READ
Surah An-Naml
اَلنَّمْل
93 Ayaat مکیۃ
قَالَ نَكِّرُوْا لَهَا عَرْشَهَا نَنْظُرْ اَتَهْتَدِیْۤ اَمْ تَكُوْنُ مِنَ الَّذِیْنَ لَا یَهْتَدُوْنَ(۴۱)
سلیمان نے حکم دیا عورت کا تخت اس کے سامنے وضع بدل کر بیگانہ کردو کہ ہم دیکھیں کہ وہ راہ پاتی ہے یا ان میں ہوتی ہے جو ناواقف رہے،
وقوله: نَكِّرُوا لَها عَرْشَها من التنكير الذي هو ضد التعريف، وهو جعل الشيء على هيئة تخالف هيئته السابقة حتى لا يعرف.أى: قال سليمان لجنوده، بعد أن استقر عنده عرش بلقيس: غيروا لهذه الملكة عرشها، كأن تجعلوا مؤخرته في مقدمته، وأعلاه أسفله..وافعلوا ذلك لكي نَنْظُرْ ونعرف أَتَهْتَدِي إليه بعد هذا التغيير، أو إلى الجواب اللائق بالمقام عند ما تسأل أَمْ تَكُونُ مِنَ الَّذِينَ لا يَهْتَدُونَ إلى معرفة الشيء بعد تغيير معالمه المميزة له. أو إلى الجواب الصحيح عند ما تسأل عنه.فالمقصود بتغيير هيئة عرشها: اختبار ذكائها وفطنتها، وحسن تصرفها، عند مفاجأتها باطلاعها على عرشها الذي خلفته وراءها في بلادها. وإيقافها على مظاهر قدرة الله- تعالى- وعلى ما وهبه لسليمان- عليه السلام- من معجزات.
فَلَمَّا جَآءَتْ قِیْلَ اَهٰكَذَا عَرْشُكِؕ-قَالَتْ كَاَنَّهٗ هُوَۚ-وَ اُوْتِیْنَا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِهَا وَ كُنَّا مُسْلِمِیْنَ(۴۲)
پھر جب وہ آئی اس سے کہا گیا کیا تیرا تخت ایسا ہی ہے، بولی گویا یہ وہی ہے (ف۶۵) اور ہم کو اس واقعہ سے پہلے خبر مل چکی (ف۶۶) اور ہم فرمانبردار ہوئے (ف۶۷)
وقوله- تعالى-: فَلَمَّا جاءَتْ ... شروع في بيان ما قالته عند ما عرض عليها سليمان عرشها.أى: فلما وصلت بلقيس إلى سليمان- عليه السلام- عرض عليها عرشها بعد تغيير معالمه. ثم قيل لها من جهته- عليه السلام-: أَهكَذا عَرْشُكِ أى: أمثل هذا العرش الذي ترينه الآن، عرشك الذي خلفته وراءك في بلادك.فالهمزة للاستفهام والهاء للتنبيه- والكاف حرف جر، وذا اسم إشارة مجرور بها، والجار والمجرور خبر مقدم، وعرشك مبتدأ مؤخر.ولم يقل لها: أهذا عرشك، لئلا يكون إرشادا لها إلى الجواب، فيفوت المقصود من اختبار ذكائها وحسن تصرفها.ولا شك أن هذا القول يدعوها للدهشة والمفاجأة بما لم يكن في حسبانها، وإلا فأين هي من عرشها الذي تركته خلفها على مسافة بعيدة، بينها وبين مملكة سليمان عشرات الآلاف من الأميال.ولكن الملكة الأريبة العاقلة، هداها تفكيرها إلى جواب ذكى، فقالت- كما حكى القرآن عنها-: كَأَنَّهُ هُوَ أى: هذا العرش- الذي غيرت هيئته- كأنه عرشي الذي تركته في بلادي، فهي لم تثبت أنه هو، ولم تنف أنه غيره، وإنما تركت الأمر مبنيا على الظن والتشبيه، لكي يناسب الجواب السؤال.وقوله- سبحانه-: وَأُوتِينَا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِها وَكُنَّا مُسْلِمِينَ يرى بعض المفسرين أنه من تتمة كلام بلقيس، وكأنها عند ما استشعرت مما شاهدته اختبار عقلها قالت: وأوتينا العلم من قبلها، أى: من قبل تلك الحالة التي شاهدناها، بصحة نبوة سليمان وكنا مسلمين، طائعين لأمره.ومنهم من يرى أنه من سليمان، وتكون الجملة معطوفة على كلام مقدر وجيء بها من قبيل التحدث بنعمة الله- تعالى-.والمعنى: قال سليمان: لقد أصابت بلقيس في الجواب، وعرفت الحق، ولكننا نحن الذين أوتينا العلم من قبلها- أى من قبل حضور ملكة سبأ- وكنا مسلمين لله- تعالى- وجوهنا.ويبدو لنا أن كون هذه الجملة، حكاها القرآن على أنها من تتمة كلامها أقرب إلى الصواب، لأنه هو الظاهر من سياق الكلام.قال الآلوسي ما ملخصه: قوله: وَأُوتِينَا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِها وَكُنَّا مُسْلِمِينَ من تتمة كلامها على ما اختاره جمع من المفسرين. كأنها استشعرت مما شاهدته اختبارها، وإظهار معجزة لها. ولما كان الظاهر من السؤال هو الأول، سارعت إلى الجواب بما أنبأ عن كمال عقلها، ولما كان إظهار المعجزة دون ذلك في الظهور، ذكرت ما يتعلق به آخرا وهو قولها:وَأُوتِينَا الْعِلْمَ وفيه دلالة على كمال عقلها- أيضا-.والمعنى: وأوتينا العلم بكمال قدرة الله، وصحة نبوتك من قبل هذه المعجزة أو من قبل هذه الحالة، بما شاهدناه من أمر الهدهد. وما سمعناه من رسلنا إليك، وكنا مؤمنين من ذلك الوقت، فلا حاجة إلى إظهار هذه المعجزة .
وَ صَدَّهَا مَا كَانَتْ تَّعْبُدُ مِنْ دُوْنِ اللّٰهِؕ-اِنَّهَا كَانَتْ مِنْ قَوْمٍ كٰفِرِیْنَ(۴۳)
اور اسے روکا (ف۶۸) اس چیز نے جسے وہ اللہ کے سوا پوجتی تھی، بیشک وہ کافر لوگوں میں سے تھی،
وقوله- سبحانه- وَصَدَّها ما كانَتْ تَعْبُدُ مِنْ دُونِ اللَّهِ ... بيان للأسباب التي منعتها من الدخول في الإسلام قبل ذلك. وما موصولة على أنها فاعل «صد» .أى: وصدها ومنعها الذي كانت تعبده من دون الله- تعالى- وهو الشمس- عن عبادة الله- تعالى- وحده، وعن المسارعة إلى الدخول في الإسلام.ويصح أن تكون ما مصدرية، والمصدر هو الفاعل. أى. وصدها عبادة الشمس، عن المسارعة إلى الدخول في الإسلام.وجملة إِنَّها كانَتْ مِنْ قَوْمٍ كافِرِينَ تعليل لسببية عبادتها لغير الله- تعالى-.أى: إن هذه المرأة كانت من قوم كافرين بالله- تعالى-، جاحدين لنعمه، عابدين لغيره، منذ أزمان متطاولة، فلم يكن في مقدورها إظهار إسلامها بسرعة وهي بينهم.فالجملة الكريمة كأنها اعتذار لها عن سبب تأخرها في الدخول في الإسلام.
قِیْلَ لَهَا ادْخُلِی الصَّرْحَۚ-فَلَمَّا رَاَتْهُ حَسِبَتْهُ لُجَّةً وَّ كَشَفَتْ عَنْ سَاقَیْهَاؕ-قَالَ اِنَّهٗ صَرْحٌ مُّمَرَّدٌ مِّنْ قَوَارِیْرَ۬ؕ-قَالَتْ رَبِّ اِنِّیْ ظَلَمْتُ نَفْسِیْ وَ اَسْلَمْتُ مَعَ سُلَیْمٰنَ لِلّٰهِ رَبِّ الْعٰلَمِیْنَ۠(۴۴)
اس سے کہا گیا صحن میں آ (ف۶۹) پھر جب اس نے اسے دیکھا گہرا پانی سمجھی اور اپنی ساقیں کھولیں (ف۷۰) سلیمان نے فرمایا یہ تو ایک چکنا صحن ہے شیشوں جڑا (ف۷۱) عورت نے عرض کی اے میرے رب! میں نے اپنی جان پر ظلم کیا (ف۷۲) اور اب سلیمانے کے ساتھ اللہ کے حضور گردن رکھتی ہوں جو رب سارے جہان کا (ف۷۳)
ثم ختم- سبحانه- هذه القصة ببيان ما فاجأها به سليمان، لتزداد يقينا بوحدانية الله- تعالى-، وبعظم النعم التي أعطاها- سبحانه- له فقال: يلَ لَهَا ادْخُلِي الصَّرْحَ، فَلَمَّا رَأَتْهُ حَسِبَتْهُ لُجَّةً وَكَشَفَتْ عَنْ ساقَيْها.والصرح: القصر ويطلق على كل بناء مرتفع. ومنه قوله- تعالى-: وَقالَ فِرْعَوْنُ يا هامانُ ابْنِ لِي صَرْحاً لَعَلِّي أَبْلُغُ الْأَسْبابَ ويطلق- أيضا- على صحن الدار وساحته. يقال: هذه صرحة الدار. أى: ساحتها وعرصتها.وكان سليمان- عليه السلام- قد بنى هذا الصرح، وجعل بلاطه من زجاج نقى صاف كالبلور. بحيث يرى الناظر ما يجرى تحته من ماء.أى: قال سليمان لملكة سبأ بعد أن سألها: أهكذا عرشك، وبعد أن أجابته بما سبق بيانه.قال لها: ادخلى هذا القصر، فلما رأت هذا الصرح وما عليه من جمال وفخامة، حسبته لجة.أى: ظنته ماء غزيرا كالبحر.كَشَفَتْ عَنْ ساقَيْهالئلا تبتل بالماء أذيال ثيابها.وهنا قال سليمان مزيلا لما اعتراها من دهشة: نَّهُأى: ما حسبته لجةرْحٌ مُمَرَّدٌ مِنْ قَوارِيرَأى: قصر مملس من زجاج لا يحجب ما وراءه.فقوله مَرَّدٌبمعنى مملس، مأخوذ من قولهم: شجرة مرداء إذا كانت عارية من الورق، وغلام أمرد، إذا لم يكن في وجهه شعر والتمريد في البناء، معناه: التمليس والتسوية والنعومة.والقوارير: جمع قارورة، وهي إناء من زجاج، وتطلق القارورة على المرأة، لأن الولد يقر في رحمها، أو تشبيها لها بآنية الزجاج من حيث ضعفها، ومنه الحديث الشريف: «رفقا بالقوارير» . والمراد بالقوارير هنا. المعنى الأول.ثم حكى- سبحانه- ما قالته بلقيس بعد أن رأت جانبا من عجائب صنع الله فقال:قالَتْ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِيأى: بسبب عبادتي لغيرك قبل هذا الوقت.. أَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمانَطائعة مختارة، وإسلامى إنما هولَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَوليس لأحد سواه.وبعد، فهذا تفسير محرر لتلك القصة، وقد أعرضنا عن كثير من الإسرائيليات التي حشا بها بعض المفسرين تفاسيرهم، عند حديثهم عن الآيات التي وردت في هذه القصة، ومن ذلك ما يتعلق بسليمان- عليه السلام- وبجنوده من الطير. وبمحاورة النملة له، وبالهدية التي أرسلتها ملكة سبأ إليه، وبما قالته الشياطين لسليمان عن هذه المرأة.. إلخ وقد اشتملت هذه القصة على عبر وعظات وأحكام وآداب، من أهمها ما يأتى:1- أن الله- تعالى- قد أعطى- بفضله وإحسانه- داود وسليمان عليهما السلام- نعما عظيمة، على رأسها نعمة النبوة، والملك، والعلم النافع.وأنهما قد قابلا هذه النعم بالشكر لله- تعالى- واستعمالها فيما خلقت له.ونرى ذلك في قوله- تعالى-: وَلَقَدْ آتَيْنا داوُدَ وَسُلَيْمانَ عِلْماً، وَقالا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي فَضَّلَنا عَلى كَثِيرٍ مِنْ عِبادِهِ الْمُؤْمِنِينَ.وفي قوله- تعالى-: رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلى والِدَيَّ، وَأَنْ أَعْمَلَ صالِحاً تَرْضاهُ، وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبادِكَ الصَّالِحِينَ.وفي قوله- سبحانه-: هذا مِنْ فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ، وَمَنْ شَكَرَ فَإِنَّما يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ، وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ.2- أن سليمان- عليه السلام- قد أقام دولته على الإيمان بالله- تعالى- وعلى العلم النافع، وعلى القوة العادلة.أما الإيمان بالله- تعالى- وإخلاص العبادة له- سبحانه-، فهو كائن له- عليه السلام- بمقتضى نبوته التي اختاره الله لها، وبمقتضى دعوته غيره إلى وحدانية الله- عز وجل- فقد حكى القرآن عنه أنه قال في رسالته إلى ملكة سبأ: إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ. أَلَّا تَعْلُوا عَلَيَّ وَأْتُونِي مُسْلِمِينَ.وأما العلم النافع، فيكفى أن القصة الكريمة قد افتتحت بقوله- تعالى-: وَلَقَدْ آتَيْنا داوُدَ وَسُلَيْمانَ عِلْماً ...واشتملت على قوله- سبحانه-: وَوَرِثَ سُلَيْمانُ داوُدَ وَقالَ يا أَيُّهَا النَّاسُ عُلِّمْنا مَنْطِقَ الطَّيْرِ....وعلى قوله- عز وجل-: قالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتابِ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ.وأما القوة، فنراها في قوله- تعالى-: وَحُشِرَ لِسُلَيْمانَ جُنُودُهُ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ وَالطَّيْرِ فَهُمْ يُوزَعُونَ.وفي قوله- سبحانه- ارْجِعْ إِلَيْهِمْ فَلَنَأْتِيَنَّهُمْ بِجُنُودٍ لا قِبَلَ لَهُمْ بِها، وَلَنُخْرِجَنَّهُمْ مِنْها أَذِلَّةً وَهُمْ صاغِرُونَ.3- أن سليمان عليه السلام كانت رسالته الأولى نشر الإيمان بالله- تعالى- في الأرض، وتطهيرها من كل معبود سواه.والدليل على ذلك أن الهدهد عند ما أخبره بحال الملكة التي كانت هي وقومها يعبدون الشمس من دون الله..ما كان من سليمان- عليه السلام- إلا أن حمله كتابا قويا بليغا يأمرهم فيه بترك التكبر والغرور، وبإسلام وجوههم لله وحده: أَلَّا تَعْلُوا عَلَيَّ وَأْتُونِي مُسْلِمِينَ.4- أن سليمان- عليه السلام- كان يمثل الحاكم اليقظ المتنبه لأحوال رعيته، حيث يعرف شئونها الصغيرة والكبيرة، ويعرف الحاضر من أفرادها والغائب، حتى ولو كان الغائب طيرا صغيرا، من بين آلاف الخلائق الذين هم تحت قيادته.ولقد صور القرآن ما كان عليه سليمان- عليه السلام- من يقظة ودراية بأفراد رعيته أبدع تصوير فقال: وتفقد الطير فقال مالي لا أرى الهدهد أم كان من الغائبين.قال الإمام القرطبي- رحمه الله-: في هذه الآية دليل على تفقد الإمام أحوال رعيته، والمحافظة عليهم، فانظر إلى الهدهد مع صغره، كيف لم يخف على سليمان حاله، فكيف بعظام الملك..ثم يقول- رحمه الله- على سبيل التفجع والشكوى عن حال الولاة في عهده: فما ظنك بوال تذهب على يديه البلدان، وتضيع الرعية ويضيع الرعيان.. ورحم الله القائل:وهل أفسد الدين إلا الملوك ... وأحبار سوء ورهبانها5- أن سليمان- عليه السلام- كان بجانب تعهده لشئون رعيته، يمثل الحاكم الحازم العادل، الذي يحاسب المهمل، ويتوعد المقصر، ويعاقب من يستحق العقاب، وفي الوقت نفسه يقبل عذر المعتذر متى اعتذر عذرا مشروعا ومقنعا.انظر إليه وهو يقول- كما حكى القرآن عنه- عند ما تفقد الهدهد فلم يجده: لَأُعَذِّبَنَّهُ عَذاباً شَدِيداً أَوْ لَأَذْبَحَنَّهُ أَوْ لَيَأْتِيَنِّي بِسُلْطانٍ مُبِينٍ.إن الجيوش الجرارة التي تحت قيادة سليمان- عليه السلام- لا تؤثر فيها غياب هدهد منها.. ولكن سليمان القائد الحازم، كأنه يريد أن يعلم جنوده، أن لكل جندي رسالته التي يجب عليه أن يؤديها على الوجه الأكمل سواء أكان هذا الجندي صغيرا أم كبيرا، وأن من فرط في الأمور الصغيرة، لا يستبعد منه أن يفرط في الأمور الكبيرة.6- أن الجندي الصغير في الأمة التي يظلها العدل والحرية والأمان.. لا يمنعه صغره من أن يرد على الحاكم الكبير، بشجاعة وقوة..انظر إلى الهدهد- مع صغره- يحكى عنه القرآن، أنه رد على نبي الله سليمان الذي آتاه الله ملكا لا ينبغي لأحد من بعده بقوله: أَحَطْتُ بِما لَمْ تُحِطْ بِهِ وَجِئْتُكَ مِنْ سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ ...ونجد سليمان- عليه السلام- لا يؤاخذه على هذا القول، بل يضع قوله موضع التحقيق والاختبار فيقول له: سَنَنْظُرُ أَصَدَقْتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ الْكاذِبِينَ.وهكذا الأمم العاقلة الرشيدة، لا يهان فيها الصغير، ولا يظلم فيها الكبير.7- أن حكمة الله- تعالى- قد اقتضت أن تتألف الأمم من حاكمين ومحكومين، وأن كل فريق له حقوق وعليه واجبات، وأن الأمم لا تصلح بدون حاكم يحكمها ويرعى شئونها، ويحق الحق ويبطل الباطل.قال القرطبي عند تفسيره لقوله- تعالى-: وَحُشِرَ لِسُلَيْمانَ جُنُودُهُ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ وَالطَّيْرِ فَهُمْ يُوزَعُونَ: في الآية دليل على اتخاذ الإمام والحكام وزعة- أى ولاة، أو قضاة- يكفون الناس ويمنعونهم من تطاول بعضهم على بعض ...قال ابن عون: سمعت الحسن يقول وهو في مجلس قضائه: والله ما يصلح هؤلاء الناس إلا وزعة .ومن الأقوال الحكيمة لأمير المؤمنين عثمان بن عفان- رضى الله عنه- «إن الله ليزع بالسلطان مالا يزع بالقرآن» .8- أن الحاكم العاقل هو الذي يستشير من هو أهل للاستشارة في الأمور التي تهم الأمة.فها هي ذي ملكة سبأ عند ما جاءها كتاب سليمان- عليه السلام- جمعت وجوه قومها، وقالت لهم- كما حكى القرآن عنها: يا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَفْتُونِي فِي أَمْرِي، ما كُنْتُ قاطِعَةً أَمْراً حَتَّى تَشْهَدُونِ....قال القرطبي: وفي هذه الآية دليل على صحة المشاورة.. وقد قال الله- تعالى- لنبيه صلّى الله عليه وسلم وَشاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ وقد مدح الله الفضلاء بقوله: وَأَمْرُهُمْ شُورى بَيْنَهُمْ والمشاورة من الأمر القديم وخاصة في الحرب، فهذه بلقيس امرأة جاهلية كانت تعبد الشمس من دون الله قالت: يا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَفْتُونِي فِي أَمْرِي ... لتختبر عزمهم على مقاومة عدوهم.وربما كان في استبدادها برأيها وهن في طاعتها، وكان في مشاورتهم وأخذ رأيهم عون على ما تريده من شوكتهم، وشدة مدافعتهم، ألا ترى إلى قولهم في جوابهم: نَحْنُ أُولُوا قُوَّةٍ وَأُولُوا بَأْسٍ شَدِيدٍ وَالْأَمْرُ إِلَيْكِ فَانْظُرِي ماذا تَأْمُرِينَ.. .9- أن الهدية إذا لمس المهدى إليه من ورائها، عدم الإخلاص في إهدائها. وأن المقصد منها صرفه عن حق يقيمه، أو عن باطل يزيله.. فإن الواجب عليه أن يرد هذه الهدية لصاحبها. وأن يمتنع عن قبولها..ألا ترى إلى سليمان- عليه السلام- قد رد الهدية الثمينة التي أهدتها بلقيس إليه، حين أحس أن من وراء هذه الهدية شيئا. يتنافى مع تبليغ وتنفيذ رسالة الله- تعالى- التي أمره بتبليغها وتنفيذها، ألا وهي: الأمر بإخلاص العبادة لله- تعالى- والنهى عن الإشراك به، وبلقيس إنما كانت تقصد بهديتها، اختبار سليمان، أنبى هو أم ملك، كما سبق أن أشرنا..لذا وجدنا القرآن يحكى عن سليمان- عليه السلام- أنه رد هذه الهدية مع من جاءوا بها، وقال: أَتُمِدُّونَنِ بِمالٍ، فَما آتانِيَ اللَّهُ خَيْرٌ مِمَّا آتاكُمْ بَلْ أَنْتُمْ بِهَدِيَّتِكُمْ تَفْرَحُونَ.10- أن ملكة سبأ دل تصرفها على أنها كانت ملكة عاقلة رشيدة، حكيمة، فقد استشارت خاصتها في كتاب سليمان- عليه السلام-، ولوحت لهم بقوته وبما سيترتب على حربه، وآثرت أن تقدم له هدية على سبيل الامتحان، واستحبت المسالمة على المحاربة.. وكان عندها الاستعداد لقبول الحق والدخول فيه، وما أخرها عن المسارعة إليه إلا لكونها كانت من قوم كافرين..وعند ما التقت بسليمان، وانكشفت لها الحقائق سارعت إلى الدخول في الدين الحق، وقالت: بِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ.هذه بعض العبر والعظات التي تؤخذ من هذه القصة.. ثم ساق- سبحانه- بعد ذلك جانبا من قصة صالح- عليه السلام- مع قومه، فقال- تعالى-:
وَ لَقَدْ اَرْسَلْنَاۤ اِلٰى ثَمُوْدَ اَخَاهُمْ صٰلِحًا اَنِ اعْبُدُوا اللّٰهَ فَاِذَا هُمْ فَرِیْقٰنِ یَخْتَصِمُوْنَ(۴۵)
اور بیشک ہم نے ثمود کی طرف ان کے ہم قوم صالح کو بھیجا کہ اللہ کو پوجو (ف۷۴) تو جبھی وہ دو گروہ ہوگئے (ف۷۵) جھگڑا کرتے (ف۷۶)
وقوله- سبحانه-: وَلَقَدْ أَرْسَلْنا إِلى ثَمُودَ أَخاهُمْ صالِحاً ... معطوف على قوله- تعالى-: وَلَقَدْ آتَيْنا داوُدَ وَسُلَيْمانَ عِلْماً.واللام في قوله وَلَقَدْ أَرْسَلْنا ... جواب لقسم محذوف، وثَمُودَ اسم للقبيلة التي منها صالح- عليه السلام-، سميت باسم جدها ثمود. وقيل: سميت بذلك لقلة مائها، لأن الثمد هو الماء القليل..وكانت مساكنهم بالحجر- بكسر الحاء وسكون الجيم-، وهو مكان بين الحجاز والشام، وما زلت مساكنهم تعرف بمدائن صالح إلى اليوم. وقد مر النبي صلّى الله عليه وسلّم بديارهم، وهو ذاهب إلى غزوة تبوك، سنة تسع بعد الهجرة.وصالح- عليه السلام- هو نبيهم، وكان واحدا منهم، وينتهى نسبه إلى نوح- عليه السلام- وقبيلة ثمود تسمى عادا الثانية، أما قبيلة عاد فتسمى عادا الأولى، ونبيهم هود- عليه السلام- قالوا: وكان بين القبيلتين زهاء مائة عام.والمعنى: وبالله لقد أرسلنا إلى قبيلة ثمود، أخاهم صالحا- عليه السلام-، فقال لهم ما قاله كل نبي لقومه: أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ- تعالى- وحده، ولا تشركوا معه آلهة أخرى.و «إذا» في قوله- تعالى-: فَإِذا هُمْ فَرِيقانِ يَخْتَصِمُونَ هي الفجائية ويَخْتَصِمُونَ من المخاصمة بمعنى المجادلة والمنازعة.أى: أرسلنا نبينا صالحا إلى قومه، فكانت المفاجأة أن انقسم قومه إلى قسمين: قسم آمن به- وهم الأقلون-، وقسم كفر به- وهم الأكثرون.وهذه الخصومة بين الفريقين، قد أشار إليها القرآن في قوله- تعالى-: قالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا مِنْ قَوْمِهِ، لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا، لِمَنْ آمَنَ مِنْهُمْ، أَتَعْلَمُونَ أَنَّ صالِحاً مُرْسَلٌ مِنْ رَبِّهِ؟ قالُوا: إِنَّا بِما أُرْسِلَ بِهِ مُؤْمِنُونَ. قالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا بِالَّذِي آمَنْتُمْ بِهِ كافِرُونَ .
قَالَ یٰقَوْمِ لِمَ تَسْتَعْجِلُوْنَ بِالسَّیِّئَةِ قَبْلَ الْحَسَنَةِۚ-لَوْ لَا تَسْتَغْفِرُوْنَ اللّٰهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُوْنَ(۴۶)
صا لح نے فرمایا اے میری قوم! کیوں برائی کی جلدی کرتے ہو (ف۷۷) بھلائی سے پہلے (ف۷۸) اللہ سے بخشش کیوں نہیں مانگتے (ف۷۹) شاید تم پر رحم ہو (ف۸۰)
وقوله- تعالى-: قالَ يا قَوْمِ لِمَ تَسْتَعْجِلُونَ بِالسَّيِّئَةِ قَبْلَ الْحَسَنَةِ ... بيان لما وجهه صالح إلى الكافرين من قومه، من نصائح حكيمة..أى: قال صالح- عليه السلام- للمكذبين لرسالته من قومه بأسلوب رقيق حكيم:يا قوم لماذا كلما دعوتكم إلى الحق أعرضتم عن دعوتي، وآثرتم الكفر على الإيمان، واستعجلتم عقوبة الله- تعالى- التي حذرتكم منها، قبل أن تتضرعوا إليه- سبحانه- بطلب الهداية والرحمة.وقوله: لَوْلا تَسْتَغْفِرُونَ اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ حض منه على الإقلاع عما هم فيه من عناد وضلال.أى: هلا استغفرتم الله- تعالى- وأخلصتم له العبادة، واتبعتمونى فيما أدعوكم إليه، لكي يرحمكم ربكم ويعفو عنكم.فالمراد بالسيئة: العذاب الذي تعجلوه، والذي أشار إليه- سبحانه- في قوله:فَعَقَرُوا النَّاقَةَ وَعَتَوْا عَنْ أَمْرِ رَبِّهِمْ وَقالُوا يا صالِحُ ائْتِنا بِما تَعِدُنا إِنْ كُنْتَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ .
قَالُوا اطَّیَّرْنَا بِكَ وَ بِمَنْ مَّعَكَؕ-قَالَ طٰٓىٕرُكُمْ عِنْدَ اللّٰهِ بَلْ اَنْتُمْ قَوْمٌ تُفْتَنُوْنَ(۴۷)
بولے ہم نے برُا شگون کیا تم سے اور تمہارے ساتھیوں سے (ف۸۱) فرمایا تمہاری بدشگونی اللہ کے پاس ہے (ف۸۲) بلکہ تم لوگ فتنے میں پڑے ہو (ف۸۳)
ثم حكى- سبحانه- ما رد به هؤلاء المتكبرون على نبيهم فقال- تعالى- قالُوا اطَّيَّرْنا بِكَ وَبِمَنْ مَعَكَ ...وقوله: اطَّيَّرْنا أصله تطيرنا، فأدغمت التاء في الطاء، وزيدت همزة الوصل، ليتأتى الابتداء بالكلمة. والتطير: التشاؤم.قال الآلوسى: وعبر عنه بذلك، لأنهم كانوا إذا خرجوا مسافرين فيمرون بطائر يزجرونه فإن مر سانحا- بأن مر من ميامن الشخص إلى مياسره- تيمنوا، وإن مر بارحا- بأن مر من المياسر إلى الميامن- تشاءموا. فلما نسبوا الخير والشر إلى الطائر، استعير لما كان سببا لهما من قدر الله- تعالى- وقسمته- عز وجل- أو من عمل العبد الذي هو سبب الرحمة والنعمة .أى قال المكذبون من قوم صالح في الرد عليه: أصابنا الشؤم والنحس بسبب وجودك فينا، وبسبب المؤمنين الذين استجابوا لدعوتك. حيث أصبنا بالقحط بعد الرخاء والضراء بعد السراء.ولا شك أن قولهم هذا يدل على جهلهم المطبق، وعلى سوء تفكيرهم، لأن السراء والضراء من عند الله- تعالى- وحده. ولا صلة لهما بوجود صالح والذين آمنوا معه بينهم ولذا رد عليهم صالح- عليه السلام- بقوله طائِرُكُمْ عِنْدَ اللَّهِ ...أى: قال لهم موبخا وزاجرا: ليس الأمر كما زعمتم أن وجودنا بينكم هو السبب فيما أصابكم من شر، بل الحق أن ما يصيبكم من شر وقحط هو من عند الله، بسبب أعمالكم السيئة، وإصراركم على الكفر، واستحبابكم المعصية على الطاعة. والعقوبة على المغفرة.ثم زاد صالح- عليه السلام- الأمر توضيحا وتبيانا فقال لهم: بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ تُفْتَنُونَ.أى قال لهم: ليس ما أصابكم بسببنا. بل أنتم قوم «تفتنون» أى تختبرون وتمتحنون بما يقع عليكم من شر، حتى تتوبوا إلى خالقكم، قبل أن ينزل بكم العذاب الماحق، إذا ما بقيتم على كفركم.فأنت ترى أن صالحا- عليه السلام- قد رد على جهالتهم بأسلوب قوى رصين، بين لهم فيه، أن تشاؤمهم في غير محله، وأن حظهم ومستقبلهم ومصيرهم بيد الله- تعالى- وحده، وأن ما أصابهم من بلاء وقحط، إنما هو لون من امتحان الله- تعالى- لهم، لكي يتنبهوا ويستجيبوا لدعوة الحق، قبل أن يفاجئهم الله- تعالى- بالعذاب الذي يهلكهم.
وَ كَانَ فِی الْمَدِیْنَةِ تِسْعَةُ رَهْطٍ یُّفْسِدُوْنَ فِی الْاَرْضِ وَ لَا یُصْلِحُوْنَ(۴۸)
اور شہر میں نو شخص تھے (ف۸۴) کہ زمین میں فساد کرتے اور سنوار نہ چاہتے،
ولكن هذا النصح الحكيم الذي وجهه صالح إلى المكذبين من قومه، لم يجد أذنا صاغية منهم، بل قابله زعماؤهم بالتكبر وبالإصرار على التخلص من صالح- عليه السلام- ومن أهله، وقد حكى القرآن ذلك في قوله- تعالى-: وَكانَ فِي الْمَدِينَةِ تِسْعَةُ رَهْطٍ، يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ وَلا يُصْلِحُونَ.
قَالُوْا تَقَاسَمُوْا بِاللّٰهِ لَنُبَیِّتَنَّهٗ وَ اَهْلَهٗ ثُمَّ لَنَقُوْلَنَّ لِوَلِیِّهٖ مَا شَهِدْنَا مَهْلِكَ اَهْلِهٖ وَ اِنَّا لَصٰدِقُوْنَ(۴۹)
آپس میں اللہ کی قسمیں کھا کر بولے ہم ضرور رات کو چھاپا ماریں گے صا لح اور اس کے گھر والوں پر (ف۸۵) پھر اس کے وارث سے (ف۸۶) کہیں گے اس گھر والوں کے قتل کے وقت ہم حاضر نہ تھے اور بیشک ہم سچے ہیں،
قالُوا: تَقاسَمُوا بِاللَّهِ، لَنُبَيِّتَنَّهُ وَأَهْلَهُ. ثُمَّ لَنَقُولَنَّ لِوَلِيِّهِ ما شَهِدْنا مَهْلِكَ أَهْلِهِ وَإِنَّا لَصادِقُونَ.والمراد بالمدينة: مدينة قوم صالح- عليه السلام- وهي الحجر- بكسر الحاء وإسكان الجيم-.قال الجمل: قوله: «تسعة رهط» أى تسعة أشخاص، وبهذا الاعتبار وقع تمييزا للتسعة، لا باعتبار لفظه، وهم الذين سعوا في عقر الناقة، وباشره منهم قدار بن سالف، وكانوا من أبناء أشراف قوم صالح، والإضافة بيانية. أى: تسعة رهط. وفي المصباح: الرهط دون العشرة من الرجال، ليس فيهم امرأة .ووصفهم بأنهم يفسدون في الأرض ولا يصلحون. للإشارة إلى أن نفوسهم قد تمحضت للفساد وللإفساد، ولا مكان فيها للصلاح وللإصلاح.وقوله: تَقاسَمُوا فعل أمر محكي بالقول، بمعنى: احلفوا بالله، ويجوز أن يكون فعلا ماضيا مفسرا لقالوا، فكأنه قيل: ما الذي قالوه؟ فكان الجواب: تقاسموا أى:أقسموا.وقوله: لَنُبَيِّتَنَّهُ من البيات وهو مباغتة العدو ليلا لقتله. يقال بيت القوم العدو، إذا أوقعوا به ليلا.والمراد بوليه: المطالبون بدمه من أقاربه، وفي ذلك إشارة إلى أن هؤلاء الظالمين لم يكونوا ليستطيعوا قتل صالح- عليه السلام- علانية، خوفا من مناصرة أقاربه له.ومَهْلِكَ بفتح الميم وكسر اللام بزنة مرجع- مصدر ميمى، من هلك الثلاثي، وقرأ بعضهم مَهْلِكَ بضم الميم وفتح اللام- من أهلك الرباعي، فهو أيضا مصدر ميمى من أهلك، ويجوز أن يكونا اسم زمان أو مكان.والمعنى: وكان في المدينة التي يسكنها صالح- عليه السلام- وقومه، تسعة أشخاص، دأبهم وديدنهم، الإفساد في الأرض، وعدم الإصلاح فيها، بأى حال من الأحوال.وقد تعاهد هؤلاء التسعة. وأكدوا ما تعاهدوا عليه بالأيمان المغلظة. على أن يباغتوا نبيهم وأهله ليلا، فيقتلوهم جميعا، ثم ليقولن بعد جريمتهم الشنعاء لأقارب صالح- عليه السلام-: ما حضرنا هلاك أهله وهلاك صالح معهم، ولا علم عندنا بما حل بهم وبه من قتل، وإنا لصادقون في كل ما قلناه.وهكذا المفسدون في الأرض، يرتكبون أبشع الجرائم وأشنعها، ثم يبررونها بالحيل الساذجة الذميمة ثم بعد ذلك يحلفون بأغلظ الأيمان أنهم يريئون من تلك الجرائم.ومن العجيب أن هؤلاء المجرمين الغادرين يقولون فيما بينهم: تَقاسَمُوا بِاللَّهِ أى:احلفوا بالله، على أن تنفذوا ما اتفقنا عليه من قتل صالح وأهله ليلا غيلة وغدرا. فهم يؤكدون إصرارهم على الإجرام بالحلف بالله، مع أن الله- تعالى- برىء منهم ومن غدرهم.وقولهم: ما شَهِدْنا مَهْلِكَ أَهْلِهِ نفى منهم لحضور قتلهم، فضلا عن مباشرة قتلهم، كأنهم أرادوا بهذه الجملة الإتيان بحيلة يبررون بها كذبهم، أى: أننا قتلناهم في الظلام، فلم نشاهد أشخاصهم، وإنا لصادقون في ذلك.
وَ مَكَرُوْا مَكْرًا وَّ مَكَرْنَا مَكْرًا وَّ هُمْ لَا یَشْعُرُوْنَ(۵۰)
او رانہوں نے اپنا سا مکر کیا اور ہم نے اپنی خفیہ تدبیر فرمائی (ف۸۷) اور وہ غافل رہے،
ولكن هذا المكر السيئ، والتحايل القبيح قد أبطله الله- تعالى- وجعله يحيق بهم وبأشياعهم، فقد قال- تعالى- وَمَكَرُوا مَكْراً أى بهذا الحلف فيما بينهم على قتل صالح وأهله غدرا وَمَكَرْنا مَكْراً أى: ودبرنا لصالح- عليه السلام- ولمن آمن به، تدبيرا محمودا محكما وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ أى: وهم لا يشعرون بتدبيرنا الحكيم، حيث أنجينا صالحا ومن معه من المؤمنين، وأهلكنا أعداءه أجمعين.
فَانْظُرْ كَیْفَ كَانَ عَاقِبَةُ مَكْرِهِمْۙ-اَنَّا دَمَّرْنٰهُمْ وَ قَوْمَهُمْ اَجْمَعِیْنَ(۵۱)
تو دیکھو کیسا انجام ہوا ان کے مکر کا ہم نے ہلاک کردیا انہیں (ف۸۸) اور ان کی ساری قوم کو (ف۸۹)
ثم بين- سبحانه- الآثار التي ترتبت على مكرهم السيئ، وعلى تدبيره المحكم فقال- تعالى-:فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ مَكْرِهِمْ، أَنَّا دَمَّرْناهُمْ وَقَوْمَهُمْ أَجْمَعِينَ أى: فانظر- أيها العاقل- وتأمل واعتبر فيما آل إليه أمر هؤلاء المفسدين، لقد دمرناهم وأبدناهم، وأبدنا معهم جميع الذين كفروا بنبينا صالح- عليه السلام-.قال بعض العلماء ما ملخصه: قوله- تعالى-: أَنَّا دَمَّرْناهُمْ وَقَوْمَهُمْ أَجْمَعِينَ قرأه الجمهور بكسر همزة أَنَّا على الاستئناف، وقرأه عاصم وحمزة والكسائي: أَنَّا دَمَّرْناهُمْ بفتح الهمزة وفي إعراب المصدر المنسبك من أن وصلتها أوجه منها: أنه بدل من عاقِبَةُ مَكْرِهِمْ ومنها: أنه خبر مبتدأ محذوف، وتقديره: هي أى: عاقبة مكرهم تدميرنا إياهم.. .
فَتِلْكَ بُیُوْتُهُمْ خَاوِیَةًۢ بِمَا ظَلَمُوْاؕ-اِنَّ فِیْ ذٰلِكَ لَاٰیَةً لِّقَوْمٍ یَّعْلَمُوْنَ(۵۲)
تو یہ ہیں ان کے گھر ڈھے پڑے بدلہ ان کے ظلم کا، بیشک اس میں نشانی ہے جاننے والوں کے لیے،
وقوله- سبحانه-: فَتِلْكَ بُيُوتُهُمْ خاوِيَةً بِما ظَلَمُوا.. مقرر ومؤكد لما قبله من تدمير المفسدين وإهلاكهم.أى: إن كنت- أيها المخاطب- تريد دليلا على تدميرهم جميعا، فتلك هي بيوتهم خاوية وساقطة ومتهدمة على عروشها، بسبب ظلمهم وكفرهم ومكرهم.إِنَّ فِي ذلِكَ الذي فعلناه بهم من تدمير وإهلاك لَآيَةً بينة، وعبرة واضحة،لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ أى: يتصفون بالعلم النافع الذي يتبعه العمل الصالح.
وَ اَنْجَیْنَا الَّذِیْنَ اٰمَنُوْا وَ كَانُوْا یَتَّقُوْنَ(۵۳)
اور ہم نے ان کو بچالیا جو ایمان لائے (ف۹۰) اور ڈرتے تھے (ف۹۱)
ثم ختم- سبحانه- هذه القصة بتأكيد سنته التي لا تتخلف فقال: وَأَنْجَيْنَا أى:بفضلنا وإحساننا، الَّذِينَ آمَنُوا وهم نبينا صالح وأتباعه وَكانُوا يَتَّقُونَ أى:وكانوا يتقون الله- تعالى- ويخافون عذابه.وبذلك تكون السورة الكريمة قد ساقت لنا جانبا من قصة صالح مع قومه هذا الجانب فيه ما فيه من عظات وعبر لقوم يعقلون.ثم ساق- سبحانه- بعد ذلك طرفا من قصة لوط مع قومه، فقال- تعالى-:
وَ لُوْطًا اِذْ قَالَ لِقَوْمِهٖۤ اَتَاْتُوْنَ الْفَاحِشَةَ وَ اَنْتُمْ تُبْصِرُوْنَ(۵۴)
اور لوط کو جب اس نے اپنی قوم سے کہا کیا بے حیائی پر آتے ہو (ف۹۲) اور تم سوجھ رہے ہو (ف۹۳)
وقصة لوط- عليه السلام- قد ذكرت في سور متعددة منها الأعراف، وهود، والحجر..وهنا تتعرض السورة الكريمة، لإبراز ما كان عليه أولئك القوم من فجور، وما هددوا به نبيهم.قال ابن كثير- رحمه الله-: ولوط هو ابن هاران بن آزر، وهو ابن أخى إبراهيم- عليه السلام- وكان لوط قد آمن مع ابراهيم، وهاجر معه إلى أرض الشام، فبعثه الله- تعالى- إلى أهل «سدوم» ، وما حولها من القرى، يدعوهم إلى عبادة الله وحده، وينهاهم عما يرتكبونه من المآثم والمحارم والفواحش التي اخترعوها، دون أن يسبقهم إليها أحد من بنى آدم. .وقوله- تعالى-: وَلُوطاً ... منصوب بفعل مضمر محذوف، والتقدير: واذكر- أيها العاقل- وقت أن أرسلنا لوطا إلى قومه. فقال لهم على سبيل الزجر والتوبيخ:أَتَأْتُونَ الْفاحِشَةَ وَأَنْتُمْ تُبْصِرُونَ أى: أتأتون الفاحشة التي لم يسبقكم إليها أحد، وهي إتيان الذكور دون الإناث، وأنتم تبصرون بأعينكم أنها تتنافى مع الفطرة السوية حتى بالنسبة للحيوان الأعجم فأنتم ترون وتشاهدون أن الذكر من الحيوان لا يأتى الذكر، وإنما يأتى الأنثى، حيث يتأتى عن طريقها التوالد والتناسل وعمارة الكون.فقوله- سبحانه-: وَأَنْتُمْ تُبْصِرُونَ جملة حالية المقصود بها زيادة تبكيتهم وتوبيخهم، لأنهم يشاهدون تنزه الحيوان عنها، كما يعلمون سوء عاقبتها، وسوء عاقبة الذين خالفوا أنبياءهم من قبلهم.
اَىٕنَّكُمْ لَتَاْتُوْنَ الرِّجَالَ شَهْوَةً مِّنْ دُوْنِ النِّسَآءِؕ-بَلْ اَنْتُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُوْنَ(۵۵)
کیا تم مردوں کے پاس مستی سے جاتے ہو عورتیں چھوڑ کر (ف۹۴) بلکہ تم جاہل لوگ ہو (ف۹۵)
وقوله- سبحانه-: أَإِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجالَ شَهْوَةً مِنْ دُونِ النِّساءِ ... تأكيد للإنكار السابق، وتوضيح للفاحشة التي كانوا يأتونها.والإتيان: كناية عن الاستمتاع والجماع، مأخوذ من أتى المرأة إذا جامعها.أى: أإنكم- أيها الممسوخون في فطرتكم وطبائعكم- لتصبون شهوتكم التي ركبها الله- تعالى- فيكم في الرجال دون النساء اللاتي جعلهن الله- تعالى- محل شهوتكم ومتعتكم.قال الآلوسى: والجملة الكريمة تثنية للإنكار، وبيان لما يأتونه من الفاحشة بطريق التصريح بعد الإبهام وتحلية الجملة بحرفى التأكيد، للإيذان بأن مضمونها مما لا يصدق وقوعه أحد، لكمال شناعته، وإيراد المفعول بعنوان الرجولية دون الذكورية، لزيادة التقبيح والتوبيخ. .وقوله- تعالى-: بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ إضراب عن الإنكار إلى الإخبار عن الأسباب التي جعلتهم يرتكبون هذه القبائح، وهي أنهم قوم دينهم الجهل والسفاهة والمجون وانطماس البصيرة.وقد حكى القرآن أن لوطا قد قال لهم في سورة الأعراف: بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ.وقال لهم في سورة الشعراء: بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ عادُونَ وقال لهم هنا: بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ ومجموع الآيات يدل على أنهم كانوا مصابين بفساد العقل، وانحراف الفطرة،وتجاوز كل الحدود التي ترتضيها النفوس الكريمة.
فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهٖۤ اِلَّاۤ اَنْ قَالُوْۤا اَخْرِجُوْۤا اٰلَ لُوْطٍ مِّنْ قَرْیَتِكُمْۚ-اِنَّهُمْ اُنَاسٌ یَّتَطَهَّرُوْنَ(۵۶)
تو اس کی قوم کا کچھ جواب نہ تھا مگر یہ کہ بولے لوط کے گھرانے کو اپنی بستی سے نکال دو یہ لوگ تو ستھراپن چاہتے ہیں (ف۹۶)
ثم حكى القرآن بعد ذلك جوابهم السيئ على نبيهم فقال: فَما كانَ جَوابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَنْ قالُوا أَخْرِجُوا آلَ لُوطٍ مِنْ قَرْيَتِكُمْ ...والفاء للتفريع، والاستثناء مفرغ من أعم الأشياء.أى: هكذا نصح لوط قومه وزجرهم، فما كان جوابهم شيئا من الأشياء سوى قول بعضهم لبعض أخرجوا لوطا والمؤمنين معه من قريتكم التي يساكنونكم فيها.وفي التعبير بقولهم: مِنْ قَرْيَتِكُمْ إشارة إلى غرورهم وتكبرهم فكأنهم يعتبرون لوطا وأهله المؤمنين دخلاء عليهم، ولا مكان لهم بين هؤلاء المجرمين لأن القرية- وهي سدوم- هي قريتهم وحدهم، دون لوط وأهله.وقوله- تعالى- حكاية عنهم: إِنَّهُمْ أُناسٌ يَتَطَهَّرُونَ تعليل للإخراج، وبيان لسببه، أى أخرجوهم من قريتكم لأنهم أناس يتنزهون عن الفعل الذي نفعله، وينفرون من الشهوة التي نشتهيها وهي إتيان الرجال..وما أعجب العقول عند ما تنتكس، والنفوس عند ما ترتكس، إنها تأبى أن يبقى معها الأطهار، بل تحرض على طردهم، ليبقى معها الممسوخون والمنحرفون الذين انحطت طباعهم، وزين لهم الشيطان سوء أعمالهم فرأوه حسنا.ورحم الله صاحب الكشاف فقد قال: وقولهم: إِنَّهُمْ أُناسٌ يَتَطَهَّرُونَ سخرية بهم وبتطهرهم من الفواحش، وافتخارا بما كانوا فيه من القذارة، كما يقول الفسقة لبعض الصلحاء إذا وعظهم: أبعدوا عنا هذا المتقشف وأريحونا من هذا المتزهد .
فَاَنْجَیْنٰهُ وَ اَهْلَهٗۤ اِلَّا امْرَاَتَهٗ٘-قَدَّرْنٰهَا مِنَ الْغٰبِرِیْنَ(۵۷)
تو ہم نے اسے اور اس کے گھر والوں کو نجات دی مگر اس کی عورت کو ہم نے ٹھہرادیا تھا کہ وہ رہ جانے والوں میں ہے (ف۹۷)
ثم بين- سبحانه- ما آل إليه أمر الفريقين فقال: فَأَنْجَيْناهُ وَأَهْلَهُ إِلَّا امْرَأَتَهُ قَدَّرْناها مِنَ الْغابِرِينَ، وَأَمْطَرْنا عَلَيْهِمْ مَطَراً فَساءَ مَطَرُ الْمُنْذَرِينَ.والغابر: الباقي. يقال: غبر الشيء يغبر غبورا. إذا بقي.أى: فكانت عاقبة تلك المحاورة التي دارت بين لوط وقومه، أن أنجينا لوطا وأهله الذين آمنوا معه، إِلَّا امْرَأَتَهُ فإننا لم ننجها لخبثها وعدم إيمانها، فبقيت مع القوم الكافرين، حيث قدرنا عليها ذلك بسبب كفرها وممالأتها لقومها.
وَ اَمْطَرْنَا عَلَیْهِمْ مَّطَرًاۚ-فَسَآءَ مَطَرُ الْمُنْذَرِیْنَ۠(۵۸)
اور ہم نے ان پر ایک برساؤ برسایا (ف۹۸) تو کیا ہی برا برساؤ تھا ڈرا ئے ہوؤں کا،
وَأَمْطَرْنا على هؤلاء المجرمين مَطَراً عظيما هائلا عجيبا أمره وهو حجارة من سجيل دمرتهم تدميرا فَساءَ مَطَرُ الْمُنْذَرِينَ أى: فبئس العذاب عذابهم.وهكذا تكون عاقبة كل من آثر الكفر على الإيمان، والرذيلة على الفضيلة.وبعد هذا الحديث المتنوع عن قصص بعض الأنبياء، ساق- سبحانه- ما يدل على وحدانيته، وكمال قدرته، وسعة فضله على عباده، فقال- تعالى-:
قُلِ الْحَمْدُ لِلّٰهِ وَ سَلٰمٌ عَلٰى عِبَادِهِ الَّذِیْنَ اصْطَفٰىؕ- ﰰللّٰهُ خَیْرٌ اَمَّا یُشْرِكُوْنَؕ(۵۹)
تم کہو سب خوبیاں اللہ کو (ف۹۹) اور سلام اس کے چنے ہوئے بندے پر (ف۱۰۰) کیا اللہ بہتر (ف۱۰۱) یا ان کے ساختہ شریک (ف۱۰۲)
قال صاحب البحر المحيط: لما فرغ- سبحانه- من قصص هذه السورة، أمر رسوله صلّى الله عليه وسلم بحمده- تعالى- والسلام على المصطفين، وأخذ في مباينة واجب الوجود وهو الله- تعالى- ومباينة الأصنام والأديان التي أشركوها مع الله وعبدوها، وابتدأ في هذا التقرير لقريش وغيرهم بالحمد لله، وكأنها صدر خطبة، لما يلقى من البارهين الدالة على الوحدانية والعلم والقدرة. وقد اقتدى بذلك المسلمون في تصانيف كتبهم، وخطبهم، ووعظهم، فافتتحوا بتحميد الله، والصلاة على رسوله صلّى الله عليه وسلم وتبعهم المتراسلون في أوائل كتب الفتوح والتهاني والحوادث التي لها شأن .والمعنى: قل- أيها الرسول الكريم- للناس: الْحَمْدُ لِلَّهِ- تعالى- وحده، فهو- سبحانه- صاحب النعم والمنن على عباده، وهو- عز وجل- الذي له الخلق والأمر وليس لأحد سواه.وقل- أيضا- سَلامٌ عَلى عِبادِهِ الَّذِينَ اصْطَفى أى: أمان وتحية لعباده الذين اصطفاهم واختارهم- سبحانه- لحمل رسالته وتبليغ دعوته، والاستجابة لأمره ونهيه، والطاعة له في السر والعلن.والاستفهام في قوله آللَّهُ خَيْرٌ أَمَّا يُشْرِكُونَ للإنكار والتقريع، والألف منقلبة عن همزة الاستفهام.أى: وقل لهم- أيها الرسول الكريم- آلله الذي له الخلق والأمر، والذي أنعم عليكم بالنعم التي لا تحصى، خير، أم الآلهة الباطلة التي لا تنفع ولا تضر، والتي يعبدها المشركون من دون الله- تعالى-. إن كل من عنده عقل، لا يشك في أن المستحق للعبادة والطاعة، هو الله رب العالمين.ولفظ خَيْرٌ ليس للتفضيل، وإنما هو من باب التهكم بهم، إذ لا خير في عبادة الأصنام أصلا. وقد حكى عن العرب أنهم يقولون: السعادة أحب إليك أم الشقاوة، مع أنه لا خير في الشقاوة إطلاقا.قال الآلوسى: وقوله آللَّهُ بالمد لقلب همزة الاستفهام ألفا، والأصل أألله؟ خَيْرٌ أَمَّا يُشْرِكُونَ والظاهر أن ما موصولة، والعائد محذوف أى: آلله الذي ذكرت شئونه العظيمة خير أم الذي يشركونه من الأصنام وخَيْرٌ أفعل تفضيل، ومرجع الترديد إلى التعريض بتبكيت الكفرة من جهته- عز وجل- وتسفيه آرائهم الركيكة، والتهكم بهم، إذ ن البين أنه ليس فيما أشركوه به- سبحانه- شائبة خير، حتى يمكن أن يوازن بينه وبين من هو خير محض.. .
اَمَّنْ خَلَقَ السَّمٰوٰتِ وَ الْاَرْضَ وَ اَنْزَلَ لَكُمْ مِّنَ السَّمَآءِ مَآءًۚ-فَاَنْۢبَتْنَا بِهٖ حَدَآىٕقَ ذَاتَ بَهْجَةٍۚ-مَا كَانَ لَكُمْ اَنْ تُنْۢبِتُوْا شَجَرَهَاؕ-ءَاِلٰهٌ مَّعَ اللّٰهِؕ-بَلْ هُمْ قَوْمٌ یَّعْدِلُوْنَؕ(۶۰)
ا وہ جس نے آسمان و زمین بنائے (ف۱۰۳) اور تمہارے لیے آسمان سے پانی اتارا تو ہم نے اس سے باغ اگائے رونق والے تمہاری طاقت نہ تھی کہ ان کے پیڑ اگاتے (ف۱۰۴) کیا اللہ کے ساتھ کوئی اور خدا ہے (ف۱۰۵) بلکہ وہ لوگ راہ سے کتراتے ہیں (ف۱۰۶)
ثم ساق- سبحانه- خمس آيات، وكل آية فيها ما يدل على كمال قدرته وعلمه، وختم كل آية بقوله: أَإِلهٌ مَعَ اللَّهِ؟ فقال- تعالى- أَمَّنْ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ..وأم هنا منقطعة بمعنى بل الإضرابية والاستفهام للإنكار والتوبيخ.أى: بل قولوا لنا- إن كنتم تعقلون أيها الضالون- من الذي خلق السموات والأرض، وأوجدهما على هذا النحو البديع، والتركيب المحكم.وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ السَّماءِ ماءً وهو المطر، الذي لا غنى لكم عنه في شئون حياتكم.فَأَنْبَتْنا بِهِ حَدائِقَ ذاتَ بَهْجَةٍ والحدائق: جمع حديقة، وهي في الأصل اسم البستان المحاط بالأسوار، من أحدق بالشيء إذا أحاط به، ثم توسع فيها فصارت تطلق على كل بستان سواء أكان مسورا بسور أم لا.أى: وأنزل- سبحانه- بقدرته من السماء ماء مباركا، فأنبتنا لكم بسبب هذا الماء حدائق وبساتين وجنات ذات منظر حسن، يشرح الصدور، ويدخل السرور على النفوس.وقال- سبحانه-: فَأَنْبَتْنا.. بصيغة الالتفات من الغيبة إلى التكلم. لتأكيد أن القادر على هذا الإنبات هو الله- تعالى- وحده، وللإيذان بأن إنبات هذه الحدائق مع اختلاف ألوانها، وأشجارها، وطعومها. لا يقدر عليه إلا هو- سبحانه-.ولذا أتبع- عز وجل- هذه الجملة بقوله: ما كانَ لَكُمْ أَنْ تُنْبِتُوا شَجَرَها أى:ما كان في إمكانكم- أيها الناس- بحال من الأحوال، أن تنبتوا أشجار هذه الحدائق، فضلا عن إيجاد ثمارها، وإخراجها من العدم إلى الوجود.قال الإمام الرازي: يقال: ما حكمة الالتفات في قوله: فَأَنْبَتْنا ... والجواب: أنه لا شبهة في أن خالق السموات والأرض، ومنزل الماء من السماء، ليس إلا الله- تعالى-.ولكن ربما عرضت الشبهة في أن منبت الشجرة هو الإنسان، فإن الإنسان قد يقول: أنا الذي ألقى البذر في الأرض، وأسقيها الماء.. وفاعل السبب، فاعل للمسبب، فأنا المنبت للشجرة..فلما كان هذا الاحتمال قائما. لا جرم أزال- سبحانه- هذا الاحتمال. لأن الإنسان قد يأتى بالبذر والسقي.. ولا يأتى الزرع على وفق مراده.. فلهذه النكتة جاء الالتفات..وقوله- تعالى-: أَإِلهٌ مَعَ اللَّهِ أى: أإله آخر كائن مع الله- تعالى- هو الذي خلق السموات والأرض وأنزل من السماء ماء.. كلا، لا شربك مع الله- تعالى- في خلقه وقدرته، وإيجاده لهذه الكائنات بَلْ هُمْ قَوْمٌ يَعْدِلُونَ.أى: بل إن هؤلاء المشركين قوم يعدلون عمدا عن الحق الواضح وهو التوحيد، إلى الباطل البين وهو الشرك.فقوله: يَعْدِلُونَ مأخوذ من العدول بمعنى الانحراف عن الحق إلى الباطل. أو من العدل والمساواة، فيكون المعنى: بل هم قوم- لجهلهم- يساوون بالله- تعالى- غيره من آلهتهم.والجملة الكريمة: انتقال من تبكيتهم بطريق الخطاب، إلى توبيخهم، وتجهيلهم، وبيان سوء تفكيرهم، وانطماس بصائرهم.
اَمَّنْ جَعَلَ الْاَرْضَ قَرَارًا وَّ جَعَلَ خِلٰلَهَاۤ اَنْهٰرًا وَّ جَعَلَ لَهَا رَوَاسِیَ وَ جَعَلَ بَیْنَ الْبَحْرَیْنِ حَاجِزًاؕ-ءَاِلٰهٌ مَّعَ اللّٰهِؕ-بَلْ اَكْثَرُهُمْ لَا یَعْلَمُوْنَؕ(۶۱)
یا وہ جس نے زمین بسنے کو بنائی اور اس کے بیچ میں نہریں نکالیں اور اس کے لیے لنگر بنائے (ف۱۰۷) اور دونوں سمندروں میں آڑ رکھی (ف۱۰۸) کیا اللہ کے ساتھ اور خدا ہے، بلکہ ان میں اکثر جاہل ہیں (ف۱۰۹)
ثم انتقلت السورة الكريمة إلى لفت أنظارهم إلى حقائق كونية أخرى يشاهدونها بأعينهم، ويحسونها بحواسهم. فقال- تعالى-: أَمَّنْ جَعَلَ الْأَرْضَ قَراراً والقرار: المكان الذي يستقر فيه الإنسان، ويصلح لبناء حياته عليه.أى: بل قولوا لنا- أيها المشركون: من الذي جعل هذه الأرض التي تعيشون عليها، مكانا صالحا لاستقراركم، ولحرثكم، ولتبادل المنافع فيما بينكم، ومن الذي دحاها وسواها وجعلها بهذه الطريقة البديعة.ومن الذي جَعَلَ خِلالَها أى: جعل فيما بينها أَنْهاراً تجرى بين أجزائها، لتنتفعوا بمياه هذه الأنهار في شربكم، وفي غير ذلك من شئون حياتكم. ومن الذي جَعَلَ لَها رَواسِيَ أى: جعل لصلاح حالها جبالا ثوابت، تحفظها من أن تضطرب بكم.ومن الذي: جَعَلَ بَيْنَ الْبَحْرَيْنِ أى: جعل بين البحر العذب والبحر الملح حاجِزاً يجعلهما لا يختلطان ولا يمتزجان.ثم يأتى الاستفهام الإنكارى أَإِلهٌ مَعَ اللَّهِ؟ أى: أإله مع الله- تعالى- هو الذي فعل ذلك؟ كلا، ليس مع الله- تعالى- آلهة أخرى فعلت ذلك.بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ أى: بل أكثر هؤلاء المشركين، لا يعلمون الأمور على وجهها الصحيح، لجهلهم، وعكوفهم على ما ورثوه عن آبائهم بدون تفكير أو تدبر.وعبر بأكثرهم، لأن هناك قلة منهم تعلم الحق، لكنها تنكره جحودا وعنادا.
اَمَّنْ یُّجِیْبُ الْمُضْطَرَّ اِذَا دَعَاهُ وَ یَكْشِفُ السُّوْٓءَ وَ یَجْعَلُكُمْ خُلَفَآءَ الْاَرْضِؕ-ءَاِلٰهٌ مَّعَ اللّٰهِؕ-قَلِیْلًا مَّا تَذَكَّرُوْنَؕ(۶۲)
یا وہ جو لاچار کی سنتا ہے (ف۱۱۰) جب اسے پکارے اور دور کردیتا ہے برائی اور تمہیں زمین کا وارث کرتا ہے (ف۱۱۱) کیا اللہ کے ساتھ اور خدا ہے، بہت ہی کم دھیان کرتے ہو،
ثم تنتقل السورة- للمرة الثالثة- إلى لفت أنظارهم إلى الحقيقة التي هم يحسونها في خاصة أنفسهم، وفي حنايا قلوبهم فتقول: أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذا دَعاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ والمضطر: اسم مفعول من الاضطرار الذي هو افتعال من الضرورة.والمراد به: الإنسان الذي نزلت به شدة من الشدائد. جعلته يرفع أكف الضراعة إلى الله- تعالى- لكي يكشفها عنه.أى: وقولوا لنا- أيها المشركون-: من الذين يجيب دعوة الداعي المكروب الذي نزلت به المصائب والرزايا؟ ومن الذي يكشف عنه وعن غيره السوء والبلاء؟ إنه الله وحده، هو الذي يجيب دعاء من التجأ إليه، وهو وحده- سبحانه- الذي يكشف السوء عن عباده، على حسب ما تقتضيه إرادته وحكمته.وقولوا لنا- أيضا-: من الذي يَجْعَلُكُمْ خُلَفاءَ الْأَرْضِ أى: من الذي يجعلكم يخلف بعضكم بعضا. قرنا بعد قرن وجيلا بعد جيل أَإِلهٌ مَعَ اللَّهِ هو الذي فعل ذلك.كلا، بل الله وحده- عز وجل- هو الذي يجيب المضطر، وهو الذي يكشف السوء، وهو الذي يجعلكم خلفاء الأرض، ولكنكم قَلِيلًا ما تَذَكَّرُونَ أى: ولكنكم زمانا قليلا هو الذي تتذكرون فيه نعم الله- تعالى- عليكم، ورحمته بكم.وختم- سبحانه- هذه الآية بتلك الجملة الحكيمة، لأن الإنسان من شأنه- إلا من عصم الله- أنه يذكر الله- تعالى- عند الشدائد، وينساه عند الرخاء.وصدق الله إذ يقول: وَإِذا أَنْعَمْنا عَلَى الْإِنْسانِ أَعْرَضَ وَنَأى بِجانِبِهِ، وَإِذا مَسَّهُ الشَّرُّ، فَذُو دُعاءٍ عَرِيضٍ .
اَمَّنْ یَّهْدِیْكُمْ فِیْ ظُلُمٰتِ الْبَرِّ وَ الْبَحْرِ وَ مَنْ یُّرْسِلُ الرِّیٰحَ بُشْرًۢا بَیْنَ یَدَیْ رَحْمَتِهٖؕ-ءَاِلٰهٌ مَّعَ اللّٰهِؕ-تَعٰلَى اللّٰهُ عَمَّا یُشْرِكُوْنَؕ(۶۳)
یا وہ جو تمہیں راہ دکھاتا ہے (ف۱۱۲) اندھیریوں میں خشکی اور تری کی (ف۱۱۳) اور وہ کہ ہوائیں بھیجتا ہے، اپنی رحمت کے آگے خوشحبری سناتی (ف۱۱۴) کیا اللہ کے ساتھ کوئی اور خدا ہے، برتر ہے اللہ ان کے شرک سے،
ثم انتقلت السورة الكريمة- للمرة الرابعة- إلى لفت أنظارهم إلى نعمه- سبحانه- عليهم في أسفارهم فقال- تعالى-: أَمَّنْ يَهْدِيكُمْ فِي ظُلُماتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ.أى: وقولوا لنا- أيها المشركون-: من الذي يرشدكم في أسفاركم إلى المكان الذي تريدون الذهاب إليه، عند ما تلتبس عليكم الطرق، وأنتم بين ظلمات البحر وأمواجه، أو وأنتم في متاهات الأرض وفجاجها.وقولوا لنا: مَنْ يُرْسِلُ الرِّياحَ بُشْراً بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ أى: ومن الذي يرسل لكم الرياح لتكون مبشرات بقرب نزول المطر، الذي هو رحمة من الله- تعالى- لكم، بعد أن أصابكم اليأس والقنوط؟أَإِلهٌ مَعَ اللَّهِ هو الذي فعل ذلك، كلا، فما فعل ذلك أحد سواه.وقوله- سبحانه-: تَعالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ تأكيد لوحدانيته وقدرته وتنزيه له- تعالى- عن الشرك والشركاء.أى: تنزه الله وتقدس عن شرك هؤلاء المشركين، فهو الواحد الأحد في ذاته، وفي صفاته، وفي أفعاله.
اَمَّنْ یَّبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ یُعِیْدُهٗ وَ مَنْ یَّرْزُقُكُمْ مِّنَ السَّمَآءِ وَ الْاَرْضِؕ-ءَاِلٰهٌ مَّعَ اللّٰهِؕ-قُلْ هَاتُوْا بُرْهَانَكُمْ اِنْ كُنْتُمْ صٰدِقِیْنَ(۶۴)
یا وہ جو خلق کی ابتداء فرماتا ہے پھر اسے دوبارہ بنائے گا (ف۱۱۵) اور وہ جو تمہیں آسمانوں اور زمین سے روزی دیتا ہے (ف۱۱۶) کیا اللہ کے ساتھ کوئی اور خدا ہے، تم فرماؤ کہ اپنی دلیل لاؤ اگر تم سچے ہو (ف۱۱۷)
ثم انتقلت السورة الكريمة- للمرة الخامسة- إلى لفت أنظارهم إلى نعمة أخروية، بعد أن ساقت ما ساقت من النعم الدنيوية، فقال- تعالى-: أَمَّنْ يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ أى:قولوا لنا- أيها المشركون- من الذي في قدرته أن يوجد الخلق في الأرحام من نطفة، ثم يحولها إلى علقة، ثم إلى مضغة.. ثم يعيد هذه المخلوقات جميعها بعد موتها، إلى الحياة مرة أخرى؟ لا شك أنه لا يقدر على ذلك أحد سوى الله- تعالى-.ثم قولوا لنا وَمَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّماءِ وَالْأَرْضِ بالمطر والنبات والأموال، وبغير ذلك من ألوان النعم التي لا تحصى؟.أَإِلهٌ مَعَ اللَّهِ هو الذي فعل ذلك؟ كلا، لم يفعل ذلك سوى الله- تعالى- وحده ثم لقن الله- تعالى رسوله صلّى الله عليه وسلم الجواب الذي يخرس ألسنتهم عند المعارضة أو المجادلة فقال: قُلْ هاتُوا بُرْهانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ.أى: قل لهم- أيها الرسول الكريم- عند معارضتهم لك، أحضروا حجتكم وهاتوا برهانا عقليا أو نقليا، على أن لله- تعالى- شريكا في ملكه، إن كنتم صادقين فيما انغمستم فيه من جهل وشرك وكفر به- عز وجل-.قال الإمام الرازي ما ملخصه: اعلم أنه- تعالى- لما عدد نعم الدنيا، أتبع ذلك بنعم الآخرة فقال: أَمَّنْ يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ، لأن نعم الله بالثواب لا تتم إلا بالإعادة بعد الابتداء. فإن قيل: كيف قيل لهم: أَمَّنْ يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وهم منكرون للإعادة؟.فالجواب: أنهم كانوا معترفين بالابتداء، ودلالة الابتداء على الإعادة دلالة ظاهرة قوية، فلما كان الكلام مقرونا بالدلالة الظاهرة، صاروا كأنهم لم يبق لهم عذر في الإنكار.. .وبذلك ترى هذه الآيات الكريمة. قد أقامت أوضح الأدلة وأقواها، على وحدانية الله- تعالى-، وعلى كمال قدرته، وشمول علمه، وانفراده بالخلق والتدبير..ثم انتقلت السورة الكريمة بعد ذلك إلى الحديث عن علم الله- تعالى- الذي غيبه عن عباده، وعن أقوال المشركين في شأن البعث والحساب، وعن توجيهات الله- تعالى- لنبيه في الرد عليهم.. فقال- تعالى-:
قُلْ لَّا یَعْلَمُ مَنْ فِی السَّمٰوٰتِ وَ الْاَرْضِ الْغَیْبَ اِلَّا اللّٰهُؕ-وَ مَا یَشْعُرُوْنَ اَیَّانَ یُبْعَثُوْنَ(۶۵)
تم فرماؤ غیب نہیں جانتے جو کوئی آسمانوں اور زمین میں ہیں مگر اللہ (ف۱۱۸) اور انہیں خبر نہیں کہ کب اٹھا ےٴ جائیں گے،
ذكر بعض المفسرين أن كفار مكة سألوا النبي صلّى الله عليه وسلم عن وقت قيام الساعة، فنزل قوله- تعالى-: قُلْ لا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ ...والغيب: مصدر غاب يغيب، وكثيرا ما يستعمل بمعنى الغائب، ومعناه: ما لا تدركه الحواس، ولا يعلم ببداهة العقل.و «من» اسم موصول في محل رفع على أنه فاعل «يعلم» و «الغيب» مفعوله فيكون المعنى: قل- أيها الرسول الكريم- لكل من سألك عن موعد قيام الساعة: لا يعلم أحد من المخلوقات الكائنة في السموات والأرض، الغيب إلا الله- تعالى- وحده، فإنه هو الذي يعلمه.ويجوز أن يكون لفظ «من» في محل نصب على المفعولية و «الغيب» بدل منه، ولفظ الجلالة «الله» فاعل «يعلم» فيكون المعنى: قل لا يعلم الأشياء التي تحدث في السموات والأرض الغائبة عنا، إلا الله- تعالى-.قال القرطبي: وفي صحيح مسلم عن عائشة، أن رسول الله صلّى الله عليه وسلم قال: «من زعم أن محمدا صلّى الله عليه وسلم يعلم ما في غد، فقد أعظم على الله الفرية» .وقوله- سبحانه-: وَما يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ تأكيد لانفراد الله- تعالى- بعلم الغيوب، ولفظ «أيان» ظرف زمان متضمن معنى متى.أى: وما يشعر هؤلاء الكافرون الذين سألوا عن وقت قيام الساعة، ولا غيرهم، متى يكون بعثهم من قبورهم للحساب، إذ علم وقت قيام الساعة لا يعلمه إلا الله وحده.فالجملة الكريمة تنفى عنهم العلم بموعد قيام الساعة في أدق صورة وأخفاها، فهم لا يشعرون ولا يحسون بقيام الساعة، بَلْ تَأْتِيهِمْ بَغْتَةً فَتَبْهَتُهُمْ، فَلا يَسْتَطِيعُونَ رَدَّها، وَلا هُمْ يُنْظَرُونَ .
بَلِ ادّٰرَكَ عِلْمُهُمْ فِی الْاٰخِرَةِ ﱄ بَلْ هُمْ فِیْ شَكٍّ مِّنْهَا-بَلْ هُمْ مِّنْهَا عَمُوْنَ۠(۶۶)
کیا ان کے علم کا سلسلہ آخرت کے جانے تک پہو نچ گیا (ف۱۱۹) کوئی نہیں وہ اس کی طرف سے شک میں ہیں (ف۱۲۰) بلکہ وہ اس سے اندھے ہیں،
ثم بين- سبحانه- حقيقة أمرهم في الآخرة بصورة أكثر تفصيلا. فقال: بَلِ ادَّارَكَ عِلْمُهُمْ فِي الْآخِرَةِ..وقوله- تعالى-: بَلِ ادَّارَكَ ... قرأه الجمهور- بكسر اللام وتشديد الدال وبعدها ألف- وأصله تدارك، بزنة تفاعل.وللعلماء في تفسير هذه الآية أقوال أشهرها: أن التدارك بمعنى الاضمحلال والفناء، وأصله التتابع والتلاحق. يقال: تدارك بنو فلان، إذا تتابعوا في الهلاك، و «في» بمعنى الباء.أى: بل تتابع علم هؤلاء المشركين بشئون البعث حتى اضمحل وفنى، ولم يبق لهم علم بشيء مما سيكون فيها قطعا مع توافر أسبابه ومباديه من الدلائل.والمقصود: أن أسباب علمهم بأحوال الآخرة مع توافرها، قد تساقطت من اعتبارهم لكفرهم بها، فأجرى ذلك مجرى تتابعها في الانقطاع.ومنهم من يرى أن التدارك هنا التكامل، فيكون المعنى: بل تكامل علمهم بشئون الآخرة، حين يعاينون ما أعد لهم فيها من عذاب، بعد أن كانوا ينكرون البعث والحساب في الدنيا..قال الآلوسى ما ملخصه: قوله: بَلِ ادَّارَكَ عِلْمُهُمْ فِي الْآخِرَةِ إضراب عما تقدم على وجه يفيد تأكيده وتقريره.. والمعنى: بل تتابع علمهم في شأن الآخرة، التي ما ذكر من البعث حال من أحوالها، حتى انقطع وفنى، ولم يبق لهم علم بشيء مما سيكون فيها قطعا، مع توفر أسبابه، فهو ترق من وصفهم بجهل فاحش إلى وصفهم بجهل أفحش.. وجوز أن يكون «ادارك» بمعنى استحكم وتكامل.. .ويبدو لنا أن الآية الكريمة تتسع للقولين، على معنى أن المشركين اضمحل علمهم بالآخرة لكفرهم بها في الدنيا، فإذا ما بعثوا يوم القيامة وشاهدوا العذاب، أيقنوا بحقيقتها، وتكامل علمهم واستحكم بأن ما كانوا ينكرونه في الدنيا. قد صار حقيقة لا شك فيها، ولا مفر لهم من عذابها..ومن الآيات التي توضح هذا المعنى قوله- تعالى-: لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هذا فَكَشَفْنا عَنْكَ غِطاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ أى: علمك بما كنت تنكره في الدنيا قد صار في نهاية القوة والوضوح.وقرأ ابن كثير وأبو عمرو: بل أدرك علمهم في الآخرة- بسكون اللام من بل.وهمزة قطع مفتوحة مع سكون الدال في «أدرك» فهو بزنة أفعل.أى: بل كمل علمهم في الآخرة، وذلك بعد أن شاهدوا أهوالها، ورأوها بأعينهم، وقد كانوا مكذبين بها في الدنيا.وقوله- سبحانه-: بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِنْها. بَلْ هُمْ مِنْها عَمُونَ بيان لأحوالهم في الدنيا.أى: أن هؤلاء المشركين كانوا في الدنيا يشكون في الآخرة، بل كانوا في عمى عنها، بحيث لا يفتحون بصائرهم أو أبصارهم، عما قال لهم الرسول صلّى الله عليه وسلم بشأنها.فأنت ترى أن الآية الكريمة قد انتقلت في تصوير كفر هؤلاء المشركين بالآخرة، من حالة شنيعة إلى حالة أخرى أشد منها في الشناعة والجحود.قال صاحب الكشاف: فإن قلت: هذه الإضرابات الثلاثة ما معناها؟ قلت: ما هي إلا تنزيل لأحوالهم وصفهم أولا بأنهم لا يشعرون وقت البعث، ثم لا يعلمون بأن القيامة كائنة، ثم إنهم يخبطون في شك ومرية، فلا يزيلونه مع أن الإزالة مستطاعة.. ثم بما هو أسوأ حالا وهو العمى، وأن يكون مثل البهيمة قد عكف همه على بطنه وفرجه، لا يخطر بباله حق ولا باطل، ولا يفكر في عاقبة .
وَ قَالَ الَّذِیْنَ كَفَرُوْۤا ءَاِذَا كُنَّا تُرٰبًا وَّ اٰبَآؤُنَاۤ اَىٕنَّا لَمُخْرَجُوْنَ(۶۷)
اور کافر بولے کیا جب ہم اور ہمارے باپ دادا مٹی ہوجائیں گے کیا ہم پھر نکالے جائیں گے (ف۱۲۱)
ثم حكى- سبحانه- بعد ذلك أقوالهم الباطلة، التي جعلتهم في عمى عن الآخرة فقال:وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَإِذا كُنَّا تُراباً وَآباؤُنا أَإِنَّا لَمُخْرَجُونَ.أى: وقال الذين كفروا على سبيل الإنكار للبعث والحساب: أإذا متنا وصرنا مثل التراب، وصار آباؤنا كذلك مثل التراب، أنبعث ونخرج إلى الحياة مرة أخرى بعد أن صرنا جميعا عظاما نخرة وأجسادا بالية؟يقولون هذا، وينسون لجهلهم وانطماس بصائرهم أن الله- تعالى- أوجدهم بقدرته ولم يكونوا شيئا مذكورا.والاستفهام للإنكار والنفي، والعامل في «إذا» محذوف، دل عليه «مخرجون» وقوله: وَآباؤُنا معطوف على اسم كان، أى: أنبعث ونخرج نحن وآباؤنا إذا كنا كذلك؟
لَقَدْ وُعِدْنَا هٰذَا نَحْنُ وَ اٰبَآؤُنَا مِنْ قَبْلُۙ-اِنْ هٰذَاۤ اِلَّاۤ اَسَاطِیْرُ الْاَوَّلِیْنَ(۶۸)
بیشک اس کا وعدہ دیا گیا ہم کو اور ہم سے پہلے ہمارے باپ داداؤں کو یہ تو نہیں مگر اگلوں کی کہانیاں، (ف۱۲۲)
ثم يتبعون قولهم هذا، بقول أشد منه في الإنكار والتهكم فيقولون: لَقَدْ وُعِدْنا هذا نَحْنُ وَآباؤُنا مِنْ قَبْلُ، إِنْ هذا إِلَّا أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ.والأساطير: جمع أسطورة، كأحاديث وأحدوثة، وأكاذيب وأكذوبة.ومرادهم بها: الخرافات والتخيلات التي لا حقيقة لها.أى: لقد وعدنا الإخراج والإعادة إلى الحياة، نحن وآباؤنا من قبل، أى: من قبل أن يخربنا محمد صلّى الله عليه وسلم بذلك، فنحن وآباؤنا ما زلنا نسمع من القصاص أن هناك بعثا وحسابا، ولكن لا نرى لذلك حقيقة ولا وقوعا..وما هذا الذي نسمعه من محمد صلّى الله عليه وسلم في شأن الآخرة إلا أكاذيب الأولين، وخرافاتهم التي لا مكان لها في عقولنا.وهكذا يؤكدون إنكارهم للآخرة، بشتى ألوان المؤكدات، المصحوبة بالتهكم والاستخفاف.
قُلْ سِیْرُوْا فِی الْاَرْضِ فَانْظُرُوْا كَیْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُجْرِمِیْنَ(۶۹)
تم فرماؤ زمین میں چل کر دیکھو، کیسا ہوا نجام مجرموں کا (ف۱۲۳)
وهنا يلفت القرآن أنظارهم إلى مصارع المكذبين من قبلهم، ويأمر النبي صلّى الله عليه وسلم أن يحذرهم من سوء مصير هذا الإنكار والاستهزاء، فيقول: قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُجْرِمِينَ.أى: قل- أيها الرسول الكريم- لهؤلاء الجاحدين: سيروا في الأرض لتروا بأعينكم مصارع المكذبين بما جاءهم به الرسل من قبلكم. ولتعتبروا بما أصابهم بسبب إجرامهم، وإنكارهم للبعث والحساب يوم القيامة.فالآية الكريمة توجههم إلى ما من شأنه أن يفتح مغاليق قلوبهم المتحجرة وأن يزيل عن نفوسهم قسوتها وعنادها.
وَ لَا تَحْزَنْ عَلَیْهِمْ وَ لَا تَكُنْ فِیْ ضَیْقٍ مِّمَّا یَمْكُرُوْنَ(۷۰)
اور تم ان پر غم نہ کھاؤ (ف۱۲۴) اور ان کے مکر سے دل تنگ نہ ہو (ف۱۲۵)
وبعد هذا التوجيه الحكيم تأخذ السورة الكريمة في تسلية الرسول صلّى الله عليه وسلم عما أصابه من حزن بسبب كفرهم فتقول: وَلا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ، وَلا تَكُنْ فِي ضَيْقٍ مِمَّا يَمْكُرُونَ والحزن:اكتئاب نفسي يحدث للإنسان من أجل وقوع ما يكرهه.والمقصود بالنهى عن الحزن: النهى عن لوازمه، كالإكثار من محاولة تجديد شأن المصائب، وتعظيم أمرها، وبذلك تتجدد الآلام، ويصعب نسيانها.والمكر: التدبير المحكم. أو صرف الغير عما يريده بحيلة، لقصد إيقاع الأذى به.أى: ولا تحزن- أيها الرسول الكريم- على هؤلاء المشركين، بسبب إصرارهم على الكفر والجحود ولا يضيق صدرك، ويمتلئ هما وغما بسبب مكرهم فإن الله- تعالى- عاصمك منهم، وناصرك عليهم.
وَ یَقُوْلُوْنَ مَتٰى هٰذَا الْوَعْدُ اِنْ كُنْتُمْ صٰدِقِیْنَ(۷۱)
اور کہتے ہیں کب آئے گا یہ وعدہ (ف۱۲۶) اگر تم سچے ہو،
ثم تعود السورة إلى سرد أباطيلهم فتقول: وَيَقُولُونَ مَتى هذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ أى: ويقول هؤلاء المشركون للرسول صلّى الله عليه وسلم ولأصحابه: متى يحصل هذا الوعد الذي توعدتمونا به، وهو أن عذابا سيصيبنا إذا لم نؤمن بما أنتم مؤمنون به.إن كنتم صادقين في وعدكم لنا بهذا العذاب، فأنزلوه بنا، فنحن قد طال انتظارنا له.وهكذا الأشرار يتعجلون مصيرهم الأليم، ويبحثون عن حتفهم بظلفهم، وذلك لإيغالهم في الغرور والعناد.
قُلْ عَسٰۤى اَنْ یَّكُوْنَ رَدِفَ لَكُمْ بَعْضُ الَّذِیْ تَسْتَعْجِلُوْنَ(۷۲)
تم فرماؤ قریب ہے کہ تمہارے پیچھے آ لگی ہو بعض وہ چیز جس کی تم جلدی مچارہے ہو (ف۱۲۷)
ولذا جاء الرد عليهم، يحمل في طياته العذاب الشديد، والتهكم المرير، فيقول- تعالى- آمرا رسوله صلّى الله عليه وسلم بالرد عليهم: قُلْ عَسى أَنْ يَكُونَ رَدِفَ لَكُمْ بَعْضُ الَّذِي تَسْتَعْجِلُونَ.والرديف- كما يقول صاحب المصباح- الذي تحمله خلفك على ظهر الدابة.. ومنه ردف المرأة، وهو عجزها، والجمع أرادف.. وترادف القوم: إذا تتابعوا، وكل شيء تبع شيئا فهو ردفه. .أى: قل لهم- أيها الرسول الكريم- لا نتعجلوا العذاب فعسى ما تستعجلونه من عذاب، بعضه قد لحقكم ونزل بكم، وبعضه في طريقه إليكم، وأنتم لا تشعرون بذلك، لشدة غفلتكم، وتبلد مشاعركم.والتعبير بقوله: رَدِفَ لَكُمْ يشعر بأن العذاب ليس بعيدا عنهم، وإنما هو قريب منهم، كقرب الراكب فوق الدابة ممن هو ردفه- أى خلفه- عليها.ولقد لحقهم شيء من هذا العذاب الذي تعجلوه في مكة، عند ما أصيبوا بالقحط والجدب، ولحقهم شيء منه بعد ذلك في بدر، عند ما قتل المسلمون أكثر زعمائهم، كأبى جهل، وغيره..ولعذاب الآخرة أشد وأبقى.
وَ اِنَّ رَبَّكَ لَذُوْ فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَ لٰكِنَّ اَكْثَرَهُمْ لَا یَشْكُرُوْنَ(۷۳)
اور بیشک تیرا رب فضل والا ہے آدمیوں پر (ف۱۲۸) لیکن اکثر آدمی حق نہیں مانتے (ف۱۲۹)
ثم بين- سبحانه- بعض مظاهر فضله على الناس، فقال: وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَشْكُرُونَ.أى: وإن ربك- أيها الرسول الكريم- لذو فضل عظيم، وإنعام كبير على الناس. ومن مظاهر ذلك: أنه لم يعاجلهم بالعقوبة مع كفرهم وعصيانهم، ولكن أكثر هؤلاء الناس لا يشكرونه- سبحانه- على فضله وإنعامه.والتعبير «بأكثر» للإشعار بأن هناك قلة مؤمنة من الناس، ملازمة لشكر الله- تعالى- في السراء والضراء، والعسر واليسر.
وَ اِنَّ رَبَّكَ لَیَعْلَمُ مَا تُكِنُّ صُدُوْرُهُمْ وَ مَا یُعْلِنُوْنَ(۷۴)
اور بیشک تمہارا رب جانتا ہے جو ان کے سینوں میں چھپی ہے اور جو وہ ظاہر کرتے ہیں (ف۱۳۰)
ثم بين- سبحانه- شمول علمه لكل شيء فقال: وَإِنَّ رَبَّكَ- أيها الرسول الكريم- لَيَعْلَمُ علما تاما ما تُكِنُّ صُدُورُهُمْ أى: ما تخفيه وتستره صدورهم من أسرار، ويعلم- أيضا- ما يُعْلِنُونَ أى: ما يظهرونه من أقوال وأفعال.
وَ مَا مِنْ غَآىٕبَةٍ فِی السَّمَآءِ وَ الْاَرْضِ اِلَّا فِیْ كِتٰبٍ مُّبِیْنٍ(۷۵)
اور جتنے غیب ہیں آسمانوں اور زمین کے سب ایک بتانے والی کتاب میں ہیں (ف۱۳۱)
وَما مِنْ غائِبَةٍ فِي السَّماءِ وَالْأَرْضِ أى: وما من شيء غائب عن علم الخلق سواء أكان في السماء أو في الأرض.إِلَّا وهو عندنا فِي كِتابٍ مُبِينٍ أى: إلا وهو عندنا في كتاب واضح لمن يطالعه بإذن ربه، وهذا الكتاب المبين هو اللوح المحفوظ الذي سجل- سبحانه- فيه أحوال خلقه.ومادام الأمر كذلك، فلا تحزن- أيها الرسول الكريم- لما عليه هؤلاء المشركون من جحود وعناد، بل فوض إلينا أمرهم، فأنت عليك البلاغ، ونحن علينا الحساب.ثم مدحت السورة الكريمة القرآن الكريم، وساقت المزيد من التسلية للنبي صلّى الله عليه وسلم فقال- تعالى-:
اِنَّ هٰذَا الْقُرْاٰنَ یَقُصُّ عَلٰى بَنِیْۤ اِسْرَآءِیْلَ اَكْثَرَ الَّذِیْ هُمْ فِیْهِ یَخْتَلِفُوْنَ(۷۶)
بیشک یہ قرآن ذکر فرماتا ہے بنی اسرائیل سے اکثر وہ باتیں جس میں وہ اختلاف کرتے ہیں (ف۱۳۲)
قال الإمام الرازي: اعلم انه- سبحانه- لما تمم الكلام في إثبات المبدأ والمعاد. ذكر بعد ذلك ما يتعلق بالنبوة، ولما كانت الدلالة الكبرى في إثبات نبوة محمد صلّى الله عليه وسلّم هو القرآن، لا جرم بين الله- تعالى- أولا كونه معجزة.. .أى: إن هذا القرآن من معجزاته الدالة على أنه من عند الله- تعالى-، أنه يقص على بنى إسرائيل، الذين هم حملة التوراة والإنجيل، أكثر الأشياء التي اختلفوا فيها، ويبين لهم وجه الحق والصواب فيما اختلفوا فيه.ومن بين ما اختلف فيه بنو إسرائيل: اختلافهم في شأن عيسى- عليه السلام-، فاليهود كفروا به، وقالوا على أمه ما قالوا من الكذب والبهتان، والنصارى قالوا فيه إنه الله، أو هو ابن الله، فجاء القرآن ليبين لهم القول الحق في شأن عيسى- عليه السلام-فقال: من بين ما قال: إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللَّهِ، وَكَلِمَتُهُ أَلْقاها إِلى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ.. .وقال- سبحانه-: يَقُصُّ عَلى بَنِي إِسْرائِيلَ أَكْثَرَ الَّذِي هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ للإشارة إلى أن القرآن ترك أشياء اختلفوا فيها دون أن يحكيها، لأنه لا يتعلق بذكرها غرض هام يستدعى الحديث عنها، ولأن في عدم ذكرها سترا لهم، عما وقعوا فيه من أخطاء..
وَ اِنَّهٗ لَهُدًى وَّ رَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِیْنَ(۷۷)
اور بیشک وہ ہدایت اور رحمت ہے مسلمانوں کے لیے،
وقوله- تعالى-: وَإِنَّهُ لَهُدىً وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ صفة أخرى من صفات القرآن الكريم الدالة على أنه من عند الله- تعالى-:أى: وإن هذا القرآن لمن صفاته- أيضا- أننا جعلناه هداية للمؤمنين إلى الصراط المستقيم، ورحمة لهم ينالون بسببها العفو والمغفرة من الله.وخص هدايته ورحمته بالمؤمنين، لأنهم هم الذين آمنوا به، وصدقوا بما فيه، وعملوا بأوامره، واجتنبوا نواهيه، وطبقوا على أنفسهم أحكامه، وآدابه. وتشريعاته..
اِنَّ رَبَّكَ یَقْضِیْ بَیْنَهُمْ بِحُكْمِهٖ ۙۚ-وَ هُوَ الْعَزِیْزُ الْعَلِیْمُ ﳐ (۷۸)
بیشک تمہارا رب ان کے آپس میں فیصلہ فرماتا ہے اپنے حکم سے اور وہی ہے عزت و الا علم والا،
ثم بين- سبحانه- أن مرد القضاء بين المختلفين إليه وحده فقال: إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ بِحُكْمِهِ ...أى: إن ربك- أيها الرسول الكريم- يقضى بين بنى إسرائيل الذين اختلفوا فيما بينهم اختلافا كبيرا، بحكمه العادل، كما يقضى بين غيرهم، فيجازى الذين أساؤوا بما عملوا، ويجازى الذين أحسنوا بالحسنى.وَهُوَ- سبحانه- الْعَزِيزُ الذي لا يغالب الْعَلِيمُ بكل شيء في هذا الوجود،
فَتَوَكَّلْ عَلَى اللّٰهِؕ-اِنَّكَ عَلَى الْحَقِّ الْمُبِیْنِ(۷۹)
تو تم اللہ پر بھروسہ کرو، بیشک تم روشن حق پر ہو،
والفاء في قوله- تعالى-: فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ ... للتفريع. أى: ما دمت قد عرفت ذلك- أيها الرسول الكريم- ففوض أمرك إلى العزيز العليم وحده، وتوكل عليه دون سواه، وبلغ رسالته دون أن تخشى أحدا إلا إياه.وجملة «إنك على الحق المبين» تعليل للتوكل على الله وحده.أى: توكل على الله- تعالى- وحده، لأنك- أيها الرسول الكريم- على الحق الواضح البين، الذي لا تحوم حوله شبهة من باطل.
اِنَّكَ لَا تُسْمِعُ الْمَوْتٰى وَ لَا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعَآءَ اِذَا وَلَّوْا مُدْبِرِیْنَ(۸۰)
بیشک تمہارے سنائے نہیں سنتے مردے (ف۱۳۳) اور نہ تمہارے سنائے بہرے پکار سنیں جب پھریں پیٹھ دے کر (ف۱۳۴)
وقوله- تعالى-: إِنَّكَ لا تُسْمِعُ الْمَوْتى، وَلا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعاءَ إِذا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ ... تعليل آخر لوجوب التوكل على الله- تعالى-.وقد شبه- سبحانه- أولئك المشركين، بالأموات الذين فقدوا الحياة، وبالصم الذين فقدوا السمع، وبالعمى الدين فقدوا البصر، وذلك لأنهم لم ينتفعوا بهذه الحواس، فصاروا كالفاقدين لها.أى: دم- أيها الرسول الكريم- على توكلك على الله- تعالى- وحده، وإنك لا تستطيع أن تسمع هؤلاء المشركين. ما يردهم عن شركهم، لأنهم كالموتى الذين لا حس لهم ولا عقل، ولأنهم كالصم الذين فقدوا نعمة السمع.وقوله: إِذا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ لتتميم التشبيه. وتأكيد نفى السماع. أى: إذا أعرضوا عن الحق إعراضا تاما، وأدبروا عن الاستماع إليك.قال الجمل: فإن قلت: ما معنى قوله مُدْبِرِينَ والأصم لا يسمع سواء أقبل أو أدبر؟.قلت: هو تأكيد ومبالغة للأصم. وقيل: إن الأصم إذا كان حاضرا قد يسمع رفع الصوت، أو يفهم بالإشارة، فإذا ولى لم يسمع ولم يفهم.ومعنى الآية: إنهم لفرط إعراضهم عما يدعون إليه كالميت، الذي لا سبيل إلى إسماعه، وكالأصم الذي لا يسمع ولا يفهم.. .
- English | Ahmed Ali
- Urdu | Ahmed Raza Khan
- Turkish | Ali-Bulaç
- German | Bubenheim Elyas
- Chinese | Chineese
- Spanish | Cortes
- Dutch | Dutch
- Portuguese | El-Hayek
- English | English
- Urdu | Fateh Muhammad Jalandhry
- French | French
- Hausa | Hausa
- Indonesian | Indonesian-Bahasa
- Italian | Italian
- Korean | Korean
- Malay | Malay
- Russian | Russian
- Tamil | Tamil
- Thai | Thai
- Farsi | مکارم شیرازی
- العربية | التفسير الميسر
- العربية | تفسير الجلالين
- العربية | تفسير السعدي
- العربية | تفسير ابن كثير
- العربية | تفسير الوسيط لطنطاوي
- العربية | تفسير البغوي
- العربية | تفسير القرطبي
- العربية | تفسير الطبري
- English | Arberry
- English | Yusuf Ali
- Dutch | Keyzer
- Dutch | Leemhuis
- Dutch | Siregar
- Urdu | Sirat ul Jinan