READ
Surah al-Qalam
اَلْقَلَم
52 Ayaat مکیۃ
68:0
بِسْمِ اللّٰهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحِیْمِ
اللہ کے نام سے شروع جو بہت مہربان رحمت والا
سورة الفاتحة هي السورة الوحيدة التي أمر الإسلام أتباعه أن يقرءوها في كل صلاة. وفي جميع الركعات، وفي كل الأوقات، ولهذا أصبح حفظها ميسورا لكل مؤمن.وهذه السورة على صغر حجمها، وقلة آياتها، قد اشتملت بوجه إجمالي على مقاصد الدين من توحيد، وتعبد، وأحكام، ووعد ووعيد.ونرى من الخير قبل أن نبدأ في تفسيرها بالتفصيل، أن نمهد لذلك بالكلام عما يأتي:أولا: متى نزلت سورة الفاتحة؟للإجابة على هذا السؤال نقول: إن الرأي الراجح بين المحققين من العلماء أنها نزلت بمكة، بل هي من أوائل ما نزل من القرآن بمكة.وقيل: إنها مدنية. وقيل: إنها نزلت مرتين مرة بمكة حين فرضت الصلاة ومرة بالمدينة حين حولت القبلة.قال القرطبي: الأول أصح لقوله- تعالى- في سورة الحجر: وَلَقَدْ آتَيْناكَ سَبْعاً مِنَ الْمَثانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ وسورة الحجر مكية بالإجماع. ولا خلاف في أن فرض الصلاة كان بمكة، وما حفظ أنه لم يكن في الإسلام قط صلاة بغير الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ «يدل على ذلك قوله صلّى الله عليه وسلّم: «لا صلاة إلا بفاتحة الكتاب» . وهذا خبر عن الحكم لا عن الابتداء» .ثانيا: عدد آياتها: وهي سبع آيات لقوله- تعالى-: وَلَقَدْ آتَيْناكَ سَبْعاً مِنَ الْمَثانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ. قال العلماء: السبع المثاني هي الفاتحة.وقال ابن كثير: هي سبع آيات بلا خلاف. وقال عمرو بن عبيد: هي ثماني آيات لأنه جعل إِيَّاكَ نَعْبُدُ آية. وقال حسين الجعفي: هي ست آيات وهذان القولان شاذان» .ثالثا: أسماؤها: لسورة الفاتحة أسماء كثيرة من أشهرها:1- «الفاتحة أو فاتحة الكتاب، وسميت بذلك لأنه تفتتح قراءة القرآن بها لفظا. وتفتتح بها الكتابة في المصحف خطا، وتفتتح بها الصلوات، وإن لم تكن هي أول ما نزل من القرآن. وقد اشتهرت بهذا الاسم في أيام النبوة.وقد أصبح هذا الاسم علما بالغلبة لتلك الطائفة من الآيات التي مبدؤها الْحَمْدُ لِلَّهِ..ونهايتها.. وَلَا الضَّالِّينَ.2- «أم القرآن أو الكتاب» وسميت بذلك لاشتمالها إجمالا على المقاصد التي ذكرت فيه تفصيلا، أو لاشتمالها على ما فيه من الثناء على الله بما هو أهله، والتعبد بأمره ونهيه، وبيان وعده ووعيده، أو على جملة معانيه من الحكم النظرية، والأحكام العملية التي هي سلوك الصراط المستقيم، والاطلاع على معارج السعداء ومنازل الأشقياء.قال ابن جرير: «والعرب تسمى كل أمر جامع أمّا، وكل مقدم له توابع تتبعه «أما» فتقول للجلدة التي تجمع الدماغ: «أم الرأس» . وتسمى لواء الجيش ورايتهم التي يجتمعون تحتها «أما» .3- «السبع المثاني» جمع مثنى كفعلي اسم مكان. أو مثنى- بالتشديد- من التثنية على غير قياس. وسميت بذلك لأنها سبع آيات في الصلاة، أى تكرر فيها أخرج الإمام أحمد، عن أبي هريرة، عن النبي صلّى الله عليه وسلّم أنه قال: «هي أم القرآن، وهي السبع المثاني، وهي القرآن العظيم» .4- وتسمى- أيضا- سورة «الحمد» . 5- و «الكنز» . 6- و «الواقية» .7- و «الشفاء» ، لحديث. هي الشفاء من كل داء.8- و «الكافية» لأنها تكفي عن سواها ولا يكفى سواها عنها.9- و «الأساس» . 10- و «الرقية» .هذا، وقد ذكر القرطبي للفاتحة اثنى عشر اسما، كما ذكر السيوطي لها في كتابه «الإتقان» خمسة وعشرين اسما.رابعا: فضلها: ورد في فضل سورة الفاتحة أحاديث كثيرة منها:ما رواه البخاري في صحيحه عن أبي سعيد بن المعلى- رضي الله عنه- قال:كنت أصلي في المسجد، فدعاني النبي صلّى الله عليه وسلّم فلم أجبه فقلت: يا رسول الله، إني كنت أصلّي.فقال: ألم يقل الله: اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذا دَعاكُمْ.ثم قال لي: «لأعلمنك سورة هي أعظم السور في القرآن قبل أن تخرج من المسجد» . ثم أخذ بيدي، فلما أراد أن يخرج، قلت: يا رسول الله. ألم تقل: لأعلمنك سورة هي أعظم سورة في القرآن. قال: الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ، هي السبع المثاني والقرآن العظيم الذي أوتيته» .وروى مسلّم والنسائي، عن ابن عباس، قال:بينما جبريل قاعد عند النبي صلّى الله عليه وسلّم سمع نقيضا من فوقه- أي: صوتا- فرفع رأسه فقال:هذا باب من السماء فتح اليوم لم يفتح قط إلا اليوم. فسلّم وقال: أبشر بنورين قد أوتيتهما، ولم يؤتهما نبي قبلك: فاتحة الكتاب، وخواتيم سورة البقرة، لم تقرأ بحرف منهما إلا أعطيته» .وروى مسلّم عن أبي هريرة- رضي الله عنه- عن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال:«من صلّى صلاة لم يقرأ فيها بأم القرآن فهي خداج (ثلاثا) : غير تمام» فقيل لأبي هريرة: إنا نكون وراء الإمام؟ فقال: اقرأ بها في نفسك فإني سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: قال الله- تعالى-: «قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين، ولعبدي ما سأل» ، فإذا قال العبد:الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ. قال الله: حمدني عبدي، وإذا قال: الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ. قال الله تعالى: أثنى علي عبدي. وإذا قال: مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ قال الله: مجدني عبدي. فإذا قال:إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ. قال الله: هذا بيني وبين عبدي ولعبدي ما سأل. فإذا قال:اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ. صِراطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ.قال الله: «هذا لعبدي ولعبدي ما سأل» .وأخرج الإمام أحمد في مسنده، عن عبد الله بن جابر، أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال له: ألا أخبرك بأخير سورة في القرآن؟ قلت: بلى يا رسول الله. قال: اقرأ: الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ حتى تختمها .تلك هي بعض الأحاديث التي وردت في فضل هذه السورة الكريمة.وقد ذكر العلماء أنه يسن للمسلّم قبل القراءة أن يستعيذ بالله من الشيطان الرجيم، استجابة لقوله- تعالى- فَإِذا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطانِ الرَّجِيمِ .ومعنى «أعوذ بالله من الشيطان الرجيم» : ألتجئ إلى الله وأتحصن به، واستجير بجنابه من الشيطان الرجيم أن يضرني في ديني أو دنياي.قال ابن كثير: «والشيطان في لغة العرب كل متمرد من الجن والإنس والدواب وكل شيء.وهو مشتق من شطن إذا بعد، فهو بعيد بطبعه عن طباع الشر، وبعيد بفسقه عن كل خير.وقيل: مشتق من شاط لأنه مخلوق من نار. والأول أصح إذ عليه يدل كلام العرب، فهم:يقولون تشيطن فلان إذا فعل أفعال الشيطان، ولو كان من شاط. لقالوا: تشيط، فالشيطان مشتق من البعد على الصحيح» .والرجيم: فعيل بمعنى مفعول أي أنه مرجوم مطرود من رحمة الله ومن كل خير، وقيل:رجيم بمعنى راجم لأنه يرجم الناس بالوساوس والشكوك.قال بعض العلماء: «وإنما خصت القراءة بطلب الاستعاذة مع أنه قد أمر بها على وجه العموم في جميع الشئون، لأن القرآن مصدر الهداية والشيطان مصدر الضلال، فهو يقف للإنسان بالمرصاد في هذا الشأن على وجه خاص، فيثير أمامه ألوانا من الشكوك فيما يقرأ، وفيما يفيد من قراءته، وفيما يقصد بها، فيفوت عليه الانتفاع بهدى الله وآياته، فعلمنا الله أن نتقي ذلك كله بهذه الاستعاذة التي هي في الواقع عنوان صدق، وتعبير حق، عن امتلاء قلب المؤمن بمعنى اللجوء إلى الله، وقوة عزيمته في طرد الوساوس والشكوك، واستقبال الهداية بقلب طاهر،وعقل واع، وإيمان ثابت» .قال القرطبي: وقد أجمع العلماء على أن التعوذ ليس من القرآن ولا آية منه، وهو قول القارئ: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم .والآن وبعد هذا التمهيد الموجز الذي تكلمنا فيه عن نزول سورة الفاتحة، وعن عدد آياتها، وعن أشهر أسمائها، وعن بعض الأحاديث التي وردت في فضلها نحب أن نبدأ في تفسير السورة الكريمة فنقول- وبالله التوفيق-: بسم ٱلله الرَّحْمٰنِ الرَّحِيمِ الاسم: اللفظ الذى يدل على ذات أو معنى. وقد اختلف النحويون في اشتقاقه على وجهين، فقال البصريون: هو مشتق من السمو، وهو العلو والرفعة، فقيل: اسم، لأن صاحبه بمنزلة المرتفع به.وقال الكوفيون: إنه مشتق من السمة وهي العلامة، لأن الاسم علامة لمن وضع له، فأصل اسم على هذا " وسم ".ويرى المحققون أن رأي البصريين أرجح، لأنه يقال في تصغير " اسم " سُمىَ، وفي جمعه أسماء، والتصغير والجمع يردان الأشياء إلى أصولها. ولو كان أصله وسم - كما قال الكوفيون - لقيل في جمعه: أوسام، وفي تصغيره وسيم.ولفظ الجلالة وهو " الله " علم على ذات الخالق - عز وجل - تفرد به - سبحانه - ولا يطلق على غيره، ولا يشاركه فيه أحد.قال القرطبي: قوله " الله " هذا الاسم أكبر أسمائه - سبحانه - وأجمعها حتى قال بعض العلماء: إنه اسم الله الأعظم ولم يتسم به غيره، ولذلك لم يثن ولم يجمع: فالله اسم للموجود الحق الجامع لصفات الإِلهية، المنعوت بنعوت الربوبيه، المنفرد بالوجود الحقيقي، لا إله إلا هو - سبحانه -و ٱلرَّحْمٰنِ ٱلرَّحِيمِ صفتان مشتقتان من الرحمة. والرحمة في أصل اللغة: رقة في القلب تقتضي الإِحسان، وهذا المعنى لا يليق أن يكون وصفاً لله - تعالى-، ولذا فسرها بعض العلماء بإرادة الإِحسان. وفسرها آخرون بالإِحسان نفسه.والموافق لمذهب السلف أن يقال: هي صفة قائمة بذاته - تعالى - لا نعرف حقيقتها، وإنما نعرف أثرها الذي هو الإِحسان.وقد كثرت أقوال المفسرين في العلاقة بين هاتين الصفتين، فبعضهم يرى أن ٱلرَّحْمٰنِ هو المنعم على جميع الخلق. وأن ٱلرَّحِيمِ هو المنعم على المؤمنين خاصه. ويرى آخرون أن ٱلرَّحْمٰنِ هو المنعم بجلائل النعم، وأن ٱلرَّحِيمِ هو المنعم بدقائقها.ويرى فريق ثالث أن الوصفين بمعنى واحد وأن الثاني منهما تأكيد للأول. والذى يراه المحققون من العلماء أن الصفتين ليستا بمعنى واحد، بل روعي فب كل منهما معنى لم يراع في الآخر، فالرحمن بمعنى عظيم الرحمة، لأن فعلان صيغة مبالغة في كثرة الشيء وعظمته، ويلزم منه الدوام كغضبان وسكران. والرحيم بمعنى دائم الرحمة، لأن صيغته فعيل تستعمل في الصفات الدائمة ككريم وظريف. فكأنه قيل: العظيم الرحمة الدائمة.أو أن ٱلرَّحْمٰنِ صفة ذاتية هي مبدأ الرحمة والإِحسان. و ٱلرَّحِيمِ صفة فعل تدل على وصول الرحمة والإِحسان وتعديهما إلى المنعم عليه.ولعل مما يؤيد ذلك أن لفظ الرحمن لم يذكر في القرآن إلا مجرى عليه الصفات كما هو الشأنِ في أسماء الذات. قال - تعالى-: ٱلرَّحْمَٰنُ عَلَّمَ ٱلْقُرْآنَ و ٱلرَّحْمَٰنُ عَلَى ٱلْعَرْشِ ٱسْتَوَىٰ قُلِ ٱدْعُواْ ٱللَّهَ أَوِ ٱدْعُواْ ٱلرَّحْمَٰنَ وهكذا...أما لفظ الرحيم فقد كثر في القرآن استعماله وصفاً فعلياً، وجاء في الغالب بأسلوب التعدية والتعلق بالمنعم عليه. قال - تعالى - إِنَّ ٱللَّهَ بِٱلنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَّحِيمٌ وَكَانَ بِٱلْمُؤْمِنِينَ رَحِيماً إِنَّهُ كَانَ بِكُمْ رَحِيماً إلخ.قال بعض العلماء " وهذا الرأي في نظرنا هو أقوى الآراء، فإن تخصيص أحد الوصفين بدقائق النعم أو ببعض المنعم عليهم لا دليل عليه، كما أنه ليس مستساغاً أن يقال في القرآن: إن كلمة ذكرت بعد أخرى لمجرد تأكيد المعنى المستفاد منها ".والجار والمجرور " بسم " متعلق بمحذوف تقديره ابتدئ.والمعنى: ابتدئ قراءتي متبركاً ومتيمناً باسم الله الذى هو الأول والآخر، والظاهر والباطن، والذى رحمته وسعت كل شيء، وأتبرأ مما كان يفعله المشركون والضالون، من ابتدائهم قراءتهم وأفعالهم باسم اللات أو باسم العزى أو باسم غيرهما من الآلهة الباطلة.هذا وقد أجمع العلماء على أن البسملة جزء آية من سورة النمل فى قوله - تعالى - إِنَّهُ مِن سُلَيْمَانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ ٱللَّهِ ٱلرَّحْمَٰنِ ٱلرَّحِيمِ ثم اختلفوا بعد ذلك في كونها آية مستقلة أنزلت للفصل بين السور مرة واحدة، أو هى آية من سورة الفاتحة ومن كل سورة ألخ.فبعضهم يرى أن البسملة آية من الفاتحة ومن كل سورة، ومن حججهم أن السلف قد أثبتوها في المصحف مع الأمر بتجريد القرآن مما ليس منه، ولذا لم يكتبوا " آمين ". فثبت بهذا أن البسملة جزء من الفاتحة ومن كل سورة.وبهذا الرأي قال ابن عباس وابن عمر وأبو هريرة وسعيد بن جبير والشافعي، وأحمد في أحد قوليه.ويرى آخرون أن البسملة ليست آية من الفاتحة ولا من غيرها من السور، وقالوا: إنها آية فذة. من القرآن أنزلت للفصل والتبرك للابتداء بها، ومن حججهم أنها لو كانت آية من الفاتحة ومن كل سورة، لما اختلف الناس في ذلك، ولما اضطربت أقوالهم في كونها آية من كل سورة أو من الفاتحة فقط.وكما وقع الخلاف بين العلماء في كونها آية مستقلة أو آية من كل سورة، فقد وقع الخلاف بينهم - أيضاً - في وجوب قراءتها فى الصلاة، وفي الجهر بها أو الإِسرار إذا قرئت.وتحقيق القول في ذلك مرجعه إلى كتب الفقه، وإلى كتب التفسير التي عنيت بتفسير آيات الأحكام.
تفسير سورة القلممقدمة وتمهيد1- سورة «ن» أو «القلم» تعتبر من أوائل السور القرآنية، التي نزلت على النبي صلى الله عليه وسلم فقد ذكر السيوطي في كتابه «الإتقان» أنها السورة الثانية في النزول، بعد سورة «العلق» .ويرى بعض العلماء أنها السورة الرابعة في النزول، فقد سبقتها سور: العلق، والمدثر، والمزمل، وعدد آياتها اثنتان وخمسون آية.2- والمحققون على أنها من السور المكية الخالصة، فقد ذكر الزمخشري وابن كثير.. أنها مكية، دون أن يذكرا في ذلك خلافا.وقال الآلوسى: هي من أوائل ما نزل من القرآن بمكة، فقد نزلت- على ما روى عن ابن عباس- اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ ... ثم هذه، ثم المزمل، ثم المدثر، وفي البحر أنها مكية بلا خلاف فيها، بين أهل التأويل.وفي الإتقان: استثنى منها: إِنَّا بَلَوْناهُمْ كَما بَلَوْنا ... إلى قوله- تعالى-: لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ .3- والذي تطمئن إليه النفس، أن سورة ن من السور المكية الخالصة، لأنه لم يقم دليل مقنع. على أن فيها آيات مدنية، بجانب أن أسلوبها وموضوعاتها تشير إلى أنها من السور المكية الخالصة.كذلك نميل إلى أن بعض آياتها قد نزلت على النبي صلى الله عليه وسلم بعد أن جهر بدعوته.4- وقد فصل هذا المعنى بعض العلماء فقال ما ملخصه: لا يمكن تحديد التاريخ الذي نزلت فيه هذه السورة، سواء مطلعها أو جملتها.والروايات التي تقول: إن هذه السورة هي الثانية في النزول بعد سورة العلق كثيرة، ولكن سياق السورة وموضوعها وأسلوبها، يجعلنا نرجح غير هذا، حتى ليكاد يتعين أنها نزلت بعد فترة من الدعوة العامة، التي جاءت بعد نحو ثلاث سنوات من الدعوة الفردية، في الوقت الذي أخذت فيه قريش تدفع هذه الدعوة وتحاربها، وتصف الرسول صلى الله عليه وسلم بما هو برىء منه، كذلك ذكرت بعض الروايات في السورة آيات مدنية، ونحن نستبعد هذا كذلك، ونعتقد أن السورة كلها مكية، لأن طابع آياتها عميق في مكيته.والذي نرجحه بشأن السورة كلها، أنها ليست الثانية في ترتيب النزول وأنها نزلت بعد فترة من البعثة النبوية، بل بعد الجهر بالدعوة، وبعد أن أخذت قريش في محاربتها بصورة عنيفة.والسورة قد أشارت إلى شيء من عروض المشركين: وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ وظاهر أن مثل هذه المحاولة لا تكون والدعوة فردية، إنما تكون بعد ظهورها، وشعور المشركين بخطرها.. .5- والذي يتدبر هذه السورة الكريمة، يراها قد اشتملت على مقاصد من أبرزها: تحدى المشركين بهذا القرآن الكريم، والثناء على النبي صلى الله عليه وسلم بأفضل أنواع الثناء ما أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ. وَإِنَّ لَكَ لَأَجْراً غَيْرَ مَمْنُونٍ. وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ.والتسلية الجميلة له صلى الله عليه وسلم عما أصابه من أعدائه فَسَتُبْصِرُ وَيُبْصِرُونَ. بِأَيِّكُمُ الْمَفْتُونُ. إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ.ونهيه صلى الله عليه وسلم عن مهادنة المشركين أو ملاينتهم أو موافقتهم على مقترحاتهم الماكرة، قال- تعالى-: وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ. وَلا تُطِعْ كُلَّ حَلَّافٍ مَهِينٍ، هَمَّازٍ مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ، مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ.ثم نراها تضرب الأمثال لأهل مكة، لعلهم يتعظون ويعتبرون، ويتركون الجحود والبطر.. إِنَّا بَلَوْناهُمْ كَما بَلَوْنا أَصْحابَ الْجَنَّةِ، إِذْ أَقْسَمُوا لَيَصْرِمُنَّها مُصْبِحِينَ. وَلا يَسْتَثْنُونَ. فَطافَ عَلَيْها طائِفٌ مِنْ رَبِّكَ وَهُمْ نائِمُونَ. فَأَصْبَحَتْ كَالصَّرِيمِ.ثم نرى من مقاصدها كذلك: المقارنة بين عاقبة الأخيار والأشرار، ليهلك من هلك عن بينة، ويحيا من حي عن بينة.وتسفيه أفكار المشركين وعقولهم، بأسلوب مؤثر خلاب: أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ، ما لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ. أَمْ لَكُمْ كِتابٌ فِيهِ تَدْرُسُونَ..وتهديدهم بأقصى ألوان التهديد: فَذَرْنِي وَمَنْ يُكَذِّبُ بِهذَا الْحَدِيثِ، سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لا يَعْلَمُونَ. وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ ...ثم تختتم بتكرار التسلية للرسول صلى الله عليه وسلم وبأمره بالصبر على أذى أعدائه: فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلا تَكُنْ كَصاحِبِ الْحُوتِ، إِذْ نادى وَهُوَ مَكْظُومٌ، لَوْلا أَنْ تَدارَكَهُ نِعْمَةٌ مِنْ رَبِّهِ لَنُبِذَ بِالْعَراءِ وَهُوَ مَذْمُومٌ، فَاجْتَباهُ رَبُّهُ فَجَعَلَهُ مِنَ الصَّالِحِينَ. وَإِنْ يَكادُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَيُزْلِقُونَكَ بِأَبْصارِهِمْ لَمَّا سَمِعُوا الذِّكْرَ وَيَقُولُونَ إِنَّهُ لَمَجْنُونٌ. وَما هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعالَمِينَ.وبعد: فهذه كلمة مجملة عن سورة «القلم» تكشف عن زمان ومكان نزولها. وعن أهم المقاصد والأهداف، التي اشتملت عليها.ونسأل الله- تعالى- أن يجعل القرآن ربيع قلوبنا، وأنس نفوسنا.وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم..افتتحت سورة " القلم " بأحد الحروف المقطعة ، وهى آخر سورة فى ترتيب المصحف ، افتتحت بواحد من هذه الحروف . أما بالنسبة لترتيب النزول ، فقد تكون أول سورة نزلت على النبى صلى الله عليه وسلم فى السور المفتتحة بالحروف المقطعة .وقد قلنا عند تفسيرنا لسورة البقرة : وردت هذه الحروف المقطعة تارة مفردة بحرف واحد ، وتارة مركبة من حرفين أو ثلاثة ، أو أربعة ، أو خمسة .فالسور التى تدئت بحرف واحد ثلاث سور وهى : ص ، ق ، ن .والسور التى بدئت بحرفين تسع سور وهى : طه ، يس ، طس ، وحم ، فى ست سور ، وهى : غافر ، فصلت ، الزخرف ، الدخان ، الجاثية ، الأحقاف .والسور التى بدئت بثلاثة أحرف ، ثلاث عشرة سورة وهى : " ألم " فى ست سور ، وهى : البقرة ، آل عمران ، العنكبوت ، الروم ، لقمان ، السجدة .و ( الر ) فى خمس سور : وهى : يونس ، هود ، يوسف ، إبراهيم ، الحجر .و ( طسم ) فى سورتين وهما : الشعراء ، والقصص .وهناك سورتان بدئتا بأربعة أحرف وهما : الرعد ، " الر " والأعراف " المص " .وهناك سورتان - أيضا - بدأنا بخمسة أحرف ، وهما : " مريم " " كهيعص " والشورى : " حم عسق " فيكون مجموع السور التى افتتحت بالحروف المقطعة : تسعا وعشرين سورة .هذا ، وقد وقع خلاف بين العلماء فى المعنى المقصود بتلك الحروف المقطعة التى افتتحت بها بعض السور القرآنية ، ويمكن إجال خلافهم فى رأيين رئيسيين :الرأى الأول يرى أصحابه : أن المعنى المقصود منها غير معروف ، فهى من المتشابه الذى استأثر الله - تعالى - بعلمه .وإلى هذا الرأى ذهب ابن عباس - فى بعض الروايات عنه - كما ذهب إليه الشعبى ، وسفيان الثورى وغيرهم من العلماء .فقد أخرج ابن المنذر عن الشعبى أنه سئل عن فواتح السور فقال : إن لكل كتاب سرا ، وإن سر هذا القرآن فى فواتح السور .ويروى عن ابن عباس أنه قال : عجزت العلماء عن إدراكها .وعن على بن أبى طالب أنه قال : " إن لكل كتاب صفوة ، وصفوة الكتاب حروف التهجى " .وفى رواية أخرى عن الشعبى أنه قال : " سر الله فلا تطلبوه "ومن الاعتراضات التى وجهت إلى هذا الرأى ، أنه إذا كان الخطاب بهذه الفواتح غير مفهوم للناس لأنه من المتشابه ، فإنه يترتب على ذلك أنه كالخطاب بالمهمل ، أو مثل ذلك كمثل المتكلم بلغة أعجمية مع أناس عرب لا يفهمونها .وقد أجيب عن ذلك بأن هذه الألفاظ ، لم ينتف الإِفهام عنها عند كل أحد ، فالرسول صلى الله عليه وسلم كان يفهم المراد منها ، وكذلك بعض أصحابه المقربين ، ولكن الذى ننفيه أن يكون الناس جميعا فاهمين لمعنى هذه الحروف المقطعة فى أوائل بعض السور .وهناك مناقشات أخرى للعلماء حول هذا الرأى ، يضيق المجال عن ذكرها .أما الرأى الثانى فيرى أصحابه أن المعنى المقصود منها معلوم ، وأنها ليست من المتشابه الذى استأثر الله - تعالى - بعلمه .وأصحاب هذا الرأى قد اختلفوا فيما بينهم فى تعيين هذا المعنى المقصود على أقوال كثيرة من أهمها ما يأتى :أ - أن هذه الحروف أسماء للسور ، بدليل اشتهار بعض السور بالتسمية بها كسورة " ص " وسورة " يس " .ولايخلو هذا القول من الضعف ، لأن كثيرا من السور قد افتتحت بلفظ واحد من هذه الفواتح ، والغرض من التسمية رفع الاشتباه .ب - وقيل : إن هذه الحروف قد جاءت هكذا فاصلة ، للدلالة على انقضاء سورة وابتداء أخرى .ج - وقيل : إنها حروف مقطعة ، بعهضا من أسماء الله - تعالى - ، وبعضها من صفاته ، فمثلا : ( ألم ) أصلها : أنا الله أعلم .د - وقيل : إنها اسم الله الأعظم . إلى غير ذلك من الأقوال التى لا تخلوا من مقال ، والتى أوصلها الإمام السيوطى فى كتابه " الإتقان " إلى أكثر من عشرين قولا .ه - ولعل أقرب الآراء إلى الصواب أن يقال : إن هذه الحروف المقطعة ، قد وردت فى افتتاح بعض السور ، للإِشعار بأن هذا القرآن الذى تحدى الله به المشركين ، هو من جنس الكلام المركب من هذه الحروف التى يعرفونها ، ويقدرون على تأليف الكلام منها ، فإذا عجزوا عن الإِتيان بسورة من مثله ، فذلك لبلوغه فى الفصاحة والبلاغة ، مرتبة يقف فصحاؤهم وبلغاؤهم دونها بمراحل شاسعة .وفضلا عن ذلك ، فإن تصدير هذه السور بمثل هذه الحروف المقطعة ، يجذب أنظار المعرضين عن استماع القرآن حين يتلى عليهم ، إلى الإِنصات والتدبر ، لأنه يطرق أسماعهم فى أول التلاوة ألفاظ غير مألوفة فى مجارى كلامهم . وذلك مما يلفت أنظارهم ليتبينوا ما يراد منها ، فيسمعوا حكما وحججا قد تكون سببا فى هدايتهم واستجابتهم للحق .هذه خلاصة لآراء العلماء فى الحروف المقطعة ، التى افتتحت بها بعض السور القرآنية ، ومن أراد مزيدا لذلك فليرجع - مثلا - إلى كتاب " البرهان " للزركشى . وكتاب " الإتقان " للسيوطى ، وتفسير " الآلوسى " .ولفظ " ن " على الرأى الذى رجحناه ، يكون إشارة إلى إعجاز القرآن . . .وقيل : هو من المتشابه الذى استأثر الله بعلمه . .وقد ذكر بعض المفسرين أقوالا أخرى ، لا يعتمد عليها لضعفها ، ومن ذلك قولهم : إن " نون " اسم لحوت عظيم . . أو اسم للدواة . . . وقيل : " نون " لوح من نور . .والواو فى قوله : ( والقلم ) للقسم ، والمراد بالقلم : جنسه ، فهو يشمل كل قلم يكتب به و " ما " فى قوله ( وَمَا يَسْطُرُونَ ) موصولة أو مصدرية .و ( يَسْطُرُونَ ) مضارع سطر - من باب نصر - ، يقال : سطر الكتاب سطرا ، إذا كتبه ، والسطر : الصف من الشجر وغيره ، وأصله من السطر بمعنى القطع ، لأن صفوف الكتابة تبدو وكأنها قطع متراصة .
وجواب القسم قوله : ( مَآ أَنتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ ) .أى : وحق القلم الذى يكتب به الكاتبون من مخلوقاتنا المتعددة ، إنك - أيها الرسول الكريم - لمبرأ مما اتهمك به أعداؤك من الجنون ، وكيف تكون مجنونا وقد أنعم الله - تعالى - عليك بالنبوة والحكمة .فالمقصود بالآيات الكريمة تسلية النبى صلى الله عليه وسلم عما أصابه من المشركين ، ودفع تهمهم الباطلة دفعا يأتى عليها من القواعد فيهدمها ، وإثبات أنه رسول من عنده - تعالى - .وأقسم - سبحانه - بالقلم ، لعظيم شرفه ، وكثرة منافعه ، فبه كتبت الكتب السماوية ، وبه تكتب العلوم المفيدة . . وبه يحصل التعارف بين الناس . .وصدق الله إذ يقول : ( اقرأ وَرَبُّكَ الأكرم . الذى عَلَّمَ بالقلم . عَلَّمَ الإنسان مَا لَمْ يَعْلَمْ ) قال القرطبى : أقسم - سبحانه - بالقلم . لما فيه من البيان كاللسان . وهو واقع على كل قلم مما يكتب به من السماء من فى الأرض ، ومنه قول أبى الفتح البستى :إذا أقسم الأبطال يوما بسيفهم ... وعدُّوه مما يُكْسِبُ المجد والكرَمْكفى قلم الكتاب عزا ورفعة ... مدى الدهر أن الله أقسم بالقلَمْوالضمير فى قوله : ( يَسْطُرُونَ ) راجع إلى غير مذكور فى الكلام ، إلا أنه معلوم للسامعين ، لأن ذكر القلم يدل على أن هناك من يكتب به .ونفى - سبحانه - عنه صلى الله عليه وسلم الجنون بأبلغ أسلوب ، لأن المشركين كانوا يصفونه بذلك ، قال - تعالى - . ( وَإِن يَكَادُ الذين كَفَرُواْ لَيُزْلِقُونَكَ بِأَبْصَارِهِمْ لَمَّا سَمِعُواْ الذكر وَيَقُولُونَ إِنَّهُ لَمَجْنُونٌ ) قال الآلوسى : قوله : ( مَآ أَنتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ ) . جواب القسم ، والباء الثانية مزيدة لتأكيد النفى . ومجنون خبر ما ، والباء الأولى للملابسة ، والجار والمجرور فى موضع الحال من الضمير فى الخبر ، والعامل فيها معنى النفى .والمعنى : انتفى عنك الجنون فى حال كونك ملتبسا بنعمة ربك أى : منعما عليك بما أنعم من حصافة الرأى ، والنبوة . .وفى إضافته صلى الله عليه وسلم إلى الرب - عز وجل - مزيد إشعار بالتسلية والقرب والمحبة . ومزيد إشعار - أيضا - بنفى ما افتراه الجاهلون من كونه صلى الله عليه وسلم مجنونا ، لأن هذه الصفة لا تجتمع فى عبد أنعم الله - تعالى - عليه ، وقربه ، واصطفاه لحمل رسالته وتبليغ دعوته .
ثم بشره - سبحانه - ببشارة ثانية فقال : ( وَإِنَّ لَكَ لأَجْراً غَيْرَ مَمْنُونٍ ) .وقوله : ( مَمْنُونٍ ) مأخوذ من المن بمعنى القطع ، تقول : مننت الحبل ، إذا قطعته ، ويصح أن يكون من المن ، بمعنى أن يعطى الإِنسان غيره عطية ثم يفتخر بها عليه ، ومنه قوله - تعالى - : ( ياأيها الذين آمَنُواْ لاَ تُبْطِلُواْ صَدَقَاتِكُم بالمن والأذى . . . )أى : وإن لك - أيها الرسول الكريم - عندنا ، لأجرا عظيما لا يعلم مقداره إلا نحن ، وهذا الأجر غير مقطوع بل هو متصل ودائم وغير مجنون .وهذه الجملة الكريمة وما بعدها ، معطوفة على جملة جواب القسم ، لأنهما من جملة المقسم عليه . .
ثم أثنى - سبحانه - عليه بأجمل ثناء وأطيبه فقال : ( وَإِنَّكَ لعلى خُلُقٍ عَظِيمٍ ) .والخلق - كما يقول الإِمام الرازى - ملكه نفسانية ، يسهل على المتصف بها الإِتيان بالأفعال الجميلة . . . و . . .والعظيم : الرفيع القدر ، الجليل الشأن ، السامى المنزلة .أى : وإنك - أيها الرسول الكريم - لعل دين عظيم ، وعلى خلق كريم ، وعلى سلوك قويم ، فى كل ما تأتيه وما تتركه من أقوال وأفعال . .والتعبير بلفظ " على " يشعر بتمكنه صلى الله عليه وسلم ورسوخه فى كل خلق كريم . وهذا أبلغ رد على أولئك الجاهلين الذين وصفوه بالجنون ، لأن الجنون سفه لا يحسن معه التصرف . أما الخلق العظيم ، فهو أرقى منازل الكمال ، فى عظماء الرجال .والتعبير بلفظ " على " يشعر بتمكنه صلى الله عليه وسلم ورسوخه فى كل خلق كريم . وهذا أبلغ رد على أولئك الجاهلين الذين وصفوه بالجنون ، لأن الجنون سفه لا يحسن معه التصرف . أما الخلق العظيم ، فهو أرقى منازل الكمال ، فى عظماء الرجال .وإن القلم ليعجز عن بيان ما اشتملت عليه هذه الآية الكريمة ، من ثناء من الله - تعالى - على نبيه صلى الله عليه وسلم .قال الإِمام ابن كثير عند تفسيره ، لهذه الآية ما ملخصه : قال قتادة : ذكر لنا أن سعد بن هشام سأل السيدة عائشة عن معنى هذه الآية فقالت : ألست تقرأ القرآن؟ قال : بلى . قالت : فإن خلق رسول الله صلى الله عليه وسلم كان القرآن . .ومعنى هذا ، أنه صلى الله عليه وسلم صار امتثال القرآن أمرا ونهيا ، سجية له وخلقا وطبعا ، فمهما أمره القرآن فعله ، ومهما نهاه عنه تركه ، هذا ما جبله الله عليه من الخلق الكريم ، كالحكمة ، والعفة ، والشجاعة ، والعدالة . .وكيف لا يكون صلى الله عليه وسلم جماع كل خلق عظيم وهو القائل : " إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق " .
فَسَتُبْصِرُ وَ یُبْصِرُوْنَۙ(۵)
تو اب کوئی دم جاتا ہے کہ تم بھی دیکھ لو گے اور وہ بھی دیکھ لیں گے (ف۷)
ثم بشره - سبحانه - ببشارات أخرى فقال : ( فَسَتُبْصِرُ وَيُبْصِرُونَ . بِأَيِّكُمُ المفتون . إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بالمهتدين ) .والفاء فى قوله : ( فَسَتُبْصِرُ . . . ) للتفريع على ما تقدم من قوله : ( مَآ أَنتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ )والفعل " تبصر ويبصرون " من الإبصار الذى هو الرؤية بالعينين ، وقيل : بمعنى العلم . . والسين فى ( فَسَتُبْصِرُ . . . ) للتأكيد .
والباء فى قوله ( بِأَيِّكُمُ . . ) يرى بعضهم أنها بمعنى فى . والمفتون : اسم مفعول ، وهو الذى أصابته فتنة . أدت إلى جنونه ، والعرب كانوا يقولون للمجنون : فتنته الجن . أو هو الذى اضطرب أمره واختل تكوينه وضعف تفكيره .. كأولئك المشركين الذين قالوا فى النبى صلى الله عليه وسلم أقوالا لا يقولها عاقل . .أى : لقد ذكرنا لك - أيها الرسول الكريم - أنك بعيد عما اتهمك به الكافرون ، وأن لك عندنا المنزلة التى ليس بعدها منزلة . . وما دام الأمر كذلك فسترى وسنعلم ، وسيرى وسيلعم هؤلاء المشركون ، فى أي قريق منكم الإِصابة بالجنون؟ أفى فريق المؤمنين أم بفريق الكافرين . .قال الجمل فى حاشيته ما ملخصه : قوله : ( فَسَتُبْصِرُ وَيُبْصِرُونَ ) قال ابن عباس : فستعلم ويعلمون يوم القيامة حين يتميز الحق من الباطل ، وقيل فى الدنيا بظهور عاقبة أمرك . .( بِأَيِّكُمُ المفتون ) الباء مزيدة فى المبتدأ ، والتقدير : أيكم المفتون ، فزيدت الباء كزيادتها فى نحو : بحسبك درهم . .وقيل : الباء بمعنى " فى " الظرفية ، كقولك : زيد بالبصرة . أى : فيها . والمعنى : فى أى فرقة منكم المفتون .وقيل : المفتون مصدر جاء على مفعول كالمعقول والميسور . أى ، بأيكم الفتون . .
اِنَّ رَبَّكَ هُوَ اَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِیْلِهٖ۪-وَ هُوَ اَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِیْنَ(۷)
بیشک تمہارا رب خوب جانتا ہے جو اس کی راہ سے بہکے، اور وہ خوب جانتا ہے جو راہ پر ہے،
وجملة : ( إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ . . . ) تعليل لما ينبئ عنه ما قبله من ظهور جنونهم بحيث لا يخفى على أحد ، وتأكيد لوعده صلى الله عليه وسلم بالنصر ، ولوعيدهم بالخيبة والخسران .أى : إن ربك - أيها الرسول الكريم - الذى خلقك فسواك فعدلك ، هو أعلم بمن ضل عن سبيله ، وبمن أعرض عن طريق الحق والصواب . . وهو - سبحانه - أعلم بالمهتدين الذين اهتدوا إلى ما ينفعهم ويسعدهم فى دنياهم وآخرتهم . .وما دام الأمر كذلك : فذرهم فى طغيانهم يعمهون ، وسر فى طريقك ، فستكون العاقبة لك ولأتباعك .
ثم أرشده - سبحانه - إلى جانب من مسالكهم الخبيثة ، وصفاتهم القبيحة ، وحذره من الاستجابة إلى شئ من مقترحاتهم ، فقال : ( فَلاَ تُطِعِ المكذبين . وَدُّواْ لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ )
وَدُّوْا لَوْ تُدْهِنُ فَیُدْهِنُوْنَ(۹)
وہ تو اس آرزو میں ہیں کہ کسی طرح تم نرمی کرو (ف۸) تو وہ بھی نرم پڑجائیں،
وقوله : ( وَدُّواْ ) من الود بمعنى المحبة . وقوله : ( تُدْهِنُ ) من الإدهان وهى المسايرة والمصانعة والملاينة للغير . وأصله أن يجعل على الشئ دهنا لكى يلين أو لكى يحسن شكله ، ثم استعير للملاينة والمساهلة مع الغير .أى : إن ربك - أيها الرسول الكريم - لا يخفى عليه شئ من أحوالك وأحوالهم ، وما دام الأمر كذلك ، فاحذر أن تطيع هؤلاء المكذبين فى شئ مما يقترحونه عليك ، فإنهم أحبوا وودوا أن تقبل بعض مقترحاتهم ، وأن تلاينهم وتطاوعهم فيما يريدون منك . . وهم حينئذ يظهرون لك من جانبهم الملاينة والمصانعة . . حتى لكأنهم يميلون نحو الاستجابة لك ، وترك إيذائك وإيذاء أصحابك .فالآية الكريمة تشير إلى بعض المساومات التى عرضها المشركون على النبى صلى الله عليه وسلم وما أكثرها ، ومنها : ما ذكره ابن إسحاق فى سيرته من أن بعض زعماء المشركين قالوا للنبى صلى الله عليه وسلم : يا محمد ، هلم فلنعبد ما تعبد ، وتعبد ما نعبد ، فنشترك نحن وأنت فى الأمر ، فإن كان الذى تعبد خيرا مما نعبد ، كنا قد أخذنا بحظنا منه ، وإن كان ما نعبد خيرا مما تعبد ، كنت قد أخذت بحظك منه ، فنزلت سورة " الكافرون " .ومنها ما دار بينه صلى الله عليه وسلم وبين الوليد بن المغيرة تارة ، وبينه وبين عتبة بن ربيعة تارة أخرى . . مما هو معروف فى كتب السيرة .ولقد قال الرسول صلى الله عليه وسلم " لعمه أبى طالب عندما نصحه بأن يترك المشركين وشأنهم ، وقال له : يا ابن أخى أشفق على نفسك وعلى ، ولا تحملنى من الأمر ما لا أطيق .وقال له صلى الله عليه وسلم : يا عماه ، والله لو وضعوا الشمس فى يمينى ، والقمر فى يسارى . على أن أترك هذا الأمر ما تركته ، حتى يظهره الله أو أهلك فيه . . " .والتعبير بقوله : ( وَدُّواْ لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ ) يشير إلى أن الملاينة والمصانعة كانت منهم ، لا منه صلى الله عليه وسلم ، فهم الذين كانوا يحبون منه أن يستجيب لمقترحاتهم ، لكى يقابلوا ذلك بالتظاهر بأنهم على صلة طيبة به وبأصحابه .قال صاحب الكشاف : قوله : ( فَلاَ تُطِعِ المكذبين ) تهييج وإلهاب للتصميم على معاصاتهم ، وكانوا قد أرادوا على أن يعدب الله مدة ، وآلهتهم مدة ، ويكفوا عن غوائلهم ، .وقوله : ( لَوْ تُدْهِنُ ) لو تلين وتصانع ( فَيُدْهِنُونَ ) .فإن : قلت : لماذا رفع " فيدهنون " ولم ينصب بإضمار " أن " وهو جواب التمنى؟ قلت : قد عدل إلى طريق آخر ، وهو أنه جعل خبر مبتدأ محذوف . أى : فهم يدهنون ، كقوله : ( فَمَن يُؤْمِن بِرَبِّهِ فَلاَ يَخَافُ بَخْساً وَلاَ رَهَقاً ) على معنى : ودوا لو تدهن فهم يدهنون . .
وَ لَا تُطِعْ كُلَّ حَلَّافٍ مَّهِیْنٍۙ(۱۰)
اور ہر ایسے کی بات نہ سننا جو بڑا قسمیں کھانے والا (ف۹) ذلیل
ثم يكرر - سبحانه - النهى للنبى صلى الله عليه وسلم عن طاعة كل حلاف مهين . هماز مشاء بنميم . .فيقول : ( وَلاَ تُطِعْ كُلَّ حَلاَّفٍ مَّهِينٍ . هَمَّازٍ مَّشَّآءٍ بِنَمِيمٍ . مَّنَّاعٍ لِّلْخَيْرِ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ . عُتُلٍّ بَعْدَ ذَلِكَ زَنِيمٍ ) .وقد ذكر كثير من المفسرين أن هذه الآيات الكريمة ، نزلت فى الوليد بن المغيرة . . وقيل : إنها نزلت فى الأخنس بن شريق . .والآيات الكريمة يشمل النهى فيها كل من هذه صفاته ، ويدخل فيها الوليد بن المغيرة ، والأخنس بن شريف . . دخولا أوليا .أى : ولا تطع - أيها الرسول الكريم - كل من كان كثير الحلف بالباطل ، وكل من كان مهينا ، أى : حقير ذليلا وضيعا . من المهانة ، وهى القلة فى الرأى والتمييز .
هَمَّازٍ مَّشَّآءٍۭ بِنَمِیْمٍۙ(۱۱)
بہت طعنے دینے والا بہت اِدھر کی اُدھر لگاتا پھرنے والا (ف۱۰)
( هَمَّازٍ ) أى : عياب للناس ، أو كثير الناس الاغتياب لهم ، من الهمز ، وأصله : الطعن فى الشئ بعود أو نحوه ، ثم استعير للذى يؤذى الناس بلسانه وبعينه وبإرشاته ، ويقع فيهم بالسوء ، ومنه قوله - تعالى - : ( ويْلٌ لِّكُلِّ هُمَزَةٍ لُّمَزَةٍ ) ( مَّشَّآءٍ بِنَمِيمٍ ) أى : يقال للحديثي السَّيَّئ لكى يفسد بين الناس . . والنميم والنميمة مصدران بمعى السعاية والإِفساد . يقال : نَمَّ فلان الحديث - من بابى قتل وضرب - إذا سار بين الناس بالفتنة .وأصل النم : الهمس والحركة الخفيفة ثم استعملت فى السعى بين الناس بالفساد على سبيل المجاز .
مَّنَّاعٍ لِّلْخَیْرِ مُعْتَدٍ اَثِیْمٍۙ(۱۲)
بھلائی سے بڑا روکنے والا (ف۱۱) حد سے بڑھنے والا گنہگار (ف۱۲)
( مَّنَّاعٍ لِّلْخَيْرِ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ ) أى : هو شديد المنع لكل ما فيه خير ، ولكل من يستحقه ، خصوصا إذا كان من يستحقه من المؤمنين .ثم هو بعد ذلك ( مُعْتَدٍ ) أى : كثير العدوان على الناس ( أَثِيمٍ ) أى : مبالغ فى ارتكابه للآثام ، لا يترك سيئة دون أن يرتكبها .وقد جاءت صفات الذم السابقة بصيغة المبالغة ، للإِشعار برسوخه فيها ، وباقترافه لها بسرعة وشدة .
عُتُلٍّۭ بَعْدَ ذٰلِكَ زَنِیْمٍۙ(۱۳)
درشت خُو (ف۱۳) اس سب پر طرہ یہ کہ اس کی اصل میں خطا (ف۱۴)
( عُتُلٍّ بَعْدَ ذَلِكَ زَنِيمٍ ) والعتل : هو الجاف الغليظ ، القاسى القلب : الفظ الطبع ، الأكول الشروب . . بدون تمييز بين حلال وحرام . مأخوذ من عتلة يعتُلِه - بكسر التاء وضمها - إذا جره بعنف وغلظة . .( والزنيم ) هو اللصيق بالقوم دون أن يكون منهم ، وإنما هو دعى فيهم ، حتى لكأنه فيهم كالزنمة ، وهى ما يتدلى من الجلد فى حلق المعز أو الشأة . .وقيل : الزنيم ، هو الشخص الذى يعرف بالشر واللؤم بين الناس ، كما تعرف الشاة بزنمتها . أى : بعلامتها .ومعنى : " بعد ذلك " : كمعنى " ثم " أى : ثم هو بعد كل تلك الصفات القبيحة السابقة : جاف غليظ ، ملصق بالقوم ، دعى فيهم . . .فهذه تسع صفات ، كل صفة منها قد بلغت النهاية فى القبح والسوء ، ساقها - سبحانه - لذم الوليد بن المغيرة وأشباهه فى الكفر والفجور .
وقوله : ( أَن كَانَ ذَا مَالٍ وَبَنِينَ . . . ) متعلق بقوله قبل ذلك ( وَلاَ تُطِعْ كُلَّ حَلاَّفٍ . . )أى : ولا تطع من كانت هذه صفاته لكونه ذا مال وبنين ، فإن ماله وولده لن يغنى عنه من الله - تعالى - شيئا .
اِذَا تُتْلٰى عَلَیْهِ اٰیٰتُنَا قَالَ اَسَاطِیْرُ الْاَوَّلِیْنَ(۱۵)
جب اس پر ہماری آیتیں پڑھی جائیں (ف۱۵) کہتا ہے کہ اگلوں کی کہانیاں ہیں (ف۱۶)
وقوله : ( إِذَا تتلى عَلَيْهِ آيَاتُنَا قَالَ أَسَاطِيرُ الأولين ) كلام مستأنف جار مجرى التعليل للنهى عن طاعته ، والأساطير جمع أسطورة بمعنى أكذوبة .أى : لا تطعه - لأنه فضلا عما اتسم به من صفات قبيحة - تراه إذا تتلى عليه آياتنا الدالة على وحدانيتنا وقدرتنا . . وعلى صدقك يا محمد فيما تبلغه عنا ، قال هذا العتل الزنيم ، هذه الآيات أكاذيب الأولين وترهاتهم .
ثم ختم هذه الآيات بأشد أنواع الوعيد لمن هذه صفاته فقال - تعالى - ( سَنَسِمُهُ عَلَى الخرطوم ) .أى : سنبين أمره ونوضحه توضيحا يجعل الناس يعرفونه معرفة تامة لإخفاء معها ولا لبس ولا غموض ، كما لا تخفى العلامة الكائنة على الخرطوم ، الذى يراد به هنا الأنف . والوسم عليه يكون بالنار .أو سنلحق به عارا لا يفارقه ، بلا يلازمه مدى الحياة ، وكان العرب إذا أرادوا أن يسبوا رجلا سبة قبيحة . . قد وُسِمَ فلان مِيسَمَ سوء . . أى : التصق به عار لا يفارقه ، كالسمة التى هى العلامة التى لا يمحى أثرها . .وذكر الوسم والخرطوم فيه ما فيه من الذم ، لأن فيه جمعا بين التشويه الذى يترتب على الوسم السَّيِّئ ، وبين الإِهانة ، لأن كون الوسم فى الوجه بل فى أعلى جزء من الوجه وهو الأنف .. دليل على الإِذلال والتحقير .ومما لا شك فيه أن وقع هذه الآيات على الوليد بن المغيرة وأمثاله ، كان قاصما لظهورهم ، ممزقا لكيانهم ، هادما لما كانوا يتفاخرون به من أمجاد زائفة ، لأنه ذم لهم من رب الأرض والسماء ، الذى لا يقول إلا حقا وصدقا .كذلك كانت هذه الآيات تسلية للرسول صلى الله عليه وسلم ولأصحابه ، عما أصابهم من أذى ، من هؤلاء الحلافين بالباطل والزور ، المشائين بين الناس بالنميمة ، المناعين لكل خير وبر .
اِنَّا بَلَوْنٰهُمْ كَمَا بَلَوْنَاۤ اَصْحٰبَ الْجَنَّةِۚ-اِذْ اَقْسَمُوْا لَیَصْرِمُنَّهَا مُصْبِحِیْنَۙ(۱۷)
بیشک ہم نے انہیں جانچا (ف۱۸) جیسا اس باغ والوں کو جانچا تھا (ف۱۹) جب انہوں نے قسم کھائی کہ ضرور صبح ہوتے اس کھیت کو کاٹ لیں گے (ف۲۰)
وبمناسبة الحديث السابق الذى فيه إشارة إلى المال والبنين ، اللذين كانا من أسباب بطر هؤلاء الكافرين وطغيانهم . . ساق القرآن بعد ذلك قصة أصحاب الجنة ، لتكون موعظة وعبرة كل عاقل ، فقال - تعالى - :( إِنَّا بَلَوْنَاهُمْ كَمَا بَلَوْنَآ أَصْحَابَ الجنة . . . ) .قال الإِمام ابن كثير ما ملخصه : هذا مثل ضربة الله - تعالى - لكفار قريش ، فيما أهدى إليهم من الرحمة العظيمة ، وأعطاهم من النعم الجسيمة ، وهو بعثه محمدا صلى الله عليه وسلم إليهم فقابلوه بالتكذيب والمحاربة . .وقد ذكر بعض السلف : أن أصحاب الجنة هؤلاء كانوا من أهل اليمن كانوا من قرية يقال لها : " ضَرَوان " على ستة أميال من صنعاء . . وكان أبوهم قد ترك لهم هذه الجنة ، وكانوا من أهل أهل الكتاب ، وقد كان أبوهم يسير فيها سيرة حسنة ، فكان ما استغله منها يرد فيها ما يحتاج إليه ، ويدخر لعياله قوت سنتهم ، ويتصدق بالفاضل .فلما مات وورثه أولاده ، قالوا : لقد كان أبونا أحمق ، إذ كان يصرف من هذه الجنة شيئا للفقراء ، ولو أنا منعناهم لتوفر ذلك لنا ، فلما عزموا على ذلك عوقبوا بنقيض قصدهم ، فقد أذهب الله ما بأيديهم بالكلية : أذهب رأس المال ، والربح . . فلم يبق لهم شئ . .وقوله - سبحانه - : ( بَلَوْنَاهُمْ ) أى : اختبرناهم وامتحناهم ، مأخوذ من البلوى ، التى تطلق على الاختبار ، والابتلاء قد يكون بالخير وقد يكون بالشر ، كما قال - تعالى - : ( كُلُّ نَفْسٍ ذَآئِقَةُ الموت وَنَبْلُوكُم بالشر والخير فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ ) والمراد بالابتلاء هنا : الابتلاء بالشر بعد جحودهم لنعمة الخير .أى : إنا امتحنا مشركى قريش بالقحط والجوع . حتى أكلوا الجيف ، بسبب كفرهم بنعمنا ، وتكذيبهم لرسولنا صلى الله عليه وسلم كما ابتلينا من قبلهم أصحاب الجنة ، بأن دمرناها تدميرا ، بسبب بخلهم وامتناعهم عن أداء حقوق الله منها . .ويبدو أن قصة أصحاب الجنة ، كانت معروفة لأهل مكة ، ولذا ضرب الله - تعالى - المثل بها . حتى يعتبروا ويتعظوا . .ووجه المشابهة بين حال أهل مكة ، وحال أصحاب الجنة . . يتمثل فى أن كلا الطرفين قد منحه الله - تعالى - نعمة عظيمة ، ولكنه قابلها بالجحود وعدم الشكر .و ( إذ ) فى قوله : ( إِذْ أَقْسَمُواْ لَيَصْرِمُنَّهَا مُصْبِحِين . . ) تعليلية .والضمير فى ( أَقْسَمُواْ ) يعود لمعظمهم ، لأن الآيات الآتية بعد ذلك ، تدل على أن أوسطهم قد نهاهم عما اعتزموه من حرمان المساكين ، ومن مخالفة ما يأمرهم شرع الله - تعالى - به . .قال - تعالى - : ( قَالَ أَوْسَطُهُمْ أَلَمْ أَقُلْ لَّكُمْ لَوْلاَ تُسَبِّحُونَ . . ) .وقوله : ( لَيَصْرِمُنَّهَا ) من الصرم وهو القطع . يقال : صرم فلان زرعه - من باب ضرب - إذا جَزّه وقطعه ، ومنه قولهم : انصرم حبل المودة بين فلان وفلان ، إذا انقطع .وقوله : ( مُصْبِحِينَ ) أى : داخلين فى وقت الصباح المبكر .أى : إنا امتحنا أهل مكة بالبأساء والضراء ، كما امتحنا أصحاب البستان الذين كانوا قبلهم ، لأنهم أقسموا بالأيمان المغلظة ، ليقطعن ثمار هذا البستان فى وقت الصباح المبكر .
( وَلاَ يَسْتَثْنُونَ ) أى : دون أن يجعلوا شيئا - ولو قليلا - من ثمار هذا البستان للمتحاجين ، الذين أوجب الله - تعالى - لهم حقوقا فى تلك الثمار .وقيل معنى ( وَلاَ يَسْتَثْنُونَ ) ولم يقولوا إن شاء الله ، كما قال - تعالى - : ( فَطَافَ عَلَيْهَا طَآئِفٌ مِّن رَّبِّكَ وَهُمْ نَآئِمُونَ . فَأَصْبَحَتْ كالصريم ) .
فَطَافَ عَلَیْهَا طَآىٕفٌ مِّنْ رَّبِّكَ وَ هُمْ نَآىٕمُوْنَ(۱۹)
تو اس پر (ف۲۲) تیرے رب کی طرف سے ایک پھیری کرنے والا پھیرا کر گیا (ف۲۳) اور وہ سوتے تھے،
( فَطَافَ عَلَيْهَا طَآئِفٌ مِّن رَّبِّكَ وَهُمْ نَآئِمُونَ . فَأَصْبَحَتْ كالصريم )والطائف : مأخوذ من الطواف ، وهو المشى حول الشئ من كل نواحيه ومنه الطواف حول الكعبة . وأكثر ما يستعمل لفظ الطائف فى الشر كما هنا ، ومنه قوله - تعالى - : ( إِنَّ الذين اتقوا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِّنَ الشيطان تَذَكَّرُواْ فَإِذَا هُم مُّبْصِرُونَ ) وعدى لفظ " طائف " بحرف " على " لتضمينه معنى : تسلط أو نزل .والصريم - كما يقول القرطبى - : الليل المظلم . . أى : احترقت فصارت كالليل الأسود .وعن ابن عباس : كالرماد الأسود . أو : كالزرع المحصود . فالصريم بمعنى المصروم ، أى : المقطوع ما فيه . .أى : أقسم هؤلاء الجاحدون على أن لا يعطو شيئا من جنتهم للمحتاجين ، فكانت نتيجة نيتهم السيئة ، وعزمهم على الشر . . أن نزل بهذه الحديقة بلاء أحاط بها فأهلكها ، فصارت كالشئ المحترق الذى قطعت ثماره ، ولم يبق منه شئ ينفع .ولم يعين - سبحانه - نوع هذا الطائف ، أو كيفية نزوله ، لأنه لا يتعلق بذكره غرض ، وإنما المقصود ما ترتب عليه من آثاتر توجب الاعتبار .وتنكير لفظ ( طَآئِفٌ ) للتهويل . و ( من ) فى قوله ( مِّن رَّبِّكَ ) للابتداء والتقييد بكونه من الرب - عز وجل - لإِفادة أنه بلاء لا قبل لأحد من الخلق بدفعه .قال القرطبى : فى هذه الآية دليل على أن العزم مما يؤاخذ به الإِنسان ، لأنهم عزموا على أن يفعلوا ، فعوقبوا قبل فعلهم . ومثله قوله - تعالى - : ( وَمَن يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُّذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ ) وفى الحديث الصحيح : " إذا التقى المسلمان بسيفيهما ، فالقاتل والمقتول فى النار . قيل : يا رسول الله ، هذا القاتل فما بال المقتول؟ قال : إنه كان حريصا على قتل صاحبه " .
( فَطَافَ عَلَيْهَا طَآئِفٌ مِّن رَّبِّكَ وَهُمْ نَآئِمُونَ . فَأَصْبَحَتْ كالصريم )والطائف : مأخوذ من الطواف ، وهو المشى حول الشئ من كل نواحيه ومنه الطواف حول الكعبة . وأكثر ما يستعمل لفظ الطائف فى الشر كما هنا ، ومنه قوله - تعالى - : ( إِنَّ الذين اتقوا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِّنَ الشيطان تَذَكَّرُواْ فَإِذَا هُم مُّبْصِرُونَ ) وعدى لفظ " طائف " بحرف " على " لتضمينه معنى : تسلط أو نزل .والصريم - كما يقول القرطبى - : الليل المظلم . . أى : احترقت فصارت كالليل الأسود .وعن ابن عباس : كالرماد الأسود . أو : كالزرع المحصود . فالصريم بمعنى المصروم ، أى : المقطوع ما فيه . .أى : أقسم هؤلاء الجاحدون على أن لا يعطو شيئا من جنتهم للمحتاجين ، فكانت نتيجة نيتهم السيئة ، وعزمهم على الشر . . أن نزل بهذه الحديقة بلاء أحاط بها فأهلكها ، فصارت كالشئ المحترق الذى قطعت ثماره ، ولم يبق منه شئ ينفع .ولم يعين - سبحانه - نوع هذا الطائف ، أو كيفية نزوله ، لأنه لا يتعلق بذكره غرض ، وإنما المقصود ما ترتب عليه من آثاتر توجب الاعتبار .وتنكير لفظ ( طَآئِفٌ ) للتهويل . و ( من ) فى قوله ( مِّن رَّبِّكَ ) للابتداء والتقييد بكونه من الرب - عز وجل - لإِفادة أنه بلاء لا قبل لأحد من الخلق بدفعه .قال القرطبى : فى هذه الآية دليل على أن العزم مما يؤاخذ به الإِنسان ، لأنهم عزموا على أن يفعلوا ، فعوقبوا قبل فعلهم . ومثله قوله - تعالى - : ( وَمَن يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُّذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ ) وفى الحديث الصحيح : " إذا التقى المسلمان بسيفيهما ، فالقاتل والمقتول فى النار . قيل : يا رسول الله ، هذا القاتل فما بال المقتول؟ قال : إنه كان حريصا على قتل صاحبه " .
ثم يصور - سبحانه - أحاسيسهم وحركاتهم ، وقد خرجوا لينفذوا ما عزموا عليه من سوء . . فيقول : ( فَتَنَادَوْاْ مُصْبِحِينَ ) أى : فنادى بعضهم بعضا فى وقت الصباح المبكر ، حتى لا يراهم أحد .
اَنِ اغْدُوْا عَلٰى حَرْثِكُمْ اِنْ كُنْتُمْ صٰرِمِیْنَ(۲۲)
کہ تڑکے اپنی کھیتی چلو اگر تمہیں کاٹنی ہے،
فقالوا لا يناديهم : ( أَنِ اغدوا على حَرْثِكُمْ إِن كُنتُمْ صَارِمِينَ ) أى : قا بعضهم لبعض : هيا بنا لنذهب إلى بستاننا لكى نقطع ما فيه من ثمار فى هذا الوقت المبكر ، حتى لا يرانا أحد ، إذ الغدو هو الخروج إلى المكان فى غدوة النهار . أى : فى أوله .قال صاحب الكشاف : فإن قلت : هلا قيل : اغدوا إلى حرثكم ، وما معنى " على "؟قلت : لما كان الغدو إليه ليصرموه ويقطعوه : كان غدوا عليه ، كما تقول : غدا عليهم العدو . ويجوز أن يضمن الغدو معى الإِقبال ، كقولهم : يغدى علهي بالجفنة ويراح .أى : فأقبلوا على حرثكم باكرين . .وجواب الشرط فى قوله : ( إِن كُنتُمْ صَارِمِينَ ) محذوف لدلالة ما قبله عليه . أى : إن كنتم صارمين فاغدوا.
( فانطلقوا وَهُمْ يَتَخَافَتُونَ ) أى : فانطلقوا مسرعين نحو جنتهم وهم يتسارُّون فيما بينهم ، إذا لتخافت : تفاعل من خفت فلان فى كلامه ، إذا نطق به بصوت منخفض لا يكاد يسمع .
اَنْ لَّا یَدْخُلَنَّهَا الْیَوْمَ عَلَیْكُمْ مِّسْكِیْنٌۙ(۲۴)
ہرگز آج کوئی مسکین تمہارے باغ میں آنے نہ پائے،
وجملة : ( أَن لاَّ يَدْخُلَنَّهَا اليوم عَلَيْكُمْ مِّسْكِينٌ ) مفسرة لما قبلها لأن التخافت فيه معنى القول دون حروفه أى : انطلقوا يتخافتون وهم يقولون فيما بينهم : احذروا أن يدخل جنتكم اليوم وأنتم تقطعون ثمارها أحد من المساكين .
وجملة : ( وَغَدَوْاْ على حَرْدٍ قَادِرِينَ ) حالية . والحرد : القصد . يقال : فلان حرد فلان - من باب ضرب - أى : قَصَد قَصْدَه .قال الإِمام الشوكانى : الحرد يكون بمعنى المنع والقصد . . لأن القاصد إلى الشئ حارد . يقال : حرد يحرد إذا قصد . . وقال أبو عبيدة : ( على حَرْدٍ ) أى : على منع ، من قولهم : حردت الإبل حردا ، إذا قلت ألبانها . والحرود من الإِبل : القليلة اللبن . . وقال السدى : ( على حَرْدٍ ) : أى : على غضب . . وقال الحسن : على حرد ، أى : على حاجة وفاقة . وقيل : ( على حَرْدٍ ) أى : على انفراد . يقال : حرد يحرد حردا ، إذا تنحى عن قومه ، ونزل منفردا عنهم دون أن يخالطهم .أى : أن أصحاب الجنة ساروا إليها غدوة ، على أمر قد قصدوه وبيتوه . . موقنين أنهم قادرون على تنفيذه ، لأنهم قد اتخذوا له جميع وسائله ، من الكتمان والتبكير والبعد عن أعين المساكين .أو : ساروا إليها فى الصباح المبكر ، وهم ليس معهم أحد من المساكين أو من غيرهم ، وهم فى الوقت نفسه يعتبرون أنفسهم قادرين على قطع ثمارها ، دون أن يشاركهم أحد فى تلك الثمار .
فَلَمَّا رَاَوْهَا قَالُوْۤا اِنَّا لَضَآلُّوْنَۙ(۲۶)
پھر جب اسے (ف۲۷) بولے بیشک ہم راستہ بہک گئے (ف۲۸)
ثم صور - سبحانه - حالهم تصويرا بديعا عندما شاهدوا جنتهم ، وقد صارت كالصريم ، فقال : ( فَلَمَّا رَأَوْهَا قالوا إِنَّا لَضَآلُّونَ )أى : فحين شاهدوا جنتهم - وهلى على تلك الحال العجيبة - قال بعضهم لبعض : إنا الضالون عن طريق جنتنا ، تائهون عن الوصول إليها . . لأن هذه الجنة الخاوية على عروشها ليست هى جنتنا التى عهدناها بالأمس القريب ، زاخرة بالثمار .
ثم اعترفوا بالحقيقة المرة ، بعد أن تأكدوا أن ما أمامهم هى حديقتهم فقالوا : ( بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ ) أى : لسنا بضالين عن الطريق إليها ، بل الحقيقة أن الله - تعالى - قد حرمنا من ثمارها . . بسبب إصرارنا على حرماننا المساكين من حقوقهم منها .
قَالَ اَوْسَطُهُمْ اَلَمْ اَقُلْ لَّكُمْ لَوْ لَا تُسَبِّحُوْنَ(۲۸)
ان میں جو سب سے غنیمت تھا بولا کیا میں تم سے نہیں کہتا تھا کہ تسبیح کیوں نہیں کرتے (ف۳۰)
وهنا تقدم إليهم أوسطهم رأيا ، وأعدلهم وأمثلهم تفكيرا . . فقال لهم : ( أَلَمْ أَقُلْ لَّكُمْ لَوْلاَ تُسَبِّحُونَ ) والاستفهام للتقرير . و ( لَوْلاَ ) حرف تحضيض بمعنى هلا . والتسبيح هنا بمعنى : الاستغفار والتوبة ، وإعطاء كل ذى حق حقه .أى : قال لهم - أعقلهم وأصلحهم - بعد أن شاهد ما شاهد من أمر الحديقة . قال لهم : لقد قلت لكم عندما عزمتم على حرمان المساكين حقوقهم منها .. اتقوا الله ولا تفعلوا ذلك ، وسيروا على الطريقة التى كان يسير عليها أبوكم ، وأعطوا المساكين حقوقهم منها ، ولكنكم خالفتمونى ولم تطيعوا أمرى ، فكانت نتيجة مخالفتكم لنصحى ، ما ترون من خراب الجنة التى أصابنى من خرابها ما أصابكم .
قَالُوْا سُبْحٰنَ رَبِّنَاۤ اِنَّا كُنَّا ظٰلِمِیْنَ(۲۹)
بولے پاکی ہے ہمارے رب کو بیشک ہم ظالم تھے،
وكعادة كثير من الناس الذين : لا يقدرون النعمة إلا بعد فوات الأوان . . قالوا لأعقلهم وأصلحهم : ( سُبْحَانَ رَبِّنَآ ) أى : تنزه ربنا ونستغفره عما حدث منا ، فإننا كنا ظالمين لأنفسنا حين منعنا حق الله - تعالى - عن عباده .
فَاَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلٰى بَعْضٍ یَّتَلَاوَمُوْنَ(۳۰)
اب ایک دوسرے کی طرف ملامت کرتا متوجہ ہوا (ف۳۱)
ثم حكى - سبحانه - ما دار بينهم بعد أن أيقنوا أن حديقتهم قد دمرت فقال : ( فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ على بَعْضٍ يَتَلاَوَمُونَ ) أى : يلوم بعضهم بعضا ، وكل واحد منهم يلقى التبعة على غيره ، ويقول له : أنت الذى كنت السبب فيما أصابنا من حرمان . .
( قَالُواْ ياويلنا ) أى : يا هلاكنا ويا حسرتنا . . ( إِنَّا كُنَّا طَاغِينَ ) أى : إنا كنا متجاوزين لحدودنا ، وفاسقين عن أمر ربنا ، عندما صممنا على البخل بما أعطانا - سبحانه - من فضله .
عَسٰى رَبُّنَاۤ اَنْ یُّبْدِلَنَا خَیْرًا مِّنْهَاۤ اِنَّاۤ اِلٰى رَبِّنَا رٰغِبُوْنَ(۳۲)
امید ہے ہمیں ہمارا رب اس سے بہتر بدل دے ہم اپنے رب کی طرف رغبت لاتے ہیں (ف۳۳)
( عسى رَبُّنَآ ) بفضله وإحسانه ( أَن يُبْدِلَنَا خَيْراً مِّنْهَآ ) أى : أن يعطينا ما هو خير منها ( إِنَّآ إلى رَبِّنَا ) لا إلى غيره ( رَاغِبُونَ ) أى : راغبون فى عطائه ، راجعون إليه بالتوبة والندم . .قال الآلوسى : قال مجاهد : إنهم تابوا فأبدلهم الله - تعالى - خيرا منها . وحكى عن الحسن : التوقف وسئل قتادة عنهم : أهم من أهل الجنة أم من أهل النار؟ فقال للسائل : لقد كلفتنى تعبا . .
كَذٰلِكَ الْعَذَابُؕ-وَ لَعَذَابُ الْاٰخِرَةِ اَكْبَرُۘ-لَوْ كَانُوْا یَعْلَمُوْنَ۠(۳۳)
مار ایسی ہوتی ہے (ف۳۴) اور بیشک آخرت کی مار سب سے بڑی، کیا اچھا تھا اگر وہ جانتے (ف۳۵)
ثم ختم - سبحانه - قصتهم بقوله : ( كَذَلِكَ العذاب ) أى : مثل الذى بلونا به أصحاب الجنة ، من إهلاك جنتهم بسبب جحودهم لنعمنا . . يكون عذابنا لمن خالف أمرنا من كبار مكة وغيرهم .فقوله : ( كَذَلِكَ ) خبر مقدم ( العذاب ) مبتدأ مؤخر . والمشار إليه هو ما تضمنته القصة من إتلاف تلك الجنة ، وإذهاب ثمارها .وقدم المسند وهو الخبر ، على المسند إليه وهو المبتدأ ، للاهتمام بإحضار تلك الصورة العجيبة فى ذهن السامع .وقوله : ( وَلَعَذَابُ الآخرة أَكْبَرُ لَوْ كَانُواْ يَعْلَمُونَ ) يدل على أن المراد بالعذاب السابق عذاب الدنيا .أى : مثل ذلك العذاب الذى أنزلناه بأصحاب الجنة فى الدنيا ، يكون عذابنا لمشركى قريش ، أما عذاب الآخرة فهو أشد وأبقى وأعظم . . ولو كانوا من أهل العلم والفهم ، لعلموا ذلك ، ولأخذوا منه حذرهم عن طريق الإِيمن والعمل الصالح . هذا ، والمتأمل فى هذه القصة ، يراها زاخرة بالمفاجآت ، وبتصوير النفس الإِنسانية فى حال غناها وفى حال فقرها ، فى حال حصولها على النعمة وفى حال ذهاب هذه النعمة من بين يديها .كما يراها تحكى لنا سوء عاقبة الجاحدين لنعم الله ، إذ أن هذا الجحود يؤدى إلى زوال النعم ، ورحم الله القائل : من لم يشكر النعم فقد تعرض لزوالها ، ومن شكرها فقد قيدها بعقالها .
اِنَّ لِلْمُتَّقِیْنَ عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنّٰتِ النَّعِیْمِ(۳۴)
بیشک ڈر والوں کے لیے ان کے رب کے پاس (ف۳۶) چین کے باغ ہیں (ف۳۷)
ثم تبدأ السورة بعد ذلك بيان حسن عاقبة المؤمنين ، وفى محاجة المجرمين ، وفى تحديثهم بالسؤال تلو السؤال : إلزاما لهم بالحجة ، وتقريعا لهم على غفلتهم ، وتذكيرا لهم بيوم القيامة الذى سيندمون عنده ، ولن ينفعهم الندم .قال - تعالى - :( إِنَّ لِّلْمُتَّقِينَ عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتِ . . . ) .قوله - سبحانه - : ( إِنَّ لِّلْمُتَّقِينَ عِنْدَ رَبِّهِمْ . . ) بيان لما وعد به - سبحانه - المؤمنين الصادقين ، بعد بيان وعيده للجاحدين المكذبين .أى : إن للذين اتقوا ربهم ، وصانوا أنفسهم عما حرمه . . جنات ليس لهم فيها إلا النعيم الخالص ، والسرور التام . والخير الذى لا ينقطع ولا يمتنع .واللام فى قوله : ( لِّلْمُتَّقِينَ ) للاستحقاق ، وقال - سبحانه - ( عِنْدَ رَبِّهِمْ ) للتشريف والتكريم .أى : هذه الجنات اختص الرب - عز وجل - بها الذين اتقوه فى كل أحوالهم .وإضافة الجنات إلى النعيم ، للإِشارة إلى أن النعيم ملازم لها لا يفارقها فلا يكون فيها ما يكون فى جنات الدنيا من تغير فى الأحوال ، فهى تارة مثمرة ، وتارة ليست كذلك .
اَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِیْنَ كَالْمُجْرِمِیْنَؕ(۳۵)
کیا ہم مسلمانوں کو مجرموں کا سا کردیں (ف۳۸)
والاستفهام فى قوله : ( أَفَنَجْعَلُ المسلمين كالمجرمين ) للنفى والإِنكار . والفاء للعطف على مقدر يقتضيه الكلام .أى : أنحيف فى أحكامنا فنجعل الذين أخلصوا لنا العبادة . كالذين أشركوا معنا آلهة أخرى؟ أو نجعل الذين أسلموا وجوههم لنا ، كالذين فسقوا عن أمرنا؟كلا ، لن نجعل هؤلاء كهؤلاء ، فإن عدالتنا تقتضى التفريق بينهم .قال الجمل : لما نزلت هذه الآية وهى قوله : ( إِنَّ لِّلْمُتَّقِينَ . . . ) قال كفار مكة للمسلمين إن الله فضلنا عليكم فى الدنيا ، فلابد وأن يفضلنا عليكم فى الآخرة ، فإذا لم يحصل التفضيل ، فلا أقل من المساواة فأجابهم الله - تعالى - بقوله : ( أَفَنَجْعَلُ المسلمين كالمجرمين ) .
ثم أضاف - سبحانه - إلى توبيخهم توبيخا آخر فقال : ( مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ ) .وقوله ( مَا لَكُمْ ) جملة من مبتدأ وخبر ، وهى بمثابة تأنيب آخر لهم وقوله : ( كَيْفَ تَحْكُمُونَ ) تجهيل لهم ، وتسفيه لعقولهم .أى : ما الذى حدث لعقولكم ، حتى ساويتم بين الأخيار والأشرار والأطهار والفجار ، ومن أخلصوا لله عبادتهم ، ومن كفروا به؟
ثم انتقل - سبحانه - من توبيخهم على جهلهم ، إلى توبيخهم على كذبهم فقال : ( أَمْ لَكُمْ كِتَابٌ فِيهِ تَدْرُسُونَ . إِنَّ لَكُمْ فِيهِ لَمَا تَخَيَّرُون ) .و ( أم ) هنا وما بعدها للإضراب الانتقالى ، وهى بمعنى بل ، والضمير فى قوله ( أَمْ لَكُمْ كِتَابٌ فِيهِ تَدْرُسُونَ ( فِيهِ ) يعود على الكتاب .وقوله : ( تَدْرُسُونَ ) أى : تقرأون بعناية وتفكير .وقوله : ( تَخَيَّرُون ) أصله : تتخيرون . والتخير : تطلب ما هو خير . يقال : فلان تخير الشئ واختاره ، إذا أخذ خيره وجيده .أى : بل ألكم - أيها المشركون - كتاب قرأتم فيه بفهم وتدبر المساواة بين المتقين والمجرمين ، وأخذتم منه ما اخترتموه من أحكام؟ إنه لا يوجد كتاب سماوى ، أو غير سماوى ، يوافقكم على التسوية بين المتقين والمجرمين . وأنتم إنما تصدرون أحكاما كاذبة . ما أنزل الله بها من سلطان .
ثم انتقل - سبحانه - من توبيخهم على جهلهم ، إلى توبيخهم على كذبهم فقال : ( أَمْ لَكُمْ كِتَابٌ فِيهِ تَدْرُسُونَ . إِنَّ لَكُمْ فِيهِ لَمَا تَخَيَّرُون ) .و ( أم ) هنا وما بعدها للإضراب الانتقالى ، وهى بمعنى بل ، والضمير فى قوله ( أَمْ لَكُمْ كِتَابٌ فِيهِ تَدْرُسُونَ ( فِيهِ ) يعود على الكتاب .وقوله : ( تَدْرُسُونَ ) أى : تقرأون بعناية وتفكير .وقوله : ( تَخَيَّرُون ) أصله : تتخيرون . والتخير : تطلب ما هو خير . يقال : فلان تخير الشئ واختاره ، إذا أخذ خيره وجيده .أى : بل ألكم - أيها المشركون - كتاب قرأتم فيه بفهم وتدبر المساواة بين المتقين والمجرمين ، وأخذتم منه ما اخترتموه من أحكام؟ إنه لا يوجد كتاب سماوى ، أو غير سماوى ، يوافقكم على التسوية بين المتقين والمجرمين . وأنتم إنما تصدرون أحكاما كاذبة . ما أنزل الله بها من سلطان .
اَمْ لَكُمْ اَیْمَانٌ عَلَیْنَا بَالِغَةٌ اِلٰى یَوْمِ الْقِیٰمَةِۙ-اِنَّ لَكُمْ لَمَا تَحْكُمُوْنَۚ(۳۹)
یا تمہارے لیے ہم پر کچھ قسمیں ہیں قیامت تک پہنچتی ہوئی (ف۴۰) کہ تمہیں ملے گا جو کچھ دعویٰ کرتے ہو (ف۴۱)
ثم انتقل - سبحانه - إلى توبيخهم على لون آخر من مزاعمهم فقال : ( أَمْ لَكُمْ أَيْمَانٌ عَلَيْنَا بَالِغَةٌ إلى يَوْمِ القيامة إِنَّ لَكُمْ لَمَا تَحْكُمُونَ .أى : وقل لهم - يا محمد - على سبيل إلزامم الحجة : بل ألكم ( أَيْمَانٌ ) أى : عهود ومواثيق مؤكدة ( عَلَيْنَا ) وهذه العهود ( بَالِغَة ) أقصى مداها فى التوكيد ، وثابتة لكم علينا ( إلى يَوْمِ القيامة ) بأنا قد سوينا بين المسلمين والمجرمين فى أحكامنا ، كما زعمتم أنتم؟ إن كانت لكم علينا هذه الإيمان والعهود ، فأظهروها للناس ، وفى هذه الحالة يكون من حقكم أن تحكموا بما حكمتم به .ومما لا شك فيه ، أنهم ليست لهم عهود عند الله بما زعموه من أحكام ، وإنما المقصود من الآية الكريمة ، بيان كذبهم فى أقوالهم ، وبيان أنهم لا يستطيعون أن يأتوا بجواب يثبتون به مدعاهم .وقوله : ( إِنَّ لَكُمْ لَمَا تَحْكُمُونَ ) جواب القسم ، لأن قوله : ( أَمْ لَكُمْ أَيْمَانٌ عَلَيْنَا ) بمعنى : أم أقسمنا لكم إيمانا موثقة بأننا رضينا بأحكامكم التى تسوون فيها بين المسلمين والمجرمين .
سَلْهُمْ اَیُّهُمْ بِذٰلِكَ زَعِیْمٌۚۛ(۴۰)
تم ان سے (ف۴۲) پوچھو ان میں کون سا اس کا ضامن ہے (ف۴۳)
ثم أمر - سبحانه - رسوله صلى الله عليه وسلم - أن يسألهم سؤال بتكيت وتأنيب فقال : ( سَلْهُمْ أَيُّهُم بِذَلِكَ زَعِيمٌ ) .والزعيم : هو الضامن ، والمتكلم عن القوم ، والناطق بلسانهم . .واسم الإِشارة يعود على الحكم الباطل الذى حكموه ، وهو التسوية بين المسلمين والمجرمين .أى : سل - أيها الرسول الكريم - هؤلاء المشركين ، سؤال تقريع وتوبيخ ، أى واحد منهم سيكون يوم القيامة ، كفيلا بتحمل مسئولية هذا الحكم ، وضامنا بأن المسلمين سيكونون متساوين مع المجرمين فى الأحكام عند الله - تعالى - .
- English | Ahmed Ali
- Urdu | Ahmed Raza Khan
- Turkish | Ali-Bulaç
- German | Bubenheim Elyas
- Chinese | Chineese
- Spanish | Cortes
- Dutch | Dutch
- Portuguese | El-Hayek
- English | English
- Urdu | Fateh Muhammad Jalandhry
- French | French
- Hausa | Hausa
- Indonesian | Indonesian-Bahasa
- Italian | Italian
- Korean | Korean
- Malay | Malay
- Russian | Russian
- Tamil | Tamil
- Thai | Thai
- Farsi | مکارم شیرازی
- العربية | التفسير الميسر
- العربية | تفسير الجلالين
- العربية | تفسير السعدي
- العربية | تفسير ابن كثير
- العربية | تفسير الوسيط لطنطاوي
- العربية | تفسير البغوي
- العربية | تفسير القرطبي
- العربية | تفسير الطبري
- English | Arberry
- English | Yusuf Ali
- Dutch | Keyzer
- Dutch | Leemhuis
- Dutch | Siregar
- Urdu | Sirat ul Jinan