READ
Surah Al-Israa
بَنِیْٓ اِسْرَآءِیْل
111 Ayaat مکیۃ
وَ لَقَدْ صَرَّفْنَا فِیْ هٰذَا الْقُرْاٰنِ لِیَذَّكَّرُوْاؕ-وَ مَا یَزِیْدُهُمْ اِلَّا نُفُوْرًا(۴۱)
اور بیشک ہم نے اس قرآن میں طرح طرح سے بیان فرمایا (ف۹۰) کہ وہ سمجھیں (ف۹۱) اور اس سے انھیں نہیں بڑھتی مگر نفرت (ف۹۲)
ثم بين- سبحانه- أن هذا القرآن الذي أنزله على نبيه محمد صلى الله عليه وسلم قد اشتمل على ألوان متعددة من الهدايات والآداب والأحكام، فقال- تعالى-: وَلَقَدْ صَرَّفْنا فِي هذَا الْقُرْآنِ لِيَذَّكَّرُوا، وَما يَزِيدُهُمْ إِلَّا نُفُوراً.وقوله- تعالى-: صَرَّفْنا من التصريف وهو في الأصل صرف الشيء من حالة إلى أخرى، ومن جهة إلى أخرى.والمراد به هنا: بينا، وكررنا، ومفعوله محذوف للعلم به.والمعنى: ولقد بينا وكررنا في هذا القرآن أنواعا من الوعد والوعيد، والقصص، والأمثال، والمواعظ والأخبار، والآداب والتشريعات، ليتذكر هؤلاء الضالون ويتعظوا ويعتبروا، ويوقنوا بأنه من عند الله- تعالى- فيهديهم ذلك إلى اتباع الحق، والسير في الطريق القويم.وقوله- تعالى-: وَما يَزِيدُهُمْ إِلَّا نُفُوراً تصوير بديع لإصرارهم على كفرهم وعنادهم، وإيثارهم الغي على الرشد.والنفور: التباعد والإعراض عن الشيء. يقال: نفرت الدابة تنفر- بكسر الفاء وضمها- نفورا، إذا جزعت وتباعدت وشردت.أى: وما يزيدهم هذا البيان والتكرار الذي اشتمل عليه القرآن الكريم، إلا تباعدا عن الحق، وإعراضا عنه، وعكوفا على باطلهم، بسبب جحودهم وعنادهم وحسدهم للرسول صلى الله عليه وسلم على ما آتاه الله من فضله.وكان بعض الصالحين إذا قرأ هذه الآية قال: زادني لك خضوعا، ما زاد أعداءك نفورا.
قُلْ لَّوْ كَانَ مَعَهٗۤ اٰلِهَةٌ كَمَا یَقُوْلُوْنَ اِذًا لَّابْتَغَوْا اِلٰى ذِی الْعَرْشِ سَبِیْلًا(۴۲)
تم فرماؤ اگر اس کے ساتھ اور خدا ہوتے جیسا یہ بکتے ہیں جب تو وہ عرش کے مالک کی طرف کوئی راہ ڈھونڈ نکالتے (ف۹۳)
ثم أمر الله - تعالى - رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يوبخهم على شركهم ، وأن يسوق لهم الدليل الواضح على فساد عقولهم ، فقال - تعالى - : ( قُلْ لَّوْ كَانَ مَعَهُ آلِهَةٌ كَمَا يَقُولُونَ إِذاً لاَّبْتَغَوْاْ إلى ذِي العرش سَبِيلاً ) .وقد قرأ جمهور القراء ( كما تقولون ) وقرأ ابن كثير وحفص عن عاصم ( كما يقولون ) .وللمفسرين فى تفسير هذه الآية اتجاهان ، أما الاتجاه الأول فيرى أصحابه أن المعنى .قل - أيها الرسول الكريم - لهؤلاء المشركين ، لو كان مع الله - تعالى - آلهة أخرى - كما يزعمون - إذا لطلبوا إلى ذى العرش - وهو الله عز وجل - طريقا وسبيلا لتوصلهم إليه ، لكى ينازعوه فى ملكه ، ويقاسموه إياه ، كما هى عادة الشركاء ، وكما هو ديدن الرؤساء والملوك فيما بينهم .قال - تعالى - : ( مَا اتخذ الله مِن وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ إِذاً لَّذَهَبَ كُلُّ إله بِمَا خَلَقَ وَلَعَلاَ بَعْضُهُمْ على بَعْضٍ سُبْحَانَ الله عَمَّا يَصِفُونَ ) وقال سبحانه - : ( لَوْ كَانَ فِيهِمَآ آلِهَةٌ إِلاَّ الله لَفَسَدَتَا فَسُبْحَانَ الله رَبِّ العرش عَمَّا يَصِفُونَ ) وهذا الاتجاه قد صدر به صاحب الكشاف كلامه فقال ما ملخصه : قوله ( إِذاً لاَّبْتَغَوْاْ إلى ذِي العرش سَبِيلاً ) جواب عن مقالة المشركين وجزاء للو . أى : إذا لطلبوا إلى من له الملك والربوبية سبيلا بالمغالية ، كما يفعل الملوك بعضهم مع بعض . . .وأما الاتجاه الثانى فيرى أصحابه أن المعنى : قل أيها الرسول لهؤلاء المشركين ، لو كان مع الله - تعالى - آلهة أخرى - كما يزعمون - ، إذا لابتغوا - أى الآلهة المزعومة - إلى ذى العرش سبيلا وطريقا ليقتربوا إليه ، ويعترفوا بفضله ، ويخلصوا له العبادة ، كما قال - تعالى - : ( أولئك الذين يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إلى رَبِّهِمُ الوسيلة أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ كَانَ مَحْذُوراً ) وقد اقتصر ابن كثير على هذا الوجه فى تفسيره للآية فقال : يقول - تعالى - : قل يا محمد لهؤلاء المشركين الزاعمين أن لله شريكا من خلقه ، لو كان الأمر كما تقولون ، من أن معه آلهة تعبد . . لكان أولئك المعبودون يعبدونه ويتقربون إليه يبتغون إليه الوسيلة والقربة .ومع وجاهة الرأيين ، إلا أن الرأى الأول أظهر ، لأن فى الآية فرض المحال ، وهو وجود الآلهة مع الله - تعالى - ، وافتراض وجودها المحال لا يظهر منه أنها تتقرب إليه - سبحانه - ، بل الذى يظهر منه أنها تنازعه لو كانت موجودة ، ولأن هذا الرأى يناسبه - أيضا - قوله - تعالى - بعد ذلك :
سُبْحٰنَهٗ وَ تَعٰلٰى عَمَّا یَقُوْلُوْنَ عُلُوًّا كَبِیْرًا(۴۳)
اسے پاکی اور برتری ان کی باتوں سے بڑی برتری،
( سُبْحَانَهُ وتعالى عَمَّا يَقُولُونَ عُلُوّاً كَبِيراً ) .أى : تنزه الله - تعالى - عما يقوله المشركون فى شأنه وتباعد ، وعلا علوا كبيرا ، فإنه - جل شأنه - لا ولد له ، فلا شريك له . . .قال - تعالى - : ( قُلْ هُوَ الله أَحَدٌ الله الصمد لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ وَلَمْ يَكُنْ لَّهُ كُفُواً أَحَدٌ ) والتعبير بقوله - سبحانه - : ( إِذاً لاَّبْتَغَوْاْ إلى ذِي العرش سَبِيلاً ) يشير إلى الارتفاع والتسامى على تلك الآلهة المزعومة ، وأنها دون عرشه - تعالى - وتحته ، وليست معه . .
تُسَبِّحُ لَهُ السَّمٰوٰتُ السَّبْعُ وَ الْاَرْضُ وَ مَنْ فِیْهِنَّؕ-وَ اِنْ مِّنْ شَیْءٍ اِلَّا یُسَبِّحُ بِحَمْدِهٖ وَ لٰكِنْ لَّا تَفْقَهُوْنَ تَسْبِیْحَهُمْؕ-اِنَّهٗ كَانَ حَلِیْمًا غَفُوْرًا(۴۴)
اس کی پاکی بولتے ہیں ساتوں آسمان اور زمین اور جو کوئی ان میں ہیں (ف۹۴) اور کوئی چیز نہیں (ف۹۵) جو اسے سراہتی ہوتی اس کی پاکی نہ بولے (ف۹۶) ہاں تم ان کی تسبیح نہیں سمجھتے (ف۹۷) بیشک وہ حلم والا بخشنے والا ہے (ف۹۸)
ثم بين - سبحانه - أن جميع الكائنات تسبح بحمده فقال - تعالى - : ( تُسَبِّحُ لَهُ السماوات السبع والأرض وَمَن فِيهِنَّ وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ ولكن لاَّ تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ ) .والتسبيح : مأخوذ من السبح ، وهو المر السريع فى الماء أو فى الهواء ، فالمسبح مسرع فى تنزيه الله وتبرئته من السوء ، ومن كل ما لا يليق به - سبحانه - .أى تنزه الله - تعالى - وتمجده السموات السبع ، والأرض ، ومن فيهن من الإِنس والجن والملائكة وغير ذلك ، وما من شئ من مخلوقاته التى لا تحصى إلا ويسبح بحمد خالقه - تعالى - ، ولكن أنتم يا بنى آدم ( ولكن لاَّ تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ ) لأن تسبيحهم بخلاف لغتكم ، وفوق مستوى فهمكم ، وإنما الذى يعلم تسبيحهم هو خالقهم عز وجل ، وصدق - سبحانه - إذ يقول : ( أَلاَ يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللطيف الخبير ) والمتدبر فى هذه الآية الكريمة ، يراها تبعث فى النفوس الخشية والرهبة من الخالق - عز وجل - ، لأنها تصرح تصريحا بليغا بأن كل جماد ، وكل حيوان ، وكل طير ، وكل حشرة . . بل كل كائن فى هذا الوجود يسبح بحمده - تعالى - .وهذا التصريح يحمل كل إنسان عاقل على طاعة الله ، وإخلاص العبادة له ، ومداومة ذكره . . حتى لا يكون - وهو الذى كرمه ربه وفضله - أقل من غيره طاعة لله - تعالى - .وقوله : ( إِنَّهُ كَانَ حَلِيماً غَفُوراً ) تذييل قصد به بيان فضل الله - تعالى - ورحمته بعباده مع تقصيرهم فى تسبيحه وذكره .أى : ( إِنَّهُ كَانَ حَلِيماًً ) لا يعاجل المقصر بالعقوبة ، بل يمهله لعله يرعوى وينزجر عن تقصيره ومعصيته ، ( غفورا ) لمن تاب وآمن وعمل صالحا واهتدى إلى صراطه المستقيم .هذا ، ومن العلماء من يرى أن تسبيح هذه الكائنات بلسان الحال .قال بعض العلماء تسبيح هذه الكائنات لله - تعالى - هو دلالتها - بإمكانها وحدوثها ، وتغير شئونها ، وبديع صنعها - على وجود مبدعها ، ووحدته وقدرته ، وتنزهه عن لوازم الإِمكان والحدوث ، كما يدل الأثر على المؤثر .فهي دلالة بلسان الحال، لا يفقهها إلا ذوو البصائر. أما الكافرون فلا يفقهون هذا التسبيح، لفرط جهلهم وانطماس بصيرتهم.. .ومنهم من يرى أن تسبيحها بلسان المقال، أى أن التسبيح بمعناه الحقيقي، فالكل يسبح بحمد الله، ولكن بلغته الخاصة التي لا يفهمها الناس.قال الإمام ابن كثير ما ملخصه: وقوله: وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ أى: وما من شيء من المخلوقات إلا يسبح بحمد الله وَلكِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ أى: لا تفقهون تسبيحهم- أيها الناس- لأنها بخلاف لغتكم وهذا عام في الحيوانات والنبات والجماد.وهذا أشهر القولين كما ثبت في صحيح البخاري وغيره، عن ابن مسعود أنه قال: كنا نسمع تسبيح الطعام وهو يؤكل.وفي حديث أبى ذر: أن النبي صلى الله عليه وسلم أخذ في يده حصيات، فسمع لهن تسبيح كحنين النحل. وكذا في يد أبى بكر وعمر وعثمان- رضى الله عنهم- وهو حديث مشهور في المسانيد ...ثم قال ويشهد لهذا القول آية السجدة في أول سورة الحج- وهو قوله- تعالى-:لَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ، وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ، وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ، وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذابُ.. .وقال القرطبي: قوله- تعالى-: تُسَبِّحُ لَهُ السَّماواتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ أعاد على السموات والأرض ضمير من يعقل، لما أسند إليها فعل العاقل وهو التسبيح. وقوله وَمَنْ فِيهِنَّ يريد الملائكة والإنس والجن، ثم عمم بعد ذلك الأشياء كلها في قوله:وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ.واختلف في هذا العموم هل هو مخصص أولا. فقالت فرقة: ليس مخصوصا، والمراد به تسبيح الدلالة، كل محدث يشهد على نفسه بأن الله- عز وجل- خالق قادر.وقالت طائفة: هذا التسبيح حقيقة، وكل شيء على العموم يسبح تسبيحا لا يسمعه البشر: ولا يفقهونه، ولو كان ما قاله الأولون من أنه أثر الصفة والدلالة، لكان أمرا مفهوما، والآية تنطق بأن هذا التسبيح لا يفقه..ويستدل لهذا القول من الكتاب بقوله- تعالى-: وَلَقَدْ آتَيْنا داوُدَ مِنَّا فَضْلًا يا جِبالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَالطَّيْرَ ...وقوله- تعالى-: وَاذْكُرْ عَبْدَنا داوُدَ ذَا الْأَيْدِ إِنَّهُ أَوَّابٌ. إِنَّا سَخَّرْنَا الْجِبالَ مَعَهُ يُسَبِّحْنَ بِالْعَشِيِّ وَالْإِشْراقِ.ثم قال: فالصحيح أن الكل يسبح للأخبار الدالة على ذلك، ولو كان ذلك التسبيح تسبيح دلالة، فأى تخصيص لداود، وإنما ذلك تسبيح المقال، بخلق الحياة والإنطاق بالتسبيح. وقد نصت السنة على ما دل عليه ظاهر القرآن من تسبيح كل شيء فالقول به أولى .والذي تطمئن إليه النفس أن التسبيح حقيقى وبلسان المقال، لأن هذا هو الظاهر من الآية الكريمة، ولأن الآيات القرآنية والأحاديث النبوية تؤيد ذلك.
وَ اِذَا قَرَاْتَ الْقُرْاٰنَ جَعَلْنَا بَیْنَكَ وَ بَیْنَ الَّذِیْنَ لَا یُؤْمِنُوْنَ بِالْاٰخِرَةِ حِجَابًا مَّسْتُوْرًاۙ(۴۵)
اور اے محبوب! تم نے قرآن پڑھا ہم نے تم پر اور ان میں کہ آخرت پر ایمان ہیں لاتے ایک چھپا ہوا پردہ کردیا (ف۹۹)
والخطاب في قوله- تعالى-: وَإِذا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ ... للرسول صلى الله عليه وسلم وقوله حِجاباً من الحجب بمعنى المنع.قال صاحب المصباح: حجبه حجبا- من باب قتل-: منعه. ومنه قيل للستر:حجاب لأنه يمنع المشاهدة. وقيل للبواب: حاجب، لأنه يمنع من الدخول. والأصل في الحجاب: جسم حائل بين جسدين، وقد استعمل في المعاني فقيل: العجز حاجب، أى: بين الإنسان ومراده.. .وقوله مَسْتُوراً ساترا، فهو من إطلاق اسم المفعول وإرادة اسم الفاعل. كميمون بمعنى يامن. ومشئوم بمعنى شائم.واختار بعضهم أن مستورا على معناه الظاهر، من كونه اسم مفعول، لأن ذلك الحجاب مستور عن أعين الناس فلا يرونه، أو مستورا به القارئ فلا يراه غيره، ويجوز أن يكون مستورا، أى: ذا ستر فهو للنسب كمكان مهول: ذو هول..وللمفسرين في تفسير هذه الآية أقوال، أشهرها قولان:أولهما يرى أصحابه، أن المراد بالحجاب المستور: ما حجب الله به قلوب هؤلاء الكافرين عن الانتفاع بهدى القرآن الكريم، بسبب جحودهم وجهلهم وإصرارهم على كفرهم. فهو حجاب معنوي خفى، حال بينهم وبين الانتفاع بالقرآن.فهم يستمعون إليه، ولكنهم يجاهدون قلوبهم ألا ترق له، ويمانعون فطرتهم عن التأثر به، فكان استماعهم له كعدمه، وعاقبهم الله على ذلك بأن طمس بصائرهم عن فقهه.والمعنى: وإذا قرأت- أيها الرسول الكريم- القرآن الهادي إلى الطريق التي هي أقوم، جعلنا- بقدرتنا، ومشيئتنا-، بينك وبين الذين لا يؤمنون بالآخرة، حجابا يحجبهم ويمنعهم عن إدراك أسراره وهداياته، وساترا بينك وبينهم، بحيث لا يصل القرآن إلى قلوبهم وصول انتفاع وهداية.ويشهد لهذا المعنى قوله- تعالى-: وَقالُوا قُلُوبُنا فِي أَكِنَّةٍ مِمَّا تَدْعُونا إِلَيْهِ وَفِي آذانِنا وَقْرٌ، وَمِنْ بَيْنِنا وَبَيْنِكَ حِجابٌ، فَاعْمَلْ إِنَّنا عامِلُونَ .ومن المفسرين الذين اكتفوا بهذا القول، فلم يذكروا غيره، الإمام البيضاوي، فقد قال- رحمه الله: قوله: وإذا قرأت القرآن جعلنا بينك وبين الذين لا يؤمنون بالآخرة حجابا يحجبهم عن فهم ما تقرؤه عليهم مَسْتُوراً ذا ستر: كقوله- تعالى-: إِنَّهُ كانَ وَعْدُهُ مَأْتِيًّا أى مستورا عن الحس.. .أما القول الثاني فيرى أصحابه: أن المراد بالحجاب المستور، أن الله- تعالى- يحجب نبيه صلى الله عليه وسلم عن أعين المشركين، بحيث لا يرونه في أوقات معينة، لحكم منها: النجاة من شرورهم.فيكون المعنى: وإذا قرأت القرآن- أيها الرسول الكريم- جعلنا بينك وبين هؤلاء الكافرين، حجابا ساترا لك عنهم بحيث لا يرونك، عند ما تكون المصلحة في ذلك.وقد استشهد أصحاب هذا القول بما أخرجه الحافظ أبو يعلى عن أسماء بنت أبى بكر قالت: لما نزلت سورة تَبَّتْ يَدا أَبِي لَهَبٍ جاءت العوراء أم جميل ولها ولولة، وفي يدها فهر- أى حجر- وهي تقول: مذمّما أتينا، وأمره عصينا، ودينه قلينا ورسول الله صلى الله عليه وسلم جالس، وأبو بكر إلى جنبه.فقال أبو بكر: يا رسول الله، لقد أقبلت هذه وأخاف أن تراك، فقال صلى الله عليه وسلم: «إنها لن تراني» وقرأ قرآنا اعتصم به منها، ومما قرأه-: وَإِذا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ جَعَلْنا بَيْنَكَ وَبَيْنَ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ حِجاباً مَسْتُوراً.فجاءت حتى قامت على أبى بكر، فلم تر النبي صلى الله عليه وسلم، فقالت: يا أبا بكر، بلغني أن صاحبك هجانى: فقال أبو بكر: لا ورب هذا البيت ما هجاك.فانصرفت وهي تقول: لقد علمت قريش أنى بنت سيدها .ومن المفسرين الذين استظهروا هذا القول، الإمام القرطبي، فقد قال بعد أن ذكر ما روى عن أسماء بنت أبى بكر- رضى الله عنهما-: وقال سعيد بن جبير: لما نزلت سورة تَبَّتْ يَدا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ جاءت امرأة أبى لهب إلى النبي صلى الله عليه وسلم ومعه أبو بكر، فقال أبو بكر لو تنحيت عنها لئلا تسمعك ما يؤذيك فإنها امرأة بذيّة.فقال صلى الله عليه وسلم: «إنه سيحال بيني وبينها» فلم تره. فقالت لأبى بكر: يا أبا بكر هجانا صاحبك.فقال أبو بكر: والله ما ينطق بالشعر ولا يقوله. فاندفعت راجعة. فقال أبو بكر:يا رسول الله، أما رأتك؟.قال: لا. ما زال ملك بيني وبينها يسترني حتى ذهبت.ثم قال القرطبي: وقيل: الحجاب المستور، طبع الله على قلوبهم حتى لا يفقهوه:ولا يدركوا ما فيه من الحكمة. قاله قتادة. وقال الحسن: أى أنهم لإعراضهم عن قراءتك، وتغافلهم عنك كمن بينك وبينه حجاب في عدم رؤيتهم لك، حتى كأن على قلوبهم أغطية ...ثم قال: والقول الأول أظهر في الآية .ويبدو لنا أن كلا القولين صحيح في ذاته، وأن كل واحد منهما يحكى حالات معينة، ويشهد لذلك ما نقله الجمل في حاشيته على الجلالين عن شيخه فقد قال- رحمه الله-. قوله:حِجاباً مَسْتُوراً، أى: ساترا لك عنهم فلا يرونك وهذا بالنسبة لبعضهم، كان يحجب بصره عن رؤية النبي صلى الله عليه وسلم إذا أراده بمكروه وهو يقرأ القرآن: وبعضهم كان يحجب قلبه عن إدراك معاني القرآن.. وبعضهم كان ينفر عند قراءة القرآن.. .
وَّ جَعَلْنَا عَلٰى قُلُوْبِهِمْ اَكِنَّةً اَنْ یَّفْقَهُوْهُ وَ فِیْۤ اٰذَانِهِمْ وَقْرًاؕ-وَ اِذَا ذَكَرْتَ رَبَّكَ فِی الْقُرْاٰنِ وَحْدَهٗ وَلَّوْا عَلٰۤى اَدْبَارِهِمْ نُفُوْرًا(۴۶)
اور ہم نے ان کے دلوں پر غلاف ڈال دیے ہیں کہ اسے نہ سمجھیں اور ان کے کانوں میں ٹینٹ (روئی) (ف۱۰۰) اور جب تم قرآن میں اپنے اکیلے رب کی یاد کرتے ہو وہ پیٹھ پھیر کر بھاگتے ہیں نفرت کرتے،
وقوله- تعالى-: وَجَعَلْنا عَلى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَفِي آذانِهِمْ وَقْراً وَإِذا ذَكَرْتَ رَبَّكَ فِي الْقُرْآنِ وَحْدَهُ وَلَّوْا عَلى أَدْبارِهِمْ نُفُوراً يؤكد أن المشركين كانوا طوائف متعددة بالنسبة لموقفهم من القرآن الكريم، ومن النبي صلى الله عليه وسلم.أى: وجعلنا على قلوب هؤلاء الذين لا يؤمنون بالآخرة أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ أى:أغطية تسترها وتمنعها من فقه القرآن الكريم، وفهمه فهما سليما.وجعلنا- أيضا-: فِي آذانِهِمْ وَقْراً أى: صمما وثقلا عظيما يمنعهم من سماعه سماعا ينفعهم.وقوله: - سبحانه-: وَإِذا ذَكَرْتَ رَبَّكَ فِي الْقُرْآنِ وَحْدَهُ وَلَّوْا عَلى أَدْبارِهِمْ نُفُوراً بيان لرذيلة أخرى من رذائلهم المتعددة.أى: وإذا ذكرت أيها الرسول الكريم- ربك في القرآن وحده، دون أن تذكر معه آلهتهم المزعومة انفضوا من حولك ورجعوا على أعقابهم نافرين شاردين كَأَنَّهُمْ حُمُرٌ مُسْتَنْفِرَةٌ. فَرَّتْ مِنْ قَسْوَرَةٍ.وبذلك ترى أن هاتين الآيتين قد صورتا قبائح المشركين المتنوعة أبلغ تصوير، لتزيد في فضيحتهم وجهلهم، ولتجعل المؤمنين يزدادون إيمانا على إيمانهم.
نَحْنُ اَعْلَمُ بِمَا یَسْتَمِعُوْنَ بِهٖۤ اِذْ یَسْتَمِعُوْنَ اِلَیْكَ وَ اِذْ هُمْ نَجْوٰۤى اِذْ یَقُوْلُ الظّٰلِمُوْنَ اِنْ تَتَّبِعُوْنَ اِلَّا رَجُلًا مَّسْحُوْرًا(۴۷)
ہم خوب جانتے ہیں جس لیے وہ سنتے ہیں (ف۱۰۱) جب تمہاری طرف کان لگاتے ہیں اور جب آپس میں مشورہ کرتے ہیں جبکہ ظالم کہتے ہیں تم پیچھے نہیں چلے مگر ایک ایسے مرد کے جس پر جادو ہوا (ف۱۰۲)
ثم ساق- سبحانه- ما يدل على كمال علمه. وأنه- تعالى- سيجازى هؤلاء الكافرين بما يستحقون من عقاب، فقال- عز وجل-: نَحْنُ أَعْلَمُ بِما يَسْتَمِعُونَ بِهِ. إِذْ يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ وَإِذْ هُمْ نَجْوى، إِذْ يَقُولُ الظَّالِمُونَ إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا رَجُلًا مَسْحُوراً.والباء في قوله- سبحانه-: بِما يَسْتَمِعُونَ متعلقة بأعلم، ومفعول يَسْتَمِعُونَ محذوف، تقديره، القرآن.قال الآلوسى: قوله: نَحْنُ أَعْلَمُ بِما يَسْتَمِعُونَ بِهِ أى: متلبسين به من اللغو والاستخفاف، والاستهزاء بك وبالقرآن. يروى أنه صلى الله عليه وسلم كان يقوم عن يمينه رجلان من بنى عبد الدار، وعن يساره رجلان منهم، فيصفقون ويصفرون ويخلطون عليه بالأشعار- إذا قرأ القرآن-.ويجوز أن تكون الباء للسببية أو بمعنى اللام. أى: نحن أعلم بما يستمعون بسببه أو لأجله من الهزء، وهم متعلقة بيستمعون.. وأفعل التفضيل في العلم والجهل يتعدى بالباء، وفي سوى ذلك يتعدى باللام، فيقال: هو أكسى للفقراء، والمراد من كونه- سبحانه- أعلم بذلك:الوعيد لهم.. .وإذ في قوله إِذْ يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ وَإِذْ هُمْ نَجْوى ظرف لأعلم.ولفظ نَجْوى مصدر بمعنى التناجي والمسارة في الحديث. وقد جعلوا عين النجوى على سبيل المبالغة، كما في قولهم: قوم عدل.ويجوز أن يكون جمع نجىّ، كقتلى جمع قتيل أى: وإذ هم متناجون في أمرك.والمعنى: نحن- أيها الرسول الكريم- على علم تام بأحوال المشركين عند استماعهم للقرآن الكريم. حين تتلوه عليهم، وبالطريقة التي يستمعون بها وبالغرض الذي من أجله يستمعون إليك. وعلى علم تام بأحوالهم حين يستمعون إليك فرادى: وحين يستمعون إليك ثم يتناجون فيما بينهم بالإثم والعدوان، والتواصي بمعصيتك.فالجملة الكريمة وعيد شديد للمشركين على استماعهم المصحوب بالاستهزاء والسخرية من الرسول صلى الله عليه وسلم ومن القرآن. وتسلية له صلى الله عليه وسلم عما أصابه منهم، وبيان لشمول علم الله- تعالى- لكل أحوالهم الظاهرة والخفية.وقوله- تعالى-: إِذْ يَقُولُ الظَّالِمُونَ إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا رَجُلًا مَسْحُوراً بدل من قوله- تعالى-: وَإِذْ هُمْ نَجْوى.والمسحور. هو الذي سحر فاختلط عقله، وزالت عنه الهيئة السوية.أى: ونحن أعلم بهؤلاء الأشقياء- أيضا- عند ما يقول بعضهم لبعض: لا تتبعوا محمدا صلى الله عليه وسلم فيما يدعو إليه، فإنكم إن اتبعتموه تكونون قد اتبعتم رجلا مسحورا، أصابه السحر فأخرجه عن وعيه وعقله.وقال- سبحانه-: إِذْ يَقُولُ الظَّالِمُونَ بالإظهار دون الإضمار، لتسجيل الظلم عليهم فيما تفوهوا به، وأنهم سيستحقون عقوبة الظالم.
اُنْظُرْ كَیْفَ ضَرَبُوْا لَكَ الْاَمْثَالَ فَضَلُّوْا فَلَا یَسْتَطِیْعُوْنَ سَبِیْلًا(۴۸)
دیکھو انہوں نے تمہیں کیسی تشبیہیں دیں تو گمراہ ہوئے کہ راہ نہیں پاسکتے،
وقوله- تعالى-: انْظُرْ كَيْفَ ضَرَبُوا لَكَ الْأَمْثالَ فَضَلُّوا فَلا يَسْتَطِيعُونَ سَبِيلًا تسلية عظيمة للرسول صلى الله عليه وسلم، وتثبيت له وللمؤمنين على الطريق الحق الذي هداهم الله- تعالى- إليه.أى: انظر وتأمل- أيها الرسول الكريم- كيف أن هؤلاء المشركين. قد بلغ بهم الجحود والفجور، أنهم مثلوا لك الأمثال، فوصفوك تارة بأنك مسحور، وتارة بأنك شاعر.وهم في وصفهم هذا، قد ضلوا عن الحق ضلالا بعيدا، وصاروا كالحيران الذي التبست عليه الطرق، فأمسى لا يعرف السبيل الذي يسلكه.هذا، وقد ذكر الإمام ابن كثير رحمة الله- عند تفسيره لهذه الآيات، ما يدل على أن المشركين كانوا يستمعون إلى الرسول صلى الله عليه وسلم عند قراءته للقرآن.فقال: قال محمد بن إسحاق في السيرة: حدثني محمد بن مسلم بن شهاب الزهري، أنه حدّث أن أبا سفيان بن حرب، وأبا جهل بن هشام، والأخنس بن شريق.. خرجوا ليلة ليستمعوا من رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يصلى بالليل في بيته، فأخذ كل واحد منهم مجلسا يستمع فيه، وكل لا يعلم بمكان صاحبه، فباتوا يستمعون له، حتى إذا طلع الفجر تفرقوا.حتى إذا جمعتهم الطريق، تلاوموا، وقال بعضهم لبعض: لا تعودوا، فلو رآكم بعض سفهائكم لأوقعتم في نفسه شيئا، ثم انصرفوا.حتى إذا كانت الليلة التالية، عاد كل رجل منهم إلى مجلسه، فباتوا يستمعون له، حتى إذا طلع الفجر تفرقوا. حتى إذا جمعتهم الطريق، قال بعضهم لبعض مثل ما قال أول مرة، ثم انصرفوا.حتى إذا كانت الليلة الثالثة، أخذ كل رجل منهم مجلسه. فباتوا يستمعون له، حتى إذا طلع الفجر تفرقوا، فجمعهم الطريق، فقال بعضهم لبعض لا نبرح حتى نتعاهد لا نعود فتعاهدوا على ذلك ثم تفرقوا.فلما أصبح الأخنس بن شريق أخذ عصاه، ثم خرج حتى أتى أبا سفيان بن حرب في بيته، فقال: أخبرنى يا أبا حنظلة عن رأيك فيما سمعت من محمد صلى الله عليه وسلم؟ فقال أبو سفيان: يا أبا ثعلبة، والله لقد سمعت أشياء أعرفها وأعرف ما يراد بها، وسمعت أشياء ما عرفت معناها. ولا ما يراد بها.فقال الأخنس: وأنا والذي حلفت به، قال: ثم خرج من عنده حتى أتى أبا جهل.فدخل عليه بيته فقال: يا أبا الحكم، ما رأيك فيما سمعت من محمد صلى الله عليه وسلم؟ قال: ماذا سمعت؟ تنازعنا نحن وبنو عبد مناف الشرف: أطعموا فأطعمنا، وحملوا فحملنا، وأعطوا فأعطينا، حتى إذا تجاثينا على الركب، وكنا كفرسي رهان قالوا: منّا نبي يأتيه الوحى من السماء، فمتى ندرك هذه؟ والله لا نؤمن به أبدا ولا نصدقه. قال: فقام عنه الأخنس وتركه .ثم حكى- سبحانه- أقوالهم الباطلة، في شأن البعث والحساب يوم القيامة ورد عليها بما يزهق باطلهم، فقال- تعالى-:
وَ قَالُوْۤا ءَاِذَا كُنَّا عِظَامًا وَّ رُفَاتًا ءَاِنَّا لَمَبْعُوْثُوْنَ خَلْقًا جَدِیْدًا(۴۹)
اور بولے کیا جب ہم ہڈیاں اور ریزہ ریزہ ہوجائیں گے کیا سچ مچ نئے بن کر اٹھیں گے (ف۱۰۳)
قال الإمام الرازي: اعلم أنه تعالى لما تكلم أولا في الإلهيات، ثم أتبعه بذكر شبهاتهم في النبوات، ذكر في هذه الآية شبهات القوم في إنكار المعاد والبعث والقيامة.. .والرفات: ما تكسر وبلى من كل شيء كالفتات. يقال: رفت فلان الشيء يرفته- بكسر الفاء وضمها-، إذا كسره وجعله يشبه التراب.والاستفهام في قوله- تعالى-: أَإِذا كُنَّا ... وفي قوله أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ..للاستبعاد والإنكار.أى: وقال الكافرون المنكرون لوحدانية الله- تعالى-، ولنبوة النبي صلى الله عليه وسلم، وللبعث والحساب، قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم على سبيل الإنكار والاستبعاد، أإذا كنا يا محمد، عظاما بالية، ورفاتا يشبه التراب في تفتته ودقته، أإنا لمعادون إلى الحياة مرة أخرى، بحيث تعود إلينا أرواحنا، وتدب الحياة فينا ثانية، ونبعث على هيئة خلق جديد، غير الذي كنا عليه في الدنيا؟.وقولهم هذا، يدل على جهلهم المطبق، بقدرة الله- تعالى- التي لا يعجزها شيء، وكرر- سبحانه- الاستفهام في الآية الكريمة، للإشعار بإيغالهم في الجحود والإنكار.والعامل في إِذا محذوف، والتقدير: أنبعث أو أنحشر إذا كنا عظاما ورفاتا، وقد دل على هذا المحذوف قوله- تعالى-: أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ.
وقوله- سبحانه-: قُلْ كُونُوا حِجارَةً أَوْ حَدِيداً أَوْ خَلْقاً مِمَّا يَكْبُرُ فِي صُدُورِكُمْ أمر من الله- تعالى- لرسوله صلى الله عليه وسلم بالرد عليهم فيما استبعدوه وأنكروه من إعادتهم الى الحياة بعد موتهم.أى: قل لهم- أيها الرسول الكريم- على سبيل الرد على استبعادهم، والتحقير من شأنهم، والتعجيز لهم: «كونوا» - إن استطعتم- حِجارَةً كالتي تعبدونها من دون الله، أَوْ حَدِيداً كالذي تستعملونه في شئون حياتكم،
اَوْ خَلْقًا مِّمَّا یَكْبُرُ فِیْ صُدُوْرِكُمْۚ-فَسَیَقُوْلُوْنَ مَنْ یُّعِیْدُنَاؕ-قُلِ الَّذِیْ فَطَرَكُمْ اَوَّلَ مَرَّةٍۚ-فَسَیُنْغِضُوْنَ اِلَیْكَ رُءُوْسَهُمْ وَ یَقُوْلُوْنَ مَتٰى هُوَؕ-قُلْ عَسٰۤى اَنْ یَّكُوْنَ قَرِیْبًا(۵۱)
یا اور کوئی مخلوق جو تمہارے خیال میں بڑی ہو (۱۰۴) تو اب کہیں گے ہمیں کون پھر پیدا کرتے گا، تم فرماؤ وہی جس نے تمہیں پہلی بار پیدا کیا، تو اب تمہاری طرف مسخرگی سے سر ہِلا کر کہیں گے یہ کب ہے (ف۱۰۵) تم فرماؤ شاید نزدیک ہی ہو،
أَوْ كونوا خَلْقاً أى:مخلوقا سوى الحجارة والحديد مِمَّا يَكْبُرُ أى: يعظم ويستبعد- فِي صُدُورِكُمْ المظلمة- قبوله للحياة، قل لهم: كونوا أى شيء من ذلك أو غيره إن استطعتم، فإن الله- تعالى- لا يعجزه أن يعيدكم إلى الحياة مرة أخرى، لكي يحاسبكم على أعمالكم، ويجازيكم عليها بما تستحقون من عقاب.فالمقصود من الجملة الكريمة، بيان أن قدرة الله- تعالى- لا يعجزها شيء..قال الجمل: أجابهم الله- تعالى- بما معناه: تحولوا بعد الموت إلى أى صفة تزعمون أنها أشد منافاة للحياة، وأبعد عن قبولها، كصفة الحجرية والحديدية ونحوهما. فليس المراد الأمر، بل المراد أنكم لو كنتم كذلك لما أعجزتم الله- تعالى- عن الإعادة .وقوله- تعالى-: فَسَيَقُولُونَ مَنْ يُعِيدُنا أى: فسيقولون لك- أيها الرسول الكريم- من يعيدنا إلى الحياة مرة أخرى بعد أن نكون حجارة أو حديدا أو غيرهما؟.وقوله- سبحانه-: قُلِ الَّذِي فَطَرَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ رد على جهالاتهم وإنكارهم للبعث والحساب.أى: قل لهم: الله- تعالى- الذي فطركم وخلقكم، أول مرة، على غير مثال سابق، قادر على أن يعيدكم الى الحياة مرة أخرى. كما قال- تعالى-: وَهُوَ الَّذِي يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ، وَلَهُ الْمَثَلُ الْأَعْلى فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ .ثم بين- سبحانه- ما يكون منهم من استهزاء وسوء أدب عند ما يسمعون من الرسول صلى الله عليه وسلم هذه الإجابات السديدة، فقال: فَسَيُنْغِضُونَ إِلَيْكَ رُؤُسَهُمْ وَيَقُولُونَ مَتى هُوَ ...أى: فسيحركون إليك رءوسهم عند ما يسمعون ردك عليهم، ويقولون على سبيل الاستهزاء والسخرية والتكذيب: متى هو؟ أى ما ذكرته من الإعادة بعد الموت، أو متى هو ذلك اليوم الذي سنعود فيه إلى الحياة بعد أن نصير عظاما ورفاتا.فالجملة الكريمة تصور تصويرا بليغا ما جبلوا عليه من تكذيب بيوم القيامة ومن استهزاء بمن يذكرهم بأحوال ذلك اليوم العصيب. ومن استبعاد لحصوله كما قال- تعالى-: حكاية عنهم في آية أخرى: وَيَقُولُونَ مَتى هذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ.وقوله- تعالى-: قُلْ عَسى أَنْ يَكُونَ قَرِيباً تذييل قصد به التهديد والوعيد لهم.أى: قل لهم- أيها الرسول الكريم- على سبيل التأنيب والوعيد: عسى هذا اليوم الذي تستبعدون حصوله، يكون قريبا جدا وقوعه.ولا شك في أنه قريب، لأن عسى في كلام الله- تعالى- لما هو محقق الوقوع، وكل ما هو محقق الوقوع فهو قريب، ولأن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: «بعثت أنا والساعة كهاتين» - وأشار بالسبابة والوسطى.
یَوْمَ یَدْعُوْكُمْ فَتَسْتَجِیْبُوْنَ بِحَمْدِهٖ وَ تَظُنُّوْنَ اِنْ لَّبِثْتُمْ اِلَّا قَلِیْلًا۠(۵۲)
جس دن وہ تمہیں بُلائے گا (ف۱۰۶) تو تم اس کی حمد کرتے چلے آؤ گے اور (ف۱۰۷) سمجھو گے کہ نہ رہے (۱۰۸) تھے مگر تھوڑا،
ثم بين- سبحانه- أحوالهم عند ما يدعون في هذا اليوم الهائل الشديد فقال: يَوْمَ يَدْعُوكُمْ فَتَسْتَجِيبُونَ بِحَمْدِهِ....والظرف يَوْمَ منصوب بفعل مضمر أى: اذكروا يوم يدعوكم.. ويجوز أن يكون منصوبا على البدلية من قَرِيباً.والداعي لهم هو «إسرافيل» - عليه السلام- عند ما يأذن الله- تعالى- له بالنفخ في الصور، كما قال- تعالى-: وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّماواتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شاءَ اللَّهُ، ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرى فَإِذا هُمْ قِيامٌ يَنْظُرُونَ .وكما قال- سبحانه-: فَتَوَلَّ عَنْهُمْ يَوْمَ يَدْعُ الدَّاعِ إِلى شَيْءٍ نُكُرٍ. خُشَّعاً أَبْصارُهُمْ يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْداثِ كَأَنَّهُمْ جَرادٌ مُنْتَشِرٌ. مُهْطِعِينَ إِلَى الدَّاعِ يَقُولُ الْكافِرُونَ هذا يَوْمٌ عَسِرٌ .وقوله بِحَمْدِهِ حال من ضمير المخاطبين وهم الكفار، والباء للملابسة.أى: اذكروا- أيها المكذبون- يوم يدعوكم الداعي إلى البعث والنشور فتلبون نداءه بسرعة وانقياد، حال كونكم حامدين الله- تعالى- على كمال قدرته، وناسين ما كنتم تزعمون في الدنيا من أنه لا بعث ولا حساب.قال صاحب الكشاف: وقوله بِحَمْدِهِ حال منهم. أى: حامدين، وهي مبالغة في انقيادهم للبعث، كقولك لمن تأمره بركوب ما يشق عليه فيتأبى ويتمنع، ستركبه وأنت حامد شاكر، يعنى: أنك تحمل عليه وتقسر قسرا. حتى أنك تلين لين المسمح- أى الذليل- الراغب فيه، الحامد عليه.وعن سعيد بن جبير: ينفضون التراب عن رءوسهم ويقولون: سبحانك اللهم وبحمدك .وقوله: فَتَسْتَجِيبُونَ بمعنى تجيبون، إلا أن الاستجابة تقتضي طلب الموافقة، فهي أوكد من الإجابة، وأسرع في التلبية.وجملة «وتظنون إن لبثتم إلا قليلا» حالية، أى: والحال أنك تظنون عند بعثكم أنكم ما لبثتم في الدنيا أو في قبوركم إلا زمنا قليلا.قال قتادة: إن الدنيا تحقرت في أعينهم وقلّت، حين رأوا يوم القيامة، لهول ما يرون فقالوا هذه المقالة.وشبيه بهذه الآية قوله- تعالى-:.. كَمْ لَبِثْتُمْ فِي الْأَرْضِ عَدَدَ سِنِينَ. قالُوا لَبِثْنا يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ فَسْئَلِ الْعادِّينَ .وقوله- تعالى-: وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَإِذا هُمْ مِنَ الْأَجْداثِ إِلى رَبِّهِمْ يَنْسِلُونَ. قالُوا يا وَيْلَنا مَنْ بَعَثَنا مِنْ مَرْقَدِنا؟ هذا ما وَعَدَ الرَّحْمنُ وَصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ .وقوله- تعالى-: كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَها لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا عَشِيَّةً أَوْ ضُحاها .ثم ترك القرآن الكريم أولئك الذين كفروا بالبعث والنشور في طغيانهم يعمهون، ووجه خطابه إلى المؤمنين، آمرا إياهم بأن يقولوا الكلمة الطيبة، ومبينا لهم ولغيرهم، أن مصائرهم بيد الله- تعالى- وحده، فقال- تعالى-:
وَ قُلْ لِّعِبَادِیْ یَقُوْلُوا الَّتِیْ هِیَ اَحْسَنُؕ-اِنَّ الشَّیْطٰنَ یَنْزَغُ بَیْنَهُمْؕ-اِنَّ الشَّیْطٰنَ كَانَ لِلْاِنْسَانِ عَدُوًّا مُّبِیْنًا(۵۳)
اور میرے (ف۱۰۹) بندوں سے فرماؤ (ف۱۱۰) وہ بات کہیں جو سب سے اچھی ہو (ف۱۱۱) بیشک شیطان ان کے آپس میں فساد ڈالتا ہے، بیشک شیطان آدمی کا کھلا دشمن ہے،
قال القرطبي: قوله- تعالى-: وَقُلْ لِعِبادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ... الآية نزلت في عمر بن الخطاب. وذلك أن رجلا من العرب شتمه، وسبه عمر وهمّ بقتله، فكادت تثير فتنة، فأنزل الله فيه: وَقُلْ لِعِبادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ.وقيل: نزلت لما قال المسلمون: ائذن لنا يا رسول الله في قتال المشركين، فقد طال إيذاؤهم لنا فقال: «لم أومر بعد بالقتال» .والمعنى: قل- أيها الرسول الكريم- لعبادي المؤمنين، أن يقولوا عند محاورتهم لغيرهم، الكلمة التي هي أحسن، والعبارة التي هي أرق وألطف.وذلك لأن الكلمة الطيبة، تزيد في المودة التي بين المؤمنين، وتكسر حدة العداوة التي بينهم وبين أعدائهم.قال- تعالى-: وَلا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ، ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ، فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَداوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ .قال الآلوسى: ومقول فعل الأمر محذوف، أى: قل لهم قولوا التي هي أحسن يقولوا ذلك. فجزم يقولوا لأنه جواب الأمر. وإلى هذا ذهب الأخفش.وقال الزجاج: إن قوله يَقُولُوا هو المقول، وجزمه بلام الأمر محذوفة، أى: قل لهم ليقولوا ... .وقوله- سبحانه-: إِنَّ الشَّيْطانَ يَنْزَغُ بَيْنَهُمْ تعليل للأمر السابق.أى: إن الشيطان يتربص بكم، ويتلمس السقطات التي تقع من أفواهكم، والعثرات التي تنطق بها ألسنتكم، لكي يشيع الشر بينكم، ويبذر بذور الشر والبغضاء في صفوفكم، ويهيج أعداءكم عليكم.وينزغ بمعنى يفسد. يقال: نزغه- كنفعه- ينزغه، إذا طعن فيه واغتابه، وقوله:إِنَّ الشَّيْطانَ كانَ لِلْإِنْسانِ عَدُوًّا مُبِيناً تعليل لحرص الشيطان على الإفساد بينهم.أى إن الشيطان حريص على الإفساد بين الناس، لأنه ظاهر العداوة لهم منذ القدم ولقد حذرنا الله- سبحانه- من الشيطان وكيده في كثير من آيات القرآن الكريم، ومن ذلك قوله- تعالى-: إِنَّ الشَّيْطانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا، إِنَّما يَدْعُوا حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحابِ السَّعِيرِ .وقوله- تعالى-: يا بَنِي آدَمَ لا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطانُ كَما أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ يَنْزِعُ عَنْهُما لِباسَهُما لِيُرِيَهُما سَوْآتِهِما. إِنَّهُ يَراكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لا تَرَوْنَهُمْ إِنَّا جَعَلْنَا الشَّياطِينَ أَوْلِياءَ لِلَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ .قال الإمام ابن كثير ما ملخصه: يأمر الله- تبارك وتعالى- عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم أن يأمر عباد الله المؤمنين، أن يقولوا في مخاطباتهم ومحاوراتهم الكلام الأحسن، والكلمة الطيبة، فإنهم إن لم يفعلوا ذلك نزغ الشيطان بينهم، وأخرج الكلام إلى الفعال، ووقع الشر والمخاصمة والمقاتلة، فإنه عدو لآدم وذريته.. وعداوته ظاهرة بينة، ولهذا نهى أن يشير الرجل إلى أخيه المسلم بحديدة، فإن الشيطان ينزغ في يده. أى: فربما أصابه بها.روى الإمام أحمد عن أبى هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا يشيرن أحدكم إلى أخيه بالسلاح، فإنه لا يدرى أحدكم، لعل الشيطان أن ينزغ في يده، فيقع في حفرة من النار .
رَبُّكُمْ اَعْلَمُ بِكُمْؕ-اِنْ یَّشَاْ یَرْحَمْكُمْ اَوْ اِنْ یَّشَاْ یُعَذِّبْكُمْؕ-وَ مَاۤ اَرْسَلْنٰكَ عَلَیْهِمْ وَكِیْلًا(۵۴)
تمہارا رب تمہیں خوب جانتا ہے، وہ چاہے تو تم پر رحم کرے (ف۱۱۲) چاہے تو تمہیں عذاب کرے، اور ہم نے تم کو ان پر کڑوڑا (حاکمِ اعلیٰ) بناکر نہ بھیجا (ف۱۱۳)
ثم بين- سبحانه- أن مصير جميع الخلائق إليه، وأنه محيط بأحوالهم فقال. رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِكُمْ، إِنْ يَشَأْ يَرْحَمْكُمْ، أَوْ إِنْ يَشَأْ يُعَذِّبْكُمْ ...أى: ربكم- أيها الناس- أعلم بكم من أنفسكم، وهو- سبحانه- إن يشأ بفضله يرحمكم، بأن يوفقكم لطاعته وتقواه، وإن يشأ بعدله يعذبكم، بسبب معاصيكم وفسوقكم عن أمره، لا يسأل- عز وجل- عما يفعل، أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعالَمِينَ.وقوله- تعالى-: وَما أَرْسَلْناكَ عَلَيْهِمْ وَكِيلًا بيان لوظيفة الرسول صلى الله عليه وسلم.أى: وما أرسلناك- أيها الرسول الكريم- إلى الناس، لتكون حفيظا ورقيبا. وموكولا إليك أمرهم في إجبارهم وإكراههم على الدخول في الإسلام، وإنما أرسلناك شاهدا ومبشرا ونذيرا. وداعيا إلى الله بإذنه وسراجا منيرا.
وَ رَبُّكَ اَعْلَمُ بِمَنْ فِی السَّمٰوٰتِ وَ الْاَرْضِؕ-وَ لَقَدْ فَضَّلْنَا بَعْضَ النَّبِیّٖنَ عَلٰى بَعْضٍ وَّ اٰتَیْنَا دَاوٗدَ زَبُوْرًا(۵۵)
اور تمہارا رب خوب جانتا ہے جو کوئی آسمانوں اور زمین میں ہیں (ف۱۱۴) اور بیشک ہم نے نبیوں میں ایک کو ایک پر بڑائی دی (ف۱۱۵) اور داؤد کو زبور عطا فرمائی (ف۱۱۶)
ثم انتقل- سبحانه- من بيان كمال علمه بأحوال الناس، إلى بيان كمال علمه بجميع من في السموات والأرض، فقال- تعالى-: وَرَبُّكَ أَعْلَمُ بِمَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ.أى: وربك- أيها الرسول الكريم- أعلم بأحوال من في السموات والأرض من إنس وجن وملك، وغير ذلك، ولا يخفى عليه شيء من ظواهرهم أو بواطنهم، ولا يعزب عن علمه- تعالى- شيء من طاعتهم أو معصيتهم، ولا يعلم أحد سواه من هو أهل منهم للتشرف بحمل رسالته، وتبليغ وحيه كما قال: - تعالى-: اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسالَتَهُ.وقوله- سبحانه-: وَلَقَدْ فَضَّلْنا بَعْضَ النَّبِيِّينَ عَلى بَعْضٍ وَآتَيْنا داوُدَ زَبُوراً بيان لمظهر من مظاهر علمه المطلق، وفضله العميم: وعطائه الواسع.والزبور: هو الكتاب الذي أنزله الله- تعالى- على داود- عليه السلام.أى: ولقد فضلنا- على علم وحكمة منا- بعض النبيين على بعض، بأن جعلنا منهم من كلم الله، ومنهم من اتخذناه خليلا لنا، ومنهم من آتيناه البينات وأيدناه بروح القدس، ومنهم من آتيناه الزبور وهو داود- عليه السلام-.قال الإمام ابن كثير: وقوله- تعالى-: وَلَقَدْ فَضَّلْنا بَعْضَ النَّبِيِّينَ عَلى بَعْضٍ وقوله- تعالى-: تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنا بَعْضَهُمْ عَلى بَعْضٍ ... لا ينافي ما ثبت من الصحيحين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا تفضلوا بين الأنبياء» فإن المراد من ذلك هو التفضيل بمجرد التشهى والعصبية، لا بمقتضى الدليل، فإذا دل الدليل على شيء وجب اتباعه، ولا خلاف أن الرسل أفضل عن بقية الأنبياء، وأن أولى العزم منهم أفضلهم، وهم الخمسة المذكورون نصا في قوله- تعالى-: وَإِذْ أَخَذْنا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثاقَهُمْ وَمِنْكَ وَمِنْ نُوحٍ وَإِبْراهِيمَ وَمُوسى وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ...ولا خلاف في أن محمدا صلى الله عليه وسلم أفضلهم.. .وإنما خص كتاب داود بالذكر، لأن اليهود زعموا أنه لا نبي بعد موسى، ولا كتاب بعد التوراة، فكذبهم الله- تعالى- في ذلك، ولأن في هذا الإيتاء إشارة إلى أن تفضيل داود لم يكن بسبب ما أعطاه الله من ملك، بل بسبب ما أعطاه من كتاب فيه إشارة إلى تفضيل الرسول صلى الله عليه وسلم وأمته، قال- تعالى-: وَلَقَدْ كَتَبْنا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُها عِبادِيَ الصَّالِحُونَ .والمراد بالعباد الصالحين: محمد صلى الله عليه وسلم وأمته.قال صاحب الكشاف: فإن قلت: هلا عرف الزبور، كما عرف في قوله: وَلَقَدْ كَتَبْنا فِي الزَّبُورِ ... ؟.قلت: يجوز أن يكون الزبور وزبور، كالعباس وعباس، والفضل وفضل. ويجوز أن يريد: وآتينا داود بعض الزبر- وهي الكتب، وأن يريد ما ذكر فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم من الزبور، فسمى ذلك زبورا، لأنه بعضها كما سمى بعض القرآن قرآنا .ثم أمر الله- تعالى- نبيه صلى الله عليه وسلم أن يتحدى المشركين، بأن يبين لهم: أن آلهتهم المزعومة لا تملك دفع الضر عنهم، أو جلب الخير لهم، بل إن هذه الآلهة لتخاف عذاب الله، وترجو رحمته، فقال- سبحانه-:
قُلِ ادْعُوا الَّذِیْنَ زَعَمْتُمْ مِّنْ دُوْنِهٖ فَلَا یَمْلِكُوْنَ كَشْفَ الضُّرِّ عَنْكُمْ وَ لَا تَحْوِیْلًا(۵۶)
تم فرماؤ پکارو انہیں جن کو اللہ کے سوا گمان کرتے ہو تو وہ اختیار نہیں رکھتے تم سے تکلیف دو کرنے اور نہ پھیر دینے کا (ف۱۱۷)
أورد المفسرون في سبب نزول هاتين الآيتين روايات منها:قال ابن كثير: قال العوفى عن ابن عباس في قوله: قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِهِ....قال: كان أهل الشرك يقولون نعبد الملائكة والمسيح وعزيرا.وروى البخاري وغيره عن ابن مسعود في قوله: أُولئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ قال: كان ناس من الإنس يعبدون ناسا من الجن، فأسلم الجن وتمسك هؤلاء- أى الإنس- بدينهم..فنزلت هذه الآية .وقال القرطبي: لما ابتليت قريش بالقحط، وشكوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، أنزل الله هذه الآية: قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِهِ ... .والمراد بالزعم هنا: الظن الكاذب الذي لا أساس له من الحقيقة والواقع.قال الآلوسى ما ملخصه: والزعم قريب من الظن، ويقال إنه القول المشكوك فيه، ويستعمل بمعنى الكذب، حتى قال ابن عباس: كل ما ورد في القرآن زعم فهو كذب.وقد يطلق على القول المحقق، والصدق الذي لا شك فيه ... فقد ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «زعم جبريل كذا ... » .وهو مما يتعدى إلى مفعولين، وقد حذفا هنا، أى: زعمتموهم آلهة.. والظاهر أن المراد من الموصول- الذين- كل من عبد من دون الله من العقلاء» .والمعنى: قل- أيها الرسول الكريم- لهؤلاء الكافرين الذين أشركوا مع الله- تعالى- آلهة أخرى في العبادة. قل لهم على سبيل الإرشاد والتحدي: هذه الآلهة التي تعبدونها، اطلبوا منها أن تدفع عنكم ما نزل بكم من ضر كمرض أو فقر أو قحط أو أن تحوله منكم إلى غيركم ...فإذا لم تستطع ذلك- وهي بكل تأكيد لا تستطيع ولن تستطيع- فاتركوا عبادتها، وأخلصوا العبادة والطاعة لمن هو على كل شيء قدير، وهو الله- عز وجل-.واكتفى- سبحانه- بذكر كشف الضر، لأنه هو الذي تتطلع إليه النفوس عند نزول المصائب، أكثر من تطلعها إلى جلب النفع، إذ عند نزول الضر، لا تشتغل الألسنة والقلوب إلا برجاء كشفه.
اُولٰٓىٕكَ الَّذِیْنَ یَدْعُوْنَ یَبْتَغُوْنَ اِلٰى رَبِّهِمُ الْوَسِیْلَةَ اَیُّهُمْ اَقْرَبُ وَ یَرْجُوْنَ رَحْمَتَهٗ وَ یَخَافُوْنَ عَذَابَهٗؕ-اِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ كَانَ مَحْذُوْرًا(۵۷)
وہ مقبول بندے جنہیں یہ کافر پوجتے ہیں (ف۱۱۸) وہ آپ ہی اپنے رب کی طرف وسیلہ ڈھونڈتے ہیں کہ ان میں کون زیادہ مقرب ہے (ف۱۱۹) اس کی رحمت کی امید رکھتے اور اس کے عذاب سے ڈرتے ہیں (ف۱۲۰) بیشک تمہارے رب کا عذاب ڈر کی چیز ہے،
ثم بين- سبحانه- أن كل معبود- سوى الله- عز وجل- يفتقر إلى عونه- سبحانه-، وإلى رجاء الثواب منه، وإلى دفع العذاب عنه، فقال- تعالى- أُولئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ، وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخافُونَ عَذابَهُ..واسم الإشارة أُولئِكَ يعود على المعبودين من دون الله، وهو مبتدأ، وخبره. قوله:يَبْتَغُونَ وما عطف عليه من قوله: وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخافُونَ عَذابَهُ.والضمير في يَدْعُونَ يعود إلى المشركين، وفي يبتغون يعود إلى المعبودين وأَيُّهُمْ بدل من واو الفاعل في يبتغون، وأَقْرَبُ خبر لمبتدأ محذوف، تقديره: هو، أى:يبتغيها الذي هو أقرب، والجملة صلة أى.والوسيلة: ما يتقرب به الإنسان إلى خالقه من الأعمال الصالحة.والمعنى: أولئك المعبودون الذين يزعم المشركون أنهم آلهة. ويسمونهم أربابا، وينادونهم لكشف الضر عنهم، هؤلاء المعبودون يَبْتَغُونَ إِلى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ.أى: يتقربون إلى خالقهم ومالك أمرهم بصالح الأعمال، ويبتغى أكثرهم صلاحا وطاعة لله- تعالى- الرضا منه- عز وجل-.وإذا كان هذا شأن أكثرهم قربا فكيف يكون حال من هو أقل منه؟ لا شك أنه يكون أشد طلبا لرضا الله- تعالى- وعفوه، وأشد حرصا على طاعته.وقوله- تعالى- وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخافُونَ عَذابَهُ زيادة بيان لشدة حرص هؤلاء المعبودين على طاعة الله- تعالى- أى: وهم فوق ذلك يرجون رحمة الله- تعالى- وفضله، بأن يحشرهم مع الأبرار، ويخشون عذابه ونقمته، ويتضرعون إليه أن يجنبهم عذاب النار، وبالرجاء والخشية يحيا الصالحون الأخيار، إذ الرجاء يدفع المؤمن إلى الإكثار من العمل الصالح، والخشية تمنعه من الوقوع في المعاصي.وقوله- تعالى-: إِنَّ عَذابَ رَبِّكَ كانَ مَحْذُوراً تذييل قصد به التعليل لما قبله وهو خوف العذاب.أى: إن عذاب ربك كان جديرا وقمينا بأن يحذره، ويحترز منه كل عاقل.وقدم- سبحانه- الرجاء على الخوف، لأن متعلقه أسبق، ولأنه بجانب الله- تعالى- أظهر، ففي الحديث القدسي: «إن رحمتي سبقت غضبى» .هذا، وشبيه بهذه الآية قوله- تعالى-: قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ، لا يَمْلِكُونَ مِثْقالَ ذَرَّةٍ فِي السَّماواتِ وَلا فِي الْأَرْضِ، وَما لَهُمْ فِيهِما مِنْ شِرْكٍ، وَما لَهُ مِنْهُمْ مِنْ ظَهِيرٍ .وبذلك نرى أن هاتين الآيتين قد قررتا بأسلوب منطقي بليغ، أن الله- تعالى- هو الخالق لكل شيء، وأنه وحده هو المتصرف في شئون عباده، وأن كل مخلوق سواه- سبحانه- محتاج إلى عونه وعفوه ورضاه، وأن الذين زعمهم المشركون آلهة كعيسى وعزير والملائكة ...ما هم إلا من عباد الله الذين يبتغون إليه الوسيلة، ويرجون رحمته ويخافون عذابه.ثم ساق- سبحانه- سنة من سننه التي لا تتخلف، وبين جانبا من مظاهر فضله على هذه الأمة ونبيها صلى الله عليه وسلم. فقال- تعالى-:
وَ اِنْ مِّنْ قَرْیَةٍ اِلَّا نَحْنُ مُهْلِكُوْهَا قَبْلَ یَوْمِ الْقِیٰمَةِ اَوْ مُعَذِّبُوْهَا عَذَابًا شَدِیْدًاؕ-كَانَ ذٰلِكَ فِی الْكِتٰبِ مَسْطُوْرًا(۵۸)
اور کوئی بستی نہیں مگر یہ کہ ہم اسے روزِ قیامت سے پہلے نیست کردیں گے یا اسے سخت عذاب دیں گے (ف۱۲۱) یہ کتاب میں (ف۱۲۲) لکھا ہوا ہے،
والمقصود بالقرية في قوله- تعالى-: وَإِنْ مِنْ قَرْيَةٍ إِلَّا نَحْنُ مُهْلِكُوها قَبْلَ يَوْمِ الْقِيامَةِ أَوْ مُعَذِّبُوها عَذاباً شَدِيداً: قرى الكفار والظالمين، كما ذهب إلى ذلك بعض المفسرين، فيكون المعنى:وما من قرية من قرى الظالمين، إلا نحن مهلكوها قبل يوم القيامة بالموت أو الخراب، أو معذبوها عذابا شديدا، يستأصل شأفتها، ويقطع دابرها، كما فعلنا مع قوم نوح وعاد وثمود وغيرهم.ومن المفسرين الذين ساروا على ذلك، الإمام ابن كثير، فقد قال عند تفسيره لهذه الآية:هذا إخبار من الله- عز وجل-، بأنه قد حتم وقضى، بما كتب عنده في اللوح المحفوظ، أنه ما من قرية إلا سيهلكها بأن يبيد أهلها جميعهم، أو يعذبهم عذابا شديدا، إما بقتل أو ابتلاء بما يشاء، وإنما يكون ذلك بسبب ذنوبهم وخطاياهم، كما قال- تعالى- عن الأمم الماضية: وَكَذلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذا أَخَذَ الْقُرى وَهِيَ ظالِمَةٌ، إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ .ويرى آخرون، أن المقصود بالقرية هنا: القرى كلها سواء أكانت للمؤمنين أم للكافرين.ومن المفسرين الذين ذهبوا إلى ذلك الآلوسى- رحمه الله- فقد قال: قوله- تعالى-:وَإِنْ مِنْ قَرْيَةٍ الظاهر العموم، لأن إِنْ نافية، ومِنْ زائدة لاستغراق الجنس. أى: وما من قرية من القرى. إِلَّا نَحْنُ مُهْلِكُوها قَبْلَ يَوْمِ الْقِيامَةِ بإماتة أهلها حتف أنوفهم أَوْ مُعَذِّبُوها عَذاباً شَدِيداً بالقتل وأنواع البلاء.. وروى عن مقاتل أنه قال: الهلاك للصالحة والعذاب للطالحة ... » .ويبدو لنا أن الرأى الأول أقرب إلى الصواب، لأن هناك آيات كثيرة تؤيده، ومن ذلك قوله- تعالى-: وَما كُنَّا مُهْلِكِي الْقُرى إِلَّا وَأَهْلُها ظالِمُونَ . وقوله- سبحانه-:ذلِكَ أَنْ لَمْ يَكُنْ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرى بِظُلْمٍ وَأَهْلُها غافِلُونَ . وقوله- عز وجل-:وَما كانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرى بِظُلْمٍ وَأَهْلُها مُصْلِحُونَ ، ولأن الله- تعالى- قيد الإهلاك بكونه قبل يوم القيامة، وكونه كذلك يقتضى أنه للقرى الظالمة. إذ الإهلاك يوم القيامة يشمل جميع القرى، سواء أكان أهلها مؤمنين أم كافرين، بسبب انقضاء عمر الدنيا.وقوله- سبحانه-: كانَ ذلِكَ فِي الْكِتابِ مَسْطُوراً تأكيد لقضاء الله النافذ، وحكمه الثابت.أى: كانَ ذلِكَ الإهلاك والتعذيب، في الكتاب، وهو اللوح المحفوظ مَسْطُوراً أى: مكتوبا وثابتا.قال القرطبي: مَسْطُوراً أى: مكتوبا. والسطر: الخط والكتابة، وهو في الأصل مصدر. والسطر- بالتحريك- مثله، وجمعه أسطار، مثل سبب وأسباب، وجمع السطر- بسكون الطاء- أسطر وسطور مثل أفلس وفلوس. والكتاب هنا يراد به اللوح المحفوظ» .
وَ مَا مَنَعَنَاۤ اَنْ نُّرْسِلَ بِالْاٰیٰتِ اِلَّاۤ اَنْ كَذَّبَ بِهَا الْاَوَّلُوْنَؕ-وَ اٰتَیْنَا ثَمُوْدَ النَّاقَةَ مُبْصِرَةً فَظَلَمُوْا بِهَاؕ-وَ مَا نُرْسِلُ بِالْاٰیٰتِ اِلَّا تَخْوِیْفًا(۵۹)
اور ہم ایسی نشانیاں بھیجنے سے یوں ہی باز رہے کہ انہیں اگلوں نے جھٹلایا (ف۱۲۳) اور ہم نے ثمود کو (ف۱۲۴) ناقہ دیا آنکھیں کھولنے کو (ف۱۲۵) تو انہوں نے اس پر ظلم کیا (ف۱۲۶) اور ہم ایسی نشانیاں نہیں بھیجتے مگر ڈرانے کو (ف۱۲۷)
ثم بين- سبحانه- بعض مظاهر فضله على الأمة الإسلامية، ورحمته بها، فقال- تعالى-: وَما مَنَعَنا أَنْ نُرْسِلَ بِالْآياتِ إِلَّا أَنْ كَذَّبَ بِهَا الْأَوَّلُونَ....وقد ذكر المفسرون في سبب نزول هذه الآية آثارا منها ما أخرجه الإمام أحمد عن ابن عباس- رضى الله عنهما- قال: سأل أهل مكة رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يجعل لهم الصفا ذهبا، وأن ينحى الجبال عنهم فيزرعوا. فقيل له: إن شئت أن تستأنى بهم، وإن شئت أن يأتيهم الذي سألوا. فإن كفروا، هلكوا كما أهلكت من كان قبلهم من الأمم.فقال صلى الله عليه وسلم: «لا.. بل استأنى بهم» ، وأنزل الله قوله: وَما مَنَعَنا أَنْ نُرْسِلَ بِالْآياتِ إِلَّا أَنْ كَذَّبَ بِهَا الْأَوَّلُونَ ... .قال الآلوسى: والمنع لغة: كف الغير وقسره عن فعل يريد أن يفعله، ولاستحالة ذلك في حقه- تعالى- لاستلزامه العجز المحال المنافى للربوبية قالوا: إنه مستعار هنا للصرف والترك ... » .وقوله: أَنْ نُرْسِلَ في محل نصب لأنه مفعول ثان لمنعنا، أو في محل جر، على حذف الجار، أى: من أن نرسل، وقوله: إِلَّا أَنْ كَذَّبَ بِهَا في محل رفع لأنه فاعل منعنا، والتقدير: وما منعنا من إرسال الآيات إلا تكذيب الأولين.والمراد بالآيات: ما اقترحه المشركون على النبي صلى الله عليه وسلم من قلب الصفا ذهبا، ومن إزاحة الجبال عن مكة ليزرعوا مكانها ...والمعنى: وما كان سبب تركنا لإجابة المقترحات التي طلبها المشركون منك- أيها الرسول الكريم- إلا علمنا بأنهم سيكذبون بها إذا جاءتهم، كما كذب بأمثالها أشباههم الأولون، وفي هذه الحالة فإنهم سيستحقون مثلهم عذاب الاستئصال كما جرت بذلك سنتنا.وقد اقتضت حكمتنا ورحمتنا- بأمتك أيها الرسول الكريم-، ألا نعذبهم عذاب الاستئصال والمحو، بل نؤخر عذاب الضالين منهم إلى يوم القيامة.قالوا: ومن الحكم في هذا التأخير: الإظهار لمزيد شرف النبي صلى الله عليه وسلم، كما قال- تعالى-: وَما كانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ، والرعاية لشأن من سيولد من بعضهم من المؤمنين، ولمن سيؤمن من هؤلاء المقترحين، إلى غير ذلك من الحكم التي لا يعلمها إلا هو- سبحانه-.قال صاحب الكشاف: استعير المنع لترك إرسال الآيات من أجل صارف الحكمة ...والمراد: الآيات التي اقترحتها قريش من قلب الصفا ذهبا، ومن إحياء الموتى، وغير ذلك.وعادة الله في الأمم، أن من اقترح منهم آية فأجيب إليها. ثم لم يؤمن، أن يعاجل بعذاب الاستئصال. فالمعنى: وما صرفنا عن إرسال ما يقترحونه من الآيات إلا أن كذب بها الذين هم أمثالهم من المطبوع على قلوبهم، كعاد وثمود، وأنها لو أرسلت لكذبوا بها تكذيب أولئك، وقالوا: هذا سحر مبين، كما يقولون في غيرها. واستوجبوا العذاب المستأصل. وقد عزمنا أن نؤخر أمر من بعثت إليهم إلى يوم القيامة» .ثم ساق- سبحانه- مثالا للسابقين الذين أجيبوا إلى ما اقترحوه، ولكنهم لم يؤمنوا، فأخذهم عذاب الاستئصال، فقال- تعالى-: وَآتَيْنا ثَمُودَ النَّاقَةَ مُبْصِرَةً فَظَلَمُوا بِها.وثمود: هم قوم صالح- عليه السلام-، وخصهم بالذكر، لأنهم معروفون لأهل مكة أكثر من غيرهم، لمرورهم على ديارهم عند أسفارهم إلى بلاد الشام.والناقة المراد بها: ناقة صالح- عليه السلام- التي طلبها قومه منه، فأخرجها الله- تعالى- لهم لتكون معجزة له، ولكنهم لم يؤمنوا به، بل عقروا الناقة وعتوا عن أمر ربهم، فأهلكهم الله- تعالى- بالصيحة التي جعلتهم في دارهم جاثمين.وقوله مُبْصِرَةً أى: معجزة واضحة، يراها الناس بأعينهم بدون خفاء أو لبس..قال الجمل: مُبْصِرَةً بكسر الصاد- باتفاق السبعة، والإسناد مجازى. أى:يبصرونها خارجة من الصخرة. وقرئ شاذا بفتح الصاد. ثم قال: وفي السمين: مبصرة حال. وهو إسناد مجازى، إذ المراد إبصار أهلها، ولكنها لما كانت سببا في الإبصار نسب إليها، والظاهر أن المراد الإبصار المعنوي، وهو الاهتداء بها، والتوصل بها، إلى تصديق نبيهم، وعلى هذا تظهر السببية، فإن وجودها سبب في هذا المعنى ... » .وقال الآلوسى: وقوله: مُبْصِرَةً على صيغة اسم الفاعل حال من الناقة، والمراد:ذات إبصار، أو ذات بصيرة يبصرها الغير ويتبصر بها، فالصيغة للنسب....» .والمعنى: لقد تركنا إجابة المطالب التي اقترحها قومك- يا محمد-، رحمة بهم، لأننا لو أعطيناهم إياهم ثم استمروا في تكذيبهم لك لأهلكناهم كما أهلكنا السابقين. فقد أجبنا قوم صالح- عليه السلام- إلى ما طلبوه من نبيهم، بأن أخرجنا لهم الناقة، وجعلناها معجزة واضحة نيرة في الدلالة على صدقه، فقابلوها بالتكذيب والجحود، وظلموا أنفسهم وعرضوها للهلاك بسبب عقرها.قال- تعالى-: فَعَقَرُوا النَّاقَةَ، وَعَتَوْا عَنْ أَمْرِ رَبِّهِمْ، وَقالُوا يا صالِحُ ائْتِنا بِما تَعِدُنا إِنْ كُنْتَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ. فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دارِهِمْ جاثِمِينَ .وقال- سبحانه-: كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِطَغْواها. إِذِ انْبَعَثَ أَشْقاها. فَقالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ ناقَةَ اللَّهِ وَسُقْياها. فَكَذَّبُوهُ فَعَقَرُوها فَدَمْدَمَ عَلَيْهِمْ رَبُّهُمْ بِذَنْبِهِمْ فَسَوَّاها. وَلا يَخافُ عُقْباها .وقوله- سبحانه-: وَما نُرْسِلُ بِالْآياتِ إِلَّا تَخْوِيفاً تذييل قصد به الزجر عن تكذيب ما يأتى به الأنبياء من هدايات ومعجزات تدل على صدقهم.والباء في قوله بِالْآياتِ للملابسة، ومفعول، نرسل، محذوف، وتَخْوِيفاً مفعول لأجله.قال القرطبي قوله: وَما نُرْسِلُ بِالْآياتِ إِلَّا تَخْوِيفاً فيه خمسة أقوال: الأول: العبر والمعجزات التي جعلها الله على أيدى الرسل، من دلائل الإنذار تخويفا للمكذبين. الثاني:أنها آيات الانتقام تخويفا من المعاصي. الثالث: أنها تقلب الأحوال من صغر إلى شباب ثم إلى تكهل ثم إلى مشيب، لتعتبر بتقلب أحوالك فتخاف عاقبة أمرك. الرابع: القرآن، الخامس: الموت الذريع» .والمعنى: وما نرسل رسلنا ملتبسين بالآيات والمعجزات الدالة على صدقهم، إلا تخويفا لأقوامهم من سوء تكذيبهم لها. فإنهم إن كذبوها يصيبهم من العذاب ما يصيبهم.
وَ اِذْ قُلْنَا لَكَ اِنَّ رَبَّكَ اَحَاطَ بِالنَّاسِؕ-وَ مَا جَعَلْنَا الرُّءْیَا الَّتِیْۤ اَرَیْنٰكَ اِلَّا فِتْنَةً لِّلنَّاسِ وَ الشَّجَرَةَ الْمَلْعُوْنَةَ فِی الْقُرْاٰنِؕ-وَ نُخَوِّفُهُمْۙ-فَمَا یَزِیْدُهُمْ اِلَّا طُغْیَانًا كَبِیْرًا۠(۶۰)
اور جب ہم نے تم سے فرمایا کہ سب لوگ تمہارے رب کے قابو میں ہیں (ف۱۲۸) اور ہم نے نہ کیا وہ دکھاوا (ف۱۲۹) جو تمہیں دکھایا تھا (ف۱۳۰) مگر لوگوں کی آزمائش کو (ف۱۳۱) اور وہ پیڑ جس پر قرآن میں لعنت ہے (ف۱۳۲) اور ہم انہیں ڈراتے ہیں (ف۱۳۳) تو انھیں نہیں بڑھتی مگر بڑی سرکشی،
ثم ذكر- سبحانه- ما يزيد النبي صلى الله عليه وسلم ثباتا على ثباته، ويقينا على يقينه، وما يدل على شمول علمه- تعالى- ونفاذ قدرته، وبليغ حكمته فقال: وَإِذْ قُلْنا لَكَ إِنَّ رَبَّكَ أَحاطَ بِالنَّاسِ....أى: واذكر- أيها الرسول الكريم- وقت أن قلنا لك على لسان وحينا. إن ربك- عز وجل- قد أحاط بالناس علما وقدرة. فهم في قبضته، وتحت تصرفه، وقد عصمك منهم، فامض في طريقك. وبلغ رسالة ربك، دون أن تخشى من كفار مكة أو من غيرهم، عدوانا على حياتك، فقد عصمك- سبحانه- منهم.وفي هذه الجملة ما فيها من التسلية للنبي صلى الله عليه وسلم، ومن التبشير له ولأصحابه، بأن العاقبة ستكون لهم، ومن الحض لهم على المضي في طريقهم دون أن يخشوا أحدا إلا الله.والمراد بالرؤيا في قوله- تعالى-: وَما جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْناكَ إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ:ما رآه النبي صلى الله عليه وسلم وعاينه بعينيه من عجائب، ليلة الإسراء والمعراج.أى: وما جعلنا ما رأيته وعاينته ليلة إسرائنا بك من غرائب، إلا فتنة للناس. ليتميز قوى الإيمان من ضعيفه، وسليم القلب من مريضه.وأطلق- سبحانه- على ما أراه لنبيه ليلة الإسراء لفظ الرؤيا مع أنه كان يقظة «لأن هذا اللفظ يطلق حقيقة على رؤيا المنام، وعلى رؤية اليقظة ليلا فإنه قد يقال لرؤية العين رؤيا، كما في قول الشاعر يصف صائدا: وكبر للرؤيا وهش فؤاده.. أى: وسر لرؤيته للصيد الذي سيصيده. أو أطلق عليه لفظ الرؤيا على سبيل التشبيه بالرؤيا المنامية، نظرا لما رآه في تلك الليلة من عجائب سماوية وأرضية، أو أطلق عليه ذلك بسبب أن ما رآه قد كان ليلا. وقد كان في سرعته كأنه رؤيا منامية.وكان ما رآه صلى الله عليه وسلم في تلك الليلة فتنة للناس، لأنه لما قص عليهم ما رآه، ارتد بعضهم عن الإسلام، وتردد البعض الآخر في قبوله، وضاقت عقولهم عن تصديقه، زاعمة أنه لا يمكن أن يذهب صلى الله عليه وسلم من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى، ثم يعرج إلى السموات العلا.. ثم يعود إلى مكة، كل ذلك في ليلة واحدة.وبعضهم يرى أن المراد بالرؤيا هنا: ما رآه النبي صلى الله عليه وسلم من أنه سيدخل مكة هو وأصحابه..وبعضهم يرى أن المراد بها هنا: ما أراه الله- تعالى- لنبيه في منامه، من مصارع المشركين قبل غزوة بدر فقد قال صلى الله عليه وسلم قبل بدء المعركة: والله لكأنى أنظر إلى مصارع القوم. ثم أومأ إلى الأرض وقال: هذا مصرع فلان. وهذا مصرع فلان.والذي نرجحه هو الرأى الأول، لأنه هو الظاهر من معنى الآية الكريمة، ولأنه على الرأيين الثاني والثالث يترجح أن الآية مدنية، لأن غزوة بدر وفتح مكة كانا بعد الهجرة، والتحقيق أن هذه الآية مكية.قال القرطبي ما ملخصه: قوله- تعالى-: وَما جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْناكَ إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ.. لما بين أن إنزال آيات القرآن تتضمن التخويف، ضم إليه ذكر آية الإسراء، وهي المذكورة في صدر السورة. وفي البخاري والترمذي عن ابن عباس في قوله- تعالى-:وَما جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْناكَ إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ قال: هي رؤيا عين أريها النبي صلى الله عليه وسلم ليلة أسرى به إلى بيت المقدس ...وكانت الفتنة ارتداد قوم كانوا أسلموا حين أخبرهم النبي صلى الله عليه وسلم أنه أسرى به.وقيل: كانت رؤيا نوم. وهذه الآية تقضى بفساده، وذلك أن رؤيا المنام لا فتنة فيها، وما كان أحد لينكرها.وعن ابن عباس قال: الرؤيا التي في هذه الآية، رؤيا رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه يدخل مكة في سنة الحديبية- فرده المشركون عن دخولها في تلك السنة-، فافتتن بعض المسلمين لذلك، فنزلت هذه الآية.. وفي هذا التأويل ضعف. لأن السورة مكية، وتلك الرؤيا كانت بالمدينة ... »وقوله- سبحانه-: وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآنِ معطوف على الرؤيا.أى: وما جعلنا الرؤيا التي أريناك والشجرة الملعونة في القرآن إلا فتنة للناس.والمراد بالشجرة الملعونة هنا: شجرة الزقوم، المذكورة في قوله- تعالى-: أَذلِكَ خَيْرٌ نُزُلًا أَمْ شَجَرَةُ الزَّقُّومِ. إِنَّا جَعَلْناها فِتْنَةً لِلظَّالِمِينَ. إِنَّها شَجَرَةٌ تَخْرُجُ فِي أَصْلِ الْجَحِيمِ، طَلْعُها كَأَنَّهُ رُؤُسُ الشَّياطِينِ .والمراد بلعنها: لعن الآكلين منها وهم المشركون، أو هي ملعونة لأنها تخرج في أصل الجحيم. أو هي ملعونة لأن طعامها مؤذ وضار، والعرب تقول لكل طعام ضار: إنه ملعون.قال الآلوسى: وروى في جعلها فتنة لهم: أنه لما نزل في شأنها في سورة الصافات وغيرها ما نزل، قال أبو جهل وغيره: هذا محمد يتوعدكم بنار تحرق الحجارة، ثم يقول ينبت فيها الشجر. وما نعرف الزقوم إلا بالتمر والزبد، ثم أمر جارية له فأحضرت تمرا وزبدا، وقال لأصحابه: تزقموا.وافتتن بهذه الآية أيضا بعض الضعفاء، ولقد ضلوا في ذلك ضلالا بعيدا ... .وقوله- تعالى-: وَنُخَوِّفُهُمْ فَما يَزِيدُهُمْ إِلَّا طُغْياناً كَبِيراً تذييل قصد به بيان ما جبل عليه هؤلاء المشركون من جحود، وقسوة قلب ...أى: ونخوف هؤلاء المشركين بعذاب الدنيا، وبعذاب الآخرة وبشجرة الزقوم التي طلعها كأنه رءوس الشياطين ... فما يزيدهم هذا التخويف والتهديد إلا طغيانا متجاوزا في ضخامته وكبره كل حد، وكل عقل سليم.وعبر- سبحانه- بصيغة المضارع الدالة على الاستقبال، مع أن تخويفهم وازدياد طغيانهم قد وقعا، للإشعار بالتجدد والاستمرار.وبذلك نرى الآيات الكريمة قد ساقت من سنن الله- تعالى- في خلقه، ومن فضله على هذه الأمة، ومن تبشيره وإنذاره، ووعده ووعيده، ما يزيد المؤمنين إيمانا على إيمانهم، وما يصرف الطاغين عن طغيانهم لو كانوا يعقلون.ثم ساق- سبحانه- جانبا من قصة آدم وإبليس، لزيادة التسلية للرسول صلى الله عليه وسلم وللإشعار بأن الحسد والغرور، كما منعا إبليس من السجود لآدم، فقد منعا مشركي مكة من الإيمان بالنبي صلى الله عليه وسلم فقال- تعالى-:
وَ اِذْ قُلْنَا لِلْمَلٰٓىٕكَةِ اسْجُدُوْا لِاٰدَمَ فَسَجَدُوْۤا اِلَّاۤ اِبْلِیْسَؕ-قَالَ ءَاَسْجُدُ لِمَنْ خَلَقْتَ طِیْنًاۚ(۶۱)
اور یاد کرو جب ہم نے فرشتوں کو حکم دیا کہ آدم کو سجدہ کرو (ف۱۳۴) تو ان سب نے سجدہ کیا سوا ابلیس کے، بولا کیا میں اسے سجدہ کروں جسے تو نے مٹی سے بنایا
وقوله- سبحانه-: وَإِذْ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ ... تذكير لبنى آدم بما جرى بين أبيهم وبين إبليس، ليعتبروا ويتعظوا، ويستمروا على عداوتهم لإبليس وجنده.أى: واذكروا- يا بنى آدم- وقت أن قلنا للملائكة اسْجُدُوا لِآدَمَ سجود تحية وتكريم، فسجدوا امتثالا لأمر الله- تعالى-، بدون تردد أو تلعثم، إِلَّا إِبْلِيسَ فإنه أبى السجود لآدم- عليه السلام- وقالَ بتكبر وعصيان لأمر ربه- عز وجل-:أَأَسْجُدُ وأنا المخلوق من نار لِمَنْ خَلَقْتَ طِيناً أى: أأسجد لمن خلقته من طين، مع أننى أفضل منه.والتعبير بقوله فَسَجَدُوا بفاء التعقيب، يفيد أن سجودهم- عليهم السلام- كان في أعقاب أمر الله- تعالى- لهم مباشرة، بدون تأخير أو تسويف.وقوله- تعالى-: قالَ أَأَسْجُدُ ... استئناف بيانى، فكأنه قيل: فماذا كان موقف إبليس من هذا الأمر؟ فكان الجواب أن إبليس فسق عن أمر ربه وقال ما قال.والاستفهام في أَأَسْجُدُ للإنكار والتعجب، لأن يرى- لعنه الله- أنه أفضل من آدم.وقوله: طِيناً منصوب بنزع الخافض أى: من طين.وقد جاء التصريح بإباء إبليس عن السجود لآدم، بأساليب متنوعة، وفي آيات متعددة، منها قوله- تعالى-: وَإِذْ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ، فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبى وَاسْتَكْبَرَ وَكانَ مِنَ الْكافِرِينَ .وقوله- تعالى-: فَسَجَدَ الْمَلائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ. إِلَّا إِبْلِيسَ أَبى أَنْ يَكُونَ مَعَ السَّاجِدِينَ .
قَالَ اَرَءَیْتَكَ هٰذَا الَّذِیْ كَرَّمْتَ عَلَیَّ٘-لَىٕنْ اَخَّرْتَنِ اِلٰى یَوْمِ الْقِیٰمَةِ لَاَحْتَنِكَنَّ ذُرِّیَّتَهٗۤ اِلَّا قَلِیْلًا(۶۲)
بولا (ف۱۳۵) دیکھ تو جو یہ تو نے مجھ سے معزز رکھا (ف۱۳۶) اگر تو نے مجھے قیامت تک مہلت دی تو ضرور میں اس کی اولاد کو پیس ڈالوں گا (ف۱۳۷) مگر تھوڑا (ف۱۳۸)
ثم فصل- سبحانه- ما قاله إبليس في اعتراضه على السجود لآدم فقال: قالَ أَرَأَيْتَكَ هذَا الَّذِي كَرَّمْتَ عَلَيَّ، لَئِنْ أَخَّرْتَنِ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ، لَأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إِلَّا قَلِيلًا.ورأى هنا علمية فتتعدى إلى مفعولين، أولهما هذَا والثاني محذوف لدلالة الصلة عليه، والكاف حرف خطاب مؤكد لمعنى التاء قبله، والاسم الموصول الَّذِي بدل من هذَا أو صفة له، والمراد من التكريم في قوله كَرَّمْتَ عَلَيَّ: التفضيل.والمعنى: قال إبليس في الرد على خالقه- عز وجل-: أخبرنى عن هذا الإنسان المخلوق من الطين، والذي فضلته على، لماذا فضلته على وأمرتنى بالسجود له مع أننى أفضل منه، لأنه مخلوق من طين، وأنا مخلوق من نار!! وجملة هذا الذي كرمت على، واقعة موقع المفعول الثاني.ومقصود إبليس من هذا الاستفهام، التهوين من شأن آدم- عليه السلام- والتقليل من منزلته. ولم يجبه- سبحانه- على سؤاله، تحقيرا له. وإهمالا لشخصه، بسبب اعتراضه على أمر خالقه- عز وجل-.ثم أكد إبليس كلامه فقال: لَئِنْ أَخَّرْتَنِ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ لَأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إِلَّا قَلِيلًا.إذ أن اللام في قوله لَئِنْ ... موطئة للقسم، وجوابه لأحتنكن.وأصل الاحتناك: الاستيلاء على الشيء أو الاستئصال له. يقال: حنك فلان الدابة يحتنكها- بكسر النون ورفعها- إذا وضع في حنكها- أى في ذقنها- الرسن ليقودها به.ويقال: احتنك الجراد الأرض، إذا أكل نباتها وأتى عليه.والمعنى: قال إبليس- متوعدا ومهددا-: لئن أخرتن- يا إلهى- إلى يوم القيامة، لأستولين على ذرية آدم، ولأقودنهم إلى ما أشاء من المعاصي والشهوات، إلا عددا قليلا منهم فإنى لا أستطيع ذلك بالنسبة لهم، لقوة إيمانهم، وشدة إخلاصهم.وهذا الذي ذكره- سبحانه- عن إبليس في هذه الآية من قوله: لَأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إِلَّا قَلِيلًا شبيه به قوله- تعالى-: ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ، وَعَنْ أَيْمانِهِمْ، وَعَنْ شَمائِلِهِمْ، وَلا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شاكِرِينَ .وقوله- تعالى- قالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ. إِلَّا عِبادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ .قال بعض العلماء: وقول إبليس في هذه الآية: لَأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ ... قاله ظنا منه أنه سيقع. وقد تحقق له هذا الظن- في كثير من بنى آدم- كما قال- تعالى- وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ فَاتَّبَعُوهُ إِلَّا فَرِيقاً مِنَ الْمُؤْمِنِينَ .
قَالَ اذْهَبْ فَمَنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ فَاِنَّ جَهَنَّمَ جَزَآؤُكُمْ جَزَآءً مَّوْفُوْرًا(۶۳)
فرمایا، دور ہو (ف۱۳۹) تو ان میں جو تیری پیروی کرے گا تو بیشک سب کا بدلہ جہنم ہے بھرپور سزا،
وقوله- تعالى- قالَ اذْهَبْ فَمَنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ فَإِنَّ جَهَنَّمَ جَزاؤُكُمْ جَزاءً مَوْفُوراً بيان لما توعد الله- سبحانه- به إبليس وأتباعه.والأمر في قوله اذْهَبْ للإهانة والتحقير. أى: قال الله- تعالى- لإبليس اذْهَبْ مطرودا ملعونا، وقد أخرناك إلى يوم القيامة، فافعل ما بدا لك مع بنى آدم، فمن أطاعك منهم، فإن جهنم جزاؤك وجزاؤهم، جزاء مكملا متمما لا نقص فيه.وقال- سبحانه- فَإِنَّ جَهَنَّمَ جَزاؤُكُمْ مع أنه قد تقدم غائب ومخاطب في قوله فَمَنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ، تغليبا لجانب المخاطب- وهو إبليس- على جانب الغائب وهم أتباعه. لأنه هو السبب في إغواء هؤلاء الأتباع.وقوله: جَزاءً مفعول مطلق، منصوب بالمصدر قبله.وقوله مَوْفُوراً اسم مفعول، من قولهم وفر الشيء فهو وافر وموفور أى: مكمل متمم. وهو صفة لقوله: جَزاءً.وهذا الوعيد الذي توعد الله- تعالى- به إبليس وأتباعه، جاء ما يشبههه في آيات كثيرة، منها قوله- سبحانه-: قالَ فَالْحَقُّ وَالْحَقَّ أَقُولُ. لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكَ وَمِمَّنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ أَجْمَعِينَ.
وَ اسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ وَ اَجْلِبْ عَلَیْهِمْ بِخَیْلِكَ وَ رَجِلِكَ وَ شَارِكْهُمْ فِی الْاَمْوَالِ وَ الْاَوْلَادِ وَعِدْهُمْؕ-وَ مَا یَعِدُهُمُ الشَّیْطٰنُ اِلَّا غُرُوْرًا(۶۴)
اور ڈگا دے (بہکادے) ان میں سے جس پر قدرت پائے اپنی آواز سے (ف۱۴۰) اور ان پر لام باندھ (فوج چڑھا) لا اپنے سواروں اور اپنے پیادوں کا (ف۱۴۱) اور ان کا ساجھی ہو مالوں اور بچو ں میں (ف۱۴۲) اور انہیں وعدہ دے (ف۱۴۳) اور شیطان انہیں وعدہ نہیں دیتا مگر فریب سے،
ثم أضاف- سبحانه- إلى إهانته وتحقيره لإبليس أوامر أخرى، فقال- تعالى-:وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ، وَأَجْلِبْ عَلَيْهِمْ بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ، وَشارِكْهُمْ فِي الْأَمْوالِ وَالْأَوْلادِ، وَعِدْهُمْ، وَما يَعِدُهُمُ الشَّيْطانُ إِلَّا غُرُوراً.قال الجمل: أمر الله- تعالى- إبليس بأوامر خمسة، القصد بها: التهديد والاستدراج، لا التكليف، لأنها كلها معاص، والله لا يأمر بها .وهذه الأوامر الخمسة هي: اذهب، واستفزز ... وأجلب ... وشاركهم ... وعدهم.وقوله: واستفزز، من الاستفزاز، بمعنى الاستخفاف والإزعاج، يقال: استفز فلان فلانا إذا استخف به، وخدعه، وأوقعه فيما أراده منه. ويقال: فلان استفزه الخوف، إذا أزعجه.وقوله: وَأَجْلِبْ عَلَيْهِمْ بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ أصل الإجلاب: الصياح بصوت مسموع.يقال: أجلب فلان على فرسه وجلب عليه، إذا صاح به ليستحثه على السرعة في المشي.قال الآلوسى: قوله وَأَجْلِبْ عَلَيْهِمْ أى: صح عليهم من الجلبة وهي الصياح. قاله الفراء وأبو عبيدة. وقال الزجاج: أجلب على العدو: جمع عليه الخيل. وقال ابن السكيت:جلب عليه: أعان عليه. وقال ابن الأعرابى: أجلب على الرجل، إذا توعده الشر، وجمع عليه الجمع.والخيل: يطلق على الأفراس حقيقة ولا واحد له من لفظه، وعلى الفرسان مجازا، وهو المراد هنا.ومنه قول الرسول صلى الله عليه وسلم في بعض غزواته لأصحابه: «يا خيل الله اركبي» .والرجل- بكسر الجيم- بمعنى راجل- كحذر بمعنى حاذر- هو الذي يمشى رجلا، أى غير راكب ... »والمعنى. قال الله- تعالى- لإبليس: اذهب أيها اللعين مذءوما مدحورا. فإن جهنم هي الجزاء المعد لك ولأتباعك من ذرية آدم، وافعل ما شئت معهم من الاستفزاز والخداع والإزعاج ولهو الحديث وأجلب عليهم ما تستطيع جلبه من مكايد، وما تقدر عليه من وسائل، كأن تناديهم بصوتك ووسوستك إلى المعاصي، وكأن تحشد جنودك على اختلاف أنواعهم لحربهم وإغوائهم وصدهم عن الطريق المستقيم.قال صاحب الكشاف: فإن قلت: ما معنى استفزاز إبليس بصوته، وإجلابه بخيله ورجله؟قلت: هو كلام وارد مورد التمثيل شبهت حاله في تسلطه على من يغويه، بمغوار أوقع على قوم، فصوت بهم صوتا يستفزهم من أماكنهم، ويقلقهم عن مراكزهم، وأجلب عليهم بجنده، من خيالة ورجالة حتى استأصلهم، وقيل: بصوته، أى: بدعائه إلى الشر، وبخيله، ورجله: أى كل راكب وماش من أهل العبث. وقيل: يجوز أن يكون لإبليس خيل ورجال» .وعلى أية حال، فالجملة الكريمة تصوير بديع، لعداوة إبليس لآدم وذريته، وأنه معهم في معركة دائمة، يستعمل فيها كل وسائل شروره، ليشغلهم عن طاعة ربهم، وليصرفهم عن الصراط المستقيم، ولكنه لن يستطيع أن يصل إلى شيء من أغراضه الفاسدة، ماداموا معتصمين بدين ربهم- عز وجل-.وقوله- سبحانه-: وَشارِكْهُمْ فِي الْأَمْوالِ وَالْأَوْلادِ وَعِدْهُمْ، معطوف على ما قبله.أى: وشاركهم في الأموال، بأن تحضهم على جمعها من الطرق الحرام، وعلى إنفاقها في غير الوجوه التي شرعها الله، كأن يستعملوها في الربا والرشوة وغير ذلك من المعاملات المحرمة.وشاركهم في الأولاد: بأن تحثهم على أن ينشئوهم تنشئة تخالف تعاليم دينهم الحنيف وبأن تيسر لهم الوقوع في الزنا الذي يترتب عليه ضياع الأنساب، وبأن تظاهرهم على أن يسموا أولادهم بأسماء يبغضها الله- عز وجل-، إلى غير ذلك من وساوسك التي تغرى الآباء بأن يربوا أبناءهم تربية يألفون معها الشرور والآثام، والفسوق والعصيان.قال الإمام ابن جرير بعد أن ساق عددا من الأقوال في ذلك: وأولى الأقوال بالصواب أن يقال: كل مولود ولدته أنثى، عصى الله فيه، بتسميته بما يكرهه الله، أو بإدخاله في غير الدين الذي ارتضاه الله، أو بالزنا بأمه، أو بقتله أو وأده، أو غير ذلك من الأمور التي يعصى الله بفعله به أو فيه، فقد دخل في مشاركة إبليس فيه، من ولد ذلك الولد له أو منه، لأن الله لم يخصص بقوله: وَشارِكْهُمْ فِي الْأَمْوالِ وَالْأَوْلادِ معنى الشركة فيه، بمعنى دون معنى، فكل ما عصى الله فيه أو به، أو أطيع الشيطان فيه أو به فهو مشاركة ... » .وقد علق الإمام ابن كثير على كلام ابن جرير بقوله: وهذا الذي قاله- ابن جرير- متجه، فقد ثبت في صحيح مسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «يقول الله- عز وجل- إنى خلقت عبادي حنفاء، فجاءتهم الشياطين فاجتالتهم عن دينهم، وحرمت عليهم ما أحللت لهم» .وفي الصحيحين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لو أن أحدهم إذا أراد أن يأتى أهله قال:باسم الله اللهم جنبنا الشيطان وجنب الشيطان ما رزقتنا، فإنه إن يقدر بينهما ولد في ذلك لم يضره الشيطان أبدا» .وقوله: وَعِدْهُمْ أى: وعدهم بما شئت من المواعيد الباطلة الكاذبة. كأن تعدهم بأن الدنيا هي منتهى آمالهم. فعليهم أن يتمتعوا بها كيف شاءوا، بدون تقيد بشرع أو دين أو خلق. وكأن تعدهم بأنه ليس بعد الموت حساب أو ثواب أو عقاب، أو جنة أو نار ...وقوله سبحانه وَما يَعِدُهُمُ الشَّيْطانُ إِلَّا غُرُوراً تحذير من الله تعالى لعباده من اتباع الشيطان، ومن السير وراء خطواته.وأصل الغرور تزين الباطل بما يوهم أنه حق. يقال: غر فلان فلانا فهو يغره غرورا إذا خدعه، وأصله من الغرّ، وهو الأثر الظاهر من الشيء، ومنه غرة الفرس لأنها أبرز ما فيه.ولفظ غُرُوراً صفة لموصوف محذوف.والتقدير: وعدهم- أيها الشيطان- بما شئت من الوعود الكاذبة، وما يعد الشيطان بنى آدم إلا وعدا غرورا.ويجوز أن يكون مفعولا لأجله فيكون المعنى: وما يعدهم الشيطان إلا من أجل الغرور والمخادعة.وفي الجملة الكريمة التفات من الخطاب إلى الغيبة، إهمالا لشأن الشيطان، وبيانا لحاله مع بنى آدم حتى يحترسوا منه ويحذروه.ثم ختم- سبحانه- الآيات بغرس الطمأنينة في قلوب المؤمنين الصادقين، فقال- تعالى-: إِنَّ عِبادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطانٌ، وَكَفى بِرَبِّكَ وَكِيلًا.أى: إن عبادي الصالحين الذين أخلصوا دينهم لي، ليس لك- يا إبليس- تسلط واقتدار على إغوائهم وإضلالهم، وصرفهم عن السبيل الحق إلى السبيل الباطل.قال- تعالى-: إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ. إِنَّما سُلْطانُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ وَالَّذِينَ هُمْ بِهِ مُشْرِكُونَ .
اِنَّ عِبَادِیْ لَیْسَ لَكَ عَلَیْهِمْ سُلْطٰنٌؕ-وَ كَفٰى بِرَبِّكَ وَكِیْلًا(۶۵)
بیشک جو میرے بندے ہیں (ف۱۴۴) ان پر تیرا کچھ قابو نہیں، اور تیرا رب کافی ہے کام بنانے کو (ف۱۴۵)
وقال- سبحانه- إِنَّ عِبادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطانٌ، إِلَّا مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغاوِينَ .والإضافة في قوله إِنَّ عِبادِي ... للتشريف والتكريم حيث خصهم- سبحانه- بهذا اللون من الرعاية والحماية.وقوله وَكَفى بِرَبِّكَ وَكِيلًا أى: وكفى بربك وكيلا يتوكلون عليه، ويفوضون إليه أمورهم، ويعتصمون به لكي يقيهم وساوس الشيطان ونزغاته.قال الإمام ابن كثير: قوله: وَكَفى بِرَبِّكَ وَكِيلًا أى: حافظا ومؤيدا ونصيرا.روى الإمام أحمد عن أبى هريرة أن رسول صلى الله عليه وسلم قال: «إن المؤمن لينضى شيطانه- أى ليقهره- كما ينضى أحدكم بعيره في السفر» .وقال الجمل في حاشيته: وهذه الآية تدل على أن المعصوم من عصمه الله. وأن الإنسان لا يمكنه أن يحترز بنفسه عن مواقع الضلال، لأنه لو كان الإقدام على الحق، والإحجام عن الباطل إنما يحصل للإنسان من نفسه، لوجب أن يقال: وكفى بالإنسان نفسه في الاحتراز عن الشيطان. فلما لم يقل ذلك، بل قال: وكفى بربك وكيلا. علمنا أن الكل من الله. ولهذا قال المحققون: لا حول عن معصية الله إلا بعصمة الله، ولا قوة على طاعته إلا بقوته. .وبعد أن بين- سبحانه- لبنى آدم ما يبيته إبليس من عداوة وبغضاء، أتبع ذلك ببيان جانب من نعمه- تعالى- عليهم في البر والبحر وفي السراء والضراء فقال- عز وجل-:
رَبُّكُمُ الَّذِیْ یُزْجِیْ لَكُمُ الْفُلْكَ فِی الْبَحْرِ لِتَبْتَغُوْا مِنْ فَضْلِهٖؕ-اِنَّهٗ كَانَ بِكُمْ رَحِیْمًا(۶۶)
تمہارا رب وہ ہے کہ تمہارے لیے دریا میں کشتی رواں کرتا ہے کہ (ف۱۴۶) تم اس کا فضل تلاش کرو، بیشک وہ تم پر مہربان ہے،
وقوله- تعالى-: رَبُّكُمُ الَّذِي يُزْجِي لَكُمُ الْفُلْكَ فِي الْبَحْرِ لِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ ...بيان لمظهر من مظاهر رحمة الله- تعالى- بعباده، وفضله عليهم.ويُزْجِي من الإزجاء، وهو السوق شيئا فشيئا. يقال أزجى فلان الإبل، إذا ساقها برفق، وأزجت الريح السحاب، أى: ساقته سوقا رفيقا، ومنه قوله- تعالى-:أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُزْجِي سَحاباً....والْفُلْكَ ما عظم من السفن. قال الجمل ما ملخصه: ويستعمل لفظ الفلك للواحد والجمع، ويذكر ويؤنث. قال- تعالى-: وَآيَةٌ لَهُمْ أَنَّا حَمَلْنا ذُرِّيَّتَهُمْ فِي الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ فأفرد وذكر. وقال- سبحانه-: وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ، فأنث، ويحتمل الإفراد والجمع. قال- تعالى-: حَتَّى إِذا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِمْ ... فجمع ... .والْبَحْرِ يطلق على الماء الكثير عذبا كان أو ملحا. وأكثر ما يكون إطلاقا على الماء الملح.أى: اذكروا- أيها الناس- لتعتبروا وتشكروا ربكم الذي من مظاهر نعمته عليكم، أنه يسوق لكم- بلطفه وقدرته- السفن التي تركبونها في البحر لكي تطلبوا من وراء ركوبها الرزق الذي يصلح معاشكم، والذي هو لون من ألوان فضل الله عليكم.وقوله: لتبتغوا من فضله، تعليل لإزجاء الفلك، وتصريح بوجوه النفع التي تفضل الله- تعالى- بها عليهم.وقوله: إِنَّهُ كانَ بِكُمْ رَحِيماً تعليل ثان لهذا الإزجاء.أى: يزجى لكم الفلك في البحر، لتطلبوا من وراء ذلك ما ينفعكم، ولأنه- سبحانه- كان أزلا وأبدا، بكم دائم الرحمة والرأفة.
وَ اِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فِی الْبَحْرِ ضَلَّ مَنْ تَدْعُوْنَ اِلَّاۤ اِیَّاهُۚ-فَلَمَّا نَجّٰىكُمْ اِلَى الْبَرِّ اَعْرَضْتُمْؕ-وَ كَانَ الْاِنْسَانُ كَفُوْرًا(۶۷)
اور جب تمہیں دریا میں مصیبت پہنچتی ہے (ف۱۴۷) تو اس کے سوا جنہیں پوجتے ہیں سب گم ہوجاتے ہیں (ف۱۴۸) پھر جب تمہیں خشکی کی طرف نجات دیتا ہے تو منہ پھیر لیتے ہیں (ف۱۴۹) اور انسان بڑا ناشکرا ہے،
ثم انتقل- سبحانه- من الحديث عن مظاهر نعمه عليهم، في حال سوق السفن ودفعها بهم في البحر برفق وأناة، إلى بيان رعايته لهم في حال اضطرابها وتعرضها للغرق، بسبب هيجان البحر وارتفاع أمواجه، فقال- تعالى-: وَإِذا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فِي الْبَحْرِ ضَلَّ مَنْ تَدْعُونَ إِلَّا إِيَّاهُ....والمس: اتصال أحد الشيئين بآخر على وجه الإحساس والإصابة، والمراد به هنا:ما يعتريهم من خوف وفزع، وهم يرون سفينتهم توشك على الغرق.والمراد بالضر هنا: اضطراب الفلك، وارتفاع الأمواج، واشتداد العواصف، وتعرضهم للموت من كل مكان.المعنى: وإذا أحاطت بكم الأمواج من كل جانب وأنتم على ظهور سفنكم وأوشكتم على الغرق.. ذهب وغاب عن خواطركم وأذهانكم، كل معبود سوى الله- عز وجل- لكي ينقذكم مما أنتم فيه من بلاء، بل إياه وحده- سبحانه- تدعون ليكشف عنكم ما نزل بكم من سوء.فالجملة الكريمة تصوير مؤثر بديع لبيان أن الإنسان عند الشدائد والمحن لا يتجه بدعائه وضراعته إلا إلى الله- تعالى- وحده.قال القرطبي: ضَلَّ معناه تلف وفقد وهي عبارة عن تحقير لمن يدعى إلها من دون الله. والمعنى في هذه الآية: أن الكفار إنما يعتقدون في أصنامهم أنها شافعة، وأن لها فضلا، وكل واحد منهم بالفطرة يعلم علما لا يقدر على مدافعته أن الأصنام لا فعل لها في الشدائد،فوقّفهم الله من ذلك على حالة البحر حيث تنقطع الحيل» .وقال الإمام ابن كثير: يخبر تبارك وتعالى أن الناس إذا مسهم ضر دعوه منيبين إليه مخلصين له الدين، ولهذا قال- تعالى-: وَإِذا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فِي الْبَحْرِ ضَلَّ مَنْ تَدْعُونَ إِلَّا إِيَّاهُ أى: ذهب عن قلوبكم كل ما تعبدون غير الله- تعالى- كما اتفق لعكرمة بن أبى جهل، لما ذهب فارا من رسول الله صلى الله عليه وسلم حين فتح مكة، فذهب هاربا فركب في البحر ليدخل الحبشة، فجاءتهم ريح عاصف، فقال القوم بعضهم لبعض: إنه لا يغنى عنكم إلا أن تدعو الله وحده.فقال عكرمة في نفسه: والله إن كان لا ينفع في البحر غيره، فإنه لا ينفع في البر غيره، اللهم لك على عهد لئن أخرجتنى منه، لأذهبن فلأضعن يدي في يد محمد صلى الله عليه وسلم فلأجدنه رءوفا رحيما. فخرجوا من البحر، فرجع إلى الرسول صلى الله عليه وسلم فأسلم وحسن إسلامه- رضى الله عنه» .وقوله- تعالى-: فَلَمَّا نَجَّاكُمْ إِلَى الْبَرِّ أَعْرَضْتُمْ وَكانَ الْإِنْسانُ كَفُوراً بيان لطبيعة الإنسان إلا من عصم الله.أى: فلما نجاكم الله- تعالى- بلطفه وإحسانه: من الغرق، وأوصلكم سالمين إلى البر، أعرضتم عن طاعته، وتركتم دعاءه والضراعة إليه، وكان الإنسان الفاسق عن أمر ربه، كَفُوراً أى: كثير الكفران والجحود لنعم ربه- عز وجل-.قال الآلوسي ما ملخصه: وقوله: وَكانَ الْإِنْسانُ كَفُوراً كالتعليل للإعراض، ويعلم منه حكم أولئك المخاطبين، وفيه لطافة حيث أعرض- سبحانه- عن خطابهم بخصوصهم، وذكر أن جنس الإنسان مجبول على الكفران، فلما أعرضوا أعرض الله- تعالى- عنهم» .وفي معنى هذه الآية جاءت آيات كثيرة. منها قوله- تعالى- فَإِذا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ، فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذا هُمْ يُشْرِكُونَ .وقوله- سبحانه-: وَإِذا غَشِيَهُمْ مَوْجٌ كَالظُّلَلِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ. فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ فَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ، وَما يَجْحَدُ بِآياتِنا إِلَّا كُلُّ خَتَّارٍ كَفُورٍ .
اَفَاَمِنْتُمْ اَنْ یَّخْسِفَ بِكُمْ جَانِبَ الْبَرِّ اَوْ یُرْسِلَ عَلَیْكُمْ حَاصِبًا ثُمَّ لَا تَجِدُوْا لَكُمْ وَكِیْلًاۙ(۶۸)
کیا تم (ف۱۵۰) اس سے نڈر ہوئے کہ وہ خشکی ہی کا کوئی کنارہ تمہارے ساتھ دھنسادے (ف۱۵۱) یا تم پر پتھراؤ بھیجے (ف۱۵۲) پھر اپنا کوئی حمایتی نہ پاؤ (ف۱۵۳)
ثم بين- سبحانه- أن قدرته لا يعجزها شيء، لا في البحر ولا في البر ولا في غيرهما فقال: أَفَأَمِنْتُمْ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمْ جانِبَ الْبَرِّ أَوْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حاصِباً، ثُمَّ لا تَجِدُوا لَكُمْ وَكِيلًا والهمزة في قوله أَفَأَمِنْتُمْ للاستفهام الإنكارى، والفاء عاطفة على محذوف، والتقدير: أنجوتم فأمنتم.وقوله يَخْسِفَ من الخسف وهو انهيار الأرض بالشيء، وتغييبه في باطنها وجانِبَ الْبَرِّ ناحية أرض، وسماه- سبحانه- جانبا، لأن البحر يمثل جانبا من الأرض، والبر يمثل جانبا آخر.والحاصب: الريح الشديدة، التي ترمى بالحصباء، وهي الحجارة الصغيرة. يقال. حصب فلان فلانا، إذا رماه بالحصباء.والمعنى: أنجوتم من الغرق- أيها الناس- ففرحتم وأمنتم ونسيتم أن الله- تعالى- إذا كان قد أنجاكم من الغرق، فهو قادر على أن يخسف بكم جانب الأرض، وقادر كذلك على أن يرسل عليكم ريحا شديدة ترميكم بالحصباء التي تهلككم ثم لا تجدوا لكم وكيلا تكلون إليه أموركم، ونصيرا ينصركم ويحفظكم من عذاب الله- تعالى-.إن كنتم قد أمنتم عذاب الله بعد نجاتكم من الغرق، فأنتم جاهلون، لأن قدرة الله- تعالى- لا يعجزها أن تأخذكم أخذ عزيز مقتدر سواء كنتم في البحر أم في البر أم في غيرهما، إذ جميع جوانب هذا الكون في قبضة الله- تعالى- وتحت سيطرته.قال صاحب الكشاف: فإن قلت فما معنى ذكر الجانب؟ قلت: معناه، أن الجوانب والجهات كلها في قدرته سواء، وله في كل جانب برا كان أو بحرا سبب مرصد من أسباب الهلكة، ليس جانب البحر وحده مختصا بذلك، بل إن كان الغرق في جانب البحر، ففي جانب البر ما هو مثله وهو الخسف، لأنه تغييب تحت التراب، كما أن الغرق تغييب تحت الماء فالبر والبحر عنده سيان، يقدر في البر على نحو ما يقدر عليه في البحر، فعلى العاقل أن يستوي خوفه من الله في جميع الجوانب وحيث كان» .
اَمْ اَمِنْتُمْ اَنْ یُّعِیْدَكُمْ فِیْهِ تَارَةً اُخْرٰى فَیُرْسِلَ عَلَیْكُمْ قَاصِفًا مِّنَ الرِّیْحِ فَیُغْرِقَكُمْ بِمَا كَفَرْتُمْۙ-ثُمَّ لَا تَجِدُوْا لَكُمْ عَلَیْنَا بِهٖ تَبِیْعًا(۶۹)
یا اس سے نڈر ہوئے کہ تمہیں دوبارہ دریا میں لے جائے پھر تم پر جہاز توڑنے والی آندھی بھیجے تو تم کو تمہارے کفر کے سبب ڈبو دے پھر اپنے لیے کوئی ایسا نہ پاؤ کہ اس پر ہمارا پیچھا کرے (ف۱۵۴)
ثم ساق- سبحانه- مثالا آخر للدلالة على شمول قدرته، فقال- تعالى-:أَمْ أَمِنْتُمْ أَنْ يُعِيدَكُمْ فِيهِ تارَةً أُخْرى، فَيُرْسِلَ عَلَيْكُمْ قاصِفاً مِنَ الرِّيحِ، فَيُغْرِقَكُمْ بِما كَفَرْتُمْ، ثُمَّ لا تَجِدُوا لَكُمْ عَلَيْنا بِهِ تَبِيعاً.وأَمْ هنا يجوز أن تكون متصلة بمعنى: أى الأمرين حاصل. ويجوز أن تكون منقطعة بمعنى: بل.والقاصف من الريح: هو الريح العاتية الشديدة التي تقصف وتحطم كل ما مرت به من أشجار وغيرها. يقال: قصف فلان الشيء، إذا كسره.والتبيع: فعيل بمعنى فاعل، وهو المطالب غيره بحق سواء أكان هذا الحق دينا أم ثأرا أم غيرهما، مع مداومته على هذا الطلب.والمعنى: بل أأمنتم- أيها الناس- أَنْ يُعِيدَكُمْ الله- تعالى- فِيهِ أى: في البحر، لسبب من الأسباب التي تحملكم على العودة إليه مرة أخرى فَيُرْسِلَ عَلَيْكُمْ- سبحانه- وأنتم في البحر قاصِفاً مِنَ الرِّيحِ العاتية الشديدة التي تحطم سفنكم فَيُغْرِقَكُمْ بسبب كفركم وجحودكم لنعمه، ثُمَّ لا تَجِدُوا لَكُمْ عَلَيْنا بِهِ تَبِيعاً أى:إننا من السهل علينا أن نفعل معكم ذلك وأكثر منه، ثم لا تجدوا لكم أحدا ينصركم علينا، أو يطالبنا بحق لكم علينا، فنحن لا نسأل عما نفعل، وأنتم المسئولون.فالاستفهام هنا- أيضا- للإنكار والتوبيخ.وقال- سبحانه- أَنْ يُعِيدَكُمْ فِيهِ ولم يقل أن يعيدكم إليه، للإشعار باستقرارهم فيه، وأنه- تعالى- لا يعجزه أن يفعل ذلك.والتعبير بقوله قاصِفاً مِنَ الرِّيحِ فيه من الترهيب والإنذار ما فيه لأن لفظ القصف يدل بمعناه اللغوي على التحطيم والتكسير.وقال- سبحانه- بِما كَفَرْتُمْ لبيان أن الله- تعالى- ما ظلمهم بإهلاكهم، وإنما هم الذين عرضوا أنفسهم لذلك بسبب كفرهم وإعراضهم عن طاعته- سبحانه-.والضمير في بِهِ يعود إلى الإهلاك بالإغراق المفهوم من قوله فَيُغْرِقَكُمْ بِما كَفَرْتُمْ أى: لا تجدون تبيعا يتبعنا بثأركم بسبب ذلك الإغراق الذي أوقعناه بكم.وبذلك نرى أن الآيات الكريمة قد ساقت ألوانا من نعم الله- تعالى- على الناس، وحذرتهم من جحود هذه النعم، حتى لا يتعرضوا لعذاب الله، الذي قد ينزل بهم وهم في البحر أو في البر أو في غيرهما.ثم ذكر- سبحانه- تكريمه لبنى آدم، وتفضيلهم على كثير من مخلوقاته، وأحوالهم في الآخرة، فقال- تعالى-:
وَ لَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِیْۤ اٰدَمَ وَ حَمَلْنٰهُمْ فِی الْبَرِّ وَ الْبَحْرِ وَ رَزَقْنٰهُمْ مِّنَ الطَّیِّبٰتِ وَ فَضَّلْنٰهُمْ عَلٰى كَثِیْرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِیْلًا۠(۷۰)
اور بیشک ہم نے اولادِ آدم کو عزت دی (ف۱۵۵) اور ان کی خشکی اور تری میں (ف۱۵۶) سوار کیا اور ان کو ستھری چیزیں روزی دیں (ف۱۵۷) اور ان کو اپنی بہت مخلوق سے افضل کیا (ف۱۵۸)
قال الآلوسى: قوله: وَلَقَدْ كَرَّمْنا بَنِي آدَمَ ... أى: جعلناهم قاطبة برهم وفاجرهم، ذوى كرم، أى: شرف ومحاسن جمة لا يحيط بها نطاق الحصر..» .ومن مظاهر تكريم الله- تعالى- لبنى آدم، أنه خلقهم في أحسن تقويم، كما قال- تعالى-: لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ.وأنه ميزهم بالعقل والنطق والاستعدادات المتعددة، التي جعلتهم أهلا لحمل الأمانة، كما قال- سبحانه-: إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمانَةَ عَلَى السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَها وَأَشْفَقْنَ مِنْها وَحَمَلَهَا الْإِنْسانُ ... .وأنه سخر الكثير من مخلوقاته لمنفعتهم ومصلحتهم، قال- تعالى-: اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَأَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَراتِ رِزْقاً لَكُمْ، وَسَخَّرَ لَكُمُ الْفُلْكَ لِتَجْرِيَ فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ وَسَخَّرَ لَكُمُ الْأَنْهارَ. وَسَخَّرَ لَكُمُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ دائِبَيْنِ، وَسَخَّرَ لَكُمُاللَّيْلَ وَالنَّهارَ. وَآتاكُمْ مِنْ كُلِّ ما سَأَلْتُمُوهُ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لا تُحْصُوها، إِنَّ الْإِنْسانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ .وأنه سجل هذا التكريم في القرآن الكريم، الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، وكفاهم بذلك شرفا وفخرا.وقوله- تعالى- وَحَمَلْناهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بيان لنوع من أنواع هذا التكريم. أى:وحملناهم بقدرتنا ورعايتنا في البر على الدواب وغير ذلك من وسائل الانتقال كالقطارات والسيارات وغيرها، وحملناهم في البحر على السفن وعابرات البحار التي تنقلهم من مكان إلى آخر.وقوله: وَرَزَقْناهُمْ مِنَ الطَّيِّباتِ بيان لنوع آخر من أنواع التكريم. أى: ورزقناهم بفضلنا وإحساننا من طيبات المطاعم والمشارب والملابس، التي يستلذونها، ولا يستغنون عنها في حياتهم.وقوله: وَفَضَّلْناهُمْ عَلى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنا تَفْضِيلًا بيان لنوع ثالث من أنواع التكريم، أى: وبسبب هذا التكريم فضلناهم على كثير من مخلوقاتنا التي لا تحصى، تفضيلا عظيما.وعلى هذا التفسير يكون التفضيل لونا من ألوان التكريم الذي منحه الله- تعالى- لبنى آدم.وبعضهم يرى أن هناك فرقا بين التكريم والتفضيل، ومن هذا البعض الإمام الفخر الرازي، فقد قال- رحمه الله- ما ملخصه: لقد قال الله- تعالى- في أول الآية وَلَقَدْ كَرَّمْنا بَنِي آدَمَ وقال في آخرها وَفَضَّلْناهُمْ عَلى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنا تَفْضِيلًا. ولا بد من الفرق بين هذا التكريم والتفضيل وإلا لزم التكرار.والأقرب أن يقال: إنه- تعالى- فضل الإنسان على سائر الحيوانات بأمور خلقية طبيعية ذاتية، مثل: العقل، والنطق، والصورة الحسنة.. ثم إنه- تعالى- عرضه بواسطة ذلك لاكتساب العقائد الحقة، والأخلاق الفاضلة فالأول: هو التكريم، والثاني: هو التفضيل» .وكأن الفخر الرازي يرى أن التكريم يرجع إلى الصفات الخلقية التي امتاز بها بنو آدم، أما التفضيل فيرجع إلى ما اكتسبوه من عقائد سليمة، وأخلاق قويمة.هذا، وقد أخذ صاحب الكشاف من هذه الجملة وهي قوله- تعالى-: وَفَضَّلْناهُمْ عَلى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنا تَفْضِيلًا أن الملائكة أفضل من البشر، لأنهم- أى الملائكة- هم المقصودون بالقليل الذي لم يفضل عليه بنو آدم.قال- رحمه الله-: قوله: وَفَضَّلْناهُمْ عَلى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنا ... هو ما سوى الملائكة وحسب بنى آدم تفضيلا، أن ترفع عليهم الملائكة- وهم هم-، ومنزلتهم عند الله منزلتهم ... » .ويرى كثير من المفسرين أن المراد بالتفضيل هنا: تفضيل الجنس، ولا يلزم منه تفضيل كل فرد على كل فرد.قال الجمل ما ملخصه: وَفَضَّلْناهُمْ عَلى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنا تَفْضِيلًا المراد تفضيل جنس البشر على أجناس غيره كالملائكة، ولا يلزم من تفضيل جنس البشر على جنس الملك تفضيل الأفراد، إذ الملائكة في جملتهم أفضل من البشر غير الأنبياء. وصلحاء البشر- كالصديق- أفضل من عوام الملائكة، أى: غير الرؤساء منهم، على المعتمد من طريقة التفضيل» .والذي تطمئن إليه النفس في هذه المسألة- والله أعلم-: أن الأنبياء- عليهم الصلاة والسلام- أفضل من الملائكة جميعا، لأن الله- تعالى- قد أمر الملائكة بالسجود لآدم الذي جعله خليفة له في أرضه، دون غيره من الملائكة ...وأن الرسل من الملائكة- كجبريل وإسرافيل وعزرائيل وميكائيل- أفضل من عموم البشر- سوى الأنبياء-، لأن هؤلاء الرسل قد اصطفاهم الله- تعالى- واختارهم لوظائف معينة، قال- تعالى- اللَّهُ يَصْطَفِي مِنَ الْمَلائِكَةِ رُسُلًا وَمِنَ النَّاسِ.وأن صلحاء البشر- كالعشرة المبشرين بالجنة- أفضل من عامة الملائكة، لأن الملائكة ليست فيهم شهوة تدفعهم إلى مخالفة ما أمر الله به ... أما بنو آدم فقد ركب الله- تعالى- فيهم شهوة داعية إلى ارتكاب المعصية، ومقاومة هذه الشهوات جهاد يؤدى إلى رفع الدرجات ...ومن العلماء الذين بسطوا القول في هذه المسألة الإمام الفخر الرازي، فليرجع إليه من شاء
یَوْمَ نَدْعُوْا كُلَّ اُنَاسٍۭ بِاِمَامِهِمْۚ-فَمَنْ اُوْتِیَ كِتٰبَهٗ بِیَمِیْنِهٖ فَاُولٰٓىٕكَ یَقْرَءُوْنَ كِتٰبَهُمْ وَ لَا یُظْلَمُوْنَ فَتِیْلًا(۷۱)
جس دن ہم ہر جماعت کو اس کے امام کے ساتھ بلائیں گے (ف۱۵۹) تو جو اپنا نامہ داہنے ہاتھ میں دیا گیا یہ لوگ اپنا نامہ پڑھیں گے (ف۱۶۰) اور تاگے بھر ان کا حق نہ دبایا جائے گا (ف۱۶۱)
وقوله- سبحانه-: يَوْمَ نَدْعُوا كُلَّ أُناسٍ بِإِمامِهِمْ شروع في بيان تفاوت أحوال بنى آدم في الآخرة، بعد بيان حالهم في الدنيا.ولفظ يَوْمَ منصوب بفعل محذوف، أى: واذكر يوم ندعو كل أناس بإمامهم. والمراد بإمامهم هنا: كتاب أعمالهم.وقد اختار هذا القول الإمام ابن كثير ورجحه فقال: يخبر الله- تعالى- عن يوم القيامة، أنه يحاسب كل أمة بإمامهم، وقد اختلفوا في ذلك. فقال مجاهد وقتادة أى: بنبيهم، وهذا كقوله- تعالى-: وَلِكُلِّ أُمَّةٍ رَسُولٌ فَإِذا جاءَ رَسُولُهُمْ قُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ ...وقال ابن زيد: بإمامهم أى بكتابهم الذي أنزل على نبيهم من التشريع، واختاره ابن جرير ...وروى العوفى عن ابن عباس في قوله: يَوْمَ نَدْعُوا كُلَّ أُناسٍ بِإِمامِهِمْ أى: بكتاب أعمالهم ...وهذا القول هو الأرجح لقوله- تعالى-: وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْناهُ فِي إِمامٍ مُبِينٍ، وقال- تعالى-: وَوُضِعَ الْكِتابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ..ويحتمل أن المراد بإمامهم: أن كل قوم بمن يأتمون به، فأهل الإيمان ائتموا بالأنبياء- عليهم السلام-، وأهل الكفر ائتموا بأئمتهم في الكفر ...وفي الصحيحين: «لتتبع كل أمة ما كانت تعبد، فيتبع من كان يعبد الطواغيت الطواغيت ... » الحديث ...ثم قال- رحمه الله- ولكن المراد هاهنا بالإمام، هو كتاب الأعمال .والمعنى: واذكر- أيها العاقل لتعتبر وتتعظ- يوم ندعو كل أناس من بنى آدم الذين كرمناهم وفضلناهم على كثير من خلقنا، بكتاب أعمالهم الذي لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها.ثم بين- سبحانه- حسن عاقبة الذين أخلصوا دينهم لله فقال- تعالى-: فَمَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ بِيَمِينِهِ فَأُولئِكَ يَقْرَؤُنَ كِتابَهُمْ، وَلا يُظْلَمُونَ فَتِيلًا.أى: فمن أوتى من بنى آدم يوم القيامة، كتابه بيمينه، بأن ثقلت موازين حسناته على سيئاته، فأولئك السعداء يقرءون كتابهم بسرور وابتهاج، ولا ينقصون من أجورهم قدر فتيل، وهو الخيط المستطيل في شق النواة، وبه يضرب المثل في الشيء القليل ومن في قوله فَمَنْ أُوتِيَ يجوز أن تكون شرطية، وأن تكون موصولة، ودخلت الفاء في الخبر وهو «فأولئك» لشبهه بالشرط.وجاء التعبير في قوله أُوتِيَ كِتابَهُ بِيَمِينِهِ بالإفراد، حملا على لفظ من، وجاء التعبير بالجمع في فَأُولئِكَ حملا على معناها.وفي قوله- سبحانه- بِيَمِينِهِ تشريف وتبشير لصاحب هذا الكتاب المليء بالإيمان والعمل الصالح وقال- سبحانه-: فَأُولئِكَ يَقْرَؤُنَ كِتابَهُمْ بالإظهار، ولم يقل: يقرءونه، لمزيد العناية بهؤلاء السعداء، ولبيان أن هذا الكتاب تبتهج النفوس بتكرار اسمه.
وَ مَنْ كَانَ فِیْ هٰذِهٖۤ اَعْمٰى فَهُوَ فِی الْاٰخِرَةِ اَعْمٰى وَ اَضَلُّ سَبِیْلًا(۷۲)
اور جو اس زندگی میں (ف۱۶۲) اندھا ہو وہ آخرت میں اندھا ہے (ف۱۶۳) اور اوربھی زیادہ گمراہ،
ثم بين- سبحانه- سوء عاقبة من أوتى كتابه بشماله فقال: وَمَنْ كانَ فِي هذِهِ أَعْمى فَهُوَ فِي الْآخِرَةِ أَعْمى وَأَضَلُّ سَبِيلًا.والمراد بالعمى هنا: عمى القلب لا عمى العين، بدليل قوله- تعالى-: فَإِنَّها لا تَعْمَى الْأَبْصارُ وَلكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ.والمعنى: ومن كان من بنى آدم في هذه الدنيا أعمى القلب، مطموس البصيرة، بسبب إيثاره الكفر على الإيمان، فهو في الدار الآخرة أشد عمى، وأضل سبيلا منه في الدنيا، لأنه في الدنيا كان في إمكانه أن يتدارك ما فاته أما في الآخرة فلا تدارك لما فاته.وعبر- سبحانه- عن الذي أوتى كتابه بشماله بقوله- وَمَنْ كانَ فِي هذِهِ أَعْمى للإرشاد إلى العلة التي بسببها أصابه الشقاء في الآخرة، وهي- فقدانه النظر السليم، وإيثاره الغي على الرشد، والباطل على الحق..ومما يدل على أن المراد به من أوتى كتابه بشماله، مقابلته لمن أوتى كتابه بيمينه، كما جاء في آيات كثيرة منها قوله- تعالى-: فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ بِيَمِينِهِ فَيَقُولُ: هاؤُمُ اقْرَؤُا كِتابِيَهْ. إِنِّي ظَنَنْتُ أَنِّي مُلاقٍ حِسابِيَهْ. فَهُوَ فِي عِيشَةٍ راضِيَةٍ. فِي جَنَّةٍ عالِيَةٍ. قُطُوفُها دانِيَةٌ. كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئاً بِما أَسْلَفْتُمْ فِي الْأَيَّامِ الْخالِيَةِ. وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ بِشِمالِهِ فَيَقُولُ: يا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتابِيَهْ .وبذلك نرى الآيات الكريمة قد ساقت لبنى آدم من التكريم والتفضيل ما من شأنه أن يحملهم على إخلاص العبادة لخالقهم، وعلى امتثال أمره، واجتناب نهيه، لكي يكونوا من السعداء في دنياهم وآخرتهم.ثم حكى- سبحانه- جانبا من المسالك الخبيثة، التي سلكها المشركون مع النبي صلى الله عليه وسلم لزحزحته عن التمسك بدعوته، وكيف أن الله- تعالى- قد عصمه من كيدهم، فقال- سبحانه-:
وَ اِنْ كَادُوْا لَیَفْتِنُوْنَكَ عَنِ الَّذِیْۤ اَوْحَیْنَاۤ اِلَیْكَ لِتَفْتَرِیَ عَلَیْنَا غَیْرَهٗ ﳓ وَ اِذًا لَّاتَّخَذُوْكَ خَلِیْلًا(۷۳)
اور وہ تو قریب تھا کہ تمہیں کچھ لغزش دیتے ہماری وحی سے جو ہم نے تم کو بھیجی کہ تم ہماری طرف کچھ اور نسبت کردو، اور ایسا ہوتا تو وہ تم کو اپنا گہرا دو ست بنالیتے (ف۱۶۴)
ذكر المفسرون في سبب نزول الآية الأولى من هذه الآيات روايات منها ما جاء عن سعيد بن جبير أنه قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يستلم الحجر الأسود في طوافه، فمنعته قريش وقالوا: لا ندعك تستلم حتى تلم بآلهتنا ... فأبى الله- تعالى- ذلك، وأنزل عليه هذه الآية.وروى عطاء عن ابن عباس قال: نزلت في وفد ثقيف، أتوا النبي صلى الله عليه وسلم فسألوه شططا: وقالوا: متعنا بآلهتنا سنة حتى نأخذ ما يهدى لها. وحرم وادينا كما حرمت مكة، حتى تعرف العرب فضلنا عليهم ... فنزلت هذه الآية .وإِنْ في قوله وَإِنْ كادُوا لَيَفْتِنُونَكَ ... مخففة من الثقيلة، واسمها ضمير الشأن.وكاد من أفعال المقاربة. ولَيَفْتِنُونَكَ من الفتنة، وأصلها الاختبار والامتحان. يقال: فتن الصائغ الذهب، أى: اختبره ليعرف جيده من خبيثة، ويقال:فتنت الرجل عن رأيه، إذا أزلته عما كان عليه، وهو المراد هنا.والمعنى وإن شأن هؤلاء المشركين، أنهم قاربوا في ظنهم الباطل، وزعمهم الكاذب، أن يخدعوك ويفتنوك- أيها الرسول الكريم- عما أوحينا إليك من هذا القرآن، لكي تفترى علينا غيره، وتتقول علينا أقوالا ما أنزل الله بها من سلطان.وقوله: وَإِذاً لَاتَّخَذُوكَ خَلِيلًا بيان لحالهم مع الرسول صلى الله عليه وسلم لو أنه أطاعهم فيما اقترحوه عليه.قال الجمل ما ملخصه: «وإذا حرف جواب وجزاء يقدر بلو الشرطية. وقوله:لَاتَّخَذُوكَ جواب قسم محذوف تقديره: والله لاتخذوك، وهو مستقبل في المعنى، لأن إذا تقتضي الاستقبال، إذ معناها المجازاة، وهذا كقوله- تعالى-: وَلَئِنْ أَرْسَلْنا رِيحاً فَرَأَوْهُ مُصْفَرًّا لَظَلُّوا مِنْ بَعْدِهِ يَكْفُرُونَ أى: ليظلوا .والمعنى: لو أنك- أيها الرسول الكريم- وافقتهم على مقترحاتهم الفاسدة لأحبوا ذلك منك، ولصاروا أصدقاء لك في مستقبل أيامك.وقد بين القرآن الكريم في كثير من آياته، أن الرسول صلى الله عليه وسلم أعرض عن مقترحاتهم ورفضها، ولم يلتفت إليها، ومن ذلك قوله- تعالى-: وَإِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُنا بَيِّناتٍ قالَ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقاءَنَا ائْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هذا أَوْ بَدِّلْهُ، قُلْ ما يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِنْ تِلْقاءِ نَفْسِي، إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا ما يُوحى إِلَيَّ، إِنِّي أَخافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ. قُلْ لَوْ شاءَ اللَّهُ ما تَلَوْتُهُ عَلَيْكُمْ وَلا أَدْراكُمْ بِهِ، فَقَدْ لَبِثْتُ فِيكُمْ عُمُراً مِنْ قَبْلِهِ أَفَلا تَعْقِلُونَ .
وَ لَوْ لَاۤ اَنْ ثَبَّتْنٰكَ لَقَدْ كِدْتَّ تَرْكَنُ اِلَیْهِمْ شَیْــٴًـا قَلِیْلًاۗۙ(۷۴)
اور اگر ہم تمہیں (ف۱۶۵) ثابت قدم نہ رکھتے تو قریب تھا کہ تم ان کی طرف کچھ تھوڑا سا جھکتے
ثم بين- سبحانه- بعض مظاهر فضله على نبيه صلى الله عليه وسلم فقال: وَلَوْلا أَنْ ثَبَّتْناكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئاً قَلِيلًا.أى: ولولا تثبيتنا إياك- أيها الرسول الكريم- على ما أنت عليه من الحق والصدق، بأن عصمناك من كيدهم لقاربت أن تميل ميلا قليلا، بسبب شدة احتيالهم وخداعهم.قال بعض العلماء: وهذه الآية أوضحت غاية الإيضاح، براءة نبينا صلى الله عليه وسلم من مقاربة الركون إلى الكفار، فضلا عن نفس الركون لأن لَوْلا حرف امتناع لوجود، فمقاربة الركون منعتها لَوْلا الامتناعية لوجود التثبيت من الله- تعالى- لأكرم خلقه صلى الله عليه وسلم فاتضح يقينا انتفاء مقاربة الركون- أى الميل-، فضلا عن الركون نفسه.وهذه الآية تبين ما قبلها، وأنه صلى الله عليه وسلم لم يقارب الركون إليهم مطلقا. لأن قوله:لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئاً قَلِيلًا أى: قاربت تركن إليهم، هو عين الممنوع بلو لا الامتناعية .ومما يشهد بأن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يقارب الركون من مقترحات الكافرين، قول ابن عباس- رضى الله عنهما- كان رسول الله صلى الله عليه وسلم معصوما، ولكن هذا تعريف للأمة، لئلا يركن أحد منهم إلى المشركين في شيء من أحكام الله- تعالى- وشرائعه.وعن قتادة أنه قال: لما نزلت هذه الآية، قال النبي صلى الله عليه وسلم «اللهم لا تكلني إلى نفسي طرفة عين» .
اِذًا لَّاَذَقْنٰكَ ضِعْفَ الْحَیٰوةِ وَ ضِعْفَ الْمَمَاتِ ثُمَّ لَا تَجِدُ لَكَ عَلَیْنَا نَصِیْرًا(۷۵)
اور ایسا ہوتا تو ہم تم کو دُونی عمر اور دو چند موت (ف۱۶۶) کا مزہ دیتے پھر تم ہمارے مقابل اپنا کوئی مددگار نہ پاتے،
ثم بين- سبحانه- ما كان سيترتب على الركون إليهم- على سبيل الفرض من عقاب فقال- تعالى-: إِذاً لَأَذَقْناكَ ضِعْفَ الْحَياةِ وَضِعْفَ الْمَماتِ، ثُمَّ لا تَجِدُ لَكَ عَلَيْنا نَصِيراً.والضعف: عبارة عن أن يضم إلى شيء مثله.أى: لو قاربت- أيها الرسول الكريم- أن تركن إليهم أقل ركون، أو تميل إليهم أدنى ميل، لأنزلنا بك عذابا مضاعفا في الدنيا وعذابا مضاعفا في الآخرة، ثم لا تجد لك بعد ذلك نصيرا ينصرك علينا، أو ظهيرا يدفع عنك عذابنا، أو يحميك منه، كما قال- تعالى-:وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنا بَعْضَ الْأَقاوِيلِ. لَأَخَذْنا مِنْهُ بِالْيَمِينِ. ثُمَّ لَقَطَعْنا مِنْهُ الْوَتِينَ.والسبب في تضعيف العذاب، أن الخطأ يعظم بمقدار عظم صاحبه، ويصغر بمقدار صغره، ورحم الله القائل:وكبائر الرجل الصغير صغائر ... وصغائر الرجل الكبير كبائروالرسول صلى الله عليه وسلم هو أعظم الخلق على الإطلاق، لذا توعده الله- تعالى- بمضاعفة العذاب، لو ركن إلى المشركين أدنى ركون.وقريب من هذا المعنى قوله- تعالى- يا نِساءَ النَّبِيِّ مَنْ يَأْتِ مِنْكُنَّ بِفاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ يُضاعَفْ لَهَا الْعَذابُ ضِعْفَيْنِ، وَكانَ ذلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيراً .قال صاحب الكشاف: وفي ذكر الكيدودة وتقليلها، مع إتباعها الوعيد الشديد بالعذاب المضاعف في الدارين، دليل بين على أن القبيح يعظم قبحه بمقدار عظم شأن فاعله وارتفاع منزلته، وفيه دليل على أن أدنى مداهنه للغواة، مضادة لله وخروج عن ولايته، وسبب موجب لغضبه ونكاله. فعلى المؤمن إذا تلا هذه الآيات أن يجثو عندها ويتدبرها فهي جديرة بالتدبر وبأن يستشعر الناظر فيها الخشية وازدياد التصلب في دين الله .
وَ اِنْ كَادُوْا لَیَسْتَفِزُّوْنَكَ مِنَ الْاَرْضِ لِیُخْرِجُوْكَ مِنْهَا وَ اِذًا لَّا یَلْبَثُوْنَ خِلٰفَكَ اِلَّا قَلِیْلًا(۷۶)
اور بیشک قریب تھا کہ وہ تمہیں اس زمین سے (ف۱۶۷) ڈگا دیں (کھسکادیں) کہ تمہیں اس سے باہر کردیں اور ایسا ہوتا تو وہ تمہارے پیچھے نہ ٹھہرتے مگر تھوڑا (ف۱۶۸)
ثم ذكر- سبحانه- مكيدة أخرى من مكايد المشركين، وهي محاولتهم إخراج النبي صلى الله عليه وسلم من بلده، لكي يعكفوا على عبادة آلهتهم الباطلة دون أن ينهاهم عن ذلك أحد، فقال- تعالى-: وَإِنْ كادُوا لَيَسْتَفِزُّونَكَ مِنَ الْأَرْضِ لِيُخْرِجُوكَ مِنْها....قال الإمام ابن كثير عند تفسيره لهذه الآية ما ملخصه: قيل نزلت في اليهود إذ أشاروا على النبي صلى الله عليه وسلم بسكنى الشام، بلاد الأنبياء وترك سكنى المدينة وهذا القول ضعيف لأن هذه الآية مكية وسكنى المدينة كان بعد ذلك ...ثم قال: وقيل نزلت في كفار قريش، حين هموا بإخراج الرسول صلى الله عليه وسلم من بين أظهرهم، فتوعدهم الله- تعالى- بهذه الآية: وأنهم لو أخرجوه لما لبثوا بعده بمكة إلا زمنا يسيرا ... .وما ذهب إليه ابن كثير- رحمه الله- من أن الآية مكية، هو الذي تسكن إليه النفس.فيكون المعنى: وَإِنْ كادُوا أى: كفار مكة لَيَسْتَفِزُّونَكَ مِنَ الْأَرْضِ أى:ليزعجونك ويحملونك على الخروج من الأرض التي على ترابها ولدت وفيها نشأت، وهي أرض مكة.وقوله: وَإِذاً لا يَلْبَثُونَ خِلافَكَ إِلَّا قَلِيلًا بيان لسوء مصيرهم إذا ما أخرجوه صلى الله عليه وسلم من مكة.أى: ولو أنهم استفزوك وأجبروك على الخروج إجبارا، لما لبثوا خِلافَكَ أى: بعد خروجك إلا زمنا قليلا، ثم يصيبهم ما يصيبهم من الهلاك والنقم.ومع أن الرسول صلى الله عليه وسلم قد خرج من مكة مهاجرا بأمر ربه إلا أنه- سبحانه- قد مكن نبيه صلى الله عليه وسلم وأصحابه من مشركي مكة في غزوة بدر، فقتلوا منهم سبعين، وأسروا نحو ذلك، وكانت المدة بين هجرته صلى الله عليه وسلم وبين غزوة بدر تقل عن سنتين.وهكذا حقق الله- تعالى- وعده لنبيه صلى الله عليه وسلم وأنزل وعيده بأعدائه.
سُنَّةَ مَنْ قَدْ اَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِنْ رُّسُلِنَا وَ لَا تَجِدُ لِسُنَّتِنَا تَحْوِیْلًا۠(۷۷)
دستور ان کا جو ہم نے تم سے پہلے رسول بھیجے (ف۱۶۹) اور تم ہمارا قانون بدلتا نہ پاؤ گے،
ثم بين- سبحانه- أن نصرة رسله سنة من سننه التي لا تتخلف فقال: سُنَّةَ مَنْ قَدْ أَرْسَلْنا قَبْلَكَ مِنْ رُسُلِنا، وَلا تَجِدُ لِسُنَّتِنا تَحْوِيلًا.ولفظ سُنَّةَ منصوب على أنه مصدر مؤكد، أى: سن الله ما قصه عليك سنة، وهذه السنة هي أننا لا نترك بدون عقاب أمة أخرجت رسولها من أرضه، وقد فعلنا ذلك مع الأقوام السابقين الذين أخرجوا أنبياءهم من ديارهم ولا تجد- أيها الرسول الكريم- لسنتنا وطريقتنا تحويلا أو تبديلا، ولولا أننا قد منعنا عن قومك عذاب الاستئصال لوجودك فيهم، لأهلكناهم بسبب إيذائهم لك، وتطاولهم عليك.قال- تعالى-: وَما كانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ....وبذلك نرى الآيات الكريمة قد حكت لنا جانبا من المسالك الخبيثة التي اتبعها المشركون مع النبي صلى الله عليه وسلم كما حكت لنا ألوانا من فضل الله- تعالى- على نبيه صلى الله عليه وسلم حيث عصمه من أى ركون إليهم ووعده بالنصر عليهم.ثم أرشد الله- تعالى- رسوله صلى الله عليه وسلم إلى ما يعينه على التغلب على كيد المشركين، وإلى ما يزيده رفعة في الدرجة، وبشره بأن ما معه من حق، سيزهق ما مع أعدائه من باطل فقال- تعالى-:وهكذا حقق الله- تعالى- وعده لنبيه صلى الله عليه وسلم وأنزل وعيده بأعدائه.قال الإمام الرازي ما ملخصه: وفي نظم هذه الآيات مع ما قبلها وجوه، الأول: أنه- تعالى- لما قرر الإلهيات والمعاد والنبوات، أردفها بذكر الأمر بالطاعات. وأشرف الطاعات. بعد الإيمان الصلاة فلهذا أمر بها.الثاني: أنه- تعالى- لما قال: وَإِنْ كادُوا لَيَسْتَفِزُّونَكَ مِنَ الْأَرْضِ لِيُخْرِجُوكَ مِنْها.أمره- تعالى- بالإقبال على عبادته لكي ينصره عليهم.. كما قال- تعالى-: وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِما يَقُولُونَ. فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ. وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ ....
اَقِمِ الصَّلٰوةَ لِدُلُوْكِ الشَّمْسِ اِلٰى غَسَقِ الَّیْلِ وَ قُرْاٰنَ الْفَجْرِؕ-اِنَّ قُرْاٰنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُوْدًا(۷۸)
نماز قائم رکھو سورج ڈھلنے سے رات کی اندھیری تک (ف۱۷۰) اور صبح کا قرآن (ف۱۷۱) بیشک صبح کے قرآن میں فرشتے حاضر ہوتے ہیں (ف۱۷۲)
وقوله- سبحانه- أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ أى: داوم- أيها الرسول الكريم- على إقامة الصلاة، من وقت زوالها وميلها عن وسط السماء لجهة الغرب. يقال:دلكت الشمس تدلك- بضم اللام- إذا مالت وانتقلت من وسط السماء إلى ما يليه. ومادة دلك تدل على التحول والانتقال.ولذلك سمى الدلاك بهذا الاسم. لأن يده لا تكاد تستقر على مكان معين من الجسم.وتفسير دلوك الشمس هذا بمعنى ميلها وزوالها عن كبد السماء، مروى عن جمع من الصحابة والتابعين منهم عمر بن الخطاب، وابنه عبد الله، وأنس، وابن عباس، والحسن، ومجاهد.وقيل المراد بدلوك الشمس هنا غروبها. وقد روى ذلك عن على، وابن مسعود، وابن زيد.قال بعض العلماء: والقول الأول عليه الجمهور، وقالوا: الصلاة التي أمر بها ابتداء من هذا الوقت، هي صلاة الظهر، وقد أيدوا هذا القول بوجوه منها: ما روى عن جابر أنه قال: طعم عندي رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه. ثم خرجوا حين زالت الشمس، فقال صلى الله عليه وسلم هذا حين دلكت الشمس.ومن الوجوه- أيضا- النقل عن أهل اللغة، فقد قالوا: إن الدلوك في كلام العرب:الزوال، ولذا قيل للشمس إذا زالت. دالكة .وقوله: إِلى غَسَقِ اللَّيْلِ أى: إلى شدة ظلمته.قال القرطبي: يقال: غسق الليل غسوقا. وأصل الكلمة من السيلان. يقال: غسقت العين إذ سالت تغسق. وغسق الجرح غسقانا، أى: سال منه ماء أصفر ... وغسق الليل:اجتماع الليل وظلمته.وقال: أبو عبيدة: الغسق: سواد الليل ... » .والمراد من الصلاة التي تقام من بعد دلوك الشمس إلى غسق الليل: صلاة الظهر والعصر والمغرب والعشاء.وقوله- تعالى-: وَقُرْآنَ الْفَجْرِ معطوف على مفعول أَقِمِ وهو الصلاة.والمراد بقرآن الفجر: صلاة الفجر. وسميت قرآنا، لأن القراءة ركن من أركانها، من تسمية الشيء باسم جزئه، كتسمية الصلاة ركوعا وسجودا وقنوتا.وقوله إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كانَ مَشْهُوداً تنويه بشأن صلاة الفجر، وإعلاء من شأنها.أى: داوم- أيها الرسول الكريم- على أداء صلاة الظهر والعصر والمغرب والعشاء، وداوم على صلاة الفجر- أيضا- فإن صلاتها مشهودة من الملائكة ومن الصالحين من عباد الله- عز وجل-.قال الإمام ابن كثير ما ملخصه: وقد ثبتت السنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم تواترا من أفعاله وأقواله بتفاصيل هذه الأوقات على ما عليه أهل الإسلام اليوم، مما تلقوه خلفا عن سلف، وقرنا بعد قرن.روى البخاري عن أبى هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «فضل صلاة الجميع على صلاة الواحد، خمس وعشرون درجة، وتجتمع ملائكة الليل وملائكة النهار في صلاة الفجر» .يقول أبو هريرة: اقرءوا إن شئتم: وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كانَ مَشْهُوداً.... .وقال الإمام الفخر الرازي: وفي الآية احتمال، وهو أن يكون المراد من قوله- تعالى-:إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كانَ مَشْهُوداً الترغيب في أن تؤدى هذه الصلاة بالجماعة. ويكون المعنى: إن صلاة الفجر مشهودة بالجماعة الكثيرة» .
وَ مِنَ الَّیْلِ فَتَهَجَّدْ بِهٖ نَافِلَةً لَّكَ ﳓ عَسٰۤى اَنْ یَّبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَّحْمُوْدًا(۷۹)
اور رات کے کچھ حصہ میں تہجد کرو یہ خاص تمہارے لیے زیادہ ہے (ف۱۷۳) قریب ہے کہ تمہیں تمہارا رب ایسی جگہ کھڑا کرے جہاں سب تمہاری حمد کریں (ف۱۷۴)
وقوله- سبحانه- وَمِنَ اللَّيْلِ، فَتَهَجَّدْ بِهِ نافِلَةً لَكَ إرشاد إلى عبادة أخرى من العبادات التي تطهر القلب، وتسمو بالنفس إلى مراقى الفلاح، وتعينها على التغلب على الهموم والآلام.والجار والمجرور وَمِنَ اللَّيْلِ متعلق بقوله فَتَهَجَّدْ أى. تهجد بالقرآن بعض الليل. أو متعلق بمحذوف تقديره: وقم قومة من الليل فتهجد، ومِنَ للتبعيض.قال الجمل: والمعروف في كلام العرب أن الهجود عبارة عن النوم بالليل. يقال: هجد فلان، إذا نام بالليل.ثم لما رأينا في عرف الشرع أنه يقال لمن انتبه بالليل من نومه وقام إلى الصلاة أنه متهجد، وجب أن يقال: سمى ذلك متهجدا من حيث أنه ألقى الهجود. فالتهجد ترك الهجود وهو النوم ... » .والضمير في بِهِ يعود إلى القرآن الكريم، المذكور في قوله- تعالى- وَقُرْآنَ الْفَجْرِ، إلا أنه ذكر في الآية السابقة بمعنى الصلاة، وذكر هنا بمعناه المشهور، ففي الكلام ما يسمى في البلاغة بالاستخدام.والنافلة: الزيادة على الفريضة، والجمع نوافل. يقال: تنفل فلان على أصحابه، إذا أخذ زيادة عنهم.أى: واجعل- أيها الرسول الكريم- جانبا من الليل، تقوم فيه، لتصلي صلاة زائدة على الصلوات الخمس التي فرضها الله- تعالى- عليك وعلى أمتك.قال- تعالى-: يا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا. نِصْفَهُ أَوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلًا. أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا.قالوا: وقيام الليل كان واجبا في حقه صلى الله عليه وسلم بصفة خاصة، زيادة على الصلاة المفروضة.أخرج البيهقي في سننه عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «ثلاث هن على فرائض، وهن لكم سنة: الوتر، والسواك، وقيام الليل» .ومن العلماء من يرى أن قيام الليل كان مندوبا في حقه صلى الله عليه وسلم كما هو الشأن في أمته، ومعنى نافِلَةً لَكَ أى: زيادة في رفع درجاتك، فإن الله قد غفر لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر، أما غيرك فقد شرعنا له النافلة تكفيرا لخطاياه.وقوله- عز وجل-: عَسى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقاماً مَحْمُوداً بيان لما يترتب على أدائه للصلوات بخشوع وخضوع، من سمو في المكانة، ورفعة في الدرجة.وكلمة عسى في كلام العرب تفيد التوقع، أما في كلام الله- تعالى- فتفيد الوجوب والقطع.قال الجمل: اتفق المفسرون على أن كلمة عَسى من الله- تعالى- تدخل فيما هو قطعى الوقوع، لأن لفظ عسى يفيد الإطماع، ومن أطمع إنسانا في شيء، ثم حرمه، كان عارا عليه والله- تعالى- أكرم من أن يطمع أحدا ثم لا يعطيه ما أطمعه فيه» .أى: داوم أيها الرسول الكريم على عبادة الله وطاعته لنبعثك يوم القيامة ونقيمك مقاما محمودا، ومكانا عاليا، يحمدك فيه الخلائق كلهم.والمراد بالمقام المحمود هنا، هو مقام الشفاعة العظمى يوم القيامة. ليريح الناس من الكرب الشديد، في موقف الحساب.وقد ساق الإمام ابن كثير عند تفسيره لهذه الآية جملة من الأحاديث في هذا منها:ما أخرجه البخاري عن ابن عمر قال: إن الناس يصيرون يوم القيامة جثا- جمع جثوة كخطوة وخطا- أى جماعات- كل أمة تتبع نبيها، يقولون: يا فلان اشفع، يا فلان اشفع، حتى تنتهي الشفاعة إلى محمد صلى الله عليه وسلم، فذلك يوم يبعثه الله مقاما محمودا» .وروى الإمام أحمد والترمذي عن أبى بن كعب عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إذا كان يوم القيامة، كنت إمام الأنبياء وخطيبهم. وصاحب شفاعتهم غير فخر» .وروى ابن جرير عن أبى هريرة أن الرسول صلى الله عليه وسلم سئل عن قوله- تعالى-:عَسى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقاماً مَحْمُوداً فقال: «هو المقام الذي أشفع لأمتى فيه» .وقال الآلوسى: والمراد بذلك المقام، مقام الشفاعة العظمى في فصل القضاء حيث لا أحد إلا وهو تحت لوائه صلى الله عليه وسلم، فقد أخرج البخاري وغيره عن ابن عمر قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إن الشمس لتدنو حتى يبلع العرق نصف الأذن، فبينما هم كذلك، استغاثوا بآدم، فيقول: لست بصاحب ذلك، ثم موسى فيقول كذلك. ثم محمد فيشفع فيقضى الله- تعالى- بين الخلق، فيمشى صلى الله عليه وسلم حتى يأخذ بحلقة باب الجنة، فيومئذ يبعثه الله- تعالى- مقاما محمودا، يحمده أهل الجمع كلهم» .
وَ قُلْ رَّبِّ اَدْخِلْنِیْ مُدْخَلَ صِدْقٍ وَّ اَخْرِجْنِیْ مُخْرَ جَ صِدْقٍ وَّ اجْعَلْ لِّیْ مِنْ لَّدُنْكَ سُلْطٰنًا نَّصِیْرًا(۸۰)
اور یوں عرض کرو کہ اے میرے رب مجھے سچی طرح داخل کر اور سچی طرح باہر لے جا (ف۱۷۵) اور مجھے اپنی طرف سے مددگار غلبہ دے (ف۱۷۶)
ثم أمر الله- تعالى- رسوله صلى الله عليه وسلم بأن يكثر من اللجوء إليه عن طريق الدعاء، بعد أن أمره بذلك عن طريق المداومة على الصلاة، فقال- تعالى-: وَقُلْ رَبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ، وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ، وَاجْعَلْ لِي مِنْ لَدُنْكَ سُلْطاناً نَصِيراً.والمدخل والمخرج- يضم الميم فيهما- مصدران بمعنى الإدخال والإخراج، فهما كالمجرى والمرسى وإضافتهما إلى الصدق من إضافة الموصوف لصفته.قال الآلوسى: واختلف في تعيين المراد من ذلك، فأخرج الزبير بن بكار عن زيد بن أسلم، أن المراد: بالإدخال: دخول المدينة، وبالإخراج: الخروج من مكة، ويدل عليه ما أخرجه أحمد، والطبراني، والترمذي وحسنه، والحاكم وصححه، وجماعة، عن ابن عباس قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم بمكة، ثم أمر بالهجرة، فأنزل الله- تعالى- عليه هذه الآية. وبدأ بالإدخال لأنه الأهم ...ثم قال: والأظهر أن المراد إدخاله- عليه الصلاة والسلام- إدخالا مرضيا في كل ما يدخل فيه ويلابسه من مكان أو أمر، وإخراجه- من كل ما يخرج منه خروجا مرضيا- كذلك-، فتكون الآية عامة في جميع الموارد والمصادر ... » .ويبدو لنا أن المعنى الذي أشار إليه الآلوسى- رحمه الله- بأنه الأظهر، هو الذي تسكن إليه النفس، ويدخل فيه غيره دخولا أوليا، ويكون المعنى:وقل- أيها الرسول الكريم- متضرعا إلى ربك: يا رب أدخلنى إدخالا مرضيا صادقا في كل ما أدخل فيه من أمر أو مكان، وأخرجنى كذلك إخراجا طيبا صادقا من كل أمر أو مكان.والمراد بالسلطان في قوله- تعالى-: وَاجْعَلْ لِي مِنْ لَدُنْكَ سُلْطاناً نَصِيراً الحجة البينة الواضحة التي تقنع العقول، والقوة الغالبة التي ترهب المبطلين.أى: واجعل لي- يا إلهى- من عندك حجة تنصرني بها على من خالفني، وقوة تعينني بها على إقامة دينك، وإزالة الشرك والكفر.وقد وضح صاحب الكشاف هذا المعنى فقال: قوله: وَاجْعَلْ لِي مِنْ لَدُنْكَ سُلْطاناً نَصِيراً أى: حجة تنصرني على من خالفني، أو ملكا وعزا قويا ناصرا للإسلام على الكفر، مظهرا له عليه، فأجيبت دعوته بقوله:وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغالِبُونَ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ. ووعده لينزعن ملك فارس والروم فيجعله له.وعنه صلى الله عليه وسلم أنه استعمل «عتاب بن أسيد» على أهل مكة وقال: انطلق فقد استعملتك على أهل الله، فكان شديدا على المريب. لينا على المؤمن، وقال: لا والله لا أعلم متخلفا يتخلف عن الصلاة في جماعة إلا ضربت عنقه، فإنه لا يتخلف عن الصلاة إلا منافق. فقال أهل مكة: يا رسول الله لقد استعملت على أهل الله «عتاب بن أسيد» أعرابيا جافيا.فقال صلى الله عليه وسلم: «إنى رأيت فيما يرى النائم كأن عتاب بن أسيد أتى باب الجنة، فأخذ بحلقة الباب فقلقلها قلقالا شديدا، حتى فتح له فدخلها، فأعز الله به الإسلام لنصرته المسلمين على من يريد ظلمهم، فذلك السلطان النصير» .وقال ابن كثير- بعد أن ساق بعض الأقوال في معنى الآية الكريمة- قوله: وَاجْعَلْ لِي مِنْ لَدُنْكَ سُلْطاناً نَصِيراً قال الحسن البصري في تفسيرها: وعده ربه لينزعن ملك فارس والروم وليجعلنه له.وقال قتادة فيها: إن نبي الله علم أن لا طاقة له بهذا الأمر إلا بسلطان. فسأل سلطانا نصيرا لكتاب الله. ولحدود الله، ولفرائض الله، ولإقامة دين الله، فإن السلطان رحمة من الله جعله بين أظهر عباده، ولولا ذلك لأغار بعضهم على بعض فأكل شديدهم ضعيفهم ...ثم قال ابن كثير: واختار ابن جرير قول الحسن وقتادة، وهو الأرجح، لأنه لا بد مع الحق من قهر لمن عاداه وناوأه، ولهذا يقول- تعالى-: لَقَدْ أَرْسَلْنا رُسُلَنا بِالْبَيِّناتِ، وَأَنْزَلْنا مَعَهُمُ الْكِتابَ وَالْمِيزانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ، وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنافِعُ لِلنَّاسِ....وفي الحديث : «إن الله ليزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن» أى: ليمنع بالسلطان عن ارتكاب الفواحش والآثام، ما لا يمتنع كثير من الناس عن ارتكابه بالقرآن وما فيه من الوعيد الأكيد، والتهديد الشديد، وهذا هو الواقع» .وفي قوله- تعالى-: وَاجْعَلْ لِي مِنْ لَدُنْكَ تصوير بديع لشدة القرب والاتصال بالله- تعالى- واستمداد العون منه- سبحانه- مباشرة، واللجوء إلى حماه بدون وساطة من أحد.
- English | Ahmed Ali
- Urdu | Ahmed Raza Khan
- Turkish | Ali-Bulaç
- German | Bubenheim Elyas
- Chinese | Chineese
- Spanish | Cortes
- Dutch | Dutch
- Portuguese | El-Hayek
- English | English
- Urdu | Fateh Muhammad Jalandhry
- French | French
- Hausa | Hausa
- Indonesian | Indonesian-Bahasa
- Italian | Italian
- Korean | Korean
- Malay | Malay
- Russian | Russian
- Tamil | Tamil
- Thai | Thai
- Farsi | مکارم شیرازی
- العربية | التفسير الميسر
- العربية | تفسير الجلالين
- العربية | تفسير السعدي
- العربية | تفسير ابن كثير
- العربية | تفسير الوسيط لطنطاوي
- العربية | تفسير البغوي
- العربية | تفسير القرطبي
- العربية | تفسير الطبري
- English | Arberry
- English | Yusuf Ali
- Dutch | Keyzer
- Dutch | Leemhuis
- Dutch | Siregar
- Urdu | Sirat ul Jinan