READ

Surah Al-Kahf

اَلْـكَهْف
110 Ayaat    مکیۃ


18:41
اَوْ یُصْبِحَ مَآؤُهَا غَوْرًا فَلَنْ تَسْتَطِیْعَ لَهٗ طَلَبًا(۴۱)
یا اس کا پانی زمین میں دھنس جائے (ف۸۶) پھر تو اسے ہرگز تلاش نہ کرسکے (ف۸۷)

أَوْ يُصْبِحَ ماؤُها غَوْراً أى: غائرا ذاهبا في الأرض. فالغور مصدر وصف به على سبيل المبالغة وهو بمعنى الفاعل. يقال: غار الماء يغور غورا: أى: سفل في الأرض وذهب فيها.ومنه قوله- تعالى-: قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ ماؤُكُمْ غَوْراً، فَمَنْ يَأْتِيكُمْ بِماءٍ مَعِينٍ.فَلَنْ تَسْتَطِيعَ لَهُ طَلَباً أى: فلن تستطيع أن تحصل عليه أو تطلبه بأية حيلة من الحيل، لأنه لا يقدر على الإتيان بهذا الماء الغائر إلا الله- عز وجل-.وإلى هنا نجد أن الرجل المؤمن قد رد على صاحبه الكافر، بما يذكره بمنشئه، وبما يوجهه إلى الأدب الذي يجب أن يتحلى به مع خالقه ورازقه، وبما يحذره من سوء عاقبة بطره.وهكذا الإيمان الحق، يجعل المؤمن يعتز بعقيدته، ويتجه إلى الله وحده الذي تعنو له الجباه، ويرجو منه وحده ما هو خير من بساتين الدنيا وزينتها.ثم يختتم- سبحانه- هذه القصة ببيان العاقبة السيئة التي حلت بذلك الرجل الجاحد المغرور صاحب الجنتين فيقول.
18:42
وَ اُحِیْطَ بِثَمَرِهٖ فَاَصْبَحَ یُقَلِّبُ كَفَّیْهِ عَلٰى مَاۤ اَنْفَقَ فِیْهَا وَ هِیَ خَاوِیَةٌ عَلٰى عُرُوْشِهَا وَ یَقُوْلُ یٰلَیْتَنِیْ لَمْ اُشْرِكْ بِرَبِّیْۤ اَحَدًا(۴۲)
اور اس کے پھل گھیر لیے گئے (ف۸۸) تو اپنے ہاتھ ملتا رہ گیا (ف۸۹) اس لاگت پر جو اس باغ میں خرچ کی تھی اور وہ اپنی ٹیٹوں پر (اوندھے منہ) گرا ہوا تھا (ف۹۰) اور کہہ رہا ہے، اے کاش! میں نے اپنے رب کا کسی کو شریک نہ کیا ہوتا،

أى: وكانت نتيجة جحود صاحب الجنتين لنعم ربه، أن أهلكت أمواله وأبيدت كلها.فصار يقلب كفيه ظهرا لبطن أسفا وندما، على ما أنفق في عمارتها وتزيينها من أموال كثيرة ضاعت هباء، ومن جهد كبير ذهب سدى.وقوله- سبحانه-: وَأُحِيطَ بِثَمَرِهِ معطوف على مقدر محذوف لدلالة السباق والسياق عليه.وأصل الإحاطة مأخوذة من إحاطة العدو بعدوه من جميع جوانبه لإهلاكه واستئصاله.والمعنى: فحدث ما توقعه الرجل الصالح من إرسال الحسبان على بستان صاحبه الجاحد المغرور «وأحيط بثمره» بأن هلكت أمواله وثماره كلها.وجاء الفعل «أحيط» مبنيا للمجهول، للإشعار بأن فاعله متيقن وهو العذاب الذي أرسله الله- تعالى- أى: وأحاط العذاب بجنته.وقوله: فَأَصْبَحَ يُقَلِّبُ كَفَّيْهِ عَلى ما أَنْفَقَ فِيها تصوير بديع لما اعتراه من غم وهم وحسرة وندامة. وتقليب اليدين عبارة عن ضرب إحداهما على الأخرى، أو أن يبدي ظهرهما ثم بطنهما ويفعل ذلك مرارا، وأيّا ما كان ففعله هذا كناية عن الحسرة الشديدة، والندم العظيم.«وهي» أى الجنة التي أنفق فيها ما أنفق خاوِيَةٌ عَلى عُرُوشِها أى: ساقطة ومتهدمة على دعائمها وعلى سقوفها.وأصل الخواء السقوط والتهدم. يقال: خوى البيت إذا سقط. كما يطلق على الخلاء من الشيء. يقال: خوى بطن فلان من الطعام أى: خلا منه، وخوت الدار إذا خلت من سكانها.والعروش جمع عرش، وهو سقف البيت.والمقصود أن الجنة بجميع ما اشتملت عليه، صارت حطاما وهشيما تذروه الرياح.وجملة: «ويقول يا ليتني لم أشرك يربى أحدا» معطوفة على جملة «يقلب كفيه..» .أى: صار يقلب كفيه حسرة وندامة لهلاك جنته، ويقول زيادة في الحسرة والندامة:يا ليتني اتبعت نصيحة صاحبي فلم أشرك مع ربي- سبحانه- أحدا في العبادة أو الطاعة.وهكذا حال أكثر الناس، يذكرون الله- تعالى- عند الشدائد والمحن، وينسونه عند السراء والعافية.والمتدبر لهذه الآية الكريمة يراها قد صورت فجيعة الرجل الجاحد في جنته تصويرا واقعيا بديعا.فقد جرت عادة الإنسان أنه إذا نزل به ما يدهشه ويؤلمه. أن يعجز عن النطق في أول وهلة. فإذا ما أفاق من دهشته بدأ في النطق والكلام.وهذا ما حدث من ذلك الرجل- كما صوره القرآن الكريم- فإنه عند ما رأى جنته وقد تحطمت أخذ يقلب كفيه حسرة وندامة دون أن ينطق، ثم بعد أن أفاق من صدمته جعل يقول:يا ليتني لم أشرك بربي أحدا.
18:43
وَ لَمْ تَكُنْ لَّهٗ فِئَةٌ یَّنْصُرُوْنَهٗ مِنْ دُوْنِ اللّٰهِ وَ مَا كَانَ مُنْتَصِرًاؕ(۴۳)
اور اس کے پاس کوئی جماعت نہ تھی کہ اللہ کے سامنے اس کی مدد کرتی نہ وہ بدلہ لینے کے قابل تھا (ف۹۱)

فيا له من تصوير بديع. يدل على أن هذا القرآن من عند الله- تعالى-.ثم ختم- سبحانه- هذه القصة ببيان عظيم قدرته ونفاذ إرادته فقال.وَلَمْ تَكُنْ لَهُ فِئَةٌ يَنْصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَما كانَ مُنْتَصِراً. هُنالِكَ الْوَلايَةُ لِلَّهِ الْحَقِّ، هُوَ خَيْرٌ ثَواباً وَخَيْرٌ عُقْباً.أى: ولم تكن لهذا الجاحد المغرور بعد أن خوت جنته على عروشها، عشيرة أو أعوان ينصرونه، أو يدفعون عنه ما حل به، وإنما القادر على ذلك هو الله- تعالى- وحده،وما كان هذا الرجل الذي جحد نعم ربه منتصرا لأنه- سبحانه- قد حجب عنه كل وسيلة تؤدى إلى نصره وعونه، بسبب إيثاره الغي على الرشد، والكفر على الإيمان.فالآية الكريمة تبين بجلاء ووضوح، عجز كل قوة عن نصرة ذلك الرجل المخذول سوى قوة الله- عز وجل-، وعجز ذلك الرجل في نفسه عن رد انتقام الله- تعالى- منه.
18:44
هُنَالِكَ الْوَلَایَةُ لِلّٰهِ الْحَقِّؕ-هُوَ خَیْرٌ ثَوَابًا وَّ خَیْرٌ عُقْبًا۠(۴۴)
یہاں کھلتا ہے (ف۹۲) کہ اختیار سچے اللہ کا ہے، اس کا ثواب سب سے بہتر اور اسے ماننے کا انجام سب سے بھلا،

وقوله- سبحانه-: هُنالِكَ الْوَلايَةُ لِلَّهِ الْحَقِّ.. تقرير وتأكيد للآية السابقة. ولفظ هنالك ظرف مكان.وكلمة «الولاية» قرأها الجمهور بفتح الواو، بمعنى الموالاة والصلة والنصرة كما قرأ الجمهور كلمة «الحق» بالجر على أنها نعت للفظ الجلالة.فيكون المعنى: في ذلك المقام وتلك الحال تكون الولاية- أى الموالاة والصلة- من كل الناس، لله- تعالى- وحده إذ الكافر عند ما يرى العذاب يعترف بوحدانية الله- تعالى- كما قال- سبحانه- فَلَمَّا رَأَوْا بَأْسَنا قالُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَحْدَهُ وَكَفَرْنا بِما كُنَّا بِهِ مُشْرِكِينَ. فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ إِيمانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنا .ويجوز أن يكون المعنى: في ذلك المقام وتلك الحال تكون الولاية أى الموالاة لله- تعالى- وحده، فيوالي المؤمنين برحمته ومغفرته وينصرهم على أعدائهم، كما قال- سبحانه- ذلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُوا، وَأَنَّ الْكافِرِينَ لا مَوْلى لَهُمْ .وقرأ حمزة والكسائي: الْوَلايَةُ بكسر الواو، بمعنى الملك والسلطان كما قرأ أبو عمرو والكسائي لفظ الْحَقِّ بالرفع على أنه نعت للولاية.فيكون المعنى: في ذلك المقام تكون الولاية الحق، والسلطان الحق، لله رب العالمين، كما قال- سبحانه-: الْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ لِلرَّحْمنِ، وَكانَ يَوْماً عَلَى الْكافِرِينَ عَسِيراً .قال بعض العلماء: وقوله «هنالك» يرى بعضهم أنه متعلق بما بعده، والوقف تام على قوله وَما كانَ مُنْتَصِراً.ويرى آخرون أنه متعلق بما قبله.فعلى القول الأول يكون الظرف «هنالك» عامله ما بعده أى: الولاية كائنة لله هنالك.وعلى القول الثاني فالعامل في الظرف اسم الفاعل الذي هو «منتصرا» . أى: لم يكن انتصاره واقعا هنالك .وقوله- سبحانه-: هُوَ خَيْرٌ ثَواباً وَخَيْرٌ عُقْباً أى: هو- عز وجل- خير إثابة وإعطاء لأوليائه، وخير عاقبة لمن تاب وآمن وعمل صالحا ثم اهتدى.وعاقبة الأمر: آخره وما يصير إليه منتهاه. و «ثوابا» و «عقبا» منصوبان على التمييز، بعد صيغة التفضيل «خير» التي حذفت منها الهمزة تخفيفا لكثرة الاستعمال كما قال ابن مالك- رحمه الله-:وغالبا أغناهم خير وشر ... عن قولهم أخير منه وأشروبذلك نرى أن هذه القصة التي ضربها الله- تعالى- مثلا للأخيار والأشرار قد بينت لنا بأسلوب بليغ أخاذ، صور عاقبة الجاحدين المغرورين وحسن عاقبة الشاكرين المتواضعين، كما بينت لنا الآثار الطيبة التي تترتب على الإيمان والعمل الصالح، والآثار السيئة التي يفضى إليها الكفر وسوء العمل، كما بينت لنا أنّ المتفرد بالولاية والقدرة هو الله- عز وجل- فلا قوة إلا قوته، ولا نصر إلا نصره، ولا مستحق للعبادة أحد سواه، ولا ثواب أفضل من ثوابه ولا عاقبة لأوليائه خير من العاقبة التي يقدرها لهم، وصدق- سبحانه- حيث يقول:هُنالِكَ الْوَلايَةُ لِلَّهِ الْحَقِّ، هُوَ خَيْرٌ ثَواباً وَخَيْرٌ عُقْباً.ثم تنتقل السورة الكريمة من ضرب المثل الجزئى الشخصي، إلى ضرب مثال آخر عام كلى، فبينت أن الحياة الدنيا في قصرها وذهاب زينتها.. كتلك الجنة التي أصبحت حطاما، بعد اخضرارها وكثرة ثمرها، كما بينت أن هناك زينة فانية، وأن هنالك أعمالا صالحة باقية قال- تعالى-:
18:45
وَ اضْرِبْ لَهُمْ مَّثَلَ الْحَیٰوةِ الدُّنْیَا كَمَآءٍ اَنْزَلْنٰهُ مِنَ السَّمَآءِ فَاخْتَلَطَ بِهٖ نَبَاتُ الْاَرْضِ فَاَصْبَحَ هَشِیْمًا تَذْرُوْهُ الرِّیٰحُؕ-وَ كَانَ اللّٰهُ عَلٰى كُلِّ شَیْءٍ مُّقْتَدِرًا(۴۵)
اور ان کے سامنے (ف۹۳) زندگانی دنیا کی کہاوت بیان کرو (ف۹۴) جیسے ایک پانی ہم نے آسمان اتارا تو اس کے سبب زمین کا سبزہ گھنا ہوکر نکلا (ف۹۵) کہ سوکھی گھاس ہوگیا جسے ہوائیں اڑائیں (ف۹۶) اور اللہ ہر چیز پر قابو والا ہے (ف۹۷)

قال الإمام الرازي: اعلم أن المقصود: اضرب لهم مثلا آخر يدل على حقارة الدنيا، وقلة بقائها. والكلام متصل بما تقدم من قصة المشركين المتكبرين على فقراء المؤمنين..» .والمعنى. واذكر لهم- أيها الرسول الكريم- ما يشبه هذه الحياة الدنيا في حسنها ونضارتها، ثم في سرعة زوال هذا الحسن والنضارة، لكي لا يركنوا إليها، ولا يجعلوها أكبر همهم، ومنتهى آمالهم.وقوله: كَماءٍ أَنْزَلْناهُ مِنَ السَّماءِ.. بيان للمثل الذي شبه الله- تعالى- به الحياة الدنيا أى: مثلها في ازدهارها ثم في زوال هذا الازدهار، كهيئة أو كصفة ماء أنزلناه بقدرتنا من السماء، في الوقت الذي نريد إنزاله فيه.فَاخْتَلَطَ بِهِ نَباتُ الْأَرْضِ والاختلاط والخلط: امتزاج شيئين فأكثر بعضهما ببعض.أى: كماء أنزلناه من السماء، فاختلط وامتزج بهذا الماء نبات الأرض، فارتوى منه، وصار قويا بهيجا يعجب الناظرين إليه.وفي التعبير بقوله: فَاخْتَلَطَ بِهِ نَباتُ الْأَرْضِ دون قوله: فاختلط بنبات الأرض إشارة إلى كثرة الماء النازل من السماء، وإلى أنه السبب الأساسى في ظهور هذا النبات، وفي بلوغه قوته ونضارته.وقوله: فَأَصْبَحَ هَشِيماً تَذْرُوهُ الرِّياحُ بيان لما صار إليه هذا النبات من يبوسته وتفتته، بعد اخضراره وشدته وحسنه.قال القرطبي ما ملخصه: «هشيما» أى متكسرا متفتتا، يعنى بانقطاع الماء عنه، فحذف ذلك إيجازا لدلالة الكلام عليه، والهشم، كسر الشيء اليابس. والهشيم من النبات: اليابس المتكسر.. ورجل هشيم: ضعيف البدن.و «تذروه الرياح» أى تفرقه وتنسفه.. يقال: ذرت الريح الشيء تذروه ذروا، إذا طارت به وأذهبته» .أى: فأصبح النبات بعد اخضراره، يابسا متفتتا، تفرقه الرياح وتنسفه وتذهب به حيث شاءت وكيف شاءت.فأنت ترى أن الآية الكريمة قد شبهت حال الدنيا في حسنها وجمال رونقها، ثم في سرعة زوالها وفنائها بعد ذلك، بحال النبات الذي نزل عليه الماء فاخضر واستوى على سوقه، ثم صار بعد ذلك يابسا متفتتا تذهب به الرياح حيث شاءت.والتعبير بالفاء في قوله- سبحانه- فاختلط. فأصبح.. يزيد الأسلوب القرآنى جمالا وبلاغة، لأن فاء التعقيب هنا تدل على قصر المدة التي استمر فيها النبات نضرا جميلا، ثم صار هشيما تذروه الرياح.وهكذا الحياة تبدو للمتشبثين بها، جميلة عزيزة، ولكنها سرعان ما تفارقهم ويفارقونها، حيث ينزل بهم الموت فيجعل آمالهم تحت التراب.ثم ختم- سبحانه- الآية بقوله، وَكانَ اللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ مُقْتَدِراً أى: وكان الله- تعالى- وما زال- على كل شيء من الأشياء التي من جملتها الإنشاء والإفناء كامل القدرة، لا يعجزه شيء في الأرض ولا في السماء.وقد ذكر- سبحانه- ما يشبه هذه الآية في سور كثيرة، ومن ذلك قوله- تعالى-:إِنَّما مَثَلُ الْحَياةِ الدُّنْيا كَماءٍ أَنْزَلْناهُ مِنَ السَّماءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَباتُ الْأَرْضِ مِمَّا يَأْكُلُ النَّاسُ وَالْأَنْعامُ، حَتَّى إِذا أَخَذَتِ الْأَرْضُ زُخْرُفَها وَازَّيَّنَتْ، وَظَنَّ أَهْلُها أَنَّهُمْ قادِرُونَ عَلَيْها، أَتاها أَمْرُنا لَيْلًا أَوْ نَهاراً فَجَعَلْناها حَصِيداً كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالْأَمْسِ، كَذلِكَ نُفَصِّلُ الْآياتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ .
18:46
اَلْمَالُ وَ الْبَنُوْنَ زِیْنَةُ الْحَیٰوةِ الدُّنْیَاۚ-وَ الْبٰقِیٰتُ الصّٰلِحٰتُ خَیْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَّ خَیْرٌ اَمَلًا(۴۶)
مال اور بیٹے یہ جیتی دنیا کا سنگھار ہے (ف۹۸) اور باقی رہنے والی اچھی باتیں (ف۹۹) ان کا ثواب تمہارے رب کے یہاں بہتر اور وہ امید میں سب سے بھلی،

ثم بين- سبحانه- القيمة الحقيقة للمال وللبنين فقال: الْمالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَياةِ الدُّنْيا.والمال: اسم لكل ما يتموله الإنسان ويتملكه من النقود والعقار والحرث والأنعام.. إلخ والبنون: جمع ابن.والزينة: مصدر. والمراد بها هنا، ما في الشيء من محاسن ترغب الإنسان في حبه.أى: المال والبنون زينة يتزين بها الإنسان في هذه الحياة الدنيا، ويتباهى بها على غيره.وإنما كانا كذلك، لأن في المال- كما يقول القرطبي- جمالا ونفعا، وفي البنين قوة ودفعا.قال الآلوسى: وتقديم المال على البنين- مع كونهم أعز منه عند أكثر الناس لعراقته فيما نيط به من الزينة والإمداد وغير ذلك.. ولأنه زينة بدونهم من غير عكس فإن من له بنون بغير مال فهو في أضيق حال..» .وفي التعبير بقوله- سبحانه- زينة، بيان بديع. وتعبير دقيق لحقيقتهما، فهما زينة وليسا قيمة، فلا يصح أن توزن بهما أقدار الناس، وإنما توزن أقدار الناس بالإيمان والعمل الصالح، كما قال- تعالى- إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقاكُمْ.ولذا جاء التعقيب منه- سبحانه- بقوله: وَالْباقِياتُ الصَّالِحاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَواباً وَخَيْرٌ أَمَلًا.أى: المال والبنون زينة يتزين ويتفاخر بها كثير من الناس في هذه الحياة الدنيا، وإذا كان الأمر كذلك في عرف كثير منهم. فإن الأقوال الطيبة، والأعمال الحسنة، هي الباقيات الصالحات، التي تبقى ثمارها للإنسان، وتكون عند الله- تعالى- خَيْرٌ من الأموال والأولاد، ثوابا وجزاء وأجرا وَخَيْرٌ أَمَلًا حيث ينال بها صاحبها في الآخرة ما كان يؤمله ويرجوه في الدنيا من فوز بنعيم الجنة، أما المال والبنون فكثيرا ما يكونان فتنة.وقد ساق الإمام ابن كثير جملة من الآثار في تعيين المراد بالباقيات الصالحات فقال: قال ابن عباس وسعيد بن جبير وغير واحد من السلف: والباقيات الصالحات: الصلوات الخمس.وقال عطاء بن أبى رياح وسعيد بن جبير عن ابن عباس: وَالْباقِياتُ الصَّالِحاتُ:سبحان الله والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر.. .ويبدو لنا أن قوله- تعالى-: وَالْباقِياتُ الصَّالِحاتُ لفظ عام، يشمل كل قول، أو عمل يرضى الله- عز وجل- ويدخل في ذلك دخولا أوليا: الصلوات الخمس وغيرها مما ذكره المفسرون من أقوال.وسمى- سبحانه- ما يرضيه. من أقوال، وأعمال بالباقيات الصالحات لأنها باقية لصاحبها غير زائلة ولا فانية، بخلاف زينة الحياة الدنيا فإنها زائلة فانية.قال الإمام ابن جرير- رحمه الله- وأولى الأقوال بالصواب قول من قال: هن جميع أعمال الخير.. لأن ذلك كله من الصالحات التي تبقى لصاحبها في الآخرة، وعليها يجازىويثاب. وإن الله- عز وجل- لم يخصص من قوله وَالْباقِياتُ الصَّالِحاتُ خَيْرٌ.. بعضا دون بعض في كتاب، ولا بخبر عن رسوله الله صلى الله عليه وسلم .ثم انتقلت السورة الكريمة إلى الحديث عن أهوال يوم القيامة، ذلك اليوم الذي تنفع فيه الباقيات الصالحات، وليس الأموال ولا الأولاد، فقال- تعالى-:
18:47
وَ یَوْمَ نُسَیِّرُ الْجِبَالَ وَ تَرَى الْاَرْضَ بَارِزَةًۙ-وَّ حَشَرْنٰهُمْ فَلَمْ نُغَادِرْ مِنْهُمْ اَحَدًاۚ(۴۷)
اور جس دن ہم پہاڑوں کو چلائیں گے (ف۱۰۰) اور تم زمین کو صاف کھلی ہوئی دیکھو گے (ف۱۰۱) اور ہم انہیں اٹھائیں گے (ف۱۰۲) تو ان میں سے کسی کو نہ چھوڑیں گے،

لظرف في قوله: - تعالى- وَيَوْمَ نُسَيِّرُ الْجِبالَ منصوب بفعل محذوف تقديره:«اذكر» .والمراد بتسيير الجبال: اقتلاعها من أماكنها، وصيرورتها كالعهن المنفوش.أى: واذكر- أيها العاقل- لتعتبر وتتعظ، أهوال يوم القيامة، يوم نقتلع الجبال من أماكنها، ونذهب بها حيث شئنا، ونجعلها في الجو كالسحاب، كما قال- سبحانه-:وَتَرَى الْجِبالَ تَحْسَبُها جامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحابِ.وكما قال- عز وجل-: وَسُيِّرَتِ الْجِبالُ فَكانَتْ سَراباً.وقوله: وَتَرَى الْأَرْضَ بارِزَةً.. بيان لحالة ثانية من أهوال يوم القيامة.أى: وترى- أيها المخاطب- الأرض ظاهرة للأعين دون أن يسترها شيء من جبل، أو شجر، أو بنيان.يقال: برز الشيء بروزا، أى: خرج إلى البراز- بفتح الباء- أى: الفضاء وظهر بعد الخفاء.قال- تعالى-: فَإِذا نُفِخَ فِي الصُّورِ نَفْخَةٌ واحِدَةٌ. وَحُمِلَتِ الْأَرْضُ وَالْجِبالُ فَدُكَّتا دَكَّةً واحِدَةً، فَيَوْمَئِذٍ وَقَعَتِ الْواقِعَةُ.ثم بين- سبحانه- حالة ثالثة من أهوال يوم القيامة فقال: وَحَشَرْناهُمْ فَلَمْ نُغادِرْ مِنْهُمْ أَحَداً.أى: وحشرنا الخلائق جميعا، بأن جمعناهم في المكان المحدد لجمعهم، دون أن نترك منهم أحدا، بل أخرجناهم جميعا من قبورهم لنحاسبهم على أعمالهم.والفعل «نغادر» من المغادرة بمعنى الترك، ومنه الغدر لأنه ترك الوفاء والأمانة وسمى الغدير من الماء غديرا، لأن السيل ذهب وتركه.
18:48
وَ عُرِضُوْا عَلٰى رَبِّكَ صَفًّاؕ-لَقَدْ جِئْتُمُوْنَا كَمَا خَلَقْنٰكُمْ اَوَّلَ مَرَّةٍۭ٘-بَلْ زَعَمْتُمْ اَلَّنْ نَّجْعَلَ لَكُمْ مَّوْعِدًا(۴۸)
اور سب تمہارے رب کے حضور پرا باندھے پیش ہوں گے (ف۱۰۳) بیشک تم ہمارے پاس ویسے ہی آئےجیسا ہم نے تمہیں پہلی بار بنایا تھا (ف۱۰۴) بلکہ تمہارا گمان تھا کہ ہم ہر گز تمہارے لیے کوئی وعدہ کا وقت نہ رکھیں گے، (ف۱۰۵)

ثم تذكر السورة الكريمة حالة رابعة من أهوال يوم القيامة، هي حالة العرض بعد حالة الجمع فتقول: عُرِضُوا عَلى رَبِّكَ صَفًّا.أى: وأحضروا جميعا إلى ربك مصفوفين في صف واحد أو في صفوف متعددة، ليقضى فيهم- سبحانه- بقضائه العادل.قال الآلوسى: أخرج ابن مندة في التوحيد عن معاذ بن جبل، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:«إن الله- تعالى- ينادى يوم القيامة، يا عبادي: أنا الله لا إله إلا أنا أرحم الراحمين.وأحكم الحاكمين، وأسرع الحاسبين. أحضروا حجتكم ويسروا جوابكم. فإنكم مسئولون محاسبون. يا ملائكتي أقيموا عبادي صفوفا على أطراف أنامل أقدامهم للحساب» .وفي الحديث الصحيح: «يجمع الله- تعالى- الأولين والآخرين في صعيد واحد صفوفا يسمعهم الداعي وينفذهم البصر..» .وقوله- سبحانه-: وَلَقَدْ جِئْتُمُونا فُرادى كَما خَلَقْناكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ.. مقول لقول محذوف، وجملة «كما خلقناكم» نعت لمصدر محذوف.والمعنى: ونقول لمنكري البعث والحساب بعد عرضهم علينا على سبيل التوبيخ والتأنيب:لقد جئتمونا- أيها المكذبون- مجيئا كائنا كمجيئكم عند خلقنا إياكم أول مرة. أى حفاة عراة لا مال معكم ولا ولد.وعبر- سبحانه- بالماضي في قوله: قَدْ جِئْتُمُونا..لتحقق الوقوع وتنزيله منزلة الواقع بالفعل.وشبيه بهذه الآية قوله- تعالى-: وَلَقَدْ جِئْتُمُونا فُرادى كَما خَلَقْناكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ. وَتَرَكْتُمْ ما خَوَّلْناكُمْ وَراءَ ظُهُورِكُمْ، وَما نَرى مَعَكُمْ شُفَعاءَكُمُ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ أَنَّهُمْ فِيكُمْ شُرَكاءُ. لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ وَضَلَّ عَنْكُمْ ما كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ .ثم ختم- سبحانه- الآية بالانتقال من توبيخهم هذا إلى توبيخ أشد وأقسى فقال:ْ زَعَمْتُمْ أَلَّنْ نَجْعَلَ لَكُمْ مَوْعِداً.أى: بل زعمتم أيها المكذبون بالبعث- أن لن نجعل لكم زمانا أو مكانا نجازيكم فيه على أعمالكم، وأنكرتم إنكارا مصحوبا بقسم أننا لا نبعث من يموت.قال- تعالى-: وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمانِهِمْ لا يَبْعَثُ اللَّهُ مَنْ يَمُوتُ بَلى وَعْداً عَلَيْهِ حَقًّا وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ .
18:49
وَ وُضِعَ الْكِتٰبُ فَتَرَى الْمُجْرِمِیْنَ مُشْفِقِیْنَ مِمَّا فِیْهِ وَ یَقُوْلُوْنَ یٰوَیْلَتَنَا مَالِ هٰذَا الْكِتٰبِ لَا یُغَادِرُ صَغِیْرَةً وَّ لَا كَبِیْرَةً اِلَّاۤ اَحْصٰىهَاۚ-وَ وَجَدُوْا مَا عَمِلُوْا حَاضِرًاؕ-وَ لَا یَظْلِمُ رَبُّكَ اَحَدًا۠(۴۹)
اور نامہٴ اعمال رکھا جائے گا (ف۱۰۶) تو تم مجرموں کو دیکھو گے کہ اس کے لکھے سے ڈرتے ہوں گے اور (ف۱۰۷) کہیں گے ہائے خرابی ہماری اس نوشتہ کو کیا ہوا نہ اس نے کوئی چھوٹا گناہ چھوڑا نہ بڑا جسے گھیر لیا ہو اور اپنا سب کیا انہوں نے سامنے پایا، اور تمہارا رب کسی پر ظلم نہیں کرتا (ف۱۰۸)

ثم صور- سبحانه- أحوال المجرمين عند ما يرون مصيرهم السيئ فقال- تعالى-:وَوُضِعَ الْكِتابُ، فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ، وَيَقُولُونَ: يا وَيْلَتَنا مالِ هذَا الْكِتابِ لا يُغادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصاها.والمراد بالكتاب: جنسه، فيشمل جميع الصحف التي كتبت فيها أعمال المكلفين في دار الدنيا.أى: وأحضرت صحائف أعمال العباد، ووضعت في ميزانهم «فترى» - أيها المخاطب- «المجرمين» كافة، مشفقين، خائفين، مما فيه من جرائم وذنوب «ويقولون» على سبيل التفجع والتحسر عند معاينتهم لثقل ميزان سيئاتهم، وخفة ميزان حسناتهم.«يا ويلتنا» . والويلة: الهلاك وحلول الشر والقبح والحسرة، وهو- أى لفظ الويلة-: مصدر لا فعل له من لفظه.وهذا النداء على التشبيه بشخص يطلب إقباله.أى: ويقولون بأسف وندامة وحسرة: يا هلاكنا أقبل فهذا أوان إقبالك.ثم يقولون على سبيل التعجب والدهشة من دقة ما اشتمل عليه هذا الكتاب: مالِ هذَا الْكِتابِ لا يُغادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصاها؟أى: أى شيء ثبت لهذا الكتاب، حيث نراه لا يترك معصية صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها علينا، وسجلها في صحف أعمالنا.ثم ختم- سبحانه- الآية الكريمة بما يدل على شمول علمه. ونفاذ قدرته وكمال عدله، فقال: وَوَجَدُوا ما عَمِلُوا حاضِراً، وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً.أى: ووجدوا ما عملوه في الدنيا حاضرا ومسطورا في صحائف أعمالهم، ولا يظلم ربك أحدا من العباد، وإنما يجازى كل إنسان على حسب ما يستحقه من ثواب أو عقاب كما قال- سبحانه-: وَنَضَعُ الْمَوازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيامَةِ فَلا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً، وَإِنْ كانَ مِثْقالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنا بِها، وَكَفى بِنا حاسِبِينَ .وكما قال- عز وجل-: إِنَّ اللَّهَ لا يَظْلِمُ مِثْقالَ ذَرَّةٍ، وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضاعِفْها، وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْراً عَظِيماً .قال الإمام ابن كثير وقوله: وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً أى: فيحكم بين عباده في أعمالهم جميعها، ولا يظلم أحدا من خلقه، بل يغفر ويصفح ويرحم، ويعذب من يشاء، بقدرته وحكمته وعدله.وقال الإمام أحمد: حدثنا يزيد أخبرنا همام بن يحيى، عن القاسم بن عبد الواحد المكي، عن عبد الله بن محمد بن عقيل أنه سمع جابر بن عبد الله يقول: بلغني حديث عن رجل سمعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم فاشتريت بعيرا ثم شددت عليه رحلي، فسرت إليه شهرا، حتى قدمت عليه الشام، فإذا عبد الله بن أنيس، فقلت للبواب: قل له جابر على الباب، فقال: ابن عبد الله؟ فقلت: نعم، فخرج يطأ ثوبه، فاعتنقنى واعتنقته، فقلت:حديث بلغني عنك أنك سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم في القصاص فخشيت أن تموت أو أموت قبل أن أسمعه، فقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: يحشر الله- عز وجل- الناس يوم القيامة، عراة غرلا بهما، أى: ليس معهم شيء، ثم يناديهم بصوت يسمعه من بعد، كما يسمعه من قرب: أنا الملك، أنا الديان، لا ينبغي لأحد من أهل النار أن يدخل النار، وله عند أحد من أهل الجنة حق، حتى أقصه منه، أى: حتى أمكنه من أخذ القصاص، وهو أن يفعل به مثل فعله، ولا ينبغي لأحد من أهل الجنة أن يدخل الجنة، وله عند رجل من أهل النار حق، حتى أقصه منه، حتى اللطمة.قال: قلنا: كيف وإنما نأتى الله- عز وجل- عراة غرلا بهما؟ قال: بالحسنات والسيئات .وبعد أن وضح- سبحانه- من أهوال الحشر ما تخشع له النفوس، وتهتز له القلوب، أتبع ذلك بالنهى عن اتخاذ إبليس وذريته أولياء، وببيان جانب من المصير الأليم الذي ينتظر المجرمين وشركاءهم فقال- تعالى-:
18:50
وَ اِذْ قُلْنَا لِلْمَلٰٓىٕكَةِ اسْجُدُوْا لِاٰدَمَ فَسَجَدُوْۤا اِلَّاۤ اِبْلِیْسَؕ-كَانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ اَمْرِ رَبِّهٖؕ-اَفَتَتَّخِذُوْنَهٗ وَ ذُرِّیَّتَهٗۤ اَوْلِیَآءَ مِنْ دُوْنِیْ وَ هُمْ لَكُمْ عَدُوٌّؕ-بِئْسَ لِلظّٰلِمِیْنَ بَدَلًا(۵۰)
اور یاد کرو جب ہم نے فرشتوں کو فرمایا کہ آدم کو سجدہ کرو (ف۱۰۹) تو سب نے سجدہ کیا سوا ابلیس کے، قومِ جن سے تھا تو اپنے رب کے حکم سے نکل گیا (ف۱۱۰) بھلا کیا اسے اور اس کی اولاد و میرے سوا دوست بناتے ہو (ف۱۱۱) اور وہ ہمارے دشمن ہیں ظالموں کو کیا ہی برا بدل (بدلہ) ملا، (ف۱۱۲)

فقوله- سبحانه-: وَإِذْ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ، فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ.تذكير لبنى آدم بالعداوة القديمة بين أبيهم آدم وبين إبليس وذريته.والمقصود بهذا التذكير تحذيرهم من وساوسه، وحضهم على مخالفته، كما قال- تعالى-:إِنَّ الشَّيْطانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا، إِنَّما يَدْعُوا حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحابِ السَّعِيرِ .والملائكة: جمع ملك. وهم- كما وصفهم الله تعالى-: لا يَعْصُونَ اللَّهَ ما أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ ما يُؤْمَرُونَ .وآدم: اسم لأبى البشر، قيل: إنه اسم عبراني مشتق من أدمه بمعنى التراب.والسجود لغة: التذلل والخضوع. وخص في الشرع بوضع الجبهة على الأرض بقصد العبادة.وإبليس اسم مشتق من الإبلاس، وهو الحزن الناشئ عن شدة اليأس وفعله أبلس، والراجح أنه اسم أعجمى. ومنعه من الصرف للعلمية والعجمة.والمعنى- واذكر- أيها العاقل- لتعتبر وتتعظ، وقت أن قلنا للملائكة اسجدوا لآدم، سجود تحية واحترام وتوقير، لا سجود عبادة وطاعة لأن ذلك لا يكون إلا لله رب العالمين.فامتثلوا أمرنا وسجدوا جميعا، كما قال- تعالى-: فَسَجَدَ الْمَلائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ.وجاء العطف في قوله فَسَجَدُوا بالفاء المفيدة للتعقيب، للإشارة إلى أن الملائكة قد بادروا بالامتثال بدون تردد، استجابة لأمر خالقهم- عز وجل.وقوله- تعالى- إِلَّا إِبْلِيسَ كانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ بيان لموقف إبليس من أمر الله تعالى، وهو أنه أبى واستكبر وامتنع عن السجود لآدم. وظاهر الآية يفيد أن سبب فسقه عن أمر ربه: كونه من الجن لا من الملائكة إذ من المقرر في علم الأصول أن الفاء من الحروف الدالة على التعليل، كما في قولهم، سرق فقطعت يده.والمعنى: امتثل الملائكة جميعا أمرنا فسجدوا لآدم، إلا إبليس فإنه أبى واستكبر ولم يسجد لأنه كان من الجن ولم يكن من الملائكة «ففسق عن أمر ربه» أى. فخرج بذلك عن طاعتنا، واستحق لعنتنا وغضبنا.وأصل الفسق: الخروج عن الطاعة مأخوذ من قولهم: فسق الرطب فسوقا إذا خرج عن قشره وهو أعم من الكفر، فيقال للعاصي فاسق، وللكافر فاسق.قال بعض العلماء ما ملخصه: والخلاف في كون إبليس من الملائكة أولا مشهور عند أهل العلم.وحجة من قال إنه ليس منهم أمران: أحدهما: عصمة الملائكة من ارتكاب الكفر الذي ارتكبه إبليس، فهم- كما قال الله عنهم: لا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ.والثاني: أن الله- تعالى- صرح في هذه الآية الكريمة بأنه كان من الجن، والجن غير الملائكة. قالوا: وهو نص قرآنى في محل النزاع.واحتج من قال بأنه منهم، بما تكرر في الآيات القرآنية من قوله: فَسَجَدَ الْمَلائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ إِلَّا إِبْلِيسَ قالوا: فإخراجه بالاستثناء من لفظ الملائكة دليل على أنه منهم، والظواهر إذا كثرت صارت بمنزلة النص ومن المعلوم أن الأصل في الاستثناء الاتصال لا الانقطاع.قالوا: ولا حجة لمن خالفنا في قوله- تعالى- كانَ مِنَ الْجِنِّ، لأن الجن قبيلة من الملائكة، خلقوا من بين الملائكة من نار السموم.وأظهر الحجج في المسألة. حجة من قال: إنه ليس من الملائكة، لأن قوله- تعالى- إِلَّا إِبْلِيسَ كانَ مِنَ الْجِنِّ هو أظهر شيء في الموضوع من نصوص الوحى، والعلم عند الله- تعالى- .ومن المفسرين الذين يدل كلامهم على أن إبليس لم يكن من الملائكة. الإمام ابن كثير، فقد قال- رحمه الله- قوله: فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ كانَ مِنَ الْجِنِّ أى: خانه أصله، فإنه خلق من مارج من نار، وأصل خلق الملائكة من نور، كما ثبت في صحيح مسلم، عن عائشة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: «خلقت الملائكة من نور، وخلق إبليس من مارج من نار، وخلق آدم مما وصف لكم» . فعند الحاجة نضح كل إناء بما فيه، وخانه الطبع عند الحاجة، وذلك أنه قد توسم بأفعال الملائكة، وتشبه بهم، وتعبد وتنسك فلهذا دخل في خطابهم، وعصى بالمخالفة.ونبه- تعالى- هاهنا على أنه «من الجن» أى: «أنه خلق من نار..» .ثم ختم- سبحانه- الآية الكريمة بالإنكار والتوبيخ والتعجيب ممن يتبع خطوات إبليس وذريته فقال: أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ، بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلًا.أى: أفبعد أن ظهر لكم- يا بنى آدم- ما ظهر من فسوق إبليس عن أمر ربه، تتخذونه وذريته الذين نهجوا نهجه، أولياء، وأصفياء من دوني، فتطيعونهم بدل أن تطيعوني، والحال أن إبليس وذريته لكم عدو؟لا شك أن من يفعل ذلك منكم يكون قد استبدل الذي هو أدنى بالذي هو خير، وآثر الغي على الرشد، والضلالة على الهداية، والفسوق على الإيمان!!.فالجملة الكريمة تستبعد من كل عاقل، أن يطيع إبليس وذريته، بعد أن تبين له عداوتهم إياه، وحرصهم على إيقاعه في موارد الهلكة والسوء.وقوله: وَذُرِّيَّتَهُ يدل على أن لإبليس ذرية، إلا أن الطريقة التي بواسطتها كانت له الذرية، لم يرد بها نص صحيح يعتمد عليه، لذا وجب تفويض علمها إلى- الله تعالى-.قال الآلوسى عند تفسيره لهذه الآية: والظاهر أن المراد من الذرية الأولاد فتكون الآية دالة على أن له أولادا، وبذلك قال جماعة.. وعن قتادة أنه قال: إنه ينكح وينسل كما ينسل بنو آدم.ثم قال الآلوسى: ولا يلزمنا أن نعلم كيفية ولادته، فكثير من الأشياء مجهول الكيفية عندنا، ونقول به.وقوله- تعالى-: بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلًا حكم منه- سبحانه- بسوء التفكير والمصير على المتخذين إبليس وذريته أولياء من دونه- تعالى- وبئس فعل يفيد الذم، والبدل: العوض عن الشيء.أى بئس للظالمين، الواضعين للشيء في غير موضعه، ما فعلوه من تركهم طاعة الله- تعالى- وأخذهم في مقابل ذلك طاعة إبليس وذريته.والمخصوص بالذم محذوف دل عليه المقام والتقدير: بئس البدل والعوض عن طاعة الله- تعالى- طاعة إبليس وذريته.
18:51
مَاۤ اَشْهَدْتُّهُمْ خَلْقَ السَّمٰوٰتِ وَ الْاَرْضِ وَ لَا خَلْقَ اَنْفُسِهِمْ۪-وَ مَا كُنْتُ مُتَّخِذَ الْمُضِلِّیْنَ عَضُدًا(۵۱)
نہ میں نے آسمانوں اور زمین کو بناتے وقت انہیں سامنے بٹھالیا تھا، نہ خود ان کے بناتے وقت اور نہ میری شان، کہ گمراہ کرنے والوں کو بازوں بناؤں (ف۱۱۳)

ثم ساق- سبحانه- ما يدل على كمال علمه وقدرته، وعلى عجز وجهالة المعبودين من دونه، فقال- تعالى-: ما أَشْهَدْتُهُمْ خَلْقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَلا خَلْقَ أَنْفُسِهِمْ.والضمير في قوله «ما أشهدتهم» يعود إلى إبليس وذريته، والإشهاد: بمعنى الإحضار والإعلام.أى: ما أشهدت إبليس وذريته خلق السموات والأرض، لأنى خلقتهما دون أن أستعين في خلقهما بأحد، أو لأنى خلقتهما قبل خلقهم، وَلا خَلْقَ أَنْفُسِهِمْ أى: ولا أشهدت بعضهم خلق بعض، لأنى لا أستعين بأحد حين أخلق ما أشاء، ولا أستشير أحدا حين أقدر ما أشاء.وما دام الأمر كذلك فكيف تتخذونهم أولياء وشركاء من دوني وأنا الخالق لكل شيء، والقاهر فوق كل شيء؟.فالجملة الكريمة استئناف مسوق لبيان كمال علمه وقدرته- سبحانه-، ولبيان عدم استحقاق إبليس وذريته للاتخاذ المذكور في أنفسهم، بعد بيان المواقع والصوارف التي تمنع وتصرف عن اتخاذهم أولياء، من خباثة أصلهم، وفسوقهم عن أمر ربهم.وهذا المعنى الذي صرحت به الآية الكريمة من تفرد الله- تعالى- بالخلق والقدرة. قد جاء في آيات أخرى منها قوله- تعالى- هذا خَلْقُ اللَّهِ فَأَرُونِي ماذا خَلَقَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ، بَلِ الظَّالِمُونَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ .وقوله- سبحانه- وَما كُنْتُ مُتَّخِذَ الْمُضِلِّينَ عَضُداً مؤكد لما قبله من تفرده- سبحانه- بالخلق والقدرة والعلم.والعضد- بفتح العين وضم الضاد- في الأصل، يطلق على العضد المعروف ما بين المرفق إلى الكتف، ويستعار للمعين والناصر فيقال: فلان عضدي، أى: نصيرى.ومنه قوله- تعالى- لنبيه موسى- عليه السلام- سَنَشُدُّ عَضُدَكَ بِأَخِيكَ أى:سنقويك ونعينك بأخيك هارون وذلك لأن اليد قوامها العضد، فإذا فقدته أصابها العجز.أى: وما كنت متخذ المضلين عن سبيلي أعوانا وأنصارا في شأن من شئونى، وخص- سبحانه- المضلين بالذكر، زيادة في ذمهم وتوبيخهم، وتقريعا لأمثالهم، لأنه- عز وجل- ليس له أعوان ولا أنصار فيما يفعله لا من المضلين ولا من المهتدين.ولم يقل- سبحانه- وما كنت متخذهم.. بالإضمار، كما قال: ما أَشْهَدْتُهُمْ بل أظهر في مقام الإضمار، لتسجيل الضلال عليهم، حتى ينصرف عنهم كل عاقل، وللتنبيه على أن الضالين المضلين لا تصح الاستعانة بهم.ولقد حكى الله- تعالى- عن نبيه موسى- عليه السلام- براءته من المجرمين فقال:قالَ رَبِّ بِما أَنْعَمْتَ عَلَيَّ فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيراً لِلْمُجْرِمِينَ .والظهير: الناصر والمعين لغيره.
18:52
وَ یَوْمَ یَقُوْلُ نَادُوْا شُرَكَآءِیَ الَّذِیْنَ زَعَمْتُمْ فَدَعَوْهُمْ فَلَمْ یَسْتَجِیْبُوْا لَهُمْ وَ جَعَلْنَا بَیْنَهُمْ مَّوْبِقًا(۵۲)
اور جس دن فرمائے گا (ف۱۱۴) کہ پکارو میرے شریکوں کو جو تم گمان کرتے تھے تو انہیں پکاریں گے وہ انہیں جواب نہ دیں گے اور ہم ان کے (ف۱۱۵) درمیان ایک ہلاکت کا میدان کردیں گے(ف۱۱۶)

ثم ساقت السورة الكريمة مشهدا من مشاهد القيامة- يكشف عن سوء المصير الذي ينتظر الشركاء وينتظر المجرمين. فقال- تعالى-: وَيَوْمَ يَقُولُ نادُوا شُرَكائِيَ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ فَدَعَوْهُمْ فَلَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُمْ....أى: واذكر- أيها العاقل- يوم يقول الله- تعالى- للمجرمين والكافرين على سبيل التوبيخ والتقريع: أيها الكافرون، نادوا شركائى الذين زعمتم أنهم ينفعونكم ويشفعون لكم في هذا الموقف العصيب «فدعوهم» أى: فأطاعوا أمر خالقهم، ودعوا شركاءهم لكي يستغيثوا بهم «فلم يستجيبوا لهم» أى: فلم يجدوا منهم أدنى استجابة فضلا عن النفع أو العون.وقوله: وَجَعَلْنا بَيْنَهُمْ مَوْبِقاً أى: وجعلنا بين الداعين والمدعوين مهلكا يشتركون فيه جميعا وهو جهنم.فالموبق: اسم مكان من وبق وبوقا- كوثب وثوبا- أو وبق وبقا كفرح فرحا- إذا هلك. ويقال فلان أوبقته ذنوبه: أى أهلكته. ومنه قوله- تعالى-: أَوْ يُوبِقْهُنَّ بِما كَسَبُوا أى يهلكهن. ومنه الحديث الشريف: «كل يغدو فموبق نفسه» - أى مهلكها- ومنه أيضا قوله صلى الله عليه وسلم: «اجتنبوا السبع الموبقات» أى: المهلكات.وقيل: الموبق اسم واد في جهنم فرق الله به بينهم، أى بين الداعين والمدعوين.وقيل: كل حاجز بين شيئين فهو موبق.قال ابن جرير- رحمه الله- بعد أن ذكر جملة من الأقوال في ذلك: وأولى الأقوال في ذلك بالصواب، القول الذي ذكرناه من أن الموبق بمعنى المهلك وذلك أن العرب تقول في كلامها:قد أوبقت فلانا إذا أهلكته..»
18:53
وَ رَاَ الْمُجْرِمُوْنَ النَّارَ فَظَنُّوْۤا اَنَّهُمْ مُّوَاقِعُوْهَا وَ لَمْ یَجِدُوْا عَنْهَا مَصْرِفًا۠(۵۳)
اور مجرم دوزخ کو دیکھیں گے تو یقین کریں گا کہ انہیں اس میں گرنا ہے اور اس سے پھرنے کی کوئی جگہ نہ پائیں گے،

ثم بين- سبحانه- حالة المجرمين عند ما يبصرون النار فقال: وَرَأَى الْمُجْرِمُونَ النَّارَ فَظَنُّوا أَنَّهُمْ مُواقِعُوها وَلَمْ يَجِدُوا عَنْها مَصْرِفاً.ورأى هنا بصرية. والظن بمعنى اليقين والعلم، لأنهم أبصروا الحقائق، وشاهدوا واقعهم الأليم مشاهدة لا لبس فيها ولا خفاء.أى: وشاهد المجرمون بأعينهم النار، فأيقنوا أنهم مخالطوها وواقعون فيها. بسبب سوء أعمالهم، وانكشاف الحقائق أمامهم، ولم يجدوا عنها مصرفا أى مكانا ينصرفون إليه، ويعتصمون به ليتخذوه ملجأ لهم منها.فالمصرف: اسم مكان للجهة التي ينصرف إليها الإنسان للنجاة من ضر أحاط به.وعبر- سبحانه- عن رؤيتهم للنار بالفعل الماضي، لتحقق الوقوع.وقال- سبحانه- وَرَأَى الْمُجْرِمُونَ فوضع المظهر موضع المضمر، لتسجيل الإجرام عليهم، ولزيادة الذم لهم.وقد ذكر- سبحانه- هنا أن المجرمين يرون النار، وذكر في آية أخرى أنها تراهم- أيضا- قال- تعالى-: إِذا رَأَتْهُمْ مِنْ مَكانٍ بَعِيدٍ سَمِعُوا لَها تَغَيُّظاً وَزَفِيراً .وبذلك نرى الآيات الكريمة قد حكت لنا فسوق إبليس عن أمر ربه، وحذرتنا من اتخاذه وليا، ومن الانقياد لوسوسته وإغراءاته، كما حكت لنا جانبا من أحوال المشركين وشركائهم، وكيف أن الشركاء قد تخلوا عن عابديهم في هذا اليوم العصيب، بعد أن أحاطت النار بالجميع، وأيقن المجرمون أنه لا فكاك لهم منها، ولا نجاة لهم من لهيبها.نسأل الله- تعالى- بفضله وكرمه أن ينجينا من هذا الموقف الرهيب.ثم مدحت السورة الكريمة القرآن، فوصفته بأن الله- تعالى- قد أكثر فيه من ضرب الأمثال، ونوعها لتشمل جميع الأحوال، وبينت سنة الله- تعالى- في الأمم السابقة، كما بينت وظيفة الرسل- عليهم الصلاة والسلام- وسوء عاقبة المكذبين لهم، ومظاهر رحمة الله- تعالى- بالناس.استمع إلى السورة الكريمة وهي تحكى كل هذه المعاني بأسلوبها البليغ المؤثر فتقول:
18:54
وَ لَقَدْ صَرَّفْنَا فِیْ هٰذَا الْقُرْاٰنِ لِلنَّاسِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍؕ-وَ كَانَ الْاِنْسَانُ اَكْثَرَ شَیْءٍ جَدَلًا(۵۴)
اور بیشک ہم نے لوگوں کے لیے اس قرآن میں ہر قسم کی مثل طرح طرح بیان فرمائی (ف۱۱۷) اور آدمی ہر چیز سے بڑھ کر جھگڑالو ہے (ف۱۱۸)

وقوله- سبحانه- صَرَّفْنا من التصريف بمعنى التنويع والتكرير.والمثل: هو القول الغريب السائر في الآفاق الذي يشبه مضربه مورده.وقد أكثر القرآن من ضرب الأمثال لإيضاح المعنى الخفى وتقريب الأمر المعقول من الأمر المحسوس، وعرض الأمر الغائب في صورة الحاضر.والمعنى: ولقد كررنا ورددنا ونوعنا في هذا القرآن من أجل هداية الناس، ورعاية مصلحتهم ومنفعتهم، من كل مثل من الأمثال التي تهدى النفوس، وتشفى القلوب، لعلهم بذلك يسلكون طريق الحق، ويتركون طريق الباطل.فالمقصود بهذه الجملة الكريمة، الشهادة من الله- تعالى- بأن هذا القرآن الذي أنزله- سبحانه- على نبيه صلى الله عليه وسلم فيه من الأمثال الكثيرة المتنوعة النافعة، ما يرشد الناس إلى طريق الحق والخير، متى فتحوا قلوبهم له. وأعملوا عقولهم لتدبره وفهمه.ومفعول «صرفنا» محذوف، و «من» لابتداء الغاية، أى: ولقد صرفنا البينات والعبر والحكم في هذا القرآن، من أنواع ضرب المثل لمنفعة الناس ليهتدوا ويذكروا.ثم بين- سبحانه- موقف الإنسان من هذه الأمثال فقال: وَكانَ الْإِنْسانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلًا.والمراد بالإنسان: الجنس، ويدخل فيه الكافر والفاسق دخولا أوليا.والجدل: الخصومة والمنازعة مع الغير في مسألة من المسائل.أى: وكان الإنسان أكثر شيء مجادلة ومنازعة لغيره، أى: أن جدله أكثر من جدل كل مجادل.قال الإمام ابن كثير عند تفسيره لهذه الآية: ولقد بينا للناس في هذا القرآن، ووضحنا لهم الأمور، وفصلناها، كيلا يضلوا عن الحق.. ومع هذا البيان، فالإنسان كثير المجادلة والمعارضة للحق بالباطل، إلا من هدى الله وبصره لطريق النجاة.قال الإمام أحمد: حدثنا أبو اليمان، أخبرنا شعيب. عن الزهري قال: أخبرنى على بن الحسين، أن الحسين بن على أخبره، أن على بن أبى طالب أخبره. أن رسول الله صلى الله عليه وسلم طرق عليا وفاطمة ليلة فقال: «ألا تصليان؟ فقلت: يا رسول الله، إنما أنفسنا بيد الله..فإذا شاء أن يبعثنا بعثنا. فانصرف حين قلت ذلك ولم يرفع إلى بشيء ثم سمعته وهو مول يضرب فخذه ويقول: وكان الإنسان أكثر شيء جدلا» .وفي التعبير عن الإنسان في هذه الجملة بأنه «شيء» وأنه «أكثر شيء جدلا» إشعار لهذا الإنسان بأن من الواجب عليه أن يقلل من غروره وكبريائه. وأن يشعر بأنه خلق من مخلوقات الله الكثيرة، وأن ينتفع بأمثال القرآن ومواعظه وهداياته.. لا أن يجادل فيها بالباطل.ومنهم من يرى أن المراد بالإنسان هنا: الكافر، أو شخص معين، قيل: هو النضر بن الحارث، وقيل: أبى بن خلف.لكن الظاهر أن المراد به العموم- كما أشرنا- ويدخل فيه هؤلاء دخولا أوليا.
18:55
وَ مَا مَنَعَ النَّاسَ اَنْ یُّؤْمِنُوْۤا اِذْ جَآءَهُمُ الْهُدٰى وَ یَسْتَغْفِرُوْا رَبَّهُمْ اِلَّاۤ اَنْ تَاْتِیَهُمْ سُنَّةُ الْاَوَّلِیْنَ اَوْ یَاْتِیَهُمُ الْعَذَابُ قُبُلًا(۵۵)
اور آدمیوں کو کسی چیز نے اس سے روکا کہ ایمان لاتے جب ہدایت (ف۱۱۹) ان کے پاس آئی اور اپنے رب سے معافی مانگتے (ف۱۱۳) مگر یہ کہ ان پر اگلوں کا دستور آئے (ف۱۲۱) یا ان پر قسم قسم کا عذاب آئے،

ثم حكى- سبحانه- الأسباب التي منعت بعض الناس من الإيمان فقال: وَما مَنَعَ النَّاسَ أَنْ يُؤْمِنُوا إِذْ جاءَهُمُ الْهُدى وَيَسْتَغْفِرُوا رَبَّهُمْ. إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمْ سُنَّةُ الْأَوَّلِينَ، أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذابُ قُبُلًا.والمراد بالناس: كفار مكة ومن حذا حذوهم في الشرك والضلال والمراد بسنة الأولين:ما أنزله- سبحانه- بالأمم السابقة من عذاب بسبب إصرارها على الكفر والجحود.والمعنى: وما منع الكفار من الإيمان وقت أن جاءهم الهدى عن طريق نبيهم صلى الله عليه وسلم، ومن أن يستغفروا ربهم من ذنوبهم، إلا ما سبق في علمنا، من أنهم لا يؤمنون، بل يستمرون على كفرهم حتى تأتيهم سنة الأولين، أى: سنتنافى إهلاكهم بعذاب الاستئصال بسبب إصرارهم على كفرهم.ويجوز أن يكون الكلام على حذف مضاف، و «أن» وما بعدها في قوله إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمْ في تأويل فاعل الفعل «منع» .والمعنى: وما منع الناس من الإيمان والاستغفار وقت مجيء الهدى إليهم، إلا طلب إتيان سنة الأولين، كأن يقولوا- كما حكى الله- تعالى- عن بعضهم: فَأَسْقِطْ عَلَيْنا كِسَفاً مِنَ السَّماءِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ.فسنة الأولين أنهم طلبوا من أنبيائهم تعجيل العذاب، فأخذهم الله أخذ عزيز مقتدر.وقوله: أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذابُ قُبُلًا بيان لعذاب آخر ينتظرونه.وكلمة قُبُلًا قرأها عاصم والكسائي وحمزة- بضم القاف والباء- على أنها جمع قبيل وهو النوع فيكون المعنى: أو يأتيهم العذاب على صنوف وأنواع مختلفة، ومن جهات متعددة يتلو بعضها بعضا.وقرأها الباقون: قُبُلًا- بكسر القاف وفتح الباء- بمعنى عيانا ومواجهة.والمعنى: أو يأتيهم العذاب عيانا وجهارا، وأصله من المقابلة، لأن المتقابلين يعاين ويشاهد كل منهما الآخر.وهي على القراءتين منصوبة على الحالية من العذاب.فحاصل معنى الآية الكريمة أن هؤلاء الجاحدين لا يؤمنون ولا يستغفرون إلا حين نزول العذاب الدنيوي بهم وهو ما اقتضته سنة الله- تعالى- في أمثالهم، أو حين نزول أصناف العذاب بهم في الآخرة.
18:56
وَ مَا نُرْسِلُ الْمُرْسَلِیْنَ اِلَّا مُبَشِّرِیْنَ وَ مُنْذِرِیْنَۚ-وَ یُجَادِلُ الَّذِیْنَ كَفَرُوْا بِالْبَاطِلِ لِیُدْحِضُوْا بِهِ الْحَقَّ وَ اتَّخَذُوْۤا اٰیٰتِیْ وَ مَاۤ اُنْذِرُوْا هُزُوًا(۵۶)
اور ہم رسولوں کو نہیں بھیجتے مگر (ف۱۲۲) خوشی (ف۱۲۳) ڈر سنانے والے اور جو کافر ہیں وہ باطل کے ساتھ جھگڑتے ہیں (ف۱۲۴) کہ اس سے حق کو ہٹادیں اور انہوں نے میری آیتوں کی اور جو ڈر انہیں سناتے گئے تھے، (ف۱۲۵)

ثم بين- تعالى- وظيفة الرسل فقال: وَما نُرْسِلُ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ.أى: تلك هي وظيفة الرسل الكرام الذين نرسلهم لهداية الناس وإخراجهم من ظلمات الكفر إلى نور الإيمان.فهم يبشرون المؤمنين بحسن العاقبة وجزيل الثواب، وينذرون الفاسقين والكافرين بسوء العاقبة، وشديد العقاب.وقوله- تعالى-: وَيُجادِلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالْباطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ بيان لموقف الكافرين من الرسل- عليهم الصلاة والسلام-.ويجادل من المجادلة بمعنى المخاصمة والمنازعة. ومفعوله محذوف.والباطل: هو الشيء الزائل المضمحل الذي هو ضد الحق والعدل. والحق هو الشيء الثابت القويم الذي تؤيده شريعة الله- عز وجل-.والدحض: الطين الذي لا تستقر عليه الأقدام. فمعنى يدحضوا: يزيلوا ويبطلوا تقول العرب: دحضت رجل فلان، إذا زلت وزلقت.. ومنه قوله- تعالى-: حُجَّتُهُمْ داحِضَةٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ.والمعنى: ويجادل الذين كفروا رسلهم بالجدال الباطل، ليزيلوا به الحق الذي جاء به هؤلاء الرسل ويدحضوه ويبطلوه، والله- تعالى- متم نوره ولو كره الكافرون، فإن الباطل مهما طال فإن مصيره إلى الاضمحلال والزوال.وقوله- تعالى- وَاتَّخَذُوا آياتِي وَما أُنْذِرُوا هُزُواً معطوف على ما قبله لبيان رذيلة أخرى من رذائل هؤلاء الكافرين.والمراد بآيات الله: تلك المعجزات التي أيد الله- تعالى- بها رسله سواء أكانت قولا أم فعلا، ويدخل فيها القرآن دخولا أوليا.أى: أن هؤلاء الكافرين لم يكتفوا بجدال رسلهم بالباطل، بل أضافوا إلى ذلك أنهم اتخذوا الآيات التي جاء بها الرسل كدليل على صدقهم، واتخذوا ما أنذروهم به من قوارع إذا ما استمروا على كفرهم. اتخذوا كل ذلك «هزوا» أى: اتخذوها محل سخريتهم ولعبهم ولهوهم واستخفافهم، كما قال- سبحانه-: وَقالَ الرَّسُولُ يا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هذَا الْقُرْآنَ مَهْجُوراً.
18:57
وَ مَنْ اَظْلَمُ مِمَّنْ ذُكِّرَ بِاٰیٰتِ رَبِّهٖ فَاَعْرَضَ عَنْهَا وَ نَسِیَ مَا قَدَّمَتْ یَدٰهُؕ-اِنَّا جَعَلْنَا عَلٰى قُلُوْبِهِمْ اَكِنَّةً اَنْ یَّفْقَهُوْهُ وَ فِیْۤ اٰذَانِهِمْ وَقْرًاؕ-وَ اِنْ تَدْعُهُمْ اِلَى الْهُدٰى فَلَنْ یَّهْتَدُوْۤا اِذًا اَبَدًا(۵۷)
ان کی ہنسی بنالی اور اس سے بڑھ کر ظالم کون جسے اس کے رب کی آیتیں یاد دلائی جائیں تو وہ ان سے منہ پھیرلے (ف۱۲۶) اور اس کے ہاتھ جو آگے بھیج چکے (ف۱۲۷) اسے بھول جائے ہم نے ان کے دلوں پر غلاف کردیے ہیں کہ قرآن نہ سمجھیں اور ان کے کانوں میں گرانی (ف۱۲۸) اور اگر تم انہیں ہدایت کی طرف بلاؤ تو جب بھی ہرگز کبھی راہ نہ پائیں گے (ف۱۲۹)

ثم بين- سبحانه- سوء عاقبة المعرضين عن التذكير وعن آيات الله فقال: وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذُكِّرَ بِآياتِ رَبِّهِ فَأَعْرَضَ عَنْها وَنَسِيَ ما قَدَّمَتْ يَداهُ.والاستفهام هنا للنفي والإنكار والمراد بالآيات آيات القرآن الكريم. لقوله- تعالى- بعد ذلك: أَنْ يَفْقَهُوهُ.والمراد بالنسيان: الترك والإهمال وعدم التفكر والتدبر في العواقب.أى: ولا أحد أشد ظلما وبغيا. من إنسان ذكره مذكر ووعظه بآيات الله التي أنزلها على رسوله صلى الله عليه وسلم فأعرض عنها دون أن يقبلها أو يتأملها. بل نبذها وراء ظهره، ونسى ما قدمت يداه من السيئات والمعاصي، نسيان ترك وإهمال واستخفاف.ثم بين- سبحانه- علة هذا الإعراض والنسيان فقال: إِنَّا جَعَلْنا عَلى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَفِي آذانِهِمْ وَقْراً، وَإِنْ تَدْعُهُمْ إِلَى الْهُدى فَلَنْ يَهْتَدُوا إِذاً أَبَداً.والأكنة: جمع كنان بمعنى غطاء والوقر الثقل والصمم. يقال فلان وقرت أذنه، أى: ثقل سمعها وأصيبت بالصمم.أى: إنا جعلنا على قلوب هؤلاء الظالمين المعرضين عن الحق، أغطية تمنع قلوبهم عن وصول النور إليها، وتحجبها عن فقه آياته- سبحانه- وجعلنا- أيضا- في آذانهم صمما وثقلا عن سماع ما ينفعهم وذلك يسبب استحبابهم العمى على الهدى، وإيثارهم الكفر على الإيمان.وَإِنْ تَدْعُهُمْ أيها الرسول الكريم إِلَى الْهُدى والرشد فلن، يستجيبوا لك، ولن يَهْتَدُوا إِذاً أَبَداً إلى الحق وإلى الصراط المستقيم، بسبب زيغ قلوبهم، واستيلاء الكفر والجحود والعناد عليها.والضمير في قوله أَنْ يَفْقَهُوهُ يعود إلى الآيات، وتذكيره وإفراده باعتبار المعنى، إذ المراد منها القرآن الكريم.وجاءت الضمائر في أول الآية بالإفراد، كما في قوله، ذُكِّرَ وفَأَعْرَضَ عَنْها وَنَسِيَ ما قَدَّمَتْ يَداهُ باعتبار لفظ «من» في قوله «ومن أظلم» وجاءت بعد ذلك بالجمع كما في قوله سبحانه-: إِنَّا جَعَلْنا عَلى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً.. باعتبار المعنى.وهذا الأسلوب كثير في القرآن الكريم، ومنه قوله- تعالى-: وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ وَيَعْمَلْ صالِحاً يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها أَبَداً، قَدْ أَحْسَنَ اللَّهُ لَهُ رِزْقاً.فالضمير في قوله: «يؤمن ويعمل ويدخله» جاء بصيغة الإفراد باعتبار لفظ «من» ، وفي قوله: خالِدِينَ فِيها جاء بصيغة الجمع باعتبار معنى «من» .
18:58
وَ رَبُّكَ الْغَفُوْرُ ذُو الرَّحْمَةِؕ-لَوْ یُؤَاخِذُهُمْ بِمَا كَسَبُوْا لَعَجَّلَ لَهُمُ الْعَذَابَؕ-بَلْ لَّهُمْ مَّوْعِدٌ لَّنْ یَّجِدُوْا مِنْ دُوْنِهٖ مَوْىٕلًا(۵۸)
اور تمہارا رب بخشنے والا مہر وا لا ہے، اگر وہ انہیں (ف۱۳۰) ان کے کیے پر پکڑتا تو جلد ان پر عذاب بھیجتا (ف۱۳۱) بلکہ ان کے لیے ایک وعدہ کا وقت ہے (ف۱۳۲) جس کے سامنے کوئی پناہ نہ پائیں گے،

ثم ساق- سبحانه- بعد ذلك ما يدل على سعة رحمته، وعظيم فضله فقال: وَرَبُّكَ الْغَفُورُ ذُو الرَّحْمَةِ لَوْ يُؤاخِذُهُمْ بِما كَسَبُوا لَعَجَّلَ لَهُمُ الْعَذابَ، بَلْ لَهُمْ مَوْعِدٌ لَنْ يَجِدُوا مِنْ دُونِهِ مَوْئِلًا.أى: وربك- أيها الرسول الكريم- هو صاحب المغفرة الكثيرة، وصاحب الرحمة التي وسعت كل شيء. لو يؤاخذ الناس بما كسبوا من الذنوب والمعاصي، لعجل لهم العذاب بسبب ما يرتكبونه من كفر وآثام، ولكنه- سبحانه- لم يعجل لهم العذاب رحمة منه وحلما.وجملة «بل لهم موعد..» معطوفه على مقدر، فكأنه- سبحانه- قال: لكنه- سبحانه- لم يؤاخذهم، بل جعل وقتا معينا لعذابهم، لن يجدوا من دون هذا العذاب موئلا.أى ملجأ يلتجئون إليه، أو مكانا يعتصمون به.فالموئل: اسم مكان. يقال: وأل فلان إلى مكان كذا يئل وألا.. إذا لجأ إليه ليعتصم به من ضر متوقع.فالآية الكريمة تبين أن الله- تعالى- بفضله وكرمه لا يعاجل الناس. بالعقاب، ولكنه- عز وجل- ليس غافلا عن أعمالهم، بل يؤخرهم إلى الوقت الذي تقتضيه حكمته، لكي يعاقبهم على ما ارتكبوه من ذنوب وآثام.وفي معنى هذه الآية وردت آيات كثيرة، منها قوله- تعالى-: وَلَوْ يُؤاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِما كَسَبُوا ما تَرَكَ عَلى ظَهْرِها مِنْ دَابَّةٍ، وَلكِنْ يُؤَخِّرُهُمْ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى. فَإِذا جاءَ أَجَلُهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ كانَ بِعِبادِهِ بَصِيراً .وقوله- تعالى-: وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ لِلنَّاسِ عَلى ظُلْمِهِمْ، وَإِنَّ رَبَّكَ لَشَدِيدُ الْعِقابِ
18:59
وَ تِلْكَ الْقُرٰۤى اَهْلَكْنٰهُمْ لَمَّا ظَلَمُوْا وَ جَعَلْنَا لِمَهْلِكِهِمْ مَّوْعِدًا۠(۵۹)
اور یہ بستیاں ہم نے تباہ کردیں (ف۱۳۳) جب انہوں نے ظلم کیا (ف۱۳۴) اور ہم نے ان کی بربادی کا ایک وعدہ رکھا تھا،

ثم بين- سبحانه- سننه في الأمم الماضية فقال: وَتِلْكَ الْقُرى أَهْلَكْناهُمْ لَمَّا ظَلَمُوا وَجَعَلْنا لِمَهْلِكِهِمْ مَوْعِداً.واسم الإشارة «تلك» تعود إلى القرى المهلكة بسبب كفرها وفسوقها عن أمر ربها، كقرى قوم نوح وهود وصالح- عليهم السلام-.والقرى: جمع قرية والمراد بها أهلها الذين ظلموا أنفسهم بالكفر والجحود.أى: وتلك القرى الماضية التي أصر أهلها على الكفر والفسوق والعصيان أهلكناهم بعذاب الاستئصال في الدنيا، بسبب هذا الكفر والظلم، وجعلنا لوقت هلاكهم موعدا لا يتأخرون عنه ساعة ولا يستقدمون.ولفظ «تلك» مبتدأ، والقرى صفة له أو عطف بيان، وجملة أَهْلَكْناهُمْ هي الخبر.وقوله لَمَّا ظَلَمُوا بيان للأسباب التي أدت بهم إلى الهلاك والدمار، أى: أهلكناهم بسبب وقوع الظلم منهم واستمرارهم عليه.وجيء باسم الإشارة «تلك» للإشعار بإن أهل مكة يمرون على تلك القرى الظالمة المهلكة، ويعرفون أماكنهم معرفة واضحة عند أسفارهم من مكة إلى بلاد الشام. قال- تعالى- وَإِنَّكُمْ لَتَمُرُّونَ عَلَيْهِمْ مُصْبِحِينَ. وَبِاللَّيْلِ أَفَلا تَعْقِلُونَ.وقوله: وَجَعَلْنا لِمَهْلِكِهِمْ مَوْعِداً قرأ الجمهور، لمهلكهم، - بضم الميم وفتح اللام- على صيغة اسم المفعول، وهو محتمل أن يكون مصدرا ميميا. أى: وجعلنا لإهلاكهم موعدا.ويحتمل أن يكون اسم زمان، أى: وجعلنا لزمان إهلاكهم موعدا.وقرأ حفص عن عاصم «لمهلكهم» بفتح الميم وكسر اللام- فيكون اسم زمان، وقرأ شعبة عن عاصم. لمهلكهم» - بفتح الميم واللام- فيكون مصدرا ميميا.وإلى هنا نجد الآيات الكريمة قد وضحت أن القرآن الكريم قد نوع الله- تعالى- فيه الأمثال لقوم يعقلون، كما بينت أن الإنسان مجبول على المجادلة والمخاصمة. وأن المشركين قد أصروا على شركهم بسبب انطماس بصائرهم. وزيغهم عن الحق، وأن الرسل- عليهم الصلاة والسلام- وظيفتهم البلاغ والتبشير والإنذار، وأن عاقبة الجاحدين الذين ختم الله على قلوبهم وعلى سمعهم هي النار وبئس القرار، وأن الله- تعالى- يمهل الظالمين ولا يهملهم، فهو كما قال- سبحانه- نَبِّئْ عِبادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ، وَأَنَّ عَذابِي هُوَ الْعَذابُ الْأَلِيمُ .ثم ساق- سبحانه- قصة فيها ما فيها من الأحكام والعظات، ألا وهي قصة موسى- عليه السلام- مع عبد من عباد الله الصالحين، فقال- تعالى-:
18:60
وَ اِذْ قَالَ مُوْسٰى لِفَتٰىهُ لَاۤ اَبْرَحُ حَتّٰۤى اَبْلُغَ مَجْمَعَ الْبَحْرَیْنِ اَوْ اَمْضِیَ حُقُبًا(۶۰)
اور یاد کرو جب موسیٰ (ف۱۳۵) نے اپنے خادم سے کہا (ف۱۳۶) میں باز نہ رہوں گا جب تک وہاں نہ پہنچوں جہاں دو سمندر ملے ہیں (ف۱۳۷) یا قرنوں (مدتوں تک) چلا جاؤں (ف۱۳۸)

قال الإمام الرازي ما ملخصه: اعلم أن هذا ابتداء قصة ثالثة ذكرها الله- تعالى- في هذه السورة، وهي أن موسى- عليه السلام- ذهب إلى الخضر ليتعلم منه، وهذا وإن كان كلاما مستقلا في نفسه إلا أنه يعين على ما هو المقصود في القصتين السابقتين: أما نفع هذه القصة في الرد على الكفار الذين افتخروا على فقراء المسلمين، فهو أن موسى مع كثرة علمه وعمله.. ذهب إلى الخضر لطلب العلم وتواضع له.وأما نفع هذه القصة في قصة أصحاب الكهف، فهو أن اليهود قالوا لكفار مكة: «إن أخبركم محمد صلى الله عليه وسلم عن هذه القصة فهو نبي وإلا فلا وهذا ليس بشيء. لأنه لا يلزم من كونه نبيا أن يكون عالما بجميع القصص كما أن كون موسى نبيا لم يمنعه من الذهاب ليتعلم منه» .وموسى- عليه السلام- هو ابن عمران، وهو أحد أولى العزم من الرسل، وينتهى نسبه إلى يعقوب- عليه السلام-.وفتاه: هو يوشع بن نون، وسمى بذلك لأنه كان ملازما لموسى- عليه السلام- ويأخذ عنه العلم.وقوله: لا أَبْرَحُ أى: لا أزال سائرا. ومنه قوله- تعالى- لَنْ نَبْرَحَ عَلَيْهِ عاكِفِينَ. من برح الناقص.قال الجمل: واسمها مستتر وجوبا، وخبرها محذوف، تقديره: لا أبرح سائرا، وقوله حَتَّى أَبْلُغَ.. غاية لهذا المقدر. ويحتمل أنها تامة فلا تستدعى خبرا، بمعنى: لا أزول عما أنا عليه من السير والطلب ولا أفارقه حتى أبلغ..» .ومَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ: المكان الذي فيه يلتقى البحر الأحمر بالبحر الأبيض المتوسط.قال الآلوسى: والمجمع: الملتقى، وهو اسم مكان.. والبحران: بحر فارس والروم، كما روى عن مجاهد وقتادة وغيرهما وملتقاهما: مما يلي المشرق ولعل المراد مكان يقرب فيه التقاؤهما.. وقيل البحران: بحر الأردن وبحر القلزم..» .وقال بعض العلماء: والأرجح- والله أعلم- أن مجمع البحرين: بحر الروم وبحر القلزم.أى: البحر الأبيض والبحر الأحمر. ومجمعهما مكان التقائهما في منطقة البحيرات المرة وبحيرة التمساح. أو أنه مجمع خليجى العقبة والسويس في البحر الأحمر. فهذه المنطقة كانت مسرح تاريخ بنى إسرائيل بعد خروجهم من مصر، وعلى أية حال فقد تركها القرآن مجملة فنكتفى بهذه الإشارة» .والمعنى: واذكر- أيها الرسول الكريم- لقومك لكي يعتبروا ويتعظوا وقت أن قال أخوك موسى- عليه السلام- لفتاه يوشع بن نون، اصحبنى في رحلتي هذه فإنى لا أزال سائرا حتى أصل إلى مكان التقاء البحرين، فأجد فيه بغيتي ومقصدي، «أو أمضى» في سيرى «حقبا» أى: زمنا طويلا، إن لم أجد ما أبتغيه هناك.والحقب- بضم الحاء والقاف- جمعه أحقاب، وفي معناه: الحقبة- بكسر الحاء- وجمعها حقب- كسدرة وسدر- والحقبة- بضم الحاء- وجمعها: حقب كغرفة وغرف- قيل: مدتها ثمانون عاما. وقيل سبعون. وقيل: زمان من الدهر مبهم غير محدد.والآية الكريمة تدل بأسلوبها البليغ، على أن موسى- عليه السلام- كان مصمما على بلوغ مجمع البحرين مهما تكن المشقة في سبيل ذلك، ومهما يكن الزمن الذي يقطعه في سبيل الوصول إلى غايته، وهو يعبر عن هذا التصميم بما حكاه عنه القرآن بقوله: «أو أمضى حقبا» .وقد أشار الآلوسى- رحمه الله- إلى سبب تصميم موسى على هذه الرحلة فقال: وكأن منشأ عزيمة موسى- عليه السلام- على ما ذكره ما رواه الشيخان وغيرهما من حديث ابن عباس عن أبى بن كعب، أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إن موسى- عليه السلام- قام خطيبا في بنى إسرائيل فسئل: أى الناس أعلم؟ فقال: أنا. فعاتبه الله- تعالى- عليه، إذ لم يرد العلم إليه- سبحانه- فأوحى الله- تعالى- إليه: إن لي عبدا بمجمع البحرين هو أعلم منك.وفي رواية أخرى عنه عن أبى- أيضا- عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أن موسى- عليه السلام- سأل ربه فقال: أى رب إن كان في عبادك أحد هو أعلم منى فدلني عليه فقال له:«نعم في عبادي من هو أعلم منك، ثم نعت له مكانه وأذن له في لقائه» .
18:61
فَلَمَّا بَلَغَا مَجْمَعَ بَیْنِهِمَا نَسِیَا حُوْتَهُمَا فَاتَّخَذَ سَبِیْلَهٗ فِی الْبَحْرِ سَرَبًا(۶۱)
پھر جب وہ دونوں ان دریاؤں کے ملنے کی جگہ پہنچے (ف۱۳۹) اپنی مچھلی بھول گئے اور اس نے سمندر میں اپنی راہ لی سرنگ بناتی،

ثم تقص علينا السورة الكريمة ما حدث بعد ذلك فتقول: فَلَمَّا بَلَغا مَجْمَعَ بَيْنِهِما نَسِيا حُوتَهُما. فَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ سَرَباً.والفاء في قوله: فَلَمَّا بَلَغا وفي قوله فَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ.. هي الفصيحة.والسرب: النفق الذي يكون تحت الأرض. أو القناة التي يدخل منها الماء إلى البستان لسقى الزرع.والمعنى: وبعد أن قال موسى لفتاه ما قال، أخذا في السير إلى مجمع البحرين، فلما بلغا هذا المكان «نسيا حوتهما» أى: نسيا خبر حوتهما ونسيا تفقد أمره، فحيي الحوت، وسقط في البحر، واتخذ «سبيله» أى طريقه «في البحر سربا» .أى: واتخذ الحوت طريقه في البحر، فكان هذا الطريق مثل السرب أى النفق في الأرض بحيث يسير الحوت فيه، وأثره واضح.قال الإمام ابن كثير: قوله فَلَمَّا بَلَغا مَجْمَعَ بَيْنِهِما نَسِيا حُوتَهُما وذلك أنه كان قد أمر بحمل حوت مملوح- أى مشوى- معه وقيل له: متى فقدت الحوت، فهو ثمة- أى الرجل الصالح الذي هو أعلم منك يا موسى في هذا المكان- فسارا حتى بلغا مجمع البحرين. وهناك عين يقال لها عين الحياة، فناما هناك، وأصاب الحوت من رشاش ذلك الماء فاضطرب، وكان في مكتل مع يوشع، وطفر من المكتل إلى البحر، فاستيقظ يوشع، وسقط الحوت في البحر، وجعل يسير فيه، والماء له مثل الطاق- أى مثل البناء المقوس كالقنطرة- لا يلتئم بعده، ولهذا قال: فَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ سَرَباً أى: مثل السرب في الأرض .وقال الإمام البيضاوي: قوله «نسيا حوتهما» أى: نسى موسى أن يطلبه ويتعرف حاله، ونسى يوشع أن يذكر له ما رأى من حياته ووقوعه في البحر .
18:62
فَلَمَّا جَاوَزَا قَالَ لِفَتٰىهُ اٰتِنَا غَدَآءَنَا٘-لَقَدْ لَقِیْنَا مِنْ سَفَرِنَا هٰذَا نَصَبًا(۶۲)
پھر جبب وہاں سے گزر گئے (ف۱۴۰) موسیٰ نے خادم سے کہا ہمارا صبح کا کھانا لاؤ بیشک ہمیں اپنے اس سفر میں بڑی مشقت کا سامنا ہوا، (ف۱۴۱)

ثم بين- سبحانه- ما كان منهما بعد ذلك فقال: فَلَمَّا جاوَزا أى: المكان الذي فيه مجمع البحرين.«قال» موسى- عليه السلام- لفتاه يوشع بن نون «آتنا غداءنا» أى: أحضر لنا ما نأكله من هذا الحوت المشوى الذي معنا: ثم علل موسى- عليه السلام- هذا الطلب بقوله: لَقَدْ لَقِينا مِنْ سَفَرِنا هذا نَصَباً أى: تعبا وإعياء.واسم الإشارة «هذا» مشار به إلى سفرهما المتلبسين به.قالوا: ولكن باعتبار بعض أجزائه، فقد صح أنه صلى الله عليه وسلم قال: «لم يجد موسى شيئا من التعب حتى جاوز المكان الذي أمر به» .
18:63
قَالَ اَرَءَیْتَ اِذْ اَوَیْنَاۤ اِلَى الصَّخْرَةِ فَاِنِّیْ نَسِیْتُ الْحُوْتَ٘-وَ مَاۤ اَنْسٰىنِیْهُ اِلَّا الشَّیْطٰنُ اَنْ اَذْكُرَهٗۚ-وَ اتَّخَذَ سَبِیْلَهٗ فِی الْبَحْرِ ﳓ عَجَبًا(۶۳)
بولا بھلا دیکھئے تو جب ہم نے اس چٹان کے پاس جگہ لی تھی تو بیشک میں مچھلی کو بھول گیا، اور مجھے شیطان ہی نے بھلا دیا کہ میں اس کا مذکور کروں اور اس نے (ف۱۴۲) تو سمندر میں اپنی راہ لی، اچنبھا ہے،

وقوله- سبحانه-: قالَ أَرَأَيْتَ إِذْ أَوَيْنا إِلَى الصَّخْرَةِ فَإِنِّي نَسِيتُ الْحُوتَ حكاية لما رد به يوشع على موسى- عليه السلام- عند ما طلب منه الغداء.والاستفهام في قوله أَرَأَيْتَ للتعجب مما حدث أمامه من شأن الحوت حيث عادت إليه الحياة، وقفز في البحر، ومع ذلك نسى يوشع أن يخبر موسى عن هذا الأمر العجيب.أى: قال يوشع لموسى- عليه السلام-: تذكر وانتبه واستمع إلى ما سألقيه عليك من خبر هذا الحوت، أرأيت ما دهانى في وقت أن أوينا ولجأنا إلى الصخرة التي عند مجمع البحرين، فإنى هناك نسيت أن أذكر لك ما شاهدته منه من أمور عجيبة، فقد عادت إليه الحياة، ثم قفز في البحر.وقال إِذْ أَوَيْنا إِلَى الصَّخْرَةِ دون أن يذكر مجمع البحرين، زيادة في تحديد المكان وتعيينه. وأوقع النسيان على الحوت دون الغداء الذي طلبه منه موسى، للإشعار بأن الغداء الذي طلبه موسى منه، هو ذلك الحوت الذي فقداه.وقوله وَما أَنْسانِيهُ إِلَّا الشَّيْطانُ أَنْ أَذْكُرَهُ جملة معترضة جيء بها لبيان ما يجرى مجرى السبب في وقوع النسيان منه.وقوله أَنْ أَذْكُرَهُ بدل اشتمال من الهاء في «أنسانيه» .أى: وما أنسانى تذكيرك بما حدث من الحوت إلا الشيطان الذي يوسوس للإنسان، بوساوس متعددة، تجعله يذهل وينسى بعض الأمور الهامة.وقوله وَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ عَجَباً معطوف على قوله فَإِنِّي نَسِيتُ الْحُوتَ.أى: نسيت أن أخبرك بأن الحوت عند ما أوينا إلى الصخرة عادت إليه الحياة، واتخذ طريقه في البحر اتخاذا عجيبا، حيث صار يسير فيه وله أثر ظاهر في الماء، والماء من حوله كالقنطرة التي تنفذ منها الأشياء.وعلى هذا تكون جملة، «واتخذ سبيله في البحر عجبا» ، من بقية كلام يوشع للتعجب مما حدث من الحوت، حيث عادت إليه الحياة بقدرة الله- تعالى-، واتخذ طريقه في البحر بتلك الصورة العجيبة.وقيل: إن هذه الجملة من كلام الله- تعالى- لبيان طرف آخر من أمر هذا الحوت العجيب، بعد بيان أمره قبل ذلك بأنه اتخذ سبيله في البحر سربا.ويبدو لنا أن الرأى الأول أرجح، لأن سياق الآية يدل عليه، لذا اكتفى به بعض المفسرين دون أن يشير إلى غيره.قال الامام الرازي: قوله وَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ عَجَباً فيه وجوه:الأول: أن قوله عَجَباً صفة لمصدر محذوف، كأنه قيل: واتخذ سبيله في البحر اتخاذا عجبا، ووجه كونه عجبا، انقلابه من المكتل وصيرورته حيا وإلقاء نفسه في البحر.الثاني: أن يكون المراد منه ما ذكرنا من أنه- تعالى- جعل الماء عليه كالطاق وكالسراب.الثالث: قيل إنه تم الكلام عند قوله وَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ ثم قال بعده:عَجَباً والمقصود منه تعجب يوشع من تلك الحالة العجيبة التي رآها، ثم من نسيانه لها..
18:64
قَالَ ذٰلِكَ مَا كُنَّا نَبْغِ ﳓ فَارْتَدَّا عَلٰۤى اٰثَارِهِمَا قَصَصًاۙ(۶۴)
موسیٰ نے کہا یہی تو ہم چاہتے تھے (ف۱۴۳) تو پیچھے پلٹے اپنے قدموں کے نشان دیکھتے،

وهنا يحكى القرآن ما يدل على أن موسى- عليه السلام- قد أدرك أنه تجاوز المكان الذي حدده له ربه- تعالى- للقاء العبد الصالح فقال: قالَ ذلِكَ ما كُنَّا نَبْغِ، فَارْتَدَّا عَلى آثارِهِما قَصَصاً.أى قال موسى لفتاه: ذلك الذي ذكرته لي من أمر نسيانك لخبر الحوت هو الذي كنا نبغيه ونطلبه، فإن العبد الصالح الذي نريد لقاءه موجود في ذلك المكان الذي فقدنا فيه الحوت.فَارْتَدَّا عَلى آثارِهِما قَصَصاً أى: فرجعا من طريقهما الذي أتيا منه، يتتبعان آثارهما لئلا يضلا عنه، حتى انتهيا عائدين مرة أخرى إلى موضع الصخرة التي فقد الحوت عندها.وقصصا: من القص بمعنى اتباع الأثر. يقال: قص فلان أثر فلان قصا وقصصا إذا تتبعه.
18:65
فَوَجَدَا عَبْدًا مِّنْ عِبَادِنَاۤ اٰتَیْنٰهُ رَحْمَةً مِّنْ عِنْدِنَا وَ عَلَّمْنٰهُ مِنْ لَّدُنَّا عِلْمًا(۶۵)
تو ہمارے بندوں میں سے ایک بندہ پایا (ف۱۴۴) جسے ہم نے اپنے پاس سے رحمت دی (ف۱۴۵) اور اسے اپنا علم لدنی عطا کیا (ف۱۴۶)

ثم حكى القرآن ما تم لهما بعد أن عادا إلى مكانهما الأول فقال: فَوَجَدا عَبْداً مِنْ عِبادِنا آتَيْناهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنا وَعَلَّمْناهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْماً.أى: وبعد أن عادا إلى مكان الصخرة عند مجمع البحرين مرة أخرى وجدا «عبدا من عبادنا» الصالحين. والتنكير في «عبدا» للتفخيم، والإضافة في «عبادنا» للتشريف والتكريم.آتَيْناهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنا أى: هذا العبد الصالح منحناه وأعطيناه رحمة عظيمة من عندنا وحدنا لا من عند غيرنا: واختصصناه بها دون غيره.وهذه الرحمة تشمل النعم التي أنعم الله- تعالى- بها عليه- كنعمة الهداية والطاعة وغيرهما.وَعَلَّمْناهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْماً أى: وعلمناه من عندنا لا من عند غيرنا علما خاصا، لا يتيسر إلا لمن نريد تيسيره ومنحه له.والمراد بهذا العبد: الخضر- عليه السلام- كما دلت على ذلك الأحاديث الصحيحة.ومن العلماء من يرى أنه كان نبيا، ومنهم من يرى أنه كان عبدا صالحا اختصه الله بلون معين من العلم اللدني.أخرج البخاري وغيره عن أبى هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إنما سمى الخضر لأنه جلس على فروة بيضاء، فإذا هي تهتز من خلفه خضراء» .ويرى المحققون من العلماء أنه قد مات كما يموت سائر الناس. وإلى ذلك ذهب الإمام البخاري وشيخ الإسلام ابن تيمية، وتلميذه ابن القيم وغيرهم.ويرى آخرون أنه حي وسيموت في آخر الزمان.قال ابن القيم: إن الأحاديث التي يذكر فيها أنه حي كلها كذب، ولا يصح في ذلك حديث واحد. وهذه المسألة من المسائل التي فصل العلماء الحديث عنها. فارجع إلى أقوالهم فيها إن شئت .ثم حكى- سبحانه- بعد ذلك، ما دار بين موسى والخضر- عليهما السلام- بعد أن التقيا فقال- تعالى-:
18:66
قَالَ لَهٗ مُوْسٰى هَلْ اَتَّبِعُكَ عَلٰۤى اَنْ تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْدًا(۶۶)
اس سے موسیٰ نے کہا کیا میں تمہارے ساتھ رہوں اس شرط پر کہ تم مجھے سکھادو گے نیک بات جو تمہیں تعلیم ہوئی (ف۱۴۷)

أى: قال موسى للخضر- عليهما السلام- بعد أن التقيا «هل أتبعك» أى: هل تأذن لي في مصاحبتك واتباعك. بشرط أن تعلمني من العلم الذي علمك الله إياه: شيئا أسترشد به في حياتي، وأصيب به الخير في ديني.فأنت ترى أن موسى- عليه السلام- قد راعى في مخاطبته للخضر أسمى ألوان الأدب اللائق بالأنبياء- عليهم الصلاة والسلام- حيث خاطبه بصيغة الاستفهام الدالة على التلطف، وحيث أنزل نفسه منه منزلة المتعلم من المعلم، وحيث استأذنه في أن يكون تابعا له، ليتعلم منه الرشد والخير.قال بعض العلماء: في هذه الآية دليل على أن المتعلم تبع للعالم، وإن تفاوتت المراتب،ولا يظن أن في تعلم موسى من الخضر ما يدل على أن الخضر كان أفضل من موسى، فقد يأخذ الفاضل عن الفاضل، وقد يأخذ الفاضل عن المفضول، إذا اختص الله- تعالى- أحدهما بعلم لا يعلمه الآخر، فقد كان علم موسى يتعلق بالأحكام الشرعية والقضاء بظاهرها، وكان علم الخضر يتعلق ببعض الغيب ومعرفة البواطن..
18:67
قَالَ اِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِیْعَ مَعِیَ صَبْرًا(۶۷)
کہا آپ میرے ساتھ ہرگز نہ ٹھہر سکیں گے (ف۱۴۸)

ثم حكى- سبحانه- ما رد به الخضر على موسى فقال: قالَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً.أى: قال الخضر لموسى إنك يا موسى إذا اتبعتنى ورافقتنى، فلن تستطيع معى صبرا، بأى وجه من الوجوه.قال ابن كثير: أى: إنك لا تقدر يا موسى أن تصاحبني، لما ترى من الأفعال التي تخالف شريعتك، لأنى على علم من علم الله- تعالى- ما علمك إياه، وأنت على علم من علم الله- تعالى- ما علمني إياه، فكل منا مكلف بأمور من الله دون صاحبه، وأنت لا تقدر على صحبتي» .
18:68
وَ كَیْفَ تَصْبِرُ عَلٰى مَا لَمْ تُحِطْ بِهٖ خُبْرًا(۶۸)
اور اس بات پر کیونکر صبر کریں گے جسے آپ کا علم محیط نہیں (ف۱۴۹)

وقوله: وَكَيْفَ تَصْبِرُ عَلى ما لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْراً تعليل لعدم استطاعة الصبر معه.أى: وكيف تصبر يا موسى على أمور ستراها منى. هذه الأمور ظاهرها أنها منكرات لا يصح السكوت عليها، وباطنها لا تعلمه لأن الله لم يطلعك عليه؟فالخبر بمعنى العلم. يقال: خبر فلان الأمر يخبره: أى: علمه. والاسم الخبر، وهو العلم بالشيء، ومنه الخبير، أى: العالم.وكأن الخضر يريد بهذه الجملة الكريمة أن يقول لموسى: إنى واثق من أنك لن تستطيع معى صبرا، لأن ما سأفعله سيصطدم بالأحكام الظاهرة، وبالمنطق العقلي، وبغيرتك المعهودة فيك، وأنا مكلف أن أفعل ما أفعل، لأن المصلحة الباطنة في ذلك، وهي تخفى عليك.
18:69
قَالَ سَتَجِدُنِیْۤ اِنْ شَآءَ اللّٰهُ صَابِرًا وَّ لَاۤ اَعْصِیْ لَكَ اَمْرًا(۶۹)
کہا عنقریب اللہ چاہے تو تم مجھے صابر پاؤ گے اور میں تمہارے کسی حکم کے خلاف نہ کروں گا،

ولكن موسى- عليه السلام- الحريص على تعلم العلم النافع، يصر على مصاحبة الرجل الصالح، فيقول له في لطف وأدب، مع تقديم مشيئة الله- تعالى-: سَتَجِدُنِي- إِنْ شاءَ اللَّهُ- صابِراً، وَلا أَعْصِي لَكَ أَمْراً.أى: قال موسى للخضر سَتَجِدُنِي إِنْ شاءَ اللَّهُ صابِراً معك، غير معترض عليك، ولا أعصى لك أمرا من الأمور التي تكلفني بها.وقدم موسى- عليه السلام- المشيئة، أدبا مع خالقه- عز وجل- واستعانة به- سبحانه- على الصبر وعدم المخالفة.
18:70
قَالَ فَاِنِ اتَّبَعْتَنِیْ فَلَا تَسْــٴَـلْنِیْ عَنْ شَیْءٍ حَتّٰۤى اُحْدِثَ لَكَ مِنْهُ ذِكْرًا۠(۷۰)
کہا تو اگر آپ میرے ساتھ رہنے ہیں تو مجھ سے کسی بات کو نہ پوچھنا جب تک میں خود اس کا ذکر نہ کروں (ف۱۵۰)

وهنا يحكى القرآن الكريم أن الخضر، قد أكد ما سبق أن قاله لموسى، وبين له شروطه إذا أراد مصاحبته، فقال: قالَ فَإِنِ اتَّبَعْتَنِي فَلا تَسْئَلْنِي عَنْ شَيْءٍ حَتَّى أُحْدِثَ لَكَ مِنْهُ ذِكْراً.أى: قال الخضر لموسى على سبيل التأكيد والتوثيق: يا موسى إن رافقتنى وصاحبتنى، ورأيت منى أفعالا لا تعجبك، لأن ظاهرها يتنافى مع الحق. فلا تعترض عليها، ولا تناقشني فيها، بل اتركني وشأنى، حتى أبين لك في الوقت المناسب السبب في قيامي بتلك الأفعال، وحتى أكون أنا الذي أفسره لك.قالوا: «وهذا من الخضر تأديب وإرشاد لما يقتضى دوام الصحبة، فلو صبر موسى ودأب لرأى العجب .ثم تحكى السورة بعد ذلك ثلاثة أحداث فعلها الخضر ولكن موسى لم يصبر عليها، بل اعترض وناقش، أما الحادث الأول فقد بينه- سبحانه- بقوله:
18:71
فَانْطَلَقَاٙ-حَتّٰۤى اِذَا رَكِبَا فِی السَّفِیْنَةِ خَرَقَهَاؕ-قَالَ اَخَرَقْتَهَا لِتُغْرِقَ اَهْلَهَاۚ-لَقَدْ جِئْتَ شَیْــٴًـا اِمْرًا(۷۱)
اب دونوں چلے یہاں تک کہ جب کشتی میں سوار ہوئے (ف۱۵۱) اس بندہ نے اسے چیر ڈالا (ف۱۵۲) موسیٰ نے کہا کیا تم نے اسے اس لیے چیرا کہ اس کے سواروں کو ڈبا دو بیشک یہ تم نے بری بات کی، (ف۱۵۳)

وقوله: فَانْطَلَقا بيان لما حدث منهما بعد أن استمع كل واحد منهما إلى ما قاله صاحبه.أى فانطلق موسى والخضر- عليهما السلام- على ساحل البحر، ومعهما يوشع بن نون، ولم يذكر في الآية لأنه تابع لموسى.ويرى بعضهم أن موسى- عليه السلام- صرف فتاه بعد أن التقى بالخضر.أخرج الشيخان عن ابن عباس: أنهما انطلقا يمشيان على ساحل البحر فمرت بهما سفينة فكلموهم أن يحملوهم، فعرفوا الخضر فحملوهما بغير نول: أى أجر، .وقوله: حَتَّى إِذا رَكِبا فِي السَّفِينَةِ خَرَقَها بيان لما فعله الخضر بالسفينة.أى: فانطلقا يبحثان عن سفينة، فلما وجداها واستقرا فيها، ما كان من الخضر إلا أن خرقها. قيل: بأن قلع لوحا من ألواحها.وهنا ما كان من موسى إلا أن قال له على سبيل الاستنكار والتعجب مما فعله: أَخَرَقْتَها لِتُغْرِقَ أَهْلَها ... أى: أفعلت ما فعلت لتكون عاقبة الراكبين فيها الغرق والموت بهذه الصورة المؤلمة؟لَقَدْ جِئْتَ شَيْئاً إِمْراً، والإمر: الداهية. وأصله كل شيء شديد كبير، ومنه قولهم:إن القوم قد أمروا. أى: كثروا واشتد شأنهم. ويقال: هذا أمر إمر، أى: منكر غريب.أى: قال موسى للخضر بعد خرقه للسفينة: لقد جئت شيئا عظيما، وارتكبت أمرا بالغا في الشناعة. حيث عرضت ركاب السفينة لخطر الغرق.
18:72
قَالَ اَلَمْ اَقُلْ اِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِیْعَ مَعِیَ صَبْرًا(۷۲)
کہا میں نہ کہتا تھا کہ آپ میرے ساتھ ہرگز نہ ٹھہر سکیں گے (ف۱۵۴)

وهنا أجابه الخضر بقوله: أَلَمْ أَقُلْ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً أى: ألم أقل لك سابقا إنك لن تسطيع مصاحبتي، ولا قدرة لك على السكوت على تصرفاتي التي لا تعرف الحكمة من ورائها؟
18:73
قَالَ لَا تُؤَاخِذْنِیْ بِمَا نَسِیْتُ وَ لَا تُرْهِقْنِیْ مِنْ اَمْرِیْ عُسْرًا(۷۳)
کہا مجھ سے میری بھول پر گرفت نہ کرو (ف۱۵۵) اور مجھ پر میرے کام میں مشکل نہ ڈالو،

ولكن موسى- عليه السلام- رد معتذرا لما فرط منه وقال: لا تُؤاخِذْنِي أيها العبد الصالح، بما نسيت، أى: بسبب نسياني لوصيتك في ترك السؤال والاعتراض حتى يكون لي منك البيان. وَلا تُرْهِقْنِي مِنْ أَمْرِي عُسْراً أى: ولا تكلفني من أمرى مشقة في صحبتي إياك.يقال: أرهق فلان فلانا. إذا أتعبه وأثقل عليه وحمله مالا يطيقه.والمراد: التمس لي عذرا بسبب النسيان، ولا تضيق على الأمر، فإن في هذا التضييق ما يحول بيني وبين الانتفاع بعلمك.وكأن موسى- عليه السلام- الذي اعتزم الصبر وقدم المشيئة، ورضى بشروط الخضر في المصاحبة.. كأنه قد نسى كل ذلك أمام المشاهدة العملية، وأمام التصرف الغريب الذي صدر من الخضر دون أن يعرف له سببا.وهكذا الطبيعة البشرية تلتقي في أنها تجد للتجربة العملية وقعا وطعما، يختلف عن الوقع والطعم الذي تجده عند التصور النظري.فموسى- عليه السلام- وعد الخضر بأنه سيصبر ... إلا أنه بعد أن شاهد مالا يرضيه اندفع مستنكرا.أما الحادث الثاني الذي لم يستطع موسى أن يقف أمامه صامتا، فقد حكاه القرآن في قوله:
18:74
فَانْطَلَقَاٙ-حَتّٰۤى اِذَا لَقِیَا غُلٰمًا فَقَتَلَهٗۙ-قَالَ اَقَتَلْتَ نَفْسًا زَكِیَّةًۢ بِغَیْرِ نَفْسٍؕ-لَقَدْ جِئْتَ شَیْــٴًـا نُّكْرًا(۷۴)
پھر دونوں چلے (ف۱۵۶) یہاں تک کہ جب ایک لڑکا ملا (ف۱۵۷) اس بندہ نے اسے قتل کردیا، موسیٰ نے کہا کیا تم نے ایک ستھری جان (ف۱۵۸) بے کسی جان کے بدلے قتل کردی، بیشک تم نے بہت بری بات کی،

أى: فانطلق موسى والخضر للمرة الثانية بعد خروجهما من السفينة، وبعد أن قبل الخضر اعتذار موسى.حَتَّى إِذا لَقِيا غُلاماً في طريقهما، ما كان من الخضر إلا أن أخذه فَقَتَلَهُ.وهنا لم يستطع موسى- عليه السلام- أن يصبر على ما رأى، أو أن يكظم غيظه، فقال باستنكار وغضب: أَقَتَلْتَ نَفْساً زَكِيَّةً أى: طاهرة بريئة من الذنوب بِغَيْرِ نَفْسٍ.أى: بغير أن ترتكب ما يوجب قتلها، لأنها لم تقتل غيرها حتى تقتص منها. أى: أن قتلك لهذا الغلام كان بغير حق.لَقَدْ جِئْتَ أيها الرجل «شيئا نكرا» أى: منكرا عظيما. يقال. نكر الأمر، أى:صعب واشتد. والمقصود: لقد جئت شيئا أشد من الأول في فظاعته واستنكار العقول له.
18:75
قَالَ اَلَمْ اَقُلْ لَّكَ اِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِیْعَ مَعِیَ صَبْرًا(۷۵)
کہا (ف۱۵۹) میں نے آپ سے نہ کہا تھا کہ آپ ہرگز میرے ساتھ نہ ٹھہرسکیں گے (ف۱۶۰)

ومرة أخرى يذكره الخضر بالشرط الذي اشترطه عليه. وبالوعد الذي قطعه على نفسه، فيقول له: أَلَمْ أَقُلْ لَكَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً.وفي هذه المرة لا يكتفى الخضر بقوله: أَلَمْ أَقُلْ إِنَّكَ.. بل يضيف لفظ لك، زيادة في التحديد والتعيين والتذكير.أى: ألم أقل لك أنت يا موسى لا لغيرك على سبيل التأكيد والتوثيق: إنك لن تستطيع معى صبرا، لأنك لم تحط علما بما أفعله.
18:76
قَالَ اِنْ سَاَلْتُكَ عَنْ شَیْءٍۭ بَعْدَهَا فَلَا تُصٰحِبْنِیْۚ-قَدْ بَلَغْتَ مِنْ لَّدُنِّیْ عُذْرًا(۷۶)
کہا اس کے بعد میں تم سے کچھ پوچھوں تو پھر میرے ساتھ نہ رہنا، بیشک میری طرف سے تمہارا عذر پورا ہوچکا،

ويراجع موسى نفسه. فيجد أنه قد خالف ما اتفق عليه مع الرجل الصالح مرتين، فيبادر بإخبار صاحبه أن يترك له فرصة أخيرة فيقول: إِنْ سَأَلْتُكَ أيها الصديق عَنْ شَيْءٍ بَعْدَها أى: بعد هذه المرة الثانية فَلا تُصاحِبْنِي أى: فلا تجعلني صاحبا أو رفيقا لك، فإنك قَدْ بَلَغْتَ مِنْ لَدُنِّي عُذْراً أى: فإنك قد بلغت الغاية التي تكون معذورا بعدها في فراقي، لأنى أكون قد خالفتك مرارا.وهذا الكلام من موسى- عليه السلام- يدلك على اعتذاره الشديد للخضر، وعلى شدة ندمه على ما فرط منه، وعلى الاعتراف له بخطئه.قال القرطبي: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا دعا لأحد بدأ بنفسه فقال يوما: «رحمة الله علينا وعلى موسى، لو صبر على صاحبه لرأى العجب، ولكنه قال: إِنْ سَأَلْتُكَ عَنْ شَيْءٍ بَعْدَها فَلا تُصاحِبْنِي...ثم تسوق لنا السورة الكريمة الحادث الثالث والأخير في تلك القصة الزاخرة بالمفاجآت والعجائب فنقول:
18:77
فَانْطَلَقَاٙ-حَتّٰۤى اِذَاۤ اَتَیَاۤ اَهْلَ قَرْیَةِ-ﹰاسْتَطْعَمَاۤ اَهْلَهَا فَاَبَوْا اَنْ یُّضَیِّفُوْهُمَا فَوَجَدَا فِیْهَا جِدَارًا یُّرِیْدُ اَنْ یَّنْقَضَّ فَاَقَامَهٗؕ-قَالَ لَوْ شِئْتَ لَتَّخَذْتَ عَلَیْهِ اَجْرًا(۷۷)
پھر دونوں چلے یہاں تک کہ جب ایک گاؤں والوں کے پاس آئے (ف۱۶۱) ان دہقانوں سے کھانا مانگا انہوں نے انہیں دعوت دینی قبول نہ کی (ف۱۶۲) پھر دونوں نے اس گاؤں میں ایک دیوار پا ئی کہ گرا چاہتی ہے اس بندہ نے (ف۱۶۳) اسے سیدھا کردیا، موسیٰ نے کہا تم چاہتے تو اس پر کچھ مزدوری لے لیتے (ف۱۶۴)

أى: فانطلق موسى والخضر- عليهما السلام- يتابعان سيرهما. حتى إذا أتيا أهل قرية قيل هي «أنطاكيه» ، وقيل: هي قرية بأرض الروم.اسْتَطْعَما أَهْلَها والاستطعام: سؤال الطعام. والمراد به هنا سؤال الضيافة لأنه هو المناسب لمقام موسى والخضر- عليهما السلام- ولأن قوله- تعالى- بعد ذلك: فَأَبَوْا أَنْ يُضَيِّفُوهُما يشهد له.أى: فأبى وامتنع أهل تلك القرية عن قبول ضيافتهما بخلا منهم وشحا.وقوله- تعالى- فَوَجَدا فِيها جِداراً يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَّ فَأَقامَهُ معطوف على أَتَيا أى: وبعد أن امتنع أهل القرية عن استضافتهما، تجولا فيها فَوَجَدا فِيها جِداراً أى:بناء مرتفعا يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَّ أى: ينهدم ويسقط فَأَقامَهُ أى الخضر بأن سواه وأعاد إليه اعتداله، أو بأن نقضه وأخذ في بنائه من جديد.وهنا لم يتمالك موسى- عليه السلام- مشاعره، لأنه وجد نفسه أمام حالة متناقضة، قوم بخلاء أشحاء لا يستحقون العون.. ورجل يتعب نفسه في إقامة حائط مائل لهم.. هلا طلب منهم أجرا على هذا العمل الشاق، خصوصا وهما جائعان لا يجدان مأوى لهما في تلك القرية! لذا بادر موسى- عليه السلام- ليقول للخضر: لَوْ شِئْتَ لَاتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْراً.أى: هلا طلبت أجرا من هؤلاء البخلاء على هذا العمل، حتى تنتفع به. وأنت تعلم أننا جائعان وهم لم يقدموا لنا حق الضيافة.فالجملة الكريمة تحريض من موسى للخضر على أخذ الأجر على عمله، ولوم له على ترك هذا الأجر مع أنهما في أشد الحاجة إليه.
18:78
قَالَ هٰذَا فِرَاقُ بَیْنِیْ وَ بَیْنِكَۚ-سَاُنَبِّئُكَ بِتَاْوِیْلِ مَا لَمْ تَسْتَطِعْ عَّلَیْهِ صَبْرًا(۷۸)
کہا یہ (ف۱۶۵) میری اور آپ کی جدائی ہے اب میں آپ کو ان باتوں کا پھیر (بھید) بتاؤں گا جن پر آپ سے صبر نہ ہوسکا (ف۱۶۶)

وكان هذا التحريض من موسى للخضر- عليهما السلام- هو نهاية المرافقة والمصاحبة بينهما، ولذا قال الخضر لموسى: هذا فِراقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ أى: هذا الذي قلته لي، يجعلنا نفترق، لأنك قد قلت لي قبل ذلك: إِنْ سَأَلْتُكَ عَنْ شَيْءٍ بَعْدَها فَلا تُصاحِبْنِي وها أنت تسألنى وتحرضنى على أخذ الأجر.ومع ذلك فانتظر: سأنبئك، قبل مفارقتي لك بِتَأْوِيلِ أى: بتفسير وبيان ما خفى عليك من الأمور الثلاثة التي لم تستطع عليها صبرا، لأنك لم يكن عندك ما عندي من العلم بأسرارها الباطنة التي أطلعنى الله- تعالى- عليها.ثم حكى القرآن الكريم ما قاله الخضر لموسى عليهما السلام- في هذا الشأن فقال- تعالى-
18:79
اَمَّا السَّفِیْنَةُ فَكَانَتْ لِمَسٰكِیْنَ یَعْمَلُوْنَ فِی الْبَحْرِ فَاَرَدْتُّ اَنْ اَعِیْبَهَا وَ كَانَ وَرَآءَهُمْ مَّلِكٌ یَّاْخُذُ كُلَّ سَفِیْنَةٍ غَصْبًا(۷۹)
وہ جو کشتی تھی وہ کچھ محتاجوں کی تھی (ف۱۶۷) کہ دریا میں کام کرتے تھے، تو میں نے چاہا کہ اسے عیب دار کردوں اور ان کے پیچھے ایک بادشاہ تھا (ف۱۶۸) کہ ہر ثابت کشتی زبردستی چھین لیتا (ف۱۶۹)

أى قال الخضر لموسى: أَمَّا السَّفِينَةُ التي خرقتها ولم ترض عنه، فَكانَتْ لِمَساكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ أى: لضعفاء من الناس لا يستطيعون دفع الظلم عنهم، ولم يكن لهم مال يتعيشون منه سواها، فكان الناس يركبون فيها ويدفعون لهؤلاء المساكين الأجر الذين ينتفعون به.فَأَرَدْتُ أَنْ أَعِيبَها أى: أن أجعلها ذات عيب بالخرق الذي خرقتها فيه، ولم أرد أن أغرق أهلها كما ظننت يا موسى، والسبب في ذلك: أنه كانَ وَراءَهُمْ مَلِكٌ، ظالم، من دأبه أن يتعقب السفن الصالحة الصحيحة، ويستولى عليها، ويأخذها اغتصابا وقسرا من أصحابها.فهذا العيب الذي أحدثته في السفينة. كان سببا في نجاتها من يد الملك الظالم، وكان سببا في بقائها في أيدى أصحابها المساكين.فالضرر الكبير الذي أحدثته بها، كان دفعا لضرر أكبر كان ينتظر أصحابها المساكين لو بقيت سليمة.ويرى بعضهم أن المراد بالوراء الأمام. ويرى آخرون أن المراد به الخلف. وقال الزجاج:وراء: يكون للخلف والأمام. ومعناه: ما توارى عنك واستتر.وظاهر قوله- تعالى-: يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْباً، يفيد أن هذا الملك كان يأخذ كل سفينة سواء أكانت صحيحة أم معيبة، ولكن هذا الظاهر غير مراد. وإنما المراد: يأخذ كل سفينة سليمة. بدليل: فأردت أن أعيبها، أى: لكي لا يأخذها، ومن هنا قالوا: إن لفظ «سفينة» هنا موصوف لصفة محذوفة. أى: يأخذ كل سفينة صحيحة.و «غصبا» ، منصوب على أنه مصدر مبين لنوع الأخذ. والغصب- من باب ضرب-:أخذ الشيء ظلما وقهرا.ثم بين- سبحانه- ما رد به الخضر على موسى في اعتراضه على الحادثة الثانية فقال- تعالى-:
18:80
وَ اَمَّا الْغُلٰمُ فَكَانَ اَبَوٰهُ مُؤْمِنَیْنِ فَخَشِیْنَاۤ اَنْ یُّرْهِقَهُمَا طُغْیَانًا وَّ كُفْرًاۚ(۸۰)
اور وہ جو لڑکا تھا اس کے ماں باپ مسلمان تھے تو ہمیں ڈر ہوا کہ وہ ان کو سرکشی اور کفر پر چڑھاوے (ف۱۷۰)

أى: وَأَمَّا الْغُلامُ الذي سبق لي أن قتلته، واعترضت على في قتله يا موسى فَكانَ أَبَواهُ مُؤْمِنَيْنِ ولم يكن هو كذلك فقد أعلمنى الله- تعالى- أنه طبع كافرا.فَخَشِينا أَنْ يُرْهِقَهُما طُغْياناً وَكُفْراً، والخشية: الخوف الذي يشوبه تعظيم، وأكثر ما يكون عن علم بما يخشى منه.و «يرهقهما» من الإرهاق وهو أن يحمّل الإنسان ما لا يطيقه.أى: فخشينا لو بقي حيا هذا الغلام أن يوقع أبويه في الطغيان والكفر، لشدة محبتهما له، وحرصهما على إرضائه.
  FONT
  THEME
  TRANSLATION
  • English | Ahmed Ali
  • Urdu | Ahmed Raza Khan
  • Turkish | Ali-Bulaç
  • German | Bubenheim Elyas
  • Chinese | Chineese
  • Spanish | Cortes
  • Dutch | Dutch
  • Portuguese | El-Hayek
  • English | English
  • Urdu | Fateh Muhammad Jalandhry
  • French | French
  • Hausa | Hausa
  • Indonesian | Indonesian-Bahasa
  • Italian | Italian
  • Korean | Korean
  • Malay | Malay
  • Russian | Russian
  • Tamil | Tamil
  • Thai | Thai
  • Farsi | مکارم شیرازی
  TAFSEER
  • العربية | التفسير الميسر
  • العربية | تفسير الجلالين
  • العربية | تفسير السعدي
  • العربية | تفسير ابن كثير
  • العربية | تفسير الوسيط لطنطاوي
  • العربية | تفسير البغوي
  • العربية | تفسير القرطبي
  • العربية | تفسير الطبري
  • English | Arberry
  • English | Yusuf Ali
  • Dutch | Keyzer
  • Dutch | Leemhuis
  • Dutch | Siregar
  • Urdu | Sirat ul Jinan
  HELP

اَلْـكَهْف
اَلْـكَهْف
  00:00



Download

اَلْـكَهْف
اَلْـكَهْف
  00:00



Download