READ

Surah Ar-Rum

اَلرُّوْم
60 Ayaat    مکیۃ


30:0
بِسْمِ اللّٰهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحِیْمِ
اللہ کے نام سے شروع جو بہت مہربان رحمت والا

سورة الفاتحة هي السورة الوحيدة التي أمر الإسلام أتباعه أن يقرءوها في كل صلاة. وفي جميع الركعات، وفي كل الأوقات، ولهذا أصبح حفظها ميسورا لكل مؤمن.وهذه السورة على صغر حجمها، وقلة آياتها، قد اشتملت بوجه إجمالي على مقاصد الدين من توحيد، وتعبد، وأحكام، ووعد ووعيد.ونرى من الخير قبل أن نبدأ في تفسيرها بالتفصيل، أن نمهد لذلك بالكلام عما يأتي:أولا: متى نزلت سورة الفاتحة؟للإجابة على هذا السؤال نقول: إن الرأي الراجح بين المحققين من العلماء أنها نزلت بمكة، بل هي من أوائل ما نزل من القرآن بمكة.وقيل: إنها مدنية. وقيل: إنها نزلت مرتين مرة بمكة حين فرضت الصلاة ومرة بالمدينة حين حولت القبلة.قال القرطبي: الأول أصح لقوله- تعالى- في سورة الحجر: وَلَقَدْ آتَيْناكَ سَبْعاً مِنَ الْمَثانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ وسورة الحجر مكية بالإجماع. ولا خلاف في أن فرض الصلاة كان بمكة، وما حفظ أنه لم يكن في الإسلام قط صلاة بغير الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ «يدل على ذلك قوله صلّى الله عليه وسلّم: «لا صلاة إلا بفاتحة الكتاب» . وهذا خبر عن الحكم لا عن الابتداء» .ثانيا: عدد آياتها: وهي سبع آيات لقوله- تعالى-: وَلَقَدْ آتَيْناكَ سَبْعاً مِنَ الْمَثانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ. قال العلماء: السبع المثاني هي الفاتحة.وقال ابن كثير: هي سبع آيات بلا خلاف. وقال عمرو بن عبيد: هي ثماني آيات لأنه جعل إِيَّاكَ نَعْبُدُ آية. وقال حسين الجعفي: هي ست آيات وهذان القولان شاذان» .ثالثا: أسماؤها: لسورة الفاتحة أسماء كثيرة من أشهرها:1- «الفاتحة أو فاتحة الكتاب، وسميت بذلك لأنه تفتتح قراءة القرآن بها لفظا. وتفتتح بها الكتابة في المصحف خطا، وتفتتح بها الصلوات، وإن لم تكن هي أول ما نزل من القرآن. وقد اشتهرت بهذا الاسم في أيام النبوة.وقد أصبح هذا الاسم علما بالغلبة لتلك الطائفة من الآيات التي مبدؤها الْحَمْدُ لِلَّهِ..ونهايتها.. وَلَا الضَّالِّينَ.2- «أم القرآن أو الكتاب» وسميت بذلك لاشتمالها إجمالا على المقاصد التي ذكرت فيه تفصيلا، أو لاشتمالها على ما فيه من الثناء على الله بما هو أهله، والتعبد بأمره ونهيه، وبيان وعده ووعيده، أو على جملة معانيه من الحكم النظرية، والأحكام العملية التي هي سلوك الصراط المستقيم، والاطلاع على معارج السعداء ومنازل الأشقياء.قال ابن جرير: «والعرب تسمى كل أمر جامع أمّا، وكل مقدم له توابع تتبعه «أما» فتقول للجلدة التي تجمع الدماغ: «أم الرأس» . وتسمى لواء الجيش ورايتهم التي يجتمعون تحتها «أما» .3- «السبع المثاني» جمع مثنى كفعلي اسم مكان. أو مثنى- بالتشديد- من التثنية على غير قياس. وسميت بذلك لأنها سبع آيات في الصلاة، أى تكرر فيها أخرج الإمام أحمد، عن أبي هريرة، عن النبي صلّى الله عليه وسلّم أنه قال: «هي أم القرآن، وهي السبع المثاني، وهي القرآن العظيم» .4- وتسمى- أيضا- سورة «الحمد» . 5- و «الكنز» . 6- و «الواقية» .7- و «الشفاء» ، لحديث. هي الشفاء من كل داء.8- و «الكافية» لأنها تكفي عن سواها ولا يكفى سواها عنها.9- و «الأساس» . 10- و «الرقية» .هذا، وقد ذكر القرطبي للفاتحة اثنى عشر اسما، كما ذكر السيوطي لها في كتابه «الإتقان» خمسة وعشرين اسما.رابعا: فضلها: ورد في فضل سورة الفاتحة أحاديث كثيرة منها:ما رواه البخاري في صحيحه عن أبي سعيد بن المعلى- رضي الله عنه- قال:كنت أصلي في المسجد، فدعاني النبي صلّى الله عليه وسلّم فلم أجبه فقلت: يا رسول الله، إني كنت أصلّي.فقال: ألم يقل الله: اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذا دَعاكُمْ.ثم قال لي: «لأعلمنك سورة هي أعظم السور في القرآن قبل أن تخرج من المسجد» . ثم أخذ بيدي، فلما أراد أن يخرج، قلت: يا رسول الله. ألم تقل: لأعلمنك سورة هي أعظم سورة في القرآن. قال: الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ، هي السبع المثاني والقرآن العظيم الذي أوتيته» .وروى مسلّم والنسائي، عن ابن عباس، قال:بينما جبريل قاعد عند النبي صلّى الله عليه وسلّم سمع نقيضا من فوقه- أي: صوتا- فرفع رأسه فقال:هذا باب من السماء فتح اليوم لم يفتح قط إلا اليوم. فسلّم وقال: أبشر بنورين قد أوتيتهما، ولم يؤتهما نبي قبلك: فاتحة الكتاب، وخواتيم سورة البقرة، لم تقرأ بحرف منهما إلا أعطيته» .وروى مسلّم عن أبي هريرة- رضي الله عنه- عن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال:«من صلّى صلاة لم يقرأ فيها بأم القرآن فهي خداج (ثلاثا) : غير تمام» فقيل لأبي هريرة: إنا نكون وراء الإمام؟ فقال: اقرأ بها في نفسك فإني سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: قال الله- تعالى-: «قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين، ولعبدي ما سأل» ، فإذا قال العبد:الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ. قال الله: حمدني عبدي، وإذا قال: الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ. قال الله تعالى: أثنى علي عبدي. وإذا قال: مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ قال الله: مجدني عبدي. فإذا قال:إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ. قال الله: هذا بيني وبين عبدي ولعبدي ما سأل. فإذا قال:اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ. صِراطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ.قال الله: «هذا لعبدي ولعبدي ما سأل» .وأخرج الإمام أحمد في مسنده، عن عبد الله بن جابر، أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال له: ألا أخبرك بأخير سورة في القرآن؟ قلت: بلى يا رسول الله. قال: اقرأ: الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ حتى تختمها .تلك هي بعض الأحاديث التي وردت في فضل هذه السورة الكريمة.وقد ذكر العلماء أنه يسن للمسلّم قبل القراءة أن يستعيذ بالله من الشيطان الرجيم، استجابة لقوله- تعالى- فَإِذا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطانِ الرَّجِيمِ .ومعنى «أعوذ بالله من الشيطان الرجيم» : ألتجئ إلى الله وأتحصن به، واستجير بجنابه من الشيطان الرجيم أن يضرني في ديني أو دنياي.قال ابن كثير: «والشيطان في لغة العرب كل متمرد من الجن والإنس والدواب وكل شيء.وهو مشتق من شطن إذا بعد، فهو بعيد بطبعه عن طباع الشر، وبعيد بفسقه عن كل خير.وقيل: مشتق من شاط لأنه مخلوق من نار. والأول أصح إذ عليه يدل كلام العرب، فهم:يقولون تشيطن فلان إذا فعل أفعال الشيطان، ولو كان من شاط. لقالوا: تشيط، فالشيطان مشتق من البعد على الصحيح» .والرجيم: فعيل بمعنى مفعول أي أنه مرجوم مطرود من رحمة الله ومن كل خير، وقيل:رجيم بمعنى راجم لأنه يرجم الناس بالوساوس والشكوك.قال بعض العلماء: «وإنما خصت القراءة بطلب الاستعاذة مع أنه قد أمر بها على وجه العموم في جميع الشئون، لأن القرآن مصدر الهداية والشيطان مصدر الضلال، فهو يقف للإنسان بالمرصاد في هذا الشأن على وجه خاص، فيثير أمامه ألوانا من الشكوك فيما يقرأ، وفيما يفيد من قراءته، وفيما يقصد بها، فيفوت عليه الانتفاع بهدى الله وآياته، فعلمنا الله أن نتقي ذلك كله بهذه الاستعاذة التي هي في الواقع عنوان صدق، وتعبير حق، عن امتلاء قلب المؤمن بمعنى اللجوء إلى الله، وقوة عزيمته في طرد الوساوس والشكوك، واستقبال الهداية بقلب طاهر،وعقل واع، وإيمان ثابت» .قال القرطبي: وقد أجمع العلماء على أن التعوذ ليس من القرآن ولا آية منه، وهو قول القارئ: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم .والآن وبعد هذا التمهيد الموجز الذي تكلمنا فيه عن نزول سورة الفاتحة، وعن عدد آياتها، وعن أشهر أسمائها، وعن بعض الأحاديث التي وردت في فضلها نحب أن نبدأ في تفسير السورة الكريمة فنقول- وبالله التوفيق-: بسم ٱلله الرَّحْمٰنِ الرَّحِيمِ الاسم: اللفظ الذى يدل على ذات أو معنى. وقد اختلف النحويون في اشتقاقه على وجهين، فقال البصريون: هو مشتق من السمو، وهو العلو والرفعة، فقيل: اسم، لأن صاحبه بمنزلة المرتفع به.وقال الكوفيون: إنه مشتق من السمة وهي العلامة، لأن الاسم علامة لمن وضع له، فأصل اسم على هذا " وسم ".ويرى المحققون أن رأي البصريين أرجح، لأنه يقال في تصغير " اسم " سُمىَ، وفي جمعه أسماء، والتصغير والجمع يردان الأشياء إلى أصولها. ولو كان أصله وسم - كما قال الكوفيون - لقيل في جمعه: أوسام، وفي تصغيره وسيم.ولفظ الجلالة وهو " الله " علم على ذات الخالق - عز وجل - تفرد به - سبحانه - ولا يطلق على غيره، ولا يشاركه فيه أحد.قال القرطبي: قوله " الله " هذا الاسم أكبر أسمائه - سبحانه - وأجمعها حتى قال بعض العلماء: إنه اسم الله الأعظم ولم يتسم به غيره، ولذلك لم يثن ولم يجمع: فالله اسم للموجود الحق الجامع لصفات الإِلهية، المنعوت بنعوت الربوبيه، المنفرد بالوجود الحقيقي، لا إله إلا هو - سبحانه -و ٱلرَّحْمٰنِ ٱلرَّحِيمِ صفتان مشتقتان من الرحمة. والرحمة في أصل اللغة: رقة في القلب تقتضي الإِحسان، وهذا المعنى لا يليق أن يكون وصفاً لله - تعالى-، ولذا فسرها بعض العلماء بإرادة الإِحسان. وفسرها آخرون بالإِحسان نفسه.والموافق لمذهب السلف أن يقال: هي صفة قائمة بذاته - تعالى - لا نعرف حقيقتها، وإنما نعرف أثرها الذي هو الإِحسان.وقد كثرت أقوال المفسرين في العلاقة بين هاتين الصفتين، فبعضهم يرى أن ٱلرَّحْمٰنِ هو المنعم على جميع الخلق. وأن ٱلرَّحِيمِ هو المنعم على المؤمنين خاصه. ويرى آخرون أن ٱلرَّحْمٰنِ هو المنعم بجلائل النعم، وأن ٱلرَّحِيمِ هو المنعم بدقائقها.ويرى فريق ثالث أن الوصفين بمعنى واحد وأن الثاني منهما تأكيد للأول. والذى يراه المحققون من العلماء أن الصفتين ليستا بمعنى واحد، بل روعي فب كل منهما معنى لم يراع في الآخر، فالرحمن بمعنى عظيم الرحمة، لأن فعلان صيغة مبالغة في كثرة الشيء وعظمته، ويلزم منه الدوام كغضبان وسكران. والرحيم بمعنى دائم الرحمة، لأن صيغته فعيل تستعمل في الصفات الدائمة ككريم وظريف. فكأنه قيل: العظيم الرحمة الدائمة.أو أن ٱلرَّحْمٰنِ صفة ذاتية هي مبدأ الرحمة والإِحسان. و ٱلرَّحِيمِ صفة فعل تدل على وصول الرحمة والإِحسان وتعديهما إلى المنعم عليه.ولعل مما يؤيد ذلك أن لفظ الرحمن لم يذكر في القرآن إلا مجرى عليه الصفات كما هو الشأنِ في أسماء الذات. قال - تعالى-: ٱلرَّحْمَٰنُ عَلَّمَ ٱلْقُرْآنَ و ٱلرَّحْمَٰنُ عَلَى ٱلْعَرْشِ ٱسْتَوَىٰ قُلِ ٱدْعُواْ ٱللَّهَ أَوِ ٱدْعُواْ ٱلرَّحْمَٰنَ وهكذا...أما لفظ الرحيم فقد كثر في القرآن استعماله وصفاً فعلياً، وجاء في الغالب بأسلوب التعدية والتعلق بالمنعم عليه. قال - تعالى - إِنَّ ٱللَّهَ بِٱلنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَّحِيمٌ وَكَانَ بِٱلْمُؤْمِنِينَ رَحِيماً إِنَّهُ كَانَ بِكُمْ رَحِيماً إلخ.قال بعض العلماء " وهذا الرأي في نظرنا هو أقوى الآراء، فإن تخصيص أحد الوصفين بدقائق النعم أو ببعض المنعم عليهم لا دليل عليه، كما أنه ليس مستساغاً أن يقال في القرآن: إن كلمة ذكرت بعد أخرى لمجرد تأكيد المعنى المستفاد منها ".والجار والمجرور " بسم " متعلق بمحذوف تقديره ابتدئ.والمعنى: ابتدئ قراءتي متبركاً ومتيمناً باسم الله الذى هو الأول والآخر، والظاهر والباطن، والذى رحمته وسعت كل شيء، وأتبرأ مما كان يفعله المشركون والضالون، من ابتدائهم قراءتهم وأفعالهم باسم اللات أو باسم العزى أو باسم غيرهما من الآلهة الباطلة.هذا وقد أجمع العلماء على أن البسملة جزء آية من سورة النمل فى قوله - تعالى - إِنَّهُ مِن سُلَيْمَانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ ٱللَّهِ ٱلرَّحْمَٰنِ ٱلرَّحِيمِ ثم اختلفوا بعد ذلك في كونها آية مستقلة أنزلت للفصل بين السور مرة واحدة، أو هى آية من سورة الفاتحة ومن كل سورة ألخ.فبعضهم يرى أن البسملة آية من الفاتحة ومن كل سورة، ومن حججهم أن السلف قد أثبتوها في المصحف مع الأمر بتجريد القرآن مما ليس منه، ولذا لم يكتبوا " آمين ". فثبت بهذا أن البسملة جزء من الفاتحة ومن كل سورة.وبهذا الرأي قال ابن عباس وابن عمر وأبو هريرة وسعيد بن جبير والشافعي، وأحمد في أحد قوليه.ويرى آخرون أن البسملة ليست آية من الفاتحة ولا من غيرها من السور، وقالوا: إنها آية فذة. من القرآن أنزلت للفصل والتبرك للابتداء بها، ومن حججهم أنها لو كانت آية من الفاتحة ومن كل سورة، لما اختلف الناس في ذلك، ولما اضطربت أقوالهم في كونها آية من كل سورة أو من الفاتحة فقط.وكما وقع الخلاف بين العلماء في كونها آية مستقلة أو آية من كل سورة، فقد وقع الخلاف بينهم - أيضاً - في وجوب قراءتها فى الصلاة، وفي الجهر بها أو الإِسرار إذا قرئت.وتحقيق القول في ذلك مرجعه إلى كتب الفقه، وإلى كتب التفسير التي عنيت بتفسير آيات الأحكام.
30:1
الٓمّٓۚ(۱)
الم

بسم الله الرّحمن الرّحيممقدمة وتمهيد1- سورة الروم هي السورة الثلاثون في ترتيب المصحف أما ترتيبها في النزول فهي السورة الثانية والثمانون، وقد كان نزولها بعد سورة الانشقاق.2- وقد افتتحت بالحديث عن قصة معينة، وهي قصة الحروب التي دارت بين الفرس والروم، والتي انتهت في أول الأمر بانتصار الفرس، ثم كان النصر بعد ذلك للروم.قال- تعالى-: الم. غُلِبَتِ الرُّومُ فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ. فِي بِضْعِ سِنِينَ، لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ، وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ بِنَصْرِ اللَّهِ يَنْصُرُ مَنْ يَشاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ.3- ثم وبخت السورة الكريمة الكافرين، لعدم تفكرهم في أحوال أنفسهم، وفي أحوال السابقين الذين كانوا أشد منهم قوة وأكثر جمعا، وتوعدتهم بسوء المصير بسبب انطماس بصائرهم، وإعراضهم عن دعوة الحق، ووعدت المؤمنين بحسن الجزاء.قال- تعالى-: وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يَوْمَئِذٍ يَتَفَرَّقُونَ. فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ فَهُمْ فِي رَوْضَةٍ يُحْبَرُونَ. وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآياتِنا وَلِقاءِ الْآخِرَةِ، فَأُولئِكَ فِي الْعَذابِ مُحْضَرُونَ.4- ثم ساقت السورة الكريمة بعد ذلك اثنى عشر دليلا على وحدانية الله- تعالى- وقدرته، وقد بدئت هذه الأدلة بقوله- تعالى-: وَمِنْ آياتِهِ أَنْ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ إِذا أَنْتُمْ بَشَرٌ تَنْتَشِرُونَ، وَمِنْ آياتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْواجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْها، وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً، إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ. وَمِنْ آياتِهِ خَلْقُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوانِكُمْ، إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِلْعالِمِينَ. وَمِنْ آياتِهِ مَنامُكُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهارِ وَابْتِغاؤُكُمْ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ.5- وبعد أن أقام- سبحانه- هذه الأدلة المتعددة على وحدانيته وقدرته، أتبع ذلك بأن أمر الناس باتباع الدين الحق، وبالإنابة إليه- تعالى- فقال: فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْها، لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ، ذلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ، وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ. مُنِيبِينَ إِلَيْهِ وَاتَّقُوهُ وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَلا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ.6- ثم بين- سبحانه- أحوال الناس في السراء والضراء، ودعاهم إلى التعاطف والتراحم، ونفرهم من تعاطى الربا، فقال- تعالى-: فَآتِ ذَا الْقُرْبى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ، ذلِكَ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ، وَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ. وَما آتَيْتُمْ مِنْ رِباً لِيَرْبُوَا فِي أَمْوالِ النَّاسِ فَلا يَرْبُوا عِنْدَ اللَّهِ، وَما آتَيْتُمْ مِنْ زَكاةٍ تُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ فَأُولئِكَ هُمُ الْمُضْعِفُونَ.7- ثم ساق- سبحانه- بعد ذلك ألوانا من نعمه على عباده، وبين الآثار السيئة التي تترتب على جحود هذه النعم، ودعا الناس للمرة الثانية إلى اتباع الدين القيم، الذي لا يقبل الله- تعالى- دينا سواه، فقال- تعالى-: فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ الْقَيِّمِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لا مَرَدَّ لَهُ مِنَ اللَّهِ يَوْمَئِذٍ يَصَّدَّعُونَ. مَنْ كَفَرَ فَعَلَيْهِ كُفْرُهُ، وَمَنْ عَمِلَ صالِحاً فَلِأَنْفُسِهِمْ يَمْهَدُونَ.8- ثم عادت السورة الكريمة إلى الحديث عن نعمة الله في الرياح وفي إرسال الرسل، وأمر كل عاقل أن يتأمل في آثار هذه النعم، ليزداد إيمانا على إيمانه، فقال- تعالى- فَانْظُرْ إِلى آثارِ رَحْمَتِ اللَّهِ كَيْفَ يُحْيِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها، إِنَّ ذلِكَ لَمُحْيِ الْمَوْتى، وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ.9- ثم ختم- سبحانه- السورة الكريمة ببيان أهوال الساعة، وحكى أقوال أهل العلم والإيمان، في ردهم على المجرمين عند ما يقسمون أنهم ما لبثوا في هذه الدنيا سوى ساعة واحدة، وأمر- سبحانه- نبيه صلى الله عليه وسلم أن يصبر على أذى أعدائه، فقال- تعالى-:فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ، وَلا يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لا يُوقِنُونَ.10- وهكذا نجد أن سورة «الروم» قد أفاضت في الحديث عن الأدلة المتعددة، التي تشهد بوحدانية الله- تعالى- وقدرته، كما تشهد بأن هذا القرآن من عند الله، وبأن يوم القيامة حق وصدق، كما ساقت آيات متعددة في المقارنة بين مصير الأخيار، ومصير الأشرار، ودعت الناس إلى الثبات على الدين الحق، وهو دين الإسلام، كما حضت على التعاطف والتراحم بين المسلمين، ونهت عن تعاطى الربا، لأنه لا يربو عند الله- تعالى-، وإنما الذي يعطى من صدقات هو الذي يربو عند الله- عز وجل- كما ذكرت أنواعا من النعم التي أنعم الله- تعالى- بها على عباده، وأمرتهم بشكره- سبحانه- عليها، لكي يزيدهم من فضله.هذه أهم المقاصد التي اشتملت عليها السورة الكريمة، وهناك مقاصد أخرى يراها من يتدبر هذه السورة الكريمة، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.سورة الروم من السور التي افتتحت ببعض حروف التهجي، وقد ذكرنا في أكثر من سورة آراء العلماء في هذه الحروف، ورجحنا أن هذه الحروف قد ذكرها- سبحانه- في افتتاح بعض السور القرآنية، للتنبيه إلى أن هذا القرآن من عند الله، لأن الله- تعالى- قد أنزله على رسوله صلى الله عليه وسلم بمثل الحروف التي ينطق بها المشركون، ومع ذلك فهم أعجز من أن يأتوا بسورة من مثله.
30:2
غُلِبَتِ الرُّوْمُۙ(۲)
رومی مغلوب ہوئے، (ف۲)

وقد ذكر المفسرون في سبب نزول قوله- تعالى-: غُلِبَتِ الرُّومُ. فِي أَدْنَى الْأَرْضِ.. روايات منها، ما رواه ابن جرير- بإسناده- عن عبد الله بن مسعود- رضى الله عنه- قال: كانت فارس ظاهرة على الروم. وكان المشركون يحبون أن تظهر فارس على الروم، وكان المسلمون يحبون أن تظهر الروم على فارس، لأنهم أهل كتاب، وهم أقرب إلى دينهم، فلما نزلت: الم. غُلِبَتِ الرُّومُ فِي أَدْنَى الْأَرْضِ.. قالوا: يا أبا بكر.قال: اذهب فزايدهم، وازدد سنتين في الأجل. قال: فما مضت السنتان حتى جاءت الركبان بظهور الروم على فارس، ففرح المؤمنون بذلك. .وقال بعض العلماء: اتفق المؤرخون من المسلمين وأهل الكتاب على أن ملك فارس كان قد غزا بلاد الشام مرتين: في سنة 613، وفي سنة 614، أى: قبل الهجرة بسبع سنين، فحدث أن بلغ الخبر مكة. ففرح المشركون، وشمتوا في المسلمين.. فنزلت هذه الآيات.فلم يمض من البضع- وهو ما بين الثلاث إلى التسع- سبع سنين، إلا وقد انتصر الروم على الفرس، وكان ذلك سنة 621 م. أى: قبل الهجرة بسنة .
30:3
فِیْۤ اَدْنَى الْاَرْضِ وَ هُمْ مِّنْۢ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَیَغْلِبُوْنَۙ(۳)
پاس کی زمین میں (ف۳) اور اپنی مغلوبی کے عنقریب غالب ہوں گے (ف۴)

وأدنى بمعنى أقرب. والمراد بالأرض: أرض الروم.أى: غلبت الروم في أقرب أرضها من بلاد الفرس.قال ابن كثير: وكانت الواقعة الكائنة بين فارس والروم، حين غلبت الروم، بين أذرعات وبصرى، - على ما ذكره ابن عباس وعكرمة وغيرهما-، وهي طرف بلاد الشام مما يلي الحجاز.وقال مجاهد: كان ذلك في الجزيرة، وهي أقرب بلاد الروم من فارس .وقال الآلوسى: والمراد بالأرض: أرض الروم، على أن «أل» نائبة مناب الضمير المضاف إليه، والأقربية بالنظر إلى أهل مكة، لأن الكلام معهم. أو المراد بها أرض مكة ونواحيها، لأنها الأرض المعهودة عندهم، والأقربية بالنظر إلى الروم .وقوله- تعالى-: وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ. فِي بِضْعِ سِنِينَ بشارة من الله- تعالى- للمؤمنين، بأن الله- تعالى- سيحقق لهم ما يرجونه من انتصار الروم على الفرس.أى وهم- أى الروم- من بعد هزيمتهم من الفرس، سينتصرون عليهم، خلال بضع سنين.
30:4
فِیْ بِضْعِ سِنِیْنَ۬ؕ-لِلّٰهِ الْاَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَ مِنْۢ بَعْدُؕ-وَ یَوْمَىٕذٍ یَّفْرَحُ الْمُؤْمِنُوْنَۙ(۴)
چند برس میں (ف۵) حکم اللہ ہی کا ہے آگے اور پیچھے (ف۶) اور اس دن ایمان والے خوش ہوں گے،

والتعبير بقوله- تعالى-: سَيَغْلِبُونَ. فِي بِضْعِ سِنِينَ، لتأكيد هذا الوعد، وبيان أن نصر الروم على فارس سيتم خلال سنوات قليلة من عمر الأمم، وقد تحقق هذا الوعد على أكمل صورة وأتمها، فقد انتصر الروم على الفرس نصرا عظيما، وثبت أن هذا القرآن من عند الله- تعالى- حيث أخبر عن أمور ستقع في المستقبل، وقد وقعت كما أخبر.وقوله- سبحانه-: لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ جملة معترضة لبيان قدرة الله- تعالى- التامة النافذة، في كل وقت وآن. أى: لله- تعالى- وحده الأمر النافذ من قبل انتصار الفرس على الروم، ومن بعد انتصار الروم على الفرس: وكلا الفريقين كان نصره أو هزيمته بإرادة الله ومشيئته، وليس لأحد من الخلق أن يخرج عما قدره- سبحانه- وأراده.وَيَوْمَئِذٍ أى: ويوم أن يتغلب الروم على الفرس يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ بِنَصْرِ اللَّهِ حيث نصر أهل الكتاب وهم الروم، على من لا كتاب لهم وهم الفرس، الذين كانوا يعبدون النار فأبطل- سبحانه- بهذا النصر شماتة المشركين في المسلمين، وازداد المؤمنون ثباتا على ثباتهم.قال ابن كثير: وقد كانت نصرة الروم على فارس، يوم وقعة بدر، في قول طائفة كبيرة من العلماء ... فلما انتصرت الروم على فارس، فرح المؤمنون بذلك، لأن الروم أهل كتاب في الجملة، فهم أقرب إلى المؤمنين من المجوس .
30:5
بِنَصْرِ اللّٰهِؕ-یَنْصُرُ مَنْ یَّشَآءُؕ-وَ هُوَ الْعَزِیْزُ الرَّحِیْمُۙ(۵)
اللہ کی مدد سے (ف۷) مدد کرتا ہے جس کی چاہے، اور وہی عزت والا مہربان،

وقوله- سبحانه-: يَنْصُرُ مَنْ يَشاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ مؤكد لما قبله. أى:ينصر- سبحانه- من يريد نصره، ويهزم من يريد هزيمته، وهو، العزيز الذي لا يغلبه غالب، الرحيم الذي وسعت رحمته كل شيء.
30:6
وَعْدَ اللّٰهِؕ-لَا یُخْلِفُ اللّٰهُ وَعْدَهٗ وَ لٰكِنَّ اَكْثَرَ النَّاسِ لَا یَعْلَمُوْنَ(۶)
اللہ کا وعدہ (ف۸) اللہ اپنا وعدہ خلاف نہیں کرتا لیکن بہت لوگ نہیں جانتے (ف۹)

ثم زاد- سبحانه- هذا الأمر تأكيدا وتقوية فقال: وَعْدَ اللَّهِ لا يُخْلِفُ اللَّهُ وَعْدَهُ.ولفظ «وعد» منصوب بفعل محذوف.أى: وعد الله المؤمنين بالنصر وبالفرح وعدا مؤكدا، وقد اقتضت سنته- سبحانه- أنه لا يخلف وعده.وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ ذلك، لانطماس بصائرهم، ولاستيلاء الجهل على عقولهم، ولاستحواذ الشيطان عليهم.
30:7
یَعْلَمُوْنَ ظَاهِرًا مِّنَ الْحَیٰوةِ الدُّنْیَا ۚۖ-وَ هُمْ عَنِ الْاٰخِرَةِ هُمْ غٰفِلُوْنَ(۷)
جانتے ہیں آنکھوں کے سامنے کی دنیوی زندگی (ف۱۰) اور وہ آخرت سے پورے بے خبر ہیں،

والضمير في قوله- تعالى-: يَعْلَمُونَ ظاهِراً مِنَ الْحَياةِ الدُّنْيا يعود للأكثر من الناس. أى: هؤلاء الأكثرون من الناس، من أسباب جهلهم بسنن الله- تعالى- في خلقه، أنهم لا يهتمون إلا بملاذ الحياة الدنيا ومتعها وشهواتها، ووسائل المعيشة فيها.وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ وما فيها من حساب وثواب وعقاب هُمْ غافِلُونَ لأنهم آثروا الدار العاجلة، على الدار الباقية، فهم- كما قال- تعالى-: ذَرْهُمْ يَأْكُلُوا وَيَتَمَتَّعُوا وَيُلْهِهِمُ الْأَمَلُ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ.قال صاحب الكشاف ما ملخصه: وقوله: يَعْلَمُونَ ظاهِراً بدل من قوله: وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ.وفي هذا الإبدال من النكتة أنه أبدله منه، وجعله بحيث يقوم مقامه، ويسد مسده. ليعلمك أنه لا فرق بين عدم العلم الذي هو الجهل، وبين وجود العلم الذي لا يتجاوز الدنيا.. وفي تنكير قوله: ظاهِراً إشارة إلى أنهم لا يعلمون إلا ظاهرا واحدا من جملة ظواهر الحياة الدنيا .فالآية الكريمة تنعى على هؤلاء الكافرين وأشباههم، انهماكهم في شئون الدنيا انهماكا تاما، جعلهم غافلين عما ينتظرهم في أخراهم من حساب وعقاب. ورحم الله القائل:ومن البلية أن ترى لك صاحبا ... في صورة الرجل السميع المبصرفطن بكل مصيبة في ماله ... وإذا يصاب بدينه لم يشعرثم حضهم- سبحانه- على التفكر في خلق أنفسهم، وعلى التفكير في ملكوت السموات والأرض، لعل هذا التفكر والتدبر يهديهم إلى الصراط المستقيم، فقال- تعالى-:
30:8
اَوَ لَمْ یَتَفَكَّرُوْا فِیْۤ اَنْفُسِهِمْ- مَا خَلَقَ اللّٰهُ السَّمٰوٰتِ وَ الْاَرْضَ وَ مَا بَیْنَهُمَاۤ اِلَّا بِالْحَقِّ وَ اَجَلٍ مُّسَمًّىؕ-وَ اِنَّ كَثِیْرًا مِّنَ النَّاسِ بِلِقَآئِ رَبِّهِمْ لَكٰفِرُوْنَ(۸)
کیا انہوں نے اپنے جی میں نہ سوچا کہ، اللہ نے پیدا نہ کیے آسمان اور زمین اور جو کچھ ان کے درمیان ہے مگر حق (ف۱۱)اور ایک مقرر میعاد سے (ف۱۲) اور بیشک بہت سے لوگ اپنے رب سے ملنے کا انکار رکھتے ہیں (ف۱۳)

والاستفهام في قوله- تعالى-: أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا فِي أَنْفُسِهِمْ، ما خَلَقَ اللَّهُ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما إِلَّا بِالْحَقِّ وَأَجَلٍ مُسَمًّى.. لتوبيخ أولئك الكافرين الذين يعلمون ظاهرا من الحياة الدنيا، وهم عن الآخرة هم غافلون، والواو للعطف على مقدر يقتضيه المقام.وما في قوله ما خَلَقَ للنفي، والباء في قوله إِلَّا بِالْحَقِّ للملابسة. وقوله:وَأَجَلٍ مُسَمًّى معطوف على الحق.والمعنى: أبلغ الجهل بهؤلاء الكافرين، أنهم اكتفوا بالانهماك في متع الحياة الدنيا، ولم يتفكروا في أحوال أنفسهم وفي أطوار خلقها، لأنهم لو تفكروا لعلموا وأيقنوا، أن الله- تعالى-: ما خلق السموات والأرض وما بينهما، إلا ملتبسة بالحق الذي لا يشوبه باطل، وبالحكمة التي لا يحوم حولها عبث، وقد قدر- سبحانه- لهذه المخلوقات جميعها أجلا معينا تنتهي عنده، وهو وقت قيام الساعة، يوم تبدل الأرض غير الأرض والسموات.فالآية الكريمة تنعى على هؤلاء الأشقياء، غفلتهم عن الدار الآخرة وما فيها من حساب، وتحضهم على التفكر في تكوين أنفسهم، وفي ملكوت السموات والأرض، لأن هذا التفكر من شأنه أن يهدى إلى الحق، كما تلفت أنظارهم إلى أن لهذا الكون كله نهاية ينتهى عندها، وقت أن يأذن الله- تعالى- بذلك، وبقيام الساعة.ثم ختم- سبحانه- الآية الكريمة ببيان موقف الأكثرية من الناس من قضية البعث والجزاء فقال: وَإِنَّ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ بِلِقاءِ رَبِّهِمْ لَكافِرُونَ.أى: وإن كثيرا من الناس لفي انشغال تام بدنياهم عن آخرتهم، ولا يؤمنون بما في الآخرة من حساب وثواب وعقاب، بل يقولون: ما الحياة إلا حياتنا الدنيا وما نحن بمبعوثين، وعلى رأس هذا الصنف من الناس مشركو مكة الذين أرسل النبي صلى الله عليه وسلم فيهم، لإخراجهم من الظلمات إلى النور.وقال- سبحانه-: وَإِنَّ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ.. للإشعار بان هناك عددا قليلا من الناس- بالنسبة لهؤلاء الكثيرين- قد آمنوا بلقاء ربهم، واستعدوا لهذا اللقاء عن طريق العمل الصالح الذي يرضى خالقهم- عز وجل-.
30:9
اَوَ لَمْ یَسِیْرُوْا فِی الْاَرْضِ فَیَنْظُرُوْا كَیْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِیْنَ مِنْ قَبْلِهِمْؕ-كَانُوْۤا اَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَّ اَثَارُوا الْاَرْضَ وَ عَمَرُوْهَاۤ اَكْثَرَ مِمَّا عَمَرُوْهَا وَ جَآءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَیِّنٰتِؕ-فَمَا كَانَ اللّٰهُ لِیَظْلِمَهُمْ وَ لٰكِنْ كَانُوْۤا اَنْفُسَهُمْ یَظْلِمُوْنَؕ(۹)
اور کیا انہوں نے زمین میں سفر نہ کیا کہ دیکھتے کہ ان سے اگلوں کا انجام کیسا ہوا (ف۱۴) وہ ان سے زیادہ زور آور تھے اور زمین جوتی اور آباد کی ان (ف۱۵) کی آبادی سے زیادہ اور ان کے رسول ان کے پاس روشن نشانیاں لائے (ف۱۶) تو اللہ کی شان نہ تھی کہ ان پر ظلم کرتا (ف۱۷) ہاں وہ خود ہی اپنی جانوں پر ظلم کرتے تھے (ف۱۸)

ثم قرعهم- سبحانه- للمرة الثانية على عدم اتعاظهم بأحوال السابقين من الأمم قبلهم، فقال- تعالى-: أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ ...أى: أقعد مشركو مكة في ديارهم، ولم يسيروا في الأرض سير المتأملين المتفكرين المعتبرين فينظروا كيف كان عاقبة الذين من قبلهم، من الأمم الماضية، كقوم عاد وثمود، وقوم لوط.وقوله- سبحانه-: كانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً بيان لحال هؤلاء الأقوام السابقين وَأَثارُوا الْأَرْضَ أى: كان أولئك السابقون أقوى من أهل مكة في كل مجال من مجالات القوة، وكانوا أقدر منهم على حراثة الأرض، وتهيئتها للزراعة، واستخراج خيراتها من باطنها.وَعَمَرُوها أَكْثَرَ مِمَّا عَمَرُوها أى: حرثوا الأرض وشقوا عن باطنها، وعمروها عمارة أكثر من عمارة أهل مكة لها، لأن أولئك الأقوام السابقين كانوا أقوى من كفار مكة، وكانوا أكثر دراية بعمارة الأرض.وهؤلاء الأقوام السابقون: جاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ أى: بالمعجزات الواضحات، وبالحجج الساطعات، ولكن هؤلاء الأقوام كذبوا رسلهم، فأهلكهم الله- تعالى- فَما كانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ أى: فما كان الله- تعالى- من شأنه أن يعذبهم بدون ذنب.وَلكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ حيث ارتكبوا من الكفر والمعاصي ما كان سببا في هلاكهم.
30:10
ثُمَّ كَانَ عَاقِبَةَ الَّذِیْنَ اَسَآءُوا السُّوْٓ اٰۤى اَنْ كَذَّبُوْا بِاٰیٰتِ اللّٰهِ وَ كَانُوْا بِهَا یَسْتَهْزِءُوْنَ۠(۱۰)
پھر جنہوں نے حد بھر کی برائی کی ان کا انجام یہ ہوا کہ اللہ کی آیتیں جھٹلانے لگے اور ان کے ساتھ تمسخر کرتے،

ثم بين- سبحانه- المصير السيئ، الذي حل بهؤلاء الكافرين فقال: ثُمَّ كانَ عاقِبَةَ الَّذِينَ أَساؤُا السُّواى.ولفظ «عاقبة» قرأه ابن عامر وعاصم وحمزة والكسائي- بفتح التاء- على أنه خبر «كان» قدم على اسمها، وهو لفظ «السوأى» الذي هو تأنيث الأسوأ، كالحسنى تأنيث الأحسن. وجرد الفعل «كان» من التاء مع أن السوأى مؤنث، لأن التأنيث غير حقيقى.فيكون المعنى: ثم كانت العقوبة السيئة وهي العذاب في جهنم، عاقبة الذين عملوا في دنياهم الأعمال السيئات.وقرأ الباقون برفع لفظ «عاقبة» على أنه اسم كان، وخبرها لفظ «السوأى» أى: ثم كانت عاقبة هؤلاء الكافرين الذين أساءوا في دنياهم، أسوأ العقوبات وأقبحها، أو كانت عاقبتهم العاقبة السوأى وهي الإلقاء بهم في النار وبئس القرار.وقوله- سبحانه-: أَنْ كَذَّبُوا بِآياتِ اللَّهِ وَكانُوا بِها يَسْتَهْزِؤُنَ تعليل لما آل إليه أمرهم من عاقبة سيئة، أى: لأن كذبوا، أو بأن كذبوا بحذف حرف الجر.أى كانت عاقبتهم في الآخرة أسوأ العقوبات وأقبحها وهي العذاب في جهنم، لأنهم في الدنيا كذبوا بآياتنا الدالة على وحدانيتنا وعلى صدق نبينا صلى الله عليه وسلم وكانوا بها يستهزئون.ثم ساق- سبحانه- ما يدل على قدرته، وبين أحوال الناس وأقسامهم يوم القيامة، فقال- تعالى-:
30:11
اَللّٰهُ یَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ یُعِیْدُهٗ ثُمَّ اِلَیْهِ تُرْجَعُوْنَ(۱۱)
اللہ پہلے بناتا ہے پھر دوبارہ بنائے گا (ف۱۹) پھر اس کی طرف پھروگے (ف۲۰)

أى: اللَّهُ- تعالى- وحده هو يَبْدَؤُا الْخَلْقَ أى: ينشئه ويوجده على غير مثال سابق، ثُمَّ يُعِيدُهُ أى: إلى الحياة مرة أخرى يوم القيامة ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ للحساب والجزاء، فيجازى- سبحانه- كل إنسان بما يستحقه من ثواب أو عقاب.وأفرد- سبحانه-: الضمير في يُعِيدُهُ باعتبار لفظ الخلق. وجمعه في قوله:تُرْجَعُونَ باعتبار معناه.
30:12
وَ یَوْمَ تَقُوْمُ السَّاعَةُ یُبْلِسُ الْمُجْرِمُوْنَ(۱۲)
اور جس دن قیامت قائم ہوگی مجرموں کی آس ٹوٹ جائے گی (ف۲۱)

ثم ذكر- سبحانه- حال المجرمين يوم القيامة فقال: وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُبْلِسُ الْمُجْرِمُونَ ويُبْلِسُ من الإبلاس بمعنى السكوت والذهول وانقطاع الحجة، يقال:أبلس الرجل، إذا وقف ساكتا حائرا مبهوتا لا يجد كلاما ينقذه مما هو فيه من بلاء.أى: ويوم تقوم الساعة، ويشاهد المجرمون أهوالها، يصابون بالذهول والحيرة والسكوت المطبق، لانقطاع حجتهم، وشدة حزنهم وهمهم، ويأسهم من النجاة يأسا تاما.
30:13
وَ لَمْ یَكُنْ لَّهُمْ مِّنْ شُرَكَآىٕهِمْ شُفَعٰٓؤُا وَ كَانُوْا بِشُرَكَآىٕهِمْ كٰفِرِیْنَ(۱۳)
اور ان کے شریک (ف۲۲) ان کے سفارشی نہ ہوں گے اور وہ اپنے شریکوں سے منکر ہوجائیں گے،

وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ في هذا اليوم مِنْ شُرَكائِهِمْ الذين عبدوهم في الدنيا شُفَعاءُ يشفعون لهم، ويجيرونهم من عذاب الله.وَكانُوا بِشُرَكائِهِمْ كافِرِينَ أى: أنهم في هذا اليوم العسير لم يكن لهم من شفعاء يشفعون لهم. بل إنهم صاروا في هذا اليوم الشديد، كافرين بشركائهم الذين توهموا منهم الشفاعة، لأنهم يوم القيامة تتجلى لهم الحقائق، ويعرفون أن هؤلاء الشركاء لا يرجى منهم نفع، ولا يخشى منهم ضر.
30:14
وَ یَوْمَ تَقُوْمُ السَّاعَةُ یَوْمَىٕذٍ یَّتَفَرَّقُوْنَ(۱۴)
اور جس دن قیامت قائم ہوگی اس دن الگ ہوجائیں گے (ف۲۳)

ثم كرر- سبحانه- هذا المعنى على سبيل التأكيد والتهويل من شأنه فقال: وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يَوْمَئِذٍ يَتَفَرَّقُونَ.والضمير في قوله: يَتَفَرَّقُونَ للناس جميعا. والمراد بتفرقهم أن كل طائفة منهم تتجه إلى الجهة التي أمرهم- سبحانه- بالتوجه إليها، لينال كلّ جزاءه.
30:15
فَاَمَّا الَّذِیْنَ اٰمَنُوْا وَ عَمِلُوا الصّٰلِحٰتِ فَهُمْ فِیْ رَوْضَةٍ یُّحْبَرُوْنَ(۱۵)
تو وہ جو ایمان لائے اور اچھے کام کیے باغ کی کیاری میں ان کی خاطرداری ہوگی (ف۲۴)

ثم بين- سبحانه- كيفية هذا التفرق فقال: فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ فَهُمْ فِي رَوْضَةٍ يُحْبَرُونَ.والروضة: تطلق على كل مكان مرتفع زاخر بالنبات الحسن. والمراد بها هنا: الجنة.ويحبرون: من الحبور بمعنى الفرح والسرور والابتهاج.أى: ويوم تقوم الساعة، في هذا اليوم يتفرق الناس إلى فريقين، فأما فريق الذين آمنوا وعملوا في دنياهم الأعمال الصالحات، فسيكونون في الآخرة في جنة عظيمة، يسرون بدخولها سرورا عظيما، وينعمون فيها نعيما لا يحيط به الوصف.
30:16
وَ اَمَّا الَّذِیْنَ كَفَرُوْا وَ كَذَّبُوْا بِاٰیٰتِنَا وَ لِقَآئِ الْاٰخِرَةِ فَاُولٰٓىٕكَ فِی الْعَذَابِ مُحْضَرُوْنَ(۱۶)
اور جو کافر ہوئے اور ہماری آیتیں اور آخرت کا ملنا جھٹلایا (ف۲۵) وہ عذاب میں لادھرے (ڈال دیے) جائیں گے (ف۲۶)

وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا بالله وبرسله وباليوم الآخر وَكَذَّبُوا بِآياتِنا الدالة على وحدانيتنا وصدق أنبيائنا فَأُولئِكَ الكافرون فِي الْعَذابِ مُحْضَرُونَ أى: مقيمون فيه، ومجموعون إليه، بحيث لا يستطيعون الهروب منه- والعياذ بالله.وبعد هذا البيان المؤثر لأهوال يوم القيامة، ولأحوال الناس فيه.. ساق- سبحانه-أنواعا متعددة من الأدلة والبراهين على وحدانيته- عز وجل- وقدرته، ورحمته بخلقه، فقال- تعالى-:
30:17
فَسُبْحٰنَ اللّٰهِ حِیْنَ تُمْسُوْنَ وَ حِیْنَ تُصْبِحُوْنَ(۱۷)
تو اللہ کی پاکی بولو (ف۲۷) جب شام کرو (ف۲۸) اور جب صبح ہو (ف۲۹)

قالوا الإمام الرازي: لما بين- سبحانه- عظمته في الابتداء بقوله ما خَلَقَ اللَّهُ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما إِلَّا بِالْحَقِّ وَأَجَلٍ مُسَمًّى، وعظمته في الانتهاء، بقوله:وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ وأن الناس يتفرقون فريقين، ويحكم- عز وجل- على البعض بأن هؤلاء للجنة ولا أبالى، وهؤلاء للنار ولا أبالى، بعد كل ذلك أمر بتنزيهه عن كل سوء، وبحمده على كل حال، فقال: فَسُبْحانَ اللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ .والفاء في قوله: فَسُبْحانَ.. لترتيب ما بعدها على ما قبلها، ولفظ «سبحان» اسم مصدر، منصوب بفعل محذوف. والتسبيح: تنزيه الله-- تعالى-: عن كل ما لا يليق بجلاله. والمعنى: إذا علمتم ما أخبرتكم به قبل ذلك، فسبحوا الله- تعالى- ونزهوه عن كل نقص حِينَ تُمْسُونَ أى: حين تدخلون في وقت المساء، وَحِينَ تُصْبِحُونَ أى:تدخلون في وقت الصباح.
30:18
وَ لَهُ الْحَمْدُ فِی السَّمٰوٰتِ وَ الْاَرْضِ وَ عَشِیًّا وَّ حِیْنَ تُظْهِرُوْنَ(۱۸)
اور اسی کی تعریف ہے آسمانوں اور زمین میں (ف۳۰) اور کچھ دن رہے (ف۳۱) اور جب تمہیں دوپہر ہو (ف۳۲)

وقوله- تعالى-: وَلَهُ الْحَمْدُ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ جملة معترضة لبيان أن جميع الكائنات تحمده على نعمه، وأن فوائد هذا الثناء تعود عليهم لا عليه- سبحانه-.وقوله وَعَشِيًّا معطوف على حِينَ تُمْسُونَ أى: سبحوا الله- تعالى-: حين تمسون، وحين تصبحون، وحين يستركم الليل بظلامه. وحين تكونون في وقت الظهيرة، فإنه- سبحانه- هو المستحق للحمد والثناء من أهل السموات ومن أهل الأرض، ومن جميع المخلوقات.قال ابن كثير: وعن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: «ألا أخبركم لم سمى الله إبراهيم خليله الذي وفي؟ لأنه كان يقول كلما أصبح وأمسى، سبحان الله حين تمسون وحين تصبحون.وفي حديث آخر: «من قال حين يصبح: فسبحان الله حين تمسون وحين تصبحون.. أدرك ما فاته في يومه، ومن قالها حين يمسي، أدرك ما فاته في ليلته »
30:19
یُخْرِ جُ الْحَیَّ مِنَ الْمَیِّتِ وَ یُخْرِ جُ الْمَیِّتَ مِنَ الْحَیِّ وَ یُحْیِ الْاَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَاؕ-وَ كَذٰلِكَ تُخْرَجُوْنَ۠(۱۹)
وہ زندہ کو نکالتا ہے مردے سے (ف۳۳) اور مردے کو نکالتا ہے زندہ سے (ف۳۴) اور زمین کو جٕلا تا ہے اس کے مرے پیچھے (ف۳۵) اور یوں ہی تم نکالے جاؤ گے (ف۳۶)

ثم بين- سبحانه- مظهرا من مظاهر قدرته فقال: يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ كإخراجه الإنسان من النطفة، والنبات من الحب، والمؤمن من الكافر وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ كما في عكس هذه الأمور، كإخراجه النطفة من الإنسان، والحب من النبات، والكافر من المؤمن.وَيُحْيِ الْأَرْضَ بالنبات بَعْدَ مَوْتِها: أى: بعد قحطها وجدبها، كما قال- سبحانه-: وَتَرَى الْأَرْضَ هامِدَةً فَإِذا أَنْزَلْنا عَلَيْهَا الْماءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ، وَأَنْبَتَتْ مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ، وقوله- تعالى-: وَكَذلِكَ تُخْرَجُونَ تذييل قصد به تقريب إمكانية البعث من العقول والأفهام. أى: ومثل هذا الإخراج البديع للنبات من الأرض، وللحي من الميت، نخرجكم- أيها الناس- من قبوركم يوم القيامة، للحساب والجزاء.
30:20
وَ مِنْ اٰیٰتِهٖۤ اَنْ خَلَقَكُمْ مِّنْ تُرَابٍ ثُمَّ اِذَاۤ اَنْتُمْ بَشَرٌ تَنْتَشِرُوْنَ(۲۰)
اور اس کی نشانیوں سے ہے یہ کہ تمہیں پیدا کیا مٹی سے (ف۳۷) پھر جبھی تو انسان ہو دنیا میں پھیلے ہوئے،

ثم أورد- سبحانه- بعد ذلك أنواعا من الأدلة على قدرته التي لا يعجزها شيء، فقال- تعالى- وَمِنْ آياتِهِ أَنْ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرابٍ، ثُمَّ إِذا أَنْتُمْ بَشَرٌ تَنْتَشِرُونَ.والآيات: جمع آية، وتطلق على الآية القرآنية، وعلى الشيء العجيب، كما في قوله- تعالى-: وَجَعَلْنَا ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ آيَةً.. والمراد بها هنا: الأدلة الواضحة، والبراهين الساطعة، الدالة على وحدانية الله- تعالى- وقدرته.والمعنى: ومن آياته- سبحانه- الدالة على عظمته، وعلى كمال قدرته، أنه خلقكم من تراب، أى: خلق أباكم آدم من تراب، وأنتم فروع عنه.و «إذا» في قوله: ثُمَّ إِذا أَنْتُمْ بَشَرٌ تَنْتَشِرُونَ هي الفجائية.أى: خلقكم بتلك الصورة البديعة من مادة التراب التي لا يرى فيها رائحة للحياة، ثم صرتم بعد خلقنا إياكم في أطوار متعددة، بشرا تنشرون في الأرض، وتمشون في مناكبها، وتتقلبون فيها تارة عن طريق الزراعة، وتارة عن طريق التجارة، وتارة عن طريق الأسفار.. كل ذلك طلبا للرزق، ولجمع الأموال.وعبر- سبحانه- بثم المفيدة للتراخي، لأن انتشارهم في الأرض لا يتأتى إلا بعد مرورهم بأطوار متعددة، منها أطوار خلقهم في بطون أمهاتهم، وأطوار طفولتهم وصباهم، إلى أن يبلغوا سن الرشد.قال الشوكانى: وإذا الفجائية وإن كانت أكثر ما تقع بعد الفاء، لكنها وقعت هنا بعد ثم، بالنسبة إلى ما يليق بهذه الحالة الخاصة، وهي أطوار الإنسان، كما حكاها الله- تعالى- في مواضع، من كونه نطفة، ثم علقة، ثم مضغة، ثم عظما مكسوا لحما.
30:21
وَ مِنْ اٰیٰتِهٖۤ اَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِّنْ اَنْفُسِكُمْ اَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوْۤا اِلَیْهَا وَ جَعَلَ بَیْنَكُمْ مَّوَدَّةً وَّ رَحْمَةًؕ-اِنَّ فِیْ ذٰلِكَ لَاٰیٰتٍ لِّقَوْمٍ یَّتَفَكَّرُوْنَ(۲۱)
اور اس کی نشانیوں سے ہے کہ تمہارے لیے تمہاری ہی جنس سے جوڑے بنائے کہ ان سے آرام پاؤ اور تمہارے آپس میں محبت اور رحمت رکھی (ف۳۸) بیشک اس میں نشانیاں ہیں دھیان کرنے والوں کے لیے،

ثم انتقلت السورة الكريمة إلى بيان آية ثانية، دالة على كمال قدرته ورأفته بعباده، فقال:وَمِنْ آياتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْواجاً أى: ومن آياته الدالة على رحمته بكم، أنه- سبحانه- خلق لكم مِنْ أَنْفُسِكُمْ أى: من جنسكم في البشرية والإنسانية أزواجا.قال الآلوسى: قوله: مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْواجاً فإن خلق أصل أزواجكم حواء من ضلع آدم- عليه السلام- متضمن لخلقهن من أنفسكم «فمن» للتبعيض والأنفس بمعناها الحقيقي، ويجوز أن تكون «من» ابتدائية، والأنفس مجاز عن الجنس، أى: خلق لكم من جنسكم لا من جنس آخر، قيل: وهو الأوفق لما بعد .وقوله- سبحانه-: لِتَسْكُنُوا إِلَيْها بيان لعلة خلقهم على هذه الطريقة. أى:خلق لكم من جنسكم أزواجا، لتسكنوا إليها، ويميل بعضكم إلى بعض، فإن الجنس إلى الجنس أميل، والنوع إلى النوع أكثر ائتلافا وانسجاما وَجَعَلَ- سبحانه- بَيْنَكُمْ يا معشر الأزواج والزوجات مَوَدَّةً وَرَحْمَةً أى: محبة ورأفة، لم تكن بينكم قبل ذلك، وإنما حدثت عن طريق الزواج الذي شرعه- سبحانه- بين الرجال والنساء، والذي وصفه- تعالى- بهذا الوصف الدقيق، في قوله- عز وجل-: هُنَّ لِباسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِباسٌ لَهُنَّ.إِنَّ فِي ذلِكَ الذي ذكرناه لكم قبل ذلك لَآياتٍ عظيمة تهدى إلى الرشد وإلى الاعتبار لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ في مظاهر قدرة الله- تعالى- ورحمته بخلقه.
30:22
وَ مِنْ اٰیٰتِهٖ خَلْقُ السَّمٰوٰتِ وَ الْاَرْضِ وَ اخْتِلَافُ اَلْسِنَتِكُمْ وَ اَلْوَانِكُمْؕ-اِنَّ فِیْ ذٰلِكَ لَاٰیٰتٍ لِّلْعٰلِمِیْنَ(۲۲)
اور اس کی نشانیوں سے ہے آسمانوں اور زمین کی پیدائش اور تمہاری زبانوں اور رنگتوں کا اختلاف (ف۳۹) بیشک اس میں نشانیاں ہیتں جاننے والوں کے لیے،

ثم ذكر- سبحانه- آية ثالثة فقال: وَمِنْ آياتِهِ خَلْقُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ أى: ومن آياته الدالة على قدرته التامة على كل شيء، خلقه للسموات والأرض بتلك الصورة البديعة وَاخْتِلافُ أَلْسِنَتِكُمْ أى: واختلاف لغاتكم فهذا يتكلم بالعربية، وآخر بالفارسية وثالث بالرومية.. إلى غير ذلك مما لا يعلم عدده من اللغات، بل إن الأمة الواحدة تجد فيها عشرات اللغات التي يتكلم بها أفرادها، ومئات اللهجات وَأَلْوانِكُمْ أى: ومن آياته كذلك، اختلاف ألوانكم، فهذا أبيض، وهذا أسود، وهذا أصفر، وهذا أشقر.. مع أن الجميع من أب واحد وأم واحدة وهما آدم وحواء. بل إنك لا تجد شخصين يتطابقان تطابقا تاما في خلقتهما وشكلهما.قال صاحب الكشاف: الألسنة: اللغات. او أجناس النطق واشكاله. خالف- عز وجل- بين هذه الأشياء حتى لا تكاد تسمع منطقين متفقين في همس واحد، ولا جهارة، ولا حدة، ولا رخاوة، ولا فصاحة.. ولا غير ذلك من صفات النطق وأحواله، وكذلك الصور وتخطيطها، والألوان وتنويعها، ولاختلاف ذلك وقع التعارف، ولو اتفقت وتشاكلت، وكانت ضربا واحدا، لوقع التجاهل والالتباس، ولتعطلت مصالح كثيرة ... وهم على الكثرة التي لا يعلمها إلا الله مختلفون متفاوتون .إِنَّ فِي ذلِكَ الذي وضحناه لكم لَآياتٍ بينات لِلْعالِمِينَ- بفتح اللام- وهي قراءة الجمهور، أى: إن في ذلك لآيات لجميع أصناف العالم من بار وفاجر، ومؤمن وكافر.وقرأ حفص- بكسر اللام- أى: إن في ذلك لآيات لأولى العلم والفهم من الناس.
30:23
وَ مِنْ اٰیٰتِهٖ مَنَامُكُمْ بِالَّیْلِ وَ النَّهَارِ وَ ابْتِغَآؤُكُمْ مِّنْ فَضْلِهٖؕ-اِنَّ فِیْ ذٰلِكَ لَاٰیٰتٍ لِّقَوْمٍ یَّسْمَعُوْنَ(۲۳)
اور اس کی نشانیوں میں ہے رات اور دن میں تمہارا سونا (ف۴۰) اور اس کا فضل تلاش کرنا (ف۴۱) بیشک اس میں نشانیاں ہیں سننے والوں کے لیے (ف۴۲)

ثم ذكر- سبحانه- آية رابعة فقال: وَمِنْ آياتِهِ مَنامُكُمْ أى: نومكم بِاللَّيْلِ وَالنَّهارِ لراحة أبدانكم وأذهانكم، وَابْتِغاؤُكُمْ مِنْ فَضْلِهِ أى: وطلبكم أرزاقكم فيهما من فضل الله وعطائه الواسع.قال الجمل: قيل في الآية تقديم وتأخير، ليكون كل واحد مع ما يلائمه، والتقدير: ومن آياته منامكم بالليل وابتغاؤكم من فضله بالنهار، فحذف حرف الجر لاتصاله بالليل، وعطف عليه، لأن حرف العطف قد يقوم مقام الجار، والأحسن أن يجعل على حاله، والنوم بالنهار مما كانت العرب تعده نعمة من الله ولا سيما في أوقات القيلولة في البلاد الحارة».إِنَّ فِي ذلِكَ كله لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ هذه التوجيهات سماع تدبر وتفكر واعتبار فيعملون بما يسمعون.
30:24
وَ مِنْ اٰیٰتِهٖ یُرِیْكُمُ الْبَرْقَ خَوْفًا وَّ طَمَعًا وَّ یُنَزِّلُ مِنَ السَّمَآءِ مَآءً فَیُحْیٖ بِهِ الْاَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَاؕ-اِنَّ فِیْ ذٰلِكَ لَاٰیٰتٍ لِّقَوْمٍ یَّعْقِلُوْنَ(۲۴)
اور اس کی نشانیوں سے ہے کہ تمہیں بجلی دکھاتا ہے ڈراتی (ف۴۳) اور امید دلاتی (ف۴۴) اور آسمان سے پانی اتارتا ہے، تو اس سے زمین کو زندہ کرتا ہے اس کے مرے پیچھے، بیشک اس میں نشانیاں ہیں عقل والوں کے لیے (ف۴۵)

ثم ساق- سبحانه- آية خامسة فقال: ومن آياته يريكم البرق خوفا وطمعا.أى: ومن آياته- سبحانه- الدالة على قدرته، أنه يريكم البرق، فتارة تخافون مما يحدث بعده من صواعق متلفة، وأمطار مزعجة، وتارة ترجون من ورائه المطر النافع، والغيث المدرار.وانتصاب «خوفا وطمعا» على أنهما مفعول لأجله، أى: يريكم ذلك من أجل الخوف والطمع، إذ بهما يعيش المؤمن حياته بين الخوف والرجاء، فلا يبطر ولا ييأس من رحمة الله.وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّماءِ ماءً كثيرا فَيُحْيِي بِهِ أى: بسبب هذا الماء الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها أى: بأن يحولها من أرض جدباء هامدة إلى أرض خضراء زاخرة بالنبات إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ هذه الإرشادات، ويستعملون عقولهم في الخير لا في الشر، وفي الحق لا في الباطل، وفي استنباط المعاني الدالة على كمال قدرة الله- تعالى- ورحمته.
30:25
وَ مِنْ اٰیٰتِهٖۤ اَنْ تَقُوْمَ السَّمَآءُ وَ الْاَرْضُ بِاَمْرِهٖؕ-ثُمَّ اِذَا دَعَاكُمْ دَعْوَةً ﳓ مِّنَ الْاَرْضِ اِذَاۤ اَنْتُمْ تَخْرُجُوْنَ(۲۵)
اور اس کی نشانیوں سے ہے کہ اس کے حکم سے آسمان اور زمین قائم ہیں (ف۴۶) پھر جب تمہیں زمین سے ایک ندا فرمائے گا (ف۴۷) جبھی تم نکل پڑو گے (ف۴۸)

ثم ذكر- سبحانه- آية سادسة فقال: وَمِنْ آياتِهِ أَنْ تَقُومَ السَّماءُ وَالْأَرْضُ بِأَمْرِهِ والمراد بقيامهما: ثباتهما وبقاؤهما بتلك الصورة العجيبة البديعة.أى: ومن آياته- سبحانه- الدالة على كمال قدرته، خلقه للسموات وللأرض، وإبقاؤه لهما على هذه الصورة البديعة، وقيامهما وثباتهما واستمساكهما على تلك الهيئة العجيبة، وذلك كله بإرادته وأمره ومشيئته.قال ابن كثير: وشبيه بذلك قوله- تعالى-: وَيُمْسِكُ السَّماءَ أَنْ تَقَعَ عَلَى الْأَرْضِ إِلَّا بِإِذْنِهِ. وقوله: إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ أَنْ تَزُولا. وكان عمر بن الخطاب. رضى الله عنه- إذا اجتهد في اليمين قال: لا، والله الذي تقوم السماء والأرض بأمره، أى: هي قائمة ثابتة بأمره وتسخيره إياها .وقوله- تعالى-: ثُمَّ إِذا دَعاكُمْ دَعْوَةً مِنَ الْأَرْضِ إِذا أَنْتُمْ تَخْرُجُونَ بيان لامتثالهم لأمره بدون تقاعس، عند ما يدعوهم الداعي للخروج من قبورهم للبعث والحساب.و «ثم» بعدها كلام محذوف، و «إذا» الأولى شرطية، والثانية فجائية، والداعي هو إسرافيل بأمر الله- تعالى-: وقوله: مِنَ الْأَرْضِ متعلق بقوله دَعاكُمْ.أى: ثم بعد موتكم ووضعكم في قبوركم، إذا دعاكم الداعي دعوة واحدة من الأرض التي أنتم مستقرون فيها، إذا أنتم تخرجون من قبوركم مسرعين بدون تلبث أو توقف، كما يجيب المدعو المطيع دعوة الداعي المطاع.قال صاحب الكشاف: وإنما عطف هذه الجملة على قيام السموات والأرض بثم، بيانا لعظم ما يكون من ذلك الأمر، واقتداره- سبحانه- على مثله وهو أن يقول: يا أهل القبور قوموا، فلا تبقى نسمة من الأولين والآخرين إلا قامت تنظر، كما قال- تعالى-: ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرى فَإِذا هُمْ قِيامٌ يَنْظُرُونَ .وكما في قوله- سبحانه-: فَإِنَّما هِيَ زَجْرَةٌ واحِدَةٌ. فَإِذا هُمْ بِالسَّاهِرَةِ وكما في قوله- عز وجل-: يَوْمَ يَدْعُوكُمْ فَتَسْتَجِيبُونَ بِحَمْدِهِ. وَتَظُنُّونَ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا قَلِيلًا
30:26
وَ لَهٗ مَنْ فِی السَّمٰوٰتِ وَ الْاَرْضِؕ-كُلٌّ لَّهٗ قٰنِتُوْنَ(۲۶)
اور اسی کے ہیں جو کوئی آسمانوں اور زمین میں ہیں، سب اس کے زیر حکم ہیں،

ثم ختم- سبحانه- هذه الآيات، بآية جامعة لكل معاني القدرة والإيجاد والهيمنة على هذا الكون فقال: وَلَهُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ أى من الملائكة والجن والإنس، خلقا، وملكا، وتصرفا، كل ذلك له وحده- سبحانه- لا لأحد غيره.وقوله: كُلٌّ لَهُ قانِتُونَ مؤكد لما قبله ومقرر له، أى: كل الخلائق له لا لغيره طائعون خاضعون، خاشعون، طوعا وكرها، إذ لا يمتنع عليه- سبحانه- شيء يريد فعله بهم، من حياة أو موت، ومن صحة أو مرض، ومن غنى أو فقر.هذا، والمتأمل في هذه الآيات الكريمة، يرى أكثر من عشرة أدلة، على وحدانية الله- تعالى- وعلى انفراده بالخلق، وعلى إمكانية البعث، ومن هذه الأدلة خلق الإنسان من تراب، وصيرورته بعد تقلبه في أطوار التكوين بشرا سويا، وإيجاده- سبحانه- للذكور والإناث، حتى يبقى النوع الإنسانى إلى الوقت المقدر في علمه- تعالى-: وإيجاده للناس على هذه الصورة التي اختلفت معها ألسنتهم وألوانهم، مع أن أصلهم واحد، وجعله- تعالى- الليل مناما لراحة الناس، والنهار معاشا لابتغاء الرزق، وإنزاله المطر من السماء لإحياء الأرض بالنبات، وبقاء السموات والأرض على هذه الصورة العجيبة بأمره وتدبيره..إلى غير ذلك من الأدلة المبثوثة في الأنفس والآفاق.
30:27
وَ هُوَ الَّذِیْ یَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ یُعِیْدُهٗ وَ هُوَ اَهْوَنُ عَلَیْهِؕ-وَ لَهُ الْمَثَلُ الْاَعْلٰى فِی السَّمٰوٰتِ وَ الْاَرْضِۚ-وَ هُوَ الْعَزِیْزُ الْحَكِیْمُ۠(۲۷)
اور وہی ہے کہ اول بنا تا ہے پھر اسے دوبارہ بنائے گا (ف۴۹) اور یہ تمہاری سمجھ میں اس پر زیا دہ آسان ہونا چاہیے (ف۵۰) اور اسی کے لیے ہے سب سے برتر شان آسمانوں اور زمین میں (ف۵۱) اور وہی عزت و حکمت والا ہے،

ثم أكد- سبحانه- ما يدل على إمكانية البعث، فقال- تعالى-: وَهُوَ الَّذِي يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ ...أى: وهو- سبحانه- الذي يبدأ الخلق بدون مثال سابق، ثم يعيد هذه المخلوقات بعد موتها إلى الحياة مرة أخرى للحساب والجزاء.والضمير في قوله: وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ للإعادة المفهومة من قوله ثُمَّ يُعِيدُهُ والتذكير للضمير باعتبار المعنى، أى: والعود أو الرد، أو الإرجاع أهون عليه.أى: وهو- سبحانه- وحده الذي يخلق المخلوقات من العدم، ثم يعيدها إلى الحياة مرة أخرى في الوقت الذي يريده، وهذه الإعادة للأموات أهون عليه، أى: أسهل عليه من البدء.وهذه الأسهلية على طريقة التمثيل والتقريب، بما هو معروف عند الناس من أن إعادة الشيء من مادته الأولى أسهل من ابتدائه.ورحم الله صاحب الكشاف، فقد وضح هذا المعنى فقال: قوله: وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ أى: فيما يجب عندكم، وينقاس على أصولكم، ويقتضيه معقولكم لأن من أعاد منكم صنعة شيء كانت أسهل عليه وأهون من إنشائها، وتعتذرون للصانع إذا خطئ في بعض ما ينشئه بقولكم: أول الغزل أخرق، وتسمون الماهر في صناعته معاودا، تعنون أنه عاودها كرة بعد أخرى، حتى مرن عليها وهانت عليه.فإن قلت لم أخرت الصلة في قوله: وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ وقدمت في قوله هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ؟ قلت. هناك قصد الاختصاص وهو محزه، فقيل: هو عليه هين، وان كان مستصعبا عندكم أن يولد بين همل- أى: شيخ فان- وعاقر. وأما هنا فلا معنى للاختصاص، كيف والأمر مبنى على ما يعقلون، من أن الإعادة أسهل من الابتداء، فلو قدمت الصلة لتغير المعنى..» .ومنهم من يرى أن أهون هنا بمعنى هين، أى: إرجاعكم إلى الحياة بعد موتكم هين عليه.والعرب تجعل أفعل بمعنى فاعل في كثير من كلامهم، ومنه قول الشاعر:إن الذي سمك السماء بنى لنا ... بيتا دعائمه أعز وأطولأى: بنى لنا بيتا دعائمه عزيزة طويلة ومنه قولهم: الله أكبر أى: كبير.وقوله- تعالى-: وَلَهُ الْمَثَلُ الْأَعْلى فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ.. أى: وله- سبحانه- الوصف الأعلى الذي ليس لغيره مثله، لا في السموات ولا في الأرض، إذ لا يشاركه أحد في ذاته أو صفاته فهو- سبحانه- ليس كمثله شيء.وَهُوَ الْعَزِيزُ الذي يغلب ولا يغلب الْحَكِيمُ في كل أقواله وأفعاله وتصرفاته.وبعد هذا التطواف المتنوع في آفاق الأنفس، وفي أعماق هذا الكون، ضرب- سبحانه- مثلا لا مجال للجدل فيه، لوضوحه واعتماده على المنطق السليم، وأمر رسوله صلى الله عليه وسلم أن يمضى في طريقه المستقيم، كما أمر المؤمنين بأن يلتجئوا إليه- سبحانه- وحده، وأن يصونوا أنفسهم عن كل ما يغضبه، فقال- تعالى-:
30:28
ضَرَبَ لَكُمْ مَّثَلًا مِّنْ اَنْفُسِكُمْؕ-هَلْ لَّكُمْ مِّنْ مَّا مَلَكَتْ اَیْمَانُكُمْ مِّنْ شُرَكَآءَ فِیْ مَا رَزَقْنٰكُمْ فَاَنْتُمْ فِیْهِ سَوَآءٌ تَخَافُوْنَهُمْ كَخِیْفَتِكُمْ اَنْفُسَكُمْؕ-كَذٰلِكَ نُفَصِّلُ الْاٰیٰتِ لِقَوْمٍ یَّعْقِلُوْنَ(۲۸)
تمہارے لیے (ف۵۲) ایک کہاوت بیان فرماتا ہے خود تمہارے اپنے حال سے (ف۵۳) کیا تمہارے لیے تمہارے ہاتھ کے غلاموں میں سے کچھ شریک ہیں (ف۵۴) اس میں جو ہم نے تمہیں روزی دی (ف۵۵) تو تم سب اس میں برابر ہو (ف۵۶) تم ان سے ڈرو (ف۵۷) جیسے آپس میں ایک دوسرے سے ڈرتے ہو (ف۵۸) ہم ایسی مفصل نشانیاں بیان فرماتے ہیں عقل والوں کے لیے،

ومِنْ في قوله- سبحانه-: ضَرَبَ لَكُمْ مَثَلًا مِنْ أَنْفُسِكُمْ ابتدائية، والجار والمجرور في محل نصب، صفة لقوله: مَثَلًا.أى: ضرب لكم- أيها الناس- مثلا، يظهر منه بطلان الشرك ظهورا واضحا، وهذا المثل كائن من أحوال أنفسكم، التي هي أقرب شيء لديكم.قال القرطبي: والآية نزلت في كفار قريش، كانوا يقولون في التلبية: «لبيك لا شريك لك، إلا شريكا هو لك، تملكه وما ملك..» .وقوله- تعالى-: هَلْ لَكُمْ مِنْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ مِنْ شُرَكاءَ فِي ما رَزَقْناكُمْ تصوير وتفصيل للمثل، والاستفهام للإنكار والنفي. ومِنْ الأولى للتبعيض، والثانية لتأكيد النفي، وقوله شُرَكاءَ مبتدأ، وخبره لَكُمْ وقوله: مِنْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ متعلق بمحذوف حال من شركاء.وقوله: فَأَنْتُمْ فِيهِ سَواءٌ جواب للاستفهام الذي هو بمعنى النفي. والجملة مبتدأ وخبر. وقوله: تَخافُونَهُمْ خبر ثان لأنتم، وقوله: كَخِيفَتِكُمْ أَنْفُسَكُمْ صفة لمصدر محذوف، أى: تخافونهم خيفة كائنة مثل خيفتكم من هو من نوعكم.والمعنى: ضرب الله- تعالى- لكم- أيها الناس- مثلا منتزعا من أنفسكم التي هي أقرب شيء إليكم، وبيان هذا المثل: أنكم لا ترضون أن يشارككم في أموالكم التي رزقناكم إياها، عبيدكم وإماؤكم، مع أنهم مثلكم في البشرية، ونحن الذين خلقناهم كما خلقناكم، بل إنكم لتخافون على أموالكم منهم، أن يشاركوكم فيها، كما تخافون عليها من الأحرار المشابهين لكم في الحرية وفي جواز التصرف في تلك الأموال. فإذا كان هذا شأنكم مع عبيدكم- الذين هم مثلكم في البشرية، والذين لم تخلقوهم بل نحن الذين خلقناكم وخلقناهم- فكيف أجزتم لأنفسكم أن تشركوا مع الله- تعالى- آلهة أخرى في العبادة، مع أنه- سبحانه- هو الخالق لكم ولهم، والرازق لكم ولهم؟!!.إن تصرفكم هذا ظاهر التناقض والبطلان، لأنكم لم ترضوا أن يشارككم غيركم في أموالكم، ورضيتم أن تشركوا مع الله- تعالى-: غيره في العبادة، مع أنه- سبحانه- هو الخالق والرازق لكل شيء.فالمقصود من الآية الكريمة، إبطال الشرك بأبلغ أسلوب، وأوضح بيان، وأصدق حجة، وأقوى دليل.ولذا ختمها- سبحانه- بقوله: كَذلِكَ نُفَصِّلُ الْآياتِ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ أى: مثل ذلك التفصيل الجلى الواضح، نفصل الآيات الدالة على وحدانيتنا، لقوم يعقلون هذه الأمثال، وينتفعون بها في إخلاص العبادة لله الواحد القهار.قال الإمام القرطبي: قال بعض العلماء: هذه الآية أصل في الشركة بين المخلوقين، لافتقار بعضهم إلى بعض، ونفيها عن الله- سبحانه- وذلك أنه قال- سبحانه-:ضَرَبَ لَكُمْ مَثَلًا مِنْ أَنْفُسِكُمْ فيجب أن يقولوا: ليس عبيدنا شركاءنا فيما رزقتنا، فيقال لهم: فكيف يتصور أن تنزهوا أنفسكم عن مشاركة عبيدكم، وتجعلوا عبيدي شركائى في خلقي، فهذا حكم فاسد، وقلة نظر وعمى قلب!! فإذا أبطلت الشركة بين العبيد وساداتهم فيما يملكه السادة، والخلق كلهم عبيد الله- تعالى- فيبطل أن يكون شيء من العالم شريكا لله- تعالى- في شيء من أفعاله.ثم قال- رحمه الله-: وهذه المسألة أفضل للطالب، من حفظ ديوان كامل في الفقه،لأن جميع العبادات البدنية، لا تصح إلا بتصحيح هذه المسألة في القلب فافهم ذلك .
30:29
بَلِ اتَّبَعَ الَّذِیْنَ ظَلَمُوْۤا اَهْوَآءَهُمْ بِغَیْرِ عِلْمٍۚ-فَمَنْ یَّهْدِیْ مَنْ اَضَلَّ اللّٰهُؕ-وَ مَا لَهُمْ مِّنْ نّٰصِرِیْنَ(۲۹)
بلکہ ظالم (ف۵۹) اپنی خواہشوں کے پیچھے ہولیے بے جانے (ف۶۰) تو اسے کون ہدایت کرے جسے خدا نے گمراہ کیا (ف۶۱) اور ان کا کوئی مددگار نہیں (ف۶۲)

ثم بين- سبحانه- بعد ذلك أن هؤلاء المشركين لم ينتفعوا بهذه الأمثال لاستيلاء الجهل والعناد عليهم فقال: بَلِ اتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَهْواءَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ ...أى: لم ينتفع هؤلاء الظالمون بهذا المثل الجلى في إبطال الشرك، بل لجوا في كفرهم، واتبعوا أهواءهم الزائفة، وأفكارهم الفاسدة، وجهالاتهم المطبقة دون أن يصرفهم عن ذلك علم نافع فَمَنْ يَهْدِي مَنْ أَضَلَّ اللَّهُ أى: إذا كان هذا هو حالهم، فمن الذي يستطيع أن يهدى إلى الحق، من أضله الله- تعالى-: عنه بسبب زيفه واستحبابه العمى على الهدى.إنه لا أحد يستطيع ذلك وَما لَهُمْ مِنْ ناصِرِينَ ينصرونهم من عقابه- سبحانه- لهم.
30:30
فَاَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّیْنِ حَنِیْفًاؕ-فِطْرَتَ اللّٰهِ الَّتِیْ فَطَرَ النَّاسَ عَلَیْهَاؕ-لَا تَبْدِیْلَ لِخَلْقِ اللّٰهِؕ-ذٰلِكَ الدِّیْنُ الْقَیِّمُۗۙ-وَ لٰكِنَّ اَكْثَرَ النَّاسِ لَا یَعْلَمُوْنَۗۙ(۳۰)
تو اپنا منہ سیدھا کرو اللہ کی اطاعت کے لیے ایک اکیلے اسی کے ہوکر (ف۶۳) اللہ کی ڈالی ہوئی بنا جس پر لوگوں کو پیدا کیا (ف۶۴) اللہ کی بنائی چیز نہ بدلنا (ف۶۵) یہی سیدھا دین ہے، مگر بہت لوگ نہیں جانتے (ف۶۶)

ثم أمر سبحانه رسوله صلّى الله عليه وسلّم أن يثبت على الحق الذي هداه- عز وجل- إليه فقال:فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً.. والفاء هي الفصيحة، وقوله: فَأَقِمْ من الإقامة على الشيء والثبات عليه، وعدم التحول عنه.قوله: حَنِيفاً من الحنف، وهو الميل من الباطل إلى الحق، وضده الجنف، وحَنِيفاً حال من فاعل فَأَقِمْ.أى: إذا كان الأمر كما ذكرت لك- أيها الرسول الكريم- من بطلان الشرك فاثبت على ما أنت عليه من إخلاص العبادة لله- تعالى- وحده، وأقبل على هذا الدين الذي أوحاه الله إليك، بدون التفات عنه، أو ميل إلى سواه.قال صاحب الكشاف: قوله: فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً أى: فقوم وجهك له وعدّله، غير ملتفت عنه يمينا أو شمالا، وهو تمثيل لإقباله على الدين واستقامته عليه وثباته، واهتمامه بأسبابه، فإن من اهتم بالشيء عقد عليه طرفه، وسدد إليه نظره، وقوم له وجهه، مقبلا به عليه.والمراد بالفطرة في قوله- تعالى-: فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ الملة. أى: ملة الإسلام والتوحيد.أو المراد بها: قابلية الدين الحق، والتهيؤ النفسي لإدراكه. والأصل فيها أنها بمعنى الخلقة.أى: اثبت- أيها الرسول الكريم- على هذا الدين الحق، والزموا- أيها الناس- فطرة الله، وهي ملة الحق، التي فطر الناس عليها، وخلقهم قابلين لها.قال ابن كثير عند تفسيره لهذه الآية: يقول- تعالى-: فسدد وجهك واستمر على الدين الذي شرعه الله لك، من الحنيفية ملة إبراهيم، وأنت مع ذلك لازم فطرتك السليمة، التي فطر الله الخلق عليها، فإنه- تعالى-: فطر خلقه على معرفته وتوحيده.وفي الحديث: «إنى خلقت عبادي حنفاء، فاجتالتهم- أى حولتهم- الشياطين عن دينهم» .وروى البخاري عن أبى هريرة أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «ما من مولود يولد إلا على الفطرة، فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه، كما تنتج البهيمة بهيمة جمعاء، هل تحسون فيها من جدعاء؟ ثم يقول: فطرة الله التي فطر الناس عليها..»وقال صاحب الكشاف: فإن قلت: لم وحّد الخطاب أولا، ثم جمع؟ قلت: خوطب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أولا، وخطاب الرسول خطاب لأمته، مع ما فيه من التعظيم للإمام، ثم جمع بعد ذلك للبيان والتلخيص .وقوله: لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ تعليل لما قبله من الأمر بلزوم الفطرة التي فطر- سبحانه- الناس عليها.أى: الزموا فطرة الله التي هي دين الإسلام، وقبول تعاليمه والعمل بها، لأن هذا الدين قد ارتضاه الله- تعالى- لكم، ولا تبديل ولا تغيير لما فطركم عليه وارتضاه لكم.وذلِكَ الدين الذي اختاره- سبحانه- لكم، هو الدِّينُ الْقَيِّمُ أى: القويم المستقيم، الذي لا اعوجاج فيه ولا انحراف.فاسم الإشارة يعود إلى الدين الذي أمرنا- سبحانه- بالثبات عليه، في قوله: فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً.وقوله- تعالى-: وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ استدراك لبيان موقف الناس من هذا الدين القيم.أى: ذلك الدين الذي ارتضيته لكم هو الدين القيم، ولكن أكثر الناس لا يعلمون هذه الحقيقة، بسبب استحواذ الشيطان عليهم، واتباعهم للأهواء الزائفة، والتقاليد الفاسدة.
30:31
مُنِیْبِیْنَ اِلَیْهِ وَ اتَّقُوْهُ وَ اَقِیْمُوا الصَّلٰوةَ وَ لَا تَكُوْنُوْا مِنَ الْمُشْرِكِیْنَۙ(۳۱)
اس کی طرف رجوع لاتے ہوئے (ف۶۷) اور اس سے ڈرو اور نماز قائم رکھو اور مشرکوں سے نہ ہو،

ثم حرضهم- سبحانه- على الاستمرار في اتباع توجيهات هذا الدين القيم فقال:مُنِيبِينَ إِلَيْهِ وَاتَّقُوهُ وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ.قال القرطبي: وفي أصل الإنابة قولان: أحدهما: أنه القطع. ومنه أخذ اسم الناب لأنه قاطع، فكأن الإنابة هي الانقطاع إلى الله- عز وجل- بالطاعة. والثاني: أن أصله الرجوع، مأخوذ من ناب ينوب إذا رجع مرة بعد أخرى، ومنه النوبة لأنها الرجوع إلى عادة، ولفظ مُنِيبِينَ منصوب على الحال والمعنى: أقيموا وجوهكم- أيها الناس- لخالقكم وحده، حالة كونكم راجعين إليه بالتوبة والطاعة، ومقبلين إليه بالاستغفار والعبادة، ومتقين له في كل أحوالكم، ومداومين على إقامة الصلاة في أوقاتها بخشوع واطمئنان.وَلا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ المبدلين لفطرة الله- تعالى- المتبعين لأهوائهم وشهواتهم.
30:32
مِنَ الَّذِیْنَ فَرَّقُوْا دِیْنَهُمْ وَ كَانُوْا شِیَعًاؕ-كُلُّ حِزْبٍۭ بِمَا لَدَیْهِمْ فَرِحُوْنَ(۳۲)
ان میں سے جنہوں نے اپنے دین کو ٹکڑے ٹکڑے کردیا (ف۶۸) اور ہوگئے گروہ گروہ، ہر گروہ جو اس کے پاس ہے اسی پر خوش ہے (ف۶۹)

وقوله مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكانُوا شِيَعاً بدل مما قبله.أى: ولا تكونوا من المشركين، الذين اختلفوا في شأن دينهم اختلافات شتى على حسب أهوائهم، وصاروا شيعا وفرقا وأحزابا متنازعة.كُلُّ حِزْبٍ بِما لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ أى: كل حزب منهم صار مسرورا بما لديه من دين باطل، وملة فاسدة، وعقيدة زائفة، وهذا الفرح بالباطل سببه جهلهم، وانطماس بصائرهم عن الانقياد للحق.ثم بين- سبحانه- أحوال الناس في السراء والضراء وعند ما يوسع الله- تعالى- في أرزاقهم، وعند ما يضيق عليهم هذه الأرزاق، فقال- تعالى-:
30:33
وَ اِذَا مَسَّ النَّاسَ ضُرٌّ دَعَوْا رَبَّهُمْ مُّنِیْبِیْنَ اِلَیْهِ ثُمَّ اِذَاۤ اَذَاقَهُمْ مِّنْهُ رَحْمَةً اِذَا فَرِیْقٌ مِّنْهُمْ بِرَبِّهِمْ یُشْرِكُوْنَۙ(۳۳)
اور جب لوگوں کو تکلیف پہنچتی ہے (ف۷۰) تو اپنے رب کو پکارتے ہیں اس کی طرف رجوع لاتے ہوئے پھر جب وہ انہیں اپنے پاس سے رحمت کا مزہ دیتا ہے (ف۷۱) جبھی ان میں سے ایک گروہ اپنے رب کا شریک ٹھہرانے لگتا ہے،

أى: وَإِذا مَسَّ النَّاسَ ضُرٌّ من قحط أو مصيبة في المال أو الولد، دَعَوْا رَبَّهُمْ مُنِيبِينَ إِلَيْهِ أى: إذا نزل بهم الضر، أسرعوا بالدعاء إلى الله- تعالى- متضرعين إليه أن يكشف عنهم ما نزل بهم من بلاء.هذا حالهم عند الشدائد والكروب، أما حالهم عند العافية والغنى وتفريج الهموم، فقد عبر عنه- سبحانه- بقوله: ثُمَّ إِذا أَذاقَهُمْ مِنْهُ رَحْمَةً إِذا فَرِيقٌ مِنْهُمْ بِرَبِّهِمْ يُشْرِكُونَ.وإِذا الأولى شرطية، والثانية فجائية.أى: هم بمجرد نزول الضر بهم يلجئون إلى الله- تعالى- لإزالته، ثم إذا ما كشفه عنهم، وأحاطهم برحمته، أسرع فريق منهم بعبادة غيره- سبحانه-.وقوله- تعالى-: إِذا فَرِيقٌ مِنْهُمْ: إنصاف وتشريف لفريق آخر من الناس، من صفاتهم أنهم يذكرون الله- تعالى- في كل الأحوال، ويصبرون عند البلاء، ويشكرون عند الرخاء.والتنكير في قوله- سبحانه- «ضر، ورحمة» للإشارة إلى أن هذا النوع من الناس، يجزعون عند أقل ضر، ويبطرون ويطغون لأدنى رحمة ونعمة.
30:34
لِیَكْفُرُوْا بِمَاۤ اٰتَیْنٰهُمْؕ-فَتَمَتَّعُوْاٙ-فَسَوْفَ تَعْلَمُوْنَ(۳۴)
کہ ہمارے دیے کی ناشکری کریں، تو برت لو (ف۷۲) اب قریب جاننا چاہتے ہو (ف۷۳)

واللام في قوله- تعالى-: لِيَكْفُرُوا بِما آتَيْناهُمْ هي العاقبة. أى: فعلوا ما فعلوا من الجزع عند الضر، ومن البطر عند النعم، ليكون مآل حالهم إلى الكفر والجحود لنعم الله، وإلى سوء العاقبة والمصير.ثم التفت إليهم- سبحانه- بالخطاب مهددا ومتوعدا فقال: فَتَمَتَّعُوا فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ أى: فتمتعوا- أيها الجاحدون لنعم الله- بهذا المتاع الزائل من متع الحياة الدنيا، فسوف تعلمون ما يترتب على ذلك من عذاب مهين.
30:35
اَمْ اَنْزَلْنَا عَلَیْهِمْ سُلْطٰنًا فَهُوَ یَتَكَلَّمُ بِمَا كَانُوْا بِهٖ یُشْرِكُوْنَ(۳۵)
یا ہم نے ان پر کوئی سند اتاری (ف۷۴) کہ ہو انہیں ہمارے شریک بتارہی ہے (ف۷۵)

وقوله- تعالى-: أَمْ أَنْزَلْنا عَلَيْهِمْ سُلْطاناً فَهُوَ يَتَكَلَّمُ بِما كانُوا بِهِ يُشْرِكُونَ التفات من الخطاب إلى الغيبة، على سبيل التحقير لهم، والتهوين من شانهم. والاستفهام للنفي والتوبيخ.والسلطان: الحجة والبرهان.أى: هؤلاء الذين أشركوا معنا غيرنا في العبادة، هل نحن أنزلنا عليهم حجة ذات قوة وسلطان تشهد لهم بأن شركهم لا يخالف الحق، وتنطق بأن كفرهم لا غبار عليه؟كلا، إننا ما أنزلنا عليهم شيئا من ذلك، وإنما هم الذين وقعوا في الشرك، بغير علم، ولا هدى ولا كتاب منير.فالآية الكريمة تتهكم بهم لسفههم وجهلهم، وتنفى أن يكون شركهم مبنيا على دليل أو ما يشبه الدليل، أو أن يكون هناك من أمرهم به سوى تقاليدهم الباطلة، وأهوائهم الفاسدة وأفكارهم الزائفة.
30:36
وَ اِذَاۤ اَذَقْنَا النَّاسَ رَحْمَةً فَرِحُوْا بِهَاؕ-وَ اِنْ تُصِبْهُمْ سَیِّئَةٌۢ بِمَا قَدَّمَتْ اَیْدِیْهِمْ اِذَا هُمْ یَقْنَطُوْنَ(۳۶)
اور جب ہم لوگوں کو رحمت کا مزہ دیتے ہیں (ف۷۶) اس پر خوش ہوجاتے ہیں (ف۷۷) اور اگر انہیں کوئی برائی پہنچے (ف۷۸) بدلہ اس کا جو ان کے ہاتھوں نے بھیجا (ف۷۹) جبھی وہ ناامید ہوجاتے ہیں (ف۸۰)

ثم عادت الصورة الكريمة إلى الحديث عن أحوال بعض النفوس البشرية في حالتي العسر واليسر، فقال- تعالى-: وَإِذا أَذَقْنَا النَّاسَ رَحْمَةً من صحة أو غنى أو أمان فَرِحُوا بِها أى: فرحوا بها فرح البطر الأشر، الذي لا يقابل نعم الله- تعالى- بالشكر، ولا يستعملها فيما خلقت له.فالمراد بالفرح هنا: الجحود والكفران للنعم، وليس مجرد السرور بالحصول على النعم.وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ شدة أو مصيبة بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ أى: بسبب شؤم معاصيهم، وإهمالهم لشكر الله- تعالى- على نعمه إِذا هُمْ يَقْنَطُونَ أى: أسرعوا باليأس من رحمة الله، وقنطوا من فرجه، واسودت الدنيا في وجوههم، شأن الذين لا يعرفون سنن الله- تعالى- في خلقه، والذين يعبدون الله على حرف، فهم عند السراء جاحدون مغرورون..وعند الضراء قانطون يائسون.وعبر- سبحانه- في جانب الرحمة بإذا، وفي جانب المصيبة بإن، للإشعار بأن رحمته- تعالى- بعباده متحققة في كل الأحوال. وأن ما ينزل بالناس من مصائب، هو بسبب ما اجترحوه من ذنوب.ونسب- سبحانه- الرحمة إلى ذاته فقال: وَإِذا أَذَقْنَا النَّاسَ رَحْمَةً دون السيئة فقد قال: وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ لتعليم العباد الأدب مع خالقهم- عز وجل-، وإن كان الكل بيده- سبحانه- وبمشيئته، وشبيه بهذا قوله- تعالى-: وَأَنَّا لا نَدْرِي أَشَرٌّ أُرِيدَ بِمَنْ فِي الْأَرْضِ، أَمْ أَرادَ بِهِمْ رَبُّهُمْ رَشَداً.والتعبير بإذا الفجائية في قوله إِذا هُمْ يَقْنَطُونَ، للإشارة إلى سرعة يأسهم من رحمة الله- تعالى- حتى ولو كانت المصيبة هينة بسيرة، وذلك لضعف يقينهم وإيمانهم. إذ القنوط من رحمة الله، يتنافى مع الإيمان الحق.
30:37
اَوَ لَمْ یَرَوْا اَنَّ اللّٰهَ یَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ یَّشَآءُ وَ یَقْدِرُؕ-اِنَّ فِیْ ذٰلِكَ لَاٰیٰتٍ لِّقَوْمٍ یُّؤْمِنُوْنَ(۳۷)
اور کیا انہوں نے نہ دیکھا کہ اللہ رزق وسیع فرماتا ہے جس کے لیے چاہے اور تنگی فرماتا ہے جس کے لیے چاہے بیشک اس میں نشانیاں ہیں ایمان والوں کے لیے،

ثم عقب- سبحانه- على أحوالهم هذه، بالتعجيب من شأنهم، وبالتقريع لهم على جهلهم، فقال: أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ وَيَقْدِرُ.أى: أجهل هؤلاء الناس الذين لم يخالط الإيمان قلوبهم، ولم يشاهدوا بأعينهم أن الله- تعالى- بمقتضى حكمته، يوسع الرزق لمن يشاء من عباده. ويضيقه على من يشاء منهم، لا راد لقضائه، ولا معقب لحكمه، ولا يسأل عما يفعل.إن واقع الناس يشهد ويعلن: أن الله- تعالى- يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر، فما لهؤلاء القوم ينكرون هذا الواقع بأفعالهم القبيحة، حيث إنهم يبطرون عند السراء، ويقنطون عند الضراء؟ فالمقصود بالآية الكريمة توبيخهم على عدم فهمهم لسنن الله في خلقه.ثم ختم- سبحانه- الآية بقوله: إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ أى: إن في ذلك الذي ذكرناه لكم من أحوال الناس، ومن قدرتنا على كل شيء لَآياتٍ واضحات، وعبر بينات، لقوم يؤمنون بما أرشدناهم إليه، ويعملون بما يقتضيه إيمانهم.ثم بين- سبحانه- بعد ذلك ما يجب على المسلم بالنسبة للمال الذي وهبه الله إياه، فقال- تعالى-:
30:38
فَاٰتِ ذَا الْقُرْبٰى حَقَّهٗ وَ الْمِسْكِیْنَ وَ ابْنَ السَّبِیْلِؕ-ذٰلِكَ خَیْرٌ لِّلَّذِیْنَ یُرِیْدُوْنَ وَجْهَ اللّٰهِ٘-وَ اُولٰٓىٕكَ هُمُ الْمُفْلِحُوْنَ(۳۸)
تو رشتہ دار کو اس کا حق دو (ف۸۱) اور مسکین اور مسافر کو (ف۸۲) یہ بہتر ہے ان کے لیے جو اللہ کی رضا چاہتے ہیں (ف۸۳) اور انہیں کا کام بنا،

والخطاب في قوله- تعالى-: فَآتِ ذَا الْقُرْبى حَقَّهُ.. للنبي صلّى الله عليه وسلّم ولكل من يصلح له من أمته. والفاء: لترتيب ما بعدها على ما قبلها.والمعنى: إذا كان الأمر كما ذكرت لكم، من أن بسط الأرزاق وقبضها بيدي وحدي، فأعط- أيها الرسول الكريم- ذا القربى حقه من المودة والصلة والإحسان، وليقتد بك في ذلك أصحابك وأتباعك.وأعط- أيضا- الْمِسْكِينَ الذي لا يملك شيئا ذا قيمة، حقه من الصدقة والبر، وكذلك ابْنَ السَّبِيلِ وهو المسافر المنقطع عن ماله في سفره، ولو كان غنيا في بلده.وقدم- سبحانه- الأقارب، لأن دفع حاجتهم واجب من الواجبات التي جعلها- سبحانه- للقريب على قريبه.قال القرطبي: واختلف في هذه الآية، فقيل: إنها منسوخة بآية المواريث. وقيل:لا نسخ، بل للقريب حق لازم في البر على كل حال، وهو الصحيح، قال مجاهد وقتادة:صلة الرحم فرض من الله- عز وجل-، حتى قال مجاهد: لا تقبل صدقة من أحد ورحمه محتاجة .وقال الجمل في حاشيته: وعدم ذكر بقية الأصناف المستحقين للزكاة، يدل على أن ذلك في صدقة التطوع، وقد احتج أبو حنيفة- رحمه الله- بهذه الآية على وجوب نفقة المحارم، والشافعى- رحمه الله- قاس سائر الأقارب- ما عدا الفروع والأصول- على ابن العم، لأنه لا ولادة بينهم.ثم قال: وهؤلاء الثلاثة يجب الإحسان إليهم وإن لم يكن للإنسان مال زائد، لأن المقصود هنا: الشفقة العامة، والفقير داخل في المسكين..» .ثم بين- سبحانه- الآثار الطيبة المترتبة على هذا البر والعطاء فقال: ذلِكَ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ، وَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ.
30:39
وَ مَاۤ اٰتَیْتُمْ مِّنْ رِّبًا لِّیَرْبُوَاۡ فِیْۤ اَمْوَالِ النَّاسِ فَلَا یَرْبُوْا عِنْدَ اللّٰهِۚ-وَ مَاۤ اٰتَیْتُمْ مِّنْ زَكٰوةٍ تُرِیْدُوْنَ وَجْهَ اللّٰهِ فَاُولٰٓىٕكَ هُمُ الْمُضْعِفُوْنَ(۳۹)
اور تم جو چیز زیادہ لینے کو دو کہ دینے والے کے مال بڑھیں تو وہ اللہ کے یہاں نہ بڑھے گی (ف۸۴) اور جو تم خیرات دو اللہ کی رضا چاہتے ہوئے (ف۸۵) تو انہیں کے دُونے ہیں (ف۸۶)

أى: ذلك الإيتاء لهؤلاء الثلاثة، خير وأبقى عند الله- تعالى- للذين يريدون بصدقتهم وإحسانهم وجه الله، وأولئك المتصفون بتلك الصفات الحميدة، هم الكاملون في الفلاح، والظفر بالخير في الدنيا والآخرة.وبعد أن حضهم على صلة الأقارب والمساكين وابن السبيل، نفرهم من تعاطى الربا فقال:وَما آتَيْتُمْ مِنْ رِباً لِيَرْبُوَا فِي أَمْوالِ النَّاسِ فَلا يَرْبُوا عِنْدَ اللَّهِ.والربا: الزيادة مطلقا. يقال: ربا الشيء يربو إذا زاد ونما، ومنه قوله- تعالى-:وَتَرَى الْأَرْضَ هامِدَةً، فَإِذا أَنْزَلْنا عَلَيْهَا الْماءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ. أى: زادت.قال الآلوسى ما ملخصه: والظاهر أن المراد بالربا هنا، الزيادة المعروفة في المعاملة التي حرمها الشارع. ويشهد لذلك ما روى عن السدى، من أن الآية نزلت في ربا ثقيف، كانوا يرابون، وكذلك كانت قريش تتعاطى الربا.وعن ابن عباس وغيره: أن المراد به هنا العطية التي يتوقع بها مزيد مكافأة، وعليه فتسميتها ربا مجاز، لأنها سبب للزيادة .ويبدو لنا أن المراد بالربا هنا، الربا الذي حرمه الله- تعالى- بعد ذلك تحريما قاطعا، وأن المقصود من الآية التنفير منه على سبيل التدرج، حتى إذا جاء التحريم النهائى له، تقبلته نفوس الناس بدون مفاجأة لهذا التحريم.قال صاحب الكشاف: هذه الآية في معنى قوله- تعالى- يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبا وَيُرْبِي الصَّدَقاتِ. سواء بسواء. يريد: وما أعطيتم أكلة الربا مِنْ رِباً لِيَرْبُوَا فِي أموالهم، أى: ليزيد ويزكو في أموالهم، فلا يزكو عند الله ولا يبارك فيه .ثم حض- سبحانه- على التصدق في سبيله فقال: وَما آتَيْتُمْ مِنْ زَكاةٍ أى من صدقة تتقربون بها إلى الله، وتُرِيدُونَ بأدائها وَجْهَ اللَّهِ أى: رضاه وثوابه.فَأُولئِكَ الذين يفعلون ذلك هُمُ الْمُضْعِفُونَ أى: ذوو الأضعاف المضاعفة من الثواب والعطاء الكريم، فالمضعفون جمع مضعف- بكسر العين- على أنه اسم فاعل من أضعف، إذا صار ذا ضعف- بكسر فسكون- كأقوى وأيسر، إذا صار ذا قوة ويسار.وقال- سبحانه-: فَأُولئِكَ هُمُ الْمُضْعِفُونَ ولم يقل: فأنتم المضعفون، لأنه رجع من المخاطبة إلى الغيبة، كأنه قال لملائكته: فأولئك الذين يريدون وجهى بصدقاتهم، هم المضعفون، فهو أمدح لهم من أن يقول: فأنتم المضعفون.
30:40
اَللّٰهُ الَّذِیْ خَلَقَكُمْ ثُمَّ رَزَقَكُمْ ثُمَّ یُمِیْتُكُمْ ثُمَّ یُحْیِیْكُمْؕ-هَلْ مِنْ شُرَكَآىٕكُمْ مَّنْ یَّفْعَلُ مِنْ ذٰلِكُمْ مِّنْ شَیْءٍؕ-سُبْحٰنَهٗ وَ تَعٰلٰى عَمَّا یُشْرِكُوْنَ۠(۴۰)
اللہ ہے جس نے تمہیں پیدا کیا پھر تمہیں روزی دی پھر تمہیں مارے گا پھر تمہیں جِلائے گا (ف۸۷) کیا تمہارے شریکوں میں (ف۸۸) بھی کوئی ایسا ہے جو ان کاموں میں سے کچھ کرے (ف۸۹) پاکی اور برتری ہے اسے ان کے شرک سے،

ثم بين- سبحانه- بعد ذلك مظاهر فضله على الناس فقال: اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ على غير مثال سابق ثُمَّ رَزَقَكُمْ من فضله بأنواع من الرزق الذي لا غنى لكم عنه في معاشكم ثُمَّ يُمِيتُكُمْ بعد انقضاء أعماركم في هذه الحياة ثُمَّ يُحْيِيكُمْ يوم القيامة للحساب والجزاء.والاستفهام في قوله- سبحانه-: هَلْ مِنْ شُرَكائِكُمْ مَنْ يَفْعَلُ مِنْ ذلِكُمْ مِنْ شَيْءٍ للإنكار والنفي. أى: ليس من شركائكم الذين عبدتموهم من يستطيع أن يفعل شيئا من ذلك، فكيف اتخذتموهم آلهة وأشركتموهم معى في العبادة؟ إن الله- تعالى- وحده هو الخالق وهو الرازق وهو المحيي وهو المميت.سُبْحانَهُ وَتَعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ تنزه وتقدس عن شرك هؤلاء المشركين وعن جهل أولئك الجاهلين.وبعد هذا التوجيه الحكيم، يسوق- سبحانه- الآثار السيئة التي تترتب على الكفر والمعاصي، ويأمر بالاعتبار بالسابقين، ويبين عاقبة الأشرار وعاقبة الأخيار فيقول:
  FONT
  THEME
  TRANSLATION
  • English | Ahmed Ali
  • Urdu | Ahmed Raza Khan
  • Turkish | Ali-Bulaç
  • German | Bubenheim Elyas
  • Chinese | Chineese
  • Spanish | Cortes
  • Dutch | Dutch
  • Portuguese | El-Hayek
  • English | English
  • Urdu | Fateh Muhammad Jalandhry
  • French | French
  • Hausa | Hausa
  • Indonesian | Indonesian-Bahasa
  • Italian | Italian
  • Korean | Korean
  • Malay | Malay
  • Russian | Russian
  • Tamil | Tamil
  • Thai | Thai
  • Farsi | مکارم شیرازی
  TAFSEER
  • العربية | التفسير الميسر
  • العربية | تفسير الجلالين
  • العربية | تفسير السعدي
  • العربية | تفسير ابن كثير
  • العربية | تفسير الوسيط لطنطاوي
  • العربية | تفسير البغوي
  • العربية | تفسير القرطبي
  • العربية | تفسير الطبري
  • English | Arberry
  • English | Yusuf Ali
  • Dutch | Keyzer
  • Dutch | Leemhuis
  • Dutch | Siregar
  • Urdu | Sirat ul Jinan
  HELP

اَلرُّوْم
اَلرُّوْم
  00:00



Download

اَلرُّوْم
اَلرُّوْم
  00:00



Download