READ

Surah Hud

هُوْد
123 Ayaat    مکیۃ


11:41
وَ قَالَ ارْكَبُوْا فِیْهَا بِسْمِ اللّٰهِ مَجْرٖؔىهَا وَ مُرْسٰىهَاؕ-اِنَّ رَبِّیْ لَغَفُوْرٌ رَّحِیْمٌ(۴۱)
اور بولا اس میں سوار ہو (ف۸۹) اللہ کے نام پر اس کا چلنا اور اس کا ٹھہرنا (ف۹۰) بیشک میرا رب ضرور بخشنے والا مہربان ہے،

ثم حكى- سبحانه- ما قاله نوح للمؤمنين عند ركوبهم السفينة فقال: وَقالَ ارْكَبُوا فِيها بِسْمِ اللَّهِ مَجْراها وَمُرْساها إِنَّ رَبِّي لَغَفُورٌ رَحِيمٌ.ومجريها ومرساها، قرأهما الجمهور بضم الميمين فيهما، وهما مصدران من جرى وأرسى.والباء في باسم الله للملابسة، والآية الكريمة معطوفة على جملة، قلنا احمل فيها من كل زوجين اثنين.أى: قلنا له ذلك فامتثل أمرنا، وقال لمن معه من المؤمنين: سلموا أمركم لمشيئة الله- تعالى- وقولوا عند ركوب السفينة: باسم الله جريها في هذا الطوفان العظيم، وباسم الله إرساءها في المكان الذي يريد الله- تعالى- إرساءها فيه.قال الشيخ الفاضل ابن عاشور: وعدى فعل ارْكَبُوا بفي، جريا على الأسلوب الفصيح، فإنه يقال: ركب الدابة إذا علاها. وأما ركوب الفلك فيعدى بفي، لأن إطلاق الركوب عليه مجاز، وإنما هو جلوس واستقرار، فلا يقال: ركب السفينة فأرادوا التفرقة بين الركوب الحقيقي والركوب المشابه له، وهي تفرقة حسنة» .وجملة إِنَّ رَبِّي لَغَفُورٌ رَحِيمٌ تعليل للأمر بالركوب المصاحب لذكر الله- تعالى-:أى: إن ربي لعظيم المغفرة ولعظيم الرحمة لمن كان مطيعا له مخلصا في عبادته.قال الإمام ابن كثير عند تفسيره لهذه الآية ما ملخصه: يقول الله- تعالى- إخبارا عن نوح أنه قال للذين أمر بحملهم معه في السفينة ارْكَبُوا فِيها بِسْمِ اللَّهِ مَجْراها وَمُرْساها ...وقال- سبحانه- في موضع آخر: فَإِذَا اسْتَوَيْتَ أَنْتَ وَمَنْ مَعَكَ عَلَى الْفُلْكِ فَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي نَجَّانا مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ. وَقُلْ رَبِّ أَنْزِلْنِي مُنْزَلًا مُبارَكاً وَأَنْتَ خَيْرُ الْمُنْزِلِينَ.ولهذا تستحب التسمية في ابتداء الأمور: عند الركوب في السفينة وعلى الدابة.فقد روى الطبراني عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «أمان أمتى من الغرق إذا ركبوا في السفن أن يقولوا: بسم الله الملك.. بسم الله مجريها ومرساها إن ربي لغفور رحيم» .
11:42
وَ هِیَ تَجْرِیْ بِهِمْ فِیْ مَوْجٍ كَالْجِبَالِ- وَ نَادٰى نُوْ حُ-ﰳابْنَهٗ وَ كَانَ فِیْ مَعْزِلٍ یّٰبُنَیَّ ارْكَبْ مَّعَنَا وَ لَا تَكُنْ مَّعَ الْكٰفِرِیْنَ(۴۲)
اور وہی انہیں لیے جارہی ہے ایسی موجوں میں جیسے پہاڑ (ف۹۱) اور نوح نے اپنے بیٹے کو پکارا اور وہ اس سے کنارے تھا (ف۹۲) اے میرے بچے ہمارے ساتھ سوار ہوجا اور کافروں کے ساتھ نہ ہو (ف۹۳)

ثم بين- سبحانه- حال السفينة وهي تمخر بهم عباب الماء فقال:وَهِيَ تَجْرِي بِهِمْ فِي مَوْجٍ كَالْجِبالِ.والموج: ما ارتفع من ماء البحر عند اضطرابه. وأصله من ماج الشيء يموج إذا اضطرب ومنه قوله- تعالى- وَتَرَكْنا بَعْضَهُمْ يَوْمَئِذٍ يَمُوجُ فِي بَعْضٍ.قال صاحب الكشاف: فإن قلت. بم اتصل قوله- تعالى- وَهِيَ تَجْرِي بِهِمْ؟قلت: اتصل بمحذوف دل عليه اركبوا فيها باسم الله، كأنه قيل: فركبوا فيها وهم يقولون: باسم الله، وهي تجرى بهم. أى تجرى بهم وهم فيها في موج كالجبال، يريد موج الطوفان، شبه كل موجة بالجبل في تراكمها وارتفاعها.. .وقوله- سبحانه-: وَنادى نُوحٌ ابْنَهُ وَكانَ فِي مَعْزِلٍ: يا بُنَيَّ ارْكَبْ مَعَنا وَلا تَكُنْ مَعَ الْكافِرِينَ تصوير لتلك اللحظة الرهيبة الحاسمة التي أبصر فيها نوح- عليه السلام- ابنه الكافر وهو منعزل عنه وعن جماعة المؤمنين.والمعزل: مكان العزلة، أى: الانفراد.أى: وقبل أن يشتد الطوفان وترتفع أمواجه، رأى نوح ابنه كنعان، وكان هذا الابن في مكان منعزل، فقال له نوح بعاطفة الأبوة الناصحة الملهوفة يا بنى اركب معنا في السفينة، ولا تكن مع القوم الكافرين الذين سيلفهم الطوفان بين أمواجه عما قريب. ولكن هذه النصيحة الغالية من الأب الحزين على مصير ابنه، لم تجد أذنا واعية من هذا الابن العاق المغرور، بل رد على أبيه: قالَ سَآوِي إِلى جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ الْماءِ ...
11:43
قَالَ سَاٰوِیْۤ اِلٰى جَبَلٍ یَّعْصِمُنِیْ مِنَ الْمَآءِؕ-قَالَ لَا عَاصِمَ الْیَوْمَ مِنْ اَمْرِ اللّٰهِ اِلَّا مَنْ رَّحِمَۚ-وَ حَالَ بَیْنَهُمَا الْمَوْجُ فَكَانَ مِنَ الْمُغْرَقِیْنَ(۴۳)
بولا اب میں کسی پہاڑ کی پناہ لیتا ہوں وہ مجھے پانی سے بچالے گا، کہا آج اللہ کے عذاب سے کوئی بچانے والا نہیں مگر جس پر وہ رحم کرے اور ان کے بیچ میں موج آڑے آئی تو وہ ڈوبتوں میں رہ گیا (ف۹۴)

أى: قال: سألتجئ إلى جبل من الجبال الشاهقة، لكي أتحصن به من وصول الماء إلى.وهنا يرد عليه أبوه الرد الأخير فيقول- كما حكى القرآن عنه-: قالَ لا عاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِلَّا مَنْ رَحِمَ ...أى: قال نوح لابنه: لا معصوم اليوم من عذاب الله إلا من رحمه- سبحانه- بلطفه وإحسانه، وأما الجبال وأما الحصون.. وأما غيرهما من وسائل النجاة، فسيعلوها الطوفان، ولن تغنى عن المحتمى بها شيئا.وعبر عن العذاب بأمر الله، تهويلا لشأنه.وقوله: وَحالَ بَيْنَهُمَا الْمَوْجُ فَكانَ مِنَ الْمُغْرَقِينَ بيان للعاقبة السيئة التي آل إليها أمر الابن الكافر.أى: وحال وفصل الموج بهديره وسرعته بين الابن وأبيه، فكانت النتيجة أن صار الابن الكافر من بين الكافرين المغرقين.والتعبير بقوله: وَحالَ ... يشعر بسرعة فيضان الماء واشتداده، حتى لكأن هذه السرعة لم تمهلهما ليكملا حديثهما.والتعبير بقوله: فَكانَ مِنَ الْمُغْرَقِينَ يشير إلى أنه لم يغرق وحده، وإنما غرق هو وغرق معه كل من كان على شاكلته في الكفر.وهكذا تصور لنا هذه الآية الكريمة ما دار بين نوح وابنه من محاورات في تلك اللحظات الحاسمة المؤثرة، التي يبذل فيها كل أب ما يستطيع بذله من جهود لنجاة ابنه من هذا المصير المؤلم.
11:44
وَ قِیْلَ یٰۤاَرْضُ ابْلَعِیْ مَآءَكِ وَ یٰسَمَآءُ اَقْلِعِیْ وَ غِیْضَ الْمَآءُ وَ قُضِیَ الْاَمْرُ وَ اسْتَوَتْ عَلَى الْجُوْدِیِّ وَ قِیْلَ بُعْدًا لِّلْقَوْمِ الظّٰلِمِیْنَ(۴۴)
اور حکم فرمایا گیا کہ اے زمین! اپنا پانی نگل لے اور اے آسمان! تھم جا اور پانی خشک کردیا گیا اور کام تمام ہوا اور کشتی (ف۹۵) کوہ ِ جودی پر ٹھہری (ف۹۶) اور فرمایا گیا کہ دور ہوں بے انصاف لوگ،

وبعد أن غرق الكافرون، ونجا نوح ومن معه من المؤمنين، وجه الله- تعالى- أمره إلى الأرض وإلى السماء.. فقال: وَقِيلَ يا أَرْضُ ابْلَعِي ماءَكِ، وَيا سَماءُ أَقْلِعِي وَغِيضَ الْماءُ، وَقُضِيَ الْأَمْرُ، وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ، وَقِيلَ بُعْداً لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ.أى: وبعد أن أدى الطوفان وظيفته فأغرق بأمر الله- تعالى- الكافرين، قال الله- تعالى- للأرض: يا أَرْضُ ابْلَعِي ماءَكِ.أى: اشربى أيتها الأرض ما على وجهك من ماء، وابتلعيه بسرعة في باطنك كما يبتلع الإنسان طعامه في بطنه بدون استقرار في الفم.وقال- سبحانه- للسماء وَيا سَماءُ أَقْلِعِي أى: أمسكى عن إرسال المطر يقال:أقلع فلان عن فعله إقلاعا، إذا كف عنه وترك فعله. ويقال: أقلعت الحمى عن فلان، إذا تركته.فامتثلتا- أى الأرض والسماء- لأمر الله- تعالى- في الحال، فهو القائل وقوله الحق:إِنَّما أَمْرُهُ إِذا أَرادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ .وقوله وَغِيضَ الْماءُ أى: نقص ونضب. يقال: غاض الماء يغيض، إذا قل ونقص.والمراد به هنا: الماء الذي نشأ عن الطرفان.وقوله: وَقُضِيَ الْأَمْرُ أى: تم ونفذ ما وعد الله- تعالى- به نبيه نوحا- عليه السلام- من إهلاكه للقوم الظالمين.والضمير في قوله: وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ للسفينة، والجودي، جيل بشمال العراق بالقرب من مدينة الموصل. وقيل هو جبل بالشام.أى: واستقرت السفينة التي تحمل نوحا والمؤمنين بدعوته، على الجبل المعروف بهذا الاسم، بعد أن أهلك الله أعداءهم.قال ابن كثير ما ملخصه: وكان خروجهم من السفينة في يوم عاشوراء من المحرم، فقد روى الإمام أحمد عن أبى هريرة قال: مر النبي صلى الله عليه وسلم بأناس من اليهود، وقد صاموا يوم عاشوراء، فقال لهم: ما هذا الصوم؟ قالوا، هذا اليوم الذي نجى الله موسى وبنى إسرائيل من الغرق، وغرق فيه فرعون. وهذا يوم استوت فيه السفينة على الجودي. فصامه نوح وموسى- عليه السلام- شكرا لله.فقال النبي صلى الله عليه وسلم «أنا أحق بموسى، وأحق بصوم هذا اليوم» . فصامه، وقال لأصحابه: من كان أصبح منكم صائما فليتم صومه، ومن كان قد أصاب من غذاء أهله، فليتم بقية يومه» .ثم ختم- سبحانه- الآية الكريمة بقوله: وقيل بعدا للقوم الظالمين.أى: هلاكا وسحقا وطردا من رحمة الله- تعالى- للقوم الذين ظلموا أنفسهم بإيثارهم الكفر على الإيمان، والضلالة على الهداية.قال الجمل: وبُعْداً مصدر بعد- بكسر العين-، يقال بعد بعدا- بضم فسكون- وبعدا- بفتحتين- إذا بعد بعدا بعيدا بحيث لا يرجى عوده، ثم استعير للهلاك، وخص بدعاء السوء، وهو منصوب على المصدر بفعل مقدر. أى: وقيل بعدا بعدا ... » .هذا وقد تكلم بعض العلماء عن أوجه البلاغة والفصاحة في هذه الآية كلاما طويلا، نكتفي بذكر جانب مما قاله في ذلك الشيخ القاسمى في تفسيره.قال- رحمه الله- ما ملخصه: «هذه الآية بلغت من أسرار الإعجاز غايتها، وحوت من بدائع الفوائد نهايتها. وقد اهتم علماء البيان بإبراز ذلك، ومن أوسعهم مجالا في مضمار معارفها الإمام «السكاكي» فقد أطال وأطنب في كتابه «المفتاح» في الحديث عنها.فقد قال- عليه الرحمة- في بحث البلاغة والفصاحة:وإذ قد وقفت على البلاغة، وعثرت على الفصاحة، فأذكر لك على سبيل الأنموذج، آية أكشف لك فيها من وجوههما ما عسى أن يكون مستورا عنك، وهذه الآية هي قوله- تعالى- وَقِيلَ يا أَرْضُ ابْلَعِي ماءَكِ، وَيا سَماءُ أَقْلِعِي، وَغِيضَ الْماءُ، وَقُضِيَ الْأَمْرُ....والنظر في هذه الآية من أربع جهات: من جهة علم البيان، ومن جهة علم المعاني، ومن جهة الفصاحة المعنوية، ومن جهة الفصاحة اللفظية.أما النظر فيها من جهة علم البيان.. فتقول: إنه- عز سلطانه- لما أراد أن يبين معنى هو: أردنا أن نرد ما انفجر من الأرض إلى بطنها فارتد، وأن نقطع طوفان السماء فانقطع، وأن نغيض الماء النازل من السماء فغاض لما أراد ذلك: بنى الكلام على التشبيه، بأن شبه الأرض والسماء بالمأمور الذي لا يتأتى منه أن يعصى أمره.. وكأنهما عقلاء مميزون فقال:يا أَرْضُ ابْلَعِي ماءَكِ، وَيا سَماءُ أَقْلِعِي ...ثم قال: ماءَكِ بإضافة الماء إلى الأرض على سبيل المجاز، تشبيها لاتصال الماء بالأرض، باتصال الملك بالمالك.ثم اختار لاحتباس المطر لفظ الإقلاع الذي هو ترك الفاعل للفعل.وأما النظر فيها من حيث علم المعاني ... فذلك أنه اختير يا دون سائر أخواتها، لكونها أكثر في الاستعمال ... واختير لفظ «ابلعي» على «ابتلعى» لكونه أخصر. ثم أطلق الظلم ليتناول كل نوع منه، حتى يدخل فيه ظلمهم لأنفسهم.وأما النظر فيها من جانب الفصاحة المعنوية فهي كما ترى. نظم للمعاني لطيف، وتأدية لها ملخصة مبينة، لا تعقيد يعثر الفكر في طلب المراد، ولا التواء يشيك الطريق إلى المرتاد، بل إذا جربت نفسك عند استماعها، وجدت ألفاظها تسابق معانيها، ومعانيها تسابق ألفاظها، فما من لفظة في تركيب الآية ونظمها تسبق إلى أذنك، إلا ومعناها أسبق إلى قلبك.وأما النظر فيها من جانب الفصاحة اللفظية: فألفاظها على ما ترى عربية، مستعملة جارية على قوانين اللغة، سليمة من التنافر، بعيدة عن البشاعة.ولا تظن الآية مقصورة على ما ذكرت، فلعل ما تركت أكثر مما ذكرت .ثم ختم- سبحانه- قصة نوح مع قومه في هذه السورة، بتلك الضراعة التي تضرع بها نوح- عليه السلام- بشأن ولده، وبذلك الرد الحكيم الذي رد به الخالق- عز وجل- على نوح- عليه السلام، وبتعقيب على القصة يدل على وحدانية الله- تعالى-، وعلى صدق الرسول صلى الله عليه وسلم فيما يبلغه عن ربه قال- تعالى-:
11:45
وَ نَادٰى نُوْحٌ رَّبَّهٗ فَقَالَ رَبِّ اِنَّ ابْنِیْ مِنْ اَهْلِیْ وَ اِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ وَ اَنْتَ اَحْكَمُ الْحٰكِمِیْنَ(۴۵)
اور نوح نے اپنے رب کو پکارا عرض کی اے میرے رب میرا بیٹا بھی تو میرا گھر والا ہے (ف۹۷) اور بیشک تیرا وعدہ سچا ہے اور تو سب سے بڑا حکم والا (ف۹۸)

والمراد بالنداء في قوله- سبحانه-: وَنادى نُوحٌ رَبَّهُ.. الدعاء والضراعة إلى الله- تعالى- والجملة الكريمة معطوفة على ما قبلها.أى: وبعد أن تخلف ابن نوح عليه السلام عن الركوب معه في السفينة، وقضى الأمر بهلاك الكافرين ونجاة المؤمنين.. تضرع نوح- عليه السلام- إلى ربه فقال في استعطاف ورجاء:يا رب! ان ابني «كنعان» مِنْ أَهْلِي فهو قطعة منى، فأسألك أن ترحمه برحمتك إِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ أى: وإن كل وعد تعده لعبادك هو الوعد الحق وأنت- يا ربي- قد وعدتني بنجاة أهلى إلا من سبق عليه القول منهم، لكني في هذا الموقف العصيب أطمع في عفوك عن ابني وفي رحمتك له.وقوله: وَأَنْتَ أَحْكَمُ الْحاكِمِينَ أى: وأنت يا إلهى- لا راد لما تحكم به، ولا معقب لحكمك، وحكمك هو الحق والعدل، وهو المنزه عن الخطأ والمحاباة، لأنه صادر عن كمال العلم والحكمة.واكتفى نوح- عليه السلام- بأن يقول: رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي. وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ، وَأَنْتَ أَحْكَمُ الْحاكِمِينَ دون أن يصرح بمطلوبه وهو نجاة ابنه تأدبا مع الله- تعالى- وحياء منه- سبحانه- واعتقادا منه بأنه- سبحانه- عليم بما يريده، وخبير بما يجول في نفسه.وهذا لون من الأدب السامي، سلكه الأنبياء- عليهم الصلاة والسلام- في مخاطبتهم لربهم- عز وجل- ومن أولى منهم بذلك؟!! ولعل نوحا- عليه السلام- عند ما تضرع إلى ربه- سبحانه- بهذا الدعاء لم يكن يعلم أن طلب الرحمة أو النجاة لابنه الكافر ممنوع، فكان حاله في ذلك كحال النبي صلى الله عليه وسلم عند ما قال لعمه أبى طالب: «لأستغفرن لك ما لم أنه عن ذلك» واستمر يستغفر له إلى أن نزل قوله- تعالى- ما كانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كانُوا أُولِي قُرْبى.. .وقال الشيخ القاسمى: وإنما قال نوح ذلك- أى: رب إن ابني من أهلى.. ألخ- لفهمه من الأهل ذوى القرابة الصورية، والرحمة النسبية، وغفل- لفرط التأسف على ابنه- عن استثنائه- تعالى- بقوله: إِلَّا مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ ولم يتحقق أن ابنه هو الذي سبق عليه القول، فاستعطف ربه بالاسترحام، وعرض بقوله وَأَنْتَ أَحْكَمُ الْحاكِمِينَ إلى أن العالم العادل الحكيم لا يخلف وعده .
11:46
قَالَ یٰنُوْحُ اِنَّهٗ لَیْسَ مِنْ اَهْلِكَۚ-اِنَّهٗ عَمَلٌ غَیْرُ صَالِحٍ ﲦ فَلَا تَسْــٴَـلْنِ مَا لَیْسَ لَكَ بِهٖ عِلْمٌؕ-اِنِّیْۤ اَعِظُكَ اَنْ تَكُوْنَ مِنَ الْجٰهِلِیْنَ(۴۶)
فرمایا اے نوح! وہ تیرے گھر والوں میں نہیں (ف۹۹) بیشک اس کے کام بڑے نالائق ہیں، تو مجھ سے وہ بات نہ مانگ جس کا تجھے علم نہیں (ف۱۰۰) میں تجھے نصیحت فرماتا ہوں کہ نادان نہ بن،

وقوله- سبحانه- قالَ يا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ.. رد من الله- تعالى- على نوح فيما طلبه منه.أى: قال الله- تعالى- مجيبا لنوح- عليه السلام- فيما سأله إياه: يا نوح إن ابنك هذا لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ لأن مدار الأهلية مبنى على القرابة الدينية، وقد انقطعت بالكفر، فلا علاقة بين مسلم وكافر.أو ليس من أهلك الذين وعدتك بنجاتهم، بل هو ممن سبق عليه القول بسبب كفره.فالمراد نفى أن يكون من أهل دينه واعتقاده، وليس المراد نفى أن يكون من صلبه، لأن ظاهر الآية يدل على أنه ابنه من صلبه، ومن قال بغير ذلك فقوله ساقط ولا يلتفت إليه، لخلوه عن الدليل.قال ابن كثير: وقد نص غير واحد من الأئمة على تخطئة من ذهب في تفسير هذا إلا أنه ليس بابنه، وإنما كان ابن زنية.وقال ابن عباس وغير واحد من السلف: ما زنت امرأة نبي قط، ثم قال: وقوله:إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ أى: الذين وعدتك بنجاتهم.وقول ابن عباس في هذا هو الحق الذي لا محيد عنه فإن الله- تعالى- أغير من أن يمكن امرأة نبي من الفاحشة .وجملة إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صالِحٍ تعليل لنفى الأهلية.وقد قرأ الجمهور (عمل) بفتح الميم وتنوين اللام- على أنه مصدر مبالغة في ذمه حتى لكأنه هو نفس العمل غير الصالح وأصل الكلام إنه ذو عمل غير صالح، فحذف المضاف للمبالغة بجعله عين عمله الفاسد لمداومته عليه.وقرأ الكسائي ويعقوب عَمَلٌ بوزن فرح بصيغة الفعل الماضي- أى: إنه عمل عملا غير صالح وهو الكفر والعصيان، فحذف الموصوف وأقيمت صفته مقامه.قال صاحب الكشاف وقوله: إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صالِحٍ تعليل لانتفاء كونه من أهله.وفيه إيذان بأن قرابة الدين غامرة لقرابة النسب، وأن نسيبك في دينك ومعتقدك من الأباعد في المنصب وإن كان حبشيا وكنت قرشيا لصيقك وخصيصك، ومن لم يكن على دينك وإن كان أمس أقاربك رحما فهو أبعد بعيد منك .وقال الفخر الرازي: هذه الآية تدل على أن العبرة بقرابة الدين لا بقرابة النسب، فإن في هذه الصورة كانت قرابة النسب حاصلة من أقوى الوجوه، ولكن لما انتفت قرابة الدين، لا جرم نفاه الله- تعالى- بأبلغ الألفاظ وهو: قوله: إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ .والفاء في قوله: فَلا تَسْئَلْنِ ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ.. للتفريع.أى: ما دمت قد وقفت على حقيقة الحال، فلا تلتمس منى ملتمسا لا تعلم على وجه اليقين، أصواب هو أم غير صواب، بل عليك أن تتثبت من صحة ما تطلبه، قبل أن تقدم على طلبه.وجملة إِنِّي أَعِظُكَ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْجاهِلِينَ تأكيد لما قبلها، ونهى له عن مثل هذا السؤال في المستقبل، بعد أن أعلمه بحقيقة حال ابنه.أى: إنى أنهاك يا نوح عن أن تكون من القوم الجاهلين، الذين يسألون عن أشياء لا يتحققون وجه الصواب فيها.
11:47
قَالَ رَبِّ اِنِّیْۤ اَعُوْذُ بِكَ اَنْ اَسْــٴَـلَكَ مَا لَیْسَ لِیْ بِهٖ عِلْمٌؕ-وَ اِلَّا تَغْفِرْ لِیْ وَ تَرْحَمْنِیْۤ اَكُنْ مِّنَ الْخٰسِرِیْنَ(۴۷)
عرض کی اے رب میرے میں تیری پناہ چاہتا ہوں کہ تجھ سے وہ چیز مانگوں جس کا مجھے علم نہیں، اور اگر تو مجھے نہ بخشے اور رحم نہ کرے تو میں زیاں کار ہوجاؤں،

وهنا بين الله- تعالى- أن نوحا- عليه السلام- قد تنبه إلى ما أرشده إليه ربه، فبادر بطلب العفو والصفح منه- سبحانه- فقال: قالَ رَبِّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ أَنْ أَسْئَلَكَ ما لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ ...أى: قال نوح- عليه السلام- ملتمسا الصفح من ربه: رب إنى أستجير بك، وأحتمى بجنابك من أن أسألك شيئا بعد الآن، ليس عندي علم صحيح بأنه جائز ولائق وَإِلَّا تَغْفِرْ لِي ما فرط منى من قول، وما صدر عنى من فعل.وَتَرْحَمْنِي برحمتك الواسعة التي وسعت كل شيء.أَكُنْ مِنَ الْخاسِرِينَ الذين خسروا أنفسهم بالاحتجاب عن علمك وحكمتك.
11:48
قِیْلَ یٰنُوْحُ اهْبِطْ بِسَلٰمٍ مِّنَّا وَ بَرَكٰتٍ عَلَیْكَ وَ عَلٰۤى اُمَمٍ مِّمَّنْ مَّعَكَؕ-وَ اُمَمٌ سَنُمَتِّعُهُمْ ثُمَّ یَمَسُّهُمْ مِّنَّا عَذَابٌ اَلِیْمٌ(۴۸)
فرمایا گیا اے نوح! کشتی سے اتر ہماری طرف سے سلام اور برکتوں کےساتھ (ف۱۰۱) جو تجھ پر ہیں اور تیرے ساتھ کے کچھ گروہوں پر (ف۱۰۲) اور کچھ گروہ ہیں جنہیں ہم دنیا برتنے دیں گے (ف۱۰۳) پھر انہیں ہماری طرف سے دردناک عذاب پہنچے گا (ف۱۰۴)

ثم بشر- سبحانه- نبيه نوحا- عليه السلام- بقبول توبته فقال: قِيلَ يا نُوحُ اهْبِطْ بِسَلامٍ مِنَّا، وَبَرَكاتٍ عَلَيْكَ وَعَلى أُمَمٍ مِمَّنْ مَعَكَ ...والسلام: التحية المقرونة بالأمان والاطمئنان، وأصله السلامة، والباء فيه للمصاحبة والبركات. جمع بركة وهي ثبوت الخير ونماؤه وزيادته، واشتقاقها من البرك، وهو صدر البعير. يقال: برك البعير إذا ألقى بركه أى صدره على الأرض وثبت. ومنه البركة لثبوت الماء فيها.والأمم: جمع أمة، وهي الجماعة الكثيرة من الناس، يجمعها نسب واحد أو لغة واحدة، أو موطن واحد.أى: قال الله- تعالى- مبشرا نوحا- عليه السلام- بقبول توبته: يا نوح اهبط من السفينة مصحوبا منا بالأمان مما تكره، وبالخيرات النامية والنعم الثابتة عليك، وعلى أمم متشعبة ومتفرعة وناشئة من الأمم المؤمنة التي ستهبط معك، بعد أن أنجاكم الله- تعالى-بفضله ورحمته من العذاب، الذي حل بالكافرين من قومك.وكان مقتضى الظاهر أن يقال: قال يا نوح اهبط بسلام.. ولكن جاء التعبير بقيل، مسايرة للتعبيرات السابقة في أجزاء القصة، مثل قوله- سبحانه- وَقِيلَ يا أَرْضُ ابْلَعِي ماءَكِ.. وقوله: وَقِيلَ بُعْداً لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ.وقوله اهْبِطْ بِسَلامٍ.. فيه إشارة إلى أنه كان قبل الهبوط في ضيافة الله ورعايته، وأنه لولا عناية الله به وبمن معه من المؤمنين، لما نجت السفينة من ذلك الطوفان العظيم.والتعبير بقوله مِنَّا لزيادة التكريم، وتأكيد السلام. أى: انزل بسلام ناشئ من عندنا، وليس من عند غيرنا لأن كل سلام من غيرنا لا قيمة له بجانب سلامنا.وقوله عَلَيْكَ وَعَلى أُمَمٍ مِمَّنْ مَعَكَ متعلق بسلام وبركات.وفي هذا إشارة إلى أنه- سبحانه- سيجعل من ذرية نوح ومن ذرية من معه من المؤمنين، أمما كثيرة تكون محل كرامة الله وأمانه وبركاته.وقوله- سبحانه- وَأُمَمٌ سَنُمَتِّعُهُمْ ثُمَّ يَمَسُّهُمْ مِنَّا عَذابٌ أَلِيمٌ كلام مستأنف مسوق للاحتراز والتحذير من سوء عاقبة المخالفة لأمر الله.أى: أن الأمم التي تكون من نسلك ومن نسل أتباعك يا نوح على قسمين: قسم منهم له منا السلام، وعليه البركات بسبب إيمانه وعمله الصالح.وقسم آخر سنمتعه في الدنيا وبالكثير من زينتها وخيراتها، ثم يصيبه يوم القيامة عذاب أليم بسبب جحوده لنعمنا، وعصيانه لرسلنا.فعلى كل عاقل أن يجتهد في أن يكون من القسم الأول، وأن يتجنب القسم الثاني.
11:49
تِلْكَ مِنْ اَنْۢبَآءِ الْغَیْبِ نُوْحِیْهَاۤ اِلَیْكَۚ-مَا كُنْتَ تَعْلَمُهَاۤ اَنْتَ وَ لَا قَوْمُكَ مِنْ قَبْلِ هٰذَا ﳍ فَاصْبِرْ ﳍ اِنَّ الْعَاقِبَةَ لِلْمُتَّقِیْنَ۠(۴۹)
یہ غیب کی خبریں ہم تمہاری طرف وحی کرتے ہیں (ف۱۰۵) انہیں نہ تم جانتے تھے نہ تمہاری قوم اس (ف۱۰۶) سے پہلے، تو صبر کرو (ف۱۰۷) بیشک بھلا انجام پرہیزگاروں کا (ف۱۰۸)

ثم اختتم الله- تعالى- قصة نوح- عليه السلام- مع قومه في هذه السورة، بقوله:تِلْكَ مِنْ أَنْباءِ الْغَيْبِ نُوحِيها إِلَيْكَ، ما كُنْتَ تَعْلَمُها أَنْتَ وَلا قَوْمُكَ مِنْ قَبْلِ هذا فَاصْبِرْ إِنَّ الْعاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ.واسم الإشارة تِلْكَ يعود إلى ما قصة الله- تعالى- من قصة نوح مع قومه في هذه السورة.والأنباء: جمع نبأ وهو الخبر الهام. والغيب: مصدر غاب، وهو مالا تدركه الحواس ولا يعلم ببداهة العقل.أى: تلك القصة التي قصصناها عليك يا محمد بهذا الأسلوب الحكيم، من أخبار الغيب الماضية، التي لا يعلم دقائقها وتفاصيلها أحد سوانا.ونحن نُوحِيها إِلَيْكَ ونعرفك بها عن طريق وحينا الصادق الأمين.وهذه القصة وأمثالها ما كُنْتَ تَعْلَمُها أنت يا محمد، وما كان يعلمها قَوْمُكَ أيضا، بهذه الصورة الصادقة الحكيمة، الخالية من الأساطير والأكاذيب.مِنْ قَبْلِ هذا الوقت الذي أوحيناها إليك فيه.وما دام الأمر كذلك فَاصْبِرْ صبرا جميلا على تبليغ رسالتك، وعلى أذى قومك كما صبر أخوك نوح من قبل.وجملة إِنَّ الْعاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ تعليل للأمر بالصبر.والعاقبة: الحالة التي تعقب حالة قبلها، وقد شاعت عند الإطلاق في حالة الخير كما في قوله- تعالى- وَالْعاقِبَةُ لِلتَّقْوى. وأل فيها للجنس، واللام في قوله لِلْمُتَّقِينَ للاختصاص.أى: إن العاقبة الحسنة الطيبة في الدنيا والآخرة، للمتقين الذين صانوا أنفسهم عن كل ما لا يرضى الله- تعالى-، وليست لغيرهم ممن استحبوا العمى على الهدى.والآية الكريمة تعقيب حكيم على قصة نوح- عليه السلام- قصد به الامتنان على النبي صلى الله عليه وسلم والموعظة، والتسلية.فالامتنان نراه في قوله- تعالى- ما كُنْتَ تَعْلَمُها أَنْتَ وَلا قَوْمُكَ مِنْ قَبْلِ هذا.والموعظة نراها في قوله- سبحانه- فَاصْبِرْ.والتسلية نراها في قوله- عز وجل- إِنَّ الْعاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ.وبعد، فهذه قصة نوح- عليه السلام- كما وردت في هذه السورة الكريمة، ومن العبر والعظات والهدايات والحقائق التي نأخذها منها ما يأتى:1- الدلالة على صدق النبي صلى الله عليه وسلم فيما يبلغه عن ربه، وعلى أن هذا القرآن من عند الله- تعالى-، فقد أخبرنا عن قصة نوح- عليه السلام- مع قومه، وعن غيرها من القصص، التي هي من أنباء الغيب، والتي لا يعلم حقيقتها وتفاصيلها أحد سوى الله- عز وجل-.2- أن نوحا- عليه السلام- قد سلك في دعوته إلى الله- تعالى- أحسن الأساليب وأحكمها، فقد دعا قومه إلى عبادة الله- تعالى- وحده في الليل وفي النهار. وفي السر وفي العلانية، وأقام لهم ألوانا من الأدلة على صدقه، ورغبهم في الإيمان بشتى ألوان الترغيب، وحذرهم من الكفر بشتى أنواع التحذير، وصبر على أذاهم صبرا جميلا، ورد على سفاهاتهم وأقوالهم بمنطق سليم، أبطل به حججهم.. مما جعلهم يكفون عن مناقشته، ويلجئون إلى التحدي والتعنت.وما أحوج الدعاة إلى الله- عز وجل- إلى التماس العبرة والعظة من قصة نوح مع قومه.3- أن النسب مهما شرف وعظم لن ينفع صاحبه عند الله، إلا إذا كان معه الإيمان والعمل الصالح، وأن الإيمان والصلاح ليسا مرتبطين بالوراثة والأنساب لأنه لو كان الأمر كذلك لكانت ذرية نوح ومن معه من المؤمنين الذين نجوا معه في السفينة. كلها من المؤمنين الصالحين، مع أن المشاهد غير ذلك.ورحم الله الإمام القرطبي فقد قال- ما ملخصه- عند تفسيره لقوله- تعالى- قالَ يا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ..: «وفي هذه الآية تسلية للآباء في فساد أبنائهم وإن كان الآباء صالحين» ، فقد روى أن ابنا لمالك بن أنس ارتكب أمرا لا يليق بمسلم، فعلم بذلك مالك فقال: «الأدب أدب الله، لا أدب الآباء والأمهات، والخير خير الله، لا خير الآباء والأمهات..» .4- أن سؤال نوح- عليه السلام- ما سأله لابنه لم يكن- كما قال صاحب المنار معصية لله- تعالى- خالف فيها أمره أو نهيه، وإنما كان خطأ في اجتهاد رأى بنية صالحة.وإنما عدها الله- تعالى- ذنبا له لأنها كانت دون مقام العلم الصحيح اللائق بمنزلته من ربه، هبطت بضعفه البشرى، وما غرس في الفطرة من الرحمة والرأفة بالأولاد إلى اتباع الظن، ومثل هذا الاجتهاد لم يعصم منه الأنبياء، فيقعون فيه أحيانا ليشعروا بحاجتهم إلى تأديب ربهم وتكميله إياهم آنا بعد آن، بما يصعدون به في معارج العرفان» .5- إن القرآن في إيراده للقصص والأخبار، لا يهتم إلا بإبراز النافع المفيد منها، أما ما عدا ذلك مما لا فائدة من ذكره، فيهمل القرآن الحديث عنه.فمثلا في قصة نوح- عليه السلام- هنا، لم يتعرض القرآن لبيان المدة التي قضاها نوح في صنع السفينة. ولا لبيان طول السفينة وعرضها وارتفاعها، ولا لتفاصيل الأنواع التي حملها معه في السفينة، ولا لبيان الفترة التي عاشها نوح ومن معه فيها.ولا لبيان المكان الذي هبط فيه نوح بعد أن استوت السفينة على الجودي.. ولا لبيان الزمان الذي استغرقه الطوفان فوق الأرض.وما ورد في ذلك من أقوال وأخبار، أكثرها من الإسرائيليات التي لا يؤيدها دليل من الشرع أو العقل.ومن المسائل التي تكلم عنها كثير من العلماء، وذهبوا بشأنها مذاهب شتى مسألة الطوفان.وقد أصدر الأستاذ الإمام الشيخ محمد عبده- رحمه الله- فتوى في هذا الشأن، ملخصها كما يقول صاحب المنار: أن ظواهر القرآن والأحاديث أن الطوفان كان عاما شاملا لقوم نوح الذين لم يكن في الأرض غيرهم فيجب اعتقاده، ولكنه لا يقتضى أن يكون عاما للأرض، إذ لا دليل على أنهم كانوا يملؤون الأرض.وهذه المسائل التاريخية ليست من مقاصد القرآن، ولذلك لم يبينها بنص قطعى، فنحن نقول بما تقدم إنه ظاهر النصوص، ولا نتخذه عقيدة دينية قطعية، فإن أثبت العلم خلافه لا يضرنا، لأنه لا ينقض نصا قطعيا عندنا) .6- أن سنة الله- تعالى- في خلقه لا تتخلف ولا تتبدل وهي أن العاقبة للمتقين، مهما طال الصراع بين الحق والباطل، وبين الأخيار والأشرار.فلقد لبث نوح- عليه السلام- في قومه ألف سنة إلا خمسين عاما يدعوهم إلى عبادة الله وحده، وقد لقى خلال تلك المدة الطويلة ما لقى من الأذى ... ولكن كانت النتيجة في النهاية نجاته ومن معه من المؤمنين، وإغراق أعدائه بالطوفان العظيم.ولقد أفاض صاحب الظلال- رحمه الله- وهو يتحدث عن هذا المعنى فقال ما ملخصه:«ثم نقف الوقفة الأخيرة مع قصة نوح، لنرى قيمة الحفنة المسلمة في ميزان الله- سبحانه-.إن حفنة من المسلمين من أتباع نوح- عليه السلام- تذكر بعض الروايات، أنهم اثنا عشر، هم كانوا حصيلة دعوة نوح في ألف سنة إلا خمسين عاما.إن هذه الحفنة- وهي ثمرة ذلك العمر الطويل والجهد الطويل-، قد استحقت أن يغير الله لها المألوف من ظواهر هذا الكون، وأن يجرى لها ذلك الطوفان الذي يغمر كل شيء ...وأن يجعل هذه الحفنة وحدها هي وارثة الأرض بعد ذلك، وبذرة العمران فيها.وهذه هي عبرة الحادث الكونى العظيم.إنه لا ينبغي لأحد يواجه الجاهلية بالإسلام، أن يظن أن الله تاركه للجاهلية وهو يدعو إلى إفراد الله- سبحانه- بالربوبية. كما أنه لا ينبغي له أن يقيس قوته الذاتية إلى قوى الجاهلية فيظن أن الله تاركه لهذه القوى، وهو عبده الذي يستنصر به حين يغلب فيدعوه:(أنى مغلوب فانتصر) .إن القوى في حقيقتها ليست متكافئة ولا متقاربة.. إن الجاهلية تملك قواها.. ولكن الداعي إلى الله يستند إلى قوة الله. والله يملك أن يسخر له بعض القوى الكونية- حينما يشاء وكيفما يشاء-، وأيسر هذه القوى يدمر قوى الجاهلية من حيث لا تحتسب!!.والذين يسلكون السبيل إلى الله ليس عليهم إلا أن يؤدوا واجبهم كاملا، ثم يتركوا الأمور لله في طمأنينة وثقة. وعند ما يغلبون عليهم أن يلجئوا إلى الناصر المعين، وأن يجأروا إليه وحده كما جأر عبده الصالح نوح: فَدَعا رَبَّهُ أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانْتَصِرْ.ثم عليهم أن ينتظروا فرج الله القريب، وانتظار الفرج من الله عبادة، فهم على هذا الانتظار مأجورون.. والعاقبة للمتقين» .ثم تابعت السورة الكريمة حديثها عن قصة هود- عليه السلام- مع قومه، بعد حديثها عن قصة نوح- عليه السلام- مع قومه، فقال- تعالى-:
11:50
وَ اِلٰى عَادٍ اَخَاهُمْ هُوْدًاؕ-قَالَ یٰقَوْمِ اعْبُدُوا اللّٰهَ مَا لَكُمْ مِّنْ اِلٰهٍ غَیْرُهٗؕ-اِنْ اَنْتُمْ اِلَّا مُفْتَرُوْنَ(۵۰)
اور عاد کی طرف ان کے ہم قوم ہود کو (ف۱۰۹) کہا اے میری قوم! اللہ کو پوجو (ف۱۱۰) اس کے سوا تمہارا کوئی معبود نہیں، تم تو بڑے مفتری (بالکل جھوٹے الزام عائد کرنے والے) ہو (ف۱۱۱)

تلك هي قصة هود- عليه السلام- مع قومه كما حكتها هذه السورة، وقد وردت قصته معهم في سور أخرى منها: سورة الأعراف، والشعراء، والأحقاف.وينتهى نسب هود إلى نوح- عليهما السلام- فهو- كما قال بعض المؤرخين-:هود بن عبد الله بن رباح بن الخلود بن عاد بن عوض بن إرم بن سام بن نوح) .وقومه هم قبيلة عاد- نسبة إلى أبيهم الذي كان يسمى بهذا الاسم-، وكانت مساكنهم بالأحقاف- جمع حقف وهو الرمل الكثير المائل-، وهذا المكان يسمى الآن بالربع الخالي جنوب الجزيرة العربية.وكان قوم هود- عليه السلام- يعبدون الأصنام، فأرسله الله إليهم لهدايتهم.ويقال إن هودا- عليه السلام- قد أرسله الله إلى عاد الأولى، أما عاد الثانية فهم قوم صالح، وبينهما زهاء مائة سنة.وقوله- سبحانه-: وَإِلى عادٍ أَخاهُمْ هُوداً قالَ يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ ... معطوف على قصة نوح التي سبق الحديث عنها.أى: وكما أرسلنا نوحا إلى قومه ليأمرهم بعبادة الله وحده، أرسلنا إلى قبيلة عاد أخاهم هودا، فقال لهم ما قاله كل نبي لقومه: يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ.ووصفه- سبحانه- بأنه أَخاهُمْ لأنه من قبيلتهم في النسب، أو لأنه أخوهم في الإنسانية وناداهم بقوله: يا قَوْمِ زيادة في التلطف معهم، استجلابا لقلوبهم، وترضية لنفوسهم، وجملة ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ في معنى العلة لما قبله.أى: أنا آمركم بعبادة الله وحده، لأنه ليس هناك إله آخر يستحق العبادة سواه، فهو الذي خلقكم ورزقكم، وهو الذي يحييكم ويميتكم.ثم ختم- سبحانه- الآية بقوله: إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا مُفْتَرُونَ.والافتراء: الكذب المتعمد الذي لا شبهة لصاحبه في النطق به.أى: ما أنتم إلا متعمدون للكذب في جعلكم الألوهية لغير الله- تعالى-.
11:51
یٰقَوْمِ لَاۤ اَسْــٴَـلُكُمْ عَلَیْهِ اَجْرًاؕ-اِنْ اَجْرِیَ اِلَّا عَلَى الَّذِیْ فَطَرَنِیْؕ-اَفَلَا تَعْقِلُوْنَ(۵۱)
اے قوم! میں اس پر تم سے کچھ اجرت نہیں مانگتا، میری مزدوری تو اسی کے ذمہ ہے جس نے مجھے پیدا کیا (ف۱۱۲) تو کیا تمہیں عقل نہیں (ف۱۱۳)

ثم بين لهم بعد ذلك أنه لا يريد منهم جزاء ولا شكورا في مقابل دعوته إياهم إلى الحق فقال: يا قَوْمِ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى الَّذِي فَطَرَنِي....وفطرني: أى خلقني وأبدعنى على غير مثال سابق، يقال: فطر الأمر. أى: ابتدأه وأنشأه. وفطر الله الخلق: أى خلقهم وأوجدهم. وأصل الفطر: الشق، ثم استعمل في الخلق والإنشاء مجازا.والمعنى: ويا قوم لا أريد منكم على ما أدعوكم إليه أجرا منكم، وإنما أجرى تكفل به الله الذي خلقني بقدرته، فهو وحده الذي أطلب منه الأجر والعطاء.ومقصده من هذا القول، إزالته ما عسى أن يكون قد حاك في نفوسهم، من أنه ما دعاهم إلى ما دعاهم إليه، إلا لأنه رجل يبتغى منهم الأجر الذي يجعله موسرا فيهم..والهمزة في قوله أَفَلا تَعْقِلُونَ للاستفهام الإنكارى، وهي داخلة على محذوف.أى: أتجهلون ما هو واضح من الأمور، فلا تعقلون أن أجر الناصحين المخلصين، إنما هو من الله- تعالى- رب العالمين ورازقهم.
11:52
وَ یٰقَوْمِ اسْتَغْفِرُوْا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوْبُوْۤا اِلَیْهِ یُرْسِلِ السَّمَآءَ عَلَیْكُمْ مِّدْرَارًا وَّ یَزِدْكُمْ قُوَّةً اِلٰى قُوَّتِكُمْ وَ لَا تَتَوَلَّوْا مُجْرِمِیْنَ(۵۲)
اور اے میری قوم اپنے رب سے معافی چاہو (ف۱۱۴) پھر اس کی طرف رجوع لاؤ تم پر زور کا پانی بھیجے گا، اور تم میں جتنی قوت ہے اس سے زیادہ دے گا (ف۱۱۵) اور جرم کرتے ہوئے روگردانی نہ کرو (ف۱۱۶)

ثم أرشدهم إلى ما يؤدى إلى زيادة غناهم وقوتهم، وحذرهم من سوء عاقبة البطر والأشر فقال: وَيا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّماءَ عَلَيْكُمْ مِدْراراً، وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلى قُوَّتِكُمْ وَلا تَتَوَلَّوْا مُجْرِمِينَ.والاستغفار: طلب المغفرة من الله- تعالى- وعدم المؤاخذة على الخطايا:والتوبة: العزم على الإقلاع عن الذنب، مع الندم على ما حصل منه في الماضي.أى: ويا قوم استغفروا ربكم مما فرط منكم من شرك وعصيان، ثم عودوا إليه بالتوبة الصادقة النصوح.وثم هنا للترتيب الرتبى، لأن الإقلاع عن الذنب مع المداومة على ذلك: مقدم على طلب المغفرة.وجملة يُرْسِلِ السَّماءَ عَلَيْكُمْ مِدْراراً جواب الأمر في قوله اسْتَغْفِرُوا.والمراد بالسماء هنا السحاب أو المطر، تسمية للشيء باسم مصدره.ومدرارا: مأخوذ من الدر أى: سيلان اللبن وكثرته. ثم استعير للمطر الغزير يقال:درت السماء بالمطر تدر وتدر درا.. إذا كثر نزول المطر منها.وهو حال من السماء، ولم يؤنث مع أنه حال من مؤنث، باعتبار أن المراد بالسماء هنا المطر أو السحاب.والمعنى: أن هودا- عليه السلام- قال لقومه يا قوم اعبدوا الله واستغفروه وتوبوا إليه..فإنكم إن فعلتم ذلك أرسل الله- تعالى- عليكم المطر غزيرا متتابعا في أوقات حاجتكم إليه لتشربوا منه وتسقوا به دوابكم وزروعكم.وجملة وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلى قُوَّتِكُمْ معطوفة على ما قبلها.أى: وأيضا إن فعلتم ذلك زادكم الله- تعالى- عزا إلى عزكم، وشدة إلى شدتكم التي عرفتم بها، ووهبكم الأموال الطائلة، والذرية الكثيرة.قال الآلوسى: «رغبهم- عليه السلام- بكثرة المطر، وزيادة القوة، لأنهم كانوا أصحاب زروع وبساتين وعمارات. وقيل: حبس الله عنهم المطر وأعقم أرحام نسائهم ثلاث سنين، فوعدهم هود على الاستغفار والتوبة كثرة الأمطار، ومضاعفة القوة بالتناسل ... » .ثم حذرهم من مقابلة نعم الله بالكفر والجحود فقال: وَلا تَتَوَلَّوْا مُجْرِمِينَ. والتولي:هو الإعراض عن الشيء بإصرار وعناد.أى: ولا تتولوا عما دعوتكم إليه وأنتم مصرون على ما أنتم عليه من إجرام وجحود وعناد.وإلى هنا يكون هود- عليه السلام- قد وضح لقومه دعوته، ورغبهم في الاستجابة لها، وحذرهم من الإعراض عنها، وناداهم بلفظ- يا قوم- ثلاث مرات، توددا إليهم، وتذكيرا لهم بآصرة القرابة التي تجمعهم وإياه. لعل ذلك يستثير مشاعرهم، ويحقق اطمئنانهم إليه، فإن الرائد لا يكذب أهله.
11:53
قَالُوْا یٰهُوْدُ مَا جِئْتَنَا بِبَیِّنَةٍ وَّ مَا نَحْنُ بِتَارِكِیْۤ اٰلِهَتِنَا عَنْ قَوْلِكَ وَ مَا نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِیْنَ(۵۳)
بولے اے ہود تم کوئی دلیل لے کر ہمارے پاس نہ آئے (ف۱۱۷) اور ہم خالی تمہارے کہنے سے اپنے خداؤں کو چھوڑنے کے نہیں نہ تمہاری بات پر یقین لائیں،

ولكن قوم هود- عليه السلام- قابلوا كل ذلك بالتطاول عليه، والسخرية منه فقالوا:قالُوا يا هُودُ ما جِئْتَنا بِبَيِّنَةٍ ...والبينة: ما يتبين به الحق من الباطل. أى: قالوا له يا هود إنك لم تجئنا بحجة تقنعنا بأنك على الحق فيما تدعو إليه، وترضى نفوسنا وطباعنا وعاداتنا.ثم أضافوا إلى ذلك قولهم: وَما نَحْنُ بِتارِكِي آلِهَتِنا عَنْ قَوْلِكَ.أى: وما نحن بتاركي آلهتنا بسبب قولك لنا الخالي عن الدليل: اتركوا عبادتها واجعلوا عبادتكم لله وحده.ثم أكدوا إصرارهم على كفرهم بقولهم وَما نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ أى: بمستجيبين لك ومصدقين.ثم أضافوا إلى إصرارهم هذا استخفافا به وبما يدعو إليه فقالوا: «إن نقول إلا اعتراك بعض آلهتنا بسوء ... » .ومعنى اعتراك: أصابك ومسك. يقال عراه الأمر واعتراه أى أصابه، وأصله من قولهم:عراه يعروه، أى: غشيه وأصابه. ومنه قول الشاعر:وإنى لتعرونى لذكراك هزة ... أى: تصيبني.أى: ما نحن بتاركي آلهتنا عن قولك، وما نحن لك بمتبعين، بل عليك أن تيأس يأسا تاما من استجابتنا لك، وحالتك التي نراها بأعيننا تجعلنا نقول لك: إن سبك لآلهتنا جعل بعضها- لا كلها- يتسلط عليك، ويوجه قدرته نحوك، فيصيبك بالجنون والهذيان والأمراض.ولم يقولوا: «اعتراك آلهتنا بسوء» بل قالوا: بَعْضُ آلِهَتِنا تهديدا له وإشارة إلى أنه لو تصدت له جميع الآلهة لأهلكته إهلاكا.وهكذا نراهم قد ردوا على نبيهم ومرشدهم بأربعة ردود، تدرجوا فيها من السيئ إلى الأسوأ، ومن القبيح إلى الأقبح.. مما يدل على توغلهم في الطغيان، وبلوغهم النهاية في العناد والكفر والجحود.قال صاحب الكشاف ما ملخصه: «إن نقول إلا اعتراك بعض آلهتنا بسوء..» .أى: مسك بجنون لسبك إياها، وصدك عنها، وعداوتك لها، مكافأة لك منها على سوء فعلك بسوء الجزاء، فمن ثم صرت تتكلم بكلام المجانين وتهذى بهذيان المبرسمين.ثم قال. وقد دلت ردودهم المتقدمة على أن القوم كانوا جفاة غلاظ الأكباد، لا يبالون بالبهت، ولا يلتفتون إلى النصح، ولا تلين شكيمتهم للرشد.وهذا الأخير دال على جهل مفرط، وبله متناه، حيث اعتقدوا في حجارة أنها تنتصر وتنتقم ... » .والآن وبعد أن استمع هود- عليه السلام- إلى ردودهم القبيحة ماذا كان موقفه منهم؟لقد كان موقفه منهم: موقف المتبرئ من شركهم، والمتحدى لطغيانهم والمعتمد على الله- تعالى- وحده في الانتصار عليهم، ولقد حكى القرآن رده عليهم فقال:
11:54
اِنْ نَّقُوْلُ اِلَّا اعْتَرٰىكَ بَعْضُ اٰلِهَتِنَا بِسُوْٓءٍؕ-قَالَ اِنِّیْۤ اُشْهِدُ اللّٰهَ وَ اشْهَدُوْۤا اَنِّیْ بَرِیْٓءٌ مِّمَّا تُشْرِكُوْنَۙ(۵۴)
ہم تو یہی کہتے ہیں کہ ہمارے کسی خدا کی تمہیں بری جھپٹ (پکڑ) پہنچی (ف۱۱۸) کہا میں اللہ کو گواہ کرتا ہوں اور تم سب گواہ ہوجاؤ کہ میں بیزار ہوں ان سب سے جنہیں تم اللہ کے سوا اس کا شریک ٹھہراتے ہو،

قالَ إِنِّي أُشْهِدُ اللَّهَ وَاشْهَدُوا أَنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ. مِنْ دُونِهِ، فَكِيدُونِي جَمِيعاً ثُمَّ لا تُنْظِرُونِ. إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ رَبِّي وَرَبِّكُمْ ما مِنْ دَابَّةٍ إِلَّا هُوَ آخِذٌ بِناصِيَتِها، إِنَّ رَبِّي عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ. فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ ما أُرْسِلْتُ بِهِ إِلَيْكُمْ وَيَسْتَخْلِفُ رَبِّي قَوْماً غَيْرَكُمْ وَلا تَضُرُّونَهُ شَيْئاً، إِنَّ رَبِّي عَلى كُلِّ شَيْءٍ حَفِيظٌ.أى: قال هود- عليه السلام- للطغاة من قومه بعزة وثقة إِنِّي أُشْهِدُ اللَّهَ الذي لا رب سواه على براءتي من عبادتكم لغيره.وَاشْهَدُوا أنتم أيضا على أَنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ مِنْ دُونِهِ.أى: على براءتي من كل عبادة تعبدونها لغير الله- تعالى- لأنها عبادة باطلة. يحتقرها العقلاء، ويتنزه عنها كل إنسان يحترم نفسه.فأنت تراه في هذه الآية الكريمة يعلن احتقاره لآلهتهم، وبراءته من شركهم، واستخفافه بأصنامهم التي زعموا أن بعضها قد أصابه بسوء، ويوثق هذه البراءة بإشهاد الله- تعالى- وإشهادهم.وذلك كما يقول الرجل لخصمه إذا لم يبال به: أشهد الله وأشهدك على أنى فعلت بك كذا وكذا، وقلت في حقك كذا وكذا ... فافعل أنت ما بدا لك!!
11:55
مِنْ دُوْنِهٖ فَكِیْدُوْنِیْ جَمِیْعًا ثُمَّ لَا تُنْظِرُوْنِ(۵۵)
تم سب مل کر میرا برا چاہو (ف۱۱۹) پھر مجھے مہلت نہ دو (ف۱۲۰)

ثم ينتقل من براءته من شركهم، إلى تحديهم بثقة واطمئنان فيقول: فَكِيدُونِي جَمِيعاً ثُمَّ لا تُنْظِرُونِ.أى: لقد أعلنت أمامكم بكل قوة ووضوح أنى برىء من شرككم، وها أنذا في مواجهتكم، فانضموا إلى آلهتكم، وحاربونى بما شئتم من ألوان المحاربة والأذى بدون تريث أو إمهال، فإنى لن أكف عن الجهر بدعوتي، ولن أتراجع عن احتقار الباطل الذي أنتم عليه.وهذا- كما يقول صاحب الكشاف- من أعظم الآيات، أن يواجه بهذا الكلام رجل واحد أمة عطاشا إلى إراقة دمه، يرمونه عن قوس واحدة وذلك لثقته بربه، وأنه يعصمه منهم، فلا تنشب فيه مخالبهم.. .
11:56
اِنِّیْ تَوَكَّلْتُ عَلَى اللّٰهِ رَبِّیْ وَ رَبِّكُمْؕ-مَا مِنْ دَآبَّةٍ اِلَّا هُوَ اٰخِذٌۢ بِنَاصِیَتِهَاؕ-اِنَّ رَبِّیْ عَلٰى صِرَاطٍ مُّسْتَقِیْمٍ(۵۶)
میں نے اللہ پر بھروسہ کیا جو میرا رب ہے اور تمہارا رب، کوئی چلنے والا نہیں (ف۱۲۱) جس کی چوٹی اس کے قبضہٴ قدرت میں نہ ہو (ف۱۲۲) بیشک میرا رب سیدھے راستہ پر ملتا ہے،

ثم ينتقل بعد ذلك إلى بيان السبب الذي دعاه إلى البراءة من شركهم، وإلى عدم المبالاة بهم فقال- كما حكى القرآن عنه- إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ رَبِّي وَرَبِّكُمْ....أى: إنى فوضت أمرى إلى الله الذي هو ربي وربكم، ومالك أمرى وأمركم، والذي لا يقع في هذا الكون شيء الا بإرادته ومشيئته.وفي قوله: رَبِّي وَرَبِّكُمْ مواجهة لهم بالحقيقة التي ينكرونها، لإفهامهم أن إنكارهم لا قيمة له، وأنه إنكار عن جحود وعناد.. فهو- سبحانه- ربهم سواء أقبلوا ذلك أم رفضوه. وقوله ما مِنْ دَابَّةٍ إِلَّا هُوَ آخِذٌ بِناصِيَتِها تصوير بديع لشمول قدرته- سبحانه- والأخذ: هو التناول للشيء عن طريق الغلبة والقهر.والناصية: منبت الشعر في مقدم الرأس، ويطلق على الشعر النابت نفسه.قال الإمام الرازي: واعلم أن العرب إذا وصفوا إنسانا بالذلة والخضوع قالوا: ما ناصية فلان إلا بيد فلان. أى أنه مطيع له، لأن كل من أخذت بناصيته فقد قهرته. وكانوا إذا أسروا أسيرا وأرادوا إطلاقه جزوا ناصيته ليكون ذلك علامة لقهره فخوطبوا في القرآن بما يعرفون ... .والمعنى: إنى اعتمدت على الله ربي وربكم: ما من دابة تدب على وجه الأرض إلا والله- تعالى- مالكها وقاهر لها، وقادر عليها، ومتصرف فيها كما يتصرف المالك في ملكه.وفي هذا التعبير الحكيم صورة حسية بديعة تناسب المقام، كما تناسب غلظة قوم هود وشدتهم. وصلابة أجسامهم وبنيتهم، وجفاف حسهم ومشاعرهم.. فكأنه- عليه السلام- يقول لهم: إنكم مهما بلغتم من القوة والبطش، فما أنتم الا دواب من تلك الدواب التي يأخذ ربي بناصيتها. ويقهرها بقوته قهرا يهلكها- إذا شاء ذلك- فكيف أخشى دوابا مثلكم مع توكلي على الله ربي وربكم؟! ثم يتبع هذا الوصف الدال على شمول قدرة الله- تعالى- بوصف آخر يدل على عدالته وتنزهه عن الظلم فيقول: إِنَّ رَبِّي عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ.أى: إن ربي قد اقتضت سنته أن يسلك في أحكامه طريق الحق والعدل وما دام الأمر كذلك فلن يسلطكم على لأنه- حاشاه- أن يسلط من كان متمسكا بالباطل، على من كان متمسكا بالحق.واكتفى هنا بإضافة الرب إلى نفسه، للإشارة إلى أن لطفه- سبحانه- يشمل هودا وحده ولا يشملهم، لأنهم أشركوا معه في العبادة آلهة أخرى.
11:57
فَاِنْ تَوَلَّوْا فَقَدْ اَبْلَغْتُكُمْ مَّاۤ اُرْسِلْتُ بِهٖۤ اِلَیْكُمْؕ-وَ یَسْتَخْلِفُ رَبِّیْ قَوْمًا غَیْرَكُمْۚ-وَ لَا تَضُرُّوْنَهٗ شَیْــٴًـاؕ-اِنَّ رَبِّیْ عَلٰى كُلِّ شَیْءٍ حَفِیْظٌ(۵۷)
پھر اگر تم منہ پھیرو تو میں تمہیں پہنچا چکا جو تمہاری طرف لے کر بھیجا گیا (ف۱۲۳) اور میرا رب تمہاری جگہ اوروں کو لے آئے گا (ف۱۲۴) اور تم اس کا کچھ نہ بگاڑ سکو گے (ف۱۲۵) بیشک میرا رب ہر شے پر نگہبان ہے (ف۱۲۶)

ثم ختم هود- عليه السلام- رده على قومه، بتحذيرهم من سوء عاقبة إصرارهم على كفرهم فقال: فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ ما أُرْسِلْتُ بِهِ إِلَيْكُمْ....أى: فإن تتولوا عن دعوتي، وتعرضوا عن الحق الذي جئتكم به من عند ربي، فتكون عاقبتكم خسرا، وأمركم فرطا.أما أنا فقد أديت واجبى، وأبلغتكم ما أرسلت به إليكم من عند ربي بدون تكاسل أو تقصير. وقوله وَيَسْتَخْلِفُ رَبِّي قَوْماً غَيْرَكُمْ وَلا تَضُرُّونَهُ شَيْئاً وعيد لهم بإهلاكهم وإحلال غيرهم محلهم.أى: وهو- سبحانه- سيهلككم بسبب إصراركم على كفركم في الوقت الذي يشاؤه، ويستخلف من بعدكم قوما آخرين سواكم، يرثون دياركم وأموالكم، ولن تضروا الله شيئا من الضرر بسبب إصراركم على كفركم، وإنما أنتم الذين تضرون أنفسكم بتعريضها للدمار في الدنيا، وللعذاب الدائم في الآخرة.وقوله: إِنَّ رَبِّي عَلى كُلِّ شَيْءٍ حَفِيظٌ أى: إن ربي قائم على كل شيء بالحفظ والرقابة والهيمنة، وقد اقتضت سنته- سبحانه- أن يحفظ رسله وأولياءه، وأن يخذل أعداءه.وإلى هنا تكون السورة الكريمة قد ساقت لنا بأسلوب بليغ حكيم، جانبا من الحوار الذي دار بين هود وقومه وهو يدعوهم إلى عبادة الله وحده، فماذا كانت نتيجة هذا الحوار والجدال؟لقد كانت نتيجته إنجاء هود والذين آمنوا معه، وإهلاك أعدائهم.
11:58
وَ لَمَّا جَآءَ اَمْرُنَا نَجَّیْنَا هُوْدًا وَّ الَّذِیْنَ اٰمَنُوْا مَعَهٗ بِرَحْمَةٍ مِّنَّاۚ-وَ نَجَّیْنٰهُمْ مِّنْ عَذَابٍ غَلِیْظٍ(۵۸)
اور جب ہمارا حکم آیا ہم نے ہود اور اس کے ساتھ کے مسلمانوں کو (ف۱۲۷) اپنی رحمت فرما کر بچالیا (ف۱۲۸) اور انہیں (ف۱۲۹) سخت عذاب سے نجات دی،

قال- تعالى- وَلَمَّا جاءَ أَمْرُنا نَجَّيْنا هُوداً وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا، وَنَجَّيْناهُمْ مِنْ عَذابٍ غَلِيظٍ. وَتِلْكَ عادٌ جَحَدُوا بِآياتِ رَبِّهِمْ وَعَصَوْا رُسُلَهُ وَاتَّبَعُوا أَمْرَ كُلِّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ. وَأُتْبِعُوا فِي هذِهِ الدُّنْيا لَعْنَةً وَيَوْمَ الْقِيامَةِ، أَلا إِنَّ عاداً كَفَرُوا رَبَّهُمْ أَلا بُعْداً لِعادٍ قَوْمِ هُودٍ.والمراد بالأمر في قوله- سبحانه- وَلَمَّا جاءَ أَمْرُنا الأمر بنزول العذاب بهم.أى: وحين جاء أمرنا بتحقيق وعيدنا في قوم هود، وبتنفيذ ما أردناه من إهلاكهم وتدميرهم نَجَّيْنا هُوداً وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ تنجية مصحوبة بِرَحْمَةٍ عظيمة كائنة مِنَّا بسبب إيمانهم وعملهم الصالح.وَنَجَّيْناهُمْ كذلك مِنْ عَذابٍ غَلِيظٍ أى: من عذاب ضخم شديد مضاعف ترك هؤلاء الطغاة وراءه صرعى كأنهم أعجاز نخل خاوية.ووصف العذاب بأنه غليظ، بهذا التصوير المحسوس، يتناسب كل التناسب مع جو هذه القصة، ومع ما عرف عن قوم هود من ضخامة في الأجسام، ومن تفاخر بالقوة.قال- تعالى- فَأَمَّا عادٌ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَقالُوا مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً ... .وكان عذابهم كما جاء في آيات أخرى بالريح العقيم، ومن ذلك قوله- تعالى- وَأَمَّا عادٌ فَأُهْلِكُوا بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عاتِيَةٍ. سَخَّرَها عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيالٍ وَثَمانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُوماً فَتَرَى الْقَوْمَ فِيها صَرْعى كَأَنَّهُمْ أَعْجازُ نَخْلٍ خاوِيَةٍ....
11:59
وَ تِلْكَ عَادٌ ﳜ جَحَدُوْا بِاٰیٰتِ رَبِّهِمْ وَ عَصَوْا رُسُلَهٗ وَ اتَّبَعُوْۤا اَمْرَ كُلِّ جَبَّارٍ عَنِیْدٍ(۵۹)
اور یہ عاد ہیں (ف۱۳۰) کہ اپنے رب کی آیتوں سے منکر ہوئے اور اس کے رسولوں کی نافرمانی کی اور ہر بڑے سرکش ہٹ دھرم کے کہنے پر چلے،

واسم الإشارة في قوله- سبحانه- وَتِلْكَ عادٌ ... يعود إلى القبيلة أو إلى آثارهم التي خلفوها من بعدهم. أى: وتلك هي قصة قبيلة عاد مع نبيها هود- عليه السلام- وتلك هي عاقبتها وكانت الإشارة للبعيد تحقيرا لهم، وتهوينا من شأنهم بعد أن انتهوا، وبعدوا عن الأنظار والأفكار، وقد كانوا يقولون: من أشد منا قوة.وقوله: جَحَدُوا بِآياتِ رَبِّهِمْ وَعَصَوْا رُسُلَهُ، وَاتَّبَعُوا أَمْرَ كُلِّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ ... بيان لجرائمهم التي استحقوا بسببها العذاب الغليظ.والجحد: الإنكار الشديد للحق الواضح.وآيات ربهم: الحجج والبراهين التي جاء بها الأنبياء من ربهم للدلالة على صدقهم.والجبار: هو الشخص المتعالي المتعاظم على الناس، المترفع عن الاستجابة للحق.والعنيد: المعاند الطاغي الذي يعرف الحق ولكنه لا يتبعه.أى: وتلك هي قصة قبيلة عاد مع نبيها، كفروا بآيات ربهم الدالة على صدق أنبيائه، وعصوا رسله الذين جاءوا لهدايتهم، واتبع سفلتهم وعوامهم أمر كل رئيس متجبر متكبر معاند منهم، بدون تفكر أو تدبر.وقال- سبحانه- وَعَصَوْا رُسُلَهُ مع أنهم قد عصوا رسولا واحدا هو هود- عليه السلام-، للإشارة إلى أى معصيتهم لهذا الرسول كأنها معصية للرسل جميعا، لأنهم قد جاءوا برسالة واحدة في جوهرها وهي: عبادة الله- تعالى- وحده، والتقيد بأوامره ونواهيه.والإشارة أيضا إلى ضخامة جرائمهم، وإبراز شناعتها حيث عصوا رسلا لا رسولا.وقد وصفهم- سبحانه- في هذه الآية بثلاث صفات هي أعظم الصفات في القبح والشناعة: أولها: جحودهم لآيات ربهم. وثانيها: عصيانهم لرسله. وثالثها: اتباعهم أمر رؤسائهم الطغاة.
11:60
وَ اُتْبِعُوْا فِیْ هٰذِهِ الدُّنْیَا لَعْنَةً وَّ یَوْمَ الْقِیٰمَةِؕ-اَلَاۤ اِنَّ عَادًا كَفَرُوْا رَبَّهُمْؕ-اَلَا بُعْدًا لِّعَادٍ قَوْمِ هُوْدٍ۠(۶۰)
اور ان کے پیچھے لگی اس دنیا میں لعنت اور قیامت کے دن، سن لو! بیشک عاد اپنے رب سے منکر ہوئے، ارے دور ہوں عاد ہود کی قوم،

ثم ختم- سبحانه- قصتهم مع نبيهم في هذه السورة بقوله: وَأُتْبِعُوا فِي هذِهِ الدُّنْيا لَعْنَةً وَيَوْمَ الْقِيامَةِ.والإتباع: اقتفاء أثر الشيء بحيث لا يفوته. يقال: أتبع فلان فلانا إذا اقتفى أثره لكي يدركه أو يسير على نهجه.واللعنة: الطرد بإهانة وتحقير.أى: أنهم هلكوا مشيعين ومتبوعين باللعن والطرد من رحمة الله في الدنيا والآخرة.وقوله: أَلا إِنَّ عاداً كَفَرُوا رَبَّهُمْ، أَلا بُعْداً لِعادٍ قَوْمِ هُودٍ تسجيل لحقيقة حالهم، ودعاء عليهم بدوام الهلاك، وتأكيد لسخط الله عليهم.أى: ألا إن قوم عاد كفروا بنعم ربهم عليهم، ألا سحقا وبعدا لهم عن رحمة الله، جزاء جحودهم للحق، وإصرارهم على الكفر، واستحبابهم العمى على الهدى.وتكرير حرف التنبيه «ألا» وإعادة لفظ «عاد» للمبالغة في تهويل حالهم وللحض على الاعتبار والاتعاظ بمآلهم.هذا، ومن العبر البارزة في هذه القصة: 1- أن الداعي إلى الله، عليه أن يذكر المدعوين بما يستثير مشاعرهم، ويحقق اطمئنانهم إليه، ويرغبهم في اتباع الحق، ببيان أن اتباعهم لهذا الحق سيؤدي إلى زيادة غناهم وقوتهم وأمنهم وسعادتهم.وأن الانحراف عنه سيؤدي إلى فقرهم وضعفهم وهلاكهم.انظر إلى قول هود- عليه السلام-: وَيا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ، يُرْسِلِ السَّماءَ عَلَيْكُمْ مِدْراراً، وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلى قُوَّتِكُمْ، وَلا تَتَوَلَّوْا مُجْرِمِينَ.2- وأن الداعي إلى الله- تعالى- عند ما يخلص لله دعوته، ويعتمد عليه- سبحانه- في تبليغ رسالته، ويغار عليها كما يغار على عرضه أو أشد.فإنه في هذه الحالة سيقف في وجه الطغاة المناوئين للحق، كالطود الأشم، دون مبالاة بتهديدهم ووعيدهم.. لأنه قد أوى إلى ركن شديد.وهذه العبرة من أبرز العبر في قصة هود عليه السلام.ألا تراه وهو رجل فرد يواجه قوما غلاظا شدادا طغاة، إذا بطشوا بطشوا جبارين، يدلون بقوتهم ويقولون في زهو وغرور: من أشد منا قوة.ومع كل ذلك عند ما يتطاولون على عقيدته ويراهم قد أصروا على عصيانه.يواجههم بقوله: إِنِّي أُشْهِدُ اللَّهَ وَاشْهَدُوا أَنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ. مِنْ دُونِهِ فَكِيدُونِي جَمِيعاً ثُمَّ لا تُنْظِرُونِ ...أرأيت كيف واجه هود- عليه السلام- هؤلاء الغلاظ الشداد بالحق الذي يؤمن به دون مبالاة بوعيدهم أو تهديدهم..؟وهكذا الإيمان بالحق عند ما يختلط بالقلب ... يجعل الإنسان يجهر به دون أن يخشى أحدا إلا الله- تعالى-.ثم واصلت السورة الكريمة حديثها عن قصص بعض الأنبياء مع أقوامهم فتحدثت عن قصة صالح- عليه السلام- مع قومه، فقال- تعالى-
11:61
وَ اِلٰى ثَمُوْدَ اَخَاهُمْ صٰلِحًاۘ-قَالَ یٰقَوْمِ اعْبُدُوا اللّٰهَ مَا لَكُمْ مِّنْ اِلٰهٍ غَیْرُهٗؕ-هُوَ اَنْشَاَكُمْ مِّنَ الْاَرْضِ وَ اسْتَعْمَرَكُمْ فِیْهَا فَاسْتَغْفِرُوْهُ ثُمَّ تُوْبُوْۤا اِلَیْهِؕ-اِنَّ رَبِّیْ قَرِیْبٌ مُّجِیْبٌ(۶۱)
اور ثمود کی طرف ان کے ہم قوم صا لح کو (ف۱۳۱) کہا اے میری قوم اللہ کو پوجو (ف۱۳۲) اس کے سوا تمہارا کوئی معبود نہیں (ف۱۳۳) اس نے تمہیں زمین میں پیدا کیا (ف۱۳۴) اور اس میں تمہیں بسایا (ف۱۳۵) تو اس سے معافی چاہو پھر اس کی طرف رجوع لاؤ، بیشک میرا رب قریب ہے دعا سننے والا،

هذه قصة صالح- عليه السلام- مع قومه كما ذكرتها هذه السورة، وقد وردت هذه القصة في سور أخرى منها سورة الأعراف، والشعراء، والنمل، والقمر.وصالح- عليه السلام- ينتهى نسبه إلى نوح- عليه السلام- فهو صالح بن عبيد بن آصف بن ماسح بن عبيد بن حاذر بن ثمود ... بن نوح.وثمود: اسم للقبيلة التي منها صالح، سميت باسم جدها ثمود، وقيل سميت بذلك لقلة مائها، لأن الثمد هو الماء القليل.وكانت مساكنهم بالحجر- بكسر الحاء وسكون الجيم- وهو مكان يقع بين الحجاز والشام إلى وادي القرى، وموقعه الآن- تقريبا- المنطقة التي بين الحجاز وشرق الأردن، وما يزال المكان الذي كانوا يسكنونه يسمى بمدائن صالح حتى اليوم.وقبيلة صالح من القبائل العربية، وكانوا خلفاء لقوم هود- عليه السلام فقد قال- سبحانه-: وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفاءَ مِنْ بَعْدِ عادٍ وَبَوَّأَكُمْ فِي الْأَرْضِ تَتَّخِذُونَ مِنْ سُهُولِها قُصُوراً، وَتَنْحِتُونَ الْجِبالَ بُيُوتاً.. .وكانوا يعبدون الأصنام، فأرسل الله- تعالى- إليهم صالحا ليأمرهم بعبادة الله وحده.وقوله: وَإِلى ثَمُودَ أَخاهُمْ صالِحاً قالَ يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ..معطوف على ما قبله من قصتي نوح وهود- عليهما السلام- أى: وأرسلنا إلى قبيلة ثمود أخاهم في النسب والموطن صالحا- عليه السلام فقال لهم تلك الكلمة التي قالها كل نبي لقومه: يا قوم اعبدوا الله وحده، فهو الإله الذي خلقكم ورزقكم، وليس هناك من إله سواه يفعل ذلك.ثم ذكرهم بقدرة الله- تعالى- وبنعمه عليهم فقال: هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيها.والإنشاء: الإيجاد والإحداث للشيء على غير مثال سابق.واستعمركم من الإعمار ضد الخراب فالسين والتاء للمبالغة. يقال: أعمر فلان فلانا في المكان واستعمره، أى جعله يعمره بأنواع البناء والغرس والزرع.أى: اعبدوا الله- تعالى- وحده، لأنه- سبحانه- هو الذي ابتدأ خلقكم من هذه الأرض، وأبوكم آدم ما خلق إلا منها وهو الذي جعلكم المعمرين لها، والساكنين فيها تَتَّخِذُونَ مِنْ سُهُولِها قُصُوراً، وَتَنْحِتُونَ الْجِبالَ بُيُوتاً....قال- تعالى- في شأنهم.. أَتُتْرَكُونَ فِي ما هاهُنا آمِنِينَ. فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ. وَزُرُوعٍ وَنَخْلٍ طَلْعُها هَضِيمٌ. وَتَنْحِتُونَ مِنَ الْجِبالِ بُيُوتاً فارِهِينَ. فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ. .فأنت ترى أن صالحا- عليه السلام- قد ذكرهم بجانب من مظاهر قدرة الله ومن أفضاله عليهم، لكي يستميلهم إلى التفكر والتدبر، وإلى تصديقه فيما يدعوهم إليه.والفاء في قوله فَاسْتَغْفِرُوهُ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ للتفريع على ما تقدم.أى: إذا كان الله- تعالى- هو الذي أنشأكم من الأرض واستعمركم فيها فعليكم أن تخلصوا له العبادة، وأن تطلبوا مغفرته عما سلف منكم من ذنوب.ثم تتوبوا إليه توبة صادقة: تجعلكم تندمون على ما كان منكم في الماضي من شرك وكفر، وتعزمون على التمسك بكل ما يرضى الله- تعالى- في المستقبل.ثم فتح أمامهم باب الأمل في رحمة الله- تعالى- فقال: إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ مُجِيبٌ.أى: إن ربي قريب الرحمة من المحسنين، مجيب لدعاء الداعين المخلصين، فاقبلوا على عبادته وطاعته، ولا تقنطوا من رحمة الله.
11:62
قَالُوْا یٰصٰلِحُ قَدْ كُنْتَ فِیْنَا مَرْجُوًّا قَبْلَ هٰذَاۤ اَتَنْهٰىنَاۤ اَنْ نَّعْبُدَ مَا یَعْبُدُ اٰبَآؤُنَا وَ اِنَّنَا لَفِیْ شَكٍّ مِّمَّا تَدْعُوْنَاۤ اِلَیْهِ مُرِیْبٍ(۶۲)
بولے اے صا لح! اس سے پہلے تو تم ہم میں ہونہار معلوم ہوتے تھے (ف۱۳۶) کیا تم ہمیں اس سے منع کرتے ہو کہ اپنے باپ دادا کے معبودوں کو پوجیں اور بیشک جس بات کی طرف ہمیں بلاتے ہو ہم اس سے ایک بڑے دھوکا ڈالنے والے شک میں ہیں،

ثم حكى القرآن ما رد به قوم صالح عليه فقال: قالُوا يا صالِحُ قَدْ كُنْتَ فِينا مَرْجُوًّا قَبْلَ هذا....أى: قال قوم صالح له بعد أن دعاهم لما يسعدهم: يا صالح لقد كنت فينا رجلا فاضلا نرجوك لمهمات الأمور فينا لعلمك وعقلك وصدقك.. قبل أن تقول ما قلته، أما الآن وبعد أن جئتنا بهذا الدين الجديد فقد خاب رجاؤنا فيك، وصرت في رأينا رجلا مختل التفكير.فالإشارة في قوله قَبْلَ هذا إلى الكلام الذي خاطبهم به حين بعثه الله إليهم.والاستفهام في قولهم أَتَنْهانا أَنْ نَعْبُدَ ما يَعْبُدُ آباؤُنا للتعجيب والإنكار.أى: أجئتنا بدعوتك الجديدة لتنهانا عن عبادة الآلهة التي كان يعبدها آباؤنا من قبلنا؟لا، إننا لن نستجيب لك، وإنما نحن قد وجدنا آباءنا على دين وإننا على آثارهم نسير.ثم ختموا ردهم عليه بقولهم: وَإِنَّنا لَفِي شَكٍّ مِمَّا تَدْعُونا إِلَيْهِ مُرِيبٍ.ومريب: اسم فاعل من أراب. تقول: أربت فلانا فأنا أريبه، إذا فعلت به فعلا يوجب لديه الريبة أى: القلق والاضطراب.أى: لن نترك عبادة الأصنام التي كان يعبدها آباؤنا، وإننا لفي شك كبير، وريب عظيم من صحة ما تدعونا إليه.
11:63
قَالَ یٰقَوْمِ اَرَءَیْتُمْ اِنْ كُنْتُ عَلٰى بَیِّنَةٍ مِّنْ رَّبِّیْ وَ اٰتٰىنِیْ مِنْهُ رَحْمَةً فَمَنْ یَّنْصُرُنِیْ مِنَ اللّٰهِ اِنْ عَصَیْتُهٗ- فَمَا تَزِیْدُوْنَنِیْ غَیْرَ تَخْسِیْرٍ(۶۳)
بولا اے میری قوم! بھلا بتاؤ تو اگر میں اپنے رب کی طرف سے روشن دلیل پر ہوں اور اس نے مجھے اپنے پاس سے رحمت بخشی (ف۱۳۷) تو مجھے اس سے کون بچائے گا اگر میں اس کی نافرمانی کروں (ف۱۳۸) تو تم مجھے سوا نقصان کے کچھ نہ بڑھاؤ گے (ف۱۳۹)

فانظر كيف قابل هؤلاء السفهاء الدعوة إلى الحق بالتصميم على الباطل، ولكن صالحا- عليه السلام- لم ييأس بل يرد عليهم بأسلوب حكيم فيقول:قالَ يا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي، وَآتانِي مِنْهُ رَحْمَةً، فَمَنْ يَنْصُرُنِي مِنَ اللَّهِ إِنْ عَصَيْتُهُ، فَما تَزِيدُونَنِي غَيْرَ تَخْسِيرٍ.أى قال صالح- عليه السلام- لقومه: يا قوم أخبرونى إن كنت على حجة واضحة من ربي ومالك أمرى.وَآتانِي مِنْهُ رَحْمَةً أى: وأعطانى من عنده لا من عند غيره رحمة عظيمة حيث اختارني لحمل رسالته. وتبليغ دعوته.وجملة فَمَنْ يَنْصُرُنِي مِنَ اللَّهِ إِنْ عَصَيْتُهُ جواب الشرط وهو قوله إِنْ كُنْتُ عَلى بَيِّنَةٍ.أى: إذا كان الله- تعالى- قد منحني كل هذه النعم، وأمرنى بأن أبلغكم دعوته فمن ذا الذي يجيرني ويعصمني من غضبه، إذا أنا خالفت أمره أو قصرت في تبليغ دعوته، احتفاظا برجائكم في، ومسايرة لكم في باطلكم؟لا، إننى سأستمر في تبليغ ما أرسلت به إليكم، ولن يمنعني عن ذلك ترغيبكم أو ترهيبكم.وقوله فَما تَزِيدُونَنِي غَيْرَ تَخْسِيرٍ تصريح منه بأن ما عليه هو الحق الذي لا يقبل الشك أو الريب، وأن مخالفته توصل إلى الهلاك والخسران.والتخسير: مصدر خسر، يقال خسر فلان فلانا إذا نسبه إلى الخسران. أى: فما تزيدونني بطاعتكم ومعصية ربي غير الوقوع في الخسران، وغير التعرض لعذاب الله وسخطه وحاشاى أن أخالف أمر ربي إرضاء لكم.فالآية الكريمة تصور تصويرا بليغا ما كان عليه صالح- عليه السلام- من إيمان عميق بالله- تعالى-، ومن ثبات على دعوته ومن حرص على طاعته- سبحانه-
11:64
وَ یٰقَوْمِ هٰذِهٖ نَاقَةُ اللّٰهِ لَكُمْ اٰیَةً فَذَرُوْهَا تَاْكُلْ فِیْۤ اَرْضِ اللّٰهِ وَ لَا تَمَسُّوْهَا بِسُوْٓءٍ فَیَاْخُذَكُمْ عَذَابٌ قَرِیْبٌ(۶۴)
اور اے میری قوم! یہ اللہ کا ناقہ ہے تمہارے لیے نشانی تو اسے چھوڑ دو کہ اللہ کی زمین میں کھائے اور اسے بری طرح ہاتھ نہ لگانا کہ تم کو نزدیک عذاب پہنچے گا (ف۱۴۰)

ثم أرشد صالح- عليه السلام- إلى المعجزة الدالة على صدقه فيما يبلغه عن ربه فقال:وَيا قَوْمِ هذِهِ ناقَةُ اللَّهِ لَكُمْ آيَةً.. أى: معجزة، واضحة دالة على صدقى وفي إضافة الناقة إلى الله- تعالى- تعظيم لها وتشريف لحالها، وتنبيه على أنها ناقة مخصوصة ليست كغيرها من النوق التي تستعمل في الركوب والنحر وغيرهما. لأن الله- تعالى- قد جعلها معجزة لنبيه صالح- عليه السلام- ولم يجعلها كغيرها.وقد ذكر بعض المفسرين من صفات هذه الناقة وخصائصها. ما لا يؤيده نقل صحيح، لذا أضربنا عن كل ذلك صفحا، ونكتفي بأن نقول: بأنها كانت ناقة ذات صفات خاصة مميزة، تجعل قوم صالح يعلمون عن طريق هذا التمييز لها عن غيرها أنها معجزة دالة على صدق نبيهم- عليه السلام- فيما يدعوهم إليه.وقوله: فَذَرُوها تَأْكُلْ فِي أَرْضِ اللَّهِ، وَلا تَمَسُّوها بِسُوءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذابٌ قَرِيبٌ أمر لهم بعدم التعرض لها بسوء وتحذير لهم من نتائج مخالفة أمره.أى: اتركوا الناقة حرة طليقة تأكل في أرض الله الواسعة ومن رزقه الذي تكفل به لكل دابة، واحذروا أن تمسوها بشيء من السوء مهما كان قليلا، فإنكم لو فعلتم ذلك عرضتم أنفسكم لعذاب الله العاجل القريب.والتعبير بقوله فَيَأْخُذَكُمْ بفاء التعقيب وبلفظ الأخذ، يفيد سرعة الأخذ وشدته، لأن أخذه- سبحانه- أليم شديد.
11:65
فَعَقَرُوْهَا فَقَالَ تَمَتَّعُوْا فِیْ دَارِكُمْ ثَلٰثَةَ اَیَّامٍؕ-ذٰلِكَ وَعْدٌ غَیْرُ مَكْذُوْبٍ(۶۵)
تو انہوں نے (ف۱۴۱) اس کی کونچیں کاٹیں تو صا لح نے کہا اپنے گھرو ں میں تین دن اور برت لو (فائدہ اٹھالو) (ف۱۴۲) یہ وعدہ ہے کہ جھوٹا نہ ہوگا (ف۱۴۳)

ولكن قوم صالح- عليه السلام- لم يستمعوا إلى تحذيره، بل قابلوه بالطغيان والعصيان، فَعَقَرُوها أى: فعقروا الناقة وَعَتَوْا عَنْ أَمْرِ رَبِّهِمْ وَقالُوا يا صالِحُ ائْتِنا بِما تَعِدُنا إِنْ كُنْتَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ .والفاء معطوفة على محذوف: أى فخالفوا ما نهاهم عنه نبيهم فعقروها أى نحروها وأصل العقر: قطع عرقوب البعير، ثم استعمل في النحر لأن ناحر البعير يعقله ثم ينحره فقال لهم صالح- عليه السلام- بعد عقرها تَمَتَّعُوا فِي دارِكُمْ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ ذلِكَ وَعْدٌ غَيْرُ مَكْذُوبٍ.والتمتع: الانتفاع بالمتاع، وهو اسم لما يحتاج إليه الإنسان في هذه الحياة من مأكل ومشرب وغيرهما.والمراد بدارهم: أماكن سكناهم التي يعيشون فيها.أى: قال لهم نبيهم بعد نحرهم للناقة: عيشوا في بلدكم هذا، متمتعين بما فيه من نعم لمدة ثلاثة أيام: فقط، فهي آخر ما بقي لكم من متاع هذه الدنيا، ومن أيام حياتكم.ذلِكَ الوعد بنزول العذاب بكم بعد هذه المدة القصيرة.وَعْدٌ غَيْرُ مَكْذُوبٍ فيه لأنه صادر من الله- تعالى- الذي لا يخلف وعده.وعبر عن قرب نزول العذاب بهم بالوعد على سبيل التهكم بهم.قال الجمل: «مكذوب» يجوز أن يكون مصدرا على وزن مفعول، وقد جاء منه ألفاظ نحو: المجلود والمعقول والمنشور والمغبون، ويجوز أن يكون اسم مفعول على بابه وفيه تأويلان: أحدهما: غير مكذوب فيه، ثم حذف حرف الجر فاتصل الضمير مرفوعا مستترا في الصفة ومثله: يوم مشهود. والثاني: أنه جعل هو نفسه غير مكذوب، لأنه قد وفى به، وإذا وفي به فقد صدق».
11:66
فَلَمَّا جَآءَ اَمْرُنَا نَجَّیْنَا صٰلِحًا وَّ الَّذِیْنَ اٰمَنُوْا مَعَهٗ بِرَحْمَةٍ مِّنَّا وَ مِنْ خِزْیِ یَوْمِىٕذٍؕ-اِنَّ رَبَّكَ هُوَ الْقَوِیُّ الْعَزِیْزُ(۶۶)
پھر جب ہمارا حکم آیا ہم نے صا لح اور اس کے ساتھ کے مسلمانوں کو اپنی رحمت فرماکر (ف۱۴۴) بچالیا اور اس دن کی رسوائی سے، بیشک تمہارا رب قومی عزت والا ہے،

ولقد تحقق ما توعدهم به نبيهم، فقد حل بهم العذاب في الوقت الذي حدده لهم، قال - تعالى- فَلَمَّا جاءَ أَمْرُنا أى: فلما جاء أمرنا بإنزال العذاب بهم في الوقت المحدد.نَجَّيْنا صالِحاً وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا أى برحمة عظيمة كائنة منا.ونجيناهم أيضا مِنْ خِزْيِ يَوْمِئِذٍ أى: من خزي وذل ذلك اليوم الهائل الشديد الذي نزل فيه العذاب بالظالمين من قوم صالح- عليه السلام- فأبادهم.فالتنوين في قوله يَوْمِئِذٍ عوض عن المضاف إليه المحذوف.وقوله- سبحانه- إِنَّ رَبَّكَ هُوَ الْقَوِيُّ الْعَزِيزُ تسلية للرسول صلى الله عليه وسلم وللمؤمنين عما أصابهم من أذى.أى: إن ربك- أيها الرسول الكريم- هو القوى الذي لا يعجزه شيء، العزيز الذي لا يهون من يتولاه ويرعاه، فلا تبتئس عما أصابك من قومك، فربك قادر على أن يفعل بهم، ما فعله بالظالمين السابقين من أمثالهم.
11:67
وَ اَخَذَ الَّذِیْنَ ظَلَمُوا الصَّیْحَةُ فَاَصْبَحُوْا فِیْ دِیَارِهِمْ جٰثِمِیْنَۙ(۶۷)
اور ظالموں کو چنگھاڑ نے آ لیا (ف۱۴۵) تو صبح اپنے گھروں میں گھٹنوں کے بل پڑے رہ گئے،

ثم صور القرآن الكريم حال هؤلاء الظالمين تصويرا يدعو إلى الاعتبار والاتعاظ فقال:وَأَخَذَ الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ، فَأَصْبَحُوا فِي دِيارِهِمْ جاثِمِينَ. كَأَنْ لَمْ يَغْنَوْا فِيها، أَلا إِنَّ ثَمُودَ كَفَرُوا رَبَّهُمْ أَلا بُعْداً لِثَمُودَ.والصيحة: الصوت المرتفع الشديد. يقال: صاح فلان إذا رفع صوته بقوة. وأصل ذلك تشقيق الصوت، من قولهم: انصاح الخشب والثوب، إذا انشق فسمع له صوت.وجاثِمِينَ: من الجثوم وهو للناس وللطير بمنزلة البروك للإبل. يقال: جثم الطائر يجثم جثما وجثوما فهو جاثم ... إذا وقع على صدره، ولزم مكانه فلم يبرحه.ويغنوا فيها: أى يقيموا فيها. يقال: غنى فلان بالمكان يغنى إذا أقام به وعاش فيه في نعمة ورغد.أى: وأخذ الذين ظلموا من قوم صالح- عليه السلام- عن طريق الصيحة الشديدة التي صيحت بهم بأمر الله- تعالى- فَأَصْبَحُوا بسببها فِي دِيارِهِمْ جاثِمِينَ أى:هلكى صرعى، ساقطين على وجوههم، بدون حركة ...
11:68
كَاَنْ لَّمْ یَغْنَوْا فِیْهَاؕ-اَلَاۤ اِنَّ ثَمُوْدَاۡ كَفَرُوْا رَبَّهُمْؕ-اَلَا بُعْدًا لِّثَمُوْدَ۠(۶۸)
گویا کبھی یہاں بسے ہی نہ تھے، سن لو! بیشک ثمود اپنے رب سے منکر ہوئے ارے لعنت ہو ثمود پر،

كَأَنْ لَمْ يَغْنَوْا فِيها أى: كأن هؤلاء القوم الظالمين لم يقيموا في ديارهم عمرا طويلا وهم في رخاء من عيشهم.أَلا إِنَّ ثَمُودَ كَفَرُوا رَبَّهُمْ أَلا بُعْداً لِثَمُودَ أى: ألا إن هؤلاء الظالمين من قبيلة ثمود، كفروا نعمة ربهم وجحودها ألا بعدا وسحقا وهلاكا لهؤلاء المجرمين من قبيلة ثمود.وفي تكرار حرف التنبيه أَلا وتكرار لفظ ثَمُودَ تأكيد لطردهم من رحمة الله،وتسجيل لما ارتكبوه من منكرات.وبذلك انطوت صفحة أولئك الظالمين من قوم صالح- عليه السلام- كما انطوت من قبلهم صحائف قوم نوح وهود- عليهما السلام-.ومن أبرز العبر والعظات التي نأخذها من قصة صالح مع قومه كما وردت في هذه السورة الكريمة: أن النفوس إذا انطمست، والعقول إذا انتكست، تعجب مما لا عجب فيه وتستنكر ما هو حق وصدق، وتسيء ظنها بالشخص الذي كان بالأمس القريب موضع رجائها وثقتها، لأنه أتاهم بما لم يألفوه ... حتى ولو كان ما أتاهم به فيه سعادتهم وهدايتهم ...فصالح- عليه السلام- كان مرجوا في قومه قبل أن يكون نبيا، فلما صار نبيا وبلغهم ما أرسله الله به، خاب أملهم فيه، وساء ظنهم به، وجاهروه بالعداوة والعصيان ... مع أنه أتاهم بما يسعدهم ...وصدق الله إذ يقول: سَأَصْرِفُ عَنْ آياتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ، وَإِنْ يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ لا يُؤْمِنُوا بِها، وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الرُّشْدِ لا يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا، وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الغَيِّ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا، ذلِكَ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآياتِنا وَكانُوا عَنْها غافِلِينَ.هذا، وقد وردت أحاديث تصرح بأن الرسول صلى الله عليه وسلم قد مر على ديار ثمود وهو في طريقه إلى غزوة تبوك.ومن هذه الأحاديث ما رواه الشيخان عن ابن عمر قال: لما مر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالحجر قال: لا تدخلوا على هؤلاء المعذبين إلا أن تكونوا باكين، فإن لم تكونوا باكين، فلا تدخلوا عليهم، لئلا يصيبكم ما أصابهم. ثم قنع رأسه وأسرع السير حتى جاوز الوادي.ثم ساقت السورة الكريمة جانبا من قصة إبراهيم- عليه السلام- مع الملائكة، الذين جاءوه بالبشارة، فقال- تعالى-:
11:69
وَ لَقَدْ جَآءَتْ رُسُلُنَاۤ اِبْرٰهِیْمَ بِالْبُشْرٰى قَالُوْا سَلٰمًاؕ-قَالَ سَلٰمٌ فَمَا لَبِثَ اَنْ جَآءَ بِعِجْلٍ حَنِیْذٍ(۶۹)
اور بیشک ہمارے فرشتے ابراہیم کے پاس (ف۱۴۶) مژدہ لے کر آئے بولے سلام کہا (ف۱۴۷) کہا سلام پھر کچھ دیر نہ کی کہ ایک بچھڑا بھنا لے آئے (ف۱۴۸)

هذه قصة إبراهيم- عليه السلام- مع الملائكة الذين جاءوا لبشارته بابنه إسحاق، وبإخباره بإهلاك قوم لوط- عليه السلام-.وقد وردت هذه القصة في سور أخرى منها سورة الحجر في قوله- تعالى-: وَنَبِّئْهُمْ عَنْ ضَيْفِ إِبْراهِيمَ. إِذْ دَخَلُوا عَلَيْهِ فَقالُوا سَلاماً، قالَ إِنَّا مِنْكُمْ وَجِلُونَ ... .ومنها سورة الذاريات في قوله- تعالى- هَلْ أَتاكَ حَدِيثُ ضَيْفِ إِبْراهِيمَ الْمُكْرَمِينَ. إِذْ دَخَلُوا عَلَيْهِ فَقالُوا سَلاماً، قالَ سَلامٌ قَوْمٌ مُنْكَرُونَ ... .والمراد بالرسل في قوله- سبحانه- وَلَقَدْ جاءَتْ رُسُلُنا إِبْراهِيمَ بِالْبُشْرى جماعة من الملائكة الذين أرسلهم الله- تعالى- لتبشير إبراهيم بابنه إسحاق.وقد اختلفت الروايات في عددهم فعن ابن عباس أنهم ثلاثة وهم: جبريل وميكائيل وإسرافيل. وعن الضحاك أنهم كانوا تسعة، وعن السدى أنهم كانوا أحد عشر ملكا..والحق أنه لم يرد في عددهم نقل صحيح يعتمد عليه، فلنفوض معرفة عددهم إلى الله- تعالى-.والبشرى: اسم للتبشير والبشارة وهي الخبر السار، فهي أخص من الخبر، وسميت بذلك لأن آثارها تظهر على بشرة الوجه أى: جلده.وجاءت هذه الجملة الكريمة بصيغة التأكيد للاهتمام بمضمونها، وللرد على مشركي قريش وغيرهم ممن كان ينكر هذه القصة وأمثالها.والباء في قوله- سبحانه- بِالْبُشْرى للمصاحبة والملابسة، أى: جاءوه مصاحبين وملتبسين بالبشرى.وقوله: قالُوا سَلاماً قالَ سَلامٌ حكاية لتحيتهم له ولرده عليهم.وسَلاماً منصوب بفعل محذوف. أى قالوا نسلم عليك سلاما.وسَلامٌ مرفوع على أنه خبر لمبتدأ محذوف. أى قال أمرى سلام.وقرأ حمزة والكسائي: قال سلم وهو اسم للمسالمة.ثم بين- سبحانه- ما فعل إبراهيم مع هؤلاء الرسل من مظاهر الحفاوة والتكريم فقال:فَما لَبِثَ أَنْ جاءَ بِعِجْلٍ حَنِيذٍ.و «ما» في قوله فَما لَبِثَ نافية، والفاء للتعقيب، واللبث في المكان معناه: عدم الانتقال عنه. والعجل: الصغير من البقر.والحنيذ: السمين المشوى على الحجارة المحماة في حفرة من الأرض. يقال: حنذ الشاة يحنذها حنذا أى: شواها بهذه الطريقة.أى: فما أبطأ وما تأخر إبراهيم- عليه السلام- عن إكرامهم، بل بمجرد أن انتهى من رد التحية عليهم، أسرع إلى أهله فجاءهم بعجل حنيذ ...وهذا الفعل منه- عليه السلام- يدل على سعة جوده، وعظيم سخائه، فإن من آداب الضيافة، تعجيل القرى للضيف..قال أبو حيان: والأقرب في إعراب فَما لَبِثَ أَنْ جاءَ ... أن تكون ما نافية، ولبث معناه تأخر وأبطأ وأَنْ جاءَ فاعل لبث والتقدير فما تأخر مجيئه ...ويجوز أن يكون فاعل لبث ضمير إبراهيم، وأن جاء على إسقاط حرف الجر، أى فما تأخر في أن جاء بعجل حنيذ ... » .
11:70
فَلَمَّا رَاٰۤ اَیْدِیَهُمْ لَا تَصِلُ اِلَیْهِ نَكِرَهُمْ وَ اَوْجَسَ مِنْهُمْ خِیْفَةًؕ-قَالُوْا لَا تَخَفْ اِنَّاۤ اُرْسِلْنَاۤ اِلٰى قَوْمِ لُوْطٍؕ(۷۰)
پھر جب دیکھا کہ ان کے ہاتھ کھانے کی طرف نہیں پہنچتے ان کو اوپری سمجھا اور جی ہی جی میں ان سے ڈرنے لگا، بولے ڈریے نہیں ہم قوم لوط کی طرف (ف۱۴۹) بھیجے گئے ہیں،

ثم بين- سبحانه- حال إبراهيم عند ما رأى ضيوفه لا يأكلون من طعامه فقال:فَلَمَّا رَأى أَيْدِيَهُمْ لا تَصِلُ إِلَيْهِ نَكِرَهُمْ وَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً....ومعنى نَكِرَهُمْ: نفر منهم، وكره تصرفهم. نقول: فلان نكر حال فلان- كعلم- وأنكره نكرا ونكورا ... إذا وجده على غير ما يعهده فيه، ويتوقعه منه.وَأَوْجَسَ من الوجس وهو الصوت الخفى، والمراد به هنا: الإحساس الخفى بالخوف والفزع الذي يقع في النفس عند رؤية ما يقلقها ويخيفها.أى: فلما رأى إبراهيم- عليه السلام- ضيوفه لا تمتد أيديهم إلى الطعام الذي قدمه لهم، نفر منهم، وأحس في نفسه من جهتهم خوفا ورعبا لأن امتناع الضيف عن الأكل من طعام مضيفه- بدون سبب مقنع- يشعر بأن هذا الضيف ينوى شرا به ... والتقاليد في كثير من البلاد إلى الآن تؤيد ذلك.ولذا قالت الملائكة لإبراهيم عند ما لاحظوا ما يساور نفسه من الخوف: لا تَخَفْ إِنَّا أُرْسِلْنا إِلى قَوْمِ لُوطٍ.أى: لا تخف يا إبراهيم فإنا لسنا ضيوفا من البشر، وإنما نحن رسل من الله- تعالى- أرسلنا إلى قوم لوط لإهلاكهم.وقد جاء في بعض الآيات أنه صارحهم بالخوف منهم، ففي سورة الحجر قال- تعالى-:وَنَبِّئْهُمْ عَنْ ضَيْفِ إِبْراهِيمَ. إِذْ دَخَلُوا عَلَيْهِ فَقالُوا سَلاماً، قالَ إِنَّا مِنْكُمْ وَجِلُونَ. قالُوا لا تَوْجَلْ إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلامٍ عَلِيمٍ....
11:71
وَ امْرَاَتُهٗ قَآىٕمَةٌ فَضَحِكَتْ فَبَشَّرْنٰهَا بِاِسْحٰقَۙ-وَ مِنْ وَّرَآءِ اِسْحٰقَ یَعْقُوْبَ(۷۱)
اور اس کی بی بی (ف۱۵۰) کھڑی تھی وہ ہنسنے لگی تو ہم نے اسے (ف۱۵۱) اسحاق کی خوشخبری دی اور اسحاق کے پیچھے (ف۱۵۲) یعقوب کی (ف۱۵۳)

ثم حكى- سبحانه- ما حدث بعد ذلك فقال: وَامْرَأَتُهُ قائِمَةٌ فَضَحِكَتْ فَبَشَّرْناها بِإِسْحاقَ وَمِنْ وَراءِ إِسْحاقَ يَعْقُوبَ.والمراد بامرأته- كما يقول القرطبي- «سارة بنت هاران بن ناحور، بن شاروع، بن أرغو، بن فالغ، وهي بنت عم إبراهيم» .وقيامها كان لأجل قضاء مصالحها، أو لأجل خدمة الضيوف ... أو لغير ذلك من الأمور التي تحتاجها المرأة في بيتها.والمراد بالضحك هنا حقيقته. أى: فضحكت سرورا وابتهاجا بسبب زوال الخوف عن إبراهيم، أو بسبب علمها بأن الضيوف قد أرسلهم الله لإهلاك قوم لوط، أو بهما معا ...قال الشوكانى: والضحك هنا هو الضحك المعروف الذي يكون للتعجب والسرور كما قاله الجمهور.وقال مجاهد وعكرمة: إنه الحيض، ومنه قول الشاعر:وإنى لآتى العرس عند طهورها ... وأهجرها يوما إذا تك ضاحكاوقد أنكر بعض اللغويين أن يكون في كلام العرب ضحكت بمعنى حاضت .أى: وفي أعقاب قول الملائكة لإبراهيم لا تخف ... كانت امرأته قائمة لقضاء بعض حاجاتها، فلما سمعت ذلك «ضحكت» سرورا وفرحا لزوال خوفه فَبَشَّرْناها عقب ذلك بمولودها بِإِسْحاقَ كما بشرناها بأن إسحاق سيكون من نسله يَعْقُوبَ، فهي بشارة مضاعفة. إذ أنها تحمل في طياتها أنها ستعيش حتى ترى ابن ابنها ...ولا شك أن المرأة عند ما تكون قد بلغت سن اليأس. ولم يكن لها ولد، ثم تأتيها مثل هذه البشارة يهتز كيانها، ويزداد عجبها، ولذا قالت على سبيل الدهشة والاستغراب: يا وَيْلَتى أَأَلِدُ وَأَنَا عَجُوزٌ وَهذا بَعْلِي شَيْخاً إِنَّ هذا لَشَيْءٌ عَجِيبٌ.
11:72
قَالَتْ یٰوَیْلَتٰۤى ءَاَلِدُ وَ اَنَا عَجُوْزٌ وَّ هٰذَا بَعْلِیْ شَیْخًاؕ-اِنَّ هٰذَا لَشَیْءٌ عَجِیْبٌ(۷۲)
بولی ہائے خرابی کیا میرے بچہ ہوگا اور میں بوڑھی ہوں (ف۱۵۴) اور یہ ہیں میرے شوہر بوڑھے (ف۱۵۵) بیشک یہ تو اچنبھے کی بات ہے،

وكلمة يا وَيْلَتى تستعمل في التحسر والتألم والتفجع عند نزول مكروه.والمراد بها هنا: التعجب لا الدعاء على نفسها بالويل والهلاك، وهي كلمة كثيرة الدوران على أفواه النساء إذا طرأ عليهن ما يدهشن له، ويتعجبن منه.أى: قالت بدهشة وعجب عند ما سمعت بشارة الملائكة لها بالولد وبولد الولد: يا للعجب أألد وأنا امرأة عجوز، قد بلغت سن اليأس من الحمل منذ زمن طويل، وَهذا بَعْلِي أى: زوجي إبراهيم «شيخا» كبيرا متقدما في السن.قال الجمل: وهاتان الجملتان- وَأَنَا عَجُوزٌ وَهذا بَعْلِي شَيْخاً- في محل النصب على الحال من الضمير المستتر في أَأَلِدُ، وشيخا حال من بعلى، والعامل فيه اسم الإشارة لما فيه من معنى الفعل» .وقوله- كما حكى القرآن عنها- إِنَّ هذا لَشَيْءٌ عَجِيبٌ أى: إن هذا الذي بشرتموني به من حصول الولد لي في تلك السن المتقدمة لَشَيْءٌ عَجِيبٌ في مجرى العادة عند النساء وقد رد عليها الملائكة بقولهم: قالُوا أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ؟!!
11:73
قَالُوْۤا اَتَعْجَبِیْنَ مِنْ اَمْرِ اللّٰهِ رَحْمَتُ اللّٰهِ وَ بَرَكٰتُهٗ عَلَیْكُمْ اَهْلَ الْبَیْتِؕ-اِنَّهٗ حَمِیْدٌ مَّجِیْدٌ(۷۳)
فرشتے بولے کیا اللہ کے کام کا اچنبھا کرتی ہو اللہ کی رحمت اور اس کی برکتیں تم پر اس گھر والو! بیشک (ف۱۵۶) وہی ہے سب خوبیوں والا عزت والا،

أى: أتستبعدين على قدرة الله- تعالى- أن يرزقك الولد وأنت وزوجك في هذه السن المتقدمة؟ لا إنه لا ينبغي لك أن تستبعدى ذلك، لأن قدرة الله لا يعجزها شيء. فالاستفهام هنا المراد به إنكار تعجبها واستبعادها البشارة، وإزالة أثر ذلك من نفسها إزالة تامة.وقوله: رَحْمَتُ اللَّهِ وَبَرَكاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ حكاية لما قالته الملائكة لها، زيادة في سرورها وفي إدخال الطمأنينة على قلبها.أى رحمة الله الواسعة، وبركاته وخيراته النامية عليكم أهل البيت الكريم وهو بيت إبراهيم- عليه السلام-.قال صاحب الكشاف: وإنما أنكرت عليها الملائكة تعجبها، لأنها كانت في بيت الآيات، ومهبط المعجزات، والأمور الخارقة للعادات، فكان عليها أن تتوقر، ولا يزدهيها ما يزدهى سائر النساء الناشئات في غير بيت النبوة وأن تسبح الله وتمجده، مكان التعجب.وإلى ذلك أشارت الملائكة في قولهم رَحْمَتُ اللَّهِ وَبَرَكاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ.أرادوا أن هذه وأمثالها مما يكرمكم به رب العزة، ويخصكم بالإنعام به يا أهل بيت النبوة، فليس بمكان عجب. والكلام مستأنف علل به إنكار التعجب. كأنه قيل: «إياك والتعجب، فإن أمثال هذه الرحمة والبركة متكاثرة من الله عليكم» .وقوله- سبحانه- إِنَّهُ حَمِيدٌ مَجِيدٌ تذييل بديع قصد به وجوب مداومتها على حمد الله وتمجيده على أن وهبها الولد بعد أن بلغت سن اليأس من الحمل.أى إنه- سبحانه- حَمِيدٌ أى: مستحق للحمد لكثرة نعمه على عباده مَجِيدٌ أى: كريم واسع الإحسان، فليس بعيدا منه أن يعطى الولد للآباء بعد الكبر.قال صاحب المنار ما ملخصه: وأصل المجد في اللغة أن تقع الإبل في أرض واسعة المرعى، كثيرة الخصب، يقال: مجدت الإبل تمجد من باب نصر- مجدا ومجادة، وأمجدها الراعي.والمجد في البيوت والأنساب ما يعده الرجل من سعة كرم آبائه وكثرة نوالهم.ووصف الله كتابه بالمجيد، كما وصف نفسه بذلك، لسعة هداية كتابه، وسعة كرمه وفضله على عباده ... » .
11:74
فَلَمَّا ذَهَبَ عَنْ اِبْرٰهِیْمَ الرَّوْعُ وَ جَآءَتْهُ الْبُشْرٰى یُجَادِلُنَا فِیْ قَوْمِ لُوْطٍؕ(۷۴)
پھر جب ابراہیم کا خوف زائل ہوا اور اسے خوشخبری ملی ہم سے قوم لوط کے بارے میں جھگڑنے لگا، (ف۱۵۷)

ثم حكى- سبحانه- ما كان من إبراهيم بعد أن سكن خوفه، واطمأن إلى ضيوفه فقال: فَلَمَّا ذَهَبَ عَنْ إِبْراهِيمَ الرَّوْعُ أى: الخوف والفزع، بسبب اطمئنانه إلى ضيوفه، وعلمه أنهم ليسوا من البشر.وَجاءَتْهُ الْبُشْرى منهم بالولد، واتصال النسل، فازداد سرورا بهم.بعد كل ذلك، أخذ إبراهيم يُجادِلُنا فِي قَوْمِ لُوطٍ أى: يجادل رسلنا ويحاورهم في شأن قوم لوط، وفي كيفية عقابهم، بعد أن أخبروه بأنهم ذاهبون لإهلاكهم.وأضاف- سبحانه- المجادلة إلى نفسه مع أنها كانت مع الملائكة، لأن نزولهم لإهلاك قوم لوط إنما كان بأمره- تعالى-، فمجادلة إبراهيم لهم هي مجادلة في تنفيذ أمره- تعالى-.وقال- سبحانه- يُجادِلُنا مع أنها كانت في الماضي، لتصوير هذه الحالة في الذهن تصويرا حاضرا، حتى تزداد منه العبرة والعظة.وهذه المجادلة التي كانت بين إبراهيم وبين الملائكة الذين أرسلوا لإهلاك قوم لوط، قد حكاها- سبحانه- في سورة العنكبوت في قوله: وَلَمَّا جاءَتْ رُسُلُنا إِبْراهِيمَ بِالْبُشْرى قالُوا إِنَّا مُهْلِكُوا أَهْلِ هذِهِ الْقَرْيَةِ أى القرية التي يسكنها قوم لوط إِنَّ أَهْلَها كانُوا ظالِمِينَ. قالَ إِنَّ فِيها لُوطاً، قالُوا نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَنْ فِيها لَنُنَجِّيَنَّهُ وَأَهْلَهُ إِلَّا امْرَأَتَهُ كانَتْ مِنَ الْغابِرِينَ الآيتان 31- 32.وهذا التفسير للمجادلة التي دارت بين إبراهيم والملائكة في عقاب قوم لوط هو الصحيح لأن خير تفسير للقرآن هو ما كان بالقرآن.وما ورد من أقوال تخالف ذلك فلا يلتفت إليها، لعدم استنادها إلى النقل الصحيح.
11:75
اِنَّ اِبْرٰهِیْمَ لَحَلِیْمٌ اَوَّاهٌ مُّنِیْبٌ(۷۵)
بیشک ابراہیم تحمل والا بہت آہیں کرنے والا رجوع کرنے والا ہے (ف۱۵۷)

وقوله- سبحانه- إِنَّ إِبْراهِيمَ لَحَلِيمٌ أَوَّاهٌ مُنِيبٌ بيان للدواعي التي حملت إبراهيم- عليه السلام- على مجادلة الملائكة في شأن إهلاك قوم لوط.والحليم: هو الصبور على الأذى، الصفوح عن الجناية، المقابل لها بالإحسان.والأواه: هو الذي يكثر التأوه من خشية الله.قال الآلوسى: وأصل التأوه قوله: آه ونحوه مما يقوله المتوجع الحزين. وهو عند جماعة كناية عن كمال الرأفة ورقة القلب. وأخرج ابن جرير وابن أبى حاتم وغيرهما عن عبد الله بن شداد قال رجل: يا رسول الله ما الأواه؟ قال: «الخاشع المتضرع الكثير الدعاء» .والمنيب: السريع الرجوع إلى الله- تعالى- بالتوبة والاستغفار.أى أن إبراهيم لصبور على الأذى، صفوح عن الجناية، كثير التضرع إلى الله، سريع الرجوع إليه في كل ما يحبه ويرضاه.
11:76
یٰۤاِبْرٰهِیْمُ اَعْرِضْ عَنْ هٰذَاۚ-اِنَّهٗ قَدْ جَآءَ اَمْرُ رَبِّكَۚ-وَ اِنَّهُمْ اٰتِیْهِمْ عَذَابٌ غَیْرُ مَرْدُوْدٍ(۷۶)
اے ابراہیم اس خیال میں نہ پڑ بیشک تیرے رب کا حکم آچکا اور بیشک ان پر عذاب آنے والا ہے کہ پھیرا نہ جائے گا،

ولكن حلم إبراهيم وإنابته ... لم يرد قضاء الله العادل في شأن قوم لوط ولذا قالت الملائكةله- كما حكى القرآن عنهم-: يا إِبْراهِيمُ أَعْرِضْ عَنْ هذا، إِنَّهُ قَدْ جاءَ أَمْرُ رَبِّكَ، وَإِنَّهُمْ آتِيهِمْ عَذابٌ غَيْرُ مَرْدُودٍ.أى: قالت الملائكة لإبراهيم: يا إِبْراهِيمُ أَعْرِضْ عَنْ هذا الجدال في أمر قوم لوط، وفي طلب إمهال عقوبتهم إِنَّهُ قَدْ جاءَ أَمْرُ رَبِّكَ بإهلاكهم وَإِنَّهُمْ بسبب إصرارهم على ارتكاب الفواحش آتِيهِمْ من ربهم عَذابٌ شديد غَيْرُ مَرْدُودٍ عنهم لا بسبب الجدال ولا بأى سبب سواه، فإن قضاء الله لا يرد عن القوم المجرمين. هذا، وقد ذكر الشيخ القاسمى بعض الفوائد والأحكام التي أخذها العلماء من هذه الآيات فقال: قال بعض المفسرين: لهذه الآيات ثمرات وفوائد.منها: أن حصول الولد المخصص بالفضل نعمة، وأن هلاك العاصي نعمة- أيضا- لأن البشرى قد فسرت بولادة إسحاق لقوله فَبَشَّرْناها بِإِسْحاقَ وفسرت بهلاك قوم لوط، لقوله: قالُوا لا تَخَفْ إِنَّا أُرْسِلْنا إِلى قَوْمِ لُوطٍ.ومنها: استحباب نزول المبشر- بالكسر- على المبشر- بالفتح- لأن الملائكة أرسلهم الله- تعالى- لذلك.ومنها: أنه يستحب للمبشر أن يتلقى البشارة بالشكر لله- تعالى- على ما بشر به. فقد حكى عن الأصم أنه قال: جاءوه في أرض يعمل فيها، فلما فرغ غرز مسحاته، وصلى ركعتين.ومنها: أن السلام مشروع، وأنه ينبغي أن يكون الرد أفضل لقول إبراهيم سَلامٌ بالرفع وهو أدل على الثبات والدوام.ومنها: مشروعية الضيافة، والمبادرة إليها، واستحباب مبادرة الضيف بالأكل منها.ومنها: استحباب خدمة الضيف ولو للمرأة، لقول مجاهد: وامرأته قائمة أى في خدمة أضياف إبراهيم ... وخدمة الضيفان من مكارم الأخلاق.ومنها: جواز مراجعة الأجانب في القول، وأن صوتها ليس بعورة.ومنها: أن امرأة الرجل من أهل بيته، فيكون أزواجه صلى الله عليه وسلم من أهل بيته :ومنها: - كما يقول الإمام ابن كثير- استدل على أن الذبيح هو إسماعيل لا إسحاق، وأنه يمتنع أن يكون هو إسحاق، لأنه وقعت البشارة به، وأنه سيولد له يعقوب، فكيف يؤمر إبراهيم بذبحه وهو طفل صغير، ولم يولد له بعد يعقوب الموعود بوجوده، ووعد الله حق لا خلف فيه، فيمتنع أن يؤمر بذبح إسحاق والحالة هذه، فتعين أن يكون الذبيح إسماعيل، وهذا من أحسن الاستدلال وأصحه: ثم انتقلت السورة الكريمة إلى الحديث عما دار بين لوط وبين الملائكة وبينه وبين قومه من حوار وجدال فقال- تعالى-:
11:77
وَ لَمَّا جَآءَتْ رُسُلُنَا لُوْطًا سِیْٓءَ بِهِمْ وَ ضَاقَ بِهِمْ ذَرْعًا وَّ قَالَ هٰذَا یَوْمٌ عَصِیْبٌ(۷۷)
اور جب لوط کے یہاں ہمارے فرشتے آئے (ف۱۵۹) اسے ان کا غم ہوا او ر ان کے سبب دل تنگ ہوا اور بولا یہ بڑی سختی کا دن ہے (ف۱۶۰)

- تلك هي قصة لوط مع الرسل الذين جاءوا لإهلاك قومه ومع قومه المجرمين، كما حكتها سورة هود.- وقد وردت هذه القصة في سور أخرى وبأساليب متنوعة، ومنها سورة الأعراف، والحجر، والشعراء، والنمل، والعنكبوت، والصافات، والذاريات، والقمر..قال الإمام ابن كثير: ولوط هو ابن هاران بن آزر، فهو ابن أخى إبراهيم، وكان قد آمن مع عمه إبراهيم وهاجر معه إلى أرض الشام، فبعثه الله إلى أهل بلدة سدوم وما حولها يدعوهم إلى وحدانية الله- تعالى-، ويأمرهم بالمعروف وينهاهم عما كانوا يرتكبونه من المآثم والمحارم والفواحش التي اخترعوها دون أن يسبقهم بها أحد من بنى آدم ولا من غيرهم، وهو إتيان الذكور دون الإناث، وهذا شيء لم يكن أحد من بنى آدم يعهده ولا يألفه ولا يخطر بباله، حتى صنع ذلك أهل سدوم- وهم قرية بوادي الأردن عليهم لعائن الله» .- وقد بدأ- سبحانه- القصة هنا بتصوير ما اعترى لوطا- عليه السلام- من ضيق وغم عند ما جاءته الرسل فقال: وَلَمَّا جاءَتْ رُسُلُنا لُوطاً سِيءَ بِهِمْ....- أى: وحين جاء الملائكة إلى لوط- عليه السلام- بعد مفارقتهم لإبراهيم، ساءه وأحزنه مجيئهم، لأنه كان لا يعرفهم، ويعرف أن قومه قوم سوء، فخشي أن يعتدى قومه عليهم، بعادتهم الشنيعة، وهو عاجز عن الدفاع عنهم ...قال ابن كثير ما ملخصه: «يخبر الله- تعالى- عن قدوم رسله من الملائكة إلى لوط- عليه السلام- بعد مفارقتهم لإبراهيم ... فأتوا لوطا- عليه السلام- وهو على ما قيل في أرض له. وقيل في منزله، ووردوا عليه وهم في أجمل صورة تكون، على هيئة شبان حسان الوجوه، ابتلاء من الله، وله الحكمة والحجة البالغة، فساءه شأنهم ... » .- وقوله: وَضاقَ بِهِمْ ذَرْعاً تصوير بديع لنفاد حيلته، واغتمام نفسه وعجزه عن وجود حيلة للخروج من المكروه الذي حل بهم.قال القرطبي: والذرع مصدر ذرع. وأصله: أن يذرع البعير بيديه في سيره ذرعا على قدر سعة خطوه فإذا حمل عليه أكثر من طاقته ضاق عن ذلك وضعف ومد عنقه. فضيق الذرع عبارة عن ضيق الوسع. وقيل هو من ذرعه القيء أى غلبه.أى: ضاق عن حبسه المكروه في نفسه.وإنما ضاق ذرعه بهم لما رأى من جمالهم، وما يعلمه من فسوق قومه ... » .- وذَرْعاً تمييز محول عن الفاعل. أى: ضاق بأمرهم ذرعه.وَقالَ هذا يَوْمٌ عَصِيبٌ: أى وقال لوط- عليه السلام- في ضجر وألم: هذا اليوم الذي جاءني فيه هؤلاء الضيوف، يوم «عصيب» أى: شديد هوله وكربه.وأصل العصب: الشد والضغط، فكأن هذا اليوم لشدة وقعه على نفسه قد عصب به الشر والبلاء، أى: شد به.قال صاحب تفسير التحرير والتنوير: ومن بديع ترتيب هذه الجمل أنها جاءت على ترتيب حصولها في الوجود، فإن أول ما يسبق إلى نفس الكاره للأمر أن يساء به ويتطلب المخلص منه، فإذا علم أنه لا مخلص له منه ضاق به ذرعا. ثم يصدر تعبيرا عن المعاني يريح به نفسه» .
11:78
وَ جَآءَهٗ قَوْمُهٗ یُهْرَعُوْنَ اِلَیْهِؕ-وَ مِنْ قَبْلُ كَانُوْا یَعْمَلُوْنَ السَّیِّاٰتِؕ-قَالَ یٰقَوْمِ هٰۤؤُلَآءِ بَنَاتِیْ هُنَّ اَطْهَرُ لَكُمْ فَاتَّقُوا اللّٰهَ وَ لَا تُخْزُوْنِ فِیْ ضَیْفِیْؕ-اَلَیْسَ مِنْكُمْ رَجُلٌ رَّشِیْدٌ(۷۸)
اور اس کے پاس کی قوم دوڑتی آئی، ور انہیں آگے ہی سے برے کاموں کی عادت پڑی تھی (ف۱۶۱) کہا اے قوم! یہ میری قوم کی بیٹیاں ہیں یہ تمہارے لیے ستھری ہیں تو اللہ سے ڈرو (ف۱۶۲) اور مجھے میرے مہمانوں میں رسوا نہ کرو، کیا تم میں ایک آدمی بھی نیک چلن نہیں،

- ثم بين- سبحانه- ما كان من قوم لوط- عليه السلام- عند ما علموا بوجود هؤلاء الضيوف عنده فقال: وَجاءَهُ قَوْمُهُ يُهْرَعُونَ إِلَيْهِ. وَمِنْ قَبْلُ كانُوا يَعْمَلُونَ السَّيِّئاتِ....- ويهرعون- بضم الياء وفتح الراء على صيغة المبنى للمفعول- أى: يدفع بعضهم بعضا بشدة، كأن سائقا يسوقهم إلى المكان الذي فيه لوط وضيوفه.يقال: هرع الرجل وأهرع- بالبناء للمفعول فيهما- إذا أعجل وأسرع لدافع يدفعه إلى ذلك.قال الآلوسى: والعامة على قراءته مبنيا للمفعول، وقرأ جماعة يهرعون- بفتح الياء مع البناء للفاعل- من هرع- بفتح الهاء والراء- وأصله من الهرع وهو الدم الشديد السيلان، كأن بعضه يدفع بعضا .أى: وبعد أن علم قوم لوط بوجود هؤلاء الضيوف عند نبيهم، جاءوا إليه مسرعين يسوق بعضهم بعضا إلى بيته من شدة الفرح، ومن قبل هذا المجيء، كان هؤلاء القوم الفجرة، يرتكبون السيئات الكثيرة، التي من أقبحها إتيانهم الرجال شهوة من دون النساء.وقد طوى القرآن الكريم ذكر الغرض الذي جاءوا من أجله، وأشار إليه بقوله:وَمِنْ قَبْلُ كانُوا يَعْمَلُونَ السَّيِّئاتِ للإشعار بأن تلك الفاحشة صارت عادة من العادات المتأصلة في نفوسهم الشاذة، فلا يسعون إلا من أجل قضائها.ثم حكى القرآن بعد ذلك ما بادرهم به نبيهم بعد أن رأى هياجهم وتدافعهم نحو داره فقال: قالَ يا قَوْمِ هؤُلاءِ بَناتِي هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ ...والمراد ببناته هنا: زوجاتهم ونساؤهم اللائي يصلحن للزواج، وأضافهن إلى نفسه لأن كل نبي أب لأمته من حيث الشفقة وحسن التربية والتوجيه.قال ابن كثير: قوله- تعالى- قالَ يا قَوْمِ هؤُلاءِ بَناتِي هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ ... يرشدهم إلى نسائهم، فإن النبي للأمة بمنزلة الوالد، فأرشدهم إلى ما هو أنفع لهم، كما قال لهم في آية أخرى: أَتَأْتُونَ الذُّكْرانَ مِنَ الْعالَمِينَ. وَتَذَرُونَ ما خَلَقَ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ أَزْواجِكُمْ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ عادُونَ ...قال مجاهد: لم يكن بناته، ولكن كن من أمته، وكل نبي أبو أمته ...وقال سعيد بن جبير: يعنى نساؤهم، هن بناته وهو أب لهم ... .ومنهم من يرى أن المراد ببناته هنا: بناته من صلبه، وأنه عرض عليهم الزواج بهن ...ويضعف هذا الرأى أن لوطا- عليه السلام- كان له بنتان أو ثلاثة- كما جاء في بعض الروايات- وعدد المتدافعين من قومه إلى بيته كان كثيرا، فكيف تكفيهم بنتان أو ثلاثة للزواج ... ؟ويبدو لنا أن الرأى الأول أقرب إلى الصواب، وقد رجحه الإمام الرازي بأن قال ما ملخصه: «وهذا القول عندي هو المختار، ويدل عليه وجوه. منها: أنه قال هؤُلاءِ بَناتِي هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ وبناته اللاتي من صلبه لا تكفى للجمع العظيم، أما نساء أمته ففيهن كفاية للكل..ومنها: أنه صحت الرواية أنه كان له بنتان وهما: زنتا وزعورا، وإطلاق لفظ البنات على البنتين لا يجوز، لما ثبت أن أقل الجمع ثلاثة ... » .والمعنى: أن لوطا- عليه السلام- عند ما رأى تدافعهم نحو بيته لارتكاب الفاحشة التي ما سبقهم بها من أحد من العالمين، قال لهم: برجاء ورفق يا قَوْمِ هؤلاء نساؤكم اللائي بمنزلة بناتي ارجعوا إليهن فاقضوا شهوتكم معهن فهن أطهر لكم نفسيا وحسيا من التلوث برجس اللواط، وأفعل التفضيل هنا وهو أَطْهَرُ ليس على بابه، بل هو للمبالغة في الطهر.قال القرطبي: وليس ألف أطهر للتفضيل، حتى يتوهم أن في نكاح الرجال طهارة، بل هو كقولك الله أكبر- أى كبير- ... ولم يكابر الله- تعالى- أحد حتى يكون الله- تعالى- أكبر منه ... » .ثم أضاف إلى هذا الإرشاد لهم إرشادا آخر فقال: فَاتَّقُوا اللَّهَ وَلا تُخْزُونِ فِي ضَيْفِي....قال الجمل: ولفظ الضيف في الأصل مصدر، ثم أطلق على الطارق ليلا إلى المضيف، ولذا يقع على المفرد والمذكر وضديهما بلفظ واحد، وقد يثنى فيقال: ضيفان، ويجمع فيقال:«أضياف وضيوف ... » .وتخزون: من الخزي وهو الإهانة والمذلة. يقال: خزي الرجل يخزى خزيا ... إذا وقع في بلية فذل بذلك.أى: بعد أن أرشدهم إلى نسائهم، أمرهم بتقوى الله ومراقبته، فقال لهم: فاتقوا الله.ولا تجعلوني مخزيا مفضوحا أمام ضيوفى بسبب اعتدائكم عليهم، فإن الاعتداء على الضيف كأنه اعتداء على المضيف.ويبدو أن لوطا- عليه السلام- قد قال هذه الجملة ليلمس بها نخوتهم إن كان قد بقي فيهم بقية من نخوة، ولكنه لما رأى إصرارهم على فجورهم وبخهم بقوله:أَلَيْسَ مِنْكُمْ رَجُلٌ رَشِيدٌ يهدى إلى الرشد والفضيلة. وينهى عن الباطل والرذيلة.فيقف إلى جانبي، ويصرفكم عن ضيوفى؟ولكن هذا النصح الحكيم من لوط لهم لم يحرك قلوبهم الميتة الآسنة. ولا فطرتهم الشاذة المنكوسة. بل ردوا عليه بقولهم:قالُوا لَقَدْ عَلِمْتَ ما لَنا فِي بَناتِكَ مِنْ حَقٍّ وَإِنَّكَ لَتَعْلَمُ ما نُرِيدُ.
11:79
قَالُوْا لَقَدْ عَلِمْتَ مَا لَنَا فِیْ بَنٰتِكَ مِنْ حَقٍّۚ-وَ اِنَّكَ لَتَعْلَمُ مَا نُرِیْدُ(۷۹)
بولے تمہیں معلوم ہے کہ تمہاری قوم کی بیٹیوں میں ہمارا کوئی حق نہیں (ف۱۶۳) اور تم ضرور جانتے ہو جو ہماری خواہش ہے،

أى: قال قوم لوط له بسفاهة ووقاحة: لقد علمت يا لوط علما لا شك معه، أننا لا رغبة لنا في النساء، لا عن طريق الزواج ولا عن أى طريق آخر، فالمراد بالحق هنا: الرغبة والشهوة.قال الشوكانى: قوله ما لَنا فِي بَناتِكَ مِنْ حَقٍّ أى: ما لنا فيهن من شهوة ولا حاجة، لأن من احتاج إلى شيء فكأنه حصل له فيه نوع حق، ومعنى ما نسبوه إليه من العلم أنه قد علم منهم المكالبة على إتيان الذكور وشدة الشهوة إليهم، فهم من هذه الحيثية كأنهم لا حاجة لهم إلى النساء. ويمكن أن يريدوا: أنه لا حق لنا في نكاحهن ... » .وقولهم: وَإِنَّكَ لَتَعْلَمُ ما نُرِيدُ إشارة خبيثة منهم إلى العمل الخبيث الذي ألفوه، وهو إتيان الذكور دون النساء أى: وإنك لتعلم علما يقينيا الشيء الذي نريده فلماذا ترجعنا؟! وقولهم هذا الذي حكته الآية الكريمة عنهم، يدل دلالة واضحة على أنهم قد بلغوا النهاية في الخبث والوقاحة وتبلد الشعور..لذا رد عليهم لوط- عليه السلام- رد اليائس من ارعوائهم عن غيهم، المتمنى لوجود قوة إلى جانبه تردعهم وتكف فجورهم ... قالَ لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آوِي إِلى رُكْنٍ شَدِيدٍ.
11:80
قَالَ لَوْ اَنَّ لِیْ بِكُمْ قُوَّةً اَوْ اٰوِیْۤ اِلٰى رُكْنٍ شَدِیْدٍ(۸۰)
بولے اے کاش! مجھے تمہارے مقابل زور ہوتا یا کسی مضبوط پائے کی پناہ لیتا (ف۱۶۴)

والقوة: ما يتقوى به الإنسان على غيره.وآوى: أى ألجأ وأنضوى تقول: أويت إلى فلان فأنا آوى إليه أويّا أى: انضممت إليه.والركن في الأصل: القطعة من البيت أو الجبل، والمراد به هنا الشخص القوى الذي يلجأ إليه غيره لينتصر به ...ولو شرطية وجوابها محذوف، والتقدير: قال لوط- عليه السلام- بعد أن رأى من قومه الاستمرار في غيهم، ولم يقدر على دفعهم- على سبيل التفجع والتحسر: لو أن معى قوة أدفعكم بها لبطشت بكم.ويجوز أن تكون لو للتمني فلا تحتاج إلى جواب أى: ليت معى قوة أستطيع بمناصرتها لي دفع شركم.وقوله أَوْ آوِي إِلى رُكْنٍ شَدِيدٍ معطوف على ما قبله، أو ليتني أستطيع أن أجد شخصا قويا من ذوى المنعة والسلطان أحتمى به منكم ومن تهديدكم لي ...قالوا: وإنما قال لوط- عليه السلام- ذلك لأنه كان غريبا عنهم، ولم يكن له نسب أو عشيرة فيهم.
  FONT
  THEME
  TRANSLATION
  • English | Ahmed Ali
  • Urdu | Ahmed Raza Khan
  • Turkish | Ali-Bulaç
  • German | Bubenheim Elyas
  • Chinese | Chineese
  • Spanish | Cortes
  • Dutch | Dutch
  • Portuguese | El-Hayek
  • English | English
  • Urdu | Fateh Muhammad Jalandhry
  • French | French
  • Hausa | Hausa
  • Indonesian | Indonesian-Bahasa
  • Italian | Italian
  • Korean | Korean
  • Malay | Malay
  • Russian | Russian
  • Tamil | Tamil
  • Thai | Thai
  • Farsi | مکارم شیرازی
  TAFSEER
  • العربية | التفسير الميسر
  • العربية | تفسير الجلالين
  • العربية | تفسير السعدي
  • العربية | تفسير ابن كثير
  • العربية | تفسير الوسيط لطنطاوي
  • العربية | تفسير البغوي
  • العربية | تفسير القرطبي
  • العربية | تفسير الطبري
  • English | Arberry
  • English | Yusuf Ali
  • Dutch | Keyzer
  • Dutch | Leemhuis
  • Dutch | Siregar
  • Urdu | Sirat ul Jinan
  HELP

هُوْد
هُوْد
  00:00



Download

هُوْد
هُوْد
  00:00



Download