وہ کہتا ہے اور اسے خوب لمبا عذاب دیں گے،

وقوله- سبحانه-: سَنَكْتُبُ ما يَقُولُ وَنَمُدُّ لَهُ مِنَ الْعَذابِ مَدًّا. وَنَرِثُهُ ما يَقُولُ وَيَأْتِينا فَرْداً بيان للمصير السيئ الذي سيصير إليه هذا الشقي وأمثاله، ونَمُدُّ من المد وأكثر ما يستعمل في المكروه.أى: سنسجل على هذا الكافر ما قاله، ونحاسبه عليه حسابا عسيرا، ونزيده عذابا فوق العذاب المعد له، بأن نضاعفه له ونطيله عليه
19:80
وَّ نَرِثُهٗ مَا یَقُوْلُ وَ یَاْتِیْنَا فَرْدًا(۸۰)
اور جو چیزیں کہہ رہا ہے (ف۱۳۶) ان کے ہمیں وارث ہوں گے اور ہمارے پاس اکیلا آئے گا (ف۱۳۷)

وَنَرِثُهُ ما يَقُولُ أى: ما يقول إنه يؤتاه يوم القيامة من المال والولد، بأن نسلبه منه، ونجعله يخرج من هذه الدنيا خالي الوفاض منهما، وليس معه في قبره سوى كفنه، وَيَأْتِينا فَرْداً أى: ويأتينا يوم القيامة بعد مبعثه منفردا بدون مال أو ولد أو خدم أو غير ذلك مما كان يتفاخر به في الدنيا هو وأشباهه من المغرورين الجاحدين.قال صاحب الكشاف: فإن قلت: كيف قيل: سنكتب بسين التسويف وهو كما قاله كتبه من غير تأخير قال- تعالى-: ما يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ؟.قلت: فيه وجهان: أحدهما: سنظهر له ونعلمه أنا كتبنا قوله على طريقة قول الشاعر:إذا ما انتسبنا لم تلدني لئيمة ... ولم تجدى من أن تقرى بها بداأى: تبين وعلم بالانتساب أنى لم تلدني لئيمة.والثاني: أن المتوعد يقول للجاني: سوف أنتقم منك، يعنى أنه لا يخل بالانتصار وإن تطاول به الزمان واستأخر، فجرد هاهنا لمعنى الوعيد.. .ثم تسوق السورة الكريمة بعد ذلك ألوانا أخرى من رذائل المشركين، فتحكى اعتزازهم بأوثانهم، ونثبت عداوة هذه الأوثان لهم يوم القيامة، وتبشر المؤمنين برضا الله- تعالى- عنهم. وتنذر الكافرين بالسوق إلى جهنم.. قال- تعالى-:
  FONT
  THEME
  TRANSLATION
  • English | Ahmed Ali
  • Urdu | Ahmed Raza Khan
  • Turkish | Ali-Bulaç
  • German | Bubenheim Elyas
  • Chinese | Chineese
  • Spanish | Cortes
  • Dutch | Dutch
  • Portuguese | El-Hayek
  • English | English
  • Urdu | Fateh Muhammad Jalandhry
  • French | French
  • Hausa | Hausa
  • Indonesian | Indonesian-Bahasa
  • Italian | Italian
  • Korean | Korean
  • Malay | Malay
  • Russian | Russian
  • Tamil | Tamil
  • Thai | Thai
  • Farsi | مکارم شیرازی
  TAFSEER
  • العربية | التفسير الميسر
  • العربية | تفسير الجلالين
  • العربية | تفسير السعدي
  • العربية | تفسير ابن كثير
  • العربية | تفسير الوسيط لطنطاوي
  • العربية | تفسير البغوي
  • العربية | تفسير القرطبي
  • العربية | تفسير الطبري
  • English | Arberry
  • English | Yusuf Ali
  • Dutch | Keyzer
  • Dutch | Leemhuis
  • Dutch | Siregar
  • Urdu | Sirat ul Jinan
  HELP

مَرْيَم
مَرْيَم
  00:00



Download

مَرْيَم
مَرْيَم
  00:00



Download