READ

Surah Luqmaan

لُقْمٰن
34 Ayaat    مکیۃ


31:0
بِسْمِ اللّٰهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحِیْمِ
اللہ کے نام سے شروع جو بہت مہربان رحمت والا

القول في الاستعاذةوفيها اثنتا عشرة مسألة :الأولى : أمر الله تعالى بالاستعاذة عند أول كل قراءة فقال تعالى : فإذا قرأت القرآن فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم [ النحل : 98 ] أي إذا أردت أن تقرأ ; فأوقع الماضي موقع المستقبل كما قال الشاعر :وإني لآتيكم لذكري الذي مضى من الود واستئناف ما كان في غدأراد ما يكون في غد ; وقيل : في الكلام تقديم وتأخير ، وأن كل فعلين تقاربا في المعنى جاز تقديم أيهما شئت ; كما قال تعالى : ثم دنا فتدلى [ النجم : 8 ] المعنى فتدلى ثم دنا ; ومثله : اقتربت الساعة وانشق القمر [ القمر : 1 ] وهو كثير .الثانية : هذا الأمر على الندب في قول الجمهور في كل قراءة في غير الصلاة . واختلفوا فيه في الصلاة . حكى النقاش عن عطاء : أن الاستعاذة واجبة ، وكان ابن سيرين والنخعي وقوم يتعوذون في الصلاة كل ركعة ، ويمتثلون أمر الله في الاستعاذة على العموم ، وأبو حنيفة والشافعي يتعوذان في الركعة الأولى من الصلاة ويريان قراءة الصلاة كلها كقراءة واحدة ; ومالك لا يرى التعوذ في الصلاة المفروضة ويراه في قيام رمضان .الثالثة : أجمع العلماء على أن التعوذ ليس من القرآن ولا آية منه ، وهو قول القارئ : أعوذ بالله من الشيطان الرجيم . وهذا اللفظ هو الذي عليه الجمهور من العلماء في التعوذ لأنه لفظ كتاب الله تعالى . وروي عن ابن مسعود أنه قال : قلت أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم ; فقال لي النبي صلى الله عليه وسلم : يا ابن أم عبد أعوذ بالله من الشيطان الرجيم هكذا أقرأني جبريل عن اللوح المحفوظ عن القلم .الرابعة : روى أبو داود وابن ماجه في سننهما عن جبير بن مطعم أنه رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي صلاة فقال عمرو : لا أدري أي صلاة هي ؟ فقال : " الله أكبر كبيرا الله أكبر كبيرا - ثلاثا - الحمد لله كثيرا الحمد لله كثيرا - ثلاثا - وسبحان الله بكرة وأصيلا - ثلاثا - أعوذ بالله من الشيطان من نفخه ونفثه وهمزه . قال عمرو : همزه المؤتة ، ونفثه الشعر ، ونفخه الكبر . وقال ابن ماجه : المؤتة يعني الجنون . والنفث : نفخ الرجل من فيه من غير أن يخرج ريقه . والكبر : التيه . وروى أبو داود عن أبي سعيد الخدري قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قام من الليل كبر ثم يقول : سبحانك اللهم وبحمدك تبارك اسمك وتعالى جدك ولا إله غيرك - ثم يقول : لا إله إلا الله - ثلاثا ثم يقول : - الله أكبر كبيرا - ثلاثا - أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم من همزه ونفخه ونفثه ثم يقرأ . وروى سليمان بن سالم عن ابن القاسم رحمه الله أن الاستعاذة : أعوذ بالله العظيم من الشيطان الرجيم إن الله هو السميع العليم بسم الله الرحمن الرحيم . قال ابن عطية : " وأما المقرئون فأكثروا في هذا من تبديل الصفة في اسم الله تعالى وفي الجهة الأخرى ، كقول بعضهم : أعوذ بالله المجيد ، من الشيطان المريد ; ونحو هذا مما لا أقول فيه : نعمت البدعة ، ولا أقول : إنه لا يجوز " .الخامسة : قال المهدوي : أجمع القراء على إظهار الاستعاذة في أول قراءة سورة " الحمد " إلا حمزة فإنه أسرها . وروى السدي عن أهل المدينة أنهم كانوا يفتتحون القراءة بالبسملة . وذكر أبو الليث السمرقندي عن بعض المفسرين أن التعوذ فرض ، فإذا نسيه القارئ وذكره في بعض الحزب قطع وتعوذ ، ثم ابتدأ من أوله . وبعضهم يقول : يستعيذ ثم يرجع إلى موضعه الذي وقف فيه ; وبالأول قال أسانيد الحجاز والعراق ; وبالثاني قال أسانيد الشام ومصر .السادسة : حكى الزهراوي قال : نزلت الآية في الصلاة وندبنا إلى الاستعاذة في غير الصلاة وليس بفرض . قال غيره : كانت فرضا على النبي صلى الله عليه وسلم وحده ، ثم تأسينا به .السابعة : روي عن أبي هريرة أن الاستعاذة بعد القراءة ; وقاله داود . قال أبو بكر بن العربي : انتهى العي بقوم إلى أن قالوا : إذا فرغ القارئ من قراءة القرآن يستعيذ بالله من الشيطان الرجيم . وقد روى أبو سعيد الخدري أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يتعوذ في صلاته قبل القراءة ، وهذا نص . فإن قيل : فما الفائدة في الاستعاذة من الشيطان الرجيم وقت القراءة ؟ قلنا : فائدتها امتثال الأمر ، وليس للشرعيات فائدة إلا القيام بحق الوفاء لها في امتثالها أمرا أو اجتنابها نهيا ; وقد قيل : فائدتها امتثال الأمر بالاستعاذة من وسوسة الشيطان عند القراءة ; كما قال تعالى وما أرسلنا من قبلك من رسول ولا نبي إلا إذا تمنى ألقى الشيطان في أمنيته [ الحج : 52 ] . قال ابن العربي : ومن أغرب ما وجدناه قول مالك في المجموعة في تفسير هذه الآية : فإذا قرأت القرآن فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم [ النحل : 98 ] قال : ذلك بعد قراءة أم القرآن لمن قرأ في الصلاة ، وهذا قول لم يرد به أثر ، ولا يعضده نظر ; فإن كان هذا كما قال بعض الناس : إن الاستعاذة بعد القراءة ، كان تخصيص ذلك بقراءة أم القرآن في الصلاة دعوى عريضة ، ولا تشبه أصل مالك ولا فهمه ; فالله أعلم بسر هذه الرواية .الثامنة : في فضل التعوذ . روى مسلم عن سليمان بن صرد قال : استب رجلان عند النبي صلى الله عليه وسلم فجعل أحدهما يغضب ويحمر وجهه فنظر إليه النبي صلى الله عليه وسلم فقال : إني لأعلم كلمة لو قالها لذهب ذا عنه ، أعوذ بالله من الشيطان الرجيم . فقام إلى الرجل رجل ممن سمع النبي صلى الله عليه وسلم فقال : هل تدري ما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم آنفا ؟ قال : إني لأعلم كلمة لو قالها لذهب ذا عنه أعوذ بالله من الشيطان الرجيم فقال له الرجل : أمجنونا تراني ! أخرجه البخاري أيضا . وروى مسلم أيضا عن عثمان بن أبي العاص الثقفي أنه أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله ، إن الشيطان قد حال بيني وبين صلاتي وقراءتي يلبسها علي ، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : ذاك شيطان يقال له خنزب فإذا أحسسته فتعوذ بالله منه واتفل عن يسارك ثلاثا قال : ففعلت فأذهبه الله عني . وروى أبو داود عن ابن عمر قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا سافر فأقبل عليه الليل قال : يا أرض ربي وربك الله أعوذ بالله من شرك [ وشر ما فيك ] [ و ] شر ما خلق فيك ومن شر ما يدب عليك [ وأعوذ بالله ] من أسد وأسود ومن الحية والعقرب ومن [ ساكن ] البلد ووالد وما ولد وروت خولة بنت حكيم قالت : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : من نزل منزلا ثم قال أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق لم يضره شيء حتى يرتحل . أخرجه الموطأ ومسلم والترمذي وقال : حديث حسن غريب صحيح . وما يتعوذ منه كثير ثابت في الأخبار ، والله المستعان .التاسعة : معنى الاستعاذة في كلام العرب : الاستجارة والتحيز إلى الشيء ، على معنى الامتناع به من المكروه ; يقال : عذت بفلان واستعذت به ; أي لجأت إليه . وهو عياذي ; أي ملجئي . وأعذت غيري به وعوذته بمعنى . ويقال : عوذ بالله منك ; أي أعوذ بالله منك ; قال الراجزقالت وفيها حيدة وذعر عوذ بربي منكم وحجروالعرب تقول عند الأمر تنكره : حجرا له ، بالضم ، أي دفعا ، وهو استعاذة من الأمر . والعوذة والمعاذة والتعويذ كله بمعنى . وأصل أعوذ : أعوذ نقلت الضمة إلى العين لاستثقالها على الواو فسكنت .العاشرة : الشيطان واحد الشياطين ; على التكسير والنون أصلية ; لأنه من شطن إذا بعد عن الخير . وشطنت داره أي بعدت ; قال الشاعر [ النابغة الذبياني ] :نأت بسعاد عنك نوى شطون فبانت والفؤاد بها رهينوبئر شطون أي بعيدة القعر . والشطن : الحبل ; سمي به لبعد طرفيه وامتداده . ووصف أعرابي فرسا لا يحفى فقال : كأنه شيطان في أشطان . وسمي الشيطان شيطانا لبعده عن الحق وتمرده ; وذلك أن كل عات متمرد من الجن والإنس والدواب شيطان ; قال جرير :أيام يدعونني الشيطان من غزل وهن يهوينني إذ كنت شيطاناوقيل : إن شيطانا مأخوذ من شاط يشيط إذا هلك ، فالنون زائدة . وشاط إذا احترق وشيطت اللحم إذا دخنته ولم تنضجه . واشتاط الرجل إذا احتد غضبا . وناقة مشياط التي يطير فيها السمن . واشتاط إذا هلك ; قال الأعشى :قد نخضب العير من مكنون فائله وقد يشيط على أرماحنا البطلأي يهلك . ويرد على هذه الفرقة أن سيبويه حكى أن العرب تقول : تشيطن فلان إذا فعل أفعال الشياطين ، فهذا بين أنه تفيعل من شطن ، ولو كان من شاط لقالوا : تشيط ، ويرد عليهم أيضا بيت أمية بن أبي الصلت :أيما شاطن عصاه عكاه ورماه في السجن والأغلالفهذا شاطن من شطن لا شك فيه .الحادية عشرة : الرجيم أي المبعد من الخير المهان . وأصل الرجم : الرمي بالحجارة ، وقد رجمته أرجمه ، فهو رجيم ومرجوم . والرجم : القتل واللعن والطرد والشتم ، وقد قيل هذا كله في قوله تعالى : لئن لم تنته يانوح لتكونن من المرجومين [ الشعراء : 116 ] . وقول أبي إبراهيم : لئن لم تنته لأرجمنك [ مريم : 46 ] . وسيأتي إن شاء الله تعالى .الثانية عشرة : روى الأعمش عن أبي وائل عن عبد الله قال : قال علي بن أبي طالب عليه السلام : رأيت النبي صلى الله عليه وسلم عند الصفا وهو مقبل على شخص في صورة الفيل وهو يلعنه ، قلت : ومن هذا الذي تلعنه يا رسول الله ؟ قال هذا الشيطان الرجيم فقلت : يا عدو الله ، والله لأقتلنك والله لأقتلنك ولأريحن الأمة منك ; قال : ما هذا جزائي منك ; قلت : وما جزاؤك مني يا عدو الله ؟ قال : والله ما أبغضك أحد قط إلا شركت أباه في رحم أمه .وفيها سبع وعشرون مسألة :الأولى : قال العلماء : ( بسم الله الرحمن الرحيم ) قسم من ربنا أنزله عند رأس كل سورة ، يقسم لعباده إن هذا الذي وضعت لكم يا عبادي في هذه السورة حق ، وإني أفي لكم بجميع ما ضمنت في هذه السورة من وعدي ولطفي وبري . و ( بسم الله الرحمن الرحيم ) مما أنزله الله تعالى في كتابنا وعلى هذه الأمة خصوصا بعد سليمان عليه السلام . وقال بعض العلماء : إن بسم الله الرحمن الرحيم تضمنت جميع الشرع ، لأنها تدل على الذات وعلى الصفات ; وهذا صحيح .الثانية : قال سعيد بن أبي سكينة : بلغني أن علي بن أبي طالب رضي الله عنه نظر إلى رجل يكتب : ( بسم الله الرحمن الرحيم ) فقال له : جودها فإن رجلا جودها فغفر له . قال سعيد : وبلغني أن رجلا نظر إلى قرطاس فيه ( بسم الله الرحمن الرحيم ) فقبله ووضعه على عينيه فغفر له . ومن هذا المعنى قصة بشر الحافي ، فإنه لما رفع الرقعة التي فيها اسم الله وطيبها طيب اسمه ، ذكره القشيري . وروى النسائي عن أبي المليح عن ردف رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إذا عثرت بك الدابة فلا تقل تعس الشيطان فإنه يتعاظم حتى يصير مثل البيت ويقول بقوته صرعته ولكن قل بسم الله الرحمن الرحيم فإنه يتصاغر حتى يصير مثل الذباب . وقال علي بن الحسين في تفسير قوله تعالى : وإذا ذكرت ربك في القرآن وحده ولوا على أدبارهم نفورا [ الإسراء : 46 ] قال معناه : إذا قلت : بسم الله الرحمن الرحيم . وروى وكيع عن الأعمش عن أبي وائل عن عبد الله بن مسعود قال : من أراد أن ينجيه الله من الزبانية التسعة عشر فليقرأ : بسم الله الرحمن الرحيم ليجعل الله تعالى له بكل حرف منها جنة من كل واحد . فالبسملة تسعة عشر حرفا على عدد ملائكة أهل النار الذين قال الله فيهم : عليها تسعة عشر [ المدثر : 30 ] وهم يقولون في كل أفعالهم : ( بسم الله الرحمن الرحيم ) فمن هنالك هي قوتهم ، وببسم الله استضلعوا . قال ابن عطية : ونظير هذا قولهم في ليلة القدر : إنها ليلة سبع وعشرين ، مراعاة للفظة ( هي ) من كلمات سورة : إنا أنزلناه [ القدر : 1 ] . ونظيره أيضا قولهم في عدد الملائكة الذين ابتدروا قول القائل : ربنا ولك الحمد حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه ، فإنها بضعة وثلاثون حرفا ; فلذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم : لقد رأيت بضعا وثلاثين ملكا يبتدرونها أيهم يكتبها أول . قال ابن عطية : وهذا من ملح التفسير وليس من متين العلم .الثالثة : روى الشعبي والأعمش أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يكتب ( باسمك اللهم ) حتى أمر أن يكتب ( بسم الله ) فكتبها ; فلما نزلت : قل ادعوا الله أو ادعوا الرحمن [ الإسراء : 110 ] كتب ( بسم الله الرحمن ) فلما نزلت : إنه من سليمان وإنه بسم الله الرحمن الرحيم [ النمل : 30 ] كتبها . وفي مصنف أبي داود قال الشعبي وأبو مالك وقتادة وثابت بن عمارة : إن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكتب بسم الله حتى نزلت سورة " النمل " .الرابعة : روي عن جعفر الصادق رضي الله عنه أنه قال : البسملة تيجان السور .قلت : وهذا يدل على أنها ليست بآية من الفاتحة ولا غيرها . وقد اختلف العلماء في هذا المعنى على ثلاثة أقوال :( الأول ) ليست بآية من الفاتحة ولا غيرها ; وهو قول مالك . ( الثاني ) أنها آية من كل سورة ; وهو قول عبد الله بن المبارك . ( الثالث ) قال الشافعي : هي آية في الفاتحة ; وتردد قوله في سائر السور ; فمرة قال : هي آية من كل سورة ، ومرة قال : ليست بآية إلا في الفاتحة وحدها . ولا خلاف بينهم في أنها آية من القرآن في سورة النمل .واحتج الشافعي بما رواه الدارقطني من حديث أبي بكر الحنفي عن عبد الحميد بن جعفر عن نوح بن أبي بلال عن سعيد بن أبي سعيد المقبري عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : إذا قرأتم " الحمد لله رب العالمين " فاقرءوا " بسم الله الرحمن الرحيم " إنها أم القرآن وأم الكتاب والسبع المثاني و " بسم الله الرحمن الرحيم " ، إحداها . رفع هذا الحديث عبد الحميد بن جعفر وعبد الحميد هذا وثقه أحمد بن حنبل ويحيى بن سعيد ويحيى بن معين ; وأبو حاتم يقول فيه : محله الصدق ; وكان سفيان الثوري يضعفه ويحمل عليه . ونوح بن أبي بلال ثقة مشهور .وحجة ابن المبارك وأحد قولي الشافعي ما رواه مسلم عن أنس قال : بينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم بين أظهرنا إذ أغفى إغفاءة ثم رفع رأسه متبسما ; فقلنا : ما أضحكك يا رسول الله ؟ قال : أنزلت علي آنفا سورة فقرأ : بسم الله الرحمن الرحيم إنا أعطيناك الكوثر فصل لربك وانحر إن شانئك هو الأبتر وذكر الحديث ، وسيأتي بكماله في سورة الكوثر إن شاء الله تعالى .الخامسة : الصحيح من هذه الأقوال قول مالك ; لأن القرآن لا يثبت بأخبار الآحاد وإنما طريقه التواتر القطعي الذي لا يختلف فيه . قال ابن العربي : ويكفيك أنها ليست من القرآن اختلاف الناس فيها ، والقرآن لا يختلف فيه . والأخبار الصحاح التي لا مطعن فيها دالة على أن البسملة ليست بآية من الفاتحة ولا غيرها إلا في النمل وحدها . روى مسلم عن أبي هريرة قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : قال [ تعالى ] : " قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين ولعبدي ما سأل فإذا قال العبد : ( الحمد لله رب العالمين ) قال الله تعالى حمدني عبدي وإذا قال : ( الرحمن الرحيم ) قال الله تعالى : أثنى علي عبدي وإذا قال : ( مالك يوم الدين ) قال مجدني عبدي - وقال مرة : فوض إلى عبدي - فإذا قال : ( إياك نعبد وإياك نستعين ) قال : هذا بيني وبين عبدي ، ولعبدي ما سأل ، فإذا قال : ( اهدنا الصراط المستقيم صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين ) قال : هذا لعبدي ولعبدي ما سأل . فقوله سبحانه : " قسمت الصلاة " يريد الفاتحة ، وسماها صلاة لأن الصلاة لا تصح إلا بها ; فجعل الثلاث الآيات الأول لنفسه ، واختص بها تبارك اسمه ، ولم يختلف المسلمون فيها . ثم الآية الرابعة جعلها بينه وبين عبده ; لأنها تضمنت تذلل العبد وطلب الاستعانة منه ، وذلك يتضمن تعظيم الله تعالى ، ثم ثلاث آيات تتمة سبع آيات . ومما يدل على أنها ثلاث قوله : " هؤلاء لعبدي " أخرجه مالك ; ولم يقل : هاتان ; فهذا يدل على أن ( أنعمت عليهم ) آية . قال ابن بكير قال مالك : " أنعمت عليهم " آية ، ثم الآية السابعة إلى آخرها . فثبت بهذه القسمة التي قسمها الله تعالى وبقوله عليه السلام لأبي : كيف تقرأ إذا افتتحت الصلاة قال : فقرأت : الحمد لله رب العالمين حتى أتيت على آخرها - أن البسملة ليست بآية منها ، وكذا عد أهل المدينة وأهل الشام وأهل البصرة ; وأكثر القراء عدوا : ( أنعمت عليهم ) آية ، وكذا روى قتادة عن أبي نضرة عن أبي هريرة قال : الآية السادسة : ( أنعمت عليهم ) . وأما أهل الكوفة من القراء والفقهاء فإنهم عدوا فيها ( بسم الله الرحمن الرحيم ) ولم يعدوا ( أنعمت عليهم ) .فإن قيل : فإنها ثبتت في المصحف وهي مكتوبة بخطه ونقلت نقله ، كما نقلت في النمل ، وذلك متواتر عنهم . قلنا : ما ذكرتموه صحيح ; ولكن لكونها قرآنا ، أو لكونها فاصلة بين السور - كما روي عن الصحابة : كنا لا نعرف انقضاء السورة حتى تنزل " بسم الله الرحمن الرحيم " أخرجه أبو داود - أو تبركا بها ، كما قد اتفقت الأمة على كتبها في أوائل الكتب والرسائل ؟ كل ذلك محتمل . وقد قال الجريري : سئل الحسن عن ( بسم الله الرحمن الرحيم ) قال : في صدور الرسائل . وقال الحسن أيضا : لم تنزل ( بسم الله الرحمن الرحيم ) في شيء من القرآن إلا في " طس " إنه من سليمان وإنه بسم الله الرحمن الرحيم . والفيصل أن القرآن لا يثبت بالنظر والاستدلال ، وإنما يثبت بالنقل المتواتر القطعي الاضطراري . ثم قد اضطرب قول الشافعي فيها في أول كل سورة فدل على أنها ليست بآية من كل سورة ; والحمد لله .فإن قيل : فقد روى جماعة قرآنيتها ، وقد تولى الدارقطني جمع ذلك في جزء صححه . قلنا : لسنا ننكر الرواية بذلك وقد أشرنا إليها ، ولنا أخبار ثابتة في مقابلتها ، رواها الأئمة الثقات والفقهاء الأثبات . روت عائشة في صحيح مسلم قالت : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يستفتح الصلاة بالتكبير ، والقراءة ب " الحمد لله رب العالمين " ، الحديث . وسيأتي بكماله . وروى مسلم أيضا عن أنس بن مالك قال : صليت خلف النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر وعثمان ، فكانوا يستفتحون بالحمد لله رب العالمين ; لا يذكرون " بسم الله الرحمن الرحيم " في أول قراءة ولا في آخرها .ثم إن مذهبنا يترجح في ذلك بوجه عظيم ، وهو المعقول ; وذلك أن مسجد النبي صلى الله عليه وسلم بالمدينة انقضت عليه العصور ، ومرت عليه الأزمنة والدهور ، من لدن رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى زمان مالك ، ولم يقرأ أحد فيه قط " بسم الله الرحمن الرحيم " ؛ اتباعا للسنة ، وهذا يرد أحاديثكم .بيد أن أصحابنا استحبوا قراءتها في النفل ; وعليه تحمل الآثار الواردة في قراءتها أو على السعة في ذلك . قال مالك : ولا بأس أن يقرأ بها في النافلة ومن يعرض القرآن عرضا .وجملة مذهب مالك وأصحابه : أنها ليست عندهم آية من فاتحة الكتاب ولا غيرها ، ولا يقرأ بها المصلي في المكتوبة ولا في غيرها سرا ولا جهرا ; ويجوز أن يقرأها في النوافل . هذا هو المشهور من مذهبه عند أصحابه . وعنه رواية أخرى أنها تقرأ أول السورة في النوافل ، ولا تقرأ أول أم القرآن . وروى عنه ابن نافع ابتداء القراءة بها في الصلاة الفرض والنفل ولا تترك بحال . ومن أهل المدينة من يقول : إنه لابد فيها من ( بسم الله الرحمن الرحيم ) منهم ابن عمر ، وابن شهاب ; وبه قال الشافعي وأحمد وإسحاق وأبو ثور وأبو عبيد . وهذا يدل على أن المسألة مسألة اجتهادية لا قطعية ، كما ظنه بعض الجهال من المتفقهة الذي يلزم على قوله تكفير المسلمين ; وليس كما ظن لوجود الاختلاف المذكور ; والحمد لله .وقد ذهب جمع من العلماء إلى الإسرار بها مع الفاتحة ; منهم : أبو حنيفة والثوري ; وروى ذلك عن عمر وعلي وابن مسعود وعمار وابن الزبير ; وهو قول الحكم وحماد ; وبه قال أحمد بن حنبل وأبو عبيد ; وروي عن الأوزاعي مثل ذلك ; حكاه أبو عمر بن عبد البر في ( الاستذكار ) . واحتجوا من الأثر في ذلك بما رواه منصور بن زاذان عن أنس بن مالك قال : صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يسمعنا قراءة ( بسم الله الرحمن الرحيم ) . وما رواه عمار بن زريق عن الأعمش عن شعبة عن ثابت عن أنس قال : صليت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر وعثمان فلم أسمع أحدا منهم يقرأ بسم الله الرحمن الرحيم .قلت : هذا قول حسن ، وعليه تتفق الآثار عن أنس ولا تتضاد ويخرج به من الخلاف في قراءة البسملة . وقد روي عن سعيد بن جبير قال : كان المشركون يحضرون بالمسجد ; فإذا قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( بسم الله الرحمن الرحيم ) قالوا : هذا محمد يذكر رحمان اليمامة - يعنون مسيلمة - فأمر أن يخافت ب " بسم الله الرحمن الرحيم " ، ونزل : ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها . قال الترمذي الحكيم أبو عبد الله : فبقي ذلك إلى يومنا هذا على ذلك الرسم وإن زالت العلة ، كما بقي الرمل في الطواف وإن زالت العلة ، وبقيت المخافتة في صلاة النهار وإن زالت العلة .السادسة : اتفقت الأمة على جواز كتبها في أول كل كتاب من كتب العلم والرسائل ; فإن كان الكتاب ديوان شعر فروى مجالد عن الشعبي قال : أجمعوا ألا يكتبوا أمام الشعر : بسم الله الرحمن الرحيم . وقال الزهري : مضت السنة ألا يكتبوا في الشعر : ( بسم الله الرحمن الرحيم ) . وذهب إلى رسم التسمية في أول كتب الشعر سعيد بن جبير ، وتابعه على ذلك أكثر المتأخرين . قال أبو بكر الخطيب : وهو الذي نختاره ونستحبه .السابعة : قال الماوردي ويقال لمن قال بسم الله : مبسمل ، وهي لغة مولدة ، وقد جاءت في الشعر ; قال عمر بن أبي ربيعة :لقد بسملت ليلى غداة لقيتها فيا حبذا ذاك الحبيب المبسملقلت : المشهور عن أهل اللغة بسمل . قال يعقوب بن السكيت والمطرز والثعالبي وغيرهم من أهل اللغة : بسمل الرجل ، إذا قال : بسم الله . يقال : قد أكثرت من البسملة ; أي من قول بسم الله ، ومثله : حوقل الرجل ، إذا قال : لا حول ولا قوة إلا بالله ، وهلل ، إذا قال : لا إله إلا الله ، وسبحل ، إذا قال : سبحان الله ، وحمدل ، إذا قال : الحمد لله ، وحيصل ، إذا قال : حي على الصلاة ، وجعفل ، إذا قال : جعلت فداك . وطبقل ، إذا قال : أطال الله بقاءك . ودمعز ، إذا قال أدام الله عزك . وحيفل ، إذا قال : حي على الفلاح . ولم يذكر المطرز : الحيصلة ، إذا قال : حي على الصلاة . وجعفل ، إذا قال : جعلت فداك . وطبقل ، إذا قال أطال الله بقاءك . ودمعز إذا قال : أدام الله عزك .الثامنة : ندب الشرع إلى ذكر البسملة في أول كل فعل ; كالأكل والشرب والنحر ; والجماع والطهارة وركوب البحر ، إلى غير ذلك من الأفعال ; قال الله تعالى : فكلوا مما ذكر اسم الله عليه . وقال اركبوا فيها بسم الله مجريها ومرساها . وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أغلق بابك واذكر اسم الله وأطفئ مصباحك واذكر اسم الله وخمر إناءك واذكر اسم الله وأوك سقاءك واذكر اسم الله . وقال لو أن أحدكم إذا أراد أن يأتي أهله قال : بسم الله اللهم جنبنا الشيطان وجنب الشيطان ما رزقتنا فإنه إن يقدر بينهما ولد في ذلك لم يضره شيطان أبدا . وقال لعمر بن أبي سلمة يا غلام سم الله وكل بيمينك وكل مما يليك وقال : إن الشيطان يستحل الطعام أن لا يذكر اسم الله عليه وقال : من لم يذبح فليذبح باسم الله . وشكا إليه عثمان بن أبي العاص وجعا يجده في جسده منذ أسلم ، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم ضع يدك على الذي تألم من جسدك وقل بسم الله ثلاثا وقل سبع مرات أعوذ بعزة [ بالله ] وقدرته من شر ما أجد وأحاذر . هذا كله ثابت في الصحيح . وروى ابن ماجه والترمذي عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ستر ما بين الجن وعورات بني آدم إذا دخل الكنيف أن يقول : بسم الله . وروى الدارقطني عن عائشة قالت : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا مس طهوره سمى الله تعالى ، ثم يفرغ الماء على يديه .التاسعة : قال علماؤنا : وفيها رد على القدرية وغيرهم ممن يقول : إن أفعالهم مقدورة لهم ، وموضع الاحتجاج عليهم من ذلك أن الله سبحانه أمرنا عند الابتداء بكل فعل أن نفتتح بذلك ، كما ذكرنا .فمعنى بسم الله ، أي بالله . ومعنى ( بالله ) أي بخلقه وتقديره يوصل إلى ما يوصل إليه . وسيأتي لهذا مزيد بيان إن شاء الله تعالى . وقال بعضهم : معنى قوله ( بسم الله ) يعني بدأت بعون الله وتوفيقه وبركته ; وهذا تعليم من الله تعالى عباده ، ليذكروا اسمه عند افتتاح القراءة وغيرها ، حتى يكون الافتتاح ببركة الله جل وعز .العاشرة : ذهب أبو عبيدة معمر بن المثنى إلى أن ( اسم ) صلة زائدة ، واستشهد بقول لبيد :إلى الحول ثم اسم السلام عليكما ومن يبك حولا كاملا فقد اعتذرفذكر ( اسم ) زيادة ، وإنما أراد : ثم السلام عليكما .وقد استدل علماؤنا بقول لبيد هذا على أن الاسم هو المسمى . وسيأتي الكلام فيه في هذا الباب وغيره ، إن شاء الله تعالى .الحادية عشرة : اختلف في معنى زيادة : " اسم " ; فقال قطرب : زيدت لإجلال ذكره تعالى وتعظيمه . وقال الأخفش : زيدت ليخرج بذكرها من حكم القسم إلى قصد التبرك ; لأن أصل الكلام : بالله .الثانية عشرة : اختلفوا أيضا في معنى دخول الباء عليه ، هل دخلت على معنى الأمر ؟ والتقدير : ابدأ بسم الله . أو على معنى الخبر ؟ والتقدير : ابتدأت بسم الله ; قولان : الأول للفراء ، والثاني للزجاج . ف ( باسم ) في موضع نصب على التأويلين . وقيل : المعنى ابتدائي بسم الله ; ف ( بسم الله ) في موضع رفع خبر الابتداء . وقيل : الخبر محذوف ; أي ابتدائي مستقر أو ثابت بسم الله ; فإذا أظهرته كان " بسم الله " في موضع نصب بثابت أو مستقر ، وكان بمنزلة قولك : زيد في الدار . وفي التنزيل : فلما رآه مستقرا عنده قال هذا من فضل ربي ف ( عنده ) في موضع نصب ; روي هذا عن نحاة أهل البصرة . وقيل : التقدير ابتدائي ببسم الله موجود أو ثابت ، ف ( باسم ) في موضع نصب بالمصدر الذي هو ابتدائي .الثالثة عشرة : بسم الله ، تكتب بغير ألف استغناء عنها بباء الإلصاق في اللفظ والخط لكثرة الاستعمال ، بخلاف قوله : اقرأ باسم ربك فإنها لم تحذف ؛ لقلة الاستعمال . واختلفوا في حذفها مع الرحمن والقاهر ; فقال الكسائي وسعيد الأخفش : تحذف الألف . وقال يحيى بن وثاب : لا تحذف إلا مع بسم الله فقط ، لأن الاستعمال إنما كثر فيه .الرابعة عشر : واختلف في تخصيص باء الجر بالكسر على ثلاثة معان ; فقيل : ليناسب لفظها عملها . وقيل : لما كانت الباء لا تدخل إلا على الأسماء خصت بالخفض الذي لا يكون إلا في الأسماء . الثالث : ليفرق بينهما وبين ما قد يكون من الحروف اسما ; نحو الكاف في قول الشاعر :ورحنا بكابن الماء يجنب وسطناأي بمثل ابن الماء أو ما كان مثله .الخامسة عشرة : اسم ، وزنه افع ، والذاهب منه الواو ; لأنه من سموت ، وجمعه أسماء ، وتصغيره سمي . واختلف في تقدير أصله ، فقيل : فعل ، وقيل : فعل . قال الجوهري : وأسماء يكون جمعا لهذا الوزن ، وهو مثل جذع وأجذاع ، وقفل وأقفال ; وهذا لا تدرك صيغته إلا بالسماع . وفيه أربع لغات : إسم بالكسر ، وأسم بالضم . قال أحمد بن يحيى : من ضم الألف أخذه من سموت أسمو ، ومن كسر أخذه من سميت أسمي . ويقال : سم وسم ، وينشد :والله أسماك سما مباركا آثرك الله به إيثاركاوقال آخر :وعامنا أعجبنا مقدمه يدعى أبا السمح وقرضاب سمهمبتركا كل عظم يلحمهقرضب الرجل : إذا أكل شيئا يابسا ، فهو قرضاب . ( سمه ) بالضم والكسر جميعا .ومنه قول الآخر :باسم الذي في كل سورة سمهوسكنت السين من ( باسم ) اعتلالا على غير قياس ، وألفه ألف وصل ، وربما جعلها الشاعر ألف قطع للضرورة ; كقول الأحوص :وما أنا بالمخسوس في جذم مالك ولا من تسمى ثم يلتزم الإسماالسادسة عشرة : تقول العرب في النسب إلى الاسم : سموي ، وإن شئت " اسمي " ، تركته على حاله ، وجمعه أسماء ، وجمع الأسماء أسام . وحكى الفراء : أعيذك بأسماوات الله .السابعة عشرة : اختلفوا في اشتقاق الاسم على وجهين : فقال البصريون : هو مشتق من السمو وهو العلو والرفعة ، فقيل : اسم لأن صاحبه بمنزلة المرتفع به . وقيل : لأن الاسم يسموا بالمسمى فيرفعه عن غيره . وقيل : إنما سمي الاسم اسما لأنه علا بقوته على قسمي الكلام : الحرف والفعل ; والاسم أقوى منهما بالإجماع لأنه الأصل ; فلعلوه عليهما سمي اسما ; فهذه ثلاثة أقوال .وقال الكوفيون : إنه مشتق من السمة وهي العلامة ; لأن الاسم علامة لمن وضع له ; فأصل اسم على هذا ( وسم ) . والأول أصح ; لأنه يقال في التصغير سمي وفي الجمع أسماء ; والجمع والتصغير يردان الأشياء إلى أصولها ; فلا يقال : وسيم ولا أوسام . ويدل على صحته أيضا فائدة الخلاف وهي :الثامنة عشرة : فإن من قال الاسم مشتق من العلو يقول : لم يزل الله سبحانه موصوفا قبل وجود الخلق وبعد وجودهم وعند فنائهم ، ولا تأثير لهم في أسمائه ولا صفاته ; وهذا قول أهل السنة . ومن قال الاسم مشتق من السمة يقول : كان الله في الأزل بلا اسم ولا صفة ، فلما خلق الخلق جعلوا له أسماء وصفات ، فإذا أفناهم بقي بلا اسم ولا صفة ; وهذا قول المعتزلة وهو خلاف ما أجمعت عليه الأمة ، وهو أعظم في الخطأ من قولهم : إن كلامه مخلوق ، تعالى الله عن ذلك ! وعلى هذا الخلاف وقع الكلام في الاسم والمسمى وهي :التاسعة عشرة : فذهب أهل الحق - فيما نقل القاضي أبو بكر بن الطيب - إلى أن الاسم هو المسمى ، وارتضاه ابن فورك ; وهو قول أبي عبيدة وسيبويه . فإذا قال قائل : الله عالم ; فقوله دال على الذات الموصوفة بكونه عالما ، فالاسم لكونه عالما وهو المسمى بعينه . وكذلك إذا قال : الله خالق ; فالخالق هو الرب ، وهو بعينه الاسم . فالاسم عندهم هو المسمى بعينه من غير تفصيل .قال ابن الحصار : من ينفي الصفات من المبتدعة يزعم أن لا مدلول للتسميات إلا الذات ، ولذلك يقولون : الاسم غير المسمى ، ومن يثبت الصفات يثبت للتسميات مدلولات هي أوصاف الذات وهي غير العبارات وهي الأسماء عندهم . وسيأتي لهذه مزيد بيان في ( البقرة ) و ( الأعراف ) إن شاء الله تعالى .الموفية عشرين - قوله : ( الله ) هذا الاسم أكبر أسمائه سبحانه وأجمعها ، حتى قال بعض العلماء : إنه اسم الله الأعظم ولم يتسم به غيره ; ولذلك لم يثن ولم يجمع ، وهو أحد تأويلي قوله تعالى : هل تعلم له سميا أي من تسمى باسمه الذي هو ( الله ) . فالله اسم للموجود الحق الجامع لصفات الإلهية ، المنعوت بنعوت الربوبية ، المنفرد بالوجود الحقيقي ، لا إله إلا هو سبحانه . وقيل : معناه الذي يستحق أن يعبد . وقيل : معناه واجب الوجود الذي لم يزل ولا يزال ; والمعنى واحد .الحادية والعشرون : واختلفوا في هذا الاسم هل هو مشتق أو موضوع للذات علم ؟ فذهب إلى الأول كثير من أهل العلم . واختلفوا في اشتقاقه وأصله ; فروى سيبويه عن الخليل أن أصله إلاه ، مثل فعال ; فأدخلت الألف واللام بدلا من الهمزة . قال سيبويه : مثل الناس أصله أناس . وقيل : أصل الكلمة ( لاه ) وعليه دخلت الألف واللام للتعظيم ، وهذا اختيار سيبويه . وأنشد :لاه ابن عمك لا أفضلت في حسب عني ولا أنت دياني فتخزونيكذا الرواية : فتخزوني ، بالخاء المعجمة ومعناه : تسوسني .وقال الكسائي والفراء : معنى " بسم الله " بسم الإله ; فحذفوا الهمزة وأدغموا اللام الأولى في الثانية فصارتا لاما مشددة ; كما قال عز وجل : لكنا هو الله ربي ومعناه : لكن أنا ، كذلك قرأها الحسن . ثم قيل : هو مشتق من ( وله ) إذا تحير ; والوله : ذهاب العقل . يقال : رجل واله وامرأة والهة وواله ، وماء موله : أرسل في الصحاري . فالله سبحانه تتحير الألباب وتذهب في حقائق صفاته والفكر في معرفته . فعلى هذا أصل : ( إلاه ) ، ( ولاه ) وأن الهمزة مبدلة من واو كما أبدلت في إشاح ووشاح ، وإسادة ووسادة ، وروي عن الخليل . وروي عن الضحاك أنه قال : إنما سمي : ( الله ) إلها ، لأن الخلق يتألهون إليه في حوائجهم ، ويتضرعون إليه عند شدائدهم ، وذكر عن الخليل بن أحمد أنه قال : لأن الخلق يألهون إليه ( بنصب اللام ) ويألهون أيضا ( بكسرها ) وهما لغتان . وقيل : إنه مشتق من الارتفاع ، فكانت العرب تقول لكل شيء مرتفع لاها ، فكانوا يقولون إذا طلعت الشمس : لاهت . وقيل : هو مشتق من أله الرجل إذا تعبد . وتأله إذا تنسك ، ومن ذلك قوله تعالى : ( ويذرك وإلاهتك ) على هذه القراءة ; فإن ابن عباس وغيره قالوا : وعبادتك .قالوا : فاسم الله مشتق من هذا ، فالله سبحانه معناه المقصود بالعبادة ، ومنه قول الموحدين : لا إله إلا الله ، معناه لا معبود غير الله . و ( إلا ) في الكلمة بمعنى غير ، لا بمعنى الاستثناء . وزعم بعضهم أن الأصل فيه ( الهاء ) التي هي الكناية عن الغائب ، وذلك أنهم أثبتوه موجودا في فطر عقولهم فأشاروا إليه بحرف الكناية ثم زيدت فيه لام الملك إذ قد علموا أنه خالق الأشياء ومالكها فصار ( له ) ثم زيدت فيه الألف واللام تعظيما وتفخيما .القول الثاني : ذهب إليه جماعة من العلماء أيضا منهم الشافعي وأبو المعالي والخطابي والغزالي والمفضل وغيرهم ، وروي عن الخليل وسيبويه : أن الألف واللام لازمة له لا يجوز حذفهما منه . قال الخطابي : والدليل على أن الألف واللام من بنية هذا الاسم ، ولم يدخلا للتعريف : دخول حرف النداء عليه ; كقولك : يا الله ، وحروف النداء لا تجتمع مع الألف واللام للتعريف ; ألا ترى أنك لا تقول : يا الرحمن ولا : يا الرحيم ، كما تقول : يا الله ، فدل على أنهما من بنية الاسم . والله أعلم .الثانية والعشرون : واختلفوا أيضا في اشتقاق اسمه الرحمن ; فقال بعضهم : لا اشتقاق له لأنه من الأسماء المختصة به سبحانه ، ولأنه لو كان مشتقا من الرحمة لاتصل بذكر المرحوم ، فجاز أن يقال : الله رحمن بعباده ، كما يقال : رحيم بعباده . وأيضا لو كان مشتقا من الرحمة لم تنكره العرب حين سمعوه ، إذ كانوا لا ينكرون رحمة ربهم ، وقد قال الله عز وجل : وإذا قيل لهم اسجدوا للرحمن قالوا وما الرحمن الآية . ولما كتب علي رضي الله عنه في صلح الحديبية بأمر النبي صلى الله عليه وسلم : بسم الله الرحمن الرحيم قال سهيل بن عمرو : أما ( بسم الله الرحمن الرحيم ) فما ندري ما ( بسم الله الرحمن الرحيم ) ! ولكن اكتب ما نعرف : باسمك اللهم ، الحديث . قال ابن العربي‏ : إنما جهلوا الصفة دون الموصوف ، واستدل على ذلك بقولهم : وما الرحمن ؟ ولم يقولوا : ومن الرحمن ؟ قال ابن الحصار : وكأنه رحمه الله لم يقرأ الآية الأخرى : " وهم يكفرون بالرحمن " . وذهب الجمهور من الناس إلى أن ( الرحمن ) مشتق من الرحمة مبني على المبالغة ; ومعناه ذو الرحمة الذي لا نظير له فيها ؛ فلذلك لا يثنى ولا يجمع كما يثنى ( الرحيم ) ويجمع .قال ابن الحصار : ومما يدل على الاشتقاق ما خرجه الترمذي وصححه عن عبد الرحمن بن عوف أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : قال الله عز وجل أنا الرحمن خلقت الرحم وشققت لها اسما من اسمي فمن وصلها وصلته ومن قطعها قطعته . وهذا نص في الاشتقاق ، فلا معنى للمخالفة والشقاق ، وإنكار العرب له لجهلهم بالله وبما وجب له .الثالثة والعشرون : زعم المبرد فيما ذكر ابن الأنباري في كتاب ( الزاهر ) له : أن ( الرحمن ) اسم عبراني فجاء معه ب ( الرحيم ) وأنشد :لن تدركوا المجد أو تشروا عباءكم بالخز أو تجعلوا الينبوت ضمرانا أو تتركون إلى القسين هجرتكمومسحكم صلبهم رحمان قرباناقال أبو إسحاق الزجاج في ( معاني القرآن ) : وقال أحمد بن يحيى : " الرحيم " عربي و " الرحمان " عبراني ، فلهذا جمع بينهما . وهذا القول مرغوب عنه .وقال أبو العباس : النعت قد يقع للمدح ; كما تقول : قال جرير الشاعر : وروى مطرف عن قتادة في قول الله عز وجل ( بسم الله الرحمن الرحيم ) قال : مدح نفسه . قال أبو إسحاق : وهذا قول حسن . وقال قطرب : يجوز أن يكون جمع بينهما للتوكيد . قال أبو إسحاق : وهذا قول حسن ، وفي التوكيد أعظم الفائدة ، وهو كثير في كلام العرب ، ويستغنى عن الاستشهاد ; والفائدة في ذلك ما قاله محمد بن يزيد : إنه تفضل بعد تفضل ، وإنعام بعد إنعام ، وتقوية لمطامع الراغبين ، ووعد لا يخيب آمله .الرابعة والعشرون : واختلفوا هل هما بمعنى واحد أو بمعنيين ؟ فقيل : هما بمعنى واحد ; كندمان ونديم . قالهأبو عبيدة . وقيل : ليس بناء فعلان كفعيل ، فإن فعلان لا يقع إلا على مبالغة الفعل ; نحو قولك : رجل غضبان ، للممتلئ غضبا . وفعيل قد يكون بمعنى الفاعل والمفعول . قال عملس :فأما إذا عضت بك الحرب عضة فإنك معطوف عليك رحيمف ( الرحمن ) خاص الاسم عام الفعل . و ( الرحيم ) عام الاسم خاص الفعل . هذا قول الجمهور .قال أبو علي الفارسي : ( الرحمن ) اسم عام في جميع أنواع الرحمة ، يختص به الله . ( والرحيم ) إنما هو في جهة المؤمنين ; كما قال تعالى : وكان بالمؤمنين رحيما . وقال العرزمي ( الرحمن ) بجميع خلقه في الأمطار ونعم الحواس والنعم العامة ، و ( الرحيم ) بالمؤمنين في الهداية لهم ، واللطف بهم . وقال ابن المبارك : ( الرحمن ) إذا سئل أعطى ، و ( الرحيم ) إذا لم يسأل غضب . وروى ابن ماجه في سننه والترمذي في جامعه عن أبي صالح عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : من لم يسأل الله يغضب عليه لفظ الترمذي . وقال ابن ماجه : من لم يدع الله سبحانه غضب عليه . وقال : سألت أبا زرعة عن أبي صالح هذا ، فقال : هو الذي يقال له : الفارسي وهو خوزي ولا أعرف اسمه . وقد أخذ بعض الشعراء هذا المعنى فقال :الله يغضب إن تركت سؤاله وبني آدم حين يسأل يغضبوقال ابن عباس : هما اسمان رقيقان ، أحدهما أرق من الآخر ، أي أكثر رحمة .قال الخطابي : وهذا مشكل ; لأن الرقة لا مدخل لها في شيء من صفات الله تعالى .وقال الحسين بن الفضل البجلي : هذا وهم من الراوي ، لأن الرقة ليست من صفات الله تعالى في شيء ، وإنما هما اسمان رفيقان أحدهما أرفق من الآخر ، والرفق من صفات الله عز وجل ; قال النبي صلى الله عليه وسلم : إن الله رفيق يحب الرفق ويعطي على الرفق ما لا يعطي على العنف .الخامسة والعشرون : أكثر العلماء على أن ( الرحمن ) مختص بالله عز وجل ، لا يجوز أن يسمى به غيره ، ألا تراه قال : قل ادعوا الله أو ادعوا الرحمن فعادل الاسم الذي لا يشركه فيه غيره . وقال : واسأل من أرسلنا من قبلك من رسلنا أجعلنا من دون الرحمن آلهة يعبدون فأخبر أن الرحمن هو المستحق للعبادة جل وعز . وقد تجاسر مسيلمة الكذاب - لعنه الله - فتسمى برحمان اليمامة ، ولم يتسم به حتى قرع مسامعه نعت الكذاب فألزمه الله تعالى نعت الكذاب لذلك ، وإن كان كل كافر كاذبا ، فقد صار هذا الوصف لمسيلمة علما يعرف به ، ألزمه الله إياه . وقد قيل في اسمه " الرحمن " : إنه اسم الله الأعظم ذكره ابن العربي .السادسة والعشرون : الرحيم صفة مطلقة للمخلوقين ، ولما في الرحمن من العموم قدم في كلامنا على الرحيم مع موافقة التنزيل ; قاله المهدوي . وقيل : إن معنى الرحيم أي بالرحيم وصلتم إلى الله وإلى الرحمن ، ف ( الرحيم ) نعت محمد صلى الله عليه وسلم ، وقد نعته تعالى بذلك فقال : ( رؤوف رحيم ) فكأن المعنى أن يقول بسم الله الرحمن وبالرحيم ، أي وبمحمد صلى الله عليه وسلم وصلتم إلي ، أي باتباعه وبما جاء به وصلتم إلى ثوابي وكرامتي والنظر إلى وجهي والله أعلم .السابعة والعشرون : روي عن علي بن أبي طالب كرم الله وجهه أنه قال في قوله ( بسم الله ) : إنه شفاء من كل داء ، وعون على كل دواء . وأما الرحمن فهو عون لكل من آمن به ، وهو اسم لم يسم به غيره . وأما الرحيم فهو لمن تاب وآمن وعمل صالحا .وقد فسره بعضهم على الحروف ; فروي عن عثمان بن عفان أنه سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن تفسير ( بسم الله الرحمن الرحيم ) فقال : أما الباء فبلاء الله وروحه ونضرته وبهاؤه وأما السين فسناء الله وأما الميم فملك الله وأما الله فلا إله غيره وأما الرحمن فالعاطف على البر والفاجر من خلقه وأما الرحيم فالرفيق بالمؤمنين خاصة . وروي عن كعب الأحبار أنه قال : الباء بهاؤه والسين سناؤه فلا شيء أعلى منه والميم ملكه وهو على كل شيء قدير فلا شيء يعازه . وقد قيل : إن كل حرف هو افتتاح اسم من أسمائه ; فالباء مفتاح اسمه " بصير " ، والسين مفتاح اسمه " سميع " ، والميم مفتاح اسمه " مليك " ، والألف مفتاح اسمه " الله " ، واللام مفتاح اسمه " لطيف " ، والهاء مفتاح اسمه هاد ، والراء مفتاح اسمه " رازق " ، والحاء مفتاح اسمه " حليم " ، والنون مفتاح اسمه " نور " ; ومعنى هذا كله دعاء الله تعالى عند افتتاح كل شيء .الثامنة والعشرون : واختلف في وصل ( الرحيم ) ب ( الحمد لله ) ; فروي عن أم سلمة عن النبي صلى الله عليه وسلم : ( الرحيم ألحمد ) يسكن الميم ويقف عليها ، ويبتدئ بألف مقطوعة . وقرأ به قوم من الكوفيين . وقرأ جمهور الناس : ( الرحيم الحمد ) تعرب الرحيم بالخفض وبوصل الألف من ( الحمد ) . وحكى الكسائي عن بعض العرب أنها تقرأ ( الرحيم الحمد ) ، بفتح الميم وصلة الألف ; كأنه سكنت الميم وقطعت الألف ثم ألقيت حركتها على الميم وحذفت . قال ابن عطية : ولم ترو هذه قراءة عن أحد فيما علمت . وهذا نظر يحيى بن زياد في قوله تعالى : الم الله .
31:1
الٓمّٓۚ(۱)
الم

وهي مكية , غير آيتين قال قتادة : أولهما " ولو أن ما في الأرض من شجرة أقلام " [ لقمان : 27 ] إلى آخر الآيتين .وقال ابن عباس : ثلاث آيات , أولهن " ولو أن ما في الأرض " [ لقمان : 27 ] .وهي أربع وثلاثون آية .اختلف أهل التأويل في الحروف التي في أوائل السورة ; فقال عامر الشعبي وسفيان الثوري وجماعة من المحدثين : هي سر الله في القرآن , ولله في كل كتاب من كتبه سر .فهي من المتشابه الذي انفرد الله تعالى بعلمه , ولا يجب أن يتكلم فيها , ولكن نؤمن بها ونقرؤها كما جاءت .وروي هذا القول عن أبي بكر الصديق وعن علي بن أبي طالب رضي الله عنهما .وذكر أبو الليث السمرقندي عن عمر وعثمان وابن مسعود أنهم قالوا : الحروف المقطعة من المكتوم الذي لا يفسر .وقال أبو حاتم : لم نجد الحروف المقطعة في القرآن إلا في أوائل السور , ولا ندري ما أراد الله جل وعز بها .قلت : ومن هذا المعنى ما ذكره أبو بكر الأنباري : حدثنا الحسن بن الحباب حدثنا أبو بكر بن أبي طالب حدثنا أبو المنذر الواسطي عن مالك بن مغول عن سعيد بن مسروق عن الربيع بن خثيم قال : إن الله تعالى أنزل هذا القران فاستأثر منه بعلم ما شاء , وأطلعكم على ما شاء , فأما ما استأثر به لنفسه فلستم بنائليه فلا تسألوا عنه , وأما الذي أطلعكم عليه فهو الذي تسألون عنه وتخبرون به , وما بكل القرآن تعلمون , ولا بكل ما تعلمون تعملون .قال أبو بكر : فهذا يوضح أن حروفا من القرآن سترت معانيها عن جميع العالم , اختبارا من الله عز وجل وامتحانا ; فمن آمن بها أثيب وسعد , ومن كفر وشك أثم وبعد .حدثنا أبو يوسف بن يعقوب القاضي حدثنا محمد بن أبي بكر حدثنا عبد الرحمن بن مهدي عن سفيان عن الأعمش عن عمارة عن حريث بن ظهير عن عبد الله قال : ما آمن مؤمن أفضل من إيمان بغيب , ثم قرأ : " الذين يؤمنون بالغيب " [ البقرة : 3 ] .قلت : هذا القول في المتشابه وحكمه , وهو الصحيح على ما يأتي بيانه في ( آل عمران ) إن شاء الله تعالى .وقال جمع من العلماء كبير : بل يجب أن نتكلم فيها , ونلتمس الفوائد التي تحتها , والمعاني التي تتخرج عليها ; واختلفوا في ذلك على أقوال عديدة ; فروي عن ابن عباس وعلي أيضا : أن الحروف المقطعة في القرآن اسم الله الأعظم , إلا أنا لا نعرف تأليفه منها .وقال قطرب والفراء وغيرهما : هي إشارة إلى حروف الهجاء أعلم الله بها العرب حين تحداهم بالقرآن أنه مؤتلف من حروف هي التي منها بناء كلامهم ; ليكون عجزهم عنه أبلغ في الحجة عليهم إذ لم يخرج عن كلامهم .قال قطرب : كانوا ينفرون عند استماع القرآن , فلما سمعوا : " الم " و " المص " استنكروا هذا اللفظ , فلما أنصتوا له صلى الله عليه وسلم أقبل عليهم بالقرآن المؤتلف ليثبته في أسماعهم وآذانهم ويقيم الحجة عليهم .وقال قوم : روي أن المشركين لما أعرضوا عن سماع القرآن بمكة وقالوا : " لا تسمعوا لهذا القرآن والغوا فيه " [ فصلت : 26 ] نزلت ليستغربوها فيفتحون لها أسماعهم فيسمعون القرآن بعدها فتجب عليهم الحجة .وقال جماعة : هي حروف دالة على أسماء أخذت منها وحذفت بقيتها ; كقول ابن عباس وغيره : الألف من الله , واللام من جبريل , والميم من محمد صلى الله عليه وسلم .وقيل : الألف مفتاح اسمه الله , واللام مفتاح اسمه لطيف , والميم مفتاح اسمه مجيد .وروى أبو الضحى عن ابن عباس في قوله : " الم " قال : أنا الله أعلم , " الر " أنا الله أرى , " المص " أنا الله أفضل .فالألف تؤدي عن معنى أنا , واللام تؤدي عن اسم الله , والميم تؤدي عن معنى أعلم .واختار هذا القول الزجاج وقال : أذهب إلى أن كل حرف منها يؤدي عن معنى ; وقد تكلمت العرب بالحروف المقطعة نظما لها ووضعا بدل الكلمات التي الحروف منها , كقوله : فقلت لها قفي فقالت قاف أراد : قالت وقفت .وقال زهير : بالخير خيرات وإن شرا فا ولا أريد الشر إلا أن تا أراد : وإن شرا فشر .وأراد : إلا أن تشاء .وقال آخر : نادوهم ألا الجموا ألا تا قالوا جميعا كلهم ألا فا أراد : ألا تركبون , قالوا : ألا فاركبوا .وفي الحديث : ( من أعان على قتل مسلم بشطر كلمة ) قال شقيق : هو أن يقول في اقتل : اق ; كما قال عليه السلام ( كفى بالسيف شا ) معناه : شافيا .وقال زيد بن أسلم : هي أسماء للسور .وقال الكلبي : هي أقسام أقسم الله تعالى بها لشرفها وفضلها , وهي من أسمائه ; عن ابن عباس أيضا ورد بعض العلماء هذا القول فقال : لا يصح أن يكون قسما لأن القسم معقود على حروف مثل : إن وقد ولقد وما ; ولم يوجد ها هنا حرف من هذه الحروف , فلا يجوز أن يكون يمينا .والجواب أن يقال : موضع القسم قوله تعالى : " لا ريب فيه " فلو أن إنسانا حلف فقال : والله هذا الكتاب لا ريب فيه ; لكان الكلام سديدا , وتكون " لا " جواب القسم .فثبت أن قول الكلبي وما روي عن ابن عباس سديد صحيح .فإن قيل : ما الحكمة في القسم من الله تعالى , وكان القوم في ذلك الزمان على صنفين : مصدق , ومكذب ; فالمصدق يصدق بغير قسم , والمكذب لا يصدق مع القسم ؟ .قيل له : القرآن نزل بلغة العرب ; والعرب إذا أراد بعضهم أن يؤكد كلامه أقسم على كلامه ; والله تعالى أراد أن يؤكد عليهم الحجة فأقسم أن القرآن من عنده .وقال بعضهم : " الم " أي أنزلت عليك هذا الكتاب من اللوح المحفوظ .وقال قتادة في قوله : " الم " قال اسم من أسماء القرآن .وروي عن محمد بن علي الترمذي أنه قال : إن الله تعالى أودع جميع ما في تلك السورة من الأحكام والقصص في الحروف التي ذكرها في أول السورة , ولا يعرف ذلك إلا نبي أو ولي , ثم بين ذلك في جميع السورة ليفقه الناس .وقيل غير هذا من الأقوال ; فالله أعلم .والوقف على هذه الحروف على السكون لنقصانها إلا إذا أخبرت عنها أو عطفتها فإنك تعربها .واختلف : هل لها محل من الإعراب ؟ فقيل : لا ; لأنها ليست أسماء متمكنة , ولا أفعالا مضارعة ; وإنما هي بمنزلة حروف التهجي فهي محكية .هذا مذهب الخليل وسيبويه .ومن قال : إنها أسماء السور فموضعها عنده الرفع على أنها عنده خبر ابتداء مضمر ; أي هذه " الم " ; كما تقول : هذه سورة البقرة .أو تكون رفعا على الابتداء والخبر ذلك ; كما تقول : زيد ذلك الرجل .وقال ابن كيسان النحوي : " الم " في موضع نصب ; كما تقول : اقرأ " الم " أو عليك " الم " .وقيل : في موضع خفض بالقسم ; لقول ابن عباس : إنها أقسام أقسم الله بها .
31:2
تِلْكَ اٰیٰتُ الْكِتٰبِ الْحَكِیْمِۙ(۲)
یہ حکمت والی کتاب کی آیتیں ہیں،

و ( تلك ) في موضع رفع على إضمار مبتدأ ، أي هذه تلك . ويقال : ( تيك آيات الكتاب الحكيم ) بدلا من تلك . والكتاب : القرآن . والحكيم : المحكم ; أي لا خلل فيه ولا تناقض . وقيل ذو الحكمة . وقيل الحاكم
31:3
هُدًى وَّ رَحْمَةً لِّلْمُحْسِنِیْنَۙ(۳)
ہدایت اور رحمت ہیں نیکوں کے لیے،

وقيل الحاكم هدى ورحمة للمحسنين بالنصب على الحال ; مثل : هذه ناقة الله لكم آية وهذه قراءة المدنيين وأبي عمرو وعاصم والكسائي . وقرأ حمزة : ( هدى ورحمة ) بالرفع ، وهو من وجهين : أحدهما : على إضمار مبتدأ ; لأنه أول آية . والآخر : أن يكون خبر ( تلك ) . والمحسن : الذي يعبد الله كأنه يراه ، فإن لم يكن يراه فإنه يراه . وقيل : هم المحسنون في الدين وهو الإسلام ; قال الله تعالى : ومن أحسن دينا ممن أسلم وجهه لله الآية .
31:4
الَّذِیْنَ یُقِیْمُوْنَ الصَّلٰوةَ وَ یُؤْتُوْنَ الزَّكٰوةَ وَ هُمْ بِالْاٰخِرَةِ هُمْ یُوْقِنُوْنَؕ(۴)
وہ جو نماز قائم رکھیں اور زکوٰة دیں اور آخرت پر یقین لائیں،

الذين يقيمون الصلاة في موضع الصفة ، ويجوز الرفع على القطع بمعنى : هم الذين ، والنصب بإضمار أعني . وقد مضى الكلام في هذه الآية والتي بعدها في ( البقرة ) وغيرها .
31:5
اُولٰٓىٕكَ عَلٰى هُدًى مِّنْ رَّبِّهِمْ وَ اُولٰٓىٕكَ هُمُ الْمُفْلِحُوْنَ(۵)
وہی اپنے رب کی ہدایت پر ہیں اور انہیں کا کام بنا،

قد مضى الكلام في هذه الآية في ( البقرة ) وغيرها
31:6
وَ مِنَ النَّاسِ مَنْ یَّشْتَرِیْ لَهْوَ الْحَدِیْثِ لِیُضِلَّ عَنْ سَبِیْلِ اللّٰهِ بِغَیْرِ عِلْمٍ ﳓ وَّ یَتَّخِذَهَا هُزُوًاؕ-اُولٰٓىٕكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُّهِیْنٌ(۶)
اور کچھ لوگ کھیل کی باتیں خریدتے ہیں (ف۲) کہ اللہ کی راہ سے بہکادیں بے سمجھے (ف۳) اور اسے ہنسی بنالیں، ان کے لیے ذلت کا عذاب ہے،

قوله تعالى : ومن الناس من يشتري لهو الحديث ليضل عن سبيل الله بغير علم ويتخذها هزوا أولئك لهم عذاب مهين .فيه خمس مسائل :الأولى : قوله تعالى : ومن الناس من يشتري لهو الحديث من في موضع رفع بالابتداء . و ( لهو الحديث ) : الغناء ; في قول ابن مسعود وابن عباس وغيرهما . النحاس : وهو ممنوع بالكتاب والسنة ; والتقدير : من يشتري ذا لهو أو ذات لهو ; مثل : واسأل القرية . أو يكون التقدير : لما كان إنما اشتراها يشتريها ويبالغ في ثمنها كأنه اشتراها للهو .قلت : هذه إحدى الآيات الثلاث التي استدل بها العلماء على كراهة الغناء والمنع منه . والآية الثانية قوله تعالى : وأنتم سامدون . قال ابن عباس : هو الغناء بالحميرية ; اسمدي لنا ; أي غني لنا .والآية الثالثة قوله تعالى : واستفزز من استطعت منهم بصوتك قال مجاهد : الغناء والمزامير . وقد مضى في ( سبحان ) الكلام فيه . وروى الترمذي عن أبي أمامة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : لا تبيعوا القينات ولا تشتروهن ولا تعلموهن ، ولا خير في تجارة فيهن ، وثمنهن حرام في مثل هذا أنزلت هذه الآية : ومن الناس من يشتري لهو الحديث ليضل عن سبيل الله إلى آخر الآية . قال أبو عيسى : هذا حديث غريب ، إنما يروى من حديث القاسم عن أبي أمامة ، والقاسم ثقة وعلي بن يزيد يضعف في الحديث ; قاله محمد بن إسماعيل . قال ابن عطية : وبهذا فسر ابن مسعود وابن عباس وجابر بن عبد الله ومجاهد ، وذكره أبو الفرج الجوزي عن الحسن وسعيد بن جبير وقتادة والنخعي .قلت : هذا أعلى ما قيل في هذه الآية ، وحلف على ذلك ابن مسعود بالله الذي لا إله إلا هو ثلاث مرات إنه الغناء . روى سعيد بن جبير عن أبي الصهباء البكري قال : سئل عبد الله بن مسعود عن قوله تعالى : ومن الناس من يشتري لهو الحديث فقال : الغناء والله الذي لا إله إلا هو ; يرددها ثلاث مرات . وعن ابن عمر أنه الغناء ; وكذلك قال عكرمة وميمون بن مهران ومكحول . وروى شعبة وسفيان عن الحكم وحماد عن إبراهيم قال : قال عبد الله بن مسعود : الغناء ينبت النفاق في القلب ; وقاله مجاهد ، وزاد : إن لهو الحديث في الآية الاستماع إلى الغناء وإلى مثله من الباطل . وقال الحسن : لهو الحديث المعازف والغناء . وقال القاسم بن محمد : الغناء باطل والباطل في النار . وقال ابن القاسم سألت مالكا عنه فقال : قال الله تعالى : فماذا بعد الحق إلا الضلال أفحق هو ؟ ! وترجم البخاري ( باب ) كل لهو باطل إذا شغل عن طاعة الله ، ومن قال لصاحبه تعالى أقامرك ، وقوله تعالى : ومن الناس من يشتري لهو الحديث ليضل عن سبيل الله بغير علم ويتخذها هزوا فقوله : إذا شغل عن طاعة الله مأخوذ من قوله تعالى : ليضل عن سبيل الله . وعن الحسن أيضا : هو الكفر والشرك . وتأوله قوم على الأحاديث التي يتلهى بها أهل الباطل واللعب .وقيل : نزلت في النضر بن الحارث ; لأنه اشترى كتب الأعاجم : رستم ، وإسفنديار ; فكان يجلس بمكة ، فإذا قالت قريش إن محمدا قال كذا ضحك منه ، وحدثهم بأحاديث ملوك الفرس ويقول : حديثي هذا أحسن من حديث محمد ; حكاه الفراء والكلبي وغيرهما . وقيل : كان يشتري المغنيات فلا يظفر بأحد يريد الإسلام إلا انطلق به إلى قينته فيقول : أطعميه واسقيه وغنيه ; ويقول : هذا خير مما يدعوك إليه محمد من الصلاة والصيام وأن تقاتل بين يديه . وهذا القول والأول ظاهر في الشراء . وقالت طائفة : الشراء في هذه الآية مستعار ، وإنما نزلت الآية في أحاديث قريش وتلهيهم بأمر الإسلام وخوضهم في الباطل . قال ابن عطية : فكان ترك ما يجب فعله وامتثال هذه المنكرات شراء لها ; على حد قوله تعالى : أولئك الذين اشتروا الضلالة بالهدى ; اشتروا الكفر بالإيمان ، أي استبدلوه منه واختاروه عليه . وقال مطرف : شراء لهو الحديث استحبابه . قتادة : ولعله لا ينفق فيه مالا ، ولكن سماعه شراؤه .قلت : القول الأول أولى ما قيل به في هذا الباب ; للحديث المرفوع فيه ، وقول الصحابة والتابعين فيه . وقد زاد الثعلبي والواحدي في حديث أبي أمامة : ( وما من رجل يرفع صوته بالغناء إلا بعث الله عليه شيطانين أحدهما على هذا المنكب والآخر على هذا المنكب فلا يزالان يضربان بأرجلهما حتى يكون هو الذي يسكت ) . وروى الترمذي وغيره من حديث أنس وغيره عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : صوتان ملعونان فاجران أنهى عنهما : صوت مزمار ورنة شيطان عند نغمة ومرح ، ورنة عند مصيبة لطم خدود وشق جيوب . وروى جعفر بن محمد عن أبيه عن جده عن علي عليه السلام قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( بعثت بكسر المزامير ) خرجه أبو طالب الغيلاني . وخرج ابن بشران عن عكرمة عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( بعثت بهدم المزامير والطبل ) . وروى الترمذي من حديث علي رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إذا فعلت أمتي خمس عشرة خصلة حل بها البلاء - فذكر منها : إذا اتخذت القينات والمعازف . وفي حديث أبي هريرة : وظهرت القيان والمعازف . وروى ابن المبارك عن مالك بن أنس عن محمد بن المنكدر عن أنس بن مالك قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : من جلس إلى قينة يسمع منها صب في أذنه الآنك يوم القيامة . وروى أسد بن موسى عن عبد العزيز بن أبي سلمة عن محمد بن المنكدر قال : بلغنا أن الله تعالى يقول يوم القيامة : " أين عبادي الذين كانوا ينزهون أنفسهم وأسماعهم عن اللهو ومزامير الشيطان أحلوهم رياض المسك وأخبروهم أني قد أحللت عليهم رضواني " . وروى ابن وهب عن مالك عن محمد بن المنكدر مثله ، وزاد بعد قوله " المسك " : " ثم يقول للملائكة أسمعوهم حمدي وشكري وثنائي ، وأخبروهم ألا خوف عليهم ولا هم يحزنون " . وقد روي مرفوعا هذا المعنى من حديث أبي موسى الأشعري أنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : من استمع إلى صوت غناء لم يؤذن له أن يسمع الروحانيين . فقيل : ومن الروحانيون يا رسول الله ؟ قال : قراء أهل الجنة خرجه الترمذي الحكيم أبو عبد الله في نوادر الأصول ، وقد ذكرنا في كتاب التذكرة مع نظائره : فمن شرب الخمر في الدنيا لم يشربها في الآخرة ، ومن لبس الحرير في الدنيا لم يلبسه في الآخرة . إلى غير ذلك . وكل ذلك صحيح المعنى على ما بيناه هناك . ومن رواية مكحول عن عائشة قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : من مات وعنده جارية مغنية فلا تصلوا عليه . ولهذه الآثار وغيرها قال العلماء بتحريم الغناء . وهي المسألة : -الثانية : وهو الغناء المعتاد عند المشتهرين به ، الذي يحرك النفوس ويبعثها على الهوى والغزل ، والمجون الذي يحرك الساكن ويبعث الكامن ; فهذا النوع إذا كان في شعر يشبب فيه بذكر النساء ووصف محاسنهن وذكر الخمور والمحرمات لا يختلف في تحريمه ; لأنه اللهو والغناء المذموم بالاتفاق . فأما ما سلم من ذلك فيجوز القليل منه في أوقات الفرح ; كالعرس والعيد وعند التنشيط على الأعمال الشاقة ، كما كان في حفر الخندق وحدو أنجشة وسلمة بن الأكوع . فأما ما ابتدعته الصوفية اليوم من الإدمان على سماع المغاني بالآلات المطربة من الشبابات والطار والمعازف والأوتار فحرام . قال ابن العربي : فأما طبل الحرب فلا حرج فيه ; لأنه يقيم النفوس ويرهب العدو . وفي اليراعة تردد . والدف مباح . الجوهري : وربما سموا قصبة الراعي التي يزمر بها هيرعة ويراعة . قال القشيري : ضرب بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم يوم دخل المدينة ، فهم أبو بكر بالزجر فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : دعهن يا أبا بكر حتى تعلم اليهود أن ديننا فسيح ، فكن يضربن ويقلن :نحن بنات النجار ، حبذا محمد من جار. وقد قيل : إن الطبل في النكاح كالدف ، وكذلك الآلات المشهرة للنكاح يجوز استعمالها فيه بما يحسن من الكلام ولم يكن فيه رفث .الثالثة : الاشتغال بالغناء على الدوام سفه ترد به الشهادة ، فإن لم يدم لم ترد . وذكر إسحاق بن عيسى الطباع قال : سألت مالك بن أنس عما يرخص فيه أهل المدينة من الغناء فقال : إنما يفعله عندنا الفساق . وذكر أبو الطيب طاهر بن عبد الله الطبري قال : أما مالك بن أنس فإنه نهى عن الغناء وعن استماعه ، وقال : إذا اشترى جارية ووجدها مغنية كان له ردها بالعيب ; وهو مذهب سائر أهل المدينة ; إلا إبراهيم بن سعد فإنه حكى عنه زكريا الساجي أنه كان لا يرى به بأسا . وقال ابن خويز منداد : فأما مالك فيقال عنه : إنه كان عالما بالصناعة وكان مذهبه تحريمها . وروي عنه أنه قال : تعلمت هذه الصناعة وأنا غلام شاب ، فقالت لي أمي : أي بني ! إن هذه الصناعة يصلح لها من كان صبيح الوجه ولست كذلك ، فطلب العلوم الدينية ; فصحبت ربيعة فجعل الله في ذلك خيرا . قال أبو الطيب الطبري : وأما مذهب أبي حنيفة فإنه يكره الغناء مع إباحته شرب النبيذ ، ويجعل سماع الغناء من الذنوب . وكذلك مذهب سائر أهل الكوفة : إبراهيم والشعبي وحماد والثوري وغيرهم ، لا اختلاف بينهم في ذلك . وكذلك لا يعرف بين أهل البصرة خلاف في كراهية ذلك والمنع منه ; إلا ما روي عن عبيد الله بن الحسن العنبري أنه كان لا يرى به بأسا . قال : وأما مذهب الشافعي فقال : الغناء مكروه يشبه الباطل ، ومن استكثر منه فهو سفيه ترد شهادته .وذكر أبو الفرج الجوزي عن إمامه أحمد بن حنبل ثلاث روايات قال : وقد ذكر أصحابنا عن أبي بكر الخلال وصاحبه عبد العزيز إباحة الغناء ، وإنما أشاروا إلى ما كان في زمانهما من القصائد الزهديات ; قال : وعلى هذا يحمل ما لم يكرهه أحمد ; ويدل عليه أنه سئل عن رجل مات وخلف ولدا وجارية مغنية فاحتاج الصبي إلى بيعها ، فقال : تباع على أنها ساذجة لا على أنها مغنية . فقيل له : إنها تساوي ثلاثين ألفا ; ولعلها إن بيعت ساذجة تساوي عشرين ألفا ؟ فقال : لا تباع إلا على أنها ساذجة . قال أبو الفرج : وإنما قال أحمد هذا لأن هذه الجارية المغنية لا تغني بقصائد الزهد ، بل بالأشعار المطربة المثيرة إلى العشق .وهذا دليل على أن الغناء محظور ; إذ لو لم يكن محظورا ما جاز تفويت المال على اليتيم . وصار هذا كقول أبي طلحة للنبي صلى الله عليه وسلم : عندي خمر لأيتام ؟ فقال : أرقها . فلو جاز استصلاحها لما أمر بتضييع مال اليتامى . قال الطبري : فقد أجمع علماء الأمصار على كراهة الغناء والمنع منه . وإنما فارق الجماعة إبراهيم بن سعد وعبيد الله العنبري ; وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : عليكم بالسواد الأعظم . ومن فارق الجماعة مات ميتة جاهلية . قال أبو الفرج : وقال القفال من أصحابنا : لا تقبل شهادة المغني والرقاص .قلت : وإذ قد ثبت أن هذا الأمر لا يجوز فأخذ الأجرة عليه لا تجوز . وقد ادعى أبو عمر بن عبد البر الإجماع على تحريم الأجرة على ذلك . وقد مضى في الأنعام عند قوله : وعنده مفاتح الغيب وحسبك .الرابعة : قال القاضي أبو بكر ابن العربي : وأما سماع القينات فيجوز للرجل أن يسمع غناء جاريته ; إذ ليس شيء منها عليه حراما لا من ظاهرها ولا من باطنها ، فكيف يمنع من التلذذ بصوتها . أما إنه لا يجوز انكشاف النساء للرجال ولا هتك الأستار ولا سماع الرفث ، فإذا خرج ذلك إلى ما لا يحل ولا يجوز منع من أوله واجتث من أصله . وقال أبو الطيب الطبري : أما سماع الغناء من المرأة التي ليست بمحرم فإن أصحاب الشافعي قالوا لا يجوز ، سواء كانت حرة أو مملوكة . قال : وقال الشافعي : وصاحب الجارية إذا جمع الناس لسماعها فهو سفيه ترد شهادته ; ثم غلظ القول فيه فقال : فهي دياثة . وإنما جعل صاحبها سفيها لأنه دعا الناس إلى الباطل ، ومن دعا الناس إلى الباطل كان سفيها .الخامسة : قوله تعالى : ليضل عن سبيل الله قراءة العامة بضم الياء ; أي ليضل غيره عن طريق الهدى ، وإذا أضل غيره فقد ضل . وقرأ ابن كثير وابن محيصن وحميد وأبو عمرو ورويس وابن أبي إسحاق ( بفتح الياء ) على اللازم ; أي ليضل هو نفسه . ويتخذها هزوا قراءة المدنيين وأبي عمرو وعاصم بالرفع عطفا على من يشتري ويجوز أن يكون مستأنفا . وقرأ الأعمش وحمزة والكسائي : ويتخذها بالنصب عطفا على ليضل . ومن الوجهين جميعا لا يحسن الوقف على قوله : بغير علم والوقف على قوله : هزوا ، والهاء في ويتخذها كناية عن الآيات . ويجوز أن يكون كناية عن السبيل ; لأن السبيل يؤنث ويذكر . أولئك لهم عذاب مهين أي شديد يهينهم قال الشاعر [ جرير ] :ولقد جزعت إلى النصارى بعد ما لقي الصليب من العذاب مهينا
31:7
وَ اِذَا تُتْلٰى عَلَیْهِ اٰیٰتُنَا وَلّٰى مُسْتَكْبِرًا كَاَنْ لَّمْ یَسْمَعْهَا كَاَنَّ فِیْۤ اُذُنَیْهِ وَقْرًاۚ-فَبَشِّرْهُ بِعَذَابٍ اَلِیْمٍ(۷)
اور جب اس پر ہماری آیتیں پڑھی جائیں تو تکبر کرتا ہوا پھرے (ف۴) جیسے انہیں سنا ہی نہیں جیسے اس کے کانوں میں ٹینٹ (روئی کا پھایا) ہے (ف۵) تو اسے دردناک عذاب کا مژدہ دو،

قوله تعالى : وإذا تتلى عليه آياتنا ولى مستكبرا كأن لم يسمعها كأن في أذنيه وقرا فبشره بعذاب أليم .قوله تعالى : وإذا تتلى عليه آياتنا يعني القرآن . ولى أي أعرض . مستكبرا نصب على الحال . كأن لم يسمعها كأن في أذنيه وقرا ثقلا وصمما . وقد تقدم فبشره بعذاب أليم تقدم أيضا .
31:8
اِنَّ الَّذِیْنَ اٰمَنُوْا وَ عَمِلُوا الصّٰلِحٰتِ لَهُمْ جَنّٰتُ النَّعِیْمِۙ(۸)
بیشک جو ایمان لائے اور اچھے کام کیے ان کے لیے چین کے باغ ہیں،

قوله تعالى : إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات لهم جنات النعيم.قوله تعالى : إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات لهم جنات النعيم لما ذكر عذاب الكفار ذكر نعيم المؤمنين .
31:9
خٰلِدِیْنَ فِیْهَاؕ-وَعْدَ اللّٰهِ حَقًّاؕ-وَ هُوَ الْعَزِیْزُ الْحَكِیْمُ(۹)
ہمیشہ ان میں رہیں گے، اللہ کا وعدہ ہے سچا، اور وہی عزت و حکمت والا ہے،

خالدين فيها أي دائمين . وعد الله حقا أي وعدهم الله هذا وعدا حقا لا خلف فيه . وهو العزيز الحكيم تقدم أيضا .
31:10
خَلَقَ السَّمٰوٰتِ بِغَیْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا وَ اَلْقٰى فِی الْاَرْضِ رَوَاسِیَ اَنْ تَمِیْدَ بِكُمْ وَ بَثَّ فِیْهَا مِنْ كُلِّ دَآبَّةٍؕ-وَ اَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَآءِ مَآءً فَاَنْۢبَتْنَا فِیْهَا مِنْ كُلِّ زَوْجٍ كَرِیْمٍ(۱۰)
اس نے آسمان بنائے بے ایسے ستونوں کے جو تمہیں نظر آئیں (ف۶) اور زمین میں ڈالے لنگر (ف۷) کہ تمہیں لے کر نہ کانپے اور اس میں ہر قسم کے جانور پھیلائے، اور ہم نے آسمان سے پانی اتارا (ف۸) تو زمین میں ہر نفیس جوڑا اگایا (ف۹)

قوله تعالى : خلق السماوات بغير عمد ترونها وألقى في الأرض رواسي أن تميد بكم وبث فيها من كل دابة وأنزلنا من السماء ماء فأنبتنا فيها من كل زوج كريمقوله تعالى : خلق السماوات بغير عمد ترونها تكون ترونها في موضع خفض على النعت ل ( عمد ) ، فيمكن أن يكون ثم عمد ، ولكن لا ترى . ويجوز أن تكون في موضع نصب على الحال من السماوات ولا عمد ثم البتة . النحاس : وسمعت علي بن سليمان يقول : الأولى أن يكون مستأنفا ، ولا عمد ثم ; قاله مكي . ويكون بغير عمد التمام . وقد مضى في ( الرعد ) الكلام في هذه الآية . وألقى في الأرض رواسي أي جبالا ثوابت . أن تميد بكم في موضع نصب ; أي كراهية أن تميد . والكوفيون يقدرونه بمعنى لئلا تميد . وبث فيها من كل دابة وأنزلنا من السماء ماء فأنبتنا فيها من كل زوج كريم عن ابن عباس : من كل لون حسن . وتأوله الشعبي على الناس ; لأنهم مخلوقون من الأرض ; قال : من كان منهم يصير إلى الجنة فهو الكريم ، ومن كان منهم يصير إلى النار فهو اللئيم . وقد تأول غيره أن النطفة مخلوقة من تراب ، وظاهر القرآن يدل على ذلك .
31:11
هٰذَا خَلْقُ اللّٰهِ فَاَرُوْنِیْ مَا ذَا خَلَقَ الَّذِیْنَ مِنْ دُوْنِهٖؕ-بَلِ الظّٰلِمُوْنَ فِیْ ضَلٰلٍ مُّبِیْنٍ۠(۱۱)
یہ تو اللہ کا بنایا ہوا ہے (ف۱۰) مجھے وہ دکھاؤ (ف۱۱) جو اس کے سوا اوروں نے بنایا (ف۱۲) بلکہ ظالم کھلی گمراہی میں ہیں،

قوله تعالى : هذا خلق الله مبتدأ وخبر . والخلق بمعنى المخلوق ; أي هذا الذي ذكرته مما تعاينون خلق الله أي مخلوق الله ، أي خلقها من غير شريك . فأروني معاشر المشركين ماذا خلق الذين من دونه يعني الأصنام . بل الظالمون أي المشركون في ضلال مبين أي خسران ظاهر . ( وما ) استفهام في موضع رفع بالابتداء وخبره ( ذا ) وذا بمعنى الذي . و ( خلق ) واقع على هاء محذوفة ; تقديره فأروني أي شيء خلق الذين من دونه ; والجملة في موضع نصب ب ( أروني ) وتضمر الهاء مع ( خلق ) تعود على الذين ; أي فأروني الأشياء التي خلقها الذين من دونه . وعلى هذا القول تقول : ماذا تعلمت ؛ أنحوا أم شعرا . ويجوز أن تكون ( ما ) في موضع نصب ب ( أروني ) و ( ذا ) زائدة وعلى هذا القول يقول : ماذا تعلمت ، أنحوا أم شعرا ؟
31:12
وَ لَقَدْ اٰتَیْنَا لُقْمٰنَ الْحِكْمَةَ اَنِ اشْكُرْ لِلّٰهِؕ-وَ مَنْ یَّشْكُرْ فَاِنَّمَا یَشْكُرُ لِنَفْسِهٖۚ-وَ مَنْ كَفَرَ فَاِنَّ اللّٰهَ غَنِیٌّ حَمِیْدٌ(۱۲)
اور بیشک ہم نے لقمان کو حکمت عطا فرمائی (ف۱۳) کہ اللہ کا شکر کر (ف۱۴) اور جو شکر کرے وہ اپنے بھلے کو شکر کرتا ہے (ف۱۵) اور جو ناشکری کرے تو بیشک اللہ بے پرواہ ہے سب خوبیاں سراہا،

قوله تعالى : ولقد آتينا لقمان الحكمة أن اشكر لله ومن يشكر فإنما يشكر لنفسه ومن كفر فإن الله غني حميد .قوله تعالى : ولقد آتينا لقمان الحكمة مفعولان . ولم ينصرف لقمان لأن في آخره ألفا ونونا زائدتين ; فأشبه فعلان الذي أنثاه فعلى فلم ينصرف في المعرفة ; لأن ذلك ثقل ثان ، وانصرف في النكرة لأن أحد الثقلين قد زال ; قاله النحاس . وهو لقمان بن باعوراء بن ناحور بن تارح ، وهو آزر أبو إبراهيم ; كذا نسبه محمد بن إسحاق . وقيل : هو لقمان بن عنقاء بن سرون وكان نوبيا من أهل أيلة ; ذكره السهيلي . قال وهب : كان ابن أخت أيوب . وقال مقاتل : ذكر أنه كان ابن خالة أيوب . الزمخشري : وهو لقمان بن باعوراء بن أخت أيوب أو ابن خالته . وقيل كان من أولاد آزر ، عاش ألف سنة وأدركه داود عليه الصلاة والسلام وأخذ عنه العلم ، وكان يفتي قبل مبعث داود ، فلما بعث قطع الفتوى فقيل له ، فقال : ألا أكتفي إذ كفيت ؟ وقال الواقدي : كان قاضيا في بني إسرائيل . وقال سعيد بن المسيب : كان لقمان أسود من سودان مصر ذا مشافر ، أعطاه الله تعالى الحكمة ومنعه النبوة ; وعلى هذا جمهور أهل التأويل أنه كان وليا ولم يكن نبيا . وقال بنبوته عكرمة والشعبي ; وعلى هذا تكون الحكمة النبوة . والصواب أنه كان رجلا حكيما بحكمة الله تعالى - وهي الصواب في المعتقدات والفقه في الدين والعقل - قاضيا في بني إسرائيل ، أسود مشقق الرجلين ذا مشافر ، أي عظيم الشفتين ; قاله ابن عباس وغيره .وروي من حديث ابن عمر قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " لم يكن لقمان نبيا ولكن كان عبدا كثير التفكر حسن اليقين ، أحب الله تعالى فأحبه ، فمن عليه بالحكمة ، وخيره في أن يجعله خليفة يحكم بالحق ; فقال : رب ، إن خيرتني قبلت العافية وتركت البلاء ، وإن عزمت علي فسمعا وطاعة فإنك ستعصمني " ذكره ابن عطية . وزاد الثعلبي : " فقالت له الملائكة بصوت لا يراهم : لم يا لقمان ؟ قال : لأن الحاكم بأشد المنازل وأكدرها ، يغشاه المظلوم من كل مكان ، إن يعن فبالحري أن ينجو ، وإن أخطأ أخطأ طريق الجنة . ومن يكن في الدنيا ذليلا فذلك خير من أن يكون فيها شريفا . ومن يختر الدنيا على الآخرة نفته الدنيا ولا يصيب الآخرة . فعجبت الملائكة من حسن منطقه ; فنام نومة فأعطي الحكمة فانتبه يتكلم بها . ثم نودي داود بعده فقبلها - يعني الخلافة - ولم يشترط ما اشترطه لقمان ، فهوى في الخطيئة غير مرة ، كل ذلك يعفو الله عنه . وكان لقمان يوازره بحكمته ; فقال له داود : طوبى لك يا لقمان ! أعطيت الحكمة وصرف عنك البلاء ، وأعطي داود الخلافة وابتلي بالبلاء والفتنة " . وقال قتادة : خير الله تعالى لقمان بين النبوة والحكمة ; فاختار الحكمة على النبوة ; فأتاه جبريل عليه السلام وهو نائم فذر عليه الحكمة فأصبح وهو ينطق بها ; فقيل له : كيف اخترت الحكمة على النبوة وقد خيرك ربك ؟ فقال : إنه لو أرسل إلي بالنبوة عزمة لرجوت فيها العون منه ، ولكنه خيرني فخفت أن أضعف عن النبوة ، فكانت الحكمة أحب إلي .واختلف في صنعته ; فقيل : كان خياطا ; قاله سعيد بن المسيب ، وقال لرجل أسود : لا تحزن من أنك أسود ، فإنه كان من خير الناس ثلاثة من السودان : بلال ومهجع مولى عمر ولقمان . وقيل : كان يحتطب كل يوم لمولاه حزمة حطب . وقال لرجل ينظر إليه : إن كنت تراني غليظ الشفتين فإنه يخرج من بينهما كلام رقيق ، وإن كنت تراني أسود فقلبي أبيض . وقيل : كان راعيا ، فرآه رجل كان يعرفه قبل ذلك فقال له : ألست عبد بني فلان ؟ قال : بلى . قال : فما بلغ بك ما أرى ؟ قال : قدر الله ، وأدائي الأمانة ، وصدق الحديث ، وترك ما لا يعنيني ; قاله عبد الرحمن بن زيد بن جابر . وقال خالد الربعي : كان نجارا ; فقال له سيده : اذبح لي شاة وأتني بأطيبها مضغتين ; فأتاه باللسان والقلب ; فقال له : ما كان فيها شيء أطيب من هذين ؟ فسكت ، ثم أمره بذبح شاة أخرى ثم قال له : ألق أخبثها مضغتين ; فألقى اللسان والقلب ; فقال له : أمرتك أن تأتيني بأطيب مضغتين فأتيتني باللسان والقلب ، وأمرتك أن تلقي أخبثها فألقيت اللسان والقلب ؟ ! فقال له : إنه ليس شيء أطيب منهما إذا طابا ، ولا أخبث منهما إذا خبثا .قلت : هذا معناه مرفوع في غير ما حديث ; من ذلك قوله صلى الله عليه وسلم : ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهي القلب . وجاء في اللسان آثار كثيرة صحيحة وشهيرة ; منها قوله عليه السلام : من وقاه الله شر اثنتين ولج الجنة : ما بين لحييه ورجليه . . الحديث . وحكم لقمان كثيرة مأثورة هذا منها . وقيل له : أي الناس شر ؟ قال : الذي لا يبالي أن رآه الناس مسيئا. قلت : وهذا أيضا مرفوع معنى ، قال صلى الله عليه وسلم : كل أمتي معافى إلا المجاهرين وإن من المجاهرة أن يعمل الرجل بالليل عملا ثم يصبح وقد ستره الله فيقول يا فلان عملت البارحة كذا وكذا وقد بات يستره ربه ويصبح يكشف ستر الله عنه . رواه أبو هريرة خرجه البخاري . وقال وهب بن منبه : قرأت من حكمة لقمان أرجح من عشرة آلاف باب . وروي أنه دخل على داود عليه السلام وهو يسرد الدروع ، وقد لين الله له الحديد كالطين فأراد أن يسأله ، فأدركته الحكمة فسكت ; فلما أتمها لبسها وقال : نعم لبوس الحرب أنت . فقال : الصمت حكمة ، وقليل فاعله . فقال له داود : بحق ما سميت حكيما .قوله تعالى : أن اشكر لله فيه تقديران : أحدهما أن تكون أن بمعنى أي مفسرة ; أي قلنا له اشكر . والقول الآخر إنها في موضع نصب والفعل داخل في صلتها ; كما حكى سيبويه : كتبت إليه أن قم ; إلا أن هذا الوجه عنده بعيد . وقال الزجاج : المعنى ولقد آتينا لقمان الحكمة لأن يشكر الله تعالى . وقيل : أي بأن اشكر لله تعالى فشكر ; فكان حكيما بشكره لنا . والشكر لله : طاعته فيما أمر به . وقد مضى القول في حقيقته لغة ومعنى في ( البقرة ) وغيرها . ومن يشكر فإنما يشكر لنفسه أي من يطع الله تعالى فإنما يعمل لنفسه ; لأن نفع الثواب عائد إليه . ومن كفر أي كفر النعم فلم يوحد الله فإن الله غني عن عبادة خلقه حميد عند الخلق ; أي محمود . وقال يحيى بن سلام : غني عن خلقه حميد في فعله .
31:13
وَ اِذْ قَالَ لُقْمٰنُ لِابْنِهٖ وَ هُوَ یَعِظُهٗ یٰبُنَیَّ لَا تُشْرِكْ بِاللّٰهِﳳ-اِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِیْمٌ(۱۳)
اور یاد کرو جب لقمان نے اپنے بیٹے سے کہا اور وہ نصیحت کرتا تھا (ف۱۶) اے میرے بیٹے اللہ کا کسی کو شریک نہ کرنا، بیشک شرک بڑا ظلم ہے (ف۱۷)

قوله تعالى : وإذ قال لقمان لابنه وهو يعظه يابني لا تشرك بالله إن الشرك لظلم عظيم .قوله تعالى : وإذ قال لقمان لابنه وهو يعظه قال السهيلي : اسم ابنه ثاران ; في قول الطبري والقتبي . وقال الكلبي : مشكم . وقيل أنعم ; حكاه النقاش . وذكر القشيري أن ابنه وامرأته كانا كافرين فما زال يعظهما حتى أسلما .قلت : ودل على هذا قوله : لا تشرك بالله إن الشرك لظلم عظيم وفي صحيح مسلم وغيره عن عبد الله قال : لما نزلت : الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم شق ذلك على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وقالوا : أينا لا يظلم نفسه ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ليس هو كما تظنون إنما هو كما قال لقمان لابنه : يابني لا تشرك بالله إن الشرك لظلم عظيم . واختلف في قوله : إن الشرك لظلم عظيم فقيل : إنه من كلام لقمان . وقيل : هو خبر من الله تعالى منقطعا من كلام لقمان متصلا به في تأكيد المعنى ; ويؤيد هذا الحديث المأثور أنه لما نزلت : الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم أشفق أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وقالوا : أينا لم يظلم ; فأنزل الله تعالى : إن الشرك لظلم عظيم فسكن إشفاقهم ، وإنما يسكن إشفاقهم بأن يكون خبرا من الله تعالى ; وقد يسكن الإشفاق بأن يذكر الله ذلك عن عبد قد وصفه بالحكمة والسداد . و ( إذ ) في موضع نصب بمعنى اذكر . وقال الزجاج في كتابه في القرآن : إن إذ في موضع نصب ب ( آتينا ) والمعنى : ولقد آتينا لقمان الحكمة إذ قال . النحاس : وأحسبه غلطا ; لأن في الكلام واوا تمنع من ذلك . وقال : ( يا بني ) بكسر الياء ; لأنها دالة على الياء المحذوفة ، ومن فتحها فلخفة الفتحة عنده ; وقد مضى في ( هود ) القول في هذا . وقوله : ( يا بني ) ليس هو على حقيقة التصغير وإن كان على لفظه ، وإنما هو على وجه الترقيق ; كما يقال للرجل : يا أخي ، وللصبي هو كويس .
31:14
وَ وَصَّیْنَا الْاِنْسَانَ بِوَالِدَیْهِۚ-حَمَلَتْهُ اُمُّهٗ وَهْنًا عَلٰى وَهْنٍ وَّ فِصٰلُهٗ فِیْ عَامَیْنِ اَنِ اشْكُرْ لِیْ وَ لِوَالِدَیْكَؕ-اِلَیَّ الْمَصِیْرُ(۱۴)
اور ہم نے آدمی کو اس کے ماں باپ کے بارے میں تاکید فرمائی (ف۱۸) اس کی ماں نے اسے پیٹ میں رکھا کمزوری پر کمزوری جھیلتی ہوئی (ف۱۹) اور اس کا دودھ چھوٹنا دو برس میں ہے یہ کہ حق مان میرا اور اپنے ماں باپ کا (ف۲۰) آخر مجھی تک آنا ہے،

قوله تعالى : ووصينا الإنسان بوالديه هاتان الآيتان اعتراض بين أثناء وصية لقمان . وقيل : إن هذا مما أوصى به لقمان ابنه ; أخبر الله به عنه ; أي قال لقمان لابنه : لا تشرك بالله ولا تطع في الشرك والديك ، فإن الله وصى بهما في طاعتهما مما لا يكون شركا ومعصية لله تعالى . وقيل : أي وإذ قال لقمان لابنه ; فقلنا للقمان فيما آتيناه من الحكمة ووصينا الإنسان بوالديه ; أي قلنا له اشكر لله ، وقلنا له ووصينا الإنسان . وقيل : وإذ قال لقمان لابنه ، لا تشرك ، ونحن وصينا الإنسان بوالديه حسنا ، وأمرنا الناس بهذا ، وأمر لقمان به ابنه ; ذكر هذه الأقوال القشيري . والصحيح أن هاتين الآيتين نزلتا في شأن سعد بن أبي وقاص ; كما تقدم في ( العنكبوت ) ، وعليه جماعة المفسرين .وجملة هذا الباب أن طاعة الأبوين لا تراعى في ركوب كبيرة ولا في ترك فريضة على الأعيان ، وتلزم طاعتهما في المباحات ، ويستحسن في ترك الطاعات الندب ; ومنه أمر الجهاد الكفاية ، والإجابة للأم في الصلاة مع إمكان الإعادة ; على أن هذا أقوى من الندب ; لكن يعلل بخوف هلكة عليها ، ونحوه مما يبيح قطع الصلاة فلا يكون أقوى من الندب . وخالف الحسن في هذا التفصيل فقال : إن منعته أمه من شهود العشاء شفقة فلا يطعها .لما خص تعالى الأم بدرجة ذكر الحمل وبدرجة ذكر الرضاع حصل لها بذلك ثلاث مراتب ، وللأب واحدة ; وأشبه ذلك قوله صلى الله عليه وسلم حين قال له رجل : من أبر ؟ قال : أمك ، قال : ثم من ؟ قال : أمك ، قال : ثم من ؟ قال : أمك ، قال : ثم من ؟ قال : أبوك فجعل له الربع من المبرة كما في هذه الآية ; وقد مضى هذا كله في ( سبحان ) .وهنا على وهن أي حملته في بطنها وهي تزداد كل يوم ضعفا على ضعف . وقيل : المرأة ضعيفة الخلقة ثم يضعفها الحمل . وقرأ عيسى الثقفي : ( وهنا على وهن ) بفتح الهاء فيهما ; ورويت عن أبي عمرو ، وهما بمعنى واحد . قال قعنب بن أم صاحب :هل للعواذل من ناه فيزجرها إن العواذل فيها الأين والوهنيقال : وهن يهن ، ووهن يوهن ووهن يهن ; مثل ورم يرم . وانتصب وهنا على المصدر ; ذكره القشيري . النحاس : على المفعول الثاني بإسقاط حرف الجر ; أي حملته بضعف على ضعف . وقرأ الجمهور : وفصاله وقرأ الحسن ويعقوب : ( وفصله ) وهما لغتان ، أي وفصاله في انقضاء عامين ; والمقصود من الفصال الفطام ، فعبر بغايته ونهايته . ويقال : انفصل عن كذا أي تميز ; وبه سمي الفصيل .الناس مجمعون على العامين في مدة الرضاع في باب الأحكام والنفقات ، وأما في تحريم اللبن فحددت فرقة بالعام لا زيادة ولا نقص . وقالت فرقة : العامان وما اتصل بهما من الشهر ونحوه إذا كان متصل الرضاع . وقالت فرقة : إن فطم الصبي قبل العامين وترك اللبن فإن ما شرب بعد ذلك في الحولين لا يحرم ; وقد مضى هذا في ( البقرة ) مستوفى .قوله تعالى : أن اشكر لي ( أن ) في موضع نصب في قول الزجاج ، وأن المعنى : ووصينا الإنسان بوالديه أن اشكر لي . النحاس : وأجود منه أن تكون أن مفسرة ، والمعنى : قلنا له أن اشكر لي ولوالديك . قيل : الشكر لله على نعمة الإيمان ، وللوالدين على نعمة التربية . وقال سفيان بن عيينة : من صلى الصلوات الخمس فقد شكر الله تعالى ، ومن دعا لوالديه في أدبار الصلوات فقد شكرهما .
31:15
وَ اِنْ جَاهَدٰكَ عَلٰۤى اَنْ تُشْرِكَ بِیْ مَا لَیْسَ لَكَ بِهٖ عِلْمٌۙ-فَلَا تُطِعْهُمَا وَ صَاحِبْهُمَا فِی الدُّنْیَا مَعْرُوْفًا٘-وَّ اتَّبِـعْ سَبِیْلَ مَنْ اَنَابَ اِلَیَّۚ-ثُمَّ اِلَیَّ مَرْجِعُكُمْ فَاُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُوْنَ(۱۵)
اور اگر وہ دونوں تجھ سے کوشش کریں کہ میرا شریک ٹھہرائے ایسی چیز کو جس کا تجھے علم نہیں (ف۲۱) تو ان کا کہنا نہ مان (ف۲۲) اور دنیا میں اچھی طرح ان کا ساتھ دے (ف۲۳) اور اس کی راہ چل جو میری طرف رجوع لایا (ف۲۴) پھر میری ہی طرف تمہیں پھر آنا ہے تو میں بتادوں گا جو تم کرتے تھے (ف۲۵)

قوله تعالى : وإن جاهداك على أن تشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما وصاحبهما في الدنيا معروفا واتبع سبيل من أناب إلي ثم إلي مرجعكم فأنبئكم بما كنتم تعملون قد بينا أن هذه الآية والتي قبلها نزلتا في شأن سعد بن أبي وقاص لما أسلم ، وأن أمه وهي حمنة بنت أبي سفيان بن أمية حلفت ألا تأكل ; كما تقدم في الآية قبلها .قوله تعالى : وصاحبهما في الدنيا معروفا نعت لمصدر محذوف ; أي مصاحبا معروفا ; يقال صاحبته مصاحبة ومصاحبا . و ( معروفا ) أي ما يحسن .والآية دليل على صلة الأبوين الكافرين بما أمكن من المال إن كانا فقيرين ، وإلانة القول والدعاء إلى الإسلام برفق . وقد قالت أسماء بنت أبي بكر الصديق للنبي عليه الصلاة والسلام وقد قدمت عليها خالتها . وقيل أمها من الرضاعة فقالت : يا رسول الله ، إن أمي قدمت علي وهي راغبة أفأصلها ؟ قال : نعم . وراغبة قيل معناه : عن الإسلام . قال ابن عطية : والظاهر عندي أنها راغبة في الصلة ، وما كانت لتقدم على أسماء لولا حاجتها . ووالدة أسماء هي قتيلة بنت عبد العزى بن عبد أسد . وأم عائشة وعبد الرحمن هي أم رومان قديمة الإسلام .واتبع سبيل من أناب إلي وصية لجميع العالم ; كأن المأمور الإنسان . و ( أناب ) معناه مال ورجع إلى الشيء ; وهذه سبيل الأنبياء والصالحين . وحكى النقاش أن المأمور سعد ، والذي أناب أبو بكر ; وقال : إن أبا بكر لما أسلم أتاه سعد وعبد الرحمن بن عوف وعثمان وطلحة وسعيد والزبير فقالوا : آمنت ؟ ! قال : نعم ; فنزلت فيه : أم من هو قانت آناء الليل ساجدا وقائما يحذر الآخرة ويرجو رحمة ربه فلما سمعها الستة آمنوا ; فأنزل الله تعالى فيهم : والذين اجتنبوا الطاغوت أن يعبدوها وأنابوا إلى الله لهم البشرى إلى قوله أولئك الذين هداهم الله . وقيل : الذي أناب النبي صلى الله عليه وسلم . وقال ابن عباس : ولما أسلم سعد أسلم معه أخواه عامر وعويمر ; فلم يبق منهم مشرك إلا عتبة . ثم توعد عز وجل ببعث من في القبور والرجوع إليه للجزاء والتوقيف على صغير الأعمال وكبيرها .
31:16
یٰبُنَیَّ اِنَّهَاۤ اِنْ تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِّنْ خَرْدَلٍ فَتَكُنْ فِیْ صَخْرَةٍ اَوْ فِی السَّمٰوٰتِ اَوْ فِی الْاَرْضِ یَاْتِ بِهَا اللّٰهُؕ-اِنَّ اللّٰهَ لَطِیْفٌ خَبِیْرٌ(۱۶)
اے میرے بیٹے برائی اگر رائی کے دانہ برابر ہو پھر وہ پتھر کی چٹان میں یا آسمان میں یا زمین میں کہیں ہو (ف۲۶) اللہ اسے لے آئے گا (ف۲۷) بیشک اللہ ہر باریکی کا جاننے والا خبردار ہے (ف۲۸)

قوله تعالى : يابني إنها إن تك مثقال حبة من خردل فتكن في صخرة أو في السماوات أو في الأرض يأت بها الله إن الله لطيف خبير .المعنى : وقال لقمان لابنه يا بني . وهذا القول من لقمان إنما قصد به إعلام ابنه بقدر قدرة الله تعالى . وهذه الغاية التي أمكنه أن يفهمه ؛ لأن الخردلة يقال : إن الحس لا يدرك لها ثقلا ؛ إذ لا ترجح ميزانا . أي لو كان للإنسان رزق مثقال حبة خردل في هذه المواضع جاء الله بها حتى يسوقها إلى من هي رزقه ; أي لا تهتم للرزق حتى تشتغل به عن أداء الفرائض ، وعن اتباع سبيل من أناب إلي .قلت : ومن هذا المعنى قول النبي صلى الله عليه وسلم لعبد الله بن مسعود : لا تكثر همك ما يقدر يكون وما ترزق يأتيك . وقد نطقت هذه الآية بأن الله تعالى قد أحاط بكل شيء علما ، وأحصى كل شيء عددا ; سبحانه لا شريك له . وروي أن ابن لقمان سأل أباه عن الحبة التي تقع في سفل البحر أيعلمها الله ؟ فراجعه لقمان بهذه الآية . وقيل : المعنى أنه أراد الأعمال ، المعاصي والطاعات ; أي إن تك الحسنة أو الخطيئة مثقال حبة يأت بها الله ; أي لا تفوت الإنسان المقدر وقوعها منه . وبهذا المعنى يتحصل في الموعظة ترجية وتخويف ، مضاف ذلك إلى تبيين قدرة الله تعالى . وفي القول الأول ليس فيه ترجية ولا تخويف .قوله تعالى : مثقال حبة عبارة تصلح للجواهر ، أي قدر حبة ، وتصلح للأعمال ; أي ما يزنه على جهة المماثلة قدر حبة . ومما يؤيد قول من قال هي من الجواهر : قراءة عبد الكريم الجزري ( فتكن ) بكسر الكاف وشد النون ، من الكن الذي هو الشيء المغطى . وقرأ جمهور القراء : إن تك بالتاء من فوق ( مثقال ) بالنصب على خبر كان ، واسمها مضمر تقديره : مسألتك ، على ما روي ، أو المعصية والطاعة على القول الثاني ; ويدل على صحته قول ابن لقمان لأبيه : يا أبت إن عملت الخطيئة حيث لا يراني أحد كيف يعلمها الله ؟ فقال لقمان له : يابني إنها إن تك مثقال حبة من خردل فتكن في صخرة الآية . فما زال ابنه يضطرب حتى مات ; قاله مقاتل . والضمير في إنها ضمير القصة ; كقولك : إنها هند قائمة ; أي القصة إنها إن تك مثقال حبة . والبصريون يجيزون : إنها زيد ضربته ; بمعنى إن القصة . والكوفيون لا يجيزون هذا إلا في المؤنث كما ذكرنا . وقرأ نافع : ( مثقال ) بالرفع ، وعلى هذا تك يرجع إلى معنى خردلة ; أي إن تك حبة من خردل . وقيل : أسند إلى المثقال فعلا فيه علامة التأنيث من حيث انضاف إلى مؤنث هو منه ; لأن مثقال الحبة من الخردل إما سيئة أو حسنة ; كما قال : فله عشر أمثالها فأنث ، وإن كان المثل مذكرا ; لأنه أراد الحسنات . وهذا كقول الشاعر :مشين كما اهتزت رماح تسفهت أعاليها مر الرياح النواسمو ( تك ) هاهنا بمعنى تقع ، فلا تقتضي خبرا .قوله تعالى : فتكن في صخرة قيل : معنى الكلام المبالغة والانتهاء في التفهيم ; أي أن قدرته تعالى تنال ما يكون في تضاعيف صخرة وما يكون في السماء والأرض . وقال ابن عباس : الصخرة تحت الأرضين السبع وعليها الأرض . وقيل : هي الصخرة على ظهر الحوت . وقال السدي : هي صخرة ليست في السماوات والأرض ، بل هي وراء سبع أرضين عليها ملك قائم ; لأنه قال : أو في السماوات أو في الأرض وفيهما غنية عن قوله : فتكن في صخرة ; وهذا الذي قاله ممكن ، ويمكن أن يقال : قوله : فتكن في صخرة تأكيد ; كقوله : اقرأ باسم ربك الذي خلق خلق الإنسان من علق ، وقوله : سبحان الذي أسرى بعبده ليلا .
31:17
یٰبُنَیَّ اَقِمِ الصَّلٰوةَ وَ اْمُرْ بِالْمَعْرُوْفِ وَ انْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَ اصْبِرْ عَلٰى مَاۤ اَصَابَكَؕ-اِنَّ ذٰلِكَ مِنْ عَزْمِ الْاُمُوْرِۚ(۱۷)
اے میرے بیٹے! نماز برپا رکھ اور اچھی بات کا حکم دے اور بری بات سے منع کر اور جو افتاد تجھ پر پڑے (ف۲۹) اس پر صبر کر، بیشک یہ ہمت کے کام ہیں (ف۳۰)

قوله تعالى : يا بني أقم الصلاة وأمر بالمعروف وانه عن المنكر واصبر على ما أصابك إن ذلك من عزم الأمور .فيه ثلاث مسائل :الأولى : قوله تعالى : يابني أقم الصلاة وصى ابنه بعظم الطاعات وهي الصلاة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر . وهذا إنما يريد به بعد أن يمتثل ذلك هو في نفسه ويزدجر عن المنكر ، وهنا هي الطاعات والفضائل أجمع . ولقد أحسن من قال :وابدأ بنفسك فانهها عن غيها فإذا انتهت عنه فأنت حكيمفي أبيات تقدم في ( البقرة ) ذكرها .الثانية : قوله تعالى : واصبر على ما أصابك يقتضي حضا على تغيير المنكر وإن نالك ضرر ; فهو إشعار بأن المغير يؤذى أحيانا ; وهذا القدر على جهة الندب والقوة في ذات الله ; وأما على اللزوم فلا ، وقد مضى الكلام في هذا مستوفى في ( آل عمران والمائدة ) . وقيل : أمره بالصبر على شدائد الدنيا كالأمراض وغيرها ، وألا يخرج من الجزع إلى معصية الله عز وجل ; وهذا قول حسن لأنه يعم .الثالثة : قوله تعالى : إن ذلك من عزم الأمور قال ابن عباس : من حقيقة الإيمان الصبر على المكاره . وقيل : إن إقامة الصلاة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من عزم الأمور ; أي مما عزمه الله وأمر به ; قاله ابن جريج . ويحتمل أن يريد أن ذلك من مكارم الأخلاق وعزائم أهل الحزم السالكين طريق النجاة . وقول ابن جريج أصوب .
31:18
وَ لَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَ لَا تَمْشِ فِی الْاَرْضِ مَرَحًاؕ-اِنَّ اللّٰهَ لَا یُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُوْرٍۚ(۱۸)
اور کسی سے بات کرنے میں (ف۳۱) اپنا رخسارہ کج نہ کر (ف۳۲) اور زمین میں اِتراتا نہ چل، بیشک اللہ کو نہیں بھاتا کوئی اِتراتا فخر کرتا،

قوله تعالى : ولا تصعر خدك للناس ولا تمش في الأرض مرحا إن الله لا يحب كل مختال فخور .فيه ثلاث مسائل :الأولى : قرأ نافع وأبو عمرو وحمزة والكسائي وابن محيصن : ( تصاعر ) بالألف بعد الصاد . وقرأ ابن كثير وعاصم وابن عامر والحسن ومجاهد : ( تصعر ) ، وقرأ الجحدري : ( تصعر ) بسكون الصاد ; والمعنى متقارب . والصعر : الميل ; ومنه قول الأعرابي : وقد أقام الدهر صعري ، بعد أن أقمت صعره . ومنه قول عمرو بن حني التغلبي :وكنا إذا الجبار صعر خده أقمنا له من ميله فتقوموأنشده الطبري : ( فتقوما ) . قال ابن عطية : وهو خطأ ; لأن قافية الشعر مخفوضة . وفي بيت آخر :أقمنا له من خده المتصعرقال الهروي : ( ولا تصاعر ) أي لا تعرض عنهم تكبرا عليهم ; يقال : أصاب البعير صعر وصيد إذ أصابه داء يلوي منه عنقه . ثم يقال للمتكبر : فيه صعر وصيد ; فمعنى : لا تصعر أي لا تلزم خدك الصعر . وفي الحديث : ( يأتي على الناس زمان ليس فيهم إلا أصعر أو أبتر ) والأصعر : المعرض بوجهه كبرا ; وأراد رذالة الناس الذين لا دين لهم . وفي الحديث : ( كل صعار ملعون ) أي كل ذي أبهة وكبر .الثانية : معنى الآية : ولا تمل خدك للناس كبرا عليهم وإعجابا واحتقارا لهم . وهذا تأويل ابن عباس وجماعة . وقيل : هو أن تلوي شدقك إذا ذكر الرجل عندك كأنك تحتقره ; فالمعنى : أقبل عليهم متواضعا مؤنسا مستأنسا ، وإذا حدثك أصغرهم فأصغ إليه حتى يكمل حديثه . وكذلك كان النبي صلى الله عليه وسلم يفعل .قلت : ومن هذا المعنى ما رواه مالك عن ابن شهاب عن أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : لا تباغضوا ولا تدابروا ولا تحاسدوا وكونوا عباد الله إخوانا ، ولا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث . فالتدابر الإعراض وترك الكلام والسلام ونحوه . وإنما قيل للإعراض تدابر لأن من أبغضته أعرضت عنه ووليته دبرك ; وكذلك يصنع هو بك . ومن أحببته أقبلت عليه بوجهك وواجهته لتسره ويسرك ; فمعنى التدابر موجود فيمن صعر خده ، وبه فسر مجاهد الآية . وقال ابن خويز منداد : قوله : ( ولا تصاعر خدك للناس ) كأنه نهى أن يذل الإنسان نفسه من غير حاجة ; ونحو ذلك روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : ليس للإنسان أن يذل نفسه .الثالثة : قوله تعالى : ولا تمش في الأرض مرحا أي متبخترا متكبرا ، مصدر في موضع الحال ، وقد مضى في ( سبحان ) . وهو النشاط والمشي فرحا في غير شغل وفي غير حاجة . وأهل هذا الخلق ملازمون للفخر والخيلاء ; فالمرح مختال في مشيته . روى يحيى بن جابر الطائي عن ابن عائذ الأزدي عن غضيف بن الحارث قال : أتيت بيت المقدس أنا وعبد الله بن عبيد بن عمير قال : فجلسنا إلى عبد الله بن عمرو بن العاصي فسمعته يقول : إن القبر يكلم العبد إذا وضع فيه فيقول : يابن آدم ما غرك بي ؟ ! ألم تعلم أني بيت الوحدة ؟ ! ألم تعلم أني بيت الظلمة ؟ ! ألم تعلم أني بيت الحق ؟ ! يابن آدم ما غرك بي ؟ ! لقد كنت تمشي حولي فدادا . قال ابن عائذ : قلت لغضيف : ما الفداد يا أبا أسماء ؟ قال : كبعض مشيتك يابن أخي أحيانا . قال أبو عبيد : والمعنى ذا مال كثير وذا خيلاء . وقال صلى الله عليه وسلم : من جر ثوبه خيلاء لا ينظر الله إليه يوم القيامة . والفخور : هو الذي يعدد ما أعطي ولا يشكر الله تعالى ; قاله مجاهد . وفي اللفظة الفخر بالنسب وغير ذلك .
31:19
وَ اقْصِدْ فِیْ مَشْیِكَ وَ اغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَؕ-اِنَّ اَنْكَرَ الْاَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِیْرِ۠(۱۹)
اور میانہ چال چل (ف۳۳) اور اپنی آواز کچھ پست کر (ف۳۴) بیشک سب آوازوں میں بری آواز، آواز گدھے کی (ف۳۵)

قوله تعالى : واقصد في مشيك واغضض من صوتك إن أنكر الأصوات لصوت الحمير .فيه ست مسائل :الأولى : قوله تعالى : واقصد في مشيك لما نهاه عن الخلق الذميم رسم له الخلق الكريم الذي ينبغي أن يستعمله فقال : واقصد في مشيك أي توسط فيه . والقصد : ما بين الإسراع والبطء ; أي لا تدب دبيب المتماوتين ولا تثب وثب الشطار ; وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : سرعة المشي تذهب بهاء المؤمن . فأما ما روي عنه عليه السلام أنه كان إذا مشى أسرع ، وقول عائشة في عمر رضي الله عنهما : كان إذا مشى أسرع - فإنما أرادت السرعة المرتفعة عن دبيب المتماوت ; والله أعلم . وقد مدح الله سبحانه من هذه صفته حسبما تقدم بيانه في ( الفرقان ) .الثانية : واغضض من صوتك أي انقص منه ; أي لا تتكلف رفع الصوت وخذ منه ما تحتاج إليه ; فإن الجهر بأكثر من الحاجة تكلف يؤذي . والمراد بذلك كله التواضع ; وقد قال عمر لمؤذن تكلف رفع الأذان بأكثر من طاقته : لقد خشيت أن ينشق مريطاؤك ! والمؤذن هو أبو محذورة سمرة بن معير . والمريطاء : ما بين السرة إلى العانة .الثالثة : إن أنكر الأصوات لصوت الحمير أي أقبحها وأوحشها ; ومنه أتانا بوجه منكر . والحمار مثل في الذم البليغ والشتيمة ، وكذلك نهاقه ; ومن استفحاشهم لذكره مجردا أنهم يكنون عنه ويرغبون عن التصريح فيقولون : الطويل الأذنين ; كما يكنى عن الأشياء المستقذرة . وقد عد في مساوئ الآداب أن يجري ذكر الحمار في مجلس قوم من أولي المروءة . ومن العرب من لا يركب الحمار استنكافا وإن بلغت منه الرجلة . وكان عليه الصلاة والسلام يركبه تواضعا وتذللا لله تبارك وتعالى .الرابعة : في الآية دليل على تعريف قبح رفع الصوت في المخاطبة والملاحاة بقبح أصوات الحمير ; لأنها عالية . وفي الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : وإذا سمعتم نهيق الحمير فتعوذوا بالله من الشيطان فإنها رأت شيطانا . وقد روي : أنه ما صاح حمار ولا نبح كلب إلا أن يرى شيطانا . وقال سفيان الثوري : صياح كل شيء تسبيح إلا نهيق الحمير . ، وقال عطاء : نهيق الحمير دعاء على الظلمة .الخامسة : وهذه الآية أدب من الله تعالى بترك الصياح في وجوه الناس تهاونا بهم ، أو بترك الصياح جملة ; وكانت العرب تفخر بجهارة الصوت الجهير وغير ذلك ، فمن كان منهم أشد صوتا كان أعز ، ومن كان أخفض كان أذل ، حتى قال شاعرهم :جهير الكلام جهير العطاس جهير الرواء جهير النعم ويعدو على الأين عدوى الظليمويعلو الرجال بخلق عممفنهى الله سبحانه وتعالى عن هذه الخلق الجاهلية بقوله : إن أنكر الأصوات لصوت الحمير أي لو أن شيئا يهاب لصوته لكان الحمار ; فجعلهم في المثل سواء .السادسة : قوله تعالى : لصوت الحمير اللام للتأكيد ، ووحد الصوت وإن كان مضافا إلى الجماعة لأنه مصدر والمصدر يدل على الكثرة ، وهو مصدر صات يصوت صوتا فهو صائت . ويقال : صوت تصويتا فهو مصوت . ورجل صات أي شديد الصوت بمعنى صائت ; كقولهم : رجل مال ونال ; أي كثير المال والنوال .
31:20
اَلَمْ تَرَوْا اَنَّ اللّٰهَ سَخَّرَ لَكُمْ مَّا فِی السَّمٰوٰتِ وَ مَا فِی الْاَرْضِ وَ اَسْبَغَ عَلَیْكُمْ نِعَمَهٗ ظَاهِرَةً وَّ بَاطِنَةًؕ-وَ مِنَ النَّاسِ مَنْ یُّجَادِلُ فِی اللّٰهِ بِغَیْرِ عِلْمٍ وَّ لَا هُدًى وَّ لَا كِتٰبٍ مُّنِیْرٍ(۲۰)
کیا تم نے نہ دیکھا کہ اللہ نے تمہارے لیے کام میں لگائے جو کچھ آسمانوں اور زمین میں ہیں (ف۳۶) اور تمہیں بھرپور دیں اپنی نعمتیں ظاہر اور چھپی (ف۳۷) اور بعضے آدمی اللہ کے بارے میں جھگڑتے ہیں یوں کہ نہ علم نہ عقل نہ کوئی روشن کتاب (ف۳۸)

قوله تعالى : ألم تروا أن الله سخر لكم ما في السماوات وما في الأرض ذكر نعمه على بني آدم ، وأنه سخر لهم ما في السماوات من شمس وقمر ونجوم وملائكة تحوطهم وتجر إليهم منافعهم . وما في الأرض عام في الجبال والأشجار والثمار وما لا يحصى . وأسبغ عليكم نعمه أي أكملها وأتمها . وقرأ ابن عباس ويحيى بن عمارة : ( وأصبغ ) بالصاد على بدلها من السين ; لأن حروف الاستعلاء تجتذب السين من سفلها إلى علوها فتردها صادا . والنعم : جمع نعمة كسدرة وسدر ( بفتح الدال ) وهي قراءة نافع وأبي عمرو وحفص . الباقون : ( نعمة ) على الإفراد ; والإفراد يدل على الكثرة ; كقوله تعالى : وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها . وهي قراءة ابن عباس من وجوه صحاح . وقيل : إن معناها الإسلام ; قال النبي صلى الله عليه وسلم لابن عباس وقد سأله عن هذه الآية : الظاهرة الإسلام وما حسن من خلقك ، والباطنة ما ستر عليك من سيئ عملك . قال النحاس : وشرح هذا أن سعيد بن جبير قال في قول الله عز وجل : ولكن يريد ليطهركم وليتم نعمته عليكم قال : يدخلكم الجنة . وتمام نعمة الله عز وجل على العبد أن يدخله الجنة ، فكذا لما كان الإسلام يئول أمره إلى الجنة سمي نعمة . وقيل : الظاهرة الصحة وكمال الخلق ، والباطنة المعرفة والعقل . وقال المحاسبي : الظاهرة نعم الدنيا ، والباطنة نعم العقبى . وقيل : الظاهرة ما يرى بالأبصار من المال والجاه والجمال في الناس وتوفيق الطاعات ، والباطنة ما يجده المرء في نفسه من العلم بالله وحسن اليقين وما يدفع الله تعالى عن العبد من الآفات . وقد سرد الماوردي في هذا أقوالا تسعة ، كلها ترجع إلى هذا .قوله تعالى : ومن الناس من يجادل في الله تقدم معناها في ( الحج ) وغيرها . نزلت في يهودي جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : يا محمد ، أخبرني عن ربك ، من أي شيء هو ؟ فجاءت صاعقة فأخذته ; قاله مجاهد . وقد مضى هذا في ( الرعد ) . وقيل : إنها نزلت في النضر بن الحارث ، كان يقول : إن الملائكة بنات الله ; قاله ابن عباس . ( يجادل ) : يخاصم بغير علم أي بغير حجة ولا هدى ولا كتاب منير أي نير بين ; إلا الشيطان فيما يلقي إليهم .
31:21
وَ اِذَا قِیْلَ لَهُمُ اتَّبِعُوْا مَاۤ اَنْزَلَ اللّٰهُ قَالُوْا بَلْ نَتَّبِـعُ مَا وَجَدْنَا عَلَیْهِ اٰبَآءَنَاؕ-اَوَ لَوْ كَانَ الشَّیْطٰنُ یَدْعُوْهُمْ اِلٰى عَذَابِ السَّعِیْرِ(۲۱)
اور جب ان سے کہا جائے اس کی پیروی کرو جو اللہ نے اتارا تو کہتے ہیں بلکہ ہم تو اس کی پیروی کریں گے جس پر ہم نے اپنے باپ دادا کوپایا (ف۳۹) کیا اگرچہ شیطان ان کو عذاب دوزخ کی طرف بلاتا ہو (ف۴۰)

وإن الشياطين ليوحون إلى أوليائهم ليجادلوكم وإلا تقليد الأسلاف كما في الآية بعد . أولو كان الشيطان يدعوهم إلى عذاب السعير يتبعونه .
31:22
وَ مَنْ یُّسْلِمْ وَجْهَهٗۤ اِلَى اللّٰهِ وَ هُوَ مُحْسِنٌ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقٰىؕ-وَ اِلَى اللّٰهِ عَاقِبَةُ الْاُمُوْرِ(۲۲)
تو جو اپنا منہ اللہ کی طرف جھکادے (ف۴۱) اور ہو نیکوکار تو بیشک اس نے مضبوط گرہ تھامی، اور اللہ ہی کی طرف ہے سب کاموں کی انتہا،

قوله تعالى : ومن يسلم وجهه إلى الله وهو محسن فقد استمسك بالعروة الوثقى وإلى الله عاقبة الأمور .قوله تعالى : ومن يسلم وجهه إلى الله أي يخلص عبادته وقصده إلى الله تعالى . وهو محسن لأن العبادة من غير إحسان ولا معرفة القلب لا تنفع ; نظيره : ومن يعمل من الصالحات وهو مؤمن . وفي حديث جبريل قال : فأخبرني عن الإحسان ؟ قال : أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك . فقد استمسك بالعروة الوثقى قال ابن عباس : لا إله إلا الله ; وقد مضى في ( البقرة ) . وقد قرأ علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه والسلمي وعبد الله بن مسلم بن يسار : ومن يسلم . النحاس : و ( يسلم ) في هذا أعرف ; كما قال عز وجل : فقل أسلمت وجهي لله ومعنى : أسلمت وجهي لله قصدت بعبادتي إلى الله عز وجل ; ويكون ( يسلم ) على التكثير ; إلا أن المستعمل في سلمت أنه بمعنى دفعت ; يقال سلمت في الحنطة ، وقد يقال أسلمت . الزمخشري : قرأ علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه : ( ومن يسلم ) بالتشديد ; يقال : أسلم أمرك وسلم أمرك إلى الله تعالى ; فإن قلت : ما له عدي بإلى ، وقد عدي باللام في قوله عز وجل : بلى من أسلم وجهه لله ؟ قلت : معناه مع اللام أنه جعل وجهه وهو ذاته ونفسه سالما لله ; أي خالصا له . ومعناه مع إلى راجع إلى أنه سلم إليه نفسه كما يسلم المتاع إلى الرجل إذا دفع إليه . والمراد التوكل عليه والتفويض إليه . وإلى الله عاقبة الأمور أي مصيرها .
31:23
وَ مَنْ كَفَرَ فَلَا یَحْزُنْكَ كُفْرُهٗؕ-اِلَیْنَا مَرْجِعُهُمْ فَنُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوْاؕ-اِنَّ اللّٰهَ عَلِیْمٌۢ بِذَاتِ الصُّدُوْرِ(۲۳)
اور جو کفر کرے تو تم (ف۴۲) اس کے کفر سے غم نہ کھاؤ، انھیں ہماری ہماری ہی طرف پھرنا ہے ہم انہیں بتادیں گے جو کرتے تھے (ف۴۳) بیشک اللہ والوں کی بات جانتا ہے،

قوله تعالى : ومن كفر فلا يحزنك كفره إلينا مرجعهم فننبئهم بما عملوا إن الله عليم بذات الصدورقوله تعالى : ومن كفر فلا يحزنك كفره إلينا مرجعهم فننبئهم بما عملوا أي نجازيهم . إن الله عليم بذات الصدور .
31:24
نُمَتِّعُهُمْ قَلِیْلًا ثُمَّ نَضْطَرُّهُمْ اِلٰى عَذَابٍ غَلِیْظٍ(۲۴)
ہم انہیں کچھ برتنے دیں گے (ف۴۴) پھر انہیں بے بس کرکے سخت عذاب کی طرف لے جائیں گے (ف۴۵)

نمتعهم قليلا أي نبقيهم في الدنيا مدة قليلة يتمتعون بها . ثم نضطرهم أي نلجئهم ونسوقهم . إلى عذاب غليظ وهو عذاب جهنم . ولفظ من يصلح للواحد والجمع ، فلهذا قال : ( كفره ) ثم قال : ( مرجعهم ) وما بعده على المعنى .
31:25
وَ لَىٕنْ سَاَلْتَهُمْ مَّنْ خَلَقَ السَّمٰوٰتِ وَ الْاَرْضَ لَیَقُوْلُنَّ اللّٰهُؕ-قُلِ الْحَمْدُ لِلّٰهِؕ-بَلْ اَكْثَرُهُمْ لَا یَعْلَمُوْنَ(۲۵)
اور اگر تم ان سے پوچھو کس نے بنائے آسمان اور زمین تو ضرور کہیں گے اللہ نے، تم فرماؤ سب خوبیاں اللہ کو (ف۴۶) بلکہ ان میں اکثر جانتے نہیں،

قوله تعالى : ولئن سألتهم من خلق السماوات والأرض ليقولن الله قل الحمد لله بل أكثرهم لا يعلمونقوله تعالى : ولئن سألتهم من خلق السماوات والأرض ليقولن الله أي هم يعترفون بأن الله خالقهم فلم يعبدون غيره . قل الحمد لله أي على ما هدانا له من دينه ، وليس الحمد لغيره . بل أكثرهم لا يعلمون أي لا ينظرون ولا يتدبرون .
31:26
لِلّٰهِ مَا فِی السَّمٰوٰتِ وَ الْاَرْضِؕ-اِنَّ اللّٰهَ هُوَ الْغَنِیُّ الْحَمِیْدُ(۲۶)
اللہ ہی کا ہے جو کچھ آسمانوں اور زمین میں ہے (ف۴۷) بیشک اللہ ہی بے نیاز ہے سب خوبیوں سراہا،

لله ما في السماوات والأرض أي ملكا وخلقا . إن الله هو الغني أي الغني عن خلقه وعن عبادتهم ، وإنما أمرهم لينفعهم . الحميد أي المحمود على صنعه .
31:27
وَ لَوْ اَنَّ مَا فِی الْاَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ اَقْلَامٌ وَّ الْبَحْرُ یَمُدُّهٗ مِنْۢ بَعْدِهٖ سَبْعَةُ اَبْحُرٍ مَّا نَفِدَتْ كَلِمٰتُ اللّٰهِؕ-اِنَّ اللّٰهَ عَزِیْزٌ حَكِیْمٌ(۲۷)
اور اگر زمین میں جتنے پیڑ ہیں سب قلمیں ہوجائیں اور سمندر اس کی سیاہی ہو اس کے پیچھے سات سمندر اور (ف۴۸) تو اللہ کی باتیں ختم نہ ہوں گی (ف۴۹) بیشک اللہ عزت و حکمت والا ہے،

قوله تعالى : ولو أنما في الأرض من شجرة أقلام والبحر يمده من بعده سبعة أبحر ما نفدت كلمات الله إن الله عزيز حكيم .لما احتج على المشركين بما احتج بين أن معاني كلامه سبحانه لا تنفد ، وأنها لا نهاية لها . وقال القفال : لما ذكر أنه سخر لهم ما في السماوات وما في الأرض وأنه أسبغ النعم نبه على أن الأشجار لو كانت أقلاما ، والبحار مدادا فكتب بها عجائب صنع الله الدالة على قدرته ووحدانيته لم تنفد تلك العجائب . قال القشيري : فرد معنى تلك الكلمات إلى المقدورات ، وحمل الآية على الكلام القديم أولى ; والمخلوق لا بد له من نهاية ، فإذا نفيت النهاية عن مقدوراته فهو نفي النهاية عما يقدر في المستقبل على إيجاده ، فأما ما حصره الوجود وعده فلا بد من تناهيه ، والقديم لا نهاية له على التحقيق . وقد مضى الكلام في معنى كلمات الله في آخر ( الكهف ) .وقال أبو علي : المراد بالكلمات والله أعلم ما في المقدور دون ما خرج منه إلى الوجود . وهذا نحو مما قاله القفال ، وإنما الغرض الإعلام بكثرة معاني كلمات الله وهي في نفسها غير متناهية ، وإنما قرب الأمر على أفهام البشر بما يتناهى لأنه غاية ما يعهده البشر من الكثرة ; لا أنها تنفد بأكثر من هذه الأقلام والبحور . ومعنى نزول الآية يدل على أن المراد بالكلمات الكلام القديم . قال ابن عباس : إن سبب هذه الآية أن اليهود قالت : يا محمد ، كيف عنينا بهذا القول وما أوتيتم من العلم إلا قليلا ونحن قد أوتينا التوراة فيها كلام الله وأحكامه ، وعندك أنها تبيان كل شيء ؟ فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم : " التوراة قليل من كثير " ونزلت هذه الآية ، والآية مدنية . قال أبو جعفر النحاس : فقد تبين أن الكلمات هاهنا يراد بها العلم وحقائق الأشياء ; لأنه عز وجل علم قبل أن يخلق الخلق ما هو خالق في السماوات والأرض من كل شيء ، وعلم ما فيه من مثاقيل الذر ، وعلم الأجناس كلها وما فيها من شعرة وعضو ، وما في الشجرة من ورقة ، وما فيها من ضروب الخلق ، وما يتصرف فيه من ضروب الطعم واللون ; فلو سمى كل دابة وحدها ، وسمى أجزاءها على ما علم من قليلها وكثيرها وما تحولت عليه من الأحوال ، وما زاد فيها في كل زمان ، وبين كل شجرة وحدها وما تفرعت إليه ، وقدر ما ييبس من ذلك في كل زمان ، ثم كتب البيان على كل واحد منها ما أحاط الله جل ثناؤه به منها ، ثم كان البحر مدادا لذلك البيان الذي بين الله تبارك وتعالى عن تلك الأشياء يمده من بعده سبعة أبحر لكان البيان عن تلك الأشياء أكثر .قلت : هذا معنى قول القفال ، وهو قول حسن إن شاء الله تعالى . وقال قوم : إن قريشا قالت : سيتم هذا الكلام لمحمد وينحسر ; فنزلت . وقال السدي : قالت قريش : ما أكثر كلام محمد ! فنزلت .قوله تعالى : والبحر يمده قراءة الجمهور بالرفع على الابتداء ، وخبره في الجملة التي بعدها ، والجملة في موضع الحال ; كأنه قال : والبحر هذه حاله ; كذا قدرها سيبويه . وقال بعض النحويين : هو عطف على ( أن ) لأنها في موضع رفع بالابتداء . وقرأ أبو عمرو وابن أبي إسحاق : ( والبحر ) بالنصب على العطف على ( ما ) وهي اسم ( أن ) . وقيل : أي ولو أن البحر يمده أي يزيد فيه . وقرأ ابن هرمز والحسن : ( يمده ) ; من أمد . قالت فرقة : هما بمعنى واحد . وقالت فرقة : مد الشيء بعضه بعضا ; كما تقول : مد النيل الخليج ; أي زاد فيه . وأمد الشيء ما ليس منه . وقد مضى هذا في ( البقرة . وآل عمران ) . وقرأ جعفر بن محمد : ( والبحر مداده ) . ما نفدت كلمات الله تقدم . إن الله عزيز حكيم تقدم أيضا . وقال أبو عبيدة : البحر هاهنا الماء العذب الذي ينبت الأقلام ، وأما الماء الملح فلا ينبت الأقلام .
31:28
مَا خَلْقُكُمْ وَ لَا بَعْثُكُمْ اِلَّا كَنَفْسٍ وَّاحِدَةٍؕ-اِنَّ اللّٰهَ سَمِیْعٌۢ بَصِیْرٌ(۲۸)
تم سب کا پیدا کرنا اور قیامت میں اٹھانا ایسا ہی ہے جیسا ایک جان کا (ف۵۰) بیشک اللہ سنتا دیکھتا ہے

قوله تعالى : ما خلقكم ولا بعثكم إلا كنفس واحدة إن الله سميع بصير .قوله تعالى : ما خلقكم ولا بعثكم إلا كنفس واحدة قال الضحاك : المعنى ما ابتداء خلقكم جميعا إلا كخلق نفس واحدة ، وما بعثكم يوم القيامة إلا كبعث نفس واحدة . قال النحاس : وهكذا قدره النحويون بمعنى إلا كخلق نفس واحدة ; مثل : واسأل القرية . وقال مجاهد : لأنه يقول للقليل والكثير كن فيكون . ونزلت الآية في أبي بن خلف وأبي الأسدين ومنبه ونبيه ابني الحجاج بن السباق ، قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم : إن الله تعالى قد خلقنا أطوارا ، نطفة ثم علقة ثم مضغة ثم عظاما ، ثم تقول إنا نبعث خلقا جديدا جميعا في ساعة واحدة ! فأنزل الله تعالى : ما خلقكم ولا بعثكم إلا كنفس واحدة ؛ لأن الله تعالى لا يصعب عليه ما يصعب على العباد ، وخلقه للعالم كخلقه لنفس واحدة . إن الله سميع لما يقولون بصير بما يفعلون .
31:29
اَلَمْ تَرَ اَنَّ اللّٰهَ یُوْلِجُ الَّیْلَ فِی النَّهَارِ وَ یُوْلِجُ النَّهَارَ فِی الَّیْلِ وَ سَخَّرَ الشَّمْسَ وَ الْقَمَرَ٘-كُلٌّ یَّجْرِیْۤ اِلٰۤى اَجَلٍ مُّسَمًّى وَّ اَنَّ اللّٰهَ بِمَا تَعْمَلُوْنَ خَبِیْرٌ(۲۹)
اے سننے والے کیا تو نے نہ دیکھا کہ اللہ رات لاتا ہے دن کے حصے میں اور دن کرتا ہے رات کے حصے میں (ف۵۱) اور اس نے سورج اور چاند کام میں لگائے (ف۵۲) ہر ایک ایک مقرر میعاد تک چلتا ہے (ف۵۳) اور یہ کہ اللہ تمہارے کاموں سے خبردار ہے،

قوله تعالى : ألم تر أن الله يولج الليل في النهار ويولج النهار في الليل تقدم في ( الحج وآل عمران ) وسخر الشمس والقمر أي ذللهما بالطلوع والأفول تقديرا للآجال وإتماما للمنافع . كل يجري إلى أجل مسمى قال الحسن : إلى يوم القيامة . قتادة : إلى وقته في طلوعه وأفوله لا يعدوه ولا يقصر عنه . وأن الله بما تعملون خبير أي من قدر على هذه الأشياء فلا بد من أن يكون عالما بها ، والعالم بها عالم بأعمالكم . وقراءة العامة تعملون بالتاء على الخطاب . وقرأ السلمي ونصر بن عاصم والدوري عن أبي عمرو بالياء على الخبر .
31:30
ذٰلِكَ بِاَنَّ اللّٰهَ هُوَ الْحَقُّ وَ اَنَّ مَا یَدْعُوْنَ مِنْ دُوْنِهِ الْبَاطِلُۙ-وَ اَنَّ اللّٰهَ هُوَ الْعَلِیُّ الْكَبِیْرُ۠(۳۰)
یہ اس لیے کہ اللہ ہی حق ہے (ف۵۴) اور اس کے سوا جن کو پوجتے ہیں سب باطل ہیں (ف۵۵) اور اس لیے کہ اللہ ہی بلند بڑائی والا ہے،

ذلك أي فعل الله تعالى ذلك لتعلموا وتقروا بأن الله هو الحق وأن ما يدعون من دونه الباطل أي الشيطان ; قاله مجاهد . وقيل : ما أشركوا به الله تعالى من الأصنام والأوثان . وأن الله هو العلي الكبير العلي في مكانته ، الكبير في سلطانه .
31:31
اَلَمْ تَرَ اَنَّ الْفُلْكَ تَجْرِیْ فِی الْبَحْرِ بِنِعْمَتِ اللّٰهِ لِیُرِیَكُمْ مِّنْ اٰیٰتِهٖؕ-اِنَّ فِیْ ذٰلِكَ لَاٰیٰتٍ لِّكُلِّ صَبَّارٍ شَكُوْرٍ(۳۱)
کیا تو نے نہ دیکھا کہ کشتی دریا میں چلتی ہے، اللہ کے فضل سے (ف۵۶) تاکہ تمہیں وہ اپنی (ف۵۷) کچھ نشانیاں دکھائے بیشک اس میں نشانیاں ہیں ہر بڑے صبر کرنے والے شکرگزار کو (ف۵۸)

قوله تعالى : ألم تر أن الفلك تجري في البحر بنعمة الله ليريكم من آياته إن في ذلك لآيات لكل صبار شكور .قوله تعالى : ألم تر أن الفلك أي السفن تجري في موضع الخبر . في البحر بنعمة الله أي بلطفه بكم وبرحمته لكم في خلاصكم منه . وقرأ ابن هرمز : ( بنعمات الله ) جمع نعمة وهو جمع السلامة ، وكان الأصل تحريك العين فأسكنت . ليريكم من آياته من للتبعيض ، أي ليريكم جري السفن ; قاله يحيى بن سلام . وقال ابن شجرة : من آياته ما تشاهدون من قدرة الله تعالى فيه . النقاش : ما يرزقهم الله منه . وقال الحسن : مفتاح البحار السفن ، ومفتاح الأرض الطرق ، ومفتاح السماء الدعاء . إن في ذلك لآيات لكل صبار شكور أي صبار لقضائه شكور على نعمائه . وقال أهل المعاني : أراد لكل مؤمن بهذه الصفة ; لأن الصبر والشكر من أفضل خصال الإيمان . والآية : العلامة ، والعلامة لا تستبين في صدر كل مؤمن إنما تستبين لمن صبر على البلاء وشكر على الرخاء . قال الشعبي : الصبر نصف الإيمان ، والشكر نصف الإيمان ، واليقين الإيمان كله ; ألم تر إلى قوله تعالى : إن في ذلك لآيات لكل صبار شكور وقوله : وفي الأرض آيات للموقنين وقال عليه السلام : الإيمان نصفان نصف صبر ونصف شكر .
31:32
وَ اِذَا غَشِیَهُمْ مَّوْجٌ كَالظُّلَلِ دَعَوُا اللّٰهَ مُخْلِصِیْنَ لَهُ الدِّیْنَ ﳛ فَلَمَّا نَجّٰىهُمْ اِلَى الْبَرِّ فَمِنْهُمْ مُّقْتَصِدٌؕ-وَ مَا یَجْحَدُ بِاٰیٰتِنَاۤ اِلَّا كُلُّ خَتَّارٍ كَفُوْرٍ(۳۲)
اور جب ان پر (ف۵۹) آپڑتی ہے کوئی موج پہاڑوں کی طرح تو اللہ کو پکارتے ہیں نرے اسی پر عقیدہ رکھتے ہوئے (ف۶۰) پھر جب انہیں خشکی کی طرف بچا لاتا ہے تو ان میں کوئی اعتدال پر رہتا ہے (ف۶۱) اور ہماری آیتوں کا انکار نہ کرے گا مگر ہر بڑا بے وفا ناشکرا،

قوله تعالى : وإذا غشيهم موج كالظلل دعوا الله مخلصين له الدين فلما نجاهم إلى البر فمنهم مقتصد وما يجحد بآياتنا إلا كل ختار كفور .قوله تعالى : وإذا غشيهم موج كالظلل قال مقاتل : كالجبال . وقال الكلبي : كالسحاب ; وقاله قتادة : جمع ظلة ; شبه الموج بها لكبرها وارتفاعها . قال النابغة في وصف بحر :يماشيهن أخضر ذو ظلال على حافاته فلق الدنانوإنما شبه الموج وهو واحد بالظل وهو جمع ; لأن الموج يأتي شيئا بعد شيء ويركب بعضه بعضا كالظلل . وقيل : هو بمعنى الجمع ، وإنما لم يجمع لأنه مصدر . وأصله من الحركة والازدحام ; ومنه : ماج البحر ، والناس يموجون . قال كعب :فجئنا إلى موج من البحر وسطه أحابيش منهم حاسر ومقنعوقرأ محمد بن الحنفية : ( موج كالظلال ) جمع ظل . دعوا الله مخلصين له الدين موحدين له لا يدعون لخلاصهم سواه ; وقد تقدم . فلما نجاهم يعني من البحر . إلى البر فمنهم مقتصد قال ابن عباس : موف بما عاهد عليه الله في البحر . النقاش : يعني عدل في العهد ، وفى في البر بما عاهد عليه الله في البحر . وقال الحسن : مقتصد مؤمن متمسك بالتوحيد والطاعة . وقال مجاهد : مقتصد في القول مضمر للكفر . وقيل : في الكلام حذف ; والمعنى : فمنهم مقتصد ومنهم كافر . ودل على المحذوف قوله تعالى : وما يجحد بآياتنا إلا كل ختار كفور الختار : الغدار . والختر : أسوأ الغدر . قال عمرو بن معديكرب :فإنك لو رأيت أبا عمير ملأت يديك من غدر وختروقال الأعشى :بالأبلق الفرد من تيماء منزله حصن حصين وجار غير ختارقال الجوهري : الختر الغدر ; يقال : ختره فهو ختار . الماوردي : وهو قول الجمهور . وقال عطية : إنه الجاحد . ويقال : ختر يختر ويختر ( بالضم والكسر ) خترا ; ذكره القشيري ، وجحد الآيات إنكار أعيانها . والجحد بالآيات إنكار دلائلها .
31:33
یٰۤاَیُّهَا النَّاسُ اتَّقُوْا رَبَّكُمْ وَ اخْشَوْا یَوْمًا لَّا یَجْزِیْ وَالِدٌ عَنْ وَّلَدِهٖ٘-وَ لَا مَوْلُوْدٌ هُوَ جَازٍ عَنْ وَّالِدِهٖ شَیْــٴًـاؕ-اِنَّ وَعْدَ اللّٰهِ حَقٌّ فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَیٰوةُ الدُّنْیَاٙ-وَ لَا یَغُرَّنَّكُمْ بِاللّٰهِ الْغَرُوْرُ(۳۳)
اے لوگو! (ف۶۲) اپنے رب سے ڈرو اور اس دن کا خوف کرو جس میں کوئی باپ بچہ کے کام نہ آئے گا، اور نہ کوئی کامی (کاروباری) بچہ اپنے باپ کو کچھ نفع دے (ف۶۳) بیشک اللہ کا وعدہ سچا ہے (ف۶۴) تو ہرگز تمہیں دھوکا نہ دے دنیا کی زندگی (ف۶۵) اور ہرگز تمہیں اللہ کے علم پر دھوکہ نہ دے وہ بڑا فریبی (ف۶۶)

قوله تعالى : يا أيها الناس اتقوا ربكم يعني الكافر والمؤمن ; أي خافوه ووحدوه . واخشوا يوما لا يجزي والد عن ولده ولا مولود هو جاز عن والده تقدم معنى يجزي في ( البقرة ) وغيرها . فإن قيل : فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : من مات له ثلاثة من الولد لم يبلغوا الحنث لم تمسه النار إلا تحلة القسم . وقال : من ابتلي بشيء من هذه البنات فأحسن إليهن كن له حجابا من النار . قيل له : المعني بهذه الآية أنه لا يحمل والد ذنب ولده ، ولا مولود ذنب والده ، ولا يؤاخذ أحدهما عن الآخر . والمعني بالأخبار أن ثواب الصبر على الموت والإحسان إلى البنات يحجب العبد عن النار ، ويكون الولد سابقا له إلى الجنة . إن وعد الله حق أي البعث فلا تغرنكم أي تخدعنكم الحياة الدنيا بزينتها وما تدعو إليه فتتكلوا عليها وتركنوا إليها وتتركوا العمل للآخرة ولا يغرنكم بالله الغرور قراءة العامة هنا وفي سورة ( الملائكة ) و ( الحديد ) بفتح الغين ، وهو الشيطان في قول مجاهد وغيره ، وهو الذي يغر الخلق ويمنيهم الدنيا ويلهيهم عن الآخرة ; وفي سورة ( النساء ) : يعدهم ويمنيهم . وقرأ سماك بن حرب وأبو حيوة وابن السميقع بضم الغين ; أي لا تغتروا . كأنه مصدر غر يغر غرورا . قال سعيد بن جبير : هو أن يعمل بالمعصية ويتمنى المغفرة .
31:34
اِنَّ اللّٰهَ عِنْدَهٗ عِلْمُ السَّاعَةِۚ-وَ یُنَزِّلُ الْغَیْثَۚ-وَ یَعْلَمُ مَا فِی الْاَرْحَامِؕ-وَ مَا تَدْرِیْ نَفْسٌ مَّا ذَا تَكْسِبُ غَدًاؕ-وَ مَا تَدْرِیْ نَفْسٌۢ بِاَیِّ اَرْضٍ تَمُوْتُؕ-اِنَّ اللّٰهَ عَلِیْمٌ خَبِیْرٌ۠(۳۴)
بیشک اللہ کے پاس ہے قیامت کا علم (ف۶۷) اور اتارتا ہے مینھ اور جانتا ہے جو کچھ ماؤں کے پیٹ میں ہے، اور کوئی جان نہیں جانتی کہ کل کیا کمائے گی اور کوئی جان نہیں جانتی کہ کس زمین میں مرے گی، بیشک اللہ جاننے والا بتانے والا ہے (ف۶۸)

قوله تعالى : إن الله عنده علم الساعة وينزل الغيث ويعلم ما في الأرحام وما تدري نفس ماذا تكسب غدا وما تدري نفس بأي أرض تموت إن الله عليم خبير .زعم الفراء أن هذا معنى النفي ; أي ما يعلمه أحد إلا الله تعالى . قال أبو جعفر النحاس : وإنما صار فيه معنى النفي والإيجاب بتوقيف الرسول صلى الله عليه وسلم على ذلك ; لأنه صلى الله عليه وسلم قال في قول الله عز وجل : وعنده مفاتح الغيب لا يعلمها إلا هو : " إنها هذه " .قلت : قد ذكرنا في سورة ( الأنعام ) حديث ابن عمر في هذا ، خرجه البخاري . وفي حديث جبريل عليه السلام قال : أخبرني عن الساعة ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ما المسئول عنها بأعلم من السائل ، هن خمس لا يعلمهن إلا الله تعالى : إن الله عنده علم الساعة وينزل الغيث ويعلم ما في الأرحام وما تدري نفس ماذا تكسب غدا " ، قال : " صدقت " . لفظ أبي داود الطيالسي . وقال عبد الله بن مسعود : كل شيء أوتي نبيكم صلى الله عليه وسلم غير خمس : إن الله عنده علم الساعة الآية إلى آخرها . وقال ابن عباس : هذه الخمسة لا يعلمها إلا الله تعالى ، ولا يعلمها ملك مقرب ولا نبي مرسل ; فمن ادعى أنه يعلم شيئا من هذه فقد كفر بالقرآن ; لأنه خالفه . ثم إن الأنبياء يعلمون كثيرا من الغيب بتعريف الله تعالى إياهم . والمراد إبطال كون الكهنة والمنجمين ومن يستسقي بالأنواء ، وقد يعرف بطول التجارب أشياء من ذكورة الحمل وأنوثته إلى غير ذلك ; حسبما تقدم ذكره في ( الأنعام ) . وقد تختلف التجربة وتنكسر العادة ويبقى العلم لله تعالى وحده . وروي أن يهوديا كان يحسب حساب النجوم ، فقال لابن عباس : إن شئت نبأتك نجم ابنك ، وأنه يموت بعد عشرة أيام ، وأنت لا تموت حتى تعمى ، وأنا لا يحول علي الحول حتى أموت . قال : فأين موتك يا يهودي ؟ فقال : لا أدري . فقال ابن عباس : صدق الله . وما تدري نفس بأي أرض تموت فرجع ابن عباس فوجد ابنه محموما ، ومات بعد عشرة أيام . ومات اليهودي قبل الحول ، ومات ابن عباس أعمى . قال علي بن الحسين راوي هذا الحديث : هذا أعجب الأحاديث .وقال مقاتل : إن هذه الآية نزلت في رجل من أهل البادية اسمه الوارث بن عمرو بن حارثة ، أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : إن امرأتي حبلى فأخبرني ماذا تلد ، وبلادنا جدبة فأخبرني متى ينزل الغيث ، وقد علمت متى ولدت فأخبرني متى أموت ، وقد علمت ما عملت اليوم فأخبرني ماذا أعمل غدا ، وأخبرني متى تقوم الساعة ؟ فأنزل الله تعالى هذه الآية ; ذكره القشيري والماوردي . وروى أبو المليح عن أبي عزة الهذلي قال : قال رسول صلى الله عليه وسلم : إذا أراد الله تعالى قبض روح عبد بأرض جعل له إليها حاجة فلم ينته حتى يقدمها - ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم - إن الله عنده علم الساعة - إلى قوله - بأي أرض تموت ذكره الماوردي ، وخرجه ابن ماجه من حديث ابن مسعود بمعناه . وقد ذكرناه في كتاب ( التذكرة ) مستوفى . وقراءة العامة : ( وينزل ) مشددا . وقرأ ابن كثير وأبو عمرو وحمزة والكسائي مخففا . وقرأ أبي بن كعب : ( بأية أرض ) . الباقون : ( بأي أرض ) . قال الفراء : اكتفى بتأنيث الأرض من تأنيث أي . وقيل : أراد بالأرض المكان فذكر . قال الشاعر [ عامر بن جوين الطائي ] :فلا مزنة ودقت ودقها ولا أرض أبقل إبقالهاوقال الأخفش : يجوز مررت بجارية أي جارية ، وأية جارية . وشبه سيبويه تأنيث أي بتأنيث كل في قولهم : كلتهن . إن الله عليم خبير خبير نعت ل ( عليم ) أو خبر بعد خبر . والله تعالى أعلم .
  FONT
  THEME
  TRANSLATION
  • English | Ahmed Ali
  • Urdu | Ahmed Raza Khan
  • Turkish | Ali-Bulaç
  • German | Bubenheim Elyas
  • Chinese | Chineese
  • Spanish | Cortes
  • Dutch | Dutch
  • Portuguese | El-Hayek
  • English | English
  • Urdu | Fateh Muhammad Jalandhry
  • French | French
  • Hausa | Hausa
  • Indonesian | Indonesian-Bahasa
  • Italian | Italian
  • Korean | Korean
  • Malay | Malay
  • Russian | Russian
  • Tamil | Tamil
  • Thai | Thai
  • Farsi | مکارم شیرازی
  TAFSEER
  • العربية | التفسير الميسر
  • العربية | تفسير الجلالين
  • العربية | تفسير السعدي
  • العربية | تفسير ابن كثير
  • العربية | تفسير الوسيط لطنطاوي
  • العربية | تفسير البغوي
  • العربية | تفسير القرطبي
  • العربية | تفسير الطبري
  • English | Arberry
  • English | Yusuf Ali
  • Dutch | Keyzer
  • Dutch | Leemhuis
  • Dutch | Siregar
  • Urdu | Sirat ul Jinan
  HELP

لُقْمٰن
لُقْمٰن
  00:00



Download

لُقْمٰن
لُقْمٰن
  00:00



Download