READ
Surah Al-Kahf
اَلْـكَهْف
110 Ayaat مکیۃ
18:0
بِسْمِ اللّٰهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحِیْمِ
اللہ کے نام سے شروع جو بہت مہربان رحمت والا
القول في تأويل الاستعاذةتأويل قوله : ( أعوذ ) .قال أبو جعفر : والاستعاذة : الاستجارة . وتأويل قول القائل : ( أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ) أستجير بالله - دون غيره من سائر خلقه - من الشيطان أن يضرني في ديني ، أو يصدني عن حق يلزمني لربي .تأويل قوله : ( من الشيطان )قال أبو جعفر : والشيطان ، في كلام العرب : كل متمرد من الجن والإنس والدواب وكل شيء . وكذلك قال ربنا جل ثناؤه : ( وكذلك جعلنا لكل نبي عدوا شياطين الإنس والجن ) [ سورة الأنعام : 112 ] ، فجعل من الإنس شياطين ، مثل الذي جعل من الجن .وقال عمر بن الخطاب رحمة الله عليه ، وركب برذونا فجعل يتبختر به ، فجعل يضربه فلا يزداد إلا تبخترا ، فنزل عنه ، وقال : ما حملتموني إلا على شيطان! ما نزلت عنه حتى أنكرت نفسي .136 - حدثنا بذلك يونس بن عبد الأعلى ، قال : أنبأنا ابن وهب ، قال : أخبرني هشام بن سعد ، عن زيد بن أسلم ، عن أبيه ، عن عمر .قال أبو جعفر : وإنما سمي المتمرد من كل شيء شيطانا ، لمفارقة أخلاقه وأفعاله أخلاق سائر جنسه وأفعاله ، وبعده من الخير . وقد قيل : إنه أخذ من [ ص: 112 ] قول القائل : شطنت داري من دارك - يريد بذلك : بعدت . ومن ذلك قول نابغة بني ذبيان :نأت بسعاد عنك نوى شطون فبانت والفؤاد بها رهينوالنوى : الوجه الذي نوته وقصدته . والشطون : البعيد . فكأن الشيطان - على هذا التأويل - فيعال من شطن . ومما يدل على أن ذلك كذلك ، قول أمية بن أبي الصلت :أيما شاطن عصاه عكاه ثم يلقى في السجن والأكبالولو كان فعلان ، من شاط يشيط ، لقال : أيما شائط ، ولكنه قال : أيما شاطن ، لأنه من "شطن يشطن ، فهو شاطن" .تأويل قوله : ( الرجيم ) .وأما الرجيم فهو : فعيل بمعنى مفعول ، كقول القائل : كف خضيب ، ولحية دهين ، ورجل لعين ، يريد بذلك : مخضوبة ومدهونة وملعون . وتأويل الرجيم : الملعون المشتوم . وكل مشتوم بقول رديء أو سب فهو مرجوم . وأصل الرجم الرمي ، بقول كان أو بفعل . ومن الرجم بالقول قول أبي إبراهيم لإبراهيم صلوات الله عليه : ( لئن لم تنته لأرجمنك ) [ سورة مريم : 46 ] .وقد يجوز أن يكون قيل للشيطان رجيم ، لأن الله جل ثناؤه طرده من سماواته ، ورجمه بالشهب الثواقب [ ص: 113 ]وقد روي عن ابن عباس ، أن أول ما نزل جبريل على النبي صلى الله عليه وسلم علمه الاستعاذة .137 - حدثنا أبو كريب ، قال : حدثنا عثمان بن سعيد ، قال : حدثنا بشر بن عمارة ، قال : حدثنا أبو روق ، عن الضحاك ، عن عبد الله بن عباس ، قال : أول ما نزل جبريل على محمد قال : "يا محمد استعذ ، قل : أستعيذ بالسميع العليم من الشيطان الرجيم " ، ثم قال : قل : "بسم الله الرحمن الرحيم " ، ثم قال : ( اقرأ باسم ربك الذي خلق ) [ العلق : 1 ] . قال عبد الله : وهي أول سورة أنزلها الله على محمد بلسان جبريل .فأمره أن يتعوذ بالله دون خلقه .القول في تأويل بسم الله الرحمن الرحيمالقول في تأويل قوله : ( بسم )قال أبو جعفر : إن الله تعالى ذكره وتقدست أسماؤه أدب نبيه محمدا صلى الله عليه وسلم بتعليمه تقديم ذكر أسمائه الحسنى أمام جميع أفعاله ، ، وتقدم إليه في وصفه بها قبل جميع مهماته ، وجعل ما أدبه به من ذلك وعلمه إياه ، منه لجميع خلقه سنة يستنون بها ، وسبيلا يتبعونه عليها ، فبه افتتاح أوائل منطقهم ، وصدور رسائلهم وكتبهم وحاجاتهم ، حتى أغنت دلالة ما ظهر من قول القائل : "بسم الله " ، على ما بطن من مراده الذي هو محذوف .وذلك أن الباء من "بسم الله " مقتضية فعلا يكون لها جالبا ، ولا فعل معها ظاهر ، فأغنت سامع القائل "بسم الله " معرفته بمراد قائله ، عن إظهار قائل ذلك مراده قولا إذ كان كل ناطق به عند افتتاحه أمرا ، قد أحضر منطقه به - إما معه ، وإما قبله بلا فصل - ما قد أغنى سامعه عن دلالة شاهدة على الذي من أجله افتتح قيله به . فصار استغناء سامع ذلك منه عن إظهار ما حذف منه ، نظير استغنائه - إذا سمع قائلا قيل له : ما أكلت اليوم ؟ فقال : "طعاما " - عن أن يكرر المسئول مع قوله "طعاما " ، أكلت ، لما قد ظهر لديه من الدلالة على أن ذلك معناه ، بتقدم مسألة السائل إياه عما أكل . فمعقول إذا أن قول [ ص: 115 ] القائل إذا قال : "بسم الله الرحمن الرحيم " ثم افتتح تاليا سورة ، أن إتباعه "بسم الله الرحمن الرحيم " تلاوة السورة ، ينبئ عن معنى قوله : "بسم الله الرحمن الرحيم " ومفهوم به أنه مريد بذلك : أقرأ بسم الله الرحمن الرحيم . وكذلك قوله : "بسم الله " عند نهوضه للقيام أو عند قعوده وسائر أفعاله ، ينبئ عن معنى مراده بقوله "بسم الله " ، وأنه أراد بقيله "بسم الله " ، أقوم باسم الله ، وأقعد باسم الله . وكذلك سائر الأفعال .وهذا الذي قلنا في تأويل ذلك ، هو معنى قول ابن عباس الذي : -138 - حدثنا به أبو كريب ، قال : حدثنا عثمان بن سعيد ، قال : حدثنا بشر بن عمارة ، قال : حدثنا أبو روق ، عن الضحاك ، عن عبد الله بن عباس ، قال : إن أول ما نزل به جبريل على محمد ، قال : "يا محمد ، قل : أستعيذ بالسميع العليم من الشيطان الرجيم " ثم قال : "قل بسم الله الرحمن الرحيم " . قال : قال له جبريل : قل بسم الله يا محمد ، يقول : اقرأ بذكر الله ربك ، وقم واقعد بذكر الله .قال أبو جعفر : فإن قال لنا قائل : فإن كان تأويل قوله "بسم الله " ما وصفت ، والجالب الباء في "بسم الله " ما ذكرت ، فكيف قيل "بسم الله " ، بمعنى أقرأ باسم الله " ، أو أقوم أو أقعد باسم الله ؟ وقد علمت أن كل قارئ كتاب الله ، فبعون الله وتوفيقه قراءته ، وأن كل قائم أو قاعد أو فاعل فعلا فبالله قيامه وقعوده وفعله . وهلا - إذ كان ذلك كذلك - قيل " بالله الرحمن الرحيم " ولم يقل "بسم الله " ؟ فإن قول القائل : أقوم وأقعد بالله الرحمن الرحيم ، أو أقرأ بالله - أوضح معنى لسامعه من قوله "بسم الله " ، إذ كان قوله أقوم "أقوم أو أقعد باسم الله " ، يوهم سامعه أن قيامه وقعوده بمعنى غير الله .قيل له ، وبالله التوفيق : إن المقصود إليه من معنى ذلك غير ما توهمته في نفسك . وإنما معنى قوله "باسم الله " : أبدأ بتسمية الله وذكره قبل كل شيء ، [ ص: 116 ] أو أقرأ بتسميتي الله ، أو أقوم وأقعد بتسميتي الله وذكره - لا أنه يعني بقيله "بسم الله " : أقوم بالله ، أو أقرأ بالله ، فيكون قول القائل : أقرأ بالله ، أو أقوم أو أقعد بالله - أولى بوجه الصواب في ذلك من قوله "بسم الله " .فإن قال : فإن كان الأمر في ذلك على ما وصفت ، فكيف قيل : "بسم الله " وقد علمت أن الاسم اسم ، وأن التسمية مصدر من قولك سميت ؟قيل : إن العرب قد تخرج المصادر مبهمة على أسماء مختلفة ، كقولهم : أكرمت فلانا كرامة ، وإنما بناء مصدر "أفعلت " - إذا أخرج على فعله - "الإفعال " . وكقولهم : أهنت فلانا هوانا ، وكلمته كلاما . وبناء مصدر : "فعلت " التفعيل . ومن ذلك قول الشاعر :أكفرا بعد رد الموت عني وبعد عطائك المائة الرتاعايريد : إعطائك . ومنه قول الآخر :وإن كان هذا البخل منك سجية لقد كنت في طولي رجاءك أشعبايريد : في إطالتي رجاءك . ومنه قول الآخر :أظليم إن مصابكم رجلا أهدى السلام تحية ظلميريد : إصابتكم . والشواهد في هذا المعنى تكثر ، وفيما ذكرنا كفاية ، لمن وفق لفهمه . [ ص: 117 ]فإذ كان الأمر - على ما وصفنا ، من إخراج العرب مصادر الأفعال على غير بناء أفعالها - كثيرا ، وكان تصديرها إياها على مخارج الأسماء موجودا فاشيا ، فبين بذلك صواب ما قلنا من التأويل في قول القائل "بسم الله " ، أن معناه في ذلك عند ابتدائه في فعل أو قول : أبدأ بتسمية الله ، قبل فعلي ، أو قبل قولي .وكذلك معنى قول القائل عند ابتدائه بتلاوة القرآن : "بسم الله الرحمن الرحيم " ، إنما معناه : أقرأ مبتدئا بتسمية الله ، أو أبتدئ قراءتي بتسمية الله . فجعل "الاسم " مكان التسمية ، كما جعل الكلام مكان التكليم ، والعطاء مكان الإعطاء .وبمثل الذي قلنا من التأويل في ذلك ، روي الخبر عن عبد الله بن عباس .139 - حدثنا أبو كريب ، قال : حدثنا عثمان بن سعيد ، قال : حدثنا بشر بن عمارة ، قال : حدثنا أبو روق ، عن الضحاك ، عن عبد الله بن عباس ، قال : أول ما نزل جبريل على محمد صلى الله عليه وسلم قال : "يا محمد ، قل : أستعيذ بالسميع العليم من الشيطان الرجيم " ، ثم قال : "قل : بسم الله الرحمن الرحيم " .قال ابن عباس : "بسم الله " ، يقول له جبريل : يا محمد ، اقرأ بذكر الله ربك ، وقم واقعد بذكر الله .وهذا التأويل من ابن عباس ينبئ عن صحة ما قلنا - من أنه يراد بقول القائل مفتتحا قراءته : "بسم الله الرحمن الرحيم " : أقرأ بتسمية الله وذكره ، وأفتتح القراءة بتسمية الله ، بأسمائه الحسنى وصفاته العلى - ويوضح فساد قول من زعم أن معنى ذلك من قائله : بالله الرحمن الرحيم أول كل شيء ، مع أن العباد [ ص: 118 ] إنما أمروا أن يبتدئوا عند فواتح أمورهم بتسمية الله ، لا بالخبر عن عظمته وصفاته ، كالذي أمروا به من التسمية على الذبائح والصيد ، وعند المطعم والمشرب ، وسائر أفعالهم . وكذلك الذي أمروا به من تسميته عند افتتاح تلاوة تنزيل الله ، وصدور رسائلهم وكتبهم .ولا خلاف بين الجميع من علماء الأمة ، أن قائلا لو قال عند تذكيته بعض بهائم الأنعام "بالله " ، ولم يقل "بسم الله " ، أنه مخالف - بتركه قيل : "بسم الله " ما سن له عند التذكية من القول . وقد علم بذلك أنه لم يرد بقوله "بسم الله " "بالله " ، كما قال الزاعم أن اسم الله في قول الله : "بسم الله الرحمن الرحيم " هو الله . لأن ذلك لو كان كما زعم ، لوجب أن يكون القائل عند تذكيته ذبيحته "بالله " ، قائلا ما سن له من القول على الذبيحة . وفي إجماع الجميع على أن قائل ذلك تارك ما سن له من القول على ذبيحته - إذ لم يقل "بسم الله " - دليل واضح على فساد ما ادعى من التأويل في قول القائل : "بسم الله " ، أنه مراد به "بالله " ، وأن اسم الله هو الله .وليس هذا الموضع من مواضع الإكثار في الإبانة عن الاسم : أهو المسمى ، أم غيره ، أم هو صفة له ؟ فنطيل الكتاب به ، وإنما هذا موضع من مواضع الإبانة عن الاسم المضاف إلى الله : أهو اسم ، أم مصدر بمعنى التسمية ؟ [ ص: 119 ] فإن قال قائل : فما أنت قائل في بيت لبيد بن ربيعة :إلى الحول ، ثم اسم السلام عليكما ، ومن يبك حولا كاملا فقد اعتذرفقد تأوله مقدم في العلم بلغة العرب ، أنه معني به : ثم السلام عليكما ، وأن اسم السلام هو السلام ؟قيل له : لو جاز ذلك وصح تأويله فيه على ما تأول ، لجاز أن يقال : رأيت اسم زيد ، وأكلت اسم الطعام ، وشربت اسم الشراب; وفي إجماع جميع العرب على إحالة ذلك ما ينبئ عن فساد تأويل من تأول قول لبيد : "ثم اسم السلام [ ص: 120 ] عليكما " ، أنه أراد : ثم السلام عليكما ، وادعائه أن إدخال الاسم في ذلك وإضافته إلى السلام إنما جاز ، إذ كان اسم المسمى هو المسمى بعينه .ويسأل القائلون قول من حكينا قوله هذا ، فيقال لهم : أتستجيزون في العربية أن يقال : "أكلت اسم العسل " ، يعني بذلك : أكلت العسل ، كما جاز عندكم : اسم السلام عليك ، وأنتم تريدون : السلام عليك ؟فإن قالوا : نعم ! خرجوا من لسان العرب ، وأجازوا في لغتها ما تخطئه جميع العرب في لغتها . وإن قالوا : لا ؛ سئلوا الفرق بينهما . فلن يقولوا في أحدهما قولا إلا ألزموا في الآخر مثله .فإن قال لنا قائل : فما معنى قول لبيد هذا عندك ؟قيل له : يحتمل ذلك وجهين ، كلاهما غير الذي قاله من حكينا قوله .أحدهما : أن "السلام " اسم من أسماء الله ، فجائز أن يكون لبيد عنى بقوله : "ثم اسم السلام عليكما " ، ثم الزما اسم الله وذكره بعد ذلك ، ودعا ذكري والبكاء علي; على وجه الإغراء . فرفع الاسم ، إذ أخر الحرف الذي يأتي بمعنى الإغراء . وقد تفعل العرب ذلك ، إذا أخرت الإغراء وقدمت المغرى به ، وإن كانت قد تنصب به وهو مؤخر . ومن ذلك قول الشاعر :يا أيها المائح دلوي دونكا! إني رأيت الناس يحمدونكا!فأغرى ب "دونك " ، وهي مؤخرة ، وإنما معناه : دونك دلوي . فذلك قول لبيد :إلى الحول ثم اسم السلام عليكمايعني : عليكما اسم السلام ، أي : الزما ذكر الله ودعا ذكري والوجد بي ، لأن من بكى حولا على امرئ ميت فقد اعتذر . فهذا أحد وجهيه . [ ص: 121 ]والوجه الآخر منهما : ثم تسميتي الله عليكما ، كما يقول القائل للشيء يراه فيعجبه : "اسم الله عليك " يعوذه بذلك من السوء ، فكأنه قال : ثم اسم الله عليكما من السوء ، وكأن الوجه الأول أشبه المعنيين بقول لبيد .ويقال لمن وجه بيت لبيد هذا إلى أن معناه : ثم السلام عليكما ، أترى ما قلنا - من هذين الوجهين - جائزا ، أو أحدهما ، أو غير ما قلت فيه ؟فإن قال : لا ! أبان مقداره من العلم بتصاريف وجوه كلام العرب ، وأغنى خصمه عن مناظرته .وإن قال : بلى !قيل له : فما برهانك على صحة ما ادعيت من التأويل أنه الصواب ، دون الذي ذكرت أنه محتمله - من الوجه الذي يلزمنا تسليمه لك ؟ ولا سبيل إلى ذلك .وأما الخبر الذي : -140 - حدثنا به إسماعيل بن الفضل ، قال : حدثنا إبراهيم بن العلاء بن الضحاك وهو يلقب بزبريق قال : حدثنا إسماعيل بن عياش ، عن إسماعيل بن يحيى ، عن ابن أبي مليكة ، عمن حدثه ، عن ابن مسعود - ومسعر بن كدام ، عن عطية ، عن أبي سعيد - قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن عيسى ابن مريم أسلمته أمه إلى الكتاب ليعلمه ، فقال له المعلم : اكتب "بسم " فقال له عيسى : وما "بسم " ؟ فقال له المعلم : ما أدري ! فقال عيسى : الباء بهاء الله ، والسين : سناؤه ، والميم : مملكته . [ ص: 122 ]فأخشى أن يكون غلطا من المحدث ، وأن يكون أراد ب س م ، على سبيل ما يعلم المبتدئ من الصبيان في الكتاب حروف أبي جاد ، فغلط بذلك ، فوصله ، فقال : "بسم " ، لأنه لا معنى لهذا التأويل إذا تلي "بسم الله الرحمن الرحيم " ، على ما يتلوه القارئ في كتاب الله ، لاستحالة معناه على المفهوم به عند جميع العرب وأهل لسانها ، إذا حمل تأويله على ذلك .القول في تأويل قوله جل ثناؤه : ( الله ) .قال أبو جعفر : وأما تأويل قول الله تعالى ذكره "الله " ، فإنه على معنى ما روي لنا عن عبد الله بن عباس - : هو الذي يألهه كل شيء ، ويعبده كل خلق . [ ص: 123 ]141 - وذلك أن أبا كريب حدثنا ، قال : حدثنا عثمان بن سعيد ، قال : حدثنا بشر بن عمارة ، قال : حدثنا أبو روق ، عن الضحاك ، عن عبد الله بن عباس ، قال : "الله " ذو الألوهية والمعبودية على خلقه أجمعين .فإن قال لنا قائل : فهل لذلك في "فعل ويفعل " أصل كان منه بناء هذا الاسم ؟قيل : أما سماعا من العرب فلا ولكن استدلالا .فإن قال : وما دل على أن الألوهية هي العبادة ، وأن الإله هو المعبود ، وأن له أصلا في "فعل ويفعل " .قيل : لا تمانع بين العرب في الحكم لقول القائل - يصف رجلا بعبادة ، وبطلب ما عند الله جل ذكره : "تأله فلان " - بالصحة ولا خلاف . ومن ذلك قول رؤبة بن العجاج :لله در الغانيات المده سبحن واسترجعن من تألهييعني : من تعبدي وطلبي الله بعملي .ولا شك أن "التأله " ، التفعل من : "أله يأله " ، وأن معنى "أله " - إذا نطق به : - عبد الله . وقد جاء منه مصدر يدل على أن العرب قد نطقت منه ب "فعل يفعل " بغير زيادة .142 - وذلك ما حدثنا به سفيان بن وكيع ، قال حدثنا أبي ، عن نافع بن عمر ، عن عمرو بن دينار ، عن ابن عباس : أنه قرأ " ويذرك وآلهتك " سورة الأعراف : 127 قال : عبادتك ، ويقال : إنه كان يعبد ولا يعبد . [ ص: 124 ]143 - حدثنا سفيان ، قال : حدثنا ابن عيينة ، عن عمرو بن دينار ، عن محمد بن عمرو بن الحسن ، عن ابن عباس : ( ويذرك وآلهتك ) ، قال : إنما كان فرعون يعبد ولا يعبدوكذلك كان عبد الله يقرؤها ومجاهد .144 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين بن داود ، قال : أخبرني حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد : قوله " ويذرك وآلهتك " قال : وعبادتك ولا شك أن الإلاهة - على ما فسره ابن عباس ومجاهد - مصدر من قول القائل : أله الله فلان إلاهة ، كما يقال : عبد الله فلان عبادة ، وعبر الرؤيا عبارة . فقد بين قول ابن عباس ومجاهد هذا : أن "أله " عبد ، وأن "الإلاهة " مصدره .فإن قال : فإن كان جائزا أن يقال لمن عبد الله : ألهه - على تأويل قول ابن عباس ومجاهد - فكيف الواجب في ذلك أن يقال ، إذا أراد المخبر الخبر عن استيجاب الله ذلك على عبده ؟ [ ص: 125 ]قيل : أما الرواية فلا رواية فيه عندنا ، ولكن الواجب - على قياس ما جاء به الخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي : -145 - حدثنا به إسماعيل بن الفضل ، حدثنا إبراهيم بن العلاء ، قال : حدثنا إسماعيل بن عياش ، عن إسماعيل بن يحيى ، عن ابن أبي مليكة ، عمن حدثه عن ابن مسعود - ومسعر بن كدام ، عن عطية العوفي ، عن أبي سعيد - قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن عيسى أسلمته أمه إلى الكتاب ليعلمه فقال له المعلم اكتب "الله " فقال له عيسى : "أتدري ما الله ؟ الله إله الآلهة " .- أن يقال ، الله جل جلاله أله العبد ، والعبد ألهه . وأن يكون قول القائل "الله " - من كلام العرب أصله "الإله " .فإن قال : وكيف يجوز أن يكون ذلك كذلك ، مع اختلاف لفظيهما ؟قيل : كما جاز أن يكون قوله : ( لكنا هو الله ربي ) [ سورة الكهف : 38 ] أصله : لكن أنا ، هو الله ربي ، كما قال الشاعر :وترمينني بالطرف ، أي أنت مذنب وتقلينني ، لكن إياك لا أقلييريد : لكن أنا إياك لا أقلي ، فحذف الهمزة من "أنا " فالتقت نون "أنا " "ونون "لكن " وهي ساكنة ، فأدغمت في نون "أنا " فصارتا نونا مشددة . فكذلك "الله " أصله "الإله " ، أسقطت الهمزة التي هي فاء الاسم ، فالتقت اللام التي هي عين الاسم ، واللام الزائدة التي دخلت مع الألف الزائدة وهي ساكنة ، فأدغمت في [ ص: 126 ] الأخرى التي هي عين الاسم ، فصارتا في اللفظ لاما واحدة مشددة ، كما وصفنا من قول الله ( لكنا هو الله ربي ) .القول في تأويل قوله جل ثناؤه : ( الرحمن الرحيم ) .قال أبو جعفر : وأما " الرحمن " ، فهو فعلان ، من رحم ، و "الرحيم " فعيل منه . والعرب كثيرا ما تبني الأسماء من "فعل يفعل " على "فعلان " ، كقولهم من غضب : غضبان ، ومن سكر : سكران ، ومن عطش : عطشان . فكذلك قولهم "رحمن " من رحم ، لأن "فعل " منه : رحم يرحم . وقيل "رحيم " ، وإن كانت عين "فعل " منها مكسورة ، لأنه مدح . ومن شأن العرب أن يحملوا أبنية الأسماء - إذا كان فيها مدح أو ذم - على "فعيل " ، وإن كانت عين "فعل " منها مكسورة أو مفتوحة ، كما قالوا من "علم " عالم وعليم ، ومن "قدر " قادر وقدير . وليس ذلك منها بناء على أفعالها ، لأن البناء من "فعل يفعل " و "فعل يفعل " فاعل . فلو كان "الرحمن والرحيم " خارجين على بناء أفعالهما لكانت صورتهما "الراحم " .فإن قال قائل : فإذا كان الرحمن والرحيم اسمين مشتقين من الرحمة ، فما وجه تكرير ذلك ، وأحدهما مؤد عن معنى الآخر ؟قيل له : ليس الأمر في ذلك على ما ظننت ، بل لكل كلمة منهما معنى لا تؤدي الأخرى منهما عنها .فإن قال : وما المعنى الذي انفردت به كل واحدة منهما ، فصارت إحداهما غير مؤدية المعنى عن الأخرى ؟قيل : أما من جهة العربية ، فلا تمانع بين أهل المعرفة بلغات العرب ، أن قول القائل : "الرحمن " - عن أبنية الأسماء [ ص: 127 ] من "فعل يفعل " - أشد عدولا من قوله "الرحيم " . ولا خلاف مع ذلك بينهم ، أن كل اسم كان له أصل في "فعل يفعل " - ثم كان عن أصله من "فعل يفعل " أشد عدولا - أن الموصوف به مفضل على الموصوف بالاسم المبني على أصله من "فعل يفعل " ، إذا كانت التسمية به مدحا أو ذما . فهذا ما في قول القائل "الرحمن " ، من زيادة المعنى على قوله "الرحيم " في اللغة .وأما من جهة الأثر والخبر ، ففيه بين أهل التأويل اختلاف : -146 - فحدثني السري بن يحيى التميمي ، قال : حدثنا عثمان بن زفر ، قال : سمعت العرزمي يقول : "الرحمن الرحيم " ، قال : الرحمن بجميع الخلق ، "الرحيم" قال : بالمؤمنين .147 - حدثنا إسماعيل بن الفضل ، قال : حدثنا إبراهيم بن العلاء ، قال : حدثنا إسماعيل بن عياش ، عن إسماعيل بن يحيى ، عن ابن أبي مليكة ، عمن حدثه ، عن ابن مسعود - ومسعر بن كدام ، عن عطية العوفي ، عن أبي سعيد - يعني الخدري - قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن عيسى ابن مريم قال : الرحمن رحمن الآخرة والدنيا ، والرحيم رحيم الآخرة " .فهذان الخبران قد أنبآ عن فرق ما بين تسمية الله جل ثناؤه باسمه الذي هو "رحمن " ، وتسميته باسمه الذي هو "رحيم " ، واختلاف معنى الكلمتين - وإن اختلفا في معنى ذلك الفرق ، فدل أحدهما على أن ذلك في الدنيا ، ودل الآخر على أنه في الآخرة .فإن قال : فأي هذين التأويلين أولى عندك بالصحة ؟ [ ص: 128 ]قيل : لجميعهما عندنا في الصحة مخرج ، فلا وجه لقول قائل : أيهما أولى بالصحة ؟ وذلك أن المعنى الذي في تسمية الله بالرحمن ، دون الذي في تسميته بالرحيم : هو أنه بالتسمية بالرحمن موصوف بعموم الرحمة جميع خلقه ، وأنه بالتسمية بالرحيم موصوف بخصوص الرحمة بعض خلقه ، إما في كل الأحوال ، وإما في بعض الأحوال . فلا شك - إذا كان ذلك كذلك - أن ذلك الخصوص الذي في وصفه بالرحيم لا يستحيل عن معناه ، في الدنيا كان ذلك أو في الآخرة ، أو فيهما جميعا .فإذا كان صحيحا ما قلنا من ذلك - وكان الله جل ثناؤه قد خص عباده المؤمنين في عاجل الدنيا بما لطف بهم من توفيقه إياهم لطاعته ، والإيمان به وبرسله ، واتباع أمره واجتناب معاصيه ، مما خذل عنه من أشرك به ، وكفر وخالف ما أمره به ، وركب معاصيه; وكان مع ذلك قد جعل ، جل ثناؤه ، ما أعد في آجل الآخرة في جناته من النعيم المقيم والفوز المبين ، لمن آمن به ، وصدق رسله ، وعمل بطاعته ، خالصا ، دون من أشرك وكفر به - كان بينا أن الله قد خص المؤمنين من رحمته في الدنيا والآخرة ، مع ما قد عمهم به والكفار في الدنيا من الإفضال والإحسان إلى جميعهم ، في البسط في الرزق ، وتسخير السحاب بالغيث ، وإخراج النبات من الأرض ، وصحة الأجسام والعقول ، وسائر النعم التي لا تحصى ، التي يشترك فيها المؤمنون والكافرون .فربنا جل ثناؤه رحمن جميع خلقه في الدنيا والآخرة ، ورحيم المؤمنين خاصة في الدنيا والآخرة . فأما الذي عم جميعهم به في الدنيا من رحمته فكان رحمانا لهم به ، فما ذكرنا مع نظائره التي لا سبيل إلى إحصائها لأحد من خلقه ، كما قال جل ثناؤه : ( وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها ) [ سورة إبراهيم : 34 ، وسورة النحل : 18 ] .وأما في الآخرة ، فالذي عم جميعهم به فيها من رحمته ، فكان لهم رحمانا ، تسويته [ ص: 129 ] بين جميعهم جل ذكره في عدله وقضائه ، فلا يظلم أحدا منهم مثقال ذرة ، وإن تك حسنة يضاعفها ويؤت من لدنه أجرا عظيما ، وتوفى كل نفس ما كسبت . فذلك معنى عمومه في الآخرة جميعهم برحمته ، الذي كان به رحمانا في الآخرة .وأما ما خص به المؤمنين في عاجل الدنيا من رحمته ، الذي كان به رحيما لهم فيها ، كما قال جل ذكره : ( وكان بالمؤمنين رحيما ) [ سورة الأحزاب : 43 ] فما وصفنا من اللطف لهم في دينهم ، فخصهم به ، دون من خذله من أهل الكفر به .وأما ما خصهم به في الآخرة ، فكان به رحيما لهم دون الكافرين ، فما وصفنا آنفا مما أعد لهم دون غيرهم من النعيم ، والكرامة التي تقصر عنها الأماني .وأما القول الآخر في تأويله فهو ما : -148 - حدثنا به أبو كريب ، قال : حدثنا عثمان بن سعيد ، قال : حدثنا بشر بن عمارة ، قال : حدثنا أبو روق ، عن الضحاك ، عن عبد الله بن عباس ، قال : الرحمن ، الفعلان من الرحمة ، وهو من كلام العرب . قال : الرحمن الرحيم : الرقيق الرفيق بمن أحب أن يرحمه ، والبعيد الشديد على من أحب أن يعنف عليه . وكذلك أسماؤه كلها .وهذا التأويل من ابن عباس ، يدل على أن الذي به ربنا رحمن ، هو الذي به رحيم ، وإن كان لقوله "الرحمن " من المعنى ، ما ليس لقوله "الرحيم " . لأنه جعل معنى "الرحمن " بمعنى الرقيق على من رق عليه ، ومعنى "الرحيم " بمعنى الرفيق بمن رفق به .والقول الذي رويناه في تأويل ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم وذكرناه عن العرزمي ، أشبه بتأويله من هذا القول الذي رويناه عن ابن عباس . وإن [ ص: 130 ] كان هذا القول موافقا معناه معنى ذلك ، في أن للرحمن من المعنى ما ليس للرحيم ، وأن للرحيم تأويلا غير تأويل الرحمن .والقول الثالث في تأويل ذلك ما : -149 - حدثني به عمران بن بكار الكلاعي ، قال : حدثنا يحيى بن صالح ، قال : حدثنا أبو الأزهر نصر بن عمرو اللخمي من أهل فلسطين ، قال : سمعت عطاء الخراساني يقول : كان الرحمن ، فلما اختزل الرحمن من اسمه كان الرحمن الرحيم .والذي أراد ، إن شاء الله ، عطاء بقوله هذا : أن الرحمن كان من أسماء الله التي لا يتسمى بها أحد من خلقه ، فلما تسمى به الكذاب مسيلمة - وهو اختزاله إياه ، يعني اقتطاعه من أسمائه لنفسه - أخبر الله جل ثناؤه أن اسمه "الرحمن الرحيم " ليفصل بذلك لعباده اسمه من اسم من قد تسمى بأسمائه ، إذ كان لا يسمى أحد "الرحمن الرحيم " ، فيجمع له هذان الاسمان ، غيره جل ذكره . وإنما يتسمى بعض خلقه إما رحيما ، أو يتسمى رحمن . فأما "رحمن رحيم " ، فلم يجتمعا قط لأحد سواه ، ولا يجمعان لأحد غيره . فكأن معنى قول عطاء هذا : أن الله جل ثناؤه إنما فصل بتكرير الرحيم على الرحمن ، بين اسمه واسم غيره من خلقه ، اختلف معناهما أو اتفقا .والذي قال عطاء من ذلك غير فاسد المعنى ، بل جائز أن يكون جل ثناؤه خص نفسه بالتسمية بهما معا مجتمعين ، إبانة لها من خلقه ، ليعرف عباده بذكرهما مجموعين أنه المقصود بذكرهما دون من سواه من خلقه ، مع ما في تأويل كل واحد منهما من المعنى الذي ليس في الآخر منهما . [ ص: 131 ]وقد زعم بعض أهل الغباء أن العرب كانت لا تعرف "الرحمن " ، ولم يكن ذلك في لغتها ولذلك قال المشركون للنبي صلى الله عليه وسلم : ( وما الرحمن أنسجد لما تأمرنا ) [ سورة الفرقان : 60 ] ، إنكارا منهم لهذا الاسم ، كأنه كان محالا عنده أن ينكر أهل الشرك ما كانوا عالمين بصحته ، أو : لا ، وكأنه لم يتل من كتاب الله قول الله ( الذين آتيناهم الكتاب يعرفونه ) - يعني محمدا - ( كما يعرفون أبناءهم ) [ سورة البقرة : 146 ] وهم مع ذلك به مكذبون ، ولنبوته جاحدون! فيعلم بذلك أنهم قد كانوا يدافعون حقيقة ما قد ثبت عندهم صحته ، واستحكمت لديهم معرفته . وقد أنشد لبعض الجاهلية الجهلاء :ألا ضربت تلك الفتاة هجينها ألا قضب الرحمن ربي يمينهاوقال سلامة بن جندل السعدي :عجلتم علينا عجلتينا عليكم وما يشأ الرحمن يعقد ويطلق[ ص: 132 ]وقد زعم أيضا بعض من ضعفت معرفته بتأويل أهل التأويل ، وقلت روايته لأقوال السلف من أهل التفسير ، أن "الرحمن " مجازه : ذو الرحمة ، و "الرحيم " مجازه : الراحم ، ثم قال : قد يقدرون اللفظين من لفظ والمعنى واحد ، وذلك لاتساع الكلام عندهم . قال : وقد فعلوا مثل ذلك فقالوا : ندمان ونديم ، ثم استشهد ببيت برج بن مسهر الطائي :وندمان يزيد الكأس طيبا ، سقيت وقد تغورت النجومواستشهد بأبيات نظائره في النديم والندمان ، ففرق بين معنى الرحمن والرحيم في التأويل لقوله : الرحمن ذو الرحمة ، والرحيم الراحم ، وإن كان قد ترك بيان تأويل معنييهما على صحته . ثم مثل ذلك باللفظين يأتيان بمعنى واحد ، فعاد إلى ما قد جعله بمعنيين ، فجعله مثال ما هو بمعنى واحد مع اختلاف الألفاظ .ولا شك أن ذا الرحمة هو الذي ثبت أن له الرحمة ، وصح أنها له صفة; وأن الراحم هو الموصوف بأنه سيرحم ، أو قد رحم فانقضى ذلك منه ، أو هو فيه .ولا دلالة له فيه حينئذ أن الرحمة له صفة ، كالدلالة على أنها له صفة ، إذا وصف بأنه ذو الرحمة . فأين معنى "الرحمن الرحيم " على تأويله ، من معنى الكلمتين تأتيان مقدرتين من لفظ واحد باختلاف الألفاظ واتفاق المعاني ؟ ولكن القول إذا كان غير أصل معتمد عليه ، كان واضحا عواره .وإن قال لنا قائل : ولم قدم اسم الله الذي هو "الله " ، على اسمه الذي هو "الرحمن " ، واسمه الذي هو "الرحمن " ، على اسمه الذي هو "الرحيم " ؟قيل : لأن من شأن العرب ، إذا أرادوا الخبر عن مخبر عنه ، أن يقدموا اسمه ، ثم يتبعوه صفاته ونعوته . وهذا هو الواجب في الحكم : أن يكون الاسم مقدما قبل نعته وصفته ، ليعلم السامع الخبر ، عمن الخبر . فإذا كان ذلك كذلك - [ ص: 133 ] وكان لله جل ذكره أسماء قد حرم على خلقه أن يتسموا بها ، خص بها نفسه دونهم ، وذلك مثل "الله " و "الرحمن " و "الخالق "; وأسماء أباح لهم أن يسمي بعضهم بعضا بها ، وذلك : كالرحيم والسميع والبصير والكريم ، وما أشبه ذلك من الأسماء - كان الواجب أن تقدم أسماؤه التي هي له خاصة دون جميع خلقه ، ليعرف السامع ذلك من توجه إليه الحمد والتمجيد ، ثم يتبع ذلك بأسمائه التي قد تسمى بها غيره ، بعد علم المخاطب أو السامع من توجه إليه ما يتلو ذلك من المعاني . فبدأ الله جل ذكره باسمه لأن الألوهية ليست لغيره جل ثناؤه من وجه من الوجوه ، لا من جهة التسمي به ، ولا من جهة المعنى . وذلك أنا قد بينا أن معنى "الله " تعالى ذكره المعبود ، ولا معبود غيره جل جلاله ، وأن التسمي به قد حرمه الله جل ثناؤه ، وإن قصد المتسمي به ما يقصد المتسمي بسعيد وهو شقي ، وبحسن وهو قبيح .أولا ترى أن الله جل جلاله قال في غير آية من كتابه : ( أإله مع الله ) فاستكبر ذلك من المقر به ، وقال تعالى في خصوصه نفسه بالله وبالرحمن : ( قل ادعوا الله أو ادعوا الرحمن أيا ما تدعوا فله الأسماء الحسنى ) [ سورة الإسراء : 110 ] . ثم ثنى باسمه ، الذي هو الرحمن ، إذ كان قد منع أيضا خلقه التسمي به ، وإن كان من خلقه من قد يستحق تسميته ببعض معانيه . وذلك أنه قد يجوز وصف كثير ممن هو دون الله من خلقه ، ببعض صفات الرحمة . وغير جائز أن يستحق بعض الألوهية أحد دونه . فلذلك جاء الرحمن ثانيا لاسمه الذي هو "الله " .وأما اسمه الذي هو "الرحيم " فقد ذكرنا أنه مما هو جائز وصف غيره به . والرحمة من صفاته جل ذكره ، فكان - إذ كان الأمر على ما وصفنا - واقعا مواقع نعوت الأسماء اللواتي هن توابعها ، بعد تقدم الأسماء عليها . فهذا وجه تقديم اسم الله [ ص: 133 ] الذي هو "الله " ، على اسمه الذي هو "الرحمن " ، واسمه الذي هو "الرحمن " على اسمه الذي هو "الرحيم " .وقد كان الحسن البصري يقول في "الرحمن " مثل ما قلنا ، أنه من أسماء الله التي منع التسمي بها العباد .150 - حدثنا محمد بن بشار ، قال : حدثنا حماد بن مسعدة ، عن عوف ، عن الحسن ، قال : "الرحمن " اسم ممنوع .مع أن في إجماع الأمة من منع التسمي به جميع الناس ، ما يغني عن الاستشهاد على صحة ما قلنا في ذلك بقول الحسن وغيره
اَلْحَمْدُ لِلّٰهِ الَّذِیْۤ اَنْزَلَ عَلٰى عَبْدِهِ الْكِتٰبَ وَ لَمْ یَجْعَلْ لَّهٗ عِوَجًاؕٚ(۱)
سب خوبیاں اللہ کو جس نے اپنے بندے (ف۲) پر کتاب اتاری (ف۳) اور اس میں اصلاً (بالکل، ذرا بھی) کجی نہ رکھی، (ف۴)
القول في تأويل قوله عز ذكره : الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجًا (1)قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: الحمد لله الذي خص برسالته محمدا وانتخبه لبلاغها عنه، فابتعثه إلى خلقه نبيا مرسلا وأنزل عليه كتابه قيما، ولم يجعل له عوجا.وعنى بقوله عز ذكره: قَيِّمًا معتدلا مستقيما، وقيل: عنى به: أنه قيم على سائر الكتب يصدقها ويحفظها.* ذكر من قال عنى به معتدلا مستقيما: حدثني علي بن داود، قال: ثنا عبد الله بن صالح، قال: ثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس، في قوله: وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجًا * قَيِّمًا يقول: أنزل الكتاب عدلا قيما، ولم يجعل له عوجا، فأخبر ابن عباس بقوله هذا مع بيانه معنى القيم أن القيم مؤخر بعد قوله، ولم يجعل له عوجا، ومعناه التقديم بمعنى: أنزل الكتاب على عبده قيما.حدثت عن محمد بن زيد، عن جويبر، عن الضحاك، في قوله قَيِّمًا قال: مستقيما.حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلمة، عن ابن إسحاق وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجًا * قَيِّمًا : أي معتدلا لا اختلاف فيه.حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن قتادة، في قوله: وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجًا * قَيِّمًا قال: أنزل الله الكتاب قيما، ولم يجعل له عوجا.حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، في قوله الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجًا * قَيِّمًا .قال: وفي بعض القراءات: " ولكن جعله قيما " .والصواب من القول في ذلك عندنا : ما قاله ابن عباس، ومن قال بقوله في ذلك، لدلالة قوله: ( وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجًا ) فأخبر جل ثناؤه أنه أنزل الكتاب الذي أنزله إلى محمد صلى الله عليه وسلم قَيِّمًا مستقيما لا اختلاف فيه ولا تفاوت، بل بعضه يصدق بعضا، وبعضه يشهد لبعض، لا عوج فيه، ولا ميل عن الحق، وكسرت العين من قوله ( عِوَجًا ) لأن العرب كذلك تقول في كل اعوجاج كان في دين، أو فيما لا يرى شخصه قائما، فيُدْرَك عِيانا منتصبا كالعاج في الدين، ولذلك كُسِرت العين في هذا الموضع، وكذلك العِوَج في الطريق، لأنه ليس بالشخص المنتصب ، فأما ما كان من عِوَج في الأشخاص المنتصبة قياما، فإن عينها تفتح كالعَوج في القناة، والخشبة، ونحوها، وكان ابن عباس يقول في معنى قوله ( وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجًا ) : ولم يجعل له ملتبسا.* ذكر من قال ذلك:حدثنا عليّ، قال: ثنا عبد الله، قال: ثني معاوية، عن عليّ ، عن ابن عباس وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجًا * قَيِّمًا ولم يجعل له ملتبسا.ولا خلاف أيضا بين أهل العربية في أن معنى قوله قَيِّمًا وإن كان مؤخرا، التقديم إلى جنب الكتاب، وقيل إنما افتتح جلّ ثناؤه هذه السورة بذكر نفسه بما هو له أهل، وبالخبر عن إنزال كتابه على رسوله إخبارا منه للمشركين من أهل مكة، بأن محمدا رسوله صلى الله عليه وسلم، وذلك أن المشركين كانوا سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أشياء علمهموها اليهود من قريظة والنضير، وأمروهم بمسآلتهموه عنها، وقالوا: إن أخبركم بها فهو نبيٌّ ، وإن لم يخبركم بها فهو متقوّل، فوعدهم رسول الله صلى الله عليه وسلم للجواب عنها موعدا، فأبطأ الوحي عنه بعض الإبطاء، وتأخّر مجيء جبرائيل عليه السلام عنه عن ميعاده القوم، فتحدث المشركون بأنه أخلفهم موعده، وأنه متقوّل، فأنزل الله هذه السورة جوابا عن مسائلهم، وافتتح أوّلها بذكره ، وتكذيب المشركين في أحدوثتهم التي تحدثوها بينهم.*ذكر من قال ذلك: حدثنا أبو كريب، قال: ثنا يونس بن بكير، عن محمد بن إسحاق، قال: ثني شيخ من أهل مصر، قدم منذ بضع وأربعين سنة، عن عكرمة، عن ابن عباس ، فيما يروي أبو جعفر الطبري (3) قال: بعثت قريش النضر بن الحارث، وعُقبة بن أبي معيط إلى أحبار يهود بالمدينة، فقالوا لهم: سلوهم عن محمد، وصِفُوا لهم صفته، وأخبروهم بقوله، فإنهم أهل الكتاب الأول، وعندهم علم ما ليس عندنا من علم الأنبياء، فخرجا حتى قدما المدينة، فسألوا أحبار يهودَ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ووصفوا لهم أمره وبعض قوله، وقالا إنكم أهل التوراة ، وقد جئناكم لتخبرونا عن صاحبنا هذا، قال: فقالت لهم أحبار يهود: سلوه عن ثلاث نأمركم بهنّ، فإن أخبركم بهنّ فهو نبيّ مرسل، وإن لم يفعل فالرجل متقوّل، فَرَأوا فيه رأيكم: سلوه عن فِتية ذهبوا في الدهر الأوَّل، ما كان من أمرهم فإنه قد كان لهم حديث عجيب. وسلوه عن رجل طوّاف، بلغ مشارق الأرض ومغاربها، ما كان نبؤه؟ وسلوه عن الروح ما هو؟ فإن أخبركم بذلك، فإنه نبيّ فاتَّبعوه، وإن هو لم يخبركم، فهو رجل متقوّل، فاصنعوا في أمره ما بدا لكم. فأقبل النضْر وعقبة حتى قَدِما مكة على قريش، فقالا يا معشر قريش: قد جئناكم بفصل ما بينكم وبين محمد ، قد أمرنا أحبار يهودَ أن نسأله، عن أمور، فأخبروهم بها، فجاءوا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالوا: يا محمد أخبرنا، فسألوه عما أمروهم به، فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: أُخْبِرُكُمْ غَدًا بِمَا سألْتُمْ عَنْهُ ، ولم يستثن فانصرفوا عنه، فمكث رسول الله صلى الله عليه وسلم خمس عشرة ليلة، لا يُحدِث الله إليه في ذلك وحيا، ولا يأتيه جبرائيل عليه السلام، حتى أرجف أهل مكة وقالوا: وَعَدَنا محمد غدا، واليوم خمس عشرة قد أصبحنا فيها لا يخبرنا بشيء مما سألناه عنه ، وحتى أحزنَ رسول الله صلى الله عليه وسلم مُكْثُ الوحي عنه، وشقّ عليه ما يتكلم به أهل مكة ، ثم جاءه جبرائيل عليه السلام ، من الله عزّ وجلّ، بسورة أصحاب الكهف، فيها معاتبته إياه على حزنه عليهم وخبر ما سألوه عنه من أمر الفِتية والرجل الطوّاف، وقول الله عزّ وجلّ وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلا قَلِيلا [قال ابن إسحاق: فبلغني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم افتتح السورة فقال ( الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنزلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ ) يعني محمدا إنك رسولي في تحقيق ما سألوا عنه من نبوّته وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجًا * قَيِّمًا : أي معتدلا لا اختلاف فيه.------------------------الهوامش:(1) المكتب: اسم فاعل من أكتب أو من كتب بالتشديد وهو المعلم، يعلم الصبيان كتابة القرآن في ألواحهم.(2) كذا في الأصول، ولم يذكر المتن اتكالا على ما تقدم، وقد تكرر ذلك منه.(3) الظاهر: أن قوله " فيما يروي أبو جعفر الطبري " : عن عبارة المؤلف عن نفسه ، وليس يعني شخصا آخر ، ولا هو من تعبير بعض تلاميذه عنه.
قَیِّمًا لِّیُنْذِرَ بَاْسًا شَدِیْدًا مِّنْ لَّدُنْهُ وَ یُبَشِّرَ الْمُؤْمِنِیْنَ الَّذِیْنَ یَعْمَلُوْنَ الصّٰلِحٰتِ اَنَّ لَهُمْ اَجْرًا حَسَنًاۙ(۲)
عدل والی کتاب کہ (ف۵) اللہ کے سخت عذاب سے ڈرائے اور ایمان والوں کو جو نیک کام کریں بشارت دے کہ ان کے لیے اچھا ثواب ہے،
القول في تأويل قوله تعالى : قَيِّمًا لِيُنْذِرَ بَأْسًا شَدِيدًا مِنْ لَدُنْهُ وَيُبَشِّرَ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا حَسَنًا (2)يقول تعالى ذكره: أنزل على عبده القرآن معتدلا مستقيما لا عوج فيه لينذركم أيها الناس بأسا من الله شديدا ، وعنى بالبأس العذاب العاجل، والنكال الحاضر والسطوة ، وقوله: (مِنْ لَدُنْهُ) يعني: من عند الله.وبنحو الذي قلنا في ذلك، قال أهل التأويل.* ذكر من قال ذلك:حدثنا أبو كريب، قال: ثنا يونس بن بكير، عن محمد بن إسحاق (لِيُنْذِرَ بَأْسًا شَدِيدًا) عاجل عقوبة في الدنيا، وعذابا في الآخرة.(مِنْ لَدُنْهُ) : أي من عند ربك الذي بعثك رسولا.حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلمة، عن ابن إسحاق، بنحوه.حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: (مِنْ لَدُنْهُ) : أي من عنده.فإن قال قائل: فأين مفعول قوله (لِيُنْذِرَ) فإن مفعوله محذوف اكتفى بدلالة ما ظهر من الكلام عليه من ذكره، وهو مضمر متصل بينذر قبل البأس، كأنه قيل: لينذركم بأسا، كما قيل: يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ [آل عمران: 175] إنما هو: يخوّفكم أولياءه.وقوله: (وَيُبَشِّرَ الْمُؤْمِنِينَ) يقول: ويبشر المصدقين الله ورسوله (الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ) وهو العمل بما أمر الله بالعمل به، والانتهاء عما نهى الله عنه (أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا حَسَنًا) يقول: ثوابا جزيلا لهم من الله على إيمانهم بالله ورسوله، وعملهم في الدنيا الصالحات من الأعمال، وذلك الثواب: هو الجنة التي وعدها المتقون.
القول في تأويل قوله تعالى: ( مَاكِثِينَ فِيهِ أَبَدًا ) خالدين، لا ينتقلون عنه، ولا ينقلون، ونصب ماكثين على الحال من قوله: (أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا حَسَنًا) في هذه الحال في حال مكثهم في ذلك الأجر.وبنحو الذي قلنا في ذلك، قال أهل التأويل.* ذكر من قال ذلك:حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سَلَمة، عن ابن إسحاق (وَيُبَشِّرَ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا حَسَنًا * مَاكِثِينَ فِيهِ أَبَدًا ) : أي في دار خلد لا يموتون فيها، الذين صدقوك بما جئت به عن الله، وعملوا بما أمرتهم.
وَّ یُنْذِرَ الَّذِیْنَ قَالُوا اتَّخَذَ اللّٰهُ وَلَدًاۗ(۴)
اور ان (ف۶) کو ڈرائے جو کہتے ہیں کہ اللہ نے اپنا کوئی بچہ بنایا،
القول في تأويل قوله تعالى : وَيُنْذِرَ الَّذِينَ قَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا (4)يقول تعالى ذكره: يحذر أيضا محمد القوم (الَّذِينَ قَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا) من مشركي قومه وغيرهم، بأسَ الله وعاجل نقمته، وآجل عذابه، على قيلهم ذلك.كما حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلمة، عن ابن إسحاق (وَيُنْذِرَ الَّذِينَ قَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا) يعني قريشا في قولهم: إنما نعبد الملائكة، وهنّ بنات الله .
مَا لَهُمْ بِهٖ مِنْ عِلْمٍ وَّ لَا لِاٰبَآىٕهِمْؕ-كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُ جُ مِنْ اَفْوَاهِهِمْؕ-اِنْ یَّقُوْلُوْنَ اِلَّا كَذِبًا(۵)
اس بارے میں نہ وہ کچھ علم رکھتے ہیں نہ ان کے باپ دادا (ف۷) کتنا بڑا بول ہے کہ ان کے منہ سے نکلتا ہے، نِرا جھوٹ کہہ رہے ہیں،
القول في تأويل قوله تعالى : مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ وَلا لآبَائِهِمْ كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ إِنْ يَقُولُونَ إِلا كَذِبًا (5)وقوله : ( مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ ) يقول: ما لقائلي هذا القول، يعني قولهم (اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا)(بِهِ ) : يعني بالله من علم، والهاء في قوله (بِهِ) من ذكر الله, وإنما معنى الكلام: ما لهؤلاء القائلين هذا القول بالله إنه لا يجوز أن يكون له ولد من علم، فلجهلهم بالله وعظمته قالوا ذلك.وقوله (ولا لآبائِهمْ) يقول: ولا لأسلافهم الذين مضوا قبلهم على مثل الذي هم عليه اليوم، كان لهم بالله وبعظمته علم، وقوله: ( كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ ) اختلفت القراء في قراءة ذلك، فقرأته عامة قراء المدنيين والكوفيين والبصريين: (كَبُرَتْ كَلِمَةً) بنصب كلمةً بمعنى: كبُرت كلمتهم التي قالوها كلمةً على التفسير، كما يقال: نعم رجلا عمرو، ونعم الرجل رجلا قام، ونعم رجلا قام، وكان بعض نحوييّ أهل البصرة يقول: نُصبت كلمة لأنها في معنى: أكْبِر بها كلمة ، كما قال جل ثناؤه وَسَاءَتْ مُرْتَفَقًا وقال: هي في النصب مثل قول الشاعر:ولقدْ عَلِمْتُ إذَا اللِّقاحُ تَرَوَّحتْ هَدَجَالرّئالِ تكُبُّهُنَّ شَمالا (1)أي تكبهنّ الرياح شمالا فكأنه قال: كبرت تلك الكلمة، وذُكِر عن بعض المكيين أنه كان يقرأ ذلك: ( كَبُرَتْ كَلِمَةٌ ) رفعا ، كما يقال: عَظُمَ قَولك وكَبُر شأنُك. وإذا قرئ ذلك كذلك لم يكن في قوله (كَبُرَتْ كَلِمةٌ) مُضمر، وكان صفة للكلمة.والصواب من القراءة في ذلك عندي، قراءة من قرأ: (كَبُرَتْ كَلِمةً) نصبا لإجماع الحجة من القراء عليها، فتأويل الكلام: عَظُمت الكلمة كلمة تخرج من أفواه هؤلاء القوم الذين قالوا: اتخذ الله ولدا، والملائكة بنات الله.كما حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلمة، عن ابن إسحاق (كَبُرَتْ كَلِمةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ) قولهم: إن الملائكة بنات الله، وقوله: ( إِنْ يَقُولُونَ إِلا كَذِبًا ) يقول عز ذكره:ما يقول هؤلاء القائلون اتخذ الله ولدا بقيلهم ذلك إلا كذبا وفرية افتروها على الله.
فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَّفْسَكَ عَلٰۤى اٰثَارِهِمْ اِنْ لَّمْ یُؤْمِنُوْا بِهٰذَا الْحَدِیْثِ اَسَفًا(۶)
تو کہیں تم اپنی جان پر کھیل جاؤ گے ان کے پیچھے اگر وہ اس بات پر (ف۸) ایمان نہ لائیں غم سے (ف۹)
القول في تأويل قوله تعالى : فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ عَلَى آثَارِهِمْ إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهَذَا الْحَدِيثِ أَسَفًا (6)يعني تعالى ذكره بذلك: فلعلك يا محمد قاتلٌ نفسك ومهلكها على آثار قومك الذين قالوا لك لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنَا مِنَ الأَرْضِ يَنْبُوعًا تمردا منهم على ربهم، إن هم لم يؤمنوا بهذا الكتاب الذي أنزلته عليك، فيصدقوا بأنه من عند الله حزنا وتلهفا ووجدا، بإدبارهم عنك، وإعراضهم عما أتيتهم به وتركهم الإيمان بك. يقال منه: بخع فلان نفسه يبخعها بخعا وبخوعا، ومنه قول ذي الرُّمة:ألا أَيُّهَذَا الباخِعُ الوَجْدُ نَفْسَهُلِشَيْءٍ نَحَتْهُ عَنْ يديه المقادر (2)يريد: نحته فخفف.وبنحو الذي قلنا في تأويل قوله: (بَاخِعٌ) قال أهل التأويل.* ذكر من قال ذلك:حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة (فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ) يقول: قاتل نفسك.حدثنا الحسن بن يحيى ، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن قتادة، مثله.و قوله: (أَسَفًا) فإنّ أهل التأويل اختلفوا في تأويله، فقال بعضهم: معناه: فلعلك باخع نفسك إن لم يؤمنوا بهذا الحديث غضبا.* ذكر من قال ذلك:حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة (إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهَذَا الْحَدِيثِ أَسَفًا) قال : غضبا.وقال آخرون: جَزَعا.* ذكر من قال ذلك:حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى " ح " ، وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قول الله (أَسَفًا) قال: جَزعا.حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد، مثله.وقال آخرون: معناه: حزنا عليهم.* ذكر من قال ذلك:حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن قتادة، في قوله: (أَسَفًا) قال: حزنا عليهم.وقد بينا معنى الأسف فيما مضى من كتابنا هذا ، بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع.وهذه معاتبة من الله عزّ ذكره على وجده بمباعدة قومه إياه فيما دعاهم إليه من الإيمان بالله، والبراءة من الآلهة والأنداد، وكان بهم رحيما.وبنحو ما قلنا في ذلك، قال أهل التأويل.* ذكر من قال ذلك:حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلمة، عن ابن إسحاق (فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ عَلَى آثَارِهِمْ إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهَذَا الْحَدِيثِ أَسَفًا) يعاتبه على حزنه عليهم حين فاته ما كان يرجو منهم: أي لا تفعل.
اِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الْاَرْضِ زِیْنَةً لَّهَا لِنَبْلُوَهُمْ اَیُّهُمْ اَحْسَنُ عَمَلًا(۷)
بیشک ہم نے زمین کا سنگھار کیا جو کچھ اس پر ہے (ف۱۰) کہ انہیں آزمائیں ان میں کس کے کام بہتر ہیں (ف۱۱)
القول في تأويل قوله : (إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الأَرْضِ زِينَةً لَهَا) يقول عز ذكره: إنا جعلنا ما على الأرض زينة للأرض (لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلا) يقول: لنختبر عبادنا أيهم أترك لها وأتبع لأمرنا ونهينا وأعمل فيها بطاعتنا.وبنحو الذي قلنا في ذلك، قال أهل التأويل.* ذكر من قال ذلك:حدثنا محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى " ح " ، وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد (مَا عَلَى الأَرْضِ زِينَةً لَهَا) قال: ما عليها من شيء.حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد، مثله.حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: (إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الأَرْضِ زِينَةً لَهَا) ذكر لنا أن نبيّ الله صلى الله عليه وسلم كان يقول : " إنَّ الدُّنْيا خَضِرَةٌ حُلْوَةٌ، وَإنَّ اللهَ مُسْتَخْلِفَكُمْ فِيها، فَناظِرٌ كَيْفَ تَعْمَلُونَ، فاتَّقُوا الدُّنْيا، واتَّقُوا النِّساء ".وأما قوله: (لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلا) فإن أهل التأويل قالوا في تأويله نحو قولنا فيه.* ذكر من قال ذلك:حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثنا أبو عاصم العسقلاني، قال: (لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلا) قال: أترك لها.حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلمة، عن ابن إسحاق (إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الأَرْضِ زِينَةً لَهَا لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلا) اختبارا لهم أيهم أتبع لأمري وأعمل بطاعتي.
وَ اِنَّا لَجٰعِلُوْنَ مَا عَلَیْهَا صَعِیْدًا جُرُزًاؕ(۸)
اور بیشک جو کچھ اس پر ہے ایک دن ہم اسے پٹ پر میدان (سفید زمین) کو چھوڑیں گے (ف۱۲)
القول في تأويل قوله : ( وَإِنَّا لَجَاعِلُونَ مَا عَلَيْهَا صَعِيدًا جُرُزًا ) يقول عز ذكره: وإنا لمخرّبوها بعد عمارتناها بما جعلنا عليها من الزينة، فمصيروها صعيدا جرزا لا نبات عليها ولا زرع ولا غرس، وقد قيل: إنه أريد بالصعيد في هذا الموضع: المستوي بوجه الأرض، وذلك هو شبيه بمعنى قولنا في ذلك.وبنحو الذي قلنا في ذلك، وبمعنى الجرز، قال أهل التأويل.* ذكر من قال ذلك:حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، فال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله: ( وَإِنَّا لَجَاعِلُونَ مَا عَلَيْهَا صَعِيدًا جُرُزًا ) يقول: يهلك كلّ شيء عليها ويبيد.حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد ( صَعِيدًا جُرُزًا ) قال: بلقعا.حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد، مثله.القول في تأويل حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال : ثنا سعيد، عن قتادة، قوله ( وَإِنَّا لَجَاعِلُونَ مَا عَلَيْهَا صَعِيدًا جُرُزًا ) والصعيد: الأرض التي ليس فيها شجر ولا نبات.حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلمة، عن ابن إسحاق ( وَإِنَّا لَجَاعِلُونَ مَا عَلَيْهَا صَعِيدًا جُرُزًا ) يعني: الأرض إن ما عليها لفان وبائد، وإن المرجع لإليّ، فلا تأس، ولا يحزنك ما تسمع وترى فيها.حدثنا يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد في قوله ( صَعِيدًا جُرُزًا ) قال: الجرز: الأرض التي ليس فيها شيء، ألا ترى أنه يقول: أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا نَسُوقُ الْمَاءَ إِلَى الأَرْضِ الْجُرُزِ فَنُخْرِجُ بِهِ زَرْعًا قال: والجرز: لا شيء فيها، لا نبات ولا منفعة، والصعيد: المستوي. وقرأ: لا تَرَى فِيهَا عِوَجًا وَلا أَمْتًا قال: مستوية: يقال: جُرِزت الأرض فهي مجروزة، وجرزها الجراد والنعم، وأرَضُون أجراز: إذا كانت لا شيء فيها ، ويقال للسنة المجدبة: جُرُز وسنون أجراز لجدوبها ويبسها وقلة أمطارها، قال الراجز:قَدْ جَرَفَتْهُنَّ السُّنُونَ الأجْرَازْ (3)يقال: أجرز القوم: إذا صارت أرضهم جُرُزا، وجَرَزوا هم أرضهم: إذا أكلوا نباتها كله.
اَمْ حَسِبْتَ اَنَّ اَصْحٰبَ الْكَهْفِ وَ الرَّقِیْمِۙ-كَانُوْا مِنْ اٰیٰتِنَا عَجَبًا(۹)
کیا تمہیں معلوم ہوا کہ پہاڑ کی کھوہ اور جنگل کے کنارے والے (ف۱۳) ہماری ایک عجیب نشانی تھے،
القول في تأويل قوله تعالى : أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحَابَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ كَانُوا مِنْ آيَاتِنَا عَجَبًا (9)يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: أم حسبت يا محمد أن أصحاب الكهف والرقيم كانوا من آياتنا عجبا، فإن ما خلقت من السماوات والأرض، وما فيهنّ من العجائب أعجب من أمر أصحاب الكهف، وحجتي بكل ذلك ثابتة على هؤلاء المشركين من قومك، وغيرهم من سائر عبادي.وبنحو الذي قلنا في ذلك، قال أهل التأويل.* ذكر من قال ذلك:حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى ، وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ( أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحَابَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ كَانُوا مِنْ آيَاتِنَا عَجَبًا ) قال محمد بن عمرو في حديثه، قال: ليسوا عجبا بأعجب آياتنا ، وقال الحارث في حديثه بقولهم: أعجب آياتنا: ليسوا أعجب آياتنا.حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد، قوله: ( أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحَابَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ كَانُوا مِنْ آيَاتِنَا عَجَبًا ) كانوا يقولون هم عجب.حدثنا بشر، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: ( أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحَابَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ كَانُوا مِنْ آيَاتِنَا عَجَبًا ) يقول: قد كان من آياتنا ما هو أعجب من ذلك.حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلمة، عن ابن إسحاق ( أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحَابَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ كَانُوا مِنْ آيَاتِنَا عَجَبًا ) أي وما قدروا من قَدْر فيما صنعت من أمر الخلائق، وما وضعت على العباد من حججي ما هو أعظم من ذلك.وقال آخرون: بل معنى ذلك: أم حسبت يا محمد أن أصحاب الكهف والرقيم كانوا من آياتنا عَجَبا، فإن الذي آتيتك من العلم والحكمة أفضل منه.* ذكر من قال ذلك:حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله: ( أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحَابَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ كَانُوا مِنْ آيَاتِنَا عَجَبًا ) يقول: الذي آتيتك من العلم والسنة والكتاب أفضل من شأن أصحاب الكهف والرقيم.وإنما قلنا: إن القول الأول أولى بتأويل الآية، لأنّ الله عزّ وجلّ أنزل قصة أصحاب الكهف على نبيه احتجاجا بها على المشركين من قومه على ما ذكرنا في الرواية عن ابن عباس، إذ سألوه عنها اختبارا منهم له بالجواب عنها صدقه، فكان تقريعهم بتكذييهم بما هو أوكد عليهم في الحجة مما سألوا عنهم، وزعموا أنهم يؤمنون عند الإجابة عنه أشبه من الخبر عما أنعم الله على رسوله من النعم.وأما الكهف، فإنه كهف الجبل الذي أوى إليه القوم الذين قصّ الله شأنهم في هذه السورة.وأما الرقيم، فإن أهل التأويل اختلفوا في المعنيّ به، فقال بعضهم : هو اسم قرية، أو واد على اختلاف بينهم في ذلك.* ذكر من قال ذلك:حدثنا محمد بن بشار، قال: ثنا يحيى بن عبد الأعلى وعبد الرحمن، قالا ثنا سفيان، عن الشيباني، عن عكرمة، عن ابن عباس، قال: يزعم كعب أن الرقيم: القرية.حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس ( أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحَابَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ ) قال: الرقيم: واد بين عُسْفان وأيَلة دون فلسطين، وهو قريب من أيَلة.حدثنا أبو كريب، قال: ثنا ابن إدريس، قال: سمعت أبي، عن عطية، قال: الرقيم: واد.حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله ( أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحَابَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ ) كنَّا نحدّث أن الرقيم: الوادي الذي فيه أصحاب الكهف.حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا الثوري، عن سماك بن حرب، عن عكرمة، عن ابن عباس، في قوله (الرَّقِيمِ) قال: يزعم كعب: أنها القرية.حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن ابن أبي نجيح عن مجاهد ، في قوله: (الرَّقِيمِ) قال: يقول بعضهم: الرقيم: كتاب تبانهم ، ويقول بعضهم: هو الوادي الذي فيه كهفهم.حدثنا عن الحسين بن الفرج، قال: سمعت أبا معاذ، قال: ثنا عبيد بن سليمان ، قال: سمعت الضحاك يقول: أما الكهف: فهو غار الوادي، والرقيم : اسم الوادي.وقال آخرون: الرقيم: الكتاب.* ذكر من قال ذلك:حدثنا عليّ، قال: ثنا عبد الله، قال: ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس، قوله: ( أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحَابَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ ) يقول: الكتاب.حدثنا أبو كريب، قال: ثنا ابن إدريس، قال: ثنا أبي، عن ابن قيس، عن سعيد بن جبير، قال: الرقيم: لوح من حجارة كتبوا فيه قصص أصحاب الكهف، ثم وضعوه على باب الكهف.حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد: الرقيم: كتاب، ولذلك الكتاب خبر فلم يخبر الله عن ذلك الكتاب وعنا فيه، وقرأ: وَمَا أَدْرَاكَ مَا عِلِّيُّونَ * كِتَابٌ مَرْقُومٌ * يَشْهَدُهُ الْمُقَرَّبُونَ ، وَمَا أَدْرَاكَ مَا سِجِّينٌ * كِتَابٌ مَرْقُومٌ .وقال آخرون: بل هو اسم جبل أصحاب الكهف.* ذكر من قال ذلك:حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج ، عن ابن جريج، قال: قال ابن عباس: الرقيم: الجبل الذي فيه الكهف.قال أبو جعفر: وقد قيل إن اسم ذلك الجبل: بناجلوس.حدثنا بذلك ابن حميد، قال: ثنا سلمة، عن ابن إسحاق، عن عبد الله بن أبي نجيح، عن مجاهد، عن ابن عباس: وقد قيل: إن اسمه بنجلوس.حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال : ثني حجاج، عن ابن جريج، قال: أخبرني وهب بن سليمان عن شعيب الجَبئي (4) أن اسم جبل الكهف: بناجلوس. واسم الكهف: حيزم. والكلب : حُمران.وقد روي عن ابن عباس في الرقيم ما حدثنا به الحسن، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا إسرائيل عن سماك، عن عكرمة، عن ابن عباس قال: كل القرآن أعلمه، إلا حنانا، والأوّاه، والرقيم.حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، قال: أخبرني عمرو بن دينار، أنه سمع عكرمة يقول: قال ابن عباس: ما أدري ما الرقيم، أكتاب، أم بنيان؟ .وأولى هذه الأقوال بالصواب في الرقيم أن يكون معنيا به: لوح، أو حجر، أو شيء كُتب فيه كتاب، وقد قال أهل الأخبار: إن ذلك لوح كتب فيه أسماء أصحاب الكهف وخبرهم حين أوَوْا إلى الكهف.ثم قال بعضهم: رُفع ذلك اللوح في خزانة الملك، وقال بعضهم: بل جُعل على باب كهفهم، وقال بعضهم: بل كان ذلك محفوظا عند بعض أهل بلدهم ، وإنما الرقيم: فعيل، أصله: مرقوم، ثم صُرف إلى فعيل، كما قيل للمجروح: جريح، وللمقتول: قتيل، يقال منه: رقمت كذا وكذا: إذا كتبته، ومنه قيل للرقم في الثوب رقم، لأنه الخطّ الذي يعرف به ثمنه ، ومن ذلك قيل للحيَّة: أرقم، لما فيه من الآثار ، والعرب تقول: عليك بالرقمة، ودع الضفة: بمعنى عليك برقمة الوادي حيث الماء، ودع الضفة الجانبة. والضفتان: جانبا الوادي، وأحسب أن الذي قال الرقيم: الوادي، ذهب به إلى هذا، أعني به إلى رقمة الوادي.
اِذْ اَوَى الْفِتْیَةُ اِلَى الْكَهْفِ فَقَالُوْا رَبَّنَاۤ اٰتِنَا مِنْ لَّدُنْكَ رَحْمَةً وَّ هَیِّئْ لَنَا مِنْ اَمْرِنَا رَشَدًا(۱۰)
جب ان نوجوانوں نے (ف۱۴) غار میں پناہ لی پھر بولے اے ہمارے رب ہمیں اپنے پاس سے رحمت دے (ف۱۵) اور ہمارے کام میں ہمارے لیے راہ یابی کے سامان کر،
القول في تأويل قوله تعالى : إِذْ أَوَى الْفِتْيَةُ إِلَى الْكَهْفِ فَقَالُوا رَبَّنَا آتِنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً وَهَيِّئْ لَنَا مِنْ أَمْرِنَا رَشَدًا (10)يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحَابَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ كَانُوا مِنْ آيَاتِنَا عَجَبًا حين أوى الفتية أصحاب الكهف إلى كهف الجبل، هربا بدينهم إلى الله، فقالوا إذ أووه: ( رَبَّنَا آتِنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً ) رغبة منهم إلى ربهم، في أن يرزقهم من عنده رحمة ، وقوله وَهَيِّئْ لَنَا مِنْ أَمْرِنَا رَشَدًا ) يقول: وقالوا: يسر لنا بما نبتغي وما نلتمس من رضاك والهرب من الكفر بك، ومن عبادة الأوثان التي يدعونا إليها قومنا، (رَشَدا) يقول: سدادا إلى العمل بالذي تحبّ.وقد اختلف أهل العلم في سبب مصير هؤلاء الفِتية إلى الكهف الذي ذكره الله في كتابه ، فقال بعضهم: كان سبب ذلك، أنهم كانوا مسلمين على دين عيسى، وكان لهم ملك عابد وَثَن، دعاهم إلى عبادة الأصنام، فهربوا بدينهم منه خشية أن يفتنهم عن دينهم، أو يقتلهم، فاستخفوا منه في الكهف.* ذكر من قال ذلك:حدثنا ابن حميد، قال: ثنا الحكم بن بشير، قال: ثنا عمرو في قوله: أَصْحَابَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ كانت الفِتية على دين عيسى على الإسلام، وكان ملكهم كافرا، وقد أخرج لهم صنما، فأبَوا، وقالوا: رَبُّنَا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ لَنْ نَدْعُوَ مِنْ دُونِهِ إِلَهًا لَقَدْ قُلْنَا إِذًا شَطَطًا قال: فاعتزلوا عن قومهم لعبادة الله، فقال أحدهم: إنه كان لأبي كهف يأوي فيه غنمه، فانطلقوا بنا نكن فيه، فدخلوه، وفُقدوا في ذلك الزمان فطُلبوا، فقيل: دخلوا هذا الكهف، فقال قومهم: لا نريد لهم عقوبة ولا عذابا أشدّ من أن نردم عليهم هذا الكهف، فبنوه عليهم ثم ردموه ، ثم إن الله بعث عليهم ملكا على دين عيسى، ورفع ذلك البناء الذي كان ردم عليهم ، فقال بعضهم لبعض: كَمْ لَبِثْتُمْ ؟ ف قَالُوا لَبِثْنَا يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ حتى بلغ فَابْعَثُوا أَحَدَكُمْ بِوَرِقِكُمْ هَذِهِ إِلَى الْمَدِينَةِ وكان ورق ذلك الزمان كبارا، فأرسلوا أحدهم يأتيهم بطعام وشراب ، فلما ذهب ليخرج، رأى على باب الكهف شيئا أنكره ، فأراد أن يرجع، ثم مضى حتى دخل المدينة، فأنكر ما رأى، ثم أخرج درهما، فنظروا إليه فأنكروه، وأنكروا الدرهم، وقالوا: من أين لك هذا ، هذا من ورِق غير هذا الزمان، واجتمعوا عليه يسألونه، فلم يزالوا به حتى انطلفوا به إلى ملكهم ، وكان لقومهم لوح يكتبون فيه ما يكون، فنظروا في ذلك اللوح، وسأله الملك، فأخبره بأمره، ونظروا في الكتاب متى فقد، فاستبشروا به وبأصحابه، وقيل له: انطلق بنا فأرنا أصحابك، فانطلق وانطلقوا معه، ليريهم، فدخل قبل القوم، فضرب على آذانهم، فقال الذين غلبوا على أمرهم: لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِمْ مَسْجِدًا .حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلمة، عن ابن إسحاق، قال: مَرِج أمر أهل الإنجيل وعظُمت فيهم الخطايا وطغت فيهم الملوك، حتى عبدوا الأصنام وذبحوا للطواغيت، وفيهم على ذلك بقايا على أمر عيسى ابن مريم، متمسكون بعبادة الله وتوحيده، فكان ممن فعل ذلك من ملوكهم، ملك من الروم يقال له: دَقْيَنوس، كان قد عبد الأصنام، وذبح للطواغيت، وقتل من خالفه في ذلك ممن أقام على دين عيسى ابن مريم ، كان ينزل في قرى الروم، فلا يترك في قرية ينزلها أحدا ممن يدين بدين عيسى ابن مريم إلا قتله، حتى يعبد الأصنام، ويذبح للطواغيت، حتى نزل دقينوس مدينة الفِتية أصحاب الكهف، فلما نزلها دقينوس كبر ذلك على أهل الإيمان، فاستخْفُوا منه وهربوا في كلّ وجه. وكان دقينوس قد أمر حين قدمها أن يتبع أهل الإيمان فيُجمعوا له، واتخذ شُرَطا من الكفَّار من أهلها، فجعلوا يتبعون أهل الإيمان في أماكنهم التي يستخفون فيها، فيستخرجونهم إلى دقينوس، فقدمهم إلى المجامع التي يذبح فيها للطواغيت فيخيرهم بين القتل، وبين عبادة الأوثان والذبح للطواغيت ، فمنهم من يرغب في الحياة ويُفْظَع بالقتل فيَفتِتن. ومنهم من يأبى أن يعبد غير الله فيقتل ، فلما رأى ذلك أهل الصلابة من أهل الإيمان بالله، جعلوا يُسْلمون أنفسهم للعذاب والقتل، فيقتلون ويقطعون، ثم يربط ما قطع من أجسادهم، فيعلَّق على سور المدينة من نواحيها كلها، وعلى كلّ باب من أبوابها، حتى عظمت الفتنة على أهل الإيمان، فمنهم من كفر فتُرك، ومنهم من صُلب على دينه فقُتل ، فلما رأى ذلك الفِتية أصحاب الكهف، حزنوا حزنا شديدا، حتى تغيرت ألوانهم، ونَحِلت أجسامهم، واستعانوا بالصلاة والصيام والصدقة، والتحميد، والتسبيح، والتهليل، والتكبير، والبكاء، والتضرّع إلى الله، وكانوا فتية أحداثا أحرارا من أبناء أشراف الروم.فحدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلمة، عن ابن إسحاق، عن عبد الله بن أبي نجيح، عن مجاهد، قال: لقد حُدّثت أنه كان على بعضهم من حداثة أسنانه وضح الورق ، قال ابن عباس: فكانوا كذلك في عبادة الله ليلهم ونهارهم، يبكون إلى الله، ويستغيثونه، وكانوا ثمانية نفر : مَكْسِلمينا، وكان أكبرهم، وهو الذي كلم الملك عنهم، ومُحْسيميلنينا، وَيمليخا، ومَرْطوس، وكشوطوش، وبيرونس، ودينموس، ويطونس قالوس (5) فلما أجمع دقينوس أن يجمع أهل القرية لعبادة الأصنام، والذبح للطواغيت، بكوا إلى الله وتضرعوا إليه، وجعلوا يقولون: اللهم رب السماوات والأرض، لن ندعو من دونك إلها لَقَدْ قُلْنَا إِذًا شَطَطًا اكشف عن عبادك المؤمنين هذه الفتنة وادفع عنهم البلاء وأنعم على عبادك الذين آمنوا بك، ومُنِعوا عبادتك إلا سرّا، مستخفين بذلك، حتى يعبدوك علانية، فبينما هم على ذلك، عرفهم عُرفاؤهم من الكفار، ممن كان يجمع أهل المدينة لعبادة الأصنام، والذبح للطواغيت، وذكروا أمرهم، وكانوا قد خَلوا في مُصَلّى لهم يعبدون الله فيه، ويتضرّعون إليه، ويتوقَّعون أن يُذْكَروا لدقينوس، فانطلق أولئك الكفرة حتى دخلوا عليهم مُصلاهم، فوجدوهم سجودا على وجوههم يتضرّعون، ويبكون، ويرغبون إلى الله أن ينجيهم من دقينوس وفتنته، فلما رآهم أولئك الكفرة من عُرفائهم قالوا لهم: ما خَلَّفكم عن أمر الملك؟ انطلقوا إليه! ثم خرجوا من عندهم، فرفعوا أمرهم إلى دقينوس، وقالوا: تجمع الناس للذبح لآلهتك، وهؤلاء فِتية من أهل بيتك، يسخَرون منك، ويستهزئون بك، ويعصون أمرك، ويتركون آلهتك، يَعمِدون إلى مُصَلّى لهم ولأصحاب عيسى ابن مريم يصلون فيه، ويتضرّعون إلى إلههم وإله عيسى وأصحاب عيسى، فلم تتركهم يصنعون هذا وهم بين ظَهراني سلطانك ومُلكك، وهم ثمانية نفر: رئيسهم مكسلمينا، وهم أبناء عظماء المدينة؟ فلما قالوا ذلك لدقينوس، بعث إليهم، فأتي بهم من المصلَّى الذي كانوا فيه تفيض أعينهم من الدموع مُعَفرة وجوههم في التراب، فقال لهم: ما منعكم أن تشهدوا الذبح لآلهتنا التي تعبد في الأرض، وأن تجعلوا أنفسكم أُسْوة لسَراة أهل مدينتكم، ولمن حضر منَّا من الناس؟ اختاروا مني: إما أن تذبحوا لآلهتنا كما ذبح الناس، وإما أن أقتلكم! فقال مكسلمينا: إن لنا إلها نعبده ملأ السموات والأرض عظَمتُه، لن ندعو من دونه إلها أبدا، ولن نقر بهذا الذي تدعونا إليه أبدا، ولكنا نعبد الله ربنا، له الحمد والتكبير والتسبيح من أنفسنا خالصا أبدا، إياه نعبد، وإياه نسأل النجاة والخير. فأما الطواغيت وعبادتها، فلن نقرّ بَها أبدا، ولسنا بكائنين عُبَّادا للشياطين، ولا جاعلي أنفسنا وأجسادنا عُبادا لها، بعد إذ هدانا الله له رهبتَك، أو فَرَقا من عبودتك، اصنع بنا ما بدا لك، ثم قال أصحاب مكسلمينا لدقينوس مثل ما قال، قال: فلما قالوا ذلك له، أمر بهم فنزع عنهم لبوس كان عليهم من لبوس عظمائهم، ثم قال: أما إذ فعلتم ما فعلتم فإني سأؤخركم أن تكونوا من أهل مملكتي وبطانتي، وأهل بلادي، وسأفرُغ لكم، فأنجز لكم ما وعدتكم من العقوبة، وما يمنعني أن أعجِّل ذلك لكم إلا أني أراكم فتيانا حديثة أسنانُكم، ولا أحبُّ أن أهلككم حتى أستأنّي بكم، وأنا جاعل لكم أجلا تَذكرون فيه، وتراجعون عقولكم، ثم أمر بحلية كانت عليهم من ذهب وفضة، فنزعت عنهم، ثم أمر بهم فأخرجوا من عنده، وانطلق دقينوس مكانه إلى مدينة سوى مدينتهم التي هم بها قريبا منها لبعض ما يريد من أمره.فلما رأى الفتية دقينوس قد خرج من مدينتهم بادروا قدومه، وخافوا إذا قدم مدينتهم أن يذكر بهم، فأتمروا بينهم أن يأخذ كلّ واحد منهم نفقة من بيت أبيه، فيتصدّقوا منها، ويتزوّدوا بما بقي، ثم ينطلقوا إلى كهف قريب من المدينة في جبل يقال له: بنجلوس فيمكثوا فيه، ويعبدوا الله حتى إذا رجع دقينوس أتوه فقاموا بين يديه، فيصنع بهم ما شاء، فلما قال ذلك بعضهم لبعض، عمد كلّ فتى منهم، فأخذ من بيت أبيه نفقة، فتصدّق منها، وانطلقوا بما بقي معهم من نفقتهم، واتبعهم كلْب لهم، حتى أتوا ذلك الكهف، الذي في ذلك الجبل، فلبثوا فيه ليس لهم عمل إلا الصلاة والصيام والتسبيح والتكبير والتحميد، ابتغاء وجه الله تعالى، والحياة التي لا تنقطع، وجعلوا نفقتهم إلى فتى منهم يقال له يمليخا، فكان على طعامهم، يبتاع لهم أرزاقهم من المدينة سرا من أهلها، وذلك أنه كان من أجملهم وأجلدهم، فكان يمليخا يصنع ذلك، فإذا دخل المدينة يضع ثيابا كانت عليه حسانا، ويأخذ ثيابا كثياب المساكين الذين يستطعمون فيها، ثم يأخذ ورقه، فينطلق إلى المدينة فيشتري لهم طعاما وشرابا، ويتسمَّع ويتجسَّس لهم الخبر، هل ذكر هو وأصحابه بشيء في ملإ المدينة، ثم يرجع إلى أصحابه بطعامهم وشرابهم، ويخبرهم بما سمع من أخبار الناس، فلبثوا بذلك ما لبثوا، ثم قدم دقينوس الجبَّار المدينة التي منها خرج إلى مدينته، وهي مدينة أفَمْوس ، فأمر عظماء أهلها، فذبحوا للطواغيت، ففزع في ذلك أهل الإيمان، فتخبئوا في كل مخبأ ، وكان يمليخا بالمدينة يشتري لأصحابه طعامهم وشرابهم ببعض نفقتهم، فرجع إلى أصحابه وهو يبكي ومعه طعام قليل، فأخبرهم أن الجبار دقينوس قد دخل المدينة، وأنهم قد ذكروا وافتقدوا والتمسوا مع عظماء أهل المدينة ليذبحوا للطواغيت ، فلما أخبرهم بذلك، فزعوا فزعا شديدا، ووقعوا سجودا على وجوههم يدعون الله، ويتضرّعون إليه، ويتعوّذون به من الفتنة ، ثم إن يمليخا قال لهم: يا إخوتاه، ارفعوا رؤوسكم، فاطعَموا من هذا الطعام الذي جئتكم به، وتوكلوا على ربكم ، فرفعوا رؤوسهم، وأعينهم تفيض من الدمع حذرا وتخوّفا على أنفسهم، فطعموا منه، وذلك مع غروب الشمس، ثم جلسوا يتحدثون ويتدارسون، ويذكر بعضهم بعضا على حزن منهم، مشفقين مما أتاهم به صاحبهم من الخبر، فبينا هم على ذلك، إذ ضرب الله على آذانهم في الكهف سنين عددا، وكلبهم باسط ذراعيه بباب الكهف، فأصابهم ما أصابهم وهم مؤمنون مُوقنون، مصدّقون بالوعد، ونفقتهم موضوعة عندهم ، فلما كان الغد فقدهم دقينوس، فالتمسهم فلم يجدهم، فقال لعظماء أهل المدينة: لقد ساءني شأن هؤلاء الفتية الذين ذهبوا، لقد كانوا يظنون أن بي غضبا عليهم فيما صنعوا في أوّل شأنهم، لجهلهم ما جهلوا من أمري، ما كنت لأجهل عليهم في نفسي، ولا أؤاخذ أحدا منهم بشيء إن هم تابوا وعبدوا آلهتي، ولو فعلوا لتركتهم، وما عاقبتهم بشيء سلف منهم، فقال له عظماء أهل المدينة: ما أنت بحقيق أن ترحم قوما فجرة مَردة عُصاة، مقيمين على ظلمهم ومعصيتهم، وقد كنتَ أجَّلتهم أجلا وأخَّرتهم عن العقوبة التي أصبت بها غيرهم، ولو شاؤوا لرجعوا في ذلك الأجل، ولكنهم لم يتوبوا ولم ينزعوا ولم يندموا على ما فعلوا، وكانوا منذ انطلقت يبذرون أموالهم بالمدينة ، فلما علموا بقدومك فرّوا فلم يُروا بعد ، فإن أحببت أن تُؤْتَى بهم، فأرسل إلى آبائهم فامتحنهم، واشدُد عليهم يدُلوك عليهم، فإنهم مختبئون منك، فلما قالوا ذلك لدقينوس الجبار، غضب غضبا شديدا. ثم أرسل إلى آبائهم، فأتي بهم فسألهم عنهم وقال: أخبروني عن أبنائكم المردة الذين عصوا أمري، وتركوا آلهتي ، ائتوني بهم، وأنبئوني بمكانهم ، فقال له آباؤهم: أما نحن فلم نعص أمرك ولم نخالفك، قد عبدنا آلهتك وذبحنا لهم، فلم تقتلنا في قوم مردة، قد ذهبوا بأموالنا فبذّروها وأهلكوها في أسواق المدينة، ثم انطلقوا، فارتقوا في جبل يدعى بنجلوس، وبينه وبين المدينة أرض بعيدة هرَبا منك، فلما قالوا ذلك خلَّى سبيلهم، وجعل يأتمر ماذا يصنع بالفتية، فألقى الله عز وجل في نفسه أن يأمر بالكهف فيُسدّ عليهم كرامة من الله، أراد أن يكرمهم، ويكرم أجساد الفتية، فلا يجول، ولا يطوف بها شيء، وأراد أن يحييهم، ويجعلهم آية لأمة تُستخلف من بعدهم، وأن يبين لهم أن الساعة آتية لا ريب فيها، وأن الله يبعث من في القبور. فأمر دقينوس بالكهف أن يسدّ عليهم، وقال: دعوا هؤلاء الفتية المَرَدة الذين تركوا آلهتي فليموتوا كما هم في الكهف عطشا وجوعا، وليكن كهفهم الذي اختاروا لأنفسهم قبرا لهم ، ففعل بهم ذلك عدوّ الله، وهو يظن أنهم أيقاظ يعلمون ما يصنع بهم، وقد تَوَفّى الله أرواحهم وفاة النوم، وكلبهم باسط ذراعيه بباب الكهف، قد غَشَّاه الله ما غشاهم، يُقلَّبون ذات اليمين وذات الشمال ، ثم إن رجلين مؤمنين كانا في بيت الملك دقينوس يكتمان إيمانهما: اسم أحدهما بيدروس، واسم الآخر: روناس ، فأتمرا أن يكتبا شأن الفتية أصحاب الكهف، أنسابهم وأسماءهم وأسماء آبائهم، وقصة خبرهم في لوحين من رَصاص، ثم يصنعا له تابوتا من نحاس، ثم يجعلا اللوحين فيه، ثم يكتبا عليه في فم الكهف بين ظهراني البنيان، ويختما على التابوت بخاتمهما، وقالا لعل الله أن يُظْهر على هؤلاء الفتية قوما مؤمنين قبل يوم القيامة، فيعلم من فتح عليهم حين يقرأ هذا الكتاب خبرهم، ففعلا ثم بنيا عليه في البنيان، فبقي دقينوس وقرنه الذين كانوا منهم ما شاء الله أن يبقوا، ثم هلك دقينوس والقرن الذي كانوا معه، وقرون بعده كثيرة، وخلفت الخلوف بعد الخلوف.حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، عن عبد الله بن كثير، عن مجاهد، قال: كان أصحاب الكهف أبناء عظماء مدينتهم، وأهل شرفهم، فخرجوا فاجتمعوا وراء المدينة على غير ميعاد، فقال رجل منهم هو أسنهم: إني لأجد في نفسي شيئا ما أظنُّ أن أحدا يجده، قالوا: ماذا تجد؟ قال: أجد في نفسي أن ربي ربّ السماوات والأرض، وقالوا: نحن نجد ، فقاموا جميعا، فقالوا: رَبُّنَا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ لَنْ نَدْعُوَ مِنْ دُونِهِ إِلَهًا لَقَدْ قُلْنَا إِذًا شَطَطًا فاجتمعوا أن يدخلوا الكهف، وعلى مدينتهم إذ ذاك جبار يقال له دقينوس، فلبثوا في الكهف ثلاثمائة سنين وازدادوا تسعا رقدا.حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلمة، عن عبد العزيز بن أبي روّاد، عن عبد الله بن عبيد بن عمير، قال: كان أصحاب الكهف فتيانا ملوكا مُطَوّقين مُسَوّرين ذوي ذوائب، وكان معهم كلب صيدهم، فخرجوا في عيد لهم عظيم في زيّ وموكب، وأخرجوا معهم آلهتم التي يعبدون ، وقذف الله في قلوب الفتية الإيمان فآمنوا، وأخفى كلّ واحد منهم الإيمان عن صاحبه، فقالوا في أنفسهم من غير أن يظهر إيمان بعضهم لبعض: نخرج من بين أظهر هؤلاء القوم لا يصيبنا عقاب بجرمهم ، فخرج شاب منهم حتى انتهى إلى ظلّ شجرة، فجلس فيه، ثم خرج آخر فرآه جالسا وحده، فرجا أن يكون على مثل أمره من غير أن يظهر منه، فجاء حتى جلس إليه، ثم خرج الآخرون، فجاؤوا حتى جلسوا إليهما، فاجتمعوا، فقال بعضهم: ما جمعكم؟ وقال آخر: بل ما جمعكم؟ وكل يكتم إيمانه من صاحبه مخافة على نفسه، ثم قالوا: ليخرج منكم فَتَيان، فيخْلُوَا، فيتواثقا أن لا يفشيَ واحد منهما على صاحبه، ثم يفشي كل واحد منهما لصاحبه أمره، فإنا نرجو أن نكون على أمر واحد ، فخرج فتيان منهم فتواثقا، ثم تكلما، فذكر كل واحد منهما أمره لصاحبه، فأقبلا مستبشرَين إلى أصحابهما قد اتفقا على أمر واحد، فإذا هم جميعا على الإيمان، وإذا كهف في الجبل قريب منهم، فقال بعضهم لبعض: ائتوا إلى الكهف يَنْشُرْ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيُهَيِّئْ لَكُمْ مِنْ أَمْرِكُمْ مِرفَقًا فدخلوا الكهف، ومعهم كلب صيدهم فناموا، فجعله الله عليهم رقدة واحدة، فناموا ثلاثمائة سنين وازدادوا تسعا ، قال: وفقدهم قومُهم فطلبوهم وبعثوا البرد، فعمى الله عليهم آثارهم وكهفهم ، فلما لم يقدروا عليهم كتبوا أسماءهم وأنسابهم في لوح: فلان ابن فلان، وفلان ابن فلان أبناء ملوكنا، فَقَدناهم في عيد كذا وكذا في شهر كذا وكذا في سنة كذا وكذا، في مملكة فلان ابن فلان ، ورفعوا اللوح في الخزانة ، فمات ذلك الملك وغلب عليهم ملك مسلم مع المسلمين، وجاء قرن بعد قرن، فلبثوا في كهفهم ثلاثمائة سنين وازدادوا تسعا.وقال آخرون: بل كان مصيرهم إلى الكهف هربا من طلب سلطان كان طلبهم بسبب دَعوى جناية ادّعى على صاحب لهم أنه جناها.ذكر من قال ذلك:* حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، قال: أخبرني إسماعيل بن شروس، أنه سمع وهب بن منبه يقول: جاء حواريّ عيسى ابن مريم إلى مدينة أصحاب الكهف، فأراد أن يدخلها، فقيل له: إن على بابها صنما لا يدخلها أحد إلا سجد له ، فكره أن يدخلها، فأتى حَمَّاما، فكان فيه قريبا من تلك المدينة، فكان يعمل فيه يؤاجر نفسه من صاحب الحمام ، ورأى صاحب الحمام في حمامه البركة ودرّ عليه الرزق، فجعل يعرض عليه الإسلام، وجعل يسترسل إليه، وعلقه فتية من أهل المدينة، وجعل يخبرهم خبر السماء والأرض وخبر الآخرة، حتى آمنوا به وصدّقوه، وكانوا على مثل حاله في حُسْن الهيئة ، وكان يشترط على صاحب الحمام أن الليل لي لا تحول بيني وبين الصلاة إذا حضرت ، فكان على ذلك حتى جاء ابن الملك بامرأة، فدخل بها الحمام، فعيره الحواريّ، فقال: أنت ابن الملك ، وتدخل معك هذه النكداء ، فاستحيا، فذهب فرجع مرّة أخرى، فقال له مثل ذلك، فسبه وانتهره ولم يلتفت حتى دخل ودخلت معه المرأة، فماتا في الحمام جميعا ، فأتي الملك، فقيل له: قتل صاحب الحمام ابنك، فالتُمس، فلم يقدر عليه هَربا، قال: من كان يصحبه؟ فسموا الفتية، فالتمسوا، فخرجوا من المدينة، فمروا بصاحب لهم في زرع له، وهو على مثل أمرهم، فذكروا أنهم التُمسوا، فانطلق معهم الكلب ، حتى أواهم الليل إلى الكهف، فدخلوه، فقالوا: نبيت ههنا الليلة ، ثم نصبح إن شاء الله فترون رأيكم، فضرب على آذانهم، فخرج الملك في أصحابه يتبعونهم حتى وجدوهم قد دخلوا الكهف ، فكلما أراد رجل أن يدخل أرعب، فلم يطق أحد أن يدخله، فقال قائل: أليس لو كنت قدرت عليهم قتلتهم؟ قال: بلى ، قال: فابن عليهم باب الكهف، ودعهم فيه يموتوا عطشا وجوعا، ففعل.
فَضَرَبْنَا عَلٰۤى اٰذَانِهِمْ فِی الْكَهْفِ سِنِیْنَ عَدَدًاۙ(۱۱)
تو ہم نے اس غار میں ان کے کے کانوں پر گنتی کے کئی برس تھپکا (ف۱۶)
القول في تأويل قوله تعالى : فَضَرَبْنَا عَلَى آذَانِهِمْ فِي الْكَهْفِ سِنِينَ عَدَدًا (11)يعني جل ثناؤه بقوله: (فَضَرَبْنَا عَلَى آذَانِهِمْ فِي الْكَهْفِ) : فضربنا على آذانهم بالنوم في الكهف : أي ألقينا عليهم النوم، كما يقول القائل لآخر: ضربك الله بالفالج، بمعنى ابتلاه الله به، وأرسله عليه. وقوله: (سِنِينَ عَدَدًا) يعني سنين معدودة، ونصب العدد بقوله (فَضَرَبْنَا).
ثُمَّ بَعَثْنٰهُمْ لِنَعْلَمَ اَیُّ الْحِزْبَیْنِ اَحْصٰى لِمَا لَبِثُوْۤا اَمَدًا۠(۱۲)
پھر ہم نے انھیں جگایا کہ دیکھیں (ف۱۷) دو گروہوں میں کون ان کے ٹھہرنے کی مدت زیادہ ٹھیک بتاتا ہے،
القول في تأويل قوله : ( ثُمَّ بَعَثْنَاهُمْ لِنَعْلَمَ أَيُّ الْحِزْبَيْنِ أَحْصَى ) يقول:ثم بعثنا هؤلاء الفتية الذين أوَوْا إلى الكهف بعد ما ضربنا على آذانهم فيه سنين عددا من رقدتهم، لينظر عبادي فيعلموا بالبحث، أيُّ الطائفتين اللتين اختلفتا في قدر مبلغ مكث الفتية في كهفهم رقودا ( أَحْصَى لِمَا لَبِثُوا أَمَدًا ) يقول:أصوب لقدر لبثهم فيه أمدا ، ويعني بالأمد: الغاية، كما قال النابغة:إلا لِمِثْلِكَ أوْ مَنْ أنْتَ سابِقُهُسَبْقَ الجَوَادِ ِإذا اسْتَوْلَى على الأمَدِ (6)وذُكر أن الذين اختلفوا في ذلك من أمورهم، قوم من قوم الفتية، فقال بعضهم: كان الحزبان جميعا كافرين. وقال بعضهم: بل كان أحدهما مسلما، والآخر كافرا.* ذكر من قال كان الحزبان من قوم الفتية: حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد ( أَيُّ الْحِزْبَيْنِ ) من قوم الفتية.حدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، بنحوه.حدثني القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد، مثله.حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله ( ثم بعثناهم لنعلم أي الحزبين أحصى لما لبثوا أمدا ) يقول: ما كان لواحد من الفريقين علم، لا لكفارهم ولا لمؤمنيهم.وأما قوله: (أمَدًا) فإن أهل التأويل اختلفوا في معناه، فقال بعضهم: معناه: بعيدا.* ذكر من قال ذلك:حدثني علي، قال: ثنا عبد الله، قال: ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس، قوله ( لِمَا لَبِثُوا أَمَدًا ) يقول: بعيدا.وقال آخرون: معناه: عددا.ذكر من قال ذلك: حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد (أمَدًا) قال: عددا.حدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله.حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد، مثله.وفي نصب قوله (أمَدًا) وجهان:أحدهما أن يكون منصوبا على التفسير من قوله (أحْصَى) كأنه قيل: أيّ الحزبين أصوب عددا لقدر لبثهم.وهذا هو أولى الوجهين في ذلك بالصواب، لأن تفسير أهل التفسير بذلك جاء.والآخر: أن يكون منصوبا بوقوع قوله (لَبِثُوا) عليه، كأنه قال: أيّ الحزبين أحصى للبثهم غاية.
نَحْنُ نَقُصُّ عَلَیْكَ نَبَاَهُمْ بِالْحَقِّؕ-اِنَّهُمْ فِتْیَةٌ اٰمَنُوْا بِرَبِّهِمْ وَ زِدْنٰهُمْ هُدًىۗۖ(۱۳)
ہم ان کا ٹھیک ٹھیک حال تمہیں سنائیں، وہ کچھ جوان تھے کہ اپنے رب پر ایمان لائے اور ہم نے ان کو ہدایت بڑھائی،
القول في تأويل قوله تعالى : نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ نَبَأَهُمْ بِالْحَقِّ إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى (13)يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم:نحن يا محمد نقص عليك خبر هؤلاء الفتية الذين أوَوْا إلى الكهف بالحق، يعني: بالصدق واليقين الذي لا شك فيه (إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ) يقول: إن الفتية الذين أوَوْا إلى الكهف الذين سألك عن نبئهم الملأ من مشركي قومك، فتية آمنوا بربهم، (وَزِدْنَاهُمْ هُدًى) يقول: وزدناهم إلى إيمانهم بربهم إيمانا، وبصيرة بدينهم، حتى صبروا على هجران دار قومهم، والهرب من بين أظهرهم بدينهم إلى الله ، وفراق ما كانوا فيه من خفض العيش ولينه، إلى خشونة المكث في كهف الجبل.
وَّ رَبَطْنَا عَلٰى قُلُوْبِهِمْ اِذْ قَامُوْا فَقَالُوْا رَبُّنَا رَبُّ السَّمٰوٰتِ وَ الْاَرْضِ لَنْ نَّدْعُوَاۡ مِنْ دُوْنِهٖۤ اِلٰهًا لَّقَدْ قُلْنَاۤ اِذًا شَطَطًا(۱۴)
اور ہم نے ان کی ڈھارس بندھائی جب (ف۱۸) کھڑے ہوکر بولے کہ ہمارا رب وہ ہے جو آسمان اور زمین کا رب ہے ہم اس کے سوا کسی معبود کو نہ پوجیں گے ایسا ہو تو ہم نے ضرور حد سے گزری ہوئی بات کہی،
القول في تأويل قوله : ( وَرَبَطْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ ) يقول عز ذكره:وألهمناهم الصبر، وشددنا قلوبهم بنور الإيمان حتى عزفت أنفسهم عما كانوا عليه من خفض العيش.كما حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد عن قتادة ( وَرَبَطْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ ) يقول: بالإيمان.قوله: ( إِذْ قَامُوا فَقَالُوا رَبُّنَا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ ) يقول: حين قاموا بين يدي الجبار دقينوس، فقالوا له إذ عاتبهم على تركهم عبادة آلهته ( رَبُّنَا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ ) يقول: قالوا ربنا ملك السماوات والأرض وما فيهما من شيء، وآلهتك مربوبة، وغير جائز لنا أن نترك عبادة الربّ ونعبد المربوب ( لَنْ نَدْعُوَ مِنْ دُونِهِ إِلَهًا ) يقول: لن ندعو من دون ربّ السموات والأرض إلها، لأنه لا إله غيره، وإن كلّ ما دونه فهو خلقه ( لَقَدْ قُلْنَا إِذًا شَطَطًا ) يقول جل ثناؤه: لئن دعونا إلها غير إله السماوات والأرض، لقد قلنا إذن بدعائنا غيره إلها، شططا من القول: يعني غاليا من الكذب، مجاوزا مقداره في البطول والغلوّ: كما قال الشاعر:ألا يا لَقَوْمي قد أشْطَتْ عَوَاذِليويزْعُمْنَ أنْ أوْدَى بِحَقِّي باطلي (7)يقال منه: قد أشط فلان في السوم إذا جاوز القدر وارتفع، يشط إشطاطا وشططا. فأما من البعد فإنما يقال: شط منزل فلان يشطّ شطوطا ، ومن الطول: شطت الجارية تشطّ شطاطا وشطاطة: إذا طالت.وبنحو الذي قلنا في تأويل قوله (شَطَطا) قال أهل التأويل.ذكر من قال ذلك: حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله ( لَقَدْ قُلْنَا إِذًا شَطَطًا ) يقول كذبا.حدثنا يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله ( لَقَدْ قُلْنَا إِذًا شَطَطًا ) قال: لقد قلنا إذن خطأ، قال: الشطط: الخطأ من القول.
هٰۤؤُلَآءِ قَوْمُنَا اتَّخَذُوْا مِنْ دُوْنِهٖۤ اٰلِهَةًؕ-لَوْ لَا یَاْتُوْنَ عَلَیْهِمْ بِسُلْطٰنٍۭ بَیِّنٍؕ-فَمَنْ اَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرٰى عَلَى اللّٰهِ كَذِبًاؕ(۱۵)
یہ جو ہماری قوم ہے اس نے اللہ کے سوا خدا بنا رکھے ہیں، کیوں نہیں لاتے ان پر کوئی روشن سند، تو اس سے بڑھ کر ظالم کون جو اللہ پر جھوٹ باندھے (ف۱۹)
القول في تأويل قوله تعالى : هَؤُلاءِ قَوْمُنَا اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً لَوْلا يَأْتُونَ عَلَيْهِمْ بِسُلْطَانٍ بَيِّنٍ فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا (15)يقول عز ذكره مخبرا عن قيل الفتية من أصحاب الكهف: هؤلاء قومنا اتخذوا من دون الله آلهة يعبدونها من دونه ( لَوْلا يَأْتُونَ عَلَيْهِمْ بِسُلْطَانٍ بَيِّنٍ ) يقول: هلا يأتون على عبادتهم إياها بحجة بينة ، وفي الكلام محذوف اجتزئ بما ظهر عما حذف، وذلك في قوله: ( لَوْلا يَأْتُونَ عَلَيْهِمْ بِسُلْطَانٍ بَيِّنٍ ) فالهاء والميم في " عليهم " من ذكر الآلهة، والآلهة لا يؤتى عليها بسلطان، ولا يسأل السلطان عليها، وإنما يسأل عابدوها السلطان على عبادتهموها، فمعلوم إذ كان الأمر كذلك، أن معنى الكلام: لولا يأتون على عبادتهموها، واتخاذهموها آلهة من دون الله بسلطان بين.وبنحو ما قلنا في معنى السلطان، قال أهل التأويل.* ذكر من قال ذلك:حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله ( لَوْلا يَأْتُونَ عَلَيْهِمْ بِسُلْطَانٍ بَيِّنٍ ) يقول: بعذر بين.وعنى بقوله عز ذكره: ( فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا )ومن أشدّ اعتداء وإشراكا بالله، ممن اختلق، فتخرّص على الله كذبا، وأشرك مع الله في سلطانه شريكا يعبده دونه، ويتخده إلها.--------------------------------------------------------------------------------الهوامش:(1) البيت غير منسوب. واللقاح : هي النوق ذوات اللبن ، تنتج في أول الربيع فتكون لقاحا ، واحدتها لقحة ( بفتح اللام وكسرها ) فلا تزال لقاحا حتى يدبر الصيف عنها . ( انظر اللسان: لقح ) . وتروحت : عادت من مراعيها إلى مراحها. أو تروحت : أصابتها الريح . والهدج ( بسكون الدال ) مصدر هدج يهدج هدجا وهدجانا ، وهو المشي الرويد في ضعف . يقال : هدج الظليم يهدج هدجانا والرئال : جمع رأل ، وهو ولد النعام ، وخص بعضهم به الحولي . ويقال في جمعه : أرؤل ، ورئلان ، ورئال ، ورئالة ( اللسان : رأل ) وتكبهن: تلقيهن على صدورهن في الأرض. والشمال : الريح تهب من جهة الشمال . شبه سير اللقاح في رجوعها إلى مراحها بهدجال الرئال ، وهو مشي ضعيف يريد أن اللقاح في ذلك الوقت تهدج في سيرها هدج الرئال حين تسوقهن ريح الشمال .والشاهد في قوله : تكبهن شمالا ، فإن شمالا منصوب على التمييز ، وهو محول عن الفاعل . والأصل تكبهن شمال . وهو نظير نصب كلمة من قوله تعالى : ( كَبُرَتْ كَلِمَةً ) فإن كلمة منصوبة على التمييز ، وهو تمييز نسبة محول عن الفاعل والأصل كبرت كلمة ( بالرفع ).(2) البيت في ديوان ذي الرمة طبع كيمبردج سنة 1919 ص 251 من القصيدة الثانية والثلاثين وعدتها ثمانية وسبعون بيتا. والباخع القاتل : ونحته عدلته وصرفته . والبيت من شواهد أبي عبيدة في مجاز القرآن ( 1: 393 ) قال : " فلعلك باخع نفسك " : مهلك نفسك . قال ذو الرمة : " ألا أيهذا ... " البيت.أي نحته مشدد. ويقال بخعت له نفسي ونصحي : أي جهدت له وقال الفراء في معاني القرآن ( الورقة 183 من مصورة الجامعة رقم 24059 ) باخع نفسك مخرج ، وقاتل نفسك .أه وفي ( اللسان بخع ) نفسه يبخعها بخعا وبخوعا : قتلها غيظا أو غما . وفي التنزيل ( فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ عَلَى آثَارِهِمْ ) قال الفراء : أي محرج نفسك ، وقاتل نفسك . وقال ذو الرمة " ألا يهذأ ...بشيء... " البيت . وقال الأخفش : بخعت لك نفسي ونصحي : أي جهدتها . أبخع بخوعا.(3) البيت من مشطور الرجز . وهو من شواهد أبي عبيدة في (مجاز القرآن 1 : 394) قال جرزا : أي غلظا لا ينبت شيئا ، والجميع : أرضون أجراز . ويقال للسنة المجدبة : جرز ، وسنون أجراز، ولجدوبها ، ويبسها، وقلة مطرها . ثم أنشد بيتا لذي الرمة ، ثم بيت الشاهد ، والبيت أيضا من شواهد ( اللسان : جرز ) قال : وسنة جرز : إذا كانت جدبة . والجرز السنة المجدبة قال الراجز : " قد جرفتهن ..." البيت ، ومعنى وجرفتهن : أي ذهبت بهن كلهن أو جلهن . والضمير راجع إلى إبله . ويجوز أن يكون معنى جرفتهن بالتشديد : هزلتهن ، وذهبت بما فيهن من شحم ولحم ، ولقلة المرعى.(4) شعيب الجبئي : هو شعيب بن الأسود الجبئي المحدث من أقران طاووس ، أخذ العلم عنه محمد بن إسحاق وسلمة بن وهران . وهو منسوب إلى الجبأ ، بالهمز والقصر ، كما قال الهمداني في صفة جزيرة العرب في مواضع ، وهو كورة المعافر ، بالقرب من الجند ( انظر معجم ما استعجم للبكري ، طبعة القاهرة ، في رسم الجبأ ص 360 ) .(5) قال القرطبي في تفسيره (10: 360) وأما أسماء أهل الكهف فأعجمية ، والسند في معرفتها واه ، ونقلها عن الطبري .(6) البيت للنابغة الذبياني ، في ( مختار الشعر الجاهلي ، بشرح مصطفى السقا ، طبعة مصطفى البابي الحلبي وأولاده ص 152 ) من قصيدته التي مطلعها: يا دار مية بالعلياء فالسندوهي خمسون بيتا ، والشاهد هو السادس والعشرون منها . قال شارحه: الأمد الغاية التي تجري إليها ( وعلى هذا استشهد المؤلف ) يقول : لا تنطو على حقد وغضب ، إلا لمن هو مثلك في الناس ، أو قريب منك.(7) البيت للأحوص بن محمد . وهو من شواهد أبي عبيدة في ( مجاز القرآن 1 : 394 ) قال : ( قُلْنَا إِذًا شَطَطًا ) : أي جورا وغلوا ، قال ألا يا لقوم قد أشطت عواذلي...البيت وذكر بعده بيتا آخر وهو:وَيَلْحَيْنِي في اللَّهْوِ أنْ لا أُحِبُّهُوللَّهْوِ داعٍ دائِبٌ غيرُ غافِلِوفي ( اللسان : شطط ) : الشطط : مجاوزة القدر في بيع أو طلب أو احتكام أو غير ذلك من كل مشتق منه . أه . وقال : وشط في سلعته وأشط : جاوز القدر ، وتباعد عن الحق . وشط عليه في حكمه يشط شططا. واشتط ، وأشط : جار في قضيته . وقال أبو عبيدة : شططت أشط، بضم الشين ، وأشططت : جرت . قال ابن بري : أشط : بمعنى أبعد، وشط بمعنى بعد . وشاهد أشط بمعنى أبعد ، قول الأحوص : * ألا لقومي قد أشطت عواذلي *...البيت.
وَ اِذِ اعْتَزَلْتُمُوْهُمْ وَ مَا یَعْبُدُوْنَ اِلَّا اللّٰهَ فَاْوٗۤا اِلَى الْكَهْفِ یَنْشُرْ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِّنْ رَّحْمَتِهٖ وَ یُهَیِّئْ لَكُمْ مِّنْ اَمْرِكُمْ مِّرْفَقًا(۱۶)
اور جب تم ان سے اور جو کچھ وہ اللہ سوا پوجتے ہیں سب سے الگ ہوجاؤ تو غار میں پناہ لو تمہارا رب تمہارے لیے اپنی رحمت پھیلادے گا اور تمہارے کام میں آسانی کے سامان بنادے گا،
القول في تأويل قوله تعالى : وَإِذِ اعْتَزَلْتُمُوهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ إِلا اللَّهَ فَأْوُوا إِلَى الْكَهْفِ يَنْشُرْ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيُهَيِّئْ لَكُمْ مِنْ أَمْرِكُمْ مِرْفَقًا (16)يقول تعالى ذكره مخبرا عن قيل بعض الفتية لبعض:وإذا اعتزلتم أيها الفتية قومكم الذين اتخذوا من دون الله آلهة ( وَمَا يَعْبُدُونَ إِلا اللَّهَ ) يقول: وإذا اعتزلتم قومكم الذين يعبدون من الآلهة سوى الله، ف " ما " إذ كان ذلك معناه في موضع نصب عطفا لها على الهاء، والميم التي في قوله ( وَإِذِ اعْتَزَلْتُمُوهُمْ )وبنحو الذي قلنا في ذلك، قال أهل التأويل.* ذكر من قال ذلك:حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله ( وَإِذِ اعْتَزَلْتُمُوهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ إِلا اللَّهَ ) وهي في مصحف عبد الله: " ومَا يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ الله " هذا تفسيرها.وأما قوله: ( فَأْوُوا إِلَى الْكَهْفِ ) فإنه يعني به:فصيروا إلى غار الجبل الذي يسمى بنجلوس، ( يَنْشُرْ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ ) يقول: يبسط لكم ربكم من رحمته بتيسيره لكم المخرج من الأمر الذي قد رُمِيتم به من الكافر دقينوس وطلبه إياكم لعرضكم على الفتنة.وقوله: ( فَأْوُوا إِلَى الْكَهْفِ ) جواب ل " إذ " ، كأن معنى الكلام: وإذ اعتزلتم أيها القوم قومكم، فأْوُوا إلى الكهف ، كما يقال: إذ أذنبت فاستغفر الله وتب إليه.وقوله: ( وَيُهَيِّئْ لَكُمْ مِنْ أَمْرِكُمْ مِرفَقًا ) يقول: وييسر لكم من أمركم الذي أنتم فيه من الغمِّ والكرب خوفا منكم على أنفسكم ودينكم مرفقا، ويعني بالمرفق: ما ترتفقون به من شيء، وفي المرفق من اليد وغير اليد لغتان: كسر الميم وفتح الفاء، وفتح الميم وكسر الفاء ، وكان الكسائي يُنكر في مِرْفَق الإنسان الذي في اليد إلا فتح الفاء وكسر الميم ، وكان الفرّاء يحكي فيهما، أعني في مرفق الأمر واليد اللغتين كلتيهما، وكان ينشد في ذلك قول الشاعر:بت أجافي مرفقا عن مرفقي (1)ويقول: كسر الميم فيه أجود.وكان بعض نحويي أهل البصرة يقول في قوله: ( مِنْ أَمْرِكُمْ مِرفَقًا ) شيئا ترتفقون به مثل المقطع، ومرفقا جعله اسما كالمسجد، ويكون لغة، يقولون: رفق يرفق مرفقا، وإن شئت مرفقا تريد رفقا ولم يُقْرأ.وقد اختلفت القراء في قراءة ذلك. فقرأته عامة قراء أهل المدينة: " وَيُهَيِّئْ لَكُمْ مِنْ أمْرِكُمْ مِرْفَقا " بفتح الميم وكسر الفاء، وقرأته عامة قراء العراق في المصرين (مِرْفَقا) بكسر الميم وفتح الفاء.والصواب من القول في ذلك أن يقال: إنهما قراءتان بمعنى واحد، قد قرأ بكل واحدة منهما قراء من أهل القرآن، فبأيتهما قرأ القارئ فمصيب ، غير أن الأمر وإن كان كذلك، فإن الذي أختار في قراءة ذلك: ( وَيُهَيِّئْ لَكُمْ مِنْ أَمْرِكُمْ مِرفَقًا ) بكسر الميم وفتح الفاء، لأن ذلك أفصح اللغتين وأشهرهما في العرب، وكذلك ذلك في كل ما ارتفق به من شيء.------------------------الهوامش:(1) هذا بيت من الرجز ، استشهد به المؤلف على أن المرفق الذي يرتفق بع وينتفع : يجوز فيه فتح الميم مع كسر الراء وكسر الميم مع فتح . وكذلك مرفق اليدين ، وهو موافق لما قاله الفراء في معاني القرآن ( الورقة 184 من مصورة الجامعة ) قال : وقوله "من أمركم مرفقا " كسر الميم الأعمش والحسن ، ونصبها أهل المدينة وعاصم ، فكأن الذين فتحوا الميم وكسروا الفاء ، أرادوا أن يفرقوا بين المرفق من الأمر ، والمرفق من الإنسان . وأكثر العرب على كسر الميم من الأمر ومن الإنسان. والعرب أيضا تفتح الميم من مرفق الإنسان، لغتان فيهما . أه أما أبو عبيدة في مجاز القرآن ( 1 : 95 ذ) فإنه قال : المرفق : ما ارتفق به ، ويقرؤه قوم مرفقا ( أي بالفتح ) فأما في اليدين فهو مرفق . ولم أجد هذا الشاهد عند الفراء ، ولا عند أبي عبيدة ، ولا في لسان العرب . ومعنى أجافي : أبعد.
وَ تَرَى الشَّمْسَ اِذَا طَلَعَتْ تَّزٰوَرُ عَنْ كَهْفِهِمْ ذَاتَ الْیَمِیْنِ وَ اِذَا غَرَبَتْ تَّقْرِضُهُمْ ذَاتَ الشِّمَالِ وَ هُمْ فِیْ فَجْوَةٍ مِّنْهُؕ-ذٰلِكَ مِنْ اٰیٰتِ اللّٰهِؕ-مَنْ یَّهْدِ اللّٰهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِۚ-وَ مَنْ یُّضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهٗ وَلِیًّا مُّرْشِدًا۠(۱۷)
اور اے محبوب! تم سورج کو دیکھو گے کہ جب نکلتا ہے تو ان کے غار سے داہنی طرف بچ جاتا ہے اور جب ڈوبتا ہے تو ان سے بائیں طرف کترا جاتا ہے (ف۲۰) حالانکہ وہ اس غار کے کھلے میدان میں میں ہیں (ف۲۱) یہ اللہ کی نشانیوں میں سے ہے جسے اللہ راہ دے تو وہی راہ پر ہے، اور جسے گمراہ کرے تو ہرگز اس کا کوئی حمایتی راہ دکھانے والا نہ پاؤ گے،
القول في تأويل قوله تعالى : وَتَرَى الشَّمْسَ إِذَا طَلَعَتْ تَزَاوَرُ عَنْ كَهْفِهِمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَإِذَا غَرَبَتْ تَقْرِضُهُمْ ذَاتَ الشِّمَالِ وَهُمْ فِي فَجْوَةٍ مِنْهُ ذَلِكَ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ مَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا مُرْشِدًا (17)يقول تعالى ذكره ( وَتَرَى الشَّمْسَ ) يا محمد ( إِذَا طَلَعَتْ تَزَاوَرُ عَنْ كَهْفِهِمْ ذَاتَ الْيَمِينِ ) يعني بقوله: ( تَزَاوَرُ ) : تعدل وتميل، من الزور: وهو الْعَوج والميل ، يقال منه: في هذه الأرض زَوَر: إذا كان فيها اعوجاج، وفي فلان عن فلان ازورار، إذا كان فيه عنه إعراض ، ومنه قول بشر بن أبي خازم:يَؤُمُّ بِها الحُدَاةُ مِياهَ نَخْلٍوفيها عَنْ أبانَين ازْوِرَارُ (2)يعني: إعراضا وصدا.وقد اختلفت القرّاء في قراءة ذلك، فقرأته عامَّة قرّاء المدينة ومكة والبصرة: " تزَّاور " بتشديد الزاي، بمعنى: تتزاور بتاءين، ثم أدغم إحدى التاءين في الزاي، كما قيل: تظَّاهرون عليهم. وقرأ ذلك عامة قراء الكوفيين: (تَزَاوَرُ) بتخفيف التاء والزاي، كأنه عنى به تفاعل من الزور ، ورُوي عن بعضهم: " تَزْوَرّ" بتخفيف التاء وتسكين الزاي وتشديد الراء مثل تحمرُّ، وبعضهم : تَزْوَارّ: مثل تحمارّ.والصواب من القول في قراءه ذلك عندنا أن يقال: إنهما قراءتان، أعني (تَزَاوَرُ) بتخفيف الزاي، و (تزَّاوَرُ) بتشديدها معروفتان، مستفيضة القراءة بكلّ واحدة منهما في قرّاء الأمصار، متقاربتا المعنى، فبأيتهما قرأ القارئ فمصيب الصواب. وأما القراءتان الأخريان فإنهما قراءتان لا أرى القراءة بهما، وإن كان لهما في العربية وجه مفهوم، لشذوذهما عما عليه قرأة الأمصار.وبنحو الذي قلنا في تأويل قوله ( تَزَاوَرُ عَنْ كَهْفِهِمْ ) قال أهل التأويل.* ذكر من قال ذلك:حدثنا محمد بن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن بن مهدي، قال: ثنا محمد بن أبي الوضاح، عن سالم الأفطس، عن سعيد بن جبير ، قال: ( وَتَرَى الشَّمْسَ إِذَا طَلَعَتْ تَزَاوَرُ عَنْ كَهْفِهِمْ ذَاتَ الْيَمِينِ ) قال: تميل.حدثني علي، قال: ثنا عبد الله، قال: ثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس ( تَزَاوَرُ عَنْ كَهْفِهِمْ ذَاتَ الْيَمِينِ ) يقول: تميل عنهم.حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله: ( وَتَرَى الشَّمْسَ إِذَا طَلَعَتْ تَزَاوَرُ عَنْ كَهْفِهِمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَإِذَا غَرَبَتْ تَقْرِضُهُمْ ذَاتَ الشِّمَالِ ) يقول: تميل عن كهفهم يمينا وشمالا.حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة ، قوله: ( وَتَرَى الشَّمْسَ إِذَا طَلَعَتْ تَزَاوَرُ عَنْ كَهْفِهِمْ ذَاتَ الْيَمِينِ ) يقول: تميل ذات اليمين، تدعهم ذات اليمين.حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزّاق، قال: أخبرنا معمر، عن قتادة، في قوله ( تَزَاوَرُ عَنْ كَهْفِهِمْ ذَاتَ الْيَمِينِ ) قال: تميل عن كهفهم ذات اليمين.حُدثت عن يزيد بن هارون، عن سفيان بن حسين، عن يعلى بن مسلم، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، قال: لو أن الشمس تطلع عليهم لأحرقتهم، ولو أنهم لا يقلَّبون لأكلتهم الأرض، قال: وذلك قوله: ( وَتَرَى الشَّمْسَ إِذَا طَلَعَتْ تَزَاوَرُ عَنْ كَهْفِهِمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَإِذَا غَرَبَتْ تَقْرِضُهُمْ ذَاتَ الشِّمَالِ ).حدثني محمد بن سنان القزاز، قال: ثنا موسى بن إسماعيل، قال: ثنا محمد بن مسلم بن أبي الوضاح، عن سالم الأفطس، عن سعيد بن جبير، قال: ( تَزَاوَرُ عَنْ كَهْفِهِمْ ) تميل.وقوله: ( وَإِذَا غَرَبَتْ تَقْرِضُهُمْ ذَاتَ الشِّمَالِ ) يقول تعالى ذكره:وإذا غربت الشمس تتركهم من ذات شمالهم. وإنما معنى الكلام: وترى الشمس إذا طلعت تعدل عن كهفهم، فتطلع عليه من ذات اليمين، لئلا تصيب الفتية، لأنها لو طلعت عليهم قبالهم لأحرقتهم وثيابهم، أو أشحبتهم ، وإذا غربت تتركهم بذات الشمال، فلا تصيبهم ، يقال منه:قرضت موضع كذا: إذا قطعته فجاوزته ، وكذلك كان يقول بعض أهل العلم بكلام العرب من أهل البصرة ، وأما الكوفيون فإنهم يزعمون أنه المحاذاة، وذكروا أنهم سمعوا من العرب قرضته قُبُلا ودبرا، وحذوته ذات اليمين والشمال، وقُبلا ودبرا: أي كنت بحذائه ، قالوا: والقرض والحذو بمعنى واحد ، وأصل القرض: القطع، يقال منه: قرضت الثوب: إذا قطعته ، ومنه قيل للمقراض: مقراض، لأنه يقطع ، ومنه قرض الفأر الثوب ، ومنه قول ذي الرُّمَّة:إلى ظُعْن يَقْرِضْنَ أجْوَاز مُشْرِفٍشِمالا وعن أيمانِهنَّ الفوارِسُ (3)يعنى بقوله: يَقْرِضْنَ: يقطعن.وبنحو ما قلنا في ذلك، قال أهل التأويل.* ذكر من قال ذلك:حدثني عليّ، قال: ثني أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس، قوله: ( وَإِذَا غَرَبَتْ تَقْرِضُهُمْ ذَاتَ الشِّمَالِ ) يقول : تذرهم.حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا محمد بن أبي الوضاح، عن سالم الأفطس، عن سعيد بن جبير، قال ( وَإِذَا غَرَبَتْ تَقْرِضُهُمْ ) تتركهم ذات الشمال.حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى ، وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قول الله عز وجل: (تَقْرِضُهُمْ) قال: تتركهم.حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد، مثله.حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة ( وَإِذَا غَرَبَتْ تَقْرِضُهُمْ ذَاتَ الشِّمَالِ ) يقول: تدعهم ذات الشمال.حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا مَعْمر، عن قتادة، قوله: ( تَقْرِضُهُمْ ذَاتَ الشِّمَالِ ) قال: تدعهم ذات الشمال.حدثنا ابن سنان القَزّاز، قال: ثنا موسى بن إسماعيل، قال: أخبرنا محمد بن مسلم بن أبي الوضَّاح عن سالم، عن سعيد بن جبير ( وَإِذَا غَرَبَتْ تَقْرِضُهُمْ ) قال: تتركهم.وقوله: ( وَهُمْ فِي فَجْوَةٍ مِنْهُ ) يقول: والفتية الذين أووا إليه في متسع منه يُجْمَع: فَجَوات، وفِجَاء ممدودا.وبنحو الذي قلنا في ذلك ، قال أهل التأويل.* ذكر من قال ذلك:حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة ( وَهُمْ فِي فَجْوَةٍ مِنْهُ ) يقول: في فضاء من الكهف، قال الله ذَلِكَ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ ).حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا محمد بن أبي الوضاح، عن سالم الأفطس، عن سعيد بن جبير ( وَهُمْ فِي فَجْوَةٍ مِنْهُ ) قال: المكان الداخل.حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا سفيان، عن منصور، عن مجاهد ( وَهُمْ فِي فَجْوَةٍ مِنْهُ ) قال: المكان الذاهب.حدثني ابن سنان، قال: ثنا موسى بن إسماعيل، قال: ثنا محمد بن مسلم أبو سعيد بن أبي الوضَّاح، عن سالم الأفطس، عن سعيد بن جبير ( فِي فَجْوَةٍ مِنْهُ ) قال: في مكان داخل.وقوله: (ذلك من آيات الله) يقول عز ذكره:فعلنا هذا الذي فعلنا بهؤلاء الفتية الذين قصصنا عليكم أمرهم من تصييرناهم، إذ أردنا أن نضرب على آذانهم بحيث تزاور الشمس عن مضاجعهم ذات اليمين إذا هي طلعت، وتقرضهم ذات الشمال إذا هي غَرَبت، مع كونهم في المتسع من المكان، بحيث لا تحرْقهم الشمس فتُشحبهم، ولا تبلى على طول رقدتهم ثيابهم، فتعفَّن على أجسادهم، من حجج الله وأدلته على خلقه، والأدلة التي يستدل بها أولو الألباب على عظيم قدرته وسلطانه، وأنه لا يعجزه شيء أراده ، وقوله ( مَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ ) يقول عزّ وجلّ: من يوفقه الله للاهتداء بآياته وحججه إلى الحق التي جعلها أدلة عليه، فهو المهتدي : يقول: فهو الذي قد أصاب سبيل الحقّ( وَمَنْ يُضْلِلِ ) يقول: ومن أضله الله عن آياته وأدلته ، فلم يوفقه للاستدلال بها على سبيل الرشاد ( فَلَنْ تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا مُرْشِدًا ) يقول: فلن تجد له يا محمد خليلا وحليفا يرشده لإصابتها، لأن التوفيق والخِذْلان بيد الله، يوفق من يشاء من عباده، ويخذل من أراد ، يقول: فلا يَحْزنُك إدبار من أدبر عنك من قومك وتكذيبهم إياك ، فإني لو شئت هديتهم فآمنوا، وبيدي الهداية والضلال.------------------------الهوامش:(2) البيت لبشر بن خازم . ذكره البكري في معجم ما استعجم طبع القاهرة ( لجنة التأليف ، بتحقيق مصطفى السقا) في رسم "أبان" . قال : أبان جبل . وهما أبانان : أبان الأبيض وأبان الأسود ، بينهما فرسخ ، ووادي الرمة يقطع بينهما . فأبان الأبيض لبني جريد من بني فزارة خاصة ، والأسود لبني والبة ، من بني الحارث بن ثعلبة بن دودان بن أسد .وقال بشر فيهما وفيها عن أبانين ازورار. وقال الأصمعي : أراد أبانا ، فثناه للضرورة . ونخل ، كما في معجم ما استعجم : على لفظ جمع نخلة ، وقال يعقوب : هي قرية بواد يقال له شدخ ، لفزارة وأشجع وأنمار وقريش والأنصار ... على ليلتين من المدينة . أو هي ماء بين القصة والثاملية . ويؤم بها : يقصد بها بالإبل ، والحداة : جمع حاد وهو سائق الإبل يحدو بها ، ويغني لها. والازورار : الميل والعدول والإعراض عن الشيء ، كما استشهد به المؤلف عند قوله تعالى: ( تزاور عن كهفهم ) أي تميل عنه وتنحرف.(3) البيت في ديوان ذي الرمة طبع كيمبردج سنة 1919 ص 313 من القصيدة رقم 41 ، وعدة أبياتها 51 بيتا . أي نظرت إلى ظعن يقرضن أي يملن عنها . والفوارس : رمال بالدهناء . والبيت من شواهد أبي عبيدة في ( مجاز القرآن : 1 : 396 ) ، قال : " تقرضهم ذات الشمال ، أي تخلفهم شمالا ، وتجاوزهم وتقطعهم ، وتتركهم عن شمالها . ويقال : هل مررت بمكان كذا وكذا ؟ فيقول المسئول : قرضته ذات اليمين ليلا . وقال ذو الرمة : إلى ظعن يقرضن أجواز مشرف... البيت . ومشرف والفوارس : موضعان بنجد ، كما في معجم ما استعجم ، وأنشد البيت في رسم الفوارس ، ونسبه إلى ذي الرمة . والظعن : جمع ظعينة ، وهي المرأة في الهودج على جملها أو ناقتها .
وَ تَحْسَبُهُمْ اَیْقَاظًا وَّ هُمْ رُقُوْدٌ ﳓ وَّ نُقَلِّبُهُمْ ذَاتَ الْیَمِیْنِ وَ ذَاتَ الشِّمَالِ ﳓ وَ كَلْبُهُمْ بَاسِطٌ ذِرَاعَیْهِ بِالْوَصِیْدِؕ-لَوِ اطَّلَعْتَ عَلَیْهِمْ لَوَلَّیْتَ مِنْهُمْ فِرَارًا وَّ لَمُلِئْتَ مِنْهُمْ رُعْبًا(۱۸)
اور تم انھیں جاگتا سمجھو (ف۲۲) اور وہ سوتے ہیں اور ہم ان کی داہنی بائیں کروٹیں بدلتے ہیں (ف۲۳) اور ان کا کتا اپنی کلائیاں پھیلائے ہوئے ہے غار کی چوکھٹ پر (ف۲۴) اے سننے! والے اگر تو انہیں جھانک کر دیکھے تو ان سے پیٹھ پھیر کر بھاگے اور ان سے ہیبت میں بھر جائے (ف۲۵)
القول في تأويل قوله تعالى : وَتَحْسَبُهُمْ أَيْقَاظًا وَهُمْ رُقُودٌ وَنُقَلِّبُهُمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَذَاتَ الشِّمَالِ وَكَلْبُهُمْ بَاسِطٌ ذِرَاعَيْهِ بِالْوَصِيدِ لَوِ اطَّلَعْتَ عَلَيْهِمْ لَوَلَّيْتَ مِنْهُمْ فِرَارًا وَلَمُلِئْتَ مِنْهُمْ رُعْبًا (18)يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: وتحسب يا محمد هؤلاء الفتية الذين قصصنا عليك قصتهم، لو رأيتهم في حال ضربنا على آذانهم في كهفهم الذي أووا إليه أيقاظا. والأيقاظ: جمع يَقِظ ، ومنه قول الراجز:وَوَجدُوا إخْوَتهُمْ أيْقاظاوسَيْفَ غَيَّاظٍ لَهُمْ غَيَّاظا (4)وقوله: ( وَهُمْ رُقُودٌ ) يقول: وهم نيام ، والرقود: جمع راقد، كالجلوس: جمع جالس، والقعود: جمع قاعد ، وقوله وَنُقَلِّبُهُمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَذَاتَ الشِّمَالِ ) يقول جل ثناؤه: ونقلب هؤلاء الفتية في رقدتهم مرّة للجنب الأيمن، ومرّة للجنب الأيسر.كما حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة ، قوله ( وَنُقَلِّبُهُمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَذَاتَ الشِّمَالِ ) وهذا التقليب في رقدتهم الأولى ، قال: وذكر لنا أن أبا عياض قال: لهم في كل عام تقليبتان.حُدثت عن يزيد، قال: أخبرنا سفيان بن حسين، عن يعلى بن مسلم عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس ( وَنُقَلِّبُهُمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَذَاتَ الشِّمَالِ ) قال: لو أنهم لا يقلَّبون لأكلتهم الأرض.وقوله: ( وَكَلْبُهُمْ بَاسِطٌ ذِرَاعَيْهِ بِالْوَصِيدِ ) اختلف أهل التأويل في الذي عنى الله بقوله: ( وَكَلْبُهُمْ بَاسِطٌ ذِرَاعَيْهِ ) فقال بعضهم: هو كلب من كلابهم كان معهم ، وقد ذكرنا كثيرا ممن قال ذلك فيما مضى ، وقال بعضهم: كان إنسانا (5) من الناس طباخا لهم تَبِعهم.وأما الوصيد، فإن أهل التأويل اختلفوا في تأويله، فقال بعضهم: هو الفناء.* ذكر من قال ذلك:حدثني عليّ، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس، قوله: (بالوَصِيد) يقول: بالفِناء.حدثنا محمد بن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن بن مَهديّ، قال: ثنا محمد بن أبي الوضَّاح، عن سالم الأفطس، عن سعيد بن جبير ( وَكَلْبُهُمْ بَاسِطٌ ذِرَاعَيْهِ بِالْوَصِيدِ ) قال: بالفناء.حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى ، وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد (بالوَصِيد) قال: بالفناء.حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد (بالوَصِيد) قال: بالفناء. قال ابن جريج: يمسك باب الكهف.حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة ( وَكَلْبُهُمْ بَاسِطٌ ذِرَاعَيْهِ بِالْوَصِيدِ ) يقول: بفناء الكهف.حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن قتادة، قوله: (بالوَصِيد) قال: بفناء الكهف.حُدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: ثنا عبيد بن سليمان، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: (بالوَصِيد) قال: يعني بالفناء.وقال آخرون: الوَصِيد: الصعيد.* ذكر من قال ذلك:حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله: ( وَكَلْبُهُمْ بَاسِطٌ ذِرَاعَيْهِ بِالْوَصِيدِ ) يعني فناءهم، ويقال: الوصيد: الصعيد.حدثنا ابن حميد، قال: ثنا يعقوب، عن هارون، عن عنترة ، عن سعيد بن جبير، في قوله: ( وَكَلْبُهُمْ بَاسِطٌ ذِرَاعَيْهِ بِالْوَصِيدِ ) قال : الوصيد: الصعيد.حدثنا ابن حميد، قال: ثنا الحكم بن بشير، عن عمرو، في قوله: ( وَكَلْبُهُمْ بَاسِطٌ ذِرَاعَيْهِ بِالْوَصِيدِ ) قال: الوصيد: الصعيد، التراب.وقال آخرون: الوصيد الباب.* ذكر من قال ذلك:حدثني زكريا بن يحيى بن أبي زائدة، قال: ثنا أبو عاصم ، عن شبيب، عن عكرمة، عن ابن عباس ( وَكَلْبُهُمْ بَاسِطٌ ذِرَاعَيْهِ بِالْوَصِيدِ ) قال: بالباب، وقالوا بالفناء.وأولى الأقوال في ذلك بالصواب، قول من قال: الوصيد: الباب، أو فناء الباب حيث يغلق الباب، وذلك أن الباب يُوصَد، وإيصاده: إطباقه وإغلاقه من قول الله عز وجل: إِنَّهَا عَلَيْهِمْ مُؤْصَدَةٌ وفيه لغتان: الأصيد، وهي لغة أهل نجد، والوصيد: وهي لغة أهل تهامة وذُكِر عن أبي عمرو بن العلاء، قال: إنها لغة أهل اليمن، وذلك نظير قولهم: ورّخت الكتاب وأرخته، ووكدت الأمر وأكدته ، فمن قال الوصيد، قال: أوصدت الباب فأنا أُوصِده، وهو مُوصَد ، ومن قال الأصيد، قال: آصدت الباب فهو مُؤْصَد، فكان معنى الكلام: وكلبهم باسط ذراعيه بفناء كهفهم عند الباب، يحفظ عليهم بابه.وقوله : ( لَوِ اطَّلَعْتَ عَلَيْهِمْ لَوَلَّيْتَ مِنْهُمْ فِرَارًا ) يقول: لو اطلعت عليهم في رقدتهم التي رقدوها في كهفهم، لأدبرت عنهم هاربا منهم فارّا، ( وَلَمُلِئْتَ مِنْهُمْ رُعْبًا ) يقول:ولملئت نفسُك من اطلاعك عليهم فَزَعا، لما كان الله ألبسهم من الهيبة، كي لا يصل إليهم واصل، ولا تلمِسهم يد لامس حتى يبلغ الكتاب فيهم أجله، وتوقظهم من رقدتهم قدرته وسلطانه في الوقت الذي أراد أن يجعلهم عبرة لمن شاء من خلقه، وآية لمن أراد الاحتجاج بهم عليه من عباده، ليعلموا أن وعد الله حق، وأنّ الساعة آتية لا ريب فيها.واختلفت القرّاء في قراءة قوله: ( وَلَمُلِئْتَ مِنْهُمْ رُعْبًا ) فقرأته عامة قراء المدينة بتشديد اللام من قوله: ( وَلَمُلِّئْتَ ) بمعنى أنه كان يمتلئ مرّة بعد مرّة. وقرأ ذلك عامة قراء العراق: (وَلَمُلِئْتَ) بالتخفيف، بمعنى: لملئت مرّة، وهما عندنا قراءتان مستفيضتان في القراءة، متقاربتا المعنى، فبأيتهما قرأ القارئ فمصيب.------------------------الهوامش:(4) البيتان (في ديوان العجاج الراجز ، في الملحق بديوانه ص 81 - 82 ) من أرجوزة عدتها 19 بيتا.ورقما البيتين فيها هما 8 ، 16 . وهما من شواهد أبي عبيدة في ( مجاز القرآن 1 : 397 ) قال " وتحسبهم أيقاظا " : واحدهم يقظ . ورجال أيقاظ ؛ وكذلك جمع يقظان : أيقاظ ، يذهبون به إلى جمع يقظ.وقال رؤبة : " ووجدوا ... البيتين" وقد نسبهما لرؤبة ، وهما في ديوان العجاج . وقد تداخلت أشعارهما على الرواة واللغويين . وغياظ : اسم رجل.(5) قوله " كان إنسانا ... إلخ " كذا في الأصول وفي ابن كثير . قيل كلب طباخ الملك ، وقد كان وافقهم على الدين وصحبه كلبه. أ ه
وَ كَذٰلِكَ بَعَثْنٰهُمْ لِیَتَسَآءَلُوْا بَیْنَهُمْؕ-قَالَ قَآىٕلٌ مِّنْهُمْ كَمْ لَبِثْتُمْؕ-قَالُوْا لَبِثْنَا یَوْمًا اَوْ بَعْضَ یَوْمٍؕ-قَالُوْا رَبُّكُمْ اَعْلَمُ بِمَا لَبِثْتُمْؕ-فَابْعَثُوْۤا اَحَدَكُمْ بِوَرِقِكُمْ هٰذِهٖۤ اِلَى الْمَدِیْنَةِ فَلْیَنْظُرْ اَیُّهَاۤ اَزْكٰى طَعَامًا فَلْیَاْتِكُمْ بِرِزْقٍ مِّنْهُ وَ لْیَتَؔلَطَّفْ وَ لَا یُشْعِرَنَّ بِكُمْ اَحَدًا(۱۹)
اور یوں ہی ہم نے ان کو جگایا (ف۲۶) کہ آپس میں ایک دوسرے سے احوال پوچھیں (ف۲۷) ان میں ایک کہنے والا بولا (ف۲۸) تم یہاں کتنی دیر رہے، کچھ بولے کہ ایک دن رہے یا دن سے کم (ف۲۹) دوسرے بولے تمہارا رب خوب جانتا ہے جتنا تم ٹھہرے (ف۳۰) تو اپنے میں ایک کو یہ چاندی لے کر (ف۳۱) شہر میں بھیجو پھر وہ غور کرے کہ وہاں کون سا کھانا زیادہ ستھرا ہے (ف۳۲) کہ تمہارے لیے اس میں سے کھانے کو لائے اور چاہیے کہ نرمی کرے اور ہرگز کسی کو تمہاری اطلاع نہ دے،
القول في تأويل قوله تعالى : وَكَذَلِكَ بَعَثْنَاهُمْ لِيَتَسَاءَلُوا بَيْنَهُمْ قَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ كَمْ لَبِثْتُمْ قَالُوا لَبِثْنَا يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قَالُوا رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثْتُمْ فَابْعَثُوا أَحَدَكُمْ بِوَرِقِكُمْ هَذِهِ إِلَى الْمَدِينَةِ فَلْيَنْظُرْ أَيُّهَا أَزْكَى طَعَامًا فَلْيَأْتِكُمْ بِرِزْقٍ مِنْهُ وَلْيَتَلَطَّفْ وَلا يُشْعِرَنَّ بِكُمْ أَحَدًا (19)يقول تعالى ذكره: كما أرقدنا هؤلاء الفتية في الكهف، فحفظناهم من وصول واصل إليهم، وعين ناظر أن ينظر إليهم، وحفظنا أجسامهم من البلاء على طول الزمان، وثيابهم من العفن على مرّ الأيام بقدرتنا ، فكذلك بعثناهم من رقدتهم، وأيقظناهم من نومهم، لنعرّفهم عظيم سلطاننا، وعجيب فعلنا في خلقنا، وليزدادوا بصيرة في أمرهم الذي هم عليه من براءتهم من عبادة الآلهة، وإخلاصهم لعبادة الله وحده لا شريك له، إذا تبيَّنوا طول الزمان عليهم، وهم بهيئتهم حين رقدوا ، وقوله: (لِيَتَسَاءَلُوا بَيْنَهُمْ) يقول: ليسأل بعضهم بعضا(قَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ كَمْ لَبِثْتُمْ) يقول عزّ ذكره: فتساءلوا فقال قائل منهم لأصحابه: (كَمْ لَبِثْتُمْ) وذلك أنهم استنكروا من أنفسهم طول رقدتهم (قَالُوا لَبِثْنَا يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ) يقول: فأجابه الآخرون فقالوا: لبثنا يوما أو بعض يوم ، ظنا منهم أن ذلك كذلك كان، فقال الآخرون: (رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثْتُمْ) فسلِّموا العلم إلى الله.وقوله: (فَابْعَثُوا أَحَدَكُمْ بِوَرِقِكُمْ هَذِهِ إِلَى الْمَدِينَةِ) يعني مدينتهم التي خرجوا منها هِرابا، التي تسمى أفسوس (فَلْيَنْظُرْ أَيُّهَا أَزْكَى طَعَامًا فَلْيَأْتِكُمْ بِرِزْقٍ مِنْهُ) ذكر أنهم هبوا من رقدتهم جِياعا، فلذلك طلبوا الطعام.* ذكر من قال ذلك، وذكر السبب الذي من أجله ذكر أنهم بعثوا من رقدتهم حين بعثوا منها:حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، قال: أخبرني إسماعيل بن بشروس، أنه سمع وهب بن منبه يقول: إنهم غبروا، يعني الفتية من أصحاب الكهف بعد ما بني عليهم باب الكهف زمانا بعد زمان، ثم إن راعيا أدركه المطر عند الكهف، فقال: لو فتحت هذا الكهف وأدخلت غنمي من المطر، فلم يزل يعالجه حتى فتح ما أدخله فيه، وردّ إليهم أرواحهم في أجسامهم من الغد حين أصبحوا، فبعثوا أحدهم بورق يشتري طعاما ، فلما أتى باب مدينتهم، رأى شيئا يُنكره، حتى دخل على رجل فقال: بعني بهذه الدراهم طعاما، فقال: ومن أين لك هذه الدراهم؟ قال: خرجت أنا وأصحاب لي أمس، فآوانا الليل، ثم أصبحوا، فأرسلوني، فقال: هذه الدراهم كانت على عهد مُلك فلان، فأنَّى لك بها، فرفعه إلى الملك، وكان ملكا صالحا، فقال: من أين لك هذه الورق؟ قال: خرجت أنا وأصحاب لي أمس، حتى أدركنا الليل في كهف كذا وكذا، ثم أمروني أن أشتريَ لهم طعاما ، قال: وأين أصحابك؟ قال: في الكهف ، قال: فانطلقوا معه حتى أتوا باب الكهف، فقال: دعوني أدخل على أصحابي قبلكم ، فلما رأوه، ودنا منهم ضُرِب على أذنه وآذانهم، فجعلوا كلما دخل رجل أرعب، فلم يقدروا على أن يدخلوا عليهم، فبنوا عندهم كنيسة، اتخذوها مسجدا يصلون فيه.حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن قتادة، عن عكرمة، قال: كان أصحاب الكهف أبناء ملوك الروم، رزقهم الله الإسلام، فتعوّذوا بدينهم، واعتزلوا قومهم، حتى انتهوا إلى الكهف، فضرب الله على سمعهم، فلبثوا دهرا طويلا حتى هلكت أمتهم، وجاءت أمة مسلمة، وكان ملكهم مسلما، فاختلفوا في الروح والجسد، فقال قائل: يبعث الروح والجسد جميعا ، وقال قائل: يُبعث الروح، فأما الجسد فتأكله الأرض، فلا يكون شيئا ، فشقّ على ملكهم اختلافهم، فانطلق فلبس المُسُوح، وجلس على الرَّماد ، ثم دعا الله تعالى فقال: أي ربّ، قد ترى اختلاف هؤلاء، فابعث لهم آية تبين لهم، فبعث الله أصحاب الكهف، فبعثوا أحدهم يشتري لهم طعاما، فدخل السوق، فجعل يُنكر الوجوه، ويعرف الطرق، ويرى الإيمان بالمدينة ظاهرا، فانطلق وهو مستخف حتى أتى رجلا يشتري منه طعاما ، فلما نظر الرجل إلى الوَرِق أنكرها، قال: حسبت أنه قال: كأنها أخفاف الرُّبَع، يعني الإبل الصغار، فقال له الفتى: أليس ملككم فلانا؟ قال: بل ملكنا فلان ، فلم يزل ذلك بينهما حتى رفعه إلى الملك، فسأله، فأخبره الفتى خبر أصحابه، فبعث الملك في الناس، فجمعهم، فقال: إنكم قد اختلفتم في الروح والجسد، وإن الله قد بعث لكم آية، فهذا رجل من قوم فلان، يعني ملكهم الذي مضى، فقال الفتى: انطلقوا بي إلى أصحابي ، فركب الملك، وركب معه الناس حتى انتهوا إلى الكهف ، فقال الفتى دعوني أدخل إلى أصحابي، فلما أبصرهم ضُرِب على أذنه وعلى آذانهم ، فلما استبطئوه دخل الملك، ودخل الناس معه، فإذا أجساد لا ينكرون منها شيئا، غير أنها لا أرواح فيها، فقال الملك: هذه آية بعثها الله لكم ، قال قتادة: وعن ابن عباس، كان قد غزا مع حبيب بن مسلمة، فمرّوا بالكهف، فإذا فيه عظام، فقال رجل: هذه عظام أصحاب الكهف، فقال ابن عباس ، لقد ذهبت عظامهم منذ أكثر من ثلاث مئة سنة.حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلمة، عن ابن إسحاق فيما ذكر من حديث أصحاب الكهف، قال: ثم ملك أهل تلك البلاد رجل صالح يقال له تيذوسيس ، فلما ملك بقي ملكه ثمانيا وستين سنة، فتحزّب الناس في مُلكه، فكانوا أحزابا، فمنهم من يؤمن بالله، ويعلم أنّ الساعة حقّ، ومنهم من يكذّب، فكبر ذلك على الملك الصالح تيذوسيس، وبكى إلى الله وتضرّع إليه، وحزن حزنا شديدا لما رأى أهل الباطل يزيدون ويظهرون على أهل الحق ويقولون: لا حياة إلا الحياة الدنيا ، وإنما تُبعث النفوس، ولا تُبعث الأجساد، ونسُوا ما في الكتاب ، فجعل تيذوسيس يرسل إلى من يظنّ فيه خيرا، وأنهم أئمة في الحق، فجعلوا يكذّبون بالساعة، حتى كادوا أن يُحوّلوا الناس عن الحق وملةِ الحَواريين ، فلما رأى ذلك الملك الصالح تيذوسيس، دخل بيته فأغلقه عليه، ولبس مِسْحا وجعل تحته رمادا، ثم جلس عليه، فدأب ذلك ليله ونهاره زمانا يتضرّع إلى الله، ويبكي إليه مما يرى فيه الناس ، ثم إن الرحمن الرحيم الذي يكره هلكة العباد، أراد أن يَظْهر على الفتية أصحاب الكهف، ويبين للناس شأنهم، ويجعلهم آية لهم، وحجة عليهم، ليعلموا أن الساعة آتية لا ريب فيها، وأن يستجيب لعبده الصالح تيذوسيس، ويتمّ نعمته عليه، فلا ينزع منه مُلكه، ولا الإيمان الذي أعطاه، وأن يعبد الله لا يشرك به شيئا، وأن يجمع من كان تبدّد من المؤمنين، فألقى الله في نفس رجل من أهل ذلك البلد الذي به الكهف ، وكان الجبل بنجلوس الذي فيه الكهف لذلك الرجل، وكان اسم ذلك الرجل أولياس، أن يهدم البنيان الذي على فم الكهف، فيبني به حظيرة لغنمه، فاستأجر عاملين، فجعلا ينزعان تلك الحجارة، ويبنيان بها تلك الحظيرة، حتى نزعا ما على فم الكهف، حتى فتحا عنهم باب الكهف، وحجبهم الله من الناس بالرعب ، فيزعمون أن أشجع من يريد أن ينظر إليهم غاية ما يمكنه أن يدخل من باب الكهف، ثم يتقدم حتى يرى كلبهم دونهم إلى باب الكهف نائما ، فلما نزعا الحجارة، وفتحا عليهم باب الكهف، أذن الله ذو القدرة والعظمة والسلطان محيي الموتى للفتية أن يجلسوا بين ظهراني الكهف، فجلسوا فرحين مُسْفِرة وجوههم طيِّبة أنفُسهم، فسلَّم بعضهم على بعض، حتى كأنما استيقظوا من ساعتهم التي كانوا يستيقظون لها إذا أصبحوا من ليلتهم التي يبيتون فيها ، ثم قاموا إلى الصلاة فصلّوا، كالذي كانوا يفعلون، لا يَرون، ولا يُرَى في وجوههم، ولا أبشارهم، ولا ألوانهم شيء يُنكرونه كهيئتهم حين رقدوا بعشيّ أمس، وهم يرون أن ملكهم دقينوس الجبار في طلبهم والتماسهم فلما قضوا صلاتهم كما كانوا يفعلون، قالوا ليمليخا، وكان هو صاحب نفقتهم، الذي كان يبتاع لهم طعامهم وشرابهم من المدينة، وجاءهم بالخبر أن دقينوس يلتمسهم، ويسأل عنهم: أنبئنا يا أخي ما الذي قال الناس في شأننا عشيّ أمس عند هذا الجبار، وهم يظنون أنهم رقدوا كبعض ما كانوا يرقدون، وقد خُيِّل إليهم أنهم قد ناموا كأطول ما كانوا ينامون في الليلة التي أصبحوا فيها، حتى تساءلوا بينهم، فقال بعضهم لبعض: (كَمْ لَبِثْتُمْ) نياما؟(قَالُوا لَبِثْنَا يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قَالُوا رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثْتُمْ) وكل ذلك في أنفسهم يسير. فقال لهم يمليخا: افتُقِدتم والتمستم بالمدينة، وهو يريد أن يُؤْتَى بكم اليوم، فتَذْبحُون للطواغيت، أو يقتُلُكم، فما شاء الله بعد ذلك ، فقال لهم مكسلمينا: يا إخوتاه اعلموا أنكم ملاقَوْن، فلا تكفروا بعد إيمانكم إذا دعاكم عدوّ الله، ولا تُنكروا الحياة التي لا تبيد بعد إيمانكم بالله، والحياة من بعد الموت ، ثم قالوا ليمليخا: انطلق إلى المدينة فتسمَّع ما يقال لنا بها اليوم، وما الذي نُذكر به عند دقينوس، وتلطَّف، ولا يشعرَنّ بنا أحد، وابتع لنا طعاما فأتنا به، فإنه قد آن لك، وزدنا على الطعام الذي قد جئتنا به، فإنه قد كان قليلا فقد أصبحنا جياعا ، ففعل يمليخا كما كان يفعل، ووضع ثيابه، وأخذ الثياب التي كان يتنكر فيها، وأخذ وَرِقا من نفقتهم التي كانت معهم، التي ضُربت بطابع دقينوس الملك، فانطلق يمليخا خارجا ، فلما مرّ بباب الكهف، رأى الحجارة منزوعة عن باب الكهف. فعجب منها، ثم مرّ فلم يبال بها، حتى أتى المدينة مستخفيا يصدّ عن الطريق تخوّفا أن يراه أحد من أهلها، فيعرفه، فيذهب به إلى دقينوس ، ولا يشعر العبد الصالح أن دقينوس وأهل زمانه قد هَلكوا قبل ذلك بثلاثمائة وتسع سنين، أو ما شاء الله من ذلك ، إذ كان ما بين أن ناموا إلى أن استيقظوا ثلاثمائة وتسع سنين ، فلما رأى يمليخا باب المدينة رفع بصره، فرأى فوق ظهر الباب علامة تكون لأهل الإيمان، إذا كان ظاهرا فيها ، فلما رآها عجب وجعل ينظر مستخفيا إليها ، فنظر يمينا وشمالا فتعجب بينه وبين نفسه، ثم ترك ذلك الباب، فتحوّل إلى باب آخر من أبوابها، فنظر فرأى من ذلك ما يحيط بالمدينة كلها، ورأى على كلّ باب مثل ذلك ، فجعل يخيل إليه أن المدينة ليست بالمدينة التي كان يعرف، ورأى ناسا كثيرين محدثين لم يكن يراهم قبل ذلك، فجعل يمشي ويعجب ويخيل إليه أنه حيران ثم رجع إلى الباب الذي أتى منه، فجعل يعجب بينه وبين نفسه ويقول: يا ليت شعري، أما هذه عشية أمس، فكان المسلمون يخفون هذه العلامة ويستخفون بها ، وأما اليوم فإنها ظاهرة لعلّي حالم ، ثم يرى أنه ليس بنائم ، فأخذ كساءه فجعله على رأسه، ثم دخل المدينة، فجعل يمشي بين ظهراني سوقها، فيسمع أناسا كثيرا يحلفون باسم عيسى ابن مريم، فزاده فرقا ، ورأى أنه حيران، فقام مسندا ظهره إلى جدار من جُدُر المدينة ويقول في نفسه: والله ما أدري ما هذا! أما عشية أمس فليس على الأرض إنسان يذكر عيسى ابن مريم إلا قُتل ، وأما الغداة فأسمعهم، وكلّ إنسان يذكر أمر عيسى لا يخاف، ثم قال في نفسه: لعلّ هذه ليست بالمدينة التي أعرف أسمع كلام أهلها ولا أعرف أحدا منهم، والله ما أعلم مدينة قرب مدينتنا ، فقام كالحيران لا يتوجه وجها ، ثم لقي فتى من أهل المدينة، فقال له: ما اسم هذه المدينة يا فتى؟ قال: اسمها أفسوس، فقال في نفسه: لعلّ بي مسا، أو بي أمر أذهب عقلي، والله يحق لي أن أسرع الخروج منها قبل أن أخزى فيها أو يصيبني شرّ فأهلك ، هذا الذي يحدّث به يمليخا أصحابه حين تبين لهم ما به ، ثم إنه أفاق فقال: والله لو عجلت الخروج من المدينة قبل أن يفطن بي لكان أكيس لي ، فدنا من الذين يبيعون الطعام، فأخرج الورِق التي كانت معه، فأعطاها رجلا منهم، فقال: بعني بهذه الورق يا عبد الله طعاما ، فأخذها الرجل، فنظر إلى ضرب الورق ونقشها، فعجب منها، ثم طرحها إلى رجل من أصحابه، فنظر إليها، ثم جعلوا يتطارحونها بينهم من رجل إلى رجل، ويتعجبون منها، ثم جعلوا يتشاورون بينهم ويقول بعضهم لبعض: إن هذا الرجل قد أصاب كنزا خبيئا في الأرض منذ زمان ودهر طويل ، فلما رآهم يتشاورون من أجله فرق فرقا شديدا، وجعل يرتعد ويظنّ أنهم قد فطنوا به وعرفوه، وأنهم إنما يريدون أن يذهبوا به إلى ملكهم دقينوس يسلمونه إليه ، وجعل أناس آخرون يأتونه فيتعرّفونه، فقال لهم وهو شديد الفرق منهم: أفضلوا عليّ، فقد أخذتم ورقي فأمسكوا، وأما طعامكم فلا حاجة لي به ، قالوا له: من أنت يا فتى، وما شأنك؟ والله لقد وجدت كنزا من كنوز الأوّلين، فأنت تريد أن تخفيه منا، فانطلق معنا فأرناه وشاركنا فيه، نخف عليك ما وجدت، فإنك إن لا تفعل نأت بك السلطان، فنسلمك إليه فيقتلك ، فلما سمع قولهم، عجب في نفسه فقال : قد وقعت في كلّ شيء كنت أحذر منه ، ثم قالوا: يا فتى إنك والله ما تستطيع أن تكتم ما وجدت، ولا تظنّ في نفسك أنه سيخفى حالك ، فجعل يمليخا لا يدري ما يقول لهم، وما يرجع إليهم، وفَرق حتى ما يحير إليهم جوابا ، فلما رأوه لا يتكلم أخذوا كساءه فطوقوه في عنقه ، ثم جعلوا يقودونه في سكك المدينة ملببا، حتى سمع به من فيها، فقيل: أخذ رجل عنده كنز واجتمع عليه أهل المدينة صغيرهم وكبيرهم، فجعلوا ينظرون إليه ويقولون: والله ما هذا الفتى من أهل هذه المدينة، وما رأيناه فيها قطّ، وما نعرفه ، فجعل يمليخا لا يدري ما يقول لهم، مع ما يسمع منهم ، فلما اجتمع عليه أهل المدينة، فرق، فسكت فلم يتكلم ، ولو أنه قال إنه من أهل المدينة لم يصدّق ، وكان مستيقنا أن أباه وإخوته بالمدينة، وأن حسبه من أهل المدينة من عظماء أهلها، وأنهم سيأتونه إذا سمعوا، وقد استيقن أنه من عشية أمس يعرف كثيرا من أهلها، وأنه لا يعرف اليوم من أهلها أحدا ، فبينما هو قائم كالحيران ينتظر متى يأته بعض أهله، أبوه أو بعض إخوته فيخلصه من أيديهم، إذ اختطفوه فانطلقوا به إلى رئيسي المدينة ومدبريها اللذين يدبران أمرها، وهما رجلان صالحان، كان اسم أحدهما أريوس، واسم الآخر أسطيوس ، فلما انطلق به إليهما، ظنّ يمليخا أنه ينطلق به إلى دقينوس الجبار ملكهم الذي هربوا منه، فجعل يلتفت يمينا وشمالا وجعل الناس يسخرون منه، كما يسخر من المجنون والحيران، فجعل يمليخا يبكي ، ثم رفع رأسه إلى السماء وإلى الله، ثم قال: اللهمّ إله السماوات والأرض، أولج معي روحا منك اليوم تؤيدني به عند هذا الجبار، وجعل يبكي ويقول في نفسه: فرق بيني وبين إخوتي ، يا ليتهم يعلمون ما لقيت، وأني يُذهب بي إلى دقينوس الجبار ، فلو أنهم يعلمون، فيأتون، فنقوم جميعا بين يدي دقينوس ، فإنا كنا تواثقنا لنكوننّ معا، لا نكفر بالله ولا نشرك به شيئا، ولا نعبد الطواغيت من دون الله ، فرق بيني وبينهم، فلن يروني ولن أراهم أبدا ، وقد كنا تواثقنا أن لا نفترق في حياة ولا موت أبدا ، يا ليت شعري ما هو فاعل بي؟ أقاتلي هو أم لا؟ ذلك الذي يحدّث به يمليخا نفسه فيما أخبر أصحابه حين رجع إليهم.فلما انتهى إلى الرجلين الصالحين أريوس وأسطيوس، فلما رأى يمليخا أنه لم يُذهب به إلى دقينوس، أفاق وسكن عنه البكاء ، فأخذ أريوس وأسطيوس الورِق فنظرا إليها وعجبا منها، ثم قال أحدهما: أين الكنز الذي وجدت يا فتى، هذا الورِق يشهد عليك أنك قد وجدت كنزا ، فقال لهما يمليخا: ما وجدت كنزا ولكن هذه الورِق ورق آبائي، ونقش هذه المدينة وضربها، ولكن والله ما أدري ما شأني، وما أدري ما أقول لكم ، فقال له أحدهما: ممن أنت؟ فقال له يمليخا: ما أدري، فكنت أرى أني من أهل هذه القرية، قالوا: فمن أبوك ومن يعرفك بها؟ فأنبأهم باسم أبيه، فلم يجدوا أحدا يعرفه ولا أباه ، فقال له أحدهما: أنت رجل كذاب لا تنبئنا بالحقّ ، فلم يدر يمليخا ما يقول لهم، غير أنه نكس بصره إلى الأرض ، فقال له بعض من حوله: هذا رجل مجنون ، فقال بعضهم: ليس بمجنون، ولكنه يحمق نفسه عمدا لكي ينفلت منكم ، فقال له أحدهما، ونظر إليه نظرا شديدا: أتظنّ أنك إذ تتجانن نرسلك ونصدّقك بأن هذا مال أبيك، وضرب هذه الورِق ونقشها منذ أكثر من ثلاثمائة سنة؟ وإنما أنت غلام شاب تظنّ أنك تأفكنا، ونحن شمط كما ترى، وحولك سُراة أهل المدينة، وولاة أمرها، إني لأظنني سآمر بك فتعذّب عذابا شديدا، ثم أوثقك حتى تعترف بهذا الكنز الذي وجدت، فلما قال ذلك، قال يمليخا: أنبئوني عن شيء أسألكم عنه، فإن فعلتم صدقتكم عما عندي ، أرأيتم دقينوس الملك الذي كان في هذه المدينة عشية أمس ما فعل، فقال له الرجل: ليس على وجه الأرض رجل اسمه دقينوس، ولم يكن إلا ملك قد هلك منذ زمان ودهر طويل، وهلكت بعده قرون كثيرة ، فقال له يمليخا: فوالله إني إذا لحيران، وما هو بمصدّق أحد من الناس بما أقول ، والله لقد علمت، لقد فررنا من الجبار دقينوس، وإني قد رأيته عشية أمس حين دخل مدينة أفسوس، ولكن لا أدري أمدينة أفسوس هذه أم لا؟ فانطلقا معي إلى الكهف الذي في جبل بنجلوس أريكم أصحابي، فلما سمع أريوس ما يقول يمليخا قال: يا قوم لعلّ هذه آية من آيات الله جعلها لكم على يدي هذا الفتى، فانطلقوا بنا معه يرنا أصحابه، كما قال: فانطلق معه أريوس وأسطيوس، وانطلق معهم أهل المدينة كبيرهم وصغيرهم، نحو أصحاب الكهف لينظروا إليهم.ولما رأى الفتية أصحاب الكهف يمليخا قد احتبس عليهم بطعامهم وشرابهم عن القدر الذي كان يأتي به، ظنوا أنه قد أُخِذ فذُهب به إلى ملكهم دَقْينوس الذي هربوا منه ، فبينما هم يظنون ذلك ويتخوفونه، إذ سمعوا الأصوات وجلبة الخيل مصعدة نحوهم، فظنوا أنهم رُسل الجبار دقينوس بعث إليهم ليُؤْتي بهم، فقاموا حين سمعوا ذلك إلى الصلاة، وسلَّم بعضهم على بعض، وأوصى بعضهم بعضا، وقالوا: انطلقوا بنا نأت أخانا يمليخا، فإنه الآن بين يدي الجبار دقينوس ينتظر متى نأته ، فبينما هم يقولون ذلك، وهم جلوس بين ظهراني الكهف، فلم يروا إلا أريوس وأصحابه وقوفا على باب الكهف، وسبقهم يمليخا، فدخل عليهم وهو يبكي ، فلما رأوه يبكي بكوا معه ، ثم سألوه عن شأنه، فأخبرهم خبره وقصّ عليهم النبأ كله، فعرفوا عند ذلك أنهم كانوا نياما بأمر الله ذلك الزمان كله، وإنما أوقظوا ليكونوا آية للناس، وتصديقا للبعث، وليعلموا أن الساعة آتية لا ريب فيها ، ثم دخل على إثر يمليخا أريوس، فرأى تابوتا من نحاس مختوما بخاتم من فضة، فقام بباب الكهف ، ثم دعا رجالا من عظماء أهل المدينة، ففتح التابوت عندهم، فوجدوا فيه لوحين من رصاص، مكتوبا فيهما كتاب، فقرأهما فوجد فيهما (6) أن مكسلمينا، ومحسلمينا، ويمليخا، ومرطونس، وكسطونس، ويبورس، ويكرونس، ويطبيونس، وقالوش، كانوا فتية هربوا من ملكهم دقينوس الجبار، مخافة أن يفتنهم عن دينهم، فدخلوا هذا الكهف ، فلما أخبر بمكانهم أمر بالكهف فسدّ عليهم بالحجارة، وإنا كتبنا شأنهم وقصة خبرهم، ليعلمه من بعدهم إن عثر عليهم. فلما قرءوه، عجبوا وحمدوا الله الذي أراهم آية للبعث فيهم، ثم رفعوا أصواتهم بحمد الله وتسبيحه ، ثم دخلوا على الفتية الكهف، فوجودهم جلوسا بين ظهرانيه، مُشرقة وجوههم، لم تبل ثيابهم ، فخرّ أريوس وأصحابه سجودا، وحمدوا الله الذي أراهم آية من آياته ، ثم كلم بعضهم بعضا، وأنبأهم الفتية عن الذين لقوا من ملكهم دقينوس ذلك الجبار الذي كانوا هربوا منه ، ثم إن أريوس وأصحابه بعثوا بريدا إلى ملكهم الصالح تيذوسيس، أن عجل لعلك تنظر إلى آية من آيات الله، جعلها الله على ملكك، وجعلها آية للعالمين، لتكون لهم نورا وضياء، وتصديقا بالبعث، فاعجل على فتية بعثهم الله، وقد كان توفاهم منذ أكثر من ثلاثمائة سنة ، فلما أتى الملك تيذوسيس الخبر، قام من المَسْندة التي كان عليها، ورجع إليه رأيه وعقله، وذهب عنه همه، ورجع إلى الله عزّ وجلّ، فقال: أحمدك اللهمّ ربّ السماوات والأرض، أعبدك، وأحمدك، وأسبح لك ، تطوّلت عليّ، ورحمتني برحمتك، فلم تطفئ النور الذي كنت جعلته لآبائي، وللعبد الصالح قسطيطينوس الملك، فلما نبأ به أهل المدينة ركبوا إليه، وساروا معه حتى أتوا مدينة أفسوس، فتلقاهم أهل المدينة، وساروا معه حتى صعدوا نحو الكهف حتى أتوه ، فلما رأى الفتية تيذوسيس، فرحوا به، وخرّوا سجودا على وجوههم ، وقام تيذوسيس قدامهم، ثم اعتنقهم وبكى، وهم جلوس بين يديه على الأرض يسبحون الله ويحمدونه، ويقول: والله ما أشبه بكم إلا الحواريون (7) حين رأوا المسيح ، وقال: فرج الله عنكم، كأنكم الذي تُدْعَون فتحْشَرون من القبور ، فقال الفتية لتيذوسيس: إنا نودّعك السلام، والسلام عليكم ورحمة الله، حفظك الله، وحفظ لك ملكك بالسلام، ونعيذك بالله من شرّ الجنّ والإنس ، فأمر بعيش من خُلَّر ونشيل إن أسوأ ما سلك في بطن الإنسان أن لا يعلم شيئا إلا كرامة إن أكرم بها، ولا هوان إن أهين به. (8) فبينما الملك قائم، إذ رجعوا إلى مضاجعهم، فناموا، وتوفى الله أنفسهم بأمره، وقام الملك إليهم، فجعل ثيابه عليهم، وأمر أن يجعل لكلّ رجل منهم تابوت من ذهب ، فلما أَمْسَوا ونام، أتوه في المنام، فقالوا: إنا لم نخلق من ذهب ولا فضة، ولكنا خُلقنا من تراب وإلى التراب نصير، فاتركنا كما كنا في الكهف على التراب حتى يبعثنا الله منه ، فأمر الملك حينئذ بتابوت من ساج، فجعلوهم فيه، وحجبهم الله حين خرجوا من عندهم بالرعب، فلم يقدر أحد على أن يدخل عليهم ، وأمر الملك فجعل كهفهم مسجدا يُصَلَّى فيه، وجعل لهم عيدا عظيما، وأمر أن يؤتى كلّ سنة ، فهذا حديث أصحاب الكهف.حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلمة، عن عبد العزيز بن أبي روّاد، عن عبد الله بن عبيد بن عمير، قال: بعثهم الله - يعني الفتية أصحاب الكهف - وقد سلط عليهم ملك مسلم، يعني على أهل مدينتهم ، وسلَّط الله على الفتية الجوع، فقال قائل منهم: (كَمْ لَبِثْتُمْ قَالُوا لَبِثْنَا يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ) قال: فردّوا علم ذلك إلى الله ، (قَالُوا رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثْتُمْ فَابْعَثُوا أَحَدَكُمْ بِوَرِقِكُمْ هَذِهِ إِلَى الْمَدِينَةِ) وإذا معهم ورِق من ضرب الملك الذي كانوا في زمانه (فَلْيَأْتِكُمْ بِرِزْقٍ مِنْهُ) : أي بطعام (وَلا يُشْعِرَنَّ بِكُمْ أَحَدًا). فخرج أحدهم فرأى المعالم متنكرة حتى انتهى إلى المدينة، فاستقبله الناس لا يعرف منهم أحدا ، فخرج ولا يعرفونه، حتى انتهى إلى صاحب الطعام، فسامه بطعامه، فقال صاحب الطعام: هات ورقك ، فأخرج إليه الورق، فقال: من أين لك هذا الورق؟ قال: هذه ورِقُنا وورِق أهل بلادنا ، فقال: هيهات هذه الورِق من ضرب فلان بن فلان منذ ثلاثمائة وتسع سنين ، أنت أصبت كنزا ، ولست بتاركك حتى أرفعك إلى الملك ، فرفعه إلى الملك، وإذا الملك مسلم وأصحابه مسلمون، ففرح واستبشر، وأظهر لهم أمره، وأخبرهم خبر أصحابه ، فبعثوا إلى اللوح في الخزانة، فأتوا به، فوافق ما وصف من أمرهم، فقال المشركون: نحن أحقّ بهم هؤلاء أبناء آبائنا، وقال المسلمون: نحن أحقّ بهم، هم مسلمون منا ، فانطلقوا معه إلى الكهف ، فلما أتوا باب الكهف قال: دعوني حتى أدخل على أصحابي حتى أبشرهم، فإنهم إن رأوكم معي أرعبتموهم ، فدخل فبشَّرهم، وقبض الله أرواحهم، قال: وعمى الله عليهم مكانهم، فلم يهتدوا، فقال المشركون: نبني عليهم بُنيانا، فإنهم أبناء آبائنا، ونعبد الله فيه، وقال المسلمون: نحن أحق بهم، هم منا، نبني عليهم مسجدا نصلي فيه، ونعبد الله فيه.وأولى الأقوال في ذلك بالصواب عندي قول من قال: إن الله تعالى بعثهم من رقدتهم ليتساءلوا بينهم كما بيَّنا قبل، لأن الله عزّ ذكره ، كذلك أخبر عباده في كتابه، وإن الله أعثر عليهم القوم الذين أعثرهم عليهم، ليتحقق عندهم ببعث الله هؤلاء الفتية من رقدتهم بعد طول مدتها بهيئتهم يوم رقدوا، ولم يشيبوا على مرّ الأيام والليالي عليهم، ولم يهرموا على كرّ الدهور والأزمان فيهم قدرته على بعث من أماته في الدنيا من قبره إلى موقف القيامة يوم القيامة، لأن الله عزّ ذكره بذلك أخبرنا، فقال: وَكَذَلِكَ أَعْثَرْنَا عَلَيْهِمْ لِيَعْلَمُوا أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَأَنَّ السَّاعَةَ لا رَيْبَ فِيهَا .واختلفت القراء في قراءة قوله: (فَابْعَثُوا أَحَدَكُمْ بِوَرِقِكُمْ هَذِهِ) فقرأ ذلك عامة قرّاء أهل المدينة وبعض العراقيين (بِوَرِقِكُمْ هَذِهِ) بفتح الواو وكسر الراء والقاف. وقرأ عامة قراء الكوفة والبصرة ( بَورْقِكُمْ ) بسكون الراء، وكسر القاف. وقرأه بعض المكيين بكسر الراء ، وإدغام القاف في الكاف، وكلّ هذه القراءات متفقات المعاني، وإن اختلفت الألفاظ منها، وهنّ لغات معروفات من كلام العرب، غير أن الأصل في ذلك فتح الواو وكسر الراء والقاف، لأنه الورق، وما عدا ذلك فإنه داخل عليه طلب التخفيف. وفيه أيضا لغة أخرى وهو الوَرْق ، كما يقال للكَبِد كَبْد. فإذا كان ذلك هو الأصل، فالقراءة به إلي أعجب، من غير أن تكون الأخريان مدفوعة صحتهما، وقد ذكرنا الرواية بأن الذي بعث معه بالوَرِق إلى المدينة كان اسمه يمليخا.وقد: حدثني عبيد الله بن محمد الزهري، قال: ثنا سفيان، عن مقاتل (فَابْعَثُوا أَحَدَكُمْ بِوَرِقِكُمْ هَذِهِ) اسمه يمليخ.وأما قوله: (فَلْيَنْظُرْ أَيُّهَا أَزْكَى طَعَامًا) فإن أهل التأويل اختلفوا في تأويله ، فقال بعضهم: معناه فلينظر أي أهل المدينة أكثر طعاما.* ذكر من قال ذلك:حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا سفيان، عن أبي حصين، عن عكرمة (أَيُّهَا أَزْكَى طَعَامًا) قال: أكثر.وحدثنا الحسن، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا الثوري، عن أبي حُصَين، عن عكرِمة مثله، إلا أنه قال: ( أيُّهُ أكْثَرُ).وقال آخرون: بل معناه: أيها أحلّ طعاما.* ذكر من قال ذلك:حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا سفيان، عن أبي حصين، عن سعيد بن جبير: (أَيُّهَا أَزْكَى طَعَامًا) قال : أحلّ.حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا الثوري، عن أبي حصين، عن سعيد بن جبير، مثله.وقال آخرون: بل معناه: أيها خير طعاما.* ذكر من قال ذلك:حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن قتادة، في قوله: (أَزْكَى طَعَامًا) قال: خير طعاما.وأولى الأقوال عندي في ذلك بالصواب: قول من قال: معنى ذلك: أحلّ وأطهر، وذلك أنه لا معنى في اختيار الأكثر طعاما للشراء منه إلا بمعنى إذا كان أكثرهم طعاما، كان خليقا أن يكون الأفضل منه عنده أوجد، وإذا شرط على المأمور الشراء من صاحب الأفضل، فقد أمر بشراء الجيد، كان ما عند المشتري ذلك منه قليلا الجيد أو كثيرا، وإنما وجه من وجه تأويل أزكى إلى الأكثر، لأنه وجد العرب تقول: قد زكا مال فلان: إذا كثر، وكما قال الشاعر:قَبائِلُنا سَبْعٌ وأنْتُمْ ثَلاثَةٌوَللسَّبْعُ أزْكَى مِن ثَلاثٍ وأطْيَبُ (9)بمعنى: أكثر، وذلك وإن كان كذلك، فإن الحلال الجيد وإن قل، أكثر من الحرام الخبيث وإن كثر. وقيل: (فَلْيَنْظُرْ أَيُّهَا) فأضيف إلى كناية المدينة، والمراد بها أهلها، لأن تأويل الكلام: فلينظر أيّ أهلها أزكى طعاما لمعرفة السامع بالمراد من الكلام ، وقد يُحتمل أن يكونوا عنوا بقوله (أَيُّهَا أَزْكَى طَعَامًا) : أيها أحلّ، من أجل أنهم كانوا فارقوا قومهم وهم أهل أوثان، فلم يستجيزوا أكل ذبيحتهم.وقوله: (فَلْيَأْتِكُمْ بِرِزْقٍ مِنْهُ) يقول: فليأتكم بقوت منه تقتاتونه ، وطعام تأكلونه.كما حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلمة، عن عبد العزيز بن أبي رواد، عن عبد الله بن عبيد بن عمير (فَلْيَأْتِكُمْ بِرِزْقٍ مِنْهُ) قال: بطعام.وقوله: (وَلْيَتَلَطَّفْ) يقول: وليترفق في شرائه ما يشتري، وفي طريقه ودخوله المدينة (وَلا يُشْعِرَنَّ بِكُمْ أَحَدًا) يقول: ولا يعلمنّ بكم أحدا من الناس ،
اِنَّهُمْ اِنْ یَّظْهَرُوْا عَلَیْكُمْ یَرْجُمُوْكُمْ اَوْ یُعِیْدُوْكُمْ فِیْ مِلَّتِهِمْ وَ لَنْ تُفْلِحُوْۤا اِذًا اَبَدًا(۲۰)
بیشک اگر وہ تمہیں جان لیں گے تو تمہیں پتھراؤ کریں گے (ف۳۳) یا اپنے دین (ف۳۴) میں پھیر لیں گے اور ایسا ہوا تو تمہارا کبھی بھلا نہ ہوگا،
القول في تأويل قوله : ( إِنَّهُمْ إِنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ يَرْجُمُوكُمْ ) يعنون بذلك: دقينوس وأصحابه، قالوا: إن دقينوس وأصحابه إن يظهروا عليكم، فيعلموا مكانكم، يرجموكم شتما بالقول.كما حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، في قوله: ( إِنَّهُمْ إِنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ يَرْجُمُوكُمْ ) قال: يشتموكم بالقول، يؤذوكم.وقوله: ( أَوْ يُعِيدُوكُمْ فِي مِلَّتِهِمْ ) يقول: أو يردّوكم في دينهم، فتصيروا كفارا بعبادة الأوثان( وَلَنْ تُفْلِحُوا إِذًا أَبَدًا ) يقول:ولن تدركوا الفلاح، وهو البقاء الدائم والخلود في الجنان، إذن: أي إن أنتم عُدْتم في ملتهم أبدا: أيام حياتكم.------------------------الهوامش:(6) في عدد هذه الأسماء ، وضبطها ، اختلاف كثير بين ناقليها . وهي في المخطوطة رقم 100 تفسير ، غير منقوطة.(7) في الأصل المخطوط رقم 100 تفسير: " وما أشبه بكم إلا الحراد " ولعله تحريف عن الحواريين.(8) العبارة من أول قوله : فأمر بعيش من خلر ونشيل ...إلى هنا : ساقطة من هذا الخبر في عرائس المجالس للثعلبي المفسر ص 427 : والخلر : حب يقتات به ، قيل هو الجلبان ، والنشيل : اللبن ساعة يحلب ، والعبارة فيما يظهر من بقية كلام أصحاب الكهف.(9) البيت للقتال الكلابي ، أنشده سيبويه في ( الكتاب 2: 181 ) وهو من شواهد أبي عبيدة في ( مجاز القرآن 1: 237 ، 397 ) قال في الموضع الثاني : "أيها ازكى طعاما " أي أكثر ؛ قال : * قبائلنا سبع وأنتم ثلاثة *البيت ، وقال في الموضع الأول : ذكر ثلاثة ، ذهب به إلى بطن ، ثم أنثه ؛ لأنه ذهب به إلى قبيلة . قلت: والنحاة يجوزون في اسم العدد التذكير والتأنيث ، إذا لم يذكر المعدود ، وهذا شاهد عليه . وفي ( اللسان : زكا ) الزكاء ممدودا : النماء والريع . زكا يزكو زكاء وزكوا.
وَ كَذٰلِكَ اَعْثَرْنَا عَلَیْهِمْ لِیَعْلَمُوْۤا اَنَّ وَعْدَ اللّٰهِ حَقٌّ وَّ اَنَّ السَّاعَةَ لَا رَیْبَ فِیْهَا ﱐ اِذْ یَتَنَازَعُوْنَ بَیْنَهُمْ اَمْرَهُمْ فَقَالُوا ابْنُوْا عَلَیْهِمْ بُنْیَانًاؕ-رَبُّهُمْ اَعْلَمُ بِهِمْؕ-قَالَ الَّذِیْنَ غَلَبُوْا عَلٰۤى اَمْرِهِمْ لَنَتَّخِذَنَّ عَلَیْهِمْ مَّسْجِدًا(۲۱)
اور اسی طرح ہم نے ان کی اطلاع کردی (ف۳۵) کہ لوگ جان لیں (ف۳۶) کہ اللہ کا وعدہ سچا ہے اور قیامت میں کچھ شبہ نہیں، جب وہ لوگ ان کے معاملہ میں باہم جھگڑنے لگے (ف۳۷) تو بولے ان کے غار پر کوئی عمارت بناؤ، ان کا رب انہیں خوب جانتا ہے، وہ بولے جو اس کام میں غالب رہے تھے (ف۳۸) قسم ہے کہ ہم تو ان پر مسجد بنائیں گے (ف۳۹)
القول في تأويل قوله تعالى : وَكَذَلِكَ أَعْثَرْنَا عَلَيْهِمْ لِيَعْلَمُوا أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَأَنَّ السَّاعَةَ لا رَيْبَ فِيهَا إِذْ يَتَنَازَعُونَ بَيْنَهُمْ أَمْرَهُمْ فَقَالُوا ابْنُوا عَلَيْهِمْ بُنْيَانًا رَبُّهُمْ أَعْلَمُ بِهِمْ قَالَ الَّذِينَ غَلَبُوا عَلَى أَمْرِهِمْ لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِمْ مَسْجِدًا (21)يقول تعالى ذكره: وكما بعثناهم بعد طول رقدتهم كهيئتهم ساعة رقدوا، ليتساءلوا بينهم، فيزدادوا بعظيم سلطان الله بصيرة، وبحسن دفاع الله عن أوليائه معرفة ( وَكَذَلِكَ أَعْثَرْنَا عَلَيْهِمْ ) يقول: كذلك أطلعنا عليهم الفريق الآخر الذين كانوا في شكّ من قُدرة الله على إحياء الموتى، وفي مِرْية من إنشاء أجسام خلقه، كهيئتهم يوم قبضهم بعد البِلَى، فيعلموا أن وَعْد الله حق، ويُوقنوا أن الساعة آتية لا ريب فيها.وبنحو الذي قلنا في ذلك، قال أهل التأويل.* ذكر من قال ذلك:حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: ( وَكَذَلِكَ أَعْثَرْنَا عَلَيْهِمْ ) يقول: أطلعنا عليهم ليعلم من كذب بهذا الحديث، أن وعد الله حقّ، وأن الساعة لا ريب فيها.وقوله: ( إِذْ يَتَنَازَعُونَ بَيْنَهُمْ أَمْرَهُمْ )يعني: الذين أعثروا على الفتية يقول تعالى: وكذلك أعثرنا هؤلاء المختلفين في قيام الساعة، وإحياء الله الموتى بعد مماتهم من قوم تيذوسيس، حين يتنازعون بينهم أمرهم فيما الله فاعل بمن أفناه من عباده، فأبلاه في قبره بعد مماته، أمنشئهم هو أم غير منشئهم ، وقوله ( فَقَالُوا ابْنُوا عَلَيْهِمْ بُنْيَانًا ) يقول: فقال الذين أعثرناهم على أصحاب الكهف: ابنوا عليهم بنيانا( رَبُّهُمْ أَعْلَمُ بِهِمْ ) يقول: ربّ الفتية أعلم بالفتية وشأنهم ، وقوله: ( قَالَ الَّذِينَ غَلَبُوا عَلَى أَمْرِهِمْ ) يقول جلّ ثناؤه: قال القوم الذين غلبوا على أمر أصحاب الكهف ( لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِمْ مَسْجِدًا ).وقد اختلف في قائلي هذه المقالة، أهم الرهط المسلمون، أم هم الكفار؟ وقد ذكرنا بعض ذلك فيما مضى، وسنذكر إن شاء الله ما لم يمض منه.حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله: ( قَالَ الَّذِينَ غَلَبُوا عَلَى أَمْرِهِمْ لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِمْ مَسْجِدًا ) قال: يعني عدوّهم.حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلمة، عن عبد العزيز بن أبي روّاد، عن عبد الله بن عبيد بن عمير، قال: عمَّى الله على الذين أعثرهم على أصحاب الكهف مكانهم، فلم يهتدوا، فقال المشركون: نبني عليهم بنيانا، فإنهم أبناء آبائنا، ونعبد الله فيها، وقال المسلمون: بل نحن أحق بهم، هم منا، نبني عليهم مسجدا نصلي فيه، ونعبد الله فيه.
سَیَقُوْلُوْنَ ثَلٰثَةٌ رَّابِعُهُمْ كَلْبُهُمْۚ-وَ یَقُوْلُوْنَ خَمْسَةٌ سَادِسُهُمْ كَلْبُهُمْ رَجْمًۢا بِالْغَیْبِۚ-وَ یَقُوْلُوْنَ سَبْعَةٌ وَّ ثَامِنُهُمْ كَلْبُهُمْؕ-قُلْ رَّبِّیْۤ اَعْلَمُ بِعِدَّتِهِمْ مَّا یَعْلَمُهُمْ اِلَّا قَلِیْلٌ ﲕ فَلَا تُمَارِ فِیْهِمْ اِلَّا مِرَآءً ظَاهِرًا۪-وَّ لَا تَسْتَفْتِ فِیْهِمْ مِّنْهُمْ اَحَدًا۠(۲۲)
اب کہیں گے (ف۴۰) کہ وہ تین ہیں چوتھا ان کا کتا اور کچھ کہیں گے پانچ ہیں، چھٹا ان کا کتا بے دیکھے الاؤتکا (تیر تکا) بات (ف۴۱) اور کچھ کہیں گے سات ہیں (ف۴۲) اور آٹھواں ان کا کتا تم فرماؤ میرا رب ان کی گنتی خوب جانتا ہے (ف۴۳) انہیں نہیں جانتے مگر تھوڑے (ف۴۴) تو ان کے بارے میں (ف۴۵) بحث نہ کرو مگر اتنی ہی بحث جو ظاہر ہوچکی (ف۴۶)
القول في تأويل قوله تعالى : سَيَقُولُونَ ثَلاثَةٌ رَابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ وَيَقُولُونَ خَمْسَةٌ سَادِسُهُمْ كَلْبُهُمْ رَجْمًا بِالْغَيْبِ وَيَقُولُونَ سَبْعَةٌ وَثَامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ قُلْ رَبِّي أَعْلَمُ بِعِدَّتِهِمْ مَا يَعْلَمُهُمْ إِلا قَلِيلٌ فَلا تُمَارِ فِيهِمْ إِلا مِرَاءً ظَاهِرًا وَلا تَسْتَفْتِ فِيهِمْ مِنْهُمْ أَحَدًا (22)يقول تعالى ذكره:سيقول بعض الخائضين في أمر الفتية من أصحاب الكهف، هم ثلاثة رابعهم كلبهم، ويقول بعضهم: هم خمسة سادسهم كلبهم (رَجْمًا بِالْغَيْبِ) : يقول: قذفا بالظنّ غير يقين علم، كما قال الشاعر:وأجْعَلُ مِنِّي الحَقَّ غَيْبا مُرَجَّمَا (1)وبنحو الذي قلنا في ذلك، قال أهل التأويل.* ذكر من قال ذلك:حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة ، قوله: (سَيَقُولُونَ ثَلاثَةٌ رَابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ وَيَقُولُونَ خَمْسَةٌ سَادِسُهُمْ كَلْبُهُمْ رَجْمًا بِالْغَيْبِ) : أي قذفا بالغيب.حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن قتادة، في قوله: (رَجْمًا بِالْغَيْبِ) قال: قذفا بالظنّ.وقوله (وَيَقُولُونَ سَبْعَةٌ وَثَامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ) يقول: ويقول بعضهم: هم سبعة وثامنهم كلبهم.(قُلْ رَبِّي أَعْلَمُ بِعِدَّتِهِمْ) يقول عزّ ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: قل يا محمد لقائلي هذه الأقوال في عدد الفتية من أصحاب الكهف رجما منهم بالغيب: (رَبِّي أَعْلَمُ بِعِدَّتِهِمْ مَا يَعْلَمُهُمْ) يقول: ما يعلم عددهم (إِلا قَلِيلٌ) من خلقه.كما حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة (مَا يَعْلَمُهُمْ إِلا قَلِيلٌ) يقول: قليل من الناس.وقال آخرون: بل عنى بالقليل: أهل الكتاب.* ذكر من قال ذلك:حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، عن عطاء الخراساني، عن ابن عباس (مَا يَعْلَمُهُمْ إِلا قَلِيلٌ) قال: يعني أهل الكتاب ، وكان ابن عباس يقول: أنا ممن استثناه الله، ويقول: عدتهم سبعة.حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا إسرائيل ، عن سماك، عن عكرمة، عن ابن عباس (مَا يَعْلَمُهُمْ إِلا قَلِيلٌ) قال: أنا من القليل، كانوا سبعة.حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، ذكر لنا أن ابن عباس كان يقول: أنا من أولئك القليل الذين استثنى الله، كانوا سبعة وثامنهم كلبهم.حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، قال: قال ابن جريج: قال ابن عباس: عدتهم سبعة وثامنهم كلبهم، وأنا ممن استثنى الله.حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن قتادة، في قوله: (مَا يَعْلَمُهُمْ إِلا قَلِيلٌ) قال: كان ابن عباس يقول: أنا من القليل، هم سبعة وثامنهم كلبهم.وقوله: (فَلا تُمَارِ فِيهِمْ إِلا مِرَاءً ظَاهِرًا) يقول عز ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: فلا تمار يا محمد: يقول: لا تجادل أهل الكتاب فيهم، يعني في عدة أهل الكهف، وحُذِفت العِدّة اكتفاء بذكرهم فيها لمعرفة السامعين بالمراد.وبنحو الذي قلنا في ذلك، قال أهل التأويل.* ذكر من قال ذلك:حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد في قوله: (فَلا تُمَارِ فِيهِمْ) قال: لا تمار في عدتهم.وقوله: (إِلا مِرَاءً ظَاهِرًا) اختلف أهل التأويل في معنى المراء الظاهر الذي استثناه الله، ورخص فيه لنبيه صلى الله عليه وسلم، فقال بعضهم: هو ما قصّ الله في كتابه أبيح له أن يتلوه عليهم، ولا يماريهم بغير ذلك.* ذكر من قال ذلك:حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله (فَلا تُمَارِ فِيهِمْ إِلا مِرَاءً ظَاهِرًا) يقول: حسبك ما قصصت عليك فلا تمار فيهم.حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد (فَلا تُمَارِ فِيهِمْ إِلا مِرَاءً ظَاهِرًا) يقول: إلا بما قد أظهرنا لك من أمرهم.حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة ، قوله (فَلا تُمَارِ فِيهِمْ إِلا مِرَاءً ظَاهِرًا) : أي حَسْبُك ما قصصنا عليك من شأنهم.حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن قتادة (فَلا تُمَارِ فِيهِمْ) قال: حَسْبُك ما قصصنا عليك من شأنهم.حُدثت عن الحسين بن الفرج، قال: سمعت أبا معاذ يقول: ثنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: (فَلا تُمَارِ فِيهِمْ إِلا مِرَاءً ظَاهِرًا) يقول: حَسْبُك ما قصصنا عليك.وقال آخرون: المِراء الظاهر هو أن يقول ليس كما تقولون، ونحو هذا من القول.* ذكر من قال ذلك:حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد في قوله: (إِلا مِرَاءً ظَاهِرًا) قال: أن يقول لهم: ليس كما تقولون ، ليس تعلمون عدتهم إن قالوا كذا وكذا فقل ليس كذلك، فإنهم لا يعلمون عدّتهم، وقرأ (سَيَقُولُونَ ثَلاثَةٌ رَابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ) حتى بلغ (رَجْمًا بِالْغَيْبِ).وقوله: (وَلا تَسْتَفْتِ فِيهِمْ مِنْهُمْ أَحَدًا) يقول تعالى ذكره: ولا تستفت في عدّة الفتية من أصحاب الكهف منهم، يعني من أهل الكتاب أحدا، لأنهم لا يعلمون عدتهم، وإنما يقولون فيهم رجما بالغيب، لا يقينا من القول.وبنحو الذي قلنا في ذلك، قال أهل التأويل.* ذكر من قال ذلك:حدثنا أبو كريب، قال: ثنا يحيى بن عيسى، عن سفيان، عن قابوس، عن أبيه، عن ابن عباس، في قوله: (وَلا تَسْتَفْتِ فِيهِمْ مِنْهُمْ أَحَدًا ) قال: هم أهل الكتاب.حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى ، وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد (وَلا تَسْتَفْتِ فِيهِمْ مِنْهُمْ أَحَدًا) من يهود.حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد (وَلا تَسْتَفْتِ فِيهِمْ مِنْهُمْ أَحَدًا) : من يهود، قال: ولا تسأل يهودَ عن أمر أصحاب الكهف، إلا ما قد أخبرتك من أمرهم.حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة (وَلا تَسْتَفْتِ فِيهِمْ مِنْهُمْ أَحَدًا) : من أهل الكتاب. كنا نحدّث أنهم كانوا بني الركنا (2) والركنا: ملوك الروم، رزقهم الله الإسلام، فتفرّدوا بدينهم، واعتزلوا قومهم، حتى انتهوا إلى الكهف، فضرب الله على أصمختهم، فلبثوا دهرا طويلا حتى هلكت أمَّتهم وجاءت أمَّة مسلمة بعدهم، وكان ملكهم مسلما.--------------------------------------------------------------------------------الهوامش:(1) هذا عجز بيت لم أقف على قائله . وهو شاهد على أن معنى الرجم معناه: القول بالظن على غير يقين علم . قال أبو عبيدة في مجاز القرآن ( 1 : 398 ) : " رجما بالغيب " : الرجم ما لا تستيقنه . قال : ظن مرجم : لا يدرى : أحق هو أم باطل ؟ قال زهير :وَمَا الحَرْبُ إلا ما رأيْتُمْ وَذُقْتُمُوَمَا هُوَ عَنْها بالحَدِيثِ المُرَجَّمِ( وفي اللسان : رجم ) والرجم : القول بالظن والحدس.(2) الركنا : كذا بالقصر ، ولعله أصله الركنا بالمد ، جمع ركين ، وهو من الرجال : الوقور الرزين أو القوي بعشيرته وكثرتها.
وَ لَا تَقُوْلَنَّ لِشَایْءٍ اِنِّیْ فَاعِلٌ ذٰلِكَ غَدًاۙ(۲۳)
اور ان کے (ف ۴۷) بارے میں کسی کتابی سے کچھ نہ پوچھو، اور ہر گز کسی بات کو نہ کہنا میں کل یہ کردوں گا،
القول في تأويل قوله تعالى ( ولا تقولن لشئ إنى فاعل ذلك غدا) (23)
اِلَّاۤ اَنْ یَّشَآءَ اللّٰهُ٘-وَ اذْكُرْ رَّبَّكَ اِذَا نَسِیْتَ وَ قُلْ عَسٰۤى اَنْ یَّهْدِیَنِ رَبِّیْ لِاَقْرَبَ مِنْ هٰذَا رَشَدًا(۲۴)
مگر یہ کہ اللہ چاہے (ف۴۸) اور اپنے رب کی یاد کر جب تو بھول جائے (ف۴۹) اور یوں کہو کہ قریب ہے میرا رب مجھے اس (ف۵۰) سے نزدیک تو راستی کی راہ دکھائے، (ف۵۱)
القول في تأويل قوله تعالى : إِلا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذَا نَسِيتَ وَقُلْ عَسَى أَنْ يَهْدِيَنِي رَبِّي لأَقْرَبَ مِنْ هَذَا رَشَدًا (24)وهذا تأديب من الله عز ذكره لنبيه صلى الله عليه وسلم عهد إليه أن لا يجزم على ما يحدث من الأمور أنه كائن لا محالة، إلا أن يصله بمشيئة الله، لأنه لا يكون شيء إلا بمشيئة الله.وإنما قيل له ذلك فيما بلغنا من أجل أنه وعد سائليه عن المسائل الثلاث اللواتي قد ذكرناها فيما مضى اللواتي، إحداهنّ المسألة عن أمر الفتية من أصحاب الكهف أن يجيبهم عنهنّ غد يومهم، ولم يستثن، فاحتبس الوحي عنه فيما قيل من أجل ذلك خمس عشرة، حتى حزنه إبطاؤه ، ثم أنزل الله عليه الجواب عنهنّ، وعرف نبيه سبب احتباس الوحي عنه ، وعلَّمه ما الذي ينبغي أن يستعمل في عداته وخبره عما يحدث من الأمور التي لم يأته من الله بها تنزيل، فقال: وَلا تَقُولَنَّ يا محمد لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا كما قلت لهؤلاء الذين سألوك عن أمر أصحاب الكهف، والمسائل التي سألوك عنها، سأخبركم عنها غدا( إِلا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ ). ومعنى الكلام: إلا أن تقول معه: إن شاء الله، فترك ذكر تقول اكتفاء بما ذكر منه، إذ كان في الكلام دلالة عليه ، وكان بعض أهل العربية يقول: جائز أن يكون معنى قوله: ( إِلا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ ) استثناء من القول، لا من الفعل كأن معناه عنده: لا تقولنّ قولا إلا أن يشاء الله ذلك القول، وهذا وجه بعيد من المفهوم بالظاهر من التنزيل مع خلافه تأويل أهل التأويل.وقوله: ( وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذَا نَسِيتَ ) اختلف أهل التأويل في معناه، فقال بعضهم: واستثن في يمينك إذا ذكرت أنك نسيت ذلك في حال اليمين.* ذكر من قال ذلك:حدثنا محمد بن هارون الحربيّ ، قال: ثنا نعيم بن حماد، قال: ثنا هشيم، عن الأعمش، عن مجاهد، عن ابن عباس، في الرجل يحلف، قال له: أن يستثني ولو إلى سنة، وكان يقول ( وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذَا نَسِيتَ ) في ذلك قيل للأعمش سمعته من مجاهد، فقال: ثني به ليث بن أبي سليم، يرى ذهب كسائي (3) هذا.حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن أبي جعفر، عن الربيع، عن أبي العالية، في قوله وَلا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا * إِلا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذَا نَسِيتَ الاستثناء ، ثم ذكرت فاستثن.حدثنا محمد بن عبد الأعلى، قال: ثنا المعتمر، عن أبيه ، في قوله: ( وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذَا نَسِيتَ ) قال: بلغني أن الحسن، قال: إذا ذكر أنه لم يقل: إن شاء الله، فليقل: إن شاء الله.وقال آخرون: معناه: واذكر ربك إذا عصيت.* ذكر من قال ذلك:حدثني نصر بن عبد الرحمن، قال: ثنا حكام بن سلم، عن أبي سنان، عن ثابت، عن عكرمة، في قول الله: ( وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذَا نَسِيتَ ) قال: اذكر ربك إذا عصيت.حدثنا ابن حميد، قال: ثنا حكام، عن أبي سنان، عن ثابت، عن عكرمة، مثله .وأولى القولين في ذلك بالصواب، قول من قال: معناه: واذكر ربك إذا تركت ذكره، لأن أحد معاني النسيان في كلام العرب الترك، وقد بيَّنا ذلك فيما مضى قبل.فإن قال قائل: أفجائز للرجل أن يستثني في يمينه إذ كان معنى الكلام ما ذكرت بعد مدة من حال حلفه؟ قيل: بل الصواب أن يستثني ولو بعد حِنثه في يمينه، فيقول: إن شاء الله ليخرج بقيله ذلك مما ألزمه الله في ذلك بهذه الآية، فيسقط عنه الحرج بتركه ما أمره بقيله من ذلك ، فأما الكفارة فلا تسقط عنه بحال، إلا أن يكون استثناؤه موصولا بيمينه.فإن قال: فما وجه قول من قال له: ثُنْياه ولو بعد سنة، ومن قال له ذلك ولو بعد شهر، وقول من قال ما دام في مجلسه؟ قيل: إن معناهم في ذلك نحو معنانا في أن ذلك له، ولو بعد عشر سنين، وأنه باستثنائه وقيله إن شاء الله بعد حين من حال حلفه، يسقط عنه الحرج الذي لو لم يقله كان له لازما ، فأما الكفارة فله لازمة بالحِنْث بكلّ حال، إلا أن يكون استثناؤه كان موصولا بالحلف، وذلك أنا لا نعلم قائلا قال ممن قال له الثُّنْيا بعد حين يزعم أن ذلك يضع عنه الكفارة إذا حنِث، ففي ذلك أوضح الدليل على صحة ما قلنا في ذلك، وأن معنى القول فيه، كان نحو معنانا فيه.وقوله: ( وَقُلْ عَسَى أَنْ يَهْدِيَنِي رَبِّي لأقْرَبَ مِنْ هَذَا رَشَدًا ) يقول عز ذكره لنبيه صلى الله عليه وسلم: قل ولعل الله أن يهديني فيسدّدني لأسدَّ مما وعدتكم وأخبرتكم أنه سيكون، إن هو شاء.وقد قيل: إن ذلك مما أمر النبيّ صلى الله عليه وسلم أن يقوله إذا نسي الاستثناء في كلامه، الذي هو عنده في أمر مستقبل مع قوله: إن شاء الله، إذا ذكر.*ذكر من قال ذلك: حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا المعتمر، عن أبيه، عن محمد، رجل من أهل الكوفة، كان يفسر القرآن، وكان يجلس إليه يحيى بن عباد، قال: وَلا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا * إِلا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذَا نَسِيتَ وَقُلْ عَسَى أَنْ يَهْدِيَنِي رَبِّي لأَقْرَبَ مِنْ هَذَا رَشَدًا قال فقال: وإذا نسي الإنسان أن يقول: إن شاء الله، قال: فتوبته من ذلك، أو كفارة ذلك أن يقول: ( عَسَى أَنْ يَهْدِيَنِي رَبِّي لأقْرَبَ مِنْ هَذَا رَشَدًا ).-------------------------الهوامش :(3) قوله "يرى: ذهب الكسائي هذا " هكذا جاءت هذه العبارة في الجزء الخامس عشر من النسخة المخطوطة رقم 100 الورقة 411 والعبارة غامضة ، ولعل فيها تحريفا.
وَ لَبِثُوْا فِیْ كَهْفِهِمْ ثَلٰثَ مِائَةٍ سِنِیْنَ وَ ازْدَادُوْا تِسْعًا(۲۵)
اور وہ اپنے غار میں تین سو برس ٹھہرے نو اوپر، ف۵۲)
القول في تأويل قوله تعالى : وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ثَلاثَ مِائَةٍ سِنِينَ وَازْدَادُوا تِسْعًا (25)اختلف أهل التأويل في معنى قوله (وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ثَلاثَ مِائَةٍ سِنِينَ وَازْدَادُوا تِسْعًا) فقال بعضهم: ذلك خبر من الله تعالى ذكره عن أهل الكتاب أنهم يقولون ذلك كذلك، واستشهدوا على صحة قولهم ذلك بقوله : ( قُلِ اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثُوا ) وقالوا: لو كان ذلك خبرا من الله عن قدر لبثهم في الكهف، لم يكن لقوله ( قُلِ اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثُوا ) وجه مفهوم، وقد أعلم الله خلقه مبلغ لبثهم فيه وقدره.* ذكر من قال ذلك:حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة ، قوله: (وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ثَلاثَ مِائَةٍ سِنِينَ وَازْدَادُوا تِسْعًا) هذا قول أهل الكتاب، فردّه الله عليهم فقال: ( قُلِ اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثُوا لَهُ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ ).حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن قتادة في قوله (وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ) قال: في حرف ابن مسعود : (وَقَالُوا: وَلَبِثُوا ) يعني أنه قال الناس، ألا ترى أنه قال : ( قُلِ اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثُوا ) .حدثنا عليّ بن سهل، قال: ثنا ضمرة بن ربيعة، عن ابن شوذب عن مطر الورّاق، في قول الله: (وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ثَلاثَ مِائَةٍ سِنِينَ) قال: إنما هو شيء قالته اليهود، فردّه الله عليهم وقال: ( قُلِ اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثُوا ).وقال آخرون: بل ذلك خبر من الله عن مبلغ ما لبثوا في كهفهم.* ذكر من قال ذلك:حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى ، وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد (وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ثَلاثَ مِائَةٍ سِنِينَ وَازْدَادُوا تِسْعًا) قال: عدد ما لبثوا.حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد بنحوه، وزاد فيه ( قُلِ اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثُوا ).حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلمة، عن عبد العزيز بن أبي رواد، عن عبد الله بن عبيد بن عمير، قال: (وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ثَلاثَ مِائَةٍ سِنِينَ وَازْدَادُوا تِسْعًا) قال: وتسع سنين.حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلمة، عن ابن إسحاق بنحوه.حدثنا موسى بن عبد الرحمن المسروقي، قال: ثنا أبو أسامة، قال: ثني الأجلح، عن الضحاك بن مزاحم، قال: نزلت هذه الآية (وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ثَلاثَ مِائَةٍ) فقالوا: أياما أو أشهرا أو سنين؟ فأنزل الله: ( سِنِينَ وَازْدَادُوا تِسْعًا ).حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى ، وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد (وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ) قال: بين جبلين.حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد، مثله.وأولى الأقوال في ذلك بالصواب أن يقال كما قال الله عزّ ذكره: ولبث أصحاب الكهف في كهفهم رقودا إلى أن بعثهم الله، ليتساءلوا بينهم، وإلى أن أعثر عليهم من أعثر، ثلاثمائة سنين وتسع سنين، وذلك أن الله بذلك أخبر في كتابه ، وأما الذي ذكر عن ابن مسعود أنه قرأ ( وَقَالُوا وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ) وقول من قال ذلك من قول أهل الكتاب، وقد ردّ الله ذلك عليهم، فإن معناه في ذلك: إن شاء الله كان أن أهل الكتاب قالوا فيما ذُكر على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن للفتية من لدن دخلوا الكهف إلى يومنا ثلاثمائة سنين وتسع سنين، فردّ الله ذلك عليهم، وأخبر نبيه أن ذلك قدر لبثهم في الكهف من لدن أووا إليه أن بعثهم ليتساءلوا بينهم ، ثم قال جلّ ثناؤه لنبيه صلى الله عليه وسلم: قل يا محمد: الله أعلم بما لبثوا بعد أن قبض أرواحهم، من بعد أن بعثهم من رقدتهم إلى يومهم هذا، لا يعلم بذلك غير الله، وغير من أعلمه الله ذلك.فإن قال قائل: وما يدلّ على أن ذلك كذلك؟ قيل: الدالّ على ذلك أنه جلّ ثناؤه ابتدأ الخبر عن قدر لبثهم في كهفهم ابتداء، فقال: ) (وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ثَلاثَ مِائَةٍ سِنِينَ وَازْدَادُوا تِسْعًا) ولم يضع دليلا على أن ذلك خبر منه عن قول قوم قالوه، وغير جائز أن يضاف خبره عن شيء إلى أنه خبر عن غيره بغير برهان، لأن ذلك لو جاز جاز في كل أخباره ، وإذا جاز ذلك في أخباره جاز في أخبار غيره أن يضاف إليه أنها أخباره، وذلك قلب أعيان الحقائق وما لا يخيل فساده.فإن ظنّ ظانّ أن قوله: ( قُلِ اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثُوا ) دليل على أن قوله: (وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ) خبر منه عن قوم قالوه، فإن ذلك كان يجب أن يكون كذلك لو كان لا يحتمل من التأويل غيره ، فأما وهو محتمل ما قلنا من أن يكون معناه: قل الله أعلم بما لبثوا إلى يوم أنزلنا هذه السورة، وما أشبه ذلك من المعاني فغير واجب أن يكون ذلك دليلا على أن قوله: (وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ) خبر من الله عن قوم قالوه، وإذا لم يكن دليلا على ذلك، ولم يأت خبر بأن قوله: (وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ) خبر من الله عن قوم قالوه، ولا قامت بصحة ذلك حجة يجب التسليم لها، صحّ ما قلنا، وفسد ما خالفه.واختلفت القرّاء في قراءة قوله: (ثَلاثَ مِائَةٍ سِنِينَ) فقرأت ذلك عامة قرّاء المدينة والبصرة وبعض الكوفيين (ثَلاثَ مِائَةٍ سِنِينَ) بتنوين : ثَلَاثَمِائَةٍ ، بمعنى: ولبثوا في كهفهم سنين ثلاثمائة ، وقرأته عامة قرّاء أهل الكوفة (ثَلاثَ مِائَةِ سِنِينَ) بإضافة ثلاثمائة إلى السنين: غير منون.وأولى القراءتين في ذلك عندي بالصواب قراءة من قرأه: (ثَلاثَ مِائَةٍ) بالتنوين (سِنِينَ) ، وذلك أن العرب إنما تضيف المئة إلى ما يفسرها إذا جاء تفسيرها بلفظ الواحد، وذلك كقولهم ثلاث مئة درهم، وعندي مئة دينار، لأن المئة والألف عدد كثير، والعرب لا تفسر ذلك إلا بما كان بمعناه في كثرة العدد، والواحد يؤدّى عن الجنس، وليس ذلك للقليل من العدد، وإن كانت العرب ربما وضعت الجمع القليل موضع الكثير، وليس ذلك بالكثير، وأما إذا جاء تفسيرها بلفظ الجمع، فإنها تنوّن، فتقول: عندي ألفٌ دراهمُ، وعندي مئةٌ دنانير، على ما قد وصفت.
قُلِ اللّٰهُ اَعْلَمُ بِمَا لَبِثُوْاۚ-لَهٗ غَیْبُ السَّمٰوٰتِ وَ الْاَرْضِؕ-اَبْصِرْ بِهٖ وَ اَسْمِعْؕ-مَا لَهُمْ مِّنْ دُوْنِهٖ مِنْ وَّلِیٍّ٘-وَّ لَا یُشْرِكُ فِیْ حُكْمِهٖۤ اَحَدًا(۲۶)
تم فرماؤ اللہ خوب جانتا ہے وہ جتنا ٹھہرے (ف۵۳) اسی کے لیے ہیں آسمانوں اور زمینوں کے سب غیب، وہ کیا ہی دیکھتا اور کیا ہی سنتا ہے (ف۵۴) اس کے سوا ان کا (ف۵۵) کوئی والی نہیں، اور وہ اپنے حکم میں کسی کو شریک نہیں کرتا،
القول في تأويل قوله : ( لَهُ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ ) يقول تعالى ذكره: لله علم غيب السماوات والأرض، لا يعزب عنه علم شيء منه، ولا يخفى عليه شيء ، يقول: فسلموا له علم مبلغ ما لبثت الفتية في الكهف إلى يومكم هذا، فإن ذلك لا يعلمه سوى الذي يعلم غيب السماوات والأرض، وليس ذلك إلا الله الواحد القهار.وقوله: ( أَبْصِرْ بِهِ وَأَسْمِعْ ) يقول: أبصر بالله وأسمع، وذلك بمعنى المبالغة في المدح، كأنه قيل: ما أبصره وأسمعه.وتأويل الكلام: ما أبصر الله لكلّ موجود، وأسمعه لكلّ مسموع، لا يخفى عليه من ذلك شيء.كما حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة ( أَبْصِرْ بِهِ وَأَسْمِعْ ) فلا أحد أبصر من الله ولا أسمع، تبارك وتعالى!.حدثنا يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد ، في قوله: ( أَبْصِرْ بِهِ وَأَسْمِعْ مَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ ) قال: يرى أعمالهم، ويسمع ذلك منهم سميعا بصيرا.وقوله: ( مَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ ) يقول جلّ ثناؤه: ما لخلقه دون ربهم الذي خلقهم وليّ ، يلي أمرهم وتدبيرهم، وصرفهم فيما هم فيه مصرفون.( وَلا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَدًا ) يقول: ولا يجعل الله في قضائه ، وحكمه في خلقه أحدا سواه شريكا، بل هو المنفرد بالحكم والقضاء فيهم، وتدبيرهم وتصريفهم فيما شاء وأحبّ.
وَ اتْلُ مَاۤ اُوْحِیَ اِلَیْكَ مِنْ كِتَابِ رَبِّكَۚ- لَا مُبَدِّلَ لِكَلِمٰتِهٖۚ-وَ لَنْ تَجِدَ مِنْ دُوْنِهٖ مُلْتَحَدًا(۲۷)
اور تلاوت کرو جو تمہارے رب کی کتاب (ف۵۶) تمہیں وحی ہوئی اس کی باتوں کا کوئی بدلنے والا نہیں (ف۵۷) اور ہرگز تم اس کے سوا پناہ نہ پاؤ گے،
القول في تأويل قوله تعالى : وَاتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنْ كِتَابِ رَبِّكَ لا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ وَلَنْ تَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَدًا (27)يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: واتبع يا محمد ما أنزل إليك من كتاب ربك هذا، ولا تتركنّ تلاوته، واتباع ما فيه من أمر الله ونهيه، والعمل بحلاله وحرامه، فتكون من الهالكين ، وذلك أن مصير من خالفه، وترك اتباعه يوم القيامة إلى جهنم ( لا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ ) يقول: لا مغير لما أوعد بكلماته التي أنزلها عليك أهل معاصيه، والعاملين بخلاف هذا الكتاب الذي أوحيناه إليك.وقوله: ( وَلَنْ تَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَدًا ) يقول: وإن أنت يا محمد لم تتل ما أوحي إليك من كتاب ربك فتتبعه وتأتمّ به، فنالك وعيد الله الذي أوعد فيه المخالفين حدوده، لن تجد من دون الله موئلا تئل إليه ومعدلا تعدل عنه إليه، لأن قدرة الله محيطة بك وبجميع خلقه، لا يقدر أحد منهم على الهرب من أمر أراد به.وبنحو الذي قلنا في معنى قوله: (مُلْتَحَدًا) قال أهل التأويل، وإن اختلفت ألفاظهم في البيان عنه.* ذكر من قال ذلك:حدثنا محمد بن بشار، قال: ثنا يحيى بن سعيد، عن سفيان ، عن منصور، عن مجاهد، في قوله: (مُلْتَحَدًا) قال: مَلْجَأ.حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى ، وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد (مُلْتَحَدًا) قال: ملجأ.حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد، مثله.حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة ( وَلَنْ تَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَدًا ) قال: موئلا.حدثنا الحسن، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر ، عن قتادة، في قوله: (مُلْتَحَدًا) قال: ملجأ ولا موئلا.حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد ، في قوله: ( وَلَنْ تَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَدًا ) قال: لا يجدون ملتحدا يلتحدونه، ولا يجدون من دونه ملجأ ولا أحدا يمنعهم ، والملتحد: إنما هو المفتعل من اللحد، يقال منه: لحدت إلى كذا: إذا ملت إليه ، ومنه قيل للحد: لحد، لأنه في ناحية من القبر، وليس بالشق الذي في وسطه، ومنه الإلحاد في الدين، وهو المعاندة بالعدول عنه ، والترك له.
وَ اصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِیْنَ یَدْعُوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَدٰوةِ وَ الْعَشِیِّ یُرِیْدُوْنَ وَجْهَهٗ وَ لَا تَعْدُ عَیْنٰكَ عَنْهُمْۚ-تُرِیْدُ زِیْنَةَ الْحَیٰوةِ الدُّنْیَاۚ-وَ لَا تُطِعْ مَنْ اَغْفَلْنَا قَلْبَهٗ عَنْ ذِكْرِنَا وَ اتَّبَعَ هَوٰىهُ وَ كَانَ اَمْرُهٗ فُرُطًا(۲۸)
اور اپنی جان ان سے مانوس رکھو جو صبح و شام اپنے رب کو پکارتے ہیں اس کی رضا چاہتے ہیں (ف۵۸) اور تمہاری آنکھیں انہیں چھوڑ کر اور پر نہ پڑیں کیا تم دنیا کی زندگانی کا سنگھار چاہو گے، اور اس کا کہا نہ مانو جس کا دل ہم نے اپنی یاد سے غافل کردیا اور وہ اپنی خواہش کے پیچھے چلا اور اس کا کام حد سے گزر گیا،
القول في تأويل قوله تعالى : وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا (28)يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: (واصْبِرْ) يا محمد (نَفْسَكَ مَعَ) أصحابك ( الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ ) بذكرهم إياه بالتسبيح والتحميد والتهليل والدعاء والأعمال الصالحة من الصلوات المفروضة وغيرها(يُرِيدُونَ) بفعلهم ذلك (وَجْهَهُ) لا يريدون عرضا من عرض الدنيا.وقد ذكرنا اختلاف المختلفين في قوله ( يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ ) في سورة الأنعام، والصواب من القول في ذلك عندنا، فأغنى ذلك عن إعادته في هذا الموضع ، والقرّاء على قراءة ذلك ( بالغَدَاةِ والعَشيّ ) ، وقد ذُكر عن عبد الله بن عامر وأبي عبد الرحمن السلمي أنهما كانا يقرآنه (بالغَدَوةِ والعَشِيّ) ، وذلك قراءة عند أهل العلم بالعربية مكروهة، لأن غدوة معرّفة، ولا ألف ولا لام فيها، وإنما يعرف بالألف واللام ما لم يكن معرفة ، فأما المعارف فلا تعرّف بهما ، وبعد، فإن غدوة لا تضاف إلى شيء، وامتناعها من الإضافة دليل واضح على امتناع الألف واللام من الدخول عليها، لأن ما دخلته الألف واللام من الأسماء صلحت فيه الإضافة ، وإنما تقول العرب: أتيتك غداة الجمعة، ولا تقول: أتيتك غدوة الجمعة، والقراءة عندنا في ذلك ما عليه القرّاء في الأمصار لا نستجيز غيرها لإجماعها على ذلك، وللعلة التي بيَّنا من جهة العربية.( وَلا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ ) يقول جل ثناؤه لنبيه صلى الله عليه وسلم: ولا تصرف عيناك عن هؤلاء الذين أمرتك يا محمد أن تصبر نفسك معهم إلى غيرهم من الكفار، ولا تجاوزهم إليه ، وأصله من قولهم: عدوت ذلك، فأنا أعدوه: إذا جاوزته.وبنحو الذي قلنا في ذلك، قال أهل التأويل.* ذكر من قال ذلك:حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، قال: قال ابن عباس، في قوله: ( وَلا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ ) قال: لا تجاوزهم إلى غيرهم.حدثني عليّ، قال: ثني عبد الله، قال: ثني معاوية، عن عليّ ، عن ابن عباس، قوله: ( وَلا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ ) يقول: لا تتعدّهم إلى غيرهم.حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد ، في قوله: ( وَاصْبِرْ نَفْسَكَ )... الآية، قال: قال القوم للنبيّ صلى الله عليه وسلم: إنا نستحيي أن نجالس فلانا وفلانا وفلانا، فجانبهم يا محمد، وجالس أشراف العرب، فنزل القرآن ( وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ ) ولا تحقرهم، قال: قد أمروني بذلك، قال: ( وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا ).حدثنا الربيع بن سليمان، قال: ثنا ابن وهب، قال: أخبرني أسامة بن زيد، عن أبي حازم، عن عبد الرحمن بن سهل بن حنيف ، أن هذه الآية لما نزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في بعض أبياته ( وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ ) فخرج يلتمس، فوجد قوما يذكرون الله، منهم ثائر الرأس، وجافّ الجلد، وذو الثوب الواحد، فلما رآهم جلس معهم، فقال: " الحَمْدُ للهِ الَّذِي جَعَلَ لي فِي أُمَّتِي مَنْ أمرني أنْ أصبِرَ نَفْسي مَعَهُ" ورُفعت العينان بالفعل، وهو لا تعد.وقوله: ( تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ) يقول تعالى ذكره لنبيه صلى الله عليه وسلم:لا تعدُ عيناك عن هؤلاء المؤمنين الذين يدعون ربهم إلى أشراف المشركين، تبغي بمجالستهم الشرف والفخر ، وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتاه فيما ذكر قوم من عظماء أهل الشرك، وقال بعضهم: بل من عظماء قبائل العرب ممن لا بصيرة لهم بالإسلام، فرأوه جالسا مع خباب وصهيب وبلال، فسألوه أن يقيمهم عنه إذا حضروا ، قالوا: فهمّ رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأنزل الله عليه: وَلا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ ثم كان يقوم إذا أراد القيام، ويتركهم قعودا، فأنزل الله عليه ( وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ) الآيَةَ(وَلا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ) يريد زينة الحياة الدنيا: مجالسة أولئك العظماء الأشراف. وفد ذكرت الرواية بذلك فيما مضى قبل في سورة الأنعام.حدثني الحسين بن عمرو العنقزي، قال: ثني أبي، قال: ثنا أسباط بن نصر، عن السدي، عن أبي سعيد الأزدي، وكان قارئ الأزد عن أبي الكنود، عن خباب في قصة ذكرها عن النبيّ صلى الله عليه وسلم، ذكر فيها هذا الكلام مدرجا في الخبر ( وَلا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ) قال: تجالس الأشراف.حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، قال: أخبرت أن عيينة بن حصن قال للنبيّ صلى الله عليه وسلم قبل أن يسلم: لقد آذاني ريح سلمان الفارسي، فاجعل لنا مجلسا منك لا يجامعوننا فيه، واجعل لهم مجلسا لا نجامعهم فيه، فنزلت الآية.حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة قال: ذُكر لنا أنه لما نزلت هذه الآية قال نبيّ الله صلى الله عليه وسلم: " الحَمْدُ للهِ الَّذِي جَعَلَ فِي أُمَّتي مَنْ أُمرْتُ أنْ أصبِرَ نَفْسِي مَعَه ".حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد ، في قوله ( تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ) قال: تريد أشراف الدنيا.حدثنا صالح بن مسمار، قال: ثنا الوليد بن عبد الملك، قال: سليمان بن عطاء، عن مسلمة بن عبد الله الجهنيّ ، عن عمه أبي مشجعة بن ربعي، عن سلمان الفارسي، قال: جاءت المؤلفة قلوبهم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم: عيينة بن حصن، (1) والأقرع بن حابس وذووهم، فقالوا: يا نبيّ الله، إنك لو جلست في صدر المسجد، ونفيت عنا هؤلاء وأرواح جبابهم يعنون سلمان وأبا ذرّ وفقراء المسلمين، وكانت عليهم جباب الصوف، ولم يكن عليهم غيرها - جلسنا إليك وحادثناك، وأخذنا عنك ، فأنزل الله : وَاتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنْ كِتَابِ رَبِّكَ لا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ وَلَنْ تَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَدًا ، حتى بلغ إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَارًا يتهدّدهم بالنار ، فقام نبيّ الله صلى الله عليه وسلم يلتمسهم حتى أصابهم في مؤخر المسجد يذكرون الله، فقال: " الحَمْدُ للهِ الَّذِي لَمْ يُمِتْني حتى أمَرَنِي أنْ أصْبِرَ نَفْسِي مَعَ رِجالٍ منْ أُمَّتي، مَعَكُمُ المَحْيا وَمَعَكُمُ المَماتُ".وقوله: ( وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ ) يقول تعالى ذكره لنبيه صلى الله عليه وسلم:ولا تطع يا محمد من شغلنا قلبه من الكفار الذين سألوك طرد الرهط الذين يدعون ربهم بالغداة والعشيّ عنك، عن ذكرنا، بالكفر وغلبة الشقاء عليه، واتبع هواه، وترك اتباع أمر الله ونهيه، وآثر هوى نفسه على طاعة ربه، وهم فيما ذُكر: عيينة بن حصن، والأقرع بن حابس وذووهم.حدثني الحسين بن عمرو بن محمد العنقزي، قال: ثنا أبي، قال: ثنا أسباط، عن السدي، عن أبي سعيد الأزدي، عن أبي الكنود ، عن خباب ( وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا ) قال: عُيينة، والأقرع.وأما قوله: ( وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا ) فإن أهل التأويل اختلفوا في تأويله، فقال بعضهم: معناه: وكان أمره ضياعا.* ذكر من قال ذلك:حدثنا محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى ، وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قول الله: ( وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا ) قال ابن عمرو في حديثه قال: ضائعا. وقال الحارث في حديثه: ضياعا.حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد، قال: ضياعا.وقال آخرون: بل معناه: وكان أمره ندما.* ذكر من قال ذلك:حدثنا محمد بن المثني، قال: ثنا بدل بن المحبر، قال: ثنا عباد بن راشد، عن داود (فُرُطا) قال: ندامة.وقال آخرون: بل معناه: هلاكا.* ذكر من قال ذلك:حدثني الحسين بن عمرو، قال: ثنا أبي، قال: ثنا أسباط ، عن السديّ، عن أبي سعيد الأزدي، عن أبي الكنود، عن خباب ( وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا ) قال: هلاكا.وقال آخرون: بل معناه: خلافا للحق.* ذكر من قال ذلك:حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد : ( وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا ) قال: مخالفا للحقّ، ذلك الفُرُط.وأولى الأقوال في ذلك بالصواب، قول من قال: معناه: ضياعا وهلاكا، من قولهم: أفرط فلان في هذا الأمر إفراطا: إذا أسرف فيه وتجاوز قدره، وكذلك قوله (وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا ) معناه: وكان أمر هذا الذي أغفلنا قلبه عن ذكرنا في الرياء والكبر، واحتقار أهل الإيمان، سرفا قد تجاوز حدّه، فَضَيَّع بذلك الحقّ وهلك.وقد: حدثنا أبو كريب، قال: ثنا أبو بكر بن عياش، قال: قيل له: كيف قرأ عاصم؟ فقال ( وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا ) قال أبو كريب: قال أبو بكر: كان عُيينة بن حصن يفخر بقول أنا وأنا.------------------------الهوامش:(1) في الأصل : عيينة بن بدر . والصواب : ابن حصن ، ولعله من سبق القلم . وقد ذكره صحيحا بعده بقليل .
وَ قُلِ الْحَقُّ مِنْ رَّبِّكُمْ- فَمَنْ شَآءَ فَلْیُؤْمِنْ وَّ مَنْ شَآءَ فَلْیَكْفُرْۙ-اِنَّاۤ اَعْتَدْنَا لِلظّٰلِمِیْنَ نَارًاۙ-اَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَاؕ-وَ اِنْ یَّسْتَغِیْثُوْا یُغَاثُوْا بِمَآءٍ كَالْمُهْلِ یَشْوِی الْوُجُوْهَؕ-بِئْسَ الشَّرَابُؕ-وَ سَآءَتْ مُرْتَفَقًا(۲۹)
اور فرما دو کہ حق تمہارے رب کی طرف سے ہے (ف۵۹) تو جو چاہے ایمان لائے اور جو چاہے کفر کرے (ف۶۰) بیشک ہم نے ظالموں (ف۶۱) کے لیے وہ آگ تیار کر رکھی ہے جس کی دیواریں انہیں گھیر لیں گی، اور اگر (ف۶۲) پانی کے لیے فریاد کریں تو ان کی فریاد رسی ہوگی اس پانی سے کہ چرخ دے (کھولتے ہوئے) دھات کی طرح ہے کہ ان کے منہ بھون دے گا کیا ہی برا پینا ہے (ف۶۳) اور دوزخ کیا ہی بری ٹھہرنے کی جگہ،
القول في تأويل قوله تعالى : وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَارًا أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءَتْ مُرْتَفَقًا (29)يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: وقل يا محمد لهؤلاء الذين أغفلنا قلوبهم عن ذكرنا، واتبعوا أهواءهم، الحقّ أيها الناس من عند ربكم، وإليه التوفيق والحذلان، وبيده الهدى والضلال يهدي من يشاء منكم للرشاد، فيؤمن، ويضلّ من يشاء عن الهدى فيكفر، ليس إلي من ذلك شيء، ولست بطارد لهواكم من كان للحقّ متبعا، وبالله وبما أنزل علي مؤمنا، فإن شئتم فآمنوا، وإن شئتم فاكفروا، فإنكم إن كفرتم فقد أعد لكم ربكم على كفركم به نار أحاط بكم سرادقها، وإن آمنتم به وعملتم بطاعته، فإن لكم ما وصف الله لأهل طاعته.وروي عن ابن عباس في ذلك ما حدثني عليّ، قال: ثنا عبد الله، قال: ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس، قوله: ( فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ ) يقول: من شاء الله له الإيمان آمن، ومن شاء الله له الكفر كفر، وهو قوله: وَمَا تَشَاءُونَ إِلا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ وليس هذا بإطلاق من الله الكفر لمن شاء، والإيمان لمن أراد، وإنما هو تهديد ووعيد.وقد بين أن ذلك كذلك قوله: ( إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَارًا ) والآيات بعدها.كما حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، عن عمر بن حبيب، عن داود، عن مجاهد، في قوله: ( فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ ). قال: وعيد من الله، فليس بمعجزي.حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد في قوله: ( فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ) وقوله اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ قال: هذا كله وعيد ليس مصانعة ولا مراشاة ولا تفويضا. وقوله: ( إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَارًا ) يقول تعالى ذكره: إنا أعددنا، وهو من العُدّة. للظالمين: الذين كفروا بربهم.كما حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب قال: قال ابن زيد، في قوله: ( إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَارًا أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا ) قال: للكافرين ، وقوله: ( أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا ) يقول: أحاط سرادق النار التي أعدّها الله للكافرين بربهم، وذلك فيما قيل: حائط من نار يطيف بهم كسرادق الفسطاط، وهي الحجرة التي تطيف بالفسطاط، كما قال رؤبة:يا حَكَمَ بنَ المُنْذِرِ بنَ الجارُودْسُرادِقُ الفَضْلِ عَلَيْكَ مَمْدُودْ (2)وكما قال سلامة بن جندل:هُوَ المُولِجُ النُّعْمانَ بيْتا سَماؤُهُصُدُورُ الفُيُولِ بعدَ بَيْتٍ مُسَرْدَقَ (3)يعني: بيتا له سرادق.* ذكر من قال ذلك:حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، قال: قال ابن عباس، في قوله: ( إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَارًا أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا ) قال: هي حائط من نار.حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثنا أبو سفيان ، عن معمر، عمن أخبره، قال ( أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا ) قال: دخان يحيط بالكفار يوم القيامة، وهو الذي قال الله: ظِلٍّ ذِي ثَلاثِ شُعَبٍ .وقد رُوي عن النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك خبر يدلّ على أن معنى قوله ( أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا ) أحاط بهم ذلك في الدنيا، وأن ذلك السرادق هو البحر.ذكر من قال ذلك: حدثني العباس بن محمد والحسين بن نصر، قالا ثنا أبو عاصم، عن عبد الله بن أمية، قال: ثني محمد ابن حيي بن يعلى، عن صفوان بن يعلى، عن يعلى بن أمية، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " البَحْرُ هو جَهَنَّمُ" قال: فقيل له: كيف ذلك، فتلا هذه الآية، أو قرأ هذه الآية: ( نَارًا أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا ) ثم قال: والله لا أدْخُلُها أبَدًا أوْ ما دُمْتُ حَيًّا، ولا تُصِيبُني مِنْها قَطْرَة.حدثنا محمد بن المثنى، قال: ثنا يعمر بن بشر، قال: ثنا ابن المبارك، قال: أخبرنا رشدين بن سعد، قال: ثني عمرو بن الحارث، عن أبي السمح، عن أبي الهيثم، عن أبي سعيد الخدري، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال: " سُرَادِقُ النَّارِ أرْبَعَةُ جُدُرٍ، كِثْفُ كُلّ وَاحِد مِثْلُ مَسِيرَةِ أرْبَعِينَ سَنَةً".حدثنا بشر، قال: ثنا ابن وهب، قال: أخبرني عمرو بن الحارث، عن درّاج، عن أبي الهيثم، عن أبي سعيد، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: " إن لِسُرَادِقِ النَّارِ أرْبَعَةَ جُدُرٍ، كِثْفُ كُلّ وَاحِد مِثْلُ مَسِيرَةِ أرْبَعِينَ سَنَةً".حدثنا بشر، قال: ثنا ابن وهب، قال: أخبرني عمرو، عن دراج، عن أبي الهيثم، عن أبي سعيد، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " ماءٌ كالمُهْلِ"، قال: " كَعَكَرِ الزَّيْتِ، فإذا قَرَّبَهُ إليه سقط فَرْوَةُ وَجْهِه فِيهِ".وقوله: ( وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ ) يقول تعالى ذكره: وإن يستغث هؤلاء الظالمون يوم القيامة في النار من شدّة ما بهم من العطش، فيطلبونَ الماء يُغاثوا بماء المُهْل.واختلف أهل التأويل في المهل، فقال بعضهم: هو كلّ شيء أذيب وانماع.* ذكر من قال ذلك:حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة ، قال: ذُكر لنا أن ابن مسعود أهديت إليه سِقاية من ذهب وفضة، فأمر بأخدود فخدّ في الأرض، ثم قذف فيه من جزل حطب، ثم قذف فيه تلك السقاية، حتى إذا أزبدت وانماعت قال لغلامه: ادع من يحضُرنا من أهل الكوفة، فدعا رهطا، فلما دخلوا عليه قال: أترون هذا؟ قالوا : نعم، قال: ما رأينا في الدنيا شبيها للمهل أدنى من هذا الذهب والفضة، حين أزبد وانماع.وقال آخرون: هو القيح والدم الأسود.* ذكر من قال ذلك:حدثنا ابن حميد، قال: ثنا حكام عن عنبسة، عن محمد بن عبد الرحمن، عن القاسم، عن أبي بَزَة، عن مجاهد في قوله: ( وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ ) قال: القيح والدم.حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى ، وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد ( بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ ) قال: القيح والدم الأسود، كعكر الزيت ، قال الحارث في حديثه: يعني درديه.حدثني عليّ، قال: ثنا عبد الله، قال: ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس، قوله: (كالمُهْلِ) قال: يقول: أسود كهيئة الزيت.حُدثت عن الحسين بن الفرج، قال: سمعت أبا معاذ يقول: أخبرنا عبيد بن سليمان، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ ) ماء جهنم أسود، وهي سوداء، وشجرها أسود، وأهلها سود.حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله ( وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ ) قال: هو ماء غليظ مثل دردي الزيت.وقال آخرون: هو الشيء الذي قد انتهى حرّه.* ذكر من قال ذلك:حدثنا ابن حميد، قال: ثنا يعقوب القمي، عن جعفر وهارون بن عنترة، عن سعيد بن جبير، قال: المهل: هو الذي قد انتهى حرة.وهذه الأقوال وإن اختلفت بها ألفاظ قائليها، فمتقاربات المعنى، وذلك أن كل ما أذيب من رصاص أو ذهب أو فضة فقد انتهى حرّه، وأن ما أوقدت عليه من ذلك النار حتى صار كدردي الزيت، فقد انتهى أيضا حرّه.وقد: حُدثت عن معمر بن المثنى، أنه قال: سمعت المنتجع بن نبهان يقول: والله لفلان أبغض إليّ من الطلياء (4) والمهل، قال: فقلنا له: وما هما؟ فقال: الجرباء، والملة التي تنحدر عن جوانب الخبزة إذا ملت في النار من النار، كأنها سهلة (5) حمراء مدققة، فهي أحمره، فالمهل إذا هو كلّ مائع قد أوقد عليه حتى بلغ غاية حره، أو لم يكن مائعا، فانماع بالوقود عليه، وبلغ أقصى الغاية في شدّة الحرّ.وقوله: ( يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرَابُ ) يقول جلّ ثناؤه: يشوي ذلك الماء الذي يغاثون به وجوههم.كما حدثني محمد بن خلف العسقلاني، قال: ثنا حيوة بن شريح، قال: ثنا بقية، عن صفوان بن عمرو، عن عبد الله بن بُسْر، هكذا قال ابن خلف عن أبي أمامة، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم، في قوله ( وَيُسْقَى مِنْ مَاءٍ صَدِيدٍ * يَتَجَرَّعُهُ قال: يقرب إليه فيتكرّهه، فإذا قرب منه، شوى وجهه، ووقعت فَرْوة رأسه، فإذا شربه قطع أمعاءه ، يقول الله: (وإن يستغيثوا يغاثوا بماء كالمهل يشوي الوجوه بئس الشراب).حدثنا محمد بن المثنى، قال: ثني إبراهيم بن إسحاق الطالَقاني ويعمر بن بشر، قالا ثنا ابن المبارك، عن صفوان، عن عبد الله بن بُسْر، عن أبي أمامة، عن النبي صلى الله عليه وسلم بمثله.حدثنا ابن حميد، قال: ثنا يعقوب، عن جعفر وهارون بن عنترة، عن سعيد بن جبير، قال هارون: إذا جاع أهل النار ، وقال جعفر: إذا جاء أهل النار استغاثوا بشجرة الزقوم، فأكلوا منها، فاختلست جلود وجوههم، فلو أن مارا مار بهم يعرفهم، لعرف جلود وجوههم فيها، ثم يصبّ عليهم العطش، فيستغيثون، فيغاثون بماء كالمهل، وهو الذي قد انتهى حرّه، فإذا أدنوه من أفواههم انشوى من حرّه لحوم وجوههم التي قد سقطت عنها الجلود.وقوله: (بِئْسَ الشَّرَابُ) يقول تعالى ذكره: بئس الشراب، هذا الماء الذي يغاث به هؤلاء الظالمون في جهنم الذي صفته ما وصف في هذه الآية.وقوله: (وَسَاءَتْ مُرْتَفَقًا) يقول تعالى ذكره: وساءت هذه النار التي أعتدناها لهؤلاء الظالمين مرتفقا ، والمرتفق في كلام العرب: المتكأ، يقال منه: ارتفقت إذا اتكأت، كما قال الشاعر:قالَتْ لَهُ وارْتَفَقَتْ ألا فَتىيَسُوقُ بالقَوْمِ غَزَالاتِ الضُّحَى (6)أراد: واتكأت على مرفقها ، وقد ارتفق الرجل: إذا بات على مرفقه لا يأتيه نوم، وهو مرتفق، كما قال أبو ذؤيب الهذلي :نامَ الخَلِيُّ وَبِتُّ اللَّيْلَ مُرْتَفِقًاكَأنَّ عَيْني فيها الصَّابُ مَذْبُوحُ (7)وأما من الرفق فإنه يقال: قد ارتفقت بك مرتفقا، وكان مجاهد يتأول قوله: ( وَسَاءَتْ مُرْتَفَقًا ) يعني المجتمع.* ذكر الرواية بذلك: حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى ، وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد (مُرْتَفَقا) : أي مجتمعا.حدثني يعقوب، قال: ثنا معتمر، عن ليث، عن مجاهد (وساءت مُرْتَفَقا) قال: مجتمعا.حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد مثله ، ولست أعرف الارتفاق بمعنى الاجتماع في كلام العرب، وإنما الارتفاق : افتعال، إما من المرفق، وإما من الرفق.--------------------------------------------------------------------------------الهوامش:(2) البيتان من أرجوزة قصيرة سبعة أبيات لرؤبة في ( ديوانه طبع ليبسج سنة 1903 ضمن الزوائد الملحقة بالديوان ، وهما الأول والخامس ، ص 172 ) . والبيتان من شواهد أبي عبيدة في ( مجاز القرآن 1 : 399) إلا أن رواية البيت الثاني فيه :* أنت الجواد بن الجود المحمود *وبعده البيت الثاني . قال : "أحاط بهم سرادقها " :كسرادق الفسطاط ، وهي الحجرة التي تطيف بالفسطاط ؛ قال رؤبة * يا حكم بن المنذر بن الجارود *وفي ( اللسان : سردق ) : السرادق : ما أحاط بالبناء ، والجمع سرادقات . قال سيبويه : جمعوه بالتاء وإن كان مذكرا ، حين لم يكسر . وفي التنزيل " أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا " . في صفة النار أعاذنا الله منها . قال الزجاج : صار عليهم سرادق من العقاب . والسرادق ما أحاط بالشيء ، نحو الشقة في المضرب ( الخيمة ) أو الحائط المشتمل على الشيء.(3) البيت في ديوان سلامة بن جندل السعدي التميمي ( طبعة بيروت سنة 1910 ص 19) من قصيدة عدة أبياتها ثلاثون بيتا . قال أبو عمرو : كان كسرى حبس النعمان في بيت فيه ثلاثة فيول ، والمسردق : ذو السرادق ، أو الذي عليه سرادق . وقال أبو عبيدة في ( مجاز القرآن 1 : 399 ) بعد أن أورد البيت : أي له سرادق . اه. وفي ( اللسان: سردق ) وقد سردق البيت . قال سلامة بن جندل : ( وأورد البيت ) . ثم قال الجوهري : السرادق : واحد السرادقات التي تمد فوق صحن الدار . وكل بيت من كرسف ( قطن ) فهو سرادق . قال رؤبة :يا حكم بن المنذر بن الجارودأنت الجواد ابن الجواد المحمودسرادق المجد عليك ممدودقال : وقيل : الرجز للكذاب الحرمازي . ونسب الجوهري بيت سلامة بن جندل إلى الأعشى ، وقال في سببه : يذكر ابن وبر وقتله النعمان بن المنذر . عن (لسان العرب : سردق ) .(4) يريد بالطلياء الناقة الجرباء المطلية بالقطران أو الخضخاض . ويريد بالمهل : الملة إذا حميت جدا ورأيتها تموج.(5) السهلة ، بالكسر ، تراب كالرمل أحمر يجيء به الماء ( اللسان)(6) هذان بيتان من مشطور الرجز ، ذكرهما اللسان في : غزل . ورواية الأول منهما مختلفة عن رواية المؤلف ، وهي :* دعت سليمى دعوة هل من فتى *وفي رواية أخرى : * ودعوة القوم ألا هل من فتى *وغزالة الضحى وغزالاته : بعد ما تنبسط الشمس وتضحى . ولا شاهد في البيت الأول على هاتين الروايتين .(7) البيت في ديوان أبي ذؤيب الهذلي طبع دار الكتب المصرية ، ( القسم الأول من ديوان الهذليين ص 104 ) وهو مطلع قصيدة له . وفيه " مشتجرا " في موضع " مرتفقا " ومشتجرا أي يشجر رأسه بيده ، يريد أنه وضع رأسه على يديه ، كما يشجر الثوب بالعود . وقال الأصمعي : الصاب : شجرة مرة لها لبن يمض العين إذا أصابها . ومذبوح : مشقوق . والذبح : الشق . ومرتفقا : واضعا مرفقه تحت رأسه . والبيت : من شواهد أبي عبيدة في ( مجاز القرآن 1 : 400 ) وأوله : " إني أرقت فبت . . . " . وقال : " ساءت مرتفقا " : أي متكئا . قال أبو ذؤيب . . . البيت .
اِنَّ الَّذِیْنَ اٰمَنُوْا وَ عَمِلُوا الصّٰلِحٰتِ اِنَّا لَا نُضِیْعُ اَجْرَ مَنْ اَحْسَنَ عَمَلًاۚ(۳۰)
بیشک جو ایمان لائے اور نیک کام کیے ہم ان کے نیگ (اجر) ضائع نہیں کرتے جن کے کام اچھے ہوں، (ف۶۴)
القول في تأويل قوله تعالى : إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ إِنَّا لا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلا (30)يقول تعالى ذكره: إن الذين صدقوا الله ورسوله، وعملوا بطاعة الله، وانتهوا إلى أمره ونهيه، إنا لا نضيع ثواب من أحسن عملا فأطاع الله، واتبع أمره ونهيه، بل نجازيه بطاعته وعمله الحسن جنات عدن تجري من تحتها الأنهار.فإن قال قائل: وأين خَبَر " إن " الأولى؟ قيل: جائز أن يكون خبرها قوله: ( إِنَّا لا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلا ) فيكون معنى الكلام:إنا لا نضيع أجر من عمل صالحا، فترك الكلام الأوّل، واعتمد على الثاني بنية التكرير، كما قيل : يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ بمعنى: عن قتال فيه على التكرير، وكما قال الشاعر:إنَّ الخَلِيفَةَ إنَّ اللهَ سَرْبَلَهُسِرْبالَ مُلْك بِهِ تُرْجَى الخَواتِيمُ (8)ويروى: تُرْخَى ، وجائز أن يكون: (إنَّ الَّذِينَ آمَنُوا) جزاء ، فيكون معنى الكلام: إن من عمل صالحا فإنا لا نضيع أجره، فتضمر الفاء في قوله " إنا " ، وجائز أن يكون خبرها: أولئك لهم جنات عدن، فيكون معنى الكلام: إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات، أولئك لهم جنات عدن.------------------------الهوامش:(8) في ( اللسان : سربل ) السربال : القميص والدرع . وفي حديث عثمان : " لا أخلع سربالا سربلنيه الله " كنى به عن الخلافة . واستشهد به المؤلف على أن التكرار في قوله تعالى : إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ إِنَّا لا نُضِيعُ ..... الآية ، له نظير في قول الشاعر : " إن الخليفة إن الله سربله . . . " البيت . وقد بين وجهي الإعراب في المكرر . والبيت من شواهد الفراء في ( معاني القرآن : الورقة 185 من مصورة الجامعة ) قال : خبر الذين آمنوا في قوله : إنا لا نضيع وهو مثل قول الشاعر : إن الخليفة . . . البيت ، فإنه في المعنى : إنا لا نضيع أجر من عمل صالحا . فترك الكلام الأول ، واعتمد على الثاني ، بنية التكرير . كما قال : " يسئلونك عن الشهر الحرام " ، ثم قال : قتال فيه " يريد : عن قتال فيه ، بالتكرير ويكون أن تجعل " إن الذين آمنوا وعملوا " في مذهب جزاء ، كقولك : إن من عمل صالحا فإنا لا نضيع أجره ، فتضمر الفاء في قوله " فإنا " ، وإلقاؤها جائز ، وهو أحب الوجوه إلي .
اُولٰٓىٕكَ لَهُمْ جَنّٰتُ عَدْنٍ تَجْرِیْ مِنْ تَحْتِهِمُ الْاَنْهٰرُ یُحَلَّوْنَ فِیْهَا مِنْ اَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَّ یَلْبَسُوْنَ ثِیَابًا خُضْرًا مِّنْ سُنْدُسٍ وَّ اِسْتَبْرَقٍ مُّتَّكِـٕیْنَ فِیْهَا عَلَى الْاَرَآىٕكِؕ-نِعْمَ الثَّوَابُؕ-وَ حَسُنَتْ مُرْتَفَقًا۠(۳۱)
ان کے لیے بسنے کے باغ ہیں ان کے نیچے ندیاں بہیں وہ اس میں سونے کے کنگن بہنائے جایں گے (ف۶۵) اور سبز کپڑے کریب اور قناویز کے پہنیں گے وہاں تختوں پر تکیہ لگائے (ف۶۶) کیا ہی اچھا ثواب اور جنت کی کیا ہی اچھی آرام کی جگہ،
القول في تأويل قوله تعالى : أُولَئِكَ لَهُمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الأَنْهَارُ يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَيَلْبَسُونَ ثِيَابًا خُضْرًا مِنْ سُنْدُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ مُتَّكِئِينَ فِيهَا عَلَى الأَرَائِكِ نِعْمَ الثَّوَابُ وَحَسُنَتْ مُرْتَفَقًا (31)يقول تعالى ذكره: لهؤلاء الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناتُ عدن، يعني بساتين إقامة في الآخرة ، ( تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الأنْهَارُ ) يقول: تجري من دونهم ومن بين أيديهم الأنهار ،وقال جلّ ثناؤه: من تحتهم ، ومعناه: من دونهم وبين أيديهم، ( يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ ) يقول: يلبسون فيها من الحلي أساور من ذهب، والأساور: جمع إسوار.وقوله: ( وَيَلْبَسُونَ ثِيَابًا خُضْرًا مِنْ سُنْدُسٍ )والسندس: جمع واحدها سندسة، وهي ما رقّ من الديباج ، والإستبرق: ما غلظ منه وثخُن ، وقيل: إن الإستبرق: هو الحرير ، ومنه قول المُرقش:تَرَهُنَّ يَلْبَسْنَ المَشاعِرَ مَرَّةٌوإسْتَبْرَقَ الدّيباجِ طَوْرًا لِباسُها (9)يعني: وغليظ الديباج.وقوله: ( مُتَّكِئِينَ فِيهَا عَلَى الأرَائِكِ ) يقول: متكئين في جنات عدن على الأرائك، وهي السرر في الحِجال، واحدتها: أريكة ، ومنه قول الشاعر:خُدُودا جَفَتْ في السَّيْرِ حتى كأنَّمايُبًاشرن بالمَعْزاءِ مَسّ الأرَائك (10)ومنه قول الأعشي:بينَ الّرَواق وجانِبِ مِن سِتْرهامِنْها وبين أرِيكَةِ الأنْضَادِ (11)وبنحو الذي قلنا في ذلك، قال أهل التأويل.* ذكر من قال ذلك:حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن قتادة، في قوله ( عَلَى الأرَائِكِ ) قال: هي الحجال. قال معمر، وقال غيره: السرر في الحجال.وقوله: ( نِعْمَ الثَّوَابُ ) يقول: نعم الثواب جنات عدن، وما وصف جلّ ثناؤه أنه جعل لهؤلاء الذين آمنوا وعلموا الصالحات ( وَحَسُنَتْ مُرْتَفَقًا ) يقول: وحسنت هذه الأرائك في هذه الجنان التي وصف تعالى ذكره في هذه الآية متكأ.وقال جلّ ثناؤه: ( وَحَسُنَتْ مُرْتَفَقًا ) فأنث الفعل بمعنى: وحسنت هذه الأرائك مرتَفَقا، ولو ذكر لتذكير المرتفق كان صوابا، لأن نعم وبئس إنما تدخلهما العرب في الكلام لتدلا على المدح والذم لا للفعل، فلذلك تذكرهما مع المؤنث، وتوحِّدهما مع الاثنين والجماعة.------------------------الهوامش:(9) البيت للمرقش . المشاعر : جمع مشعر ، وهو الشعار الذي يلي جسد الإنسان من الثياب ، دون ما سواه . وفي الحديث ذكر الأنصار : هم الشعار دون الدثار ، يصفهم بالمودة والقرب . وقد فسر المؤلف الإستبرق والديباج . والبيت شاهد على معنى الإستبراق .(10) البيت لذي الرمة ( ديوانه طبع كيمبردج سنة 1919 ص 422 ) وقبله قوله :إذا وَقَعُوا وَهْنا كَسَوْا حَيْثُ مَوَّتَتْمِنَ الجَهْدِ أنْفاسُ الرّياحِ الحَوَاشِكِوقوله خدودا : مفعول كسوا في البيت قبله . والمعزاء الأرض الصلبة ذات الحجارة مثل الفرش على الأرائك ، هي الأسرة ، الواحد سرير . أي صيروا المكان الذي ناموا فيه كسوة للخدود . وفي ( اللسان . أرك ) قال المفسرون : الأرائك : السرر في الحجال . وقال الزجاج : الأرائك الفرش في الحجال ، وقيل هي الأسرة ، وهي في الحقيقة الفرش كانت في الحجال ، أو في غير الحجال . وقيل : الأريكة ، سرير منجد مزين في قبة أو بيت ، فإذا لم يكن فيه سرير فهو حجلة .(11) البيت لم أجده في ديوان الأعشى ميمون ، ولا سائر أشعار العشى الملحقة به ، إنما وجدت بيتين اثنين من وزنه وقافيته ، ص 245 طبعة الدكتور محمد حسين بالقاهرة . ولم أجد غيرها . والرواق ، بضم الراء المشددة وكسرها : الخيمة . والبيت شاهد كالذي قبله ، على أن معنى الأرائك : السرر في الحجال ، وأن واحدتها : أريكة . والأنضاد : جمع نضد بالتحريك ، وهو ما نضد من متاع البيت ، وجعل بعضه فوق بعض .
وَ اضْرِبْ لَهُمْ مَّثَلًا رَّجُلَیْنِ جَعَلْنَا لِاَحَدِهِمَا جَنَّتَیْنِ مِنْ اَعْنَابٍ وَّ حَفَفْنٰهُمَا بِنَخْلٍ وَّ جَعَلْنَا بَیْنَهُمَا زَرْعًاؕ(۳۲)
اور ان کے سامنے دو مردوں کا حال بیان کرو (ف۶۷) کہ ان میں ایک کو (ف۶۸) ہم نے انگوروں کے دو باغ دیے اور ان کو کھجوروں سے ڈھانپ لیا اور ان کے بیچ میں کھیتی رکھی (ف۶۹)
القول في تأويل قوله تعالى : وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلا رَجُلَيْنِ جَعَلْنَا لأَحَدِهِمَا جَنَّتَيْنِ مِنْ أَعْنَابٍ وَحَفَفْنَاهُمَا بِنَخْلٍ وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمَا زَرْعًا (32)يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: واضرب يا محمد لهؤلاء المشركين بالله، الذين سألوك أن تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة والعشيّ يريدون وجهه، (مَثَلا) مثل ( رَجُلَيْنِ جَعَلْنَا لأحَدِهِمَا جَنَّتَيْنِ ) أي جعلنا له بستانين من كروم ( وَحَفَفْنَاهُمَا بِنَخْلٍ ) يقول: وأطفنا هذين البستانين بنخل. وقوله: ( وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمَا زَرْعًا ) يقول: وجعلنا وسط هذين البستانين زرعا
كِلْتَا الْجَنَّتَیْنِ اٰتَتْ اُكُلَهَا وَ لَمْ تَظْلِمْ مِّنْهُ شَیْــٴًـاۙ-وَّ فَجَّرْنَا خِلٰلَهُمَا نَهَرًاۙ(۳۳)
دونوں باغ اپنے پھل لائے اور اس میں کچھ کمی نہ دی (ف۷۰) اور دونوں کے بیچ میں ہم نے نہر بہائی
القول في تأويل قوله تعالى: ( كِلْتَا الْجَنَّتَيْنِ آتَتْ أُكُلَهَا ) يقول: كلا البستانين أطعم ثمره وما فيه من الغروس من النخل والكرم وصنوف الزرع. وقال: كلتا الجنتين، ثم قال: آتت، فوحَّد الخبر، لأن كلتا لا يفرد واحدتها، وأصله كلّ، وقد تفرد العرب كلتا أحيانا، ويذهبون بها وهي مفردة إلى التثنية ، قال بعض الرُّجاز في ذلك:فِي كِلْتَ رِجْلَيْهَا سُلامي وَاحدَهكِلْتاهُما مَقْرُونَةٌ بِزَائِدَهْ (12)يريد بكلت: كلتا، وكذلك تفعل بكلتا وكلا وكل إذا أضيفت إلى معرفة، وجاء الفعل بعدهن ويجمع ويوحد ، وقوله: ( وَلَمْ تَظْلِمْ مِنْهُ شَيْئًا ) يقول: ولم تنقص من الأكل شيئا، بل آتت ذلك تاما كاملا ومنه قولهم: ظلم فلان فلانا حقَّه: إذا بخَسَهُ ونقصه، كما قال الشاعر:تَظَّلَمَنِي مالي كَذَا وَلَوَى يَدِيلَوَى يَدَهُ اللهُ الَّذِي هُوَ غالِبُهْ (13)وبنحو الذي قلنا في ذلك، قال أهل التأويل.* ذكر من قال ذلك:حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة ، قوله: ( وَلَمْ تَظْلِمْ مِنْهُ شَيْئًا ) : أي لم تنقص، منه شيئا.وقوله: ( وَفَجَّرْنَا خِلالَهُمَا نَهَرًا ) يقول تعالى ذكره:وسيَّلنا خلال هذين البستانين نهرا، يعني بينهما وبين أشجارهما نهرا. وقيل: ( وَفَجَّرْنَا) فثقل الجيم منه، لأن التفجير في النهر كله، وذلك أنه يميد ماء فيُسيل بعضه بعضا.
وَّ كَانَ لَهٗ ثَمَرٌۚ-فَقَالَ لِصَاحِبِهٖ وَ هُوَ یُحَاوِرُهٗۤ اَنَا اَكْثَرُ مِنْكَ مَالًا وَّ اَعَزُّ نَفَرًا(۳۴)
اور وہ (ف۷۱) پھل رکھتا تھا (ف۷۲) تو اپنے ساتھی (ف۷۳) سے بولا اور وہ اس سے رد و بدل کرتا تھا (ف۷۴) میں تجھ سے مال میں زیادہ ہوں اور آدمیوں کا زیادہ زور رکھتا ہوں (ف۷۵)
القول في تأويل قوله تعالى: ( وَكَانَ لَهُ ثَمَرٌ ) اختلفت القرّاء في قراءة ذلك، فقرأته عامة قرّاء الحجاز والعراق: " وَكَانَ لَهُ ثُمُرٌ" بضم الثاء والميم. واختلف قارئو ذلك كذلك، فقال بعضهم: كان له ذهب وفضة، وقالوا: ذلك هو الثمر، لأنها أموال مثمرة ، يعني مكثرة.* ذكر من قال ذلك:حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى ، وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قول الله عزّ وجلّ: (وَكَانَ لَهُ ثَمَرٌ) قال: ذهب وفضة، وفي قول الله عزّ وجل: (بِثُمُرِهِ) قال: هي أيضا ذهب وفضة.حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد، في قوله (ثَمَرٌ) قال: ذهب وفضة. قال: وقوله: وَأُحِيطَ بِثَمَرِهِ هي هي أيضا.وقال آخرون: بل عُنِي به: المال الكثير من صنوف الأموال.* ذكر من قال ذلك:حدثنا أحمد بن يوسف، قال: ثنا القاسم، قال: ثني حجاج ، عن هارون، عن سعيد بن أبي عِروبة، عن قتادة، قال: قرأها ابن عباس: " وكَانَ لَهُ ثُمُرٌ" بالضمّ، وقال: يعني أنواع المال.حدثنا عليّ، قال: ثنا عبد الله، قال: ثني معاوية، عن علي ، عن ابن عباس: " وكانَ لَهُ ثُمُرٌ" يقول: مال.حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد ، قال: ثنا سعيد، عن قتادة ، في قوله: " وَكَانَ لَهُ ثُمُرٌ" يقول: من كلّ المال.حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن قتادة، في قوله وَأُحِيطَ بِثَمَرِهِ قال: الثمر من المال كله يعني الثمر، وغيره من المال كله.حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثنا أبو سفيان، عن معمر، عن قتادة، قال: " الثُّمُر " المال كله، قال: وكلّ مال إذا اجتمع فهو ثُمُر إذا كان من لون الثمرة وغيرها من المال كله.وقال آخرون: بل عُنِي به الأصل.* ذكر من قال ذلك:حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد ، في قوله: " وَكَانَ لَهُ ثُمُرٌ" الثمر الأصل ، قال وَأُحِيطَ بِثَمَرِهِ قال : بأصله ، وكأنّ الذين وجَّهوا معناها إلى أنها أنواع من المال، أرادوا أنها جمع ثمار جمع ثمر، كما يجمع الكتاب كتبا، والحمار حمرا ، وقد قرأ بعض من وافق هؤلاء في هذه القراءة " ثُمُرٌ" بضم الثاء وسكون الميم، وهو يريد الضمّ فيها، غير أنه سكنها طلب التخفيف ، وقد يحتمل أن يكون أراد بها جمع ثمرة، كما تجمع الخَشبة خَشَبا. وقرأ ذلك بعض المدنيين : ( وَكَانَ لَهُ ثَمَرٌ ) بفتح الثاء والميم، بمعنى جمع الثمرة، كما تجمع الخشبة خشبا ، والقصبة قَصبا.وأولى القراءات في ذلك عندي بالصواب قراءة من قرأ " وَكَانَ لَهُ ثُمُرٌ " بضمّ الثاء والميم لإجماع الحجة من القرّاء عليه وإن كانت جمع ثمار ، كما الكتب جمع كتاب.ومعنى الكلام: ( وَفَجَّرْنَا خِلالَهُمَا نَهَرًا وَكَانَ لَهُ ) منهما " ثُمُرٌ " بمعنى من جنتيه أنواع من الثمار وقد بين ذلك لمن وفق لفهمه، قوله: ( جَعَلْنَا لأحَدِهِمَا جَنَّتَيْنِ مِنْ أَعْنَابٍ وَحَفَفْنَاهُمَا بِنَخْلٍ وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمَا زَرْعًا ) ثم قال: وكان له من هذه الكروم والنخل والزرع ثمر.------------------------الهوامش:(12) البيت من شواهد الفراء في معاني القرآن ( الورقة 186 من مصورة الجامعة رقم 24059 ) قال : وقد تفرد العرب إحدى " كلي " ( كتبها بالياء للإمالة ) . وهو من شواهد النحويين على أن " كلت " أصلها " كلتا " ، حذفت ألفها للضرورة ، وفتحة التاء دليل عليها ( خزانة الأدب للبغدادي 1 : 62 ) وقال : رأيت في حاشية الصحاح أن هذا البيت من رجز يصف به نعامة ، فضمير رجليها عائد على النعامة . والسلامي : على وزن حباري عظم في فرسن البعير ، وعظام صغار طول إصبع أو أقل في اليد والرجل . والجمع : سلاميات والفرسن : بمنزلة الحافر للفرس . والضمير في كلتاهما للرجلين . ثم قال : استدلالهم بهذا البيت على الإفراد يرده معناه ، فإن المعنى على التثنية ، بدليل تأكيده بالمصراع الثاني ، فتأمل . وقال أبو حبان في تذكرته : هذا البيت من اضطرار الشعراء ، وكلت ليس بواحد كلتا ، بل هو جاء بمعنى كلا ، غير أنه أسقط الألف اعتمادا على الكسرة التي قبلها على أنها تكفي من الألف الممالة إلى الياء ؛ وما من الكوفيين أحد يقول : كلت واحدة كلتا ، ولا يدعي أن لكلا وكلتا واحدا منفردا في النطق مستعملا ، فإن ادعاه عليه مدع فهو تشنيع وتفحيش من الخصوم على قول خصومهم . انتهى .(13) البيت من أبيات تسعة لفرعون بن الأعراف في ابنه منازل ( الحماسة بشرح التبريزي 4 : 9 ) وأوله " تغمد حقي ظالما ولوى يدي " . وتغمد حقي ؛ ستره . وهو في معنى : " تظلمني مالي " ولوى يدي : أي فتلها وأزالها عن حالها وهيئتها . وهو من شواهد أبي عبيدة في مجاز القرآن ( 1 : 402 ) قال : " ولم تظلم منه شيئا " : ولم تنقص . ويقال : ظلمني فلان حقي ، أي نقصني وقال رجل لابنه : " تظلمني مالي كذا . . . إلخ " .ورواية البيت في اللسان : " تظلم مالي هكذا . . . " البيت . ولم ينسبه . وقال قبله : وظلمه حقه ، وتظلمه إياه . يريد أنهما بمعنى .: ( فَقَالَ لِصَاحِبِهِ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ ) يقول عزّ وجلّ: فقال هذا الذي جعلنا له جنتين من أعناب، لصاحبه الذي لا مال له وهو يخاطبه:( أَنَا أَكْثَرُ مِنْكَ مَالا وَأَعَزُّ نَفَرًا ) يقول: وأعزّ عشيرة ورَهْطا، كما قال عُيينة والأقرع لرسول الله صلى الله عليه وسلم: نحن سادات العرب، وأرباب الأموال، فنحّ عنا سلمان وخبَّابا وصُهيبا، احتقارا لهم، وتكبرا عليهم.كما حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة ، قوله: ( فَقَالَ لِصَاحِبِهِ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَنَا أَكْثَرُ مِنْكَ مَالا وَأَعَزُّ نَفَرًا ) وتلك والله أمنية الفاجر: كثرة المال، وعزّة النفر.
وَ دَخَلَ جَنَّتَهٗ وَ هُوَ ظَالِمٌ لِّنَفْسِهٖۚ-قَالَ مَاۤ اَظُنُّ اَنْ تَبِیْدَ هٰذِهٖۤ اَبَدًاۙ(۳۵)
اپنے باغ میں گیا (ف۷۶) اور اپنی جان پر ظلم کرتا ہوا (ف۷۷) بولا مجھے گمان نہیں کہ یہ کبھی فنا ہو،
القول في تأويل قوله تعالى : وَدَخَلَ جَنَّتَهُ وَهُوَ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ قَالَ مَا أَظُنُّ أَنْ تَبِيدَ هَذِهِ أَبَدًا (35)يقول تعالى ذكره: هذا الذي جعلنا له جنتين من أعناب ( دَخَلَ جَنَّتَهُ ) وهي بستانه (وَهُوَ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ) وظلمه نفسه: كفره بالبعث، وشكه في قيام الساعة، ونسيانه المعاد إلى الله تعالى، فأوجب لها بذلك سخط الله وأليم عقابه ، وقوله : (قَالَ مَا أَظُنُّ أَنْ تَبِيدَ هَذِهِ أَبَدًا) يقول جلّ ثناؤه: قال لما عاين جنته، ورآها وما فيها من الأشجار والثمار والزروع والأنهار المطردة شكا في المعاد إلى الله: ما أظنّ أن تبيد هذه الجنة أبدا، ولا تفنى ولا تَخْرب ، وما أظنّ الساعة التي وعد الله خلقه الحشر فيها تقوم فتحدث، ثم تمنى أمنية أخرى على شكّ منه، فقال: ( وَلَئِنْ رُدِدْتُ إِلَى رَبِّي ) فرجعت إليه، وهو غير موقن أنه راجع إليه ( لأَجِدَنَّ خَيْرًا مِنْهَا مُنْقَلَبًا ) يقول: لأجدنّ خيرا من جنتي هذه عند الله إن رددت إليه مرجعا ومردًا، يقول: لم يعطني هذه الجنة في الدنيا إلا ولي عنده أفضل منها في المعاد إن رددت إليه.
وَّ مَاۤ اَظُنُّ السَّاعَةَ قَآىٕمَةًۙ-وَّ لَىٕنْ رُّدِدْتُّ اِلٰى رَبِّیْ لَاَجِدَنَّ خَیْرًا مِّنْهَا مُنْقَلَبًا(۳۶)
اور میں گمان نہیں کرتا کہ قیامت قائم ہو اور اگر میں (ف۷۸) اپنے رب کی طرف پھر گیا بھی تو ضرور اس باغ سے بہتر پلٹنے کی جگہ پاؤں گا (ف۷۹)
القول في تأويل قوله : ( وَمَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً ) كما حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: ابن زيد : شكّ، ثم قال: (وَلَئِنْ ) كان ذلك ثم ( رُدِدْتُ إِلَى رَبِّي لأَجِدَنَّ خَيْرًا مِنْهَا مُنْقَلَبًا ) ما أعطاني هذه إلا ولي عنده خير من ذلك.حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة ، قوله: ( وَدَخَلَ جَنَّتَهُ وَهُوَ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ قَالَ مَا أَظُنُّ أَنْ تَبِيدَ هَذِهِ أَبَدًا * وَمَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً ) كفور لنعم ربه، مكذّب بلقائه : متمنّ على الله.
قَالَ لَهٗ صَاحِبُهٗ وَ هُوَ یُحَاوِرُهٗۤ اَكَفَرْتَ بِالَّذِیْ خَلَقَكَ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُّطْفَةٍ ثُمَّ سَوّٰىكَ رَجُلًاؕ(۳۷)
اس کے ساتھی (ف۸۰) نے اس سے اُلٹ پھیر کرتے ہوئے جواب دیا کیا تو اس کے ساتھ کفر کرتا ہے جس نے تجھے مٹی سے بنایا پھر نطفہ سے پھر تجھے ٹھیک مرد کیا (ف۸۱)
القول في تأويل قوله تعالى : قَالَ لَهُ صَاحِبُهُ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَكَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُلا (37)يقول تعالى ذكره: قال لصاحب الجنتين صاحبه الذي هو أقل منه مالا وولدا، (وَهُوَ يُحَاوِرُهُ) : يقول : وهو يخاطبه ويكلمه: (أَكَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِنْ تُرَابٍ) يعني خلق أباك آدم من تراب (ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ) يقول: ثم أنشأك من نطفة الرجل والمرأة ، (ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُلا) يقول: ثم عدلك بشرا سويا رجلا ذكرا لا أنثى، يقول: أكفرت بمن فعل بك هذا أن يعيدك خلقا جديدا بعد ما تصير رفاتا
لٰكِنَّاۡ هُوَ اللّٰهُ رَبِّیْ وَ لَاۤ اُشْرِكُ بِرَبِّیْۤ اَحَدًا(۳۸)
لیکن میں تو یہی کہتا ہوں کہ وہ اللہ ہی میرا رب ہے او ر میں کسی کو اپنے رب کا شریک نہیں کرتا ہوں،
القول في تأويل قوله تعالى( لَكِنَّا هُوَ اللَّهُ رَبِّي ) يقول: أما أنا فلا أكفر بربي، ولكن أنا هو الله ربي، معناه أنه يقول: ولكن أنا أقول: هو الله ربي ( وَلا أُشْرِكُ بِرَبِّي أَحَدًا ). وفي قراءة ذلك وجهان: أحدهما لكنّ هو الله ربي بتشديد النون وحذف الألف في حال الوصل، كما يقال: أنا قائم فتحذف الألف من أنا، وذلك قراءة عامة قراء أهل العراق. وأما في الوقف فإن القراءة كلها تثبت فيها الألف، لأن النون إنما شددت لاندغام النون من لكن، وهي ساكنة في النون التي من أنا، إذ سقطت الهمزة التي في أنا، فإذا وقف عليها ظهرت الألف التي في أنا، فقيل: لكنا، لأنه يقال في الوقف على أنا بإثبات الألف لا بإسقاطها. وقرأ ذلك جماعة من أهل الحجاز: (لَكِنَّا) بإثبات الألف في الوصل والوقف، وذلك وإن كان مما ينطق به في ضرورة الشعر، كما قال الشاعر:أنا سَيْفُ العَشِيرَة فاعْرِفُونِيحميدا قد تذريت السناما (1)فأثبت الألف في أنا، فليس ذلك بالفصيح من الكلام، والقراءة التي هي القراءة الصحيحة عندنا ما ذكرنا عن العراقيين، وهو حذف الألف من " لكنّ" في الوصل، وإثباتها في الوقف.
وَ لَوْ لَاۤ اِذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ قُلْتَ مَا شَآءَ اللّٰهُۙ-لَا قُوَّةَ اِلَّا بِاللّٰهِۚ-اِنْ تَرَنِ اَنَا اَقَلَّ مِنْكَ مَالًا وَّ وَلَدًاۚ(۳۹)
اور کیوں نہ ہوا کہ جب تو اپنے باغ میں گیا تو کہا ہوتا جو چاہے اللہ، ہمیں کچھ زور نہیں مگر اللہ کی مدد کا (ف۸۲) اگر تو مجھے اپنے سے مال و اولاد میں کم دیکھتا تھا (ف۸۳)
القول في تأويل قوله تعالى : وَلَوْلا إِذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ قُلْتَ مَا شَاءَ اللَّهُ لا قُوَّةَ إِلا بِاللَّهِ إِنْ تَرَنِ أَنَا أَقَلَّ مِنْكَ مَالا وَوَلَدًا (39)يقول عز ذكره: وهلا إذ دخلت بستانك، فأعجبك ما رأيت منه، قلت ما شاء الله كان ، وفي الكلام محذوف استغني بدلالة ما ظهر عليه منه، وهو جواب الجزاء، وذلك كان.وإذا وجه الكلام إلى هذا المعنى الذي قلنا كانت " ما " نصبا بوقوع فعل الله عليه، وهو شاء ، وجاز طرح الجواب، لأن معنى الكلام معروف، كما قيل: فإن استطعت أن تبتغي نفقا في الأرض، وترك الجواب، إذ كان مفهوما معناه ، وكان بعض أهل العربية يقول " ما " من قوله: ( مَا شَاءَ اللَّهُ ) في موضع رفع بإضمار هو، كأنه قيل: قلت هو ما شاء الله ( لا قُوَّةَ إِلا بِاللَّهِ ) يقول: لا قوة على ما نحاول من طاعته إلا به.وقوله: ( إِنْ تَرَنِي أَنَا أَقَلَّ مِنْكَ مَالا وَوَلَدًا ) وهو قول المؤمن الذي لا مال له، ولا عشيرة، مثل صاحب الجنتين وعشيرته وهو مثل سَلْمان وصُهَيب وخباب، يقول: قال المؤمن للكافر: إن ترن أيها الرجل أنا أقل منك مالا وولدا ، فإذا جعلت أنا عمادا نصبت أقل ، وبه القراءة عندنا، لأن عليه قراءة الأمصار، وإذا جعلته اسما رفعت أقل.
فَعَسٰى رَبِّیْۤ اَنْ یُّؤْتِیَنِ خَیْرًا مِّنْ جَنَّتِكَ وَ یُرْسِلَ عَلَیْهَا حُسْبَانًا مِّنَ السَّمَآءِ فَتُصْبِحَ صَعِیْدًا زَلَقًاۙ(۴۰)
تو قریب ہے کہ میرا رب مجھے تیرے باغ سے اچھا دے (ف۸۴) اور تیرے باغ پر آسمان سے بجلیاں اتارے تو وہ پٹ پر میدان (سفید زمین) ہوکر رہ جائے (ف۸۵)
القول في تأويل قوله تعالى : فَعَسَى رَبِّي أَنْ يُؤْتِيَنِ خَيْرًا مِنْ جَنَّتِكَ وَيُرْسِلَ عَلَيْهَا حُسْبَانًا مِنَ السَّمَاءِ فَتُصْبِحَ صَعِيدًا زَلَقًا (40)يقول تعالى ذكره مخبرا عن قيل المؤمن الموقن للمعاد إلى الله للكافر المرتاب في قيام الساعة: إن ترن أيها الرجل أنا أقلّ منك مالا وولدا في الدنيا، فعسى ربي أن يرزقني خيرا من بستانك هذا(وَيُرْسِلَ عَلَيْهَا) يعني على جنة الكافر التي قال لها: ما أظن أن تبيد هذه أبدا(حُسْبَانًا مِنَ السَّمَاءِ) يقول: عذابا من السماء ترمي به رميا، وتقذف. والحسبان: جمع حُسْبانة، وهي المرامي.وبنحو الذي قلنا في ذلك، قال أهل التأويل.* ذكر من قال ذلك:حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد قال: ثنا سعيد، عن قتادة (وَيُرْسِلَ عَلَيْهَا حُسْبَانًا مِنَ السَّمَاءِ) عذابا.حُدثت عن محمد بن يزيد، عن جويبر، عن الضحاك، قال: عذابا.حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد ، في قوله: (وَيُرْسِلَ عَلَيْهَا حُسْبَانًا مِنَ السَّمَاءِ) قال: عذابا، قال: الحُسبان: قضاء من الله يقضيه.حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قال: الحُسبان: العذاب.حدثنا الحسن بن محمد، قال: أخبرنا معمر، عن قتادة، في قوله (حُسْبَانًا مِنَ السَّمَاءِ) قال: عذابا.وقوله: (فَتُصْبِحَ صَعِيدًا زَلَقًا) يقول عز ذكره: فتصبح جنتك هذه أيها الرجل أرضا ملساء لا شيء فيها، قد ذهب كل ما فيها من غَرْس ونبت، وعادت خرابا بلاقع، زَلَقا، لا يثبت في أرضها قدم لاملساسها، ودروس ما كان نابتا فيها.حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة ، قوله: (فَتُصْبِحَ صَعِيدًا زَلَقًا) : أي قد حصد ما فيها فلم يترك فيها شيء.حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، قال: قال ابن عباس: (فَتُصْبِحَ صَعِيدًا زَلَقًا) قال: مثل الجُرُز.حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال ابن زيد، في قوله: (فَتُصْبِحَ صَعِيدًا زَلَقًا) قال: صعيدا زلقا وصعيدا جُرُزا واحد ليس فيها شيء من النبات.
- English | Ahmed Ali
- Urdu | Ahmed Raza Khan
- Turkish | Ali-Bulaç
- German | Bubenheim Elyas
- Chinese | Chineese
- Spanish | Cortes
- Dutch | Dutch
- Portuguese | El-Hayek
- English | English
- Urdu | Fateh Muhammad Jalandhry
- French | French
- Hausa | Hausa
- Indonesian | Indonesian-Bahasa
- Italian | Italian
- Korean | Korean
- Malay | Malay
- Russian | Russian
- Tamil | Tamil
- Thai | Thai
- Farsi | مکارم شیرازی
- العربية | التفسير الميسر
- العربية | تفسير الجلالين
- العربية | تفسير السعدي
- العربية | تفسير ابن كثير
- العربية | تفسير الوسيط لطنطاوي
- العربية | تفسير البغوي
- العربية | تفسير القرطبي
- العربية | تفسير الطبري
- English | Arberry
- English | Yusuf Ali
- Dutch | Keyzer
- Dutch | Leemhuis
- Dutch | Siregar
- Urdu | Sirat ul Jinan