READ

Surah al-Hashr

اَلْحَشْر
24 Ayaat    مدنیۃ


59:0
بِسْمِ اللّٰهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحِیْمِ
اللہ کے نام سے شروع جو بہت مہربان رحمت والا

( بسم الله الرحمن الرحيم )يقال لها : الفاتحة ، أي فاتحة الكتاب خطا ، وبها تفتح القراءة في الصلاة ، ويقال لها أيضا : أم الكتاب عند الجمهور ، وكره أنس ، والحسن وابن سيرين كرها تسميتها بذلك ، قال الحسن وابن سيرين : إنما ذلك اللوح المحفوظ ، وقال الحسن : الآيات المحكمات : هن أم الكتاب ، ولذا كرها - أيضا - أن يقال لها أم القرآن وقد ثبت في [ الحديث ] الصحيح عند الترمذي وصححه عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : الحمد لله أم القرآن وأم الكتاب والسبع المثاني والقرآن العظيم ويقال لها : الحمد ، ويقال لها : الصلاة ، لقوله عليه السلام عن ربه : قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين ، فإذا قال العبد : الحمد لله رب العالمين ، قال الله : حمدني عبدي الحديث . فسميت الفاتحة صلاة ؛ لأنها شرط فيها . ويقال لها : الشفاء ؛ لما رواه الدارمي عن أبي سعيد مرفوعا : فاتحة الكتاب شفاء من كل سم . ويقال لها : الرقية ؛ لحديث أبي سعيد في الصحيح حين رقى بها الرجل السليم ، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : وما يدريك أنها رقية ؟ . وروى الشعبي عن ابن عباس أنه سماها : أساس القرآن ، قال : فأساسها بسم الله الرحمن الرحيم ، وسماها سفيان بن عيينة : الواقية . وسماها يحيى بن أبي كثير : الكافية ؛ لأنها تكفي عما عداها ولا يكفي ما سواها عنها ، كما جاء في بعض الأحاديث المرسلة : أم القرآن عوض من غيرها ، وليس غيرها عوضا عنها . ويقال لها : سورة الصلاة والكنز ، ذكرهما الزمخشري في كشافه . وهي مكية ، قاله ابن عباس وقتادة وأبو العالية ، وقيل مدنية ، قاله أبو هريرة ومجاهد وعطاء بن يسار والزهري . ويقال : نزلت مرتين : مرة بمكة ، ومرة بالمدينة ، والأول أشبه لقوله تعالى : ( ولقد آتيناك سبعا من المثاني ) [ الحجر : 87 ] ، والله أعلم . وحكى أبو الليث السمرقندي أن نصفها نزل بمكة ونصفها الآخر نزل بالمدينة ، وهو غريب جدا ، نقله القرطبي عنه . وهي سبع آيات بلا خلاف ، [ وقال عمرو بن عبيد : ثمان ، وقال حسين الجعفي : ستة وهذان شاذان ] . وإنما اختلفوا في البسملة : هل هي آية مستقلة من أولها كما هو عند جمهور قراء الكوفة وقول الجماعة من الصحابة والتابعين وخلق من الخلف ، أو بعض آية أو لا تعد من أولها بالكلية ، كما هو قول أهل المدينة من القراء والفقهاء ؟ على ثلاثة أقوال ، سيأتي تقريره في موضعه إن شاء الله تعالى ، وبه الثقة .قالوا : وكلماتها خمس وعشرون كلمة ، وحروفها مائة وثلاثة عشر حرفا . قال البخاري في أول كتاب التفسير : وسميت أم الكتاب سورة الفاتحة ، لأنه يبدأ بكتابتها في المصاحف ، ويبدأ بقراءتها في الصلاة وقيل : إنما سميت بذلك لرجوع معاني القرآن كله إلى ما تضمنته . قال ابن جرير : والعرب تسمي كل جامع أمر أو مقدم لأمر - إذا كانت له توابع تتبعه هو لها إمام جامع - أما ، فتقول للجلدة التي تجمع الدماغ ، أم الرأس ، ويسمون لواء الجيش ورايتهم التي يجتمعون تحتها أما ، واستشهد بقول ذي الرمة :على رأسه أم لنا نقتدي بها جماع أمور ليس نعصي لها أمرايعني : الرمح . قال : وسميت مكة : أم القرى لتقدمها أمام جميعها وجمعها ما سواها ، وقيل : لأن الأرض دحيت منها .ويقال لها أيضا : الفاتحة ؛ لأنها تفتتح بها القراءة ، وافتتحت الصحابة بها كتابة المصحف الإمام ، وصح تسميتها بالسبع المثاني ، قالوا : لأنها تثنى في الصلاة ، فتقرأ في كل ركعة ، وإن كان للمثاني معنى آخر غير هذا ، كما سيأتي بيانه في موضعه إن شاء الله . قال الإمام أحمد : حدثنا يزيد بن هارون ، أنبأنا ابن أبي ذئب وهاشم بن هاشم عن ابن أبي ذئب ، عن المقبري ، عن أبي هريرة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال لأم القرآن : هي أم القرآن ، وهي السبع المثاني ، وهي القرآن العظيم . ثم رواه عن إسماعيل بن عمر عن ابن أبي ذئب به ، وقال أبو جعفر محمد بن جرير الطبري : حدثني يونس بن عبد الأعلى ، أنا ابن وهب ، أخبرني ابن أبي ذئب ، عن سعيد المقبري ، عن أبي هريرة ، رضي الله عنه ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : هي أم القرآن ، وهي فاتحة الكتاب ، وهي السبع المثاني . وقال الحافظ أبو بكر أحمد بن موسى بن مردويه في تفسيره : حدثنا أحمد بن محمد بن زياد ، ثنا محمد بن غالب بن حارث ، ثنا إسحاق بن عبد الواحد الموصلي ، ثنا المعافى بن عمران ، عن عبد الحميد بن جعفر ، عن نوح بن أبي بلال ، عن المقبري ، عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : الحمد لله رب العالمين سبع آيات : بسم الله الرحمن الرحيم إحداهن ، وهي السبع المثاني والقرآن العظيم ، وهي أم الكتاب .وقد رواه الدارقطني أيضا عن أبي هريرة مرفوعا بنحوه أو مثله ، وقال : كلهم ثقات . وروى البيهقي عن علي وابن عباس وأبي هريرة أنهم فسروا قوله تعالى : ( سبعا من المثاني ) [ الحجر : 87 ] بالفاتحة ، وأن البسملة هي الآية السابعة منها ، وسيأتي تمام هذا عند البسملة .وقد روى الأعمش عن إبراهيم قال : قيل لابن مسعود : لم لم تكتب الفاتحة في مصحفك ؟ قال : لو كتبتها لكتبتها في أول كل سورة . قال أبو بكر بن أبي داود : يعني حيث يقرأ في الصلاة ، قال : واكتفيت بحفظ المسلمين لها عن كتابتها .وقد قيل : إن الفاتحة أول شيء نزل من القرآن ، كما ورد في حديث رواه البيهقي في دلائل النبوة ونقله الباقلاني أحد أقوال ثلاثة هذا [ أحدها ] وقيل : ( يا أيها المدثر كما في حديث جابر في الصحيح . وقيل : ( اقرأ باسم ربك الذي خلق ) [ العلق : 1 ] وهذا هو الصحيح ، كما سيأتي تقريره في موضعه ، والله المستعان.ذكر ما ورد في فضل الفاتحةقال الإمام أحمد بن محمد بن حنبل - رحمه الله - في مسنده : حدثنا يحيى بن سعيد ، عن شعبة ، حدثني خبيب بن عبد الرحمن ، عن حفص بن عاصم ، عن أبي سعيد بن المعلى - رضي الله عنه - قال : كنت أصلي فدعاني رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فلم أجبه حتى صليت وأتيته ، فقال : ما منعك أن تأتيني ؟ . قال : قلت : يا رسول الله ، إني كنت أصلي . قال : ألم يقل الله : ( يا أيها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم ) [ الأنفال : 24 ] ثم قال : لأعلمنك أعظم سورة في القرآن قبل أن تخرج من المسجد . قال : فأخذ بيدي ، فلما أراد أن يخرج من المسجد قلت : يا رسول الله إنك قلت : لأعلمنك أعظم سورة في القرآن . قال : نعم ، الحمد لله رب العالمين هي : السبع المثاني والقرآن العظيم الذي أوتيته .وهكذا رواه البخاري عن مسدد ، وعلي بن المديني ، كلاهما عن يحيى بن سعيد القطان ، به . ورواه في موضع آخر من التفسير ، وأبو داود ، والنسائي ، وابن ماجه من طرق عن شعبة ، به . ورواه الواقدي عن محمد بن معاذ الأنصاري ، عن خبيب بن عبد الرحمن ، عن حفص بن عاصم ، عن أبي سعيد بن المعلى ، عن أبي بن كعب ، فذكر نحوه .وقد وقع في الموطأ للإمام مالك بن أنس ، ما ينبغي التنبيه عليه ، فإنه رواه مالك عن العلاء بن عبد الرحمن بن يعقوب الحرقي : أن أبا سعيد مولى عامر بن كريز أخبرهم ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نادى أبي بن كعب ، وهو يصلي في المسجد ، فلما فرغ من صلاته لحقه ، قال : فوضع النبي صلى الله عليه وسلم يده على يدي ، وهو يريد أن يخرج من باب المسجد ، ثم قال : إني لأرجو ألا تخرج من باب المسجد حتى تعلم سورة ما أنزل في التوراة ولا في الإنجيل ولا في الفرقان مثلها . قال أبي : فجعلت أبطئ في المشي رجاء ذلك ، ثم قلت : يا رسول الله ، ما السورة التي وعدتني ؟ قال : كيف تقرأ إذا افتتحت الصلاة ؟ قال : فقرأت عليه : ( الحمد لله رب العالمين حتى أتيت على آخرها ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : هي هذه السورة ، وهي السبع المثاني والقرآن العظيم الذي أعطيت . فأبو سعيد هذا ليس بأبي سعيد بن المعلى ، كما اعتقده ابن الأثير في جامع الأصول ومن تبعه ، فإن ابن المعلى صحابي أنصاري ، وهذا تابعي من موالي خزاعة ، وذاك الحديث متصل صحيح ، وهذا ظاهره أنه منقطع ، إن لم يكن سمعه أبو سعيد هذا من أبي بن كعب ، فإن كان قد سمعه منه فهو على شرط مسلم ، والله أعلم . على أنه قد روي عن أبي بن كعب من غير وجه كما قال الإمام أحمد :حدثنا عفان ، حدثنا عبد الرحمن بن إبراهيم ، حدثنا العلاء بن عبد الرحمن ، عن أبيه ، عن أبي هريرة قال : خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم على أبي بن كعب ، وهو يصلي ، فقال : يا أبي ، فالتفت ثم لم يجبه ، ثم قال : أبي ، فخفف . ثم انصرف إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال : السلام عليك أي رسول الله . فقال : وعليك السلام [ قال ] : ما منعك أي أبي إذ دعوتك أن تجيبني ؟ . قال : أي رسول الله ، كنت في الصلاة ، قال : أولست تجد فيما أوحى الله إلي استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم ) [ الأنفال : 24 ] . قال : بلى يا رسول الله ، لا أعود ، قال : أتحب أن أعلمك سورة لم تنزل لا في التوراة ولا في الإنجيل ولا في الزبور ولا في الفرقان مثلها ؟ قلت : نعم ، أي رسول الله ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إني لأرجو ألا أخرج من هذا الباب حتى تعلمها قال : فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بيدي يحدثني ، وأنا أتبطأ ، مخافة أن يبلغ قبل أن يقضي الحديث ، فلما دنونا من الباب قلت : أي رسول الله ، ما السورة التي وعدتني قال : ما تقرأ في الصلاة ؟ . قال : فقرأت عليه أم القرآن ، قال : والذي نفسي بيده ما أنزل الله في التوراة ولا في الإنجيل ولا في الزبور ، ولا في الفرقان مثلها ؛ إنها السبع المثاني . ورواه الترمذي ، عن قتيبة ، عن الدراوردي ، عن العلاء ، عن أبيه ، عن أبي هريرة ، فذكره ، وعنده : إنها من السبع المثاني والقرآن العظيم الذي أعطيته ، ثم قال : هذا حديث حسن صحيح .وفي الباب ، عن أنس بن مالك ، ورواه عبد الله بن [ الإمام ] أحمد ، عن إسماعيل بن أبي معمر ، عن أبي أسامة ، عن عبد الحميد بن جعفر ، عن العلاء ، عن أبيه ، عن أبي هريرة ، عن أبي بن كعب ، فذكره مطولا بنحوه ، أو قريبا منه . وقد رواه الترمذي والنسائي جميعا عن أبي عمار حسين بن حريث ، عن الفضل بن موسى ، عن عبد الحميد بن جعفر ، عن العلاء ، عن أبيه ، عن أبي هريرة ، عن أبي بن كعب ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ما أنزل الله في التوراة ولا في الإنجيل مثل أم القرآن ، وهي السبع المثاني ، وهي مقسومة بيني وبين عبدي ، هذا لفظ النسائي . وقال الترمذي : حسن غريب .وقال الإمام أحمد : حدثنا محمد بن عبيد ، حدثنا هاشم ، يعني ابن البريد حدثنا عبد الله بن محمد بن عقيل ، عن ابن جابر ، قال : انتهيت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد أهراق الماء ، فقلت : السلام عليك يا رسول الله . فلم يرد علي ، قال : فقلت : السلام عليك يا رسول الله . فلم يرد علي ، قال : فقلت : السلام عليك يا رسول الله ، فلم يرد علي . قال : فانطلق رسول الله صلى الله عليه وسلم يمشي ، وأنا خلفه حتى دخل رحله ، ودخلت أنا المسجد ، فجلست كئيبا حزينا ، فخرج علي رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد تطهر ، فقال : عليك السلام ورحمة الله ، وعليك السلام ورحمة الله ، وعليك السلام ورحمة الله ، ثم قال : ألا أخبرك يا عبد الله بن جابر بأخير سورة في القرآن ؟ قلت : بلى يا رسول الله . قال : اقرأ : الحمد لله رب العالمين ، حتى تختمها . هذا إسناد جيد ، وابن عقيل تحتج به الأئمة الكبار ، وعبد الله بن جابر هذا هو الصحابي ، ذكر ابن الجوزي أنه هو العبدي ، والله أعلم . ويقال : إنه عبد الله بن جابر الأنصاري البياضي ، فيما ذكره الحافظ ابن عساكر . واستدلوا بهذا الحديث وأمثاله على تفاضل بعض الآيات والسور على بعض ، كما هو المحكي عن كثير من العلماء ، منهم : إسحاق بن راهويه ، وأبو بكر بن العربي ، وابن الحصار من المالكية . وذهبت طائفة أخرى إلى أنه لا تفاضل في ذلك ؛ لأن الجميع كلام الله ، ولئلا يوهم التفضيل نقص المفضل عليه ، وإن كان الجميع فاضلا ، نقله القرطبي عن الأشعري ، وأبي بكر الباقلاني ، وأبي حاتم بن حبان البستي ، ويحيى بن يحيى ، ورواية عن الإمام مالك [ أيضا ] .حديث آخر : قال البخاري في فضائل القرآن : حدثنا محمد بن المثنى ، حدثنا وهب ، حدثنا هشام ، عن محمد بن معبد ، عن أبي سعيد الخدري ، قال : كنا في مسير لنا ، فنزلنا ، فجاءت جارية فقالت : إن سيد الحي سليم ، وإن نفرنا غيب ، فهل منكم راق ؟ فقام معها رجل ما كنا نأبنه برقية ، فرقاه ، فبرئ ، فأمر له بثلاثين شاة ، وسقانا لبنا ، فلما رجع قلنا له : أكنت تحسن رقية ، أو كنت ترقي ؟ قال : لا ما رقيت إلا بأم الكتاب ، قلنا : لا تحدثوا شيئا حتى نأتي ، أو نسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فلما قدمنا المدينة ذكرناه للنبي صلى الله عليه وسلم فقال : وما كان يدريه أنها رقية ، اقسموا واضربوا لي بسهم .وقال أبو معمر : حدثنا عبد الوارث ، حدثنا هشام ، حدثنا محمد بن سيرين ، حدثني معبد بن سيرين ، عن أبي سعيد الخدري بهذا .وهكذا رواه مسلم ، وأبو داود من رواية هشام ، وهو ابن حسان ، عن ابن سيرين ، به . وفي بعض روايات مسلم لهذا الحديث : أن أبا سعيد هو الذي رقى ذلك السليم ، يعني : اللديغ ، يسمونه بذلك تفاؤلا .حديث آخر : روى مسلم في صحيحه ، والنسائي في سننه ، من حديث أبي الأحوص سلام بن سليم ، عن عمار بن رزيق ، عن عبد الله بن عيسى بن عبد الرحمن بن أبي ليلى ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس ، قال : بينا رسول الله صلى الله عليه وسلم وعنده جبريل ، إذ سمع نقيضا فوقه ، فرفع جبريل بصره إلى السماء ، فقال : هذا باب قد فتح من السماء ، ما فتح قط . قال : فنزل منه ملك ، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : أبشر بنورين قد أوتيتهما لم يؤتهما نبي قبلك : فاتحة الكتاب ، وخواتيم سورة البقرة ، ولن تقرأ حرفا منهما إلا أوتيته . وهذا لفظ النسائي .ولمسلم نحوه حديث آخر : قال مسلم : حدثنا إسحاق بن إبراهيم الحنظلي ، هو ابن راهويه ، حدثنا سفيان بن عيينة ، عن العلاء ، يعني ابن عبد الرحمن بن يعقوب الحرقي عن أبي هريرة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم ، قال : من صلى صلاة لم يقرأ فيها أم القرآن فهي خداج - ثلاثا - غير تمام . فقيل لأبي هريرة : إنا نكون وراء الإمام ، قال : اقرأ بها في نفسك ؛ فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : قال الله عز وجل : قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين ، ولعبدي ما سأل فإذا قال العبد : ( الحمد لله رب العالمين ) [ الفاتحة : 2 ] ، قال الله : حمدني عبدي ، وإذا قال : ( الرحمن الرحيم [ الفاتحة : 3 ] ، قال الله : أثنى علي عبدي ، فإذا قال : ( مالك يوم الدين ) [ الفاتحة : 4 ] ، قال مجدني عبدي - وقال مرة : فوض إلي عبدي - فإذا قال : ( إياك نعبد وإياك نستعين ) [ الفاتحة : 5 ] ، قال : هذا بيني وبين عبدي ، ولعبدي ما سأل ، فإذا قال : ( اهدنا الصراط المستقيم صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين ) [ الفاتحة : 6 ، 7 ] ، قال هذا لعبدي ولعبدي ما سأل .وهكذا رواه النسائي ، عن إسحاق بن راهويه . وقد روياه - أيضا - عن قتيبة ، عن مالك ، عن العلاء ، عن أبي السائب مولى هشام بن زهرة ، عن أبي هريرة ، به وفي هذا السياق : فنصفها لي ونصفها لعبدي ، ولعبدي ما سأل .وكذا رواه ابن إسحاق ، عن العلاء ، وقد رواه مسلم من حديث ابن جريج ، عن العلاء ، عن أبي السائب هكذا .ورواه - أيضا - من حديث ابن أبي أويس ، عن العلاء ، عن أبيه وأبي السائب ، كلاهما عن أبي هريرة .وقال الترمذي : هذا حديث حسن ، وسألت أبا زرعة عنه فقال : كلا الحديثين صحيح ، من قال : عن العلاء ، عن أبيه ، وعن العلاء عن أبي السائب .وقد روى هذا الحديث عبد الله ابن الإمام أحمد ، من حديث العلاء ، عن أبيه ، عن أبي هريرة ، عن أبي بن كعب مطولا .قال ابن جرير : حدثنا صالح بن مسمار المروزي ، حدثنا زيد بن الحباب ، حدثنا عنبسة بن سعيد ، عن مطرف بن طريف ، عن سعيد بن إسحاق بن كعب بن عجرة ، عن جابر بن عبد الله ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : قال الله تعالى : قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين ، وله ما سأل ، فإذا قال العبد : ( الحمد لله رب العالمين قال : حمدني عبدي ، وإذا قال : ( الرحمن الرحيم قال : أثنى علي عبدي . ثم قال : هذا لي ، وله ما بقيوهذا غريب من هذا الوجه .ثم الكلام على ما يتعلق بهذا الحديث مما يختص بالفاتحة من وجوه :أحدها : أنه قد أطلق فيه لفظ الصلاة ، والمراد القراءة كقوله تعالى : ( ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها وابتغ بين ذلك سبيلا ) [ الإسراء : 110 ] ، أي : بقراءتك كما جاء مصرحا به في الصحيح ، عن ابن عباس وهكذا قال في هذا الحديث : قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين ، فنصفها لي ونصفها لعبدي ، ولعبدي ما سأل ثم بين تفصيل هذه القسمة في قراءة الفاتحة في الصلاة فدل على عظم القراءة في الصلاة ، وأنها من أكبر أركانها ، إذ أطلقت العبادة وأريد بها جزء واحد منها وهو القراءة ؛ كما أطلق لفظ القراءة والمراد به الصلاة في قوله : ( وقرآن الفجر إن قرآن الفجر كان مشهودا ) [ الإسراء : 78 ] ، والمراد صلاة الفجر ، كما جاء مصرحا به في الصحيحين : من أنه يشهدها ملائكة الليل وملائكة النهار ، فدل هذا كله على أنه لا بد من القراءة في الصلاة ، وهو اتفاق من العلماء .ولكن اختلفوا في مسألة نذكرها في الوجه الثاني ، وذلك أنه هل يتعين للقراءة في الصلاة فاتحة الكتاب ، أم تجزئ هي أو غيرها ؟ على قولين مشهورين ، فعند أبي حنيفة ومن وافقه من أصحابه وغيرهم أنها لا تتعين ، بل مهما قرأ به من القرآن أجزأه في الصلاة ، واحتجوا بعموم قوله تعالى : ( فاقرءوا ما تيسر من القرآن ) [ المزمل : 20 ] ، وبما ثبت في الصحيحين ، من حديث أبي هريرة في قصة المسيء صلاته أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له : إذا قمت إلى الصلاة فكبر ، ثم اقرأ ما تيسر معك من القرآن قالوا : فأمره بقراءة ما تيسر ، ولم يعين له الفاتحة ولا غيرها ، فدل على ما قلناه .والقول الثاني : أنه تتعين قراءة الفاتحة في الصلاة ، ولا تجزئ الصلاة بدونها ، وهو قول بقية الأئمة : مالك والشافعي وأحمد بن حنبل وأصحابهم وجمهور العلماء ؛ واحتجوا على ذلك بهذا الحديث المذكور ، حيث قال - صلوات الله وسلامه عليه - : من صلى صلاة لم يقرأ فيها بأم القرآن فهي خداج والخداج هو : الناقص كما فسر به في الحديث : غير تمام . واحتجوا - أيضا - بما ثبت في الصحيحين من حديث الزهري ، عن محمود بن الربيع ، عن عبادة بن الصامت ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب . وفي صحيح ابن خزيمة وابن حبان ، عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لا تجزئ صلاة لا يقرأ فيها بأم القرآن والأحاديث في هذا الباب كثيرة ، ووجه المناظرة هاهنا يطول ذكره ، وقد أشرنا إلى مأخذهم في ذلك ، رحمهم الله .ثم إن مذهب الشافعي وجماعة من أهل العلم : أنه تجب قراءتها في كل ركعة . وقال آخرون : إنما تجب قراءتها في معظم الركعات ، وقال الحسن وأكثر البصريين : إنما تجب قراءتها في ركعة واحدة من الصلوات ، أخذا بمطلق الحديث : لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب .وقال أبو حنيفة وأصحابه والثوري والأوزاعي : لا تتعين قراءتها ، بل لو قرأ بغيرها أجزأه لقوله : ( فاقرءوا ما تيسر من القرآن ) [ المزمل : 20 ] ، [ كما تقدم ] والله أعلم .وقد روى ابن ماجه من حديث أبي سفيان السعدي ، عن أبي نضرة ، عن أبي سعيد مرفوعا : لا صلاة لمن لم يقرأ في كل ركعة بالحمد وسورة في فريضة أو غيرها . وفي صحة هذا نظر ، وموضح تحرير هذا كله في كتاب الأحكام الكبير ، والله أعلم .الوجه الثالث : هل تجب قراءة الفاتحة على المأموم ؟ فيه ثلاثة أقوال للعلماء :أحدها : أنه تجب عليه قراءتها ، كما تجب على إمامه ؛ لعموم الأحاديث المتقدمة .والثاني : لا تجب على المأموم قراءة بالكلية لا الفاتحة ولا غيرها ، لا في الصلاة الجهرية ولا السرية ، لما رواه الإمام أحمد بن حنبل في مسنده ، عن جابر بن عبد الله ، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : من كان له إمام فقراءة الإمام له قراءة ولكن في إسناده ضعف . ورواه مالك ، عن وهب بن كيسان ، عن جابر من كلامه . وقد روي هذا الحديث من طرق ، ولا يصح شيء منها عن النبي صلى الله عليه وسلم ، والله أعلم .والقول الثالث : أنه تجب القراءة على المأموم في السرية ، لما تقدم ، ولا تجب في الجهرية لما ثبت في صحيح مسلم ، عن أبي موسى الأشعري ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إنما جعل الإمام ليؤتم به ، فإذا كبر فكبروا ، وإذا قرأ فأنصتوا وذكر بقية الحديث .وهكذا رواه أهل السنن ؛ أبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه ، عن أبي هريرة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : وإذا قرأ فأنصتوا . وقد صححه مسلم بن الحجاج أيضا ، فدل هذان الحديثان على صحة هذا القول وهو قول قديم للشافعي ، رحمه الله ، ورواية عن الإمام أحمد بن حنبل .والغرض من ذكر هذه المسائل هاهنا بيان اختصاص سورة الفاتحة بأحكام لا تتعلق بغيرها من السور ، والله أعلم .وقال الحافظ أبو بكر البزار : حدثنا إبراهيم بن سعيد الجوهري ، حدثنا غسان بن عبيد ، عن أبي عمران الجوني ، عن أنس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إذا وضعت جنبك على الفراش ، وقرأت فاتحة الكتاب و قل هو الله أحد فقد أمنت من كل شيء إلا الموتالكلام على تفسير الاستعاذةقال الله تعالى : ( خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين وإما ينزغنك من الشيطان نزغ فاستعذ بالله إنه سميع عليم ) [ الأعراف : 199 ، 200 ] ، وقال تعالى : ( ادفع بالتي هي أحسن السيئة نحن أعلم بما يصفون وقل رب أعوذ بك من همزات الشياطين وأعوذ بك رب أن يحضرون ) [ المؤمنون : 96 - 98 ] وقال تعالى : ( ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم وما يلقاها إلا الذين صبروا وما يلقاها إلا ذو حظ عظيم وإما ينزغنك من الشيطان نزغ فاستعذ بالله إنه هو السميع العليم ) [ فصلت : 34 - 36 ] .فهذه ثلاث آيات ليس لهن رابعة في معناها ، وهو أن الله يأمر بمصانعة العدو الإنسي والإحسان إليه ، ليرده عنه طبعه الطيب الأصل إلى الموادة والمصافاة ، ويأمر بالاستعاذة به من العدو الشيطاني لا محالة ؛ إذ لا يقبل مصانعة ولا إحسانا ولا يبتغي غير هلاك ابن آدم ، لشدة العداوة بينه وبين أبيه آدم من قبل ؛ كما قال تعالى : ( يا بني آدم لا يفتننكم الشيطان كما أخرج أبويكم من الجنة ) [ الأعراف : 27 ] وقال : ( إن الشيطان لكم عدو فاتخذوه عدوا إنما يدعو حزبه ليكونوا من أصحاب السعير ) [ فاطر : 6 ] وقال أفتتخذونه وذريته أولياء من دوني وهم لكم عدو بئس للظالمين بدلا ) [ الكهف : 50 ] ، وقد أقسم للوالد إنه لمن الناصحين ، وكذب ، فكيف معاملته لنا وقد قال : ( فبعزتك لأغوينهم أجمعين إلا عبادك منهم المخلصين ) ، وقال تعالى : ( فإذا قرأت القرآن فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم إنه ليس له سلطان على الذين آمنوا وعلى ربهم يتوكلون ) [ النحل : 98 ، 99 ]قالت طائفة من القراء وغيرهم : نتعوذ بعد القراءة ، واعتمدوا على ظاهر سياق الآية ، ولدفع الإعجاب بعد فراغ العبادة ؛ وممن ذهب إلى ذلك حمزة فيما ذكره ابن قلوقا عنه ، وأبو حاتم السجستاني ، حكى ذلك أبو القاسم يوسف بن علي بن جبارة الهذلي المغربي في كتاب الكامل .وروي عن أبي هريرة - أيضا - وهو غريب .[ ونقله فخر الدين محمد بن عمر الرازي في تفسيره عن ابن سيرين في رواية عنه قال : وهو قول إبراهيم النخعي وداود بن علي الأصبهاني الظاهري ، وحكى القرطبي عن أبي بكر بن العربي عن المجموعة ، عن مالك ، رحمه الله تعالى ، أن القارئ يتعوذ بعد الفاتحة ، واستغربه ابن العربي . وحكى قولا ثالثا وهو الاستعاذة أولا وآخرا جمعا بين الدليلين ، نقله فخر الدين ] .والمشهور الذي عليه الجمهور أن الاستعاذة لدفع الوسواس فيها ، إنما تكون قبل التلاوة ، ومعنى الآية عندهم : ( فإذا قرأت القرآن فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم ) [ النحل : 98 ] أي : إذا أردت القراءة كقوله : ( إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم وأيديكم الآية [ المائدة : 6 ] أي : إذا أردتم القيام . والدليل على ذلك الأحاديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك ؛ قال الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله :حدثنا محمد بن الحسن بن آتش حدثنا جعفر بن سليمان ، عن علي بن علي الرفاعي اليشكري ، عن أبي المتوكل الناجي ، عن أبي سعيد الخدري ، قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قام من الليل فاستفتح صلاته وكبر قال : سبحانك اللهم وبحمدك ، وتبارك اسمك ، وتعالى جدك ، ولا إله غيرك . ويقول : لا إله إلا الله ثلاثا ، ثم يقول : أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم ، من همزه ونفخه ونفثه .وقد رواه أهل السنن الأربعة من رواية جعفر بن سليمان ، عن علي بن علي ، وهو الرفاعي ، وقال الترمذي : هو أشهر حديث في هذا الباب . وقد فسر الهمز بالموتة وهي الخنق ، والنفخ بالكبر ، والنفث بالشعر . كما رواه أبو داود وابن ماجه من حديث شعبة ، عن عمرو بن مرة ، عن عاصم العنزي ، عن نافع بن جبير بن مطعم ، عن أبيه قال : رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم حين دخل في الصلاة ، قال : الله أكبر كبيرا ، ثلاثا ، الحمد لله كثيرا ، ثلاثا ، سبحان الله بكرة وأصيلا ثلاثا ، اللهم إني أعوذ بك من الشيطان من همزه ونفخه ونفثه .قال عمرو : وهمزه : الموتة ، ونفخه : الكبر ، ونفثه : الشعر .وقال ابن ماجه : حدثنا علي بن المنذر ، حدثنا ابن فضيل ، حدثنا عطاء بن السائب ، عن أبي عبد الرحمن السلمي ، عن ابن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : اللهم إني أعوذ بك من الشيطان الرجيم ، وهمزه ونفخه ونفثه .قال : همزه : الموتة ، ونفثه : الشعر ، ونفخه : الكبر .وقال الإمام أحمد : حدثنا إسحاق بن يوسف ، حدثنا شريك ، عن يعلى بن عطاء ، عن رجل حدثه : أنه سمع أبا أمامة الباهلي يقول : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قام إلى الصلاة كبر ثلاثا ، ثم قال : لا إله إلا الله - ثلاث مرات ، وسبحان الله وبحمده ، ثلاث مرات . ثم قال : أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ، من همزه ونفخه ونفثه . وقال الحافظ أبو يعلى أحمد بن علي بن المثنى الموصلي في مسنده : حدثنا عبد الله بن عمر بن أبان الكوفي ، حدثنا علي بن هشام بن البريد عن يزيد بن زياد ، عن عبد الملك بن عمير ، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى ، عن أبي بن كعب ، قال : تلاحى رجلان عند النبي صلى الله عليه وسلم ، فتمزع أنف أحدهما غضبا ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إني لأعلم شيئا لو قاله ذهب عنه ما يجد : أعوذ بالله من الشيطان الرجيم .وكذا رواه النسائي في " اليوم والليلة " ، عن يوسف بن عيسى المروزي ، عن الفضل بن موسى ، عن يزيد بن زياد بن أبي الجعد ، به .وقد روى هذا الحديث أحمد بن حنبل ، عن أبي سعيد ، عن زائدة ، وأبو داود عن يوسف بن موسى ، عن جرير بن عبد الحميد ، والترمذي ، والنسائي في " اليوم والليلة " عن بندار ، عن ابن مهدي ، عن الثوري ، والنسائي - أيضا - من حديث زائدة بن قدامة ، ثلاثتهم عن عبد الملك بن عمير ، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى ، عن معاذ بن جبل ، قال : استب رجلان عند النبي صلى الله عليه وسلم ، فغضب أحدهما غضبا شديدا حتى خيل إلي أن أحدهما يتمزع أنفه من شدة غضبه ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : إني لأعلم كلمة لو قالها لذهب عنه ما يجد من الغضب ، قال : ما هي يا رسول الله ؟ قال : يقول : اللهم إني أعوذ بك من الشيطان الرجيم . قال : فجعل معاذ يأمره ، فأبى [ ومحك ] ، وجعل يزداد غضبا . وهذا لفظ أبي داود . وقال الترمذي : مرسل ، يعني أن عبد الرحمن بن أبي ليلى لم يلق معاذ بن جبل ، فإنه مات قبل سنة عشرين .قلت : وقد يكون عبد الرحمن بن أبي ليلى سمعه من أبي بن كعب ، كما تقدم وبلغه عن معاذ بن جبل ، فإن هذه القصة شهدها غير واحد من الصحابة ، رضي الله عنهم . قال البخاري : حدثنا عثمان بن أبي شيبة ، حدثنا جرير ، عن الأعمش ، عن عدي بن ثابت ، قال : قال سليمان بن صرد : استب رجلان عند النبي صلى الله عليه وسلم ، ونحن عنده جلوس ، فأحدهما يسب صاحبه مغضبا قد احمر وجهه ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : إني لأعلم كلمة لو قالها لذهب عنه ما يجد ، لو قال : أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ، فقالوا للرجل : ألا تسمع ما يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : إني لست بمجنون .وقد رواه - أيضا - مع مسلم ، وأبي داود ، والنسائي ، من طرق متعددة ، عن الأعمش ، به .وقد جاء في الاستعاذة أحاديث كثيرة يطول ذكرها هاهنا ، وموطنها كتاب الأذكار وفضائل الأعمال ، والله أعلم . وقد روي أن جبريل - عليه السلام - أول ما نزل بالقرآن على رسول الله صلى الله عليه وسلم أمره بالاستعاذة ، كما قال الإمام أبو جعفر بن جرير :حدثنا أبو كريب ، حدثنا عثمان بن سعيد ، حدثنا بشر بن عمارة ، حدثنا أبو روق ، عن الضحاك ، عن عبد الله بن عباس ، قال : أول ما نزل جبريل على محمد صلى الله عليه وسلم قال : يا محمد ، استعذ . قال : أستعيذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم ، ثم قال : قل : بسم الله الرحمن الرحيم . ثم قال : ( اقرأ باسم ربك الذي خلق قال عبد الله : وهي أول سورة أنزلها الله على محمد صلى الله عليه وسلم ، بلسان جبريل . وهذا الأثر غريب ، وإنما ذكرناه ليعرف ، فإن في إسناده ضعفا وانقطاعا ، والله أعلم .مسألة : وجمهور العلماء على أن الاستعاذة مستحبة ليست بمتحتمة يأثم تاركها ، وحكى فخر الدين عن عطاء بن أبي رباح وجوبها في الصلاة وخارجها كلما أراد القراءة قال : وقال ابن سيرين : إذا تعوذ مرة واحدة في عمره فقد كفى في إسقاط الوجوب ، واحتج فخر الدين لعطاء بظاهر الآية : فاستعذ وهو أمر ظاهره الوجوب وبمواظبة النبي صلى الله عليه وسلم عليها ، ولأنها تدرأ شر الشيطان وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب ، ولأن الاستعاذة أحوط وهو أحد مسالك الوجوب . وقال بعضهم : كانت واجبة على النبي صلى الله عليه وسلم دون أمته ، وحكي عن مالك أنه لا يتعوذ في المكتوبة ويتعوذ لقيام شهر رمضان في أول ليلة منه .مسألة : وقال الشافعي في الإملاء ، يجهر بالتعوذ حكم الجهر بالاستعاذة ، وإن أسر فلا يضر ، وقال في الأم بالتخيير لأنه أسر ابن عمر وجهر أبو هريرة ، واختلف قول الشافعي فيما عدا الركعة الأولى : هل يستحب التعوذ فيها ؟ على قولين ، ورجح عدم الاستحباب ، والله أعلم . فإذا قال المستعيذ : أعوذ بالله من الشيطان الرجيم كفى ذلك عند الشافعي وأبي حنيفة وزاد بعضهم : أعوذ بالله السميع العليم ، وقال آخرون : بل يقول : أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ، إن الله هو السميع العليم ، قاله الثوري والأوزاعي وحكي عن بعضهم أنه يقول : أستعيذ بالله من الشيطان الرجيم ؛ لمطابقة أمر الآية ، ولحديث الضحاك عن ابن عباس المذكور ، والأحاديث الصحيحة - كما تقدم - أولى بالاتباع من هذا ، والله أعلم .مسألة : ثم الاستعاذة في الصلاة إنما هي للتلاوة وهو قول أبي حنيفة ومحمد . وقال أبو يوسف : بل للصلاة ، فعلى هذا يتعوذ المأموم وإن كان لا يقرأ ، ويتعوذ في العيد بعد الإحرام وقبل تكبيرات العيد ، والجمهور بعدها قبل القراءة .ومن لطائف الاستعاذة أنها طهارة للفم مما كان يتعاطاه من اللغو والرفث ، وتطييب له وتهيؤ لتلاوة كلام الله وهي استعانة بالله واعتراف له بالقدرة وللعبد بالضعف والعجز عن مقاومة هذا العدو المبين الباطني الذي لا يقدر على منعه ودفعه إلا الله الذي خلقه ، ولا يقبل مصانعة ، ولا يدارى بالإحسان ، بخلاف العدو من نوع الإنسان كما دلت على ذلك آيات القرآن في ثلاث من المثاني ، وقال تعالى : ( إن عبادي ليس لك عليهم سلطان وكفى بربك وكيلا ) [ الإسراء : 65 ] ، وقد نزلت الملائكة لمقاتلة العدو البشري يوم بدر ، ومن قتله العدو البشري كان شهيدا ، ومن قتله العدو الباطني كان طريدا ، ومن غلبه العدو الظاهر كان مأجورا ، ومن قهره العدو الباطن كان مفتونا أو موزورا ، ولما كان الشيطان يرى الإنسان من حيث لا يراه استعاذ منه بالذي يراه ولا يراه الشيطان .فصل : والاستعاذة معناها : هي الالتجاء إلى الله والالتصاق بجنابه من شر كل ذي شر ، والعياذة تكون لدفع الشر ، واللياذ يكون لطلب جلب الخير كما قال المتنبي :يا من ألوذ به فيما أؤمله ومن أعوذ به ممن أحاذره لا يجبر الناس عظما أنت كاسرهولا يهيضون عظما أنت جابرهفصل معنى الاستعاذةومعنى أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ، أي : أستجير بجناب الله من الشيطان الرجيم أن يضرني في ديني أو دنياي ، أو يصدني عن فعل ما أمرت به ، أو يحثني على فعل ما نهيت عنه ؛ فإن الشيطان لا يكفه عن الإنسان إلا الله ؛ ولهذا أمر الله تعالى بمصانعة شيطان الإنس ومداراته بإسداء الجميل إليه ، ليرده طبعه عما هو فيه من الأذى ، وأمر بالاستعاذة به من شيطان الجن لأنه لا يقبل رشوة ولا يؤثر فيه جميل ؛ لأنه شرير بالطبع ولا يكفه عنك إلا الذي خلقه ، وهذا المعنى في ثلاث آيات من القرآن لا أعلم لهن رابعة ، قوله في الأعراف : ( خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين ) [ الأعراف : 199 ] ، فهذا فيما يتعلق بمعاملة الأعداء من البشر ، ثم قال : ( وإما ينزغنك من الشيطان نزغ فاستعذ بالله إنه سميع عليم ) [ الأعراف : 200 ] ، وقال تعالى في سورة " قد أفلح المؤمنون " : ( ادفع بالتي هي أحسن السيئة نحن أعلم بما يصفون وقل رب أعوذ بك من همزات الشياطين وأعوذ بك رب أن يحضرون ) [ المؤمنون : 96 - 98 ] ، وقال تعالى في سورة حم السجدة : ( ولا تستوي الحسنة ولا السيئة ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم وما يلقاها إلا الذين صبروا وما يلقاها إلا ذو حظ عظيم وإما ينزغنك من الشيطان نزغ فاستعذ بالله إنه هو السميع العليم ) [ فصلت : 34 - 36 ] .والشيطان معناه في لغة العرب مشتق من شطن إذا بعد ، فهو بعيد بطبعه عن طباع البشر ، وبعيد بفسقه عن كل خير ، وقيل : مشتق من شاط لأنه مخلوق من نار ، ومنهم من يقول : كلاهما صحيح في المعنى ، ولكن الأول أصح ، وعليه يدل كلام العرب ؛ قال أمية بن أبي الصلت في ذكر ما أوتي سليمان ، عليه السلام :أيما شاطن عصاه عكاه ثم يلقى في السجن والأغلالفقال : أيما شاطن ، ولم يقل : أيما شائط .وقال النابغة الذبياني - وهو : زياد بن عمرو بن معاوية بن جابر بن ضباب بن يربوع بن مرة بن سعد بن ذبيان - :نأت بسعاد عنك نوى شطون فبانت والفؤاد بها رهينيقول : بعدت بها طريق بعيدة .[ وقال سيبويه : العرب تقول : تشيطن فلان إذا فعل فعل الشيطان ولو كان من شاط ، لقالوا : تشيط ] . والشيطان مشتق من البعد على الصحيح ؛ ولهذا يسمون كل ما تمرد من جني وإنسي وحيوان شيطانا ، قال الله تعالى : ( وكذلك جعلنا لكل نبي عدوا شياطين الإنس والجن يوحي بعضهم إلى بعض زخرف القول غرورا ) [ الأنعام : 112 ] . وفي مسند الإمام أحمد ، عن أبي ذر - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : يا أبا ذر ، تعوذ بالله من شياطين الإنس والجن ، فقلت : أوللإنس شياطين ؟ قال : نعم . وفي صحيح مسلم عن أبي ذر - أيضا - قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : يقطع الصلاة المرأة والحمار والكلب الأسود . فقلت : يا رسول الله ، ما بال الكلب الأسود من الأحمر والأصفر فقال : الكلب الأسود شيطان . وقال ابن وهب : أخبرني هشام بن سعد ، عن زيد بن أسلم ، عن أبيه ، أن عمر بن الخطاب ، رضي الله عنه ، ركب برذونا ، فجعل يتبختر به ، فجعل يضربه فلا يزداد إلا تبخترا ، فنزل عنه ، وقال : ما حملتموني إلا على شيطان ، ما نزلت عنه حتى أنكرت نفسي . إسناده صحيح .والرجيم معناه : فعيل بمعنى مفعول ، أي : أنه مرجوم مطرود عن الخير كله ، كما قال تعالى : ( ولقد زينا السماء الدنيا بمصابيح وجعلناها رجوما للشياطين ) [ الملك : 5 ] ، وقال تعالى : ( إنا زينا السماء الدنيا بزينة الكواكب وحفظا من كل شيطان مارد لا يسمعون إلى الملإ الأعلى ويقذفون من كل جانب دحورا ولهم عذاب واصب إلا من خطف الخطفة فأتبعه شهاب ثاقب ) [ الصافات : 6 - 10 ] ، وقال تعالى : ( ولقد جعلنا في السماء بروجا وزيناها للناظرين وحفظناها من كل شيطان رجيم إلا من استرق السمع فأتبعه شهاب مبين ) [ الحجر : 16 - 18 ] ، إلى غير ذلك من الآيات . [ وقيل : رجيم بمعنى راجم ؛ لأنه يرجم الناس بالوساوس والربائث والأول أشهر ] ." بسم الله الرحمن الرحيم " افتتح بها الصحابة كتاب الله ، واتفق العلماء على أنها بعض آية من سورة النمل ، ثم اختلفوا : هل هي آية مستقلة بسم الله الرحمن الرحيم في أول كل سورة ، أو من أول كل سورة كتبت في أولها ، أو أنها بعض آية من أول كل سورة ، أو أنها كذلك في الفاتحة دون غيرها ، أو أنها [ إنما ] كتبت للفصل ، لا أنها آية ؟ على أقوال للعلماء سلفا وخلفا ، وذلك مبسوط في غير هذا الموضع .وفي سنن أبي داود بإسناد صحيح ، عن ابن عباس ، رضي الله عنهما ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان لا يعرف فصل السورة حتى ينزل عليه بسم الله الرحمن الرحيم وأخرجه الحاكم أبو عبد الله النيسابوري في مستدركه أيضا ، وروي مرسلا عن سعيد بن جبير . وفي صحيح ابن خزيمة ، عن أم سلمة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قرأ البسملة في أول الفاتحة في الصلاة وعدها آية ، لكنه من رواية عمر بن هارون البلخي ، وفيه ضعف ، عن ابن جريج ، عن ابن أبي مليكة ، عنها . وروى له الدارقطني متابعا ، عن أبي هريرة مرفوعا . وروى مثله عن علي وابن عباس وغيرهما . وممن حكي عنه أنها آية من كل سورة إلا " براءة " : ابن عباس ، وابن عمر ، وابن الزبير ، وأبو هريرة ، وعلي . ومن التابعين : عطاء ، وطاوس ، وسعيد بن جبير ، ومكحول ، والزهري ، وبه يقول عبد الله بن المبارك ، والشافعي ، وأحمد بن حنبل ، في رواية عنه ، وإسحاق بن راهويه ، وأبو عبيد القاسم بن سلام ، رحمهم الله . وقال مالك وأبو حنيفة وأصحابهما : ليست آية من الفاتحة ولا من غيرها من السور ، وقال الشافعي في قول ، في بعض طرق مذهبه : هي آية من الفاتحة وليست من غيرها ، وعنه أنها بعض آية من أول كل سورة ، وهما غريبان .وقال داود : هي آية مستقلة في أول كل سورة لا منها ، وهذه رواية عن الإمام أحمد بن حنبل . وحكاه أبو بكر الرازي ، عن أبي الحسن الكرخي ، وهما من أكابر أصحاب أبي حنيفة ، رحمهم الله . هذا ما يتعلق بكونها من الفاتحة أم لا . فأما ما يتعلق بالجهر بها بسم الله الرحمن الرحيم ، فمفرع على هذا ؛ فمن رأى أنها ليست من الفاتحة فلا يجهر بها ، وكذا من قال : إنها آية من أولها ، وأما من قال بأنها من أوائل السور فاختلفوا ؛ فذهب الشافعي ، رحمه الله ، إلى أنه يجهر بها مع الفاتحة والسورة ، وهو مذهب طوائف من الصحابة والتابعين وأئمة المسلمين سلفا وخلفا ، فجهر بها من الصحابة أبو هريرة ، وابن عمر ، وابن عباس ، ومعاوية ، وحكاه ابن عبد البر ، والبيهقي عن عمر وعلي ، ونقله الخطيب عن الخلفاء الأربعة ، وهم : أبو بكر وعمر وعثمان وعلي ، وهو غريب . ومن التابعين : عن سعيد بن جبير ، وعكرمة ، وأبي قلابة ، والزهري ، وعلي بن الحسين ، وابنه محمد ، وسعيد بن المسيب ، وعطاء ، وطاوس ، ومجاهد ، وسالم ، ومحمد بن كعب القرظي ، وأبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم ، وأبي وائل ، وابن سيرين ، ومحمد بن المنكدر ، وعلي بن عبد الله بن عباس ، وابنه محمد ، ونافع مولى ابن عمر ، وزيد بن أسلم ، وعمر بن عبد العزيز ، والأزرق بن قيس ، وحبيب بن أبي ثابت ، وأبي الشعثاء ، ومكحول ، وعبد الله بن معقل بن مقرن . زاد البيهقي : وعبد الله بن صفوان ، ومحمد ابن الحنفية . زاد ابن عبد البر : وعمرو بن دينار .والحجة في ذلك أنها بعض الفاتحة ، فيجهر بها كسائر أبعاضها ، وأيضا فقد روى النسائي في سننه وابن خزيمة وابن حبان في صحيحيهما ، والحاكم في مستدركه ، عن أبي هريرة أنه صلى فجهر في قراءته بالبسملة ، وقال بعد أن فرغ : إني لأشبهكم صلاة برسول الله صلى الله عليه وسلم . وصححه الدارقطني والخطيب والبيهقي وغيرهم .وروى أبو داود والترمذي ، عن ابن عباس : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يفتتح الصلاة ببسم الله الرحمن الرحيم . ثم قال الترمذي : وليس إسناده بذاك .وقد رواه الحاكم في مستدركه ، عن ابن عباس قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يجهر ببسم الله الرحمن الرحيم ، ثم قال : صحيح وفي صحيح البخاري ، عن أنس بن مالك أنه سئل عن قراءة رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : كانت قراءته مدا ، ثم قرأ " بسم الله الرحمن الرحيم " ، يمد " بسم الله " ، ويمد " الرحمن " ، ويمد " الرحيم .وفي مسند الإمام أحمد ، وسنن أبي داود ، وصحيح ابن خزيمة ، ومستدرك الحاكم ، عن أم سلمة ، قالت : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقطع قراءته : ( بسم الله الرحمن الرحيم . الحمد لله رب العالمين . الرحمن الرحيم . مالك يوم الدين . وقال الدارقطني : إسناده صحيح .وروى الشافعي ، رحمه الله ، والحاكم في مستدركه ، عن أنس : أن معاوية صلى بالمدينة ، فترك البسملة ، فأنكر عليه من حضره من المهاجرين ذلك ، فلما صلى المرة الثانية بسمل .وفي هذه الأحاديث ، والآثار التي أوردناها كفاية ومقنع في الاحتجاج لهذا القول عما عداها ، فأما المعارضات والروايات الغريبة ، وتطريقها ، وتعليلها وتضعيفها ، وتقريرها ، فله موضع آخر .وذهب آخرون إلى أنه لا يجهر بالبسملة في الصلاة ، وهذا هو الثابت عن الخلفاء الأربعة وعبد الله بن مغفل ، وطوائف من سلف التابعين والخلف ، وهو مذهب أبي حنيفة ، والثوري ، وأحمد بن حنبل .وعند الإمام مالك : أنه لا يقرأ البسملة بالكلية ، لا جهرا ولا سرا ، واحتجوا بما في صحيح مسلم ، عن عائشة ، رضي الله عنها ، قالت : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يفتتح الصلاة بالتكبير ، والقراءة ب الحمد لله رب العالمين . وبما في الصحيحين ، عن أنس بن مالك ، قال : صليت خلف النبي صلى الله عليه وسلم ، وأبي بكر وعمر وعثمان ، فكانوا يستفتحون ب الحمد لله رب العالمين . ولمسلم : لا يذكرون بسم الله الرحمن الرحيم في أول قراءة ولا في آخرها . ونحوه في السنن عن عبد الله بن مغفل ، رضي الله عنه .فهذه مآخذ الأئمة - رحمهم الله - في هذه المسألة وهي قريبة ؛ لأنهم أجمعوا على صحة صلاة من جهر بالبسملة ومن أسر ، ولله الحمد والمنة .قال الإمام العالم الحبر العابد أبو محمد عبد الرحمن بن أبي حاتم ، رحمه الله ، في تفسيره : حدثنا أبي ، حدثنا جعفر بن مسافر ، حدثنا زيد بن المبارك الصنعاني ، حدثنا سلام بن وهب الجندي ، حدثنا أبي ، عن طاوس ، عن ابن عباس ؛ أن عثمان بن عفان سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بسم الله الرحمن الرحيم . فقال : هو اسم من أسماء الله ، وما بينه وبين اسم الله الأكبر ، إلا كما بين سواد العينين وبياضهما من القرب .وهكذا رواه أبو بكر بن مردويه ، عن سليمان بن أحمد ، عن علي بن المبارك ، عن زيد بن المبارك ، به .وقد روى الحافظ ابن مردويه من طريقين ، عن إسماعيل بن عياش ، عن إسماعيل بن يحيى ، عن مسعر ، عن عطية ، عن أبي سعيد ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن عيسى ابن مريم أسلمته أمه إلى الكتاب ليعلمه ، فقال المعلم : اكتب ، قال ما أكتب ؟ قال : باسم الله ، قال له عيسى : وما باسم الله ؟ قال المعلم : ما أدري . قال له عيسى : الباء بهاء الله ، والسين سناؤه ، والميم مملكته ، والله إله الآلهة ، والرحمن رحمن الدنيا والآخرة ، والرحيم رحيم الآخرةوقد رواه ابن جرير من حديث إبراهيم بن العلاء الملقب : زبريق ، عن إسماعيل بن عياش ، عن إسماعيل بن يحيى ، عن ابن أبي مليكة ، عمن حدثه ، عن ابن مسعود ، ومسعر ، عن عطية ، عن أبي سعيد ، عن النبي صلى الله عليه وسلم ، فذكره . وهذا غريب جدا ، وقد يكون صحيحا إلى من دون رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ويكون من الإسرائيليات لا من المرفوعات ، والله أعلم .وقد روى جويبر ، عن الضحاك ، نحوه من قبله .وقد روى ابن مردويه ، من حديث يزيد بن خالد ، عن سليمان بن بريدة ، وفي رواية عن عبد الكريم أبي أمية ، عن ابن بريدة ، عن أبيه ؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : أنزلت علي آية لم تنزل على نبي غير سليمان بن داود وغيري ، وهي بسم الله الرحمن الرحيم .وروى بإسناده عن عبد الكبير بن المعافى بن عمران ، عن أبيه ، عن عمر بن ذر ، عن عطاء بن أبي رباح ، عن جابر بن عبد الله ، قال : لما نزل بسم الله الرحمن الرحيم هرب الغيم إلى المشرق ، وسكنت الرياح ، وهاج البحر ، وأصغت البهائم بآذانها ، ورجمت الشياطين من السماء ، وحلف الله تعالى بعزته وجلاله ألا يسمى اسمه على شيء إلا بارك فيه .[ وقال وكيع عن الأعمش عن أبي وائل عن ابن مسعود قال : من أراد أن ينجيه الله من الزبانية التسعة عشر فليقرأ : بسم الله الرحمن الرحيم ، ليجعل الله له من كل حرف منها جنة من كل واحد ، ذكره ابن عطية والقرطبي ووجهه ابن عطية ونصره بحديث : فقد رأيت بضعة وثلاثين ملكا يبتدرونها لقول الرجل : ربنا ولك الحمد حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه ، من أجل أنها بضعة وثلاثون حرفا وغير ذلك ] .وقال الإمام أحمد بن حنبل في مسنده : حدثنا محمد بن جعفر ، حدثنا شعبة ، عن عاصم ، قال : سمعت أبا تميمة يحدث ، عن رديف النبي صلى الله عليه وسلم قال : عثر بالنبي صلى الله عليه وسلم ، فقلت : تعس الشيطان . فقال النبي صلى الله عليه وسلم : لا تقل تعس الشيطان . فإنك إذا قلت : تعس الشيطان تعاظم ، وقال : بقوتي صرعته ، وإذا قلت : باسم الله ، تصاغر حتى يصير مثل الذباب .هكذا وقع في رواية الإمام أحمد وقد روى النسائي في اليوم والليلة ، وابن مردويه في تفسيره ، من حديث خالد الحذاء ، عن أبي تميمة هو الهجيمي ، عن أبي المليح بن أسامة بن عمير ، عن أبيه ، قال : كنت رديف النبي صلى الله عليه وسلم فذكره وقال : لا تقل هكذا ، فإنه يتعاظم حتى يكون كالبيت ، ولكن قل : بسم الله ، فإنه يصغر حتى يكون كالذبابة . فهذا من تأثير بركة بسم الله ؛ ولهذا تستحب في أول كل عمل بسم ا
59:1
سَبَّحَ لِلّٰهِ مَا فِی السَّمٰوٰتِ وَ مَا فِی الْاَرْضِۚ-وَ هُوَ الْعَزِیْزُ الْحَكِیْمُ(۱)
اللہ کی پاکی بولتا ہے جو کچھ آسمانوں میں ہے اور جو کچھ زمین میں، اور وہ وہی عزت و حکمت والا ہے (ف۲)

تفسير سورة الحشروكان ابن عباس يقول : سورة بني النضير . وهي مدنية .قال سعيد بن منصور : حدثنا هشيم عن أبي بشر ، عن سعيد بن جبير قال : قلت لابن عباس : سورة الحشر ؟ قال : أنزلت في بني النضير . ورواه البخاري ومسلم من وجه آخر ، عن هشيم به . ورواه البخاري من حديث أبي عوانة عن أبي بشر ، عن سعيد بن جبير قال : قلت لابن عباس : سورة الحشر ؟ قال : قل : سورة النضير .يخبر تعالى أن جميع ما في السماوات وما في الأرض من شيء يسبح له ويمجده ويقدسه ، ويصلي له ويوحده كقوله : ( تسبح له السماوات السبع والأرض ومن فيهن وإن من شيء إلا يسبح بحمده ولكن لا تفقهون تسبيحهم ) [ الإسراء : 44 ] . وقوله : ( وهو العزيز ) أي : منيع الجناب ) الحكيم ) في قدره وشرعه .
59:2
هُوَ الَّذِیْۤ اَخْرَ جَ الَّذِیْنَ كَفَرُوْا مِنْ اَهْلِ الْكِتٰبِ مِنْ دِیَارِهِمْ لِاَوَّلِ الْحَشْرِﳳ-مَا ظَنَنْتُمْ اَنْ یَّخْرُجُوْا وَ ظَنُّوْۤا اَنَّهُمْ مَّانِعَتُهُمْ حُصُوْنُهُمْ مِّنَ اللّٰهِ فَاَتٰىهُمُ اللّٰهُ مِنْ حَیْثُ لَمْ یَحْتَسِبُوْاۗ-وَ قَذَفَ فِیْ قُلُوْبِهِمُ الرُّعْبَ یُخْرِبُوْنَ بُیُوْتَهُمْ بِاَیْدِیْهِمْ وَ اَیْدِی الْمُؤْمِنِیْنَۗ-فَاعْتَبِرُوْا یٰۤاُولِی الْاَبْصَارِ(۲)
وہی ہے جس نے ان کافر کتابیوں کو (ف۳) ان کے گھروں سے نکالا (ف۴) ان کے پہلے حشر کے لیے (ف۵) تمہیں گمان نہ تھا کہ وہ نکلیں گے (ف۶) اور وہ سمجھتے تھے کہ ان کے قلعے انہیں اللہ سے بچالیں گے تو اللہ کا حکم ان کے پاس آیا جہاں سے ان کا گمان بھی نہ تھا (ف۷) اور اس نے ان کے دلوں میں رُعب ڈالا (ف۸) کہ اپنے گھر ویران کرتے ہیں اپنے ہاتھوں (ف۹) اور مسلمانوں کے ہاتھوں (ف۱۰) تو عبرت لو اے نگاہ والو،

وقوله : ( هو الذي أخرج الذين كفروا من أهل الكتاب ) يعني : يهود بني النضير . قاله ابن عباس ، ومجاهد ، والزهري ، وغير واحد : كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لما قدم المدينة هادنهم وأعطاهم عهدا وذمة ، على ألا يقاتلهم ولا يقاتلوه ، فنقضوا العهد الذي كان بينهم وبينه ، فأحل الله بهم بأسه الذي لا مرد له ، وأنزل عليهم قضاءه الذي لا يصد ، فأجلاهم النبي - صلى الله عليه وسلم - وأخرجهم من حصونهم الحصينة التي ما طمع فيها المسلمون ، وظنوا هم أنها مانعتهم من بأس الله ، فما أغنى عنهم من الله شيئا ، وجاءهم ما لم يكن ببالهم ، وسيرهم رسول الله وأجلاهم من المدينة فكان منهم طائفة ذهبوا إلى أذرعات من أعالي الشام وهي أرض المحشر والمنشر ، ومنهم طائفة ذهبوا إلى خيبر . وكان قد أنزلهم منها على أن لهم ما حملت إبلهم ، فكانوا يخربون ما في بيوتهم من المنقولات التي يمكن أن تحمل معهم ; ولهذا قال : ( يخربون بيوتهم بأيديهم وأيدي المؤمنين فاعتبروا يا أولي الأبصار ) أي : تفكروا في عاقبة من خالف أمر الله وخالف رسوله ، وكذب كتابه ، كيف يحل به من بأسه المخزي له في الدنيا ، مع ما يدخره له في الآخرة من العذاب الأليم .قال أبو داود : حدثنا محمد بن داود ، وسفيان ، حدثنا عبد الرزاق ، أخبرنا معمر ، عن الزهري ، عن عبد الرحمن بن كعب بن مالك ، عن رجل من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - أن كفار قريش كتبوا إلى ابن أبي ، ومن كان معه يعبد معه الأوثان من الأوس ، والخزرج ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - يومئذ بالمدينة قبل وقعة بدر : إنكم آويتم صاحبنا ، وإنا نقسم بالله لنقاتلنه ، أو لتخرجنه ، أو لنسيرن إليكم بأجمعنا ، حتى نقتل مقاتلتكم ، ونستبيح نساءكم ، فلما بلغ ذلك عبد الله بن أبي ومن كان معه من عبدة الأوثان ، اجتمعوا لقتال النبي - صلى الله عليه وسلم - فلما بلغ ذلك النبي - صلى الله عليه وسلم - لقيهم ، فقال : " لقد بلغ وعيد قريش منكم المبالغ ، ما كانت تكيدكم بأكثر مما تريد أن تكيدوا به أنفسكم ، تريدون أن تقاتلوا أبناءكم وإخوانكم ؟ " ، فلما سمعوا ذلك من النبي - صلى الله عليه وسلم - تفرقوا ، فبلغ ذلك كفار قريش ، فكتبت كفار قريش بعد وقعة بدر إلى اليهود : إنكم أهل الحلقة والحصون ، وإنكم لتقاتلن مع صاحبنا أو لنفعلن كذا وكذا ، ولا يحول بيننا وبين خدم نسائكم شيء - وهي الخلاخيل - فلما بلغ كتابهم النبي - صلى الله عليه وسلم - اجتمعت بنو النضير بالغدر ، فأرسلوا إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - : اخرج إلينا في ثلاثين رجلا من أصحابك ليخرج منا ثلاثون حبرا ، حتى نلتقي بمكان المنصف فيسمعوا منك ، فإن صدقوك وآمنوا بك آمنا بك ، فلما كان الغد غدا عليهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالكتائب فحصرهم ، قال لهم : " إنكم والله لا تأمنوا عندي إلا بعهد تعاهدوني عليه " . فأبوا أن يعطوه عهدا ، فقاتلهم يومهم ذلك ، ثم غدا الغد على بني قريظة بالكتائب ، وترك بني النضير ، ودعاهم إلى أن يعاهدوه ، فعاهدوه ، فانصرف عنهم . وغدا إلى بني النضير بالكتائب فقاتلهم ، حتى نزلوا على الجلاء . فجلت بنو النضير ، واحتملوا ما أقلت الإبل من أمتعتهم وأبواب بيوتهم وخشبها ، وكان نخل بني النضير لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - خاصة ، أعطاه الله أياها وخصه بها ، فقال : ( وما أفاء الله على رسوله منهم فما أوجفتم عليه من خيل ولا ركاب ) يقول : بغير قتال ، فأعطى النبي - صلى الله عليه وسلم - أكثرها للمهاجرين ، قسمها بينهم ، وقسم منها لرجلين من الأنصار وكانا ذوي حاجة ، ولم يقسم من الأنصار غيرهما ، وبقي منها صدقة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - التي في أيدي بني فاطمة .ولنذكر ملخص غزوة بني النضير على وجه الاختصار ، وبالله المستعان .وكان سبب ذلك فيما ذكره أصحاب المغازي والسير : أنه لما قتل أصحاب بئر معونة ، من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وكانوا سبعين ، وأفلت منهم عمرو بن أمية الضمري ، فلما كان في أثناء الطريق راجعا إلى المدينة قتل رجلين من بني عامر ، وكان معهما عهد من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأمان لم يعلم به عمرو فلما رجع أخبر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " لقد قتلت رجلين ، لأدينهما " وكان بين بني النضير وبني عامر حلف وعهد ، فخرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى بني النضير يستعينهم في دية ذينك الرجلين ، وكان منازل بني النضير ظاهر المدينة على أميال منها شرقيها .قال محمد بن إسحاق بن يسار في كتابه السيرة : ثم خرج رسول الله إلى بني النضير ، يستعينهم في دية ذينك القتيلين من بني عامر اللذين قتل عمرو بن أمية الضمري ; للجوار الذي كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عقد لهما ، فيما حدثني يزيد بن رومان ، وكان بين بني النضير ، وبني عامر عقد وحلف . فلما أتاهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يستعينهم في دية ذينك القتيلين قالوا : نعم ، يا أبا القاسم ، نعينك على ما أحببت ، مما استعنت بنا عليه . ثم خلا بعضهم ببعض فقالوا : إنكم لن تجدوا الرجل على مثل حاله هذه - ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى جنب جدار من بيوتهم - فمن رجل يعلو على هذا البيت ، فيلقي عليه صخرة ، فيريحنا منه ؟ فانتدب لذلك عمرو بن جحاش بن كعب أحدهم ، فقال : أنا لذلك ، فصعد ليلقي عليه صخرة كما قال ، ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - في نفر من أصحابه ، فيهم أبو بكر ، وعمر ، وعلي رضي الله عنهم . فأتى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الخبر من السماء بما أراد القوم ، فقام وخرج راجعا إلى المدينة فلما استلبث النبي - صلى الله عليه وسلم - أصحابه قاموا في طلبه فلقوا رجلا مقبلا من المدينة فسألوه عنه ، فقال : رأيته داخلا المدينة . فأقبل أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى انتهوا إليه ، فأخبرهم الخبر بما كانت يهود أرادت من الغدر به ، وأمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالتهيؤ لحربهم والمسير إليهم . ثم سار حتى نزل بهم فتحصنوا منه في الحصون ، فأمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بقطع النخل والتحريق فيها . فنادوه : أن يا محمد قد كنت تنهى عن الفساد وتعيبه على من صنعه ، فما بال قطع النخل وتحريقها ؟وقد كان رهط من بني عوف بن الخزرج ، منهم عبد الله بن أبي بن سلول ، ووديعة ، ومالك بن أبي قوقل ، وسويد ، وداعس ، قد بعثوا إلى بني النضير : أن اثبتوا وتمنعوا فإنا لن نسلمكم ، إن قوتلتم قاتلنا معكم ، وإن أخرجتم خرجنا معكم ، فتربصوا ذلك من نصرهم ، فلم يفعلوا ، وقذف الله في قلوبهم الرعب ، فسألوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يجليهم ويكف عن دمائهم ، على أن لهم ما حملت الإبل من أموالهم إلا الحلقة ، ففعل ، فاحتملوا من أموالهم ما استقلت به الإبل ، فكان الرجل منهم يهدم بيته عن نجاف بابه ، فيضعه على ظهر بعيره فينطلق به . فخرجوا إلى خيبر ومنهم من سار إلى الشام وخلوا الأموال إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فكانت لرسول الله خاصة يضعها حيث شاء ، فقسمها على المهاجرين الأولين دون الأنصار . إلا أن سهل بن حنيف ، وأبا دجانة سماك بن خرشة ذكرا فقرا ، فأعطاهما رسول الله - صلى الله عليه وسلم - .قال : ولم يسلم من بني النضير إلا رجلان : يامين بن عمير بن كعب بن عمرو بن جحاش وأبو سعد بن وهب أسلما على أموالهما فأحرزاها .قال : ابن إسحاق : قد حدثني بعض آل يامين : أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال ليامين : " ألم تر ما لقيت من ابن عمك ، وما هم به من شأني " . فجعل يامين بن عمير لرجل جعلا على أن يقتل عمرو بن جحاش فقتله فيما يزعمون .قال ابن إسحاق : ونزل في بني النضير سورة الحشر بأسرها .وهكذا روى يونس بن بكير ، عن ابن إسحاق ، بنحو ما تقدم .فقوله : ( هو الذي أخرج الذين كفروا من أهل الكتاب ) يعني : بني النضير ( من ديارهم لأول الحشر ) .قال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي ، حدثنا ابن أبي عمر ، حدثنا سفيان ، عن أبي سعد ، عن عكرمة ، عن ابن عباس قال : من شك في أن أرض المحشر ها هنا - يعني الشام فليتل هذه الآية : ( هو الذي أخرج الذين كفروا من أهل الكتاب من ديارهم لأول الحشر ) قال لهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " اخرجوا " . قالوا : إلى أين ؟ قال : " إلى أرض المحشر " .وحدثنا أبو سعيد الأشج ، حدثنا أبو أسامة ، عن عوف ، عن الحسن قال : لما أجلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بني النضير قال : " هذا أول الحشر ، وأنا على الأثر " .ورواه ابن جرير ، عن بندار عن ابن أبي عدي ، عن عوف عن الحسن به . وقوله : ( ما ظننتم أن يخرجوا ) أي : في مدة حصاركم لهم وقصرها ، وكانت ستة أيام ، مع شدة حصونهم ومنعتها ; ولهذا قال : ( وظنوا أنهم مانعتهم حصونهم من الله فأتاهم الله من حيث لم يحتسبوا ) أي : جاءهم من أمر الله ما لم يكن لهم في بال ، كما قال في الآية الأخرى : ( قد مكر الذين من قبلهم فأتى الله بنيانهم من القواعد فخر عليهم السقف من فوقهم وأتاهم العذاب من حيث لا يشعرون ) [ النحل : 26 ] .وقوله : ( وقذف في قلوبهم الرعب ) أي : الخوف والهلع والجزع ، وكيف لا يحصل لهم ذلك وقد حاصرهم الذي نصر بالرعب مسيرة شهر ، صلوات الله وسلامه عليه .وقوله : ( يخربون بيوتهم بأيديهم وأيدي المؤمنين ) قد تقدم تفسير ابن إسحاق لذلك ، وهو نقض ما استحسنوه من سقوفهم وأبوابهم ، وتحملها على الإبل ، وكذا قال عروة بن الزبير ، وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم ، وغير واحد .وقال مقاتل بن حيان : كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقاتلهم ، فإذا ظهر على درب أو دار ، هدم حيطانها ليتسع المكان للقتال . وكان اليهود إذا علوا مكانا أو غلبوا على درب أو دار ، نقبوا من أدبارها ثم حصنوها ودربوها ، يقول الله تعالى : ( فاعتبروا يا أولي الأبصار ) .
59:3
وَ لَوْ لَاۤ اَنْ كَتَبَ اللّٰهُ عَلَیْهِمُ الْجَلَآءَ لَعَذَّبَهُمْ فِی الدُّنْیَاؕ-وَ لَهُمْ فِی الْاٰخِرَةِ عَذَابُ النَّارِ(۳)
اور اگر نہ ہوتا کہ اللہ نے ان پر گھر سے اجڑنا لکھ دیا تھا تو دنیا ہی میں ان پر عذاب فرماتا (ف۱۱) اور ان کے لیے (ف۱۲) آخرت میں آگ کا عذاب ہے،

وقوله : ( ولولا أن كتب الله عليهم الجلاء لعذبهم في الدنيا ) أي : لولا أن كتب الله عليهم هذا الجلاء ، وهو النفي من ديارهم وأموالهم ، لكان لهم عند الله عذاب آخر من القتل والسبي ، ونحو ذلك ، قاله الزهري ، عن عروة ، والسدي ، وابن زيد ; لأن الله قد كتب عليهم أنه سيعذبهم في الدار الدنيا مع ما أعد لهم في الآخرة من العذاب في نار جهنم .قال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي ، حدثنا عبد الله بن صالح - كاتب الليث - حدثني الليث عن عقيل ، عن ابن شهاب قال : أخبرني عروة بن الزبير قال : ثم كانت وقعة بني النضير ، وهم طائفة من اليهود على رأس ستة أشهر من وقعة بدر . وكان منزلهم بناحية من المدينة فحاصرهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى نزلوا من الجلاء ، وأن لهم ما أقلت الإبل من الأموال والأمتعة إلا الحلقة ، وهي السلاح ، فأجلاهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قبل الشام . قال : والجلاء أنه كتب عليهم في آي من التوراة ، وكانوا من سبط لم يصبهم الجلاء قبل ما سلط عليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأنزل الله فيهم : ( سبح لله ما في السماوات وما في الأرض ) إلى قوله ( وليخزي الفاسقين ) .وقال عكرمة : الجلاء : القتل . وفي رواية عنه : الفناء .وقال قتادة : الجلاء : خروج الناس من البلد إلى البلد .وقال الضحاك : أجلاهم إلى الشام وأعطى كل ثلاثة بعيرا وسقاء ، فهذا الجلاء .وقد قال الحافظ أبو بكر البيهقي : أخبرنا أبو عبد الله الحافظ ، أخبرنا أحمد بن كامل القاضي ، حدثنا محمد بن سعيد العوفي ، حدثني أبي ، عن عمي ، حدثني أبي ، عن جدي ، عن ابن عباس قال : كان النبي - صلى الله عليه وسلم - قد حاصرهم حتى بلغ منهم كل مبلغ ، فأعطوه ما أراد منهم ، فصالحهم على أن يحقن لهم دماءهم ، وأن يخرجهم من أرضهم ، ومن ديارهم ، وأوطانهم ، وأن يسيرهم إلى أذرعات الشام وجعل لكل ثلاثة منهم بعيرا وسقاء ، والجلاء إخراجهم من أرضهم إلى أرض أخرىوروي أيضا من حديث يعقوب بن محمد الزهري ، عن إبراهيم بن جعفر بن محمود بن محمد بن مسلمة ، عن أبيه ، عن جده ، عن محمد بن مسلمة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعثه إلى بني النضير ، وأمره أن يؤجلهم في الجلاء ثلاث ليال .وقوله : ( ولهم في الآخرة عذاب النار ) أي : حتم لازم لا بد لهم منه .
59:4
ذٰلِكَ بِاَنَّهُمْ شَآقُّوا اللّٰهَ وَ رَسُوْلَهٗۚ-وَ مَنْ یُّشَآقِّ اللّٰهَ فَاِنَّ اللّٰهَ شَدِیْدُ الْعِقَابِ(۴)
یہ اس لیے کہ وہ اللہ سے اور اس کے رسول سے پھٹے (جدا) رہے (ف۱۳) اور جو اللہ اور اس کے رسول سے پھٹا رہے تو بیشک اللہ کا عذاب سخت ہے،

وقوله : ( ذلك بأنهم شاقوا الله ورسوله ) أي : إنما فعل الله بهم ذلك وسلط عليهم رسوله وعباده المؤمنين ; لأنهم خالفوا الله ورسوله ، وكذبوا بما أنزل الله على رسله المتقدمين في البشارة بمحمد - صلى الله عليه وسلم - وهم يعرفون ذلك كما يعرفون أبناءهم ، ثم قال : ( ومن يشاق الله فإن الله شديد العقاب ) .
59:5
مَا قَطَعْتُمْ مِّنْ لِّیْنَةٍ اَوْ تَرَكْتُمُوْهَا قَآىٕمَةً عَلٰۤى اُصُوْلِهَا فَبِاِذْنِ اللّٰهِ وَ لِیُخْزِیَ الْفٰسِقِیْنَ(۵)
جو درخت تم نے کاٹے یا ان کی جڑوں پر قائم چھوڑ دیے یہ سب اللہ کی اجازت سے تھا (ف۱۴) اور اس لیے کہ فاسقوں کو رسوا کرے (ف۱۵)

وقوله تعالى : ( ما قطعتم من لينة أو تركتموها قائمة على أصولها فبإذن الله وليخزي الفاسقين ) اللين : نوع من التمر ، وهو جيد .قال : أبو عبيدة : وهو ما خالف العجوة والبرني من التمر .وقال كثيرون من المفسرين : اللينة : ألوان التمر سوى العجوة .قال : ابن جرير : هو جميع النخل . ونقله عن مجاهد : وهو البويرة أيضا ; وذلك أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لما حاصرهم أمر بقطع نخيلهم إهانة لهم ، وإرهابا وإرعابا لقلوبهم . فروى محمد ابن إسحاق ، عن يزيد بن رومان ، وقتادة ، ومقاتل بن حيان أنهم قالوا : [ فبعث بنو النضير ] يقولون لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - : إنك تنهى عن الفساد ، فما بالك تأمر بقطع الأشجار ؟ فأنزل الله هذه الآية الكريمة ، أي : ما قطعتم وما تركتم من الأشجار ، فالجميع بإذن الله ومشيئته وقدرته ورضاه ، وفيه نكاية بالعدو وخزي لهم ، وإرغام لأنوفهم .وقال مجاهد : نهى بعض المهاجرين بعضا عن قطع النخل ، وقالوا : إنما هي مغانم المسلمين . فنزل القرآن بتصديق من نهى عن قطعه ، وتحليل من قطعه من الإثم ، وإنما قطعه وتركه بإذنه . وقد روي نحو هذا مرفوعا ، فقال النسائي : أخبرنا الحسن بن محمد ، عن عفان حدثنا حفص بن غياث ، حدثنا حبيب بن أبي عمرة ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس ، في قوله : ( ما قطعتم من لينة أو تركتموها قائمة على أصولها فبإذن الله وليخزي الفاسقين ) قال : يستنزلونهم من حصونهم وأمروا بقطع النخل ، فحاك في صدورهم ، فقال المسلمون : قطعنا بعضا وتركنا بعضا ، فلنسألن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : هل لنا فيما قطعنا من أجر ؟ وهل علينا فيما تركنا من وزر ؟ فأنزل الله : ( ما قطعتم من لينة )وقال الحافظ أبو يعلى في مسنده : حدثنا سفيان بن وكيع ، حدثنا حفص ، عن ابن جريج ، عن سليمان بن موسى ، عن جابر - وعن أبي الزبير ، عن جابر - قال : رخص لهم في قطع النخل ، ثم شدد عليهم فأتوا النبي - صلى الله عليه وسلم - فقالوا : يا رسول الله ، علينا إثم فيما قطعنا ؟ أو علينا وزر فيما تركنا ؟ فأنزل الله ، عز وجل : ( ما قطعتم من لينة أو تركتموها قائمة على أصولها فبإذن الله ) .وقال الإمام أحمد : حدثنا عبد الرحمن ، حدثنا سفيان ، عن موسى بن عقبة ، عن نافع ، عن ابن عمر ; أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قطع نخل بني النضير وحرق .وأخرجه صاحبا الصحيح من رواية موسى بن عقبة ، بنحوه ولفظ البخاري من طريق عبد الرزاق ، عن ابن جريج ، عن موسى بن عقبة ، عن نافع ، عن ابن عمر قال : حاربت النضير وقريظة فأجلى بني النضير ، وأقر قريظة ، ومن عليهم حتى حاربت قريظة فقتل من رجالهم ، وقسم نساءهم ، وأولادهم ، وأموالهم بين المسلمين ، إلا بعضهم لحقوا بالنبي - صلى الله عليه وسلم - فأمنهم وأسلموا ، وأجلى يهود المدينة كلهم بني قينقاع ، وهم رهط عبد الله بن سلام ، ويهود بني حارثة ، وكل يهودي بالمدينة .ولهما أيضا عن قتيبة ، عن الليث بن سعد ، عن نافع ، عن ابن عمر : أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حرق نخل بني النضير وقطع - وهي البويرة - فأنزل الله ، عز وجل فيه : ( ما قطعتم من لينة أو تركتموها قائمة على أصولها فبإذن الله وليخزي الفاسقين ) .وللبخاري رحمه الله ، من رواية جويرية بن أسماء ، عن نافع ، عن عبد الله بن عمر ; أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حرق نخل بني النضير . ولها يقول حسان بن ثابت ، رضي الله عنه :وهان على سراة بني لؤي حريق بالبويرة مستطيرفأجابه أبو سفيان بن الحارث يقول :أدام الله ذلك من صنيع وحرق في نواحيها السعيرستعلم أينا منها بنزه وتعلم أي أرضينا نضيركذا رواه البخاري ولم يذكره ابن إسحاق .وقال محمد بن إسحاق : وقال كعب بن مالك يذكر إجلاء بني النضير وقتل ابن الأشرف :لقد خزيت بغدرتها الحبور كذاك الدهر ذو صرف يدوروذلك أنهم كفروا برب عظيم أمره أمر كبيروقد أوتوا معا فهما وعلما وجاءهم من الله النذيرنذير صادق أدى كتابا وآيات مبينة تنيرفقال ما أتيت بأمر صدق وأنت بمنكر منا جديرفقال : بلى لقد أديت حقا يصدقني به الفهم الخبيرفمن يتبعه يهد لكل رشد ومن يكفر به يجز الكفورفلما أشربوا غدرا وكفرا وجد بهم عن الحق النفورأرى الله النبي برأي صدق وكان الله يحكم لا يجورفأيده وسلطه عليهم وكان نصيره نعم النصيرفغودر منهمو كعب صريعا فذلت بعد مصرعه النضيرعلى الكفين ثم وقد علته بأيدينا مشهرة ذكوربأمر محمد إذ دس ليلا إلى كعب أخا كعب يسيرفماكره فأنزله بمكر ومحمود أخو ثقة جسورفتلك بنو النضير بدار سوء أبارهم بما اجترموا المبيرغداة أتاهم في الزحف رهوا رسول الله وهو بهم بصيروغسان الحماة موازروه على الأعداء وهو لهم وزيرفقال : السلم ويحكم فصدوا وحالف أمرهم كذب وزورفذاقوا غب أمرهم دبالا لكل ثلاثة منهم بعيروأجلوا عامدين لقينقاع وغودر منهم نخل ودورقال : وكان مما قيل من الأشعار في بني النضير قول ابن لقيم العبسي - ويقال : قالها قيس بن بحر بن طريف ، قال ابن هشام الأشجعي :أهلي فداء لامرئ غير هالك أحل اليهود بالحسي المزنميقيلون في جمر الغضاة وبدلوا أهيضب عودا بالودي المكممفإن يك ظني صادقا بمحمد يروا خيله بين الصلا ويرمرميؤم بها عمرو بن بهثة إنهم عدو وما حي صديق كمجرمعليهن أبطال مساعير في الوغى يهزون أطراف الوشيج المقوموكل رقيق الشفرتين مهند تورثن من أزمان عاد وجرهمفمن مبلغ عني قريشا رسالة فهل بعدهم في المجد من متكرمبأن أخاكم فاعلمن محمدا تليد الندى بين الحجون وزمزمفدينوا له بالحق تجسم أموركم وتسموا من الدنيا إلى كل معظمنبي تلافته من الله رحمة ولا تسألوه أمر غيب مرجمفقد كان في بدر لعمري عبرة لكم يا قريش والقليب الملممغداة أتى في الخزرجية عامدا إليكم مطيعا للعظيم المكرممعانا بروح القدس ينكى عدوه رسولا من الرحمن حقا بمعلمرسولا من الرحمن يتلو كتابه فلما أنار الحق لم يتلعثمأرى أمره يزداد في كل موطن علوا لأمر حمه الله محكموقد أورد ابن إسحاق ، رحمه الله ، ها هنا أشعارا كثيرة ، فيها آداب ومواعظ وحكم ، وتفاصيل للقصة ، تركنا باقيها اختصارا واكتفاء بما ذكرناه ، ولله الحمد والمنة .قال ابن إسحاق : كانت وقعة بني النضير بعد وقعة أحد ، وبعد بئر معونة . وحكى البخاري ، عن الزهري ، عن عروة أنه قال : كانت وقعة بني النضير بعد بدر بستة أشهر .
59:6
وَ مَاۤ اَفَآءَ اللّٰهُ عَلٰى رَسُوْلِهٖ مِنْهُمْ فَمَاۤ اَوْجَفْتُمْ عَلَیْهِ مِنْ خَیْلٍ وَّ لَا رِكَابٍ وَّ لٰكِنَّ اللّٰهَ یُسَلِّطُ رُسُلَهٗ عَلٰى مَنْ یَّشَآءُؕ-وَ اللّٰهُ عَلٰى كُلِّ شَیْءٍ قَدِیْرٌ(۶)
اور جو غنیمت دلائی اللہ نے اپنے رسول کو ان سے (ف۱۶) تو تم نے ان پر نہ اپنے گھوڑے دوڑائے تھے اور نہ اونٹ (ف۱۷) ہاں اللہ اپنے رسولوں کے قابو میں دے دیتا ہے جسے چاہے (ف۱۸) اور اللہ سب کچھ کرسکتا ہے،

يقول تعالى مبينا لمال الفيء وما صفته ؟ وما حكمه ؟ فالفيء : كل مال أخذ من الكفار بغير قتال ولا إيجاف خيل ، ولا ركاب ، كأموال بني النضير هذه ، فإنها مما لم يوجف المسلمون عليه بخيل ، ولا ركاب ، أي : لم يقاتلوا الأعداء فيها بالمبارزة والمصاولة ، بل نزل أولئك من الرعب الذي ألقى الله في قلوبهم من هيبة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأفاءه الله على رسوله ; ولهذا تصرف فيه كما شاء ، فرده على المسلمين في وجوه البر والمصالح التي ذكرها الله ، عز وجل ، في هذه الآيات ، فقال : ( وما أفاء الله على رسوله منهم ) أي : من بني النضير ( فما أوجفتم عليه من خيل ولا ركاب ) يعني : الإبل ، ( ولكن الله يسلط رسله على من يشاء والله على كل شيء قدير ) أي : هو قدير لا يغالب ولا يمانع ، بل هو القاهر لكل شيء .
59:7
مَاۤ اَفَآءَ اللّٰهُ عَلٰى رَسُوْلِهٖ مِنْ اَهْلِ الْقُرٰى فَلِلّٰهِ وَ لِلرَّسُوْلِ وَ لِذِی الْقُرْبٰى وَ الْیَتٰمٰى وَ الْمَسٰكِیْنِ وَ ابْنِ السَّبِیْلِۙ- كَیْ لَا یَكُوْنَ دُوْلَةًۢ بَیْنَ الْاَغْنِیَآءِ مِنْكُمْؕ-وَ مَاۤ اٰتٰىكُمُ الرَّسُوْلُ فَخُذُوْهُۚ-وَ مَا نَهٰىكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوْاۚ-وَ اتَّقُوا اللّٰهَؕ-اِنَّ اللّٰهَ شَدِیْدُ الْعِقَابِۘ(۷)
جو غنیمت دلائی اللہ نے اپنے رسول کو شہر والوں سے (ف۱۹) وہ اللہ اور رسول کی ہے اور رشتہ داروں (ف۲۰) اور یتیموں اور مسکینوں اور مسافروں کے لیے کہ تمہارے اغنیا کا مال نہ جائے (ف۹۲۱ اور جو کچھ تمہیں رسول عطا فرمائیں وہ لو (ف۲۲) اور جس سے منع فرمائیں باز رہو، اور اللہ سے ڈرو (ف۲۳) بیشک اللہ کا عذاب سخت ہے (ف۲۴)

ثم قال : ( ما أفاء الله على رسوله من أهل القرى ) أي : جميع البلدان التي تفتح هكذا ، فحكمها حكم أموال بني النضير ; ولهذا قال : ( فلله وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين ) إلى آخرها والتي بعدها . فهذه مصارف أموال الفيء ووجوهه .قال الإمام أحمد : حدثنا سفيان ، عن عمرو ، ومعمر ، عن الزهري ، عن مالك بن أوس بن الحدثان ، عن عمر رضي الله عنه ، قال : كانت أموال بني النضير مما أفاء الله إلى رسوله مما لم يوجف المسلمون عليه بخيل ولا ركاب ، فكانت لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - خالصة فكان ينفق على أهله منها نفقة سنته - وقال مرة : قوت سنته - وما بقي جعله في الكراع والسلاح في سبيل الله ، عز وجل .هكذا أخرجه أحمد ها هنا مختصرا ، وقد أخرجه الجماعة في كتبهم - إلا ابن ماجه - من حديث سفيان ، عن عمرو بن دينار ، عن الزهري به ، وقد رويناه مطولا ، فقال أبو داود ، رحمه الله :حدثنا الحسن بن علي ، ومحمد بن يحيى بن فارس - المعنى واحد - قالا : حدثنا بشر بن عمر الزهراني ، حدثني مالك بن أنس ، عن ابن شهاب ، عن مالك بن أوس قال : أرسل إلى عمر بن الخطاب ، رضي الله عنه ، حين تعالى النهار ، فجئته فوجدته جالسا على سرير مفضيا إلى رماله ، فقال حين دخلت عليه : يا مال ، إنه قد دف أهل أبيات من قومك ، وقد أمرت فيهم بشيء ، فاقسم فيهم . قلت : لو أمرت غيري بذلك ؟ فقال : خذه . فجاءه يرفا فقال : يا أمير المؤمنين ، هل لك في عثمان بن عفان ، وعبد الرحمن بن عوف ، والزبير بن العوام ، وسعد بن أبي وقاص ؟ فقال : نعم . فأذن لهم فدخلوا ، ثم جاءه يرفا فقال : يا أمير المؤمنين ، هل لك في العباس ، وعلي ؟ قال : نعم . فأذن لهم فدخلوا ، فقال العباس : يا أمير المؤمنين ، اقض بيني وبين هذا - يعني : عليا - فقال بعضهم : أجل يا أمير المؤمنين ، اقض بينهما وأرحهما . قال مالك بن أوس : خيل إلي أنهما قدما أولئك النفر لذلك . فقال عمر رضي الله عنه : اتئدا . ثم أقبل على أولئك الرهط فقال : أنشدكم بالله الذي بإذنه تقوم السماء والأرض ، هل تعلمون أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : " لا نورث ، ما تركنا صدقة " . قالوا : نعم . ثم أقبل على علي ، والعباس فقال : أنشدكما بالله الذي بإذنه تقوم السماء والأرض ، هل تعلمان أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : " لا نورث ، ما تركنا صدقة " . فقالا : نعم . فقال : فإن الله خص رسوله بخاصة لم يخص بها أحدا من الناس ، فقال : ( وما أفاء الله على رسوله منهم فما أوجفتم عليه من خيل ولا ركاب ولكن الله يسلط رسله على من يشاء والله على كل شيء قدير ) فكان الله أفاء إلى رسوله أموال بني النضير ، فوالله ما استأثر بها عليكم ولا أحرزها دونكم ، فكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يأخذ منها نفقة سنة - أو : نفقته ونفقة أهله سنة - ويجعل ما بقي أسوة المال . ثم أقبل على أولئك الرهط فقال : أنشدكم بالله الذي بإذنه تقوم السماء والأرض : هل تعلمون ذلك ؟ قالوا : نعم . ثم أقبل على علي ، والعباس فقال : أنشدكما بالله الذي بإذنه تقوم السماء والأرض : هل تعلمان ذلك ؟ قالا : نعم . فلما توفي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال أبو بكر : " أنا ولي رسول الله " ، فجئت أنت وهذا إلى أبي بكر ، تطلب أنت ميراثك عن ابن أخيك ، ويطلب هذا ميراث امرأته من أبيها ، فقال أبو بكر ، رضي الله عنه : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " لا نورث ، ما تركنا صدقة " . والله يعلم إنه لصادق بار راشد تابع للحق . فوليها أبو بكر ، فلما توفي قلت : أنا ولي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وولي أبي بكر ، فوليتها ما شاء الله أن أليها ، فجئت أنت وهذا ، وأنتما جميع وأمركما واحد ، فسألتمانيها ، فقلت : إن شئتما فأنا أدفعها إليكما على أن عليكما عهد الله أن تلياها بالذي كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يليها ، فأخذتماها مني على ذلك ، ثم جئتماني لأقضي بينكما بغير ذلك . والله لا أقضي بينكما بغير ذلك حتى تقوم الساعة ، فإن عجزتما عنها فرداها إلي .أخرجوه من حديث الزهري به . وقال الإمام أحمد :حدثنا عارم ، وعفان قالا : حدثنا معتمر ، سمعت أبي يقول : حدثنا أنس بن مالك ، عن نبي الله - صلى الله عليه وسلم - أن الرجل كان يجعل له من ماله النخلات ، أو كما شاء الله ، حتى فتحت عليه قريظة ، والنضير . قال : فجعل يرد بعد ذلك ، قال : وإن أهلي أمروني أن آتي النبي - صلى الله عليه وسلم - فأسأله الذي كان أهله أعطوه أو بعضه ، وكان نبي الله - صلى الله عليه وسلم - قد أعطاه أم أيمن ، أو كما شاء الله ، قال : فسألت النبي - صلى الله عليه وسلم - فأعطانيهن ، فجاءت أم أيمن فجعلت الثوب في عنقي وجعلت تقول : كلا والله الذي لا إله إلا هو لا يعطيكهن وقد أعطانيهن ، أو كما قالت ، فقال نبي الله : " لك كذا وكذا " . قال : وتقول : كلا والله . قال : ويقول : " لك كذا وكذا " . قال : وتقول : كلا والله . قال : " ويقول : لك كذا وكذا " . قال : حتى أعطاها ، حسبت أنه قال : عشرة أمثال ، أو قال قريبا من عشرة أمثاله ، أو كما قال .رواه البخاري ، ومسلم من طرق ، عن معتمر به . .وهذه المصارف المذكورة في هذه الآية هي المصارف المذكورة في خمس الغنيمة . وقد قدمنا الكلام عليها في سورة " الأنفال " بما أغنى عن إعادته ها هنا ، ولله الحمد .وقوله : ( كي لا يكون دولة بين الأغنياء منكم ) أي : جعلنا هذه المصارف لمال الفيء لئلا يبقى مأكلة يتغلب عليها الأغنياء ويتصرفون فيها ، بمحض الشهوات والآراء ، ولا يصرفون منه شيئا إلى الفقراء .وقوله : ( وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا ) أي : مهما أمركم به فافعلوه ، ومهما نهاكم عنه فاجتنبوه ، فإنه إنما يأمر بخير وإنما ينهى عن شر .قال ابن أبي حاتم : حدثنا يحيى بن أبي طالب ، حدثنا عبد الوهاب ، حدثنا سعيد ، عن قتادة ، عن الحسن العوفي ، عن يحيى بن الجزار ، عن مسروق قال : جاءت امرأة إلى ابن مسعود فقالت : بلغني أنك تنهى عن الواشمة والواصلة ، أشيء وجدته في كتاب الله أو عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ؟ قال : بلى ، شيء وجدته في كتاب الله وعن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - . قالت : والله لقد تصفحت ما بين دفتي المصحف فما وجدت فيه الذي تقول ! . قال : فما وجدت فيه : ( وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا ) ؟ قالت : بلى . قال : فإني سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ينهى عن الواصلة والواشمة والنامصة . قالت : فلعله في بعض أهلك . قال : فادخلي فانظري . فدخلت فنظرت ثم خرجت ، قالت : ما رأيت بأسا . فقال لها : أما حفظت وصية العبد الصالح : ( وما أريد أن أخالفكم إلى ما أنهاكم عنه )وقال الإمام أحمد : حدثنا عبد الرحمن ، حدثنا سفيان ، عن منصور ، عن إبراهيم ، عن علقمة ، عن عبد الله - هو ابن مسعود - قال : لعن الله الواشمات ، والمستوشمات ، والمتنمصات ، والمتفلجات للحسن ، المغيرات خلق الله ، عز وجل . قال : فبلغ امرأة في البيت يقال لها : " أم يعقوب " ، فجاءت إليه فقالت : بلغني أنك قلت كيت وكيت . قال : ما لي لا ألعن من لعن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وفي كتاب الله . فقالت : إني لأقرأ ما بين لوحيه فما وجدته . فقال : إن كنت قرأتيه فقد وجدتيه . أما قرأت : ( وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا ) ؟ قالت : بلى . قال : فإن النبي - صلى الله عليه وسلم - نهى عنه . قالت : إني لأظن أهلك يفعلونه . قال : اذهبي فانظري . فذهبت فلم تر من حاجتها شيئا ، فجاءت فقالت : ما رأيت شيئا . قال : لو كانت كذلك لم تجامعنا .أخرجاه في الصحيحين ، من حديث سفيان الثوري .وقد ثبت في الصحيحين أيضا عن أبي هريرة ; أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : " إذا أمرتكم بأمر فائتوا منه ما استطعتم ، وما نهيتكم عنه فاجتنبوه " . .وقال النسائي : أخبرنا أحمد بن سعيد ، حدثنا يزيد ، حدثنا منصور بن حيان ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عمر وابن عباس : أنهما شهدا على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : أنه نهى عن الدباء والحنتم والنقير والمزفت ، ثم تلا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ( وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا ) .وقوله : ( واتقوا الله إن الله شديد العقاب ) أي : اتقوه في امتثال أوامره وترك زواجره ; فإنه شديد العقاب لمن عصاه وخالف أمره وأباه ، وارتكب ما عنه زجره ونهاه .
59:8
لِلْفُقَرَآءِ الْمُهٰجِرِیْنَ الَّذِیْنَ اُخْرِجُوْا مِنْ دِیَارِهِمْ وَ اَمْوَالِهِمْ یَبْتَغُوْنَ فَضْلًا مِّنَ اللّٰهِ وَ رِضْوَانًا وَّ یَنْصُرُوْنَ اللّٰهَ وَ رَسُوْلَهٗؕ-اُولٰٓىٕكَ هُمُ الصّٰدِقُوْنَۚ(۸)
ان فقیر ہجرت کرنے والوں کے لیے جو اپنے گھروں اور مالوں سے نکالے گئے (ف۲۵) اللہ کا فضل (ف۲۶) اور اس کی رضا چاہتے اور اللہ و رسول کی مدد کرتے (ف۲۷) وہی سچے ہیں (ف۲۸)

قول تعالى مبينا حال الفقراء المستحقين لمال الفيء أنهم ( الذين أخرجوا من ديارهم وأموالهم يبتغون فضلا من الله ورضوانا ) أي : خرجوا من ديارهم وخالفوا قومهم ابتغاء مرضاة الله ورضوانه ( وينصرون الله ورسوله أولئك هم الصادقون ) أي : هؤلاء الذين صدقوا قولهم بفعلهم ، وهؤلاء هم سادات المهاجرين .
59:9
وَ الَّذِیْنَ تَبَوَّؤُ الدَّارَ وَ الْاِیْمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ یُحِبُّوْنَ مَنْ هَاجَرَ اِلَیْهِمْ وَ لَا یَجِدُوْنَ فِیْ صُدُوْرِهِمْ حَاجَةً مِّمَّاۤ اُوْتُوْا وَ یُؤْثِرُوْنَ عَلٰۤى اَنْفُسِهِمْ وَ لَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ ﳴ وَ مَنْ یُّوْقَ شُحَّ نَفْسِهٖ فَاُولٰٓىٕكَ هُمُ الْمُفْلِحُوْنَۚ(۹)
اور جنہوں نے پہلے سے (ف۲۹) اس شہر (ف۳۰) اور ایمان میں گھر بنالیا (ف۳۱) دوست رکھتے ہیں انہیں جو ان کی طرف ہجرت کرکے گئے (ف۳۲) اور اپنے دلوں میں کوئی حاجت نہیں پاتے (ف۳۳) اس چیز کو جو دیے گئے (ف۳۴) اور اپنی جانوں پر ان کو ترجیح دیتے ہیں (ف۳۵) اگرچہ انہیں شدید محتاجی ہو (ف۳۶) اور جو اپنے نفس کے لالچ سے بچایا گیا (ف۳۷) تو وہی کامیاب ہیں،

ثم قال تعالى مادحا للأنصار ، ومبينا فضلهم ، وشرفهم ، وكرمهم ، وعدم حسدهم ، وإيثارهم مع الحاجة ، فقال : ( والذين تبوءوا الدار والإيمان من قبلهم ) أي : سكنوا دار الهجرة من قبل المهاجرين وآمنوا قبل كثير منهم .قال عمر : وأوصي الخليفة من بعدي بالمهاجرين الأولين أن يعرف لهم حقهم ، ويحفظ لهم كرامتهم . وأوصيه بالأنصار خيرا الذين تبوءوا الدار والإيمان من قبل ، أن يقبل من محسنهم ، وأن يعفو عن مسيئهم . رواه البخاري ها هنا أيضا .وقوله : ( يحبون من هاجر إليهم ) أي : من كرمهم وشرف أنفسهم ، يحبون المهاجرين ويواسونهم بأموالهم .قال الإمام أحمد : حدثنا يزيد ، حدثنا حميد ، عن أنس ، قال : قال المهاجرون : يا رسول الله ، ما رأينا مثل قوم قدمنا عليهم أحسن مواساة في قليل ، ولا أحسن بذلا في كثير ، لقد كفونا المؤنة ، وأشركونا في المهنإ ، حتى لقد خشينا أن يذهبوا بالأجر كله ! قال : " لا ما أثنيتم عليهم ودعوتم الله لهم " .لم أره في الكتب من هذا الوجه .وقال البخاري : حدثنا عبد الله بن محمد ، حدثنا سفيان ، عن يحيى بن سعيد ، سمع أنس بن مالك حين خرج معه إلى الوليد قال : دعا النبي - صلى الله عليه وسلم - الأنصار أن يقطع لهم البحرين ، قالوا : لا إلا أن تقطع لإخواننا من المهاجرين مثلها . قال : " إما لا فاصبروا حتى تلقوني ، فإنه سيصيبكم بعدي أثرة " .تفرد به البخاري من هذا الوجهقال البخاري : حدثنا الحكم بن نافع ، أخبرنا شعيب ، حدثنا أبو الزناد ، عن الأعرج ، عن أبي هريرة قال : قالت الأنصار : اقسم بيننا وبين إخواننا النخيل . قال : لا . فقالوا : تكفونا المؤنة ونشرككم في الثمرة ؟ قالوا : سمعنا وأطعنا . تفرد به دون مسلم .( ولا يجدون في صدورهم حاجة مما أوتوا ) أي : ولا يجدون في أنفسهم حسدا للمهاجرين فيما فضلهم الله به من المنزلة والشرف ، والتقديم في الذكر والرتبة .قال : الحسن البصري : ( ولا يجدون في صدورهم حاجة ) يعني : الحسد .( مما أوتوا ) قال قتادة : يعني فيما أعطى إخوانهم . وكذا قال ابن زيد . ومما يستدل به على هذا المعنى ما رواه الإمام أحمد حيث قال : حدثنا عبد الرزاق ، حدثنا معمر ، عن الزهري ، عن أنس قال : كنا جلوسا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال : " يطلع عليكم الآن رجل من أهل الجنة " . فطلع رجل من الأنصار تنظف لحيته من وضوئه ، قد تعلق نعليه بيده الشمال ، فلما كان الغد قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مثل ذلك ، فطلع ذلك الرجل مثل المرة الأولى . فلما كان اليوم الثالث قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مثل مقالته أيضا ، فطلع ذلك الرجل على مثل حالته الأولى فلما قام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تبعه عبد الله بن عمرو بن العاص ، فقال : إني لاحيت أبي فأقسمت ألا أدخل عليه ثلاثا ، فإن رأيت أن تؤويني إليك حتى تمضي فعلت . قال : نعم . قال أنس : فكان عبد الله يحدث أنه بات معه تلك الثلاث الليالي فلم يره يقوم من الليل شيئا ، غير أنه إذا تعار تقلب على فراشه ، ذكر الله وكبر ، حتى يقوم لصلاة الفجر . قال عبد الله : غير أني لم أسمعه يقول إلا خيرا ، فلما مضت الثلاث ليال وكدت أن أحتقر عمله ، قلت : يا عبد الله ، لم يكن بيني وبين أبي غضب ولا هجر ولكن سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول لك ثلاث مرار : يطلع عليكم الآن رجل من أهل الجنة " . فطلعت أنت الثلاث المرار فأردت أن آوي إليك لأنظر ما عملك فأقتدي به ، فلم أرك تعمل كثير عمل ، فما الذي بلغ بك ما قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ؟ قال : ما هو إلا ما رأيت . فلما وليت دعاني فقال : ما هو إلا ما رأيت ، غير أني لا أجد في نفسي لأحد من المسلمين غشا ، ولا أحسد أحدا على خير أعطاه الله إياه . قال عبد الله : هذه التي بلغت بك ، وهي التي لا تطاق .ورواه النسائي في اليوم والليلة ، عن سويد بن نصر ، عن ابن المبارك ، عن معمر به ، وهذا إسناد صحيح على شرط الصحيحين ، لكن رواه عقيل ، وغيره ، عن الزهري ، عن رجل ، عن أنس . فالله أعلم .وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم في قوله : ( ولا يجدون في صدورهم حاجة مما أوتوا ) يعني ( مما أوتوا ) المهاجرون . قال : وتكلم في أموال بني النضير بعض من تكلم من الأنصار ، فعاتبهم الله في ذلك ، فقال : ( وما أفاء الله على رسوله منهم فما أوجفتم عليه من خيل ولا ركاب ولكن الله يسلط رسله على من يشاء والله على كل شيء قدير ) قال : وقال رسول الله : " إن إخوانكم قد تركوا الأموال والأولاد وخرجوا إليكم " . فقالوا : أموالنا بيننا قطائع . فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " أو غير ذلك ؟ " . قالوا : وما ذاك يا رسول الله ؟ قال : " هم قوم لا يعرفون العمل ، فتكفونهم وتقاسمونهم الثمر " . فقالوا : نعم يا رسول اللهوقوله : ( ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة ) يعني : حاجة ، أي : يقدمون المحاويج على حاجة أنفسهم ، ويبدءون بالناس قبلهم في حال احتياجهم إلى ذلك .وقد ثبت في الصحيح عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : " أفضل الصدقة جهد المقل " . وهذا المقام أعلى من حال الذين وصف الله بقوله : ( ويطعمون الطعام على حبه ) [ الإنسان : 8 ] . وقوله : ( وآتى المال على حبه ) [ البقرة : 177 ] .فإن هؤلاء يتصدقون وهم يحبون ما تصدقوا به ، وقد لا يكون لهم حاجة إليه ولا ضرورة به ، وهؤلاء آثروا على أنفسهم مع خصاصتهم وحاجتهم إلى ما أنفقوه . ومن هذا المقام تصدق الصديق رضي الله عنه ، بجميع ماله ، فقال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " ما أبقيت لأهلك ؟ " . فقال : أبقيت لهم الله ورسوله . وهذا الماء الذي عرض على عكرمة وأصحابه يوم اليرموك ، فكل منهم يأمر بدفعه إلى صاحبه ، وهو جريح مثقل أحوج ما يكون إلى الماء ، فرده الآخر إلى الثالث ، فما وصل إلى الثالث حتى ماتوا عن آخرهم ولم يشربه أحد منهم ، رضي الله عنهم وأرضاهم .وقال البخاري : حدثنا يعقوب بن إبراهيم بن كثير ، حدثنا أبو أسامة ، حدثنا فضيل بن غزوان ، حدثنا أبو حازم الأشجعي ، عن أبي هريرة قال : أتى رجل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال : يا رسول الله ، أصابني الجهد ، فأرسل إلى نسائه فلم يجد عندهن شيئا ، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : " ألا رجل يضيف هذا الليلة ، رحمه الله ؟ " . فقام رجل من الأنصار فقال : أنا يا رسول الله . فذهب إلى أهله فقال لامرأته : ضيف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لا تدخريه شيئا . فقالت : والله ما عندي إلا قوت الصبية . قال : فإذا أراد الصبية العشاء فنوميهم وتعالي فأطفئي السراج ونطوي بطوننا الليلة . ففعلت ، ثم غدا الرجل على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال : " لقد عجب الله - عز وجل - أو : ضحك من فلان وفلانة " . وأنزل الله عز وجل : ( ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة ) .وكذا رواه البخاري في موضع آخر ، ومسلم ، والترمذي ، والنسائي من طرق ، عن فضيل بن غزوان به نحوه . وفي رواية لمسلم تسمية هذا الأنصاري بأبي طلحة ، رضي الله عنه .وقوله : ( ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون ) أي : من سلم من الشح فقد أفلح وأنجح .قال أحمد : حدثنا عبد الرزاق ، أخبرنا داود بن قيس الفراء ، عن عبيد الله بن مقسم ، عن جابر بن عبد الله أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : " إياكم والظلم ، فإن الظلم ظلمات يوم القيامة ، واتقوا الشح ، فإن الشح أهلك من كان قبلكم ، حملهم على أن سفكوا دماءهم واستحلوا محارمهم " .انفرد بإخراجه مسلم فرواه عن القعنبي ، عن داود بن قيس به . .وقال الأعمش ، وشعبة ، عن عمرو بن مرة ، عن عبد الله بن الحارث ، عن زهير بن الأقمر ، عن عبد الله بن عمرو قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " اتقوا الظلم ; فإن الظلم ظلمات يوم القيامة ، واتقوا الفحش ، فإن الله لا يحب الفحش ولا التفحش ، وإياكم والشح ; فإنه أهلك من كان قبلكم ، أمرهم بالظلم فظلموا ، وأمرهم بالفجور ففجروا ، وأمرهم بالقطيعة فقطعوا " .ورواه أحمد ، وأبو داود من طريق شعبة ، والنسائي من طريق الأعمش كلاهما عن عمرو بن مرة به .وقال الليث عن يزيد بن الهاد ، عن سهيل بن أبي صالح ، عن صفوان بن أبي يزيد ، عن القعقاع بن اللجلاج ، عن أبي هريرة ، أنه سمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : " لا يجتمع غبار في سبيل الله ودخان جهنم في جوف عبد أبدا ، ولا يجتمع الشح والإيمان في قلب عبد أبدا " .وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي ، حدثنا عبدة بن سليمان ، أخبرنا ابن المبارك ، حدثنا المسعودي ، عن جامع بن شداد ، عن الأسود بن هلال قال : جاء رجل إلى عبد الله فقال : يا أبا عبد الرحمن ، إني أخاف أن أكون قد هلكت فقال له عبد الله : وما ذاك ؟ قال : سمعت الله يقول : ( ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون ) وأنا رجل شحيح ، لا أكاد أن أخرج من يدي شيئا ! فقال عبد الله : ليس ذلك بالشح الذي ذكر الله في القرآن ، إنما الشح الذي ذكر الله في القرآن أن تأكل مال أخيك ظلما ، ولكن ذلك البخل ، وبئس الشيء البخل "وقال سفيان الثوري ، عن طارق بن عبد الرحمن ، عن سعيد بن جبير ، عن أبي الهياج الأسدي قال : كنت أطوف بالبيت ، فرأيت رجلا يقول : اللهم قني شح نفسي " . لا يزيد على ذلك ، فقلت له ، فقال : إني إذا وقيت شح نفسي لم أسرق ولم أزن ولم أفعل " ، وإذا الرجل عبد الرحمن بن عوف ، رضي الله عنه ، رواه ابن جريروقال ابن جرير : حدثني محمد بن إسحاق ، حدثنا سليمان بن عبد الرحمن الدمشقي ، حدثنا إسماعيل بن عياش ، حدثنا مجمع بن جارية الأنصاري ، عن عمه يزيد بن جارية ، عن أنس بن مالك ، عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : " بريء من الشح من أدى الزكاة ، وقرى الضيف ، وأعطى في النائبة " .
59:10
وَ الَّذِیْنَ جَآءُوْ مِنْۢ بَعْدِهِمْ یَقُوْلُوْنَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَ لِاِخْوَانِنَا الَّذِیْنَ سَبَقُوْنَا بِالْاِیْمَانِ وَ لَا تَجْعَلْ فِیْ قُلُوْبِنَا غِلًّا لِّلَّذِیْنَ اٰمَنُوْا رَبَّنَاۤ اِنَّكَ رَءُوْفٌ رَّحِیْمٌ۠(۱۰)
اور وہ جو ان کے بعد آئے (ف۳۸) عرض کرتے ہیں اے ہمارے رب ہمیں بخش دے اور ہمارے بھائیوں کو جو ہم سے پہلے ایمان لائے اور ہمارے دل میں ایمان والوں کی طرف سے کینہ نہ رکھ (ف۳۹) اے ہمارے رب بیشک تو ہی نہایت مہربان رحم والا ہے،

وقوله : ( والذين جاءوا من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلا للذين آمنوا ربنا إنك رءوف رحيم ) هؤلاء هم القسم الثالث ممن يستحق فقراؤهم من مال الفيء ، وهم المهاجرون ثم الأنصار ، ثم التابعون بإحسان ، كما قال في آية " براءة " : ( والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان رضي الله عنهم ) [ التوبة : 100 ] فالتابعون لهم بإحسان هم : المتبعون لآثارهم الحسنة وأوصافهم الجميلة ، الداعون لهم في السر والعلانية ; ولهذا قال في هذه الآية الكريمة : ( والذين جاءوا من بعدهم يقولون ) أي : قائلين : ( ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلا ) أي : بغضا وحسدا ( للذين آمنوا ربنا إنك رءوف رحيم ) وما أحسن ما استنبط الإمام مالك من هذه الآية الكريمة : أن الرافضي الذي يسب الصحابة ليس له في مال الفيء نصيب لعدم اتصافه بما مدح الله به هؤلاء في قولهم : ( ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلا للذين آمنوا ربنا إنك رءوف رحيم ) .وقال ابن أبي حاتم : حدثنا موسى بن عبد الرحمن المسروقي ، حدثنا محمد بن بشر ، حدثنا إسماعيل بن إبراهيم بن مهاجر ، عن أبيه ، عن عائشة أنها قالت : أمروا أن يستغفروا لهم ، فسبوهم ! ثم قرأت هذه الآية : ( والذين جاءوا من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ) الآية .وقال إسماعيل بن علية ، عن عبد الملك بن عمير ، عن مسروق ، عن عائشة قالت : أمرتم بالاستغفار لأصحاب محمد - صلى الله عليه وسلم - فسببتموهم . سمعت نبيكم - صلى الله عليه وسلم - يقول : " لا تذهب هذه الأمة حتى يلعن آخرها أولها " . رواه البغوي . .وقال أبو داود : حدثنا مسدد ، حدثنا إسماعيل بن إبراهيم ، حدثنا أيوب ، عن الزهري قال : قال عمر رضي الله عنه : ( وما أفاء الله على رسوله منهم فما أوجفتم عليه من خيل ولا ركاب ) قال الزهري : قال عمر : هذه لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - خاصة ، قرى عربية : فدك وكذا وكذا ، فما أفاء الله على رسوله من أهل القرى فلله وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل وللفقراء الذين أخرجوا من ديارهم وأموالهم ، ( والذين تبوءوا الدار والإيمان من قبلهم ) ( والذين جاءوا من بعدهم ) فاستوعبت هذه الآية الناس ، فلم يبق أحد من المسلمين إلا له فيها حق - قال أيوب : أو قال : حظ - إلا بعض من تملكون من أرقائكم . كذا رواه أبو داود ، وفيه انقطاع .وقال ابن جرير : حدثنا ابن عبد الأعلى ، حدثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن أيوب ، عن عكرمة بن خالد ، عن مالك بن أوس بن الحدثان قال : قرأ عمر بن الخطاب : ( إنما الصدقات للفقراء والمساكين ) حتى بلغ ( عليم حكيم ) [ التوبة : 60 ] ، ثم قال هذه لهؤلاء ، ثم قرأ : ( واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين ) [ الأنفال : 41 ] ، ثم قال : هذه لهؤلاء ، ثم قرأ : ( ما أفاء الله على رسوله من أهل القرى ) حتى بلغ للفقراء ( والذين تبوءوا الدار والإيمان ) ( والذين جاءوا من بعدهم ) ثم قال : استوعبت هذه الآية المسلمين عامة وليس أحد إلا له فيها حق ، ثم قال : لئن عشت ليأتين الراعي - وهو بسرو حمير - نصيبه فيها ، لم يعرق فيها جبينه .
59:11
اَلَمْ تَرَ اِلَى الَّذِیْنَ نَافَقُوْا یَقُوْلُوْنَ لِاِخْوَانِهِمُ الَّذِیْنَ كَفَرُوْا مِنْ اَهْلِ الْكِتٰبِ لَىٕنْ اُخْرِجْتُمْ لَنَخْرُجَنَّ مَعَكُمْ وَ لَا نُطِیْعُ فِیْكُمْ اَحَدًا اَبَدًاۙ-وَّ اِنْ قُوْتِلْتُمْ لَنَنْصُرَنَّكُمْؕ-وَ اللّٰهُ یَشْهَدُ اِنَّهُمْ لَكٰذِبُوْنَ(۱۱)
کیا تم نے منافقوں کو نہ دیکھا (ف۴۰) کہ اپنے بھائیوں کافر کتابیوں (ف۴۱) سے کہتے ہیں کہ اگر تم نکالے گئے (ف۴۲) تو ضرور ہم تمہارے ساتھ جائیں گے اور ہرگز تمہارے بارے میں کسی کی نہ مانیں گے (ف۴۳) اور اگر تم سے لڑائی ہوئی تو ہم ضرور تمہاری مدد کریں گے، اور اللہ گواہ ہے کہ وہ جھوٹے ہیں (ف۴۴)

يخبر تعالى عن المنافقين كعبد الله بن أبي وأضرابه ، حين بعثوا إلى يهود بني النضير يعدونهم النصر من أنفسهم ، فقال تعالى : ( ألم تر إلى الذين نافقوا يقولون لإخوانهم الذين كفروا من أهل الكتاب لئن أخرجتم لنخرجن معكم ولا نطيع فيكم أحدا أبدا وإن قوتلتم لننصرنكم ) قال الله تعالى : ( والله يشهد إنهم لكاذبون ) أي : لكاذبون فيما وعدوهم به إما أنهم قالوا لهم قولا من نيتهم ألا يفوا لهم به ، وإما أنهم لا يقع منهم الذي قالوه ;
59:12
لَىٕنْ اُخْرِجُوْا لَا یَخْرُجُوْنَ مَعَهُمْۚ-وَ لَىٕنْ قُوْتِلُوْا لَا یَنْصُرُوْنَهُمْۚ-وَ لَىٕنْ نَّصَرُوْهُمْ لَیُوَلُّنَّ الْاَدْبَارَ۫-ثُمَّ لَا یُنْصَرُوْنَ(۱۲)
اگر وہ نکالے گئے (ف۴۵) تو یہ ان کے ساتھ نہ نکلیں گے، اور ان سے لڑائی ہوئی تو یہ ان کی مدد نہ کریں گے (ف۴۶) اگر ان کی مدد کی بھی تو ضرور پیٹھ پھیر کر بھاگیں گے، پھر (ف۴۷) مدد نہ پائیں گے،

ولهذا قال : ( ولئن قوتلوا لا ينصرونهم ) أي : لا يقاتلون معهم ، ( ولئن نصروهم ) أي : قاتلوا معهم ( ليولن الأدبار ثم لا ينصرون ) وهذه بشارة مستقلة بنفسها .
59:13
لَاَنْتُمْ اَشَدُّ رَهْبَةً فِیْ صُدُوْرِهِمْ مِّنَ اللّٰهِؕ-ذٰلِكَ بِاَنَّهُمْ قَوْمٌ لَّا یَفْقَهُوْنَ(۱۳)
بیشک (ف۴۸) ان کے دلوں میں اللہ سے زیادہ تمہارا ڈر ہے (ف۴۹) یہ اس لیے کہ وہ ناسمجھ لوگ ہیں (ف۵۰)

ثم قال تعالى : ( لأنتم أشد رهبة في صدورهم من الله ) أي : يخافون منكم أكثر من خوفهم من الله ، كقوله : ( إذا فريق منهم يخشون الناس كخشية الله أو أشد خشية ) [ النساء : 77 ] ; ولهذا قال : ( ذلك بأنهم قوم لا يفقهون )
59:14
لَا یُقَاتِلُوْنَكُمْ جَمِیْعًا اِلَّا فِیْ قُرًى مُّحَصَّنَةٍ اَوْ مِنْ وَّرَآءِ جُدُرٍؕ- بَاْسُهُمْ بَیْنَهُمْ شَدِیْدٌؕ-تَحْسَبُهُمْ جَمِیْعًا وَّ قُلُوْبُهُمْ شَتّٰىؕ-ذٰلِكَ بِاَنَّهُمْ قَوْمٌ لَّا یَعْقِلُوْنَۚ(۱۴)
یہ سب مل کر بھی تم سے نہ لڑیں گے مگر قلعہ بند شہروں میں یا دُھسّوں (شہر پناہ) کے پیچھے، آپس میں ان کی آنچ (جنگ) سخت ہے (ف۵۱) تم انہیں ایک جتھا سمجھو گے اور ان کے دل الگ الگ ہیں، یہ اس لیے کہ وہ بے عقل لوگ ہیں (ف۵۲)

ثم قال ( لا يقاتلونكم جميعا إلا في قرى محصنة أو من وراء جدر ) يعني : أنهم من جبنهم وهلعهم لا يقدرون على مواجهة جيش الإسلام بالمبارزة والمقابلة بل إما في حصون أو من وراء جدر محاصرين ، فيقاتلون للدفع عنهم ضرورة .ثم قال ( بأسهم بينهم شديد ) أي : عداوتهم فيما بينهم شديدة ، كما قال : ( ويذيق بعضكم بأس بعض ) [ الأنعام : 65 ] ; ولهذا قال : ( تحسبهم جميعا وقلوبهم شتى ) أي : تراهم مجتمعين فتحسبهم مؤتلفين ، وهم مختلفون غاية الاختلاف .قال : إبراهيم النخعي : يعني : أهل الكتاب والمنافقين ( ذلك بأنهم قوم لا يعقلون )
59:15
كَمَثَلِ الَّذِیْنَ مِنْ قَبْلِهِمْ قَرِیْبًا ذَاقُوْا وَبَالَ اَمْرِهِمْۚ-وَ لَهُمْ عَذَابٌ اَلِیْمٌۚ(۱۵)
ان کی سی کہاوت جو ابھی قریب زمانہ میں ان سے پہلے تھے (ف۵۳) انہوں نے اپنے کام کا وبال چکھا (ف۵۴) اور ان کے لیے دردناک عذاب ہے (ف۵۵)

ثم قال : ( كمثل الذين من قبلهم قريبا ذاقوا وبال أمرهم ولهم عذاب أليم ) قال مجاهد ، والسدي ، ومقاتل بن حيان : يعني كمثل ما أصاب كفار قريش يوم بدر .وقال ابن عباس : ( كمثل الذين من قبلهم ) يعني : يهود بني قينقاع . وكذا قال قتادة ، ومحمد بن إسحاق .وهذا القول أشبه بالصواب ، فإن يهود بني قينقاع كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قد أجلاهم قبل هذا .
59:16
كَمَثَلِ الشَّیْطٰنِ اِذْ قَالَ لِلْاِنْسَانِ اكْفُرْۚ-فَلَمَّا كَفَرَ قَالَ اِنِّیْ بَرِیْٓءٌ مِّنْكَ اِنِّیْۤ اَخَافُ اللّٰهَ رَبَّ الْعٰلَمِیْنَ(۱۶)
شیطان کی کہاوت جب اس نے آدمی سے کہا کفر کر پھر جب اس نے کفر کرلیا بولا میں تجھ سے الگ ہوں میں اللہ سے ڈرتا ہوں جو سارے جہان کا رب (ف۵۶)

وقوله : ( كمثل الشيطان إذ قال للإنسان اكفر فلما كفر قال إني بريء منك ) يعني : مثل هؤلاء اليهود في اغترارهم بالذين وعدوهم النصر من المنافقين ، وقول المنافقين لهم : ( وإن قوتلتم لننصرنكم ) ثم لما حقت الحقائق وجد بهم الحصار والقتال ، تخلوا عنهم وأسلموهم للهلكة ، مثالهم في هذا كمثل الشيطان إذ سول للإنسان - والعياذ بالله - الكفر ، فإذا دخل فيما سوله تبرأ منه وتنصل ، وقال : ( إني أخاف الله رب العالمين )وقد ذكر بعضهم ها هنا قصة لبعض عباد بني إسرائيل هي كالمثال لهذا المثل ، لا أنها المرادة وحدها بالمثل ، بل هي منه مع غيرها من الوقائع المشاكلة لها ، فقال ابن جرير :حدثنا خلاد بن أسلم ، أخبرنا النضر بن شميل ، أخبرنا شعبة ، عن أبي إسحاق ، سمعت عبد الله بن نهيك قال : سمعت عليا رضي الله عنه ، يقول : إن راهبا تعبد ستين سنة ، وإن الشيطان أراده فأعياه ، فعمد إلى امرأة فأجنها ولها إخوة ، فقال لإخوتها : عليكم بهذا القس فيداويها . قال : فجاءوا بها إليه فداواها ، وكانت عنده ، فبينما هو يوما عندها إذ أعجبته ، فأتاها فحملت ، فعمد إليها فقتلها ، فجاء إخوتها ، فقال الشيطان للراهب : أنا صاحبك ، إنك أعييتني ، أنا صنعت هذا بك فأطعني أنجك مما صنعت بك ، فاسجد لي سجدة . فسجد له ، فلما سجد له قال : إني بريء منك ، إني أخاف الله رب العالمين ، فذلك قوله : ( كمثل الشيطان إذ قال للإنسان اكفر فلما كفر قال إني بريء منك إني أخاف الله رب العالمين ) .وقال ابن جرير : حدثني يحيى بن إبراهيم المسعودي ، حدثنا أبي ، عن أبيه ، عن جده ، عن الأعمش ، عن عمارة ، عن عبد الرحمن بن يزيد ، عن عبد الله بن مسعود في هذه الآية : ( كمثل الشيطان إذ قال للإنسان اكفر فلما كفر قال إني بريء منك إني أخاف الله رب العالمين ) قال : كانت امرأة ترعى الغنم ، وكان لها أربعة إخوة ، وكانت تأوي بالليل إلى صومعة راهب . قال : فنزل الراهب ففجر بها ، فحملت ، فأتاه الشيطان فقال له : اقتلها ثم ادفنها ، فإنك رجل مصدق يسمع قولك . فقتلها ثم دفنها . قال : فأتى الشيطان إخوتها في المنام فقال لهم : إن الراهب صاحب الصومعة فجر بأختكم ، فلما أحبلها قتلها ثم دفنها في مكان كذا وكذا . فلما أصبحوا قال رجل منهم : والله لقد رأيت البارحة رؤيا ما أدري أقصها عليكم أم أترك ؟ قالوا : لا بل قصها علينا . قال : فقصها ، فقال الآخر : وأنا والله لقد رأيت ذلك ، فقال الآخر : وأنا والله لقد رأيت ذلك . فقالوا : فوالله ما هذا إلا لشيء . قال : فانطلقوا فاستعدوا ملكهم على ذلك الراهب ، فأتوه فأنزلوه ثم انطلقوا به فلقيه الشيطان فقال : إني أنا الذي أوقعتك في هذا ، ولن ينجيك منه غيري ، فاسجد لي سجدة واحدة وأنجيك مما أوقعتك فيه . قال : فسجد له ، فلما أتوا به ملكهم تبرأ منه ، وأخذ فقتل .وكذا روي عن ابن عباس ، وطاوس ، ومقاتل بن حيان ، نحو ذلك . واشتهر عند كثير من الناس أن هذا العابد هو برصيصا ، والله أعلم . وهذه القصة مخالفة لقصة جريج العابد ، فإن جريجا اتهمته امرأة بغي بنفسها ، وادعت أن حملها منه ، ورفعت أمره إلى ولي الأمر ، فأمر به فأنزل من صومعته وخر‍بت صومعته وهو يقول : ما لكم ؟ ما لكم ؟ فقالوا : يا عدو الله ، فعلت بهذه المرأة كذا وكذا . فقال : جريج : اصبروا . ثم أخذ ابنها وهو صغير جدا ، ثم قال : يا غلام ، من أبوك ؟ قال أبي الراعي - وكانت قد أمكنته من نفسها فحملت منه - فلما رأى بنو إسرائيل ذلك عظموه كلهم تعظيما بليغا ، وقالوا : نعيد صومعتك من ذهب . قال : لا بل أعيدوها من طين ، كما كانت .
59:17
فَكَانَ عَاقِبَتَهُمَاۤ اَنَّهُمَا فِی النَّارِ خَالِدَیْنِ فِیْهَاؕ-وَ ذٰلِكَ جَزٰٓؤُا الظّٰلِمِیْنَ۠(۱۷)
تو ان دونوں کا (ف۵۷) انجام یہ ہوا کہ وہ دونوں آگ میں ہیں ہمیشہ اس میں رہے، اور ظالموں کو یہی سزا ہے،

وقوله : ( فكان عاقبتهما أنهما في النار خالدين فيها ) أي : فكانت عاقبة الآمر بالكفر والفاعل له ، وتصيرهما إلى نار جهنم خالدين فيها ، ( وذلك جزاء الظالمين ) أي : جزاء كل ظالم .
59:18
یٰۤاَیُّهَا الَّذِیْنَ اٰمَنُوا اتَّقُوا اللّٰهَ وَ لْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍۚ-وَ اتَّقُوا اللّٰهَؕ-اِنَّ اللّٰهَ خَبِیْرٌۢ بِمَا تَعْمَلُوْنَ(۱۸)
اے ایمان والو اللہ سے ڈرو (ف۵۸) اور ہر جان دیکھے کہ کل کے لیے آگے کیا بھیجا (ف۵۹) اور اللہ سے ڈرو (ف۶۰) بیشک اللہ کو تمہارے کاموں کی خبر ہے،

قال الإمام أحمد : حدثنا محمد بن جعفر ، حدثنا شعبة ، عن عون بن أبي جحيفة ، عن المنذر بن جرير ، عن أبيه قال : كنا عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في صدر النهار ، قال : فجاءه قوم حفاة عراة مجتابي النمار - أو العباء - متقلدي السيوف ، عامتهم من مضر ، بل كلهم من مضر فتغير وجه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لما رأى بهم من الفاقة ، قال : فدخل ثم خرج ، فأمر بلالا فأذن وأقام الصلاة ، فصلى ثم خطب ، فقال : ( يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة ) إلى آخر الآية : ( إن الله كان عليكم رقيبا ) [ النساء : 1 ] . وقرأ الآية التي في الحشر : ( ولتنظر نفس ما قدمت لغد ) تصدق رجل من ديناره ، من درهمه ، من ثوبه ، من صاع بره ، من صاع تمره - حتى قال - : ولو بشق تمرة " . قال : فجاء رجل من الأنصار بصرة كادت كفه تعجز عنها ، بل قد عجزت ، ثم تتابع الناس حتى رأيت كومين من طعام وثياب ، حتى رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يتهلل وجهه كأنه مذهبة ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " من سن في الإسلام سنة حسنة ، فله أجرها وأجر من عمل بها بعده ، من غير أن ينقص من أجورهم شيء ، ومن سن في الإسلام سنة سيئة ، كان عليه وزرها ووزر من عمل بها من غير أن ينقص من أوزارهم شيء " .انفرد بإخراجه مسلم من حديث شعبة بإسناد مثله .فقوله تعالى : ( يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله ) أمر بتقواه ، وهي تشمل فعل ما به أمر ، وترك ما عنه زجر .وقوله : ( ولتنظر نفس ما قدمت لغد ) أي : حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا ، وانظروا ماذا ادخرتم لأنفسكم من الأعمال الصالحة ليوم معادكم وعرضكم على ربكم ، ( واتقوا الله ) تأكيد ثان ، ( إن الله خبير بما تعملون ) أي : اعلموا أنه عالم بجميع أعمالكم وأحوالكم لا تخفى عليه منكم خافية ، ولا يغيب عنه من أموركم جليل ولا حقير .
59:19
وَ لَا تَكُوْنُوْا كَالَّذِیْنَ نَسُوا اللّٰهَ فَاَنْسٰىهُمْ اَنْفُسَهُمْؕ-اُولٰٓىٕكَ هُمُ الْفٰسِقُوْنَ(۱۹)
اور ان جیسے نہ ہو جو اللہ کو بھول بیٹھے (ف۶۱) تو اللہ نے انہیں بلا میں ڈالا کہ اپنی جانیں یاد نہ رہیں (ف۶۲) وہی فاسق ہیں،

وقال ( ولا تكونوا كالذين نسوا الله فأنساهم أنفسهم ) أي : لا تنسوا ذكر الله فينسيكم العمل لمصالح أنفسكم التي تنفعكم في معادكم ، فإن الجزاء من جنس العمل ; ولهذا قال : ( أولئك هم الفاسقون ) أي : الخارجون عن طاعة الله ، الهالكون يوم القيامة ، الخاسرون يوم معادهم ، كما قال : ( يا أيها الذين آمنوا لا تلهكم أموالكم ولا أولادكم عن ذكر الله ومن يفعل ذلك فأولئك هم الخاسرون ) [ المنافقون : 9 ] .وقال الحافظ أبو القاسم الطبراني : حدثنا أحمد بن عبد الوهاب بن نجدة الحوطي ، حدثنا أبو المغيرة ، حدثنا حريز بن عثمان ، عن نعيم بن نمحة قال : كان في خطبة أبي بكر الصديق ، رضي الله عنه : أما تعلمون أنكم تغدون وتروحون لأجل معلوم ؟ فمن استطاع أن يقضي الأجل وهو في عمل الله ، عز وجل ، فليفعل ، ولن تنالوا ذلك إلا بالله ، عز وجل . إن قوما جعلوا آجالهم لغيرهم ، فنهاكم الله تكونوا أمثالهم : ( ولا تكونوا كالذين نسوا الله فأنساهم أنفسهم ) أين من تعرفون من إخوانكم ؟ قدموا على ما قدموا في أيام سلفهم ، وخلوا بالشقوة والسعادة ، أين الجبارون الأولون الذين بنوا المدائن وحصنوها بالحوائط ؟ قد صاروا تحت الصخر والآبار ، هذا كتاب الله لا تفنى عجائبه فاستضيئوا منه ليوم ظلمة ، وائتضحوا بسنائه وبيانه ، إن الله أثنى على زكريا وأهل بيته فقال : ( إنهم كانوا يسارعون في الخيرات ويدعوننا رغبا ورهبا وكانوا لنا خاشعين ) [ الأنبياء : 90 ] ، لا خير في قول لا يراد به وجه الله ، ولا خير في مال لا ينفق في سبيل الله ، ولا خير فيمن يغلب جهله حلمه ، ولا خير فيمن يخاف في الله لومة لائم .هذا إسناد جيد ، ورجاله كلهم ثقات ، وشيخ حريز بن عثمان ، وهو نعيم بن نمحة ، لا أعرفه بنفي ولا إثبات ، غير أن أبا داود السجستاني قد حكم بأن شيوخ حريز كلهم ثقات . وقد روي لهذه الخطبة شواهد من وجوه أخر ، والله أعلم .
59:20
لَا یَسْتَوِیْۤ اَصْحٰبُ النَّارِ وَ اَصْحٰبُ الْجَنَّةِؕ-اَصْحٰبُ الْجَنَّةِ هُمُ الْفَآىٕزُوْنَ(۲۰)
دوزخ والے (ف۶۳) اور جنت والے (ف۶۴) برابر نہیں جنت والے ہی مراد کو پہنچے،

وقوله : ( لا يستوي أصحاب النار وأصحاب الجنة أصحاب الجنة ) أي لا يستوي هؤلاء وهؤلاء في حكم الله يوم القيامة ، كما قال : ( أم حسب الذين اجترحوا السيئات أن نجعلهم كالذين آمنوا وعملوا الصالحات سواء محياهم ومماتهم ساء ما يحكمون ) [ الجاثية : 21 ] ، وقال ( وما يستوي الأعمى والبصير والذين آمنوا وعملوا الصالحات ولا المسيء ) الآية [ غافر : 58 ] . قال : ( أم نجعل الذين آمنوا وعملوا الصالحات كالمفسدين في الأرض أم نجعل المتقين كالفجار ) ؟ في آيات أخر دالات على أن الله سبحانه يكرم الأبرار ، ويهين الفجار ; ولهذا قال ها هنا : ( أصحاب الجنة هم الفائزون ) أي : الناجون المسلمون من عذاب الله عز وجل .
59:21
لَوْ اَنْزَلْنَا هٰذَا الْقُرْاٰنَ عَلٰى جَبَلٍ لَّرَاَیْتَهٗ خَاشِعًا مُّتَصَدِّعًا مِّنْ خَشْیَةِ اللّٰهِؕ-وَ تِلْكَ الْاَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ یَتَفَكَّرُوْنَ(۲۱)
اگر ہم یہ قرآن کسی پہاڑ پر اتارتے (ف۶۵) تو ضرور تو اسے دیکھتا جھکا ہوا پاش پاش ہوتا اللہ کے خوف سے (ف۶۶) اور یہ مثالیں لوگوں کے لیے ہم بیان فرماتے ہیں کہ وہ سوچیں،

يقول تعالى معظما لأمر القرآن ، ومبينا علو قدره ، وأنه ينبغي أن تخشع له القلوب ، وتتصدع عند سماعه لما فيه من الوعد والوعيد الأكيد : ( لو أنزلنا هذا القرآن على جبل لرأيته خاشعا متصدعا من خشية الله ) أي : فإن كان الجبل في غلظته وقساوته ، لو فهم هذا القرآن فتدبر ما فيه ، لخشع وتصدع من خوف الله ، عز وجل ، فكيف يليق بكم أيها البشر ألا تلين قلوبكم وتخشع ، وتتصدع من خشية الله ، وقد فهمتم عن الله أمره وتدبرتم كتابه ؟ ولهذا قال تعالى : ( وتلك الأمثال نضربها للناس لعلهم يتفكرون ) .قال العوفي : عن ابن عباس في قوله : ( لو أنزلنا هذا القرآن على جبل لرأيته خاشعا ) إلى آخرها ، يقول : لو أني أنزلت هذا القرآن على جبل حملته إياه ، لتصدع وخشع من ثقله ، ومن خشية الله . فأمر الله الناس إذا نزل عليهم القرآن أن يأخذوه بالخشية الشديدة والتخشع . ثم قال : كذلك يضرب الله الأمثال للناس لعلهم يتفكرون . وكذا قال قتادة ، وابن جرير .وقد ثبت في الحديث المتواتر : أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لما عمل له المنبر ، وقد كان يوم الخطبة يقف إلى جانب جذع من جذوع المسجد ، فلما وضع المنبر أول ما وضع ، وجاء النبي - صلى الله عليه وسلم - ليخطب فجاوز الجذع إلى نحو المنبر ، فعند ذلك حن الجذع وجعل يئن كما يئن الصبي الذي يسكن ، لما كان يسمع من الذكر والوحي عنده . ففي بعض روايات هذا الحديث قال الحسن البصري بعد إيراده : " فأنتم أحق أن تشتاقوا إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من الجذع " . وهكذا هذه الآية الكريمة ، إذا كانت الجبال الصم لو سمعت كلام الله وفهمته ، لخشعت وتصدعت من خشيته فكيف بكم وقد سمعتم وفهمتم ؟ وقد قال تعالى : ( ولو أن قرآنا سيرت به الجبال أو قطعت به الأرض أو كلم به الموتى ) الآية [ الرعد : 31 ] . وقد تقدم أن معنى ذلك : أي لكان هذا القرآن . وقال تعالى : ( وإن من الحجارة لما يتفجر منه الأنهار وإن منها لما يشقق فيخرج منه الماء وإن منها لما يهبط من خشية الله ) [ البقرة : 74 ] .
59:22
هُوَ اللّٰهُ الَّذِیْ لَاۤ اِلٰهَ اِلَّا هُوَۚ-عٰلِمُ الْغَیْبِ وَ الشَّهَادَةِۚ-هُوَ الرَّحْمٰنُ الرَّحِیْمُ(۲۲)
وہی اللہ ہے جس کے سوا کوئی معبود نہیں، ہر نہاں و عیاں کا جاننے والا (ف۶۷) وہی ہے بڑا مہربان رحمت والا،

ثم قال تعالى : ( هو الله الذي لا إله إلا هو عالم الغيب والشهادة هو الرحمن الرحيم ) أخبر تعالى أنه الذي لا إله إلا هو فلا رب غيره ، ولا إله للوجود سواه ، وكل ما يعبد من دونه فباطل ، وأنه عالم الغيب والشهادة ، أي : يعلم جميع الكائنات المشاهدات لنا والغائبات عنا فلا يخفى عليه شيء في الأرض ، ولا في السماء من جليل وحقير ، وصغير وكبير ، حتى الذر في الظلمات .وقوله : ( هو الرحمن الرحيم ) قد تقدم الكلام على ذلك في أول التفسير ، بما أغنى عن إعادته ها هنا . والمراد أنه ذو الرحمة الواسعة الشاملة لجميع المخلوقات ، فهو رحمن الدنيا والآخرة ورحيمهما ، وقد قال تعالى : ( ورحمتي وسعت كل شيء ) [ الأعراف : 156 ] ، وقال ( كتب ربكم على نفسه الرحمة ) [ الأنعام : 54 ] ، وقال ( قل بفضل الله وبرحمته فبذلك فليفرحوا هو خير مما يجمعون ) [ يونس : 58 ] .
59:23
هُوَ اللّٰهُ الَّذِیْ لَاۤ اِلٰهَ اِلَّا هُوَۚ-اَلْمَلِكُ الْقُدُّوْسُ السَّلٰمُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَیْمِنُ الْعَزِیْزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُؕ-سُبْحٰنَ اللّٰهِ عَمَّا یُشْرِكُوْنَ(۲۳)
وہی ہے اللہ جس کے سوا کوئی معبود نہیں بادشاہ (ف۶۸) نہایت پاک (ف۶۹) سلامتی دینے والا (ف۷۰) امان بخشنے والا (ف۷۱) حفاظت فرمانے والا عزت والا عظمت والا تکبر والا (ف۷۲) اللہ کو پاکی ہے ان کے شرک سے،

وقوله ( هو الله الذي لا إله إلا هو الملك ) أي : المالك لجميع الأشياء المتصرف فيها بلا ممانعة ولا مدافعة .وقوله : ( القدوس ) قال وهب بن منبه : أي الطاهر . وقال مجاهد ، وقتادة : أي المبارك : وقال ابن جريج : تقدسه الملائكة الكرام .( السلام ) أي : من جميع العيوب والنقائص ; بكماله في ذاته وصفاته وأفعاله .وقوله : ( المؤمن ) قال الضحاك عن ابن عباس : أي أمن خلقه من أن يظلمهم . وقال قتادة : أمن بقوله : إنه حق . وقال ابن زيد : صدق عباده المؤمنين في إيمانهم به .وقوله : ( المهيمن ) قال ابن عباس وغير واحد : أي الشاهد على خلقه بأعمالهم ، بمعنى : هو رقيب عليهم ، كقوله : ( والله على كل شيء شهيد ) [ البروج : 9 ] ، وقوله ( ثم الله شهيد على ما يفعلون ) [ يونس : 46 ] .وقوله : ( أفمن هو قائم على كل نفس بما كسبت ) الآية [ الرعد : 33 ] .وقوله : ( العزيز ) أي : الذي قد عز كل شيء فقهره ، وغلب الأشياء فلا ينال جنابه لعزته ، وعظمته ، وجبروته ، وكبريائه ; ولهذا قال : ( الجبار المتكبر ) أي : الذي لا تليق الجبرية إلا له ، ولا التكبر إلا لعظمته ، كما تقدم في الصحيح : " العظمة إزاري ، والكبرياء ردائي ، فمن نازعني واحدا منهما عذبته " .وقال قتادة : الجبار : الذي جبر خلقه على ما يشاء .وقال ابن جرير : الجبار : المصلح أمور خلقه ، المتصرف فيهم بما فيه صلاحهم .وقال قتادة : المتكبر : يعني عن كل سوء .ثم قال : ( سبحان الله عما يشركون ) .
59:24
هُوَ اللّٰهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ لَهُ الْاَسْمَآءُ الْحُسْنٰىؕ-یُسَبِّحُ لَهٗ مَا فِی السَّمٰوٰتِ وَ الْاَرْضِۚ-وَ هُوَ الْعَزِیْزُ الْحَكِیْمُ۠(۲۴)
وہی ہے اللہ بنانے والا پیدا کرنے والا (ف۷۳) ہر ایک کو صورت دینے والا (ف۷۴) اسی کے ہیں سب اچھے نام (ف۷۵) اس کی پاکی بولتا ہے جو کچھ آسمانوں اور زمین میں ہے اور وہی عزت و حکمت والا ہے،

وقوله : ( هو الله الخالق البارئ المصور ) الخلق : التقدير ، والبراء : هو الفري ، وهو التنفيذ وإبراز ما قدره وقرره إلى الوجود ، وليس كل من قدر شيئا ورتبه يقدر على تنفيذه وإيجاده سوى الله عز وجل . قال الشاعر يمدح آخرولأنت تفري ما خلقت وبعض القوم يخلق ثم لا يفريأي : أنت تنفذ ما خلقت ، أي : قدرت بخلاف غيرك فإنه لا يستطيع ما يريد . فالخلق : التقدير . والفري : التنفيذ . ومنه يقال : قدر الجلاد ثم فرى ، أي : قطع على ما قدره بحسب ما يريده .وقوله تعالى : ( الخالق البارئ المصور ) أي : الذي إذا أراد شيئا قال له : كن ، فيكون على الصفة التي يريد ، والصورة التي يختار . كقوله : ( في أي صورة ما شاء ركبك ) [ الانفطار : 8 ] ولهذا قال : ( المصور ) أي : الذي ينفذ ما يريد إيجاده على الصفة التي يريدها .وقوله : ( له الأسماء الحسنى ) قد تقدم الكلام على ذلك في " سورة الأعراف " ، وذكر الحديث المروي في الصحيحين عن أبي هريرة ، عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " إن لله تعالى تسعة وتسعين اسما ، مائة إلا واحدا ، من أحصاها دخل الجنة ، وهو وتر يحب الوتر " . وتقدم سياق الترمذي ، وابن ماجه له ، عن أبي هريرة أيضا ، وزاد بعد قوله : " وهو وتر يحب الوتر " - واللفظ للترمذي - : " هو الله الذي لا إله إلا هو ، الرحمن ، الرحيم ، الملك ، القدوس ، السلام ، المؤمن ، المهيمن ، العزيز ، الجبار ، المتكبر ، الخالق ، البارئ ، المصور ، الغفار ، القهار ، الوهاب ، الرزاق ، الفتاح ، العليم ، القابض ، الباسط ، الخافض ، الرافع ، المعز ، المذل ، السميع ، البصير ، الحكم ، العدل ، اللطيف ، الخبير ، الحليم ، العظيم ، الغفور ، الشكور ، العلي ، الكبير ، الحفيظ ، المقيت ، الحسيب ، الجليل ، الكريم ، الرقيب ، المجيب ، الواسع ، الحكيم ، الودود ، المجيد ، الباعث ، الشهيد ، الحق ، الوكيل ، القوي ، المتين ، الولي ، الحميد ، المحصي ، المبدئ ، المعيد ، المحيي ، المميت ، الحي ، القيوم ، الواجد ، الماجد ، الواحد ، الصمد ، القادر ، المقتدر ، المقدم ، المؤخر ، الأول ، الآخر ، الظاهر ، الباطن ، الوالي ، المتعالي ، البر ، التواب ، المنتقم ، العفو ، الرءوف ، مالك الملك ، ذو الجلال والإكرام ، المقسط ، الجامع ، الغني ، المغني ، المانع ، الضار ، النافع ، النور ، الهادي ، البديع ، الباقي ، الوارث ، الرشيد ، الصبور " .وسياق ابن ماجه بزيادة ، ونقصان ، وتقديم ، وتأخير ، وقد قدمنا ذلك مبسوطا مطولا بطرقه ، وألفاظه بما أغنى عن إعادته هنا .وقوله : ( يسبح له ما في السماوات والأرض ) كقوله ( تسبح له السماوات السبع والأرض ومن فيهن وإن من شيء إلا يسبح بحمده ولكن لا تفقهون تسبيحهم إنه كان حليما غفورا ) [ الإسراء : 44 ] .وقوله : ( وهو العزيز ) أي : فلا يرام جنابه ) الحكيم ) في شرعه وقدره . وقد قال الإمام أحمد :حدثنا أبو أحمد الزبيري ، حدثنا خالد - يعني : ابن طهمان أبو العلاء الخفاف - حدثنا نافع بن أبي نافع ، عن معقل بن يسار ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : " من قال حين يصبح ثلاث مرات : أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم ، ثم قرأ ثلاث آيات من آخر سورة الحشر ، وكل الله به سبعين ألف ملك يصلون عليه حتى يمسي ، وإن مات في ذلك اليوم مات شهيدا ، ومن قالها حين يمسي كان بتلك المنزلة " .ورواه الترمذي ، عن محمود بن غيلان ، عن أبي أحمد الزبيري به . ، وقال : غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه .آخر تفسير سورة الحشر ولله الحمد والمنة.
  FONT
  THEME
  TRANSLATION
  • English | Ahmed Ali
  • Urdu | Ahmed Raza Khan
  • Turkish | Ali-Bulaç
  • German | Bubenheim Elyas
  • Chinese | Chineese
  • Spanish | Cortes
  • Dutch | Dutch
  • Portuguese | El-Hayek
  • English | English
  • Urdu | Fateh Muhammad Jalandhry
  • French | French
  • Hausa | Hausa
  • Indonesian | Indonesian-Bahasa
  • Italian | Italian
  • Korean | Korean
  • Malay | Malay
  • Russian | Russian
  • Tamil | Tamil
  • Thai | Thai
  • Farsi | مکارم شیرازی
  TAFSEER
  • العربية | التفسير الميسر
  • العربية | تفسير الجلالين
  • العربية | تفسير السعدي
  • العربية | تفسير ابن كثير
  • العربية | تفسير الوسيط لطنطاوي
  • العربية | تفسير البغوي
  • العربية | تفسير القرطبي
  • العربية | تفسير الطبري
  • English | Arberry
  • English | Yusuf Ali
  • Dutch | Keyzer
  • Dutch | Leemhuis
  • Dutch | Siregar
  • Urdu | Sirat ul Jinan
  HELP

اَلْحَشْر
اَلْحَشْر
  00:00



Download

اَلْحَشْر
اَلْحَشْر
  00:00



Download