READ

Surah Al-Maa'idah

اَلْمَـآئِدَة
120 Ayaat    مدنیۃ


5:41
یٰۤاَیُّهَا الرَّسُوْلُ لَا یَحْزُنْكَ الَّذِیْنَ یُسَارِعُوْنَ فِی الْكُفْرِ مِنَ الَّذِیْنَ قَالُوْۤا اٰمَنَّا بِاَفْوَاهِهِمْ وَ لَمْ تُؤْمِنْ قُلُوْبُهُمْۚۛ-وَ مِنَ الَّذِیْنَ هَادُوْاۚۛ-سَمّٰعُوْنَ لِلْكَذِبِ سَمّٰعُوْنَ لِقَوْمٍ اٰخَرِیْنَۙ-لَمْ یَاْتُوْكَؕ-یُحَرِّفُوْنَ الْكَلِمَ مِنْۢ بَعْدِ مَوَاضِعِهٖۚ-یَقُوْلُوْنَ اِنْ اُوْتِیْتُمْ هٰذَا فَخُذُوْهُ وَ اِنْ لَّمْ تُؤْتَوْهُ فَاحْذَرُوْاؕ-وَ مَنْ یُّرِدِ اللّٰهُ فِتْنَتَهٗ فَلَنْ تَمْلِكَ لَهٗ مِنَ اللّٰهِ شَیْــٴًـاؕ-اُولٰٓىٕكَ الَّذِیْنَ لَمْ یُرِدِ اللّٰهُ اَنْ یُّطَهِّرَ قُلُوْبَهُمْؕ-لَهُمْ فِی الدُّنْیَا خِزْیٌ ۚۖ-وَّ لَهُمْ فِی الْاٰخِرَةِ عَذَابٌ عَظِیْمٌ(۴۱)
اے رسول! تمہیں غمگین نہ کریں وہ جو کفر پڑ دوڑتے ہیں (ف۱۰۲) جو کچھ وہ اپنے منہ سے کہتے ہیں ہم ایمان لائے اور ان کے دل مسلمان نہیں (ف۱۰۳) اور کچھ یہودی جھوٹ خوب سنتے ہیں (ف۱۰۴) اور لوگوں کی خوب سنتے ہیں (ف۱۰۵) جو تمہارے پاس حاضر نہ ہوئے اللہ کی باتوں کو ان کے ٹھکانوں کے بعد بدل دیتے ہیں، کہتے ہیں یہ حکم تمہیں ملے تو مانو اور یہ نہ ملے تو بچو (ف۱۰۶) اور جسے اللہ گمراہ کرنا چاہے تو ہرگز تو اللہ سے اس کا کچھ بنا نہ سکے گا، وہ ہیں کہ اللہ نے ان کا دل پاک کرنا نہ چاہا، انہیں دنیا میں رسوائی ہے، اور انہیں آخرت میں بڑا عذاب،

نزلت هذه الآيات الكريمات في المسارعين في الكفر ، الخارجين عن طاعة الله ورسوله ، المقدمين آراءهم وأهواءهم على شرائع الله ، عز وجل ( من الذين قالوا آمنا بأفواههم ولم تؤمن قلوبهم ) أي : أظهروا الإيمان بألسنتهم ، وقلوبهم خراب خاوية منه ، وهؤلاء هم المنافقون . ( ومن الذين هادوا ) أعداء الإسلام وأهله . وهؤلاء كلهم ( سماعون للكذب ) أي : يستجيبون له ، منفعلون عنه ( سماعون لقوم آخرين لم يأتوك ) أي : يستجيبون لأقوام آخرين لا يأتون مجلسك يا محمد . وقيل : المراد أنهم يتسمعون الكلام ، وينهونه إلى أقوام آخرين ممن لا يحضر عندك ، من أعدائك ( يحرفون الكلم من بعد مواضعه ) أي : يتأولونه على غير تأويله ، ويبدلونه من بعد ما عقلوه وهم يعلمون ( يقولون إن أوتيتم هذا فخذوه وإن لم تؤتوه فاحذروا )قيل : نزلت في أقوام من اليهود قتلوا قتيلا وقالوا : تعالوا حتى نتحاكم إلى محمد فإن أفتانا بالدية فخذوا ما قال ، وإن حكم بالقصاص فلا تسمعوا منه .والصحيح أنها نزلت في اليهوديين اللذين زنيا ، وكانوا قد بدلوا كتاب الله الذي بأيديهم ، من الأمر برجم من أحصن منهم ، فحرفوا واصطلحوا فيما بينهم على الجلد مائة جلدة ، والتحميم والإركاب على حمار مقلوبين . فلما وقعت تلك الكائنة بعد هجرة النبي صلى الله عليه وسلم ، قالوا فيما بينهم : تعالوا حتى نتحاكم إليه ، فإن حكم بالجلد والتحميم فخذوا عنه ، واجعلوه حجة بينكم وبين الله ، ويكون نبي من أنبياء الله قد حكم بينكم بذلك ، وإن حكم بالرجم فلا تتبعوه في ذلك .وقد وردت الأحاديث بذلك ، فقال مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر أنه قال : إن اليهود جاءوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فذكروا له أن رجلا منهم وامرأة زنيا ، فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ما تجدون في التوراة في شأن الرجم؟ " فقالوا : نفضحهم ويجلدون . قال عبد الله بن سلام : كذبتم ، إن فيها الرجم . فأتوا بالتوراة فنشروها ، فوضع أحدهم يده على آية الرجم ، فقرأ ما قبلها وما بعدها ، فقال له عبد الله بن سلام : ارفع يدك . فرفع يده فإذا فيها آية الرجم ، فقالوا صدق يا محمد ، فيها آية الرجم ! فأمر بهما رسول الله صلى الله عليه وسلم فرجما فرأيت الرجل يحني على المرأة يقيها الحجارة .وأخرجاه وهذا لفظ البخاري . وفي لفظ له : " فقال لليهود : ما تصنعون بهما؟ " قالوا : نسخم وجوههما ونخزيهما . قال : ( فأتوا بالتوراة فاتلوها إن كنتم صادقين ) [ آل عمران : 93 ] فجاءوا ، فقالوا لرجل منهم ممن يرضون أعور : اقرأ ، فقرأ حتى انتهى إلى موضع منها فوضع يده عليه ، قال : ارفع يدك . فرفع ، فإذا آية الرجم تلوح ، قال : يا محمد إن فيها آية الرجم ، ولكنا نتكاتمه بيننا . فأمر بهما فرجما .وعند مسلم : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتي بيهودي ويهودية قد زنيا ، فانطلق رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى جاء يهود فقال : " ما تجدون في التوراة على من زنى؟ " قالوا : نسود وجوههما ونحملهما ، ونخالف بين وجوههما ويطاف بهما ، قال : ( فأتوا بالتوراة فاتلوها إن كنتم صادقين ) قال : فجاءوا بها ، فقرأوها ، حتى إذا مر بآية الرجم وضع الفتى الذي يقرأ يده على آية الرجم ، وقرأ ما بين يديها وما وراءها . فقال له عبد الله بن سلام - وهو مع رسول الله صلى الله عليه وسلم - : مره فليرفع يده . فرفع يده ، فإذا تحتها آية الرجم . فأمر بهما رسول الله صلى الله عليه وسلم فرجما . قال عبد الله بن عمر : كنت فيمن رجمهما ، فلقد رأيته يقيها من الحجارة بنفسه .وقال أبو داود : حدثنا أحمد بن سعيد الهمداني حدثنا ابن وهب حدثنا هشام بن سعد أن زيد بن أسلم حدثه ، عن ابن عمر قال : أتى نفر من اليهود فدعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى القف فأتاهم في بيت المدارس ، فقالوا : يا أبا القاسم إن رجلا منا زنى بامرأة ، فاحكم قال : ووضعوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم وسادة ، فجلس عليها ، ثم قال : " ائتوني بالتوراة " . فأتي بها ، فنزع الوسادة من تحته ، ووضع التوراة عليها ، وقال : " آمنت بك وبمن أنزلك " . ثم قال : " ائتوني بأعلمكم " . فأتي بفتى شاب ، ثم ذكر قصة الرجم نحو حديث مالك عن نافع .وقال الزهري : سمعت رجلا من مزينة ممن يتبع العلم ويعيه ، ونحن عند ابن المسيب عن أبي هريرة قال : زنى رجل من اليهود بامرأة ، فقال بعضهم لبعض : اذهبوا إلى هذا النبي ، فإنه بعث بالتخفيف ، فإن أفتانا بفتيا دون الرجم قبلناها ، واحتججنا بها عند الله ، قلنا : فتيا نبي من أنبيائك ، قال : فأتوا النبي صلى الله عليه وسلم وهو جالس في المسجد في أصحابه ، فقالوا : يا أبا القاسم ما تقول في رجل وامرأة منهم زنيا ؟ فلم يكلمهم كلمة حتى أتى بيت مدارسهم ، فقام على الباب فقال : " أنشدكم بالله الذي أنزل التوراة على موسى ما تجدون في التوراة على من زنى إذا أحصن؟ قالوا : يحمم ، ويجبه ويجلد . والتجبية : أن يحمل الزانيان على حمار ، وتقابل أقفيتهما ، ويطاف بهما . قال : وسكت شاب منهم ، فلما رآه رسول الله صلى الله عليه وسلم سكت ، ألظ به رسول الله صلى الله عليه وسلم النشدة ، فقال : اللهم إذ نشدتنا ، فإنا نجد في التوراة الرجم . فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " فما أول ما ارتخصتم أمر الله؟ " قال : زنى ذو قرابة من ملك من ملوكنا ، فأخر عنه الرجم ، ثم زنى رجل في أثره من الناس ، فأراد رجمه ، فحال قومه دونه وقالوا : لا يرجم صاحبنا حتى تجيء بصاحبك فترجمه! فاصطلحوا هذه العقوبة بينهم ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " فإني أحكم بما في التوراة " فأمر بهما فرجما . قال الزهري : فبلغنا أن هذه الآية نزلت فيهم : ( إنا أنزلنا التوراة فيها هدى ونور يحكم بها النبيون الذين أسلموا ) فكان النبي صلى الله عليه وسلم منهم .رواه أحمد وأبو داود - وهذا لفظه - وابن جريروقال الإمام أحمد : حدثنا أبو معاوية حدثنا الأعمش عن عبد الله بن مرة عن البراء بن عازب قال : مر على رسول الله صلى الله عليه وسلم يهودي محمم مجلود ، فدعاهم فقال : " أهكذا تجدون حد الزاني في كتابكم؟ " فقالوا : نعم ، فدعا رجلا من علمائهم فقال : " أنشدك بالذي أنزل التوراة على موسى أهكذا تجدون حد الزاني في كتابكم؟ " فقال : لا والله ، ولولا أنك نشدتني بهذا لم أخبرك ، نجد حد الزاني في كتابنا الرجم ، ولكنه كثر في أشرافنا ، فكنا إذا أخذنا الشريف تركناه ، وإذا أخذنا الضعيف أقمنا عليه الحد ، فقلنا : تعالوا حتى نجعل شيئا نقيمه على الشريف والوضيع ، فاجتمعنا على التحميم والجلد . فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " اللهم إني أول من أحيا أمرك إذ أماتوه " . قال : فأمر به فرجم ، قال : فأنزل الله عز وجل : ( يا أيها الرسول لا يحزنك الذين يسارعون في الكفر ) إلى قوله : ( يقولون إن أوتيتم هذا فخذوه ) يقولون : ائتوا محمدا ، فإن أفتاكم بالتحميم والجلد فخذوه ، وإن أفتاكم بالرجم فاحذروا ، إلى قوله : ( ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون ) قال : في اليهود إلى قوله : ( ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الظالمون ) قال : في اليهود ( ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الفاسقون ) قال : في الكفار كلها .انفرد بإخراجه مسلم دون البخاري وأبو داود والنسائي وابن ماجه من غير وجه ، عن الأعمش به .وقال الإمام أبو بكر عبد الله بن الزبير الحميدي في مسنده : حدثنا سفيان بن عيينة عن مجالد بن سعيد الهمداني عن الشعبي عن جابر بن عبد الله قال : زنى رجل من أهل فدك ، فكتب أهل فدك إلى ناس من اليهود بالمدينة أن سلوا محمدا عن ذلك ، فإن أمركم بالجلد فخذوه عنه ، وإن أمركم بالرجم فلا تأخذوه عنه ، تسألوه عن ذلك ، قال : " أرسلوا إلي أعلم رجلين فيكم " . فجاءوا برجل أعور - يقال له : ابن صوريا - وآخر ، فقال لهما النبي صلى الله عليه وسلم : " أنتما أعلم من قبلكما؟ " . فقالا قد دعانا قومنا لذلك ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم لهما : " أليس عندكما التوراة فيها حكم الله؟ " قالا : بلى ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " فأنشدكم بالذي فلق البحر لبني إسرائيل وظلل عليكم الغمام ، وأنجاكم من آل فرعون وأنزل المن والسلوى على بني إسرائيل : ما تجدون في التوراة في شأن الرجم؟ " فقال أحدهما للآخر : ما نشدت بمثله قط . قالا نجد ترداد النظر زنية والاعتناق زنية ، والقبل زنية ، فإذا شهد أربعة أنهم رأوه يبدئ ويعيد ، كما يدخل الميل في المكحلة ، فقد وجب الرجم . فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " هو ذاك " . فأمر به فرجم ، فنزلت : ( فإن جاءوك فاحكم بينهم أو أعرض عنهم وإن تعرض عنهم فلن يضروك شيئا وإن حكمت فاحكم بينهم بالقسط إن الله يحب المقسطين )ورواه أبو داود وابن ماجه من حديث مجالد به نحوه . ولفظ أبي داود عن جابر قال : جاءت اليهود برجل وامرأة منهم زنيا ، فقال : " ائتوني بأعلم رجلين منكم " . فأتوا بابني صوريا ، فنشدهما : " كيف تجدان أمر هذين في التوراة؟ " قالا نجد في التوراة إذا شهد أربعة أنهم رأوا ذكره في فرجها مثل الميل في المكحلة رجما ، قال : " فما يمنعكم أن ترجموهما؟ " قالا ذهب سلطاننا ، فكرهنا القتل . فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم بالشهود ، فجاءوا أربعة ، فشهدوا أنهم رأوا ذكره في فرجها مثل الميل في المكحلة ، فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم برجمهما .ثم رواه أبو داود عن الشعبي وإبراهيم النخعي مرسلا ولم يذكر فيه : " فدعا بالشهود فشهدوا " .فهذه أحاديث دالة على أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حكم بموافقة حكم التوراة ، وليس هذا من باب الإلزام لهم بما يعتقدون صحته ; لأنهم مأمورون باتباع الشرع المحمدي لا محالة ، ولكن هذا بوحي خاص من الله ، عز وجل إليه بذلك ، وسؤاله إياهم عن ذلك ليقررهم على ما بأيديهم ، مما تراضوا على كتمانه وجحده ، وعدم العمل به تلك الدهور الطويلة فلما اعترفوا به مع عملهم على خلافه ، بأن زيغهم وعنادهم وتكذيبهم لما يعتقدون صحته من الكتاب الذي بأيديهم ، وعدولهم إلى تحكيم الرسول صلى الله عليه وسلم إنما كان عن هوى منهم وشهوة لموافقة آرائهم ، لا لاعتقادهم صحة ما يحكم به ، لهذا قالوا ) إن ) أوتيتم هذا والتحميم ( فخذوه ) أي : اقبلوه ( وإن لم تؤتوه فاحذروا ) أي : من قبوله واتباعه .قال الله تعالى : ( ومن يرد الله فتنته فلن تملك له من الله شيئا أولئك الذين لم يرد الله أن يطهر قلوبهم لهم في الدنيا خزي ولهم في الآخرة عذاب عظيم سماعون للكذب ) أي : الباطل ( أكالون للسحت ) أي : الحرام ، وهو الرشوة كما قاله ابن مسعود وغير واحد أي : ومن كانت هذه صفته كيف يطهر الله قلبه؟ وأنى يستجيب له .ثم قال لنبيه : ( فإن جاءوك ) أي : يتحاكمون إليك ( فاحكم بينهم أو أعرض عنهم وإن تعرض عنهم فلن يضروك شيئا ) أي : فلا عليك ألا تحكم بينهم ; لأنهم لا يقصدون بتحاكمهم إليك اتباع الحق ، بل ما وافق هواهم .قال ابن عباس ومجاهد وعكرمة والحسن وقتادة والسدي وزيد بن أسلم وعطاء الخراساني : هي منسوخة بقوله : ( وأن احكم بينهم بما أنزل الله ) [ المائدة : 49 ] ، ( وإن حكمت فاحكم بينهم بالقسط ) أي : بالحق والعدل وإن كانوا ظلمة خارجين عن طريق العدل ( إن الله يحب المقسطين )ثم قال تعالى - منكرا عليهم في آرائهم الفاسدة ومقاصدهم الزائغة ، في تركهم ما يعتقدون صحته من الكتاب الذي بأيديهم ، الذي يزعمون أنهم مأمورون بالتمسك به أبدا ، ثم خرجوا عن حكمه وعدلوا إلى غيره ، مما يعتقدون في نفس الأمر بطلانه وعدم لزومه لهم - فقال : ( وكيف يحكمونك وعندهم التوراة فيها حكم الله ثم يتولون من بعد ذلك وما أولئك بالمؤمنين )ثم مدح التوراة التي أنزلها على عبده ورسوله موسى بن عمران فقال : ( إنا أنزلنا التوراة فيها هدى ونور يحكم بها النبيون الذين أسلموا للذين هادوا ) أي : لا يخرجون عن حكمها ولا يبدلونها ولا يحرفونها ( والربانيون والأحبار ) أي : وكذلك الربانيون منهم وهم العباد العلماء ، والأحبار وهم العلماء ( بما استحفظوا من كتاب الله ) أي : بما استودعوا من كتاب الله الذي أمروا أن يظهروه ويعملوا به ( وكانوا عليه شهداء فلا تخشوا الناس واخشون ) أي : لا تخافوا منهم وخافوني ( ولا تشتروا بآياتي ثمنا قليلا ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون ) فيه قولان سيأتي بيانهما . سبب آخر لنزول هذه الآيات الكريمة .قال الإمام أحمد : حدثنا إبراهيم بن العباس حدثنا عبد الرحمن بن أبي الزناد عن أبيه ، عن عبيد الله بن عبد الله عن ابن عباس قال : إن الله أنزل : ( ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون ) و ( فأولئك هم الظالمون ) [ المائدة : 45 ] ( فأولئك هم الفاسقون ) [ المائدة : 47 ] قال : قال ابن عباس : أنزلها الله في الطائفتين من اليهود كانت إحداهما قد قهرت الأخرى في الجاهلية ، حتى ارتضوا أو اصطلحوا على أن كل قتيل قتلته العزيزة من الذليلة فديته خمسون وسقا ، وكل قتيل قتلته الذليلة من العزيزة فديته مائة وسق ، فكانوا على ذلك حتى قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة ، فذلت الطائفتان كلتاهما ، لمقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ويومئذ لم يظهر ، ولم يوطئهما عليه ، وهو في الصلح ، فقتلت الذليلة من العزيزة قتيلا فأرسلت العزيزة إلى الذليلة : أن ابعثوا لنا بمائة وسق ، فقالت الذليلة : وهل كان هذا في حيين قط دينهما واحد ، ونسبهما واحد ، وبلدهما واحد : دية بعضهم نصف دية بعض . إنما أعطيناكم هذا ضيما منكم لنا ، وفرقا منكم ، فأما إذ قدم محمد فلا نعطيكم ذلك ، فكادت الحرب تهيج بينهما ، ثم ارتضوا على أن يجعلوا رسول الله صلى الله عليه وسلم بينهم ، ثم ذكرت العزيزة فقالت : والله ما محمد بمعطيكم منهم ضعف ما يعطيهم منكم ولقد صدقوا ، ما أعطونا هذا إلا ضيما منا وقهرا لهم ، فدسوا إلى محمد : من يخبر لكم رأيه ، إن أعطاكم ما تريدون حكمتموه وإن لم يعطكم حذرتم فلم تحكموه . فدسوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ناسا من المنافقين ليخبروا لهم رأي رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما جاءوا رسول الله صلى الله عليه وسلم أخبر الله رسوله صلى الله عليه وسلم بأمرهم كله ، وما أرادوا ، فأنزل الله تعالى : ( يا أيها الرسول لا يحزنك الذين يسارعون في الكفر ) إلى قوله : ( الفاسقون ) ففيهم - والله - أنزل ، وإياهم عنى الله عز وجل .ورواه أبو داود من حديث ابن أبي الزناد عن أبيه ، بنحوه .وقال أبو جعفر بن جرير : حدثنا هناد بن السري وأبو كريب قالا : حدثنا يونس بن بكير عن محمد بن إسحاق حدثني داود بن الحصين عن عكرمة عن ابن عباس أن الآيات في " المائدة " ، قوله : ( فاحكم بينهم أو أعرض عنهم ) إلى ( المقسطين ) إنما أنزلت في الدية في بني النضير وبني قريظة وذلك أن قتلى بني النضير كان لهم شرف ، تؤدى الدية كاملة ، وأن قريظة كانوا يودون نصف الدية فتحاكموا في ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأنزل الله ذلك فيهم ، فحملهم رسول الله صلى الله عليه وسلم على الحق في ذلك ، فجعل الدية في ذلك سواء - والله أعلم ؛ أي ذلك كان .ورواه أحمد وأبو داود والنسائي من حديث ابن إسحاق .ثم قال ابن جرير : حدثنا أبو كريب حدثنا عبيد الله بن موسى عن علي بن صالح عن سماك عن عكرمة عن ابن عباس قال : كانت قريظة والنضير وكانت النضير أشرف من قريظة فكان إذا قتل رجل من قريظة رجلا من النضير قتل به ، وإذا قتل رجل من النضير رجلا من قريظة ودي مائة وسق تمر . فلما بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قتل رجل من النضير رجلا من قريظة فقالوا : ادفعوه إلينا فقالوا : بيننا وبينكم رسول الله صلى الله عليه وسلم . فنزلت : ( وإن حكمت فاحكم بينهم بالقسط )ورواه أبو داود والنسائي وابن حبان والحاكم في المستدرك ، من حديث عبيد الله بن موسى بنحوه .وهكذا قال قتادة ومقاتل بن حيان وابن زيد وغير واحد .وقد روى العوفي وعلي بن أبي طلحة الوالبي عن ابن عباس : أن هذه الآيات نزلت في اليهوديين اللذين زنيا ، كما تقدمت الأحاديث بذلك . وقد يكون اجتمع هذان السببان في وقت واحد ، فنزلت هذه الآيات في ذلك كله ، والله أعلم .ولهذا قال بعد ذلك : ( وكتبنا عليهم فيها أن النفس بالنفس والعين بالعين ) إلى آخرها ، وهذا يقوي أن سبب النزول قضية القصاص ، والله سبحانه وتعالى أعلم .وقوله : ( ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون ) قال البراء بن عازب وحذيفة بن اليمان وابن عباس وأبو مجلز وأبو رجاء العطاردي وعكرمة وعبيد الله بن عبد الله والحسن البصري وغيرهم : نزلت في أهل الكتاب - زاد الحسن البصري : وهي علينا واجبة .وقال عبد الرزاق عن سفيان الثوري عن منصور عن إبراهيم قال : نزلت هذه الآيات في بني إسرائيل ورضي الله لهذه الأمة بها . رواه ابن جرير .وقال ابن جرير أيضا : حدثنا يعقوب حدثنا هشيم أخبرنا عبد الملك بن أبي سليمان عن سلمة بن كهيل عن علقمة ومسروق أنهما سألا ابن مسعود عن الرشوة فقال : من السحت : قال : فقالا وفي الحكم ؟ قال : ذاك الكفر ! ثم تلا ( ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون )وقال السدي : ( ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون ) يقول : ومن لم يحكم بما أنزلت فتركه عمدا ، أو جار وهو يعلم ، فهو من الكافرين [ به ]وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله : ( ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون ) قال : من جحد ما أنزل الله فقد كفر . ومن أقر به ولم يحكم فهو ظالم فاسق . رواه ابن جرير .ثم اختار أن الآية المراد بها أهل الكتاب أو من جحد حكم الله المنزل في الكتاب .وقال عبد الرزاق عن الثوري عن زكريا عن الشعبي : ( ومن لم يحكم بما أنزل الله ) قال : للمسلمين .وقال ابن جرير : حدثنا ابن المثنى حدثنا عبد الصمد حدثنا شعبة عن ابن أبي السفر عن الشعبي : ( ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون ) قال : هذا في المسلمين ( ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الظالمون ) قال : هذا في اليهود ( ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الفاسقون ) قال : هذا في النصارى .وكذا رواه هشيم والثوري عن زكريا بن أبي زائدة عن الشعبي .وقال عبد الرزاق أيضا : أخبرنا معمر عن ابن طاوس عن أبيه قال : سئل ابن عباس عن قوله : ( ومن لم يحكم [ بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون ] ) قال : هي به كفر - قال ابن طاوس : وليس كمن كفر بالله وملائكته وكتبه ورسله .وقال الثوري عن ابن جريج عن عطاء أنه قال : كفر دون كفر ، وظلم دون ظلم ، وفسق دون فسق . رواه ابن جرير .وقال وكيع عن سفيان عن سعيد المكي عن طاوس : ( ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون ) قال : ليس بكفر ينقل عن الملة .وقال ابن أبي حاتم : حدثنا محمد بن عبد الله بن يزيد المقري حدثنا سفيان بن عيينة عن هشام بن حجير عن طاوس عن ابن عباس في قوله : ( ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون ) قال : ليس بالكفر الذي يذهبون إليه .ورواه الحاكم في مستدركه ، عن حديث سفيان بن عيينة وقال : صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه .
5:42
سَمّٰعُوْنَ لِلْكَذِبِ اَكّٰلُوْنَ لِلسُّحْتِؕ-فَاِنْ جَآءُوْكَ فَاحْكُمْ بَیْنَهُمْ اَوْ اَعْرِضْ عَنْهُمْۚ-وَ اِنْ تُعْرِضْ عَنْهُمْ فَلَنْ یَّضُرُّوْكَ شَیْــٴًـاؕ-وَ اِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُمْ بَیْنَهُمْ بِالْقِسْطِؕ-اِنَّ اللّٰهَ یُحِبُّ الْمُقْسِطِیْنَ(۴۲)
بڑے جھوٹ سننے والے بڑے حرام خور (ف۱۰۷) تو اگر تمہارے حضور حاضر ہوں (ف۱۰۸) تو ان میں فیصلہ فرماؤ یا ان سے منہ پھیرلو (ف۱۰۹) اور اگر تم ان سے منہ پھیرلو گے تو وہ تمہارا کچھ نہ بگاڑیں گے (ف۱۱۰) اور اگر ان میں فیصلہ فرماؤ تو انصاف سے فیصلہ کرو، بیشک انصاف والے اللہ کو پسند ہیں،

نزلت هذه الآيات الكريمات في المسارعين في الكفر ، الخارجين عن طاعة الله ورسوله ، المقدمين آراءهم وأهواءهم على شرائع الله ، عز وجل ( من الذين قالوا آمنا بأفواههم ولم تؤمن قلوبهم ) أي : أظهروا الإيمان بألسنتهم ، وقلوبهم خراب خاوية منه ، وهؤلاء هم المنافقون . ( ومن الذين هادوا ) أعداء الإسلام وأهله . وهؤلاء كلهم ( سماعون للكذب ) أي : يستجيبون له ، منفعلون عنه ( سماعون لقوم آخرين لم يأتوك ) أي : يستجيبون لأقوام آخرين لا يأتون مجلسك يا محمد . وقيل : المراد أنهم يتسمعون الكلام ، وينهونه إلى أقوام آخرين ممن لا يحضر عندك ، من أعدائك ( يحرفون الكلم من بعد مواضعه ) أي : يتأولونه على غير تأويله ، ويبدلونه من بعد ما عقلوه وهم يعلمون ( يقولون إن أوتيتم هذا فخذوه وإن لم تؤتوه فاحذروا )قيل : نزلت في أقوام من اليهود قتلوا قتيلا وقالوا : تعالوا حتى نتحاكم إلى محمد فإن أفتانا بالدية فخذوا ما قال ، وإن حكم بالقصاص فلا تسمعوا منه .والصحيح أنها نزلت في اليهوديين اللذين زنيا ، وكانوا قد بدلوا كتاب الله الذي بأيديهم ، من الأمر برجم من أحصن منهم ، فحرفوا واصطلحوا فيما بينهم على الجلد مائة جلدة ، والتحميم والإركاب على حمار مقلوبين . فلما وقعت تلك الكائنة بعد هجرة النبي صلى الله عليه وسلم ، قالوا فيما بينهم : تعالوا حتى نتحاكم إليه ، فإن حكم بالجلد والتحميم فخذوا عنه ، واجعلوه حجة بينكم وبين الله ، ويكون نبي من أنبياء الله قد حكم بينكم بذلك ، وإن حكم بالرجم فلا تتبعوه في ذلك .وقد وردت الأحاديث بذلك ، فقال مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر أنه قال : إن اليهود جاءوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فذكروا له أن رجلا منهم وامرأة زنيا ، فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ما تجدون في التوراة في شأن الرجم؟ " فقالوا : نفضحهم ويجلدون . قال عبد الله بن سلام : كذبتم ، إن فيها الرجم . فأتوا بالتوراة فنشروها ، فوضع أحدهم يده على آية الرجم ، فقرأ ما قبلها وما بعدها ، فقال له عبد الله بن سلام : ارفع يدك . فرفع يده فإذا فيها آية الرجم ، فقالوا صدق يا محمد ، فيها آية الرجم ! فأمر بهما رسول الله صلى الله عليه وسلم فرجما فرأيت الرجل يحني على المرأة يقيها الحجارة .وأخرجاه وهذا لفظ البخاري . وفي لفظ له : " فقال لليهود : ما تصنعون بهما؟ " قالوا : نسخم وجوههما ونخزيهما . قال : ( فأتوا بالتوراة فاتلوها إن كنتم صادقين ) [ آل عمران : 93 ] فجاءوا ، فقالوا لرجل منهم ممن يرضون أعور : اقرأ ، فقرأ حتى انتهى إلى موضع منها فوضع يده عليه ، قال : ارفع يدك . فرفع ، فإذا آية الرجم تلوح ، قال : يا محمد إن فيها آية الرجم ، ولكنا نتكاتمه بيننا . فأمر بهما فرجما .وعند مسلم : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتي بيهودي ويهودية قد زنيا ، فانطلق رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى جاء يهود فقال : " ما تجدون في التوراة على من زنى؟ " قالوا : نسود وجوههما ونحملهما ، ونخالف بين وجوههما ويطاف بهما ، قال : ( فأتوا بالتوراة فاتلوها إن كنتم صادقين ) قال : فجاءوا بها ، فقرأوها ، حتى إذا مر بآية الرجم وضع الفتى الذي يقرأ يده على آية الرجم ، وقرأ ما بين يديها وما وراءها . فقال له عبد الله بن سلام - وهو مع رسول الله صلى الله عليه وسلم - : مره فليرفع يده . فرفع يده ، فإذا تحتها آية الرجم . فأمر بهما رسول الله صلى الله عليه وسلم فرجما . قال عبد الله بن عمر : كنت فيمن رجمهما ، فلقد رأيته يقيها من الحجارة بنفسه .وقال أبو داود : حدثنا أحمد بن سعيد الهمداني حدثنا ابن وهب حدثنا هشام بن سعد أن زيد بن أسلم حدثه ، عن ابن عمر قال : أتى نفر من اليهود فدعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى القف فأتاهم في بيت المدارس ، فقالوا : يا أبا القاسم إن رجلا منا زنى بامرأة ، فاحكم قال : ووضعوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم وسادة ، فجلس عليها ، ثم قال : " ائتوني بالتوراة " . فأتي بها ، فنزع الوسادة من تحته ، ووضع التوراة عليها ، وقال : " آمنت بك وبمن أنزلك " . ثم قال : " ائتوني بأعلمكم " . فأتي بفتى شاب ، ثم ذكر قصة الرجم نحو حديث مالك عن نافع .وقال الزهري : سمعت رجلا من مزينة ممن يتبع العلم ويعيه ، ونحن عند ابن المسيب عن أبي هريرة قال : زنى رجل من اليهود بامرأة ، فقال بعضهم لبعض : اذهبوا إلى هذا النبي ، فإنه بعث بالتخفيف ، فإن أفتانا بفتيا دون الرجم قبلناها ، واحتججنا بها عند الله ، قلنا : فتيا نبي من أنبيائك ، قال : فأتوا النبي صلى الله عليه وسلم وهو جالس في المسجد في أصحابه ، فقالوا : يا أبا القاسم ما تقول في رجل وامرأة منهم زنيا ؟ فلم يكلمهم كلمة حتى أتى بيت مدارسهم ، فقام على الباب فقال : " أنشدكم بالله الذي أنزل التوراة على موسى ما تجدون في التوراة على من زنى إذا أحصن؟ قالوا : يحمم ، ويجبه ويجلد . والتجبية : أن يحمل الزانيان على حمار ، وتقابل أقفيتهما ، ويطاف بهما . قال : وسكت شاب منهم ، فلما رآه رسول الله صلى الله عليه وسلم سكت ، ألظ به رسول الله صلى الله عليه وسلم النشدة ، فقال : اللهم إذ نشدتنا ، فإنا نجد في التوراة الرجم . فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " فما أول ما ارتخصتم أمر الله؟ " قال : زنى ذو قرابة من ملك من ملوكنا ، فأخر عنه الرجم ، ثم زنى رجل في أثره من الناس ، فأراد رجمه ، فحال قومه دونه وقالوا : لا يرجم صاحبنا حتى تجيء بصاحبك فترجمه! فاصطلحوا هذه العقوبة بينهم ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " فإني أحكم بما في التوراة " فأمر بهما فرجما . قال الزهري : فبلغنا أن هذه الآية نزلت فيهم : ( إنا أنزلنا التوراة فيها هدى ونور يحكم بها النبيون الذين أسلموا ) فكان النبي صلى الله عليه وسلم منهم .رواه أحمد وأبو داود - وهذا لفظه - وابن جريروقال الإمام أحمد : حدثنا أبو معاوية حدثنا الأعمش عن عبد الله بن مرة عن البراء بن عازب قال : مر على رسول الله صلى الله عليه وسلم يهودي محمم مجلود ، فدعاهم فقال : " أهكذا تجدون حد الزاني في كتابكم؟ " فقالوا : نعم ، فدعا رجلا من علمائهم فقال : " أنشدك بالذي أنزل التوراة على موسى أهكذا تجدون حد الزاني في كتابكم؟ " فقال : لا والله ، ولولا أنك نشدتني بهذا لم أخبرك ، نجد حد الزاني في كتابنا الرجم ، ولكنه كثر في أشرافنا ، فكنا إذا أخذنا الشريف تركناه ، وإذا أخذنا الضعيف أقمنا عليه الحد ، فقلنا : تعالوا حتى نجعل شيئا نقيمه على الشريف والوضيع ، فاجتمعنا على التحميم والجلد . فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " اللهم إني أول من أحيا أمرك إذ أماتوه " . قال : فأمر به فرجم ، قال : فأنزل الله عز وجل : ( يا أيها الرسول لا يحزنك الذين يسارعون في الكفر ) إلى قوله : ( يقولون إن أوتيتم هذا فخذوه ) يقولون : ائتوا محمدا ، فإن أفتاكم بالتحميم والجلد فخذوه ، وإن أفتاكم بالرجم فاحذروا ، إلى قوله : ( ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون ) قال : في اليهود إلى قوله : ( ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الظالمون ) قال : في اليهود ( ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الفاسقون ) قال : في الكفار كلها .انفرد بإخراجه مسلم دون البخاري وأبو داود والنسائي وابن ماجه من غير وجه ، عن الأعمش به .وقال الإمام أبو بكر عبد الله بن الزبير الحميدي في مسنده : حدثنا سفيان بن عيينة عن مجالد بن سعيد الهمداني عن الشعبي عن جابر بن عبد الله قال : زنى رجل من أهل فدك ، فكتب أهل فدك إلى ناس من اليهود بالمدينة أن سلوا محمدا عن ذلك ، فإن أمركم بالجلد فخذوه عنه ، وإن أمركم بالرجم فلا تأخذوه عنه ، تسألوه عن ذلك ، قال : " أرسلوا إلي أعلم رجلين فيكم " . فجاءوا برجل أعور - يقال له : ابن صوريا - وآخر ، فقال لهما النبي صلى الله عليه وسلم : " أنتما أعلم من قبلكما؟ " . فقالا قد دعانا قومنا لذلك ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم لهما : " أليس عندكما التوراة فيها حكم الله؟ " قالا : بلى ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " فأنشدكم بالذي فلق البحر لبني إسرائيل وظلل عليكم الغمام ، وأنجاكم من آل فرعون وأنزل المن والسلوى على بني إسرائيل : ما تجدون في التوراة في شأن الرجم؟ " فقال أحدهما للآخر : ما نشدت بمثله قط . قالا نجد ترداد النظر زنية والاعتناق زنية ، والقبل زنية ، فإذا شهد أربعة أنهم رأوه يبدئ ويعيد ، كما يدخل الميل في المكحلة ، فقد وجب الرجم . فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " هو ذاك " . فأمر به فرجم ، فنزلت : ( فإن جاءوك فاحكم بينهم أو أعرض عنهم وإن تعرض عنهم فلن يضروك شيئا وإن حكمت فاحكم بينهم بالقسط إن الله يحب المقسطين )ورواه أبو داود وابن ماجه من حديث مجالد به نحوه . ولفظ أبي داود عن جابر قال : جاءت اليهود برجل وامرأة منهم زنيا ، فقال : " ائتوني بأعلم رجلين منكم " . فأتوا بابني صوريا ، فنشدهما : " كيف تجدان أمر هذين في التوراة؟ " قالا نجد في التوراة إذا شهد أربعة أنهم رأوا ذكره في فرجها مثل الميل في المكحلة رجما ، قال : " فما يمنعكم أن ترجموهما؟ " قالا ذهب سلطاننا ، فكرهنا القتل . فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم بالشهود ، فجاءوا أربعة ، فشهدوا أنهم رأوا ذكره في فرجها مثل الميل في المكحلة ، فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم برجمهما .ثم رواه أبو داود عن الشعبي وإبراهيم النخعي مرسلا ولم يذكر فيه : " فدعا بالشهود فشهدوا " .فهذه أحاديث دالة على أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حكم بموافقة حكم التوراة ، وليس هذا من باب الإلزام لهم بما يعتقدون صحته ; لأنهم مأمورون باتباع الشرع المحمدي لا محالة ، ولكن هذا بوحي خاص من الله ، عز وجل إليه بذلك ، وسؤاله إياهم عن ذلك ليقررهم على ما بأيديهم ، مما تراضوا على كتمانه وجحده ، وعدم العمل به تلك الدهور الطويلة فلما اعترفوا به مع عملهم على خلافه ، بأن زيغهم وعنادهم وتكذيبهم لما يعتقدون صحته من الكتاب الذي بأيديهم ، وعدولهم إلى تحكيم الرسول صلى الله عليه وسلم إنما كان عن هوى منهم وشهوة لموافقة آرائهم ، لا لاعتقادهم صحة ما يحكم به ، لهذا قالوا ) إن ) أوتيتم هذا والتحميم ( فخذوه ) أي : اقبلوه ( وإن لم تؤتوه فاحذروا ) أي : من قبوله واتباعه .قال الله تعالى : ( ومن يرد الله فتنته فلن تملك له من الله شيئا أولئك الذين لم يرد الله أن يطهر قلوبهم لهم في الدنيا خزي ولهم في الآخرة عذاب عظيم سماعون للكذب ) أي : الباطل ( أكالون للسحت ) أي : الحرام ، وهو الرشوة كما قاله ابن مسعود وغير واحد أي : ومن كانت هذه صفته كيف يطهر الله قلبه؟ وأنى يستجيب له .ثم قال لنبيه : ( فإن جاءوك ) أي : يتحاكمون إليك ( فاحكم بينهم أو أعرض عنهم وإن تعرض عنهم فلن يضروك شيئا ) أي : فلا عليك ألا تحكم بينهم ; لأنهم لا يقصدون بتحاكمهم إليك اتباع الحق ، بل ما وافق هواهم .قال ابن عباس ومجاهد وعكرمة والحسن وقتادة والسدي وزيد بن أسلم وعطاء الخراساني : هي منسوخة بقوله : ( وأن احكم بينهم بما أنزل الله ) [ المائدة : 49 ] ، ( وإن حكمت فاحكم بينهم بالقسط ) أي : بالحق والعدل وإن كانوا ظلمة خارجين عن طريق العدل ( إن الله يحب المقسطين )ثم قال تعالى - منكرا عليهم في آرائهم الفاسدة ومقاصدهم الزائغة ، في تركهم ما يعتقدون صحته من الكتاب الذي بأيديهم ، الذي يزعمون أنهم مأمورون بالتمسك به أبدا ، ثم خرجوا عن حكمه وعدلوا إلى غيره ، مما يعتقدون في نفس الأمر بطلانه وعدم لزومه لهم - فقال : ( وكيف يحكمونك وعندهم التوراة فيها حكم الله ثم يتولون من بعد ذلك وما أولئك بالمؤمنين )ثم مدح التوراة التي أنزلها على عبده ورسوله موسى بن عمران فقال : ( إنا أنزلنا التوراة فيها هدى ونور يحكم بها النبيون الذين أسلموا للذين هادوا ) أي : لا يخرجون عن حكمها ولا يبدلونها ولا يحرفونها ( والربانيون والأحبار ) أي : وكذلك الربانيون منهم وهم العباد العلماء ، والأحبار وهم العلماء ( بما استحفظوا من كتاب الله ) أي : بما استودعوا من كتاب الله الذي أمروا أن يظهروه ويعملوا به ( وكانوا عليه شهداء فلا تخشوا الناس واخشون ) أي : لا تخافوا منهم وخافوني ( ولا تشتروا بآياتي ثمنا قليلا ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون ) فيه قولان سيأتي بيانهما . سبب آخر لنزول هذه الآيات الكريمة .قال الإمام أحمد : حدثنا إبراهيم بن العباس حدثنا عبد الرحمن بن أبي الزناد عن أبيه ، عن عبيد الله بن عبد الله عن ابن عباس قال : إن الله أنزل : ( ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون ) و ( فأولئك هم الظالمون ) [ المائدة : 45 ] ( فأولئك هم الفاسقون ) [ المائدة : 47 ] قال : قال ابن عباس : أنزلها الله في الطائفتين من اليهود كانت إحداهما قد قهرت الأخرى في الجاهلية ، حتى ارتضوا أو اصطلحوا على أن كل قتيل قتلته العزيزة من الذليلة فديته خمسون وسقا ، وكل قتيل قتلته الذليلة من العزيزة فديته مائة وسق ، فكانوا على ذلك حتى قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة ، فذلت الطائفتان كلتاهما ، لمقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ويومئذ لم يظهر ، ولم يوطئهما عليه ، وهو في الصلح ، فقتلت الذليلة من العزيزة قتيلا فأرسلت العزيزة إلى الذليلة : أن ابعثوا لنا بمائة وسق ، فقالت الذليلة : وهل كان هذا في حيين قط دينهما واحد ، ونسبهما واحد ، وبلدهما واحد : دية بعضهم نصف دية بعض . إنما أعطيناكم هذا ضيما منكم لنا ، وفرقا منكم ، فأما إذ قدم محمد فلا نعطيكم ذلك ، فكادت الحرب تهيج بينهما ، ثم ارتضوا على أن يجعلوا رسول الله صلى الله عليه وسلم بينهم ، ثم ذكرت العزيزة فقالت : والله ما محمد بمعطيكم منهم ضعف ما يعطيهم منكم ولقد صدقوا ، ما أعطونا هذا إلا ضيما منا وقهرا لهم ، فدسوا إلى محمد : من يخبر لكم رأيه ، إن أعطاكم ما تريدون حكمتموه وإن لم يعطكم حذرتم فلم تحكموه . فدسوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ناسا من المنافقين ليخبروا لهم رأي رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما جاءوا رسول الله صلى الله عليه وسلم أخبر الله رسوله صلى الله عليه وسلم بأمرهم كله ، وما أرادوا ، فأنزل الله تعالى : ( يا أيها الرسول لا يحزنك الذين يسارعون في الكفر ) إلى قوله : ( الفاسقون ) ففيهم - والله - أنزل ، وإياهم عنى الله عز وجل .ورواه أبو داود من حديث ابن أبي الزناد عن أبيه ، بنحوه .وقال أبو جعفر بن جرير : حدثنا هناد بن السري وأبو كريب قالا : حدثنا يونس بن بكير عن محمد بن إسحاق حدثني داود بن الحصين عن عكرمة عن ابن عباس أن الآيات في " المائدة " ، قوله : ( فاحكم بينهم أو أعرض عنهم ) إلى ( المقسطين ) إنما أنزلت في الدية في بني النضير وبني قريظة وذلك أن قتلى بني النضير كان لهم شرف ، تؤدى الدية كاملة ، وأن قريظة كانوا يودون نصف الدية فتحاكموا في ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأنزل الله ذلك فيهم ، فحملهم رسول الله صلى الله عليه وسلم على الحق في ذلك ، فجعل الدية في ذلك سواء - والله أعلم ؛ أي ذلك كان .ورواه أحمد وأبو داود والنسائي من حديث ابن إسحاق .ثم قال ابن جرير : حدثنا أبو كريب حدثنا عبيد الله بن موسى عن علي بن صالح عن سماك عن عكرمة عن ابن عباس قال : كانت قريظة والنضير وكانت النضير أشرف من قريظة فكان إذا قتل رجل من قريظة رجلا من النضير قتل به ، وإذا قتل رجل من النضير رجلا من قريظة ودي مائة وسق تمر . فلما بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قتل رجل من النضير رجلا من قريظة فقالوا : ادفعوه إلينا فقالوا : بيننا وبينكم رسول الله صلى الله عليه وسلم . فنزلت : ( وإن حكمت فاحكم بينهم بالقسط )ورواه أبو داود والنسائي وابن حبان والحاكم في المستدرك ، من حديث عبيد الله بن موسى بنحوه .وهكذا قال قتادة ومقاتل بن حيان وابن زيد وغير واحد .وقد روى العوفي وعلي بن أبي طلحة الوالبي عن ابن عباس : أن هذه الآيات نزلت في اليهوديين اللذين زنيا ، كما تقدمت الأحاديث بذلك . وقد يكون اجتمع هذان السببان في وقت واحد ، فنزلت هذه الآيات في ذلك كله ، والله أعلم .ولهذا قال بعد ذلك : ( وكتبنا عليهم فيها أن النفس بالنفس والعين بالعين ) إلى آخرها ، وهذا يقوي أن سبب النزول قضية القصاص ، والله سبحانه وتعالى أعلم .وقوله : ( ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون ) قال البراء بن عازب وحذيفة بن اليمان وابن عباس وأبو مجلز وأبو رجاء العطاردي وعكرمة وعبيد الله بن عبد الله والحسن البصري وغيرهم : نزلت في أهل الكتاب - زاد الحسن البصري : وهي علينا واجبة .وقال عبد الرزاق عن سفيان الثوري عن منصور عن إبراهيم قال : نزلت هذه الآيات في بني إسرائيل ورضي الله لهذه الأمة بها . رواه ابن جرير .وقال ابن جرير أيضا : حدثنا يعقوب حدثنا هشيم أخبرنا عبد الملك بن أبي سليمان عن سلمة بن كهيل عن علقمة ومسروق أنهما سألا ابن مسعود عن الرشوة فقال : من السحت : قال : فقالا وفي الحكم ؟ قال : ذاك الكفر ! ثم تلا ( ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون )وقال السدي : ( ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون ) يقول : ومن لم يحكم بما أنزلت فتركه عمدا ، أو جار وهو يعلم ، فهو من الكافرين [ به ]وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله : ( ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون ) قال : من جحد ما أنزل الله فقد كفر . ومن أقر به ولم يحكم فهو ظالم فاسق . رواه ابن جرير .ثم اختار أن الآية المراد بها أهل الكتاب أو من جحد حكم الله المنزل في الكتاب .وقال عبد الرزاق عن الثوري عن زكريا عن الشعبي : ( ومن لم يحكم بما أنزل الله ) قال : للمسلمين .وقال ابن جرير : حدثنا ابن المثنى حدثنا عبد الصمد حدثنا شعبة عن ابن أبي السفر عن الشعبي : ( ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون ) قال : هذا في المسلمين ( ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الظالمون ) قال : هذا في اليهود ( ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الفاسقون ) قال : هذا في النصارى .وكذا رواه هشيم والثوري عن زكريا بن أبي زائدة عن الشعبي .وقال عبد الرزاق أيضا : أخبرنا معمر عن ابن طاوس عن أبيه قال : سئل ابن عباس عن قوله : ( ومن لم يحكم [ بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون ] ) قال : هي به كفر - قال ابن طاوس : وليس كمن كفر بالله وملائكته وكتبه ورسله .وقال الثوري عن ابن جريج عن عطاء أنه قال : كفر دون كفر ، وظلم دون ظلم ، وفسق دون فسق . رواه ابن جرير .وقال وكيع عن سفيان عن سعيد المكي عن طاوس : ( ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون ) قال : ليس بكفر ينقل عن الملة .وقال ابن أبي حاتم : حدثنا محمد بن عبد الله بن يزيد المقري حدثنا سفيان بن عيينة عن هشام بن حجير عن طاوس عن ابن عباس في قوله : ( ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون ) قال : ليس بالكفر الذي يذهبون إليه .ورواه الحاكم في مستدركه ، عن حديث سفيان بن عيينة وقال : صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه .
5:43
وَ كَیْفَ یُحَكِّمُوْنَكَ وَ عِنْدَهُمُ التَّوْرٰىةُ فِیْهَا حُكْمُ اللّٰهِ ثُمَّ یَتَوَلَّوْنَ مِنْۢ بَعْدِ ذٰلِكَؕ-وَ مَاۤ اُولٰٓىٕكَ بِالْمُؤْمِنِیْنَ۠(۴۳)
اور وہ تم سے کیونکر فیصلہ چاہیں گے، حالانکہ ان کے پاس توریت ہے جس میں اللہ کا حکم موجود ہے (ف۱۱۱) بایں ہمہ اسی سے منہ پھیرتے ہیں (ف۱۱۲) اور وہ ایمان لانے والے نہیں،

ثم قال تعالى منكرا عليهم في آرائهم الفاسدة ومقاصدهم الذائغة في تركهم ما يعتقدون صحته من الكتاب الذي بأيديهم الذي يزعمون أنهم مأمورون بالتمسك به أبدا ثم خرجوا عن حكمه وعدلوا إلى غيره مما يعتقدون في نفس الأمر بطلانه وعدم لزومه لهم فقال" وكيف يحكمونك وعندهم التوراة فيها حكم الله ثم يتولون من بعد ذلك وما أولئك بالمؤمنين ".
5:44
اِنَّاۤ اَنْزَلْنَا التَّوْرٰىةَ فِیْهَا هُدًى وَّ نُوْرٌۚ-یَحْكُمُ بِهَا النَّبِیُّوْنَ الَّذِیْنَ اَسْلَمُوْا لِلَّذِیْنَ هَادُوْا وَ الرَّبّٰنِیُّوْنَ وَ الْاَحْبَارُ بِمَا اسْتُحْفِظُوْا مِنْ كِتٰبِ اللّٰهِ وَ كَانُوْا عَلَیْهِ شُهَدَآءَۚ-فَلَا تَخْشَوُا النَّاسَ وَ اخْشَوْنِ وَ لَا تَشْتَرُوْا بِاٰیٰتِیْ ثَمَنًا قَلِیْلًاؕ-وَ مَنْ لَّمْ یَحْكُمْ بِمَاۤ اَنْزَلَ اللّٰهُ فَاُولٰٓىٕكَ هُمُ الْكٰفِرُوْنَ(۴۴)
بیشک ہم نے توریت اتاری اس میں ہدایت اور نور ہے، اس کے مطابق یہود کو حکم دیتے تھے ہمارے فرمانبردار نبی اور عالم اور فقیہہ کہ ان سے کتاب اللہ کی حفاظت چاہی گئی تھی (ف۱۱۳) اور وہ اس پر گواہ تھے تو (ف۱۱۴) لوگوں سے خوف نہ کرو اور مجھ سے ڈرو اور میری آیتوں کے بدلے ذلیل قیمت نہ لو (ف۱۱۵) اور جو اللہ کے اتارے پر حکم نہ کرے (ف۱۱۶) وہی لوگ کافر ہیں،

ثم مدح التوراة التي أنزلها على عبده ورسوله موسى بن عمران فقال : ( إنا أنزلنا التوراة فيها هدى ونور يحكم بها النبيون الذين أسلموا للذين هادوا ) أي : لا يخرجون عن حكمها ولا يبدلونها ولا يحرفونها ( والربانيون والأحبار ) أي : وكذلك الربانيون منهم وهم العباد العلماء ، والأحبار وهم العلماء ( بما استحفظوا من كتاب الله ) أي : بما استودعوا من كتاب الله الذي أمروا أن يظهروه ويعملوا به ( وكانوا عليه شهداء فلا تخشوا الناس واخشون ) أي : لا تخافوا منهم وخافوني ( ولا تشتروا بآياتي ثمنا قليلا ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون ) فيه قولان سيأتي بيانهما .سبب آخر لنزول هذه الآيات الكريمة .قال الإمام أحمد : حدثنا إبراهيم بن العباس حدثنا عبد الرحمن بن أبي الزناد عن أبيه ، عن عبيد الله بن عبد الله عن ابن عباس قال : إن الله أنزل : ( ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون ) و ( فأولئك هم الظالمون ) [ المائدة : 45 ] ( فأولئك هم الفاسقون ) [ المائدة : 47 ] قال : قال ابن عباس : أنزلها الله في الطائفتين من اليهود كانت إحداهما قد قهرت الأخرى في الجاهلية ، حتى ارتضوا أو اصطلحوا على أن كل قتيل قتلته العزيزة من الذليلة فديته خمسون وسقا ، وكل قتيل قتلته الذليلة من العزيزة فديته مائة وسق ، فكانوا على ذلك حتى قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة ، فذلت الطائفتان كلتاهما ، لمقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ويومئذ لم يظهر ، ولم يوطئهما عليه ، وهو في الصلح ، فقتلت الذليلة من العزيزة قتيلا فأرسلت العزيزة إلى الذليلة : أن ابعثوا لنا بمائة وسق ، فقالت الذليلة : وهل كان هذا في حيين قط دينهما واحد ، ونسبهما واحد ، وبلدهما واحد : دية بعضهم نصف دية بعض . إنما أعطيناكم هذا ضيما منكم لنا ، وفرقا منكم ، فأما إذ قدم محمد فلا نعطيكم ذلك ، فكادت الحرب تهيج بينهما ، ثم ارتضوا على أن يجعلوا رسول الله صلى الله عليه وسلم بينهم ، ثم ذكرت العزيزة فقالت : والله ما محمد بمعطيكم منهم ضعف ما يعطيهم منكم ولقد صدقوا ، ما أعطونا هذا إلا ضيما منا وقهرا لهم ، فدسوا إلى محمد : من يخبر لكم رأيه ، إن أعطاكم ما تريدون حكمتموه وإن لم يعطكم حذرتم فلم تحكموه . فدسوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ناسا من المنافقين ليخبروا لهم رأي رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما جاءوا رسول الله صلى الله عليه وسلم أخبر الله رسوله صلى الله عليه وسلم بأمرهم كله ، وما أرادوا ، فأنزل الله تعالى : ( يا أيها الرسول لا يحزنك الذين يسارعون في الكفر ) إلى قوله : ( الفاسقون ) ففيهم - والله - أنزل ، وإياهم عنى الله عز وجل .ورواه أبو داود من حديث ابن أبي الزناد عن أبيه ، بنحوه .وقال أبو جعفر بن جرير : حدثنا هناد بن السري وأبو كريب قالا : حدثنا يونس بن بكير عن محمد بن إسحاق حدثني داود بن الحصين عن عكرمة عن ابن عباس أن الآيات في " المائدة " ، قوله : ( فاحكم بينهم أو أعرض عنهم ) إلى ( المقسطين ) إنما أنزلت في الدية في بني النضير وبني قريظة وذلك أن قتلى بني النضير كان لهم شرف ، تؤدى الدية كاملة ، وأن قريظة كانوا يودون نصف الدية فتحاكموا في ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأنزل الله ذلك فيهم ، فحملهم رسول الله صلى الله عليه وسلم على الحق في ذلك ، فجعل الدية في ذلك سواء - والله أعلم ؛ أي ذلك كان .ورواه أحمد وأبو داود والنسائي من حديث ابن إسحاق .ثم قال ابن جرير : حدثنا أبو كريب حدثنا عبيد الله بن موسى عن علي بن صالح عن سماك عن عكرمة عن ابن عباس قال : كانت قريظة والنضير وكانت النضير أشرف من قريظة فكان إذا قتل رجل من قريظة رجلا من النضير قتل به ، وإذا قتل رجل من النضير رجلا من قريظة ودي مائة وسق تمر . فلما بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قتل رجل من النضير رجلا من قريظة فقالوا : ادفعوه إلينا فقالوا : بيننا وبينكم رسول الله صلى الله عليه وسلم . فنزلت : ( وإن حكمت فاحكم بينهم بالقسط )ورواه أبو داود والنسائي وابن حبان والحاكم في المستدرك ، من حديث عبيد الله بن موسى بنحوه .وهكذا قال قتادة ومقاتل بن حيان وابن زيد وغير واحد .وقد روى العوفي وعلي بن أبي طلحة الوالبي عن ابن عباس : أن هذه الآيات نزلت في اليهوديين اللذين زنيا ، كما تقدمت الأحاديث بذلك . وقد يكون اجتمع هذان السببان في وقت واحد ، فنزلت هذه الآيات في ذلك كله ، والله أعلم .ولهذا قال بعد ذلك : ( وكتبنا عليهم فيها أن النفس بالنفس والعين بالعين ) إلى آخرها ، وهذا يقوي أن سبب النزول قضية القصاص ، والله سبحانه وتعالى أعلم .وقوله : ( ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون ) قال البراء بن عازب وحذيفة بن اليمان وابن عباس وأبو مجلز وأبو رجاء العطاردي وعكرمة وعبيد الله بن عبد الله والحسن البصري وغيرهم : نزلت في أهل الكتاب - زاد الحسن البصري : وهي علينا واجبة .وقال عبد الرزاق عن سفيان الثوري عن منصور عن إبراهيم قال : نزلت هذه الآيات في بني إسرائيل ورضي الله لهذه الأمة بها . رواه ابن جرير .وقال ابن جرير أيضا : حدثنا يعقوب حدثنا هشيم أخبرنا عبد الملك بن أبي سليمان عن سلمة بن كهيل عن علقمة ومسروق أنهما سألا ابن مسعود عن الرشوة فقال : من السحت : قال : فقالا وفي الحكم ؟ قال : ذاك الكفر ! ثم تلا ( ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون )وقال السدي : ( ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون ) يقول : ومن لم يحكم بما أنزلت فتركه عمدا ، أو جار وهو يعلم ، فهو من الكافرين [ به ]وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله : ( ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون ) قال : من جحد ما أنزل الله فقد كفر . ومن أقر به ولم يحكم فهو ظالم فاسق . رواه ابن جرير .ثم اختار أن الآية المراد بها أهل الكتاب أو من جحد حكم الله المنزل في الكتاب .وقال عبد الرزاق عن الثوري عن زكريا عن الشعبي : ( ومن لم يحكم بما أنزل الله ) قال : للمسلمين .وقال ابن جرير : حدثنا ابن المثنى حدثنا عبد الصمد حدثنا شعبة عن ابن أبي السفر عن الشعبي : ( ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون ) قال : هذا في المسلمين ( ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الظالمون ) قال : هذا في اليهود ( ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الفاسقون ) قال : هذا في النصارى .وكذا رواه هشيم والثوري عن زكريا بن أبي زائدة عن الشعبي .وقال عبد الرزاق أيضا : أخبرنا معمر عن ابن طاوس عن أبيه قال : سئل ابن عباس عن قوله : ( ومن لم يحكم [ بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون ] ) قال : هي به كفر - قال ابن طاوس : وليس كمن كفر بالله وملائكته وكتبه ورسله .وقال الثوري عن ابن جريج عن عطاء أنه قال : كفر دون كفر ، وظلم دون ظلم ، وفسق دون فسق . رواه ابن جرير .وقال وكيع عن سفيان عن سعيد المكي عن طاوس : ( ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون ) قال : ليس بكفر ينقل عن الملة .وقال ابن أبي حاتم : حدثنا محمد بن عبد الله بن يزيد المقري حدثنا سفيان بن عيينة عن هشام بن حجير عن طاوس عن ابن عباس في قوله : ( ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون ) قال : ليس بالكفر الذي يذهبون إليه .ورواه الحاكم في مستدركه ، عن حديث سفيان بن عيينة وقال : صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه .
5:45
وَ كَتَبْنَا عَلَیْهِمْ فِیْهَاۤ اَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِۙ-وَ الْعَیْنَ بِالْعَیْنِ وَ الْاَنْفَ بِالْاَنْفِ وَ الْاُذُنَ بِالْاُذُنِ وَ السِّنَّ بِالسِّنِّۙ-وَ الْجُرُوْحَ قِصَاصٌؕ-فَمَنْ تَصَدَّقَ بِهٖ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَّهٗؕ-وَ مَنْ لَّمْ یَحْكُمْ بِمَاۤ اَنْزَلَ اللّٰهُ فَاُولٰٓىٕكَ هُمُ الظّٰلِمُوْنَ(۴۵)
اور ہم نے توریت میں ان پر واجب کیا (ف۱۱۷) کہ جان کے بدلے جان (ف۱۱۸) اور آنکھ کے بدلے آنکھ اور ناک کے بدلے ناک اور کان کے بدلے کان اور دانت کے بدلے دانت اور زخموں میں بدلہ ہے (ف۱۱۹) پھر جو دل کی خوشی سے بدلہ کراوے تو وہ اس کا گناہ اتار دے گا (ف۱۲۰) اور جو اللہ کے اتارے پر حکم نہ کرے تو وہی لوگ ظالم ہیں،

وهذا أيضا مما وبخت به اليهود وقرعوا عليه ، فإن عندهم في نص التوراة : أن النفس بالنفس . وهم يخالفون ذلك عمدا وعنادا ، ويقيدون النضري من القرظي ، ولا يقيدون القرظي من النضري ، بل يعدلون إلى الدية ، كما خالفوا حكم التوراة المنصوص عندهم في رجم الزاني المحصن ، وعدلوا إلى ما اصطلحوا عليه من الجلد والتحميم والإشهار ; ولهذا قال هناك : ( ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون ) لأنهم جحدوا حكم الله قصدا منهم وعنادا وعمدا ، وقال هاهنا : ( فأولئك هم الظالمون ) لأنهم لم ينصفوا المظلوم من الظالم في الأمر الذي أمر الله بالعدل والتسوية بين الجميع فيه ، فخالفوا وظلموا ، وتعدى بعضهم على بعض .وقال الإمام أحمد : حدثنا يحيى بن آدم حدثنا ابن المبارك عن يونس بن يزيد عن أبي علي بن يزيد - أخي يونس بن يزيد - عن الزهري عن أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قرأها : ( وكتبنا عليهم فيها أن النفس بالنفس والعين بالعين ) نصب النفس ورفع العين .وكذا رواه أبو داود والترمذي والحاكم في مستدركه ، من حديث عبد الله بن المبارك وقال الترمذي : حسن غريب .وقال البخاري : تفرد ابن المبارك بهذا الحديث .وقد استدل كثير ممن ذهب من الأصوليين والفقهاء إلى أن شرع من قبلنا شرع لنا ، إذا حكي مقررا ولم ينسخ ، كما هو المشهور عن الجمهور ، وكما حكاه الشيخ أبو إسحاق الاسفراييني عن نص الشافعي وأكثر الأصحاب بهذه الآية ، حيث كان الحكم عندنا على وفقها في الجنايات عند جميع الأئمة .وقال الحسن البصري : هي عليهم وعلى الناس عامة . رواه ابن أبي حاتم .وقد حكى الشيخ أبو زكريا النووي في هذه المسألة ثلاثة أوجه ثالثها : أن شرع إبراهيم حجة دون غيره ، وصحح منها عدم الحجية ، ونقلها الشيخ أبو إسحاق الاسفراييني أقوالا عن الشافعي ورجح أنه حجة عند الجمهور من أصحابنا ، فالله أعلم .وقد حكى الإمام أبو نصر بن الصباغ رحمه الله ، في كتابه " الشامل " إجماع العلماء على الاحتجاج بهذه الآية على ما دلت عليه ، وقد احتج الأئمة كلهم على أن الرجل يقتل بالمرأة بعموم هذه الآية الكريمة ، وكذا ورد في الحديث الذي رواه النسائي وغيره : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كتب في كتاب عمرو بن حزم : " أن الرجل يقتل بالمرأة " وفي الحديث الآخر : " المسلمون تتكافأ دماؤهم " وهذا قول جمهور العلماء .وعن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب أن الرجل إذا قتل المرأة لا يقتل بها ، إلا أن يدفع وليها إلى أوليائه نصف الدية ; لأن ديتها على النصف من دية الرجل ، وإليه ذهب أحمد في روايته [ عنه ] وحكي [ هذا ] عن الحسن [ البصري ] وعطاء وعثمان البتي ورواية عن أحمد [ به ] أن الرجل إذا قتل المرأة لا يقتل بها ، بل تجب ديتها .وهكذا احتج أبو حنيفة رحمه الله تعالى ، بعموم هذه الآية على أنه يقتل المسلم بالكافر الذمي ، وعلى قتل الحر بالعبد ، وقد خالفه الجمهور فيهما ، ففي الصحيحين عن أمير المؤمنين علي رضي الله عنه ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لا يقتل مسلم بكافر " وأما العبد فعن السلف في آثار متعددة : أنهم لم يكونوا يقيدون العبد من الحر ، ولا يقتلون حرا بعبد ، وجاء في ذلك أحاديث لا تصح ، وحكى الشافعي الإجماع على خلاف قول الحنفية في ذلك ، ولكن لا يلزم من ذلك بطلان قولهم إلا بدليل مخصص للآية الكريمة .ويؤيد ما قاله ابن الصباغ من الاحتجاج بهذه الآية الكريمة الحديث الثابت في ذلك ، كما قال الإمام أحمد :حدثنا محمد بن أبي عدي حدثنا حميد عن أنس بن مالك : أن الربيع عمة أنس كسرت ثنية جارية ، فطلبوا إلى القوم العفو ، فأبوا ، فأتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : " القصاص " . فقال أخوها أنس بن النضر : يا رسول الله ، تكسر ثنية فلانة ؟! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " يا أنس ، كتاب الله القصاص " . قال : فقال : لا والذي بعثك بالحق ، لا تكسر ثنية فلانة . قال : فرضي القوم ، فعفوا وتركوا القصاص ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن من عباد الله من لو أقسم على الله لأبره " .أخرجاه في الصحيحين وقد رواه محمد بن عبد الله بن المثنى الأنصاري في الجزء المشهور من حديثه ، عن حميد عن أنس بن مالك أن الربيع بنت النضر عمته لطمت جارية فكسرت ثنيتها فعرضوا عليهم الأرش ، فأبوا فطلبوا الأرش والعفو فأبوا ، فأتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأمرهم بالقصاص ، فجاء أخوها أنس بن النضر فقال : يا رسول الله أتكسر ثنية الربيع ؟ والذي بعثك بالحق لا تكسر ثنيتها . فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " يا أنس ، كتاب الله القصاص " . فعفا القوم ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن من عباد الله من لو أقسم على الله لأبره " . رواه البخاري عن الأنصاري . فأما الحديث الذي رواه أبو داود :حدثنا أحمد بن حنبل حدثنا معاذ بن هشام حدثنا أبي ، عن قتادة عن أبي نضرة عن عمران بن حصين أن غلاما لأناس فقراء قطع أذن غلام لأناس أغنياء ، فأتى أهله النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا : يا رسول الله ، إنا أناس فقراء ، فلم يجعل عليه شيئا . وكذا رواه النسائي عن إسحاق ابن راهويه عن معاذ بن هشام الدستوائي عن أبيه عن قتادة به ، وهذا إسناد قوي رجاله كلهم ثقات فإنه حديث مشكل ، اللهم إلا أن يقال : إن الجاني كان قبل البلوغ ، فلا قصاص عليه ، ولعله تحمل أرش ما نقص من غلام الأغنياء عن الفقراء ، أو استعفاهم عنه .وقوله تعالى : ( والجروح قصاص ) قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قال : تقتل النفس بالنفس ، وتفقأ العين بالعين ، ويقطع الأنف بالأنف ، وتنزع السن بالسن ، وتقتص الجراح بالجراح .فهذا يستوي فيه أحرار المسلمين [ به ] فيما بينهم ، رجالهم ونساؤهم ، إذا كان عمدا في النفس وما دون النفس ، ويستوي فيه العبيد رجالهم ونساؤهم فيما بينهم إذا كان عمدا ، في النفس وما دون النفس ، رواه ابن جرير وابن أبي حاتم .الجراح تارة تكون في مفصل ، فيجب فيه القصاص بالإجماع ، كقطع اليد والرجل والكف والقدم ونحو ذلك . وأما إذا لم تكن الجراح في مفصل بل في عظم ، فقال مالك رحمه الله : فيه القصاص إلا في الفخذ وشبهها ; لأنه مخوف خطر . وقال أبو حنيفة وصاحباه : لا يجب القصاص في شيء من العظام إلا في السن . وقال الشافعي : لا يجب القصاص في شيء من العظام مطلقا ، وهو مروي عن عمر بن الخطاب وابن عباس . وبه يقول عطاء والشعبي والحسن البصري والزهري وإبراهيم النخعي وعمر بن عبد العزيز . وإليه ذهب سفيان الثوري والليث بن سعد . وهو المشهور من مذهب الإمام أحمد .وقد احتج أبو حنيفة رحمه الله ، بحديث الربيع بنت النضر على مذهبه أنه لا قصاص في عظم إلا في السن . وحديث الربيع لا حجة فيه ; لأنه ورد بلفظ : " كسرت ثنية جارية " وجائز أن تكون سقطت من غير كسر ، فيجب القصاص - والحالة هذه - بالإجماع . وتمموا الدلالة . بما رواه ابن ماجه من طريق أبي بكر بن عياش عن دهثم بن قران عن نمران بن جارية عن أبيه جارية بن ظفر الحنفي أن رجلا ضرب رجلا على ساعده بالسيف من غير المفصل ، فقطعها ، فاستعدى النبي صلى الله عليه وسلم ، فأمر له بالدية ، فقال : يا رسول الله ، أريد القصاص . فقال : " خذ الدية ، بارك الله لك فيها " . ولم يقض له بالقصاص .وقال الشيخ أبو عمر بن عبد البر : ليس لهذا الحديث غير هذا الإسناد ودهثم بن قران العكلي ضعيف أعرابي ، ليس حديثه مما يحتج به ونمران بن جارية ضعيف أعرابي أيضا ، وأبوه جارية بن ظفر مذكور في الصحابة .ثم قالوا : لا يجوز أن يقتص من الجراحة حتى تندمل جراحه المجني عليه ، فإن اقتص منه قبل الاندمال ثم زاد جرحه ، فلا شيء له ، والدليل على ذلك ما رواه الإمام أحمد : حدثنا يعقوب حدثنا أبي ، عن محمد بن إسحاق فذكر حديثا ، قال ابن إسحاق : وذكر عمرو بن شعيب عن أبيه ، عن جده ; أن رجلا طعن رجلا بقرن في ركبته ، فجاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : أقدني . فقال صلى الله عليه وسلم : " لا تعجل حتى يبرأ جرحك " . قال : فأبى الرجل إلا أن يستقيد ، فأقاده رسول الله صلى الله عليه وسلم منه ، قال : فعرج المستقيد وبرأ المستقاد منه ، فأتى المستقيد إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له : يا رسول الله ، عرجت وبرأ صاحبي . فقال : " قد نهيتك فعصيتني ، فأبعدك الله وبطل عرجك " . ثم نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقتص من جرح حتى يبرأ صاحبه . تفرد به أحمد .فلو اقتص المجني عليه من الجاني ، فمات من القصاص ، فلا شيء عليه عند مالك والشافعي وأحمد بن حنبل وهو قول الجمهور من الصحابة والتابعين وغيرهم . وقال أبو حنيفة : تجب الدية في مال المقتص . وقال عامر الشعبي وعطاء وطاوس وعمرو بن دينار والحارث العكلي وابن أبي ليلى وحماد بن أبي سليمان والزهري والثوري : تجب الدية على عاقلة المقتص له . وقال ابن مسعود وإبراهيم النخعي والحكم بن عتيبة وعثمان البتي : يسقط عن المقتص له قدر تلك الجراحة ، ويجب الباقي في ماله .وقوله : ( فمن تصدق به فهو كفارة له ) قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس : ( فمن تصدق به فهو كفارة له ) يقول : فمن عفا عنه ، وتصدق عليه فهو كفارة للمطلوب ، وأجر للطالب .وقال سفيان الثوري عن عطاء بن السائب عن سعيد بن جبير عن ابن عباس : ( فمن تصدق به فهو كفارة له ) قال : كفارة للجارح ، وأجر المجروح على الله عز وجل . رواه ابن أبي حاتم ثم قال : وروي عن خيثمة بن عبد الرحمن ومجاهد وإبراهيم - في أحد قوليه - وعامر الشعبي وجابر بن زيد - نحو ذلك الوجه الثاني ، ثم قال ابن أبي حاتم :حدثنا حماد بن زاذان حدثنا حرمي - يعني ابن عمارة - حدثنا شعبة عن عمارة - يعني ابن أبي حفصة - عن رجل ، عن جابر بن عبد الله في قول الله عز وجل ( فمن تصدق به فهو كفارة له ) قال : للمجروح . وروى عن الحسن البصري وإبراهيم النخعي - في أحد قوليه - وأبي إسحاق الهمداني نحو ذلك .وروى ابن جرير عن عامر الشعبي وقتادة مثله .وقال ابن أبي حاتم : حدثنا يونس بن حبيب حدثنا أبو داود الطيالسي حدثنا شعبة عن قيس - يعني بن مسلم - قال : سمعت طارق بن شهاب يحدث ، عن الهيثم أبي العريان النخعي قال : رأيت عبد الله بن عمرو عند معاوية أحمر شبيها بالموالي ، فسألته عن قول الله [ عز وجل ] ( فمن تصدق به فهو كفارة له ) قال : يهدم عنه من ذنوبه بقدر ما تصدق به .وهكذا رواه سفيان الثوري عن قيس بن مسلم . وكذا رواه ابن جرير من طريق سفيان وشعبة .وقال ابن مردويه : حدثني محمد بن علي ، حدثنا عبد الرحيم بن محمد المجاشعي حدثنا محمد بن أحمد بن الحجاج المهري حدثنا يحيى بن سليمان الجعفي حدثنا معلى - يعني ابن هلال - أنه سمع أبان بن تغلب عن أبي العريان الهيثم بن الأسود عن عبد الله بن عمرو - وعن أبان بن تغلب عن الشعبي عن رجل من الأنصار عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله : ( فمن تصدق به فهو كفارة له ) قال : هو الذي تكسر سنه ، أو تقطع يده ، أو يقطع الشيء منه ، أو يجرح في بدنه فيعفو عن ذلك ، وقال فيحط عنه قدر خطاياه ، فإن كان ربع الدية فربع خطاياه ، وإن كان الثلث فثلث خطاياه ، وإن كانت الدية حطت عنه خطاياه كذلك .ثم قال ابن جرير : حدثنا زكريا بن يحيى بن أبي زائدة حدثنا ابن فضيل عن يونس بن أبي إسحاق عن أبي السفر قال : دفع رجل من قريش رجلا من الأنصار فاندقت ثنيته ، فرفعه الأنصاري إلى معاوية فلما ألح عليه الرجل قال : شأنك وصاحبك . قال : وأبو الدرداء عند معاوية فقال أبو الدرداء : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " ما من مسلم يصاب بشيء من جسده ، فيهبه ، إلا رفعه الله به درجة ، وحط عنه به خطيئة " . فقال الأنصاري : أنت سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقال : سمعته أذناي ووعاه قلبي ، فخلى سبيل القرشي ، فقال معاوية : مروا له بمال .هكذا رواه ابن جرير ورواه الإمام أحمد فقال : حدثنا وكيع حدثنا يونس بن أبي إسحاق عن أبي السفر قال : كسر رجل من قريش سن رجل من الأنصار فاستعدى عليه معاوية فقال القرشي : إن هذا دق سني ؟ قال معاوية : إنا سنرضيه . فألح الأنصاري ، فقال معاوية : شأنك بصاحبك وأبو الدرداء جالس ، فقال أبو الدرداء سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " ما من مسلم يصاب بشيء في جسده ، فيتصدق به ، إلا رفعه الله به درجة أو حط عنه بها خطيئة " . فقال الأنصاري : فإني ، يعني : قد عفوت .وهكذا رواه الترمذي من حديث ابن المبارك وابن ماجه من حديث وكيع كلاهما عن يونس بن أبي إسحاق به ، ثم قال الترمذي : غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه ، ولا أعرف لأبي السفر سماعا من أبي الدرداء .وقال [ أبو بكر ] بن مردويه : حدثنا دعلج بن أحمد حدثنا محمد بن علي بن زيد حدثنا سعيد بن منصور حدثنا سفيان عن عمران بن ظبيان عن عدي بن ثابت ; أن رجلا هتم فمه رجل ، على عهد معاوية رضي الله عنه ، فأعطي دية ، فأبى إلا أن يقتص ، فأعطي ديتين ، فأبى ، فأعطي ثلاثا ، فأبى ، فحدث رجل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " من تصدق بدم فما دونه ، فهو كفارة له من يوم ولد إلى يوم يموت " .وقال الإمام أحمد : حدثنا سريج بن النعمان حدثنا هشيم عن المغيرة عن الشعبي أن عبادة بن الصامت قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " ما من رجل يجرح من جسده جراحة ، فيتصدق بها ، إلا كفر الله عنه مثل ما تصدق به .ورواه النسائي عن علي بن حجر عن جرير بن عبد الحميد ورواه ابن جرير عن محمود بن خداش عن هشيم كلاهما عن المغيرة به .وقال الإمام أحمد : حدثنا يحيى بن سعيد القطان عن مجالد عن عامر عن المحرر بن أبي هريرة عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قال : " من أصيب بشيء من جسده ، فتركه لله ، كان كفارة له " .وقوله : ( ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الظالمون ) قد تقدم عن طاوس وعطاء أنهما قالا كفر دون كفر ، وظلم دون ظلم ، وفسق دون فسق .
5:46
وَ قَفَّیْنَا عَلٰۤى اٰثَارِهِمْ بِعِیْسَى ابْنِ مَرْیَمَ مُصَدِّقًا لِّمَا بَیْنَ یَدَیْهِ مِنَ التَّوْرٰىةِ۪-وَ اٰتَیْنٰهُ الْاِنْجِیْلَ فِیْهِ هُدًى وَّ نُوْرٌۙ-وَّ مُصَدِّقًا لِّمَا بَیْنَ یَدَیْهِ مِنَ التَّوْرٰىةِ وَ هُدًى وَّ مَوْعِظَةً لِّلْمُتَّقِیْنَؕ(۴۶)
اور ہم ان نبیوں کے پیچھے ان کے نشانِ قدم پر عیسیٰ بن مریم کو لائے تصدیق کرتا ہوا توریت کی جو اس سے پہلے تھی (ف۱۲۱) اور ہم نے اسے انجیل عطا کی جس میں ہدایت اور نور ہے اور تصدیق فرماتی ہے توریت کی کہ اس سے پہلی تھی اور ہدایت (ف۱۲۲) اور نصیحت پرہیزگاروں کو،

قول تعالى : " وقفينا " أي : أتبعنا ( على آثارهم ) يعني : أنبياء بني إسرائيل [ عليه السلام ] ( بعيسى ابن مريم مصدقا لما بين يديه من التوراة ) أي : مؤمنا بها حاكما بما فيها ( وآتيناه الإنجيل فيه هدى ونور ) أي : هدى إلى الحق ، ونور يستضاء به في إزالة الشبهات وحل المشكلات . ( ومصدقا لما بين يديه من التوراة ) أي : متبعا لها ، غير مخالف لما فيها ، إلا في القليل مما بين لبني إسرائيل بعض ما كانوا يختلفون فيه ، كما قال تعالى إخبارا عن المسيح أنه قال لبني إسرائيل : ( ولأحل لكم بعض الذي حرم عليكم ) [ آل عمران : 50 ] ; ولهذا كان المشهور من قولي العلماء أن الإنجيل نسخ بعض أحكام التوراة .وقوله : ( وهدى وموعظة للمتقين ) أي : وجعلنا الإنجيل ) هدى ) يهتدى به ، ( وموعظة ) أي : وزاجرا عن ارتكاب المحارم والمآثم ( للمتقين ) أي : لمن اتقى الله وخاف وعيده وعقابه .
5:47
وَ لْیَحْكُمْ اَهْلُ الْاِنْجِیْلِ بِمَاۤ اَنْزَلَ اللّٰهُ فِیْهِؕ-وَ مَنْ لَّمْ یَحْكُمْ بِمَاۤ اَنْزَلَ اللّٰهُ فَاُولٰٓىٕكَ هُمُ الْفٰسِقُوْنَ(۴۷)
اور چاہئے کہ انجیل والے حکم کریں اس پر جو اللہ نے اس میں اتارا (ف۱۲۳) اور جو اللہ کے اتارے پر حکم نہ کریں تو وہی لوگ فاسق ہیں،

وقوله : ( وليحكم أهل الإنجيل بما أنزل الله فيه ) قرئ ( وليحكم ) بالنصب على أن اللام لام كي ، أي : وآتيناه الإنجيل [ فيه هدى ونور ] ليحكم أهل ملته به في زمانهم . وقرئ : ( وليحكم ) بالجزم ؛ اللام لام الأمر ، أي : ليؤمنوا بجميع ما فيه ، وليقيموا ما أمروا به فيه ، ومما فيه البشارة ببعثة محمد [ صلى الله عليه وسلم ] والأمر باتباعه وتصديقه إذا وجد ، كما قال تعالى : ( قل يا أهل الكتاب لستم على شيء حتى تقيموا التوراة والإنجيل وما أنزل إليكم من ربكم ) الآية [ المائدة : 68 ] وقال تعالى : ( الذين يتبعون الرسول النبي الأمي الذي يجدونه مكتوبا عندهم في التوراة [ والإنجيل يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر ويحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث ويضع عنهم إصرهم والأغلال التي كانت عليهم فالذين آمنوا به وعزروه ونصروه واتبعوا النور الذي أنزل معه أولئك هم ] المفلحون ) [ الأعراف : 157 ] ; ولهذا قال هاهنا : ( ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الفاسقون ) أي : الخارجون عن طاعة ربهم ، المائلون إلى الباطل ، التاركون للحق . وقد تقدم أن هذه الآية نزلت في النصارى وهو ظاهر السياق .
5:48
وَ اَنْزَلْنَاۤ اِلَیْكَ الْكِتٰبَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِّمَا بَیْنَ یَدَیْهِ مِنَ الْكِتٰبِ وَ مُهَیْمِنًا عَلَیْهِ فَاحْكُمْ بَیْنَهُمْ بِمَاۤ اَنْزَلَ اللّٰهُ وَ لَا تَتَّبِـعْ اَهْوَآءَهُمْ عَمَّا جَآءَكَ مِنَ الْحَقِّؕ-لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَّ مِنْهَاجًاؕ-وَ لَوْ شَآءَ اللّٰهُ لَجَعَلَكُمْ اُمَّةً وَّاحِدَةً وَّ لٰكِنْ لِّیَبْلُوَكُمْ فِیْ مَاۤ اٰتٰىكُمْ فَاسْتَبِقُوا الْخَیْرٰتِؕ-اِلَى اللّٰهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِیْعًا فَیُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ فِیْهِ تَخْتَلِفُوْنَۙ(۴۸)
اور اے محبوب ہم نے تمہاری طرف سچی کتاب اتاری اگلی کتابوں کی تصدیق فرماتی (ف۱۲۴) اور ان پر محافظ و گواہ تو ان میں فیصلہ کرو اللہ کے اتارے سے (ف۱۲۵) اور اسے سننے والے ان کی خواہشوں کی پیروی نہ کرنا اپنے پاس آیا ہوا حق چھوڑ کر، ہم نے تم سب کے لیے ایک ایک شریعت اور راستہ رکھا (ف۱۲۶) اور اللہ چاہتا تو تم سب کو ایک ہی امت کردیتا مگر منظور یہ ہے کہ جو کچھ تمہیں دیا اس میں تمہیں آزمائے (ف۱۲۷) تو بھلائیوں کی طرف سبقت چاہو، تم سب کا پھرنا اللہ ہی کی طرف ہے تو وہ تمہیں بتادے گا جس بات میں تم جھگڑتے تھے

لما ذكر تعالى التوراة التي أنزلها الله على موسى كليمه [ عليه السلام ] ومدحها وأثنى عليها ، وأمر باتباعها حيث كانت سائغة الاتباع ، وذكر الإنجيل ومدحه ، وأمر أهله بإقامته واتباع ما فيه ، كما تقدم بيانه ، شرع تعالى في ذكر القرآن العظيم ، الذي أنزله على عبده ورسوله الكريم ، فقال : ( وأنزلنا إليك الكتاب بالحق ) أي : بالصدق الذي لا ريب فيه أنه من عند الله ، ( مصدقا لما بين يديه من الكتاب ) أي : من الكتب المتقدمة المتضمنة ذكره ومدحه ، وأنه سينزل من عند الله على عبده ورسوله محمد صلى الله عليه وسلم ، فكان نزوله كما أخبرت به ، مما زادها صدقا عند حامليها من ذوي البصائر ، الذين انقادوا لأمر الله واتبعوا شرائع الله ، وصدقوا رسل الله ، كما قال تعالى : ( إن الذين أوتوا العلم من قبله إذا يتلى عليهم يخرون للأذقان سجدا ويقولون سبحان ربنا إن كان وعد ربنا لمفعولا ) [ الإسراء : 107 ، 108 ] أي : إن كان ما وعدنا الله على ألسنة الرسل المتقدمين ، من مجيء محمد ، عليه السلام ، ( لمفعولا ) أي : لكائنا لا محالة ولا بد .وقوله : ( ومهيمنا عليه ) قال سفيان الثوري وغيره ، عن أبي إسحاق عن التميمي عن ابن عباس أي : مؤتمنا عليه . وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس : المهيمن : الأمين ، قال : القرآن أمين على كل كتاب قبله .وروي عن عكرمة وسعيد بن جبير ومجاهد ومحمد بن كعب وعطية والحسن وقتادة وعطاء الخراساني والسدي وابن زيد نحو ذلك .وقال ابن جريج : القرآن أمين على الكتب المتقدمة ، فما وافقه منها فهو حق ، وما خالفه منها فهو باطل .وعن الوالبي ، عن ابن عباس : ( ومهيمنا ) أي : شهيدا . وكذا قال مجاهد وقتادة والسدي .وقال العوفي عن ابن عباس : ( ومهيمنا ) أي : حاكما على ما قبله من الكتب .وهذه الأقوال كلها متقاربة المعنى ، فإن اسم " المهيمن " يتضمن هذا كله ، فهو أمين وشاهد وحاكم على كل كتاب قبله ، جعل الله هذا الكتاب العظيم ، الذي أنزله آخر الكتب وخاتمها ، أشملها وأعظمها وأحكمها حيث جمع فيه محاسن ما قبله ، وزاده من الكمالات ما ليس في غيره ; فلهذا جعله شاهدا وأمينا وحاكما عليها كلها . وتكفل تعالى بحفظه بنفسه الكريمة ، فقال [ تعالى ] ( إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون ) [ الحجر : 9 ] .فأما ما حكاه ابن أبي حاتم عن عكرمة وسعيد بن جبير وعطاء الخراساني وابن أبي نجيح عن مجاهد أنهم قالوا في قوله : ( ومهيمنا عليه ) يعني : محمدا صلى الله عليه وسلم أمين على القرآن ، فإنه صحيح في المعنى ، ولكن في تفسير هذا بهذا نظر ، وفي تنزيله عليه من حيث العربية أيضا نظر . وبالجملة فالصحيح الأول ، قال أبو جعفر بن جرير بعد حكايته له عن مجاهد : وهذا التأويل بعيد من المفهوم في كلام العرب ، بل هو خطأ ، وذلك أن " المهيمن " عطف على " المصدق " ، فلا يكون إلا من صفة ما كان " المصدق " صفة له . قال : ولو كان كما قال مجاهد لقال : " وأنزلنا إليك الكتاب مصدقا لما بين يديه من الكتاب مهيمنا عليه " . يعني من غير عطف .وقوله : ( فاحكم بينهم بما أنزل الله ) أي : فاحكم يا محمد بين الناس : عربهم وعجمهم ، أميهم وكتابيهم ) بما أنزل الله ) إليك في هذا الكتاب العظيم ، وبما قرره لك من حكم من كان قبلك من الأنبياء ولم ينسخه في شرعك . هكذا وجهه ابن جرير بمعناه .وقال ابن أبي حاتم : حدثنا محمد بن عمار حدثنا سعيد بن سليمان حدثنا عباد بن العوام عن سفيان بن حسين عن الحكم عن مجاهد عن ابن عباس قال : كان النبي صلى الله عليه وسلم مخيرا ، إن شاء حكم بينهم ، وإن شاء أعرض عنهم . فردهم إلى أحكامهم ، فنزلت : ( وأن احكم بينهم بما أنزل الله ولا تتبع أهواءهم ) فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يحكم بينهم بما في كتابنا .وقوله : ( ولا تتبع أهواءهم ) أي : آراءهم التي اصطلحوا عليها ، وتركوا بسببها ما أنزل الله على رسوله ; ولهذا قال : ( ولا تتبع أهواءهم عما جاءك من الحق ) أي : لا تنصرف عن الحق الذي أمرك الله به إلى أهواء هؤلاء من الجهلة الأشقياء .وقوله : ( لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا ) قال ابن أبي حاتم : حدثنا أبو سعيد الأشج حدثنا أبو خالد الأحمر عن يوسف بن أبي إسحاق عن أبيه ، عن التميمي عن ابن عباس : ( لكل جعلنا منكم شرعة ) قال : سبيلا .وحدثنا أبو سعيد حدثنا وكيع عن سفيان عن أبي إسحاق عن التميمي عن ابن عباس : ( ومنهاجا ) قال : وسنة . وكذا روى العوفي عن ابن عباس : ( شرعة ومنهاجا ) سبيلا وسنة .وكذا روي عن مجاهد وعكرمة والحسن البصري وقتادة والضحاك والسدي وأبي إسحاق السبيعي أنهم قالوا في قوله : ( شرعة ومنهاجا ) أي : سبيلا وسنة .وعن ابن عباس ومجاهد أيضا وعطاء الخراساني عكسه : ( شرعة ومنهاجا ) أي : سنة وسبيلا ، والأول أنسب ، فإن الشرعة وهي الشريعة أيضا ، هي ما يبتدأ فيه إلى الشيء ومنه يقال : " شرع في كذا " أي : ابتدأ فيه . وكذا الشريعة وهي ما يشرع منها إلى الماء . أما " المنهاج " : فهو الطريق الواضح السهل ، والسنن : الطرائق ، فتفسير قوله : ( شرعة ومنهاجا ) بالسبيل والسنة أظهر في المناسبة من العكس ، والله أعلم .ثم هذا إخبار عن الأمم المختلفة الأديان ، باعتبار ما بعث الله به رسله الكرام من الشرائع المختلفة في الأحكام ، المتفقة في التوحيد ، كما ثبت في صحيح البخاري عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " نحن معاشر الأنبياء إخوة لعلات ، ديننا واحد " يعني بذلك التوحيد الذي بعث الله به كل رسول أرسله ، وضمنه كل كتاب أنزله ، كما قال تعالى : ( وما أرسلنا من قبلك من رسول إلا نوحي إليه أنه لا إله إلا أنا فاعبدون ) [ الأنبياء : 25 ] وقال تعالى : ( ولقد بعثنا في كل أمة رسولا أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت ) الآية [ النحل : 36 ] ، وأما الشرائع فمختلفة في الأوامر والنواهي ، فقد يكون الشيء في هذه الشريعة حراما ثم يحل في الشريعة الأخرى ، وبالعكس ، وخفيفا فيزاد في الشدة في هذه دون هذه . وذلك لما له تعالى في ذلك من الحكمة البالغة ، والحجة الدامغة .قال سعيد بن أبي عروبة عن قتادة : قوله : ( لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا ) يقول : سبيلا وسنة ، والسنن مختلفة : هي في التوراة شريعة ، وفي الإنجيل شريعة ، وفي الفرقان شريعة ، يحل الله فيها ما يشاء ، ويحرم ما يشاء ، ليعلم من يطيعه ممن يعصيه ، والدين الذي لا يقبل الله غيره : التوحيد والإخلاص لله ، الذي جاءت به الرسل .وقيل : المخاطب بهذا هذه الأمة ، ومعناه : ( لكل جعلنا ) القرآن ( منكم ) أيتها الأمة ( شرعة ومنهاجا ) أي : هو لكم كلكم ، تقتدون به . وحذف الضمير المنصوب في قوله : ( لكل جعلنا منكم ) أي : جعلناه ، يعني القرآن ، ( شرعة ومنهاجا ) أي : سبيلا إلى المقاصد الصحيحة ، وسنة ؛ أي : طريقا ومسلكا واضحا بينا .هذا مضمون ما حكاه ابن جرير عن مجاهد رحمه الله ، والصحيح القول الأول ، ويدل على ذلك قوله تعالى : ( ولو شاء الله لجعلكم أمة واحدة ) فلو كان هذا خطابا لهذه الأمة لما صح أن يقول : ( ولو شاء الله لجعلكم أمة واحدة ) وهم أمة واحدة ، ولكن هذا خطاب لجميع الأمم ، وإخبار عن قدرته تعالى العظيمة التي لو شاء لجمع الناس كلهم على دين واحد وشريعة واحدة ، لا ينسخ شيء منها . ولكنه تعالى شرع لكل رسول شرعة على حدة ، ثم نسخها أو بعضها برسالة الآخر الذي بعده حتى نسخ الجميع بما بعث به عبده ورسوله محمدا صلى الله عليه وسلم الذي ابتعثه إلى أهل الأرض قاطبة ، وجعله خاتم الأنبياء كلهم ; ولهذا قال تعالى : ( ولو شاء الله لجعلكم أمة واحدة ولكن ليبلوكم في ما آتاكم ) أي : أنه تعالى شرع الشرائع مختلفة ، ليختبر عباده فيما شرع لهم ، ويثيبهم أو يعاقبهم على طاعته ومعصيته بما فعلوه أو عزموا عليه من ذلك كله .وقال عبد الله بن كثير : ( في ما آتاكم ) يعني : من الكتاب .ثم إنه تعالى ندبهم إلى المسارعة إلى الخيرات والمبادرة إليها ، فقال : ( فاستبقوا الخيرات ) وهي طاعة الله واتباع شرعه ، الذي جعله ناسخا لما قبله ، والتصديق بكتابه القرآن الذي هو آخر كتاب أنزله .ثم قال تعالى : ( إلى الله مرجعكم جميعا ) أي : معادكم أيها الناس ومصيركم إليه يوم القيامة ( فينبئكم بما كنتم فيه تختلفون ) أي : فيخبركم بما اختلفتم فيه من الحق ، فيجزي الصادقين بصدقهم ، ويعذب الكافرين الجاحدين المكذبين بالحق ، العادلين عنه إلى غيره بلا دليل ولا برهان ، بل هم معاندون للبراهين القاطعة ، والحجج البالغة ، والأدلة الدامغة .وقال الضحاك : ( فاستبقوا الخيرات ) يعني : أمة محمد صلى الله عليه وسلم . والأظهر الأول .
5:49
وَ اَنِ احْكُمْ بَیْنَهُمْ بِمَاۤ اَنْزَلَ اللّٰهُ وَ لَا تَتَّبِـعْ اَهْوَآءَهُمْ وَ احْذَرْهُمْ اَنْ یَّفْتِنُوْكَ عَنْۢ بَعْضِ مَاۤ اَنْزَلَ اللّٰهُ اِلَیْكَؕ-فَاِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمْ اَنَّمَا یُرِیْدُ اللّٰهُ اَنْ یُّصِیْبَهُمْ بِبَعْضِ ذُنُوْبِهِمْؕ-وَ اِنَّ كَثِیْرًا مِّنَ النَّاسِ لَفٰسِقُوْنَ(۴۹)
اور یہ کہ اے مسلمان! اللہ کے اتارے پر حکم کر اور ان کی خواہشوں پر نہ چل اور ان سے بچتا رہ کہ کہیں تجھے لغزش نہ دے دیں کسی حکم میں جو تیری طرف اترا پھر اگر وہ منہ پھیریں (ف۱۲۸) تو جان لو کہ اللہ ان کے بعض گناہوں کی (ف۱۲۹) سزا ان کو پہنچایا چاہتا ہے (ف۱۳۰) اور بیشک بہت آدمی بے حکم ہیں،

وقوله : ( وأن احكم بينهم بما أنزل الله ولا تتبع أهواءهم ) تأكيد لما تقدم من الأمر بذلك ، والنهي عن خلافه .ثم قال [ تعالى ] ( واحذرهم أن يفتنوك عن بعض ما أنزل الله إليك ) أي : احذر أعداءك اليهود أن يدلسوا عليك الحق فيما ينهونه إليك من الأمور ، فلا تغتر بهم ، فإنهم كذبة كفرة خونة . ( فإن تولوا ) أي : عما تحكم به بينهم من الحق ، وخالفوا شرع الله ( فاعلم أنما يريد الله أن يصيبهم ببعض ذنوبهم ) أي : فاعلم أن ذلك كائن عن قدر الله وحكمته فيهم أن يصرفهم عن الهدى لما عليهم من الذنوب السالفة التي اقتضت إضلالهم ونكالهم . ( وإن كثيرا من الناس لفاسقون ) أي : أكثر الناس خارجون عن طاعة ربهم ، مخالفون للحق ناؤون عنه ، كما قال تعالى : ( وما أكثر الناس ولو حرصت بمؤمنين ) [ يوسف : 103 ] . وقال تعالى : ( وإن تطع أكثر من في الأرض يضلوك عن سبيل الله ) [ الآية ] [ الأنعام : 116 ] .وقال محمد بن إسحاق : حدثني محمد بن أبي محمد مولى زيد بن ثابت حدثني سعيد بن جبير أو عكرمة عن ابن عباس قال : قال كعب بن أسد وابن صلوبا وعبد الله بن صوريا وشاس بن قيس بعضهم لبعض : اذهبوا بنا إلى محمد لعلنا نفتنه عن دينه! فأتوه ، فقالوا : يا محمد ، إنك قد عرفت أنا أحبار يهود وأشرافهم وساداتهم ، وإنا إن اتبعناك اتبعنا يهود ولم يخالفونا ، وإن بيننا وبين قومنا خصومة فنحاكمهم إليك ، فتقضي لنا عليهم ، ونؤمن لك ، ونصدقك! فأبى ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأنزل الله عز وجل فيهم : ( وأن احكم بينهم بما أنزل الله ولا تتبع أهواءهم واحذرهم أن يفتنوك عن بعض ما أنزل الله إليك ) إلى قوله : ( لقوم يوقنون ) رواه ابن جرير وابن أبي حاتم .
5:50
اَفَحُكْمَ الْجَاهِلِیَّةِ یَبْغُوْنَؕ-وَ مَنْ اَحْسَنُ مِنَ اللّٰهِ حُكْمًا لِّقَوْمٍ یُّوْقِنُوْنَ۠(۵۰)
تو کیا جاہلیت کا حکم چاہتے ہیں (ف۱۳۱) اور اللہ سے بہتر کس کا حکم یقین والوں کے لیے،

وقوله : ( أفحكم الجاهلية يبغون ومن أحسن من الله حكما لقوم يوقنون ) ينكر تعالى على من خرج عن حكم الله المحكم المشتمل على كل خير ، الناهي عن كل شر وعدل إلى ما سواه من الآراء والأهواء والاصطلاحات ، التي وضعها الرجال بلا مستند من شريعة الله ، كما كان أهل الجاهلية يحكمون به من الضلالات والجهالات ، مما يضعونها بآرائهم وأهوائهم ، وكما يحكم به التتار من السياسات الملكية المأخوذة عن ملكهم جنكزخان الذي وضع لهم اليساق وهو عبارة عن كتاب مجموع من أحكام قد اقتبسها عن شرائع شتى ، من اليهودية والنصرانية والملة الإسلامية ، وفيها كثير من الأحكام أخذها من مجرد نظره وهواه ، فصارت في بنيه شرعا متبعا ، يقدمونها على الحكم بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم . ومن فعل ذلك منهم فهو كافر يجب قتاله ، حتى يرجع إلى حكم الله ورسوله [ صلى الله عليه وسلم ] فلا يحكم سواه في قليل ولا كثير ، قال الله تعالى : ( أفحكم الجاهلية يبغون ) أي : يبتغون ويريدون ، وعن حكم الله يعدلون . ( ومن أحسن من الله حكما لقوم يوقنون ) أي : ومن أعدل من الله في حكمه لمن عقل عن الله شرعه ، وآمن به وأيقن وعلم أنه تعالى أحكم الحاكمين ، وأرحم بخلقه من الوالدة بولدها ، فإنه تعالى هو العالم بكل شيء ، القادر على كل شيء ، العادل في كل شيء .وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي ، حدثنا هلال بن فياض حدثنا أبو عبيدة الناجي قال : سمعت الحسن يقول : من حكم بغير حكم الله ، فحكم الجاهلية [ هو ]وأخبرنا يونس بن عبد الأعلى قراءة ، حدثنا سفيان بن عيينة عن ابن أبي نجيح قال : كان طاوس إذا سأله رجل : أفضل بين ولدي في النحل؟ قرأ : ( أفحكم الجاهلية يبغون [ ومن أحسن من الله حكما لقوم يوقنون ] )وقال الحافظ أبو القاسم الطبراني : حدثنا أحمد بن عبد الوهاب بن نجدة الخوطي حدثنا أبو اليمان الحكم بن نافع أخبرنا شعيب بن أبي حمزة عن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي حسين عن نافع بن جبير عن ابن عباس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" أبغض الناس إلى الله عز وجل من يبتغي في الإسلام سنة الجاهلية وطالب دم امرئ بغير حق ليريق دمه" وروى البخاري عن أبي اليمان بإسناده نحوه بزيادة.
5:51
یٰۤاَیُّهَا الَّذِیْنَ اٰمَنُوْا لَا تَتَّخِذُوا الْیَهُوْدَ وَ النَّصٰرٰۤى اَوْلِیَآءَ ﳕ بَعْضُهُمْ اَوْلِیَآءُ بَعْضٍؕ-وَ مَنْ یَّتَوَلَّهُمْ مِّنْكُمْ فَاِنَّهٗ مِنْهُمْؕ-اِنَّ اللّٰهَ لَا یَهْدِی الْقَوْمَ الظّٰلِمِیْنَ(۵۱)
اے ایمان والو! یہود و نصاریٰ کو دوست نہ بناؤ (ف۱۳۲) وہ آپس میں ایک دوسرے کے دوست ہیں (ف۱۳۳) اور تم میں جو کوئی ان سے دوستی رکھے گا تو وہ انہیں میں سے ہے (ف۱۳۴) بیشک اللہ بے انصافوں کو راہ نہیں دیتا (ف۱۳۵)

ينهى تعالى عباده المؤمنين عن موالاة اليهود والنصارى الذين هم أعداء الإسلام وأهله ، قاتلهم الله ، ثم أخبر أن بعضهم أولياء بعض ، ثم تهدد وتوعد من يتعاطى ذلك فقال : ( ومن يتولهم منكم فإنه منهم [ إن الله لا يهدي القوم الظالمين ] )قال ابن أبي حاتم : حدثنا كثير بن شهاب حدثنا محمد - يعني ابن سعيد بن سابق - حدثنا عمرو بن أبي قيس عن سماك بن حرب عن عياض : أن عمر أمر أبا موسى الأشعري أن يرفع إليه ما أخذ وما أعطى في أديم واحد ، وكان له كاتب نصراني ، فرفع إليه ذلك ، فعجب عمر [ رضي الله عنه ] وقال : إن هذا لحفيظ ، هل أنت قارئ لنا كتابا في المسجد جاء من الشام؟ فقال : إنه لا يستطيع [ أن يدخل المسجد ] فقال عمر : أجنب هو؟ قال : لا بل نصراني . قال : فانتهرني وضرب فخذي ، ثم قال : أخرجوه ، ثم قرأ : ( يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء [ بعضهم أولياء بعض ومن يتولهم منكم فإنه منهم إن الله لا يهدي القوم الظالمين ] )ثم قال الحسن بن محمد بن الصباح : حدثنا عثمان بن عمر أنبأنا ابن عون عن محمد بن سيرين قال : قال عبد الله بن عتبة : ليتق أحدكم أن يكون يهوديا أو نصرانيا ، وهو لا يشعر . قال : فظنناه يريد هذه الآية : ( يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء [ بعضهم أولياء بعض ومن يتولهم منكم فإنه منهم ] ) الآية . وحدثنا أبو سعيد الأشج حدثنا ابن فضيل عن عاصم عن عكرمة عن ابن عباس : أنه سئل عن ذبائح نصارى العرب فقال : كل ، قال الله تعالى : ( ومن يتولهم منكم فإنه منهم )وروي عن أبي الزناد نحو ذلك .
5:52
فَتَرَى الَّذِیْنَ فِیْ قُلُوْبِهِمْ مَّرَضٌ یُّسَارِعُوْنَ فِیْهِمْ یَقُوْلُوْنَ نَخْشٰۤى اَنْ تُصِیْبَنَا دَآىٕرَةٌؕ-فَعَسَى اللّٰهُ اَنْ یَّاْتِیَ بِالْفَتْحِ اَوْ اَمْرٍ مِّنْ عِنْدِهٖ فَیُصْبِحُوْا عَلٰى مَاۤ اَسَرُّوْا فِیْۤ اَنْفُسِهِمْ نٰدِمِیْنَؕ(۵۲)
اب تم انہیں دیکھو گے جن کے دلوں میں آزار ہے (ف۱۳۶) کہ یہود و نصاریٰ کی طرف دوڑتے ہیں کہتے ہیں ہم ڈرتے ہیں کہ ہم پر کوئی گردش آجائے (ف۱۳۷) تو نزدیک ہے کہ اللہ فتح لائے (ف۱۳۸) یا اپنی طرف سے کوئی حکم (ف۱۳۹) پھر اس پر جو اپنے دلوں میں چھپایا تھا (ف۱۴۰) پچھتائے رہ جائیں

وقوله : ( فترى الذين في قلوبهم مرض ) أي : شك ، وريب ، ونفاق ( يسارعون فيهم ) أي : يبادرون إلى موالاتهم ومودتهم في الباطن والظاهر ، ( يقولون نخشى أن تصيبنا دائرة ) أي : يتأولون في مودتهم وموالاتهم أنهم يخشون أن يقع أمر من ظفر الكفار بالمسلمين ، فتكون لهم أياد عند اليهود والنصارى فينفعهم ذلك ، عند ذلك قال الله تعالى : ( فعسى الله أن يأتي بالفتح ) قال السدي : يعني فتح مكة . وقال غيره : يعني القضاء والفصل ( أو أمر من عنده ) قال السدي : يعني ضرب الجزية على اليهود والنصارى ( فيصبحوا ) يعني : الذين والوا اليهود والنصارى من المنافقين ( على ما أسروا في أنفسهم نادمين ) من الموالاة ( نادمين ) أي : على ما كان منهم ، مما لم يجد عنهم شيئا ، ولا دفع عنهم محذورا ، بل كان عين المفسدة ، فإنهم فضحوا ، وأظهر الله أمرهم في الدنيا لعباده المؤمنين ، بعد أن كانوا مستورين لا يدرى كيف حالهم . فلما انعقدت الأسباب الفاضحة لهم ، تبين أمرهم لعباد الله المؤمنين ، فتعجبوا منهم كيف كانوا يظهرون أنهم من المؤمنين ، ويحلفون على ذلك ويتأولون ، فبان كذبهم وافتراؤهم ; ولهذا قال تعالى :
5:53
وَ یَقُوْلُ الَّذِیْنَ اٰمَنُوْۤا اَهٰۤؤُلَآءِ الَّذِیْنَ اَقْسَمُوْا بِاللّٰهِ جَهْدَ اَیْمَانِهِمْۙ-اِنَّهُمْ لَمَعَكُمْؕ-حَبِطَتْ اَعْمَالُهُمْ فَاَصْبَحُوْا خٰسِرِیْنَ(۵۳)
اور (ف۱۴۱) ایمان والے کہتے ہیں کیا یہی ہیں جنہوں نے اللہ کی قسم کھائی تھی اپنے حلف میں پوری کوشش سے کہ وہ تمہارے ساتھ ہیں ان کا کیا دھرا سب اکارت گیا تو رہ گئے نقصان میں (ف۱۴۲)

وقد اختلف القراء في هذا الحرف ، فقرأه الجمهور بإثبات الواو في قوله : ( ويقول الذين ) ثم منهم من رفع ( ويقول ) على الابتداء ، ومنهم من نصب عطفا على قوله : ( فعسى الله أن يأتي بالفتح أو أمر من عنده ) تقديره " أن يأتي " " وأن يقول " ، وقرأ أهل المدينة : ( يقول الذين آمنوا ) بغير واو ، وكذلك هو في مصاحفهم على ما ذكره ابن جرير قال ابن جريج عن مجاهد : ( فعسى الله أن يأتي بالفتح أو أمر من عنده ) حينئذ ( ويقول الذين آمنوا أهؤلاء الذين أقسموا بالله جهد أيمانهم إنهم لمعكم حبطت أعمالهم فأصبحوا خاسرين )واختلف المفسرون في سبب نزول هذه الآيات الكريمات ، فذكر السدي أنها نزلت في رجلين ، قال أحدهما لصاحبه بعد وقعة أحد : أما أنا فإني ذاهب إلى ذلك اليهودي ، فآوي إليه وأتهود معه ، لعله ينفعني إذا وقع أمر أو حدث حادث! وقال الآخر : وأما أنا فأذهب إلى فلان النصراني بالشام ، فآوي إليه وأتنصر معه ، فأنزل الله [ عز وجل ] ( يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء ) الآيات .وقال عكرمة : نزلت في أبي لبابة بن عبد المنذر حين بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بني قريظة فسألوه : ماذا هو صانع بنا؟ فأشار بيده إلى حلقه ، أي : إنه الذبح . رواه ابن جرير .وقيل : نزلت في عبد الله بن أبي ابن سلول كما قال ابن جرير :حدثنا أبو كريب حدثنا ابن إدريس قال : سمعت أبي عن عطية بن سعد قال : جاء عبادة بن الصامت من بني الخزرج إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله ، إن لي موالي من يهود كثير عددهم ، وإني أبرأ إلى الله ورسوله من ولاية يهود ، وأتولى الله ورسوله . فقال عبد الله بن أبي : إني رجل أخاف الدوائر ، لا أبرأ من ولاية موالي . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعبد الله بن أبي : " يا أبا الحباب ، ما بخلت به من ولاية يهود على عبادة بن الصامت فهو لك دونه " . قال : قد قبلت! فأنزل الله عز وجل : ( يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء [ بعضهم أولياء بعض ] ) إلى قوله : ( فترى الذين في قلوبهم مرض ) .ثم قال ابن جرير : حدثنا هناد حدثنا يونس بن بكير حدثنا عثمان بن عبد الرحمن عن الزهري قال : لما انهزم أهل بدر قال المسلمون لأوليائهم من يهود : آمنوا قبل أن يصيبكم الله بيوم مثل يوم بدر ! فقال مالك بن الصيف : أغركم أن أصبتم رهطا من قريش لا علم لهم بالقتال!! أما لو أمررنا العزيمة أن نستجمع عليكم ، لم يكن لكم يد بقتالنا فقال عبادة : يا رسول الله ، إن أوليائي من اليهود كانت شديدة أنفسهم ، كثيرا سلاحهم ، شديدة شوكتهم ، وإني أبرأ إلى الله [ تعالى ] وإلى رسوله من ولاية يهود ولا مولى لي إلا الله ورسوله . فقال عبد الله بن أبي : لكني لا أبرأ من ولاء يهود أنا رجل لا بد لي منهم . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " يا أبا الحباب أرأيت الذي نفست به من ولاء يهود على عبادة بن الصامت فهو لك دونه؟ " فقال : إذا أقبل! قال : فأنزل الله : ( ياأيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء بعضهم أولياء بعض ) إلى قوله : ( والله يعصمك من الناس ) [ المائدة : 67 ] .وقال محمد بن إسحاق : فكانت أول قبيلة من اليهود نقضت ما بينها وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم بنو قينقاع . فحدثني عاصم بن عمر بن قتادة قال : فحاصرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى نزلوا على حكمه ، فقام إليه عبد الله بن أبي ابن سلول حين أمكنه الله منهم ، فقال : يا محمد أحسن في موالي . وكانوا حلفاء الخزرج قال : فأبطأ عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال : يا محمد أحسن في موالي . قال : فأعرض عنه . فأدخل يده في جيب درع رسول الله صلى الله عليه وسلم . فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم . " أرسلني " . وغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى رئي لوجهه ظللا ثم قال : " ويحك أرسلني " . قال : لا والله لا أرسلك حتى تحسن في موالي ، أربعمائة حاسر ، وثلاثمائة دارع ، قد منعوني من الأحمر والأسود ، تحصدهم في غداة واحدة؟! إني امرؤ أخشى الدوائر ، قال : فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " هم لك "قال محمد بن إسحاق : فحدثني أبو إسحاق بن يسار عن عبادة بن الوليد بن عبادة بن الصامت قال : لما حاربت بنو قينقاع رسول الله صلى الله عليه وسلم تشبث بأمرهم عبد الله بن أبي وقام دونهم ، ومشى عبادة بن الصامت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وكان أحد بني عوف بن الخزرج له من حلفهم مثل الذي لعبد الله بن أبي فجعلهم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وتبرأ إلى الله ورسوله صلى الله عليه وسلم من حلفهم ، وقال : يا رسول الله ، أتبرأ إلى الله وإلى رسوله من حلفهم ، وأتولى الله ورسوله والمؤمنين ، وأبرأ من حلف الكفار وولايتهم . ففيه وفي عبد الله بن أبي نزلت الآيات في المائدة : ( يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء بعضهم أولياء بعض ) إلى قوله : ( ومن يتول الله ورسوله والذين آمنوا فإن حزب الله هم الغالبون ) [ المائدة : 56 ] .وقال الإمام أحمد : حدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا يحيى بن زكريا بن أبي زائدة عن محمد بن إسحاق عن الزهري عن عروة عن أسامة بن زيد قال : دخلت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم على عبد الله بن أبي نعوده ، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم : " قد كنت أنهاك عن حب يهود " . فقال عبد الله : فقد أبغضهم أسعد بن زرارة فمات .وكذا رواه أبو داود من حديث محمد بن إسحاق .
5:54
یٰۤاَیُّهَا الَّذِیْنَ اٰمَنُوْا مَنْ یَّرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِیْنِهٖ فَسَوْفَ یَاْتِی اللّٰهُ بِقَوْمٍ یُّحِبُّهُمْ وَ یُحِبُّوْنَهٗۤۙ-اَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِیْنَ اَعِزَّةٍ عَلَى الْكٰفِرِیْنَ٘-یُجَاهِدُوْنَ فِیْ سَبِیْلِ اللّٰهِ وَ لَا یَخَافُوْنَ لَوْمَةَ لَآىٕمٍؕ-ذٰلِكَ فَضْلُ اللّٰهِ یُؤْتِیْهِ مَنْ یَّشَآءُؕ-وَ اللّٰهُ وَاسِعٌ عَلِیْمٌ(۵۴)
اے ایمان والو! تم میں جو کوئی اپنے دین سے پھرے گا (ف۱۴۳) تو عنقریب اللہ ایسے لوگ لائے گا کہ وہ اللہ کے پیارے اور اللہ ان کا پیارا مسلمانوں پر نرم اور کافروں پر سخت اللہ کی راہ میں لڑیں گے اور کسی ملامت کرنے والے کی ملامت کا اندیشہ نہ کریں گے (ف۱۴۴) یہ اللہ کا فضل ہے جسے چاہے دے، اور اللہ وسعت والا علم والا ہے،

يقول تعالى مخبرا عن قدرته العظيمة أن من تولى عن نصرة دينه وإقامة شريعته ، فإن الله يستبدل به من هو خير لها منه وأشد منعة وأقوم سبيلا كما قال تعالى : ( وإن تتولوا يستبدل قوما غيركم ثم لا يكونوا أمثالكم ) [ محمد : 38 ] وقال تعالى : ( إن يشأ يذهبكم أيها الناس ويأت بآخرين ) [ النساء : 133 ] ، وقال تعالى : ( إن يشأ يذهبكم ويأت بخلق جديد وما ذلك على الله بعزيز ) [ إبراهيم : 19 ، 20 ] أي : بممتنع ولا صعب . وقال تعالى هاهنا : ( يا أيها الذين آمنوا من يرتد منكم عن دينه ) أي : يرجع عن الحق إلى الباطل .قال محمد بن كعب : نزلت في الولاة من قريش . وقال الحسن البصري : نزلت في أهل الردة أيام أبي بكر .( فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه ) قال الحسن : هو والله أبو بكر وأصحابه [ رضي الله عنهم ] رواه ابن أبي حاتم .وقال أبو بكر بن أبي شيبة : سمعت أبا بكر بن عياش يقول في قوله ( فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه ) هم أهل القادسية . وقال ليث بن أبي سليم عن مجاهد : هم قوم من سبأ .وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبو سعيد الأشج حدثنا عبد الله بن الأجلح عن محمد بن عمرو عن سالم عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قوله : ( فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه ) قال : ناس من أهل اليمن ثم من كندة ثم من السكون .وحدثنا أبي حدثنا محمد بن المصفى حدثنا معاوية - يعني ابن حفص - عن أبي زياد الحلفاني عن محمد بن المنكدر عن جابر بن عبد الله قال : سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قوله : ( فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه ) قال : " هؤلاء قوم من أهل اليمن ثم من كندة ثم من السكون ثم من تجيب " . وهذا حديث غريب جدا .وقال ابن أبى حاتم : حدثنا عمر بن شبة حدثنا عبد الصمد - يعني ابن عبد الوارث - حدثنا شعبة عن سماك سمعت عياضا يحدث عن الأشعري قال : لما نزلت : ( فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه ) قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " هم قوم هذا " . ورواه ابن جرير من حديث شعبة بنحوه .وقوله تعالى : ( أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين ) هذه صفات المؤمنين الكمل أن يكون أحدهم متواضعا لأخيه ووليه ، متعززا على خصمه وعدوه ، كما قال تعالى : ( محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم ) [ الفتح : 29 ] . وفي صفة النبي صلى الله عليه وسلم أنه : " الضحوك القتال " فهو ضحوك لأوليائه قتال لأعدائه .وقوله [ تعالى ] ( يجاهدون في سبيل الله ولا يخافون لومة لائم ) أي : لا يردهم عما هم فيه من طاعة الله ، وقتال أعدائه ، وإقامة الحدود ، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، لا يردهم عن ذلك راد ، ولا يصدهم عنه صاد ، ولا يحيك فيهم لوم لائم ولا عذل عاذل .قال الإمام أحمد : حدثنا عفان حدثنا سلام أبو المنذر عن محمد بن واسع ، عن عبد الله بن الصامت عن أبي ذر قال : أمرني خليلي صلى الله عليه وسلم بسبع ، أمرني بحب المساكين والدنو منهم ، وأمرني أن أنظر إلى من هو دوني ، ولا أنظر إلى من هو فوقي ، وأمرني أن أصل الرحم وإن أدبرت ، وأمرني أن لا أسأل أحدا شيئا ، وأمرني أن أقول الحق وإن كان مرا ، وأمرني ألا أخاف في الله لومة لائم ، وأمرني أن أكثر من قول : لا حول ولا قوة إلا بالله ، فإنهن من كنز تحت العرش .وقال الإمام أحمد أيضا : حدثنا أبو المغيرة حدثنا صفوان عن أبي المثنى أن أبا ذر قال : بايعني رسول الله صلى الله عليه وسلم خمسا وواثقني سبعا ، وأشهد الله علي تسعا ، أني لا أخاف في الله لومة لائم . قال أبو ذر : فدعاني رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : " هل لك إلى بيعة ولك الجنة؟ " قلت : نعم ، قال : وبسطت يدي ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم وهو يشترط : على ألا تسأل الناس شيئا؟ قلت : نعم . قال : " ولا سوطك وإن سقط منك يعني تنزل إليه فتأخذه . "وقال الإمام أحمد : حدثنا محمد بن الحسن حدثنا جعفر عن المعلى القردوسي عن الحسن عن أبي سعيد الخدري قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ألا لا يمنعن أحدكم رهبة الناس أن يقول بحق إذا رآه أو شهده ، فإنه لا يقرب من أجل ، ولا يباعد من رزق أن يقول بحق أو يذكر بعظيم " . تفرد به أحمد .وقال أحمد : حدثنا عبد الرزاق أخبرنا سفيان عن زبيد عن عمرو بن مرة عن أبي البختري عن أبي سعيد الخدري قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لا يحقرن أحدكم نفسه أن يرى أمرا لله فيه مقال ، فلا يقول فيه ، فيقال له يوم القيامة : ما منعك أن تكون قلت في كذا وكذا ؟ فيقول : مخافة الناس . فيقول : إياي أحق أن تخاف " .ورواه ابن ماجه من حديث الأعمش عن عمرو بن مرة به . وروى أحمد وابن ماجه من حديث عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي طوالة عن نهار بن عبد الله العبدي المدني عن أبي سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " إن الله ليسأل العبد يوم القيامة ، حتى إنه ليسأله يقول له : أي عبدي ، رأيت منكرا فلم تنكره؟ فإذا لقن الله عبدا حجته ، قال : أي رب ، وثقت بك وخفت الناس " .وثبت في الصحيح : " ما ينبغي لمؤمن أن يذل نفسه " ، قالوا : وكيف يذل نفسه يا رسول الله؟ قال : " يتحمل من البلاء ما لا يطيق " .( ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء ) أي : من اتصف بهذه الصفات ، فإنما هو من فضل الله عليه ، وتوفيقه له ( والله واسع عليم ) أي : واسع الفضل ، عليم بمن يستحق ذلك ممن يحرمه إياه .
5:55
اِنَّمَا وَلِیُّكُمُ اللّٰهُ وَ رَسُوْلُهٗ وَ الَّذِیْنَ اٰمَنُوا الَّذِیْنَ یُقِیْمُوْنَ الصَّلٰوةَ وَ یُؤْتُوْنَ الزَّكٰوةَ وَ هُمْ رٰكِعُوْنَ(۵۵)
تمہارے دوست نہیں مگر اللہ اور اس کا رسول اور ایمان والے (ف۱۴۵) کہ نماز قائم کرتے ہیں اور زکوٰة دیتے ہیں اور اللہ کے حضور جھکے ہوئے ہیں (ف۱۴۶)

وقوله : ( إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا ) أي : ليس اليهود بأوليائكم ، بل ولايتكم راجعة إلى الله ورسوله والمؤمنين .وقوله : ( الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة [ وهم راكعون ] ) أي : المؤمنون المتصفون بهذه الصفات ، من إقام الصلاة التي هي أكبر أركان الإسلام ، وهي له وحده لا شريك له ، وإيتاء الزكاة التي هي حق المخلوقين ومساعدة للمحتاجين من الضعفاء والمساكين .وأما قوله ( وهم راكعون ) فقد توهم بعضهم أن هذه الجملة في موضع الحال من قوله : ( ويؤتون الزكاة ) أي : في حال ركوعهم ، ولو كان هذا كذلك ، لكان دفع الزكاة في حال الركوع أفضل من غيره ; لأنه ممدوح ، وليس الأمر كذلك عند أحد من العلماء ممن نعلمه من أئمة الفتوى ، وحتى إن بعضهم ذكر في هذا أثرا عن علي بن أبي طالب : أن هذه الآية نزلت فيه : [ ذلك ] أنه مر به سائل في حال ركوعه ، فأعطاه خاتمه .وقال ابن أبي حاتم : حدثنا الربيع بن سليمان المرادي ، حدثنا أيوب بن سويد ، عن عتبة بن أبي حكيم في قوله : ( إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا ) قال : هم المؤمنون وعلي بن أبي طالب .وحدثنا أبو سعيد الأشج ، حدثنا الفضل بن دكين أبو نعيم الأحول ، حدثنا موسى بن قيس الحضرمي عن سلمة بن كهيل قال : تصدق علي بخاتمه وهو راكع ، فنزلت : ( إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون ) .وقال ابن جرير : حدثني الحارث ، حدثنا عبد العزيز ، حدثنا غالب بن عبيد الله سمعت مجاهدا يقول في قوله : ( إنما وليكم الله ورسوله ) الآية : نزلت في علي بن أبي طالب تصدق وهو راكعوقال عبد الرزاق : حدثنا عبد الوهاب بن مجاهد عن أبيه ، عن ابن عباس في قوله : ( إنما وليكم الله ورسوله ) الآية : نزلت في علي بن أبي طالب .عبد الوهاب بن مجاهد لا يحتج به .ورواه ابن مردويه من طريق سفيان الثوري ، عن أبي سنان ، عن الضحاك عن ابن عباس قال : كان علي بن أبي طالب قائما يصلي ، فمر سائل وهو راكع ، فأعطاه خاتمه ، فنزلت : ( إنما وليكم الله ورسوله ) الآية .الضحاك لم يلق ابن عباس .وروى ابن مردويه أيضا عن طريق محمد بن السائب الكلبي - وهو متروك - عن أبي صالح عن ابن عباس قال : خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المسجد ، والناس يصلون ، بين راكع وساجد وقائم وقاعد ، وإذا مسكين يسأل ، فدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : " أعطاك أحد شيئا؟ " قال : نعم . قال : " من؟ " قال : ذلك الرجل القائم . قال : " على أي حال أعطاكه؟ " قال : وهو راكع ، قال : " وذلك علي بن أبي طالب " . قال : فكبر رسول الله صلى الله عليه وسلم عند ذلك ، وهو يقول : ( ومن يتول الله ورسوله والذين آمنوا فإن حزب الله هم الغالبون )وهذا إسناد لا يفرح به .ثم رواه ابن مردويه من حديث علي بن أبي طالب رضي الله عنه نفسه وعمار بن ياسر وأبي رافع . وليس يصح شيء منها بالكلية ، لضعف أسانيدها وجهالة رجالها . ثم روى بسنده ، عن ميمون بن مهران ، عن ابن عباس في قوله : ( إنما وليكم الله ورسوله ) نزلت في المؤمنين وعلي بن أبي طالب أولهم .وقال ابن جرير : حدثنا هناد ، حدثنا عبدة ، عن عبد الملك ، عن أبي جعفر قال : سألته عن هذه [ الآية ] ( إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون ) قلنا : من الذين آمنوا؟ قال : الذين آمنوا! قلنا : بلغنا أنها نزلت في علي بن أبي طالب ! قال : علي من الذين آمنوا .وقال أسباط ، عن السدي : نزلت هذه الآية في جميع المؤمنين ، ولكن علي بن أبي طالب مر به سائل وهو راكع في المسجد فأعطاه خاتمه .وقال علي بن أبي طلحة الوالبي عن ابن عباس : من أسلم فقد تولى الله ورسوله والذين آمنوا . رواه ابن جرير .وقد تقدم في الأحاديث التي أوردنا أن هذه الآيات كلها نزلت في عبادة بن الصامت رضي الله عنه ، حين تبرأ من حلف يهود ، ورضي بولاية الله ورسوله والمؤمنين ; ولهذا قال تعالى بعد هذا كله : ( ومن يتول الله ورسوله والذين آمنوا فإن حزب الله هم الغالبون ) كما قال تعالى : ( كتب الله لأغلبن أنا ورسلي إن الله قوي عزيز لا تجد قوما يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله ولو كانوا آباءهم أو أبناءهم أو إخوانهم أو عشيرتهم أولئك كتب في قلوبهم الإيمان وأيدهم بروح منه ويدخلهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها رضي الله عنهم ورضوا عنه أولئك حزب الله ألا إن حزب الله هم المفلحون ) [ المجادلة : 21 ، 22 ] .
5:56
وَ مَنْ یَّتَوَلَّ اللّٰهَ وَ رَسُوْلَهٗ وَ الَّذِیْنَ اٰمَنُوْا فَاِنَّ حِزْبَ اللّٰهِ هُمُ الْغٰلِبُوْنَ۠(۵۶)
اور جو اللہ اور اس کے رسول اور مسلمانوں کو اپنا دوست بنائے تو بیشک اللہ ہی کا گروہ غالب ہے،

فكل من رضي بولاية الله ورسوله والمؤمنين فهو مفلح في الدنيا والآخرة [ ومنصور في الدنيا والآخرة ] ; ولهذا قال [ الله ] تعالى في هذه الآية الكريمة : ( ومن يتول الله ورسوله والذين آمنوا فإن حزب الله هم الغالبون )
5:57
یٰۤاَیُّهَا الَّذِیْنَ اٰمَنُوْا لَا تَتَّخِذُوا الَّذِیْنَ اتَّخَذُوْا دِیْنَكُمْ هُزُوًا وَّ لَعِبًا مِّنَ الَّذِیْنَ اُوْتُوا الْكِتٰبَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَ الْكُفَّارَ اَوْلِیَآءَۚ-وَ اتَّقُوا اللّٰهَ اِنْ كُنْتُمْ مُّؤْمِنِیْنَ(۵۷)
اے ایمان والو! جنہوں نے تمہارے دین کو ہنسی کھیل بنالیا ہے (ف۱۴۷) وہ جو تم سے پہلے کتاب دیے گئے اور کافر (ف۱۴۸) ان میں کسی کو اپنا دوست نہ بناؤ اور اللہ سے ڈرتے رہو اگر ایمان رکھتے ہو(ف۱۴۹)

وهذا تنفير من موالاة أعداء الإسلام وأهله ، من الكتابيين والمشركين ، الذين يتخذون أفضل ما يعمله العاملون ، وهي شرائع الإسلام المطهرة المحكمة المشتملة على كل خير دنيوي وأخروي ، يتخذونها ( هزوا ولعبا ) يستهزئون بها ( ولعبا ) يعتقدون أنها نوع من اللعب في نظرهم الفاسد ، وفكرهم البارد كما قال القائل :وكم من عائب قولا صحيحا وآفته من الفهم السقيموقوله : ( من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم والكفار ) " من " ههنا لبيان الجنس ، كقوله : ( فاجتنبوا الرجس من الأوثان ) [ الحج : 30 ] ، وقرأ بعضهم ( والكفار ) بالخفض عطفا ، وقرأ آخرون بالنصب على أنه معمول ( يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا الذين اتخذوا دينكم هزوا ولعبا من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم ) تقديره : ولا الكفار أولياء ، أي : لا تتخذوا هؤلاء ولا هؤلاء أولياء .والمراد بالكفار ههنا المشركون ، وكذا وقع في قراءة ابن مسعود فيها ، رواه ابن جرير : ( يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا الذين اتخذوا دينكم هزوا ولعبا من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم والكفار أولياء ) .وقوله : ( واتقوا الله إن كنتم مؤمنين ) أي : اتقوا الله أن تتخذوا هؤلاء الأعداء لكم ولدينكم أولياء ( إن كنتم مؤمنين ) بشرع الله الذي اتخذه هؤلاء هزوا ولعبا ، كما قال تعالى : ( لا يتخذ المؤمنون الكافرين أولياء من دون المؤمنين ومن يفعل ذلك فليس من الله في شيء إلا أن تتقوا منهم تقاة ويحذركم الله نفسه وإلى الله المصير ) [ آل عمران : 28 ] .
5:58
وَ اِذَا نَادَیْتُمْ اِلَى الصَّلٰوةِ اتَّخَذُوْهَا هُزُوًا وَّ لَعِبًاؕ-ذٰلِكَ بِاَنَّهُمْ قَوْمٌ لَّا یَعْقِلُوْنَ(۵۸)
اور جب تم نماز کے لئے اذان دو تو اسے ہنسی کھیل بناتے ہیں (ف۱۵۰) یہ اس لئے کہ وہ نرے بے عقل لوگ ہیں (ف۱۵۱)

وقوله [ تعالى ] ( وإذا ناديتم إلى الصلاة اتخذوها هزوا ولعبا ) أي : وكذلك إذا أذنتم داعين إلى الصلاة التي هي أفضل الأعمال لمن يعقل ويعلم من ذوي الألباب ( اتخذوها ) أيضا ( هزوا ولعبا ذلك بأنهم قوم لا يعقلون ) معاني عبادة الله وشرائعه ، وهذه صفات أتباع الشيطان الذي " إذا سمع الأذان أدبر وله حصاص ، أي : ضراط حتى لا يسمع التأذين ، فإذا قضي التأذين أقبل ، فإذا ثوب بالصلاة أدبر ، فإذا قضي التثويب أقبل حتى يخطر بين المرء وقلبه ، فيقول : اذكر كذا ، اذكر كذا ، لما لم يكن يذكر ، حتى يظل الرجل إن يدري كم صلى ، فإذا وجد أحدكم ذلك ، فليسجد سجدتين قبل السلام " . متفق عليه .وقال الزهري : قد ذكر الله [ تعالى ] التأذين في كتابه فقال : ( وإذا ناديتم إلى الصلاة اتخذوها هزوا ولعبا ذلك بأنهم قوم لا يعقلون ) رواه ابن أبي حاتم .وقال أسباط عن السدي في قوله : ( وإذا ناديتم إلى الصلاة اتخذوها هزوا ولعبا ) قال : كان رجل من النصارى بالمدينة إذا سمع المنادي ينادي : " أشهد أن محمدا رسول الله " قال : حرق الكاذب! فدخلت خادمة ليلة من الليالي بنار وهو نائم وأهله نيام ، فسقطت شرارة فأحرقت البيت ، فاحترق هو وأهله . رواه ابن جرير وابن أبي حاتم .وذكر محمد بن إسحاق بن يسار في السيرة : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل الكعبة عام الفتح ، ومعه بلال فأمره أن يؤذن وأبو سفيان بن حرب وعتاب بن أسيد والحارث بن هشام جلوس بفناء الكعبة ، فقال عتاب بن أسيد : لقد أكرم الله أسيدا ألا يكون سمع هذا فيسمع منه ما يغيظه . وقال الحارث بن هشام : أما والله لو أعلم أنه محق لاتبعته . فقال أبو سفيان : لا أقول شيئا لو تكلمت لأخبرت عني هذه الحصى . فخرج عليهم النبي صلى الله عليه وسلم فقال : " قد علمت الذي قلتم " ثم ذكر ذلك لهم ، فقال الحارث وعتاب : نشهد أنك رسول الله ، [ والله ] ما اطلع على هذا أحد كان معنا ، فنقول أخبرك .وقال الإمام أحمد : حدثنا روح بن عبادة ، حدثنا ابن جريج أخبرنا عبد العزيز بن عبد الملك بن أبي محذورة أن عبد الله بن محيريز أخبره - وكان يتيما في حجر أبي محذورة - قال : قلت لأبي محذورة : يا عم ، إني خارج إلى الشام وأخشى أن أسأل عن تأذينك . فأخبرني أن أبا محذورة قال له : نعم خرجت في نفر ، وكنا ببعض طريق حنين ، مقفل رسول الله صلى الله عليه وسلم من حنين ، فلقينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ببعض الطريق ، فأذن مؤذن رسول الله صلى الله عليه وسلم بالصلاة عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فسمعنا صوت المؤذن ونحن متنكبون فصرخنا نحكيه ونستهزئ به ، فسمع رسول الله صلى الله عليه وسلم الصوت ، فأرسل إلينا إلى أن وقفنا بين يديه ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أيكم الذي سمعت صوته قد ارتفع؟ " فأشار القوم كلهم إلي ، وصدقوا ، فأرسل كلهم وحبسني . وقال " قم فأذن بالصلاة " . فقمت ولا شيء أكره إلي من رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولا مما يأمرني به فقمت بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فألقى علي رسول الله صلى الله عليه وسلم التأذين هو بنفسه ، قال : " قل : الله أكبر ، الله أكبر ، أشهد أن لا إله إلا الله ، أشهد أن لا إله إلا الله ، أشهد أن محمدا رسول الله ، أشهد أن محمدا رسول الله ، " ثم قال لي : " ارجع فامدد من صوتك " . ثم قال : أشهد أن لا إله إلا الله ، أشهد أن لا إله إلا الله ، أشهد أن محمدا رسول الله ، أشهد أن محمدا رسول الله ، حي على الصلاة ، حي على الصلاة ، حي على الفلاح ، حي على الفلاح ، الله أكبر ، الله أكبر ، لا إله إلا الله " . ثم دعاني حين قضيت التأذين ، فأعطاني صرة فيها شيء من فضة ، ثم وضع يده على ناصية أبي محذورة ثم أمرها على وجهه ، ثم بين ثدييه ثم على كبده حتى بلغت يد رسول الله سرة أبي محذورة ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " بارك الله فيك وبارك عليك " . فقلت : يا رسول الله ، مرني بالتأذين بمكة . فقال قد " أمرتك به " . وذهب كل شيء كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم من كراهة ، وعاد ذلك كله محبة لرسول الله صلى الله عليه وسلم . فقدمت على عتاب بن أسيد عامل رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة فأذنت معه بالصلاة عن أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم وأخبرني ذلك من أدركت من أهلي ممن أدرك أبا محذورة على نحو ما أخبرني عبد الله بن محيريز .هكذا رواه الإمام أحمد وقد أخرجه مسلم في صحيحه ، وأهل السنن الأربعة من طريق عن عبد الله بن محيريز ، عن أبي محذورة - واسمه سمرة بن معير بن لوذان - أحد مؤذني رسول الله صلى الله عليه وسلم الأربعة ، وهو مؤذن أهل مكة وامتدت أيامه ، رضي الله عنه وأرضاه .
5:59
قُلْ یٰۤاَهْلَ الْكِتٰبِ هَلْ تَنْقِمُوْنَ مِنَّاۤ اِلَّاۤ اَنْ اٰمَنَّا بِاللّٰهِ وَ مَاۤ اُنْزِلَ اِلَیْنَا وَ مَاۤ اُنْزِلَ مِنْ قَبْلُۙ-وَ اَنَّ اَكْثَرَكُمْ فٰسِقُوْنَ(۵۹)
تم فرماؤ اے کتابیوں تمہیں ہمارا کیا برا لگا یہی نہ کہ ہم ایمان لائے اللہ پر اور اس پر جو ہماری طرف اترا اور اس پر جو پہلے اترا (ف۱۵۲) اور یہ کہ تم میں اکثر بے حکم ہیں،

يقول تعالى : قل يا محمد لهؤلاء الذين اتخذوا دينكم هزوا ولعبا من أهل الكتاب : ( هل تنقمون منا إلا أن آمنا بالله وما أنزل إلينا وما أنزل من قبل ) أي : هل لكم علينا مطعن أو عيب إلا هذا؟ وهذا ليس بعيب ولا مذمة ، فيكون الاستثناء منقطعا كما في قوله : ( وما نقموا منهم إلا أن يؤمنوا بالله العزيز الحميد ) [ البروج : 8 ] وكقوله : ( وما نقموا إلا أن أغناهم الله ورسوله من فضله ) [ التوبة : 74 ] وفي الحديث المتفق عليه : " ما ينقم ابن جميل إلا أن كان فقيرا فأغناه الله " .وقوله : ( وأن أكثركم فاسقون ) معطوف على ( أن آمنا بالله وما أنزل إلينا وما أنزل من قبل ) أي : وآمنا بأن أكثركم فاسقون ، أي : خارجون عن الطريق المستقيم .
5:60
قُلْ هَلْ اُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِّنْ ذٰلِكَ مَثُوْبَةً عِنْدَ اللّٰهِؕ-مَنْ لَّعَنَهُ اللّٰهُ وَ غَضِبَ عَلَیْهِ وَ جَعَلَ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ وَ الْخَنَازِیْرَ وَ عَبَدَ الطَّاغُوْتَؕ-اُولٰٓىٕكَ شَرٌّ مَّكَانًا وَّ اَضَلُّ عَنْ سَوَآءِ السَّبِیْلِ(۶۰)
تم فرماؤ کیا میں بتادوں جو اللہ کے یہاں اس سے بدتر درجہ میں ہیں (ف۱۵۳) وہ جن پر اللہ نے لعنت کی اور ان پر غضب فرمایا اور ان میں سے کردیے بندر اور سور (ف۱۵۴) اور شیطان کے پجاری ان کا ٹھکانا زیادہ برا ہے (ف۱۵۵) اور یہ سیدھی راہ سے زیادہ بہکے،

ثم قال : ( قل هل أنبئكم بشر من ذلك مثوبة عند الله ) أي : هل أخبركم بشر جزاء عند الله يوم القيامة مما تظنونه بنا؟ وهم أنتم الذين هم متصفون بهذه الصفات القصيرة ، فقوله : ( من لعنه الله ) أي : أبعده من رحمته ( وغضب عليه ) أي : غضبا لا يرضى بعده أبدا ( وجعل منهم القردة والخنازير ) كما تقدم بيانه في سورة البقرة . وكما سيأتي إيضاحه في سورة الأعراف [ إن شاء الله تعالى ]وقد قال سفيان الثوري : عن علقمة بن مرثد ، عن المغيرة بن عبد الله ، عن المعرور بن سويد عن ابن مسعود قال : سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن القردة والخنازير ، أهي مما مسخ الله [ تعالى ] ؟ فقال : إن الله لم يهلك قوما - أو قال : لم يمسخ قوما - فيجعل لهم نسلا ولا عقبا وإن القردة والخنازير كانت قبل ذلك " .وقد رواه مسلم من حديث سفيان الثوري ومسعر كلاهما ، عن مغيرة بن عبد الله اليشكري به .وقال أبو داود الطيالسي : حدثنا داود بن أبي الفرات ، عن محمد بن زيد ، عن أبي الأعين العبدي عن أبي الأحوص ، عن ابن مسعود قال : سألنا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن القردة والخنازير ، أهي من نسل اليهود؟ فقال : " لا ، إن الله لم يلعن قوما فيمسخهم فكان لهم نسل ، ولكن هذا خلق كان ، فلما غضب الله على اليهود فمسخهم ، جعلهم مثلهم " .ورواه أحمد من حديث داود بن أبي الفرات به .وقال ابن مردويه : حدثنا عبد الباقي ، حدثنا أحمد بن صالح ، حدثنا الحسن بن محبوب ، حدثنا عبد العزيز بن المختار ، عن داود بن أبي هند ، عن عكرمة ، عن ابن عباس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " الحيات مسخ الجن ، كما مسخت القردة والخنازير " . هذا حديث غريب جدا .وقوله : ( وعبد الطاغوت ) وقرئ ( وعبد الطاغوت ) على أنه فعل ماض ، " والطاغوت " منصوب به ، أي : وجعل منهم من عبد الطاغوت . وقرئ : ( وعبد الطاغوت ) بالإضافة على أن المعنى : وجعل منهم خدم الطاغوت ، أي : خدامه وعبيده . وقرئ ( وعبد الطاغوت ) على أنه جمع الجمع : عبد وعبيد وعبد ، مثل ثمار وثمر . حكاها ابن جرير ، عن الأعمش . وحكي عن بريدة الأسلمي أنه كان يقرؤها : " وعابد الطاغوت " ، وعن أبي وابن مسعود : " وعبدوا " ، وحكى ابن جرير ، عن أبي جعفر القارئ أنه كان يقرؤها : ( وعبد الطاغوت ) على أنه مفعول ما لم يسم فاعله ، ثم استبعد معناها . والظاهر أنه لا بعد في ذلك ; لأن هذا من باب التعريض بهم ، أي : وقد عبدت الطاغوت فيكم ، وكنتم أنتم الذين تعاطوا ذلك .وكل هذه القراءات يرجع معناها إلى أنكم يا أهل الكتاب الطاعنين في ديننا ، والذي هو توحيد الله وإفراده بالعبادات دون [ ما ] سواه ، كيف يصدر منكم هذا وأنتم قد وجد منكم جميع ما ذكر؟ ولهذا قال : ( أولئك شر مكانا ) أي : مما تظنون بنا ( وأضل عن سواء السبيل )وهذا من باب استعمال أفعل التفضيل فيما ليس في الطرف الآخر مشاركة ، كقوله : ( أصحاب الجنة يومئذ خير مستقرا وأحسن مقيلا ) [ الفرقان : 24 ]
5:61
وَ اِذَا جَآءُوْكُمْ قَالُوْۤا اٰمَنَّا وَ قَدْ دَّخَلُوْا بِالْكُفْرِ وَ هُمْ قَدْ خَرَجُوْا بِهٖؕ-وَ اللّٰهُ اَعْلَمُ بِمَا كَانُوْا یَكْتُمُوْنَ(۶۱)
اور جب تمہارے پاس آئیں (ف۱۵۶) ہم مسلمان ہیں اور وہ آتے وقت بھی کافر تھے اور جاتے وقت بھی کافر، اور اللہ خوب جانتا ہے جو چھپا رہے ہیں

وقوله : ( وإذا جاءوكم قالوا آمنا وقد دخلوا بالكفر وهم قد خرجوا به ) وهذه صفة المنافقين منهم ، أنهم يصانعون المؤمنين في الظاهر وقلوبهم منطوية على الكفر ; ولهذا قال : ( وقد دخلوا [ بالكفر وهم قد خرجوا به ] ) أي عندك يا محمد ( بالكفر ) أي : مستصحبين الكفر في قلوبهم ، ثم خرجوا وهو كامن فيها ، لم ينتفعوا بما قد سمعوا منك من العلم ، ولا نجعت فيهم المواعظ ولا الزواجر ; ولهذا قال : ( وهم [ قد ] خرجوا به ) فخصهم به دون غيرهم .وقوله : ( والله أعلم بما كانوا يكتمون ) أي : والله عالم بسرائرهم وما تنطوي عليهم ضمائرهم وإن أظهروا لخلقه خلاف ذلك ، وتزينوا بما ليس فيهم ، فإن عالم الغيب والشهادة أعلم بهم منهم ، وسيجزيهم على ذلك أتم الجزاء .
5:62
وَ تَرٰى كَثِیْرًا مِّنْهُمْ یُسَارِعُوْنَ فِی الْاِثْمِ وَ الْعُدْوَانِ وَ اَكْلِهِمُ السُّحْتَؕ-لَبِئْسَ مَا كَانُوْا یَعْمَلُوْنَ(۶۲)
اور ان (ف۱۵۷) میں تم بہتوں کو دیکھو گے کہ گناہ اور زیادتی اور حرام خوری پر دوڑتے ہیں (ف۱۵۸) بیشک بہت ہی برے کام کرتے ہیں،

وقوله : ( وترى كثيرا منهم يسارعون في الإثم والعدوان وأكلهم السحت ) أي : يبادرون إلى ذلك من تعاطي المآثم والمحارم والاعتداء على الناس ، وأكلهم أموالهم بالباطل ( لبئس ما كانوا يعملون ) أي : لبئس العمل كان عملهم وبئس الاعتداء اعتداؤهم .
5:63
لَوْ لَا یَنْهٰىهُمُ الرَّبّٰنِیُّوْنَ وَ الْاَحْبَارُ عَنْ قَوْلِهِمُ الْاِثْمَ وَ اَكْلِهِمُ السُّحْتَؕ-لَبِئْسَ مَا كَانُوْا یَصْنَعُوْنَ(۶۳)
انہیں کیوں نہیں منع کرتے ان کے پادری اور درویش گناہ کی بات کہنے اور حرام کھانے سے، بیشک بہت ہی برے کام کررہے ہیں (ف۱۵۹)

قوله : ( لولا ينهاهم الربانيون والأحبار عن قولهم الإثم وأكلهم السحت لبئس ما كانوا يصنعون ) يعني : هلا كان ينهاهم الربانيون والأحبار عن تعاطي ذلك . والربانيون وهم : العلماء العمال أرباب الولايات عليهم ، والأحبار : وهم العلماء فقط .( لبئس ما كانوا يصنعون ) وقال علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس : يعني الربانيين ، أنهم : بئس ما كانوا يصنعون . يعني : في تركهم ذلك .وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم : قال لهؤلاء حين لم ينهوا ، ولهؤلاء حين علموا . قال : وذلك الأركان . قال : " ويعملون " و " يصنعون " واحد . رواه ابن أبي حاتم .وقال ابن جرير : حدثنا أبو كريب ، حدثنا ابن عطية ، حدثنا قيس ، عن العلاء بن المسيب ، عن خالد بن دينار عن ابن عباس قال : ما في القرآن آية أشد توبيخا من هذه الآية : ( لولا ينهاهم الربانيون والأحبار عن قولهم الإثم وأكلهم السحت لبئس ما كانوا يصنعون ) قال : كذا قرأ .وكذا قال الضحاك : ما في القرآن آية أخوف عندي منها : إنا لا ننهى . رواه ابن جرير .وقال ابن أبي حاتم : ذكره يونس بن حبيب ، حدثنا أبو داود ، حدثنا محمد بن مسلم ، عن أبي الوضاح ، حدثنا ثابت بن سعيد الهمداني قال : رأيته بالري فحدث عن يحيى بن يعمر قال : خطب علي بن أبي طالب فحمد الله وأثنى عليه ، ثم قال : أيها الناس ، إنما هلك من كان قبلكم بركوبهم المعاصي ، ولم ينههم الربانيون والأحبار ، فلما تمادوا في المعاصي ولم ينههم الربانيون والأحبار أخذتهم العقوبات . فمروا بالمعروف وانهوا عن المنكر ، قبل أن ينزل بكم مثل الذي نزل بهم ، واعلموا أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لا يقطع رزقا ولا يقرب أجلا .وقال الإمام أحمد : حدثنا يزيد بن هارون أنبأنا شريك ، عن أبي إسحاق ، عن المنذر بن جرير عن أبيه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ما من قوم يكون بين أظهرهم من يعمل بالمعاصي هم أعز منه وأمنع ، لم يغيروا ، إلا أصابهم الله منه بعذاب " .تفرد به أحمد من هذا الوجه .ورواه أبو داود ، عن مسدد ، عن أبي الأحوص ، عن أبي إسحاق ، عن المنذر بن جرير ، عن جرير قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " ما من رجل يكون في قوم يعمل فيهم بالمعاصي ، يقدرون أن يغيروا عليه ، فلا يغيرون إلا أصابهم الله بعقاب قبل أن يموتوا " .وقد رواه ابن ماجه ، عن علي بن محمد ، عن وكيع ، عن إسرائيل ، عن أبي إسحاق ، عن عبيد الله بن جرير عن أبيه ، به .قال الحافظ المزي : وهكذا رواه شعبة ، عن إسحاق به .
5:64
وَ قَالَتِ الْیَهُوْدُ یَدُ اللّٰهِ مَغْلُوْلَةٌؕ-غُلَّتْ اَیْدِیْهِمْ وَ لُعِنُوْا بِمَا قَالُوْاۘ-بَلْ یَدٰهُ مَبْسُوْطَتٰنِۙ-یُنْفِقُ كَیْفَ یَشَآءُؕ-وَ لَیَزِیْدَنَّ كَثِیْرًا مِّنْهُمْ مَّاۤ اُنْزِلَ اِلَیْكَ مِنْ رَّبِّكَ طُغْیَانًا وَّ كُفْرًاؕ-وَ اَلْقَیْنَا بَیْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَ الْبَغْضَآءَ اِلٰى یَوْمِ الْقِیٰمَةِؕ-كُلَّمَاۤ اَوْقَدُوْا نَارًا لِّلْحَرْبِ اَطْفَاَهَا اللّٰهُۙ-وَ یَسْعَوْنَ فِی الْاَرْضِ فَسَادًاؕ-وَ اللّٰهُ لَا یُحِبُّ الْمُفْسِدِیْنَ(۶۴)
اور یہودی بولے اللہ کا ہاتھ بندھا ہوا ہے (ف۱۶۰) ان کے ہاتھ باندھے جائیں (ف۱۶۱) اور ان پر اس کہنے سے لعنت ہے بلکہ اس کے ہاتھ کشادہ ہیں (ف۱۶۲) عطا فرماتا ہے جیسے چاہے (ف۱۶۳) اور اے محبوب! یہ (ف۱۶۴) جو تمہاری طرف تمہارے رب کے پاس سے اترا اس سے ان میں بہتوں کو شرارت اور کفر میں ترقی ہوگی (ف۱۶۵) اور ان میں ہم نے قیامت تک آپس میں دشمنی اور بیر ڈال دیا (ف۱۶۶) جب کبھی لڑائی کی آگ بھڑکاتے ہیں اللہ اسے بجھا دیتا ہے (ف۱۶۷) اور زمین میں فساد کے لیے دوڑتے پھرتے ہیں، اور اللہ فسادیوں کو نہیں چاہتا،

يخبر تعالى عن اليهود - عليهم لعائن الله المتتابعة إلى يوم القيامة - بأنهم وصفوا الله عز وجل وتعالى عن قولهم علوا كبيرا ، بأنه بخيل . كما وصفوه بأنه فقير وهم أغنياء ، وعبروا عن البخل بقولهم : ( يد الله مغلولة )قال ابن أبي حاتم : حدثنا أبو عبد الله الطهراني ، حدثنا حفص بن عمر العدني ، حدثنا الحكم بن أبان ، عن عكرمة قال : قال ابن عباس : ( مغلولة ) أي : بخيلة .وقال علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس قوله : ( وقالت اليهود يد الله مغلولة ) قال : لا يعنون بذلك أن يد الله موثقة ولكن يقولون : بخيل أمسك ما عنده ، تعالى الله عما يقولون علوا كبيرا .وكذا روي عن عكرمة وقتادة والسدي ومجاهد والضحاك وقرأ : ( ولا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك ولا تبسطها كل البسط فتقعد ملوما محسورا ) [ الإسراء : 29 ] . يعني : أنه ينهى عن البخل وعن التبذير ، وهو الزيادة في الإنفاق في غير محله ، وعبر عن البخل بقوله : ( ولا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك ) .وهذا هو الذي أراد هؤلاء اليهود عليهم لعائن الله . وقد قال عكرمة : إنها نزلت في فنحاص اليهودي عليه لعنة الله . وقد تقدم أنه الذي قال : ( إن الله فقير ونحن أغنياء ) [ آل عمران : 181 ] فضربه أبو بكر الصديق رضي الله عنه .وقال محمد بن إسحاق : حدثني محمد بن أبي محمد ، عن سعيد أو عكرمة عن ابن عباس قال : قال رجل من اليهود يقال له : شاس بن قيس : إن ربك بخيل لا ينفق ، فأنزل الله : ( وقالت اليهود يد الله مغلولة غلت أيديهم ولعنوا بما قالوا بل يداه مبسوطتان ينفق كيف يشاء )وقد رد الله عز وجل عليهم ما قالوه ، وقابلهم فيما اختلقوه وافتروه وائتفكوه ، فقال : ( غلت أيديهم ولعنوا بما قالوا ) وهكذا وقع لهم ، فإن عندهم من البخل والحسد والجبن والذلة أمر عظيم ، كما قال تعالى : ( أم لهم نصيب من الملك فإذا لا يؤتون الناس نقيرا أم يحسدون الناس على ما آتاهم الله من فضله [ فقد آتينا آل إبراهيم الكتاب والحكمة وآتيناهم ملكا عظيما فمنهم من آمن به ومنهم من صد عنه وكفى بجهنم سعيرا ] ) [ النساء : 53 - 55 ] وقال تعالى : ( ضربت عليهم الذلة [ أين ما ثقفوا إلا بحبل من الله وحبل من الناس ] ) الآية [ آل عمران : 112 ] .ثم قال تعالى : ( بل يداه مبسوطتان ينفق كيف يشاء ) أي : بل هو الواسع الفضل ، الجزيل العطاء ، الذي ما من شيء إلا عنده خزائنه ، وهو الذي ما بخلقه من نعمة فمنه وحده لا شريك له ، الذي خلق لنا كل شيء مما نحتاج إليه ، في ليلنا ونهارنا ، وحضرنا وسفرنا ، وفي جميع أحوالنا ، كما قال [ تعالى ] ( وآتاكم من كل ما سألتموه وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها إن الإنسان لظلوم كفار ) الآية [ إبراهيم : 34 ] . والآيات في هذا كثيرة ، وقد قال الإمام أحمد بن حنبل :حدثنا عبد الرزاق ، حدثنا معمر ، عن همام بن منبه قال : هذا ما حدثنا أبو هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن يمين الله ملأى لا يغيضها نفقة ، سحاء الليل والنهار ، أرأيتم ما أنفق منذ خلق السماوات والأرض ، فإنه لم يغض ما في يمينه " قال : " وعرشه على الماء ، وفي يده الأخرى القبض ، يرفع ويخفض " : قال : قال الله تعالى : " أنفق أنفق عليك " أخرجاه في الصحيحين ، البخاري في " التوحيد " عن علي ابن المديني ، ومسلم فيه عن محمد بن رافع وكلاهما عن عبد الرزاق به .وقوله : ( وليزيدن كثيرا منهم ما أنزل إليك من ربك طغيانا وكفرا ) أي : يكون ما أتاك الله يا محمد من النعمة نقمة في حق أعدائك من اليهود وأشباههم ، فكما يزداد به المؤمنون تصديقا وعملا صالحا وعلما نافعا ، يزداد به الكفرة الحاسدون لك ولأمتك ) طغيانا ) وهو : المبالغة والمجاوزة للحد في الأشياء ) وكفرا ) أي : تكذيبا ، كما قال تعالى : ( قل هو للذين آمنوا هدى وشفاء والذين لا يؤمنون في آذانهم وقر وهو عليهم عمى أولئك ينادون من مكان بعيد ) [ فصلت : 44 ] وقال تعالى : ( وننزل من القرآن ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين ولا يزيد الظالمين إلا خسارا ) [ الإسراء : 82 ] .وقوله : ( وألقينا بينهم العداوة والبغضاء إلى يوم القيامة ) يعني : أنه لا تجتمع قلوبهم ، بل العداوة واقعة بين فرقهم بعضهم في بعض دائما لأنهم لا يجتمعون على حق ، وقد خالفوك وكذبوك .وقال إبراهيم النخعي : ( وألقينا بينهم العداوة والبغضاء ) قال : الخصومات والجدال في الدين . رواه ابن أبي حاتم .وقوله : ( كلما أوقدوا نارا للحرب أطفأها الله ) أي : كلما عقدوا أسبابا يكيدونك بها ، وكلما أبرموا أمورا يحاربونك بها يبطلها الله ويرد كيدهم عليهم ، ويحيق مكرهم السيئ بهم .( ويسعون في الأرض فسادا والله لا يحب المفسدين ) أي : من سجيتهم أنهم دائما يسعون في الإفساد في الأرض ، والله لا يحب من هذه صفته .
5:65
وَ لَوْ اَنَّ اَهْلَ الْكِتٰبِ اٰمَنُوْا وَ اتَّقَوْا لَكَفَّرْنَا عَنْهُمْ سَیِّاٰتِهِمْ وَ لَاَدْخَلْنٰهُمْ جَنّٰتِ النَّعِیْمِ(۶۵)
اور اگر کتاب والے ایمان لاتے اور پرہیزگاری کرتے تو ضرور ہم ان کے گناہ اتار دیتے اور ضرور انہیں چین کے باغوں میں لے جاتے

ثم قال جل وعلا ( ولو أن أهل الكتاب آمنوا واتقوا ) أي : لو أنهم آمنوا بالله ورسوله ، واتقوا ما كانوا يتعاطونه من المحارم والمآثم ( لكفرنا عنهم سيئاتهم ولأدخلناهم جنات النعيم ) أي : لأزلنا عنهم المحذور ولحصلناهم المقصود .
5:66
وَ لَوْ اَنَّهُمْ اَقَامُوا التَّوْرٰىةَ وَ الْاِنْجِیْلَ وَ مَاۤ اُنْزِلَ اِلَیْهِمْ مِّنْ رَّبِّهِمْ لَاَكَلُوْا مِنْ فَوْقِهِمْ وَ مِنْ تَحْتِ اَرْجُلِهِمْؕ-مِنْهُمْ اُمَّةٌ مُّقْتَصِدَةٌؕ-وَ كَثِیْرٌ مِّنْهُمْ سَآءَ مَا یَعْمَلُوْنَ۠(۶۶)
اور اگر وہ قائم رکھتے توریت اور انجیل (ف۱۶۸) اور جو کچھ ان کی طرف ان کے رب کی طرف سے اترا (ف۱۶۹) تو انہیں رزق ملتا اوپر سے اور ان کے پاؤں کے نیچے سے (ف۱۷۰) ان میں کوئی گروہ اگر اعتدال پر ہے (ف۱۷۱) اور ان میں اکثر بہت ہی برے کام کررہے ہیں(ف۱۷۲)

( ولو أنهم أقاموا التوراة والإنجيل وما أنزل إليهم من ربهم ) قال ابن عباس وغيره : يعني القرآن . ( لأكلوا من فوقهم ومن تحت أرجلهم ) أي : لو أنهم عملوا بما في الكتب التي بأيديهم عن الأنبياء ، على ما هي عليه ، من غير تحريف ولا تغيير ولا تبديل ، لقادهم ذلك إلى اتباع الحق والعمل بمقتضى ما بعث الله به محمدا صلى الله عليه وسلم ; فإن كتبهم ناطقة بتصديقه والأمر باتباعه حتما لا محالة .وقوله : ( لأكلوا من فوقهم ومن تحت أرجلهم ) يعني بذلك كثرة الرزق النازل عليهم من السماء والنابت لهم من الأرض .وقال علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس : ( لأكلوا من فوقهم ) يعني : لأرسل [ السماء ] عليهم مدرارا ( ومن تحت أرجلهم ) يعني : يخرج من الأرض بركاتها .وكذا قال مجاهد وسعيد بن جبير وقتادة والسدي كما قال [ تعالى ] ( ولو أن أهل القرى آمنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء والأرض [ ولكن كذبوا فأخذناهم بما كانوا يكسبون ] ) [ الأعراف : 96 ] ، وقال : ( ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس [ ليذيقهم بعض الذي عملوا لعلهم يرجعون ] ) [ الروم : 41 ] .وقال بعضهم : معناه ( لأكلوا من فوقهم ومن تحت أرجلهم ) يعني : من غير كد ولا تعب ولا شقاء ولا عناء .وقال ابن جرير : قال بعضهم : معناه : لكانوا في الخير ، كما يقول القائل : " هو في الخير من قرنه إلى قدمه " . ثم رد هذا القول لمخالفة أقوال السلفوقد ذكر ابن أبي حاتم عند قوله : ( ولو أنهم أقاموا التوراة والإنجيل ) حديث علقمة ، عن صفوان بن عمرو ، عن عبد الرحمن بن جبير بن نفير عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " يوشك أن يرفع العلم " . فقال زياد بن لبيد : يا رسول الله ، وكيف يرفع العلم وقد قرأنا القرآن وعلمناه أبناءنا؟! قال ثكلتك أمك يا ابن لبيد ! إن كنت لأراك من أفقه أهل المدينة أوليست التوراة والإنجيل بأيدي اليهود والنصارى فما أغنى عنهم حين تركوا أمر الله " ثم قرأ ( ولو أنهم أقاموا التوراة والإنجيل )هكذا أورده ابن أبي حاتم حديثا معلقا من أول إسناده ، مرسلا في آخره . وقد رواه الإمام أحمد بن حنبل متصلا موصولا فقال :حدثنا وكيع ، حدثنا الأعمش ، عن سالم بن أبي الجعد عن زياد بن لبيد قال : ذكر النبي صلى الله عليه وسلم شيئا فقال : " وذاك عند ذهاب العلم " . قال : قلنا : يا رسول الله ، وكيف يذهب العلم ونحن نقرأ القرآن ونقرئه أبناءنا ، ويقرئه أبناؤنا أبناءهم إلى يوم القيامة؟ قال : " ثكلتك أمك يا ابن أم لبيد إن كنت لأراك من أفقه رجل بالمدينة أو ليس هذه اليهود والنصارى يقرءون التوراة والإنجيل ولا ينتفعون مما فيهما بشيء "وكذا رواه ابن ماجه ، عن أبى بكر بن أبي شيبة ، عن وكيع بإسناده نحوه وهذا إسناد صحيح .وقوله : ( منهم أمة مقتصدة وكثير منهم ساء ما يعملون ) كقوله تعالى : ( ومن قوم موسى أمة يهدون بالحق وبه يعدلون ) [ الأعراف : 159 ] ، وكقوله عن أتباع عيسى : ( فآتينا الذين آمنوا منهم أجرهم [ وكثير منهم فاسقون ] ) [ الحديد : 27 ] . فجعل أعلى مقاماتهم الاقتصاد ، وهو أوسط مقامات هذه الأمة ، وفوق ذلك رتبة السابقين كما في قوله تعالى : ( ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا فمنهم ظالم لنفسه ومنهم مقتصد ومنهم سابق بالخيرات بإذن الله ذلك هو الفضل الكبير جنات عدن يدخلونها ) الآية [ فاطر : 32 ، 33 ] . والصحيح أن الأقسام الثلاثة من هذه الأمة يدخلون الجنة .وقد قال أبو بكر بن مردويه : حدثنا عبد الله بن جعفر ، حدثنا أحمد بن يونس الضبي ، حدثنا عاصم بن علي ، حدثنا أبو معشر ، عن يعقوب بن يزيد بن طلحة ، عن زيد بن أسلم ، عن أنس بن مالك قال : كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : " تفرقت أمة موسى على إحدى وسبعين ملة ، سبعون منها في النار وواحدة في الجنة ، وتفرقت أمة عيسى على ثنتين وسبعين ملة ، واحدة منها في الجنة وإحدى وسبعون منها في النار ، وتعلو أمتي على الفرقتين جميعا . واحدة في الجنة ، وثنتان وسبعون في النار " . قالوا : من هم يا رسول الله؟ قال : " الجماعات الجماعات " .قال يعقوب بن يزيد كان علي بن أبي طالب إذا حدث بهذا الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، تلا فيه قرآنا : ( ولو أن أهل الكتاب آمنوا واتقوا لكفرنا عنهم سيئاتهم ولأدخلناهم جنات النعيم ) إلى قوله تعالى : ( منهم أمة مقتصدة وكثير منهم ساء ما يعملون ) وتلا أيضا : ( وممن خلقنا أمة يهدون بالحق وبه يعدلون ) [ الأعراف : 181 ] يعني : أمة محمد صلى الله عليه وسلم .وهذا حديث غريب جدا من هذا الوجه وبهذا السياق . وحديث افتراق الأمم إلى بضع وسبعين مروي من طرق عديدة ، وقد ذكرناه في موضع آخر . ولله الحمد والمنة .
5:67
یٰۤاَیُّهَا الرَّسُوْلُ بَلِّغْ مَاۤ اُنْزِلَ اِلَیْكَ مِنْ رَّبِّكَؕ-وَ اِنْ لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهٗؕ-وَ اللّٰهُ یَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِؕ-اِنَّ اللّٰهَ لَا یَهْدِی الْقَوْمَ الْكٰفِرِیْنَ(۶۷)
اے رسول پہنچا دو جو کچھ اترا تمہیں تمہارے رب کی طرف سے (ف۱۷۳) اور ایسا نہ ہو تو تم نے اس کا کوئی پیام نہ پہنچایا اور اللہ تمہاری نگہبانی کرے گا لوگوں سے (ف۱۷۴) بیشک اللہ کافروں کو راہ نہیں دیتا،

يقول تعالى مخاطبا عبده ورسوله محمدا صلى الله عليه وسلم باسم الرسالة ، وآمرا له بإبلاغ جميع ما أرسله الله به ، وقد امتثل صلوات الله وسلامه عليه ذلك ، وقام به أتم القيام .قال البخاري عند تفسير هذه الآية : حدثنا محمد بن يوسف ، حدثنا سفيان ، عن إسماعيل ، عن الشعبي ، عن مسروق عن عائشة قالت : من حدثك أن محمدا صلى الله عليه وسلم كتم شيئا مما أنزل عليه فقد كذب ، الله يقول : ( يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك ) الآية .هكذا رواه ههنا مختصرا ، وقد أخرجه في مواضع من صحيحه مطولا . وكذا رواه مسلم في " كتاب الإيمان " والترمذي والنسائي في " كتاب التفسير " من سننهما من طرق ، عن عامر الشعبي ، عن مسروق بن الأجدع عنها رضي الله عنها .وفي الصحيحين عنها أيضا أنها قالت : لو كان محمد صلى الله عليه وسلم كاتما من القرآن شيئا لكتم هذه الآية : ( وتخفي في نفسك ما الله مبديه وتخشى الناس والله أحق أن تخشاه ) [ الأحزاب : 37 ] .وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أحمد بن منصور الرمادي ، حدثنا سعيد بن سليمان ، حدثنا عباد عن هارون بن عنترة عن أبيه قال : كنت عند ابن عباس فجاء رجل فقال له : إن ناسا يأتونا فيخبرونا أن عندكم شيئا لم يبده رسول الله صلى الله عليه وسلم للناس . فقال : ألم تعلم أن الله تعالى قال : ( يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك ) والله ما ورثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم سوداء في بيضاء .وهذا إسناد جيد ، وهكذا في صحيح البخاري من رواية أبي جحيفة وهب بن عبد الله السوائي قال : قلت لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه : هل عندكم شيء من الوحي مما ليس في القرآن؟ فقال : لا والذي فلق الحبة وبرأ النسمة ، إلا فهما يعطيه الله رجلا في القرآن ، وما في هذه الصحيفة . قلت : وما في هذه الصحيفة؟ قال : العقل ، وفكاك الأسير ، وألا يقتل مسلم بكافر .وقال البخاري : قال الزهري : من الله الرسالة ، وعلى الرسول البلاغ ، وعلينا التسليم .وقد شهدت له أمته ببلاغ الرسالة وأداء الأمانة ، واستنطقهم بذلك في أعظم المحافل ، في خطبته يوم حجة الوداع ، وقد كان هناك من الصحابة نحو من أربعين ألفا كما ثبت في صحيح مسلم ، عن جابر بن عبد الله أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في خطبته يومئذ : " أيها الناس ، إنكم مسئولون عني ، فما أنتم قائلون؟ " قالوا : نشهد أنك قد بلغت وأديت ونصحت . فجعل يرفع إصبعه إلى السماء ويقلبها إليهم ويقول : " اللهم هل بلغت ، اللهم هل بلغت " .وقال الإمام أحمد : حدثنا ابن نمير ، حدثنا فضيل - يعني ابن غزوان - عن عكرمة ، عن ابن عباس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع : " يا أيها الناس ، أي يوم هذا؟ " قالوا : يوم حرام . قال : " أي بلد هذا؟ " قالوا : بلد حرام . قال : " فأي شهر هذا؟ " قالوا : شهر حرام . قال : " فإن أموالكم ودماءكم وأعراضكم عليكم حرام ، كحرمة يومكم هذا ، في بلدكم هذا ، في شهركم هذا " . ثم أعادها مرارا . ثم رفع إصبعه إلى السماء فقال : " اللهم هل بلغت! " مرارا - قال : يقول ابن عباس : والله لوصية إلى ربه عز وجل - ثم قال : " ألا فليبلغ الشاهد الغائب ، لا ترجعوا بعدي كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض " .وقد روى البخاري عن علي ابن المديني ، عن يحيى بن سعيد عن فضيل بن غزوان ، به نحوه .وقوله : ( وإن لم تفعل فما بلغت رسالته ) يعني : وإن لم تؤد إلى الناس ما أرسلتك به ( فما بلغت رسالته ) أي : وقد علم ما يترتب على ذلك لو وقع .وقال علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس : ( وإن لم تفعل فما بلغت رسالته ) يعني : إن كتمت آية مما أنزل إليك من ربك لم تبلغ رسالته .وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي : حدثنا قبيصة بن عقبة حدثنا سفيان ، عن رجل عن مجاهد قال : لما نزلت : ( يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك ) قال : " يا رب ، كيف أصنع وأنا وحدي؟ يجتمعون علي " . فنزلت ( وإن لم تفعل فما بلغت رسالته )ورواه ابن جرير من طريق سفيان - وهو الثوري - به .وقوله : ( والله يعصمك من الناس ) أي : بلغ أنت رسالتي ، وأنا حافظك وناصرك ومؤيدك على أعدائك ومظفرك بهم ، فلا تخف ولا تحزن ، فلن يصل أحد منهم إليك بسوء يؤذيك .وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم قبل نزول هذه الآية يحرس كما قال الإمام أحمد :حدثنا يزيد ، حدثنا يحيى قال سمعت عبد الله بن عامر بن ربيعة يحدث : أن عائشة كانت تحدث : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سهر ذات ليلة ، وهي إلى جنبه ، قالت : فقلت : ما شأنك يا رسول الله؟ قال : " ليت رجلا صالحا من أصحابي يحرسني الليلة؟ " قالت : فبينا أنا على ذلك إذ سمعت صوت السلاح فقال : " من هذا؟ " فقال : أنا سعد بن مالك . فقال : " ما جاء بك؟ " قال : جئت لأحرسك يا رسول الله . قالت : فسمعت غطيط رسول الله صلى الله عليه وسلم في نومه . أخرجاه في الصحيحين من طريق يحيى بن سعيد الأنصاري به .وفي لفظ : سهر رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات ليلة مقدمه المدينة . يعني : على أثر هجرته [ إليها ] بعد دخوله بعائشة رضي الله عنها ، وكان ذلك في سنة ثنتين منها .وقال ابن أبي حاتم : حدثنا إبراهيم بن مرزوق البصري - نزيل مصر - حدثنا مسلم بن إبراهيم ، حدثنا الحارث بن عبيد - يعني أبا قدامة - ، عن الجريري ، عن عبد الله بن شقيق عن عائشة [ رضي الله عنها ] قالت : كان النبي صلى الله عليه وسلم يحرس حتى نزلت هذه الآية : ( والله يعصمك من الناس ) قالت : فأخرج النبي صلى الله عليه وسلم رأسه من القبة ، وقال : " يا أيها الناس ، انصرفوا فقد عصمني الله عز وجل " .وهكذا رواه الترمذي ، عن عبد بن حميد وعن نصر بن علي الجهضمي كلاهما عن مسلم بن إبراهيم به . ثم قال : وهذا حديث غريب .وهكذا رواه ابن جرير والحاكم في مستدركه ، من طرق مسلم بن إبراهيم به . ثم قال الحاكم : صحيح الإسناد ولم يخرجاه . وكذا رواه سعيد بن منصور ، عن الحارث بن عبيد أبي قدامة [ الإيادي ] عن الجريري ، عن عبد الله بن شقيق ، عن عائشة به .ثم قال الترمذي : وقد روى بعضهم هذا عن الجريري ، عن ابن شقيق قال : كان النبي صلى الله عليه وسلم يحرس . ولم يذكر عائشة .قلت : هكذا رواه ابن جرير من طريق إسماعيل بن علية وابن مردويه من طريق وهيب كلاهما عن الجريري عن عبد الله بن شقيق مرسلا وقد روي هذا مرسلا عن سعيد بن جبير ومحمد بن كعب القرظي رواهما ابن جرير والربيع بن أنس رواه ابن مردويه ثم قال :حدثنا سليمان بن أحمد ، حدثنا أحمد بن رشدين المصري ، حدثنا خالد بن عبد السلام الصدفي ، حدثنا الفضل بن المختار ، عن عبد الله بن موهب عن عصمة بن مالك الخطمي قال : كنا نحرس رسول الله صلى الله عليه وسلم بالليل حتى نزلت : ( والله يعصمك من الناس ) فترك الحرس .حدثنا سليمان بن أحمد ، حدثنا حمد بن محمد بن حمد أبو نصر الكاتب البغدادي ، حدثنا كردوس بن محمد الواسطي ، حدثنا معلى بن عبد الرحمن ، عن فضيل بن مرزوق ، عن عطية عن أبي سعيد الخدري قال : كان العباس عم رسول الله صلى الله عليه وسلم فيمن يحرسه ، فلما نزلت هذه الآية : ( والله يعصمك من الناس ) ترك رسول الله صلى الله عليه وسلم الحرس .حدثنا علي بن أبي حامد المديني ، حدثنا أحمد بن محمد بن سعيد ، حدثنا محمد بن مفضل بن إبراهيم الأشعري ، حدثنا أبي ، حدثنا محمد بن معاوية بن عمار ، حدثنا أبي قال : سمعت أبا الزبير المكي يحدث عن جابر بن عبد الله قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا خرج بعث معه أبو طالب من يكلؤه ، حتى نزلت : ( والله يعصمك من الناس ) فذهب ليبعث معه ، فقال : " يا عم ، إن الله قد عصمني ، لا حاجة لي إلى من تبعث " .وهذا حديث غريب وفيه نكارة فإن هذه الآية مدنية ، وهذا الحديث يقتضي أنها مكية .ثم قال : حدثنا محمد بن أحمد بن إبراهيم ، حدثنا محمد بن يحيى ، حدثنا أبو كريب ، حدثنا عبد الحميد الحماني ، عن النضر ، عن عكرمة عن ابن عباس قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحرس ، فكان يرسل معه أبو طالب كل يوم رجالا من بني هاشم يحرسونه ، حتى نزلت عليه هذه الآية : ( ياأيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك وإن لم تفعل فما بلغت رسالته والله يعصمك من الناس ) قال : فأراد عمه أن يرسل معه من يحرسه ، فقال : " إن الله قد عصمني من الجن والإنس " .ورواه الطبراني ، عن يعقوب بن غيلان العماني ، عن أبي كريب به .وهذا أيضا غريب . والصحيح أن هذه الآية مدنية ، بل هي من أواخر ما نزل بها ، والله أعلم .ومن عصمة الله [ عز وجل ] لرسوله حفظه له من أهل مكة وصناديدها وحسادها ومعانديها ومترفيها ، مع شدة العداوة والبغضة ونصب المحاربة له ليلا ونهارا ، بما يخلقه الله تعالى من الأسباب العظيمة بقدره وحكمته العظيمة . فصانه في ابتداء الرسالة بعمه أبي طالب إذ كان رئيسا مطاعا كبيرا في قريش وخلق الله في قلبه محبة طبيعية لرسول الله صلى الله عليه وسلم لا شرعية ، ولو كان أسلم لاجترأ عليه كفارها وكبارها ، ولكن لما كان بينه وبينهم قدر مشترك في الكفر هابوه واحترموه ، فلما مات أبو طالب نال منه المشركون أذى يسيرا ، ثم قيض الله [ عز وجل ] له الأنصار فبايعوه على الإسلام ، وعلى أن يتحول إلى دارهم - وهي المدينة فلما صار إليها حموه من الأحمر والأسود ، فكلما هم أحد من المشركين وأهل الكتاب بسوء كاده الله ورد كيده عليه ، لما كاده اليهود بالسحر حماه الله منهم ، وأنزل عليه سورتي المعوذتين دواء لذلك الداء ، ولما سم اليهود في ذراع تلك الشاة بخيبر أعلمه الله به وحماه [ الله ] منه ; ولهذا أشباه كثيرة جدا يطول ذكرها ، فمن ذلك ما ذكره المفسرون عند هذه الآية الكريمة :فقال أبو جعفر بن جرير : حدثنا الحارث ، حدثنا عبد العزيز ، حدثنا أبو معشر عن محمد بن كعب القرظي وغيره قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا نزل منزلا اختار له أصحابه شجرة ظليلة فيقيل تحتها . فأتاه أعرابي فاخترط سيفه ثم قال : من يمنعك مني؟ فقال : " الله عز وجل " ، فرعدت يد الأعرابي وسقط السيف منه ، قال : وضرب برأسه الشجرة حتى انتثر دماغه ، فأنزل الله عز وجل : ( والله يعصمك من الناس )وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبو سعيد أحمد بن محمد بن يحيى بن سعيد القطان ، حدثنا زيد بن الحباب ، حدثنا موسى بن عبيدة حدثني زيد بن أسلم عن جابر بن عبد الله الأنصاري قال : لما غزا رسول الله صلى الله عليه وسلم بني أنمار نزل ذات الرقاع بأعلى نخل ، فبينا هو جالس على رأس بئر قد دلى رجليه ، فقال غورث بن الحارث من بني النجار : لأقتلن محمدا . فقال له أصحابه : كيف تقتله؟ قال : أقول له : أعطني سيفك . فإذا أعطانيه قتلته به ، قال : فأتاه فقال : يا محمد أعطني سيفك أشيمه . فأعطاه إياه ، فرعدت يده حتى سقط السيف من يده ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " حال الله بينك وبين ما تريد " فأنزل الله ، عز وجل : ( يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك وإن لم تفعل فما بلغت رسالته والله يعصمك من الناس )وهذا حديث غريب من هذا الوجه وقصة " غورث بن الحارث " مشهورة في الصحيح .وقال أبو بكر بن مردويه : حدثنا أبو عمرو أحمد بن محمد بن إبراهيم ، حدثنا محمد بن عبد الوهاب ، حدثنا آدم ، حدثنا حماد بن سلمة ، عن محمد بن عمرو ، عن أبي سلمة عن أبي هريرة قال : كنا إذا صحبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر تركنا له أعظم شجرة وأظلها ، فينزل تحتها ، فنزل ذات يوم تحت شجرة وعلق سيفه فيها ، فجاء رجل فأخذه فقال : يا محمد من يمنعك مني؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " الله يمنعني منك ، ضع السيف " . فوضعه ، فأنزل الله ، عز وجل : ( والله يعصمك من الناس )وكذا رواه أبو حاتم بن حبان في صحيحه ، عن عبد الله بن محمد ، عن إسحاق بن إبراهيم ، عن المؤمل بن إسماعيل ، عن حماد بن سلمة به .وقال الإمام أحمد : حدثنا محمد بن جعفر ، حدثنا شعبة سمعت أبا إسرائيل - يعني الجشمي - سمعت جعدة - هو ابن خالد بن الصمة الجشمي - رضي الله عنه ، قال : سمعت النبي صلى الله عليه وسلم ورأى رجلا سمينا ، فجعل النبي صلى الله عليه وسلم يومئ إلى بطنه بيده ويقول : " لو كان هذا في غير هذا لكان خيرا لك " . قال : وأتي النبي صلى الله عليه وسلم برجل فقال : هذا أراد أن يقتلك . فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " لم ترع ، لم ترع ، ولو أردت ذلك لم يسلطك الله علي " .وقوله : ( إن الله لا يهدي القوم الكافرين ) أي : بلغ أنت ، والله هو الذي يهدي من يشاء ويضل من يشاء ، كما قال : ( ليس عليك هداهم ولكن الله يهدي من يشاء ) [ البقرة : 272 ] وقال ( فإنما عليك البلاغ وعلينا الحساب ) [ الرعد : 40 ] .
5:68
قُلْ یٰۤاَهْلَ الْكِتٰبِ لَسْتُمْ عَلٰى شَیْءٍ حَتّٰى تُقِیْمُوا التَّوْرٰىةَ وَ الْاِنْجِیْلَ وَ مَاۤ اُنْزِلَ اِلَیْكُمْ مِّنْ رَّبِّكُمْؕ-وَ لَیَزِیْدَنَّ كَثِیْرًا مِّنْهُمْ مَّاۤ اُنْزِلَ اِلَیْكَ مِنْ رَّبِّكَ طُغْیَانًا وَّ كُفْرًاۚ-فَلَا تَاْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْكٰفِرِیْنَ(۶۸)
تم فرمادو، اے کتابیو! تم کچھ بھی نہیں ہو (ف۱۷۵) جب تک نہ قائم کرو توریت اور انجیل اور جو کچھ تمہاری طرف تمہارے رب کے پاس سے اترا (ف۱۷۶) اور بیشک اے محبوب! وہ جو تمہاری طرف تمہارے رب کے پاس سے اترا اس میں بہتوں کو شرارت اور کفر کی اور ترقی ہوگی (ف۱۷۷) تو تم کافروں کا کچھ غم نہ کھاؤ،

يقول تعالى : قل يا محمد : ( يا أهل الكتاب لستم على شيء ) أي : من الدين ( حتى تقيموا التوراة والإنجيل ) أي : حتى تؤمنوا بجميع ما بأيديكم من الكتب المنزلة من الله على الأنبياء ، وتعملوا بما فيها ومما فيها الأمر باتباع محمد صلى الله عليه وسلم والإيمان بمبعثه ، والاقتداء بشريعته ; ولهذا قال ليث بن أبي سليم ، عن مجاهد في قوله : ( وما أنزل إليكم من ربكم ) يعني : القرآن العظيم .وقوله : ( وليزيدن كثيرا منهم ما أنزل إليك من ربك طغيانا وكفرا ) تقدم تفسيره ( فلا تأس على القوم الكافرين ) أي : فلا تحزن عليهم ولا يهيدنك ذلك منهم .
5:69
اِنَّ الَّذِیْنَ اٰمَنُوْا وَ الَّذِیْنَ هَادُوْا وَ الصّٰبِــٴُـوْنَ وَ النَّصٰرٰى مَنْ اٰمَنَ بِاللّٰهِ وَ الْیَوْمِ الْاٰخِرِ وَ عَمِلَ صَالِحًا فَلَا خَوْفٌ عَلَیْهِمْ وَ لَا هُمْ یَحْزَنُوْنَ(۶۹)
بیشک وہ جو اپنے آپ کو مسلمان کہتے ہیں (ف۱۷۸) اور اسی طرح یہودی اور ستارہ پرت اور نصرانی ان میں جو کوئی سچے دل سے اللہ اور قیامت پر ایمان لائے اور اچھے کام کرے توان پر نہ کچھ اندیشہ ہے اور نہ کچھ غم،

ثم قال : ( إن الذين آمنوا ) وهم : المسلمون ( والذين هادوا ) وهم : حملة التوراة ( والصابئون ) - لما طال الفصل حسن العطف بالرفع . والصابئون : طائفة بين النصارى والمجوس ليس لهم دين . قاله مجاهد وعنه : بين اليهود والمجوس . وقال سعيد بن جبير : بين اليهود والنصارى وعن الحسن [ والحكم ] إنهم كالمجوس . وقال قتادة : هم قوم يعبدون الملائكة ، ويصلون إلى غير القبلة ، ويقرءون الزبور . وقال وهب بن منبه : هم قوم يعرفون الله وحده ، وليست لهم شريعة يعملون بها ، ولم يحدثوا كفرا .وقال ابن وهب : أخبرني ابن أبي الزناد عن أبيه قال : الصابئون : قوم مما يلي العراق وهم بكوثى وهم يؤمنون بالنبيين كلهم ، ويصومون كل سنة ثلاثين يوما ، ويصلون إلى اليمن كل يوم خمس صلوات . وقيل غير ذلك .وأما النصارى فمعروفون ، وهم حملة الإنجيل .والمقصود : أن كل فرقة آمنت بالله وباليوم الآخر ، وهو المعاد والجزاء يوم الدين ، وعملت عملا صالحا ، ولا يكون ذلك كذلك حتى يكون موافقا للشريعة المحمدية بعد إرسال صاحبها المبعوث إلى جميع الثقلين فمن اتصف بذلك ( فلا خوف عليهم ) فيما يستقبلونه ولا على ما تركوا وراء ظهورهم ( ولا هم يحزنون ) وقد تقدم الكلام على نظيراتها في سورة البقرة ، بما أغنى عن إعادته .
5:70
لَقَدْ اَخَذْنَا مِیْثَاقَ بَنِیْۤ اِسْرَآءِیْلَ وَ اَرْسَلْنَاۤ اِلَیْهِمْ رُسُلًاؕ-كُلَّمَا جَآءَهُمْ رَسُوْلٌۢ بِمَا لَا تَهْوٰۤى اَنْفُسُهُمْۙ-فَرِیْقًا كَذَّبُوْا وَ فَرِیْقًا یَّقْتُلُوْنَۗ(۷۰)
بیشک ہم نے بنی اسرائیل سے عہد لیا (ف۱۷۹) اور ان کی طرف رسول بھیجے، جب کبھی ان کے پاس کوئی رسول وہ بات لے کر آیا جو ان کے نفس کی خواہش نہ تھی (ف۱۸۰) ایک گروہ کو جھٹلایا اور ایک گروہ کو شہید کرتے ہیں(ف۱۸۱)

يذكر تعالى أنه أخذ العهود والمواثيق على بني إسرائيل على السمع والطاعة لله ولرسوله ، فنقضوا تلك العهود والمواثيق ، واتبعوا آراءهم وأهواءهم وقدموها على الشرائع ، فما وافقهم منها قبلوه ، وما خالفهم ردوه ; ولهذا قال : ( كلما جاءهم رسول بما لا تهوى أنفسهم فريقا كذبوا وفريقا يقتلون)
5:71
وَ حَسِبُوْۤا اَلَّا تَكُوْنَ فِتْنَةٌ فَعَمُوْا وَ صَمُّوْا ثُمَّ تَابَ اللّٰهُ عَلَیْهِمْ ثُمَّ عَمُوْا وَ صَمُّوْا كَثِیْرٌ مِّنْهُمْؕ-وَ اللّٰهُ بَصِیْرٌۢ بِمَا یَعْمَلُوْنَ(۷۱)
اور اس گمان میں ہیں کہ کوئی سزا نہ ہوگی (ف۱۸۲) تو اندھے اور بہرے ہوگئے (ف۱۸۳) پھر اللہ نے ان کی توبہ قبول کی (ف۱۸۴) پھر ان میں بہتیرے اندھے اور بہرے ہوگئے اور اللہ ان کے کام دیکھ رہا ہے،

(وحسبوا ألا تكون فتنة ) أي : وحسبوا ألا يترتب لهم شر على ما صنعوا ، فترتب ، وهو أنهم عموا عن الحق وصموا ، فلا يسمعون حقا ولا يهتدون إليه ( ثم تاب الله عليهم ) أي : مما كانوا فيه ( ثم عموا وصموا )أي : بعد ذلك ( [ وصموا ] كثير منهم والله بصير بما يعملون ) أي : مطلع عليهم وعليم بمن يستحق الهداية ممن يستحق الغواية .
5:72
لَقَدْ كَفَرَ الَّذِیْنَ قَالُوْۤا اِنَّ اللّٰهَ هُوَ الْمَسِیْحُ ابْنُ مَرْیَمَؕ-وَ قَالَ الْمَسِیْحُ یٰبَنِیْۤ اِسْرَآءِیْلَ اعْبُدُوا اللّٰهَ رَبِّیْ وَ رَبَّكُمْؕ-اِنَّهٗ مَنْ یُّشْرِكْ بِاللّٰهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللّٰهُ عَلَیْهِ الْجَنَّةَ وَ مَاْوٰىهُ النَّارُؕ-وَ مَا لِلظّٰلِمِیْنَ مِنْ اَنْصَارٍ(۷۲)
بیشک کافر ہیں وہ جو کہتے ہیں کہ اللہ وہی مسیح مریم کا بیٹا ہے (ف۱۸۵) اور مسیح نے تو یہ کہا تھا، اے بنی اسرائیل اللہ کی بندگی کرو جو میرا رب (ف۱۸۶) اور تمہارا رب، بیشک جو اللہ کا شریک ٹھہرائے تو اللہ نے اس پر جنت حرام کردی اور اس کا ٹھکانا دوزخ ہے اور ظالموں کا کوئی مددگار نہیں،

يقول تعالى حاكما بتكفير فرق النصارى من الملكية واليعقوبية والنسطورية ممن قال منهم بأن المسيح هو الله ، تعالى الله عن قولهم وتنزه وتقدس علوا كبيرا .هذا وقد تقدم إليهم المسيح بأنه عبد الله ورسوله ، وكان أول كلمة نطق بها وهو صغير في المهد أن قال : ( إني عبد الله آتاني الكتاب وجعلني نبيا ) ولم يقل : أنا الله ، ولا ابن الله . بل قال : ( إني عبد الله آتاني الكتاب وجعلني نبيا ) إلى أن قال : ( وإن الله ربي وربكم فاعبدوه هذا صراط مستقيم ) [ مريم : 30 - 36 ] .وكذلك قال لهم في حال كهولته ونبوته ، آمرا لهم بعبادة الله ربه وربهم وحده لا شريك له ; ولهذا قال تعالى : ( وقال المسيح يا بني إسرائيل اعبدوا الله ربي وربكم إنه من يشرك بالله ) أي : فيعبد معه غيره ( فقد حرم الله عليه الجنة ومأواه النار ) أي : فقد أوجب له النار ، وحرم عليه الجنة ، كما قال تعالى : ( إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء ) [ النساء : 48 ، 116 ] ، وقال تعالى : ( ونادى أصحاب النار أصحاب الجنة أن أفيضوا علينا من الماء أو مما رزقكم الله قالوا إن الله حرمهما على الكافرين ) [ الأعراف : 50 ] .وفي الصحيح : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث مناديا ينادي في الناس : " إن الجنة لا يدخلها إلا نفس مسلمة " ، وفي لفظ : " مؤمنة " .وتقدم في أول سورة النساء عند قوله : ( إن الله لا يغفر أن يشرك به ) [ النساء : 48 ، 116 ] حديث يزيد بن بابنوس ، عن عائشة : الدواوين ثلاثة فذكر منهم ديوانا لا يغفره الله ، وهو الشرك بالله ، قال الله تعالى : ( من يشرك بالله فقد حرم الله عليه الجنة [ ومأواه النار ] ) الحديث في مسند أحمد .ولهذا قال [ الله ] تعالى إخبارا عن المسيح أنه قال لبني إسرائيل : ( إنه من يشرك بالله فقد حرم الله عليه الجنة ومأواه النار وما للظالمين من أنصار ) أي : وما له عند الله ناصر ولا معين ولا منقذ مما هو فيه .
5:73
لَقَدْ كَفَرَ الَّذِیْنَ قَالُوْۤا اِنَّ اللّٰهَ ثَالِثُ ثَلٰثَةٍۘ-وَ مَا مِنْ اِلٰهٍ اِلَّاۤ اِلٰهٌ وَّاحِدٌؕ-وَ اِنْ لَّمْ یَنْتَهُوْا عَمَّا یَقُوْلُوْنَ لَیَمَسَّنَّ الَّذِیْنَ كَفَرُوْا مِنْهُمْ عَذَابٌ اَلِیْمٌ(۷۳)
بیشک کافر ہیں وہ جو کہتے ہیں اللہ تین خداؤں میں کا تیسرا ہے (ف۱۸۷) اور خدا تو نہیں مگر ایک خدا (ف۱۸۸) اور اگر اپنی بات سے باز نہ آئے (ف۱۸۹) تو جو ان میں کافر مریں گے ان کو ضرور دردناک عذاب پہنچے گا،

وقوله ( لقد كفر الذين قالوا إن الله ثالث ثلاثة ) قال ابن أبي حاتم : حدثنا علي بن الحسن الهستجاني ، حدثنا سعيد بن الحكم بن أبي مريم ، حدثنا الفضل حدثني أبو صخر في قول الله : ( لقد كفر الذين قالوا إن الله ثالث ثلاثة ) قال : هو قول اليهود : ( عزير ابن الله ) وقول النصارى : ( المسيح ابن الله ) [ التوبة : 30 ] فجعلوا الله ثالث ثلاثة .وهذا قول غريب في تفسير الآية : أن المراد بذلك طائفتا اليهود والنصارى ، والصحيح : أنها أنزلت في النصارى خاصة ، قاله مجاهد وغير واحد .ثم اختلفوا في ذلك فقيل : المراد بذلك كفارهم في قولهم بالأقانيم الثلاثة وهو أقنوم الأب ، وأقنوم الابن ، وأقنوم الكلمة المنبثقة من الأب إلى الابن ، تعالى الله عن قولهم علوا كبيرا ، قال ابن جرير وغيره : والطوائف الثلاث من الملكية واليعقوبية والنسطورية تقول بهذه الأقانيم . وهم مختلفون فيها اختلافا متباينا ليس هذا موضع بسطه ، وكل فرقة منهم تكفر الأخرى ، والحق أن الثلاث كافرة .وقال السدي وغيره : نزلت في جعلهم المسيح وأمه إلهين مع الله ، فجعلوا الله ثالث ثلاثة بهذا الاعتبار ، قال السدي : وهي كقوله تعالى في آخر السورة : ( وإذ قال الله يا عيسى ابن مريم أأنت قلت للناس اتخذوني وأمي إلهين من دون الله قال سبحانك ) الآية [ المائدة : 116 ] .وهذا القول هو الأظهر ، والله أعلم . قال الله تعالى : ( وما من إله إلا إله واحد ) أي : ليس متعددا ، بل هو وحده لا شريك له ، إله جميع الكائنات وسائر الموجودات .ثم قال تعالى متوعدا لهم ومتهددا : ( وإن لم ينتهوا عما يقولون ) أي : من هذا الافتراء والكذب ( ليمسن الذين كفروا منهم عذاب أليم ) أي : في الآخرة من الأغلال والنكال .
5:74
اَفَلَا یَتُوْبُوْنَ اِلَى اللّٰهِ وَ یَسْتَغْفِرُوْنَهٗؕ-وَ اللّٰهُ غَفُوْرٌ رَّحِیْمٌ(۷۴)
تو کیوں نہیں رجوع کرتے اللہ کی طرف اور اس سے بخشش مانگتے، اور اللہ بخشنے والا مہربان،

ثم قال : ( أفلا يتوبون إلى الله ويستغفرونه والله غفور رحيم ) وهذا من كرمه تعالى وجوده ولطفه ورحمته بخلقه ، مع هذا الذنب العظيم وهذا الافتراء والكذب والإفك ، يدعوهم إلى التوبة والمغفرة ، فكل من تاب إليه تاب عليه
5:75
مَا الْمَسِیْحُ ابْنُ مَرْیَمَ اِلَّا رَسُوْلٌۚ-قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُؕ-وَ اُمُّهٗ صِدِّیْقَةٌؕ-كَانَا یَاْكُلٰنِ الطَّعَامَؕ-اُنْظُرْ كَیْفَ نُبَیِّنُ لَهُمُ الْاٰیٰتِ ثُمَّ انْظُرْ اَنّٰى یُؤْفَكُوْنَ(۷۵)
مسیح بن مریم نہیں مگر ایک رسول (ف۱۹۰) اس سے پہلے بہت رسول ہو گزرے (ف۱۹۱) اور اس کی ماں صدیقہ ہے (ف۱۹۲) دونوں کھانا کھاتے تھے (ف۱۹۳) دیکھو تو ہم کیسی صاف نشانیاں ان کے لئے بیان کرتے ہیں پھر دیکھو وہ کیسے اوندھے جاتے ہیں،

ثم قال : ( ما المسيح ابن مريم إلا رسول قد خلت من قبله الرسل ) أي : له سوية أمثاله من سائر المرسلين المتقدمين عليه ، وأنه عبد من عباد الله ورسول من رسله الكرام ، كما قال : ( إن هو إلا عبد أنعمنا عليه وجعلناه مثلا لبني إسرائيل ) [ الزخرف : 59 ] .وقوله : ( وأمه صديقة ) أي : مؤمنة به مصدقة له . وهذا أعلى مقاماتها فدل على أنها ليست بنبية ، كما زعمه ابن حزم وغيره ممن ذهب إلى نبوة سارة أم إسحاق ونبوة أم موسى ونبوة أم عيسى استدلالا منهم بخطاب الملائكة لسارة ومريم وبقوله : ( وأوحينا إلى أم موسى أن أرضعيه ) [ القصص : 7 ] [ قالوا ] وهذا معنى النبوة ، والذي عليه الجمهور أن الله لم يبعث نبيا إلا من الرجال ، قال الله تعالى : ( وما أرسلنا من قبلك إلا رجالا نوحي إليهم من أهل القرى ) [ يوسف : 109 ] ، وقد حكى الشيخ أبو الحسن الأشعري رحمه الله الإجماع على ذلك .وقوله : ( كانا يأكلان الطعام ) أي : يحتاجان إلى التغذية به ، وإلى خروجه منهما ، فهما عبدان كسائر الناس وليسا بإلهين كما زعمت فرق النصارى الجهلة ، عليهم لعائن الله المتتابعة إلى يوم القيامة .ثم قال تعالى : ( انظر كيف نبين لهم الآيات ) أي : نوضحها ونظهرها ( ثم انظر أنى يؤفكون ) أي : ثم انظر بعد هذا البيان والوضوح والجلاء أين يذهبون؟ وبأي قول يتمسكون؟ وإلى أي مذهب من الضلال يذهبون؟ ؟
5:76
قُلْ اَتَعْبُدُوْنَ مِنْ دُوْنِ اللّٰهِ مَا لَا یَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَّ لَا نَفْعًاؕ-وَ اللّٰهُ هُوَ السَّمِیْعُ الْعَلِیْمُ(۷۶)
تم فرماؤ کیا اللہ کے سوا ایسے کو پوجتے ہو جو تمہارے نقصان کا مالک نہ نفع کا (ف۱۹۴) اور اللہ ہی سنتا جانتا ہے،

يقول تعالى منكرا على من عبد غيره من الأصنام والأنداد والأوثان ، ومبينا له أنها لا تستحق شيئا من الإلهية : ( قل ) أي : يا محمد لهؤلاء العابدين غير الله من سائر فرق بني آدم ودخل في ذلك النصارى وغيرهم : ( أتعبدون من دون الله ما لا يملك لكم ضرا ولا نفعا ) أي : لا يقدر على إيصال ضرر إليكم ، ولا إيجاد نفع ( والله هو السميع العليم ) أي : فلم عدلتم عن إفراد السميع لأقوال عباده ، العليم بكل شيء إلى عبادة جماد لا يسمع ولا يبصر ولا يعلم شيئا ، ولا يملك ضرا ولا نفعا لغيره ولا لنفسه .
5:77
قُلْ یٰۤاَهْلَ الْكِتٰبِ لَا تَغْلُوْا فِیْ دِیْنِكُمْ غَیْرَ الْحَقِّ وَ لَا تَتَّبِعُوْۤا اَهْوَآءَ قَوْمٍ قَدْ ضَلُّوْا مِنْ قَبْلُ وَ اَضَلُّوْا كَثِیْرًا وَّ ضَلُّوْا عَنْ سَوَآءِ السَّبِیْلِ۠(۷۷)
تم فرماؤ اے کتاب والو! اپنے دین میں ناحق زیادتی نہ کرو (ف۱۹۵) اور ایسے لوگوں کی خواہش پر نہ چلو (ف۱۹۶) جو پہلے گمراہ ہوچکے اور بہتوں کو گمراہ کیا اور سیدھی راہ سے بہک گئے

ثم قال : ( قل يا أهل الكتاب لا تغلوا في دينكم غير الحق ) أي : لا تجاوزوا الحد في اتباع الحق ، ولا تطروا من أمرتم بتعظيمه فتبالغوا فيه ، حتى تخرجوه عن حيز النبوة إلى مقام الإلهية ، كما صنعتم في المسيح وهو نبي من الأنبياء ، فجعلتموه إلها من دون الله ، وما ذاك إلا لاقتدائكم بشيوخ الضلال ، الذين هم سلفكم ممن ضل قديما ( وأضلوا كثيرا وضلوا عن سواء السبيل ) أي : وخرجوا عن طريق الاستقامة والاعتدال ، إلى طريق الغواية والضلال .قال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي ، حدثنا أحمد بن عبد الرحمن ، حدثنا عبد الله بن أبي جعفر عن أبيه ، عن الربيع بن أنس قال : وقد كان قائم قام عليهم ، فأخذ بالكتاب والسنة زمانا ، فأتاه الشيطان فقال : إنما تركب أثرا أو أمرا قد عمل قبلك ، فلا تجمد عليه ، ولكن ابتدع أمرا من قبل نفسك وادع إليه وأجبر الناس عليه ، ففعل ، ثم ادكر بعد فعله زمانا فأراد أن يتوب فخلع ملكه وسلطانه وأراد أن يتعبد فلبث في عبادته أياما ، فأتي فقيل له : لو أنك تبت من خطيئة عملتها فيما بينك وبين ربك عسى أن يتاب عليك ، ولكن ضل فلان وفلان وفلان في سببك حتى فارقوا الدنيا وهم على الضلالة ، فكيف لك بهداهم ، فلا توبة لك أبدا . ففيه سمعنا وفي أشباهه هذه الآية : ( قل يا أهل الكتاب لا تغلوا في دينكم غير الحق ولا تتبعوا أهواء قوم قد ضلوا من قبل وأضلوا كثيرا وضلوا عن سواء السبيل ) .
5:78
لُعِنَ الَّذِیْنَ كَفَرُوْا مِنْۢ بَنِیْۤ اِسْرَآءِیْلَ عَلٰى لِسَانِ دَاوٗدَ وَ عِیْسَى ابْنِ مَرْیَمَؕ-ذٰلِكَ بِمَا عَصَوْا وَّ كَانُوْا یَعْتَدُوْنَ(۷۸)
لعنت کیے گئے وہ جنہوں نے کفر کیا بنی اسرائیل میں داؤد اور عیسیٰ بن مریم کی زبان پر (ف۱۹۷)یہ بدلہ ان کی نافرمانی اور سرکشی کا،

يخبر تعالى أنه لعن الكافرين من بني إسرائيل من دهر طويل ، فيما أنزل على داود نبيه ، عليه السلام ، وعلى لسان عيسى ابن مريم بسبب عصيانهم لله واعتدائهم على خلقه .قال العوفي ، عن ابن عباس : لعنوا في التوراة و [ في ] الإنجيل وفي الزبور ، وفي الفرقان .
5:79
كَانُوْا لَا یَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُّنْكَرٍ فَعَلُوْهُؕ-لَبِئْسَ مَا كَانُوْا یَفْعَلُوْنَ(۷۹)
جو بری بات کرتے آپس میں ایک دوسرے کو نہ روکتے ضرور بہت ہی برے کام کرتے تھے(ف۱۹۹)

ثم بين حالهم فيما كانوا يعتمدونه في زمانهم ، فقال : ( كانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه لبئس ما كانوا يفعلون ) أي : كان لا ينهى أحد منهم أحدا عن ارتكاب المآثم والمحارم ، ثم ذمهم على ذلك ليحذر أن يركب مثل الذي ارتكبوا ، فقال : ( لبئس ما كانوا يفعلون )وقال الإمام أحمد رحمه الله : حدثنا يزيد ، حدثنا شريك بن عبد الله ، عن علي بن بذيمة ، عن أبي عبيدة ، عن عبد الله قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لما وقعت بنو إسرائيل في المعاصي ، نهتهم علماؤهم فلم ينتهوا ، فجالسوهم في مجالسهم - قال يزيد : وأحسبه قال : وأسواقهم - وواكلوهم وشاربوهم . فضرب الله قلوب بعضهم ببعض ، ولعنهم على لسان داود وعيسى ابن مريم ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون " ، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم متكئا فجلس فقال : " لا والذي نفسي بيده حتى تأطروهم على الحق أطرا " .وقال أبو داود : حدثنا عبد الله بن محمد النفيلي ، حدثنا يونس بن راشد ، عن علي بن بذيمة ، عن أبي عبيدة ، عن عبد الله بن مسعود قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن أول ما دخل النقص على بني إسرائيل كان الرجل يلقى الرجل فيقول : يا هذا ، اتق الله ودع ما تصنع ، فإنه لا يحل لك . ثم يلقاه من الغد فلا يمنعه ذلك أن يكون أكيله وشريبه وقعيده ، فلما فعلوا ذلك ضرب الله قلوب بعضهم ببعض ، ثم قال : ( لعن الذين كفروا من بني إسرائيل على لسان داود وعيسى ابن مريم ) إلى قوله : ( فاسقون ) ثم قال : " كلا والله لتأمرن بالمعروف ولتنهون عن المنكر ، ولتأخذن على يد الظالم ، ولتأطرنه على الحق أطرا - أو تقصرنه على الحق قصرا " .وكذا رواه الترمذي وابن ماجه من طريق علي بن بذيمة به ، وقال الترمذي : " حسن غريب " . ثم رواه هو وابن ماجه ، عن بندار ، عن ابن مهدي ، عن سفيان ، عن علي بن بذيمة ، عن أبي عبيدة مرسلا .وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبو سعيد الأشج وهارون بن إسحاق الهمداني قالا حدثنا عبد الرحمن بن محمد المحاربي ، عن العلاء بن المسيب ، عن عبد الله بن عمرو بن مرة ، عن سالم الأفطس ، عن أبي عبيدة ، عن عبد الله بن مسعود قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن الرجل من بني إسرائيل كان إذا رأى أخاه على الذنب نهاه عنه تعذيرا ، فإذا كان من الغد لم يمنعه ما رأى منه أن يكون أكيله وخليطه وشريكه - وفي حديث هارون : وشريبه ، ثم اتفقا في المتن - فلما رأى الله ذلك منهم ، ضرب قلوب بعضهم على بعض ، ولعنهم على لسان نبيهم داود وعيسى ابن مريم ، ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون " . ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " والذي نفسي بيده ، لتأمرن بالمعروف ، ولتنهون عن المنكر ، ولتأخذن على يد المسيء ، ولتأطرنه على الحق أطرا أو ليضربن الله قلوب بعضكم على بعض ، أو ليلعنكم كما لعنهم " ، والسياق لأبي سعيد . كذا قال في رواية هذا الحديث .وقد رواه أبو داود أيضا ، عن خلف بن هشام ، عن أبي شهاب الخياط ، عن العلاء بن المسيب ، عن عمرو بن مرة ، عن سالم - وهو ابن عجلان الأفطس - ، عن أبي عبيدة بن عبد الله بن مسعود عن أبيه ، عن النبي صلى الله عليه وسلم ، بنحوه . ثم قال أبو داود : وكذا رواه خالد ، عن العلاء ، عن عمرو بن مرة به . ورواه المحاربي ، عن العلاء بن المسيب ، عن عبد الله بن عمرو بن مرة ، عن سالم الأفطس ، عن أبي عبيدة ، عن عبد اللهقال شيخنا الحافظ أبو الحجاج المزي : وقد رواه خالد بن عبد الله الواسطي ، عن العلاء عن عمرو بن مرة ، عن أبي موسىوالأحاديث في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر كثيرة جدا ، ولنذكر منها ما يناسب هذا المقام . [ و ] قد تقدم حديث جرير عند قوله [ تعالى ] ( لولا ينهاهم الربانيون والأحبار ) [ المائدة : 63 ] ، وسيأتي عند قوله : ( يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم ) [ المائدة : 105 ] ، حديث أبي بكر الصديق وأبي ثعلبة الخشني [ رضي الله عنهما ] - فقال الإمام أحمد :حدثنا سليمان الهاشمي أنبأنا إسماعيل بن جعفر ، أخبرني عمرو بن أبي عمرو ، عن عبد الله بن عبد الرحمن الأشهلي ، عن حذيفة بن اليمان أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " والذي نفسي بيده لتأمرن بالمعروف ولتنهون عن المنكر ، أو ليوشكن الله أن يبعث عليكم عقابا من عنده ، ثم لتدعنه فلا يستجيب لكم " .ورواه الترمذي ، عن علي بن حجر ، عن إسماعيل بن جعفر به . وقال : هذا حديث حسنوقال أبو عبد الله محمد بن يزيد بن ماجه : حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة ، حدثنا معاوية بن هشام ، عن هشام بن سعد ، عن عمرو بن عثمان ، عن عاصم بن عمر بن عثمان عن عروة ، عن عائشة قالت : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " مروا بالمعروف ، وانهوا عن المنكر ، قبل أن تدعوا فلا يستجاب لكم " . تفرد به ، وعاصم هذا مجهول .وفي الصحيح من طريق الأعمش ، عن إسماعيل بن رجاء عن أبيه ، عن سعيد - وعن قيس بن مسلم ، عن طارق بن شهاب ، عن أبي سعيد الخدري - قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من رأى منكم منكرا فليغيره بيده ، فإن لم يستطع فبلسانه ، فإن لم يستطع فبقلبه ، وذلك أضعف الإيمان " رواه مسلم .وقال الإمام أحمد : حدثنا ابن نمير ، حدثنا سيف - هو ابن أبي سليمان سمعت عدي بن عدي الكندي يحدث عن مجاهد قال : حدثني مولى لنا أنه سمع جدي - يعني : عدي بن عميرة رضي الله عنه - يقول : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " إن الله لا يعذب العامة بعمل الخاصة ، حتى يروا المنكر بين ظهرانيهم ، وهم قادرون على أن ينكروه . فلا ينكرونه فإذا فعلوا ذلك عذب الله العامة والخاصة " .ثم رواه أحمد ، عن أحمد بن الحجاج ، عن عبد الله بن المبارك ، عن سيف بن أبي سليمان ، عن عدي بن عدي الكندي حدثني مولى لنا أنه سمع جدي يقول : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ، فذكره . هكذا رواه الإمام أحمد من هذين الوجهين .وقال أبو داود : حدثنا محمد بن العلاء ، حدثنا أبو بكر ، حدثنا مغيرة بن زياد الموصلي ، عن عدي بن عدي ، عن العرس - يعني ابن عميرة - عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " إذا عملت الخطيئة في الأرض كان من شهدها فكرهها - وقال مرة : فأنكرها - كان كمن غاب عنها ، ومن غاب عنها فرضيها كان كمن شهدها . "تفرد به أبو داود ثم رواه عن أحمد بن يونس ، عن أبي شهاب ، عن مغيرة بن زياد ، عن عدي بن عدي مرسلا .[ و ] قال أبو داود : حدثنا سليمان بن حرب وحفص بن عمر قالا حدثنا شعبة - وهذا لفظه - عن عمرو بن مرة ، عن أبي البختري قال : أخبرني من سمع النبي صلى الله عليه وسلم - وقال سليمان : حدثني رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ; أن النبي صلى الله عليه وسلم - قال : " لن يهلك الناس حتى يعذروا - أو : يعذروا - من أنفسهم " .وقال ابن ماجه : حدثنا عمران بن موسى ، حدثنا حماد بن زيد ، حدثنا علي بن زيد بن جدعان ، عن أبي نضرة ، عن أبي سعيد الخدري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قام خطيبا ، فكان فيما قال : " ألا لا يمنعن رجلا هيبة الناس أن يقول الحق إذا علمه " . قال : فبكى أبو سعيد وقال : قد - والله - رأينا أشياء ، فهبنا .وفي حديث إسرائيل : عن محمد بن حجادة ، عن عطية ، عن أبي سعيد قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أفضل الجهاد كلمة حق عند سلطان جائر " .رواه أبو داود والترمذي وابن ماجه وقال الترمذي : حسن غريب من هذا الوجه .وقال ابن ماجه : حدثنا راشد بن سعيد الرملي ، حدثنا الوليد بن مسلم ، حدثنا حماد بن سلمة ، عن أبي غالب عن أبي أمامة قال : عرض لرسول الله صلى الله عليه وسلم رجل عند الجمرة الأولى فقال : يا رسول الله ، أي الجهاد أفضل؟ فسكت عنه . فلما رمى الجمرة الثانية سأله ، فسكت عنه . فلما رمى جمرة العقبة ، ووضع رجله في الغرز ليركب ، قال : " أين السائل؟ " قال : أنا يا رسول الله ، قال : " كلمة حق تقال عند ذي سلطان جائر " . تفرد به .وقال ابن ماجه : حدثنا أبو كريب ، حدثنا عبد الله بن نمير وأبو معاوية ، عن الأعمش ، عن عمرو بن مرة ، عن أبي البختري ، عن أبي سعيد قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لا يحقر أحدكم نفسه " . قالوا : يا رسول الله ، كيف يحقر أحدنا نفسه؟ . قال : " يرى أمرا لله فيه مقال ، ثم لا يقول فيه . فيقول الله له يوم القيامة : ما منعك أن تقول في كذا وكذا وكذا؟ فيقول : خشية الناس ، فيقول : فإياي كنت أحق أن تخشى " . تفرد به .وقال أيضا : حدثنا علي بن محمد ، حدثنا محمد بن فضيل ، حدثنا يحيى بن سعيد ، حدثنا عبد الله بن عبد الرحمن أبو طوالة ، حدثنا نهار العبدي أنه سمع أبا سعيد الخدري يقول : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " إن الله ليسأل العبد يوم القيامة ، حتى يقول : ما منعك إذ رأيت المنكر أن تنكره؟ فإذا لقن الله عبدا حجته ، قال : يا رب ، رجوتك وفرقت من الناس " . تفرد به أيضا ابن ماجه وإسناده لا بأس به .وقال الإمام أحمد : حدثنا عمرو بن عاصم ، عن حماد بن سلمة ، عن علي بن زيد ، عن الحسن ، عن جندب ، عن حذيفة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " لا ينبغي لمسلم أن يذل نفسه " . قيل : وكيف يذل نفسه؟ قال : " يتعرض من البلاء لما لا يطيق " .وكذا رواه الترمذي وابن ماجه جميعا ، عن محمد بن بشار ، عن عمرو بن عاصم به . وقال الترمذي : هذا حديث حسن صحيح غريب .وقال ابن ماجه : حدثنا العباس بن الوليد الدمشقي ، حدثنا زيد بن يحيى بن عبيد الخزاعي ، حدثنا الهيثم بن حميد ، حدثنا أبو معبد حفص بن غيلان الرعيني ، عن مكحول عن أنس بن مالك قال : قيل : يا رسول الله ، متى يترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؟ قال : " إذا ظهر فيكم ما ظهر في الأمم قبلكم " . قلنا : يا رسول الله ، وما ظهر في الأمم قبلنا؟ قال : " الملك في صغاركم ، والفاحشة في كباركم ، والعلم في رذالكم " . قال زيد : تفسير معنى قول النبي صلى الله عليه وسلم : " " والعلم في رذالكم " : إذا كان العلم في الفساق .تفرد به ابن ماجه وسيأتي في حديث أبي ثعلبة عند قوله : ( لا يضركم من ضل إذا اهتديتم ) [ المائدة : 105 ] شاهد لهذا ، إن شاء الله تعالى وبه الثقة .
5:80
تَرٰى كَثِیْرًا مِّنْهُمْ یَتَوَلَّوْنَ الَّذِیْنَ كَفَرُوْاؕ-لَبِئْسَ مَا قَدَّمَتْ لَهُمْ اَنْفُسُهُمْ اَنْ سَخِطَ اللّٰهُ عَلَیْهِمْ وَ فِی الْعَذَابِ هُمْ خٰلِدُوْنَ(۸۰)
ان میں تم بہت کو دیکھو گے کہ کافروں سے دوستی کرتے ہیں، کیا ہی بری چیز اپنے لیے خود آگے بھیجی یہ کہ اللہ کا ان پر غضب ہوا اور وہ عذاب میں ہمیشہ رہیں گے (ف۲۰۰)

وقوله : ( ترى كثيرا منهم يتولون الذين كفروا ) قال مجاهد : يعني بذلك المنافقين . وقوله : ( لبئس ما قدمت لهم أنفسهم ) يعني بذلك موالاتهم للكافرين ، وتركهم موالاة المؤمنين ، التي أعقبتهم نفاقا في قلوبهم ، وأسخطت الله عليهم سخطا مستمرا إلى يوم معادهم ; ولهذا قال : ( أن سخط الله عليهم ) فسر بذلك ما ذمهم به . ثم أخيرا أنهم ( وفي العذاب هم خالدون ) يعني يوم القيامة .قال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي ، حدثنا هشام بن عمار ، حدثنا مسلمة بن علي ، عن الأعمش بإسناد ذكره قال : " يا معشر المسلمين ، إياكم والزنا ، فإن فيه ست خصال ، ثلاثة في الدنيا وثلاثة في الآخرة ، فأما التي في الدنيا : فإنه يذهب البهاء ، ويورث الفقر ، وينقص العمر . وأما التي في الآخرة : فإنه يوجب سخط الرب ، وسوء الحساب ، والخلود في النار " . ثم تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( لبئس ما قدمت لهم أنفسهم أن سخط الله عليهم وفي العذاب هم خالدون )هكذا ذكره ابن أبي حاتم وقد رواه ابن مردويه عن طريق هشام بن عمار ، عن مسلمة ، عن الأعمش ، عن شقيق ، عن حذيفة عن النبي صلى الله عليه وسلم - فذكره . وساقه أيضا من طريق سعيد بن عفير ، عن مسلمة ، عن أبي عبد الرحمن الكوفي ، عن الأعمش ، عن شقيق ، عن حذيفة عن النبي صلى الله عليه وسلم ، فذكر مثله . وهذا حديث ضعيف على كل حال ، والله أعلم .
  FONT
  THEME
  TRANSLATION
  • English | Ahmed Ali
  • Urdu | Ahmed Raza Khan
  • Turkish | Ali-Bulaç
  • German | Bubenheim Elyas
  • Chinese | Chineese
  • Spanish | Cortes
  • Dutch | Dutch
  • Portuguese | El-Hayek
  • English | English
  • Urdu | Fateh Muhammad Jalandhry
  • French | French
  • Hausa | Hausa
  • Indonesian | Indonesian-Bahasa
  • Italian | Italian
  • Korean | Korean
  • Malay | Malay
  • Russian | Russian
  • Tamil | Tamil
  • Thai | Thai
  • Farsi | مکارم شیرازی
  TAFSEER
  • العربية | التفسير الميسر
  • العربية | تفسير الجلالين
  • العربية | تفسير السعدي
  • العربية | تفسير ابن كثير
  • العربية | تفسير الوسيط لطنطاوي
  • العربية | تفسير البغوي
  • العربية | تفسير القرطبي
  • العربية | تفسير الطبري
  • English | Arberry
  • English | Yusuf Ali
  • Dutch | Keyzer
  • Dutch | Leemhuis
  • Dutch | Siregar
  • Urdu | Sirat ul Jinan
  HELP

اَلْمَـآئِدَة
اَلْمَـآئِدَة
  00:00



Download

اَلْمَـآئِدَة
اَلْمَـآئِدَة
  00:00



Download