READ

Surah At-Tawbah

اَلتَّوْبَة
129 Ayaat    مدنیۃ


9:41
اِنْفِرُوْا خِفَافًا وَّ ثِقَالًا وَّ جَاهِدُوْا بِاَمْوَالِكُمْ وَ اَنْفُسِكُمْ فِیْ سَبِیْلِ اللّٰهِؕ-ذٰلِكُمْ خَیْرٌ لَّكُمْ اِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُوْنَ(۴۱)
کوچ کرو ہلکی جان سے چاہے بھاری دل سے (ف۹۸) اور اللہ کی راہ میں لڑو اپنے مال اور جان سے، یہ تمہارے لیے بہتر ہے اگر جانو (ف۹۹)

وبعد هذا التذكير للمؤمنين بما كان منه- سبحانه- من تأييد لرسوله عند هجرته، أمرهم- جل شأنه- بالنفير في كل حال فقال: انْفِرُوا خِفافاً وَثِقالًا، وَجاهِدُوا بِأَمْوالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ.قال الفخر الرازي ما ملخصه: اعلم أنه- تعالى- لما توعد من لا ينفر مع الرسول صلى الله عليه وسلم، وضرب له من الأمثال ما وصفنا، اتبعه بهذا الأمر الجازم فقال: انْفِرُوا خِفافاً وَثِقالًا.والمراد: انفروا سواء كنتم على الصفة التي يخف عليكم الجهاد فيها، أو على الصفة التي يثقل. وهذا الوصف يدخل تحته أقسام كثيرة.منها: خِفافاً في النفور لنشاطكم له، وثِقالًا عنه لمشقته عليكم.ومنها: خِفافاً لقلة عيالكم، وثِقالًا لكثرتها.ومنها: خِفافاً من السلاح، وثِقالًا منه.والصحيح ما ذكرنا، إذ الكل داخل فيه، لأن الوصف المذكور وصف كلى يدخل فيه كل هذه الجزئيات» .والمعنى: انْفِرُوا- أيها المؤمنون- خِفافاً وَثِقالًا أى: في حال سهولة النفر عليكم، وفي حال صعوبته ومشقته.وَجاهِدُوا أعداءكم ببذل أموالكم. وببذل أنفسكم فِي سَبِيلِ اللَّهِ أى: في سبيل إعلاء كلمة الله ونصرة دينه ورسوله صلى الله عليه وسلم فمن استطاع منكم الجهاد بالمال والنفس وجب عليه الجهاد بهما. ومن قدر على أحدهما دون الآخر، وجب عليه ما كان في قدرته منهما.قال القرطبي روى أبو داود عن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: جاهدوا المشركين بأموالكم وأنفسكم وألسنتكم.وهذا وصف لأكمل ما يكون الجهاد وأنفعه عند الله- تعالى- فقد حض- سبحانه- على كمال الأوصاف.وقدم الأموال في الذكر، إذ هي أول مصرف وقت التجهيز، فرتب الأمر كما هو في نفسه .واسم الإشارة في قوله: ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ يعود إلى المذكور من الأمرين السابقين وهما: النفور والجهاد.أى: ذلكم الذي أمرتم به من النفور والجهاد في سبيل الله، خير لكم في دنياكم وفي آخرتكم من التثاقل عنهما، إن كنتم من أهل العلم بحقيقة ما بين لكم خالقكم ومربيكم على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم.ولقد أدرك المؤمنون الصادقون هذا الخير فامتثلوا أمر ربهم، ونفروا للجهاد في سبيله خفاقا وثقالا، بدون تباطؤ أو تقاعس.وقد ساق المفسرون عند تفسيرهم لهذه الآية كثيرا من الأمثلة التي تدل على محبة السلف الصالح للجهاد في سبيل الله، ومن ذلك.ما جاء عن أنس أن أبا طلحة قرأ سورة براءة، فأتى على هذه الآية: انْفِرُوا خِفافاً وَثِقالًا فقال: أى بنى، جهزوني جهزوني. فقال بنوه. يرحمك الله!! لقد غزوت مع النبي صلى الله عليه وسلم حتى مات، ومع أبى بكر حتى مات. ومع عمر حتى مات. فنحن نغزو عنك.فقال: لا، جهزوني. فغزوا في البحر فمات في البحر، فلم يجدوا له جزيرة يدفنونه فيها إلا بعد سبعة أيام فدفنوه فيها، ولم يتغير- رضى الله عنه.وقال الزهري: خرج سعيد بن المسيب إلى الغزو وقد ذهبت إحدى عينيه فقيل له: إنك عليل، فقال: استنفر الله الخفيف والثقيل، فإن لم يمكني الحرب كثرت السواد وحفظت المتاع .وأخرج ابن جرير عن حيان بن زيد الشرعبى قال: نفرنا مع صفوان بن عمرو، وكان واليا على حمص، فلقيت شيخا كبيرا هرما، على راحلته فيمن نفر، فأقبلت عليه فقلت:يا عماه لقد أعذر الله إليك.قال: فرفع حاجبيه فقال. يا ابن أخى، استنفرنا الله خفافا وثقالا، من يحبه الله يبتليه، ثم يعيده فيبقيه، وإنما يبتلى الله من عباده من شكر وصبر وذكر، ولم يعبد إلا الله .وعن أبى راشد الحبرانى قال. وافيت المقداد بن الأسود، فارس رسول الله صلى الله عليه وسلّم جالسا على تابوت من توابيت الصيارفة بحمص، وهو يريد الغزو- وقد تقدمت به السن- فقلت له: لقد أعذر الله إليك.فقال: أبت علينا سورة البعوث ذلك. يعنى هذه الآية: انْفِرُوا خِفافاً وَثِقالًا .هذا، ومن العلماء من يرى أن هذه الآية تجعل الجهاد على الجميع حتى المريض والزمن والفقير.. وليس الأمر كذلك، فما معنى هذا الأمر؟.قلت. من العلماء من حمله على الوجوب ثم إنه نسخ بقوله- تعالى- لَيْسَ عَلَى الضُّعَفاءِ وَلا عَلَى الْمَرْضى. .ومنهم من حمل هذا الأمر على الندب.والصحيح أنها منسوخة، لأن الجهاد من فروض الكفاية، ويدل عليه أن هذه الآيات نزلت في غزوة تبوك، وأن النبي صلى الله عليه وسلم خلف في المدينة في تلك الغزوة النساء وبعض الرجال، فدل ذلك على أن الجهاد من فروض الكفايات، وأنه ليس على الأعيان .ويرى بعض العلماء أن الآية ليست منسوخة، فقد قال الإمام القرطبي- ما ملخصه- واختلف في هذه الآية، فقيل إنها منسوخة بقوله- تعالى- لَيْسَ عَلَى الضُّعَفاءِ وَلا عَلَى الْمَرْضى.والصحيح أنها ليست بمنسوخة.روى ابن عباس عن أبى طلحة في قوله- تعالى-: انْفِرُوا خِفافاً وَثِقالًا قال:شبانا وكهولا. ما سمع الله عذر أحد. فخرج إلى الشام فجاهد حتى مات.ثم قال- بعد أن ساق نماذج متعددة لمن خرجوا للجهاد خفافا وثقالا- فلهذا وما كان مثله مما روى عن الصحابة والتابعين قلنا. إن النسخ لا يصح.فقد تكون هناك حالة يجب فيها نفير الكل، وذلك إذا تعين الجهاد لغلبة العدو على قطر من الأقطار الإسلامية، أو بحلوله في العقر. ففي هذه الحالة يجب على جميع أهل الدار أن ينفروا ويخرجوا إليه خفافا وثقالا شبابا وشيوخا، كل على قدر طاقته. ولا يتخلف أحد يقدر على الخروج.فإن عجز أهل تلك البلدة عن صد عدوهم كان على من قاربهم أن يخرجوا معهم لصد العدو، وكذلك الشأن بالنسبة لكل من علم بضعفهم عن عدوهم فالمسلمون كلهم يد على من سواهم.حتى إذا قام بدفع العدو أهل الناحية التي نزل العدو عليها، سقط الفرض عن الآخرين.ثم قال- رحمه الله-: ومن الجهاد أيضا ما هو نافلة، وهو إخراج الإمام طائفة.. لإظهار القوة، وإعزاز دين الله.ثم قال: وقال ابن العربي، ولقد نزل بنا العدو- قصمه الله. سنة سبع وعشرين وخمسمائة: فجاس ديارنا، وأسر خيرتنا، وتوسط بلادنا.. فقلت للوالي والمولى عليه: عدو الله قد حصل في الشرك والشبكة، فلتكن عندكم بركة، ولتظهر منكم إلى نصرة الدين المعينة عليكم حركة، فليخرج إليه جميع الناس.. فيحاط به فيهلك.فغلبت الذنوب، ورجفت القلوب بالمعاصي، وصار كل أحد من الناس ثعلبا يأوى إلى وجاره ، وإن رأى المكيدة بجاره.فإنا لله وإنا إليه راجعون، ولا حول ولا قوة إلا بالله .والذي نراه. أن ما ذهب إليه الإمام القرطبي، من أن الآية الكريمة ليست منسوخة، أولى بالاتباع.لأن الجهاد قد يكون فرض كفاية في بعض الحالات، وقد يكون فرض عين في حالات أخرى والآية الكريمة التي معنا تدعو المؤمنين إلى النفير العام في تلك الحالات الأخرى التي يكون الجهاد فيها فرض عين وبذلك يمكن الجمع بين الآيات التي تدعو إلى النفير العام.والآيات التي تعفى بعض الناس من مشاقه ومتاعبه.ومن كل ما تقدم يتبين لنا أن هذه الآيات الأربع قد عاتبت المؤمنين الذين تخلفوا عن الجهاد في غزوة تبوك عتابا شديدا وأنذرتهم بالعذاب الأليم إن لم ينفروا.. وذكرتهم بما كان من نصر الله لنبيه حين أخرجه الذين كفروا ثانى اثنين.. وأمرتهم بالنفور إلى الجهاد خفافا وثقالا.وبمجاهدة المشركين بأموالهم وأنفسهم، فذلك هو الخير لهم في عاجلتهم وآجلتهم.ثم أخذت السورة الكريمة في بيان قبائح المنافقين، ومعاذيرهم الواهية، ومسالكهم الخبيثة. وأيمانهم الفاجرة.. فقال- تعالى-:
9:42
لَوْ كَانَ عَرَضًا قَرِیْبًا وَّ سَفَرًا قَاصِدًا لَّاتَّبَعُوْكَ وَ لٰكِنْۢ بَعُدَتْ عَلَیْهِمُ الشُّقَّةُؕ-وَ سَیَحْلِفُوْنَ بِاللّٰهِ لَوِ اسْتَطَعْنَا لَخَرَجْنَا مَعَكُمْۚ-یُهْلِكُوْنَ اَنْفُسَهُمْۚ-وَ اللّٰهُ یَعْلَمُ اِنَّهُمْ لَكٰذِبُوْنَ۠(۴۲)
اگر کوئی قریب مال یا متوسط سفر ہوتا (ف۱۰۰) تو ضرور تمہارے ساتھ جاتے (ف۱۰۱) مگر ان پر تو مشقت کا راستہ دور پڑ گیا، اور اب اللہ کی قسم کھائیں گے (ف۱۰۲) کہ ہم سے بن پڑتا تو ضرور تمہارے ساتھ چلتے (ف۱۰۳) اپنی جانو کو ہلاک کرتے ہیں (ف۱۰۴) اور اللہ جانتا ہے کہ وہ بیشک ضرور جھوٹے ہیں،

قال الفخر الرازي هذه الآية نزلت في المنافقين الذين تخلفوا عن غزوة تبوك. والعرض.ما يعرض للإنسان من منافع الدنيا وشهواتها.والسفر القاصد: هو السفر القريب السهل الذي لا يصاحبه ما يؤدى إلى التعب الشديد. من القصد بمعنى التوسط والاعتدال في الشيء.والشقة: المسافة التي لا تقطع إلا بعد تكبد المشقة والتعب، فهي مأخوذة من المشقة وشدة العناء.قال القرطبي: حكى أبو عبيدة وغيره أن الشقة: السفر إلى أرض بعيدة. يقال: منه شقة شاقة. والمراد بذلك كله غزوة تبوك..» .والمعنى: لو كان الذي دعوتهم إليه يا محمد، متاعا من متع الحياة الدنيا، وسفرا سهلا قريبا، لاتبعوك فيما دعوتهم إليه، لأنه يوافق أهواءهم، ويشبع رغباتهم، ولكنهم حين عرفوا أن ما دعوتهم إليه هو الجهاد في سبيل الله وما يصحبه من أسفار شاقة. وتضحيات جسيمة.. تعلّلوا لك بالمعاذير الكاذبة، وتخلفوا عن الخروج معك، جبنا منهم، وحبا للراحة والسلام.وشبيه بهذه الآية من حيث المعنى، قول الرسول صلى الله عليه وسلم في شأن المتخلفين عن صلاة الجماعة «لو يعلم أحدهم أنه يجد عظما سمينا، أو مرماتين حسنتين لشهد العشاء» .أى: لو يعلم أحد هؤلاء المتخلفين عن صلاة العشاء في جماعة، أنه يجد عند حضور صلاتها في جماعة شيئا من اللحم لحضرها.ثم حكى- سبحانه- ما سيقوله هؤلاء المنافقون بعد عودة المؤمنين من الجهاد فقال:وَسَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَوِ اسْتَطَعْنا لَخَرَجْنا مَعَكُمْ.أى. وسيحلف هؤلاء المنافقون بالله- كذبا وزورا- قائلين. لو استطعنا أيها المؤمنون أن نخرج معكم للجهاد في تبوك لخرجنا: فاننا لم نتخلف عن الخروج معكم إلا مضطرين، فقد كانت لنا أعذارنا القاهرة التي حملتنا على التخلف!! وأتى- سبحانه- بالسين في قوله: وَسَيَحْلِفُونَ لأنه من قبيل الإخبار بالغيب. فقد كان نزول هذه الآية قبل رجوعه صلى الله عليه وسلم من تبوك. وحلفهم هذا كان بعد رجوعه منها.قال الفخر الرازي: قالوا: الرسول صلى الله عليه وسلم أخبر عنهم أنهم سيحلفون، وهذا إخبار عن غيب يقع في المستقبل، والأمر لما وقع كما أخبر كان هذا إخبارا عن الغيب فكان معجزا، .والمراد بالاستطاعة في قوله: «لو استطعنا» : وجود وسائل للجهاد معهم، من زاد وعدة وقوة في البدن، وغير ذلك مما يستلزمه الجهاد في سبيل الله.وقوله: لَخَرَجْنا مَعَكُمْ ساد مسد جوابي القسم والشرط.ثم بين- سبحانه- سوء مصيرهم بسبب كذبهم ونفاقهم فقال: يُهْلِكُونَ أَنْفُسَهُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ:أى. أن هؤلاء المتخلفين عن الجهاد يهلكون أنفسهم بسبب حلفهم الكاذب، وجرأتهم على الله. تعالى. في اختلاق المعاذير الباطلة، مع أنه. سبحانه. يعلم إنهم لكاذبون في أيمانهم، وفيما انتحلوه من أعذار.قال ابن جرير قوله: وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ في قولهم: لَوِ اسْتَطَعْنا لَخَرَجْنا مَعَكُمْ، لأنهم كانوا للخروج مطيقين، بوجود السبيل إلى ذلك بالذي كان عندهم من الأموال، مما يحتاج إليه الغازي في غزوة، وصحة الأبدان، وقوة الأجسام .هذا، ومن الأحكام التي أخذها العلماء من هذه الآية، أن الأيمان الكاذبة تؤدى إلى الخسران والهلاك: وفي الحديث الشريف: «اليمين الغموس تدع الديار بلاقع؟؟؟» .ثم عاتب الله: تعالى. نبيه صلى الله عليه وسلم عتابا رقيقا لأنه أذن للمنافقين بالتخلف عن الجهاد حين طلبوا منه ذلك، دون أن يتبين أحوالهم فقال. تعالى.
9:43
عَفَا اللّٰهُ عَنْكَۚ-لِمَ اَذِنْتَ لَهُمْ حَتّٰى یَتَبَیَّنَ لَكَ الَّذِیْنَ صَدَقُوْا وَ تَعْلَمَ الْكٰذِبِیْنَ(۴۳)
اللہ تمہیں معاف کرے (ف۱۰۵) تم نے انہیں کیوں اِذن دے دیا جب تک نہ کھلے تھے تم پر سچے اور ظاہر نہ ہوئے تھے جھوٹے،

قال ابن كثير. قال مجاهد. نزلت هذه الآية في أناس قالوا: استأذنوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فإن أذن لكم فاقعدوا. وإن لم يأذن لكم فاقعدوا.والعفو: يطلق على التجاوز عن الذنب أو التقصير، كما يطلق على ترك المؤاخذة على عدم فعل الأولى والأفضل، وهو المراد هنا.والمعنى: عفا الله عنك يا محمد، وتجاوز عن مؤاخذتك فيما فعلته مع هؤلاء المنافقين من سماحك لهم بالتخلف عن الجهاد معك في غزوة تبوك، حين اعتذروا إليك بالأعذار الكاذبة، وكان الأولى بك أن تتريث وتتأنى في السماح لهم بالتخلف، حتى يتبين لك الذين صدقوا في اعتذارهم من الذين كذبوا فيه، فقد كانوا- إلا قليلا منهم- كاذبين في معاذيرهم، وكانوا مصرين على القعود عن الجهاد حتى ولو لم تأذن لهم به.وقدم سبحانه. العفو على العتاب. وهو قوله: لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ- للإشارة إلى المكانة السامية التي له صلى الله عليه وسلم عند ربه.قال بعض العلماء: هل سمعتم بعتاب أحسن من هذا؟ لقد خاطبه سبحانه بالعفو قبل أن يذكر المعفو عنه.وقال العلامة أبو السعود ما ملخصه: وعبر- سبحانه- عن الفريق الأول بالموصول الذي صلته فعل دال على الحدوث، وعن الفريق الثاني باسم الفاعل المفيد للدوام، للإيذان بأن ما ظهر من الأولين صدق حادث في أمر خاص غير مصحح لنظمهم في سلك الصادقين، وبأن ما صدر من الآخرين، وإن كان كذبا حادثا متعلقا بأمر خاص لكنه أمر جار على عادتهم المستمرة، ناشئ عن رسوخهم في الكذب.وعبر عن ظهور الصدق بالتبين، وعما يتعلق بالكذب بالعلم، لما هو المشهور من أن مدلول الخبر هو الصدق، والكذب احتمال عقلي، فظهور صدق الخبر إنما هو تبين ذلك المدلول، وانقطاع احتمال نقيضه بعد ما كان محتملا له احتمالا عقليا. وأما كذبه فأمر حادث لا دلالة للخبر عليه في الجملة حتى يكون ظهوره تبينا له، بل نقيض لمدلوله. فما يتعلق به يكون علما مستأنفا.. .هذا، ومن الأمور التي تكلم عنها العلماء عند تفسيرهم لهذه الآية ما يأتى:1- أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يحكم بمقتضى اجتهاده في بعض الوقائع. وقد بسط القول في هذه المسألة صاحب المنار فقال ما ملخصه:وقد كان الإذن المعاتب عليه اجتهادا منه صلى الله عليه وسلم فيما لا نص فيه من الوحى، وهو جائز وواقع من الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم. وليسوا بمعصومين من الخطأ فيه، وإنما العصمة المتفق عليها خاصة بتبليغ الوحى ببيانه والعمل به، فيستحيل على الرسول أن يكذب أو أن يخطئ فيما يبلغه عن ربه أو يخالفه بالعمل.ويؤيده حديث طلحة في تأبير النخل إذ رآهم صلى الله عليه وسلم يلقحونها فقال: «ما أظن يغنى ذلك شيئا» فأخذوا بذلك فتركوه ظنا منهم أن قوله هذا من أمر الدين، فنفضت النخل وسقط ثمرها. فأخبر بذلك فقال: «إن كان ينفعهم ذلك فليصنعوه، فإنى ظننت ظنا فلا تؤاخذونى بالظن، ولكن إذا حدثتكم عن الله شيئا فخذوا به، فانى لن أكذب على الله عز وجل» .وقد صرح علماء الأصول بجواز الخطأ في الاجتهاد على الأنبياء. عليهم الصلاة والسلام قالوا: ولكن لا يقرهم الله على ذلك، بل يبين لهم الصواب فيه..» .2- أن من الواجب على المسلم التريث في الحكم على الأمور.قال الفخر الرازي: دلت الآية على وجوب الاحتراز عن العجلة، ووجوب التثبت والتأنى، وترك الاغترار بظواهر الأمور، والمبالغة في التفحص، حتى يمكنه أن يعامل كل فريق بما يستحقه من التقريب أو الإبعاد .3- أن المتتبع لآراء العلماء عند تفسيرهم لهذه الآية يرى لهم ثلاثة أقوال:أما القول الأول فهو لجمهور العلماء: وملخصه: أن المراد بالعفو في قوله سبحانه: عَفَا اللَّهُ عَنْكَ عدم مؤاخذته: صلى الله عليه وسلم في تركه الأولى والأفضل، لأنه كان من الأفضل له ألا يأذن للمنافقين في التخلف عن الجهاد حتى يتبين أمرهم.وهذا القول هو الذي نختاره ونرجحه، لأنه هو المناسب لسياق الآية ولما ورد في سبب نزولها: وأما القول الثاني فهو لصاحب الكشاف: وملخصه: أن العفو هنا كناية عن الجناية، فقد قال: قوله عَفَا اللَّهُ عَنْكَ كناية عن الجناية لأن العفو مرادف لها، ومعناه. أخطأت وبئس ما فعلت، وقوله لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ بيان لما كنى عنه بالعفو .ولم يرتض كثير من العلماء ما ذهب إليه صاحب الكشاف من أن العفو هنا كناية عن الجناية، ووصفوا ما ذهب إليه بالخطإ وإساءة الأدب.قال أبو السعود: ولقد أخطأ وأساء الأدب وبئسما فعل فيما قال وكتب من زعم أن الكلام كناية عن الجناية، وأن معناه أخطأت، وبئس ما فعلت.هب أنه كناية، أليس إيثارها على التصريح بالجناية للتلطيف في الخطاب والتخفيف في العقاب؟: .وقال الشيخ أحمد بن المنير: ليس له- أى الزمخشري: - أن يفسر هذه الآية بهذا التفسير، وهو بين أحد أمرين: إما أن لا يكون هو المراد وإما أن يكون هو المراد، ولكن قد أحل الله نبيه الكريم عن مخاطبته بصريح العتب، وخصوصا في حق المصطفى- عليه الصلاة والسلام- فالزمخشرى على كلا التقديرين ذهل عما يجب في حقه صلى الله عليه وسلم.ولقد أحسن من قال في هذه الآية: إن من لطف الله- تعالى- بنبيه، أن بدأه بالعفو قبل العتب، ولو قال له ابتداء «لم أذنت لهم» لتفطر قلبه- عليه الصلاة والسلام. فمثل هذا الأدب يجب احتذاؤه في حق سيد البشر- عليه الصلاة والسلام .وأما القول الثالث فهو للإمام الفخرى الرازي، ولمن حذا حذوه كالقرطبى وغيره، وملخص هذا القول أنه يجوز أن يكون المراد بالعفو هنا: المبالغة في تعظيم النبي صلى الله عليه وسلم وتوقيره، أو أن قوله- سبحانه-: عَفَا اللَّهُ عَنْكَ افتتاح كلام.قال الفخر الرازي ما ملخصه: لا نسلم أن قوله- تعالى- عَفَا اللَّهُ عَنْكَ يوجب الذنب، ولم لا يجوز أن يقال: إن ذلك يدل على مبالغة الله، تعالى في تعظيمه وتوقيره، كما يقول الرجل لغيره إذا كان معظما عنده، عفا الله عنك ما صنعت في أمرى.. فلا يكون غرضه من هذا الكلام إلا مزيد التبجيل والتعظيم.ويؤيد ذلك قول على بن الجهم يخاطب المتوكل وقد أمر بنفيه:عفا الله عنك ألا حرمة ... تعوذ بعفوك أن أبعداألم تر عبدا عدا طوره ... ومولى عفا ورشيدا هدىأقلنى أقالك من لم يزل ... يقيك، ويصرف عنك الردىوقال القرطبي: قوله: - تعالى- عَفَا اللَّهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ قيل: هو افتتاح كلام كما تقول: أصلحك الله وأعزك ورحمك كان كذا وكذا.. .والذي نراه أن القول الأول هو الراجح لما سبق أن بيناه.ثم بين- سبحانه- الصفات التي يتميز بها المؤمنون الصادقون، عن غيرهم من ضعاف الإيمان، فقال- تعالى-:
9:44
لَا یَسْتَاْذِنُكَ الَّذِیْنَ یُؤْمِنُوْنَ بِاللّٰهِ وَ الْیَوْمِ الْاٰخِرِ اَنْ یُّجَاهِدُوْا بِاَمْوَالِهِمْ وَ اَنْفُسِهِمْؕ-وَ اللّٰهُ عَلِیْمٌۢ بِالْمُتَّقِیْنَ(۴۴)
اور وہ جو اللہ اور قیامت پر ایمان رکھتے ہیں تم سے چھٹی نہ مانگیں گے اس سے کہ اپنے مال اور جان سے جہاد کریں، اور اللہ خوب جا نتا ہے پرہیزگا روں کو،

أى: ليس من شأن المؤمنين الصادقين أن يستأذنوك- يا محمد- في أَنْ يُجاهِدُوا بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ في سبيل إعلاء كلمة الله، ونصرة دينه.. وإنما الذي من شأنهم وعادتهم- كما أثبته واقعهم وتاريخهم- أن ينفروا خفافا وثقالا عند ما يدعو الداعي إلى الجهاد، دون أن ينتظروا إذنا من أحد.فهم لقوة إيمانهم، وصفاء نفوسهم، يسارعون إلى الجهاد بقلوب مشتاقة إليه، وبنفوس تتمنى الموت عن طريقه.وهم في ذلك ممتثلون لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «من خير معاش الناس رجل ممسك بعنان فرسه في سبيل الله يطير على متنه، كلما سمع هيعة- أى صيحة- وفزعا طار على متنه يبتغى القتل أو الموت في مظانه».وقوله: وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالْمُتَّقِينَ تحريض لهم على الاتصاف بهذه الصفة الكريمة، وهي صفة التقوى.والمراد بالعلم هنا لازمه، وهو مجازاتهم بالثواب الجزيل على تقواهم.أى: والله- تعالى- عليم بهؤلاء الذين ملأت خشيته قلوبهم. وسيثيبهم على ذلك ثوابا يرضيهم.هذا، وقد استنبط العلماء من هذه الآية أنه ينبغي على المؤمن أن يقوم بأداء الأعمال الحسنة، والأفعال الجميلة بدون تردد أو استئذان.قال صاحب الانتصاف عند تفسيره لهذه الآية: وهذا الأدب يجب أن يقتفى مطلقا، فلا يليق بالمرء أن يستأذن أخاه في أن يسدى له معروفا، ولا بالمضيف أن يستأذن ضيفه في أن يقدم إليه طعاما فإن الاستئذان في أمثال هذه المواطن أمارة التكلف والتكره. وصلوات الله وسلامه على خليله إبراهيم، فقد بلغ من كرمه وأدبه مع ضيوفه أنه كان لا يتعاطى شيئا من أسباب التهيؤ للضيافة بمرأى منهم، فلذلك مدحه الله- تعالى-: بهذه الخلة الجميلة، فقال:فَراغَ إِلى أَهْلِهِ فَجاءَ بِعِجْلٍ سَمِينٍ.. أى: ذهب على خفاء منهم، كيلا يشعروا به..وقال صاحب المنار: وقد استنبط من الآية أنه لا ينبغي الاستئذان في أداء شيء من الواجبات، ولا في الفضائل والفواضل من العادات، كقرى الضيف، وإغاثة الملهوف، وسائر عمل المعروف.ويعجبني قول بعض العلماء ما معناه: من قال لك أتأكل؟ هل آتيك بكذا من الفاكهة مثلا؟ فقل له: لا فإنه لو أراد أن يكرمك لما استأذنك .
9:45
اِنَّمَا یَسْتَاْذِنُكَ الَّذِیْنَ لَا یُؤْمِنُوْنَ بِاللّٰهِ وَ الْیَوْمِ الْاٰخِرِ وَ ارْتَابَتْ قُلُوْبُهُمْ فَهُمْ فِیْ رَیْبِهِمْ یَتَرَدَّدُوْنَ(۴۵)
تم سے یہ چھٹی وہی مانگتے ہیں جو اللہ اور قیامت پر ایمان نہیں رکھتے (ف۱۰۶) اور ان کے دل شک میں پڑے ہیں تو وہ اپنے شک میں ڈانواں ڈول ہیں (ف۱۰۷)

ثم بين سبحانه- الصفات التي يعرف بها المنافقون، بعد بيانه للصفات التي يعرف بها المؤمنون الصادقون فقال: إِنَّما يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَارْتابَتْ قُلُوبُهُمْ ...أى: إنما يستأذنك- يا محمد- في القعود عن الجهاد أولئك الذين من صفاتهم أنهم لا يؤمنون بالله إيمانا كاملا، ولا يؤمنون باليوم الآخر وما فيه من ثواب وعقاب إيمانا يقينيا.قال الآلوسى: وتخصيص الإيمان بهما- أى بالله واليوم الآخر- في الموضعين للإيذان بأن الباعث على الجهاد والمانع عنه الإيمان بهما وعدم الإيمان بهما، فمن آمن بهما قاتل في سبيل دينه، وهان عليه القتل فيه لما يرجوه في اليوم الآخر من النعيم المقيم، ومن لم يؤمن كان بمعزل عن ذلك. على أن الإيمان بهما مستلزم للإيمان بسائر ما يجب الإيمان به».وقوله: وَارْتابَتْ قُلُوبُهُمْ صفة ثالثة من صفاتهم الذميمة.أى: أنهم بجانب عدم إيمانهم بالله واليوم الآخر، رسخ الريب في قلوبهم فصاروا يشكون في صحة ما جئت به- أيها الرسول الكريم-، ويقفون من تعاليمك وتوجيهاتك، موقف المكذب المرتاب لا موقف المصدق المذعن.وأضاف الشك والارتياب إلى القلوب، لأنها محل المعرفة والإيمان. وأوثرت صيغة الماضي- ارتابت، للدلالة على تحقق الريب وتوبيخهم. وأصل معنى التردد: الذهاب والمجيء. والمراد به هنا التحير على سبيل المجاز، لأن المتحير لا يستقر في مكان، ولا يثبت على حال.أى: فهم في شكهم الذي حل بهم يتحيرون، فنراهم كما وصفهم- سبحانه- في آية أخرى. مُذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذلِكَ لا إِلى هؤُلاءِ وَلا إِلى هؤُلاءِ.. .أى: متحيرين بين الكفر وبين الإيمان.وبذلك نرى أن هاتين الآيتين قد ذكرتا السمات التي بها يتميز المؤمنون الصادقون عن- غيرهم من الذين قالوا آمنا وما هم بمؤمنين.ثم حكى- سبحانه- بعض المسالك الخبيثة التي كان يتبعها هؤلاء المنافقون لمحاربة الدعوة الإسلامية، وكيف أنه- سبحانه- أحبط مكرهم فقال- تعالى-:
9:46
وَ لَوْ اَرَادُوا الْخُرُوْجَ لَاَعَدُّوْا لَهٗ عُدَّةً وَّ لٰكِنْ كَرِهَ اللّٰهُ انْۢبِعَاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ وَ قِیْلَ اقْعُدُوْا مَعَ الْقٰعِدِیْنَ(۴۶)
انہیں نکلنا منظور ہوتا (ف۱۰۸) تو اس کا سامان کرتے مگر خدا ہی کو ان کا اٹھنا پسند ہوا تو ان میں کاہلی بھردی اور (ف۱۰۹) فرمایا گیا کہ بیٹھ رہو بیٹھ رہنے والے کے ساتھ (ف۱۱۰)

وقوله: وَلَوْ أَرادُوا الْخُرُوجَ.. كلام مستأنف لبيان المزيد من رذائل المنافقين. أو معطوف على قوله- سبحانه- قبل ذلك لَوْ كانَ عَرَضاً قَرِيباً وَسَفَراً قاصِداً لَاتَّبَعُوكَ.وقوله: انْبِعاثَهُمْ أى: نهوضهم وانطلاقهم للخروج بنشاط وهمة. من البعث وهو إثارة الإنسان أو الحيوان وتوجيهه إلى الشيء بقوة وخفة.تقول: بعثت البعير فانبعث إذا أثرته للقيام والسير بسرعة.وقوله: «فثبطهم» أى: فمنعهم وحبسهم، من التثبيط «وهو رد الإنسان عن الفعل الذي هم به عن طريق تعويقه عنه ومنعه منه.يقال: ثبطه تثبيطا، أى: قعد به عن الأمر الذي يريده ومنعه منه بالتخذيل ونحوه.والمعنى: ولو أراد هؤلاء المنافقون الخروج معك- يا محمد- إلى تبوك لأعدوا لهذا الخروج عدته اللازمة له من الزاد والراحلة، وغير ذلك من الأشياء التي لا يستغنى عنها المجاهد في سفره الطويل، والتي كانت في مقدورهم وطاقتهم.وقوله. وَلكِنْ كَرِهَ اللَّهُ انْبِعاثَهُمْ استدراك على ما تقدم.أى: ولو أرادوا الخروج لأعدوا له عدته، ولكنهم لم يريدوا ذلك، لأن الله- تعالى- كره خروجهم معك، فحبسهم عنه، لما يعلمه- سبحانه- من نفاقهم وقبح نواياهم، وإشاعتهم للسوء في صفوف المؤمنين.قال صاحب الكشاف: فإن قلت. كيف موقع حرف الاستدراك؟ قلت: لما كان قوله وَلَوْ أَرادُوا الْخُرُوجَ معطيا معنى نفى خروجهم واستعدادهم للغزو، قيل: وَلكِنْ كَرِهَ اللَّهُ انْبِعاثَهُمْ، كأنه قيل: ما خرجوا ولكن تثبطوا عن الخروج لكراهة انبعاثهم، كما تقول.ما أحسن إلى زيد ولكن أساء إلى، .وقال الجمل. وهاهنا يتوجه سؤال، وهو أن خروج المنافقين مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إما أن يكون فيه مصلحة أو مفسدة، فإن كان فيه مصلحة فلم قال: وَلكِنْ كَرِهَ اللَّهُ انْبِعاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ وإن كان فيه مفسدة فلماذا عاتب نبيه صلى الله عليه وسلم في إذنه لهم في القعود؟والجواب عن هذا السؤال: أن خروجهم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم كان فيه مفسدة عظيمة: بدليل أنه- سبحانه- أخبر بتلك المفسدة بقوله لَوْ خَرَجُوا فِيكُمْ ما زادُوكُمْ إِلَّا خَبالًا.بقي أن يقال. فلم عاتب الله نبيه بقوله: لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ فنقول: إنه صلى الله عليه وسلم أذن لهم قبل إتمام الفحص، وإكمال التدبير والتأمل في حالهم، فلهذا السبب قال- تعالى- لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ وقيل إنما عاتبه لأجل أنه أذن لهم قبل أن يوحى إليه في أمرهم بالقعود .وقوله. وَقِيلَ اقْعُدُوا مَعَ الْقاعِدِينَ تذييل المقصود منه ذمهم ووصفهم بالجبن الخالع، والهمة الساقطة، لأنهم بقعودهم هذا سيكونون مع النساء والصبيان والمرضى والمستضعفين الذين لا قدرة لهم على خوض المعارك والحروب.قال الآلوسى. وقوله: وَقِيلَ اقْعُدُوا مَعَ الْقاعِدِينَ: تمثيل لخلق الله داعية القعود فيهم، وإلقائه كراهة الخروج في قلوبهم بالأمر بالقعود أو تمثيل لوسوسة الشيطان بذلك فليس هناك قول حقيقة. ويجوز أن يكون حكاية قول بعضهم لبعض أو حكاية لإذن الرسول صلى الله عليه وسلم لهم في القعود، فيكون القول على حقيقته.هذا، ومن الأحكام التي أخذها العلماء من هذه الآية. أن الفعل يحسن بالنية ويقبح بها.أيضا.، وإن استويا في الصورة، لأن النفير واجب مع نية النصر. وقبيح مع إرادة تحصيل القبيح، وذلك لأنه. تعالى. أخبر أنه كره انبعاثهم لما يحصل من إرادة المكر بالمسلمين.ومنها: أن للإمام أن يمنع من يتهم بمضرة المسلمين من الخروج للجهاد حماية لهم من شروره ومفاسده.ومنها: أن إعداد العدة للجهاد أمر واجب، وقد قال- تعالى- في آية أخرى:وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ.
9:47
لَوْ خَرَجُوْا فِیْكُمْ مَّا زَادُوْكُمْ اِلَّا خَبَالًا وَّ لَاۡاَوْضَعُوْا خِلٰلَكُمْ یَبْغُوْنَكُمُ الْفِتْنَةَۚ-وَ فِیْكُمْ سَمّٰعُوْنَ لَهُمْؕ-وَ اللّٰهُ عَلِیْمٌۢ بِالظّٰلِمِیْنَ(۴۷)
اگر وہ تم میں نکلتے تو ان سے سوا نقصان کے تمہیں کچھ نہ بڑھتنا اور تم میں فتنہ ڈالنے کو تمہارے بیچ یں غرابیں دوڑاتے (فساد ڈالتے) (ف۱۱۱) اور تم میں ان کے جاسوس موجود ہیں (ف۱۱۲) اور اللہ خوب جانتا ہے ظالموں کو،

ثم بين- سبحانه- المفاسد المترتبة على خروج المنافقين في جيش المؤمنين فقال: لَوْ خَرَجُوا فِيكُمْ ما زادُوكُمْ إِلَّا خَبالًا، وأصل الخبال. الاضطراب والمرض الذي يؤثر في العقل كالجنون ونحوه. أو هو الاضطراب في الرأى.أى: لو خرج هؤلاء المنافقون معكم أيها المؤمنون إلى تبوك ما زادوكم شيئا من الأشياء إلا اضطرابا في الرأى وفسادا في العمل، وضعفا في القتال، لأن هذا هو شأن النفوس المريضة التي تكره لكم الخير، وتحب لكم الشر.قال الآلوسى. والاستثناء مفرغ متصل، والمستثنى منه محذوف، ولا يستلزم أن يكون لهم خبال حتى لو خرجوا زادوه لأن الزيادة باعتبار أعم العام الذي وقع منه الاستثناء.وقال أبو حيان: إنه كان في تلك الغزوة منافقون لهم خبال فلو خرج هؤلاء أيضا واجتمعوا بهم زاد الخبال، فلا فساد في ذلك الاستلزام لو ترتب .وقوله: وَلَأَوْضَعُوا خِلالَكُمْ معطوف على قوله: «ما زادوكم» . والإيضاع. كما يقول القرطبي. سرعة السير قال الراجز.يا ليتني فيها جذع ... أخب فيها وأضعيقال: وضع البعير. إذا أسرع في السير، وأوضعته. حملته على العدو.والخلل الفرجة بين الشيئين. والجمع الخلال، أى: الفرج التي تكون بين الصفوف وهو هنا ظرف مكان بمعنى بين، ومفعول الإيضاع محذوف، أى. ولأسرعوا بينكم ركائبهم بالوشايات والنمائم والإفساد.ففي الكلام استعارة تبعية، حيث شبه سرعة إفسادهم لذات البين بسرعة سير الراكب، ثم استعير لها الإيضاع وهو الإبل وأصل الكلام ولأوضعوا ركائبهم، ثم حذفت الركائب.وجملة يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ في محل نصب على الحال من فاعل (أوضعوا) .أى: لو خرجوا فيكم ما زادوكم إلا شرا وفسادا، ولأسرعوا بينكم بالإشاعات الكاذبة، والأقوال الخبيثة، حال كونهم باغين وطالبين لكم الافتتان في دينكم، والتشكيك في صحة عقائدكم، والتثبيط عن القتال، والتخويف من قوة أعدائكم، ونشر الفرقة في صفوفكم.فالمراد بالفتنة هنا: كل ما يؤدى إلى ضعف المسلمين في دينهم أو في دنياهم.وقوله: وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ بيان لأحوال المؤمنين في ذلك الوقت.أى. وفيكم. في ذلك الوقت. يا معشر المؤمنين، أناس كثير والسماع لهؤلاء المنافقين، سريعو الطاعة لما يلقون إليهم من أباطيل.قال ابن كثير. قوله: وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ أى: مطيعون لهم، ومستحسنون لحديثهم وكلامهم، يستنصحونهم وإن كانوا لا يعلمون حالهم، فيؤدى إلى وقوع شر بين المؤمنين وفساد كبير.وقال مجاهد وزيد بن أسلم وابن جرير، (وفيكم سماعون لهم) أى: عيون يسمعون لهم الأخبار وينقلونها إليهم.وهذا لا يبقى له اختصاص بخروجهم معهم، بل هذا عام في جمع الأحوال.والمعنى الأول أظهر في المناسبة بالسياق. وإليه ذهب قتادة وغيره من المفسرين.وقال محمد بن إسحاق: كان الذين استأذنوا، فيما بلغني، من ذوى الشرف، منهم عبد الله بن أبى بن سلول، والجد بن قيس، وكانوا أشرافا في قومهم، فثبطهم الله لعلمه بهم أن يخرجوا فيفسدوا عليه جنده. وكان في جنده قوم أهل محبة لهم، وطاعة فيما يدعونهم إليه لشرفهم فقال: وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ.وقوله: وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ تذييل المقصود منه وعيد هؤلاء المنافقين وتهديدهم بسبب ما قدمت أيديهم من مفاسد.أى: والله- تعالى- لا تخفى عليه خافية من أحوال هؤلاء الظالمين، وسيعاقبهم بالعقاب المناسب لجرائمهم ورذائلهم.وبذلك نرى أن الآية الكريمة قد وضحت أن هناك ثلاث مفاسد كانت ستترتب على خروج هؤلاء المنافقين مع المؤمنين إلى تبوك.أما المفسدة الأولى: فهي زيادة الاضطراب والفوضى في صفوف المجاهدين.وأما المفسدة الثانية: فهي الإسراع بينهم بالوشايات والنمائم والإشاعات الكاذبة.وأما المفسدة الثالثة: فهي الحرص على تفريق كلمتهم، وتشكيكهم في عقيدتهم.وهذه المفاسد الثلاث ما وجدت في جيش إلا وأدت إلى انهزامه وفشله.ومن هنا كان تثبيط الله- تعالى- لهؤلاء المنافقين، نعمة كبرى للمؤمنين.ومن هنا- أيضا- كانت الكثرة العددية في الجيوش لا تؤتى ثمارها المرجوة منها، إلا إذا كانت متحدة في عقيدتها، وأهدافها، واتجاهاتها.. أما إذا كانت هذه الكثرة مشتملة على عدد كبير من ضعاف الإيمان، فإنها في هذه الحالة يكون ضررها أكبر من نفعها.
9:48
لَقَدِ ابْتَغَوُا الْفِتْنَةَ مِنْ قَبْلُ وَ قَلَّبُوْا لَكَ الْاُمُوْرَ حَتّٰى جَآءَ الْحَقُّ وَ ظَهَرَ اَمْرُ اللّٰهِ وَ هُمْ كٰرِهُوْنَ(۴۸)
بیشک انہوں نے پہلے ہی فتنہ چا ہا تھا (ف۱۱۳) اور اے محبوب! تمہارے لیے تدبیریں الٹی پلٹیں (ف۱۱۴) یہاں تک کہ حق آیا (ف۱۱۵) اور اللہ کا حکم ظاہر ہوا (ف۱۱۶) اور انہیں ناگوار تھا،

ثم ذكر الله تعالى- نبيه صلى الله عليه وسلم بطرف من الماضي المظلم لهؤلاء المنافقين فقال:لَقَدِ ابْتَغَوُا الْفِتْنَةَ مِنْ قَبْلُ، وَقَلَّبُوا لَكَ الْأُمُورَ، حَتَّى جاءَ الْحَقُّ، وَظَهَرَ أَمْرُ اللَّهِ وَهُمْ كارِهُونَ.أى: لقد ابتغى هؤلاء المنافقون إيقاع الشرور والمفاسد في صفوف المسلمين، من قبل ما حدث منهم في غزوة تبوك.ومن مظاهر ذلك أنهم ساءهم انتصاركم في غزوة بدر، وامتنعوا عن مناصرتكم في غزوة أحد، متبعين في ذلك زعيمهم عبد الله بن أبى بن سلول، ثم واصلوا حربهم لكم سرا وجهرا حتى كانت غزوة تبوك التي فضح الله فيها أحوالهم.فالمراد بقوله: مِنْ قَبْلُ أى: من قبل هذه الغزوة التي كانت آخر غزوة غزاها رسول الله صلى الله عليه وسلم.أى أن ما صدر عن هؤلاء المنافقين من مسالك خبيثة خلال غزوة تبوك ليس هو الأول من نوعه، بل هم لهم في هذا المضمار تاريخ مظلم بدأ منذ أوائل عهد الدعوة الإسلامية بالمدينة.وقوله: وَقَلَّبُوا لَكَ الْأُمُورَ بيان لتفننهم في وجوه الأذى للنبي صلى الله عليه وسلم وتقليب الأمر: تصريفه، وترديده، وإجالة الرأى فيه، والنظر إليه من كل نواحيه: لمعرفة أى ناحية منه توصل إلى الهدف المنشود.والمراد أن هؤلاء المنافقين قد ابتغوا الأذى للدعوة الإسلامية من قبل هذه الغزوة، ودبروا لصاحبها صلى الله عليه وسلم المكايد، واستعملوا قصارى جهدهم، ومنتهى اجتهادهم، وخلاصة مكرهم، من أجل صد الناس عن الحق الذي جاء به محمد صلى الله عليه وسلم.وقوله: حَتَّى جاءَ الْحَقُّ وَظَهَرَ أَمْرُ اللَّهِ.. غاية لمحذوف، والتقدير: أن هؤلاء المنافقين استمروا على حربهم للدعوة الإسلامية «حتى جاء الحق» أى: النصر الذي وعد الله عباده به «وظهر أمر الله» أى: دينه وشرعه «وهم» أى المنافقون وأشباههم «كارهون» لذلك لأنهم يكرهون انتصار دين الإسلام، ويحبون هزيمته وخذلانه، ولكن الله- تعالى- خيب آمالهم، وأحبط مكرهم.قال الإمام ابن كثير: عند ما قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة، رمته العرب عن قوس واحدة، وحاربته يهود المدينة ومنافقوها، فلما نصره الله يوم بدر وأعلى كلمته، قال عبد الله بن أبى، وأصحابه: هذا أمر قد توجه، فدخلوا في الإسلام ظاهرا، ثم كلما أعز الله الإسلام وأهله غاظهم وساءهم، ولهذا قال- تعالى-: حَتَّى جاءَ الْحَقُّ وَظَهَرَ أَمْرُ اللَّهِ وَهُمْ كارِهُونَ.ثم واصلت السورة الكريمة حديثها عن هؤلاء المنافقين، فحكت جانبا من أعذارهم الكاذبة، ومن أقوالهم الخبيثة.. فقال- تعالى-:
9:49
وَ مِنْهُمْ مَّنْ یَّقُوْلُ ائْذَنْ لِّیْ وَ لَا تَفْتِنِّیْؕ-اَلَا فِی الْفِتْنَةِ سَقَطُوْاؕ-وَ اِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِیْطَةٌۢ بِالْكٰفِرِیْنَ(۴۹)
اور ان میں کوئی تم سے یوں عرض کرتا ہے کہ مجھے رخصت دیجیے اور فتنہ میں نہ ڈالیے (ف۱۱۷) سن لو وہ فتنہ ہی میں پڑے (ف۱۱۸) اور بیشک جہنم گھیرے ہوئے ہے کافروں کو،

روى محمد بن إسحاق ويزيد بن رومان، وعبد الله بن أبى بكر، وعاصم بن قتادة وغيرهم قالوا: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم وهو في جهازه- أى لغزوة تبوك- للجد بن قيس أخى بنى سلمة: «هل لك يا جد في جلاد بنى الأصفر» ؟ - يعنى الروم- فقال الجد: يا رسول الله أو تأذن لي ولا تفتني؟ فو الله لقد عرف قومي ما رجل أشد عجبا بالنساء منى، وإنى أخشى إن رأيت نساء بنى الأصفر ألا أصبر عنهن، فأعرض عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال قد أذنت لك» .ففي الجد بن قيس نزلت هذه الآية وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ ائْذَنْ لِي وَلا تَفْتِنِّي .أى: ومن هؤلاء المنافقين الذين لم ينته الحديث عنهم بعد «من يقول» لك- يا محمد-«ائذن لي» في القعود بالمدينة، «ولا تفتني» أى ولا توقعني في المعصية والإثم بسبب خروجي معك إلى تبوك، ومشاهدتى لنساء بنى الأصفر.وعبر- سبحانه- عن قول هذا المنافق بالفعل المضارع، لاستحضار تلك الحال لغرابتها، فإن مثله في نفاقه وفجوره لا يخشى إثم الافتتان بالنساء إذ لا يجد من دينه مانعا من غشيان الشهوات الحرام.وقوله: أَلا فِي الْفِتْنَةِ سَقَطُوا رد عليه فيما قال، وذم له على ما تفوه به.أى: ألا إن هذا وأمثاله في ذات الفتنة قد سقطوا، لا في أى شيء آخر مغاير لها.وبدأ- سبحانه- الجملة الكريمة بأداة التنبيه «ألا» ، لتأكيد الخبر، وتوجيه الأسماع إلى ما اشتمل عليه من توبيخ لهؤلاء المنافقين.وقدم الجار والمجرور على عامله للدلالة على الحصر. أى فيها لا في غيرها قد سقطوا وهووا إلى قاع سحيق.قال الآلوسى: وفي التعبير عن الافتتان بالسقوط في الفتنة، تنزيل لها منزلة المهواة المهلكة المفصحة عن ترديهم في دركات الردى أسفل سافلين .وقال الفخرى الرازي ما ملخصه: «وفيه تنبيه على أن القوم إنما اختاروا القعود لئلا يقعوا في الفتنة، فالله- تعالى- بيّن أنهم في عين الفتنة واقعون، لأن أعظم أنواع الفتنة الكفر بالله وبرسوله، والتمرد على قبول التكاليف التي كلفنا الله بها..» .وقوله: وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكافِرِينَ وعيد وتهديد لهم على أقوالهم وأفعالهم.أى: وإن جهنم لمحيطة بهؤلاء الكافرين بما جاء من عند الله، دون أن يكون لهم منها مهرب أو مفر.وعبر عن إحاطتها بهم باسم الفاعل الدال على الحال، لإفادة تحقيق ذلك حتى لكأنه واقع مشاهد.قالوا: ويحتمل أنها محيطة بهم الآن، بأن يراد بجهنم الأسباب الموصلة إليها من الكفر والنفاق وغير ذلك من الرذائل التي سقطوا فيها.
9:50
اِنْ تُصِبْكَ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْۚ-وَ اِنْ تُصِبْكَ مُصِیْبَةٌ یَّقُوْلُوْا قَدْ اَخَذْنَاۤ اَمْرَنَا مِنْ قَبْلُ وَ یَتَوَلَّوْا وَّ هُمْ فَرِحُوْنَ(۵۰)
اگر تمہیں بھلائی پہنچے (ف۱۱۹) تو انہیں برا لگے اور اگر تمہیں کوئی مصیبت پہنچے (ف۱۲۰) تو کہیں (ف۱۲۱) ہم نے اپنا کام پہلے ہی ٹھیک کرلیا تھا اور خوشیاں مناتے پھر جائیں،

وقوله: إِنْ تُصِبْكَ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ.. بيان لنوع آخر من خبث نواياهم، وسوء بواطنهم.أى: «إن تصبك» يا محمد حسنة من نصر أو نعمة أو غنيمة- كما حدث يوم بدر- «تسؤهم» تلك الحسنة، وتورثهم حزنا وغما، بسبب شدة عداوتهم لك ولأصحابك.«وإن تصبك مصيبة» من هزيمة أو شدة- كما حدث يوم أحد- «يقولوا» باختيال وعجب وشماتة «قد أخذنا أمرنا من قبل» .أى: قد تلافينا ما يهمنا من الأمر بالحزم والتيقظ، من قبل وقوع المصيبة التي حلت بالمسلمين، ولم نلق بأيدينا إلى التهلكة كما فعل هؤلاء المسلمون.وقوله: وَيَتَوَلَّوْا وَهُمْ فَرِحُونَ تصوير لحالهم، ولما جبلوا عليه من شماتة بالمسلمين.أى: عند ما تصيب المسلمين مصيبة أو مكروه، ينصرف هؤلاء المنافقون إلى أهليهم وشيعتهم- والفرح يملأ جوانحهم- ليبشروهم بما نزل بالمسلمين من مكروه.قال الجمل: فإن قلت: فلم قابل الله الحسنة بالمصيبة، ولم يقابلها بالسيئة كما قال في سورة آل عمران: «وإن تصيبكم سيئة يفرحوا بها» ؟.قلت: لأن الخطاب هنا للنبي صلى الله عليه وسلم وهي في حقه مصيبة يثاب عليها، لا سيئة يعاتب عليها، والتي في آل عمران خطاب للمؤمنين» .
9:51
قُلْ لَّنْ یُّصِیْبَنَاۤ اِلَّا مَا كَتَبَ اللّٰهُ لَنَاۚ-هُوَ مَوْلٰىنَاۚ-وَ عَلَى اللّٰهِ فَلْیَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُوْنَ(۵۱)
تم فرماؤ ہمیں نہ پہنچے گا مگر جو اللہ نے ہمارے لیے لکھ دیا وہ ہمارا مولیٰ ہے اور مسلمانوں کو اللہ ہی پر بھروسہ چاہیے،

وقوله: قُلْ لَنْ يُصِيبَنا إِلَّا ما كَتَبَ اللَّهُ لَنا هُوَ مَوْلانا.. إرشاد للرسول صلى الله عليه وسلم إلى الجواب الذي يكبتهم ويزيل فرحتهم.أى: «قل» يا محمد- لهؤلاء المنافقين الذين يسرهم ما يصيبك من شر، ويحزنهم ما يصيبك من خير، والذين خلت قلوبهم من الإيمان بقضاء الله وقدره، قل لهم على سبيل التقريع والتبكيت. لن يصيبنا إلا ما كتبه الله لنا وقدره علينا «هو مولانا» الذي يتولانا في كل أمورنا، ونلجأ إليه في كل أحوالنا. وعليه وحده- سبحانه نكل أمورنا وليس على أحد سواه.
9:52
قُلْ هَلْ تَرَبَّصُوْنَ بِنَاۤ اِلَّاۤ اِحْدَى الْحُسْنَیَیْنِؕ-وَ نَحْنُ نَتَرَبَّصُ بِكُمْ اَنْ یُّصِیْبَكُمُ اللّٰهُ بِعَذَابٍ مِّنْ عِنْدِهٖۤ اَوْ بِاَیْدِیْنَا ﳲ فَتَرَبَّصُوْۤا اِنَّا مَعَكُمْ مُّتَرَبِّصُوْنَ(۵۲)
تم فرماؤ تم ہم پر کس چیز کا انتظار کرتے ہو مگر دو خوبیوں میں سے ایک کا (ف۱۲۲) اور ہم تم پر اس انتظار میں ہیں کہ اللہ تم پر عذاب ڈالے اپنے پاس سے (ف۱۲۳) یا ہمارے ہاتھوں (ف۱۲۴) تو اب راہ دیکھو ہم بھی تمہارے ساتھ راہ دیکھ رہے ہیں (ف۱۲۵)

وقوله: قُلْ هَلْ تَرَبَّصُونَ بِنا إِلَّا إِحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ.. إرشاد آخر للرسول صلى الله عليه وسلم إلى الجواب الذي يخرس ألسنة هؤلاء المنافقين ويزيل فرحتهم.وقوله: تَرَبَّصُونَ التربص بمعنى الانتظار في تمهل. يقال: فلان يتربص بفلان الدوائر، إذا كان ينتظر وقوع مكروه به.والحسنيان: مثنى الحسنى. والمراد بهما: النصر أو الشهادة.أى: قل يا محمد لهؤلاء المنافقين- أيضا- إنكم ما تنتظرون بنا إلا إحدى العاقبتين اللتين كل واحدة منهما أحسن من جميع العواقب، وهما إما النصر على الأعداء، وفي ذلك الأجر والمغنم والسلامة، وإما أن نقتل بأيديهم وفي ذلك الشهادة والفوز بالجنة والنجاة من النار.قال الآلوسى: والحاصل أن ما تنتظرونه بنا- أيها المنافقون- لا يخلو من أحد هذين الأمرين، كل منهما عاقبته حسنى لا كما تزعمون من أن ما يصيبنا من القتل في الغزو سوء، ولذلك سررتم به.وصح من حديث أبى هريرة عن النبي- صلى الله عليه وسلم- قال: «تكفل الله- تعالى- لمن جاهد في سبيله لا يخرجه من بيته إلا الجهاد في سبيله، وتصديق كلمته أن يدخله الجنة. أو يرجعه إلى مسكنه الذي خرج منه مع ما نال من أجر وغنيمة» .وقوله: وَنَحْنُ نَتَرَبَّصُ بِكُمْ أَنْ يُصِيبَكُمُ اللَّهُ بِعَذابٍ مِنْ عِنْدِهِ أَوْ بِأَيْدِينا بيان لما ينتظر المؤمنون وقوعه بالمنافقين.أى: ونحن معشر المؤمنين نتربص بكم أيها المنافقون إحدى السوءيين من العواقب: إما «أن يصيبكم الله بعذاب» كائن «من عنده» فيهلككم كما أهلك الذين من قبلكم، وإما أن يصيبكم بعذاب كائن «بأيدينا» بأن يأذن لنا في قتالكم وقتلكم.والفاء في قوله: فَتَرَبَّصُوا إِنَّا مَعَكُمْ مُتَرَبِّصُونَ للإفصاح.أى إذا كان الأمر كذلك فتربصوا بنا ما هو عاقبتنا، فإنا معكم متربصون ما هو عاقبتكم، وسترون أن عاقبتنا على كل حال هي الخير، وأن عاقبتكم هي الشر.وبذلك ترى أن هذه الآيات الكريمة، قد حكت طرفا من رذائل المنافقين ومن مسالكهم الخبيثة لكيد الدعوة الإسلامية، وردت عليهم بما يكبتهم، ويفضحهم على رءوس الأشهاد.ثم بين- سبحانه- أن هؤلاء المنافقين نفقاتهم غير مقبولة، لأن قلوبهم خالية من الإيمان.ولأن عباداتهم ليست خالصة لوجه الله، وأن ما ينفقونه سيكون عليهم حسرة فقال- تعالى-:
9:53
قُلْ اَنْفِقُوْا طَوْعًا اَوْ كَرْهًا لَّنْ یُّتَقَبَّلَ مِنْكُمْؕ-اِنَّكُمْ كُنْتُمْ قَوْمًا فٰسِقِیْنَ(۵۳)
تم فرماؤ کہ دل سے خرچ کرو یا ناگواری سے تم سے ہر گز قبول نہ ہوگا (ف۱۲۶) بیشک تم بے حکم لوگ ہو،

روى أن بعض المنافقين قال للنبي صلى الله عليه وسلم عند ما دعاهم إلى الخروج معه إلى تبوك:ائذن لي في القعود وهذا مالي أعينك به، فنزل قوله- تعالى-: قُلْ أَنْفِقُوا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً لَنْ يُتَقَبَّلَ مِنْكُمْ ...والمعنى: قل يا محمد لهؤلاء أنفقوا ما شئتم من أموالكم في وجوه الخير حالة كونكم طائعين، أى: من غير إجبار أحد لكم، أو كارهين، أى بأن تجبروا على هذا الإنفاق إجبارا، فلن يقبل منكم ذلك الإنفاق.والكلام وإن كان قد جاء في صورة الأمر، إلا أن المراد به الخبر وقد أشار إلى ذلك صاحب الكشاف بقوله.فإن قلت: كيف أمرهم بالإنفاق ثم قال: لَنْ يُتَقَبَّلَ مِنْكُمْ؟قلت: هو أمر في معنى الخبر، كقوله- تعالى- قُلْ مَنْ كانَ فِي الضَّلالَةِ فَلْيَمْدُدْ لَهُ الرَّحْمنُ مَدًّا ومعناه: لن يتقبل منكم أنفقتم طوعا أو كرها، ونحوه قوله- تعالى-:اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ وقول الشاعر.أسيئى بنا أو أحسني لا ملومة ... لدينا ولا مقلية إن تقلتأى: لن يغفر الله لهم، استغفرت لهم.. أم لم تستغفر لهم. ولا نلومك سواء أسأت إلينا أم أحسنت ...وجاء الكلام في صورة الأمر، للمبالغة في تساوى الأمرين، وعدم الاعتداد بنفقتهم سواء أقدموها عن طواعية أم عن كراهية.وقوله: لَنْ يُتَقَبَّلَ مِنْكُمْ بيان لثمرة إنفاقهم. أى: لن يتقبل منكم ما أنفقتموه، ولن تنالوا عليه ثوابا.وقوله: إِنَّكُمْ كُنْتُمْ قَوْماً فاسِقِينَ تعليل لعدم قبول نفقاتهم.أى: لن تقبل منكم نفقاتكم بسبب عتوكم في الكفر، وتمردكم على تعاليم الإسلام وخروجكم عن الطاعة والاستقامة.قال القرطبي ما ملخصه. وفي الآية دليل على أن أفعال الكافر إذا كانت برا كصلة القرابة، وجبر الكسير، وإغاثة الملهوف، لا يثاب عليها، ولا ينتفع بها في الآخرة، بيد أنه يطعم بها في الدنيا.دليله ما رواه مسلم عن عائشة- رضى الله عنها- قالت: قلت يا رسول الله، ابن جدعان كان في الجاهلية يصل الرحم، ويطعم المسكين، فهل ذلك نافعه؟قال: لا ينفعه، إنه لم يقل يوما رب اغفر لي خطيئتي يوم الدين.وروى عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الله لا يظلم مؤمنا حسنة يعطى بها في الدنيا ويجزى بها في الآخرة، وأما الكافر فيطعم بحسنات ما عمل لله بها في الدنيا، حتى إذا أفضى إلى الآخرة لم يكن له حسنة يجزى بها» .وقال الجمل: وهذه الآية وإن كانت خاصة في إنفاق المنافقين، فهي عامة في حق كل من أنفق ماله لغير وجه الله، بل أنفقه رياء وسمعة فإنه لا يقبل منه .
9:54
وَ مَا مَنَعَهُمْ اَنْ تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقٰتُهُمْ اِلَّاۤ اَنَّهُمْ كَفَرُوْا بِاللّٰهِ وَ بِرَسُوْلِهٖ وَ لَا یَاْتُوْنَ الصَّلٰوةَ اِلَّا وَ هُمْ كُسَالٰى وَ لَا یُنْفِقُوْنَ اِلَّا وَ هُمْ كٰرِهُوْنَ(۵۴)
اور وہ جو خرچ کرتے ہیں اس کا قبول ہونا بند نہ ہوا مگر اسی لیے کہ وہ اللہ اور رسول سے منکر ہوئے اور نماز کو نہیں آتے مگر جی ہارے اور خرچ نہیں کرتے مگر ناگواری سے (ف۱۲۷)

ثم بين- سبحانه- على سبيل التفصيل لمظاهر فسقهم- أن هناك ثلاثة أسباب أدت إلى عدم قبول نفقاتهم.أما السبب الأول فقد عبر عنه- سبحانه- بقوله: وَما مَنَعَهُمْ أَنْ تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقاتُهُمْ إِلَّا أَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَبِرَسُولِهِ ...أى: وما منعهم قبول نفقاتهم شيء من الأشياء إلا كفرهم بالله- تعالى- ورسوله صلى الله عليه وسلم.فالاستثناء من أهم الأشياء. والضمير في «منعهم» هو المفعول الأول للفعل، وقوله:أَنْ تُقْبَلَ هو المفعول الثاني، لأن الفعل «منع» يتعدى لمفعولين تارة بنفسه كما هنا، وتارة يتعدى إلى المفعول الثاني بحرف الجر وهو حرف «من» أو «عن» .والفاعل ما في حيز الاستثناء وهو قوله: إِلَّا أَنَّهُمْ كَفَرُوا ...وأما السبب الثاني فقد عبر عنه- سبحانه- بقوله: وَلا يَأْتُونَ الصَّلاةَ إِلَّا وَهُمْ كُسالى.ولفظ «كسالى» . جمع كسلان، مأخوذ من الكسل بمعنى التثاقل عن الشيء، والفتور عن أدائه. وفعله بزنة فرح.أى: ولا يأتون الصلاة التي كتبها الله عليهم في حال من الأحوال، إلا في حال كونهم قوم خلت قلوبهم من الإيمان، فصاروا لا يرجون من وراء أدائها ثوابا ولا يخشون من وراء تركها عقابا، وإنما يؤدونها رياء أو تقية للمسلمين.وشبيه بهذه الجملة الكريمة قوله- تعالى- في سورة النساء: إِنَّ الْمُنافِقِينَ يُخادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خادِعُهُمْ وَإِذا قامُوا إِلَى الصَّلاةِ قامُوا كُسالى، يُراؤُنَ النَّاسَ وَلا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلًا.وأما، السبب الثالث فقد عبر عنه- سبحانه- بقوله: وَلا يُنْفِقُونَ إِلَّا وَهُمْ كارِهُونَ.أى. ولا ينفقون نفقة في سبيل الله إلا وهم كارهون لها لأنهم يعدونها مغرما، ويعتبرون تركها مغنما، وما حملهم على الإنفاق إلا الرياء أو المخادعة أو الخوف من انكشاف أمرهم، وافتضاح حالهم.قال صاحب الكشاف: فإن قلت: الكراهية خلاف الطواعية، وقد جعلهم الله- تعالى- طائعين في قوله «طوعا» ثم وصفهم هنا بأنهم لا ينفقون إلا وهم كارهون فكيف ذلك؟قلت: المراد بطوعهم أنهم يبذلون نفقتهم من غير إلزام من رسول الله صلى الله عليه وسلم أو من رؤسائهم، وما طوعهم ذاك إلا عن كراهية واضطرار، لا عن رغبة واختيار .أى: أن نفقتهم في جميع الأحوال لا يقصد بها الاستجابة لشرع الله، وإنما يقصد بها الرياء أو المخادعة، أو خدمة مصالحهم الخاصة.
9:55
فَلَا تُعْجِبْكَ اَمْوَالُهُمْ وَ لَاۤ اَوْلَادُهُمْؕ-اِنَّمَا یُرِیْدُ اللّٰهُ لِیُعَذِّبَهُمْ بِهَا فِی الْحَیٰوةِ الدُّنْیَا وَ تَزْهَقَ اَنْفُسُهُمْ وَ هُمْ كٰفِرُوْنَ(۵۵)
تو تمہیں ان کے مال اور ان کی اولاد کا تعجب نہ آئے، اللہ ہی چاہتا ہے کہ دنیا کی زندگی میں ان چیزوں سے ان پر وبال ڈالے اور اگر کفر ہی پر ان کا دم نکل جائے (ف۱۲۸)

ثم نهى الله- تعالى- المؤمنين في شخص نبيهم صلى الله عليه وسلم عن التطلع إلى ما في أيدى هؤلاء المنافقين فقال. فَلا تُعْجِبْكَ أَمْوالُهُمْ وَلا أَوْلادُهُمْ ...والإعجاب بالشيء معناه: أن تسر به سرورا يجعلك راضيا به ومتمنيا له، والفاء في قوله:فَلا تُعْجِبْكَ للإفصاح.أى إذا كان هذا هو شأن المنافقين، فلا تستحسن. أيها العاقل. ما أعطيناهم إياه من أموال وأولاد، فإنه نوع من الاستدراج.وقوله: إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ بِها فِي الْحَياةِ الدُّنْيا تعليل للنهى عن الإعجاب بما أعطاهم الله من أموال وأولاد.أى: إنما يريد الله بعطائهم تلك الأموال والأولاد أن يعذبهم بها في الحياة الدنيا، وقد بسط الإمام الرازي مظاهر تعذيب المنافقين في الدنيا بالأموال والأولاد فقال ما ملخصه:المنافقون يعذبهم الله بأموالهم وأولادهم في الحياة الدنيا من وجوه:أحدها: أن الرجل إذا آمن بالله واليوم الآخر، علم أنه خلق للآخرة لا للدنيا، وبهذا العلم يفتر حبه للدنيا، وأما المنافق فإنه لما اعتقد أنه لا سعادة له إلا في هذه الخيرات العاجلة، عظمت رغبته فيها، واشتد حبه لها، وكانت الآلام الحاصلة بسبب فواتها أكثر في حقه.. فهذا النوع من العذاب حاصل لهم في الدنيا بسبب الأموال والأولاد.وثانيا: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يكلفهم إنفاق تلك الأموال في وجوه الخيرات، ويكلفهم.إرسال أولادهم إلى الجهاد والغزو، وذلك يوجب تعريض أولادهم للقتل، وهم كانوا يعتقدون أن محمدا ليس صادقا في كونه رسول، وكانوا يعتقدون أن إنفاق تلك الأموال تضييع لها من غير فائدة وأن تعريض أولادهم للقتل التزام لهذا المكروه الشديد من غير فائدة، ولا شك أن هذا كله تعذيب لهم.وثالثا: أنهم كانوا يبغضون محمدا صلى الله عليه وسلم بقلوبهم، ثم إنهم كانوا يحتاجون إلى بذل أموالهم وأولادهم في خدمته. ولا شك أن هذه الحالة شاقة شديدة عليهم.ورابعا: أنهم كانوا خائفين من أن يفتضحوا ويظهر نفاقهم وكفرهم ظهورا تاما، فيصيرون أمثال سائر أهل الحرب من الكفار. وحينئذ يتعرض الرسول صلى الله عليه وسلم لهم بالقتل وسبى الأولاد.. وكل ذلك يوجب ألمهم وقلقهم.وخامسا: أن كثيرا من المنافقين كان لهم أولاد أتقياء كحنظلة بن أبى عامر وعبد الله بن عبد الله بن أبى.. وكانوا لا يرتضون طريقة آبائهم في النفاق، ويقدحون فيهم.والابن إذا صار هكذا عظم تأذى الأب به، واستيحاشه منه، فصار حصول تلك الأولاد سببا لعذابهم.. .وقوله: وَتَزْهَقَ أَنْفُسُهُمْ وَهُمْ كافِرُونَ بيان لسوء مصيرهم في الآخرة بعد بيان عذابهم في الدنيا.وزهوق النفس: خروجها من الجسد بصعوبة ومشقة. يقال: زهقت نفسه تزهق إذا خرجت، وزهق الشيء إذا هلك واضمحل، ومنه قوله- تعالى-: وَقُلْ جاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْباطِلُ....والمعنى: لا تعجبك- أيها العاقل- أموال هؤلاء المنافقين ولا أولادهم إنما يريد الله ليعذبهم بها في الحياة الدنيا، ويريد كذلك أن تخرج أرواحهم من أجسادهم وهم كافرون، فيعذبهم بسبب كفرهم عذابا أليما.فأنت ترى أن الآية الكريمة قد توعدت المنافقين بسوء المصير في الآخرة ولن يحسد إنسان مصيره كهذا المصير.قال الإمام الرازي: ومن تأمل في هذه الآيات عرف أنها مرتبة على أحسن الوجوه، فإنه- سبحانه- لما بين قبائح أفعالهم، وفضائح أعمالهم، بين ما لهم في الآخرة من العذاب الشديد، وما لهم في الدنيا من وجوه المحنة والبلية، ثم بين بعد ذلك أن ما يفعلونه من أعمال البر لا ينتفعون به يوم القيامة ألبتة ثم بين في هذه الآية أن ما يظنونه من منافع الدنيا، فهو في حقيقته سبب لعذابهم وبلائهم وتشديد المحنة عليهم، وعند ذلك يظهر أن النفاق جالب لجميع الآفات في الدنيا والدين، ومبطل لجميع الخيرات في الدين والدنيا ... » .وبعد أن بينت السورة الكريمة أن هؤلاء المنافقين قد خسروا الدنيا والآخرة، أتبعت ذلك بالحديث عن رذائلهم وقبائحهم التي على رأسها الجبن والكذب فقال- تعالى-:
9:56
وَ یَحْلِفُوْنَ بِاللّٰهِ اِنَّهُمْ لَمِنْكُمْؕ-وَ مَا هُمْ مِّنْكُمْ وَ لٰكِنَّهُمْ قَوْمٌ یَّفْرَقُوْنَ(۵۶)
اور اللہ کی قسمیں کھاتے ہیں (ف۱۲۹) کہ وہ تم میں سے ہیں (ف۱۳۰) اور تم میں سے ہیں نہیں (ف۱۳۱) ہاں وہ لوگ ڈرتے ہیں (ف۱۳۲)

أى: أن هؤلاء المنافقين يحلفون بالله لكم- أيها المؤمنون- «إنهم لمنكم» أى: في الدين والملة، والحق أنهم ما هم منكم، لأنهم يظهرون الإسلام ويخفون الكفر، فهم كما وصفهم- سبحانه- في قوله: إِذا جاءَكَ الْمُنافِقُونَ قالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ، وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ، وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنافِقِينَ لَكاذِبُونَ. اتَّخَذُوا أَيْمانَهُمْ جُنَّةً فَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ، إِنَّهُمْ ساءَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ.وقوله: وَلكِنَّهُمْ قَوْمٌ يَفْرَقُونَ استدراك للرد عليهم فيما قالوه وأقسموا عليه كذبا وزورا.وقوله: يَفْرَقُونَ من الفرق، بمعنى الفزع الشديد من أمر يتوقع حصوله.يقال: فرق فرقا إذا اشتد خوفه وهلعه.أى: أن هؤلاء المنافقين لشدة خوفهم وهلعهم- أيها المؤمنون- يحلفون لكم كذبا وزورا بأنهم منكم، والحق أنهم ما هم منكم، ولكنهم قوم جبناء. لا يستطيعون مصارحتكم بالعداوة، ولا يجرؤون على مجابهتكم بما تخفيه قلوبهم لكم من بغضاء.
9:57
لَوْ یَجِدُوْنَ مَلْجَاً اَوْ مَغٰرٰتٍ اَوْ مُدَّخَلًا لَّوَلَّوْا اِلَیْهِ وَ هُمْ یَجْمَحُوْنَ(۵۷)
اگر پائیں کوئی پناہ یا غار یا سما جانے کی جگہ تو رسیاں تڑاتے ادھر پھر جائیں گے (ف۱۳۳)

وقوله- سبحانه-: لَوْ يَجِدُونَ مَلْجَأً أَوْ مَغاراتٍ ... تأكيد لما كان عليه أولئك المنافقون من جبن خالع.والملجأ: اسم للمكان الذي يلجأ إليه الخائف ليحتمى به سواء أكان حصنا أو قلعة أو غيرهما.والمغارات: جمع مغارة وهي المكان المنخفض في الأرض أو في الجبل. قال بعضهم:والغور- بفتح الغين- من كل شيء قعره. يقال: غار الرجل غورا إذا أتى الغور وهو المنخفض من الأرض .والمدخل- بتشديد الدال اسم للموضع الذي يدخلون فيه، بصعوبة ومشقة لضيقه، كالنفق في الأرض.وقوله: يَجْمَحُونَ أى: يسرعون أشد الإسراع مأخوذ من الجموح وهو أن يغلب الفرس صاحبه في سيره وجريه. يقال: جمح الفرس براكبه جموحا، إذا استعصى عليه حتى غلبه.والمعنى: أن هؤلاء المنافقين لو يجدون حصنا يلتجئون إليه أو مغارات يستخفون فيها. أو سردابا في الأرض ينجحرون فيه، لأقبلوا نحوه مسرعين أشد الإسراع دون أن يردهم شيء، كالفرس الجموح الذي عجز صاحبه عن منعه من النفور والعدو.فالآية الكريمة تصوير معجز لما كان عليه أولئك المنافقون من خوف شديد من المؤمنين،ومن بغض دفين لهم، حتى إنهم لو وجدوا شيئا من هذه الأمكنة- التي هي منفور منها- لأسرعوا نحوها إسراعا شديدا.ثم تمضى السورة بعد ذلك في الكشف عن الأقوال المنكرة، والأفعال القبيحة التي كانت تصدر عن المنافقين فتقول.
9:58
وَ مِنْهُمْ مَّنْ یَّلْمِزُكَ فِی الصَّدَقٰتِۚ-فَاِنْ اُعْطُوْا مِنْهَا رَضُوْا وَ اِنْ لَّمْ یُعْطَوْا مِنْهَاۤ اِذَا هُمْ یَسْخَطُوْنَ(۵۸)
اور ان میں کوئی وہ ہے کہ صدقے بانٹنے میں تم پر طعن کرتا ہے (ف۱۳۴) تو اگر ان (ف۱۳۵) میں سے کچھ ملے تو راضی ہوجائیں اور نہ ملے تو جبھی وہ ناراض ہیں،

قال الإمام الرازي: اعلم أن المقصود من هذا، شرح نوع آخر من قبائحهم وفضائحهم، وهو طعنهم في الرسول صلى الله عليه وسلم بسبب أخذ الصدقات من الأغنياء، ويقولون إنه يؤثر بها من يشاء من أقاربه وأهل مودته، وينسبونه إلى أنه لا يراعى العدل، .هذا، وقد ذكر المفسرون في سبب نزول هاتين الآيتين روايات منها:ما أخرجه البخاري والنسائي عن أبى سعيد الخدري- رضى الله عنه- قال: بينما النبي صلى الله عليه وسلم يقسم قسما إذ جاءه ذو الخويصرة التميمي فقال: اعدل يا رسول الله، فقال: «ويلك! ومن يعدل إذا لم أعدل» ؟، فقال عمر بن الخطاب- رضى الله عنه-:ائذن لي فأضرب عنقه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «دعه فإن له أصحابا يحقر أحدكم صلاته مع صلاتهم، وصيامه مع صيامهم، يمرقون من الدين كما يمرق السهم في الرمية ... » .قال أبو سعيد، فنزلت فيهم: وَمِنْهُمْ مَنْ يَلْمِزُكَ فِي الصَّدَقاتِ ...وروى ابن مردويه عن ابن مسعود- رضى الله عنه- قال: «لما قسم النبي صلى الله عليه وسلم غنائم حنين سمعت رجلا يقول: إن هذه قسمة ما أريد بها وجه الله. فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم فذكرت له ذلك فقال: «رحمة الله على موسى، لقد أوذى بأكثر من هذا فصبر» . ونزل وَمِنْهُمْ مَنْ يَلْمِزُكَ فِي الصَّدَقاتِ .وقوله: يَلْمِزُكَ أى: يعيبك ويطعن عليك في قسمة الصدقات وغيرها من الأموال، مأخوذ من اللمز وهو العيب. يقال لمزة وهمزة يلمزه ويهمزه إذا عابه وطعن عليه، ومنه قوله- تعالى-: وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ.وقيل: اللمز ما كان يحضره الملموز، والهمز ما كان في غيابه.والمعنى: ومن هؤلاء المنافقين- يا محمد- من يعيبك ويطعن عليك في قسمة الصدقات والغنائم، زاعمين أنك لست عادلا في قسمتك.وقوله: فَإِنْ أُعْطُوا مِنْها رَضُوا ... بيان لفساد لمزهم وطعنهم، وأن الدافع إليه إنما هو الطمع والشره في حطام الدنيا، وليس الغضب من أجل إحقاق الحق: أو من أجل نشر العدالة بين الناس.أى: أن هؤلاء المنافقين إن أعطيتهم. يا محمد. من تلك الصدقات، رضوا عنك، وحكموا على هذا العطاء بأنه عدل حتى ولو كان ظلما، وإن لم تعطهم منها سخطوا عليك، واتهموك بأنك غير عادل، حتى ولو كان عدم عطائهم هو الحق بعينه، فهم لا يقولون ما يقولونه فيك غضبا للعدل، ولا حماسة للحق، ولا غيرة على الدين.. وإنما يقولون ما يقولون من أجل مطامعهم الشخصية، ومنافعهم الذاتية.قال الجمل. وقوله إِذا هُمْ يَسْخَطُونَ إذا هنا فجائية، قائمة مقام فاء الجزاء في الربط على حد قوله: «وتخلف الفاء إذا المفاجأة» . والأصل. فهم يسخطون، وغاير.سبحانه. بين جوابي الجملتين، للاشارة إلى أن سخطهم ثابت لا يزول ولا يفنى بخلاف رضاهم .وقال صاحب المنار. وقد عبر- سبحانه- عن رضاهم بصيغة الماضي: للدلالة على أنه كان يكون لأجل العطاء في وقته وينقضي، فلا يعدونه نعمة يتمنون دوام الإسلام لدوامها، وعبر عن سخطهم بإذا الفجائية وبالفعل المضارع، للدلالة على سرعته واستمراره. وهذا دأب المنافقين وخلقهم في كل زمان ومكان، كما نراه بالعيان حتى من مدعى كمال الإيمان، والعلم والعرفان
9:59
وَ لَوْ اَنَّهُمْ رَضُوْا مَاۤ اٰتٰىهُمُ اللّٰهُ وَ رَسُوْلُهٗۙ-وَ قَالُوْا حَسْبُنَا اللّٰهُ سَیُؤْتِیْنَا اللّٰهُ مِنْ فَضْلِهٖ وَ رَسُوْلُهٗۤۙ-اِنَّاۤ اِلَى اللّٰهِ رٰغِبُوْنَ۠(۵۹)
اور کیا اچھا ہوتا اگر وہ اس پر راضی ہوتے جو اللہ و رسول نے ان کو دیا اور کہتے ہمیں اللہ کافی ہے اب دیتا ہے ہمیں اللہ اپنے فضل سے اور اللہ کا رسول، ہمیں اللہ ہی کی طرف رغبت ہے (ف۱۳۶)

ثم وضح- سبحانه-: المنهج الذي يليق بأصحاب العقيدة السليمة فقال: وَلَوْ أَنَّهُمْ رَضُوا ما آتاهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ ...أى. ولو أن هؤلاء المنافقين الذين يلمزونك. يا محمد. في الصدقات، رضوا ما أعطاهم الله ورسوله من عطاء، وقالوا- على سبيل الشكر والقناعة- «حسبنا الله» أى: كفانا فضله وما قسمه لنا، «سيؤتينا الله من فضله ورسوله» أى: سيعطينا الله في المستقبل الكثير من فضله وإحسانه، وسيعطينا رسوله من الصدقات وغيرها «إنا إلى الله راغبون» أى: إنا إلى الله راغبون في أن يوسع علينا من فضله، فيغنينا عن الصدقات وغيرها من أموال الناس ومن صلاتهم، لأنه- سبحانه- له خزائن السموات والأرض.وجواب «لو» محذوف. والتقدير: ولو أنهم فعلوا ذلك لكان خيرا لهم.قال الإمام الرازي ما ملخصه: والآية تدل على أن من طلب الدنيا- بطمع وشراهة- آل أمره في الدين إلى النفاق، وأما من طلب الدنيا بتوسط وبغرض التوسل إلى مصالح الدين، فهذا هو الطريق الحق، والأصل في هذا الباب أن يكون راضيا بقضاء الله.ألا ترى أنه- سبحانه- ذكر هنا في هذه الآية مراتب أربعة:أولها: الرضا بما آتاهم الله ورسوله، لعلمه بأنه- تعالى- حكم منزه عن العبث، وكل ما كان حكما له وقضاء كان حقا وصوابا ولا اعتراض عليه.وثانيها: أن يظهر أثر ذلك الرضا على لسانهم وهو قولهم: «حسبنا الله» يعنى: أن غيرنا أخذ المال، ونحن قد رضينا بحكم الله وقضائه. وفزنا بهذه المرتبة العظيمة في العبودية.وثالثها: وهي أن الإنسان إذا لم يبلغ تلك الدرجة العالية التي عندها يقول: «حسبنا الله» ، نزل منها إلى مرتبة أخرى وهي أن يقول: «سيؤتينا الله من فضله ورسوله» .ورابعها: أن يقول: «إنا إلى الله راغبون» فنحن لا نطلب من الإيمان والطاعة أخذ الأموال، وإنما نطلب اكتساب سعادات الآخرة.. .وبعد أن بين- سبحانه- المنهج اللائق بأصحاب العقيدة السليمة في طلب الدنيا عقب ذلك ببيان المستحقين للصدقات فقال- تعالى-.
9:60
اِنَّمَا الصَّدَقٰتُ لِلْفُقَرَآءِ وَ الْمَسٰكِیْنِ وَ الْعٰمِلِیْنَ عَلَیْهَا وَ الْمُؤَلَّفَةِ قُلُوْبُهُمْ وَ فِی الرِّقَابِ وَ الْغٰرِمِیْنَ وَ فِیْ سَبِیْلِ اللّٰهِ وَ ابْنِ السَّبِیْلِؕ-فَرِیْضَةً مِّنَ اللّٰهِؕ-وَ اللّٰهُ عَلِیْمٌ حَكِیْمٌ(۶۰)
زکوٰة تو انہیں لوگوں کے لیے ہے (ف۱۳۷) محتاج اور نرے نادار اور جو اسے تحصیل کرکے لائیں اور جن کے دلوں کو اسلام سے الفت دی جائے اور گردنیں چھڑانے میں اور قرضداروں کو اور اللہ کی راہ میں اور مسافر کو، یہ ٹھہرایا ہوا ہے اللہ کا، اور اللہ علم و حکمت والا ہے

قال الإمام ابن كثير. لما ذكر الله- تعالى- اعتراض المنافقين الجهلة على النبي صلى الله عليه وسلم ولمزهم إياه في قسم الصدقات. بين- سبحانه- أنه هو الذي قسمها، وبين حكمها، وتولى أمرها بنفسه، ولم يكل قسمها إلى أحد غيره فجزأها لهؤلاء المذكورين، كما رواه أبو داود في سنته عن زياد بن الحارث الصدائى قال. أتيت النبي صلى الله عليه وسلم فبايعته، فأتى رجل فقال. أعطنى من الصدقة فقال له. «إن الله لم يرض بحكم نبي ولا غيره. في الصدقات حتى حكم فيها هو، فجزأها ثمانية أصناف، فإن كنت من تلك الأجزاء أعطيتك» .والمراد بالصدقات هنا- عند كثير من العلماء- الزكاة المفروضة.ولفظ الصدقات. مبتدأ، والخبر محذوف، والتقدير: إنما الصدقات مصروفة للفقراء والمساكين ... إلخ.والفقراء. جمع فقير، وهو من له أدنى شيء من المال. أو هو من لا يملك المال الذي يقوم بحاجاته الضرورية من مأكل ومشرب وملبس ومسكن.يقال فقر الرجل يفقر- من باب تعب- إذا قل ماله.قالوا: وأصل الفقير في اللغة: الشخص الذي كسر فقار ظهره، ثم استعمل فيمن قل ماله لانكساره بسبب احتياجه إلى غيره.أو هو من الفقرة بمعنى الحفرة، ثم استعمل فيما ذكر لكونه أدنى حالا من أكثر الناس، كما أن الحفرة أدنى من مستوى سطح الأرض المستوية.والمساكين: جمع مسكين، وهو من لا شيء له، فيحتاج إلى سؤال الناس لسد حاجاته ومطالب حياته.وهو مأخوذ من السكون الذي هو ضد الحركة، لأن احتياجه إلى غيره أسكنه وأذله.وقيل. المسكين هو الذي له مال أو كسب ولكنه لا يكفيه، وعلى هذا يكون قريب الشبه بالفقير.وقوله: وَالْعامِلِينَ عَلَيْها بيان للصنف الثالث من الأصناف الذين تجب لهم الزكاة.والمراد بهم. من كلفهم الإمام بجمع الزكاة وتحصيلها ممن يملكون نصابها.ويدخل فيهم العريف، والحاسب، والكاتب، وحافظ المال، وكل من كلفه الإمام أو نائبه بعمل يتعلق بجمع الزكاة أو حفظها، أو توزيعها.وقوله. وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ بيان للصنف الرابع.والمراد بهم الأشخاص الذين يرى الإمام دفع شيء من الزكاة إليهم تأليفا لقلوبهم، واستمالة لنفوسهم نحو الإسلام، لكف شرهم، أو لرجاء نفعهم، وهم أنواع:منهم قوم من الكفار، كصفوان بن أمية، فقد أعطاه النبي صلى الله عليه وسلم من غنائم حنين، وكان صفوان يومئذ كافرا، ثم أسلم وقال: والله لقد أعطانى النبي صلى الله عليه وسلم وكان أبغض الناس إلى، فما زال يعطيني. حتى أسلمت وإنه لأحب الناس إلى.ومنهم قوم كانوا حديثي عهد بالإسلام وكانوا من ذوى الشرف في أقوامهم فكان النبي صلى الله عليه وسلم يعطيهم، ليثبت إيمانهم، وليدخل معهم في الإسلام أتباعهم.ومن أمثلة ذلك ما فعله الرسول صلى الله عليه وسلم مع الأقرع بن حابس وعيينة بن حصن، والزبرقان بن بدر، فقد أعطاهم صلى الله عليه وسلم لمكانتهم في عشيرتهم، ولشرفهم في أقوامهم.وليدخل معهم في الإسلام غيرهم.ومنهم قوم كانوا ضعاف الإيمان، فكان صلى الله عليه وسلم يعطيهم تأليفا لقلوبهم، وتقوية لإيمانهم.لكي لا يسرى ضعف إيمانهم إلى غيرهم.ومن أمثلة هذا الصنف العباس بن مرداس السلمى، فقد أعطاه النبي صلى الله عليه وسلم تأليفا لقلبه، وتثبيتا لإيمانه.والخلاصة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يتألف قلوب بعض الناس بالعطاء، دفعا لشرهم، أو أملا في نفعهم، أو رجاء هدايتهم.وقوله: وَفِي الرِّقابِ بيان لنوع خامس من مصارف الزكاة. وفي الكلام مجاز بالحذف، والتقدير: وتصرف الصدقات أيضا في فك الرقاب بأن يعان المكاتبون بشيء منها على أداء بدل الكتابة لكن يصيروا أحرارا. أو بأن يشترى بجزء منها عددا من العبيد لكي يعتقوا من الرق.وذلك لأن الإسلام يحبب أتباعه في عتق الرقاب، وفي مساعدة الأرقاء على أن يصيروا أحرارا.وقوله: «والغارمين» من الغرم بمعنى الملازمة للشيء ومنه قوله. تعالى: إِنَّ عَذابَها كانَ غَراماً أى: عذاب جهنم كان ملازما لأهلها من الكافرين.والمراد بالغارمين: من لزمتهم الديون في غير معصية لله، ولا يجدون المال الذي يدفعونه لدائنيهم، فيعطون من الزكاة ما يعينهم على سداد ديونهم.وقوله: وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ بيان لنوع سابع من مصارف الزكاة.والسبيل: الطريق الذي فيه سهولة، وجمعه سبل. وأضيف إلى الله تعالى للإشارة إلى أنه هو السبيل الحق الذي لا يحوم حوله باطل، وهو الذي يوصل السائر فيه إلى مرضاة الله ومثوبته.أى: وتصرف الصدقات في سبيل الله، يدفع جزء منها لمساعدة المجاهدين والغزاة والفقراء الذين خرجوا لإعلاء كلمة الله.قال بعض العلماء ما ملخصه: قال أبو حنيفة ومالك والشافعى. يصرف سهم سبيل الله المذكور في الآية الكريمة إلى الغزاة..، لأن المفهوم في الاستعمال المتبادر إلى الأفهام أن سبيل الله هو الغزو، وأكثر ما جاء في القرآن الكريم كذلك.وقال الإمام أحمد: يجوز صرف سبيل الله إلى مريد الحج.وقال بعضهم. يجوز صرف سبيل الله إلى طلبة العلم.وفسره بعضهم بجميع القربات. فيدخل فيه جميع وجوه الخير، مثل تكفين الموتى، وبناء القناطر، والحصون، وعمارة المساجد «وفي سبيل الله» عام في الكل.. .وقوله: وَابْنِ السَّبِيلِ بيان للصنف الثامن والأخير من الأصناف الذين هم مصارف الزكاة.والمراد بابن السبيل: المسافر المنقطع عن ماله في سفره. ولو كان غنيا في بلده، فيعطى من الزكاة ما يساعده على بلوغ موطنه.وقد اشترط العلماء لابن السبيل الذي يعطى من الصدقة، أن يكون سفره في غير معصيةالله. فإن كان في معصية لم يعط: لأن إعطاءه يعتبر إعانة له على المعصية، وهذا لا يجوز.وقد ألحقوا بابن السبيل، كل من غاب عن ماله، ولو كان في بلده.وقوله. فريضة من الله، منصوب بفعل مقدر أى: فرض الله لهم هذه الصدقات فريضة، فلا يصح لكم أن تبخلوا بها عنهم، أو تتكاسلوا في إعطائها لمستحقيها.فالجملة الكريمة زجر للمخاطبين عن مخالفة أحكامه. سبحانه.وقوله: وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ تذييل قصد به بيان الحكمة من فرضية الزكاة.أى: والله- تعالى- عليم بأحوال عباده، ولا تخفى عليه خافية من تصرفاتهم، حكيم في كل أوامره ونواهيه، فعليكم. أيها المؤمنون. أن تأتمروا بأوامره، وأن تنتهوا عن نواهيه لتنالوا رضاه.هذا، ومن الأحكام والآداب التي أخذها العلماء من هذه الآية ما يأتى:1- أن المراد بالصدقات هنا ما يتناول الزكاة المفروضة وغيرها من الصدقات المندوبة، وذلك لأن اللفظ عام فيشمل كل صدقة سواء أكانت واجبة أم مندوبة، ولأن لفظ الصدقة في عرف الشرع وفي صدر الإسلام، كان يشمل الزكاة المفروضة، والصدقة المندوبة، ويؤيده قوله- تعالى-: خُذْ مِنْ أَمْوالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِها.ومن العلماء من يرى أن المراد بالصدقات في الآية: الزكاة المفروضة، لأن (أل) في الصدقات للعهد الذكرى والمعهود هو الصدقات الواجبة التي أشار إليها القرآن. بقوله قبيل هذه الآية. وَمِنْهُمْ مَنْ يَلْمِزُكَ فِي الصَّدَقاتِ ولأن الصدقات المندوبة يجوز صرفها في غير الأصناف الثمانية كبناء المساجد والمدارس.ويبدو لنا أن لفظ الصدقات في الآية عام بحيث يتناول كل صدقة، إلا أن الزكاة المفروضة تدخل فيه دخولا أوليا.2- قال بعض العلماء: ظاهر الآية يقضى بالقسمة بين الثمانية الأصناف، ويؤيد هذا وجهان.الأول. ما يقتضيه اللفظ اللغوي، إن قلنا. الواو للجمع والتشريك.والثاني. ما رواه أبو داود في سنته من قوله صلى الله عليه وسلم «إن الله لم يرض بحكم نبي ولا غيره في الصدقات، حتى حكم فيها، فجزأها ثمانية أجزاء» .وقد ذهب إلى هذا الشافعى وعكرمة والزهري، إلا إن استغنى أحدهما فتدفع إلى الآخرين بلا خلاف.وذهبت طوائف إلى جواز الصرف في صنف واحد. منهم عمر وابن عباس وعطاء وابن جبير ومالك وأبو حنيفه.قال في التهذيب: وخرجوا عن الظاهر في دلالة الآية المذكورة والخبر بوجوه:الأول: أن الله- تعالى- قال في سورة البقرة: وَإِنْ تُخْفُوها وَتُؤْتُوهَا الْفُقَراءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ فدل على أن ذكر العدد هنا لبيان جنس من يستحقها.الثاني: الخبر، وهو قوله صلى الله عليه وسلم لمعاذ: «أعلمهم أن الله افترض عليهم صدقة في أموالهم تؤخذ من أغنيائهم وترد في فقرائهم.الثالث: حديث سلمة بن صخر. فإنه صلى الله عليه وسلم جعل له صدقة بنى زريق.الرابع: أنه لم يظهر في ذلك خلاف من جهة الصحابة فجرى كالمجمع عليه .3- يرى جمهور العلماء أن الفقراء والمساكين صنفان من مصارف الزكاة لأن الله.- تعالى- قد ذكر كل صنف منهما على حدة، إلا أنهم اختلفوا في أيهما أسوأ حالا من الآخر.فالشافعية يرون أن الفقير أسوأ حالا من المسكين.ومن أدلتهم على ذلك، أن الله. تعالى. بدأ في الآية بالفقراء، وهذا البدء. يشير إلى أنهم أشد حاجة من غيرهم، لأن الظاهر تقديم الأهم على المهم.ولأن لفظ الفقير أصله في اللغة المفقور الذي نزعت فقرة من فقار ظهره فلا يستطيع التكسب، ومعلوم أنه لا حال في الإقلال والبؤس آكد من هذه الحال.ولأن الله. تعالى. وصف بالمسكنة من كانت له سفينة من سفن البحر فقال: أَمَّا السَّفِينَةُ فَكانَتْ لِمَساكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ.. .أما الأحناف والمالكية فيرون أن المسكين أسوأ حالا من الفقير.ومن أدلتهم على ذلك: أن علماء اللغة عرفوا المسكين بأنه أسوأ حالا من الفقير، وإلى هذا ذهب يعقوب بن السكيت، والقتبى، ويونس بن حبيب.ولأن الله- تعالى- وصف المسكين وصفا يدل على البؤس والفاقة فقال: أَوْ مِسْكِيناً ذا مَتْرَبَةٍ أى: مسكينا ذا حاجة شديدة، حتى لكأنه قد لصق بالتراب من شدة الفاقة، ولم يصف الفقير بذلك.. .قال بعض العلماء: وأنت إذا تأملت أدلة الطرفين وجدت أنها متعارضة ومحل نظر، وأياما كان فقد اتفق الرأيان على أن الفقراء والمساكين صنفان.وروى عن أبى يوسف ومحمد أنهما صنف واحد واختاره الجبائي، ويكون العطف بينهما لاختلاف المفهوم. وفائدة الخلاف تظهر فيما إذا أوصى لفلان وللفقراء والمساكين فمن قال إنهما صنف واحد جعل لفلان نصف الموصى به، ومن قال إنهما صنفان جعل له الثلث من ذلك .4- ظاهر الآية يدل على أن الزكاة يجوز دفعها لكل من يشمله اسم الفقير والمسكين، إلا أن هذا الظاهر غير مراد لأن الأحاديث الصحيحة قد قيدت هذا الإطلاق.قال القرطبي: اعلم أن قوله- تعالى-: لِلْفُقَراءِ مطلق ليس فيه شرط وتقييد، بل فيه دلالة على جواز الصرف إلى جملة الفقراء، سواء أكانوا من بنى هاشم أم من غيرهم، إلا أن السنة وردت باعتبار شروط، منها: ألا يكونوا من بنى هاشم، وألا يكونوا ممن تلزم المتصدق نفقته، وهذا لا خلاف فيه.وشرط ثالث ألا يكون قويا على الاكتساب لأنه صلى الله عليه وسلم قال: «لا تحل الصدقة لغنى، ولا لذي مرة سوى» .ولا خلاف بين علماء المسلمين في أن الصدقة المفروضة لا تحل للنبي صلى الله عليه وسلم ولا لبنى هاشم ولا لمواليهم.. .وكذلك لا يصح أن تعطى لغير المسلمين، ففي الصحيحين عن ابن عباس- رضى الله عنهما- أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لمعاذ حين بعثه إلى اليمن: «أعلمهم أن عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم فترد على فقرائهم» فاقتضى ذلك ان الصدقة مقصورة على فقراء المسلمين.إلا أنه نقل عن أبى حنيفة جواز دفع صدقة الفطر إلى الذمي.5- أخذ بعض العلماء من قوله- تعالى- وَالْعامِلِينَ عَلَيْها أنه يجب على الإمام أن يرسل من يراه أهلا لجمع الزكاة ممن تجب عليهم.وقد تأكد هذا الوجوب بفعل النبي صلى الله عليه وسلم فقد ثبت في أحاديث متعددة أنه أرسل بعض الصحابة لجمع الزكاة.روى البخاري عن أبى حميد الساعدي قال: استعمل رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلا على صدقات بنى سليم يدعى ابن اللتبية، فلما جاء حاسبه .6- أخذ بعض العلماء- أيضا- من قوله- تعالى- وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ أن حكمهم باق، لأنهم قد ذكروا من بين مصارف الزكاة، ولأن الرسول صلى الله عليه وسلم قد أعطاهم، فيعطون عند الحاجة.قال الإمام القرطبي ما ملخصه: واختلف العلماء في بقاء المؤلفة قلوبهم.فقال عمر والحسن والشعبي وغيرهم: انقطع هذا الصنف بعز الإسلام وظهوره.وهذا مشهور من مذهب مالك وأصحاب الرأى.قال بعض علماء الحنفية. لما أعز الله الإسلام وأهله، أجمع الصحابة في خلافة أبى بكر على سقوط سهمهم.وقال جماعة من العلماء: هم باقون لأن الإمام ربما احتاج أن يستألف على الإسلام وإنما قطعهم عمر لما رأى من إعزاز الدين.وقال ابن العربي. الذي عندي أنه إن قوى الإسلام زالوا، وإن احتيج إليهم أعطوا سهمهم كما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعطيهم، فإن في الصحيح «بدأ الإسلام غريبا وسيعود كما بدأ» .والذي يبدو لنا أن ما قاله ابن العربي أقرب الأقوال إلى الصواب لأن مسألة إعطاء المؤلفة قلوبهم تختلف باختلاف الأحوال فإن كان الإمام يرى أن من مصلحة الإسلام إعطاءهم أعطاهم، وإن كانت المصلحة في غير ذلك لم يعطهم.7- دلت الآية الكريمة على أن الزكاة ركن من أركان الإسلام، لقوله تعالى «فريضة من الله» .قال بعض العلماء ما ملخصه، تلك هي فريضة الزكاة. ليست أمر الرسول وإنما هي أمر الله وفريضته وقسمته وما الرسول فيها إلا منفذ للفريضة المقسومة من رب العالمين.وهذه الزكاة تؤخذ من الأغنياء على أنها فريضة من الله، وترد على الفقراء على أنها فريضة من الله، وهي محصورة في طوائف من الناس عينهم القرآن وليست متروكة لاختيار أحد حتى ولا اختيار الرسول نفسه.وبذلك تأخذ الزكاة مكانها في شريعة الله، ومكانها في النظام الإسلامى، لا تطوعا ولا تفضلا ممن فرضت عليهم، فهي فريضة محتمة، ولا منحة ولا جزافا من القاسم الموزع فهي فريضة معلومة. إنها إحدى فرائض الإسلام تجمعها الدولة المسلمة بنظام معين لتؤدى بها خدمة اجتماعية محدودة. وهي. ليست إحسانا من المعطى، وليست شحاذة من الآخذ، كلا فما قام النظام الاجتماعى في الإسلام على التسول ولن يقوم.إن قوام الحياة في النظام الإسلامى هو العمل- بكل صنوفه وألوانه- على الدولة المسلمة أن توفر العمل لكل قادر عليه.والزكاة ضريبة تكافل اجتماعي بين القادرين والعاجزين، تنظمها الدولة وتتولاها في الجمع والتوزيع، متى قام المجتمع على أساس الإسلام الصحيح، منفذا شريعة الله لا يبتغى له شرعا ولا منهجا سواه.إن فريضة الزكاة تؤدى في صورة عبادة إسلامية، ليطهر الله بها القلوب من الشح، وليجعلها شرعة تراحم وتضامن بين أفراد الأمة المسلمة.إنها فريضة من الله، الذي يعلم ما يصلح لهذه البشرية، ويدير أمرها بالحكمة وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ .وبعد هذا الحديث عن الصدقات التي كان المنافقون يلمزون الرسول صلى الله عليه وسلم فيها، أخذت السورة في مواصلة حديثها عن رذائل المنافقين، وعن سوء أدبهم.. فقال تعالى-:
9:61
وَ مِنْهُمُ الَّذِیْنَ یُؤْذُوْنَ النَّبِیَّ وَ یَقُوْلُوْنَ هُوَ اُذُنٌؕ-قُلْ اُذُنُ خَیْرٍ لَّكُمْ یُؤْمِنُ بِاللّٰهِ وَ یُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِیْنَ وَ رَحْمَةٌ لِّلَّذِیْنَ اٰمَنُوْا مِنْكُمْؕ-وَ الَّذِیْنَ یُؤْذُوْنَ رَسُوْلَ اللّٰهِ لَهُمْ عَذَابٌ اَلِیْمٌ(۶۱)
اور ان میں کوئی وہ ہیں کہ ان غیب کی خبریں دینے والے کو ستاتے ہیں (ف۱۳۸) اور کہتے ہیں وہ تو کان ہیں، تم فرماؤ تمہارے بھلے کے لیے کا ن ہیں اللہ پر ایمان لاتے ہیں اور مسلمانوں کی بات پر یقین کرتے ہیں (ف۱۳۹) اور جو تم میں مسلمان ہیں ان کے واسطے رحمت ہیں، اور جو رسول اللہ کو ایذا دیتے ہیں ان کے لیے دردناک عذاب ہے،

روى المفسرون في سبب نزول هذه الآية روايات منها ما أخرجه ابن أبى حاتم عن السدى أنها نزلت في جماعة من المنافقين منهم الجلاس بن سويد بن صامت ورفاعة ابن عبد المنذر،ووديعة بن ثابت وغيرهم، قالوا مالا ينبغي في حقه صلى الله عليه وسلم.فقال رجل منهم لا تفعلوا فإنا نخاف أن يبلغ محمدا ما تقولونه فيقع فينا. فقال الجلاس:بل نقول ما شئنا، ثم نأتيه فيصدقنا بما نقول فإن محمدا أذن .فمرادهم بقولهم «هو أذن» أى: كثير الاستماع والتصديق لكل ما يقال له.قال صاحب الكشاف: الأذن: الرجل الذي يصدق كل ما يسمع، ويقبل قول كل أحد، سمى بالجارحة التي هي آلة السماع كأن جملته أذن سامعة ونظيره قولهم للربيئة- أى الطليعة- عين» .وقال بعضهم: «الأذن» الرجل المستمع القابل لما يقال له. وصفوا به الذكر والأنثى والواحد والجمع. فيقال: رجل أذن، وامرأة أذن ورجال ونساء أذن، فلا يثنى ولا يجمع. إنما سموه باسم العضو تهويلا وتشنيعا فهو مجاز مرسل أطلق فيه الجزء على الكل مبالغة بجعل جملته- لفرط استماعه- آلة السماع، كما سمى الجاسوس عينا لذلك» .والمعنى: ومن هؤلاء المنافقين قوم يؤذون النبي صلى الله عليه وسلم فيقولون عنه أنه كثير السماع والتصديق لكل ما يقال له بدون تمييز بين الحق والباطل.وقوله: قُلْ أُذُنُ خَيْرٍ لَكُمْ رد عليهم بما يخرس ألسنتهم ويكبت أنفسهم وهو من قبيل إضافة الموصوف إلى الصفة على سبيل المبالغة في المدح كقولهم رجل صدق أى قد بلغ النهاية في الصدق والاستقامة.والمعنى: قل لهم يا محمد على سبيل التوبيخ والتبكيت: سلمنا. كما تزعمون. أنى كثير السماع والتصديق لما يقال، لكن هذه الكثرة ليست للشر والخير بدون تمييز وإنما هي للخير ولما وافق الشرع فحسب.ويجوز أن تكون الإضافة فيه على معنى «في» ، أى هو أذن في الخير والحق، وليس بأذن في غير ذلك من وجوه الباطل والشر.وهذه الجملة الكريمة من أسمى الأساليب وأحكمها في الرد على المرجفين والفاسقين، لأنه- سبحانه- صدقهم في كونه صلى الله عليه وسلم أذنا، وذلك بما هو مدح له، حيث وصفه بأنه أذن خير لا شر.قال صاحب الإنصاف: لا شيء أبلغ من الرد عليهم بهذا الوجه، لأنه في الأول إطماع لهم بالموافقة ثم كر على طمعهم بالحسم، وأعقبهم في تنقصه باليأس، منه، ولا شيء أقطع من الإطماع ثم اليأس يتلوه ويعقبه .وقوله: يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ، وَرَحْمَةٌ لِلَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ تفسير وتوضيح لكونه صلى الله عليه وسلم أذن خير لهم لا أذن شر عليهم.أى: أن من مظاهر كونه صلى الله عليه وسلم أذن خير، أنه «يؤمن بالله» إيمانا حقا لا يحوم حوله شيء من الرياء، أو الخداع أو غيرهما من ألوان السوء «ويؤمن للمؤمنين» أى: يصدقهم فيما يقولونه من أقوال توافق الشرع لأنهم أصحابه الذين أطاعوه، واتبعوا النور الذي أنزل معه، فهم أهل للتصديق والقبول. دون غيرهم من المنافقين والفاسقين.قال الفخر الرازي: فإن قيل لماذا عدى الإيمان إلى الله بالباء، وإلى المؤمنين باللام؟قلنا: لأن الإيمان المعدى إلى الله المراد منه التصديق الذي هو نقيض الكفر فعدى بالباء.والإيمان المعدى إلى المؤمنين المراد منه الاستماع منهم، والتسليم لقولهم فعدى باللام، كما في قوله وَما أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنا. أى بمصدق لنا. وقوله: أَنُؤْمِنُ لَكَ وَاتَّبَعَكَ الْأَرْذَلُونَ وقوله: قالَ آمَنْتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ .وقوله: وَرَحْمَةٌ لِلَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ معطوف على قوله: أُذُنُ خَيْرٍ لَكُمْ.أى: أن هذا الرسول الكريم بجانب أنه أذن خير لكم هو رحمة للذين آمنوا منكم- أيها المنافقون- إيمانا صحيحا، لأنه عن طريق إرشاده لهم إلى الخير، واتباعهم لهذا الإرشاد يصلون إلى ما يسعدهم في دنياهم وآخرتهم.وعلى هذا يكون المراد بالذين آمنوا من المنافقين: أولئك الذين صدقوا في إيمانهم، وأخلصوا لله قلوبهم، وتركوا النفاق والرياء.أو أن المراد بالذين آمنوا منهم: أولئك الذين أظهروا الإيمان، فيكون المعنى:أن هذا الرسول الكريم رحمة للذين أظهروا الإيمان منكم- أيها المنافقون- حيث إنه صلى الله عليه وسلم عاملهم بحسب الظاهر، دون أن يكشف أسرارهم، أو يهتك أستارهم لأن الحكمة تقتضي ذلك.وعلى هذا المعنى سار صاحب الكشاف فقد قال: وهو رحمة لمن آمن منكم، أى: أظهر الإيمان- أيها المنافقون-، حيث يسمع منكم، ويقبل إيمانكم الظاهر، ولا يكشف أسراركم، ولا يفضحكم، ولا يفعل بكم ما يفعل بالمشركين، مراعاة لما رأى الله من المصلحة في الإبقاء عليكم ... .وقوله: وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ رَسُولَ اللَّهِ لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ تذييل قصد به تهديدهم وزجرهم عن التعرض لرسول الله صلى الله عليه وسلم بأية إساءة.أى: والذين يؤذون رسول الله بأى لون من ألوان الأذى، لهم عذاب أليم في دنياهم وآخرتهم لأنهم بإيذائهم له يكونون قد استهانوا بمن أرسله الله رحمة للعالمين.ثم حكى القرآن بعد ذلك لونا من جبنهم وعجزهم عن مصارحة المؤمنين بالحقائق، فقال- سبحانه-:
9:62
یَحْلِفُوْنَ بِاللّٰهِ لَكُمْ لِیُرْضُوْكُمْۚ-وَ اللّٰهُ وَ رَسُوْلُهٗۤ اَحَقُّ اَنْ یُّرْضُوْهُ اِنْ كَانُوْا مُؤْمِنِیْنَ(۶۲)
تمہارے سامنے اللہ کی قسم کھاتے ہیں (ف۱۴۰) کہ تمہیں راضی کرلیں (ف۱۴۱) اور اللہ و رسول کا حق زائد تھا کہ اسے راضی کرتے اگر ایمان رکھتے تھے،

قال القرطبي: روى أن قوما من المنافقين اجتمعوا، وفيهم غلام من الأنصار يدعى عامر بن قيس، فحقروه وتكلموا فقالوا: إن كان ما يقوله محمد حقا لنحن شر من الحمير. فغضب الغلام وقال: والله إن ما يقوله محمد صلى الله عليه وسلم لحق، ولأنتم شر من الحمير. ثم أخبر النبي صلى الله عليه وسلم بقولهم فحلفوا إن عامرا كاذب.فقال عامر: هم الكذبة، وحلف على ذلك وقال: اللهم لا تفرق بيننا حتى يتبين صدق الصادق وكذب الكاذب. فأنزل الله هذه الآية .فقوله- سبحانه-: يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَكُمْ لِيُرْضُوكُمْ خطاب للمؤمنين الذين كان المنافقون يذكرونهم بالسوء، ثم يأتون إليهم بعد ذلك معتذرين.أى: إن هؤلاء المنافقين يحلفون بالله لكم- أيها المؤمنون- ليرضوكم، فتطمئنوا إليهم، وتقبلوا معاذيرهم.قال أبو السعود: وإفراد إرضائهم بالتعليل مع أن عمدة أغراضهم إرضاء الرسول صلى الله عليه وسلم للإيذان بأن ذلك بمعزل عن أن يكون وسيلة لإرضائه، وأنه- عليه الصلاة والسلام- إنما لم يكذبهم رفقا بهم، وسترا لعيوبهم، لا عن رضا بما فعلوا، وقبول قلبي لما قالوا. .وقوله: وَاللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَنْ يُرْضُوهُ جملة حالية في محل نصب من ضمير «يحلفون» جيء بها لتوبيخهم على إيثارهم رضا الناس على رضا الله ورسوله.أى: هم يحلفون لكم. والحال أن الله ورسوله أحق بالإرضاء منكم لأن الله- تعالى- هو خالقهم ورازقهم ومالك أمرهم، وهو العليم بما ظهر وبطن من أحوالهم. ولأن رسوله صلى الله عليه وسلم هو المبلغ لوحيه- عز وجل- قال صاحب المنار ما ملخصه: وكان الظاهر أن يقال: «يرضوهما» ونكتة العدول عنه إلى «يرضوه» : الإعلام بأن إرضاء رسوله عين إرضائه سبحانه ... وهذا من بلاغة القرآن في نفس الإيجاز. ولو قال «يرضوهما» لما أفاد هذا المعنى إذ يجوز في نفس العبارة أن يكون إرضاء كل منهما في غير ما يكون به إرضاء الآخر، وهو خلاف المراد هنا، وكذلك لو قيل:«والله أحق أن يرضوه، ورسوله أحق أن يرضوه» لا يفيد هذا المعنى أيضا وفيه ما فيه من الركاكة والتطويل ...وقد خرجه علماء النحو على قواعدهم ... وأقرب الأقوال إلى قواعدهم قول سيبويه: إن الكلام جملتان حذف خبر إحداهما لدلالة خبر الأخرى عليه، كقول الشاعر:نحن بما عندنا وأنت بما عندك راض والرأى مختلف.فهذا لا تكلف فيه من ناحية التركيب العربي، ولكن تفوت به النكتة التي ذكرناها ... .وقوله: إِنْ كانُوا مُؤْمِنِينَ تذييل قصد به بيان أن الإيمان الحق لا يتم إلا بإرضاء الله ورسوله عن طريق طاعتهما والانقياد لأوامرهما.أى: إن كانوا مؤمنين حقا، فليعملوا على إرضاء الله ورسوله، بأن يطيعوا أوامرهما، ويجتنبوا نواهيهما، وإلا كانوا كاذبين في دعواهم الإيمان ثم توعدهم- سبحانه- بسوء المصير بسبب مخالفتهم لله ورسوله فقال:
9:63
اَلَمْ یَعْلَمُوْۤا اَنَّهٗ مَنْ یُّحَادِدِ اللّٰهَ وَ رَسُوْلَهٗ فَاَنَّ لَهٗ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدًا فِیْهَاؕ-ذٰلِكَ الْخِزْیُ الْعَظِیْمُ(۶۳)
کیا انہیں خبر نہیں کہ جو خلاف کرے اللہ اور اس کے رسول کا تو اس کے لیے جہنم کی آ گ ہے کہ ہمیشہ اس میں رہے گا، یہی بڑی رسوائی ہے،

أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّهُ مَنْ يُحادِدِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَأَنَّ لَهُ نارَ جَهَنَّمَ خالِداً فِيها ...وقوله: يُحادِدِ من المحادة بمعنى المخالفة والمجانبة والمعاداة، مأخوذة من الحد بمعنى الجانب، كأن كل واحد من المتخاصمين في جانب غير جانب صاحبه. ويقال: حاد فلان فلانا، إذا صار في غير حده وجهته بأن خالفه وعاداه.والاستفهام في الآية الكريمة للتوبيخ والتأنيب وإقامة الحجة.والمعنى: ألم يعلم هؤلاء المنافقون الذين مردوا على الفسوق والعصيان أنه من يخالف تعاليم الله ورسوله، فجزاؤه نار جهنم يصلاها يوم القيامة خالدا فيها؟! إن كانوا لا يعلمون ذلك- على سبيل الفرض- فأعلمهم يا محمد بسوء مصيرهم إذا ما استمروا على نفاقهم ومعاداتهم لله ولرسوله.قال الجمل ما ملخصه: «من» شرطية مبتدأ. وقوله: فَأَنَّ لَهُ نارَ جَهَنَّمَ في موضع المبتدأ المحذوف الخبر، والتقدير. فحق أن له نار جهنم، أى: فكون نار جهنم له أمر حق ثابت. وهذه الجملة جواب من الشرطية، والجملة الشرطية، أى مجموع اسم الشرط وفعله والجزاء خبر أن الأولى، وهي أَنَّهُ مَنْ يُحادِدِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وجملة أن الثانية واسمها وخبرها سدت مسد مفعولي يعلم إن لم يكن بمعنى العرفان، ومسد مفعوله أى الواحد إن كان بمعنى العرفان .واسم الإشارة في قوله: ذلِكَ الْخِزْيُ الْعَظِيمُ يعود على ما ذكر من العذاب أى: ذلك الذي ذكرناه من خلودهم في النار يوم القيامة هو الذل العظيم، الذي يتضاءل أمامه كل خزي وذل في الدنيا.فأنت ترى أن هاتين الآيتين قد ذكرتا جانبا من رذائل المنافقين وأكاذيبهم، وتوعدتا كل مخالف لأوامر الله ورسوله بسوء المصير.ثم واصلت السورة حملتها على المنافقين، فكشفت عن خباياهم، وهتكت أستارهم، وأبطلت معاذيرهم، وتوعدتهم بسوء المصير فقال- تعالى-:
9:64
یَحْذَرُ الْمُنٰفِقُوْنَ اَنْ تُنَزَّلَ عَلَیْهِمْ سُوْرَةٌ تُنَبِّئُهُمْ بِمَا فِیْ قُلُوْبِهِمْؕ-قُلِ اسْتَهْزِءُوْاۚ-اِنَّ اللّٰهَ مُخْرِ جٌ مَّا تَحْذَرُوْنَ(۶۴)
منافق ڈرتے ہیں کہ ان (ف۱۴۲) پر کوئی سورة ایسی اترے جو ان (ف۱۴۳) کے دلوں کی چھپی (ف۱۴۴) جتادے تم فرماؤ ہنسے جاؤ اللہ کو ضرور ظاہر کرنا ہے جس کا تمہیں ڈر ہے،

قال صاحب المنار: هذه الآيات في بيان شأن آخر من شئون المنافقين التي كشفت سوأتهم فيها غزوة تبوك. أخرج ابن أبى شيبة وابن أبى حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد في قوله- تعالى-: يَحْذَرُ الْمُنافِقُونَ أَنْ تُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ سُورَةٌ ...قال: كانوا يقولون القول فيما بينهم ثم يقولون: عسى أن لا يفشى علينا هذا.وعن قتادة قال: كانت هذه السورة تسمى الفاضحة. فاضحة المنافقين، وكان يقال لها المنبئة. أنبأت بمثالبهم وعوراتهم .والضمير في قوله: عَلَيْهِمْ وفي قوله: تُنَبِّئُهُمْ يعود على المنافقين. فيكون المعنى: يَحْذَرُ الْمُنافِقُونَ ويخافون من أَنْ تُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ أى: في شأنهم وحالهم «سورة من سور القرآن الكريم» ، تنبئهم بما في قلوبهم. أى: تخبرهم بما انطوت عليه قلوبهم من أسرار خفية، ومن أقوال كانوا يتناقلونها فيما بينهم، ويحرصون على إخفائها عن المؤمنين.وفي التعبير بقوله: تُنَبِّئُهُمْ مبالغة في كون السورة مشتملة على أسرارهم، حتى أنها تعلم من أحوالهم الباطنة مالا يعلمونه هم عن أنفسهم، فتنبئهم بهذا الذي لا يعلمونه، وتنعى عليهم قبائحهم ورذائلهم. وتذيع على الناس ما كانوا يخشون ظهوره من أقوال ذميمة، وأفعال أثيمة.ومنهم من يرى أن الضمير في قوله عَلَيْهِمْ وقوله: تُنَبِّئُهُمْ يعود على المؤمنين، فيكون المعنى: يحذر المنافقون ويخشون من أن تنزل على المؤمنين سورة تخبرهم بما في قلوب المنافقين من أضغان وأحقاد وفسوق عن أمر الله.وقد ذكر هذين الوجهين صاحب الكشاف فقال: والضمير في «عليهم» و «تنبئهم» للمؤمنين، و «في قلوبهم» للمنافقين. وصح ذلك لأن المعنى يقود إليه.ويجوز أن تكون الضمائر للمنافقين: لأن السورة إذا نزلت في معناهم- أى في شأنهم وأحوالهم- فهي نازلة عليهم. ومعنى «تنبئهم بما في قلوبهم» كأنها تقول لهم: في قلوبكم كيت وكيت: يعنى أنها تذيع أسرارهم عليهم حتى يسمعوها مذاعة منتشرة فكأنها تخبرهم بها» .وقال الإمام الرازي. فإن قيل: المنافق كافر فكيف يحذر نزول الوحى على الرسول صلى الله عليه وسلم؟ قلنا فيه وجوه؟قال أبو مسلم: هذا حذر أظهره المنافقون على وجه الاستهزاء حين رأوا الرسول صلى الله عليه وسلم يذكر كل شيء، ويدعى أنه عن الوحى، وكان المنافقون يكذبون بذلك فيما بينهم، فأخبر الله رسوله بذلك، وأمره أن يعلمهم أنه يظهر سرهم الذي حذروا ظهوره، وفي قوله: قُلِ اسْتَهْزِؤُا دلالة على ما قلناه.2- أن القوم وإن كانوا كافرين بدين الرسول صلى الله عليه وسلم إلا أنهم شاهدوا أنه صلى الله عليه وسلم كان يخبرهم بما يضمرونه ويكتمونه، فلهذه التجربة وقع الحذر والخوف في قلوبهم.3- قال الأصم. إنهم كانوا يعرفون كون الرسول صلى الله عليه وسلم صادقا، إلا أنهم كفروا به حسدا وعنادا ...4- معنى الحذر: الأمر بالحذر. أى: ليحذر المنافقون ذلك.5- أنهم كانوا شاكين في صحة نبوته، وما كانوا قاطعين بفسادها، والشاك خائف، فلهذا السبب خافوا أن ينزل عليه في أمرهم ما يفضحهم . والذي نراه أن الرأى الخامس أقرب الآراء إلى الصواب، لأن المنافقين كانوا مترددين بين الإيمان والكفر: فهم كما وصفهم الله- تعالى- مُذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذلِكَ لا إِلى هؤُلاءِ وَلا إِلى هؤُلاءِ....ومن شأن هذا التذبذب أن يغرس الخوف والحذر في القلوب.أى أن هذا الحذر والإشفاق. كما يقول بعض العلماء. أثر طبيعي للشك والارتياب، لأنهم لو كانوا موقنين بتكذيب الرسول صلى الله عليه وسلم لما خطر لهم هذا الخوف على بال، ولو كانوا موقنين بتصديقه، لما كان هناك محل لهذا الحذر «لأن قلوبهم مطمئنة بالإيمان» .وقوله: قُلِ اسْتَهْزِؤُا إِنَّ اللَّهَ مُخْرِجٌ ما تَحْذَرُونَ تهديد ووعيد لهم على نفاقهم وسوء أدبهم.أى: قل يا محمد لهؤلاء المنافقين المذبذبين بين الحق والباطل، قل لهم، على سبيل التهديد والتبكيت: افعلوا ما شئتم من الاستخفاف بتعاليم الإسلام إن الله- تعالى- مظهر ما تحذرونه من إنزال الآيات القرآنية التي تفضحكم على رءوس الأشهاد، والتي تكشف عن أسراركم، وتهتك أستاركم، وتظهر للمؤمنين ما أردتم إخفاءه عنهم.وأسند الإخراج إلى الله- تعالى- للإشارة إلى أنه- سبحانه- يخرج ما يحذرونه إخراجا لا مزيد عليه من الكشف والوضوح، حتى يحترس منهم المؤمنون ولا يغتروا بأقوالهم المعسولة.
9:65
وَ لَىٕنْ سَاَلْتَهُمْ لَیَقُوْلُنَّ اِنَّمَا كُنَّا نَخُوْضُ وَ نَلْعَبُؕ-قُلْ اَبِاللّٰهِ وَ اٰیٰتِهٖ وَ رَسُوْلِهٖ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِءُوْنَ(۶۵)
اور اے محبوب اگر تم ان سے پوچھو تو کہیں گے کہ ہم تو یونہی ہنسی کھیل میں تھے (ف۱۴۵) تم فرماؤ کیا اللہ اور اس کی آیتوں اور اس کے رسول سے ہنستے ہو،

وقوله: وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّما كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ.. بيان للون آخر من معاذيرهم الكاذبة، وجبنهم عن مواجهة الحقائق.وأصل الخوض- كما يقول الآلوسى- الدخول في مائع مثل الماء والطين، ثم كثر حتى صار اسما لكل دخول فيه تلويث وأذى .أى: ولئن سألت يا محمد هؤلاء المنافقين عن سبب استهزائهم بتعاليم الإسلام ليقولن لك على سبيل الاعتذار، إنما كنا نفعل ذلك على سبيل الممازحة والمداعبة لا على سبيل الجد.وقوله: قُلْ أَبِاللَّهِ وَآياتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِؤُنَ إبطال لحجتهم، وقطع لمعاذيرهم، وتبكيت لهم على جهلهم وسوء أخلاقهم.أى: قل لهم يا محمد- على سبيل التوبيخ والتجهيل- ألم تجدوا ما تستهزءون به في مزاحكم ولعبكم- كما تزعمون- سوى فرائض الله وأحكامه وآياته ورسوله الذي جاء لهدايتكم وإخراجكم من الظلمات إلى النور؟فالاستفهام للإنكار والتوبيخ، ودفع ما تذرعوا به من معاذير واهية.
9:66
لَا تَعْتَذِرُوْا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ اِیْمَانِكُمْؕ-اِنْ نَّعْفُ عَنْ طَآىٕفَةٍ مِّنْكُمْ نُعَذِّبْ طَآىٕفَةًۢ بِاَنَّهُمْ كَانُوْا مُجْرِمِیْنَ۠(۶۶)
بہانے نہ بنا ؤ تم کافر ہوچکے مسلمان ہوکر (ف۱۴۶) اگر ہم تم میں سے کسی کو معاف کریں (ف۱۴۵)تو اوروں کو عذاب دیں گے اس لیے کہ وہ مجرم تھے (ف۱۴۸)

وقوله- سبحانه-: لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمانِكُمْ ... تأكيد لإبطال ما أظهروه من معاذير.والاعتذار معناه محاولة محو أثر الذنب، مأخوذ من قولهم: اعتذرت المنازل إذا اندثرت وزالت، لأن المعتذر يحاول إزالة أثر ذنبه.والمعنى: قل يا محمد لهؤلاء المنافقين المستهزئين بما يجب إجلاله واحترامه وتوقيره: قل لهم على سبيل التوبيخ والتجهيل أيضا- لا تشتغلوا بتلك المعاذير الكاذبة فإنها غير مقبولة، لأنكم بهذا الاستهزاء بالله وآياته ورسوله قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمانِكُمْ أى: قد ظهر كفركم وثبت، بعد إظهاركم الإيمان على سبيل المخادعة، فإذا كنا قبل ذلك نعاملكم معاملة المسلمين بمقتضى نطقكم بالشهادتين فنحن الآن نعاملكم معاملة الكافرين بسبب استهزائكم بالله وآياته ورسوله صلى الله عليه وسلم لأن الاستهزاء بالدين. كما يقول الإمام الرازي. يعد من باب الكفر، إذ أنه يدل على الاستخفاف، والأساس الأول في الإيمان تعظيم الله- تعالى- بأقصى الإمكان، والجمع بينهما محال .وقوله- تعالى-: إِنْ نَعْفُ عَنْ طائِفَةٍ مِنْكُمْ نُعَذِّبْ طائِفَةً بِأَنَّهُمْ كانُوا مُجْرِمِينَ بيان لمظهر من مظاهر عدله- سبحانه- ورحمته.أى: إِنْ نَعْفُ عَنْ طائِفَةٍ مِنْكُمْ- أيها المنافقون- بسبب توبتهم وإقلاعهم عن النفاق، نُعَذِّبْ طائِفَةً أخرى منكم بسبب إصرارهم على النفاق، واستمرارهم في طريق الفسوق والعصيان.هذا، وقد ذكر المفسرون في سبب نزول هذه الآيات روايات منها:ما جاء عن زيد بن أسلم: أن رجلا من المنافقين قال لعوف بن مالك في غزوة تبوك:ما أرى قراءنا هؤلاء إلا أرغبنا بطونا، وأكذبنا ألسنة وأجبننا عند اللقاء!! فقال له عوف:كذبت، ولكنك منافق، لأخبرن رسول الله صلى الله عليه وسلم فذهب عوف إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ليخبره، فوجد القرآن قد سبقه.قال زيد: قال عبد الله بن عمر: فنظرت إليه- أى إلى المنافق- متعلقا بحقب ناقة رسول الله صلى الله عليه وسلم تنكبه الحجارة يقول: إنما كنا نخوض ونلعب، فيقول له الرسول صلى الله عليه وسلم «أبا لله وآياته ورسوله كنتم تستهزءون» .وعن قتادة قال: بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم يسير في غزوته إلى تبوك، وبين يديه ناس من المنافقين فقالوا: يرجو هذا الرجل أن يفتح قصور الشام وحصونها!! هيهات هيهات!.فأطلع الله نبيه صلى الله عليه وسلم على ذلك، فقال نبي الله صلى الله عليه وسلم: «احبسوا على الركب» فأتاهم فقال لهم. قلتم كذا، قلتم كذا. فقالوا: «يا نبي الله إنما كنا نخوض ونلعب» فأنزل الله تبارك وتعالى فيهم ما تسمعون .وقال ابن إسحاق: كان جماعة من المنافقين منهم وديعة بن ثابت.. ومنهم رجل من أشجع حليف لبنى سلمة يقال له «مخشى بن حمير» يسيرون مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو منطلق إلى تبوك- فقال بعضهم- أتحسبون جلاد بنى الأصفر- أى الروم- كقتال العرب بعضهم؟والله لكأنا بكم غدا مقرنين في الحبال، إرجافا وترهيبا للمؤمنين.فقال مخشى بن حمير: والله لوددت أن أقاضى على أن يضرب كل منا مائة جلدة، وأننا ننجو أن ينزل فينا قرآن لمقالتكم هذه.وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما بلغني- لعمار بن ياسر- أدرك القوم فإنهم قد احترقوا، فسلهم عما قالوا، فإن أنكروا فقل: بلى، قلتم كذا وكذا. فانطلق إليهم عمار فقال ذلك لهم، فأتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم يعتذرون إليه.فقال وديعة بن ثابت- ورسول الله صلى الله عليه وسلم واقف على راحلته- يا رسول الله، إنما كنا نخوض ونلعب.فقال مخشى بن حمير: يا رسول الله، قعد بن اسمى واسم أبى، فكان الذي عفى عنه في هذه الآية مخشى بن حمير، فتسمى عبد الرحمن، وسأل الله أن يقتل شهيدا، لا يعلم مكانه.فقتل يوم اليمامة ولم يوجد له أثر .هذه بعض الآثار التي وردت في سبب نزول هذه الآيات، وهي توضح ما كان عليه المنافقون من كذب في المقال، وجبن عن مواجهة الحقائق.ثم مضت السورة الكريمة بعد ذلك في تقرير حقيقة المنافقين، وفي بيان جانب من صفاتهم، والمصير السيئ الذي ينتظرهم فقال سبحانه وتعالى:
9:67
اَلْمُنٰفِقُوْنَ وَ الْمُنٰفِقٰتُ بَعْضُهُمْ مِّنْۢ بَعْضٍۘ-یَاْمُرُوْنَ بِالْمُنْكَرِ وَ یَنْهَوْنَ عَنِ الْمَعْرُوْفِ وَ یَقْبِضُوْنَ اَیْدِیَهُمْؕ-نَسُوا اللّٰهَ فَنَسِیَهُمْؕ-اِنَّ الْمُنٰفِقِیْنَ هُمُ الْفٰسِقُوْنَ(۶۷)
منافق مرد اور منافق عورتیں ایک تھیلی کے چٹے بٹے ہیں (ف۱۴۹) برائی کا حکم دیں (ف۱۵۰) اور بھلائی سے منع کریں (ف۱۵۱) اور اپنی مٹھی بند رکھیں (ف۱۵۲) وہ اللہ کو چھوڑ بیٹھے (ف۱۵۳) تو اللہ نے انہیں چھوڑدیا (ف۱۵۴) بیشک منافق وہی پکے بے حکم ہیں،

قال الإمام الرازي: اعلم أن هذا شرح لنوع آخر من أنواع فضائحهم وقبائحهم، والمقصود بيان أن إناثهم كذكورهم في تلك الأعمال المنكرة، والأفعال الخبيثة فقال:الْمُنافِقُونَ وَالْمُنافِقاتُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ أى: في صفة النفاق، وذلك كما يقول إنسان لآخر: أنت منى وأنا منك. أى: أمرنا واحد لا مباينة فيه ولا مخالفة ....وقوله: يَأْمُرُونَ بِالْمُنْكَرِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمَعْرُوفِ تفصيل لجانب من رذائلهم، ومن مسالكهم الخبيثة.أى: يأمرون غيرهم بكل ما تستنكره الشرائع، وتستقبحه العقول، وينهونه عن كل أمر دعت إليه الأديان، وأحبته القلوب السليمة.وقوله: وَيَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ كناية عن بخلهم وشحهم، لأن الإنسان السخي يبسط يده بالعطاء، بخلاف الممسك القتور فإنه يقبض يده عن ذلك.أى: أن من صفات هؤلاء المنافقين أنهم بخلاء أشحاء عن بذل المال في وجوهه المشروعة.وقوله: نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ كناية عن رسوخهم في الكفر، وانغماسهم في كل ما يبعدهم عن الله- تعالى-.والمقصود بالنسيان هنا لازمه، وهو الترك والإهمال لأن حقيقة النسيان محالة على الله- تعالى-، كما أن النسيان الحقيقي لا يذم صاحبه عليه لعدم التكليف به.أى: تركوا طاعة الله وخشيته ومراقبته، فتركهم- سبحانه- وحرمهم من هدايته ورحمته وفضله.وقوله: إِنَّ الْمُنافِقِينَ هُمُ الْفاسِقُونَ تذييل قصد به المبالغة في ذمهم.أى: إن المنافقين هم الكاملون في الخروج عن طاعة الله، وفي الانسلاخ عن فضائل الإيمان، ومكارم الأخلاق.
9:68
وَعَدَ اللّٰهُ الْمُنٰفِقِیْنَ وَ الْمُنٰفِقٰتِ وَ الْكُفَّارَ نَارَ جَهَنَّمَ خٰلِدِیْنَ فِیْهَاؕ-هِیَ حَسْبُهُمْۚ-وَ لَعَنَهُمُ اللّٰهُۚ-وَ لَهُمْ عَذَابٌ مُّقِیْمٌۙ(۶۸)
اللہ نے منافق مردوں اور منافق عورتوں اور کافروں کو جہنم کی آگ کا وعدہ دیا ہے جس میں ہمیشہ رہیں گے، وہ انہیں بس ہے اور اللہ کی ان پر لعنت ہے اور ان کے لیے قائم رہنے والا عذاب ہے

وقوله- سبحانه-: وَعَدَ اللَّهُ الْمُنافِقِينَ وَالْمُنافِقاتِ وَالْكُفَّارَ نارَ جَهَنَّمَ ... بيان لسوء مصيرهم، بعد بيان جانب من صفاتهم الذميمة.أى: وعد الله- تعالى- المنافقين والمنافقات والكفار المجاهرين بكفرهم «نار جهنم خالدين فيها» خلودا أبديا.وقوله: هِيَ حَسْبُهُمْ أى: إن تلك العقوبة الشديدة كافية لإهانتهم وإذلالهم بسبب فسوقهم عن أمر ربهم.وقوله: وَلَعَنَهُمُ اللَّهُ أى: طردهم وأبعدهم من رحمته ولطفه.وقوله: وَلَهُمْ عَذابٌ مُقِيمٌ أى: ولهم عذاب دائم لا ينقطع فهم في الدنيا يعيشون في عذاب القلق والحذر من أن يطلع المسلمون على نفاقهم، وفي الآخرة يذوقون العذاب الذي هو أشد وأبقى، بسبب إصرارهم على الكفر والفسوق والعصيان.وبذلك نرى الآيتين الكريمتين قد بينتا جانبا من قبائح المنافقين، ومن سوء مصيرهم في عاجلتهم وآجلتهم.ثم ساقت السورة الكريمة- لهؤلاء المنافقين- نماذج لمن حبطت أعمالهم بسبب غرورهم، وضربت لهم الأمثال بمن هلك من الطغاة السابقين بسبب تكذيبهم لأنبيائهم، فقال- تعالى-:
9:69
كَالَّذِیْنَ مِنْ قَبْلِكُمْ كَانُوْۤا اَشَدَّ مِنْكُمْ قُوَّةً وَّ اَكْثَرَ اَمْوَالًا وَّ اَوْلَادًاؕ-فَاسْتَمْتَعُوْا بِخَلَاقِهِمْ فَاسْتَمْتَعْتُمْ بِخَلَاقِكُمْ كَمَا اسْتَمْتَعَ الَّذِیْنَ مِنْ قَبْلِكُمْ بِخَلَاقِهِمْ وَ خُضْتُمْ كَالَّذِیْ خَاضُوْاؕ-اُولٰٓىٕكَ حَبِطَتْ اَعْمَالُهُمْ فِی الدُّنْیَا وَ الْاٰخِرَةِۚ-وَ اُولٰٓىٕكَ هُمُ الْخٰسِرُوْنَ(۶۹)
جیسے وہ جو تم سے پہلے تھے تم سے زور میں بڑھ کر تھے اور ان کے مال اور اولاد سے زیادہ، تو وہ اپنا حصہ (ف۱۵۵) برت گئے تو تم نے اپنا حصہ برتا جیسے اگلے اپنا حصہ برت گئے اور تم بیہودگی میں پڑے جیسے وہ پڑے تھے (ف۱۵۶) ان کے عمل اکارت گئے دنیا اور آخرت میں اور وہی لوگ گھاٹے میں ہیں (ف۱۵۷)

وقوله- تعالى-: كَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ كانُوا أَشَدَّ مِنْكُمْ قُوَّةً ... جاء على أسلوب الالتفات من الغيبة إلى الخطاب لزجر المنافقين، وتحريك نفوسهم إلى الاعتبار والاتعاظ.والكاف في قوله: كَالَّذِينَ للتشبيه، وهي في محل رفع خبر لمبتدأ محذوف.والتقدير: أنتم- أيها المنافقون- حالكم كحال الذين خلوا من قبلكم من الطغاة في الانحراف عن الحق، والاغترار بشهوات الدنيا وزينتها، ولكن هؤلاء الطغاة المهلكين، يمتازون عنكم بأنهم «كانوا أشد منكم قوة» في أبدانهم، وكانوا «أكثر» منكم «أموالا وأولادا» .وقوله: فَاسْتَمْتَعُوا بِخَلاقِهِمْ بيان لموقف هؤلاء المهلكين من نعم الله- تعالى- والخلاق: مشتق من الخلق بمعنى التقدير. وأطلق على الحظ والنصيب لأنه مقدر لصاحبه.أى: كانوا أشد منكم قوة وأكثر أموالا وأولادا، ولكنهم لم يشكروا الله على إحسانه، بل فتنوا بما بين أيديهم من نعم، واستمتعوا بنصيبهم المقدر لهم في هذه الحياة الدنيا، استمتاع الجاحدين الفاسقين.والتعبير بالفاء المفيدة للتعقيب في قوله: فَاسْتَمْتَعُوا للإشعار بأن هؤلاء المهلكين بمجرد أن امتلأت أيديهم بالنعم، قد استعملوها في غير ما خلقت له، وسخروها لإرضاء شهواتهم الخسيسة، وملذاتهم الدنيئة.وقوله: فَاسْتَمْتَعْتُمْ بِخَلاقِكُمْ كَمَا اسْتَمْتَعَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ بِخَلاقِهِمْ ذم للمخاطبين وللذين سبقوهم لانتهاجهم جميعا طريق الشر والبطر.أى: فأنتم- أيها المنافقون- قد استمتعتم بنصيبكم المقدر لكم من ملاذ الدنيا، وشهواتها الباطلة، كما استمتع الذين من قبلكم بنصيبهم في ذلك.وقوله: وَخُضْتُمْ كَالَّذِي خاضُوا معطوف على ما قبله.أى: وخضتم- أيها المنافقون- في حمأة الباطل وفي طريق الغرور والهوى، كالخوض الذي خاضه السابقون من الأمم المهلكة.قال الآلوسى قوله: «وخضتم» أى: دخلتم في الباطل «كالذي خاضوا» .أى: كالذين فحذفت نونه تخفيفا، كما في قول الشاعر:إن الذي حانت بفلج دماؤهم ... هم القوم كل القوم يا أم خالدويجوز أن يكون «الذي» صفة لمفرد اللفظ، مجموع المعنى، كالفوج والفريق، فلوحظ في الصفة اللفظ. وفي الضمير المعنى، أو هو صفة لمصدر محذوف، أى: كالخوض الذي خاضوه، ورجح بعدم التكلف فيه .وقال صاحب الكشاف: فإن قلت: أى فائدة في قوله: فَاسْتَمْتَعُوا بِخَلاقِهِمْ وقوله: كَمَا اسْتَمْتَعَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ بِخَلاقِهِمْ مغن عنه كما أغنى قوله: كَالَّذِي خاضُوا عن أن يقال: وخاضوا فخضتم كالذي خاضوا؟قلت: فائدته أن يذم الأولين بالاستمتاع بما أوتوا من حظوظ الدنيا ورضاهم بها، والتهائهم بشهواتهم الفانية عن النظر في العاقبة، وطلب الفلاح في الآخرة، وأن يخسس أمر الاستمتاع، ويهجن أمر الرضا به، ثم يشبه بعد ذلك حال المخاطبين بحالهم، كما تريد أن تنبه بعض الظلمة على سماجة فعله فتقول: أنت مثل فرعون: كان يقتل بغير جرم، ويعذب ويعسف وأنت تفعل مثل ما فعله.وأما «وخضتم كالذي خاضوا» فمعطوف على ما قبله مستند إليه، مستغن باستناده إليه عن تلك التقدمة» .وقوله: أُولئِكَ حَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ وَأُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ بيان لسوء مصيرهم في الدارين.واسما الإشارة يعودان على المتصفين بتلك الصفات القبيحة من السابقين واللاحقين.أى: أولئك المستمتعون بنصيبهم المقدر لهم في الشهوات الخسيسة، والخائضون في الشرور والآثام «حبطت أعمالهم» أى: فسدت وبطلت أعمالهم التي كانوا يرجون منفعتها «في الدنيا والآخرة» لأن هذه الأعمال لم يكن معها إيمان أو إخلاص، وإنما كان معها الرياء والنفاق، والفسوق والعصيان، والله- تعالى- لا يقبل من الأعمال إلا ما كان خالصا لوجهه الكريم.وقوله: وَأُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ أى: الكاملون في الخسران، الجامعون لكل ما من شأنه أن يؤدى إلى البوار والهلاك.
9:70
اَلَمْ یَاْتِهِمْ نَبَاُ الَّذِیْنَ مِنْ قَبْلِهِمْ قَوْمِ نُوْحٍ وَّ عَادٍ وَّ ثَمُوْدَ ﳔ وَ قَوْمِ اِبْرٰهِیْمَ وَ اَصْحٰبِ مَدْیَنَ وَ الْمُؤْتَفِكٰتِؕ-اَتَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَیِّنٰتِۚ-فَمَا كَانَ اللّٰهُ لِیَظْلِمَهُمْ وَ لٰكِنْ كَانُوْۤا اَنْفُسَهُمْ یَظْلِمُوْنَ(۷۰)
کیا انہیں (ف۱۵۸) اپنے سے اگلوں کی خبر نہ آئی (ف۱۵۹) نوح کی قوم (ف۱۶۰) اور عاد (ف۱۶۱) اور ثمود (ف۱۶۲) اور ابراہیم کی قوم (ف۱۶۳) اور مدین والے (ف۱۶۴) اور وہ بستیاں کہ الٹ دی گئیں (ف۱۶۵) ان کے رسول روشن دلیلیں ان کے پاس لائے تھے (ف۱۶۶) تو اللہ کی شان نہ تھی کہ ان پر ظلم کرتا (ف۱۶۷) بلکہ وہ خود ہی اپنی جانوں پر ظالم تھے (ف۱۶۸)

ثم ساق لهم- سبحانه- من أخبار السابقين ما فيه الكفاية للعظة والاعتبار لو كانوا يعقلون، فقال- تعالى-: أَلَمْ يَأْتِهِمْ نَبَأُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ، قَوْمِ نُوحٍ وَعادٍ وَثَمُودَ....والاستفهام للتقرير والتحذير. والمراد بنبإ الذين من قبلهم: أخبارهم التي تتناول أقوالهم وأعمالهم، كما تتناول ما حل بهم من عقوبات، بسبب تكذيبهم لأنبيائهم.والمعنى: ألم يصل إلى أسماع هؤلاء المنافقين، خبر أولئك المهلكين من الأقوام السابقين بسبب عصيانهم لرسلهم، ومن هؤلاء الأقوام «قوم نوح» الذين أغرقوا بالطوفان، وقوم «عاد» الذين أهلكوا بريح صرصر عاتية، وقوم «ثمود» الذين أخذتهم الرجفة فأصبحوا في دارهم جاثمين، «وقوم إبراهيم» الذين سلب الله نعمه عنهم، وأذل غرور زعيمهم الذي حاج إبراهيم في ربه، «وأصحاب مدين» وهم قوم شعيب الذين أخذتهم الصيحة، «والمؤتفكات» وهم أصحاب قرى قوم لوط، التي جعل الله عاليها سافلها ...والائتفاك: معناه الانقلاب بجعل أعلى الشيء أسفله. يقال: أفكه يأفكه إذا قلبه رأسا على عقب.وذكر- سبحانه- هنا هذه الطوائف الست، لأن آثارهم باقية، ومواطنهم هي الشام والعراق واليمن، وهي مواطن قريبة من أرض العرب، فكانوا يمرون عليها في أسفارهم، كما كانوا يعرفون الكثير من أخبارهم.قال- تعالى-: وَإِنَّكُمْ لَتَمُرُّونَ عَلَيْهِمْ مُصْبِحِينَ، وَبِاللَّيْلِ أَفَلا تَعْقِلُونَ.وقوله: أَتَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ كلام مستأنف لبيان أنبائهم وأخبارهم.أى: أن هؤلاء الأقوام المهلكين السابقين، قد أتتهم رسلهم بالحجج الواضحات الدالة على وحدانية الله وعلى وجوب إخلاص العبادة له..والفاء في قوله: فَما كانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ للعطف على كلام مقدر يدل عليه المقام.أى: أتتهم رسلهم بالبينات، فكذبوا هؤلاء الرسل، فعاقبهم الله- تعالى- على هذا التكذيب. وما كان من سنته- سبحانه- ليظلمهم، لأنه لا يظلم الناس شيئا «ولكن كانوا أنفسهم يظلمون» بسبب كفرهم وجحودهم، واستحبابهم العمى على الهدى، وإيثارهم الغي على الرشد.هذا، ومن هاتين الآيتين الكريمتين نرى بوضوح، أن الغرور بالقوة، والافتتان بالأموال والأولاد، والانغماس في الشهوات والملذات الخسيسة. والخوض في طريق الباطل، وعدم الاعتبار بما حل بالطغاة والعصاة..كل ذلك يؤدى إلى الخسران في الدنيا والآخرة، وإلى التعرض لسخط الله وعقابه.كما نرى منهما أن من سنة الله في خلقه، أنه- سبحانه- لا يعاقب إلا بذنب، ولا يأخذ العصاة والطغاة أخذ عزيز مقتدر، إلا بعد استمرارهم في طريق الغواية، وإعراضهم عن نصح الناصحين، وإرشاد المرشدين. وصدق الله إذ يقول: إِنَّ اللَّهَ لا يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئاً، وَلكِنَّ النَّاسَ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ.وبعد أن تحدثت السورة الكريمة عن أحوال المنافقين، وصفاتهم، وسوء عاقبتهم..أتبعت ذلك بالحديث عن المؤمنين الصادقين، وعما أعده الله لهم من نعيم مقيم، فقال- سبحانه-:
9:71
وَ الْمُؤْمِنُوْنَ وَ الْمُؤْمِنٰتُ بَعْضُهُمْ اَوْلِیَآءُ بَعْضٍۘ-یَاْمُرُوْنَ بِالْمَعْرُوْفِ وَ یَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَ یُقِیْمُوْنَ الصَّلٰوةَ وَ یُؤْتُوْنَ الزَّكٰوةَ وَ یُطِیْعُوْنَ اللّٰهَ وَ رَسُوْلَهٗؕ-اُولٰٓىٕكَ سَیَرْحَمُهُمُ اللّٰهُؕ-اِنَّ اللّٰهَ عَزِیْزٌ حَكِیْمٌ(۷۱)
اور مسلمان مرد اور مسلمان عورتیں ایک دوسرے کے رفیق ہیں (ف۱۶۹) بھلائی کا حکم دیں (ف۱۷۰) اور برائی سے منع کریں اور نماز قائم رکھیں اور زکوٰة دیں اور اللہ و رسول کا حکم مانیں، یہ ہیں جن پر عنقریب اللہ رحم کرے گا، بیشک اللہ غالب حکمت والا ہے،

قال الإمام ابن كثير: لما ذكر- سبحانه- صفات المنافقين الذميمة، عطف بذكر صفات المؤمنين المحمودة فقال: وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِناتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ أى: يتناصرون ويتعاضدون كما جاء في الحديث الصحيح: «المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا» . وفي الصحيح- أيضا-: «مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر» .وقال- سبحانه- هنا بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ بينما قال في المنافقين بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ للإشعار بأن المؤمنين في تناصرهم وتعاضدهم وتراحمهم مدفوعون بدافع العقيدة الدينية التي ألفت بين قلوبهم، وجعلتهم أشبه ما يكونون بالجسد الواحد، أما المنافقون فلا توجد بينهم هذه الروابط السامية، وإنما الذي يوجد بينهم هو التقليد واتباع الهوى، والسير وراء العصبية الممقوتة، فهم لا ولاية بينهم، وإنما الذي بينهم هو التقليد وكراهية ما أنزل الله على رسوله صلى الله عليه وسلم.وقوله يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ ... بيان للآثار التي تترتب على تلك الولاية الخالصة، وتفصيل للصفات الحسنة التي تحلى بها المؤمنون والمؤمنات.أى: أن من صفات هؤلاء المؤمنين والمؤمنات الذين جمعتهم العقيدة الدينية على التناصر والتراحم.. من صفاتهم أنهم يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ أى يأمرون بكل خير دعا إليه الشرع، وينهون عن كل شر تأباه تعاليم الإسلام الحنيف.وقوله: وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ أى: يؤدونها في أوقاتها بإخلاص وخشوع..وقوله: وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ أى: يعطونها لمستحقيها بدون منّ أو أذى..وقوله: وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أى: في سائر الأحوال بدون ملل أو انقطاع أو تكاسل..وقوله: أُولئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ بيان للجزاء الطيب الذي ادخره الله- تعالى- لهم.أى: أولئك المؤمنون والمؤمنات المتصفون بتلك الصفات السامية، سيرحمهم الله- تعالى- برحمته الواسعة، إنه- سبحانه- «عزيز» لا يعجزه شيء «حكيم» في كل أفعاله وتصرفاته.قال صاحب الكشاف: «والسين هنا مفيدة لوجود الرحمة، فهي تؤكد الوعد، كما تؤكد الوعيد كما في قولك: سأنتقم منك يوما، تعنى أنك لا تفوتني وإن تباطأ ذلك، ونحوه: إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمنُ وُدًّا
9:72
وَعَدَ اللّٰهُ الْمُؤْمِنِیْنَ وَ الْمُؤْمِنٰتِ جَنّٰتٍ تَجْرِیْ مِنْ تَحْتِهَا الْاَنْهٰرُ خٰلِدِیْنَ فِیْهَا وَ مَسٰكِنَ طَیِّبَةً فِیْ جَنّٰتِ عَدْنٍؕ-وَ رِضْوَانٌ مِّنَ اللّٰهِ اَكْبَرُؕ-ذٰلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِیْمُ۠(۷۲)
اللہ نے مسلمان مردوں اور مسلمان عورتوں کو باغوں کا وعدہ دیا ہے جن کے نیچے نہریں رواں ان میں ہمیشہ رہیں گے اور پاکیزہ مکانوں کا (ف۱۷۱) بسنے کے باغوں میں، اور اللہ کی رضا سب سے بڑی (ف۱۷۲) یہی ہے بڑی مراد پانی،

ثم فصل- سبحانه- مظاهر رحمته للمؤمنين والمؤمنات أصحاب تلك الصفات السابقة فقال: وَعَدَ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ.أى: وَعَدَ اللَّهُ بفضله وكرمه الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ أى: من تحت بساتينها وأشجارها وقصورها خالِدِينَ فِيها في تلك الجنات خلودا أبديا.ووعدهم كذلك «مساكن طيبة» أى: منازل حسنة، تنشرح لها الصدور وتستطيبها النفوس.وقوله: «في جنات عدن» أى في جنات ثابتة مستقرة. يقال: فلان عدن بمكان كذا، إذا استقر به وثبت فيه، ومنه سمى المعدن معدنا لاستقراره في باطن الأرض.وقيل: إن كلمه «عدن» علم على مكان مخصوص في الجنة، أى في جنات المكان المسمى بهذا الاسم وهو «عدن» .ثم بشرهم- سبحانه- بما هو أعظم من كل ذلك فقال: وَرِضْوانٌ مِنَ اللَّهِ أَكْبَرُ.أى أن المؤمنين والمؤمنات ليس لهم هذه الجنات والمساكن الطيبة فحسب وإنما لهم ما هو أكبر من ذلك وأعظم وهو رضا الله- تعالى- عنهم، وتجليه عليهم، وتشرفهم بمشاهدة ذاته الكريمة، وشعورهم بأنهم محل رعاية الله وكرمه.والتنكير في قوله: وَرِضْوانٌ للتعظيم والتهويل، وللإشارة إلى أن الشيء اليسير من هذا الرضا الإلهى على العبد، أكبر من الجنات ومن المساكن الطيبة، ومن كل حطام الدنيا.روى الشيخان عن أبى سعيد الخدري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إن الله- عز وجل- يقول لأهل الجنة: يا أهل الجنة، فيقولون: لبيك ربنا وسعديك والخير في يديك.فيقول: هل رضيتم؟ فيقولون: وما لنا لا نرضى يا رب، وقد أعطيتنا ما لم تعط أحدا من خلقك؟ فيقول: ألا أعطيكم أفضل من ذلك؟ فيقولون: يا ربنا وأى شيء أفضل من ذلك؟فيقول: أحل عليكم رضواني فلا أسخط عليكم بعده أبدا» .وروى البزار في مسنده عن جابر بن عبد الله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا دخل أهل الجنة الجنة، قال الله- تعالى-: هل تشتهون شيئا فأزيدكم؟قالوا: يا ربنا وما خير مما أعطيتنا؟ قال: رضواني أكبر» .وقوله: ذلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ أى: ذلك الذي وعد الله به المؤمنين والمؤمنات في جنات ومساكن طيبة، ومن رضا من الله عنهم، هو الفوز العظيم الذي لا يقاربه فوز، ولا يدانيه نعيم، ولا يسامى شرفه شرف..وبهذا نرى أن هاتين الآيتين الكريمتين قد بشرتا المؤمنين والمؤمنات بأعظم البشارات، ووصفتهم بأشرف الصفات، وقابلت بين جزائهم وبين جزاء الكفار والمنافقين، بما يحمل العاقل على أن يسلك طريق المؤمنين، وعلى أن ينهج نهجهم، ويتحلى بأوصافهم ... وبذلك يفوز بنعيم الله ورضاه كما فازوا، ويسعد كما سعدوا، وينجو من العذاب الذي توعد الله به المنافقين والكافرين، بسبب إصرارهم على الكفر والنفاق، وإيثارهم الغىّ على الرشد.ثم أمر الله- تعالى- رسوله صلى الله عليه وسلم بمجاهدة الكفار والمنافقين بكل وسيلة، لأنهم جميعا لا يريدون الانتهاء عن المكر السيئ بالدعوة الإسلامية فقال- تعالى-:
9:73
یٰۤاَیُّهَا النَّبِیُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَ الْمُنٰفِقِیْنَ وَ اغْلُظْ عَلَیْهِمْؕ-وَ مَاْوٰىهُمْ جَهَنَّمُؕ-وَ بِئْسَ الْمَصِیْرُ(۷۳)
اے غیب کی خبریں دینے والے (نبی) جہاد فرماؤ کافروں اور منافقوں پر (ف۱۷۳) اور ان پر سختی کرو، اور ان کا ٹھکانا دوزخ ہے، اور کیا ہی بری جگہ پلٹنے کی،

وقوله- سبحانه- جاهِدِ من المجاهدة، بمعنى بذل الجهد في دفع ما لا يرضى، سواء أكان ذلك بالقتال أم بغيره.وقوله: وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ من الغلظة التي هي نقيض الرقة والرأفة. يقال أغلظ فلان في الأمر إذا اشتد فيه ولم يترفق.ونحن عند ما نقرأ السيرة النبوية، نجد أنه صلى الله عليه وسلم بعد هجرته إلى المدينة، ظل فترة طويلة يلاين المنافقين، ويغض الطرف عن رذائلهم. ويصفح عن مسيئهم.. إلا أن هذه المعاملة الحسنة لهم زادتهم رجسا إلى رجسهم.. لذا جاءت هذه السورة- وهي من أواخر ما نزل من القرآن لتقول للنبي صلى الله عليه وسلم لقد آن الأوان لإحلال الشدة والحزم، محل اللين والرفق، فإن للشدة مواضعها وللين مواضعه..والمعنى: عليك- أيها النبي الكريم- أن تجاهد الكفار بالسيف إذا كان لا يصلحهم سواه، وأن تجاهد المنافقين- الذين يظهرون الإسلام ويخفون الكفر- بما تراه مناسبا لردهم وزجرهم وإرهابهم، سواء أكان ذلك باليد أم باللسان أم بغيرهما، حتى تأمن شرهم.قال الإمام ابن كثير، أمر الله رسوله صلى الله عليه وسلم بجهاد الكفار والمنافقين، كما أمره أن يخفض جناحه لمن اتبعه من المؤمنين.. وقد تقدم عن أمير المؤمنين على بن أبى طالب أنه قال:بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم بأربعة أسياف. سيف للمشركين فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ ... وسيف للكفار أهل الكتاب قاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلا يُحَرِّمُونَ ما حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ ...وسيف للمنافقين جاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنافِقِينَ وسيف للبغاة فَقاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلى أَمْرِ اللَّهِ وهذا يقتضى أنهم يجاهدون بالسيوف إذا أظهروا النفاق، وهو اختيار ابن جرير.وقال ابن مسعود في قوله: جاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنافِقِينَ قال: بيده، فإن لم يستطع فليكشر في وجهه- أى فليلق المنافق بوجه عابس لا طلاقة فيه ولا انبساط.وقال ابن عباس: أمره الله- تعالى- بجهاد المنافقين باللسان وأذهب الرفق عنهم.وقد يقال أنه لا منافاة بين هذه الأقوال، لأنه تارة يؤاخذهم بهذا، وتارة بهذا على حسب الأحوال ... .والضمير المجرور في قوله: وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ يعود على الفريقين: الكفار والمنافقين أى: جاهدهم بكل ما تستطيع مجاهدتهم به، مما يقتضيه الحال، واشدد عليهم في هذه المجاهدة بحيث لا تدع مجالا معهم للترفق واللين، فإنهم ليسوا أهلا لذلك، بعد أن عموا وصموا عن النصيحة، وبعد أن لجوا في طغيانهم.وقوله: وَمَأْواهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ تذييل قصد به بيان سوء مصيرهم في الآخرة بعد بيان ما يجب على المؤمنين نحوهم في الدنيا.أى: عليك- أيها النبي- أن تجاهدهم وأن تغلظ عليهم في الدنيا، أما في الآخرة فإن جهنم هي دارهم وقرارهم.والمخصوص بالذم محذوف والتقدير: وبئس المصير مصيرهم، فانه لا مصير أسوأ من الخلود في جهنم.ومن هذه الآية الكريمة نرى أن على المؤمنين- في كل زمان ومكان- أن يجاهدوا أعداءهم من الكفار والمنافقين بالسلاح الذي يرونه كفيلا بأن يجعل كلمة الله هي العليا وكلمة الذين كفروا السفلى.ثم بين- سبحانه- ما كان عليه المنافقون من كذب وفجور، ومن خيانة وغدر، وفتح أمامهم باب التوبة، وأنذرهم بالعذاب الأليم إذا ما استمروا في نفاقهم فقال- سبحانه-:
9:74
یَحْلِفُوْنَ بِاللّٰهِ مَا قَالُوْاؕ-وَ لَقَدْ قَالُوْا كَلِمَةَ الْكُفْرِ وَ كَفَرُوْا بَعْدَ اِسْلَامِهِمْ وَ هَمُّوْا بِمَا لَمْ یَنَالُوْاۚ-وَ مَا نَقَمُوْۤا اِلَّاۤ اَنْ اَغْنٰىهُمُ اللّٰهُ وَ رَسُوْلُهٗ مِنْ فَضْلِهٖۚ-فَاِنْ یَّتُوْبُوْا یَكُ خَیْرًا لَّهُمْۚ-وَ اِنْ یَّتَوَلَّوْا یُعَذِّبْهُمُ اللّٰهُ عَذَابًا اَلِیْمًاۙ-فِی الدُّنْیَا وَ الْاٰخِرَةِۚ-وَ مَا لَهُمْ فِی الْاَرْضِ مِنْ وَّلِیٍّ وَّ لَا نَصِیْرٍ(۷۴)
اللہ کی قسم کھاتے ہیں کہ انہوں نے نہ کہا (ف۱۷۴) اور بیشک ضرور انہوں نے کفر کی بات کہی اور اسلام میں آکر کافر ہوگئے اور وہ چاہا تھا جو انہیں نہ ملا (ف۱۷۵) اور انہیں کیا برا لگا یہی نہ کہ اللہ و رسول نے انہیں اپنے فضل سے غنی کردیا (ف۱۷۶) تو اگر وہ توبہ کریں تو ان کا بھلا ہے، اور اگر منہ پھیریں (ف۱۷۷) تو اللہ انہیں سخت عذاب کرے گا دنیا اور آخرت میں، اور زمین میں کوئی نہ ان کا حمایتی ہوگا اور نہ مددگار (ف۱۷۸)

ذكر المفسرون في سبب نزول هذه الآية روايات منها: ما رواه ابن جرير عن هشام بن عروة عن أبيه قال: نزلت هذه الآية: يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ ما قالُوا. الآية في الجلاس بن سويد بن الصامت. أقبل هو وابن امرأته مصعب من قباء. فقال الجلاس: إن كان ما يقول محمد حقا لنحن أشر من حمرنا هذه التي نحن عليها!! فقال مصعب: أما والله يا عدو الله لأخبرن رسول الله صلى الله عليه وسلم بما قلت: قال مصعب:فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم. وخشيت أن ينزل في القرآن أو تصيبني قارعة.. فقلت يا رسول الله:أقبلت أنا والجلاس من قباء. فقال كذا وكذا، ولولا مخافة أن أخلط بخطيئة أو تصيبني قارعة ما أخبرتك.قال مصعب: فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم الجلاس فقال له: أقلت الذي قال مصعب؟فحلف الجلاس بأنه ما قال ذلك. فأنزل الله الآية» .وأخرج ابن إسحاق وابن أبى حاتم عن كعب بن مالك قال: لما نزل القرآن وفيه ذكر المنافقين قال الجلاس بن سويد: والله لئن كان هذا الرجل صادقا لنحن شر من الحمير.فسمعه عمير بن سعد فقال: والله يا جلاس إنك لأحب الناس إلى. وأحسنهم عندي أثرا.ولقد قلت مقالة لئن ذكرتها لتفضحنك، ولئن سكت عنها هلكت، ولإحداهما أشد على من الأخرى.فمشى عمير إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر ما قال الجلاس. فسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم الجلاس عما قاله عمير، فحلف بالله ما قال ذلك، وزعم أن عميرا كذب عليه فنزلت هذه الآية .وقال الإمام أحمد: حدثنا يزيد أخبرنا الوليد بن عبد الله بن جميع عن أبى الطفيل.قال: لما أقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم من غزوة تبوك أمر مناديه فنادى إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذ طريق العقبة- وهو مكان مرتفع ضيق- فلا يأخذها أحد.قال: فبينما رسول الله صلى الله عليه وسلم يقود ركابه حذيفة ويسوقه عمار، إذا أقبل رهط ملثمون على الرواحل، فغشوا عمارا وهو يسوق برسول الله صلى الله عليه وسلم، فأقبل عمار يضرب وجوه الرواحل. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لحذيفة: «قد، قد» . أى حسبك حسبك. حتى هبط رسول الله صلى الله عليه وسلم ورجع عمار.فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم يا عمار: «هل عرفت القوم» ؟ فقال: لقد عرفت عامة الرواحل والقوم متلثمون. قال: «هل تدرى ما أرادوا» ؟ قال: الله ورسوله أعلم. قال:«أرادوا أن ينفروا برسول الله صلى الله عليه وسلم راحلته فيطرحوه» .. .هذه بعض الروايات التي وردت في سبب نزول هذه الآية وهي تكشف عن كذب المنافقين وغدرهم.وقوله. سبحانه: يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ ما قالُوا ... استئناف مسوق لبيان جانب مما صدر عنهم من جرائم تستدعى جهادهم والإغلاظ عليهم.أى: يحلف هؤلاء المنافقون بالله كذبا وزورا أنهم ما قالوا هذا القول القبيح الذي بلغك عنهم يا محمد.والحق أنهم قد قالوا «كلمة الكفر» وهي تشمل كل ما نطقوا به من أقوال يقصدون بها إيذاءه. صلى الله عليه وسلم، كقولهم: «هو أذن» وقولهم. «لئن كان ما جاء به حقا فنحن أشر من حمرنا ... » وغير ذلك من الكلمات القبيحة التي نطقوا بها.وأنهم قد «كفروا بعد إسلامهم» أى: أظهروا الكفر بعد إظهارهم الإسلام.وأنهم قد «هموا بما لم ينالوا» أى: حاولوا إلحاق الأذى برسول الله صلى الله عليه وسلم ولكنهم لم يستطيعوا ذلك، لأن الله تعالى. عصمه من شرورهم.وقوله: وَما نَقَمُوا إِلَّا أَنْ أَغْناهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ مِنْ فَضْلِهِ توبيخ لهم على جحودهم وكنودهم ومقابلتهم الحسنة بالسيئة.ومعنى: نقموا: كرهوا وعابوا وأنكروا، يقال نقم منه الشيء إذا أنكره، وكرهه وعابه، وكذا إذا عاقبه عليه.أى: وما أنكر هؤلاء المنافقون من أمر الإسلام شيئا، إلا أنهم بسببه أغناهم الله ورسوله من فضله بالغنائم وغيرها من وجوه الخيرات التي كانوا لا يجدونها قبل حلول الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه بينهم.وهذه الجملة الكريمة جاءت على الأسلوب الذي يسميه علماء البلاغة: تأكيد المدح بما يشبه الذم.قال الجمل: كأنه قال- سبحانه- ليس له صلى الله عليه وسلم صفة تكره وتعاب، سوى أنه ترتب على قدومه إليهم وهجرته عندهم، إغناء الله إياهم بعد شدة الحاجة، وهذه ليست صفة ذم- بل هي صفة مدح- فحينئذ ليس له صفة تذم أصلا» .وشبيه بهذا الأسلوب قول الشاعر يمدح قوما بالشجاعة والإقدام.ولا عيب فيهم غير أن سيوفهم ... بهن فلول من قراع الكتائبثم ختم- سبحانه- الآية الكريمة بترغيبهم وترهيبهم فقال: فَإِنْ يَتُوبُوا يَكُ خَيْراً لَهُمْ. وَإِنْ يَتَوَلَّوْا يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ عَذاباً أَلِيماً فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ..أى: فإن يتب هؤلاء المنافقون عن نفاقهم وشقاقهم وقبائح أقوالهم وأفعالهم، يكن المتاب خيرا لهم في دنياهم وآخرتهم. «وإن يتولوا» ويعرضوا عن الحق: ويستمروا في ضلالهم «يعذبهم الله عذابا أليما في الدنيا والآخرة» .أما عذاب الدنيا فمن مظاهره: حذرهم وخوفهم من أن يطلع المؤمنون على أسرارهم وجبنهم عن مجابهة الحقائق، وشعورهم بالضعف أمام قوة المسلمين، وإحساسهم بالعزلة والمقاطعة من جانب المؤمنين ومعاقبة الرسول صلى الله عليه وسلم إياهم بالعقوبة المناسبة لجرمهم..وأما عذاب الآخرة، فهو أشد وأبقى، بسبب إصرارهم على النفاق، وإعراضهم عن دعوة الحق.وقوله: وَما لَهُمْ فِي الْأَرْضِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ تذييل قصد به تيئيسهم من كل معين أو ناصر.أى: أن هؤلاء المنافقين ليس لهم أحد في الأرض يدفع عنهم عذاب الله، أو يحميهم من عقابه، لأن عقاب الله لن يدفعه دافع إلا هو، فعليهم أن يثوبوا إلى رشدهم، وأن يتوبوا إلى ربهم قبل أن يحل بهم عذابه.ثم حكى- سبحانه- بعد ذلك نماذج أخرى من جحودهم، ونقضهم لعهودهم، وبخلهم بما آتاهم الله من فضله فقال- سبحانه-.
9:75
وَ مِنْهُمْ مَّنْ عٰهَدَ اللّٰهَ لَىٕنْ اٰتٰىنَا مِنْ فَضْلِهٖ لَنَصَّدَّقَنَّ وَ لَنَكُوْنَنَّ مِنَ الصّٰلِحِیْنَ(۷۵)
اور ان میں کوئی وہ ہیں جنہوں نے اللہ سے عہد کیا تھا کہ اگر ہمیں اپنے فضل سے دے تو ہم ضرور خیرات کریں گے اور ہم ضرور بھلے آدمی ہوجائیں گے (ف۱۷۹)

قال الإمام ابن كثير ما ملخصه: وقد ذكر كثير من المفسرين منهم ابن عباس والحسن البصري، أن سبب نزول هذه الآيات أن ثعلبة بن حاطب الأنصارى قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم يا رسول الله، ادع الله أن يرزقني مالا. فقال له الرسول صلى الله عليه وسلم: «ويحك يا ثعلبة، قليل تؤدى شكره خير من كثير لا تطيقه. ثم قال له مرة أخرى: «أما ترضى أن تكون مثل نبي الله؟ فو الذي نفسي بيده لو شئت أن تصير الجبال معى ذهبا وفضة لصارت» .فقال ثعلبة، والذي بعثك بالحق لئن دعوت الله فرزقني مالا لأعطين كل ذي حق حقه.فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «اللهم ارزق ثعلبة مالا» .فاتخذ ثعلبة غنما فنمت، ثم ضاقت عليه المدينة فتنحى عنها ونزل واديا من أوديتها حتى جعل يصلى الظهر والعصر في جماعة ويترك ما سواهما. ثم نمت وكثرت فتنحى حتى ترك الصلوات إلا الجمعة، ثم ترك الجمعة..وأنزل الله- تعالى- قوله: خُذْ مِنْ أَمْوالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِها فبعث الرسول صلى الله عليه وسلم رجلين على الصدقة من المسلمين.. وقال لهما: «مرا على ثعلبة وعلى فلان. رجل من بنى سليم. فخذا صدقاتهما» .فخرجا حتى أتيا ثعلبة فسألاه الصدقة، وأقرآه كتاب رسول الله. فقال: ما هذه إلا جزية، ما هذه إلا أخت الجزية، ما أدرى ما هذا؟ انطلقا حتى تفرغا ثم عودا إلى.فانطلقا وسمع بهما السلمى «فنظر إلى خيار أسنان إبله فعزلها للصدقة. ثم استقبلهم بها.فلما رأوها قالوا له: ما يجب عليك هذا، وما نريد أن نأخذ هذا منك. فقال: بل خذوها فإن نفسي بذلك طيبة، فأخذاها منه ومرا على ثعلبة فقال لهما: أرونى كتابكما فقرأه فقال: ما هذه إلا جزية ... انطلقا حتى أرى رأيى.فانطلقا حتى أتيا النبي صلى الله عليه وسلم، فلما رآهما قال: «يا ويح ثعلبة» قبل أن يكلمهما، ودعا للسلمى بالبركة. فأخبراه بالذي صنعه ثعلبة معهما..فأنزل الله تعالى: وَمِنْهُمْ مَنْ عاهَدَ اللَّهَ لَئِنْ آتانا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ.. الآيات.فسمع رجل من أقارب ثعلبة هذه الآيات فذهب إليه وأخبره بما أنزل فيه من قرآن.فخرج ثعلبة حتى أتى النبي صلى الله عليه وسلم وسأله أن يقبل منه صدقته فقال له: إن الله منعني أن أقبل منك صدقتك..ثم لم يقبلها منه بعد ذلك أبو بكر أو عمر أو عثمان، وهلك ثعلبة في خلافة عثمان .هذا، وقد ضعف بعض العلماء هذا الحديث، لأسباب تتعلق بسنده، وبصاحب القصة وهو ثعلبة بن حاطب.والذي نراه أن هذه الآيات الكريمة تحكى صورة حقيقية وواقعية لبعض المنافقين المعاصرين للعهد النبوي. والذين عاهدوا الله فنقضوا عهودهم معه، وقابلوا ما أعطاهم من نعم بالبخل والجحود..وتلك الصورة قد تكون لثعلبة بن حاطب وقد تكون لغيره، لأن المهم هو حصولها فعلا من بعض المنافقين.وهذه الآيات- أيضا- تنطبق في كل زمان ومكان على من يقابل نعم الله بالكفران، إذ العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب.وإلى هذا المعنى أشار صاحب المنار بقوله: هذا بيان لحال طائفة من أولئك المنافقين الذين أغناهم الله ورسوله من فضله بعد الفقر والإملاق، ويوجد مثلهم في كل زمان، وهم الذين يلجئون إلى الله- تعالى- في وقت العسرة والفقر، أو الشدة والضر، فيدعونه ويعاهدونه على الشكر له، والطاعة لشرعه، إذا هو كشف ضرهم، وأغنى فقرهم. فإذا استجاب لهم نكسوا على رءوسهم، ونكصوا على أعقابهم، وكفروا النعمة، وبطروا الحق، وهضموا حقوق الخلق وهذا مثل من شر أمثالهم» .ومعنى الآيات الكريمة: ومن المنافقين قوم «عاهدوا الله» وأكدوا عهودهم بالأيمان المغلظة فقالوا: «لئن آتانا» الله- تعالى- من فضله مالا وفيرا، لنصدقن منه على المحتاجين، ولنعطين كل ذي حق حقه ولنكونن من عباده «الصالحين» الذين يؤدون واجبهم نحو الله والناس، والذين يصلحون في الأرض ولا يفسدون.قال الجمل وقوله: مَنْ عاهَدَ اللَّهَ فيه معنى القسم، وقوله: لَئِنْ آتانا مِنْ فَضْلِهِ تفسير لقوله: عاهد الله. واللام موطئة لقسم مقدر. وقد اجتمع هنا قسم وشرط، فالمذكور وهو قوله: «لنصدقن» .. جواب القسم، وجواب الشرط محذوف ... واللام في قوله «لنصدقن» ... واقعة في جواب القسم .
9:76
فَلَمَّاۤ اٰتٰىهُمْ مِّنْ فَضْلِهٖ بَخِلُوْا بِهٖ وَ تَوَلَّوْا وَّ هُمْ مُّعْرِضُوْنَ(۷۶)
تو جب اللہ نے انہیں اپنے فضل سے دیا اس میں بخل کرنے لگے اور منہ پھیر کر پلٹ گئے،

وقوله: فَلَمَّا آتاهُمْ مِنْ فَضْلِهِ بَخِلُوا بِهِ ... بيان لموقفهم الجحودى من عطاء الله وكرمه.أى: فلما أعطى الله- تعالى- من فضله هؤلاء المنافقين ما تمنوه من مال وفير «بخلوا به» أى: بخلوا بهذا المال، فلم ينفقوا منه شيئا في وجوهه المشروعة، ولم يعترفوا فيه بحقوق الله أو حقوق الناس، ولم يكتفوا بذلك بل «تولوا وهم معرضون» .أى: أدبروا عن طاعة الله وعن فعل الخير، وهم قوم دأبهم التولي عن سماع الحق، وشأنهم الانقياد للهوى والشيطان.
9:77
فَاَعْقَبَهُمْ نِفَاقًا فِیْ قُلُوْبِهِمْ اِلٰى یَوْمِ یَلْقَوْنَهٗ بِمَاۤ اَخْلَفُوا اللّٰهَ مَا وَعَدُوْهُ وَ بِمَا كَانُوْا یَكْذِبُوْنَ(۷۷)
تو اس کے پیچھے اللہ نے ان کے دلوں میں نفاق رکھ دیا اس دن تک کہ اس سے ملیں گے بدلہ اس کا کہ انہوں نے اللہ سے وعدہ جھوٹا کیا اور بدلہ اس کا کہ جھوٹ بولتے تھے (ف۱۸۰)

وقوله: فَأَعْقَبَهُمْ نِفاقاً فِي قُلُوبِهِمْ إِلى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ ... تصوير للآثار الذميمة التي ترتبت على بخلهم وإعراضهم عن الحق والخير.أى: فجعل الله- تعالى- عاقبة فعلهم نفاقا وسوء اعتقاد في قلوبهم إلى يوم يلقونه للحساب، فيجازيهم بما يستحقون على بخلهم وإعراضهم عن الحق.فالضمير المستتر في «أعقب» لله- تعالى- وكذا الضمير المنصوب في قوله:«يلقونه» .ويصح أن يكون الضمير في «أعقب» يعود على البخل والتولي والإعراض، فيكون المعنى: فأعقبهم وأورثهم ذلك البخل والتولي والإعراض عن الحق والخير، نفاقا راسخا في قلوبهم، وممتدا في نفوسهم إلى اليوم الذي يلقون فيه ربهم، فيعاقبهم عقابا أليما على سوء أعمالهم.والباء في قوله: بِما أَخْلَفُوا اللَّهَ ما وَعَدُوهُ وَبِما كانُوا يَكْذِبُونَ للسببية.أى: أن النفاق قد باض وفرخ في قلوبهم إلى يوم يلقون الله- تعالى-، بسبب إخلافهم لوعودهم مع خالقهم، وبسبب استمرارهم على الكذب، ومداومتهم عليه.
9:78
اَلَمْ یَعْلَمُوْۤا اَنَّ اللّٰهَ یَعْلَمُ سِرَّهُمْ وَ نَجْوٰىهُمْ وَ اَنَّ اللّٰهَ عَلَّامُ الْغُیُوْبِۚ(۷۸)
کیا انہیں خبر نہیں کہ اللہ ان کے دل کی چھپی اور ان کی سرگوشی کو جانتا ہے اور یہ کہ اللہ سب غیبوں کا بہت جاننے والا ہے (ف۱۸۱)

ثم ختم- سبحانه- هذه الآيات الكريمة، بتوبيخهم على إصرارهم على المعاصي، مع علمهم بأنه- عز وجل- عليم رقيب عليهم، ومطلع على أحوالهم فقال: أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ سِرَّهُمْ وَنَجْواهُمْ، وَأَنَّ اللَّهَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ.أى: ألم يعلم هؤلاء المنافقون أن الله- تعالى- يعلم ما يسرونه في أنفسهم من نفاق، وما يتناجون به فيما بينهم من أقوال فاسدة، وأنه- سبحانه- لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء؟ بلى إنهم ليعلمون ذلك علم اليقين، ولكنهم لاستيلاء الهوى والشيطان عليهم، لم ينتفعوا بعلمهم.فالاستفهام في قوله: أَلَمْ يَعْلَمُوا.. للتوبيخ والتهديد والتقرير، وتنبيهم إلى أن الله عليم بأحوالهم، وسيجازيهم عليها.هذا، ومن الأحكام والآداب التي أخذها العلماء من هذه الآيات ما يأتى:1- وجوب الوفاء بالعهود، فإن نقض العهود، وخلف الوعد، والكذب كل ذلك يورث النفاق، فيجب على المسلم أن يبالغ في الاحتراز عنه، فإذا عاهد الله في أمر فليجتهد في الوفاء به.ومذهب الحسن البصري- رحمه الله- أنه يوجب النفاق لا محالة، وتمسك فيه بهذه الآية وبقوله صلى الله عليه وسلم: «ثلاث من كن فيه فهو منافق، وإن صلى وصام وزعم أنه مؤمن: إذا حدث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا ائتمن خان» .2- أن للإمام أن يمتنع عن قبول الصدقة من صاحبها إذا رأى المصلحة في ذلك، اقتداء بما فعله الرسول صلى الله عليه وسلم مع ثعلبة، فإنه لم يقبل منه الصدقة بعد أن جاء بها.قال الإمام الرازي: فإن قيل إن الله- تعالى- أمره- أى ثعلبة- بإخراج الصدقة فكيف يجوز من الرسول صلى الله عليه وسلم أن لا يقبلها منه؟قلنا: لا يبعد أن يقال أنه- تعالى- منع رسوله عن قبول الصدقة منه على سبيل الإهانة له، ليعتبر غيره به، فلا يمتنع عن أداء الصدقات.ولا يبعد- أيضا- أنه إنما أتى بها على وجه الرياء لا على وجه الإخلاص وأعلم الله رسوله بذلك، فلم يقبل تلك الصدقة لهذا السبب.ويحتمل- أيضا- أنه- تعالى- لما قال: خُذْ مِنْ أَمْوالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِها وكان هذا المقصود غير حاصل في ثعلبة مع نفاقة، فلهذا السبب امتنع رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أخذ تلك الصدقة .3- أن النفس البشرية ضعيفة شحيحة- إلا من عصم الله.وأن مما يعين الإنسان على التغلب على هذا الضعف والشح، أن يوطن نفسه على طاعة الله، وأن يجبرها إجبارا على مخالفة الهوى والشيطان، وأن يؤثر ما عند الله على كل شيء من حطام الدنيا ...أما إذا ترك لنفسه أن تسير على هواها، فإنها ستورده المهالك، التي لن ينفع معها الندم، وستجعله أسير شهواته وأطماعه ونفاقه إلى أن يلقى الله، وصدق- سبحانه- حيث يقول:فَأَعْقَبَهُمْ نِفاقاً فِي قُلُوبِهِمْ إِلى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ، بِما أَخْلَفُوا اللَّهَ ما وَعَدُوهُ وَبِما كانُوا يَكْذِبُونَ.ثم حكى- سبحانه- موقف هؤلاء المنافقين من المؤمنين الصادقين الذين كانوا يبذلون أموالهم في سبيل الله، فقال- سبحانه:
9:79
اَلَّذِیْنَ یَلْمِزُوْنَ الْمُطَّوِّعِیْنَ مِنَ الْمُؤْمِنِیْنَ فِی الصَّدَقٰتِ وَ الَّذِیْنَ لَا یَجِدُوْنَ اِلَّا جُهْدَهُمْ فَیَسْخَرُوْنَ مِنْهُمْؕ-سَخِرَ اللّٰهُ مِنْهُمْ٘-وَ لَهُمْ عَذَابٌ اَلِیْمٌ(۷۹)
اور جو عیب لگاتے ہیں ان مسلمانوں کو کہ دل سے خیرات کرتے ہیں (ف۱۸۲) اور ان کو جو نہیں پاتے مگر اپنی محنت سے (ف۱۸۳) تو ان سے ہنستے ہیں (ف۱۸۴) اللہ ان کی ہنسی کی سزا دے گا، اور ان کے لیے دردناک عذاب ہے،

قال الإمام ابن كثير عند تفسيره لهذه الآية: وهذا أيضا من صفات المنافقين لا يسلم أحد من عيبهم ولمزهم في جميع الأحوال، حتى ولا المتصدقون يسلمون منهم. إن جاء أحد منهم بمال جزيل، قالوا: هذا مراء، وإن جاء بشيء يسير قالوا: إن الله لغنى عن صدقة هذا، كما روى البخاري عن أبى مسعود- رضى الله عنه- قال: لما نزلت آية الصدقة كنا نحامل على ظهورنا- أى: نؤاجر أنفسنا في الحمل- فجاء رجل فتصدق بشيء كثير، فقالوا هذا يقصد الرياء، وجاء رجل فتصدق بصاع فقالوا: إن الله لغنى عن صدقة هذا، فنزلت هذه الآية .وأخرج ابن جرير عن عمر بن أبى سلمة عن أبيه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:«تصدقوا فإنى أريد أن أبعث بعثا، - أى إلى تبوك- قال: فقال عبد الرحمن بن عوف:يا رسول الله.. إن عندي أربعة آلاف: ألفين أقرضهما الله، وألفين لعيالي.قال: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «بارك الله لك فيما أعطيت وبارك لك فيما أمسكت» ؟! فقال رجل من الأنصار: وإن عندي صاعين من تمر، صاعا لربي، وصاعا لعيالي، قال: فلمز المنافقون وقالوا: ما أعطى أبو عوف هذا إلا رياء!! وقالوا: أو لم يكن الله غنيا عن صاع هذا!! فأنزل الله- تعالى- الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقاتِ ... .وقال ابن إسحاق: كان المطوعون من المؤمنين في الصدقات: عبد الرحمن بن عوف وعاصم بن عدى- أخا بني عجلان- وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رغب في الصدقة وحض عليها. فقام عبد الرحمن بن عوف فتصدق بأربعة آلاف، وقام عاصم بن عدى وتصدق بمائة وسق من تمر، فلمزوهما، وقالوا: ما هذا إلا رياء. وكان الذي تصدق بجهده أبا عقيل- أخا بني أنيف- أتى بصاع من تمر، فأفرغها في الصدقة، فتضاحكوا به، وقالوا: إن الله لغنى عن صاع أبى عقيل»هذه بعض الروايات التي وردت في سبب نزول هذه الآية، وهناك روايات أخرى، قريبة في معناها بما ذكرناها.وقوله: «يلمزون» من اللمز، يقال: لمز فلان فلانا إذا عابه وتنقصه.والمراد بالمطوعين: أغنياء المؤمنين الذين قدموا أموالهم عن طواعية واختيار، من أجل إعلاء كلمة الله.والمراد بالصدقات: صدقات التطوع التي يقدمها المسلم زيادة على الفريضة.والمراد بالذين لا يجدون إلا جهدهم: فقراء المسلمين. الذين كانوا يقدمون أقصى ما يستطيعونه من مال مع قلته، إذ الجهد: الطاقة، وهي أقصى ما يستطيعه الإنسان.والمعنى: إن من الصفات القبيحة- أيضا- للمنافقين، أنهم كانوا يعيبون على المؤمنين، إذا ما بذلوا أموالهم لله ورسوله عن طواعية نفس، ورضا قلب، وسماحة ضمير....وذلك لأن هؤلاء المنافقين- لخلو قلوبهم من الإيمان- كانوا لا يدركون الدوافع السامية، والمقاصد العالية من وراء هذا البذل..ومن أجل هذا كانوا يقولون عن المكثر: إنه يبذل رياء، وكانوا يقولون عن المقل: إن الله غنى عن صدقته، فهم- لسوء نواياهم وبخل نفوسهم، وخبث قلوبهم- لا يرضيهم أن يروا المؤمنين يتنافسون في إرضاء الله ورسوله.وقوله: وَالَّذِينَ لا يَجِدُونَ إِلَّا جُهْدَهُمْ معطوف على قوله: الْمُطَّوِّعِينَ.أى: أن هؤلاء المنافقين يلمزون الأغنياء المطوعين بالمال الكثير، ويلمزون الفقراء الباذلين للمال القليل لأنه هو مبلغ جهدهم، وآخر طاقتهم.وقوله: فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ بيان لموقفهم الذميم من المؤمنين.أى: إن هؤلاء المنافقين يستهزئون بالمؤمنين عند ما يلبون دعوة رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الإنفاق في سبيل الله.وجاء عطف فَيَسْخَرُونَ على يَلْمِزُونَ بالفاء، للإشعار بأنهم قوم يسارعون إلى الاستهزاء بالمؤمنين، بمجرد أن يصدر عن المؤمنين أى عمل من الأعمال الصالحة التي ترضى الله ورسوله.وقوله: سَخِرَ اللَّهُ مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ بيان لجزائهم وسوء عاقبتهم.أى: إن هؤلاء الساخرين من المؤمنين جازاهم الله على سخريتهم في الدنيا، بأن فضحهم وأخزاهم، وجعلهم محل الاحتقار والازدراء ...أما جزاؤهم في الآخرة فهو العذاب الأليم الذي لا يخف ولا ينقطع.وبذلك نرى الآية الكريمة قد بينت جانبا من طبائع المنافقين وردت عليهم بما يفضحهم ويخزيهم ويبشرهم بالعذاب الأليم.ثم عقب الله- تعالى- هذا الحكم عليهم بالعذاب الأليم، بحكم آخر وهو عدم المغفرة لهم بسبب إصرارهم على الكفر والفسوق، فقال- تعالى-:
9:80
اِسْتَغْفِرْ لَهُمْ اَوْ لَا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْؕ-اِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِیْنَ مَرَّةً فَلَنْ یَّغْفِرَ اللّٰهُ لَهُمْؕ-ذٰلِكَ بِاَنَّهُمْ كَفَرُوْا بِاللّٰهِ وَ رَسُوْلِهٖؕ-وَ اللّٰهُ لَا یَهْدِی الْقَوْمَ الْفٰسِقِیْنَ۠(۸۰)
تم ان کی معافی چاہو یا نہ چاہو، اگر تم ستر بار ان کی معافی چاہو گے تو اللہ ہرگز انھیں نہیں بخشے گا (ف۱۸۵) یہ اس لیے کہ وہ اللہ اور اس کے رسول سے منکر ہوئے، اور اللہ فاسقوں کو راہ نہیں دیتا (ف۱۸۶)

قال الجمل: قال المفسرون: لما نزلت الآيات المتقدمة في المنافقين، وفي بيان نفاقهم، وظهر أمرهم للمؤمنين، جاءوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يعتذرون إليه، ويقولون: استغفر لنا فنزلت هذه الآية.وهذا كلام خرج مخرج الأمر ومعناه الخبر، والتقدير: استغفارك وعدمه لهم سواء .وإنما جاء هذا الخبر هنا في صورة الأمر للمبالغة في بيان استوائهما.وقد جاء هذا الحكم في صورة الخبر في موضع آخر هو قوله- تعالى- سَواءٌ عَلَيْهِمْ أَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ أَمْ لَمْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ، لَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفاسِقِينَ .والمقصود بذكر السبعين في قوله: إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً إرادة التكثير، والمبالغة في كثرة الاستغفار، فقد جرت عادة العرب في أساليبهم على استعمال هذا العدد للتكثير لا للتحديد، فهو لا مفهوم له.ونظيره قوله- تعالى- ذَرْعُها سَبْعُونَ ذِراعاً.. .أى: مهما استغفرت لهم يا محمد فلن يغفر الله لهم.وقوله: ذلِكَ بِأَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفاسِقِينَ بيان للأسباب التي أدت إلى عدم مغفرة الله لهم.واسم الإشارة «ذلك» يعود إلى امتناع المغفرة لهم، المفهوم من قوله: فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ.أى: ذلك الحكم الذي أصدرناه عليهم بعدم مغفرة ذنوبهم مهما كثر استغفارك لهم، سببه:أنهم قوم «كفروا بالله ورسوله» ومن كفر بالله ورسوله، فلن يغفر الله له، مهما استغفر له المستغفرون، وشفع له الشافعون.وقوله: وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفاسِقِينَ تذييل مؤكد لما قبله، أى والله- تعالى- لا يهدى إلى طريق الخير أولئك الذين فسقوا عن أمره، وخرجوا عن طاعته، ولم يستمعوا إلى نصح الناصحين، وإرشاد المرشدين، وإنما آثروا الغواية على الهداية.هذا، ويؤخذ من هذه الآية الكريمة، شدة شفقته صلى الله عليه وسلم بأمته، وحرصه على هدايتها، وكثرة دعائه لها بالرحمة والمغفرة، وأنه مع إيذاء المنافقين له كان يستغفر لهم- أملا في توبتهم- إلى أن نهاه الله عن ذلك.روى ابن جرير عن ابن عباس أنه لما نزلت هذه الآية، قال الرسول صلى الله عليه وسلم أسمع ربي قد رخص لي فيهم، فو الله لأستغفرن أكثر من سبعين مرة، فلعل الله أن يغفر لهم، فقال الله- تعالى- من شدة غضبه عليهم سَواءٌ عَلَيْهِمْ أَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ أَمْ لَمْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ، لَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ ... .وعن قتادة لما نزلت هذه الآية قال النبي صلى الله عليه وسلم: «وقد خيرنى ربي فلأزيدنهم على السبعين» فقال الله- تعالى-: سَواءٌ عَلَيْهِمْ أَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ أَمْ لَمْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ، لَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ ... .وهكذا أصدر الله حكمه العادل في هؤلاء المنافقين، بعدم المغفرة لهم، بسبب كفرهم به وبرسوله ...وبعد هذا الحديث الطويل المتنوع عن أحوال المنافقين ومسالكهم الخبيثة، أخذت السورة الكريمة في الحديث عن حال المنافقين الذين تخلفوا في المدينة، وأبوا أن يخرجوا مع الرسول صلى الله عليه وسلم إلى تبوك، فقال- تعالى-
  FONT
  THEME
  TRANSLATION
  • English | Ahmed Ali
  • Urdu | Ahmed Raza Khan
  • Turkish | Ali-Bulaç
  • German | Bubenheim Elyas
  • Chinese | Chineese
  • Spanish | Cortes
  • Dutch | Dutch
  • Portuguese | El-Hayek
  • English | English
  • Urdu | Fateh Muhammad Jalandhry
  • French | French
  • Hausa | Hausa
  • Indonesian | Indonesian-Bahasa
  • Italian | Italian
  • Korean | Korean
  • Malay | Malay
  • Russian | Russian
  • Tamil | Tamil
  • Thai | Thai
  • Farsi | مکارم شیرازی
  TAFSEER
  • العربية | التفسير الميسر
  • العربية | تفسير الجلالين
  • العربية | تفسير السعدي
  • العربية | تفسير ابن كثير
  • العربية | تفسير الوسيط لطنطاوي
  • العربية | تفسير البغوي
  • العربية | تفسير القرطبي
  • العربية | تفسير الطبري
  • English | Arberry
  • English | Yusuf Ali
  • Dutch | Keyzer
  • Dutch | Leemhuis
  • Dutch | Siregar
  • Urdu | Sirat ul Jinan
  HELP

اَلتَّوْبَة
اَلتَّوْبَة
  00:00



Download

اَلتَّوْبَة
اَلتَّوْبَة
  00:00



Download