READ
Surah Al-Furqan
اَلْفُرْقَان
77 Ayaat مکیۃ
25:0
بِسْمِ اللّٰهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحِیْمِ
اللہ کے نام سے شروع جو بہت مہربان رحمت والا
سورة الفاتحة هي السورة الوحيدة التي أمر الإسلام أتباعه أن يقرءوها في كل صلاة. وفي جميع الركعات، وفي كل الأوقات، ولهذا أصبح حفظها ميسورا لكل مؤمن.وهذه السورة على صغر حجمها، وقلة آياتها، قد اشتملت بوجه إجمالي على مقاصد الدين من توحيد، وتعبد، وأحكام، ووعد ووعيد.ونرى من الخير قبل أن نبدأ في تفسيرها بالتفصيل، أن نمهد لذلك بالكلام عما يأتي:أولا: متى نزلت سورة الفاتحة؟للإجابة على هذا السؤال نقول: إن الرأي الراجح بين المحققين من العلماء أنها نزلت بمكة، بل هي من أوائل ما نزل من القرآن بمكة.وقيل: إنها مدنية. وقيل: إنها نزلت مرتين مرة بمكة حين فرضت الصلاة ومرة بالمدينة حين حولت القبلة.قال القرطبي: الأول أصح لقوله- تعالى- في سورة الحجر: وَلَقَدْ آتَيْناكَ سَبْعاً مِنَ الْمَثانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ وسورة الحجر مكية بالإجماع. ولا خلاف في أن فرض الصلاة كان بمكة، وما حفظ أنه لم يكن في الإسلام قط صلاة بغير الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ «يدل على ذلك قوله صلّى الله عليه وسلّم: «لا صلاة إلا بفاتحة الكتاب» . وهذا خبر عن الحكم لا عن الابتداء» .ثانيا: عدد آياتها: وهي سبع آيات لقوله- تعالى-: وَلَقَدْ آتَيْناكَ سَبْعاً مِنَ الْمَثانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ. قال العلماء: السبع المثاني هي الفاتحة.وقال ابن كثير: هي سبع آيات بلا خلاف. وقال عمرو بن عبيد: هي ثماني آيات لأنه جعل إِيَّاكَ نَعْبُدُ آية. وقال حسين الجعفي: هي ست آيات وهذان القولان شاذان» .ثالثا: أسماؤها: لسورة الفاتحة أسماء كثيرة من أشهرها:1- «الفاتحة أو فاتحة الكتاب، وسميت بذلك لأنه تفتتح قراءة القرآن بها لفظا. وتفتتح بها الكتابة في المصحف خطا، وتفتتح بها الصلوات، وإن لم تكن هي أول ما نزل من القرآن. وقد اشتهرت بهذا الاسم في أيام النبوة.وقد أصبح هذا الاسم علما بالغلبة لتلك الطائفة من الآيات التي مبدؤها الْحَمْدُ لِلَّهِ..ونهايتها.. وَلَا الضَّالِّينَ.2- «أم القرآن أو الكتاب» وسميت بذلك لاشتمالها إجمالا على المقاصد التي ذكرت فيه تفصيلا، أو لاشتمالها على ما فيه من الثناء على الله بما هو أهله، والتعبد بأمره ونهيه، وبيان وعده ووعيده، أو على جملة معانيه من الحكم النظرية، والأحكام العملية التي هي سلوك الصراط المستقيم، والاطلاع على معارج السعداء ومنازل الأشقياء.قال ابن جرير: «والعرب تسمى كل أمر جامع أمّا، وكل مقدم له توابع تتبعه «أما» فتقول للجلدة التي تجمع الدماغ: «أم الرأس» . وتسمى لواء الجيش ورايتهم التي يجتمعون تحتها «أما» .3- «السبع المثاني» جمع مثنى كفعلي اسم مكان. أو مثنى- بالتشديد- من التثنية على غير قياس. وسميت بذلك لأنها سبع آيات في الصلاة، أى تكرر فيها أخرج الإمام أحمد، عن أبي هريرة، عن النبي صلّى الله عليه وسلّم أنه قال: «هي أم القرآن، وهي السبع المثاني، وهي القرآن العظيم» .4- وتسمى- أيضا- سورة «الحمد» . 5- و «الكنز» . 6- و «الواقية» .7- و «الشفاء» ، لحديث. هي الشفاء من كل داء.8- و «الكافية» لأنها تكفي عن سواها ولا يكفى سواها عنها.9- و «الأساس» . 10- و «الرقية» .هذا، وقد ذكر القرطبي للفاتحة اثنى عشر اسما، كما ذكر السيوطي لها في كتابه «الإتقان» خمسة وعشرين اسما.رابعا: فضلها: ورد في فضل سورة الفاتحة أحاديث كثيرة منها:ما رواه البخاري في صحيحه عن أبي سعيد بن المعلى- رضي الله عنه- قال:كنت أصلي في المسجد، فدعاني النبي صلّى الله عليه وسلّم فلم أجبه فقلت: يا رسول الله، إني كنت أصلّي.فقال: ألم يقل الله: اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذا دَعاكُمْ.ثم قال لي: «لأعلمنك سورة هي أعظم السور في القرآن قبل أن تخرج من المسجد» . ثم أخذ بيدي، فلما أراد أن يخرج، قلت: يا رسول الله. ألم تقل: لأعلمنك سورة هي أعظم سورة في القرآن. قال: الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ، هي السبع المثاني والقرآن العظيم الذي أوتيته» .وروى مسلّم والنسائي، عن ابن عباس، قال:بينما جبريل قاعد عند النبي صلّى الله عليه وسلّم سمع نقيضا من فوقه- أي: صوتا- فرفع رأسه فقال:هذا باب من السماء فتح اليوم لم يفتح قط إلا اليوم. فسلّم وقال: أبشر بنورين قد أوتيتهما، ولم يؤتهما نبي قبلك: فاتحة الكتاب، وخواتيم سورة البقرة، لم تقرأ بحرف منهما إلا أعطيته» .وروى مسلّم عن أبي هريرة- رضي الله عنه- عن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال:«من صلّى صلاة لم يقرأ فيها بأم القرآن فهي خداج (ثلاثا) : غير تمام» فقيل لأبي هريرة: إنا نكون وراء الإمام؟ فقال: اقرأ بها في نفسك فإني سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: قال الله- تعالى-: «قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين، ولعبدي ما سأل» ، فإذا قال العبد:الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ. قال الله: حمدني عبدي، وإذا قال: الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ. قال الله تعالى: أثنى علي عبدي. وإذا قال: مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ قال الله: مجدني عبدي. فإذا قال:إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ. قال الله: هذا بيني وبين عبدي ولعبدي ما سأل. فإذا قال:اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ. صِراطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ.قال الله: «هذا لعبدي ولعبدي ما سأل» .وأخرج الإمام أحمد في مسنده، عن عبد الله بن جابر، أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال له: ألا أخبرك بأخير سورة في القرآن؟ قلت: بلى يا رسول الله. قال: اقرأ: الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ حتى تختمها .تلك هي بعض الأحاديث التي وردت في فضل هذه السورة الكريمة.وقد ذكر العلماء أنه يسن للمسلّم قبل القراءة أن يستعيذ بالله من الشيطان الرجيم، استجابة لقوله- تعالى- فَإِذا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطانِ الرَّجِيمِ .ومعنى «أعوذ بالله من الشيطان الرجيم» : ألتجئ إلى الله وأتحصن به، واستجير بجنابه من الشيطان الرجيم أن يضرني في ديني أو دنياي.قال ابن كثير: «والشيطان في لغة العرب كل متمرد من الجن والإنس والدواب وكل شيء.وهو مشتق من شطن إذا بعد، فهو بعيد بطبعه عن طباع الشر، وبعيد بفسقه عن كل خير.وقيل: مشتق من شاط لأنه مخلوق من نار. والأول أصح إذ عليه يدل كلام العرب، فهم:يقولون تشيطن فلان إذا فعل أفعال الشيطان، ولو كان من شاط. لقالوا: تشيط، فالشيطان مشتق من البعد على الصحيح» .والرجيم: فعيل بمعنى مفعول أي أنه مرجوم مطرود من رحمة الله ومن كل خير، وقيل:رجيم بمعنى راجم لأنه يرجم الناس بالوساوس والشكوك.قال بعض العلماء: «وإنما خصت القراءة بطلب الاستعاذة مع أنه قد أمر بها على وجه العموم في جميع الشئون، لأن القرآن مصدر الهداية والشيطان مصدر الضلال، فهو يقف للإنسان بالمرصاد في هذا الشأن على وجه خاص، فيثير أمامه ألوانا من الشكوك فيما يقرأ، وفيما يفيد من قراءته، وفيما يقصد بها، فيفوت عليه الانتفاع بهدى الله وآياته، فعلمنا الله أن نتقي ذلك كله بهذه الاستعاذة التي هي في الواقع عنوان صدق، وتعبير حق، عن امتلاء قلب المؤمن بمعنى اللجوء إلى الله، وقوة عزيمته في طرد الوساوس والشكوك، واستقبال الهداية بقلب طاهر،وعقل واع، وإيمان ثابت» .قال القرطبي: وقد أجمع العلماء على أن التعوذ ليس من القرآن ولا آية منه، وهو قول القارئ: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم .والآن وبعد هذا التمهيد الموجز الذي تكلمنا فيه عن نزول سورة الفاتحة، وعن عدد آياتها، وعن أشهر أسمائها، وعن بعض الأحاديث التي وردت في فضلها نحب أن نبدأ في تفسير السورة الكريمة فنقول- وبالله التوفيق-: بسم ٱلله الرَّحْمٰنِ الرَّحِيمِ الاسم: اللفظ الذى يدل على ذات أو معنى. وقد اختلف النحويون في اشتقاقه على وجهين، فقال البصريون: هو مشتق من السمو، وهو العلو والرفعة، فقيل: اسم، لأن صاحبه بمنزلة المرتفع به.وقال الكوفيون: إنه مشتق من السمة وهي العلامة، لأن الاسم علامة لمن وضع له، فأصل اسم على هذا " وسم ".ويرى المحققون أن رأي البصريين أرجح، لأنه يقال في تصغير " اسم " سُمىَ، وفي جمعه أسماء، والتصغير والجمع يردان الأشياء إلى أصولها. ولو كان أصله وسم - كما قال الكوفيون - لقيل في جمعه: أوسام، وفي تصغيره وسيم.ولفظ الجلالة وهو " الله " علم على ذات الخالق - عز وجل - تفرد به - سبحانه - ولا يطلق على غيره، ولا يشاركه فيه أحد.قال القرطبي: قوله " الله " هذا الاسم أكبر أسمائه - سبحانه - وأجمعها حتى قال بعض العلماء: إنه اسم الله الأعظم ولم يتسم به غيره، ولذلك لم يثن ولم يجمع: فالله اسم للموجود الحق الجامع لصفات الإِلهية، المنعوت بنعوت الربوبيه، المنفرد بالوجود الحقيقي، لا إله إلا هو - سبحانه -و ٱلرَّحْمٰنِ ٱلرَّحِيمِ صفتان مشتقتان من الرحمة. والرحمة في أصل اللغة: رقة في القلب تقتضي الإِحسان، وهذا المعنى لا يليق أن يكون وصفاً لله - تعالى-، ولذا فسرها بعض العلماء بإرادة الإِحسان. وفسرها آخرون بالإِحسان نفسه.والموافق لمذهب السلف أن يقال: هي صفة قائمة بذاته - تعالى - لا نعرف حقيقتها، وإنما نعرف أثرها الذي هو الإِحسان.وقد كثرت أقوال المفسرين في العلاقة بين هاتين الصفتين، فبعضهم يرى أن ٱلرَّحْمٰنِ هو المنعم على جميع الخلق. وأن ٱلرَّحِيمِ هو المنعم على المؤمنين خاصه. ويرى آخرون أن ٱلرَّحْمٰنِ هو المنعم بجلائل النعم، وأن ٱلرَّحِيمِ هو المنعم بدقائقها.ويرى فريق ثالث أن الوصفين بمعنى واحد وأن الثاني منهما تأكيد للأول. والذى يراه المحققون من العلماء أن الصفتين ليستا بمعنى واحد، بل روعي فب كل منهما معنى لم يراع في الآخر، فالرحمن بمعنى عظيم الرحمة، لأن فعلان صيغة مبالغة في كثرة الشيء وعظمته، ويلزم منه الدوام كغضبان وسكران. والرحيم بمعنى دائم الرحمة، لأن صيغته فعيل تستعمل في الصفات الدائمة ككريم وظريف. فكأنه قيل: العظيم الرحمة الدائمة.أو أن ٱلرَّحْمٰنِ صفة ذاتية هي مبدأ الرحمة والإِحسان. و ٱلرَّحِيمِ صفة فعل تدل على وصول الرحمة والإِحسان وتعديهما إلى المنعم عليه.ولعل مما يؤيد ذلك أن لفظ الرحمن لم يذكر في القرآن إلا مجرى عليه الصفات كما هو الشأنِ في أسماء الذات. قال - تعالى-: ٱلرَّحْمَٰنُ عَلَّمَ ٱلْقُرْآنَ و ٱلرَّحْمَٰنُ عَلَى ٱلْعَرْشِ ٱسْتَوَىٰ قُلِ ٱدْعُواْ ٱللَّهَ أَوِ ٱدْعُواْ ٱلرَّحْمَٰنَ وهكذا...أما لفظ الرحيم فقد كثر في القرآن استعماله وصفاً فعلياً، وجاء في الغالب بأسلوب التعدية والتعلق بالمنعم عليه. قال - تعالى - إِنَّ ٱللَّهَ بِٱلنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَّحِيمٌ وَكَانَ بِٱلْمُؤْمِنِينَ رَحِيماً إِنَّهُ كَانَ بِكُمْ رَحِيماً إلخ.قال بعض العلماء " وهذا الرأي في نظرنا هو أقوى الآراء، فإن تخصيص أحد الوصفين بدقائق النعم أو ببعض المنعم عليهم لا دليل عليه، كما أنه ليس مستساغاً أن يقال في القرآن: إن كلمة ذكرت بعد أخرى لمجرد تأكيد المعنى المستفاد منها ".والجار والمجرور " بسم " متعلق بمحذوف تقديره ابتدئ.والمعنى: ابتدئ قراءتي متبركاً ومتيمناً باسم الله الذى هو الأول والآخر، والظاهر والباطن، والذى رحمته وسعت كل شيء، وأتبرأ مما كان يفعله المشركون والضالون، من ابتدائهم قراءتهم وأفعالهم باسم اللات أو باسم العزى أو باسم غيرهما من الآلهة الباطلة.هذا وقد أجمع العلماء على أن البسملة جزء آية من سورة النمل فى قوله - تعالى - إِنَّهُ مِن سُلَيْمَانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ ٱللَّهِ ٱلرَّحْمَٰنِ ٱلرَّحِيمِ ثم اختلفوا بعد ذلك في كونها آية مستقلة أنزلت للفصل بين السور مرة واحدة، أو هى آية من سورة الفاتحة ومن كل سورة ألخ.فبعضهم يرى أن البسملة آية من الفاتحة ومن كل سورة، ومن حججهم أن السلف قد أثبتوها في المصحف مع الأمر بتجريد القرآن مما ليس منه، ولذا لم يكتبوا " آمين ". فثبت بهذا أن البسملة جزء من الفاتحة ومن كل سورة.وبهذا الرأي قال ابن عباس وابن عمر وأبو هريرة وسعيد بن جبير والشافعي، وأحمد في أحد قوليه.ويرى آخرون أن البسملة ليست آية من الفاتحة ولا من غيرها من السور، وقالوا: إنها آية فذة. من القرآن أنزلت للفصل والتبرك للابتداء بها، ومن حججهم أنها لو كانت آية من الفاتحة ومن كل سورة، لما اختلف الناس في ذلك، ولما اضطربت أقوالهم في كونها آية من كل سورة أو من الفاتحة فقط.وكما وقع الخلاف بين العلماء في كونها آية مستقلة أو آية من كل سورة، فقد وقع الخلاف بينهم - أيضاً - في وجوب قراءتها فى الصلاة، وفي الجهر بها أو الإِسرار إذا قرئت.وتحقيق القول في ذلك مرجعه إلى كتب الفقه، وإلى كتب التفسير التي عنيت بتفسير آيات الأحكام.
تَبٰرَكَ الَّذِیْ نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلٰى عَبْدِهٖ لِیَكُوْنَ لِلْعٰلَمِیْنَ نَذِیْرَ ﰳاۙ (۱)
بڑی برکت والا ہے وہ کہ جس نے اتارا قرآن اپنے بندہ پر (ف۲) جو سارے جہان کو ڈر سنانے والا ہو (ف۳)
مقدمة وتمهيد1- سورة الفرقان من السور المكية، وعدد آياتها سبع وسبعون آية، وكان نزولها بعد سورة «يس» . أما ترتيبها في المصحف فهي السورة الخامسة والعشرون.ومن المفسرين الذين لم يذكروا خلافا في كونها مكية، الإمام ابن كثير والإمام الرازي.وقال القرطبي: هي مكية كلها في قول الجمهور. وقال ابن عباس وقتادة: إلا ثلاث آيات منها نزلت بالمدينة، وهي: وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلهاً آخَرَ إلى قوله- تعالى-:وَكانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً.2- وقد افتتحت هذه السورة الكريمة بالثناء على الله- تعالى- الذي نزل الفرقان على عبده محمد صلّى الله عليه وسلّم والذي له ملك السموات والأرض ... والذي خلق كل شيء فقدره تقديرا.قال- تعالى-: تَبارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقانَ عَلى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعالَمِينَ نَذِيراً. الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ. وَلَمْ يَتَّخِذْ وَلَداً. وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ. وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيراً.3- ثم انتقلت السورة بعد ذلك إلى حكاية بعض أقوال المشركين الذين أثاروا الشبهات حول الرسول صلّى الله عليه وسلّم وحول دعوته، وردت عليهم بما يمحق باطلهم، وقارنت بين مصيرهم السيئ، وبين ما أعده الله- تعالى- للمؤمنين من جنات.قال- تعالى-: وَقالُوا مالِ هذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعامَ وَيَمْشِي فِي الْأَسْواقِ لَوْلا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَلَكٌ فَيَكُونَ مَعَهُ نَذِيراً أَوْ يُلْقى إِلَيْهِ كَنْزٌ أَوْ تَكُونُ لَهُ جَنَّةٌ يَأْكُلُ مِنْها، وَقالَ الظَّالِمُونَ إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا رَجُلًا مَسْحُوراً.4- وبعد أن يصور القرآن حسراتهم يوم الحشر، وعجزهم عن التناصر، يعود فيحكى جانبا من تطاولهم وعنادهم، ويرد عليهم بما يكبتهم، وبما يزيد المؤمنين ثباتا على ثباتهم.قال- تعالى-: وَقالَ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقاءَنا، لَوْلا أُنْزِلَ عَلَيْنَا الْمَلائِكَةُ أَوْ نَرى رَبَّنا، لَقَدِ اسْتَكْبَرُوا فِي أَنْفُسِهِمْ وَعَتَوْا عُتُوًّا كَبِيراً يَوْمَ يَرَوْنَ الْمَلائِكَةَ لا بُشْرى يَوْمَئِذٍ لِلْمُجْرِمِينَ وَيَقُولُونَ حِجْراً مَحْجُوراً وَقَدِمْنا إِلى ما عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْناهُ هَباءً مَنْثُوراً أَصْحابُ الْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُسْتَقَرًّا وَأَحْسَنُ مَقِيلًا.5- ثم تحكى السورة جانبا من قصص بعض الأنبياء مع أقوامهم. فيقول: وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ وَجَعَلْنا مَعَهُ أَخاهُ هارُونَ وَزِيراً فَقُلْنَا اذْهَبا إِلَى الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا فَدَمَّرْناهُمْ تَدْمِيراً وَقَوْمَ نُوحٍ لَمَّا كَذَّبُوا الرُّسُلَ أَغْرَقْناهُمْ وَجَعَلْناهُمْ لِلنَّاسِ آيَةً، وَأَعْتَدْنا لِلظَّالِمِينَ عَذاباً أَلِيماً ...6- ثم تعود السورة مرة أخرى إلى الحديث عن تطاول هؤلاء الجاحدين على رسولهم صلى الله عليه وسلّم وتعقب على ذلك بتسليته صلّى الله عليه وسلّم عما أصابه منهم فتقول: وَإِذا رَأَوْكَ إِنْ يَتَّخِذُونَكَ إِلَّا هُزُواً. أَهذَا الَّذِي بَعَثَ اللَّهُ رَسُولًا إِنْ كادَ لَيُضِلُّنا عَنْ آلِهَتِنا لَوْلا أَنْ صَبَرْنا عَلَيْها، وَسَوْفَ يَعْلَمُونَ حِينَ يَرَوْنَ الْعَذابَ مَنْ أَضَلُّ سَبِيلًا أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلهَهُ هَواهُ أَفَأَنْتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلًا أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ؟ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا.7- ثم تنتقل السورة الكريمة بعد ذلك إلى الحديث عن مظاهر قدرة الله- تعالى- فتسوق لنا مظاهر قدرته في مد الظل، وفي تعاقب الليل والنهار، وفي الرياح التي يرسلها- سبحانه- لتكون بشارة لنزول المطر، وفي وجود برزخ بين البحرين، وفي خلق البشر من الماء ... ثم يعقب على ذلك بالتعجب من حال الكافرين، الذين يعبدون من دونه- سبحانه- ما لا ينفعهم ولا يضرهم..قال- تعالى-: أَلَمْ تَرَ إِلى رَبِّكَ كَيْفَ مَدَّ الظِّلَّ وَلَوْ شاءَ لَجَعَلَهُ ساكِناً، ثُمَّ جَعَلْنَا الشَّمْسَ عَلَيْهِ دَلِيلًا ثُمَّ قَبَضْناهُ إِلَيْنا قَبْضاً يَسِيراً وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِباساً وَالنَّوْمَ سُباتاً وَجَعَلَ النَّهارَ نُشُوراً.8- ثم تسوق السورة في أواخرها صورة مشرقة لعباد الرحمن، الذين من صفاتهم التواضع، والعفو عن الجاهل. وكثرة العبادة لله- تعالى- والتضرع إليه بأن يصرف عنهم عذاب جهنم، وسلوكهم المسلك الوسط في إنفاقهم، وإخلاصهم الطاعة لله- تعالى- وحده. واجتنابهم للرذائل التي نهى الله- عز وجل- عنها.قال- تعالى-: وَعِبادُ الرَّحْمنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْناً، وَإِذا خاطَبَهُمُ الْجاهِلُونَ قالُوا سَلاماً وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّداً وَقِياماً وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذابَ جَهَنَّمَ إِنَّ عَذابَها كانَ غَراماً إِنَّها ساءَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقاماً.9- ومن هذا العرض المختصر لأبرز القضايا التي اهتمت بالحديث عنها السورة الكريمة، نرى ما يأتى.(أ) أن السورة الكريمة قد ساقت ألوانا من الأدلة على قدرة الله- تعالى- وعلى وجوب إخلاص العبادة له، وعلى الثناء عليه- سبحانه- بما هو أهله.نرى ذلك في مثل قوله- تعالى-: تَبارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقانَ عَلى عَبْدِهِ ...تَبارَكَ الَّذِي جَعَلَ فِي السَّماءِ بُرُوجاً ... تَبارَكَ الَّذِي إِنْ شاءَ جَعَلَ لَكَ خَيْراً مِنْ ذلِكَ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ.... وفي مثل قوله- تعالى-: وَهُوَ الَّذِي مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ هذا عَذْبٌ فُراتٌ، وَهذا مِلْحٌ أُجاجٌ، وَجَعَلَ بَيْنَهُما بَرْزَخاً وَحِجْراً مَحْجُوراً وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنَ الْماءِ بَشَراً فَجَعَلَهُ نَسَباً وَصِهْراً وَكانَ رَبُّكَ قَدِيراً وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ ما لا يَنْفَعُهُمْ وَلا يَضُرُّهُمْ، وَكانَ الْكافِرُ عَلى رَبِّهِ ظَهِيراً.(ب) أن السورة الكريمة زاخرة بالآيات التي تدخل الأنس والتسرية والتسلية والتثبيت على قلب النبي صلّى الله عليه وسلّم بعد أن اتهمه المشركون بما هو برىء منه، وسخروا منه ومن دعوته، ووصفوا القرآن بأنه أساطير الأولين، واستنكروا أن يكون النبي من البشر.نرى هذه التهم الباطلة فيما حكاه الله عنهم في قوله- تعالى-: وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذا إِلَّا إِفْكٌ افْتَراهُ وَأَعانَهُ عَلَيْهِ قَوْمٌ آخَرُونَ، فَقَدْ جاؤُ ظُلْماً وَزُوراً وَقالُوا أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ اكْتَتَبَها فَهِيَ تُمْلى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلًا. وَقالُوا مالِ هذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعامَ وَيَمْشِي فِي الْأَسْواقِ لَوْلا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَلَكٌ فَيَكُونَ مَعَهُ نَذِيراً. وَإِذا قِيلَ لَهُمُ اسْجُدُوا لِلرَّحْمنِ قالُوا وَمَا الرَّحْمنُ أَنَسْجُدُ لِما تَأْمُرُنا وَزادَهُمْ نُفُوراً.وترى التسلية والتسرية والتثبيت في قوله- تعالى-: انْظُرْ كَيْفَ ضَرَبُوا لَكَ الْأَمْثالَ فَضَلُّوا فَلا يَسْتَطِيعُونَ سَبِيلًا تَبارَكَ الَّذِي إِنْ شاءَ جَعَلَ لَكَ خَيْراً مِنْ ذلِكَ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ وَيَجْعَلْ لَكَ قُصُوراً.وَما أَرْسَلْنا قَبْلَكَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ الطَّعامَ وَيَمْشُونَ فِي الْأَسْواقِ وَجَعَلْنا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً، أَتَصْبِرُونَ، وَكانَ رَبُّكَ بَصِيراً.وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً واحِدَةً، كَذلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤادَكَ وَرَتَّلْناهُ تَرْتِيلًا وَلا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلَّا جِئْناكَ بِالْحَقِّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيراً.وهكذا نرى السورة الكريمة زاخرة بالحديث عن الشبهات التي أثارها المشركون حول النبي صلّى الله عليه وسلّم ودعوته، وزاخرة- أيضا- بالرد عليها ردا يبطلها. ويزهقها. ويسلى النبي صلى الله عليه وسلّم عما أصابه منهم، ويزيد المؤمنين إيمانا على إيمانهم.(ج) أن السورة الكريمة مشتملة على آيات كثيرة، تبين ما سيكون عليه المشركون يوم القيامة من هم وغم وكرب وحسرة وندامة وسوء مصير، كما تبين ما أعده الله- تعالى- لعباده المؤمنين من عاقبة حسنة، ومن جنات تجرى من تحتها الأنهار.فبالنسبة لسوء عاقبة المشركين نرى قوله- تعالى-: بَلْ كَذَّبُوا بِالسَّاعَةِ وَأَعْتَدْنا لِمَنْ كَذَّبَ بِالسَّاعَةِ سَعِيراً إِذا رَأَتْهُمْ مِنْ مَكانٍ بَعِيدٍ سَمِعُوا لَها تَغَيُّظاً وَزَفِيراً وَإِذا أُلْقُوا مِنْها مَكاناً ضَيِّقاً مُقَرَّنِينَ دَعَوْا هُنالِكَ ثُبُوراً لا تَدْعُوا الْيَوْمَ ثُبُوراً واحِداً وَادْعُوا ثُبُوراً كَثِيراً.ونرى قوله- تعالى-: وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلى يَدَيْهِ يَقُولُ يا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا يا وَيْلَتى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلاناً خَلِيلًا لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جاءَنِي، وَكانَ الشَّيْطانُ لِلْإِنْسانِ خَذُولًا.وبالنسبة للمؤمنين نرى قوله- تعالى-: قُلْ أَذلِكَ خَيْرٌ أَمْ جَنَّةُ الْخُلْدِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ كانَتْ لَهُمْ جَزاءً وَمَصِيراً لَهُمْ فِيها ما يَشاؤُنَ خالِدِينَ كانَ عَلى رَبِّكَ وَعْداً مَسْؤُلًا.ونرى قوله- سبحانه-: وَعِبادُ الرَّحْمنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْناً وَإِذا خاطَبَهُمُ الْجاهِلُونَ قالُوا سَلاماً. إلى قوله- تعالى-: خالِدِينَ فِيها حَسُنَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقاماً.وهكذا نرى السورة تسوق آيات كثيرة في المقارنة بين مصير الكافرين ومصير المؤمنين..وليهلك من هلك عن بينة ويحيا من حي عن بينة ...هذه بعض الموضوعات التي اهتمت السورة الكريمة بتفصيل الحديث عنها، وهناك موضوعات أخرى سنتحدث عنها- بإذن الله- عند تفسيرنا لآياتها.وصلّى الله على سيدنا محمد، وعلى آله وأصحابه وأتباعه إلى يوم الدين.افتتحت السورة الكريمة بالثناء على الله - تعالى - ثناء يليق بجلاله وكماله .ولفظ " تبارك " فعل ماض لا يتصرف . أى : لم يجىء منه مضارع ولا أمر ولا اسم فاعل : وهو مأخوذ من البركة بمعنى الكثرة من كل خير . وأصلها النماء والزيادة . أى : كثرة خيره وإحسانه ، وتزايدت بركاته .أو مأخوذ من البَرْكَة بمعنى الثبوت . يقال : برك البعير ، إذا أناخ فى موضعه فلزمه وثبت فيه . وكل شىء ثبت ودام فقد برك . أى : ثبت ودام خيره على خلقه .والفرقان : القرآن . وسمى بذلك لأنه يفرق بين الحق والباطل .ونذيرا : من الإنذار ، وهو الإعلام المقترن بتهديد وتخويف .أى : جل شأن الله - تعالى - وتكاثرت ودامت خيراته وبركاته ، لأنه - سبحانه - هو الذى نزل القرآن الكريم على عبده محمد صلى الله عليه وسلم ليكون " للعالمين " أى : للإنس وللجن " نذيرا " أى : منذرا إياهم بسوء المصير إن هم استمروا على كفرهم وشركهم .وفى التعبير بقوله - تعالى - ( تَبَارَكَ ) إشعار بكثرة ما يفيضه - سبحانه - من خيرات وبركات على عباده ، وأن هذا العطاء ثابت مستقر ، وذلك يستلزم عظمته وتقدسه عن كل ما لا يليق بجلاله - عز وجل - .ولم يذكر - سبحانه - لفظ الجلالة ، واكتفى بالاسم الموصول الذى نزل الفرقان ، لإبراز صلته - سبحانه - وإظهارها فى هذا المقام ، الذى هو مقام إثبات صدق رسالته التى أوحاها إلى نبيه صلى الله عليه وسلم .وعبر - سبحانه - ب ( نَزَّلَ ) بالتضعيف ، لنزول القرآن الكريم مفرقا فى أوقات متعددة ، لتثبيت فؤاد النبى صلى الله عليه وسلم .ووصف الله - تعالى - رسوله صلى الله عليه وسلم بالعبودية ، وأضافها لذاته ، للتشريف والتكريم والتعظيم . وأن هذه العبودية لله - تعالى - هى ما يتطلع إليه البشر .واختير الإنذار على التبشير . لأن المقام يقتضى ذلك ، إذ أن المشركين قد لجوا فى طغيانهم وتمادوا فى كفرهم وضلالهم ، فكان من المناسب تخويفهم من سوء عاقبة ما هم عليه من عناد .وهذه الآية الكريمة تدل على عموم رسالته صلى الله عليه وسلم للناس جميعا . حيث قال - سبحانه - : ( لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيراً ) أى : لعالم الإنس وعالم الجن ، وشيه بها قوله - تعالى - : ( وَمَآ أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ ) وقوله - سبحانه - : ( قُلْ ياأيها الناس إِنِّي رَسُولُ الله إِلَيْكُمْ جَمِيعاً . . ).
الَّذِیْ لَهٗ مُلْكُ السَّمٰوٰتِ وَ الْاَرْضِ وَ لَمْ یَتَّخِذْ وَلَدًا وَّ لَمْ یَكُنْ لَّهٗ شَرِیْكٌ فِی الْمُلْكِ وَ خَلَقَ كُلَّ شَیْءٍ فَقَدَّرَهٗ تَقْدِیْرًا(۲)
وہ جس کے لیے ہے آسمانوں اور زمین کی بادشاہت اور اس نے نہ اختیار فرمایا بچہ (ف۴) اور اس کی سلطنت میں کوئی ساجھی نہیں (ف۵) اس نے ہر چیز پیدا کرکے ٹھیک اندازہ پر رکھی،
ثم وصف- سبحانه- ذاته بجملة من الصفات التي توجب له العبادة والطاعة فقال:الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ فهو الخالق لهما. وهو المالك لأمرهما، لا يشاركه في ذلك مشارك.والجملة الكريمة خبر لمبتدأ محذوف. أو بدل من قوله: الَّذِي نَزَّلَ.وَلَمْ يَتَّخِذْ وَلَداً فهو- سبحانه- منزه عن ذلك وعن كل ما من شأنه أن يشبه الحوادث.وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ بل هو المالك وحده لكل شيء في هذا الوجود.وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيراً أى: وهو- سبحانه- الذي خلق كل شيء في هذا الوجود خلقا متقنا حكيما بديعا في هيئته، وفي زمانه، وفي مكانه، وفي وظيفته، على حسب ما تقتضيه إرادته وحكمته. وصدق الله إذ يقول: إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْناهُ بِقَدَرٍ.فجملة «فقدره تقديرا» بيان لما اشتمل عليه هذا الخلق من إحسان وإتقان فهو- سبحانه- لم يكتف بمجرد إيجاد الشيء من العدم، وإنما أوجده في تلك الصورة البديعة التي عبر عنها في آية أخرى بقوله: ... صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ ...قال صاحب الكشاف: فإن قلت: في الخلق معنى التقدير. فما معنى قوله: وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيراً.قلت: معناه أنه أحدث كل شيء إحداثا مراعى فيه التقدير والتسوية، فقدره وهيأه لما يصلح له. مثاله: أنه خلق الإنسان على هذا الشكل المقدر المسوى الذي تراه، فقدره للتكاليف والمصالح المنوطة به في بابى الدين والدنيا، وكذلك كل حيوان وجماد، جاء به على الجبلة المستوية المقدرة بأمثلة الحكمة والتدبير...
وَ اتَّخَذُوْا مِنْ دُوْنِهٖۤ اٰلِهَةً لَّا یَخْلُقُوْنَ شَیْــٴًـا وَّ هُمْ یُخْلَقُوْنَ وَ لَا یَمْلِكُوْنَ لِاَنْفُسِهِمْ ضَرًّا وَّ لَا نَفْعًا وَّ لَا یَمْلِكُوْنَ مَوْتًا وَّ لَا حَیٰوةً وَّ لَا نُشُوْرًا(۳)
اور لوگوں نے اس کے سوا اور خدا ٹھہرالیے (ف۶) کہ وہ کچھ نہیں بناتے اور خود پیدا کیے گئے ہیں اور خود اپنی جانوں کے برے بھلے کے مالک نہیں اور نہ مرنے کا اختیار نہ جینے کا نہ اٹھنے کا،
ثم بين- سبحانه- بعد ذلك أن المشركين لم يفطنوا إلى ما اشتمل عليه هذا الكون من تنظيم دقيق، ومن صنع حكيم يدل على وحدانية الله- تعالى- وقدرته، بل إنهم- لانطماس بصائرهم- عبدوا مخلوقا مثلهم فقال- تعالى-: وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً لا يَخْلُقُونَ شَيْئاً وَهُمْ يُخْلَقُونَ....والضمير في قوله وَاتَّخَذُوا.. يعود على المشركين المفهوم من قوله وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ أو من المقام.أى: واتخذ هؤلاء المشركون معبودات باطلة يعبدونها من دون الله- عز وجل-، وهذه المعبودات لا تقدر على خلق شيء من الأشياء، بل هي من مخلوقات الله- تعالى-.وعبر عن هذه الآية بضمير العقلاء في قوله لا يَخْلُقُونَ جريا على اعتقاد الكفار أنها تضر وتنفع، أو لأن من بين من اتخذوهم آلهة بعض العقلاء كالمسيح والعزير والملائكة..وأيضا هؤلاء الذين اتخذهم المشركون آلهة: لا يَمْلِكُونَ لِأَنْفُسِهِمْ فضلا عن غيرهم ضَرًّا وَلا نَفْعاً فهم لا يملكون دفع الضر عن أنفسهم، ولا جلب النفع لذواتهم وَلا يَمْلِكُونَ مَوْتاً وَلا حَياةً وَلا نُشُوراً أى: ولا يقدرون على إماتة الأحياء. ولا على إحياء الموتى في الدنيا، ولا على بعثهم ونشرهم في الآخرة.فأنت ترى أن الله- تعالى- قد وصف تلك الآلهة المزعومة بسبع صفات، كل صفة منها كفيلة بسلب صفة الألوهية عنها، فكيف وقد اجتمعت هذه الصفات السبع فيها؟!!.إن كل من يشرك مع الله- تعالى- أحدا في العبادة. لو تدبر هذه الآية وأمثالها من آيات القرآن الكريم لأيقن واعتقد أن المستحق للعبادة والطاعة إنما هو الله رب العالمين.ثم حكى- سبحانه- بعض الشبهات التي أثارها المشركون حول القرآن الكريم الذي أنزله على نبيه صلّى الله عليه وسلّم فقال:
وَ قَالَ الَّذِیْنَ كَفَرُوْۤا اِنْ هٰذَاۤ اِلَّاۤ اِفْكُ-ﰳافْتَرٰىهُ وَ اَعَانَهٗ عَلَیْهِ قَوْمٌ اٰخَرُوْنَۚۛ-فَقَدْ جَآءُوْ ظُلْمًا وَّ زُوْرًاۚۛ(۴)
اور کافر بولے (ف۷) یہ تو نہیں مگر ایک بہتان جو انہوں نے بنالیا ہے (ف۸) اور اس پر اور لوگوں نے (ف۹) انہیں مدد دی ہے بیشک وہ (ف۱۰) ظلم اور جھوٹ پر آئے،
والإفك: أسوأ الكذب. يقال: أفك فلان- كضرب وعلم- أفكا، إذا قال أشنع الكذب وأقبحه.والزور في الأصل: تحسين الباطل. مأخوذ من الزور وهو الميل وأطلق على الباطل زور لما فيه من الميل عن الصدق إلى الكذب، ومن الحق إلى ما يخالفه.أى: وقال الذين كفروا في شأن القرآن الكريم الذي أنزله الله- تعالى- على نبيه صلّى الله عليه وسلّم، ما هذا القرآن إلا كذب وبهتان افْتَراهُ واختلقه محمد صلّى الله عليه وسلّم من عند نفسه، وَأَعانَهُ عَلَيْهِ أى وأعانه وساعده على هذا الاختلاق قَوْمٌ آخَرُونَ من اليهود أو غيرهم، كعداس- مولى حويطب بن عبد العزى- ويسار- مولى العلاء بن الحضرمي- وأبى فكيهة الرومي. وكان هؤلاء من أهل الكتاب الذين أسلموا.وقوله- تعالى-: فَقَدْ جاؤُ ظُلْماً وَزُوراً رد على أقوال الكافرين الفاسدة وجاءوا بمعنى فعلوا، وقوله: ظُلْماً منصوب به. والتنوين للتهويل.أى: فقد فعل هؤلاء الكافرون بقولهم هذا ظلما عظيما وزورا كبيرا، حيث وضعوا الباطل موضع الحق، والكذب موضع الصدق.ويصح أن يكون قوله: ظُلْماً منصوبا بنزع الخافض أى: فقد جاءوا بظلم عظيم، وكذب فظيع، انحرفوا به عن جادة الحق والصواب.
وَ قَالُوْۤا اَسَاطِیْرُ الْاَوَّلِیْنَ اكْتَتَبَهَا فَهِیَ تُمْلٰى عَلَیْهِ بُكْرَةً وَّ اَصِیْلًا(۵)
اور بولے (ف۱۱) اگلوں کی کہانیاں ہیں جو انہوں نے (ف۱۲) لکھ لی ہیں تو وہ ان پر صبح و شام پڑھی جاتی ہیں،
ثم حكى- سبحانه- مقولة أخرى من مقولاتهم الفاسدة فقال: وَقالُوا أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ اكْتَتَبَها فَهِيَ تُمْلى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلًا.والأساطير: جمع أسطورة بمعنى أكذوبة واكتتبها: أى: أمر غيره بكتابتها له. أو جمعها من بطون كتب السابقين.أى: أن هؤلاء الكافرين لم يكتفوا بقولهم السابق في شأن القرآن، بل أضافوا إلى ذلك قولا آخر أشد شناعة وقبحا، وهو زعمهم أن هذا القرآن أكاذيب الأولين وخرافاتهم، أمر الرسول صلّى الله عليه وسلّم غيره بكتابتها له، وبجمعها من كتب السابقين فَهِيَ أى: هذه الأساطير تُمْلى عَلَيْهِ أى: تلقى عليه صلّى الله عليه وسلّم بعد اكتتابها ليحفظها ويقرأها على أصحابه بُكْرَةً وَأَصِيلًا أى: في الصباح والمساء أى: تملى عليه خفية في الأوقات التي يكون الناس فيها نائمين أو غافلين عن رؤيتهم.
قُلْ اَنْزَلَهُ الَّذِیْ یَعْلَمُ السِّرَّ فِی السَّمٰوٰتِ وَ الْاَرْضِؕ-اِنَّهٗ كَانَ غَفُوْرًا رَّحِیْمًا(۶)
تم فرماؤ اسے تو اس نے اتارا ہے جو آسمانوں اور زمین کی ہر بات جانتا ہے (ف۱۳) بیشک وہ بخشنے والا مہربان ہے (ف۱۴)
وقد أمر الله- تعالى- رسوله صلّى الله عليه وسلّم بالرد عليهم بما يخرس ألسنتهم فقال: قُلْ أَنْزَلَهُ الَّذِي يَعْلَمُ السِّرَّ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ ...أى: قل- أيها الرسول الكريم- لهؤلاء الذين زعموا أن القرآن أساطير الأولين، وأنك افتريته من عند نفسك، وأعانك على هذا الافتراء قوم آخرون ... قل لهم: كذبتم أشنع الكذب وأقبحه، فأنتم أول من يعلم بأن هذا القرآن له من الحلاوة والطلاوة، وله من حسن التأثير ما يجعله- باعتراف- زعمائكم ليس من كلام البشر وإنما الذي أنزله علىّ هو الله- تعالى- الذي يعلم السر في السموات والأرض، أى: يعلم ما خفى فيهما ويعلم الأسرار جميعها فضلا عن الظواهر.قال الآلوسى: «قل» لهم ردا عليهم وتحقيقا للحق: أنزله الله- تعالى- الذي لا يعزب عن علمه شيء من الأشياء، وأودع فيه فنون الحكم والأسرار على وجه بديع، لا تحوم حوله الأفهام، حيث أعجزكم قاطبة بفصاحته وبلاغته، وأخبركم بمغيبات مستقبلة، وأمور مكنونة، لا يهتدى إليها ولا يوقف- إلا بتوفيق الله- تعالى- العليم الخبير- عليها..ثم ختم- سبحانه- الآية بما يفتح باب التوبة للتائبين، وبما يحرضهم على الإيمان والطاعة لله رب العالمين فقال- تعالى-: إِنَّهُ كانَ غَفُوراً رَحِيماً.أى: إنه- سبحانه- واسع المغفرة والرحمة، لمن ترك الكفر وعاد إلى الإيمان، وترك العصيان وعاد إلى الطاعة.قال الإمام ابن كثير: وقوله: إِنَّهُ كانَ غَفُوراً رَحِيماً دعاء لهم إلى التوبة والإنابة، وإخبار بأن رحمته واسعة، وأن حمله عظيم وأن من تاب إليه تاب عليه، فهؤلاء مع كذبهم.وافترائهم. وفجورهم. وبهتهم. وقولهم عن الرسول والقرآن ما قالوا، يدعوهم- سبحانه- إلى التوبة والإقلاع عما هم عليه من كفر إلى الإسلام والهدى. كما قال- تعالى-: لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قالُوا إِنَّ اللَّهَ ثالِثُ ثَلاثَةٍ. وَما مِنْ إِلهٍ إِلَّا إِلهٌ واحِدٌ، وَإِنْ لَمْ يَنْتَهُوا عَمَّا يَقُولُونَ لَيَمَسَّنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ، أَفَلا يَتُوبُونَ إِلَى اللَّهِ وَيَسْتَغْفِرُونَهُ، وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ.. قال الحسن البصري: انظروا إلى هذا الكرم والجود. قتلوا أولياءه وهو يدعوهم إلى التوبة..ثم حكى- سبحانه- بعد ذلك شبهة ثالثة، تتعلق بشخصية النبي صلّى الله عليه وسلّم حيث أنكروا أن يكون الرسول من البشر وأن يكون آكلا للطعام وماشيا في الأسواق، فقال- تعالى-:
وَ قَالُوْا مَالِ هٰذَا الرَّسُوْلِ یَاْكُلُ الطَّعَامَ وَ یَمْشِیْ فِی الْاَسْوَاقِؕ-لَوْ لَاۤ اُنْزِلَ اِلَیْهِ مَلَكٌ فَیَكُوْنَ مَعَهٗ نَذِیْرًاۙ(۷)
اور بولے (ف۱۵) اور رسول کو کیا ہوا کھانا کھاتا ہے اور بازاروں میں چلتا ہے (ف۹۱۶ کیوں نہ اتارا گیا ان کے ساتھ کوئی فرشتہ کہ ان کے ساتھ ڈر سناتا (ف۱۷)
ذكر بعض المفسرين في سبب نزول هذه الآيات أن جماعة من قريش قالوا للنبي صلّى الله عليه وسلّم إن كنت تريد بما جئت به مالا جمعنا لك المال حتى تكون أغنانا، وإن كنت تريد ملكا، جعلناك ملكا علينا..فقال صلّى الله عليه وسلّم: «ما أريد شيئا مما تقولون، ولكن الله تعالى بعثني إليكم رسولا، وأنزل على كتابا، وأمرنى أن أكون لكم بشيرا ونذيرا، فبلغتكم رسالة ربي، ونصحت لكم. فإن تقبلوا منى ما جئتكم به فهو حظكم في الدنيا والآخرة، وإن تردوه علىّ أصبر لأمر الله- تعالى- حتى يحكم بيني وبينكم» .فقالوا: فإن كنت غير قابل شيئا مما عرضنا عليك، فسل ربك أن يبعث معك ملكا يصدقك بما تقول ويراجعنا عنك، وسله أن يجعل لك جنانا وقصورا..فقال لهم صلّى الله عليه وسلّم: «ما أنا بفاعل، وما أنا بالذي يسأل ربه هذا، وما بعثت إليكم بهذا، ولكن الله- تعالى- بعثني بشيرا ونذيرا» فأنزل الله تعالى في قولهم ذلك..والضمير في قوله- تعالى-: وَقالُوا يعود إلى مشركي قريش و «ما» استفهامية بمعنى إنكار الوقوع ونفيه، وهي مبتدأ، والجار والمجرور بعدها الخبر. وجملة «يأكل الطعام» حال من الرسول.أى: أن مشركي قريش لم يكتفوا بقولهم إن محمد صلّى الله عليه وسلّم قد افترى القرآن، وإن القرآن أساطير الأولين. بل أضافوا إلى ذلك أنهم قالوا على سبيل السخرية والتهكم والإنكار لرسالته: كيف يكون محمدا صلّى الله عليه وسلّم رسولا، وشأنه الذين نشاهده بأعيننا. أنه «يأكل الطعام» كما يأكل سائر الناس «ويمشى في الأسواق» أى: ويتردد فيها كما نتردد طلبا للرزق. «لولا أنزل إليه ملك» أى: هلا أنزل إليه ملك يعضده ويساعده ويشهد له بالرسالة «فيكون» هذا الملك «معه نذيرا» أى: منذرا من يخالفه بسوء المصير.
اَوْ یُلْقٰۤى اِلَیْهِ كَنْزٌ اَوْ تَكُوْنُ لَهٗ جَنَّةٌ یَّاْكُلُ مِنْهَاؕ-وَ قَالَ الظّٰلِمُوْنَ اِنْ تَتَّبِعُوْنَ اِلَّا رَجُلًا مَّسْحُوْرًا(۸)
یا غیب سے انہیں کوئی خزانہ مل جاتا یا ان کا کوئی باغ ہوتا جس میں سے کھاتے (ف۱۸) اور ظالم بولے (ف۱۹) تم تو پیروی نہیں کرتے مگر ایک ایسے مرد کی جس پر جادو ہوا (ف۲۰)
«أو يلقى إليه» أى: إلى الرسول صلّى الله عليه وسلّم «كنز» أى: مال عظيم يغنيه عن التماس الرزق بالأسواق كسائر الناس، وأصل الكنز، جعل المال بعضه على بعض وحفظه. من كنز التمر في الوعاء، إذا حفظه. «أو تكون له» صلّى الله عليه وسلّم «جنة يأكل منها» أى: حديقة مليئة بالأشجار المثمرة، لكي يأكل منها ونأكل معه من خيرها.«وقال الظالمون» فضلا عن كل ذلك «إن تتبعون» أى: ما تتبعون «إلا رجلا مسحورا» أى: مغلوبا على عقله، ومصابا بمرض قد أثر في تصرفاته.فأنت ترى أن هؤلاء الظالمين قد اشتمل قولهم الذي حكاه القرآن عنهم- على ست قبائح- قصدهم من التفوه بها صرف الناس عن اتباعه صلّى الله عليه وسلّم.قال صاحب الكشاف عند تفسيره لهذه الآيات: أى: إن صح أنه رسول الله فما باله حاله كحالنا «يأكل الطعام» كما نأكل، ويتردد في الأسواق لطلب المعاش كما نتردد. يعنون أنه كان يجب أن يكون ملكا مستغنيا عن الأكل والتعيش، ثم نزلوا عن اقتراحهم أن يكون ملكا إلى، اقتراح أن يكون إنسانا معه ملك، حتى يتساندا في الإنذار والتخويف، ثم نزلوا- أيضا- فقالوا: وإن لم يكن مرفودا بملك، فليكن مرفودا بكنز يلقى إليه من السماء يستظهر به ولا يحتاج إلى تحصيل المعاش. ثم نزلوا فاقتنعوا بأن يكون رجلا له بستان يأكل منه ويرتزق ... وأراد بالظالمين: إياهم بأعيانهم. وضع الظاهر موضع المضمر ليسجل عليهم بالظلم فيما قالوا.. .
اُنْظُرْ كَیْفَ ضَرَبُوْا لَكَ الْاَمْثَالَ فَضَلُّوْا فَلَا یَسْتَطِیْعُوْنَ سَبِیْلًا۠(۹)
اے محبوب دیکھو کیسی کہاوتیں تمہارے لیے بنارہے ہیں تو گمراہ ہوئے کہ اب کوئی راہ نہیں پاتے،
وقد رد الله- تعالى- على مقترحاتهم الفاسدة، بالتهوين من شأنهم وبالتعجيب من تفاهة تفكيرهم، وبالتسلية للرسول صلّى الله عليه وسلّم عما أصابه منهم فقال: انْظُرْ كَيْفَ ضَرَبُوا لَكَ الْأَمْثالَ فَضَلُّوا فَلا يَسْتَطِيعُونَ سَبِيلًا.أى: انظر- أيها الرسول الكريم- إلى هؤلاء الظالمين، وتعجب من تعنتهم، وضحالة عقولهم. وسوء أقاويلهم. حيث وصفوك تارة بالسحر. وتارة بالشعر. وتارة بالكهانة. وقد ضلوا عن الطريق المستقيم في كل ما وصفوك به. وبقوا متحيرين في باطلهم، دون أن يستطيعوا الوصول إلى السبيل الحق. وإلى الصراط المستقيم.فالآية الكريمة تعجيب من شأنهم، واستعظام لما نطقوا به. وحكم عليهم بالخيبة والضلال، وتسلية للرسول صلّى الله عليه وسلّم عما قالوه في شأنه.
تَبٰرَكَ الَّذِیْۤ اِنْ شَآءَ جَعَلَ لَكَ خَیْرًا مِّنْ ذٰلِكَ جَنّٰتٍ تَجْرِیْ مِنْ تَحْتِهَا الْاَنْهٰرُۙ-وَ یَجْعَلْ لَّكَ قُصُوْرًا(۱۰)
بڑی برکت والا ہے وہ کہ اگر چاہے تو تمہارے لیے بہت بہتر اس سے کردے (ف۲۱) جنتیں جن کے نیچے نہریں بہیں اور کرے گا تمہارے لیے اونچے اونچے محل،
ثم أضاف- سبحانه- إلى هذه التسلية. تسلية أخرى لرسوله صلّى الله عليه وسلّم فقال- تعالى-: تَبارَكَ الَّذِي إِنْ شاءَ جَعَلَ لَكَ خَيْراً مِنْ ذلِكَ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ وَيَجْعَلْ لَكَ قُصُوراً.أى: جل شأن الله تعالى، وتكاثرت خيراته، فهو- سبحانه- الذي- إن شاء- جعل لك في هذه الدنيا- أيها الرسول الكريم- خيرا من ذلك الذي اقترحوه من الكنوز والبساتين، بأن يهبك جنات عظيمة تجرى من تحت أشجارها الأنهار، ويهبك قصورا فخمة ضخمة.ولكنه- سبحانه- لم يشأ ذلك، لأن ما ادخره لك من عطاء كريم خير وأبقى.فقوله- تعالى-: إِنْ شاءَ كلام معترض لتقييد عطاء الدنيا، أى: إن شاء أعطاك في الدنيا أكثر مما اقترحوه، أما عطاء الآخرة فهو محقق ولا قيد عليه.وقوله- سبحانه-: جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ تفسير لقوله: خَيْراً مِنْ ذلِكَ فهو بدل أو عطف بيان.
بَلْ كَذَّبُوْا بِالسَّاعَةِ- وَ اَعْتَدْنَا لِمَنْ كَذَّبَ بِالسَّاعَةِ سَعِیْرًاۚ(۱۱)
بلکہ یہ تو قیامت کو جھٹلاتے ہیں، اور جو قیامت کو جھٹلائے ہم نے اس کے لیے تیار کر رکھی ہے بھڑکتی ہوئی آگ،
ثم انتقل- سبحانه- من الحديث عن قبائحهم المتعلقة بوحدانية الله تعالى، وبشخصية رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إلى الحديث عن رذيلة أخرى من رذائلهم المتكاثرة، ألا وهي إنكارهم للبعث والحساب، فقال- تعالى-: بَلْ كَذَّبُوا بِالسَّاعَةِ وَأَعْتَدْنا لِمَنْ كَذَّبَ بِالسَّاعَةِ سَعِيراً. أى إن هؤلاء الكافرين لم يكتفوا باتخاذ آلهة من دون الله- تعالى-، ولم يكتفوا بالسخرية من رسوله صلّى الله عليه وسلّم بل أضافوا إلى ذلك أنهم كذبوا بيوم القيامة وما فيه من بعث وحشر وثواب وعقاب. والحال أننا بقدرتنا وإرادتنا قد أعددنا وهيأنا لمن كذب بهذا اليوم سعيرا. أى: نارا عظيمة شديدة الاشتعال.وقال- سبحانه-: وَأَعْتَدْنا لِمَنْ كَذَّبَ بِالسَّاعَةِ ولم يقل: لمن كذب بها. للمبالغة في التشنيع عليهم، والزجر لهم، إذ أن التكذيب بها كفر يستحق صاحبه الخلود في النار المستعرة.ثم صور- سبحانه- حالهم عند ما يعرضون على النار، وهلعهم عند ما يلقون فيها، كما بين- سبحانه- حال المتقين وما أعد لهم من نعيم مقيم، فقال- تعالى-:
اِذَا رَاَتْهُمْ مِّنْ مَّكَانٍۭ بَعِیْدٍ سَمِعُوْا لَهَا تَغَیُّظًا وَّ زَفِیْرًا(۱۲)
جب وہ انہیں دور جگہ سے دیکھے گی (ف۲۲) تو سنیں گے اس کا جوش مارنا اور چنگھاڑنا،
وقوله تعالى: إِذا رَأَتْهُمْ ... الضمير فيه يعود إلى «سعيرا» والتغيظ في الأصل:إظهار الغيظ، وهو شدة الغضب الكامن في القلب.والزفير: ترديد النفس من شدة الغم والتعب حتى تنتفخ منه الضلوع، فإذا ما اشتد كان له صوت مسموع.والمعنى: أن هؤلاء الكافرين الذين كذبوا بالساعة، قد اعتدنا لهم بسبب هذا التكذيب نارا مستعرة، إذا رأتهم هذه النار من مكان بعيد عنها. سمعوا لها غليانا كصوت من اشتد غضبه، وسمعوا لها زفيرا. أى: صوتا مترددا كأنها تناديهم به.فالآية الكريمة تصور غيظ النار من هؤلاء المكذبين تصويرا مرعبا، يزلزل النفوس ويخيف القلوب.والتعبير بقوله- تعالى-: مِنْ مَكانٍ بَعِيدٍ يزيد هذه الصورة رعبا وخوفا، لأنها لم تنتظرهم إلى أن يصلوا إليها، بل هي بمجرد أن تراهم من مكان بعيد- والعياذ بالله- يسمعون تغيظها وزفيرها وغضبها عليهم، وفرحها بإلقائهم فيها.قال الآلوسى: وإسناد الرؤية إليها حقيقة على ما هو الظاهر، وكذا نسبة التغيظ والزفير فيما بعد، إذ لا امتناع في أن يخلق الله تعالى النار حية مغتاظة زافرة على الكفار، فلا حاجة إلى تأويل الظواهر الدالة على أن لها إدراكا كهذه الآية، وكقوله- تعالى-: يَوْمَ نَقُولُ لِجَهَنَّمَ هَلِ امْتَلَأْتِ وَتَقُولُ هَلْ مِنْ مَزِيدٍ . وقوله: صلّى الله عليه وسلّم في الحديث الصحيح الذي رواه الإمام البخاري: «شكت النار إلى ربها فقالت: رب أكل بعضى بعضا، فأذن لها بنفسين: نفس في الشتاء ونفس في الصيف..» .
وَ اِذَاۤ اُلْقُوْا مِنْهَا مَكَانًا ضَیِّقًا مُّقَرَّنِیْنَ دَعَوْا هُنَالِكَ ثُبُوْرًاؕ(۱۳)
اور جب اس کی کسی تنگ جگہ میں ڈالے جائیں گے (ف۲۳) زنجیروں میں جکڑے ہوئے (ف۲۴) تو وہاں موت مانگیں گے (ف۲۵)
ثم حكى- سبحانه- حالهم عند ما يستقرون فيها فقال: وَإِذا أُلْقُوا مِنْها مَكاناً ضَيِّقاً مُقَرَّنِينَ دَعَوْا هُنالِكَ ثُبُوراً.أى: أن النار إن رأت هؤلاء المجرمين سمعوا لها ما يزعجهم ويفزعهم، وَإِذا أُلْقُوا مِنْها مَكاناً ضَيِّقاً أى: وإذا ما طرحوا فيها في مكان ضيق منها، حالة كونهم مُقَرَّنِينَ أى:مقيدين بالأغلال بعضهم مع بعض أو مع الشياطين الذين أضلوهم.دَعَوْا هُنالِكَ أى: تنادوا هنالك في ذلك المكان بقولهم ثُبُوراً أى: هلاكا وخسرانا يقال فلان ثبره الله- تعالى- أى: أهلكه إهلاكا لا قيام له منه.أى: يقولون عند ما يلقون فيها، يا هلاكنا أقبل فهذا أوانك، فإنك أرحم بنا مما نحن فيه.
لَا تَدْعُوا الْیَوْمَ ثُبُوْرًا وَّاحِدًا وَّ ادْعُوْا ثُبُوْرًا كَثِیْرًا(۱۴)
فرمایا جائے گا آج ایک موت نہ مانگو اور بہت سی موتیں مانگو (ف۲۶)
ووصف- سبحانه- المكان الذي يلقون فيه بالضيق، للإشارة إلى زيادة كربهم، فإن ضيق المكان يعجزهم عن التفلت والتململ. وهنا يسمعون من يقول لهم على سبيل الزجر والسخرية المريرة، لا تَدْعُوا الْيَوْمَ ثُبُوراً واحِداً وَادْعُوا ثُبُوراً كَثِيراً. أى: اتركوا اليوم طلب الهلاك الواحد. واطلبوا هلاكا كثيرا لا غاية لكثرته، ولا منتهى لنهايته.قال صاحب الكشاف: قوله: وَادْعُوا ثُبُوراً كَثِيراً أى: أنكم وقعتم فيما ليس ثبوركم فيه واحدا، وإنما هو ثبور كثير، إما لأن العذاب أنواع وألوان كل نوع منها ثبور لشدته وفظاعته، أو لأنهم كلما نضجت جلودهم بدلوا غيرها، فلا غاية لهلاكهم .
قُلْ اَذٰلِكَ خَیْرٌ اَمْ جَنَّةُ الْخُلْدِ الَّتِیْ وُعِدَ الْمُتَّقُوْنَؕ-كَانَتْ لَهُمْ جَزَآءً وَّ مَصِیْرًا(۱۵)
تم فرماؤ کیا یہ (ف۲۷) بھلا یا وہ ہمیشگی کے باغ جس کا وعدہ ڈر والوں کو ہے، وہ ان کا صلہ اور انجام ہے،
ثم أمر الله- تعالى- رسوله صلّى الله عليه وسلّم أن يبين لهم ما أعده- سبحانه- لعباده المتقين، فقال: قُلْ أَذلِكَ خَيْرٌ أَمْ جَنَّةُ الْخُلْدِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ كانَتْ لَهُمْ جَزاءً وَمَصِيراً، لَهُمْ فِيها ما يَشاؤُنَ خالِدِينَ. كانَ عَلى رَبِّكَ وَعْداً مَسْؤُلًا.واسم الإشارة. ذلك يعود إلى ما ذكر من العذاب المهين لهم والاستفهام للتقريع والتهكم.والعائد إلى الموصول محذوف، أى: وعدها الله- تعالى- للمتقين، وإضافته الجنة إلى الخلد للمدح وزيادة السرور للذين وعدهم الله- تعالى- بها.أى: قل- أيها الرسول الكريم- لهؤلاء الكافرين، أذلك العذاب المهين الذي أعد لكم خير، أم جنة الخلد التي وعدها الله- تعالى- للمتقين، والتي كانَتْ لَهُمْ بفضل الله وكرمه جَزاءً على أعمالهم الصالحة وَمَصِيراً طيبا يصيرون إليه.
لَهُمْ فِیْهَا مَا یَشَآءُوْنَ خٰلِدِیْنَؕ-كَانَ عَلٰى رَبِّكَ وَعْدًا مَّسْـُٔوْلًا(۱۶)
ان کے لیے وہاں من مانی مرادیں ہیں جن میں ہمیشہ رہیں گے، تمہارے رب کے ذمہ وعدہ ہے مانگا ہوا، ف۲۸)
لَهُمْ فِيها في تلك الجنة ما يَشاؤُنَ أى: ما يشاءونه من خيرات وملذات حالة كونهم خالِدِينَ فيها خلودا أبديا.كانَ عَلى رَبِّكَ وَعْداً مَسْؤُلًا أى: كان ذلك العطاء الكريم الذي تفضلنا به على عبادنا المتقين ووعدناهم به، من حقهم أن يسألونا تحقيقه لعظمه وسمو منزلته، كما قال- تعالى- حكاية عنهم في آية أخرى رَبَّنا وَآتِنا ما وَعَدْتَنا عَلى رُسُلِكَ وَلا تُخْزِنا يَوْمَ الْقِيامَةِ، إِنَّكَ لا تُخْلِفُ الْمِيعادَ .وعلى هذا المعنى يكون قوله مَسْؤُلًا بمعنى جديرا أن يسأل عنه المؤمنون لعظم شأنه.ويجوز أن يكون السائلون عنه الملائكة، كما في قوله- تعالى-: رَبَّنا وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدْتَهُمْ.. .ويرى بعضهم أن المعنى. كان ذلك العطاء للمؤمنين وعدا منا لهم، ونحن بفضلنا وكرمنا سننفذ هذا الوعد، قال- تعالى-: وَعْدَ اللَّهِ لا يُخْلِفُ اللَّهُ وَعْدَهُ.. .هذا، وقد تكلم العلماء هنا عن المراد بلفظ «خير» في قوله- تعالى- قُلْ أَذلِكَ خَيْرٌ أَمْ جَنَّةُ الْخُلْدِ وقالوا: إن هذا اللفظ صيغة تفضيل، والمفضل عليه هنا وهو العذاب لا خير فيه البته، فكيف عبر- سبحانه- بلفظ خير؟وقد أجابوا عن ذلك بأن المفاضلة هنا غير مقصودة، وإنما المقصود هو التهكم بهؤلاء الكافرين الذين آثروا الضلالة على الهداية، واستحبوا الكفر على الإيمان.قال أبو حيان- رحمه الله-: و «خير» هنا ليست تدل على الأفضلية، بل هي على ما جرت به عادة العرب في بيان فضل الشيء، وخصوصيته بالفضل دون مقابلة. كقول الشاعر: فشر كما لخير كما الفداء.. وكقول العرب: الشقاء أحب إليك أم السعادة. وكقوله- تعالى- حكاية عن يوسف- عليه السلام-: رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ .ثم تنتقل السورة الكريمة إلى الحديث عن حالهم عند ما يعرضون هم وآلهتهم للحشر والحساب يوم القيامة، وقد وقفوا جميعا أمام ربهم للسؤال والجواب، قال- تعالى-:
وَ یَوْمَ یَحْشُرُهُمْ وَ مَا یَعْبُدُوْنَ مِنْ دُوْنِ اللّٰهِ فَیَقُوْلُ ءَاَنْتُمْ اَضْلَلْتُمْ عِبَادِیْ هٰۤؤُلَآءِ اَمْ هُمْ ضَلُّوا السَّبِیْلَؕ(۱۷)
اور جس دن اکٹھا کرے گا انہیں (ف۲۹) اور جن کوا لله کے سوا پوجتے ہیں (ف۳۰) پھر ان معبودو ں سے فرمائے گا کیا تم نے گمراہ کردیے یہ میرے بندے یا یہ خود ہی راہ بھولے (ف۳۱)
وقوله- تعالى-: وَيَوْمَ منصوب على المفعولية بفعل مقدر، والمقصود من ذكر اليوم: تذكيرهم بما سيحدث فيه من أهوال حتى يعتبروا ويتعظوا، والضمير في «يحشرهم» للكافرين الذين عبدوا غير الله- تعالى-.وقوله: وَما يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ معطوف على مفعول «يحشرهم» والمراد بهؤلاء الذين عبدوهم من دون الله: الملائكة وعزير وعيسى وغيرهم من كل معبود سوى الله- تعالى-.والمعنى: واذكر لهم- أيها الرسول الكريم- حالهم لعلهم أن يعتبروا يوم نحشرهم جميعا للحساب والجزاء يوم القيامة، ونحشر ونجمع معهم جميع الذين كانوا يعبدونهم غيرى.ثم نوجه كلامنا لهؤلاء المعبودين من دوني فأقول لهم: أأنتم- أيها المعبودون- كنتم السبب في ضلال عبادي عن إخلاص العبادة لي، بسبب إغرائكم لهم بذلك أم هم الذين من تلقاء أنفسهم قد ضلوا السبيل، بسبب إيثارهم الغي على الرشد، والكفر على الإيمان؟.والسؤال للمعبودين إنما هو من باب التقريع للعابدين، وإلزامهم الحجة وزيادة حسرتهم، وتبرئة ساحة المعبودين.وشبيه بهذه الآية قوله- تعالى-: وَإِذْ قالَ اللَّهُ يا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّي إِلهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ، قالَ سُبْحانَكَ .وقوله- عز وجل-: وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعاً ثُمَّ يَقُولُ لِلْمَلائِكَةِ: أَهؤُلاءِ إِيَّاكُمْ كانُوا يَعْبُدُونَ قالُوا: سُبْحانَكَ أَنْتَ وَلِيُّنا مِنْ دُونِهِمْ.. .قال الإمام الرازي ما ملخصه: فإن قيل: إنه- سبحانه- عالم في الأزل بحال المسئول عنه فما فائدة السؤال؟.والجواب: هذا استفهام على سبيل التقريع للمشركين، كما قال- سبحانه- لعيسى:أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّي إِلهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ ولأن أولئك المعبودين لما برءوا أنفسهم وأحالوا ذلك الضلال عليهم، صار تبرّؤ المعبودين عنهم أشد في حسرتهم وحيرتهم .وقال- سبحانه- أَمْ هُمْ ضَلُّوا السَّبِيلَ ولم يقل. ضلوا عن السبيل، للإشعار بأنهم قد بلغوا في الضلال أقصاه ومنتهاه.والجواب: هذا استفهام على سبيل التقريع للمشركين، كما قال- سبحانه- لعيسى:أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّي إِلهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ ولأن أولئك المعبودين لما برءوا أنفسهم وأحالوا ذلك الضلال عليهم، صار تبرّؤ المعبودين عنهم أشد في حسرتهم وحيرتهم .وقال- سبحانه- أَمْ هُمْ ضَلُّوا السَّبِيلَ ولم يقل. ضلوا عن السبيل، للإشعار بأنهم قد بلغوا في الضلال أقصاه ومنتهاه.
قَالُوْا سُبْحٰنَكَ مَا كَانَ یَنْۢبَغِیْ لَنَاۤ اَنْ نَّتَّخِذَ مِنْ دُوْنِكَ مِنْ اَوْلِیَآءَ وَ لٰكِنْ مَّتَّعْتَهُمْ وَ اٰبَآءَهُمْ حَتّٰى نَسُوا الذِّكْرَۚ-وَ كَانُوْا قَوْمًۢا بُوْرًا(۱۸)
وہ عرض کریں گے پاکی ہے تجھ کو (ف۳۲) ہمیں سزاوار (حق) نہ تھا کہ تیرے سوا کسی اور کو مولیٰ بنائیں (ف۳۳) لیکن تو نے انہیں اور ان کے باپ داداؤں کو برتنے دیا (ف۳۴) یہاں تک کہ وہ تیری یاد بھول گئے اور یہ لوگ تھے ہی ہلاک ہونے والے (ف۳۵)
ثم بين- سبحانه- بعد ذلك ما أجاب به المعبودون فقال: قالُوا سُبْحانَكَ ما كانَ يَنْبَغِي لَنا أَنْ نَتَّخِذَ مِنْ دُونِكَ مِنْ أَوْلِياءَ وَلكِنْ مَتَّعْتَهُمْ وَآباءَهُمْ حَتَّى نَسُوا الذِّكْرَ وَكانُوا قَوْماً بُوراً.أى قال المعبودون لخالقهم- عز وجل-: «سبحانك» أى: ننزهك تنزيها تاما عن الشركاء وعن كل ما لا يليق بجلالك وعظمتك، وليس للخلائق جميعا أن يعبدوا أحدا سواك. ولا يليق بنا نحن أو هم أن نعبد غيرك، وأنت يا مولانا الذي أسبغت عليهم وعلى آبائهم الكثير من نعمك. «حتى نسوا الذكر» أى: حتى تركوا ما أنزلته عليهم على ألسنة رسلك من الدعوة إلى عبادتك وحدك لا شريك لك «وكانوا» بسبب ذلك «قوما بورا» أى: هلكى، جمع بائر من البوار وهو الهلاك.قال القرطبي: وقوله بُوراً أى: هلكى قاله ابن عباس.. وقال الحسن «بورا» أى: لا خير فيهم، مأخوذ من بوار الأرض، وهو تعطيلها عن الزرع فلا يكون فيها خير.وقال شهر بن حوشب: البوار: الفساد والكساد، من قولهم: بارت السلعة إذا كسدت كساد الفساد.. وهو اسم مصدر يستوي فيه الواحد والاثنان والجمع والمذكر والمؤنث .وهكذا، يتبرأ المعبودون من ضلال عابديهم، ويوبخونهم على جحودهم لنعم الله- تعالى- وعلى عبادتهم لغيره. ويعترفون لخالقهم- عز وجل- بأنه لا معبود بحق سواه.
فَقَدْ كَذَّبُوْكُمْ بِمَا تَقُوْلُوْنَۙ-فَمَا تَسْتَطِیْعُوْنَ صَرْفًا وَّ لَا نَصْرًاۚ-وَ مَنْ یَّظْلِمْ مِّنْكُمْ نُذِقْهُ عَذَابًا كَبِیْرًا(۱۹)
تو اب معبودوں نے تمہاری بات جھٹلادی تو اب تم نہ عذاب پھیرسکو نہ اپنی مدد کرسکو اور تم میں جو ظالم ہے ہم اسے بڑا عذاب چکھائیں گے،
وهنا يوجه- سبحانه- خطابه إلى هؤلاء العابدين الجهلاء الكاذبين فيقول: فَقَدْ كَذَّبُوكُمْ بِما تَقُولُونَ فَما تَسْتَطِيعُونَ صَرْفاً وَلا نَصْراً ...أى: قال الله- تعالى- لهؤلاء الكافرين على سبيل التقريع والتبكيت: والآن لقد رأيتم تكذيب من عبدتموهم لكم، وقد حق عليكم العذاب بسبب كفركم وكذبكم، وصرتم لا تملكون له «صرفا» أى: دفعا بأية صورة من الصور. وأصل الصرف: رد الشيء من حالة إلى حالة أخرى، ولا تملكون له- أيضا- «نصرا» أى فردا من أفراد النصر لا من جهة أنفسكم، ولا من جهة غيركم، بل لقد حل بكم العذاب حلولا لا فكاك لكم منه بأى وسيلة من الوسائل.«ومن يظلم منكم» أى: ومن يكفر بالله- تعالى- منكم أيها المكلفون بالإيمان «نذقه عذابا كبيرا» لا يقادر قدره في الخزي والهوان.قال صاحب الكشاف: هذه المفاجأة بالاحتجاج والإلزام- في قوله: فَقَدْ كَذَّبُوكُمْ حسنة رائعة، خاصة إذا انضم إليها الالتفات، وحذف القول، ونحوها قوله- تعالى-:يا أَهْلَ الْكِتابِ قَدْ جاءَكُمْ رَسُولُنا يُبَيِّنُ لَكُمْ عَلى فَتْرَةٍ مِنَ الرُّسُلِ أَنْ تَقُولُوا ما جاءَنا مِنْ بَشِيرٍ وَلا نَذِيرٍ، فَقَدْ جاءَكُمْ بَشِيرٌ وَنَذِيرٌ ... وقول القائل:قالوا خراسان أقصى ما يراد بنا ثم القفول فقد جئنا خراسانا وبذلك نرى الآيات الكريمة قد أقامت الحجة على الكافرين بطريقة تخرس ألسنتهم، وتجعلهم أهلا لكل ما يقع عليهم من عذاب أليم.ثم تعود السورة مرة أخرى إلى تسلية الرسول صلّى الله عليه وسلّم وإلى الرد على شبهات أعدائه فتقول:
وَ مَاۤ اَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِنَ الْمُرْسَلِیْنَ اِلَّاۤ اِنَّهُمْ لَیَاْكُلُوْنَ الطَّعَامَ وَ یَمْشُوْنَ فِی الْاَسْوَاقِؕ-وَ جَعَلْنَا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةًؕ-اَتَصْبِرُوْنَۚ-وَ كَانَ رَبُّكَ بَصِیْرًا۠(۲۰)
اور ہم نے تم سے پہلے جتنے رسول بھیجے سب ایسے ہی تھے کھانا کھاتے اور بازاروں میں چلتے (ف۳۶) اور ہم نے تم میں ایک کو دوسرے کی جانچ کیا ہے (ف۳۷) اور اے لوگو! کیا تم صبر کرو گے (ف۳۸) اور اے محبوب! تمہارا رب دیکھتا ہے (ف۲۹)
أى: وما أرسلنا قبلك- أيها الرسول الكريم- أحدا من رسلنا، إلا وحالهم وشأنهم أنهم يأكلون الطعام الذي يأكله غيرهم من البشر. ويمشون في الأسواق كما يمشى غيرهم من الناس، طلبا للرزق.وإذا فقول المشركين في شأنك «مال هذا الرسول يأكل الطعام ويمشى في الأسواق» قول يدل على جهالاتهم وسوء نياتهم فلا تتأثر به، ولا تلتفت إليه، فأنت على الحق وهم على الباطل.وقوله- تعالى-: وَجَعَلْنا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً بيان لسنة من سنن الله- تعالى- في خلقه، اقتضتها حكمته ومشيئته.أى: اختبرنا بعضكم ببعض، وبلونا بعضكم ببعض، ليظهر قوى الإيمان من ضعيفه، إذ أن قوى الإيمان لتصديقه بقضاء الله وقدره يثبت على الحق ويلتزم بما أمره الله- تعالى- به، أما ضعيف الإيمان فإنه يحسد غيره على ما آتاه الله- تعالى- من فضله. كما حسد المشركون رسول الله صلّى الله عليه وسلّم على منصب النبوة الذي أعطاه الله- تعالى- إياه وَقالُوا لَوْلا نُزِّلَ هذَا الْقُرْآنُ عَلى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ .قال القرطبي: قوله- تعالى-: وَجَعَلْنا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً أَتَصْبِرُونَ أى: إن الدنيا دار بلاء وامتحان، فأراد- سبحانه- أن يجعل بعض العبيد فتنة لبعض على العموم في جميع الناس، فالصحيح: فتنة للمريض. والغنى: فتنة للفقير.. ومعنى هذا، أن كل واحد مختبر بصاحبه، فالغنى ممتحن بالفقير، فعليه أن يواسيه ولا يسخر منه، والفقير ممتحن بالغنى، فعليه أن لا يحسده. ولا يأخذ منه إلا ما أعطاه، وأن يصبر كل واحد منهما على الحق.. والرسول المخصوص بكرامة النبوة فتنة لأشراف الناس من الكفار في عصره ...فالفتنة: أن يحسد المبتلى المعافى. والصبر: أن يحبس كلاهما نفسه، هذا عن البطر وذاك عن الضجر.. .والاستفهام في قوله- تعالى-: أَتَصْبِرُونَ للتقرير. أى: أتصبرون على هذا الابتلاء والاختبار فتنالوا من الله- تعالى- الأجر، أم لا تصبرون فيزداد همكم وغمكم؟ويصح أن يكون الاستفهام بمعنى الأمر. أى: اصبروا على هذا الابتلاء كما في قوله- تعالى-: ... وَقُلْ لِلَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ وَالْأُمِّيِّينَ أَأَسْلَمْتُمْ.. أى: أسلموا.. وكما في قوله- سبحانه-: فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ أى: انتهوا عن الخمر والميسر.ثم ختم- سبحانه- الآية الكريمة بقوله وَكانَ رَبُّكَ بَصِيراً أى: وكان ربك أيها الرسول الكريم- بصيرا بأحوال النفوس الطاهرة والخفية، وبتقلبات القلوب وخلجاتها.فاصبر على أذى قومك، فإن العاقبة لك ولأتباعك المؤمنين.فهذا التذييل فيه ما فيه من التسلية والتثبيت لفؤاد النبي صلّى الله عليه وسلّم.ثم حكت السورة للمرة الرابعة تطاول المشركين وجهالاتهم، وردت عليهم بما يخزيهم، وبينت ما أعد لهم من عذاب في يوم لا ينفعهم فيه الندم.
وَ قَالَ الَّذِیْنَ لَا یَرْجُوْنَ لِقَآءَنَا لَوْ لَاۤ اُنْزِلَ عَلَیْنَا الْمَلٰٓىٕكَةُ اَوْ نَرٰى رَبَّنَاؕ-لَقَدِ اسْتَكْبَرُوْا فِیْۤ اَنْفُسِهِمْ وَ عَتَوْ عُتُوًّا كَبِیْرًا(۲۱)
اور بولے وہ جو (ف۴۰) ہمارے ملنے کی امید نہیں رکھتے ہم پر فرشتے کیوں نہ اتارے (ف۴۱) یا ہم اپنے رب کو دیکھتے (ف۴۲) بیشک اپنے جی میں بہت ہی اونچی کھینچی (سرکشی کی) اور بڑی سرکشی پر آئے (ف۴۳)
قال الفخر الرازي: اعلم أن قوله- تعالى-: وَقالَ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقاءَنا هو الشبهة الرابعة لمنكري نبوة محمد صلّى الله عليه وسلّم وحاصلها: لماذا لم ينزل الله الملائكة حتى يشهدوا أن محمدا محق في دعواه، أو نرى ربنا حتى يخبرنا بأنه أرسله إلينا.. .والرجاء: الأمل والتوقع لما فيه خير ونفع. وفسره بعضهم بمجرد التوقع الذي يشمل ما يسر وما يسوء، وفسره بعضهم هنا بأن المراد به: الخوف.والمراد بلقائه- سبحانه-: الرجوع إليه يوم القيامة للحساب والجزاء.أى: وقال الكافرون الذين لا أمل عندهم في لقائنا يوم القيامة للحساب والجزاء لأنهم ينكرون ذلك، ولا يبالون به، ولا يخافون أهواله. قالوا- على سبيل التعنت والعناد-:هلا أنزل علينا الملائكة لكي يخبرونا بصدق محمد صلّى الله عليه وسلّم أو هلا نرى ربنا جهرة ومعاينة ليقول لنا إن محمدا صلّى الله عليه وسلّم رسول من عندي! وشبيه بهذه الآية قوله- تعالى-: ... أَوْ تَأْتِيَ بِاللَّهِ وَالْمَلائِكَةِ قَبِيلًا . أى:ليشهدوا بصدقك، وقد رد الله- تعالى- عليهم بقوله: لَقَدِ اسْتَكْبَرُوا فِي أَنْفُسِهِمْ وَعَتَوْا عُتُوًّا كَبِيراً.والعتو: تجاوز الحد في الظلم والعدوان. يقال عتا فلان يعتو عتوا، إذا تجاوز حده في الطغيان.أى: والله لقد أضمر هؤلاء الكافرون الاستكبار عن الحق في أنفسهم المغرورة، وتجاوزوا كل حد في الطغيان تجاوزا كبيرا، حيث طلبوا مطالب هي أبعد من أن ينالوها بعد الأرض عن السماء. وصدق الله إذ يقول: ... إِنْ فِي صُدُورِهِمْ إِلَّا كِبْرٌ ما هُمْ بِبالِغِيهِ.. .ووصف- سبحانه- عتوهم بالكبر للدلالة على إفراطهم فيه، وأنهم قد وصلوا في عتوهم إلى الغاية القصوى منه.
یَوْمَ یَرَوْنَ الْمَلٰٓىٕكَةَ لَا بُشْرٰى یَوْمَىٕذٍ لِّلْمُجْرِمِیْنَ وَ یَقُوْلُوْنَ حِجْرًا مَّحْجُوْرًا(۲۲)
جس دن فرشتوں کو دیکھیں گے (ف۴۴) وہ دن مجرموں کی کوئی خوشی کا نہ ہوگا (ف۴۵) اور کہیں گے الٰہی ہم میں ان میں کوئی آڑ کردے رکی ہوئی (ف۴۶)
ثم بين- سبحانه- الحالة التي يرون فيها الملائكة فقال: يَوْمَ يَرَوْنَ الْمَلائِكَةَ لا بُشْرى يَوْمَئِذٍ لِلْمُجْرِمِينَ.أى: لقد طلب هؤلاء الظالمون نزول الملائكة عليهم، ورؤيتهم لهم. ونحن سنجيبهم إلى ما طلبوه ولكن بصورة أخرى تختلف اختلافا كليا عما يتوقعونه، إننا سنريهم الملائكة عند قبض أرواحهم وعند الحساب بصورة تجعل هؤلاء الكافرين يفزعون ويهلعون. بصورة لا تبشرهم بخير ولا تسرهم رؤيتهم معها، بل تسوؤهم وتحزنهم، كما قال- تعالى-: وَلَوْ تَرى إِذْ يَتَوَفَّى الَّذِينَ كَفَرُوا الْمَلائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبارَهُمْ ... وكما قال- سبحانه-: فَكَيْفَ إِذا تَوَفَّتْهُمُ الْمَلائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبارَهُمْ .فالآية الكريمة مسوقة على سبيل الاستئناف. لبيان حالهم الشنيعة عند ما تنزل عليهم الملائكة. بعد بيان تجاوزهم الحد في الطغيان وفي طلب ما ليس من حقهم.والمراد بالملائكة هنا: ملائكة العذاب الذين يقبضون أرواحهم، والذين يقودونهم إلى النار يوم القيامة.وقال- سبحانه-: يَوْمَ يَرَوْنَ الْمَلائِكَةَ ... ولم يقل: يوم تنزل الملائكة، للإيذان من أول الأمر بأن رؤيتهم لهم ليست على الطريقة التي طلبوها، بل على وجه آخر فيه ما فيه من العذاب المهين لهؤلاء الكافرين.وجاء نفى البشرى لهم بلا النافية للجنس للمبالغة في نفى أى بارقة تجعلهم يأملون في أن ما نزل بهم من سوء، قد يتزحزح عنهم في الحال أو الاستقبال.قال الجمل في حاشيته: وقوله لا بُشْرى يَوْمَئِذٍ لِلْمُجْرِمِينَ هذه الجملة معمولة لقول مضمر. أى: يرون الملائكة يقولون لا بشرى. فالقول حال من الملائكة وهو نظير التقدير في قوله- تعالى-: ... وَالْمَلائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بابٍ سَلامٌ عَلَيْكُمْ.. وكل من الظرف والجار والمجرور خبر عن لا النافية للجنس .وقوله- تعالى-: وَيَقُولُونَ حِجْراً مَحْجُوراً تأكيد لما قبله من أنه لا خير لهؤلاء الكافرين من وراء رؤيتهم للملائكة.والحجر- بكسر الحاء وفتحها- الحرام، وأصله المنع. ومحجورا صفة مؤكدة للمعنى، كما في قولهم: موت مائت. وليل أليل، وحرام محرم.قال الآلوسى: وهي- أى: حجرا محجورا- كلمة تقولها العرب عند لقاء عدو موتور، وهجوم نازلة هائلة، يضعونها موضع الاستعاذة، حيث يطلبون من الله- تعالى- أن يمنع المكروه فلا يلحقهم، فكأن المعنى، نسأل الله- تعالى- أن يمنع ذلك منعا، ويحجره حجرا.وقال الخليل: كان الرجل يرى الرجل الذي يخاف منه القتل في الجاهلية في الأشهر الحرم فيقول: حجرا محجورا. أى: حرام عليك التعرض لي في هذا الشهر فلا يبدأ بشر .والقائلون لهذا القول يرى بعضهم أنهم الملائكة، فيكون المعنى: تقول الملائكة للكفار حجرا محجورا. أى: حراما محرما أن تكون لكم اليوم بشرى. أو أن يغفر الله لكم، أو أن يدخلكم جنته.وقد رجح ابن جرير ذلك فقال ما ملخصه: وإنما اخترنا أن القائلين هم الملائكة من أجل أن الحجر هو الحرام. فمعلوم أن الملائكة هي التي تخبر أهل الكفر، أن البشرى عليهم حرام.. .ويبدو لنا أنه لا مانع من أن يكون هذا القول من الكفار، فيكون المعنى: أن هؤلاء الكفار الذين طلبوا نزول الملائكة عليهم ليشهدوا لهم بصدق الرسول صلّى الله عليه وسلّم عند ما يرونهم عند الموت أو عند الحساب يقولون لهم بفزع وهلع: «حجرا محجورا» أى: حراما محرما عليكم أن تنزلوا بنا العذاب، فنحن لم نرتكب ما نستحق بسببه هذا العذاب المهين، ولعل مما يشهد لهذا المعنى قوله- تعالى-: الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظالِمِي أَنْفُسِهِمْ فَأَلْقَوُا السَّلَمَ ما كُنَّا نَعْمَلُ مِنْ سُوءٍ، بَلى إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ فَادْخُلُوا أَبْوابَ جَهَنَّمَ خالِدِينَ فِيها فَلَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ .وعلى كلا الرأيين فالجملة الكريمة تؤكد سوء عاقبة الكافرين.
وَ قَدِمْنَاۤ اِلٰى مَا عَمِلُوْا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنٰهُ هَبَآءً مَّنْثُوْرًا(۲۳)
اور جو کچھ انہوں نے کام کیے تھے (ف۴۷) ہم نے قصد فرماکر انہیں باریک باریک غبار، کے بکھرے ہوئے ذرے کردیا کہ روزن کی دھوپ میں نظر آتے ہیں (ف۴۸)
ثم ساق- سبحانه- بعد ذلك وعيدا آخر لهؤلاء الكافرين فقال: وَقَدِمْنا إِلى ما عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْناهُ هَباءً مَنْثُوراً.والهباء: الشيء الدقيق الذي يخرج من النافذة مع ضوء الشمس شبيها بالغبار.والمنثور: المتفرق في الجو بحيث لا يتأتى جمعه أو حصره.أى: وقدمنا وقصدنا وعمدنا- بإرادتنا وحكمتنا إلى ما عمله هؤلاء الكافرون من عمل صالح في الدنيا- كالإحسان إلى الفقراء، والإنفاق في وجوه الخير- فجعلناه باطلا ضائعا، ممزقا كل ممزق، لأنهم فقدوا شرط قبوله عندنا، وهو إخلاص العبادة لنا.فقد شبه- سبحانه- أعمالهم الصالحة في الدنيا في عدم انتفاعهم بها يوم القيامة- بالهباء المنثور، الذي تفرق وتبدد وصار لا يرجى خير من ورائه لحقارته وتفاهته.
اَصْحٰبُ الْجَنَّةِ یَوْمَىٕذٍ خَیْرٌ مُّسْتَقَرًّا وَّ اَحْسَنُ مَقِیْلًا(۲۴)
جنت والوں کا اس دن اچھا ٹھکانا (ف۴۹) اور حساب کے دوپہر کے بعد اچھی آرام کی جگہ،
ثم بين- سبحانه- ما سيكون عليه أصحاب الجنة من نعيم مقيم يوم القيامة فقال:أَصْحابُ الْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُسْتَقَرًّا وَأَحْسَنُ مَقِيلًا.والمستقر: المكان الذي يستقر فيه الإنسان في أغلب وقته. والمقيل: المكان الذي يؤوى إليه في وقت القيلولة للاستراحة من عناء الحر.أى: «أصحاب الجنة يومئذ» أى: يوم القيامة «خير مستقرا» أى: خير مكانا ومنزلا في الجنة، مما كان عليه الكافرون في الدنيا من متاع زائل، ونعيم حائل «وأحسن مقيلا» أى: وأحسن راحة وهناء ومأوى، مما فيه الكافرون من عذاب مقيم.وقد استنبط بعض العلماء. من هذه الآية أن حساب أهل الجنة يسير، وأنه ينتهى في وقت قصير، لا يتجاوز نصف النهار. قالوا: لأن قوله- تعالى- وَأَحْسَنُ مَقِيلًا يدل على أنهم في وقت القيلولة، يكونون في راحة ونعيم، ويشير إلى ذلك قوله- تعالى-: فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ بِيَمِينِهِ فَسَوْفَ يُحاسَبُ حِساباً يَسِيراً وَيَنْقَلِبُ إِلى أَهْلِهِ مَسْرُوراً .وأما أهل النار- والعياذ بالله- فهم ليسوا كذلك لأن حسابهم غير يسير.وقد ساق ابن كثير في هذا المعنى آثارا منها أن سعيد الصواف قال: بلغني أن يوم القيامة يقصر على المؤمن حتى يكون كما بين العصر إلى غروب الشمس وأنهم ليقيلون في رياض الجنة .
وَ یَوْمَ تَشَقَّقُ السَّمَآءُ بِالْغَمَامِ وَ نُزِّلَ الْمَلٰٓىٕكَةُ تَنْزِیْلًا(۲۵)
اور جس دن پھٹ جائے گا آسمان بادلوں سے اور فرشتے اتارے جائیں گے پوری طرح (ف۵۰)
ثم وصف- سبحانه- بعض الأهوال التي تحدث في هذا اليوم فقال: وَيَوْمَ تَشَقَّقُ السَّماءُ بِالْغَمامِ وَنُزِّلَ الْمَلائِكَةُ تَنْزِيلًا.وقوله تَشَقَّقُ أصله تتشقق بمعنى تتفتح. والباء يصح أن تكون بمعنى عن، وأن تكون للسببية أى: بسبب طلوعه منها، وأن تكون للحال، أى: ملتبسة بالغمام.والغمام: اسم جنس جمعى لغمامة. وهي السحاب الأبيض الرقيق سمى بذلك لأنه يغم ما تحته، أى: يستره ويخفيه.والمعنى: واذكر- أيها العاقل لتعتبر وتتعظ- أهوال يوم القيامة. يوم تتفتح السماء وتتشقق بسبب طلوع الغمام منها. ونزول الملائكة منها تنزيلا عجيبا غير معهود.قال صاحب الكشاف: ولما كان انشقاق السماء بسبب طلوع الغمام منها جعل الغمام كأنه الذي تشقق به السماء، كما تقول: شق السنام بالشفرة وانشق بها، ونظيره قوله- تعالى:السَّماءُ مُنْفَطِرٌ بِهِ ... .فإن قلت: أى فرق بين قولك: انشقت الأرض بالنبات، وانشقت عنه؟ قلت: معنى انشقت به، أن الله شقها بطلوعه فانشقت به. ومعنى انشقت عنه: أن التربة ارتفعت عند طلوعه.والمعنى: أن السماء تتفتح بغمام يخرج منها، وفي الغمام الملائكة ينزلون وفي أيديهم صحف أعمال العباد .
اَلْمُلْكُ یَوْمَىٕذِ ﹰالْحَقُّ لِلرَّحْمٰنِؕ-وَ كَانَ یَوْمًا عَلَى الْكٰفِرِیْنَ عَسِیْرًا(۲۶)
اس دن سچی بادشاہی رحمن کی ہے، اور وہ دن کافروں پر سخت ہے (ف۵۱)
وقوله- تعالى-: الْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ لِلرَّحْمنِ، وَكانَ يَوْماً عَلَى الْكافِرِينَ عَسِيراً.لفظ «الملك» مبتدأ، و «يومئذ» ظرف للمبتدأ و «الحق» نعت له «للرحمن» خبره.أى: الملك الثابت الذي لا يزول، ولا يشاركه فيه أحد للرحمن يومئذ، وكان هذا اليوم عسيرا على الكافرين، لشدة الهول والعذاب الذي يقع عليهم فيه.وخص- سبحانه- ثبوت الملك له في هذا اليوم بالذكر، مع أنه- تعالى- هو المالك لهذا الكون في هذا اليوم وفي غيره، للرد على الكافرين الذين زعموا أن أصنامهم ستشفع لهم يوم القيامة، ولبيان أن ملك غيره- سبحانه- في الدنيا. إنما هو ملك صورى زائل، أما الملك الثابت الحقيقي فهو لله الواحد القهار.قال ابن كثير: وفي الصحيح «أن الله يطوى السموات بيمينه، ويأخذ الأرضين بيده الأخرى ثم يقول: أنا الملك. أنا الديان. أين ملوك الأرض أين الجبارون. أين المتكبرون» .
وَ یَوْمَ یَعَضُّ الظَّالِمُ عَلٰى یَدَیْهِ یَقُوْلُ یٰلَیْتَنِی اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُوْلِ سَبِیْلًا(۲۷)
اور جس دن ظالم اپنے ہاتھ چبا چبا لے گا (ف۵۲) کہ ہائے کسی طرح سے میں نے رسول کے ساتھ راہ لی ہوتی، (ف۵۳)
ثم صور- سبحانه- ما سيكون عليه الكافرون يوم القيامة من حسرة وندامة، تصويرا بليغا، مؤثرا فقال: وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلى يَدَيْهِ يَقُولُ يا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا. يا وَيْلَتى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلاناً خَلِيلًا.وقد ذكر المفسرون في سبب نزول هذه الآيات أن عقبة بن أبى معيط دعا النبي صلّى الله عليه وسلّم لحضور طعام عنده، فقال له النبي صلّى الله عليه وسلّم لا آكل من طعامك حتى تنطق بالشهادتين.فنطق بهما. فبلغ ذلك صديقه أمية بن خلف أو أخاه أبى بن خلف، فقال له: يا عقبة بلغني أنك أسلمت. فقال له: لا. ولكن قلت ما قلت تطييبا لقلب محمد صلّى الله عليه وسلّم حتى يأكل من طعامي. فقال له: كلامك على حرام حتى تفعل كذا وكذا بمحمد صلّى الله عليه وسلّم ففعل الشقي ما أمره به صديقه الذي لا يقل شقاوة عنه.أما عقبة فقد أمر النبي صلّى الله عليه وسلّم بقتله في غزوة بدر وأما أبى بن خلف فقد طعنه النبي صلى الله عليه وسلّم في غزوة أحد طعنة لم يبق بعدها سوى زمن يسير ثم هلك.وعلى أية حال فإن الآيات وإن كانت قد نزلت في هذين الشقيين. فإنها تشمل كل من كان على شاكلتهما في الكفر والعناد، إذ العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب.وعض اليدين كناية عن شدة الحسرة والندامة والغيظ، لأن النادم ندما شديدا، يعض يديه. وليس أحد أشد ندما يوم القيامة من الكافرين.قال- تعالى-: وَأَسَرُّوا النَّدامَةَ لَمَّا رَأَوُا الْعَذابَ. وَجَعَلْنَا الْأَغْلالَ فِي أَعْناقِ الَّذِينَ كَفَرُوا ...والمعنى: واذكر- أيها العاقل- يوم القيامة وما فيه من حساب وجزاء، يوم يعض الظالم على يديه من شدة غيظه وندمه وحسرته.ويقول في هذا اليوم يا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا.أى: يا ليتني سلكت معه طريق الحق الذي جاء به، واتبعته في كل ما جاء به من عند ربه.
یٰوَیْلَتٰى لَیْتَنِیْ لَمْ اَتَّخِذْ فُلَانًا خَلِیْلًا(۲۸)
وائے خرابی میری ہائے کسی طرح میں نے فلانے کو دوست نہ بنایا ہوتا،
يا وَيْلَتى أى: ثم يقول هذا الظالم يا هلاكي أقبل فهذا أوان إقبالك، فهذه الكلمة تستعمل عند وقوع داهية دهياء لا نجاة منها، وكأن المتحسر ينادى ويلته ويطلب حضورها بعد تنزيلها منزلة من يفهم نداءه.لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلاناً خَلِيلًا أى: ليتني لم أتخذ فلانا الذي أضلنى في الدنيا صديقا وخليلا لي. والمراد بفلان: كل من أضل غيره وصرفه عن طريق الحق، ويدخل في ذلك دخولا أوليا أبى بن خلف.
لَقَدْ اَضَلَّنِیْ عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ اِذْ جَآءَنِیْؕ-وَ كَانَ الشَّیْطٰنُ لِلْاِنْسَانِ خَذُوْلًا(۲۹)
بیشک اس نے مجھے بہکادیا میرے پاس آئی ہوئی نصیحت سے (ف۵۴) اور شیطان آدمی کو بے مدد چھوڑ دیتا ہے (ف۵۵)
لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جاءَنِي أى: والله لقد أضلنى هذا الصديق المشئوم عن الذكر أى: عن الهدى بعد إذ جاءني الرسول صلّى الله عليه وسلّم فالجملة الكريمة تعليل لتمنيه المذكور، وتوضيح لتملله. وأكده بلام القسم للمبالغة في بيان شدة ندمه وحسرته.والمراد بالذكر هنا: ما يشمل القرآن الكريم، وما يشمل غيره من توجيهات النبي صلى الله عليه وسلّم وفي التعبير بقوله: بَعْدَ إِذْ جاءَنِي إشعار بأن هدى الرسول صلّى الله عليه وسلّم قد وصل إلى هذا الشقي، وكان في إمكانه أن ينتفع به.ثم ختم- سبحانه- الآية بقوله: وَكانَ الشَّيْطانُ لِلْإِنْسانِ خَذُولًا أى: وكان الشيطان دائما وأبدا. خذولا للإنسان. أى: صارفا إياه عن الحق، محرضا له على الباطل، فإذا ما احتاج الإنسان إليه خذله وتركه وفر عنه وهو يقول: إنى برىء منك.يقال: خذل فلان فلانا، إذا ترك نصرته بعد أن وعده بها.وهكذا تكون عاقبة الذين يتبعون أصدقاء السوء، وصدق الله إذ يقول: الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَومن الأحاديث التي وردت في الأمر باتخاذ الصديق الصالح، وبالنهى عن الصديق الطالح،ما رواه الشيخان عن أبى موسى الأشعرى أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «مثل الجليس الصالح وجليس السوء، كحامل المسك ونافخ الكير، فحامل المسك إما أن يحذيك. وإمّا أن تبتاع منه. وإما أن تجد منه ريحا طيبة، ونافخ الكير، إما أن يحرق ثوبك. وإما أن تجد منه ريحا خبيثة» .ثم بين- سبحانه- ما قاله الرسول صلّى الله عليه وسلّم في شأن هؤلاء المشركين، وما قالوه في شأن القرآن الكريم، وما رد به- سبحانه- عليهم، فقال- تعالى-:
وَ قَالَ الرَّسُوْلُ یٰرَبِّ اِنَّ قَوْمِی اتَّخَذُوْا هٰذَا الْقُرْاٰنَ مَهْجُوْرًا(۳۰)
اور رسول نے عرض کی کہ اے میرے رب! میری قوم نے اس قرآن کو چھوڑنے کے قابل ٹھہرایا (ف۵۶)
وقوله- سبحانه-: وَقالَ الرَّسُولُ ... معطوف على قوله- تعالى- قبل ذلك:وَقالَ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ....وما بينهما اعتراض مسوق لاستعظام قبح ما قالوه ولبيان ما يحل بهم بسببه من عذاب.أى: وقال الرسول محمد صلّى الله عليه وسلّم متضرعا وشاكيا لربه «يا رب إن قومي» الذين أرسلتنى إليهم قد «اتخذوا هذا القرآن» المشتمل على ما يهديهم إلى الرشد وعلى ما يسعدهم في دنياهم وآخرتهم، قد اتخذوه «مهجورا» أى: متروكا فقد تركوا تصديقه، وتركوا العمل به وتركوا، التأثر بوعيده.. من الهجر- بفتح الهاء بمعنى الترك، أو المعنى: قد اتخذوا هذا القرآن مادة لسخريتهم وتهكمهم، من الهجر- بضم الهاء- بمعنى الهذيان والقول الباطل، ومنه قوله- تعالى-: مُسْتَكْبِرِينَ بِهِ سامِراً تَهْجُرُونَ .وقد اشتملت هذه الآية الكريمة على التخويف العظيم لمن يهجر القرآن الكريم. فلم يحفظه أو لم يحفظ شيئا منه، ولم يعمل بما فيه من حلال وحرام، وأوامر ونواه..قال بعض العلماء هجر القرآن أنواع: أحدها: هجر سماعه وقراءته. وثانيها: هجر العمل به والوقوف عند حلاله وحرامه.. وثالثها: هجر تحكيمه والتحاكم إليه في أصول الدين وفروعه.. ورابعها: هجر تدبره وتفهمه.. وكل هذا دخل في هذه الآية، وإن كان بعض الهجر أهون من بعض .وقوله- سبحانه-: وَكَذلِكَ جَعَلْنا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ.. تسلية للرسول صلى الله عليه وسلّم عما أصابه من قومه، وتصريح بأن ما أصابه قد أصاب الرسل من قبله، والبلية إذا عمت هانت. أى: كما جعلنا قومك- أيها الرسول الكريم- يعادونك ويكذبونك، جعلنا لكل نبي سابق عليك عدوا من المجرمين، فاصبر- أيها الرسول- كما صبر إخوانك السابقون.
وَ كَذٰلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِیٍّ عَدُوًّا مِّنَ الْمُجْرِمِیْنَؕ-وَ كَفٰى بِرَبِّكَ هَادِیًا وَّ نَصِیْرًا(۳۱)
اور اسی طرح ہم نے ہر نبی کے لیے دشمن بنادیے تھے مجرم لوگ (ف۵۷) اور تمہارا رب کافی ہے ہدایت کرنے اور مدد دینے کو،
وشبيه بهذه الآية قوله- تعالى-: وَكَذلِكَ جَعَلْنا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَياطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُوراً، وَلَوْ شاءَ رَبُّكَ ما فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَما يَفْتَرُونَ .ثم شفع- سبحانه- هذه التسلية بوعد كريم منه- عز وجل- لنبيه صلّى الله عليه وسلّم فقال:وَكَفى بِرَبِّكَ هادِياً وَنَصِيراً.أى: وكفى ربك- أيها الرسول الكريم- هاديا يهدى عباده إلى ما تقتضيه حكمته ومشيئته، وكفى به- سبحانه- نصيرا لمن يريد أن ينصره على كل من عاداه.
وَ قَالَ الَّذِیْنَ كَفَرُوْا لَوْ لَا نُزِّلَ عَلَیْهِ الْقُرْاٰنُ جُمْلَةً وَّاحِدَةًۚۛ-كَذٰلِكَۚۛ-لِنُثَبِّتَ بِهٖ فُؤَادَكَ وَ رَتَّلْنٰهُ تَرْتِیْلًا(۳۲)
اور کافر بولے قرآن ان پر ایک ساتھ کیوں نہ اتار دیا (ف۵۸) ہم نے یونہی بتدریج سے اتارا ہے کہ اس سے تمہارا دل مضبوط کریں (ف۵۹) اور ہم نے اسے ٹھہر ٹھہر کر پڑھا (ف۶۰)
ثم حكى- سبحانه- بعد ذلك- وللمرة الخامسة- بعض شبهاتهم وأباطيلهم فقال:وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً واحِدَةً....أى: وقال الذين كفروا بالحق الذي جاءهم به الرسول صلّى الله عليه وسلّم: هلا نزل هذا القرآن على محمد صلّى الله عليه وسلّم جملة واحدة، دون أن ينزل مفرقا كما نراه ونسمعه.وقولهم هذا دليل على سوء أدبهم فقد طلبوا ما لا يعنيهم. واقترحوا شيئا لا مدخل لهم فيه،ولا علم عندهم بحكمته، ولذا رد سبحانه عليهم بقوله: كَذلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤادَكَ والكاف بمعنى مثل، والجار والمجرور نعت لمصدر محذوف مع عامله. وقوله: لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤادَكَ تعليل للعامل المحذوف.فالجملة الكريمة استئناف مسوق للرد عليهم، ولبيان بعض الحكم في نزول القرآن مفرقا.وقوله- سبحانه-: وَرَتَّلْناهُ تَرْتِيلًا معطوف على الفعل المحذوف. والتنكير في «ترتيلا» للتفخيم والتعظيم. وأصل الترتيل، عدم التلاصق. يقال، ثغر مرتل. أى مفلج الأسنان غير متلاصقها.أى: نزلناه مفرقا، ورتلناه ترتيلا بديعا، بأن قرأناه عليك بلسان جبريل شيئا فشيئا، على تؤدة وتمهل، وجعلنا بعضه ينزل في إثر بعض.قال صاحب الكشاف ما ملخصه: وقوله «كذلك» جواب لهم، أى: كذلك أنزلناه مفرقا، والحكمة فيه: أن نقوى بتفريقه فؤادك حتى تعيه وتحفظه..فإن قلت: ذلك في كذلك يجب أن يكون إشارة إلى شيء تقدمه، والذي تقدمه هو إنزاله جملة واحدة فكيف فسرته بكذلك أنزلناه مفرقا؟.قلت: لأن قولهم: لولا أنزل عليه القرآن جملة، معناه: لماذا أنزل مفرقا، والدليل على فساد هذا الاعتراض أنهم عجزوا عن أن يأتوا بنجم واحد من نجومه.. فكأنهم قدروا على تفاريقه حتى يقدروا على جملته .
وَ لَا یَاْتُوْنَكَ بِمَثَلٍ اِلَّا جِئْنٰكَ بِالْحَقِّ وَ اَحْسَنَ تَفْسِیْرًاؕ(۳۳)
اور وہ کوئی کہاوت تمہارے پاس نہ لائیں گے (ف۶۱) مگر ہم حق اور اس سے بہتر بیان لے آئیں گے،
وقوله- سبحانه-: وَلا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلَّا جِئْناكَ بِالْحَقِّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيراً أى: سر أيها الرسول الكريم في طريقك، وبلغ ما أنزلناه إليك، ولا تلتفت إلى مقترحات المشركين وأباطيلهم، فإنهم لا يأتونك بمثل، أى: بكلام عجيب هو مثل في التهافت والفساد للطعن في نبوتك «إلا جئناك» في مقابلته بالجواب «الحق» الثابت الصادق الذي يزهق باطلهم، وبما هو أحسن تفسيرا وبيانا من مثلهم وشبهاتهم.والاستثناء مفرغ من عموم الأحوال. أى: ولا يأتونك في حال من الأحوال بمثل للطعن في نبوتك، إلا جئناك وسلحناك بما يزهق أمثالهم وشبههم، فسر في طريقك- أيها الرسول الكريم- فإنك على الحق المبين.فأنت ترى أن هذه الآيات الكريمة من أعظم الآيات لتشجيع النبي صلّى الله عليه وسلّم على تبليغ دعوته، بدون اكتراث بما يثيره المشركون حوله من شبهات.
اَلَّذِیْنَ یُحْشَرُوْنَ عَلٰى وُجُوْهِهِمْ اِلٰى جَهَنَّمَۙ-اُولٰٓىٕكَ شَرٌّ مَّكَانًا وَّ اَضَلُّ سَبِیْلًا۠(۳۴)
وہ جو جہنم کی طرف ہانکے جائیں گے اپنے منہ کے بل ان کا ٹھکانا سب سے برا (ف۶۲) اور وہ سب سے گمراہ،
ثم بين- سبحانه- سوء مصيرهم بسبب أقوالهم الباطلة، وأفعالهم القبيحة، فقال - تعالى-: الَّذِينَ يُحْشَرُونَ عَلى وُجُوهِهِمْ إِلى جَهَنَّمَ أى: يحشرون ماشين على وجوههم أو يسحبون عليها إلى جهنم، بسبب كفرهم وعنادهم.أُوْلئِكَ الذين نفعل بهم ذلك شَرٌّ مَكاناً اى: منزلا ومكانا ومصيرا لهم هو جهنم وأولئك- أيضا- هم أضل الناس طريقا عن طريق الحق والرشاد، ولذا كانت طريقهم لا توصلهم إلا إلى النار وبئس القرار.قال الإمام ابن كثير: وفي الصحيح عن أنس: أن رجلا سأل النبي صلّى الله عليه وسلّم فقال:يا رسول الله كيف يحشر الكافر على وجهه يوم القيامة؟ فقال: إن الذي أمشاه على رجليه قادر على أن يمشيه على وجهه يوم القيامة .ثم انتقلت السورة الكريمة إلى الحديث عن أحوال الأقوام السابقين الذين كذبوا أنبياءهم، فكانت عاقبتهم الإهلاك والتدمير فقال- تعالى-:
وَ لَقَدْ اٰتَیْنَا مُوْسَى الْكِتٰبَ وَ جَعَلْنَا مَعَهٗۤ اَخَاهُ هٰرُوْنَ وَزِیْرًاۚۖ(۳۵)
اور بیشک ہم نے موسیٰ کو کتاب عطا فرمائی اور اس کے بھائی ہارون کو وزیر کیا،
وقوله- تعالى-: وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ ... كلام مستأنف لزيادة تسلية الرسول صلّى الله عليه وسلّم، ولترهيب المشركين وحضهم على الاتعاظ والاعتبار واتباع الرسول صلى الله عليه وسلّم حتى لا يعرضوا أنفسهم للهلاك والدمار الذي نزل بأمثالهم من السابقين.أى: وبالله لقد آتينا موسى- عليه السلام- «الكتاب» أى: التوراة لتكون هداية لقومه وَجَعَلْنا مَعَهُ أَخاهُ هارُونَ وَزِيراً. أى: وجعلنا معه- بفضلنا وحكمتنا- أخاه هارون لكي يكون عونا له وعضدا في تبليغ ما أمرناه بتبليغه.
فَقُلْنَا اذْهَبَاۤ اِلَى الْقَوْمِ الَّذِیْنَ كَذَّبُوْا بِاٰیٰتِنَاؕ-فَدَمَّرْنٰهُمْ تَدْمِیْرًاؕ(۳۶)
تو ہم نے فرمایا تم دونوں جاؤ اس قوم کی طرف جس نے ہماری آیتیں جھٹلائیں (ف۶۳) پھر ہم نے انہیں تباہ کرکے ہلاک کردیا،
فَقُلْنَا اذْهَبا إِلَى الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا فَدَمَّرْناهُمْ تَدْمِيراً والتدمير: أشد الإهلاك.وأصله كسر الشيء على وجه لا يمكن إصلاحه، وفي الكلام حذف يعرف من السياق.والمعنى: فقلنا لهما اذهبا إلى القوم الذين كذبوا بآياتنا الدالة على وحدانيتنا وقدرتنا، وهم فرعون وقومه، فذهبا إليهم ودعواهم إلى الإيمان، فأعرضوا عنهما وكذبوهما، وتمادوا في طغيانهم، فكانت عاقبة ذلك أن دمرناهم تدميرا عجيبا، بأن أغرقهم الله جميعا، أمام موسى ومن معه.فقوله- تعالى- فَدَمَّرْناهُمْ ... معطوف على مقدر، أى: فذهبا إليهم فكذبوهما فدمرناهم تدميرا.
وَ قَوْمَ نُوْحٍ لَّمَّا كَذَّبُوا الرُّسُلَ اَغْرَقْنٰهُمْ وَ جَعَلْنٰهُمْ لِلنَّاسِ اٰیَةًؕ-وَ اَعْتَدْنَا لِلظّٰلِمِیْنَ عَذَابًا اَلِیْمًاۚۖ(۳۷)
اور نوح کی قوم کو (ف۶۴) جب انہوں نے رسولوں کو جھٹلایا (ف۶۵) ہم نے ان کو ڈبو دیا اور انہیں لوگوں کے لیے نشانی کردیا (ف۶۶) اور ہم نے ظالموں کے لیے دردناک عذاب تیار کر رکھا ہے،
ثم حكى- سبحانه- ما جرى لقوم نوح فقال: وَقَوْمَ نُوحٍ لَمَّا كَذَّبُوا الرُّسُلَ أَغْرَقْناهُمْ....والمراد بالرسل: نوح ومن قبله، أو نوح وحده، وعبر عنه بالرسل، لأن تكذيبهم له يعتبر تكذيبا لجميع الرسل، لأن رسالتهم واحدة في أصولها.وَجَعَلْناهُمْ لِلنَّاسِ آيَةً أى: بعد أن أغرقناهم بسبب كفرهم، جعلنا إغراقهم أو قصتهم عبرة وعظة للناس الذين يعتبرون ويتعظون.والتعبير ب «آية» بصيغة التنكير، يشير إلى عظم هذه الآية وشهرتها، ولا شك أن الطوفان الذي أغرق الله- تعالى- به قوم نوح من الآيات التي لا تنسى.وقوله- سبحانه-: وَأَعْتَدْنا لِلظَّالِمِينَ عَذاباً أَلِيماً بيان لسوء مصير كل ظالم يضع الأمور في غير مواضعها.أى: وهيأنا وأعددنا للظالمين عذابا أليما موجعا، بسبب ظلمهم وكفرهم، وعلى رأس هؤلاء الظالمين قوم نوح، الذين كفروا به وسخروا منه..
وَّ عَادًا وَّ ثَمُوْدَاۡ وَ اَصْحٰبَ الرَّسِّ وَ قُرُوْنًۢا بَیْنَ ذٰلِكَ كَثِیْرًا(۳۸)
اور عاد اور ثمود (ف۶۷) اور کنوئیں والوں کو (ف۶۸) اور ان کے بیچ میں بہت سی سنگتیں (قومیں) (ف۶۹)
ثم ذكر- سبحانه- بعض من جاء بعد قوم نوح فقال: وَعاداً وَثَمُودَ أى: ودمرنا وأهلكنا قوم عاد بسبب تكذيبهم لنبيهم هود- عليه السلام-، كما أهلكنا قوم ثمود بسبب تكذيبهم لنبيهم صالح- عليه السلام-.وقوله- تعالى-: وَأَصْحابَ الرَّسِّ معطوف على ما قبله. أى: وأهلكنا أصحاب الرس. كما أهلكنا من قبلهم قوم نوح وعاد وثمود.والرس في لغة العرب: البئر التي لم تبن بالحجارة، وقيل: البئر مطلقا، ومنه قول الشاعر:وهم سائرون إلى أرضهم ... فيا ليتهم يحفرون الرساساأى: فيا ليتهم يحفرون الآبار.وللمفسرين في حقيقة أصحاب الرس أقوال: فمنهم من قال إنهم من بقايا قبيلة ثمود، بعث الله إليهم نبيا فكذبوه ورسّوه في تلك البئر أى: ألقوا به فيها، فأهلكهم الله- تعالى-.وقيل: هم قومه كانوا يعبدون الأصنام، فأرسل الله إليهم شعيبا- عليه السلام- فكذبوه فبينما هم حول الرس- أى البئر- فانهارت بهم، وخسف الله- تعالى- بهم الأرض.وقيل: الرس بئر بأنطاكية، قتل أهلها حبيبا النجار وألقوه فيها..واختار ابن جرير- رحمه الله- أن أصحاب الرس هم أصحاب الأخدود، الذين ذكروا في سورة البروج.وقد ذكر بعض المفسرين في شأنهم روايات، رأينا أن نضرب عنها صفحا لضعفها ونكارتها.واسم الإشارة في قوله- تعالى-: وَقُرُوناً بَيْنَ ذلِكَ كَثِيراً يعود إلى عاد وثمود وأصحاب الرس، والقرون: جمع قرن.والمراد به هنا: الجيل من الناس الذين اقترنوا في الوجود في زمان واحد من الأزمنة.أى: وأهلكنا قرونا كثيرة بين قوم عاد وثمود وأصحاب الرس. لأن تلك القرون سارت على شاكلة أمثالهم من الكافرين والفاسقين.
وَ كُلًّا ضَرَبْنَا لَهُ الْاَمْثَالَ٘-وَ كُلًّا تَبَّرْنَا تَتْبِیْرًا(۳۹)
اور ہم نے سب سے مثالیں بیان فرمائیں (ف۷۰) اور سب کو تباہ کرکے مٹادیا،
وقوله- تعالى-: وَكُلًّا ضَرَبْنا لَهُ الْأَمْثالَ ... بيان لمظهر من مظاهر رحمة الله- تعالى-: حيث إنه- سبحانه- لا يهلك الأمم إلا بعد أن يسوق لها ما يرشدها، فتأبى إلا السير في طريق الغي والعصيان. و «كلا» منصوب بفعل مضمر يدل عليه ما بعده. فإن ضرب المثل في معنى التذكير والتحذير، والتنوين عوض عن المضاف إليه.أى: وأنذرنا كل فريق من القرون الماضية المكذبة، وضربنا له الأمثال الحكيمة الكفيلة بإرشاده إلى طريق الحق، ولكنه استحب العمى على الهدى، والضلالة على الهداية، فكانت عاقبته كما قال- تعالى- بعد ذلك وَكُلًّا تَبَّرْنا تَتْبِيراً.أى: وكل قرن من هؤلاء المكذبين أهلكناه إهلاكا لا قيام له منه، وأصل التتبير:التفتيت. وكل شيء فتته وكسرته فقد تبرته. ومنه التبر لفتات الذهب والفضة.والمراد به هنا التمزيق والإهلاك الشديد الذي يستأصل من نزل به.
وَ لَقَدْ اَتَوْا عَلَى الْقَرْیَةِ الَّتِیْۤ اُمْطِرَتْ مَطَرَ السَّوْءِؕ-اَفَلَمْ یَكُوْنُوْا یَرَوْنَهَاۚ-بَلْ كَانُوْا لَا یَرْجُوْنَ نُشُوْرًا(۴۰)
اور ضرور یہ (ف۷۱) ہو آئے ہیں اس بستی پر جس پر برا برساؤ برسا تھا (ف۷۲) تو کیا یہ اسے دیکھتے نہ تھے (ف۷۳) بلکہ انہیں جی اٹھنے کی امید تھی ہی نہیں (ف۷۴)
ثم وبخ- سبحانه- مشركي مكة على عدم اعتبارهم واتعاظهم بما يرون من آثار فقال- تعالى-: وَلَقَدْ أَتَوْا عَلَى الْقَرْيَةِ الَّتِي أُمْطِرَتْ مَطَرَ السَّوْءِ، أَفَلَمْ يَكُونُوا يَرَوْنَها، بَلْ كانُوا لا يَرْجُونَ نُشُوراً.والمراد بالقرية هنا: قرية سدوم التي هي أكبر قرى قوم لوط، والتي جعل الله- تعالى- عاليها سافلها. والمراد بما أمطرت به: الحجارة التي أنزلها الله- تعالى- عليها، كما قال- تعالى-: فَجَعَلْنا عالِيَها سافِلَها وَأَمْطَرْنا عَلَيْهِمْ حِجارَةً مِنْ سِجِّيلٍ .والسوء- بفتح السين وتشديدها- مصدر ساءه. أى: فعل به ما يكره. والسوء- بالضم والتشديد- اسم منه.والاستفهام في قوله- تعالى-: أَفَلَمْ يَكُونُوا يَرَوْنَها للتقريع والتوبيخ على عدم الاعتبار بما يرونه من أمور تدعو كل عاقل إلى التدبر والتفكر والاتعاظ.أى: أقسم لك- أيها الرسول الكريم- أن هؤلاء المشركين الذين اتخذوا القرآن مهجورا، كانوا وما زالوا يمرون مصبحين وبالليل على قرية قوم لوط، التي دمرناها تدميرا، بسبب فسوق أهلها وفجورهم، وكانوا يرون ما حل بها من خراب..ولكنهم لكفرهم بك والبعث والحساب، لم يتأثروا بما رأوا، ولم يعتبروا بما شاهدوا، وسيندمون يوم القيامة على كفرهم ولكن لن ينفعهم الندم.وصدر- سبحانه- الآية الكريمة بلام القسم وقد، لتأكيد رؤيتهم لتلك القرية التي أمطرت مطر السوء.والمراد برؤيتها، رؤية ما حل بها من خراب ودمار كما قال- تعالى-: وَإِنَّكُمْ لَتَمُرُّونَ عَلَيْهِمْ مُصْبِحِينَ وَبِاللَّيْلِ أَفَلا تَعْقِلُونَ.وقوله- سبحانه-: بَلْ كانُوا لا يَرْجُونَ نُشُوراً بيان للسبب الذي جعلهم لا يعتبرون ولا يتعظون.أى: أنهم كانوا يرون عاقبة أهل تلك القرية التي جعلنا عاليها سافلها، ولكن تكذيبهم بالبعث والنشور، والثواب والعقاب يوم القيامة، حال بينهم وبين الاعتبار والاتعاظ والإيمان بالحق، وجعلهم يمرون بما يدعو إلى التدبر والتفكر، ولكنهم لعدم توقعهم للقاء الله، ولعدم إيمانهم بالجزاء يوم القيامة قست قلوبهم وانطمست بصائرهم، وصاروا كما قال- تعالى-:وَكَأَيِّنْ مِنْ آيَةٍ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ يَمُرُّونَ عَلَيْها وَهُمْ عَنْها مُعْرِضُونَ وَما يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ .وبعد هذا العرض لأحوال بعض الأمم الماضية، عادت السورة الكريمة إلى بيان ما كان المشركون يقولونه عند رؤيتهم للنبي صلّى الله عليه وسلّم وإلى بيان سوء عاقبتهم، وفرط جهالاتهم، قال- تعالى-:
- English | Ahmed Ali
- Urdu | Ahmed Raza Khan
- Turkish | Ali-Bulaç
- German | Bubenheim Elyas
- Chinese | Chineese
- Spanish | Cortes
- Dutch | Dutch
- Portuguese | El-Hayek
- English | English
- Urdu | Fateh Muhammad Jalandhry
- French | French
- Hausa | Hausa
- Indonesian | Indonesian-Bahasa
- Italian | Italian
- Korean | Korean
- Malay | Malay
- Russian | Russian
- Tamil | Tamil
- Thai | Thai
- Farsi | مکارم شیرازی
- العربية | التفسير الميسر
- العربية | تفسير الجلالين
- العربية | تفسير السعدي
- العربية | تفسير ابن كثير
- العربية | تفسير الوسيط لطنطاوي
- العربية | تفسير البغوي
- العربية | تفسير القرطبي
- العربية | تفسير الطبري
- English | Arberry
- English | Yusuf Ali
- Dutch | Keyzer
- Dutch | Leemhuis
- Dutch | Siregar
- Urdu | Sirat ul Jinan