READ

Surah Al-Mu'minun

اَلْمُؤْمِنُوْن
118 Ayaat    مکیۃ


23:0
بِسْمِ اللّٰهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحِیْمِ
اللہ کے نام سے شروع جو بہت مہربان رحمت والا

سورة الفاتحة هي السورة الوحيدة التي أمر الإسلام أتباعه أن يقرءوها في كل صلاة. وفي جميع الركعات، وفي كل الأوقات، ولهذا أصبح حفظها ميسورا لكل مؤمن.وهذه السورة على صغر حجمها، وقلة آياتها، قد اشتملت بوجه إجمالي على مقاصد الدين من توحيد، وتعبد، وأحكام، ووعد ووعيد.ونرى من الخير قبل أن نبدأ في تفسيرها بالتفصيل، أن نمهد لذلك بالكلام عما يأتي:أولا: متى نزلت سورة الفاتحة؟للإجابة على هذا السؤال نقول: إن الرأي الراجح بين المحققين من العلماء أنها نزلت بمكة، بل هي من أوائل ما نزل من القرآن بمكة.وقيل: إنها مدنية. وقيل: إنها نزلت مرتين مرة بمكة حين فرضت الصلاة ومرة بالمدينة حين حولت القبلة.قال القرطبي: الأول أصح لقوله- تعالى- في سورة الحجر: وَلَقَدْ آتَيْناكَ سَبْعاً مِنَ الْمَثانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ وسورة الحجر مكية بالإجماع. ولا خلاف في أن فرض الصلاة كان بمكة، وما حفظ أنه لم يكن في الإسلام قط صلاة بغير الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ «يدل على ذلك قوله صلّى الله عليه وسلّم: «لا صلاة إلا بفاتحة الكتاب» . وهذا خبر عن الحكم لا عن الابتداء» .ثانيا: عدد آياتها: وهي سبع آيات لقوله- تعالى-: وَلَقَدْ آتَيْناكَ سَبْعاً مِنَ الْمَثانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ. قال العلماء: السبع المثاني هي الفاتحة.وقال ابن كثير: هي سبع آيات بلا خلاف. وقال عمرو بن عبيد: هي ثماني آيات لأنه جعل إِيَّاكَ نَعْبُدُ آية. وقال حسين الجعفي: هي ست آيات وهذان القولان شاذان» .ثالثا: أسماؤها: لسورة الفاتحة أسماء كثيرة من أشهرها:1- «الفاتحة أو فاتحة الكتاب، وسميت بذلك لأنه تفتتح قراءة القرآن بها لفظا. وتفتتح بها الكتابة في المصحف خطا، وتفتتح بها الصلوات، وإن لم تكن هي أول ما نزل من القرآن. وقد اشتهرت بهذا الاسم في أيام النبوة.وقد أصبح هذا الاسم علما بالغلبة لتلك الطائفة من الآيات التي مبدؤها الْحَمْدُ لِلَّهِ..ونهايتها.. وَلَا الضَّالِّينَ.2- «أم القرآن أو الكتاب» وسميت بذلك لاشتمالها إجمالا على المقاصد التي ذكرت فيه تفصيلا، أو لاشتمالها على ما فيه من الثناء على الله بما هو أهله، والتعبد بأمره ونهيه، وبيان وعده ووعيده، أو على جملة معانيه من الحكم النظرية، والأحكام العملية التي هي سلوك الصراط المستقيم، والاطلاع على معارج السعداء ومنازل الأشقياء.قال ابن جرير: «والعرب تسمى كل أمر جامع أمّا، وكل مقدم له توابع تتبعه «أما» فتقول للجلدة التي تجمع الدماغ: «أم الرأس» . وتسمى لواء الجيش ورايتهم التي يجتمعون تحتها «أما» .3- «السبع المثاني» جمع مثنى كفعلي اسم مكان. أو مثنى- بالتشديد- من التثنية على غير قياس. وسميت بذلك لأنها سبع آيات في الصلاة، أى تكرر فيها أخرج الإمام أحمد، عن أبي هريرة، عن النبي صلّى الله عليه وسلّم أنه قال: «هي أم القرآن، وهي السبع المثاني، وهي القرآن العظيم» .4- وتسمى- أيضا- سورة «الحمد» . 5- و «الكنز» . 6- و «الواقية» .7- و «الشفاء» ، لحديث. هي الشفاء من كل داء.8- و «الكافية» لأنها تكفي عن سواها ولا يكفى سواها عنها.9- و «الأساس» . 10- و «الرقية» .هذا، وقد ذكر القرطبي للفاتحة اثنى عشر اسما، كما ذكر السيوطي لها في كتابه «الإتقان» خمسة وعشرين اسما.رابعا: فضلها: ورد في فضل سورة الفاتحة أحاديث كثيرة منها:ما رواه البخاري في صحيحه عن أبي سعيد بن المعلى- رضي الله عنه- قال:كنت أصلي في المسجد، فدعاني النبي صلّى الله عليه وسلّم فلم أجبه فقلت: يا رسول الله، إني كنت أصلّي.فقال: ألم يقل الله: اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذا دَعاكُمْ.ثم قال لي: «لأعلمنك سورة هي أعظم السور في القرآن قبل أن تخرج من المسجد» . ثم أخذ بيدي، فلما أراد أن يخرج، قلت: يا رسول الله. ألم تقل: لأعلمنك سورة هي أعظم سورة في القرآن. قال: الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ، هي السبع المثاني والقرآن العظيم الذي أوتيته» .وروى مسلّم والنسائي، عن ابن عباس، قال:بينما جبريل قاعد عند النبي صلّى الله عليه وسلّم سمع نقيضا من فوقه- أي: صوتا- فرفع رأسه فقال:هذا باب من السماء فتح اليوم لم يفتح قط إلا اليوم. فسلّم وقال: أبشر بنورين قد أوتيتهما، ولم يؤتهما نبي قبلك: فاتحة الكتاب، وخواتيم سورة البقرة، لم تقرأ بحرف منهما إلا أعطيته» .وروى مسلّم عن أبي هريرة- رضي الله عنه- عن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال:«من صلّى صلاة لم يقرأ فيها بأم القرآن فهي خداج (ثلاثا) : غير تمام» فقيل لأبي هريرة: إنا نكون وراء الإمام؟ فقال: اقرأ بها في نفسك فإني سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: قال الله- تعالى-: «قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين، ولعبدي ما سأل» ، فإذا قال العبد:الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ. قال الله: حمدني عبدي، وإذا قال: الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ. قال الله تعالى: أثنى علي عبدي. وإذا قال: مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ قال الله: مجدني عبدي. فإذا قال:إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ. قال الله: هذا بيني وبين عبدي ولعبدي ما سأل. فإذا قال:اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ. صِراطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ.قال الله: «هذا لعبدي ولعبدي ما سأل» .وأخرج الإمام أحمد في مسنده، عن عبد الله بن جابر، أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال له: ألا أخبرك بأخير سورة في القرآن؟ قلت: بلى يا رسول الله. قال: اقرأ: الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ حتى تختمها .تلك هي بعض الأحاديث التي وردت في فضل هذه السورة الكريمة.وقد ذكر العلماء أنه يسن للمسلّم قبل القراءة أن يستعيذ بالله من الشيطان الرجيم، استجابة لقوله- تعالى- فَإِذا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطانِ الرَّجِيمِ .ومعنى «أعوذ بالله من الشيطان الرجيم» : ألتجئ إلى الله وأتحصن به، واستجير بجنابه من الشيطان الرجيم أن يضرني في ديني أو دنياي.قال ابن كثير: «والشيطان في لغة العرب كل متمرد من الجن والإنس والدواب وكل شيء.وهو مشتق من شطن إذا بعد، فهو بعيد بطبعه عن طباع الشر، وبعيد بفسقه عن كل خير.وقيل: مشتق من شاط لأنه مخلوق من نار. والأول أصح إذ عليه يدل كلام العرب، فهم:يقولون تشيطن فلان إذا فعل أفعال الشيطان، ولو كان من شاط. لقالوا: تشيط، فالشيطان مشتق من البعد على الصحيح» .والرجيم: فعيل بمعنى مفعول أي أنه مرجوم مطرود من رحمة الله ومن كل خير، وقيل:رجيم بمعنى راجم لأنه يرجم الناس بالوساوس والشكوك.قال بعض العلماء: «وإنما خصت القراءة بطلب الاستعاذة مع أنه قد أمر بها على وجه العموم في جميع الشئون، لأن القرآن مصدر الهداية والشيطان مصدر الضلال، فهو يقف للإنسان بالمرصاد في هذا الشأن على وجه خاص، فيثير أمامه ألوانا من الشكوك فيما يقرأ، وفيما يفيد من قراءته، وفيما يقصد بها، فيفوت عليه الانتفاع بهدى الله وآياته، فعلمنا الله أن نتقي ذلك كله بهذه الاستعاذة التي هي في الواقع عنوان صدق، وتعبير حق، عن امتلاء قلب المؤمن بمعنى اللجوء إلى الله، وقوة عزيمته في طرد الوساوس والشكوك، واستقبال الهداية بقلب طاهر،وعقل واع، وإيمان ثابت» .قال القرطبي: وقد أجمع العلماء على أن التعوذ ليس من القرآن ولا آية منه، وهو قول القارئ: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم .والآن وبعد هذا التمهيد الموجز الذي تكلمنا فيه عن نزول سورة الفاتحة، وعن عدد آياتها، وعن أشهر أسمائها، وعن بعض الأحاديث التي وردت في فضلها نحب أن نبدأ في تفسير السورة الكريمة فنقول- وبالله التوفيق-: بسم ٱلله الرَّحْمٰنِ الرَّحِيمِ الاسم: اللفظ الذى يدل على ذات أو معنى. وقد اختلف النحويون في اشتقاقه على وجهين، فقال البصريون: هو مشتق من السمو، وهو العلو والرفعة، فقيل: اسم، لأن صاحبه بمنزلة المرتفع به.وقال الكوفيون: إنه مشتق من السمة وهي العلامة، لأن الاسم علامة لمن وضع له، فأصل اسم على هذا " وسم ".ويرى المحققون أن رأي البصريين أرجح، لأنه يقال في تصغير " اسم " سُمىَ، وفي جمعه أسماء، والتصغير والجمع يردان الأشياء إلى أصولها. ولو كان أصله وسم - كما قال الكوفيون - لقيل في جمعه: أوسام، وفي تصغيره وسيم.ولفظ الجلالة وهو " الله " علم على ذات الخالق - عز وجل - تفرد به - سبحانه - ولا يطلق على غيره، ولا يشاركه فيه أحد.قال القرطبي: قوله " الله " هذا الاسم أكبر أسمائه - سبحانه - وأجمعها حتى قال بعض العلماء: إنه اسم الله الأعظم ولم يتسم به غيره، ولذلك لم يثن ولم يجمع: فالله اسم للموجود الحق الجامع لصفات الإِلهية، المنعوت بنعوت الربوبيه، المنفرد بالوجود الحقيقي، لا إله إلا هو - سبحانه -و ٱلرَّحْمٰنِ ٱلرَّحِيمِ صفتان مشتقتان من الرحمة. والرحمة في أصل اللغة: رقة في القلب تقتضي الإِحسان، وهذا المعنى لا يليق أن يكون وصفاً لله - تعالى-، ولذا فسرها بعض العلماء بإرادة الإِحسان. وفسرها آخرون بالإِحسان نفسه.والموافق لمذهب السلف أن يقال: هي صفة قائمة بذاته - تعالى - لا نعرف حقيقتها، وإنما نعرف أثرها الذي هو الإِحسان.وقد كثرت أقوال المفسرين في العلاقة بين هاتين الصفتين، فبعضهم يرى أن ٱلرَّحْمٰنِ هو المنعم على جميع الخلق. وأن ٱلرَّحِيمِ هو المنعم على المؤمنين خاصه. ويرى آخرون أن ٱلرَّحْمٰنِ هو المنعم بجلائل النعم، وأن ٱلرَّحِيمِ هو المنعم بدقائقها.ويرى فريق ثالث أن الوصفين بمعنى واحد وأن الثاني منهما تأكيد للأول. والذى يراه المحققون من العلماء أن الصفتين ليستا بمعنى واحد، بل روعي فب كل منهما معنى لم يراع في الآخر، فالرحمن بمعنى عظيم الرحمة، لأن فعلان صيغة مبالغة في كثرة الشيء وعظمته، ويلزم منه الدوام كغضبان وسكران. والرحيم بمعنى دائم الرحمة، لأن صيغته فعيل تستعمل في الصفات الدائمة ككريم وظريف. فكأنه قيل: العظيم الرحمة الدائمة.أو أن ٱلرَّحْمٰنِ صفة ذاتية هي مبدأ الرحمة والإِحسان. و ٱلرَّحِيمِ صفة فعل تدل على وصول الرحمة والإِحسان وتعديهما إلى المنعم عليه.ولعل مما يؤيد ذلك أن لفظ الرحمن لم يذكر في القرآن إلا مجرى عليه الصفات كما هو الشأنِ في أسماء الذات. قال - تعالى-: ٱلرَّحْمَٰنُ عَلَّمَ ٱلْقُرْآنَ و ٱلرَّحْمَٰنُ عَلَى ٱلْعَرْشِ ٱسْتَوَىٰ قُلِ ٱدْعُواْ ٱللَّهَ أَوِ ٱدْعُواْ ٱلرَّحْمَٰنَ وهكذا...أما لفظ الرحيم فقد كثر في القرآن استعماله وصفاً فعلياً، وجاء في الغالب بأسلوب التعدية والتعلق بالمنعم عليه. قال - تعالى - إِنَّ ٱللَّهَ بِٱلنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَّحِيمٌ وَكَانَ بِٱلْمُؤْمِنِينَ رَحِيماً إِنَّهُ كَانَ بِكُمْ رَحِيماً إلخ.قال بعض العلماء " وهذا الرأي في نظرنا هو أقوى الآراء، فإن تخصيص أحد الوصفين بدقائق النعم أو ببعض المنعم عليهم لا دليل عليه، كما أنه ليس مستساغاً أن يقال في القرآن: إن كلمة ذكرت بعد أخرى لمجرد تأكيد المعنى المستفاد منها ".والجار والمجرور " بسم " متعلق بمحذوف تقديره ابتدئ.والمعنى: ابتدئ قراءتي متبركاً ومتيمناً باسم الله الذى هو الأول والآخر، والظاهر والباطن، والذى رحمته وسعت كل شيء، وأتبرأ مما كان يفعله المشركون والضالون، من ابتدائهم قراءتهم وأفعالهم باسم اللات أو باسم العزى أو باسم غيرهما من الآلهة الباطلة.هذا وقد أجمع العلماء على أن البسملة جزء آية من سورة النمل فى قوله - تعالى - إِنَّهُ مِن سُلَيْمَانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ ٱللَّهِ ٱلرَّحْمَٰنِ ٱلرَّحِيمِ ثم اختلفوا بعد ذلك في كونها آية مستقلة أنزلت للفصل بين السور مرة واحدة، أو هى آية من سورة الفاتحة ومن كل سورة ألخ.فبعضهم يرى أن البسملة آية من الفاتحة ومن كل سورة، ومن حججهم أن السلف قد أثبتوها في المصحف مع الأمر بتجريد القرآن مما ليس منه، ولذا لم يكتبوا " آمين ". فثبت بهذا أن البسملة جزء من الفاتحة ومن كل سورة.وبهذا الرأي قال ابن عباس وابن عمر وأبو هريرة وسعيد بن جبير والشافعي، وأحمد في أحد قوليه.ويرى آخرون أن البسملة ليست آية من الفاتحة ولا من غيرها من السور، وقالوا: إنها آية فذة. من القرآن أنزلت للفصل والتبرك للابتداء بها، ومن حججهم أنها لو كانت آية من الفاتحة ومن كل سورة، لما اختلف الناس في ذلك، ولما اضطربت أقوالهم في كونها آية من كل سورة أو من الفاتحة فقط.وكما وقع الخلاف بين العلماء في كونها آية مستقلة أو آية من كل سورة، فقد وقع الخلاف بينهم - أيضاً - في وجوب قراءتها فى الصلاة، وفي الجهر بها أو الإِسرار إذا قرئت.وتحقيق القول في ذلك مرجعه إلى كتب الفقه، وإلى كتب التفسير التي عنيت بتفسير آيات الأحكام.
23:1
قَدْ اَفْلَحَ الْمُؤْمِنُوْنَۙ(۱)
بیشک مراد کو پہنچے ایمان والے

تمهيد1- سورة «المؤمنون» من السور المكية، وعدد آياتها ثماني عشرة آية ومائة، وكان نزولها بعد سورة الأنبياء.2- وقد افتتحت السورة الكريمة بالحديث عن الصفات الكريمة التي وصف الله- تعالى- بها عباده المؤمنين، فذكر منها أنهم في صلاتهم خاشعون وأنهم للزكاة فاعلون ...ثم ختمت السورة تلك الصفات الجليلة، ببيان ما أعده الخالق- عز وجل- لأصحاب هذه الصفات فقال: أُولئِكَ هُمُ الْوارِثُونَ. الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيها خالِدُونَ.3- ثم تنتقل السورة بعد ذلك إلى الحديث عن أطوار خلق الإنسان، فابتدأت ببيان أصل خلقه، وانتهت ببيان أنه سيموت، ثم سيبعث يوم القيامة ليحاسب على ما قدم وما أخر.قال- تعالى-: وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ طِينٍ ثُمَّ جَعَلْناهُ نُطْفَةً فِي قَرارٍ مَكِينٍ. ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً، فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً، فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظاماً. فَكَسَوْنَا الْعِظامَ لَحْماً. ثُمَّ أَنْشَأْناهُ خَلْقاً آخَرَ، فَتَبارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخالِقِينَ ثُمَّ إِنَّكُمْ بَعْدَ ذلِكَ لَمَيِّتُونَ ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ تُبْعَثُونَ.4- وبعد أن أقام- سبحانه- الأدلة على قدرته على البعث عن طريق خلق الإنسان في تلك الأطوار المتعددة، أتبع ذلك ببيان مظاهر قدرته- تعالى- عن طريق خلق الكائنات المختلفة التي يراها الإنسان ويشاهدها وينتفع بها..فقال- سبحانه-: وَلَقَدْ خَلَقْنا فَوْقَكُمْ سَبْعَ طَرائِقَ وَما كُنَّا عَنِ الْخَلْقِ غافِلِينَ وَأَنْزَلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً بِقَدَرٍ، فَأَسْكَنَّاهُ فِي الْأَرْضِ، وَإِنَّا عَلى ذَهابٍ بِهِ لَقادِرُونَ.5- ثم ساق- سبحانه- بعد ذلك فيما يقرب من ثلاثين آية بعض قصص الأنبياء مع أقوامهم، فذكر جانبا من قصة نوح مع قومه، ومن قصة موسى مع فرعون وقومه.ثم ختم هذه القصص ببيان مظاهر قدرته في خلق عيسى من غير أب، فقال- تعالى-:وَجَعَلْنَا ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ آيَةً، وَآوَيْناهُما إِلى رَبْوَةٍ ذاتِ قَرارٍ وَمَعِينٍ..6- ثم وجه- سبحانه- بعد ذلك نداء عاما إلى الرسل- عليهم الصلاة والسلام- أمرهم فيه بالمواظبة على أكل الحلال الطيب، وعلى المداومة على العمل الصالح، وبين- سبحانه- أن شريعة الأنبياء جميعا هي شريعة واحدة في أصولها وعقائدها، فقال- تعالى-: وَإِنَّ هذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً واحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ.ثم تحدثت السورة الكريمة حديثا طويلا عن موقف المشركين من الدعوة الإسلامية، وبينت مصيرهم يوم القيامة، وردت على شبهاتهم ودعاواهم الفاسدة، ودافعت عن الرسول صلى الله عليه وسلّم وعن دعوته، وختمت هذا الدفاع بما يسلى النبي صلى الله عليه وسلّم ويثبت فؤاده.قال- تعالى-: وَإِنَّكَ لَتَدْعُوهُمْ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ وَإِنَّ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ عَنِ الصِّراطِ لَناكِبُونَ.ثم ساقت السورة الكريمة بعد ذلك ألوانا من الأدلة على وحدانية الله وقدرته، منها ما يتعلق بخلق سمعهم وأبصارهم وأفئدتهم، ومنها ما يتعلق بنشأتهم من الأرض، ومنها ما يتعلق بإشهادهم على أنفسهم بأن خالق هذا الكون هو الله- تعالى-.واستمع إلى قوله- تعالى-: قُلْ لِمَنِ الْأَرْضُ وَمَنْ فِيها إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ سَيَقُولُونَ لِلَّهِ، قُلْ أَفَلا تَذَكَّرُونَ. قُلْ مَنْ رَبُّ السَّماواتِ السَّبْعِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلا تَتَّقُونَ. قُلْ مَنْ بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ يُجِيرُ وَلا يُجارُ عَلَيْهِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ فَأَنَّى تُسْحَرُونَ.9- وبعد هذا الحديث المتنوع عن مظاهر قدرة الله- تعالى-، أمر- سبحانه- نبيه أن يلتجئ إليه من شرورهم ومن شرور الشياطين، وأمره أن يقابل سيئات هؤلاء المشركين بالتي هي أحسن، حتى يقضى الله أمرا كان مفعولا.قال- تعالى-: قُلْ رَبِّ إِمَّا تُرِيَنِّي ما يُوعَدُونَ رَبِّ فَلا تَجْعَلْنِي فِي الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ وَإِنَّا عَلى أَنْ نُرِيَكَ ما نَعِدُهُمْ لَقادِرُونَ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ السَّيِّئَةَ، نَحْنُ أَعْلَمُ بِما يَصِفُونَ وَقُلْ رَبِّ أَعُوذُ بِكَ مِنْ هَمَزاتِ الشَّياطِينِ وَأَعُوذُ بِكَ رَبِّ أَنْ يَحْضُرُونِ.10- ثم صورت السورة الكريمة في أواخرها أحوال المشركين عند ما يدركهم الموت، وكيف أنهم يتمنون العودة إلى الدنيا ولكن هذا التمني لا يفيدهم شيئا، وكيف يوبخهم- سبحانه- على سخريتهم من المؤمنين في الدنيا.قال- تعالى-: إِنَّهُ كانَ فَرِيقٌ مِنْ عِبادِي يَقُولُونَ، رَبَّنا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنا وَارْحَمْنا وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ فَاتَّخَذْتُمُوهُمْ سِخْرِيًّا حَتَّى أَنْسَوْكُمْ ذِكْرِي وَكُنْتُمْ مِنْهُمْ تَضْحَكُونَ إِنِّي جَزَيْتُهُمُ الْيَوْمَ بِما صَبَرُوا أَنَّهُمْ هُمُ الْفائِزُونَ.11- ثم ختمت السورة الكريمة بهذه الآية التي يأمر الله- تعالى- فيها نبيه صلى الله عليه وسلّم بالمواظبة على طلب المزيد من رحمته ومغفرته- سبحانه- فقال- تعالى-: وَقُلْ رَبِّ اغْفِرْ وَارْحَمْ وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ.12- وهكذا نرى سورة «المؤمنون» قد طوفت بنا في آفاق من شأنها أن تغرس الإيمان في القلوب، وأن تهدى النفوس إلى ما يسعدها في دينها ودنياها.وصلى الله على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه وسلم.أخرج الإمام أحمد والترمذى والنسائى عن عمر بن الخطاب - رضى الله عنه - قال : كان إذا نزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم الوحى ، نسمع عند وجهه كدوى النحل ، فأنزل عليه يوماً ، فمكثنا ساعة فسرى عنه ، فاستقبل القبلة ، فرفع يديه فقال : " اللهم زدنا ولا تنقصنا ، وأكرمنا ولا تهنا ، وأعطنا ولا تحرمنا ، وآثرنا ولا تؤثر علينا ، وارض عنا وأرضنا " .ثم قال : لقد أنزلت على عشر آيات ، من أقامهن دخل الجنة ، ثم قرأ : ( قَدْ أَفْلَحَ المؤمنون ) إلى قوله : ( هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ) .وأخرج النسائى عن يزيد بن بابنوس قال : قلنا لعائشة : يا أم المؤمنين ، كيف كان خلق رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ فقالت : كان خلقه القرآن ، ثم قرأت : ( قَدْ أَفْلَحَ المؤمنون ) حتى انتهت إلى قوله - تعالى - : ( والذين هُمْ على صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ ) وقالت : هكذا كان خلق رسول الله صلى الله عليه وسلم .والفلاح : الظفر بالمراد ، وإدراك المأمول من الخير والبر مع البقاء فيه .
23:2
الَّذِیْنَ هُمْ فِیْ صَلَاتِهِمْ خٰشِعُوْنَۙ(۲)
جو اپنی نماز میں گڑگڑاتے ہیں (ف۲)

والخشوع: السكون والطمأنينة، ومعناه شرعا: خشية في القلب من الله- تعالى- تظهر آثارها على الجوارح فتجعلها ساكنة مستشعرة أنها واقفة بين يدي الله- سبحانه-.والمعنى: قد فاز وظفر بالمطلوب، أولئك المؤمنون الصادقون، الذين من صفاتهم أنهم في صلاتهم خاشعون، بحيث لا يشغلهم شيء وهم في الصلاة عن مناجاة ربهم. وعن أدائها بأسمى درجات التذلل والطاعة.ومن مظاهر الخشوع: أن ينظر المصلى وهو قائم إلى موضع سجوده، وأن يتحلى بالسكون والطمأنينة، وأن يترك كل ما يخل بخشوعها كالعبث بالثياب أو بشيء من جسده، فقد أبصر النبي صلّى الله عليه وسلّم رجلا يعبث بلحيته في الصلاة فقال: «لو خشع قلب هذا لخشعت جوارحه» .قال القرطبي: «اختلف الناس في الخشوع هل هو من فرائض الصلاة أو مكملاتها على قولين، والصحيح الأول ومحله القلب، وهو أول عمل يرفع من الناس ... » .
23:3
وَ الَّذِیْنَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُوْنَۙ(۳)
اور وہ جو کسی بیہودہ بات کی طرف التفات نہیں کرتے (ف۳)

وقوله- سبحانه-: وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ بيان لصفة ثانية من صفات هؤلاء المؤمنين.واللغو: ما لا فائدة فيه من الأقوال والأعمال. فيدخل فيه اللهو والهزل وكل ما يخل بالمروءة وبآداب الإسلام.أى: أن صفات هؤلاء المؤمنين أنهم ينزهون أنفسهم عن الباطل والساقط من القول أو الفعل، ويعرضون عن ذلك في كل أوقاتهم لأنهم لحسن صلتهم بالله- تعالى- اشتغلوا بعظائم الأمور وجليلها: لا بحقيرها وسفسافها، وهم كما وصفهم الله- سبحانه- في آية أخرى: وَإِذا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ وَإِذا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِراماً
23:4
وَ الَّذِیْنَ هُمْ لِلزَّكٰوةِ فٰعِلُوْنَۙ(۴)
اور وہ کہ زکوٰة دینے کا کام کرتے ہیں (ف۴)

أما الصفة الثالثة من صفاتهم فقد بينها- سبحانه- بقوله: وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكاةِ فاعِلُونَ.ويرى أكثر العلماء: أن المراد بالزكاة هنا: زكاة الأموال. قالوا: لأن أصل الزكاة فرض بمكة قبل الهجرة، وما فرض بعد ذلك في السنة الثانية من الهجرة هو مقاديرها، ومصارفها، وتفاصيل أحكامها أى: أن من صفات هؤلاء المؤمنين أنهم يخرجون زكاة أموالهم عن طيب نفس.ويرى بعض العلماء: أن المراد بالزكاة هنا: زكاة النفس. أى: تطهيرها من الآثام والمعاصي. فهي كقوله- تعالى- قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاها وَقَدْ خابَ مَنْ دَسَّاها .أى: أن من صفات هؤلاء المؤمنين، أنهم يفعلون ما يطهر نفوسهم ويزكيها.قال ابن كثير رحمه الله: ويحتمل أن يكون كلا الأمرين مرادا، وهو زكاة النفوس وزكاة الأموال، فإنه من جملة زكاة النفوس، والمؤمن الكامل هو الذي يتعاطى هذا وهذا»
23:5
وَ الَّذِیْنَ هُمْ لِفُرُوْجِهِمْ حٰفِظُوْنَۙ(۵)
اور وہ جو اپنی شرمگاہوں کی حفاظت کرتے ہیں،

ثم بين- سبحانه- الصفة الرابعة من صفاتهم فقال: وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حافِظُونَ إِلَّا عَلى أَزْواجِهِمْ أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُمْ، فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ.أى: أن من صفات هؤلاء المؤمنين- أيضا- أنهم أعفاء ممسكون لشهواتهم لا يستعملونها إلا مع زوجاتهم التي أحلها الله- تعالى- لهم، أو مع ما ملكت أيمانهم من الإماء والسراري، وذلك لأن من شأن الأمة المؤمنة إيمانا حقّا، أن تصان فيها الأعراض، وأن يحافظ فيها على الأنساب، وأن توضع فيها الشهوات في مواضعها التي شرعها الله- تعالى- وأن يغض فيها الرجال أبصارهم والنساء أبصارهن عن كل ما هو قبيح..وما وجدت أمة انتشرت فيها الفاحشة، كالزنا واللواط وما يشبههما، إلا وكان أمرها فرطا، وعاقبتها خسرا، إذ فاحشة الزنا تؤدى إلى ضياع الأنساب، وانتشار الأمراض، وفساد النفوس من كل قيمة خلقية مقبولة.وفاحشة اللواط وما يشبهها تؤدى إلى شيوع الفاحشة في الأمة، وإلى تحول من يأتى تلك الفاحشة من أفرادها إلى مخلوقات منكوسة، تؤثر الرذيلة على الفضيلة.وجملة: فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ تعليل للاستثناء.أى: هم حافظون لفروجهم، فلا يستعملون شهواتهم إلا مع أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم، فإنهم غير مؤاخذين على ذلك، لأن معاشرة الأزواج أو ما ملكت الأيمان، مما أحله الله تعالى.
23:6
اِلَّا عَلٰۤى اَزْوَاجِهِمْ اَوْ مَا مَلَكَتْ اَیْمَانُهُمْ فَاِنَّهُمْ غَیْرُ مَلُوْمِیْنَۚ(۶)
مگر اپنی بیبیوں یا شرعی باندیوں پر جو ان کے ہاتھ کی مِلک ہیں کہ ان پر کوئی ملامت نہیں (ف۵)

ثم بين- سبحانه- الصفة الرابعة من صفاتهم فقال: وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حافِظُونَ إِلَّا عَلى أَزْواجِهِمْ أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُمْ، فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ.أى: أن من صفات هؤلاء المؤمنين- أيضا- أنهم أعفاء ممسكون لشهواتهم لا يستعملونها إلا مع زوجاتهم التي أحلها الله- تعالى- لهم، أو مع ما ملكت أيمانهم من الإماء والسراري، وذلك لأن من شأن الأمة المؤمنة إيمانا حقّا، أن تصان فيها الأعراض، وأن يحافظ فيها على الأنساب، وأن توضع فيها الشهوات في مواضعها التي شرعها الله- تعالى- وأن يغض فيها الرجال أبصارهم والنساء أبصارهن عن كل ما هو قبيح..وما وجدت أمة انتشرت فيها الفاحشة، كالزنا واللواط وما يشبههما، إلا وكان أمرها فرطا، وعاقبتها خسرا، إذ فاحشة الزنا تؤدى إلى ضياع الأنساب، وانتشار الأمراض، وفساد النفوس من كل قيمة خلقية مقبولة.وفاحشة اللواط وما يشبهها تؤدى إلى شيوع الفاحشة في الأمة، وإلى تحول من يأتى تلك الفاحشة من أفرادها إلى مخلوقات منكوسة، تؤثر الرذيلة على الفضيلة.وجملة: فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ تعليل للاستثناء.أى: هم حافظون لفروجهم، فلا يستعملون شهواتهم إلا مع أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم، فإنهم غير مؤاخذين على ذلك، لأن معاشرة الأزواج أو ما ملكت الأيمان، مما أحله الله تعالى.
23:7
فَمَنِ ابْتَغٰى وَرَآءَ ذٰلِكَ فَاُولٰٓىٕكَ هُمُ الْعٰدُوْنَۚ(۷)
تو جو ان دو کے سوا کچھ اور چاہے وہی حد سے بڑھنے والے ہیں(ف۶)

وقوله فَمَنِ ابْتَغى وَراءَ ذلِكَ أى: فمن طلب خلاف ذلك الذي أحله الله- تعالى- فَأُولئِكَ هُمُ العادُونَ أى: المعتدون المتجاوزون حدوده- سبحانه-، الوالغون في الحرام الذي نهى الله- تعالى- عنه. يقال: عدا فلان الشيء يعدوه عدوا، إذا جاوزه وتركه.
23:8
وَ الَّذِیْنَ هُمْ لِاَمٰنٰتِهِمْ وَ عَهْدِهِمْ رٰعُوْنَۙ(۸)
اور وہ جو اپنی امانتوں اور اپنے عہد کی رعایت کرتے ہیں (ف۷)

أما الصفة الخامسة من صفات هؤلاء المفلحين، فقد عبر عنها- سبحانه- بقوله:وَالَّذِينَ هُمْ لِأَماناتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ راعُونَ.والأمانات: جمع أمانة، وتشمل كل ما استودعك الله- تعالى- إياه، وأمرك بحفظه.فتشمل جميع التكاليف التي كلفنا الله بأدائها كما تشمل الأموال المودعة، والأيمان والنذور والعقود وما يشبه ذلك.والعهود: جمع عهد. ويتناول كل ما طلب منك الوفاء به من حقوق الله- تعالى- وحقوق الناس.قال القرطبي: والأمانة والعهد يجمع كل ما يحمله الإنسان من أمر دينه ودنياه، قولا وفعلا، وهذا يعم معاشرة الناس والمواعيد وغير ذلك. وغاية ذلك حفظه والقيام به. والأمانة أعم من العهد وكل عهد فهو أمانة فيما تقدم فيه قول أو فعل أو معتقد» .وراعون: من الرعي بمعنى الحفظ يقال: رعى الأمير رعيته رعاية، إذا حفظها واهتم بشئونها.أى: أن من صفات هؤلاء المفلحين. أنهم يقومون بحفظ ما ائتمنوا عليه من أمانات، ويوفون بعهودهم مع الله- تعالى- ومع الناس، ويؤدون ما كلفوا بأدائه بدون تقصير أو تقاعس.وذلك لأنه لا تستقيم حياة أمة من الأمم. إلا إذا أديت فيها الأمانات، وحفظت فيها العهود، واطمأن فيها كل صاحب حق إلى وصول هذا الحق إليه.
23:9
وَ الَّذِیْنَ هُمْ عَلٰى صَلَوٰتِهِمْ یُحَافِظُوْنَۘ(۹)
اور وہ جو اپنی نمازوں کی نگہبانی کرتے ہیں (ف۸)

أما الصفة السادسة والأخيرة من صفات هؤلاء المؤمنين الصادقين، فهي قوله- تعالى- وَالَّذِينَ هُمْ عَلى صَلَواتِهِمْ يُحافِظُونَ.أى: أن من صفاتهم أنهم يحافظون على الصلوات التي أمرهم الله بأدائها محافظة تامة، بأن يؤدوها في أوقاتها كاملة الأركان والسنن والآداب والخشوع، ولقد بدأ- سبحانه- صفات المؤمنين المفلحين بالخشوع في الصلاة وختمها بالمحافظة عليها للدلالة على عظم مكانتها، وسمو منزلتها.وبعد أن بين- سبحانه- تلك الصفات الكريمة التي تحلى بها أولئك المؤمنون المفلحون، وهي صفات تمثل الكمال الإنسانى في أنقى صوره.
23:10
اُولٰٓىٕكَ هُمُ الْوٰرِثُوْنَۙ(۱۰)
یہی لوگ وارث ہیں،

بعد ذلك بين- سبحانه- ما أعد لهم من حسن الثواب فقال: أُولئِكَ هُمُ الْوارِثُونَ، الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيها خالِدُونَ.والفردوس: أعلى الجنات وأفضلها وهو لفظ عربي يجمع على فراديس.وقيل: هو لفظ معرب معناه: الذي يجمع ما في البساتين من ثمرات.وفي صحيح مسلم عن النبي صلّى الله عليه وسلّم أنه قال: «إذا سألتم الله فسلوه الفردوس، فإنه أوسط الجنة، وأعلى الجنة، ومنه تفجر أنهار الجنة» .أى: أولئك الموصوفون بتلك الصفات الجليلة، هم الجديرون بالفلاح فإنهم يرثون أعلى الجنات وأفضلها، وهم فيها خالدون خلودا أبديّا لا يمسهم فيها نصب، ولا يمسهم فيها لغوب.
23:11
الَّذِیْنَ یَرِثُوْنَ الْفِرْدَوْسَؕ-هُمْ فِیْهَا خٰلِدُوْنَ(۱۱)
کہ فردوس کی میراث پائیں گے، وہ اس میں ہمیشہ رہیں گے،

وعبر- سبحانه- عن حلولهم في الجنة بقوله يَرِثُونَ للإشعار بأن هذا النعيم الذي نزلوا به، قد استحقوه بسبب أعمالهم الصالحة، كما يملك الوارث ما ورثه عن غيره. ومن المعروف أن ما يملكه الإنسان عن طريق الميراث يعتبر أقوى أسباب الملك.وشبيه بهذه الآية قوله- تعالى-: وَتِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي أُورِثْتُمُوها بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ .وقوله- سبحانه-: وَنُودُوا أَنْ تِلْكُمُ الْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوها بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ .وحذف مفعول اسم الفاعل الذي هو الْوارِثُونَ لدلالة قوله: الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ عليه.وبذلك نرى الآيات الكريمة قد مدحت المؤمنين الصادقين مدحا عظيما ووعدتهم بالفوز بأعلى الجنات وأفضلها، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم.وبعد الحديث عن صفات المؤمنين المفلحين، انتقلت السورة إلى الحديث عن أطوار خلق الإنسان، وأطوار نموه، ونهاية حياته، وبعثه للحساب يوم القيامة، فقال- تعالى-:
23:12
وَ لَقَدْ خَلَقْنَا الْاِنْسَانَ مِنْ سُلٰلَةٍ مِّنْ طِیْنٍۚ(۱۲)
اور بیشک ہم نے آدمی کو چنی ہوئی (انتخاب کی) مٹی سے بنایا، (ف۹)

والمراد بالإنسان هنا: آدم- عليه السلام-.والسلالة: اسم لما سلّ من الشيء واستخرج منه. تقول: سللت الشعرة من العجين، إذا استخرجتها منه. ويقال: الولد سلالة أبيه. أى كأنه انسل من ظهر أبيه.والمعنى: ولقد خلقنا أباكم آدم من جزء مستخرج من الطين.والتعبير بسلالة يشعر بالقلة، إذ لفظ الفعالة يدل على ذلك، كقلامة الظفر، ونحاتة الحجر، وهي ما يتساقط عند النحت.و «من» في الموضعين: ابتدائية إلا أن الأولى متعلقة «بخلقنا» والثانية متعلقة بسلالة بمعنى مسلولة من الطين.
23:13
ثُمَّ جَعَلْنٰهُ نُطْفَةً فِیْ قَرَارٍ مَّكِیْنٍ۪(۱۳)
پھر اسے (ف۱۰) پانی کی بوند کیا ایک مضبوط ٹھہراؤ میں (ف۱۱)

والضمير المنصوب في قوله ثُمَّ جَعَلْناهُ نُطْفَةً فِي قَرارٍ مَكِينٍ يعود على النوع الإنسانى المتناسل من آدم- عليه السلام-.وأصل النطفة: الماء الصافي. أو القليل من الماء الذي يبقى في الدلو أو القربة، وجمعها نطف ونطاف. يقال: نطفت القربة، إذا تقاطر ماؤها بقلة.والمراد بها هنا: المنى الذي يخرج من الرجل، ويصب في رحم المرأة.والمعنى: لقد خلقنا أباكم آدم بقدرتنا من سلالة من طين، ثم خلقنا ذريته بقدرتنا- أيضا- من منى يخرج من الرجل فيصب في قرار مكين، أى: في مستقر ثابت ثبوتا مكينا، وهو رحم المرأة.قال القرطبي: «قوله- تعالى-: وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ: الإنسان هو آدم- عليه السلام- لأنه استل من الطين. ويجيء الضمير في قوله ثُمَّ جَعَلْناهُ عائدا على ابن آدم، وإن كان لم يذكر لشهرة الأمر، فإن المعنى لا يصلح إلا له ... » .وشبيه بهاتين الآيتين قوله- تعالى-: ذلِكَ عالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ. الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ وَبَدَأَ خَلْقَ الْإِنْسانِ مِنْ طِينٍ. ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ ماءٍ مَهِينٍ.. .وقوله- سبحانه-: أَلَمْ نَخْلُقْكُمْ مِنْ ماءٍ مَهِينٍ. فَجَعَلْناهُ فِي قَرارٍ مَكِينٍ. إِلى قَدَرٍ مَعْلُومٍ. فَقَدَرْنا فَنِعْمَ الْقادِرُونَ. وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ.
23:14
ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظٰمًا فَكَسَوْنَا الْعِظٰمَ لَحْمًاۗ-ثُمَّ اَنْشَاْنٰهُ خَلْقًا اٰخَرَؕ-فَتَبٰرَكَ اللّٰهُ اَحْسَنُ الْخٰلِقِیْنَؕ(۱۴)
پھر ہم نے اس پانی کی بوند کو خون کی پھٹک کیا پھر خون کی پھٹک کو گوشت کی بوٹی پھر گوشت کی بوٹی کو ہڈیاں پھر ان ہڈیوں پر گوشت پہنایا، پھر اسے اور صورت میں اٹھان دی (ف۱۲) تو بڑی برکت والا ہے اللہ سب سے بہتر بتانے والا،

ثم بين- سبحانه- أطوارا أخرى لخلق الإنسان تدل على كمال قدرته- تعالى- فقال:ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً أى: ثم صيرنا النطفة البيضاء، علقة حمراء إذ العلقة عبارة عن الدم الجامد.فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً أى: جعلنا بقدرتنا هذه العلقة قطعة من اللحم، تشبه في صغرها قطعة اللحم التي يمضغها الإنسان في فمه.فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظاماً أى: حولنا هذه المضغة من اللحم التي لم تظهر معالمها بعد، إلى عظم صغير دقيق، على حسب ما اقتضته حكمتنا في خلقنا.فَكَسَوْنَا الْعِظامَ لَحْماً أى: فكسونا هذه المضغة التي تحولت بقدرتنا إلى عظام دقيقة باللحم، بحيث صار هذا اللحم ساترا للعظام ومحيطا بها.قال بعض العلماء: «وهنا يقف الإنسان مدهوشا، أمام ما كشف عنه القرآن من حقيقة في تكوين الجنين، لم تعرف على وجه الدقة إلا أخيرا، بعد تقدم علم الأجنة التشريحى» .ذلك أن خلايا العظام غير خلايا اللحم وقد ثبت أن خلايا العظام هي التي تكون أولا من الجنين، ولا تشاهد خلية واحدة من خلايا اللحم إلا بعد ظهور خلايا الهيكل العظمى للجنين.وهي التي يسجلها النص القرآنى في قوله- تعالى-: فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظاماً، فَكَسَوْنَا الْعِظامَ لَحْماً فسبحانه العليم الخبير .وقوله- تعالى-: ثُمَّ أَنْشَأْناهُ خَلْقاً آخَرَ بيان لما انتهت إليه أطوار خلق الإنسان.أى: ثم صيرنا هذا الإنسان بشرا سويّا، بعد أن كان نطفة، فعلقة، فمضغة، فعظاما، فلحما يكسو هذه العظام، وهذا كله يدل على كمال قدرة الله- تعالى- وعلى أنه حق، إذ قدرته- سبحانه- لا يعجزها شيء.قال صاحب الكشاف: «قوله- تعالى-: ثُمَّ أَنْشَأْناهُ خَلْقاً آخَرَ، أى: خلقا مباينا للخلق الأول مباينة ما أبعدها، حيث جعله حيوانا بعد أن كان جمادا، وناطقا وكان أبكم، وسميعا وكان أصم وبصيرا وكان أكمه، وأودع باطنه وظاهره- بل كل عضو من أعضائه بل كل جزء من أجزائه- عجائب فطرته، وغرائب حكمته، لا تدرك بوصف الواصف، ولا تبلغ بشرح الشارح ... » .فَتَبارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخالِقِينَ أى: فكثر خيره- سبحانه- ودام إحسانه وتقدس شأنه، فهو- عز وجل- أحسن الخالقين على الإطلاق، فقد أتقن كل شيء خلقه، وأحكم كل شيء صنعه.ولفظ «تبارك» فعل ماض لا ينصرف، والأكثر إسناده إلى غير مؤنث.وهو مأخوذ من البركة بمعنى الكثرة من كل خير، أو بمعنى الثبات والدوام وكل شيء دام وثبت فقد برك.
23:15
ثُمَّ اِنَّكُمْ بَعْدَ ذٰلِكَ لَمَیِّتُوْنَؕ(۱۵)
پھر اس کے بعد تم ضرور (ف۱۳) مرنے والے ہو،

ثم بين- سبحانه- حالهم بعد أن يكونوا خلقا آخر فقال: ثُمَّ إِنَّكُمْ بَعْدَ ذلِكَ لَمَيِّتُونَ. ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ تُبْعَثُونَ.أى: ثم إنكم بعد ذلك الذي ذكره- سبحانه- لكم من أطوار خلقكم تصيرون أطفالا، فصبيانا فغلمانا، فشبانا، فكهولا، فشيوخا.. ثم مصيركم بعد ذلك كله، أو خلال ذلك كله، إلى الموت المحتوم الذي لا مفر لكم منه، ولا مهرب لكم عنه. ثم إنكم يوم القيامة تبعثون من قبوركم للحساب والجزاء.وهكذا نجد هذه الآيات الكريمة تذكر الإنسان بأطوار نشأته. وبحلقات حياته: وبنهاية عمره. وبحتمية بعثه.وفي هذا التذكير ما فيه من الاعتبار للمعتبرين، ومن الاتعاظ للمتعظين، ومن البراهين الساطعة على وحدانية الله- تعالى-.
23:16
ثُمَّ اِنَّكُمْ یَوْمَ الْقِیٰمَةِ تُبْعَثُوْنَ(۱۶)
پھر تم سب قیامت کے دن (ف۱۴) اٹھائے جاؤ گے،

ثم إنكم يوم القيامة تبعثون من قبوركم للحساب والجزاء .وهكذا نجد هذه الآيات الكريمة تذكر الإنسان بأطوار نشأته . وبحلقات حياته : وبنهاية عمره . وبحتمية بعثه .وفى هذا التذكير ما فيه من الاعتبار للمعتبرين ، ومن الاتعاظ للمتعظين ، ومن البراهين الساطعة على وحدانية الله - تعالى - .
23:17
وَ لَقَدْ خَلَقْنَا فَوْقَكُمْ سَبْعَ طَرَآىٕقَ ﳓ وَ مَا كُنَّا عَنِ الْخَلْقِ غٰفِلِیْنَ(۱۷)
اور بیشک ہم نے تمہارے اوپر سات راہیں بنائیں (ف۱۵) اور ہم خلق سے بے خبر نہیں (ف۱۶)

والطرائق: جمع طريقة، والمراد بها السموات السبع. وسميت طرائق لأن كل سماء فوق الأخرى، والعرب تسمى كل شيء فوق شيء طريقة بمعنى مطروقة.وهو مأخوذ من قولهم: فلان طرق النعل، إذا ركب بعضها فوق بعض.فالآية الكريمة في معنى قوله- تعالى-: الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَماواتٍ طِباقاً.وقيل: سميت طرائق، لأنها طرق الملائكة في النزول والعروج.أى: ولقد خلقنا فوقكم- أيها الناس- سبع سموات بعضها فوق بعض وَما كُنَّا في وقت من الأوقات عَنِ الْخَلْقِ غافِلِينَ بل نحن معهم بقدرتنا ورعايتنا وحفظنا، ندبر لهم أمور معاشهم، ونيسر لهم شئون حياتهم دون أن نغفل عن شيء- مهما صغر- من أحوالهم، لأننا لا تأخذنا سنة ولا نوم، ولا يعترينا ما يعترى البشر من سهو أو غفلة.
23:18
وَ اَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَآءِ مَآءًۢ بِقَدَرٍ فَاَسْكَنّٰهُ فِی الْاَرْضِ ﳓ وَ اِنَّا عَلٰى ذَهَابٍۭ بِهٖ لَقٰدِرُوْنَۚ(۱۸)
اور ہم نے آسمان سے پانی اتارا (ف۱۷) ایک اندازہ پر (ف۱۸) پھر اسے زمین میں ٹھہرایا اور بیشک ہم اس کے لے جانے پر قادر ہیں (ف۱۹)

ثم بين- سبحانه- بعض النعم التي تأتينا من جهة هذه الطرائق فقال: وَأَنْزَلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً بِقَدَرٍ فَأَسْكَنَّاهُ فِي الْأَرْضِ ...أى: وأنزلنا لكم- أيها الناس- بقدرتنا ورحمتنا، ماء بقدر. أى: أنزلناه بمقدار معين، بحيث لا يكون طوفانا فيغرقكم، ولا يكون قليلا فيحصل لكم الجدب والجوع والعطش.وإنما أنزلناه بتقدير مناسب لجلب المنافع، ودفع المضار، كما قال- سبحانه- في آية أخرى: ... وَما نُنَزِّلُهُ إِلَّا بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ .وقوله: فَأَسْكَنَّاهُ فِي الْأَرْضِ أى: هذا الماء النازل من السماء بتقدير معين منا تقتضيه حكمتنا، جعلناه ساكنا مستقرا في الأرض، لتنعموا به عن طريق استخراجه من الآبار والعيون وغيرها.وفي هذه الجملة الكريمة إشارة إلى أن المياه الجوفية الموجودة في باطن الأرض، مستمدة من المياه النازلة من السحاب عن طريق المطر.وهذا ما قررته النظريات العلمية الحديثة بعد مئات السنين من نزول القرآن الكريم. وبعد أن بقي العلماء دهورا طويلة، يظنون أن المياه التي في جوف الأرض، لا علاقة لها بالمياه النازلة على الأرض عن طريق المطر.وقوله- سبحانه-: وَإِنَّا عَلى ذَهابٍ بِهِ لَقادِرُونَ بيان لمظهر من مظاهر قدرته ورأفته ورحمته- تعالى- بعباده.أى: وإنا على إذهاب هذا الماء الذي أسكناه في باطن الأرض لقادرون، بأن نجعله يتسرب إلى أسفل طبقات الأرض فلا تستطيعون الوصول إليه، أو بأن نزيله من الأرض إزالة تامة، لأن القادر على إنزاله قادر على إزالته وإذهابه، ولكنا لم نفعل ذلك رحمة بكم، وشفقة عليكم، فاشكرونا على نعمنا وضعوها في مواضعها الصحيحة.قال صاحب الكشاف: «قوله: عَلى ذَهابٍ بِهِ من أوقع النكرات وأحزها للمفصل.والمعنى: على وجه من وجوه الذهاب به، وطريق من طرقه، وفيه إيذان باقتدار المذهب، وأنه لا يتعايى عليه شيء إذا أراده، وهو أبلغ في الإبعاد، من قوله: قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ ماؤُكُمْ غَوْراً فَمَنْ يَأْتِيكُمْ بِماءٍ مَعِينٍ.فعلى العباد أن يستعظموا النعمة في الماء. ويقيدوها بالشكر الدائم، ويخافوا نفارها إذا لم تشكر.وشبيه بهذه الآية قوله- تعالى-: أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَسَلَكَهُ يَنابِيعَ فِي الْأَرْضِ. ثُمَّ يُخْرِجُ بِهِ زَرْعاً مُخْتَلِفاً أَلْوانُهُ ....
23:19
فَاَنْشَاْنَا لَكُمْ بِهٖ جَنّٰتٍ مِّنْ نَّخِیْلٍ وَّ اَعْنَابٍۘ-لَكُمْ فِیْهَا فَوَاكِهُ كَثِیْرَةٌ وَّ مِنْهَا تَاْكُلُوْنَۙ(۱۹)
تو اس سے ہم نے تمہارے باغ پیدا کیے کھجوروں اور انگوروں کے تمہارے لیے ان میں بہت سے میوے ہیں (ف۲۰) اور ان میں سے کھاتے ہو (ف۲۱)

ثم بين- سبحانه- الآثار الجليلة المترتبة على إنزال الماء من السماء فقال: فَأَنْشَأْنا لَكُمْ بِهِ جَنَّاتٍ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنابٍ ...أى: فأوجدنا لكم بسبب نزول الماء على الأرض بساتين متنوعة، بعضها من نخيل، وبعضها من أعناب، وبعضها منهما معا، وبعضها من غيرهما.وخص النخيل والأعناب بالذكر، لكثرة منافعهما، وانتشارهما في الجزيرة العربية، أكثر من غيرهما.لَكُمْ فِيها أى: في تلك الجنات فَواكِهُ كَثِيرَةٌ تتلذذون بها في مأكلكم وَمِنْها. أى: ومن هذه البساتين والجنات تَأْكُلُونَ ما تريدون أكله منها في كل الأوقات.
23:20
وَ شَجَرَةً تَخْرُ جُ مِنْ طُوْرِ سَیْنَآءَ تَنْۢبُتُ بِالدُّهْنِ وَ صِبْغٍ لِّلْاٰكِلِیْنَ(۲۰)
اور وہ پیڑ پیدا کیا کہ طور سینا سے نکلتا ہے (ف۲۲) لے کر اگتا ہے تیل اور کھانے والوں کے لیے سالن (ف۲۳)

والمراد بالشجرة في قوله- تعالى- بعد ذلك: وَشَجَرَةً تَخْرُجُ مِنْ طُورِ سَيْناءَ ... ،شجرة الزيتون. وهي معطوفة على «جنات» من عطف الخاص على العام.أى: فأنشأنا لكم بسبب هذا الماء النازل من السماء، جنات، وأنشأنا لكم بسببه- أيضا- شجرة مباركة تخرج من هذا الوادي المقدس الذي كلم الله- تعالى- عليه موسى- عليه السلام- وهو المعروف بطور سيناء. أى: بالجبل المسمى بهذا الاسم في منطقة سيناء، ومكانها معروف.قالوا: وكلمة سيناء- بفتح السين والمد على الراجح- معناها: الحسن باللغة النبطية.أو معناها: الجبل المليء بالأشجار. وقيل: مأخوذة من السنا بمعنى الارتفاع.وخصت شجرة الزيتون بالذكر: لأنها من أكثر الأشجار فائدة بزيتها وطعامها وخشبها، ومن أقل الأشجار- أيضا- تكلفة لزارعها.وخص طور سيناء بإنباتها فيه، مع أنها تنبت منه ومن غيره، لأنها أكثر ما تكون انتشارا في تلك الأماكن، أو لأن منبتها الأصلى كان في هذا المكان، ثم انتقلت منه إلى غيره من الأماكن.وقوله: تَنْبُتُ بِالدُّهْنِ وَصِبْغٍ لِلْآكِلِينَ بيان لمنافع هذه الشجرة على سبيل المدح، والتعليل لإفرادها بالذكر.والدهن: عصارة كل شيء ذي دسم. والمراد به هنا: زيت الزيتون.وقراءة الجمهور: تَنْبُتُ- بفتح التاء وضم الباء- على أنه مضارع نبت الثلاثي.فيكون المعنى: هذه الشجرة من مزاياها أنها تنبت مصحوبة وملتبسة بالدهن الذي يستخرج من زيتونها. فالباء في قوله بِالدُّهْنِ للمصاحبة والملابسة، كما تقول: خرج فلان بسلاحه. أى: مصاحبا له.وقرأ ابن كثير وأبو عمرو: تنبت- بضم التاء وكسر الباء- من أنبت بمعنى نبت. أو:من أنبت المتعدى بالهمزة، كأنبت الله الزرع. والتقدير: تنبت ثمارها مصحوبة بالدهن.والصبغ في الأصل: يطلق على الشيء الذي يصبغ به الثوب. والمراد به هنا: الإدام لأنه يصبغ الخبز، ويجعله كأنه مصبوغ به.أى: أن من فوائد هذه الشجرة المباركة أنها يتخذ منها الزيت الذي ينتفع به، والإدام الذي يحلو معه أكل الخبز والطعام.روى الإمام أحمد عن مالك بن ربيعة الساعدي، أن رسول الله صلى الله عليه وسلّم قال: «كلوا الزيت وادهنوا به فإنه من شجرة مباركة» .
23:21
وَ اِنَّ لَكُمْ فِی الْاَنْعَامِ لَعِبْرَةًؕ-نُسْقِیْكُمْ مِّمَّا فِیْ بُطُوْنِهَا وَ لَكُمْ فِیْهَا مَنَافِعُ كَثِیْرَةٌ وَّ مِنْهَا تَاْكُلُوْنَۙ(۲۱)
اور بیشک تمہارے لیے چوپایوں میں سمجھنے کا مقام ہے، ہم تمہیں پلاتے ہیں اس میں سے جو ان کے پیٹ میں ہے (ف۲۴) اور تمہارے لیے ان میں بہت فائدے ہیں (ف۲۵) اور ان سے تمہاری خوراک ہے (ف۲۶)

وبعد أن بين- سبحانه- جانبا من مظاهر نعمه في الماء والنبات أتبع ذلك ببيان جانب آخر من نعمه في الأنعام والحيوان. فقال: وَإِنَّ لَكُمْ فِي الْأَنْعامِ لَعِبْرَةً ...والأنعام: تطلق على الإبل والبقر والغنم. وقد تطلق على الإبل خاصة.والعبرة: اسم من الاعتبار، وهو الحالة التي تجعل الإنسان يعتبر ويتعظ بما يراه ويسمعه.أى: وإن لكم- أيها الناس- فيما خلق الله لكم من الأنعام لعبرة وعظة، تجعلكم تخلصون العبادة لله- تعالى- وتشكرونه على آلائه.وقوله- سبحانه-: نُسْقِيكُمْ مِمَّا فِي بُطُونِها، وَلَكُمْ فِيها مَنافِعُ كَثِيرَةٌ وَمِنْها تَأْكُلُونَ.... بيان لمواطن العبرة، وتعريف بأوجه النعمة.أى: نسقيكم مما في بطونها من ألبان خالصة، تخرج من بين فرث ودم، ولكم في هذه الأنعام منافع كثيرة، كأصوافها وأوبارها وأشعارها، ومنها تأكلون من لحومها، ومما يستخرج من ألبانها.
23:22
وَ عَلَیْهَا وَ عَلَى الْفُلْكِ تُحْمَلُوْنَ۠(۲۲)
اور ان پر (ف۲۷) اور کشتی پر (ف۲۸) سوار کیے جاتے ہو،

عَلَيْهاأى: وعلى هذه الأنعام، والمراد بها هنا: الإبل خاصة عَلَى الْفُلْكِأى: السفن التي تجرى في البحرحْمَلُونَبقدرتنا ومنتنا، حيث تحمل هذه الإبل وتلك لسفن أثقالكم إلى بلد لم تكونوا بالغيه إلا بشق الأنفس ...وقريب من هاتين الآيتين في المعنى قوله- تعالى-: أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا خَلَقْنا لَهُمْ مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينا أَنْعاماً فَهُمْ لَها مالِكُونَ وَذَلَّلْناها لَهُمْ فَمِنْها رَكُوبُهُمْ وَمِنْها يَأْكُلُونَ وَلَهُمْ فِيها مَنافِعُ وَمَشارِبُ أَفَلا يَشْكُرُونَ.وقوله- سبحانه-: وَالَّذِي خَلَقَ الْأَزْواجَ كُلَّها، وَجَعَلَ لَكُمْ مِنَ الْفُلْكِ وَالْأَنْعامِ ما تَرْكَبُونَ لِتَسْتَوُوا عَلى ظُهُورِهِ ثُمَّ تَذْكُرُوا نِعْمَةَ رَبِّكُمْ إِذَا اسْتَوَيْتُمْ عَلَيْهِ، وَتَقُولُوا سُبْحانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنا هذا، وَما كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ وَإِنَّا إِلى رَبِّنا لَمُنْقَلِبُونَ.وبذلك نرى الآيات الكريمة قد ذكرت لنا أنواعا من نعم الله- تعالى- على عباده، هذه النعم التي تدل على كمال قدرته، وعظيم رحمته.وبعد أن بين- سبحانه- دلائل قدرته عن طريق خلق الإنسان، وعن طريق خلقه لهذه الكائنات التي يشاهدها الإنسان وينتفع بها ... أتبع ذلك بالحديث عن بعض الرسل- عليهم الصلاة والسلام- وعن موقف أقوامهم منهم، وعن سوء عاقبة المكذبين لرسل الله- تعالى- وأنبيائه. وابتدأ- سبحانه- الحديث عن جانب من قصة نوح مع قومه، فقال- تعالى-:
23:23
وَ لَقَدْ اَرْسَلْنَا نُوْحًا اِلٰى قَوْمِهٖ فَقَالَ یٰقَوْمِ اعْبُدُوا اللّٰهَ مَا لَكُمْ مِّنْ اِلٰهٍ غَیْرُهٗؕ-اَفَلَا تَتَّقُوْنَ(۲۳)
اور بیشک ہم نے نوح کو اس کی قوم کی طرف بھیجا تو اس نے کہا اے میری قوم اللہ کو پوجو اس کے سوا تمہارا کوئی خدا نہیں، تو کیا تمہیں ڈر نہیں (ف۲۹)

تلك هي قصة نوح- عليه السلام- مع قومه، كما وردت في هذه السورة الكريمة، وقد وردت بصورة أكثر تفصيلا في سورتي هود ونوح.وينتهى نسب نوح- عليه السلام- إلى شيث بن آدم- عليه السلام-. وقد ذكر نوح في القرآن في ثلاثة وأربعين موضعا.قال الجمل في حاشيته: وعاش نوح من العمر ألف سنة وخمسين، لأنه أرسل على رأس الأربعين ومكث يدعو قومه ألف سنة إلا خمسين عاما، وعاش بعد الطوفان ستين سنة.وقدمت قصته هنا على غيره، لتتصل بقصة آدم المذكورة في قوله: وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ طِينٍ للمناسبة بينهما من حيث إن نوحا يعتبر آدم الثاني، لانحصار النوع الإنسانى بعده في نسله.وقوم الرجل: أقر باؤه الذين يجتمعون معه في جد واحد. وقد يقيم الرجل بين قوم ليس منهم في نسبه، فيسميهم قومه على سبيل المجاز، لمجاورته لهم.وكان قوم نوح يعبدون الأصنام. فأرسل الله- تعالى- إليهم نوحا لينهاهم عن ذلك، وليأمرهم بإخلاص العبادة لله- تعالى-.واللام في قوله- سبحانه-: وَلَقَدْ أَرْسَلْنا نُوحاً إِلى قَوْمِهِ ... واقعة في جواب قسم محذوف.أى: والله لقد أرسلنا نبينا نوحا- عليه السلام- إلى قومه، ليخرجهم من ظلمات الكفر إلى نور الإيمان.وقوله- سبحانه- فَقالَ يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ ... حكاية لما وجهه إليهم من نصائح وإرشادات.أى: أرسلنا نوحا إلى قومه، فقال لهم ما قاله كل نبي: يا قوم اعبدوا الله وحده، فإنكم ليس لكم إله سواه، فهو الذي خلقكم، وهو الذي رزقكم. وهو الذي يحييكم وهو الذي يميتكم، وكل معبود غيره- سبحانه- فهو باطل.وفي ندائهم بقوله: يا قَوْمِ تلطف في الخطاب، ليستميلهم إلى دعوته، فكأنه يقول لهم: أنتم أهلى وعشيرتي يسرني ما يسركم، ويؤذيني ما يؤذيكم، فاقبلوا دعوتي، لأنى لكم ناصح أمين.وقوله: أَفَلا تَتَّقُونَ تحذير لهم من الإصرار على شركهم، بعد ترغيبهم في عبادة الله- تعالى- وحده بألطف أسلوب.أى: أفلا تتقون الله- تعالى- وتخافون عقوبته، بسبب عبادتكم لغيره، مع أنه- سبحانه- هو الذي خلقكم فالاستفهام للإنكار والتوبيخ.
23:24
فَقَالَ الْمَلَؤُا الَّذِیْنَ كَفَرُوْا مِنْ قَوْمِهٖ مَا هٰذَاۤ اِلَّا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْۙ-یُرِیْدُ اَنْ یَّتَفَضَّلَ عَلَیْكُمْؕ-وَ لَوْ شَآءَ اللّٰهُ لَاَنْزَلَ مَلٰٓىٕكَةً ۚۖ-مَّا سَمِعْنَا بِهٰذَا فِیْۤ اٰبَآىٕنَا الْاَوَّلِیْنَۚ(۲۴)
تو اس کی قوم کے جن سرداروں نے کفر کیا بولے (ف۳۰) یہ تو نہیں مگر تم جیسا آدمی چاہتا ہے کہ تمہارا بڑا بنے (ف۳۱) اور اللہ چاہتا (ف۳۲) تو فرشتے اتارتا ہم نے تو یہ اگلے باپ داداؤں میں نہ سنا (ف۳۳)

ثم حكى- سبحانه- ما رد به قوم نوح عليه فقال: فَقالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ ما هذا إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ ...والمراد بالملإ: أصحاب الجاه والغنى من قوم نوح. وهذا اللفظ اسم جمع لا واحد له من لفظه- كرهط- وهو مأخوذ من قولهم: فلان ملئ بكذا، إذا كان قادرا عليه. أو لأنهم متمالئون أى: متظاهرون متعاونون، أو لأنهم يملؤون القلوب والعيون مهابة ...وفي وصفهم بالكفر: تشنيع عليهم وذم لهم، وإشعار بأنهم عريقون فيه. أى: فقال الأغنياء وأصحاب النفوذ الذين مردوا على الكفر، في الرد على نبيهم نوح عليه السلام:ما هذا إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ.أى: قالوا لأتباعهم على سبيل التحذير من الاستماع إلى دعوة نبيهم، ما هذا، أى:نوح عليه السلام- إلا بشر مثلكم، ومن جنسكم، ولا فرق بينكم وبينه فكيف يكون نبيّا؟ولم يقولوا: ما نوح إلا بشر مثلكم، بل أشاروا إليه بدون ذكر اسمه، لأنهم لجهلهم وغرورهم يقصدون تهوين شأنه- عليه الصلاة والسلام- في أعين قومه.وقولهم: يُرِيدُ أَنْ يَتَفَضَّلَ عَلَيْكُمْ أى: أن نوحا جاء بما جاء به بقصد الرياسة عليكم.ومرادهم بهذا القول: تنفير الناس منه، وحضهم على عداوته.وقولهم: وَلَوْ شاءَ اللَّهُ لَأَنْزَلَ مَلائِكَةً استبعاد منهم لكون الرسول من البشر أى:ولو شاء الله أن يرسل رسولا ليأمرنا بعبادته وحده. لأرسل ملائكة ليفعلوا ذلك، فهم-لانطماس بصائرهم وسوء تفكيرهم- يتوهمون أن الرسول لا يكون من البشر، وإنما يكون من الملائكة.ومفعول المشيئة محذوف. أى: ولو شاء الله عبادته وحده لأرسل ملائكة ليأمرونا بذلك، فلما لم يفعل علمنا أنه ما أرسل رسولا، فنوح- في زعمهم- كاذب في دعواه.وقولهم: ما سَمِعْنا بِهذا فِي آبائِنَا الْأَوَّلِينَ أى ما سمعنا بهذا الكلام الذي جاءنا به نوح في آباءنا الأولين، الذين ندين باتباعهم، ونقتدي بهم في عبادتهم لهذه الأصنام.
23:25
اِنْ هُوَ اِلَّا رَجُلٌۢ بِهٖ جِنَّةٌ فَتَرَبَّصُوْا بِهٖ حَتّٰى حِیْنٍ(۲۵)
وہ تو نہیں مگر ایک دیوانہ مرد تو کچھ زمانہ تک اس کا انتظار کیے رہو (ف۳۴)

ثم هم لا يكتفون بهذا الجمود والتحجر، بل يصفون نبيهم بما هو برىء منه فيقولون:إِنْ هُوَ إِلَّا رَجُلٌ بِهِ جِنَّةٌ، فَتَرَبَّصُوا بِهِ حَتَّى حِينٍ.والجنّة: الجنون، يقال جنّ: فلان إذا أصيب بالجنون، أو إذا مسه الجن فصار في حالة خبل وجنون.والتربص: الانتظار والترقب، أى: ما نوح- عليه السلام- الذي يدعى النبوة، إلا رجل به حالة من الجنون والخبل، فانتظروا عليه إلى وقت شفائه من هذا الجنون أو إلى وقت موته، وعندئذ تستريحون منه، ومن دعوته التي ما سمعنا بها في آبائنا الأولين.فأنت ترى أن القوم قد واجهوا نبيهم نوحا- عليه السلام- بأقبح مواجهة حيث وصفوه بأنه يريد من وراء دعوته لهم السيادة عليهم، وأنه ليس نبيّا لأن الأنبياء لا يكونون من البشر- في زعمهم- وأنه قد خالف ما ألفوه عن آبائهم، ومن خالف ما كان عليه آباؤهم لا يجوز الاستماع إليه، وأنه مصاب بالجنون وأنه عما قريب سيأخذه الموت، أو يشفى مما هو فيه.وهكذا الجهل والغرور والجحود ... عند ما يستولى على الناس، يحول في نظرهم الإصلاح إلى إفساد، والإخلاص إلى حب للرياسة، والشيء المعقول المقبول. إلى أى شيء غير معقول وغير مقبول، وكمال العقل ورجحانه، إلى جنونه ونقصانه.وصدق الله إذ يقول: سَأَصْرِفُ عَنْ آياتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ، وَإِنْ يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ لا يُؤْمِنُوا بِها، وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الرُّشْدِ لا يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا، وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الغَيِّ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا ...
23:26
قَالَ رَبِّ انْصُرْنِیْ بِمَا كَذَّبُوْنِ(۲۶)
نوح نے عرض کی اے میرے رب! میری مدد فرما (ف۳۵) اس پر کہ انہوں نے مجھے جھٹلایا،

ثم يحكى القرآن بعد ذلك أن نوحا- عليه السلام- بعد أن استمع إلى ما قاله قومه في شأنه من ضلالات وسفاهات، لجأ إلى ربه- عز وجل- يشكو إليه ما أصابه منهم ويلتمس منه النصر عليهم. فقال: كما حكى القرآن عنه: رَبِّ انْصُرْنِي بِما كَذَّبُونِ.أى: قال نوح في مناجاته لربه: يا رب انصرني على هؤلاء القوم الكافرين بسبب تكذيبهم لي وتطاولهم على. وسخريتهم منى، وإصرارهم على عبادة غيرك.
23:27
فَاَوْحَیْنَاۤ اِلَیْهِ اَنِ اصْنَعِ الْفُلْكَ بِاَعْیُنِنَا وَ وَحْیِنَا فَاِذَا جَآءَ اَمْرُنَا وَ فَارَ التَّنُّوْرُۙ-فَاسْلُكْ فِیْهَا مِنْ كُلٍّ زَوْجَیْنِ اثْنَیْنِ وَ اَهْلَكَ اِلَّا مَنْ سَبَقَ عَلَیْهِ الْقَوْلُ مِنْهُمْۚ-وَ لَا تُخَاطِبْنِیْ فِی الَّذِیْنَ ظَلَمُوْاۚ-اِنَّهُمْ مُّغْرَقُوْنَ(۲۷)
تو ہم نے اسے وحی بھیجی کہ ہماری نگاہ کے سامنے (ف۳۶) اور ہمارے حکم سے کشتی بنا پھر جب ہمارا حکم آئے (ف۳۷) اور تنور ابلے (ف۳۸) تو اس میں بٹھالے (ف۳۹) ہر جوڑے میں سے دو (ف۴۰) اور اپنے گھر والے (ف۴۱) مگر ان میں سے وہ جن پر بات پہلے پڑچکی (ف۴۲) اور ان ظالموں کے معاملہ میں مجھ سے بات نہ کرنا (ف۴۳) یہ ضرور ڈبوئے جائیں گے،

وقد أجاب الله- تعالى- دعاء عبده نوح فقال: فَأَوْحَيْنا إِلَيْهِ أى: فأوحينا إليه في أعقاب دعائه وتضرعه.أَنِ اصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنا وَوَحْيِنا أى: أوحينا إليه أن ابتدئ يا نوح في صنع السفينة وأنت تحت رعايتنا وحفظنا، وسنرسل إليك وحينا ليرشدك إلى ما أنت في حاجة إليه من إتقان صنع السفينة، ومن غير ذلك من شئون.وفي التعبير بقوله- سبحانه- أَنِ اصْنَعِ إشارة إلى أن نوحا- عليه السلام- قد باشر بنفسه صنع السفينة التي هي وسيلة النجاة له وللمؤمنين معه.وفي قوله- تعالى-: بِأَعْيُنِنا وَوَحْيِنا إشارة إلى أن نوحا بجانب مباشرته للصنع بنفسه، كان مزودا من الله- تعالى- بالعناية والرعاية وبحسن التوجيه والإرشاد عن طريق الوحى الأمين.وذلك لأن سنة الله- تعالى- قد اقتضت أن لا يضيع عمل عباده المخلصين، الذين يبذلون أقصى جهدهم في الوصول إلى غاياتهم الشريفة.والباء في قوله بِأَعْيُنِنا للملابسة، والجار والمجرور في موضع الحال من ضمير «اصنع» .والفاء في قوله- سبحانه- فَإِذا جاءَ أَمْرُنا لترتيب مضمون ما بعدها على إتمام صنع السفينة.والمراد بالأمر هنا: العذاب الذي أعده الله- تعالى- لهؤلاء الظالمين من قوم نوح- عليه السلام-. ويشهد لذلك قوله- سبحانه- في آية أخرى: لا عاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ أى: من عذابه إِلَّا مَنْ رَحِمَ.والمراد بمجيء هذا الأمر: اقتراب وقته، ودنو ساعته، وظهور علاماته وقوله- تعالى-:وَفارَ التَّنُّورُ بيان وتفسير لمجيء هذا الأمر، وحلول وقت إهلاكهم.وقوله: فارَ من الفوران. بمعنى شدة الغليان للماء وغيره. يقال للماء فار إذا اشتد غليانه. ويقال للنار فارت إذا عظم هيجانها. ومنه قوله- تعالى- إِذا أُلْقُوا فِيها سَمِعُوا لَها شَهِيقاً وَهِيَ تَفُورُ.وللمفسرين في المراد بلفظ التَّنُّورُ أقوال منها: أن المراد به الشيء الذي يخبز فيه الخبز، وهو ما يسمى بالموقد أو الفرن.ومنها أن المراد به وجه الأرض. أو موضع اجتماع الماء في السفينة، أو طلوع الفجر.. وقد رجح الإمام ابن جرير القول الأول فقال: وأولى الأقوال بالصواب قول من قال: وهو التنور الذي يخبز فيه، لأن هذا هو المعروف من كلام العرب...ويبدو أن فوران التنور كان علامة لنوح على أن موعد إهلاك الكافرين من قومه قد اقترب.أى: فإذا اقترب موعد إهلاك قومك الظالمين يا نوح، ومن علامة ذلك أن ينبع الماء من التنور ويفور فورانا شديدا فَاسْلُكْ فِيها فأدخل في السفينة مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ ولفظ زَوْجَيْنِ تثنية زوج. والمراد به هنا: الذكر والأنثى من كل نوع.وقراءة الجمهور: مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ بدون تنوين للفظ كل، وبإضافته إلى زوجين....وقرأ حفص مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ تنوين كل، وهو تنوين عوض عن مضاف إليه.والتقدير: فأدخل في السفينة من كل نوع من أنواع المخلوقات التي أنت في حاجة إليها ذكرا وأنثى، ويكون لفظ زَوْجَيْنِ مفعولا لقوله فَاسْلُكْ ولفظ اثنين: صفة له.والمراد بأهله في قوله- تعالى- وَأَهْلَكَ: أهل بيته كزوجته وأولاده المؤمنين، ويدخل فيهم كل من آمن به- عليه السلام- سواء أكان من ذوى قرابته أم من غيرهم، بدليل قوله- تعالى- في سورة هود: قُلْنَا احْمِلْ فِيها مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ إِلَّا مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ وَمَنْ آمَنَ، وَما آمَنَ مَعَهُ إِلَّا قَلِيلٌ.وجملة: إِلَّا مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ مِنْهُمْ استثناء من الأهل. والمراد بمن سبق عليه القول منهم: من بقي على كفره ولم يؤمن برسالة نوح- عليه السلام- كزوجته وابنه كنعان.أى: أدخل في السفينة ذكرا وأنثى من أنواع المخلوقات، وأدخل فيها- أيضا- المؤمنين من أهلك ومن غيرهم، إلا الذين سبق منا القول بهلاكهم بسبب إصرارهم على الكفر.فلا تدخلهم في السفينة، بل اتركهم خارجها ليغرقوا مع المغرقين.قال الآلوسى: وجيء بعلى في قوله: إِلَّا مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ مِنْهُمْ لكون السابق ضارا، كما جيء باللام في قوله: إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنى لكون السابق نافعا وقوله- تعالى-: وَلا تُخاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُوا إِنَّهُمْ مُغْرَقُونَ نهى منه- سبحانه- لنوح- عليه السلام- عن الشفاعة لهؤلاء الكافرين، أو عن طلب تأخير العذاب المهلك لهم.أى: اترك يا نوح هؤلاء الظالمين، ولا تكلمني في شأنهم، كأن تطلب الشفاعة لهم أو تأخير العذاب عنهم، فإنهم مقضي عليهم بالإغراق لا محالة. ولا مبدل لحكمي أو إرادتى.ويبدو- والله أعلم- أن هذه الجملة الكريمة، كانت نهيا من الله- تعالى- لنوح عن الشفاعة في ابنه الذي غرق مع المغرقين، والذي حكى القرآن في سورة هود أن نوحا قد قال في شأنه: رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي، وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ، وَأَنْتَ أَحْكَمُ الْحاكِمِينَ.
23:28
فَاِذَا اسْتَوَیْتَ اَنْتَ وَ مَنْ مَّعَكَ عَلَى الْفُلْكِ فَقُلِ الْحَمْدُ لِلّٰهِ الَّذِیْ نَجّٰىنَا مِنَ الْقَوْمِ الظّٰلِمِیْنَ(۲۸)
پھر جب ٹھیک بیٹھ لے کشتی پر تُو اور تیرے ساتھ والے تو کہہ سب خوبیاں اللہ کو جس نے ہمیں ان ظالموں سے نجات دی،

ثم أرشد الله- تعالى- نبيه نوحا إلى ما يقوله بعد أن يستقر في السفينة فقال- سبحانه-: فَإِذَا اسْتَوَيْتَ أَنْتَ وَمَنْ مَعَكَ من أهلك وأتباعك المؤمنين عَلَى الْفُلْكِ.أى: السفينة التي علمناك عن طريق وحينا كيفية صنعها بإحكام وإتقان فَقُلِ يا نوح على سبيل الشكر لنا، والتقدير لذاتنا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي نَجَّانا بفضله وكرمه مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ الذين استحبوا العمى على الهدى، وآثروا الضلالة على الهداية، وتطاولوا على نبيهم الذي جاء لسعادتهم.
23:29
وَ قُلْ رَّبِّ اَنْزِلْنِیْ مُنْزَلًا مُّبٰرَكًا وَّ اَنْتَ خَیْرُ الْمُنْزِلِیْنَ(۲۹)
اور عرض کر (ف۴۴) کہ اے میرے رب مجھے برکت والی جگہ اتار اور تو سب سے بہتر اتارنے والا ہے،

وَقُلْ- أيضا- يا نوح رَبِّ أَنْزِلْنِي مُنْزَلًا مُبارَكاً أى: أنزلنى إنزالا، أو مكان إنزال مباركا- أى مليئا بالخيرات والبركات، خاليا مما حل بالظالمين من إغراق وإهلاك.وَأَنْتَ يا إلهى خَيْرُ الْمُنْزِلِينَ بفضلك وكرمك في المكان الطيب المبارك.
23:30
اِنَّ فِیْ ذٰلِكَ لَاٰیٰتٍ وَّ اِنْ كُنَّا لَمُبْتَلِیْنَ(۳۰)
بیشک اس میں (ف۴۵) ضرو ر نشانیاں (ف۴۶) اور بیشک ضرور ہم جانچنے والے تھے (ف۴۷)

ثم عقب- سبحانه- على ما اشتملت عليه قصة نوح من حكم وآداب بقوله: إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ وَإِنْ كُنَّا لَمُبْتَلِينَ.أى: إن في ذلك الذي ذكرناه لك- أيها الرسول الكريم- عن نوح وقومه لَآياتٍ بينات، ودلالات واضحات، على أن هذا القرآن من عندنا لا من عند غيرنا، وعلى أن العاقبة للمؤمنين، وسوء المنقلب للكافرين.و «إن» في قوله وَإِنْ كُنَّا هي المخففة من الثقيلة، واللام في قوله لَمُبْتَلِينَ هي الفارقة بينها وبين إن النافية، والجملة حالية، والابتلاء: الاختبار والامتحان ...أى: إن في ذلك الذي ذكرناه عن نوح وقومه لآيات واضحات على وحدانيتنا وقدرتنا، والحال والشأن أن من سنتنا أن نبتلى الناس بالنعم وبالنقم، وبالخير وبالشر. ليتبين من يعتبر ويتعظ، وليتميز الخبيث من الطيب، وليهلك من هلك عن بينة، ويحيا من حي عن بينة، وإن الله لسميع عليم.ثم تمضى السورة في حديثها عن قصص الأولين، فتحكى لنا قصة أقوام آخرين مع نبي من أنبيائهم فتقول:
23:31
ثُمَّ اَنْشَاْنَا مِنْۢ بَعْدِهِمْ قَرْنًا اٰخَرِیْنَۚ(۳۱)
پھر ان کے (ف۴۸) بعد ہم نے اور سنگت (قوم) پیدا کی (ف۴۹)

أى: ثم أنشأنا من بعد أولئك القوم المغرقين الذين كذبوا نبيهم نوحا- عليه السلام-، قَرْناً آخَرِينَ غيرهم، وهم على الأرجح- قوم هود- عليه السلام- بدليل قوله- تعالى- في آية أخرى في شأنهم: وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفاءَ مِنْ بَعْدِ قَوْمِ نُوحٍ ....كما أن قصة هود مع قومه، كثيرا ما تأتى بعد قصة نوح مع قومه.وقيل: هم قوم صالح- عليه السلام-.وعلى أية حال فإن سورة «المؤمنون» في عرضها لقصص الأنبياء تحرص على بيان أن استقبال المكذبين لأنبيائهم كان متشابها في القبح والتكذيب.وقال- سبحانه- قَرْناً آخَرِينَ للإشعار بأنهم كانوا يعيشون في زمان واحد مع نبيهم، وأنهم كانوا معاصرين له، ومشاهدين لأحواله قبل البعثة وبعدها.
23:32
فَاَرْسَلْنَا فِیْهِمْ رَسُوْلًا مِّنْهُمْ اَنِ اعْبُدُوا اللّٰهَ مَا لَكُمْ مِّنْ اِلٰهٍ غَیْرُهٗؕ-اَفَلَا تَتَّقُوْنَ۠(۳۲)
تو ان میں ایک رسول انہیں میں سے بھیجا (ف۵۰) کہ اللہ کی بندگی کرو اس کے سوا تمہارا کوئی خدا نہیں، تو کیا تمہیں ڈر نہیں (ف۵۱)

ثم بين- سبحانه- أنه امتن عليهم بإرسال رسول فيهم فقال: فَأَرْسَلْنا فِيهِمْ رَسُولًا مِنْهُمْ أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ ...أى: كان من مظاهر رحمتنا ومنتنا على هؤلاء القوم الآخرين الذين جاءوا بعد إهلاك قوم نوح، أن أرسلنا فيهم رسولا منهم نشأ بين أظهرهم وعرفوا حسبه ونسبه، فقال لهم ما قاله كل نبي لقومه: اعبدوا الله وحده، فإنكم ليس لكم من إله سواه، لأنه- سبحانه- هو الذي أوجدكم في هذه الحياة.. أَفَلا تَتَّقُونَ بأسه وعقابه إذا ما عبدتم غيره؟!.
23:33
وَ قَالَ الْمَلَاُ مِنْ قَوْمِهِ الَّذِیْنَ كَفَرُوْا وَ كَذَّبُوْا بِلِقَآءِ الْاٰخِرَةِ وَ اَتْرَفْنٰهُمْ فِی الْحَیٰوةِ الدُّنْیَاۙ-مَا هٰذَاۤ اِلَّا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْۙ-یَاْكُلُ مِمَّا تَاْكُلُوْنَ مِنْهُ وَ یَشْرَبُ مِمَّا تَشْرَبُوْنَﭪ (۳۳)
اور بولے اس قوم کے سردار جنہوں نے کفر کیا اور آخرت کی حاضری (ف۵۲) کو جھٹلایا اور ہم نے انہیں دنیا کی زندگی میں چین دیا (ف۵۳) کہ یہ تو نہیں مگر جیسا آدمی جو تم کھاتے ہو اسی میں سے کھاتا ہے اور جو تم پیتے ہو اسی میں سے پیتا ہے (ف۵۴)

ثم بين- سبحانه- بعد ذلك ما رد به هؤلاء المشركون الجاحدون على نبيهم فقال:وَقالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِلِقاءِ الْآخِرَةِ، وَأَتْرَفْناهُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا، ما هذا إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ ...أى: وقال الأغنياء والزعماء من قوم هذا النبي، الذين كفروا بالحق لما جاءهم، وكذبوا بالبعث والجزاء الذي يكون في الآخرة، والذين أبطرتهم النعمة التي أنعمنا عليهم بها في دنياهم ...قالوا لنبيهم بجفاء وسوء أدب لكي يصرفوا غيرهم عن الإيمان به: ما هذا الذي يدعى النبوة إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ وكأنهم يرون- لغبائهم وانطماس عقولهم- أن الرسول لا يكون من البشر، أو يرون جواز كونه من البشر، إلا أنهم قالوا ذلك على سبيل المكر ليصدوا أتباعهم وعامة الناس عن دعوته.ثم أضافوا إلى هذا القول الباطل ما يؤكده في نفوس الناس فقالوا: يَأْكُلُ مِمَّا تَأْكُلُونَ مِنْهُ من طعام، وغذاء، وَيَشْرَبُ مِمَّا تَشْرَبُونَ من ماء وما يشبه الماء.ثم أضافوا إلى ذلك قولهم وَلَئِنْ أَطَعْتُمْ أيها الناس بَشَراً مِثْلَكُمْ في المأكل والمشرب والملبس والعادات.. أَنَّكُمْ إِذا بسبب هذه الطاعة لَخاسِرُونَ خسارة ليس بعدها خسارة.والمتأمل في هذه الآية الكريمة يرى أن الله- تعالى- وصف هؤلاء الجاحدين بالغنى والجاه، وأنهم من قوم هذا النبي فازداد حسدهم له وحقدهم عليه، وأنهم أصلاء في الكفر، وفي التكذيب باليوم الآخر، وأنهم- فوق كل ذلك- من المترفين الذين عاشوا حياتهم في اللهو واللعب والتقلب في ألوان الملذات.. ولا شيء يفسد الفطرة، ويطمس القلوب، ويعمى النفوس والمشاعر عن سماع كلمة الحق. كالترف والتمرغ في شهوات الحياة.لذا تراهم في شبهتهم الأولى يحاولون أن يصرفوا الناس عن هذا النبي، بزعمهم أنه بشر، يأكل مما يأكل منه الناس، ويشرب مما يشربون منه، والعقلاء في زعمهم- لا يتبعون نبيّا من البشر، لأن اتباعه يؤدى إلى الخسران المبين.ولقد نهجوا في قولهم الباطل هذا، نهج قوم نوح من قبلهم، فقد قالوا في شأنه: ما هذا إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُرِيدُ أَنْ يَتَفَضَّلَ عَلَيْكُمْ ...
23:34
وَ لَىٕنْ اَطَعْتُمْ بَشَرًا مِّثْلَكُمْ اِنَّكُمْ اِذًا لَّخٰسِرُوْنَۙ(۳۴)
اور اگر تم کسی اپنے جیسے آدمی کی اطاعت کرو جب تو تم ضرور گھاٹے میں ہو،

ثم أضافوا إلى ذلك قولهم ( وَلَئِنْ أَطَعْتُمْ ) أيها الناس ( بَشَراً مِّثْلَكُمْ ) فى المأكل والمشرب والملبس والعادات . . . ( إِنَّكُمْ إِذاً ) بسبب هذه الطاعة ( لَّخَاسِرُونَ ) خسارة ليس بعدها خسارة .والمتأمل فى هذه الآية الكريمة يرى أن الله - تعالى - وصف هؤلاء الجاحدين بالغنى والجاه ، وأنهم من قوم هذا النبى فازداد حسدهم له وحقدهم عليه ، وأنهم أصلاء فى الكفر ، وفى التكذيب باليوم الآخر ، وأنهم - فوق كل ذلك - من المترفين الذين عاشوا حياتهم فى اللهو واللعب والتقلب فى ألوان الملذات .. . ولا شىء يفسد الفطرة ، ويطمس القلوب ، ويعمى النفوس والمشاعر عن سماع كلمة الحق . كالترف والتمرغ فى شهوات الحياة .لذا تراهم فى شبهتهم الأولى يحاولون أن يصرفوا لناس عن هذا النبى ، بزعمهم أنه بشر ، يأكل مما يأكل منه الناس ، ويشرب مما يشربون منه ، والعقلاء فى زعمهم - لا يتبعون نبيًّا من البشر ، لأن اتباعه يؤدى إلى الخسران المبين .
23:35
اَیَعِدُكُمْ اَنَّكُمْ اِذَا مِتُّمْ وَ كُنْتُمْ تُرَابًا وَّ عِظَامًا اَنَّكُمْ مُّخْرَجُوْنَﭪ(۳۵)
کیا تمہیں یہ وعدہ دیتا ہے کہ تم جب مرجاؤ گے اور مٹی اور ہڈیاں ہوجاؤ گے اس کے بعد پھر (ف۵۵) نکالے جاؤ گے،

أما شبهتهم الثانية التي أثاروها لصرف الناس عن الحق. فقد حكاها القرآن في قوله عنهم: أَيَعِدُكُمْ أَنَّكُمْ إِذا مِتُّمْ وَكُنْتُمْ تُراباً وَعِظاماً أَنَّكُمْ مُخْرَجُونَ ... أى: أيعدكم هذا الذي يدعى النبوة- وهو بشر مثلكم- أنكم إذا فارقتم هذه الحياة وصرتم أمواتا، وصارت بعض أجزاء أجسامكم ترابا وبعضها عظاما نخرة، أنكم مخرجون من قبوركم إلى الحياة مرة أخرى للحساب والجزاء؟.والاستفهام في قوله أَيَعِدُكُمْ للإنكار والتحذير من اتباع هذا النبي، والجملة مستأنفة مقررة لمضمون ما قبلها من الصد عن الاستماع إلى ما جاءهم به نبيهم، لأنه- في زعمهم- يؤدى إلى الخسران.وكرر- سبحانه- لفظ أَنَّكُمْ لبيان حرصهم على تأكيد أقوالهم الباطلة في نفوس الناس، حتى يفروا من وجه نبيهم.
23:36
هَیْهَاتَ هَیْهَاتَ لِمَا تُوْعَدُوْنَﭪ(۳۶)
کتنی دور ہے کتنی دور ہے جو تمہیں وعدہ دیا جاتا ہے (ف۵۶)

ثم حكى- سبحانه- أنهم لم يكتفوا بكل ما أثاروه من شبه لصرف أتباعهم عن الحق بل أضافوا إلى ذلك. أن ما يقوله هذا النبي مستبعد في العقول، وأنه رجل افترى على الله كذبا..فقال- تعالى-: هَيْهاتَ هَيْهاتَ لِما تُوعَدُونَ إِنْ هِيَ إِلَّا حَياتُنَا الدُّنْيا نَمُوتُ وَنَحْيا وَما نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ إِنْ هُوَ إِلَّا رَجُلٌ افْتَرى عَلَى اللَّهِ كَذِباً وَما نَحْنُ لَهُ بِمُؤْمِنِينَ.ولفظ «هيهات» اسم فعل ماض، معناه: بعد بعدا شديدا، والغالب في استعمال هذا اللفظ مكررا، ويكون اللفظ الثاني مؤكدا تأكيدا لفظيا للأول.أى: قال الملأ من قوم هذا النبي لغيرهم، على سبيل التحذير من اتباعه: بعد بعدا كبيرا ما يعدكم به هذا الرجل من أن هناك بعثا وحسابا وجزاء بعد الموت، وأن هناك جنة ونارا يوم القيامة.قال الآلوسى: «وقوله- سبحانه-: هَيْهاتَ اسم بمعنى بعد.وهو في الأصل اسم صوت، وفاعله مستتر فيه يرجع للتصديق أو للصحة أو للوقوع أو نحو ذلك مما يفهم من السياق. والغالب في هذه الكلمة مجيئها مكررة.. وقوله لِما تُوعَدُونَ بيان لمرجع ذلك الضمير، فاللام متعلقة بمقدر، كما في قولهم: سقيا له. أى:التصديق أو الوقوع المتصف بالبعد كائن لما توعدون.. .
23:37
اِنْ هِیَ اِلَّا حَیَاتُنَا الدُّنْیَا نَمُوْتُ وَ نَحْیَا وَ مَا نَحْنُ بِمَبْعُوْثِیْنَﭪ(۳۷)
وہ تو نہیں مگر ہماری دنیا کی زندگی (ف۵۷) کہ ہم مرتے جیتے ہیں (ف۵۸) اور ہمیں اٹھنا نہیں (ف۵۹)

وقوله- سبحانه- إِنْ هِيَ إِلَّا حَياتُنَا الدُّنْيا.. بيان لتماديهم في جحودهم وجهلهم وغرورهم.أى: إنهم لم يكتفوا باستبعاد حصول البعث والجزاء يوم القيامة بل أضافوا إلى ذلك الإنكار الشديد لحصولهما فقالوا: ما الحياة الحقيقية التي لا حياة بعدها إلا حياتنا الدنيا التي نحياها، ولا وجود لحياة أخرى، كما يقول هذا النبي- فنحن نموت كما مات آباؤنا، ونحيا كما يولد أبناؤنا. وهكذا الدنيا فيها موت لبعض الناس، وفيها حياة لغيرهم وَما نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ بعد الموت على الإطلاق.
23:38
اِنْ هُوَ اِلَّا رَجُلُ-ﰳافْتَرٰى عَلَى اللّٰهِ كَذِبًا وَّ مَا نَحْنُ لَهٗ بِمُؤْمِنِیْنَ(۳۸)
وہ تو نہیں مگر ایک مرد جس نے اللہ پر جھوٹ باندھا (ف۶۰) اور ہم اسے ماننے کے نہیں (ف۶۱)

ثم أضافوا إلى إنكارهم هذا للدار الآخرة، تطاولا على نبيهم، واتهاما له بما هو برىء منه، فقالوا: إِنْ هُوَ إِلَّا رَجُلٌ افْتَرى عَلَى اللَّهِ كَذِباً ... أى ما هذا النبي الذي أمركم بترك عبادة آلهتكم، وأخبركم بأن هناك بعثا وحسابا، إلا رجل اختلق على الله الكذب فيما يقوله ويدعو إليه وَما نَحْنُ لَهُ بِمُؤْمِنِينَ في يوم من الأيام، فكونوا مثلنا- أيها الناس- في عدم الإيمان به، وفي الانصراف عنه.وهكذا يصور لنا القرآن الكريم بأسلوبه البليغ، موقف الطغاة من دعوة الحق، وكيف أنهم لا يكتفون بالانصراف عنها وحدهم، بل يؤلبون غيرهم بكل وسيلة على الانقياد لهم، وعلى محاربة من جاء بهذه الدعوة بمختلف السبل وشتى الطرق.
23:39
قَالَ رَبِّ انْصُرْنِیْ بِمَا كَذَّبُوْنِ(۳۹)
عرض کی کہ اے میرے رب میری مدد فرما اس پر کہ انہوں نے مجھے جھٹلایا،

ثم يحكى لنا القرآن بعد ذلك موقف النبي الذي أرسله الله- تعالى- لهؤلاء القوم الظالمين فيقول: قالَ رَبِّ انْصُرْنِي بِما كَذَّبُونِ.أى: قال ما قاله أخوه نوح من قبله: رب انصرني على هؤلاء الجاحدين، فأنت تعلم-يا إلهى- أنهم كذبوا ما جئتهم به من عندك.
23:40
قَالَ عَمَّا قَلِیْلٍ لَّیُصْبِحُنَّ نٰدِمِیْنَۚ(۴۰)
اللہ نے فرمایا کچھ دیر جاتی ہے کہ یہ صبح کریں گے پچھتاتے ہوئے (ف۶۲)

وجاءت الاستجابة من الله- تعالى- لهذا النبي، كما جاءت لأخيه نوح من قبله، ويحكى القرآن ذلك فيقول: قالَ عَمَّا قَلِيلٍ لَيُصْبِحُنَّ نادِمِينَ.أى: قال الله- عز وجل- لنبيه: لقد أجبنا دعاءك أيها النبي الكريم، وبعد وقت قليل من الزمان. ليصبحن نادمين أشد الندم على أقوالهم الباطلة، وأفعالهم القبيحة، ولكن هذا الندم لن ينفعهم لأنه جاء في غير أوانه.والجار والمجرور في قوله عَمَّا قَلِيلٍ متعلق بقوله: لَيُصْبِحُنَّ نادِمِينَ أى:ليصبحن عن زمن قليل نادمين، و «عن» هنا بمعنى بعد، و «ما» جيء بها لتأكيد معنى القلة.وأكد- سبحانه- قوله لَيُصْبِحُنَّ بلام القسم ونون التوكيد، لبيان أن هذا الوعيد آت لا ريب فيه، وفي وقت قريب.
  FONT
  THEME
  TRANSLATION
  • English | Ahmed Ali
  • Urdu | Ahmed Raza Khan
  • Turkish | Ali-Bulaç
  • German | Bubenheim Elyas
  • Chinese | Chineese
  • Spanish | Cortes
  • Dutch | Dutch
  • Portuguese | El-Hayek
  • English | English
  • Urdu | Fateh Muhammad Jalandhry
  • French | French
  • Hausa | Hausa
  • Indonesian | Indonesian-Bahasa
  • Italian | Italian
  • Korean | Korean
  • Malay | Malay
  • Russian | Russian
  • Tamil | Tamil
  • Thai | Thai
  • Farsi | مکارم شیرازی
  TAFSEER
  • العربية | التفسير الميسر
  • العربية | تفسير الجلالين
  • العربية | تفسير السعدي
  • العربية | تفسير ابن كثير
  • العربية | تفسير الوسيط لطنطاوي
  • العربية | تفسير البغوي
  • العربية | تفسير القرطبي
  • العربية | تفسير الطبري
  • English | Arberry
  • English | Yusuf Ali
  • Dutch | Keyzer
  • Dutch | Leemhuis
  • Dutch | Siregar
  • Urdu | Sirat ul Jinan
  HELP

اَلْمُؤْمِنُوْن
اَلْمُؤْمِنُوْن
  00:00



Download

اَلْمُؤْمِنُوْن
اَلْمُؤْمِنُوْن
  00:00



Download