READ

Surah al-Jinn

اَلْجِنّ
28 Ayaat    مکیۃ


72:0
بِسْمِ اللّٰهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحِیْمِ
اللہ کے نام سے شروع جو بہت مہربان رحمت والا

سورة الفاتحة هي السورة الوحيدة التي أمر الإسلام أتباعه أن يقرءوها في كل صلاة. وفي جميع الركعات، وفي كل الأوقات، ولهذا أصبح حفظها ميسورا لكل مؤمن.وهذه السورة على صغر حجمها، وقلة آياتها، قد اشتملت بوجه إجمالي على مقاصد الدين من توحيد، وتعبد، وأحكام، ووعد ووعيد.ونرى من الخير قبل أن نبدأ في تفسيرها بالتفصيل، أن نمهد لذلك بالكلام عما يأتي:أولا: متى نزلت سورة الفاتحة؟للإجابة على هذا السؤال نقول: إن الرأي الراجح بين المحققين من العلماء أنها نزلت بمكة، بل هي من أوائل ما نزل من القرآن بمكة.وقيل: إنها مدنية. وقيل: إنها نزلت مرتين مرة بمكة حين فرضت الصلاة ومرة بالمدينة حين حولت القبلة.قال القرطبي: الأول أصح لقوله- تعالى- في سورة الحجر: وَلَقَدْ آتَيْناكَ سَبْعاً مِنَ الْمَثانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ وسورة الحجر مكية بالإجماع. ولا خلاف في أن فرض الصلاة كان بمكة، وما حفظ أنه لم يكن في الإسلام قط صلاة بغير الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ «يدل على ذلك قوله صلّى الله عليه وسلّم: «لا صلاة إلا بفاتحة الكتاب» . وهذا خبر عن الحكم لا عن الابتداء» .ثانيا: عدد آياتها: وهي سبع آيات لقوله- تعالى-: وَلَقَدْ آتَيْناكَ سَبْعاً مِنَ الْمَثانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ. قال العلماء: السبع المثاني هي الفاتحة.وقال ابن كثير: هي سبع آيات بلا خلاف. وقال عمرو بن عبيد: هي ثماني آيات لأنه جعل إِيَّاكَ نَعْبُدُ آية. وقال حسين الجعفي: هي ست آيات وهذان القولان شاذان» .ثالثا: أسماؤها: لسورة الفاتحة أسماء كثيرة من أشهرها:1- «الفاتحة أو فاتحة الكتاب، وسميت بذلك لأنه تفتتح قراءة القرآن بها لفظا. وتفتتح بها الكتابة في المصحف خطا، وتفتتح بها الصلوات، وإن لم تكن هي أول ما نزل من القرآن. وقد اشتهرت بهذا الاسم في أيام النبوة.وقد أصبح هذا الاسم علما بالغلبة لتلك الطائفة من الآيات التي مبدؤها الْحَمْدُ لِلَّهِ..ونهايتها.. وَلَا الضَّالِّينَ.2- «أم القرآن أو الكتاب» وسميت بذلك لاشتمالها إجمالا على المقاصد التي ذكرت فيه تفصيلا، أو لاشتمالها على ما فيه من الثناء على الله بما هو أهله، والتعبد بأمره ونهيه، وبيان وعده ووعيده، أو على جملة معانيه من الحكم النظرية، والأحكام العملية التي هي سلوك الصراط المستقيم، والاطلاع على معارج السعداء ومنازل الأشقياء.قال ابن جرير: «والعرب تسمى كل أمر جامع أمّا، وكل مقدم له توابع تتبعه «أما» فتقول للجلدة التي تجمع الدماغ: «أم الرأس» . وتسمى لواء الجيش ورايتهم التي يجتمعون تحتها «أما» .3- «السبع المثاني» جمع مثنى كفعلي اسم مكان. أو مثنى- بالتشديد- من التثنية على غير قياس. وسميت بذلك لأنها سبع آيات في الصلاة، أى تكرر فيها أخرج الإمام أحمد، عن أبي هريرة، عن النبي صلّى الله عليه وسلّم أنه قال: «هي أم القرآن، وهي السبع المثاني، وهي القرآن العظيم» .4- وتسمى- أيضا- سورة «الحمد» . 5- و «الكنز» . 6- و «الواقية» .7- و «الشفاء» ، لحديث. هي الشفاء من كل داء.8- و «الكافية» لأنها تكفي عن سواها ولا يكفى سواها عنها.9- و «الأساس» . 10- و «الرقية» .هذا، وقد ذكر القرطبي للفاتحة اثنى عشر اسما، كما ذكر السيوطي لها في كتابه «الإتقان» خمسة وعشرين اسما.رابعا: فضلها: ورد في فضل سورة الفاتحة أحاديث كثيرة منها:ما رواه البخاري في صحيحه عن أبي سعيد بن المعلى- رضي الله عنه- قال:كنت أصلي في المسجد، فدعاني النبي صلّى الله عليه وسلّم فلم أجبه فقلت: يا رسول الله، إني كنت أصلّي.فقال: ألم يقل الله: اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذا دَعاكُمْ.ثم قال لي: «لأعلمنك سورة هي أعظم السور في القرآن قبل أن تخرج من المسجد» . ثم أخذ بيدي، فلما أراد أن يخرج، قلت: يا رسول الله. ألم تقل: لأعلمنك سورة هي أعظم سورة في القرآن. قال: الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ، هي السبع المثاني والقرآن العظيم الذي أوتيته» .وروى مسلّم والنسائي، عن ابن عباس، قال:بينما جبريل قاعد عند النبي صلّى الله عليه وسلّم سمع نقيضا من فوقه- أي: صوتا- فرفع رأسه فقال:هذا باب من السماء فتح اليوم لم يفتح قط إلا اليوم. فسلّم وقال: أبشر بنورين قد أوتيتهما، ولم يؤتهما نبي قبلك: فاتحة الكتاب، وخواتيم سورة البقرة، لم تقرأ بحرف منهما إلا أعطيته» .وروى مسلّم عن أبي هريرة- رضي الله عنه- عن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال:«من صلّى صلاة لم يقرأ فيها بأم القرآن فهي خداج (ثلاثا) : غير تمام» فقيل لأبي هريرة: إنا نكون وراء الإمام؟ فقال: اقرأ بها في نفسك فإني سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: قال الله- تعالى-: «قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين، ولعبدي ما سأل» ، فإذا قال العبد:الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ. قال الله: حمدني عبدي، وإذا قال: الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ. قال الله تعالى: أثنى علي عبدي. وإذا قال: مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ قال الله: مجدني عبدي. فإذا قال:إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ. قال الله: هذا بيني وبين عبدي ولعبدي ما سأل. فإذا قال:اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ. صِراطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ.قال الله: «هذا لعبدي ولعبدي ما سأل» .وأخرج الإمام أحمد في مسنده، عن عبد الله بن جابر، أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال له: ألا أخبرك بأخير سورة في القرآن؟ قلت: بلى يا رسول الله. قال: اقرأ: الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ حتى تختمها .تلك هي بعض الأحاديث التي وردت في فضل هذه السورة الكريمة.وقد ذكر العلماء أنه يسن للمسلّم قبل القراءة أن يستعيذ بالله من الشيطان الرجيم، استجابة لقوله- تعالى- فَإِذا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطانِ الرَّجِيمِ .ومعنى «أعوذ بالله من الشيطان الرجيم» : ألتجئ إلى الله وأتحصن به، واستجير بجنابه من الشيطان الرجيم أن يضرني في ديني أو دنياي.قال ابن كثير: «والشيطان في لغة العرب كل متمرد من الجن والإنس والدواب وكل شيء.وهو مشتق من شطن إذا بعد، فهو بعيد بطبعه عن طباع الشر، وبعيد بفسقه عن كل خير.وقيل: مشتق من شاط لأنه مخلوق من نار. والأول أصح إذ عليه يدل كلام العرب، فهم:يقولون تشيطن فلان إذا فعل أفعال الشيطان، ولو كان من شاط. لقالوا: تشيط، فالشيطان مشتق من البعد على الصحيح» .والرجيم: فعيل بمعنى مفعول أي أنه مرجوم مطرود من رحمة الله ومن كل خير، وقيل:رجيم بمعنى راجم لأنه يرجم الناس بالوساوس والشكوك.قال بعض العلماء: «وإنما خصت القراءة بطلب الاستعاذة مع أنه قد أمر بها على وجه العموم في جميع الشئون، لأن القرآن مصدر الهداية والشيطان مصدر الضلال، فهو يقف للإنسان بالمرصاد في هذا الشأن على وجه خاص، فيثير أمامه ألوانا من الشكوك فيما يقرأ، وفيما يفيد من قراءته، وفيما يقصد بها، فيفوت عليه الانتفاع بهدى الله وآياته، فعلمنا الله أن نتقي ذلك كله بهذه الاستعاذة التي هي في الواقع عنوان صدق، وتعبير حق، عن امتلاء قلب المؤمن بمعنى اللجوء إلى الله، وقوة عزيمته في طرد الوساوس والشكوك، واستقبال الهداية بقلب طاهر،وعقل واع، وإيمان ثابت» .قال القرطبي: وقد أجمع العلماء على أن التعوذ ليس من القرآن ولا آية منه، وهو قول القارئ: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم .والآن وبعد هذا التمهيد الموجز الذي تكلمنا فيه عن نزول سورة الفاتحة، وعن عدد آياتها، وعن أشهر أسمائها، وعن بعض الأحاديث التي وردت في فضلها نحب أن نبدأ في تفسير السورة الكريمة فنقول- وبالله التوفيق-: بسم ٱلله الرَّحْمٰنِ الرَّحِيمِ الاسم: اللفظ الذى يدل على ذات أو معنى. وقد اختلف النحويون في اشتقاقه على وجهين، فقال البصريون: هو مشتق من السمو، وهو العلو والرفعة، فقيل: اسم، لأن صاحبه بمنزلة المرتفع به.وقال الكوفيون: إنه مشتق من السمة وهي العلامة، لأن الاسم علامة لمن وضع له، فأصل اسم على هذا " وسم ".ويرى المحققون أن رأي البصريين أرجح، لأنه يقال في تصغير " اسم " سُمىَ، وفي جمعه أسماء، والتصغير والجمع يردان الأشياء إلى أصولها. ولو كان أصله وسم - كما قال الكوفيون - لقيل في جمعه: أوسام، وفي تصغيره وسيم.ولفظ الجلالة وهو " الله " علم على ذات الخالق - عز وجل - تفرد به - سبحانه - ولا يطلق على غيره، ولا يشاركه فيه أحد.قال القرطبي: قوله " الله " هذا الاسم أكبر أسمائه - سبحانه - وأجمعها حتى قال بعض العلماء: إنه اسم الله الأعظم ولم يتسم به غيره، ولذلك لم يثن ولم يجمع: فالله اسم للموجود الحق الجامع لصفات الإِلهية، المنعوت بنعوت الربوبيه، المنفرد بالوجود الحقيقي، لا إله إلا هو - سبحانه -و ٱلرَّحْمٰنِ ٱلرَّحِيمِ صفتان مشتقتان من الرحمة. والرحمة في أصل اللغة: رقة في القلب تقتضي الإِحسان، وهذا المعنى لا يليق أن يكون وصفاً لله - تعالى-، ولذا فسرها بعض العلماء بإرادة الإِحسان. وفسرها آخرون بالإِحسان نفسه.والموافق لمذهب السلف أن يقال: هي صفة قائمة بذاته - تعالى - لا نعرف حقيقتها، وإنما نعرف أثرها الذي هو الإِحسان.وقد كثرت أقوال المفسرين في العلاقة بين هاتين الصفتين، فبعضهم يرى أن ٱلرَّحْمٰنِ هو المنعم على جميع الخلق. وأن ٱلرَّحِيمِ هو المنعم على المؤمنين خاصه. ويرى آخرون أن ٱلرَّحْمٰنِ هو المنعم بجلائل النعم، وأن ٱلرَّحِيمِ هو المنعم بدقائقها.ويرى فريق ثالث أن الوصفين بمعنى واحد وأن الثاني منهما تأكيد للأول. والذى يراه المحققون من العلماء أن الصفتين ليستا بمعنى واحد، بل روعي فب كل منهما معنى لم يراع في الآخر، فالرحمن بمعنى عظيم الرحمة، لأن فعلان صيغة مبالغة في كثرة الشيء وعظمته، ويلزم منه الدوام كغضبان وسكران. والرحيم بمعنى دائم الرحمة، لأن صيغته فعيل تستعمل في الصفات الدائمة ككريم وظريف. فكأنه قيل: العظيم الرحمة الدائمة.أو أن ٱلرَّحْمٰنِ صفة ذاتية هي مبدأ الرحمة والإِحسان. و ٱلرَّحِيمِ صفة فعل تدل على وصول الرحمة والإِحسان وتعديهما إلى المنعم عليه.ولعل مما يؤيد ذلك أن لفظ الرحمن لم يذكر في القرآن إلا مجرى عليه الصفات كما هو الشأنِ في أسماء الذات. قال - تعالى-: ٱلرَّحْمَٰنُ عَلَّمَ ٱلْقُرْآنَ و ٱلرَّحْمَٰنُ عَلَى ٱلْعَرْشِ ٱسْتَوَىٰ قُلِ ٱدْعُواْ ٱللَّهَ أَوِ ٱدْعُواْ ٱلرَّحْمَٰنَ وهكذا...أما لفظ الرحيم فقد كثر في القرآن استعماله وصفاً فعلياً، وجاء في الغالب بأسلوب التعدية والتعلق بالمنعم عليه. قال - تعالى - إِنَّ ٱللَّهَ بِٱلنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَّحِيمٌ وَكَانَ بِٱلْمُؤْمِنِينَ رَحِيماً إِنَّهُ كَانَ بِكُمْ رَحِيماً إلخ.قال بعض العلماء " وهذا الرأي في نظرنا هو أقوى الآراء، فإن تخصيص أحد الوصفين بدقائق النعم أو ببعض المنعم عليهم لا دليل عليه، كما أنه ليس مستساغاً أن يقال في القرآن: إن كلمة ذكرت بعد أخرى لمجرد تأكيد المعنى المستفاد منها ".والجار والمجرور " بسم " متعلق بمحذوف تقديره ابتدئ.والمعنى: ابتدئ قراءتي متبركاً ومتيمناً باسم الله الذى هو الأول والآخر، والظاهر والباطن، والذى رحمته وسعت كل شيء، وأتبرأ مما كان يفعله المشركون والضالون، من ابتدائهم قراءتهم وأفعالهم باسم اللات أو باسم العزى أو باسم غيرهما من الآلهة الباطلة.هذا وقد أجمع العلماء على أن البسملة جزء آية من سورة النمل فى قوله - تعالى - إِنَّهُ مِن سُلَيْمَانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ ٱللَّهِ ٱلرَّحْمَٰنِ ٱلرَّحِيمِ ثم اختلفوا بعد ذلك في كونها آية مستقلة أنزلت للفصل بين السور مرة واحدة، أو هى آية من سورة الفاتحة ومن كل سورة ألخ.فبعضهم يرى أن البسملة آية من الفاتحة ومن كل سورة، ومن حججهم أن السلف قد أثبتوها في المصحف مع الأمر بتجريد القرآن مما ليس منه، ولذا لم يكتبوا " آمين ". فثبت بهذا أن البسملة جزء من الفاتحة ومن كل سورة.وبهذا الرأي قال ابن عباس وابن عمر وأبو هريرة وسعيد بن جبير والشافعي، وأحمد في أحد قوليه.ويرى آخرون أن البسملة ليست آية من الفاتحة ولا من غيرها من السور، وقالوا: إنها آية فذة. من القرآن أنزلت للفصل والتبرك للابتداء بها، ومن حججهم أنها لو كانت آية من الفاتحة ومن كل سورة، لما اختلف الناس في ذلك، ولما اضطربت أقوالهم في كونها آية من كل سورة أو من الفاتحة فقط.وكما وقع الخلاف بين العلماء في كونها آية مستقلة أو آية من كل سورة، فقد وقع الخلاف بينهم - أيضاً - في وجوب قراءتها فى الصلاة، وفي الجهر بها أو الإِسرار إذا قرئت.وتحقيق القول في ذلك مرجعه إلى كتب الفقه، وإلى كتب التفسير التي عنيت بتفسير آيات الأحكام.
72:1
قُلْ اُوْحِیَ اِلَیَّ اَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِّنَ الْجِنِّ فَقَالُوْۤا اِنَّا سَمِعْنَا قُرْاٰنًا عَجَبًاۙ(۱)
تم فرماؤ (ف۲) مجھے وحی ہوئی کہ کچھ جنوں نے (ف۳) میرا پڑھنا کان لگا کر سنا (ف۴) تو بولے (ف۵) ہم نے ایک عجیب قرآن سنا (ف۶)

تفسير سورة الجنمقدمة وتمهيد1- سورة «الجن» من السور المكية الخالصة، وتسمى بسورة قُلْ أُوحِيَ ... ، وعدد آياتها ثمان وعشرون آية بلا خلاف، وكان نزولها بعد سورة «الأعراف» وقبل سورة «يس» وقد سبقها في ترتيب النزول ثمان وثلاثون سورة، إذ هي السورة التاسعة والثلاثون- كما ذكر السيوطي-.أما ترتيبها في المصحف، فهي السورة الثانية والسبعون.2- والمتدبر لهذه السورة الكريمة، يراها قد أعطتنا صورة واضحة عن عالم الجن، فهي تحكى أنهم أعجبوا بالقرآن الكريم، وأن منهم الصالح ومنهم غير الصالح، وأنهم لا يعلمون الغيب، وأنهم أهل للثواب والعقاب، وأنهم لا يملكون النفع لأحد، وأنهم خاضعون لقضاء الله- تعالى- فيهم.كما أن هذه السورة قد ساقت لنا ألوانا من سنن الله التي لا تتخلف، والتي منها: أن الذين يستقيمون على طريقه يحيون حياة طيبة في الدنيا والآخرة..كما أنها لقنت النبي صلى الله عليه وسلم الإجابات التي يرد بها على شبهات المشركين وأكاذيبهم، وساقت له ما يسليه عن سفاهاتهم، وما يشرح صدره، ويعينه على تبليغ رسالة ربه..ويبدو أن نزول هذه السورة الكريمة كان في حوالى السنة العاشرة، أو الحادية عشرة، من البعثة- كما سنرى ذلك من الروايات-، وأن نزولها كان دفعة واحدة..وقد ذكر المفسرون عند تفسيرهم لهذه الآيات روايات منها ما أخرجه الشيخان والترمذي، عن ابن عباس أنه قال: انطلق رسول الله صلى الله عليه وسلم في طائفة من أصحابه، عامدين إلى سوق عكاظ بنخلة، وقد حيل بين الشياطين وبين خبر السماء، وأرسلت عليهم الشهب، فرجعت الشياطين إلى قومهم، فقالوا: مالكم؟ قالوا: حيل بيننا وبين خبر السماء، وأرسلت علينا الشهب، قالوا: ما ذاك إلا لشيء حدث، فاضربوا مشارق الأرض ومغاربها، فانظروا ما هذا الذي حال بيننا وبين خبر السماء؟ فانطلقوا يضربون مشارق الأرض ومغاربها، فمر النفر- من الجن- الذي أخذوا نحو تهامة، عامدين إلى سوق عكاظ، فوجدوا الرسول صلى الله عليه وسلم بنخلة يصلى بأصحابه صلاة الصبح، فلما سمعوا القرآن، استمعوا إليه وقالوا: هذا الذي حال بيننا وبين خبر السماء.فرجعوا إلى قومهم فقالوا: يا قومنا، إنا سمعنا قرآنا عجبا، يهدى الى الرشد فآمنا به ولن نشرك بربنا أحدا، وأنزل الله- تعالى- على نبيه قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ....وروى أبو داود عن علقمة عن ابن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: أتانى داعي الجن، فذهبت معهم، فقرأت عليهم القرآن..وهناك رواية ثالثة لابن إسحاق ملخصها: أنه لما مات أبو طالب، خرج النبي صلى الله عليه وسلم إلى الطائف يلتمس النصرة من أهلها ويدعوهم إلى الإيمان.. فأغروا به سفهاءهم، يسبونه ويستهزئون به..فانصرف صلى الله عليه وسلم عنهم، حتى إذا كان ببطن نخلة- هو موضع بين مكة والطائف- قام يصلى من الليل، فمر به نفر من جن نصيبين- وهو موضع قرب الشام- فاستمعوا إليه، فلما فرغ من صلاته، ولوا إلى قومهم منذرين، قد آمنوا وأجابوا إلى ما سمعوا، فقص الله- تعالى- خبرهم عليه..وهناك روايات أخرى في عدد هؤلاء الجن، وفي الأماكن التي التقوا فيها مع النبي صلى الله عليه وسلم وفيما قرأه الرسول صلى الله عليه وسلم عليهم، وفيمن كان معه من الصحابة خلال التقائه بهم..ويبدو لنا من مجموع الروايات، أن لقاء النبي صلى الله عليه وسلم بالجن قد تعدد، وأنهم تارة استمعوا إليه صلى الله عليه وسلم دون أن يراهم، وتارة التقى بهم وقرأ عليهم القرآن.قال الآلوسى: وقد دلت الأحاديث على أن وفادة الجن كانت ست مرات، ويجمع بذلك بين اختلاف الروايات في عددهم وفي غير ذلك. وذكر ابن مردويه عن ابن عباس أنه قال:صرفت الجن إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم مرتين.. .قال القرطبي: واختلف أهل العلم في أصل الجن. فعن الحسن البصري: أن الجن ولد إبليس، والإنس ولد آدم، ومن هؤلاء وهؤلاء مؤمنون وكافرون، وهم شركاء في الثواب والعقاب، فمن كان من هؤلاء وهؤلاء مؤمنا فهو ولى الله، ومن كان من هؤلاء وهؤلاء كافرا فهو شيطان..وعن ابن عباس: أن الجن هم ولد الجان وليسوا بشياطين ومنهم المؤمن والكافر، والشياطين هم ولد إبليس، لا يموتون إلا مع إبليس...وقال بعض العلماء: عالم الجن من العوالم الكونية، كعالم الملائكة وقد أخبر الله- تعالى- أنه خلقه من مارج من نار، أى: أن عنصر النار فيه هو الغالب، وأنه يرى الأناسى وهم لا يرونه، أى: بصورته الجبلية، وإن كان يرى حين يتشكل بأشكال أخرى، كما رئي جبريل حين تشكل بشكل آدمي.وأخبر- سبحانه- بأن الجن قادرون على الأعمال الشاقة. وأن الله سخر الشياطين لسليمان يعملون له ما يشاء من محاريب وتماثيل ...وأخبر بأن من الجن مؤمنين، وأن منهم شياطين متمردين، ومن هؤلاء إبليس اللعين.ولم يختلف أهل الملل في وجودهم، بل اعترفوا به كالمسلمين، وإن اختلفوا في حقيقتهم، ولا تلازم بين الوجود والعلم بالحقائق، ولا بينه وبين الرؤية بالحواس، فكثير من الأشياء الموجودة لا تزال حقائقها مجهولة، وأسرارها محجوبة، وكثير منها لا يرى بالحواس. ألا ترى الروح- وهي مما لا شك في وجودها في الإنسان والحيوان- لم يدرك كنهها أحد ولم يرها أحد، وغاية ما علم من أمرها بعض صفاتها وآثارها..وقد بعث النبي صلى الله عليه وسلم إلى الجن، كما بعث إلى الإنس، فدعاهم الى التوحيد، وأنذرهم وبلغهم القرآن، وسيحاسبون على الأعمال يوم الحساب كما يحاسب الناس، فمؤمنهم كمؤمنهم، وكافرهم ككافرهم وكل ذلك جاء صريحا في القرآن والسنة.. .وقد افتتح- سبحانه- السورة الكريمة بأمر النبي صلى الله عليه وسلم بأن يقول للناس ما حدث من الجن عند سماعهم للقرآن. فقال: قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ ...وفي هذا الأمر دلالة على أن المأمور به شيء هام، يستدعى من السامعين التيقظ والانتباه، والامتثال للمأمور به، وتصديقه صلى الله عليه وسلم فيما أخبر به.والنفر: الجماعة من واحد إلى عشرة، وأصله في اللغة الجماعة من الإنس فأطلق على الجماعة من الجن على وجه التشبيه.أى: قل- أيها الرسول الكريم- للناس، إن الله- تعالى- قد أخبرك عن طريق أمين وحيه جبريل: أن جماعة من الجن قد استمعوا إليك وأنت تقرأ القرآن..فقالوا- على سبيل الفرح والإعجاب بما سمعوا-: إِنَّا سَمِعْنا من الرسول صلى الله عليه وسلم قُرْآناً عَجَباً أى: إنا سمعنا قرآنا جليل الشأن، بديع الأسلوب، عظيم القدر..
72:2
یَّهْدِیْۤ اِلَى الرُّشْدِ فَاٰمَنَّا بِهٖؕ-وَ لَنْ نُّشْرِكَ بِرَبِّنَاۤ اَحَدًاۙ(۲)
کہ بھلائی کی راہ بتا تا ہے (ف۷) تو ہم اس پر ایمان لائے، اور ہم ہرگز کسی کو اپنے رب کا شریک نہ کریں گے،

هذا القرآن يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ أى: إلى الخير والصواب والهدى فَآمَنَّا بِهِ إيمانا حقا، لا يخالطه شك أو ريب وَلَنْ نُشْرِكَ بِرَبِّنا أَحَداً أى: فآمنا بما اشتمل عليه هذا الكتاب من دعوة إلى إخلاص العبادة لله- تعالى- وحده، ولن نشرك معه في العبادة أحدا كائنا من كان هذا الأحد.والمقصود من أمره صلى الله عليه وسلم بذلك، دعوة مشركي قريش إلى الإيمان بالحق الذي جاء به صلى الله عليه وسلم كما آمن جماعة من الجن به، وإعلامهم بأن رسالته صلى الله عليه وسلم تشمل الجن والإنس.وضمير «أنه» للشأن، وخبر «أن» جملة «استمع نفر من الجن» ، وتأكيد هذا الخبر بأن، للاهتمام به لغرابته. ومفعول «استمع» محذوف لدلالة قوله: إِنَّا سَمِعْنا قُرْآناً عَجَباً عليه.ووصفهم للقرآن بكونه قُرْآناً عَجَباً يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ يدل على تأثرهم به تأثرا شديدا، وعلى إعجابهم العظيم بنظمه المتقن، وأسلوبه الحكيم، ومعانيه البديعة.. ولذا أعلنوا إيمانهم به بدون تردد، كما يشعر بذلك التعبير بالفاء في قوله: فَآمَنَّا بِهِ....والتعبير بقوله- تعالى-: فَقالُوا إِنَّا سَمِعْنا.. يحتمل أنهم قالوا ذلك فيما بينهم، أو لإخوانهم الذين رجعوا إليهم، كما في قوله- تعالى- في سورة الأحقاف: قالُوا يا قَوْمَنا إِنَّا سَمِعْنا كِتاباً أُنْزِلَ مِنْ بَعْدِ مُوسى مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ وَإِلى طَرِيقٍ مُسْتَقِيمٍ ... ويحتمل أنهم قالوا ذلك في أنفسهم على سبيل الإعجاب، كما في قوله- تعالى-: وَيَقُولُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ لَوْلا يُعَذِّبُنَا اللَّهُ بِما نَقُولُ بل إننا نرجح أن قولهم هذا قد شمل كل ذلك، لأن هذا هو الذي يتناسب مع إعجابهم بالقرآن الكريم، ومع حرصهم على إيمان أكبر عدد منهم به.
72:3
وَّ اَنَّهٗ تَعٰلٰى جَدُّ رَبِّنَا مَا اتَّخَذَ صَاحِبَةً وَّ لَا وَلَدًاۙ(۳)
اور یہ کہ ہمارے رب کی شان بہت بلند ہے نہ اس نے عورت اختیار کی اور نہ بچہ (ف۸)

ثم حكى- سبحانه- أن هذا النفر من الجن بعد استماعهم إلى القرآن وإيمانهم به، أخذوا في الثناء على الخالق- عز وجل- فقال حكاية عنهم: وَأَنَّهُ تَعالى جَدُّ رَبِّنا مَا اتَّخَذَ صاحِبَةً وَلا وَلَداً.ولفظ «وأن» قد تكرر في هذه السورة الكريمة أكثر من عشر مرات، تارة بالإضافة الى ضمير الشأن، وتارة بالإضافة الى ضمير المتكلم.ومن القراء السبعة من قرأه بفتح الهمزة، ومنهم من قرأه بكسرها، فمن قرأ وَأَنَّهُ تَعالى جَدُّ رَبِّنا.. بالفتح فعلى أنه معطوف على محل الجار والمجرور في قوله فَآمَنَّا بِهِ فكأنه قيل: فصدقناه وصدقنا أنه تعالى جد ربنا.. ومن قرأ بالكسر فعلى أنه معطوف على المحكي بعد القول، أى: قالوا: إنا سمعنا قرآنا عجبا، وقالوا: إنه تعالى جد ربنا..قال الجمل في حاشيته ما ملخصه: قوله- تعالى-: وَأَنَّهُ تَعالى جَدُّ رَبِّنا ... قرأه حمزة والكسائي وأبو عامر وحفص بفتح «أنّ» ، وقرأه الباقون بالكسر..وتلخيص هذا أن «أنّ» المشددة في هذه السورة على ثلاثة أقسام: قسم ليس معه واو العطف، فهذا لا خلاف بين القراء في فتحه أو كسره، على حسب ما جاءت به التلاوة واقتضته العربية، كقوله: قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ ... لا خلاف في فتحه لوقوعه موقع المصدر، وكقوله: إِنَّا سَمِعْنا قُرْآناً عَجَباً لا خلاف في كسره لأنه محكي بالقول.القسم الثاني أن يقترن بالواو، وهو أربع عشرة كلمة، إحداها: لا خلاف في فتحها، وهي قوله: وَأَنَّ الْمَساجِدَ لِلَّهِ ... وهذا هو القسم الثالث. والثانية وهي قوله: وَأَنَّهُ لَمَّا قامَ عَبْدُ اللَّهِ ... كسرها ابن عامر وأبو بكر وفتحها الباقون.والاثنتا عشرة الباقية، فتحها بعضهم، وكسرها بعضهم وهي قوله: - تعالى-: وَأَنَّهُ تَعالى جَدُّ رَبِّنا وقوله: وَأَنَّهُ كانَ يَقُولُ.. وأَنَّا ظَنَنَّا.. وأَنَّهُ كانَ رِجالٌ.. وأَنَّهُمْ ظَنُّوا..وأَنَّا لَمَسْنَا.. وأَنَّا كُنَّا.. وأَنَّا لا نَدْرِي.. وأَنَّا مِنَّا الصَّالِحُونَ.. وأَنَّا لَمَّا سَمِعْنَا الْهُدى.. وأَنَّا مِنَّا الْمُسْلِمُونَ .وقوله: تَعالى من التعالي وهو شدة العلو. وجَدُّ رَبِّنا الجد- بفتح الجيم- العظمة والجلال.قال القرطبي: الجد في اللغة: العظمة والجلال، ومنه قول أنس: كان الرجل إذا حفظ البقرة وآل عمران جد في عيوننا. أى: عظم. فمعنى جد ربنا: عظمته وجلاله.وقيل معنى «جد ربنا ... » : غناه، ومنه قيل للحظ جد. ورجل مجدود، أى: محظوظ.وفي الحديث: «ولا ينفع ذا الجد منك الجد» أى: ولا ينفع ذا الغنى منك غناه، وإنما تنفعه الطاعة...وجملة مَا اتَّخَذَ صاحِبَةً وَلا وَلَداً بيان وتفسير لما قبله.أى: آمنا به- سبحانه- إيمانا حقا، وصدقنا نبيه فيما جاءنا به من عنده، وصدقنا- أيضا- أن الحال والشأن تعالى وتعاظم جلال ربنا، وتنزه في ذاته وصفاته، عن أن يكون له شريك في ملكه. أو أن تكون له صاحبة أو أن يكون له ولد، كما زعم الزاعمون من الكافرين الجاهلين.وفي هذا القول من هذا النفر من الجن، رد على أولئك المشركين الذين كانوا يزعمون أن الملائكة بنات الله- تعالى-، وأنهم- أى الملائكة- جاءوا عن طريق مصاهرته- سبحانه- للجن، كما حكى عنهم- سبحانه- ذلك في قوله: وَجَعَلُوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجِنَّةِ نَسَباً، وَلَقَدْ عَلِمَتِ الْجِنَّةُ إِنَّهُمْ لَمُحْضَرُونَ، سُبْحانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ.
72:4
وَّ اَنَّهٗ كَانَ یَقُوْلُ سَفِیْهُنَا عَلَى اللّٰهِ شَطَطًاۙ(۴)
اور یہ کہ ہم میں کا بے وقوف اللہ پر بڑھ کر بات کہتا تھا (ف۹)

ثم حكى- سبحانه- أقوالا أخرى لهؤلاء المؤمنين من الجن فقال: وَأَنَّهُ كانَ يَقُولُ سَفِيهُنا عَلَى اللَّهِ شَطَطاً.. والمراد بالسفيه هنا: إبليس- لعنه الله-، وقيل المراد به الجنس فيشمل كل كافر ومتمرد من الجن، والشطط، مجاوزة الحد والعدل في كل شيء، أى: أننا ننزه الله- تعالى- عما كان يقوله سفهاؤنا- وعلى رأسهم إبليس- من أن لله- عز وجل- صاحبة أو ولدا، فإن هذا القول بعيد كل البعد عن الحق والعدل والصواب.
72:5
وَّ اَنَّا ظَنَنَّاۤ اَنْ لَّنْ تَقُوْلَ الْاِنْسُ وَ الْجِنُّ عَلَى اللّٰهِ كَذِبًاۙ(۵)
اور یہ کہ ہمیں خیال تھا کہ ہرگز آدمی اور جِن اللہ پر جھوٹ نہ باندھیں گے (ف۱۰)

وقوله: وَأَنَّا ظَنَنَّا أَنْ لَنْ تَقُولَ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى اللَّهِ كَذِباً اعتذار منهم عن كفرهم السابق، فكأنهم يقولون بعد أن استمعوا إلى القرآن، وآمنوا بالله- تعالى- وحده: إننا ننزه الله- تعالى- عما قاله السفهاء في شأنه.. وإذا كنا قد اتبعناهم قبل إيماننا، فسبب ذلك أننا صدقنا هؤلاء السفهاء فيما قالوه لنا، وما كنا نعتقد أو نتصور أو نظن أن هؤلاء السفهاء يصل بهم الفجور والكذب.. إلى هذا الحد الشنيع.وقوله: كَذِباً مفعول به لتقول، أو صفة لمصدر محذوف، أى: قولا مكذوبا.
72:6
وَّ اَنَّهٗ كَانَ رِجَالٌ مِّنَ الْاِنْسِ یَعُوْذُوْنَ بِرِجَالٍ مِّنَ الْجِنِّ فَزَادُوْهُمْ رَهَقًاۙ(۶)
اور یہ کہ آدمیوں میں کچھ مرد جنوں کے کچھ مردوں کے پناہ لیتے تھے (ف۱۱) تو اس سے اور بھی ان کا تکبر بڑھا،

ثم حكى- سبحانه- عنهم تكذيبهم لما كان متعارفا عليه في الجاهلية من أن للجن سلطانا على الناس، وأن لهم قدرة على النفع والضر ... فقال- تعالى-: وَأَنَّهُ كانَ رِجالٌ مِنَ الْإِنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجالٍ مِنَ الْجِنِّ فَزادُوهُمْ رَهَقاً ...وقوله: يَعُوذُونَ من العوذ بمعنى الاستجارة بالشيء والالتجاء إليه طلبا للنجاة.والرهق: الإثم وغشيان المحارم..قال صاحب الكشاف: والرهق: غشيان المحارم، والمعنى: أن الإنس باستعاذتهم بهم- أى بالجن- زادوهم كفرا وتكبرا. وذلك أن الرجل من العرب كان إذا أمسى في واد قفر في بعض مسايره، وخاف على نفسه قال: أعوذ بسيد هذا الوادي من سفهاء قومه، يريد الجن وكبيرهم، فإذا سمعوا ذلك استكبروا وقالوا: سدنا الجن والإنس، فذلك رهقهم، أو: فزاد الجنّ والإنس رهقا بإغوائهم وإضلالهم لاستعاذتهم بهم.. .فالمقصود من الآية الكريمة بيان فساد ما كان شائعا في الجاهلية- بل وفي بعض البيئات حتى الآن- من أن الجن لهم القدرة على النفع والضر وأن بعض الناس كانوا يلجئون إليهم طلبا لمنفعتهم وعونهم على قضاء مصالحهم.وإطلاق اسم الرجال على الجن، من باب التشبيه والمشاكلة لوقوعه من رجال من الإنس، فإن الرجل اسم للمذكر البالغ من بنى آدم.
72:7
وَّ اَنَّهُمْ ظَنُّوْا كَمَا ظَنَنْتُمْ اَنْ لَّنْ یَّبْعَثَ اللّٰهُ اَحَدًاۙ(۷)
اور یہ کہ انہوں نے (ف۱۲) گمان کیا جیسا تمہیں گمان ہے (ف۱۳) کہ اللہ ہرگز کوئی رسول نہ بھیجے گا،

وقوله- سبحانه-: وَأَنَّهُمْ ظَنُّوا كَما ظَنَنْتُمْ أَنْ لَنْ يَبْعَثَ اللَّهُ أَحَداً. بيان لما استنكره هؤلاء النفر المؤمنون من الجن على قومهم الكافرين. وعلى من يشبهونهم في الكفر من الإنس.أى: وأنهم- أى الإنس- ظنوا واعتقدوا كَما ظَنَنْتُمْ واعتقدتم أيها الجن، أن الله- تعالى- لن يبعث أحدا بعد الموت، وهذا الظن منهم ومنكم ظن خاطئ فاسد، فإن البعث حق، وإن الحساب حق، وإن الجزاء حق.وفي هذا القول من مؤمنى الجن، تعريض بمشركي قريش، الذين أنكروا البعث، وقالوا:ما هِيَ إِلَّا حَياتُنَا الدُّنْيا نَمُوتُ وَنَحْيا وَما يُهْلِكُنا إِلَّا الدَّهْرُ ...
72:8
وَّ اَنَّا لَمَسْنَا السَّمَآءَ فَوَجَدْنٰهَا مُلِئَتْ حَرَسًا شَدِیْدًا وَّ شُهُبًاۙ(۸)
اور یہ کہ ہم نے آسمان کو چھوا (ف۱۴) تو اسے پایا کہ (ف۱۵) سخت پہرے اور آگ کی چنگاریوں سے بھردیا گیا ہے (ف۱۶)

ثم حكى- سبحانه- عنهم ما قالوه عند اقترابهم من السماء، طلبا لمعرفة أخبارها.. قبل أن يؤمنوا فقال: وَأَنَّا لَمَسْنَا السَّماءَ فَوَجَدْناها مُلِئَتْ حَرَساً شَدِيداً وَشُهُباً ... وَأَنَّا كُنَّا نَقْعُدُ مِنْها مَقاعِدَ لِلسَّمْعِ، فَمَنْ يَسْتَمِعِ الْآنَ يَجِدْ لَهُ شِهاباً رَصَداً.وقوله: لَمَسْنَا من اللمس، وحقيقته الجس باليد، واستعير هنا، لطلب أخبار السماء، لأن الماس للشيء في العادة، إنما يفعل ذلك طلبا لاختباره ومعرفته.والحرس: اسم جمع للحراس، كخدم وكخدام، والشهب: جمع شهاب، وهو القطعة التي تنفصل عن بعض النجوم، فتسقط في الجو أو على الأرض أو في البحر.أى: وأنا طلبنا أخبار السماء كما هي عادتنا قبل أن نؤمن فَوَجَدْناها مُلِئَتْ حَرَساً شَدِيداً وَشُهُباً أى: فوجدناها قد امتلأت بالحراس الأشداء من الملائكة الذين يحرسونها من استراق السمع ... كما أنا قد وجدناها قد امتلأت بالشهب التي تنقض على مسترقى السمع فتحرقهم.
72:9
وَّ اَنَّا كُنَّا نَقْعُدُ مِنْهَا مَقَاعِدَ لِلسَّمْعِؕ-فَمَنْ یَّسْتَمِعِ الْاٰنَ یَجِدْ لَهٗ شِهَابًا رَّصَدًاۙ(۹)
اور یہ کہ ہم (ف۱۷) پہلے آسمان میں سننے کے لیے کچھ موقعوں پر بیٹھا کرتے تھے، پھر اب (ف۱۸) جو کوئی سنے وہ اپنی تاک میں آگ کا لُوکا (لپٹ) پائے (ف۱۹)

وَأَنَّا كُنَّا نَقْعُدُ مِنْها أى من السماء مَقاعِدَ لِلسَّمْعِ أى: كنا نقعد منها مقاعد كائنة للسمع، خالية من الحرس والشهب ...فَمَنْ يَسْتَمِعِ الْآنَ بعد نزول القرآن، الذي هو معجزة للنبي صلى الله عليه وسلم والذي آمنا به وصدقناه.يَجِدْ لَهُ شِهاباً رَصَداً أى: فمن يجلس الآن ليسترق السمع من السماء يجد له شهابا معدا ومهيأ للانقضاض عليه فيهلكه.فالرصد: جمع راصد، وهو الحافظ للشيء، وهو وصف لقوله «شهابا» .والفاء في قوله: فَمَنْ يَسْتَمِعِ الْآنَ للتفريع على محذوف، وكلمة «الآن» في مقابل كلمة «كنا» الدالة على المحذوف..والتقدير: كنا نقعد منها مقاعد للسمع، فنستمع أشياء، وقد انقضى ذلك، وصرنا من يستمع الآن منا يجد له شهابا رصدا، ينقض عليه فيحرقه.والمقصود من هاتين الآيتين: تأكيد إيمانهم بالله- تعالى-، وبرسوله صلى الله عليه وسلم، وحض غيرهم على اتباعهم، وتحذيرهم من التعرض لاستراق السمع.قال الإمام ابن كثير عند تفسيره لهاتين الآيتين: «يخبر الله- تعالى- عن الجن حين بعث الله رسوله محمدا صلى الله عليه وسلم وأنزل عليه القرآن، وكان من حفظه له أن السماء ملئت حرسا شديدا وشهبا، وحفظت من سائر أرجائها، وطردت الشياطين عن مقاعدها التي كانت تقعد فيها قبل ذلك، لئلا يسترقوا شيئا من القرآن، فيلقوه على ألسنة الكهنة، فيلتبس الأمر ويختلط ولا يدرى من الصادق، وهذا من لطف الله بخلقه، ورحمته بعباده، وحفظه لكتابه العزيز، ولهذا قالت الجن: «وأنا لمسنا السماء فوجدناها ملئت حرسا شديدا وشهبا، وأنا كنا نقعد منها مقاعد للسمع، فمن يستمع الآن يجد له شهابا رصدا» أى: من يروم أن يسترق السمع اليوم يجد له شهابا مرصدا، لا يتخطاه ولا يتعداه، بل يمحقه ويهلكه» .وقال بعض العلماء: والصحيح أن الرجم كان موجودا قبل المبعث. فلما بعث صلى الله عليه وسلم كثر وازداد، كما ملئت السماء بالحرس والشهب. وليس في الآية دلالة على أن كل ما يحدث من الشهب إنما هو للرجم، بل إنهم إذا حاولوا استراق السمع رجموا بالشهب، وإلا فالشهب الآن وفيما مضى قد تكون ظواهر طبيعية ولأسباب كونية ...
72:10
وَّ اَنَّا لَا نَدْرِیْۤ اَشَرٌّ اُرِیْدَ بِمَنْ فِی الْاَرْضِ اَمْ اَرَادَ بِهِمْ رَبُّهُمْ رَشَدًاۙ(۱۰)
اور یہ کہ ہمیں نہیں معلوم کہ (ف۲۰) زمین والوں سے کوئی برائی کا ارادہ فرمایا گیا ہے یا ان کے نے کوئی بھلائی چاہی ہے،

ثم حكى- سبحانه- ما قالوه على سبيل الإقرار بأنهم لا يعلمون شيئا من الغيوب فقال: وَأَنَّا لا نَدْرِي أَشَرٌّ أُرِيدَ بِمَنْ فِي الْأَرْضِ أَمْ أَرادَ بِهِمْ رَبُّهُمْ رَشَداً.أى: وقال هؤلاء الجن المؤمنون على سبيل الاعتراف بأن مرد علم الغيوب إلى الله- تعالى- وحده: قالوا وإنا لا ندري ولا نعلم الآن، بعد هذه الحراسة المشددة للسماء، أأريد بأهل الأرض ما يضرّ بهم، أم أراد الله- تعالى- بها ما ينفعهم؟.قال الآلوسى: ولا يخفى ما في قولهم هذا من الأدب، حيث لم يصرحوا بنسبة الشر إلى الله- تعالى-، كما صرحوا به في الخير، وإن كان فاعل الكل هو الله- تعالى- ولقد جمعوا بين الأدب وحسن الاعتقاد ....
72:11
وَّ اَنَّا مِنَّا الصّٰلِحُوْنَ وَ مِنَّا دُوْنَ ذٰلِكَؕ-كُنَّا طَرَآىٕقَ قِدَدًاۙ(۱۱)
اور یہ کہ ہم میں (ف۲۱) کچھ نیک ہیں (ف۲۲) اور کچھ دوسری طرح کے ہیں، ہم کئی راہیں پھٹے ہوئے ہیں (ف۲۳)

ثم حكى- سبحانه- ما قالوه في وصف حالهم وواقعهم فقال: وَأَنَّا مِنَّا الصَّالِحُونَ.... أى: منا الموصوفون بالصلاح والتقوى ... وهم الذين آمنوا بالله- تعالى- إيمانا حقا، ولم يشركوا معه في العبادة أحدا ...وَمِنَّا دُونَ ذلِكَ أى: ومنا قوم دون ذلك في الصلاح والتقوى ... وهم الذين فسقوا عن أمر ربهم، ولم يستقيموا على صراطه ودينه.وقوله: كُنَّا طَرائِقَ قِدَداً، تشبيه بليغ. والطرائق: جمع طريقة، وهي الحالة والمذهب.وقددا: جمع قدّة، وهي الفرقة والجماعة من الناس، الذين تفرقت مشاربهم وأهواؤهم.والجملة الكريمة بيان وتفسير لما قبلها.أى: وأنا في واقع أمرنا منا الصالحون الأخيار ... ومنا من درجته ورتبته أقل من ذلك بكثير أو بقليل ... فنحن في حياتنا كنا قبل سماعنا للقرآن كالمذاهب المختلفة في حسنها وقبحها، وكالطرق المتعددة في استقامتها واعوجاجها ... أما الآن فقد وفقنا الله- تعالى- إلى الإيمان به، وإلى إخلاص العبادة له ...ومن وجوه البلاغة في الآية الكريمة، أنهم قالوا: وَمِنَّا دُونَ ذلِكَ، ليشمل التعبير من هم دون الكمال في الصلاح، ومن هم قد انحدروا في الشرور والآثام إلى درجة كبيرة، وهم الأشرار.والمقصود من الآية الكريمة، مدح الصالحين، وذم الطالحين، ودعوتهم إلى الاقتداء بأهل الصلاح والتقوى والإيمان.
72:12
وَّ اَنَّا ظَنَنَّاۤ اَنْ لَّنْ نُّعْجِزَ اللّٰهَ فِی الْاَرْضِ وَ لَنْ نُّعْجِزَهٗ هَرَبًاۙ(۱۲)
اور یہ کہ ہم کو یقین ہوا کہ ہر گز زمین اللہ کے قابو سے نہ نکل سکیں گے اور نہ بھاگ کر اس کے قبضہ سے باہر ہوں،

ثم حكى- سبحانه- ما قالوه بشأن عجزهم المطلق أمام قدرة خالقهم فقال: وَأَنَّا ظَنَنَّا أَنْ لَنْ نُعْجِزَ اللَّهَ فِي الْأَرْضِ، وَلَنْ نُعْجِزَهُ هَرَباً.والظن هنا بمعنى العلم واليقين. وقوله: نُعْجِزَهُ من الإعجاز، وهو جعل الغير عاجزا عن الحصول على ما يريد. وقوله فِي الْأَرْضِ وهَرَباً في موضع الحال.أى: وأننا قد علمنا وتيقنا بعد إيماننا وبعد سماعنا للقرآن ... أننا في قبضة الله- تعالى- وتحت قدرته، ولن نستطيع الهرب من قضائه سواء كنا في الأرض أم في غيرها.فقوله: فِي الْأَرْضِ إشارة إلى عدم قدرتهم على النجاة من قضائه- تعالى- مهما حاولوا اللجوء إلى أية بقعة من بقاعها، ففي أى بقعة منها يكونون، يدركهم قضاؤه وقدره.وقوله: وَلَنْ نُعْجِزَهُ هَرَباً إشارة إلى أن هربهم إلى السماء لا إلى الأرض، لن ينجيهم مما يريده- سبحانه- بهم.فالمقصود بالآية الكريمة: إظهار عجزهم المطلق أمام قدرة الله- تعالى- وعدم تمكنهم من الهرب من قضائه، سواء ألجأوا إلى الأرض، أم إلى السماء.وشبيه بهذه الآية الكريمة قوله- تعالى-: وَما أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ وَما لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ.
72:13
وَّ اَنَّا لَمَّا سَمِعْنَا الْهُدٰۤى اٰمَنَّا بِهٖؕ-فَمَنْ یُّؤْمِنْۢ بِرَبِّهٖ فَلَا یَخَافُ بَخْسًا وَّ لَا رَهَقًاۙ(۱۳)
اور یہ کہ ہم نے جب ہدایت سنی (ف۲۴) اس پر ایمان لائے، تو جو اپنے رب پر ایمان لائے اسے نہ کسی کمی کا خوف (ف۲۵) اور نہ زیادگی کا (ف۲۶)

ثم حكى- سبحانه- حالهم عند ما سمعوا ما يهديهم إلى الرشد ... فقال- تعالى-:وَأَنَّا لَمَّا سَمِعْنَا الْهُدى آمَنَّا بِهِ، فَمَنْ يُؤْمِنْ بِرَبِّهِ فَلا يَخافُ بَخْساً وَلا رَهَقاً....أى: وأننا لما سمعنا الهدى، أى: القرآن من النبي صلى الله عليه وسلم آمَنَّا بِهِ بدون تردد أو شك فَمَنْ يُؤْمِنْ بِرَبِّهِ وبما أنزله على نبيه صلى الله عليه وسلم فَلا يَخافُ بَخْساً أى: نقصا في ثوابه وَلا رَهَقاً أى: ولا يخاف- أيضا- ظلما يلحقه بزيادة في سيئاته، أو إهانة تذله وتجعله كسير القلب، منقبض النفس.فالمراد بالبخس: الغبن في الأجر والثواب. والمراد بالرهق: الإهانة والمذلة والمكروه.والمقصود بالآية الكريمة إظهار ثقتهم المطلقة في عدالة الله- تعالى-.
72:14
وَّ اَنَّا مِنَّا الْمُسْلِمُوْنَ وَ مِنَّا الْقٰسِطُوْنَؕ-فَمَنْ اَسْلَمَ فَاُولٰٓىٕكَ تَحَرَّوْا رَشَدًا(۱۴)
اور یہ کہ ہم میں کچھ مسلمان ہیں اور کچھ ظالم (ف۲۷) تو جو اسلام لائے انہوں نے بھلائی سوچی (ف۲۸)

وقوله- سبحانه-: وَأَنَّا مِنَّا الْمُسْلِمُونَ وَمِنَّا الْقاسِطُونَ، فَمَنْ أَسْلَمَ فَأُولئِكَ تَحَرَّوْا رَشَداً. وَأَمَّا الْقاسِطُونَ فَكانُوا لِجَهَنَّمَ حَطَباً تأكيد وتفصيل لما قبله.والقاسطون: هم الجائرون الظالمون، جمع قاسط، وهو الذي ترك الحق واتبع الباطل، اسم فاعل من قسط الثلاثي بمعنى جار، بخلاف المقسط فهو الذي ترك الباطل واتبع الحق.مأخوذ من أقسط الرباعي بمعنى عدل.أى: وأنا- معاشر الجن- مِنَّا الْمُسْلِمُونَ الذين أسلموا وجوههم لله وأخلصوا له العبادة.وَمِنَّا الْقاسِطُونَ أى: الجائرون المائلون عن الحق إلى الباطل.فَمَنْ أَسْلَمَ منا فَأُولئِكَ المسلمون تَحَرَّوْا رَشَداً أى: توخوا وقصدوا الرشد والحق.
72:15
وَ اَمَّا الْقٰسِطُوْنَ فَكَانُوْا لِجَهَنَّمَ حَطَبًاۙ(۱۵)
اور رہے ظالم (ف۲۹) وہ جہنم کے ایندھن ہوئے (ف۳۰)

أَمَّا الْقاسِطُونَوهم الذين آثروا الغي على الرشدكانُوا لِجَهَنَّمَ حَطَباًأى:وقودا لجهنم، كما توقد النار بما يلقى فيها من حطب وما يشبهه.وإلى هنا نرى الآيات الكريمة قد حكت أقوالا متعددة، لهؤلاء النفر من الجن، الذين استمعوا إلى القرآن، فآمنوا به، وقالوا لن نشرك بربنا أحدا.ثم بين- سبحانه- سنة من سننه التي لا تتخلف، وهي أن الاستقامة على طريقه توصل إلى السعادة، وأن الإعراض عن طاعته- تعالى- يؤدى إلى الشقاء، وأمر رسوله صلى الله عليه وسلم أن يعلن للناس حقائق دعوته، وخصائص رسالته، وإقراره أمامهم بأنه لا يملك لهم ضرا ولا نفعا، وأن علم الغيب مرده إلى الله- تعالى- وحده، فقال- سبحانه-:
72:16
وَّ اَنْ لَّوِ اسْتَقَامُوْا عَلَى الطَّرِیْقَةِ لَاَسْقَیْنٰهُمْ مَّآءً غَدَقًاۙ(۱۶)
اور فرماؤ کہ مجھے یہ وحی ہوئی ہے کہ اگر وہ (ف۳۱) راہ پر سیدھے رہتے (ف۳۲) تو ضرور ہم انہیں وافر پانی دیتے (ف۳۳)

وقوله- سبحانه-: وَأَنْ لَوِ اسْتَقامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْناهُمْ ماءً غَدَقاً ... معطوف على قوله- تعالى-: أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ ... فهو من جملة الموحى به، وهو من كلام الله- تعالى- لبيان سنة من سننه في خلقه، واسم «أن» المخففة ضمير الشأن، والخبر قوله، لَوِ اسْتَقامُوا ... والضمير يعود على القاسطين سواء أكانوا من الإنس أم من الجن.والماء الغدق: هو الماء الكثير، يقال: غدقت عين فلان غدقا- كفرح- إذا كثر دمعها فهي غدقة، ومنه الغيداق للماء الواسع الكثير، والمراد: لأعطيناهم نعما كثيرة.أى: ولو أن هؤلاء العادلين عن طريق الحق إلى طريق الباطل استقاموا على الطريقة المثلى، التي هي طريق الإسلام، والتزموا بما جاءهم به النبي صلى الله عليه وسلم من عند ربه ...لو أنهم فعلوا ذلك، لفتحنا عليهم أبواب الرزق، ولأعطيناهم من بركاتنا وخيراتنا الكثير ... وخص الماء الغدق بالذكر، لأنه أصل المعاش والسعة.ومن الآيات التي وردت في هذا المعنى قوله- تعالى-: وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ وقوله- سبحانه- وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنا عَلَيْهِمْ بَرَكاتٍ مِنَ السَّماءِ وَالْأَرْضِ ... وقوله- تعالى- وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقامُوا التَّوْراةَ وَالْإِنْجِيلَ وَما أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ مِنْ رَبِّهِمْ، لَأَكَلُوا مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ....
72:17
لِّنَفْتِنَهُمْ فِیْهِؕ-وَ مَنْ یُّعْرِضْ عَنْ ذِكْرِ رَبِّهٖ یَسْلُكْهُ عَذَابًا صَعَدًاۙ(۱۷)
کہ اس پر انہیں جانچیں (ف۳۴) اور جو اپنے رب کی یاد سے منہ پھیرے (ف۳۵) وہ اسے چڑھتے عذاب میں ڈالے گا (ف۳۶)

ثم بين- سبحانه- الحكمة في هذا العطاء لعباده فقال: لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وأصل الفتن الامتحان والاختبار. تقول: فتنت الذهب بالنار، أى: اختبرته لتعرف مقدار جودته.والمعنى: نعطيهم ما نعطيهم من خيراتنا، لنختبرهم ونمتحنهم، ليظهر للخلائق موقفهم من هذه النعم، أيشكروننا عليها فنزيدهم منها، أم يجحدون ويبطرون فنمحقها من بين أيديهم ... ؟.والجملة الكريمة معترضة بين ما قبلها، وبين قوله- تعالى- بعد ذلك: وَمَنْ يُعْرِضْ عَنْ ذِكْرِ رَبِّهِ يَسْلُكْهُ عَذاباً صَعَداً.وقوله: يَسْلُكْهُ من السلك بمعنى إدخال الشيء في الشيء ومنه قوله- تعالى-:كَذلِكَ نَسْلُكُهُ فِي قُلُوبِ الْمُجْرِمِينَ. والصّعد: الشاق. يقال: فلان في صعد من أمره، أى: في مشقة وتعب، وهو مصدر صعد- كفرح- صعدا وصعودا.أى: ومن يعرض عن طاعة ربه ومراقبته وخشيته ... يدخله- سبحانه- في عذاب شاق أليم، لا مفر منه، ولا مهرب له عنه.ومن الحقائق والحكم التي نأخذها من هاتين الآيتين، أن الاستقامة على أمر الله، تؤدى إلى السعادة التي ليس بعدها سعادة، وأن رخاء العيش وشظافته هما لون من ألوان الابتلاء والاختبار، كما قال- تعالى-: وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً، وأن الإعراض عن ذكر الله.... عاقبته الخسران المبين، والعذاب الأليم.قال القرطبي ما ملخصه: قوله: لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ أى لنختبرهم كيف شكرهم فيه على تلك النعم.وقال عمر بن الخطاب في هذه الآية: أينما كان الماء كان المال، وأينما كان المال كانت الفتنة فمعنى لَأَسْقَيْناهُمْ لوسعنا عليهم في الدنيا، وضرب الماء الغدق الكثير لذلك مثلا، لأن الخير والرزق كله، بالمطر يكون، فأقيم مقامه.وفي صحيح مسلم، عن أبى سعيد الخدري، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «أخوف ما أخاف عليكم، ما يخرج لكم من زهرة الدنيا، قالوا: وما زهرة الدنيا؟ قال: بركات الأرض ... » .وقال صلى الله عليه وسلم: «والله ما الفقر أخشى عليكم، وإنما أخشى عليكم أن تبسط عليكم الدنيا كما بسطت على من قبلكم، فتنافسوها، كما تنافسوها فتهلككم كما أهلكتهم».
72:18
وَّ اَنَّ الْمَسٰجِدَ لِلّٰهِ فَلَا تَدْعُوْا مَعَ اللّٰهِ اَحَدًاۙ(۱۸)
اور یہ کہ مسجدیں (ف۳۷) اللہ ہی کی ہیں تو اللہ کے ساتھ کسی کی بندگی نہ کرو (ف۳۸)

ثم بين- سبحانه- أن المساجد التي تقام فيها الصلاة والعبادات، يجب أن تنسب إلى الله- تعالى- وحده، فقال: وَأَنَّ الْمَساجِدَ لِلَّهِ فَلا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَداً.والجملة الكريمة معطوفة على قوله- تعالى- قبل ذلك: أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ.والمساجد: جمع مسجد، وهو المكان المعد لإقامة الصلاة والعبادة فيه. واللام في قوله لِلَّهِ، للاستحقاق.أى: وأوحى إلىّ- أيضا- أن المساجد التي هي أماكن الصلاة والعبادة لا تكون إلا لله- تعالى- وحده، ولا يجوز أن تنسب إلى صنم من الأصنام، أو طاغوت من الطواغيت.قال الإمام ابن كثير: قال قتادة: كانت اليهود والنصارى إذا دخلوا كنائسهم وبيعهم، أشركوا بالله، فأمر الله نبيه والمؤمنين، أن يوحدوه وحده.وقال سعيد بن جبير: نزلت في أعضاء السجود. أى: هي لله فلا تسجدوا بها لغيره ... وفي الحديث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: أمرت أن أسجد على سبعة أعظم: على الجبهة- وأشار بيده إلى أنفه- واليدين، والركبتين، وأطراف القدمين .ويبدو لنا أن المراد بالمساجد هنا الأماكن المعدة للصلاة والعبادة، لأن هذا هو المتبادر من معنى الآية، وأن المقصود بها توبيخ المشركين الذين وضعوا الأنصاب والأصنام، في المسجد الحرام وأشركوها في العبادة مع الله- تعالى-.وأضاف- سبحانه- المساجد إليه، على سبيل التشريف والتكريم وقد تضاف إلى غيره- تعالى- على سبيل التعريف فحسب، وفي الحديث الشريف: «الصلاة في مسجدى هذا خير من ألف صلاة في غيره، إلا المسجد الحرام» .
72:19
وَّ اَنَّهٗ لَمَّا قَامَ عَبْدُ اللّٰهِ یَدْعُوْهُ كَادُوْا یَكُوْنُوْنَ عَلَیْهِ لِبَدًا(۱۹)ﮒ
اور یہ کہ جب اللہ کا بندہ (ف۳۹) اس کی بندگی کرنے کھڑا ہوا (ف۴۰) تو قریب تھا کہ وہ جن اس پر ٹھٹھ کے ٹھٹھ ہوجائیں (ف۴۱)

ثم بين- سبحانه- حال الصالحين من الجن، عند ما استمعوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو يقرأ القرآن، ويتقرب إلى الله- تعالى- بالعبادة فقال: وَأَنَّهُ لَمَّا قامَ عَبْدُ اللَّهِ يَدْعُوهُ كادُوا يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَداً.أى: وأوحى الله- تعالى- فيما أوحى من شأن الجن، أَنَّهُ لَمَّا قامَ عَبْدُ اللَّهِ وهو محمد صلى الله عليه وسلم يَدْعُوهُ أى: يدعو الله- تعالى- ويعبده في الصلاة، كادُوا أى: الجن يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَداً أى: كادوا من شدة التزاحم عليه، والتكتل حوله..يكونون كاللبد، أى: كالشىء الذي تلبد بعضه فوق بعض. ولفظ «لبدا» جمع لبدة، وهي الجماعة المتزاحمة، ومنه لبدة الأسد للشعر المتراكم في رقبته.ووضع- سبحانه- الاسم الظاهر موضع المضمر، إذ مقتضى الظاهر أن يقال: وأنه لما قمت تدعو الله.. أو لما قمت أدعو الله ... تكريما للنبي صلى الله عليه وسلم حيث وصفه بأنه «عبد الله» لما في هذه الإضافة من التشريف والتكريم.والجن: إنما ازدحموا حول الرسول صلى الله عليه وسلم وهو يصلى ويقرأ القرآن ... تعجبا مما شاهدوه من صلاته، ومن حسن قراءته، ومن كمال اقتداء أصحابه، قياما، وركوعا، وسجودا ...ومنهم من يرى أن الضمير في «كادوا» يعود لكفار قريش، فيكون المعنى: وأنه لما قام محمد صلى الله عليه وسلم يدعو ربه ... كادوا من تزاحمهم عليه، يكونون كاللبد، لا لكي ينتفعوا بما يسمعون، ولكن لكي يطفئوا نور الله بأفواههم، والحال أن الله- تعالى- قد رد كيدهم في نحورهم، وأبى إلا أن يتم نوره ولو كره المشركون.قال صاحب الكشاف: «عبد الله» هو النبي صلى الله عليه وسلم، فإن قلت: هلا قيل: رسول الله أو النبي؟ قلت: لأن تقديره وأوحى إلى أنه لما قام عبد الله، فلما كان واقعا في كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم عن نفسه، جيء به على ما يقتضيه التواضع والتذلل، أو لأن المعنى أن عبادة عبد الله، لله- تعالى- ليست بأمر مستبعد عن العقل ولا مستنكر، حتى يكونوا عليه لبدا.ومعنى «قام يدعوه» : قام يعبده. يريد: قيامه لصلاة الفجر بنخلة حين أتاه الجن، فاستمعوا لقراءته، وتزاحموا عليه.وقيل معناه: لما قام رسول يعبد الله وحده، مخالفا المشركين في عبادتهم كاد المشركون لتظاهرهم عليه وتعاونهم على عداوته، يزدحمون عليه متراكمين ... .ويبدو لنا أن عودة الضمير في «كادوا» على مؤمنى الجن أرجح، لأن هذا هو الموافق لإعجابهم بالقرآن الذي سمعوه من النبي صلى الله عليه وسلم لأن هذا هو الظاهر من سياق الآيات، حيث إن الحديث عنهم، ولأن الآثار قد وردت في أن الجن قد التفوا حول النبي صلى الله عليه وسلم حين سمعوه يقرأ القرآن.ومن هذه الآثار قول الزبير بن العوام: هم الجن حين استمعوا القرآن من النبي صلى الله عليه وسلم كادوا يركب بعضهم بعضا ازدحاما عليه ... .
72:20
قُلْ اِنَّمَاۤ اَدْعُوْا رَبِّیْ وَ لَاۤ اُشْرِكُ بِهٖۤ اَحَدًا(۲۰)
تم فرماؤ میں تو اپنے رب ہی کی بندگی کرتا ہوں اور کسی کو اس کا شریک نہیں ٹھہراتا،

ثم أمر الله- تعالى- نبيه صلى الله عليه وسلم أن يعلن لجميع من أرسل إليهم، أنه لا يعبد أحدا سواه- عز وجل- فقال: قُلْ إِنَّما أَدْعُوا رَبِّي وَلا أُشْرِكُ بِهِ أَحَداً.أى: قل- أيها الرسول الكريم- لجميع من أرسلناك إليهم من الجن والإنس: إنى أعبد ربي وحده، وأتوجه إليه وحده بالدعاء والطلب، ولا أشرك معه أحدا في عبادتي أو صلاتي أو نسكي ...
72:21
قُلْ اِنِّیْ لَاۤ اَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَّ لَا رَشَدًا(۲۱)
تم فرماؤ میں تمہارے کسی برے بھلے کا مالک نہیں،

وقل لهم ، كذلك : ( قُلْ إِنِّي لاَ أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرّاً ) أى : لا أملك ما يضركم ( وَلاَ رَشَداً ) أى : ولا أملك ما ينفعكم ، وإنما الذى يملك ذلك هو الله - تعالى - وحده .
72:22
قُلْ اِنِّیْ لَنْ یُّجِیْرَنِیْ مِنَ اللّٰهِ اَحَدٌ ﳔ وَّ لَنْ اَجِدَ مِنْ دُوْنِهٖ مُلْتَحَدًاۙ(۲۲)
تم فرماؤ ہرگز مجھے اللہ سے کوئی نہ بچائے گا (ف۴۲) اور ہرگز اس کے سوا کوئی پناہ نہ پاؤں گا،

وقل لهم للمرة الثالثة: إِنِّي لَنْ يُجِيرَنِي مِنَ اللَّهِ أَحَدٌ أى: إنى لن يمنعني أحد من الله- تعالى- إن أرادنى بسوء.وَلَنْ أَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَداً أى: ولن أجد من دونه ملجأ أركن إليه. يقال: التحد فلان إلى كذا، أى: مال إليه.فالآية الكريمة بيان لعجزه صلى الله عليه وسلم عن شئون نفسه أمام قدرة خالقه- عز وجل- بعد بيان عجزه عن شئون غيره.
72:23
اِلَّا بَلٰغًا مِّنَ اللّٰهِ وَ رِسٰلٰتِهٖؕ-وَ مَنْ یَّعْصِ اللّٰهَ وَ رَسُوْلَهٗ فَاِنَّ لَهٗ نَارَ جَهَنَّمَ خٰلِدِیْنَ فِیْهَاۤ اَبَدًاؕ(۲۳)
مگر اللہ کے پیام پہنچاتا اور اس کی رسالتیں (ف۴۳) اور جو اللہ اور اس کے رسول کا حکم نہ مانے (ف۴۴) تو بیشک ان کے لیے جہنم کی آگ ہے جس میں ہمیشہ ہمیشہ رہیں،

وقوله- سبحانه-: إِلَّا بَلاغاً مِنَ اللَّهِ وَرِسالاتِهِ.... استثناء من مفعول لا أَمْلِكُ، وهما قوله قبل ذلك: ضَرًّا وَلا رَشَداً وما يليهما اعتراض مؤكد لنفى الاستطاعة. أى: قل لهم- أيها الرسول الكريم- إنى لا أملك ما يضركم ولا أملك ما ينفعكم، وإنما الذي أملكه هو تبليغ رسالات ربي إليكم، بأمانة واجتهاد.والبلاغ: مصدر بلّغ، وهو إيصال الكلام أو الحديث إلى الغير، ويطلق على الكلام المبلغ من إطلاق المصدر على المفعول، مثل: «هذا خلق الله» ، و «من» ابتدائية صفة لقوله:«بلاغا» أى: بلاغا كائنا من جهة الله- تعالى- وأمره. والرسالات: جمع رسالة، وهي ما يرسل إلى الغير من كلام أو كتاب. والمراد بها هنا: تبليغ ما أوحاه الله- تعالى- إلى نبيه للناس.قال الآلوسى ما ملخصه وقوله: إِلَّا بَلاغاً مِنَ اللَّهِ.... استثناء من مفعول لا أملك ...وما بينهما اعتراض ... فإن كان المعنى: لا أملك أن أضركم ولا أن أنفعكم، كان استثناء متصلا، كأنه قيل: لا أملك شيئا إلا بلاغا، وإن كان المعنى: لا أملك أن أقسركم على الغي والرشد، كان منقطعا، أو من باب: لا عيب فيهم غير أن سيوفنا ... أى: أنه من أسلوب تأكيد الشيء بما يشبه ضده، وقوله وَرِسالاتِهِ عطف على قوله بَلاغاً وقوله:مِنَ اللَّهِ متعلق بمحذوف وقع صفه له. أى: بلاغا كائنا من الله ... .ثم بين- سبحانه- بعد ذلك سوء عاقبة من يخالف أمره فقال: وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فيما أمرا به، أو نهيا عنه.فَإِنَّ لَهُ أى: لهذا العاصي نارَ جَهَنَّمَ خالِدِينَ فِيها أَبَداً أى: فحكمه أن له نار جهنم، وجمع- سبحانه- خالدين باعتبار معنى «من» ، كما أن الإفراد في قوله فَإِنَّ لَهُ باعتبار لفظها.وقوله: «أبدا» مؤكد لمعنى الخلود. أى: خالدين فيها خلودا أبديا لا نهاية له.
72:24
حَتّٰۤى اِذَا رَاَوْا مَا یُوْعَدُوْنَ فَسَیَعْلَمُوْنَ مَنْ اَضْعَفُ نَاصِرًا وَّ اَقَلُّ عَدَدًا(۲۴)
یہاں تک کہ جب دیکھیں گے (ف۴۵) جو وعدہ دیا جاتا ہے تو اب جان جائیں گے کہ کس ک مددگار کمزور اور کس کی گنتی کم (ف۴۶)

وقوله- سبحانه-: حَتَّى إِذا رَأَوْا ما يُوعَدُونَ فَسَيَعْلَمُونَ مَنْ أَضْعَفُ ناصِراً وَأَقَلُّ عَدَداً تهديد ووعيد للكافرين بسبب استهزائهم بالمؤمنين، فقد حكى القرآن عن الكفار أنهم قالوا: نَحْنُ جَمِيعٌ مُنْتَصِرٌ، وَقالُوا نَحْنُ أَكْثَرُ أَمْوالًا وَأَوْلاداً وَما نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ وقالوا: مَتى هذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ.وحَتَّى هنا حرف ابتداء. وهي متعلقة بمحذوف دل عليه الكلام، وهو سخرية الكافرين من المؤمنين. وإِذا اسم زمان للمستقبل مضمن معنى الشرط، وهي في محل نصب بجوابه الذي هو قوله فَسَيَعْلَمُونَ.والمعنى: أن هؤلاء الكفار لا يزالون على ما هم عليه من غرور وعناد وجحود ... حتى إذا رأوا ما يوعدون من العذاب في الدنيا والآخرة فَسَيَعْلَمُونَ حينئذ من هو أضعف جندا وأقل عددا، أهم المؤمنون- كما يزعم هؤلاء الكافرون-؟ أم أن الأمر سيكون على العكس؟ لا شك أن الأمر سيكون على العكس، وهو أن الكافرين في هذا اليوم سيكونون في غاية الضعف والذلة والهوان.وجيء بالجملة التي أضيف إليها لفظ «إذا» فعلا ماضيا، للتنبيه على تحقق الوقوع.والآية الكريمة تشير إلى خيبة هؤلاء الكافرين، وتلاشى آمالهم ... فإنهم في هذا اليوم سيفقدون الناصر لهم، كما أنهم سيفقدونه من جهة أنفسهم، لأنهم مهما كثر عددهم، فهم مغلوبون.
72:25
قُلْ اِنْ اَدْرِیْۤ اَقَرِیْبٌ مَّا تُوْعَدُوْنَ اَمْ یَجْعَلُ لَهٗ رَبِّیْۤ اَمَدًا(۲۵)
تم فرماؤ میں نہیں جانتا آیا نزدیک ہے وہ جس کا تمہیں وعدہ دیا جاتا ہے یا میرا رب اسے کچھ وقفہ دے گا (ف۴۷)

ثم أمر الله- تعالى- رسوله للمرة الرابعة، أن يعلن للناس أن هذا اليوم الذي يأتى فيه نصر الله للمؤمنين لا يعلمه إلا هو، فقال- تعالى-: قُلْ إِنْ أَدْرِي أَقَرِيبٌ ما تُوعَدُونَ. أَمْ يَجْعَلُ لَهُ رَبِّي أَمَداً....أى: وقل- أيها الرسول الكريم- لهؤلاء الكافرين إن نصر الله لنا آت لا ريب فيه، وعذاب الله لكم آت- أيضا- لا ريب فيه، ولكني لا أدرى ولا أعلم أيتحقق ذلك في الوقت العاجل القريب، أم يجعل الله- تعالى- لذلك «أمدا» أى: غاية ومدة معينة من الزمان، لا يعلم وقتها إلا هو- سبحانه-.والمقصود من الآية الكريمة: بيان أن العذاب نازل بهم قطعا ولكن موعده قد يكون بعد وقت قريب، وقد يكون بعد وقت بعيد، لأن تحديد هذا الوقت مرده إلى الله- تعالى- وحده.
72:26
عٰلِمُ الْغَیْبِ فَلَا یُظْهِرُ عَلٰى غَیْبِهٖۤ اَحَدًاۙ(۲۶)
غیب کا جاننے والا تو اپنے غیب پر (ف۴۸) کسی کو مسلط نہیں کرتا (ف۴۹)

وقوله- تعالى- بعد ذلك: عالِمُ الْغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلى غَيْبِهِ أَحَداً تعليل لما قبله.أى: أنا لا أدرى متى يكون عذابكم- أيها الكافرون- لأن مرد علم ذلك إلى الله- تعالى- الذي هو عليم بكل شيء من الظواهر والبواطن، والذي اقتضت حكمته أن لا يطلع أحدا على غيوبه، وعلى ما استتر وخفى من أمور خلقه.
72:27
اِلَّا مَنِ ارْتَضٰى مِنْ رَّسُوْلٍ فَاِنَّهٗ یَسْلُكُ مِنْۢ بَیْنِ یَدَیْهِ وَ مِنْ خَلْفِهٖ رَصَدًاۙ(۲۷)
سوائے اپنے پسندیدہ رسولوں کے (ف۵۰) کہ ان کے آگے پیچھے پہرا مقرر کر دیتا ہے (ف۵۱)

وقوله: إِلَّا مَنِ ارْتَضى مِنْ رَسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَداً استثناء من النفي في قوله: فَلا يُظْهِرُ عَلى غَيْبِهِ أَحَداً.أى: هو- سبحانه- عالم الغيب، فلا يطلع على غيبه أحدا من خلقه، إلا الرسول الذي ارتضاه واختاره من خلقه، فإنه- سبحانه- قد يطلعه على بعض غيوبه، ليكون ذلك معجزة له، دالة على صدقه أمام قومه.فإذا ما أراد- سبحانه- إطلاع رسوله المصطفى لحمل رسالته على بعض غيوبه، سخر له من جميع جوانبه حرسا من الملائكة يحرسونه من وسوسة الشيطان ونوازعه، ومن كل ما يتعارض مع توصيل وحيه- سبحانه- إلى رسله، بكل أمانة وصيانة.ومعنى مَنِ ارْتَضى ... : من اختار واصطفى واجتبى، وعبر عن ذلك بقوله مَنِ ارْتَضى، للإشعار بأنه- سبحانه- يخص هؤلاء الذين رضى عنهم ورضوا عنه بالاطلاع على بعض غيوبه، على سبيل التأييد والتكريم لهم.و «من» في قوله مِنْ رَسُولٍ للبيان. والمراد بالرسول هنا: ما يشمل كل رسول اختاره- سبحانه- لحمل رسالته، سواء أكان من البشر أم من الملائكة.والضمير في قوله- تعالى- فَإِنَّهُ ويَسْلُكُ يعودان على الله- عز وجل- وأطلق السلك على إيصال الخبر إلى الرسول المرتضى، للإشعار بأن هذا الخبر الذي أطلع الله- تعالى- رسوله عليه، قد وصل إليه وصولا مؤكدا، ومحفوظا من كل تحريف، كما يدخل الشيء في الشيء دخولا تاما بقوة وضبط، إذ حقيقة السلك. إدخال الشيء في الشيء بشدة وعناية ...والمراد بقوله: مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ جميع الجهات، وعبر عن جميع الجهات بذلك، لأن معظم ما يتعرض له الإنسان يكون من هاتين الجهتين.والرصد: جمع راصد، وهو ما يحفظ الشيء، ويصونه من كل ما لا يريده، أى: إلا من ارتضى- سبحانه- من رسول، فإنه- عز وجل- يطلعه على ما يشاؤه من غيوبه، ويجعل له حراسا من جميع جوانبه، يحفظونه من كل سوء.قال الآلوسى: قوله: إِلَّا مَنِ ارْتَضى مِنْ رَسُولٍ ... أى: لكن الرسول المرتضى بظهره- جل وعلا- على بعض الغيوب المتعلقة برسالته ... إما لكون بعض هذه الغيوب من مباديها، بأن يكون معجزة، وإما لكونه من أركانها وأحكامها كعامة التكاليف الشرعية، وكيفيات الأعمال وأجزيتها، ونحو ذلك من الأمور الغيبية، التي بيانها من وظائف الرسالة.بأن يسلك من جميع جوانبه عند اطلاعه على ذلك، حرسا من الملائكة يحرسونه من تعرض الشياطين، لما أريد اطلاعه عليه ... .
72:28
لِّیَعْلَمَ اَنْ قَدْ اَبْلَغُوْا رِسٰلٰتِ رَبِّهِمْ وَ اَحَاطَ بِمَا لَدَیْهِمْ وَ اَحْصٰى كُلَّ شَیْءٍ عَدَدًا۠(۲۸)
تا کہ دیکھ لے کہ انہوں نے اپنے رب کے پیام پہنچا دیے اور جو کچھ ان کے پاس سب اس کے علم میں ہے اور اس نے ہر چیز کی گنتی شمار کر رکھی ہے (ف۵۲)

واللام في قوله- تعالى-: لِيَعْلَمَ أَنْ قَدْ أَبْلَغُوا رِسالاتِ رَبِّهِمْ ... متعلقة بقوله يَسْلُكُ.والضمير في لِيَعْلَمَ يعود إلى الله- تعالى-، والمراد بالعلم: علم المشاهدة الذي يترتب عليه الجزاء، أى: أطلع الله- تعالى- من ارتضاهم على بعض غيوبه، وحرسهم من وصول الشياطين إلى هذا الذي أظهرهم عليه من غيوب ... ليعلم- تعالى- علم مشاهدة يترتب عليه الجزاء، أن الرسل قد أبلغوا رسالته- سبحانه- إلى خلقه، وأنه- تعالى- قد أَحاطَ بِما لَدَيْهِمْ أى: أحاط علمه- تعالى- بكل ما لدى الرسل وغيرهم من أقوال وأفعال، وَأَحْصى كُلَّ شَيْءٍ عَدَداً أى: وأحصى كل شيء في هذا الكون إحصاء تاما، وعلما كاملا.قال الشوكانى: قوله: لِيَعْلَمَ أَنْ قَدْ أَبْلَغُوا رِسالاتِ رَبِّهِمْ ... اللام متعلقة بيسلك، والمراد به العلم المتعلق بالإبلاغ الموجود بالفعل، و «أن» هي المخففة من الثقيلة، واسمها ضمير الشأن، والخبر الجملة، والرسالات عبارة عن الغيب الذي أريد إظهاره لمن ارتضاه الله من رسول ...وقال قتادة: ليعلم محمد أن الرسل قبله قد أبلغوا الرسالة كما بلغ هو، وفيه حذف تتعلق به اللام، أى: أخبرناه صلى الله عليه وسلم بحفظنا الوحى، ليعلم أن الرسل قبله كانوا على حالته من التبليغ بالحق والصدق.وقيل: ليعلم الرسل أن الملائكة قد بلغوا رسالات ربهم ....ويبدو لنا أن عودة الضمير في «ليعلم» إلى الله- تعالى- هو الأظهر، أى: ليعلم الله- تعالى- أن رسله قد أبلغوا رسالاته علم مشاهدة كما علمه غيبا، لأن علم الله بذلك لا يكون إلا على وفق ما وقع ...وهكذا ساقت لنا سورة «الجن» الكثير من الحقائق التي تتعلق بإصلاح العقائد والأخلاق والسلوك والأفكار التي طغى كثير منها على العقول والأفهام ...وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
  FONT
  THEME
  TRANSLATION
  • English | Ahmed Ali
  • Urdu | Ahmed Raza Khan
  • Turkish | Ali-Bulaç
  • German | Bubenheim Elyas
  • Chinese | Chineese
  • Spanish | Cortes
  • Dutch | Dutch
  • Portuguese | El-Hayek
  • English | English
  • Urdu | Fateh Muhammad Jalandhry
  • French | French
  • Hausa | Hausa
  • Indonesian | Indonesian-Bahasa
  • Italian | Italian
  • Korean | Korean
  • Malay | Malay
  • Russian | Russian
  • Tamil | Tamil
  • Thai | Thai
  • Farsi | مکارم شیرازی
  TAFSEER
  • العربية | التفسير الميسر
  • العربية | تفسير الجلالين
  • العربية | تفسير السعدي
  • العربية | تفسير ابن كثير
  • العربية | تفسير الوسيط لطنطاوي
  • العربية | تفسير البغوي
  • العربية | تفسير القرطبي
  • العربية | تفسير الطبري
  • English | Arberry
  • English | Yusuf Ali
  • Dutch | Keyzer
  • Dutch | Leemhuis
  • Dutch | Siregar
  • Urdu | Sirat ul Jinan
  HELP

اَلْجِنّ
اَلْجِنّ
  00:00



Download

اَلْجِنّ
اَلْجِنّ
  00:00



Download