READ
Surah Al-Anbiyaa
اَلْاَ نْبِيَآء
112 Ayaat مکیۃ
وَ لِسُلَیْمٰنَ الرِّیْحَ عَاصِفَةً تَجْرِیْ بِاَمْرِهٖۤ اِلَى الْاَرْضِ الَّتِیْ بٰرَكْنَا فِیْهَاؕ-وَ كُنَّا بِكُلِّ شَیْءٍ عٰلِمِیْنَ(۸۱)
اور سلیمان کے لیے تیز ہوا مسخر کردی کہ اس کے حکم سے چلتی اس زمین کی طرف جس میں ہم نے برکت رکھی (ف۱۴۰) اور ہم کو ہر چیز معلوم ہے،
يقول تعالى ذكره (وَ) سخرنا(لِسُلَيْمانَ) بن داود ( الرِّيحَ عَاصِفَةً ) وعصوفُها: شدة هبوبها؛( تَجْرِي بِأَمْرِهِ إِلَى الأرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا ) يقول: تجري الريح بأمر سليمان إلى الأرض التي باركنا فيها، يعني: إلى الشام، وذلك أنها كانت تجري بسليمان وأصحابه إلى حيث شاء سليمان، ثم تعود به إلى منزله بالشام، فلذلك قيل: ( إِلَى الأرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا ).كما حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلمة، عن محمد بن إسحاق، عن بعض أهل العلم، عن وهب بن منبه قال: كان سليمان إذا خرج إلى مجلسه عكفت عليه الطير، وقام له الجنّ والإنس حتى يجلس إلى سريره، وكان امرءا غزّاء، قلما يقعد عن الغزو، ولا يسمع في ناحية من الأرض بملك إلا أتاه حتى يذله، وكان فيما يزعمون إذا أراد الغزو، أمر بعسكره فضَرب له بخشب، ثم نصب له على الخشب، ثم حمل عليه الناس والدوابّ وآلة الحرب كلها، حتى إذا حمل معه ما يريد أمر العاصف من الريح، فدخلت تحت ذلك الخشب فاحتملته، حتى إذا استقلت أمر الرخاء، فمدّته شهرا في روحته، وشهرا في غدوته إلى حيث أراد، يقول الله عزّ وجل فَسَخَّرْنَا لَهُ الرِّيحَ تَجْرِي بِأَمْرِهِ رُخَاءً حَيْثُ أَصَابَ قال وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ غُدُوُّهَا شَهْرٌ وَرَوَاحُهَا شَهْرٌ قال: فذكر لي أن منزلا بناحية دجلة مكتوب فيه كتاب كتبه بعض صحابة سليمان، إما من الجنّ وإما من الإنس، نحن نزلناه وما بنيناه، ومبنيا وجدناه، غدونا من إصطخر فقلناه، ونحن راحلون منه إن شاء الله قائلون الشام.حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله ( وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ عَاصِفَةً )... إلى قوله ( وَكُنَّا لَهُمْ حَافِظِينَ ) قال: ورث الله سليمان داود، فورثه نبوّته وملكه وزاده على ذلك أن سخر له الريح والشياطين.حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد في قوله ( وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ عَاصِفَةً تَجْرِي بِأَمْرِهِ ) قال: عاصفة شديدة تجري بأمره إلى الأرض التي باركنا فيها، قال: الشام.واختلفت القرّاء في قراءة قوله ( وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ ) فقرأته عامة قرّاء الأمصار بالنصب على المعنى الذي ذكرناه، وقرأ ذلك عبد الرحمن الأعرج ( الرِّيحُ) رفعا بالكلام في سليمان على ابتداء الخبر عن أن لسليمان الريح.قال أبو جعفر: والقراءة التي لا أستجيز القراءة بغيرها في ذلك ما عليه قرّاء الأمصار لإجماع الحجة من القرّاء عليه.وقوله ( وَكُنَّا بِكُلِّ شَيْءٍ عَالِمِينَ ) يقول: وكنا عالمين بأن فعلنا ما فعلنا لسليمان من تسخيرنا له، وإعطائنا ما أعطيناه من الملك وصلاح الخلق، فعلى علم منا بموضع ما فعلنا به من ذلك فعلنا، ونحن عالمون بكل شيء لا يخفى علينا منه شيء.
وَ مِنَ الشَّیٰطِیْنِ مَنْ یَّغُوْصُوْنَ لَهٗ وَ یَعْمَلُوْنَ عَمَلًا دُوْنَ ذٰلِكَۚ-وَ كُنَّا لَهُمْ حٰفِظِیْنَۙ(۸۲)
اور شیطانوں میں سے جو اس کے لیے غوطہ لگاتے (ف۱۴۱) اور اس کے سوا اور کام کرتے (ف۱۴۲) اور ہم انہیں روکے ہوئے تھے (ف۱۴۳)
يقول تعالى ذكره: وسخرنا أيضا لسليمان من الشياطين من يغوصون له في البحر، ويعملون عملا دون ذلك من البنيان والتماثيل والمحاريب ( وَكُنَّا لَهُمْ حَافِظِينَ ) ، يقول: وكنا لأعمالهم ولأعدادهم حافظين، لا يئودنا حفظ ذلك كله.
وَ اَیُّوْبَ اِذْ نَادٰى رَبَّهٗۤ اَنِّیْ مَسَّنِیَ الضُّرُّ وَ اَنْتَ اَرْحَمُ الرّٰحِمِیْنَۚۖ(۸۳)
اور ایوب کو (یاد کرو) جب اس نے اپنے رب کو پکارا (ف۱۴۴) کہ مجھے تکلیف پہنچی اور تو سب مہر والوں سے بڑھ کر مہر والا ہے،
وأيوب إذ نادى ربه أني مسني الضر وأنت أرحم الراحمينالقول في تأويل قوله تعالى : وأيوب إذ نادى ربه أني مسني الضر وأنت أرحم الراحمين يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم : واذكر أيوب يا محمد , إذ نادى ربه وقد مسه الضر والبلاء . وكان الضر الذي أصابه والبلاء الذي نزل به , امتحانا من الله له واختبارا . وكان سبب ذلك كما : 18673 - حدثني محمد بن سهل بن عسكر البخاري , قال : ثنا إسماعيل بن عبد الكريم بن هشام , قال : ثني عبد الصمد بن معقل , قال : سمعت وهب بن منبه يقول : كان بدء أمر أيوب الصديق صلوات الله عليه , أنه كان صابرا نعم العبد . قال وهب : إن لجبريل بين يدي الله مقاما ليس لأحد من الملائكة في القربة من الله والفضيلة عنده , وإن جبريل هو الذي يتلقى الكلام , فإذا ذكر الله عبدا بخير تلقاه جبرائيل منه ثم تلقاه ميكائيل , وحوله الملائكة المقربون حافين من حول العرش . وشاع ذلك في الملائكة المقربين , صارت الصلاة على ذلك العبد من أهل السماوات , فإذا صلت عليه ملائكة السماوات , هبطت عليه بالصلاة إلى ملائكة الأرض . وكان إبليس لا يحجب بشيء من السماوات , وكان يقف فيهن حيث شاء ما أرادوا , ومن هنالك وصل إلى آدم حين أخرجه من الجنة . فلم يزل على ذلك يصعد في السماوات , حتى رفع الله عيسى ابن مريم , فحجب من أربع , وكان يصعد في ثلاث . فلما بعث الله محمدا صلى الله عليه وسلم , حجب من الثلاث الباقية , فهو محجوب هو وجميع جنوده من جميع السماوات إلى يوم القيامة إلا من استرق السمع فأتبعه شهاب مبين , 15 18 ولذلك أنكرت الجن ما كانت تعرف حين قالت : وأنا لمسنا السماء فوجدناها ملئت حرسا شديدا . .. 72 8 إلى قوله : شهابا رصدا . 72 9 قال وهب : فلم يرع إبليس إلا تجاوب ملائكتها بالصلاة على أيوب , وذلك حين ذكره الله وأثنى عليه . فلما سمع إبليس صلاة الملائكة , أدركه البغي والحسد , وصعد سريعا حتى وقف من الله مكانا كان يقفه , فقال : يا إلهي , نظرت في أمر عبدك أيوب , فوجدته عبدا أنعمت عليه فشكرك , وعافيته فحمدك , ثم لم تجربه بشدة ولم تجربه ببلاء , وأنا لك زعيم لئن ضربته بالبلاء ليكفرن بك ولينسينك وليعبدن غيرك ! قال الله تبارك وتعالى له : انطلق , فقد سلطتك على ماله , فإنه الأمر الذي تزعم أنه من أجله يشكرني , ليس لك سلطان على جسده ولا على عقله ! فانقض عدو الله , حتى وقع على الأرض , ثم جمع عفاريت الشياطين وعظماءهم , وكان لأيوب البثنية من الشام كلها , بما فيها من شرقها وغربها , وكان له بها ألف شاة برعاتها , وخمس مائة فدان يتبعها خمس مائة عبد , لكل عبد امرأة وولد ومال , وحمل آلة كل فدان أتان , لكل أتان ولد من اثنين وثلاثة وأربعة وخمسة وفوق ذلك . فلما جمع إبليس الشياطين , قال لهم : ماذا عندكم من القوة والمعرفة ؟ فإني قد سلطت على مال أيوب , فهي المصيبة الفادحة , والفتنة التي لا يصبر عليها الرجال . قال عفريت من الشياطين : أعطيت من القوة ما إذا شئت تحولت إعصارا من نار فأحرقت كل شيء آتي عليه . فقال له إبليس : فأت الإبل ورعاتها . فانطلق يؤم الإبل , وذلك حين وضعت رءوسها وثبتت في مراعيها , فلم تشعر الناس حتى ثار من تحت الأرض إعصار من نار تنفخ منها أرواح السموم , لا يدنو منها أحد إلا احترق , فلم يزل يحرقها ورعاتها حتى أتى على آخرها ; فلما فرغ منها تمثل إبليس على قعود منها براعيها , ثم انطلق يؤم أيوب , حتى وجده قائما يصلي , فقال : يا أيوب ! قال : لبيك ! قال : هل تدري ما الذي صنع ربك الذي اخترت وعبدت ووحدت بإبلك ورعاتها ؟ قال أيوب : إنها ماله أعارنيه , وهو أولى به إذا شاء نزعه , وقديما ما وطنت نفسي ومالي على الفناء . قال إبليس : وإن ربك أرسل عليها نارا من السماء فاحترقت ورعاتها , حتى أتى على آخر شيء منها ومن رعاتها , فتركت الناس مبهوتين , وهم وقوف عليها يتعجبون , منهم من يقول : ما كان أيوب يعبد شيئا وما كان إلا في غرور ; ومنهم من يقول : لو كان إله أيوب يقدر على أن يمنع من ذلك شيئا لمنع وليه , ومنهم من يقول : بل هو فعل الذي فعل ليشمت به عدوه وليفجع به صديقه . قال أيوب : الحمد لله حين أعطاني وحين نزع مني , عريانا خرجت من بطن أمي , وعريانا أعود في التراب , وعريانا أحشر إلى الله , ليس ينبغي لك أن تفرح حين أعارك الله وتجزع حين قبض عاريته , الله أولى بك وبما أعطاك , ولو علم الله فيك أيها العبد خيرا لنقل روحك مع ملك الأرواح , فآجرني فيك وصرت شهيدا , ولكنه علم منك شرا فأخرك من أجله فعراك الله من المصيبة وخلصك من البلاء كما يخلص الزوان من القمح الخلاص . ثم رجع إبليس إلى أصحابه خاسئا ذليلا , فقال لهم : ماذا عندكم من القوة , فإني لم أكلم قلبه ؟ قال عفريت من عظمائهم : عندي من القوة ما إذا شئت صحت صوتا لا يسمعه ذو روح إلا خرجت مهجة نفسه . قال له إبليس : فأت الغنم ورعاتها ! فانطلق يؤم الغنم ورعاتها , حتى إذا وسطها صاح صوتا جثمت أمواتا من عند آخرها ورعاءها . ثم خرج إبليس متمثلا بقهرمان الرعاء , حتى إذا جاء أيوب وجده وهو قائم يصلي , فقال له القول الأول , ورد عليه أيوب الرد الأول . ثم إن إبليس رجع إلى أصحابه , فقال لهم : ماذا عندكم من القوة , فإني لم أكلم قلب أيوب ؟ فقال عفريت من عظمائهم : عندي من القوة إذا شئت تحولت ريحا عاصفا تنسف كل شيء تأتي عليه حتى لا أبقي شيئا . قال له إبليس : فأت الفدادين والحرث ! فانطلق يؤمهم , وذلك حين قربوا الفدادين وأنشئوا في الحرث , والأتن وأولادها رتوع , فلم يشعروا حتى هبت ريح عاصف تنسف كل شيء من ذلك حتى كأنه لم يكن . ثم خرج إبليس متمثلا بقهرمان الحرث , حتى جاء أيوب وهو قائم يصلي , فقال له مثل قوله الأول , ورد عليه أيوب مثل رده الأول . فلما رأى إبليس أنه قد أفنى ماله ولم ينجح منه , صعد سريعا , حتى وقف من الله الموقف الذي كان يقفه ; فقال : يا إلهي , إن أيوب يرى أنك ما متعته بنفسه وولده , فأنت معطيه المال , فهل أنت مسلطي على ولده ؟ فإنها الفتنة المضلة , والمصيبة التي لا تقوم لها قلوب الرجال , ولا يقوى عليها صبرهم . فقال الله تعالى له : انطلق , فقد سلطتك على ولده , ولا سلطان لك على قلبه ولا جسده ولا على عقله ! فانقض عدو الله جوادا , حتى جاء بني أيوب وهم في قصرهم , فلم يزل يزلزل بهم حتى تداعى من قواعده , ثم جعل يناطح الجدر بعضها ببعض , ويرميهم بالخشب والجندل , حتى إذا مثل بهم كل مثلة , رفع بهم القصر , حتى إذا أقله بهم فصاروا فيه منكسين , انطلق إلى أيوب متمثلا بالمعلم الذي كان يعلمهم الحكمة , وهو جريح , مشدوخ الوجه يسيل دمه ودماغه متغير لا يكاد يعرف من شدة التغير والمثلة التي جاء متمثلا فيها . فلما نظر إليه أيوب هاله وحزن ودمعت عيناه , وقال له : يا أيوب , لو رأيت كيف أفلت من حيث أفلت والذي رمانا به من فوقنا ومن تحتنا , ولو رأيت بنيك كيف عذبوا وكيف مثل بهم وكيف قلبوا فكانوا منكسين على رءوسهم تسيل دماؤهم ودماغهم من أنوفهم وأجوافهم وتقطر من أشفارهم , ولو رأيت كيف شقت بطونهم فتناثرت أمعاؤهم , ولو رأيت كيف قذفوا بالخشب والجندل يشدخ دماغهم , وكيف دق الخشب عظامهم وخرق جلودهم وقطع عصبهم , ولو رأيت العصب عريانا , ولو رأيت العظام متهشمة في الأجواف , ولو رأيت الوجوه مشدوخة , ولو رأيت الجدر تناطح عليهم , ولو رأيت ما رأيت , قطع قلبك ! فلم يزل يقول هذا ونحوه , ولم يزل يرققه حتى رق أيوب فبكى , وقبض قبضة من تراب فوضعها على رأسه , فاغتنم إبليس الفرصة منه عند ذلك , فصعد سريعا بالذي كان من جزع أيوب مسرورا به . ثم لم يلبث أيوب أن فاء وأبصر , فاستغفر , وصعد قرناؤه من الملائكة بتوبة منه , فبدروا إبليس إلى الله , فوجدوه قد علم بالذي رفع إليه من توبة أيوب , فوقف إبليس خازيا ذليلا , فقال : يا إلهي , إنما هون على أيوب خطر المال والولد أنه يرى أنك ما متعته بنفسه فأنت تعيد له المال والولد , فهل أنت مسلطي على جسده ؟ فأنا لك زعيم لئن ابتليته في جسده لينسينك , وليكفرن بك , وليجحدنك نعمتك ! قال الله : انطلق فقد سلطتك على جسده , ولكن ليس لك سلطان على لسانه ولا على قلبه ولا على عقله . فانقض عدو الله جوادا , فوجد أيوب ساجدا , فعجل قبل أن يرفع رأسه , فأتاه من قبل الأرض في موضع وجهه , فنفخ في منخره نفخة اشتعل منها جسده , فترهل , ونبتت ( به ) ثآليل مثل أليات الغنم , ووقعت فيه حكة لا يملكها , فحك بأظفاره حتى سقطت كلها , ثم حك بالعظام , وحك بالحجارة الخشنة وبقطع المسوح الخشنة , فلم يزل يحكه حتى نفد لحمه وتقطع . ولما نغل جلد أيوب وتغير وأنتن , أخرجه أهل القرية , فجعلوه على تل وجعلوا له عريشا . ورفضه خلق الله غير امرأته , فكانت تختلف إليه بما يصلحه ويلزمه . وكان ثلاثة من أصحابه اتبعوه على دينه ; فلما رأوا ما ابتلاه الله به رفضوه من غير أن يتركوا دينه واتهموه , يقال لأحدهم بلدد , وأليفز , وصافر . قال : فانطلق إليه الثلاثة وهو في بلائه , فبكتوه ; فلما سمع منهم أقبل على ربه , فقال أيوب صلى الله عليه وسلم : رب لأي شيء خلقتني ؟ لو كنت إذ كرهتني في الخير تركتني فلم تخلقني ! يا ليتني كنت حيضة ألقتني أمي ! ويا ليتني مت في بطنها فلم أعرف شيئا ولم تعرفني ! ما الذنب الذي أذنبت لم يذنبه أحد غيري ؟ وما العمل الذي عملت فصرفت وجهك الكريم عني ؟ لو كنت أمتني فألحقتني بآبائي فالموت كان أجمل بي , فأسوة لي بالسلاطين الذي صفت من دونهم الجيوش , يضربون عنهم بالسيوف , بخلا بهم عن الموت وحرصا على بقائهم , أصبحوا في القبور جاثمين , حتى ظنوا أنهم سيخلدون . وأسوة لي بالملوك الذين كنزوا الكنوز , وطمروا المطامير , وحموا الجموع , وظنوا أنهم سيخلدون . وأسوة لي بالجبارين الذين بنوا المدائن والحصون , وعاشوا فيها المئين من السنين , ثم أصبحت خرابا , مأوى للوحوش ومثنى للشياطين . قال أليفز التيماني : قد أعيانا أمرك يا أيوب , إن كلمناك فما نرجو للحديث منك موضعا , وإن نسكت عنك مع الذي نرى فيك من البلاء , فذلك علينا . قد كنا نرى من أعمالك أعمالا كنا نرجو لك عليها من الثواب غير ما رأينا , فإنما يحصد امرؤ ما زرع ويجزى بما عمل . أشهد على الله الذي لا يقدر قدر عظمته ولا يحصى عدد نعمه , الذي ينزل الماء من السماء فيحيي به الميت ويرفع به الخافض ويقوي به الضعيف , الذي تضل حكمة الحكماء عند حكمته وعلم العلماء عند علمه حتى تراهم من العي في ظلمة يموجون , أن من رجا معونة الله هو القوي , وأن من توكل عليه هو المكفي , هو الذي يكسر ويجبر ويجرح ويداوي ! قال أيوب : لذلك سكت فعضضت على لساني ووضعت لسوء الخدمة رأسي ; لأني علمت أن عقوبته غيرت نور وجهي , وأن قوته نزعت قوة جسدي , فأنا عبده , ما قضى علي أصابني , ولا قوة لي إلا ما حمل علي ; لو كانت عظامي من حديد وجسدي من نحاس وقلبي من حجارة , لم أطق هذا الأمر , ولكن هو ابتلائي وهو يحمله عني ; أتيتموني غضابا , رهبتم قبل أن تسترهبوا , وبكيتم من قبل أن تضربوا , كيف بي لو قلت لكم : تصدقوا عني بأموالكم لعل الله أن يخلصني , أو قربوا عني قربانا لعل الله أن يتقبله مني ويرضى عني ؟ إذا استيقظت تمنيت النوم رجاء أن أستريح , فإذا نمت كادت تجود نفسي . تقطعت أصابعي , فإني لأرفع اللقمة من الطعام بيدي جميعا فما تبلغان فمي إلا على الجهد مني , تساقطت لهواتي ونخر رأسي , فما بين أذني من سداد , حتى إن إحداهما لترى من الأخرى , وإن دماغي ليسيل من فمي . تساقط شعري عني , فكأنما حرق بالنار وجهي , وحدقتاي هما متدليتان على خدي , ورم لساني حتى ملأ فمي , فما أدخل فيه طعاما إلا غصني , وورمت شفتاي حتى غطت العليا أنفي والسفلى ذقني . تقطعت أمعائي في بطني , فإني لأدخل الطعام فيخرج كما دخل , ما أحسه ولا ينفعني . ذهبت قوة رجلي , فكأنهما قربتا ماء ملئتا , لا أطيق حملهما . أحمل لحافي بيدي , وأسناني فما أطيق حمله حتى يحمله معي غيري . ذهب المال فصرت أسأل بكفي , فيطعمني من كنت أعوله اللقمة الواحدة , فيمنها علي ويعيرني . هلك بني وبناتي , ولو بقي منهم أحد أعانني على بلائي ونفعني . وليس العذاب بعذاب الدنيا , إنه يزول عن أهلها , ويموتون عنه , ولكن طوبى لمن كانت له راحة في الدار التي لا يموت أهلها , ولا يتحولون عن منازلهم , السعيد من سعد هنالك والشقي من شقي فيها ! قال بلدد : كيف يقوم لسانك بهذا القول وكيف تفصح به ؟ أتقول إن العدل يجور , أم تقول إن القوي يضعف ؟ ابك على خطيئتك , وتضرع إلى ربك عسى أن يرحمك ويتجاوز عن ذنبك , وعسى إن كنت بريئا أن يجعل هذا لك ذخرا في آخرتك ! وإن كان قلبك قد قسا فإن قولنا لن ينفعك , ولن يأخذ فيك ; هيهات أن تنبت الآجام في المفاوز , وهيهات أن ينبت البردي في الفلاة ! من توكل على الضعيف كيف يرجو أن يمنعه , ومن جحد الحق كيف يرجو أن يوفى حقه ؟ قال أيوب : إني لأعلم أن هذا هو الحق , لن يفلج العبد على ربه ولا يطيق أن يخاصمه , فأي كلام لي معه وإن كان إلي القوة ؟ هو الذي سمك السماء فأقامها وحده , وهو الذي يكشطها إذا شاء فتنطوي له , وهو الذي سطح الأرض فدحاها وحده , ونصب فيها الجبال الراسيات , ثم هو الذي يزلزلها من أصولها حتى تعود أسافلها أعاليها ; وإن كان في الكلام , فأي كلام لي معه ؟ من خلق العرش العظيم بكلمة واحدة , فحشاه السماوات والأرض وما فيهما من الخلق , فوسعه وهو في سعة واسعة , وهو الذي كلم البحار ففهمت قوله وأمرها فلم تعد أمره , وهو الذي يفقه الحيتان والطير وكل دابة , وهو الذي يكلم الموتى فيحييهم قوله , ويكلم الحجارة فتفهم قوله ويأمرها فتطيعه . قال أليفز : عظيم ما تقول يا أيوب , إن الجلود لتقشعر من ذكر ما تقول , إن ما أصابك ما أصابك بغير ذنب أذنبته , مثل هذه الحدة وهذا القول أنزلك هذه المنزلة ; عظمت خطيئتك , وكثر طلابك , وغصبت أهل الأموال على أموالهم , فلبست وهم عراة , وأكلت وهم جياع , وحبست عن الضعيف بابك , وعن الجائع طعامك , وعن المحتاج معروفك , وأسررت ذلك وأخفيته في بيتك , وأظهرت أعمالا كنا نراك تعملها , فظننت أن الله لا يجزيك إلا على ما ظهر منك , وظننت أن الله لا يطلع على ما غيبت في بيتك , وكيف لا يطلع على ذلك وهو يعلم ما غيبت الأرضون وما تحت الظلمات والهواء ؟ قال أيوب صلى الله عليه وسلم : إن تكلمت لم ينفعني الكلام , وإن سكت لم تعذروني ! قد وقع علي كيدي , وأسخطت ربي بخطيئتي , وأشمت أعدائي , وأمكنتهم من عنقي , وجعلتني للبلاء غرضا , وجعلتني للفتنة نصبا ; لم تنفسني مع ذلك , ولكن أتبعني ببلاء على إثر بلاء . ألم أكن للغريب دارا , وللمسكين قرارا , ولليتيم وليا , وللأرملة قيما ؟ ما رأيت غريبا إلا كنت له دارا مكان داره وقرارا مكان قراره , ولا رأيت مسكينا إلا كنت له مالا مكان ماله وأهلا مكان أهله , وما رأيت يتيما إلا كنت له أبا مكان أبيه , وما رأيت أيما إلا كنت لها قيما ترضى قيامه . وأنا عبد ذليل , إن أحسنت لم يكن لي كلام بإحسان , لأن المن لربي وليس لي , وإن أسأت فبيده عقوبتي ; وقد وقع علي بلاء لو سلطته على جبل ضعف عن حمله , فكيف يحمله ضعفي ؟ قال أليفز : أتحاج الله يا أيوب في أمره , أم تريد أن تناصفه وأنت خاطئ , أو تبرئها وأنت غير بريء ؟ خلق السماوات والأرض بالحق , وأحصى ما فيهما من الخلق , فكيف لا يعلم ما أسررت , وكيف لا يعلم ما عملت فيجزيك به ؟ وضع الله ملائكة صفوفا حول عرشه وعلى أرجاء سماواته , ثم احتجب بالنور , فأبصارهم عنه كليلة , وقوتهم عنه ضعيفة , وعزيزهم عنه ذليل , وأنت تزعم أن لو خاصمك وأدلى إلى الحكم معك , وهل تراه فتناصفه ؟ أم هل تسمعه فتحاوره ؟ قد عرفنا فيك قضاءه , إنه من أراد أن يرتفع وضعه , ومن اتضع له رفعه . قال أيوب صلى الله عليه وسلم : إن أهلكني فمن ذا الذي يعرض له في عبده ويسأله عن أمره ؟ لا يرد غضبه شيء إلا رحمته , ولا ينفع عبده إلا التضرع له ! قال : رب أقبل علي برحمتك , وأعلمني ما ذنبي الذي أذنبت ! أو لأي شيء صرفت وجهك الكريم عني , وجعلتني لك مثل العدو وقد كنت تكرمني ؟ ليس يغيب عنك شيء ; تحصي قطر الأمطار وورق الأشجار وذر التراب , أصبح جلدي كالثوب العفن , بأيه أمسكت سقط في يدي , فهب لي قربانا من عندك , وفرجا من بلائي , بالقدرة التي تبعث موتى العباد وتنشر بها ميت البلاد , ولا تهلكني بغير أن تعلمني ما ذنبي , ولا تفسد عمل يديك وإن كنت غنيا عني ! ليس ينبغي في حكمك ظلم , ولا في نقمتك عجل , وإنما يحتاج إلى الظلم الضعيف , وإنما يعجل من يخاف الفوت ; ولا تذكرني خطئي وذنوبي , اذكر كيف خلقتني من طين فجعلتني مضغة , ثم خلقت المضغة عظاما , وكسوت العظام لحما وجلدا , وجعلت العصب والعروق لذلك قواما وشدة , ورأيتني صغيرا , ورزقتني كبيرا , ثم حفظت عهدك وفعلت أمرك ; فإن أخطأت فبين لي ولا تهلكني غما , وأعلمني ذنبي ! فإن لم أرضك فأنا أهل أن تعذبني , وإن كنت من بين خلقك تحصي علي عملي , وأستغفرك فلا تغفر لي . إن أحسنت لم أرفع رأسي , وإن أسأت لم تبلعني ريقي ولم تقلني عثرتي , وقد ترى ضعفي تحتك وتضرعي لك , فلم خلقتني ؟ أو لم أخرجتني من بطن أمي ؟ لو كنت كمن لم يكن لكان خيرا لي , فليست الدنيا عندي بخطر لغضبك , وليس جسدي يقوم بعذابك , فارحمني وأذقني طعم العافية من قبل أن أصير إلى ضيق القبر وظلمة الأرض وغم الموت ! قال صافر : قد تكلمت يا أيوب وما يطيق أحد أن يحبس فمك ; تزعم أنك بريء , فهل ينفعك إن كنت بريئا وعليك من يحصي عملك ؟ وتزعم أنك تعلم أن الله يغفر لك ذنوبك , هل تعلم سمك السماء كم بعده ؟ أم هل تعلم عمق الهواء كم بعده ؟ أم هل تعلم أي الأرض أعرضها ؟ أم عندك لها من مقدار تقدرها به ؟ أم هل تعلم أي البحر أعمقه ؟ أم هل تعلم بأي شيء تحبسه ؟ فإن كنت تعلم هذا العلم وإن كنت لا تعلمه , فإن الله خلقه وهو يحصيه , لو تركت كثرة الحديث وطلبت إلى ربك رجوت أن يرحمك , فبذلك تستخرج رحمته , وإن كنت تقيم على خطيئتك وترفع إلى الله يديك عند الحاجة وأنت مصر على ذنبك إصرار الماء الجاري في صبب لا يستطاع إحباسه , فعند طلب الحاجات إلى الرحمن تسود وجوه الأشرار وتظلم عيونهم , وعند ذلك يسر بنجاح حوائجهم الذين تركوا الشهوات تزينا بذلك عند ربهم , وتقدموا في التضرع , ليستحقوا بذلك الرحمة حين يحتاجون إليها , وهم الذين كابدوا الليل واعتزلوا الفرش وانتظروا الأسحار . قال أيوب : أنتم قوم قد أعجبتكم أنفسكم , وقد كنت فيما خلا والرجال يوقرونني , وأنا معروف حقي , منتصف من خصمي , قاهر لمن هو اليوم يقهرني , يسألني عن علم غيب الله لا أعلمه , ويسألني , فلعمري ما نصح الأخ لأخيه حين نزل به البلاء كذلك , ولكنه يبكي معه . وإن كنت جادا فإن عقلي يقصر عن الذي تسألني عنه , فسل طير السماء هل تخبرك ؟ وسل وحوش الأرض هل ترجع إليك ؟ وسل سباع البرية هل تجيبك ؟ وسل حيتان البحر هل تصف لك كل ما عددت ؟ تعلم أن صنع هذا بحكمته وهيأه بلطفه . أما يعلم ابن آدم من الكلام ما سمع بأذنيه وما طعم بفيه وما شم بأنفه ؟ وأن العلم الذي سألت عنه لا يعلمه إلا الله الذي خلقه , له الحكمة والجبروت وله العظمة واللطف وله الجلال والقدرة ؟ إن أفسد فمن ذا الذي يصلح ؟ وإن أعجم فمن ذا الذي يفصح ؟ إن نظر إلى البحار يبست من خوفه , وإن أذن لها ابتلعت الأرض , فإنما يحملها بقدرته ; هو الذي تبهت الملوك عند ملكه , وتطيش العلماء عند علمه , وتعيا الحكماء عند حكمته , ويخسأ المبطلون عند سلطانه . هو الذي يذكر المنسي , وينسي المذكور , ويجري الظلمات والنور . هذا علمي , وخلقه أعظم من أن يحصيه عقلي , وعظمته أعظم من أن يقدرها مثلي . قال بلدد : إن المنافق يجزى بما أسر من نفاقه , وتضل عنه العلانية التي خادع بها , وتوكل على الجزاء بها الذي عملها , ويهلك ذكره من الدنيا ويظلم نوره في الآخرة , ويوحش سبيله , وتوقعه في الأحبولة سريرته , وينقطع اسمه من الأرض , فلا ذكر فيها ولا عمران , لا يرثه ولد مصلحون من بعده , ولا يبقى له أصل يعرف به , ويبهت من يراه , وتقف الأشعار عند ذكره ! قال أيوب : إن أكن غويا فعلي غواي , وإن أكن بريا فأي منعة عندي ؟ إن صرخت فمن ذا الذي يصرخني ؟ وإن سكت فمن ذا الذي يعذرني ؟ ذهب رجائي , وانقضت أحلامي , وتنكرت لي معارفي ; دعوت غلامي فلم يجبني , وتضرعت لأمتي فلم ترحمني , وقع علي البلاء فرفضوني , أنتم كنتم أشد علي من مصيبتي . انظروا وابهتوا من العجائب التي في جسدي ! أما سمعتم بما أصابني وما شغلكم عني ما رأيتم بي ؟ لو كان عبد يخاصم ربه , رجوت أن أتغلب عند الحكم , ولكن لي ربا جبارا تعالى فوق سماواته , وألقاني ها هنا , وهنت عليه , لا هو عذرني بعذري , ولا هو أدناني فأخاصم عن نفسي . يسمعني ولا أسمعه ويراني ولا أراه , وهو محيط بي , ولو تجلى لي لذابت كليتاي , وصعق روحي , ولو نفسني فأتكلم بملء فمي ونزع الهيبة مني , علمت بأي ذنب عذبني ! نودي فقيل : يا أيوب ! قال : لبيك ! قال : أنا هذا قد دنوت منك , فقم فاشدد إزارك , وقم مقام جبار , فإنه لا ينبغي لي أن يخاصمني إلا جبار مثلي , ولا ينبغي أن يخاصمني إلا من يجعل الزمام في فم الأسد , والسخال في فم العنقاء , واللحم في فم التنين , ويكيل مكيالا من النور , ويزن مثقالا من الريح , ويصر صرة من الشمس , ويرد أمس لغد . لقد منتك نفسك أمرا ما يبلغ بمثل قوتك , ولو كنت إذ منتك نفسك ذلك ودعتك إليه , تذكرت أي مرام رام بك ; أردت أن تخاصمني بغيك , أم أردت أن تحاجيني بخطئك , أم أردت أن تكاثرني بضعفك ؟ أين كنت مني يوم خلقت الأرض فوضعتها على أساسها ؟ هل علمت بأي مقدار قدرتها ؟ أم كنت معي تمر بأطرافها ؟ أم تعلم ما بعد زواياها ؟ أم على أي شيء وضعت أكنافها ؟ أبطاعتك حمل الماء الأرض , أم بحكمتك كانت الأرض للماء غطاء ؟ أين كنت مني يوم رفعت السماء سقفا في الهواء لا بعلائق ثبتت من فوقها ولا يحملها دعائم من تحتها هل يبلغ من حكمتك أن تجري نورها , أو تسير نجومها , أو يختلف بأمرك ليلها ونهارها ؟ أين كنت مني يوم سجرت البحار وأنبعت الأنهار ؟ أقدرتك حبست أمواج البحار على حدودها , أم قدرتك فتحت الأرحام حين بلغت مدتها ؟ أين أنت مني يوم صببت الماء على التراب . ونصبت شوامخ الجبال ؟ هل لك من ذراع تطيق حملها ؟ أم هل تدري كم من مثقال فيها ؟ أم أين الماء الذي أنزل من السماء ؟ هل تدري أم تلده أو أب يولده ؟ أحكمتك أحصت القطر وقسمت الأرزاق , أم قدرتك تثير السحاب وتغشيه الماء ؟ هل تدري ما أصوات الرعود ؟ أم من أي شيء لهب البروق ؟ هل رأيت عمق البحور ؟ أم هل تدري ما بعد الهواء ؟ أم هل خزنت أرواح الأموات ؟ أم هل تدري أين خزانة الثلج , أو أين خزائن البرد , أم أين جبال البرد ؟ أم هل تدري أين خزانة الليل بالنهار وأين خزانة النهار بالليل وأين طريق النور , وبأي لغة تتكلم الأشجار , وأين خزانة الريح , كيف تحبسه الأغلاق , ومن جعل العقول في أجواف الرجال , ومن شق الأسماع والأبصار , ومن ذلت الملائكة لملكه وقهر الجبارين بجبروته وقسم أرزاق الدواب بحكمته ؟ ومن قسم للأسد أرزاقها وعرف الطير معايشها وعطفها على أفراخها ؟ من أعتق الوحش من الخدمة , وجعل مساكنها البرية لا تستأنس بالأصوات ولا تهاب المسلطين ؟ أمن حكمتك تفرعت أفراخ الطير وأولاد الدواب لأمهاتها ؟ أم من حكمتك عطفت أمهاتها عليها , حتى أخرجت لها الطعام من بطونها , وآثرتها بالعيش على نفوسها ؟ أم من حكمتك يبصر العقاب , فأصبح في أماكن القتلى ؟ أين أنت مني يوم خلقت بهموت , مكانه في منقطع التراب , والوتينان يحملان الجبال والقرى والعمران , آذانهما كأنها شجر الصنوبر الطوال , رءوسهما كأنها آكام الحبال , وعروق أفخاذهما كأنها أوتاد الحديد , وكأن جلودهما فلق الصخور , وعظامهما كأنها عمد النحاس . هما رأسا خلقي الذين خلقت للقتال , أأنت ملأت جلودهما لحما ؟ أم أنت ملأت رءوسهما دماغا ؟ أم هل لك في خلقهما من شرك ؟ أم لك بالقوة التي عملتهما يدان ؟ أو هل يبلغ من قوتك أن تخطم على أنوفهما , أو تضع يدك على رءوسهما , أو تقعد لهما على طريق فتحبسهما , أو تصدهما عن قوتهما ؟ أين أنت يوم خلقت التنين ورزقه في البحر ومسكنه في السحاب ؟ عيناه توقدان نارا , ومنخراه يثوران دخانا , أذناه مثل قوس السحاب , يثور منهما لهب كأنه إعصار العجاج , جوفه يحترق ونفسه يلتهب , وزبده كأمثال الصخور , وكأن صريف أسنانه صوت الصواعق , وكأن نظر عينيه لهب البرق , أسراره لا تدخله الهموم , تمر به الجيوش وهو متكئ , لا يفزعه شيء ; ليس فيه مفصل ( زبر ) الحديد عنده مثل التين , والنحاس عنده مثل الخيوط , لا يفزع من النشاب , ولا يحس وقع الصخور على جسده , ويضحك من النيازك , ويسير في الهواء كأنه عصفور , ويهلك كل شيء يمر به ملك الوحوش , وإياه آثرت بالقوة على خلقي ; هل أنت آخذه بأحبولتك فرابطه بلسانه أو واضع اللجام في شدقه ؟ أتظنه يوفي بعهدك أو يسبح من خوفك ؟ هل تحصي عمره أم هل تدري أجله أو تفوت رزقه ؟ أم هل تدري ماذا خرب من الأرض , أم ماذا يخرب فيما بقي من عمره ؟ أتطيق غضبه حين يغضب أم تأمره فيطيعك ؟ تبارك الله وتعالى ! قال أيوب صلى الله عليه وسلم : قصرت عن هذا الأمر الذي تعرض لي ; ليت الأرض انشقت بي فذهبت في بلائي ولم أتكلم بشيء يسخط ربي ! اجتمع علي البلاء إلهي جعلتني لك مثل العدو وقد كنت تكرمني وتعرف نصحي , وقد علمت أن الذي ذكرت صنع يديك وتدبير حكمتك , وأعظم من هذا ما شئت عملت ; لا يعجزك شيء ولا يخفى عليك خافية ولا تغيب عنك غائبة , من هذا الذي يظن أن يسر عنك سرا , وأنت تعلم ما يخطر على القلوب ؟ وقد علمت منك في بلائي هذا ما لم أكن أعلم , وخفت حين بلوت أمرك أكثر مما كنت أخاف . إنما كنت أسمع بسطوتك سمعا , فأما الآن فهو بصر العين . إنما تكلمت حين تكلمت لتعذرني وسكت حين سكت لترحمني , كلمة زلت فلن أعود . قد وضعت يدي على فمي , وعضضت على لساني , وألصقت بالتراب خدي , ودست وجهي لصغاري , وسكت كما أسكتتني خطيئتي , فاغفر لي ما قلت فلن أعود لشيء تكرهه مني ! قال الله تبارك وتعالى : يا أيوب نفذ فيك علمي , وبحلمي صرفت عنك غضبي , إذ خطئت فقد غفرت لك , ورددت عليك أهلك ومالك ومثلهم معهم , فاغتسل بهذا الماء , فإن فيه شفاءك , وقرب عن صحابتك قربانا , واستغفر لهم , فإنهم قد عصوني فيك ! * - حدثنا ابن حميد , قال : ثنا سلمة , قال : ثني محمد بن إسحاق , عمن لا يتهم , عن وهب بن منبه اليماني , وغيره من أهل الكتب الأول : أنه كان من حديث أيوب أنه كان رجلا من الروم , وكان الله قد اصطفاه ونبأه , وابتلاه في الغنى بكثرة الولد والمال , وبسط عليه من الدنيا فوسع عليه في الرزق . وكانت له البثنية من أرض الشأم , أعلاها وأسفلها وسهلها وجبلها . وكان له فيها من أصناف المال كله , من الإبل والبقر والغنم والخيل والحمير ما لا يكون للرجل أفضل منه في العدة والكثرة . وكان الله قد أعطاه أهلا وولدا من رجال ونساء . وكان برا تقيا رحيما بالمساكين , يطعم المساكين ويحمل الأرامل ويكفل الأيتام ويكرم الضيف ويبلغ ابن السبيل . وكان شاكرا لأنعم الله عليه مؤديا لحق الله في الغنى ; قد امتنع من عدو الله إبليس أن يصيب منه ما أصاب من أهل الغنى من العزة والغفلة والسهو والتشاغل عن أمر الله بما هو فيه من الدنيا . وكان معه ثلاثة قد آمنوا به وصدقوه وعرفوا فضل ما أعطاه الله على من سواه , منهم رجل من أهل اليمن يقال له : أليفز , ورجلان من أهل بلاده يقال لأحدهما : صوفر , وللآخر : بلدد , وكانوا من بلاده كهولا . وكان لإبليس عدو الله منزل من السماء السابعة يقع به كل سنة موقعا يسأل فيه ; فصعد إلى السماء في ذلك اليوم الذي كان يصعد فيه , فقال الله له - أو قيل له عن الله - : هل قدرت من أيوب عبدي على شيء ؟ قال : أي رب وكيف أقدر منه على شيء ؟ أو إنما ابتليته بالرخاء والنعمة والسعة والعافية , وأعطيته الأهل والمال والولد والغنى والعافية في جسده وأهله وماله , فما له لا يشكرك ويعبدك ويطيعك وقد صنعت ذلك به ؟ لو ابتليته بنزع ما أعطيته لحال عما كان عليه من شكرك ولترك عبادتك , ولخرج من طاعتك إلى غيرها ! أو كما قال عدو الله . فقال : قد سلطتك على أهله وماله ! وكان الله هو أعلم به , ولم يسلطه عليه إلا رحمة ليعظم له الثواب بالذي يصيبه من البلاء , وليجعله عبرة للصابرين وذكرى للعابدين في كل بلاء نزل بهم , ليأتموا به , وليرجوا من عاقبة الصبر في عرض الدنيا ثواب الآخرة وما صنع الله بأيوب . فانحط عدو الله سريعا , فجمع عفاريت الجن ومردة الشياطين من جنوده , فقال : إني قد سلطت على أهل أيوب وماله , فماذا عليكم ؟ فقال قائل منهم : أكون إعصارا فيه نار , فلا أمر بشيء من ماله إلا أهلكته ; قال : أنت وذاك . فخرج حتى أتى إبله , فأحرقها ورعاتها جميعا . ثم جاء عدو الله إلى أيوب في صورة قيمه عليها هو في مصلى فقال : يا أيوب أقبلت نار حتى غشيت إبلك فأحرقتها ومن فيها غيري , فجئتك أخبرك بذلك . فعرفه أيوب , فقال : الحمد لله الذي هو أعطاها وهو أخذها الذي أخرجك منها كما يخرج الزوان من الحب النقي . ثم انصرف عنه , فجعل يصيب ماله مالا مالا حتى مر على آخره , كلما انتهى إليه هلاك مال من ماله حمد الله وأحسن عليه الثناء ورضي بالقضاء , ووطن نفسه بالصبر على البلاء . حتى إذا لم يبق له مال أتى أهله وولده , وهم في قصر لهم معهم حظيانهم وخدامهم , فتمثل ريحا عاصفا , فاحتمل القصر من نواحيه فألقاه على أهله وولده , فشدخهم تحته . ثم أتاه في صورة قهرمانه عليهم , قد شدخ وجهه , فقال : يا أيوب قد أتت ريح عاصف , فاحتملت القصر من نواحيه ثم ألقته على أهلك وولدك فشدختهم غيري , فجئتك أخبرك ذلك . فلم يجزع على شيء أصابه جزعه على أهله وولده , وأخذ ترابا فوضعه على رأسه , ثم قال : ليت أمي لم تلدني ولم أك شيئا ! وسر بها عدو الله منه ; فأصعد إلى السماء جذلا . وراجع أيوب التوبة ما قال , فحمد الله , فسبقت توبته عدو الله إلى الله ; فلما جاء وذكر ما صنع , قيل له قد سبقتك توبته إلى الله ومراجعته . قال : أي رب فسلطني على جسده ! قال : قد سلطتك على جسده إلا على لسانه وقلبه ونفسه وسمعه وبصره . فأقبل إليه عدو الله وهو ساجد , فنفخ في جسده نفخة أشعل ما بين قرنه إلى قدمه كحريق النار , ثم خرج في جسده ثآليل كأليات الغنم , فحك بأظفاره حتى ذهبت , ثم بالفخار والحجارة حتى تساقط لحمه , فلم يبق منه إلا العروق والعصب والعظام , عيناه تجولان في رأسه للنظر وقبله للعقل , ولم يخلص إلى شيء من حشو البطن , لأنه لا بقاء للنفس إلا بها , فهو يأكل ويشرب على التواء من حشوته , فمكث كذلك ما شاء الله أن يمكث - فحدثنا ابن حميد , قال : ثنا سلمة عن ابن إسحاق , عن ابن دينار , عن الحسن أنه كان يقول : مكث أيوب في ذلك البلاء سبع سنين وستة أشهر ملقى على رماد مكنسة في جانب القرية - قال وهب بن منبه : ولم يبق من أهله إلا امرأة واحدة تقوم عليه وتكسب له , ولا يقدر عدو الله منه على قليل ولا كثير مما يريد . فلما طال البلاء عليه وعليها وسئمها الناس , وكانت تكسب عليه ما تطعمه وتسقيه ; قال وهب بن منبه : فحدثت أنها التمست له يوما من الأيام تطعمه , فما وجدت شيئا حتى جزت قرنا من رأسها فباعته برغيف , فأتته به فعشته إياه , فلبث في ذلك البلاء تلك السنين , حتى إن كان المار ليمر فيقول : لو كان لهذا عند الله خير لأراحه مما هو فيه - حدثنا ابن حميد , قال : ثنا سلمة , قال : فحدثني محمد بن إسحاق , قال : - وكان وهب بن منبه يقول : لبث في ذلك البلاء ثلاث سنين لم يزد يوما واحدا ; فلما غلبه أيوب فلم يستطع منه شيئا , اعترض لامرأته في هيئة ليست كهيئة بني آدم في العظم والجسم والطول على مركب ليس من مراكب الناس , له عظم وبهاء وجمال ليس لها , فقال لها : أنت صاحبة أيوب هذا الرجل المبتلى ؟ قالت نعم . قال : هل تعرفينني ؟ قالت لا . قال : فأنا إله الأرض وأنا الذي صنعت بصاحبك ما صنعت , وذلك أنه عبد إله السماء وتركني فأغضبني , ولو سجد لي سجدة واحدة رددت عليه وعليك كل ما كان لكما من مال وولد , فإنه عندي ! ثم أراها إياهم فيما ترى ببطن الوادي الذي لقيها فيه . قال : وقد سمعت أنه إنما قال : لو أن صاحبك أكل طعاما ولم يسم عليه لعوفي مما به من البلاء , والله أعلم . وأراد عدو الله أن يأتيه من قبلها . فرجعت إلى أيوب , فأخبرته بما قال لها وما أراها ; قال : أوقد آتاك عدو الله ليفتنك عن دينك ؟ ثم أقسم إن الله عافاه ليضربها مائة ضربة فلما طال عليه البلاء , جاءه أولئك النفر الذين كانوا معه قد آمنوا به وصدقوه , معهم فتى حديث السن قد كان آمن به وصدقه , فجلسوا إلى أيوب ونظروا إلى ما به من البلاء , فأعظموا ذلك وفظعوا به , وبلغ من أيوب صلوات الله عليه مجهوده , وذلك حين أراد الله أن يفرج عنه ما به ; فلما رأى أيوب ما أعظموا ما أصابه , قال : أي رب لأي شيء خلقتني ولو كنت إذ قضيت علي البلاء تركتني فلم تخلقني ؟ ليتني كنت دما ألقتني أمي . ثم ذكر نحو حديث ابن عسكر , عن إسماعيل بن عبد الكريم , إلى : وكابدوا الليل , واعتزلوا الفراش , وانتظروا الأسحار ; ثم زاد فيه : أولئك الآمنون الذين لا يخافون , ولا يهتمون ولا يحزنون , فأين عاقبة أمرك يا أيوب من عواقبهم ؟ قال فتى حضرهم وسمع قولهم ولم يفطنوا له ولم يأبهوا لمجلسه , وإنما قيضه الله لهم لما كان من جورهم في المنطق وشططهم , فأراد الله أن يصغر به إليهم أنفسهم وأن يسفه بصغره لهم أحلامهم ; فلما تكلم تمادى في الكلام , فلم يزدد إلا حكما . وكان القوم من شأنهم الاستماع والخشوع إذا وعظوا أو ذكروا ; فقال : إنكم تكلمتم قبلي أيها الكهول , وكنتم أحق بالكلام وأولى به مني لحق أسنانكم , ولأنكم جربتم قبلي ورأيتم وعلمتم ما لم أعلم وعرفتم ما لم أعرف , ومع ذلك قد تركتم من القول أحسن من الذي قلتم ومن الرأي أصوب من الذي رأيتم ومن الأمر أجمل من الذي أتيتم ومن الموعظة أحكم من الذي وصفتم , وقد كان لأيوب عليكم من الحق والذمام أفضل من الذي وصفتم , هل تدرون أيها الكهول حق من انتقصتم وحرمة من انتهكتم ومن الرجل الذي عبتم واتهمتم ؟ ولم تعلموا أيها الكهول أن أيوب نبي الله وخيرته وصفوته من أهل الأرض يومكم هذا , اختاره الله لوحيه واصطفاه لنفسه وائتمنه على نبوته , ثم لم تعلموا ولم يطلعكم الله على أنه سخط شيئا من أمره مذ أتاه ما آتاه إلى يومكم هذا ولا على أنه نزع منه شيئا من الكرامة التي أكرمه بها مذ آتاه ما آتاه إلى يومكم هذا , ولا أن أيوب غير الحق في طول ما صحبتموه إلى يومكم هذا ; فإن كان البلاء هو الذي أزرى به عندكم ووضعه في أنفسكم , فقد علمتم أن الله يبتلي النبيين والصديقين والشهداء والصالحين ; ثم ليس بلاؤه لأولئك بدليل سخطه عليهم ولا لهوانه لهم , ولكنها كرامة وخيرة لهم ; ولو كان أيوب ليس من الله بهذه المنزلة ولا في النبوة ولا في الأثرة ولا في الفضيلة ولا في الكرامة , إلا أنه أخ أحببتموه على وجه الصحابة , لكان لا يجمل بالحكيم أن يعذل أخاه عند البلاء ولا يعيره بالمصيبة بما لا يعلم وهو مكروب حزين , ولكن يرحمه ويبكي معه ويستغفر له ويحزن لحزنه ويدله على مراشد أمره ; وليس بحكيم ولا رشيد من جهل هذا , فالله الله أيها الكهول في أنفسكم ! قال : ثم أقبل على أيوب : فقال , وقد كان في عظمة الله وجلاله وذكر الموت : ما يقطع لسانك , ويكسر قلبك , وينسيك حججك ؟ ألم تعلم يا أيوب أن لله عبادا أسكتتهم خشيته من غير عي ولا بكم وإنهم لهم الفصحاء النطقاء النبلاء الألباء العالمون بالله وبآياته ؟ ولكنهم إذا ذكروا عظمة الله انقطعت ألسنتهم واقشعرت جلودهم وانكسرت قلوبهم وطاشت عقولهم إعظاما لله وإعزازا وإجلالا , فإذا استفاقوا من ذلك استبقوا إلى الله بالأعمال الزاكية , يعدون أنفسهم مع الظالمين والخاطئين , وإنهم لأنزاه براء , ومع المقصرين والمفرطين , وإنهم لأكياس أقوياء , ولكنهم لا يستكثرون لله الكثير , ولا يرضون لله بالقليل , ولا يدلون عليه بالأعمال ; فهم مروعون مفزعون مغتمون خاشعون وجلون مستكينون معترفون متى ما رأيتهم يا أيوب . قال أيوب : إن الله يزرع الحكمة بالرحمة في قلب الصغير والكبير , فمتى نبتت في القلب يظهرها الله على اللسان , وليست تكون الحكمة من قبل السن ولا الشبيبة ولا طول التجربة , وإذا جعل الله العبد حكيما في الصيام لم يسقط منزله عند الحكماء وهم يرون عليه من الله نور الكرامة , ولكنكم قد أعجبتكم أنفسكم وظننتم أنكم عوفيتم بإحسانكم , فهنالك بغيتم وتعززتم , ولو نظرتم فيما بينكم وبين ربكم ثم صدقتم أنفسكم لوجدتم لكم عيوبا سترها الله بالعافية التي ألبسكم ; ولكني قد أصبحت اليوم وليس لي رأي ولا كلام معكم , قد كنت فيما خلا مسموعا كلامي معروفا حقي منتصفا من خصمي قاهرا لمن هو اليوم يقهرني مهيبا مكاني والرجال مع ذلك ينصتون لي ويوقروني , فأصبحت اليوم قد انقطع رجائي ورفع حذري وملني أهلي وعقني أرحامي وتنكرت لي معارفي ورغب عني صديقي وقطعني أصحابي وكفرني أهل بيتي وجحدت حقوقي ونسيت صنائعي , أصرخ فلا يصرخونني وأعتذر فلا يعذرونني , وإن قضاءه هو الذي أذلني وأقماني وأخسأني , وأن سلطانه هو الذي أسقمني وأنحل جسمي . ولو أن ربي نزع الهيبة التي في صدري وأطلق لساني حتى أتكلم بملء فمي , ثم كان ينبغي للعبد يحاج عن نفسه , لرجوت أن يعافيني عند ذلك ما بي ; ولكنه ألقاني وتعالى عني , فهو يراني ولا أراه , ويسمعني ولا أسمعه لا نظر إلي فرحمني , ولا دنا مني ولا أدناني فأدلي بعذري وأتكلم ببراءتي وأخاصم عن نفسي ! لما قال ذلك أيوب وأصحابه عنده , أظله غمام حتى ظن أصحابه أنه عذاب , ثم نودي منه , ثم قيل له : يا أيوب , إن الله يقول : ها أنا ذا قد دنوت منك , ولم أزل منك قريبا , فقم فأدل بعذرك الذي زعمت , وتكلم ببراءتك وخاصم عن نفسك , واشدد إزارك ! ثم ذكر نحو حديث ابن عسكر , عن إسماعيل , إلى آخره , وزاد فيه : ورحمتي سبقت غضبي , فاركض برجلك هذا مغتسل بارد وشراب فيه شفاؤك , وقد وهبت لك أهلك ومثلهم معهم ومالك ومثله معه - وزعموا : ومثله معه - لتكون لمن خلفك آية , ولتكون عبرة لأهل البلاء وعزاء للصابرين ! فركض برجله , فانفجرت له عين , فدخل فيها فاغتسل , فأذهب الله عنه كل ما كان به من البلاء . ثم خرج فجلس , وأقبلت امرأته تلتمسه في مضجعه , فلم تجده , فقامت كالوالهة متلددة , ثم قالت : يا عبد الله , هل لك علم بالرجل المبتلى الذي كان هاهنا ؟ قال : لا ; ثم تبسم , فعرفته بمضحكه , فاعتنقته . 18674 - حدثنا ابن حميد , قال : ثنا سلمة , عن محمد بن إسحاق , عن بعض أهل العلم , عن وهب بن منبه , قال : فحدثت عبد الله بن عباس حديثه واعتناقها إياه , فقال عبد الله : فوالذي نفس عبد الله بيده ما فارقته من عناقه حتى مر بها كل مال لهما وولد . * - حدثنا ابن حميد , قال : ثنا سلمة , عن ابن إسحاق , قال : وقد سمعت بعض من يذكر الحديث عنه أنه دعاها حين سألت عنه , فقال لها : وهل تعرفينه إذا رأيته ؟ قالت : نعم , وما لي لا أعرفه ؟ فتبسم , ثم قال : ها أنا هو , وقد فرج الله عني ما كنت فيه . فعند ذلك اعتنقته . قال وهب : فأوحى الله في قسمه ليضربها في الذي كلمته , أن وخذ بيدك ضغثا فاضرب به ولا تحنث 38 44 أي قد برت يمينك . يقول الله تعالى : إنا وجدناه صابرا نعم العبد إنه أواب 38 44 يقول الله : ووهبنا له أهله ومثلهم معهم رحمة منا وذكرى لأولي الألباب . 38 43 18675 - حدثنا يحيى بن طلحة اليربوعي , قال : ثنا فضيل بن عياض , عن هشام , عن الحسن , قال : لقد مكث أيوب مطروحا على كناسة سبع سنين وأشهرا ما يسأل الله أن يكشف ما به . قال : وما على وجه الأرض خلق أكرم على الله من أيوب . فيزعمون أن بعض الناس قال : لو كان لرب هذا فيه حاجة ما صنع به هذا ! فعند ذلك دعا . 18676 - حدثني يعقوب بن إبراهيم , قال : ثنا ابن علية , عن يونس , عن الحسن , قال : بقي أيوب على كناسة لبني إسرائيل سبع سنين وأشهرا تختلف عليه الدواب . 18677 - حدثني محمد بن إسحاق , قال : ثنا يحيى بن معين , قال : ثنا ابن عيينة , عن عمرو , عن وهب بن منبه , قال : لم يكن بأيوب أكلة , إنما كان يخرج به مثل ثدي النساء ثم ينقفه . 18678 - حدثنا القاسم , قال : ثنا الحسين , قال : ثنا مخلد بن حسين , عن هشام , عن الحسن , وحجاج عن مبارك , عن الحسن : - زاد أحدهما على الآخر - قال : إن أيوب آتاه الله مالا وأوسع عليه , وله من النساء والبقر والغنم والإبل . وإن عدو الله إبليس قيل له : هل تقدر أن تفتن أيوب ؟ قال : رب إن أيوب أصبح في دنيا من مال وولد , ولا يستطيع أن لا يشكرك , ولكن سلطني على ماله وولده فسترى كيف يطيعني ويعصيك ! قال : فسلطه على ماله وولده . قال : فكان يأتي بالماشية من ماله من الغنم فيحرقها بالنيران , ثم يأتي أيوب وهو يصلي متشبها براعي الغنم , فيقول : يا أيوب تصلي لربك ! ما ترك الله لك من ماشيتك شيئا من الغنم إلا أحرقها بالنيران , وكنت ناحية فجئت لأخبرك . قال : فيقول أيوب : اللهم أنت أعطيت وأنت أخذت , مهما تبقي نفسي أحمدك على حسن بلائك فلا يقدر منه على شيء ما يريد ! ثم يأتي ماشيته من البقر فيحرقها بالنيران , ثم يأتي أيوب فيقول له ذلك , ويرد عليه أيوب مثل ذلك . قال : وكذلك فعل بالإبل حتى ما ترك له من ماشية حتى هدم البيت على ولده , فقال : يا أيوب أرسل الله على ولدك من هدم عليهم البيوت ! حتى هلكوا ! فيقول أيوب مثل ذلك . قال : رب هذا حين أحسنت إلي الإحسان كله , قد كنت قبل اليوم يشغلني حب المال بالنهار ويشغلني حب الولد بالليل شفقة عليهم , فالآن أفرغ سمعي وبصري وليلي ونهاري بالذكر والحمد والتقديس والتهليل ! فينصرف عدو الله من عنده لم يصب منه شيئا ما يريد . قال : ثم إن الله تبارك وتعالى قال : كيف رأيت أيوب ؟ قال إبليس : أيوب قد علم أنك سترد عليه ماله وولده ; ولكن سلطني على جسده , فإن أصابه الضر فيه أطاعني وعصاك ! قال : فسلط على جسده , فأتاه فنفخ فيه نفخة قرح من لدن قرنه إلى قدمه . قال : فأصابه البلاء بعد البلاء , حتى حمل فوضع على مزبلة كناسة لبني إسرائيل . فلم يبق له مال ولا ولد ولا صديق ولا أحد يقربه غير زوجته , صبرت معه بصدق , وكانت تأتيه بطعام , وتحمد الله معه إذا حمد , وأيوب على ذلك لا يفتر من ذكر الله , والتحميد والثناء على الله والصبر على ما ابتلاه الله . قال الحسن : فصرخ إبليس عدو الله صرخة جمع فيها جنوده من أقطار الأرض جزعا من صبر أيوب ; فاجتمعوا إليه وقالوا له : جمعتنا , ما خبرك ؟ ما أعياك ؟ قال : أعياني هذا العبد الذي سألت ربي أن يسلطني على ماله وولده فلم أدع له مالا ولا ولدا , فلم يزدد بذلك إلا صبرا وثناء على الله وتحميدا له , ثم سلطت على جسده فتركته قرحة ملقاة على كناسة بني إسرائيل , لا يقربه إلا امرأته , فقد افتضحت بربي , فاستعنت بكم , فأعينوني عليه ! قال : فقالوا له : أين مكرك ؟ أين علمك الذي أهلكت به من مضى ؟ قال : بطل ذلك كله في أيوب , فأشيروا علي ! قالوا : نشير عليك , أرأيت آدم حين أخرجته من الجنة , من أين أتيته ؟ قال : من قبل امرأته , قالوا : فشأنك بأيوب من قبل امرأته , فإنه لا يستطيع أن يعصيها وليس أحد يقربه غيرها . قال : أصبتم . فانطلق حتى أتى امرأته وهي تصدق , فتمثل لها في صورة رجل , فقال : أين بعلك يا أمة الله ؟ قالت : هو ذاك يحك قروحه ويتردد الدواب في جسده . فلما سمعها طمع أن تكون كلمة جزع , فوقع في صدرها فوسوس إليها فذكرها ما كانت فيه من النعم والمال والدواب , وذكرها جمال أيوب وشبابه , وما هو فيه من الضر , وأن ذلك لا ينقطع عنهم أبدا . قال الحسن : فصرخت ; فلما صرخت علم أن قد صرخت وجزعت , أتاها بسخلة , فقال : ليذبح هذا إلي أيوب ويبرأ , قال : فجاءت تصرخ يا أيوب , يا أيوب , حتى متى يعذبك ربك , ألا يرحمك ؟ أين الماشية ؟ أين المال ؟ أين الولد ؟ أين الصديق ؟ أين لونك الحسن قد تغير , وصار مثل الرماد ؟ أين جسمك الحسن الذي قد بلي وتردد فيه الدواب ؟ اذبح هذه السخلة واسترح ! قال أيوب : أتاك عدو الله فنفخ فيك فوجد فيك رفقا وأجبته , ويلك ! أرأيت ما تبكين عليه ما تذكرين ما كنا فيه من المال والولد والصحة والشباب ؟ من أعطانيه ؟ قالت : الله . قال : فكم متعنا به ؟ قالت : ثمانين سنة . قال : فمذ كم ابتلانا الله بهذا البلاء الذي ابتلانا به ؟ قالت : منذ سبع سنين وأشهر . قال : ويلك ! والله ما عدلت ولا أنصفت ربك ! ألا صبرت حتى نكون في هذا البلاء الذي ابتلانا ربنا به ثمانين سنة كما كنا في الرخاء ثمانين سنة ؟ والله لئن شفاني الله لأجلدنك مائة جلدة ! هيه أمرتيني أن أذبح لغير الله , طعامك وشرابك الذي تأتيني به علي حرام وأن أذوق ما تأتيني به بعد , إذ قلت لي هذا فاغربي عني فلا أراك ! فطردها , فذهبت , فقال الشيطان : هذا قد وطن نفسه ثمانين سنة على هذا البلاء الذي هو فيه ! فباء بالغلبة ورفضه . ونظر أيوب إلى امرأته وقد طردها , وليس عنده طعام ولا شراب ولا صديق قال الحسن : ومر به رجلان وهو على تلك الحال , ولا والله ما على ظهر الأرض يومئذ أكرم على الله من أيوب , فقال أحد الرجلين لصاحبه : لو كان لله في هذا حاجة , ما بلغ به هذا ! فلم يسمع أيوب شيئا كان أشد عليه من هذه الكلمة . 18679 - حدثنا القاسم , قال : ثنا الحسين , قال : ثني حجاج , عن جرير بن حازم , عن عبد الله بن عبيد بن عمير , قال : كان لأيوب أخوان , فأتياه , فقاما من بعيد لا يقدران أن يدنوا منه من ريحه , فقال أحدهما لصاحبه : لو كان الله علم في أيوب خيرا ما ابتلاه بما أرى , قال : فما جزع أيوب من شيء أصابه جزعه من كلمة الرجل . فقال أيوب : اللهم إن كنت تعلم أني لم أبت ليلة شبعان قط وأنا أعلم مكان جائع فصدقني ! فصدق وهما يسمعان . ثم قال : اللهم إن كنت تعلم أني لم أتخذ قميصين قط وأنا أعلم مكان عار فصدقني ! فصدق وهما يسمعان . قال : ثم خر ساجدا . 18680 - حدثنا القاسم , قال : ثنا الحسين , قال : فحدثني مخلد بن الحسين , عن هشام , عن الحسن , قال : فقال : رب إني مسني الضر ثم رد ذلك إلى ربه فقال : وأنت أرحم الراحمين . 18681 - حدثنا القاسم , قال : ثنا الحسين , قال : ثني حجاج , عن جرير , عن عبد الله بن عبيد بن عمير , قال : فقيل له : ارفع رأسك فقد استجيب لك .
فَاسْتَجَبْنَا لَهٗ فَكَشَفْنَا مَا بِهٖ مِنْ ضُرٍّ وَّ اٰتَیْنٰهُ اَهْلَهٗ وَ مِثْلَهُمْ مَّعَهُمْ رَحْمَةً مِّنْ عِنْدِنَا وَ ذِكْرٰى لِلْعٰبِدِیْنَ(۸۴)
تو ہم نے اس کی دعا سن لی تو ہم نے دور کردی جو تکلیف اسے تھی (ف۱۴۵) اور ہم نے اسے اس کے گھر والے اور ان کے ساتھ اتنے ہی اور عطا کیے (ف۱۴۶) اپنے پاس سے رحمت فرما کر اور بندی والوں کے لیے نصیحت (ف۱۴۷)
حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن جرير، عن عبد الله بن عبيد بن عمير، قال: فقيل له: ارفع رأسك فقد استجيب لك.حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن مبارك، عن الحسن ومخلد، عن هشام، عن الحسن، دخل حديث أحدهما في الآخر، قالا فقيل له: ارْكُضْ بِرِجْلِكَ هَذَا مُغْتَسَلٌ بَارِدٌ وَشَرَابٌ فركض برجله فنبعت عين، فاغتسل منها، فلم يبق عليه من دائه شيء ظاهر إلا سقط، فأذهب الله كل ألم وكل سقم، وعاد إليه شبابه وجماله، أحسن ما كان وأفضل ما كان، ثم ضرب برجله، فنبعت عين أخرى فشرب منها، فلم يبق في جوفه داء إلا خرج، فقام صحيحا، وكُسِي حُلة، قال: فجعل يتلفت ولا يرى شيئا ما كان له من أهل ومال إلا وقد أضعفه الله له، حتى والله ذُكر لنا أن الماء الذي اغتسل به، تطاير على صدره جرادا من ذهب، قال: فجعل يضمه بيده، فأوحى الله إليه: يا أيوب ألم أغنك؟ قال: بلى، ولكنها بركتك، فمن يشبع منها، قال: فخرج حتى جلس على مكان مشرف، ثم إن امرأته قالت: أرأيت إن كان طردني إلى من أكله؟ أدعه يموت جوعا أو يضيع فتأكله السباع؟ لأرجعنّ إليه فرجعت، فلا كُناسة ترى، ولا من تلك الحال التي كانت، وإذا الأمور قد تغيرت، فجعلت تطوف حيث كانت الكناسة وتبكي، وذلك بعين أيوب، قالت: وهابت صاحب الحُلة أن تأتيه فتسأل عنه، فأرسل إليها أيوب فدعاها، فقال: ما تريدين يا أمة الله؟ فبكت وقالت: أردت ذلك المبتَلى الذي كان منبوذا على الكُناسة، لا أدري أضاع أم ما فعل؟ قال لها أيوب: ما كان منك؟ فبكت وقالت: بعلي، فهل رأيته؟ وهي تبكي إنه قد كان هاهنا؟ قال: وهل تعرفينه إذا رأيتيه؟ قالت: وهل يخفى على أحد رآه؟ ثم جعلت تنظر إليه وهي تهابه، ثم قالت: أما إنه كان أشبه خلق الله بك إذ كان صحيحا، قال: فإني أنا أيوب الذي أمرتيني أن أذبح للشيطان، وإني أطعت الله وعصيت الشيطان، فدعوت الله فردّ علي ما ترين، قال الحسن: ثم إن الله رحمها بصبرها معه على البلاء أن أمره تخفيفا عنها أن يأخذ جماعة من الشجر فيضربها ضربة واحدة تخفيفا عنها بصبرها معه.حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله ( وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ )... إلى آخر الآيتين، فإنه لما مسه الشيطان بنصب وعذاب، أنساه الله الدعاء أن يدعوه فيكشف ما به من ضرّ، غير أنه كان يذكر الله كثيرا، ولا يزيده البلاء في الله إلا رغبة وحسن إيمان، فلما انتهى الأجل، وقضى الله أنه كاشف ما به من ضرّ أذن له في الدعاء، ويسرَّه له، وكان قبل ذلك يقول تبارك وتعالى: لا ينبغي لعبدي أيوب أن يدعوني، ثم لا أستجيب له، فلما دعا استجاب له، وأبدله بكل شيء ذهب له ضعفين، ردّ إليه أهله ومثلهم معهم، وأثنى عليه فقال: إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِرًا نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ .واختلف أهل التأويل في الأهل الذي ذكر الله في قوله ( وآتيناه أهله ومثلهم معهم ) أهم أهله الذين أوتيهم في الدنيا، أم ذلك وعد وعده الله أيوب أن يفعل به في الآخرة؟ فقال بعضهم: إنما آتى الله أيوب في الدنيا مثل أهله الذين هلكوا، فإنهم لم يُرَدّوا عليه في الدنيا، وإنما وعد الله أيوب أن يؤتيه إياهم في الآخرة.حدثني أبو السائب سلم بن جنادة، قال: ثنا ابن إدريس، عن ليث، قال: أرسل مجاهد رجلا يقال له قاسم إلى عكرمة يسأله عن قول الله لأيوب ( وَآتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ ) فقال: قيل له: إن أهلك لك في الآخرة، فإن شئت عجلناهم لك في الدنيا، وإن شئت كانوا لك في الآخرة، وآتيناك مثلهم في الدنيا، فقال: يكونون لي في الآخرة، وأُوتي مثلهم في الدنيا، قال: فرجع إلى مجاهد فقال: أصاب.وقال آخرون: بل ردّهم إليه بأعيانهم وأعطاه مثلهم معهم.* ذكر من قال ذلك:حدثنا ابن حميد، قال: ثنا حكام بن سلم، عن أبي سنان، عن ثابت، عن الضحاك، عن ابن مسعود ( وَآتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ ) قال: أهله بأعيانهم.حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس: لما دعا أيوب استجاب الله له، وأبدله بكل شيء ذهب له ضعفين، ردّ إليه أهله ومثلهم معهم.حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد وَوَهَبْنَا لَهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ قال: أحياهم بأعيانهم، وردّ إليه مثلهم (8) .حدثنا ابن حميد، قال: ثنا جرير، عن ليث، عن مجاهد، في قوله ( وآتيناه أهله ومثلهم معهم ) قال: قيل له: إن شئت أحييناهم لك، وإن شئت كانوا لك في الآخرة وتعطى مثلهم في الدنيا، فاختار أن يكونوا في الآخرة ومثلهم في الدنيا.حدثنا بشر ، قال: ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ( وَآتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ ) قال الحسن وقتادة: أحيا الله أهله بأعيانهم ، وزاده إليهم مثلهم.وقال آخرون: بل آتاه المثل من نسل ماله الذي ردّه عليه وأهله ، فأما الأهل والمال فإنه ردّهما عليه.*ذكر من قال ذلك: حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : ثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن رجل ، عن الحسن ( وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ ) قال: من نسلهم.وقوله ( رَحْمَةَ ) نصبت بمعنى: فعلنا بهم ذلك رحمة منا له.وقوله ( وَذِكْرَى لِلْعَابِدِينَ ) يقول: وتذكرة للعابدين ربهم فعلنا ذلك به ليعتبروا به ، ويعلموا أن الله قد يبتلي أولياءه ومن أحبّ من عباده في الدنيا بضروب من البلاء في نفسه وأهله وماله ، من غير هوان به عليه ، ولكن اختبارا منه له ليبلغ بصبره عليه واحتسابه إياه وحسن يقينه منزلته التي أعدها له تبارك وتعالى من الكرامة عنده ،وقد: حدثنا القاسم ، قال : ثنا الحسين ، قال: ثني حجاج ، عن أبي معشر ، عن محمد بن كعب القرظي ، في قوله رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَذِكْرَى لِلْعَابِدِينَ وقوله رَحْمَةً مِنَّا وَذِكْرَى لأولِي الألْبَابِ ) قال: أيما مؤمن أصابه بلاء فذكر ما أصاب أيوب فليقل: قد أصاب من هو خير منا نبيا من الأنبياء.-------------------الهوامش :(8) هذا يناسب الاستشهاد على عدم ردهم بأعيانهم . فلعله مؤخر من تقديم .
وَ اِسْمٰعِیْلَ وَ اِدْرِیْسَ وَ ذَا الْكِفْلِؕ-كُلٌّ مِّنَ الصّٰبِرِیْنَۚۖ(۸۵)
اور اسماعیل اور ادریس اور ذوالکفل کو (یاد کرو)، وہ سب صبر والے تھے (ف۱۴۸)
يعني تعالى ذكره بإسماعيل: إسماعيل بن إبراهيم صادق الوعد ، وبإدريس: أخنوخ ، وبذي الكفل: رجلا تكفل من بعض الناس ، إما من نبيّ وإما من ملك من صالحي الملوك بعمل من الأعمال ، فقام به من بعده ، فأثنى الله عليه حسن وفائه بما تكفل به ، وجعله من المعدودين في عباده ، مع من حمد صبره على طاعة الله، وبالذي قلنا في أمره جاءت الأخبار عن سلف العلماء.*ذكر الرواية بذلك عنهم: حدثنا محمد بن بشار ، قال : ثنا مؤمل ، قال : ثنا سفيان ، عن الأعمش ، عن المنهال بن عمرو ، عن عبد الله بن الحارث: أن نبيا من الأنبياء ، قال: من تكفل لي أن يصوم النهار ويقوم الليل ، ولا يغضب ، فقام شاب فقال: أنا ، فقال : اجلس: ثم عاد فقال: من تكفل لي أن يقوم الليل ويصوم النهار ، ولا يغضب؟ فقام ذلك الشاب فقال: أنا، فقال: اجلس، ثم عاد فقال: من تكفل لي أن يقوم الليل ، ويصوم النهار ، ولا يغضب؟ فقام ذلك الشاب فقال: أنا ، فقال: تقوم الليل، وتصوم النهار ، ولا تغضب فمات ذلك النبيّ ، فجلس ذلك الشاب مكانه يقضي بين الناس ، فكان لا يغضب، فجاءه الشيطان في صورة إنسان ليُغضبه وهو صائم يريد أن يقيل ، فضرب الباب ضربا شديدا ، فقال: من هذا؟ فقال: رجل له حاجة، فأرسل معه رجلا فقال: لا أرضى بهذا الرجل، فأرسل معه آخر ، فقال: لا أرضى بهذا، فخرج إليه فأخذ بيده ، فانطلق معه ، حتى إذا كان في السوق خلاه وذهب ، فسمي ذا الكفل.حدثنا ابن المثنى ، قال : ثنا عفان بن مسلم ، قال : ثنا وهيب ، قال : ثنا داود ، عن مجاهد ، قال: لما كبر اليسع قال: لو أني استخلفت على الناس رجلا يعمل عليهم في حياتي حتى أنظر كيف يعمل، قال: فجمع الناس ، فقال: من يتقبل لي بثلاث أستخلفه: يصوم النهار ، ويقوم الليل ، ولا يغضب ، قال: فقام رجل تزدريه العين ، فقال: أنا، فقال: أنت تصوم النهار ، وتقوم الليل ولا تغضب؟ قال: نعم، قال: فردّهم ذلك اليوم ، وقال مثلها اليوم الآخر ، فسكت الناس وقام ذلك الرجل ، فقال: أنا، فاستخلفه، قال: فجعل إبليس يقول للشياطين: عليكم بفلان، فأعياهم ، فقال: دعوني وإياه، فأتاه في صورة شيخ كبير فقير ، فأتاه حين أخذ مضجعه للقائلة ، وكان لا ينام الليل والنهار إلا تلك النومة ، فدقّ الباب ، فقال: من هذا؟ قال: شيخ كبير مظلوم، قال: فقام ففتح الباب ، فجعل يقص عليه ، فقال: إن بيني وبين قومي خصومة ، وإنهم ظلموني وفعلوا بي وفعلوا، فجعل يطوّل عليه ، حتى حضر الرواح ، وذهبت القائلة ، وقال: إذا رحت فأتني آخذ لك بحقك، فانطلق وراح ، فكان في مجلسه ، فجعل ينظر هل يرى الشيخ ، فلم يره ، فجعل يبتغيه فلما كان الغد جعل يقضي بين الناس وينتظره فلا يراه، فلما رجع إلى القائلة ، فأخذ مضجعه ، أتاه فدقّ الباب ، فقال: من هذا؟ قال: الشيخ الكبير المظلوم، ففتح له ، فقال: ألم أقل لك إذا قعدت فأتني، فقال: إنهم أخبث قوم إذا عرفوا أنك قاعد ، قالوا نحن نعطيك حقك ، وإذا قمت جحدوني، قال: فانطلق فإذا رحت فأتني، قال: ففاتته القائلة ، فراح فجعل ينظر فلا يراه ، فشقّ عليه النعاس ، فقال لبعض أهله: لا تدعن أحدا يقرب هذا الباب حتى أنام ، فإني قد شقّ عليّ النوم، فلما كان تلك الساعة جاء ، فقال له الرجل وراءك ، فقال: إني قد أتيته أمس فذكرت له أمري ، قال: والله لقد أمرنا أن لا ندع أحدا يقربه، فلما أعياه نظر فرأى كوّة في البيت ، فتسوّر منها ، فإذا هو في البيت ، وإذا هو يدقّ الباب ، قال: واستيقظ الرجل فقال: يا فلان ، ألم آمرك؟ قال: أما من قِبلي والله فلم تؤت ، فانظر من أين أتيت، قال: فقام إلى الباب ، فإذا هو مغلق كما أغلقه ، وإذا هو معه في البيت ، فعرفه فقال: أعدوّ الله؟ قال: نعم أعييتني في كل شيء ، ففعلت ما ترى لأغضبك، فسماه ذا الكفل ، لأنه تكفل بأمر فوفى به.حدثنا القاسم ، قال : ثنا الحسين ، قال: ثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد ، في قوله ( وَذَا الْكِفْلِ ) قال رجل صالح غير نبيّ ، تكفل لنبيّ قومه أن يكفيه أمر قومه ، ويقيمه لهم ، ويقضي بينهم بالعدل ، ففعل ذلك ، فسمي ذا الكفل.حدثني محمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى، وحدثني الحارث ، قال : ثنا الحسن ، قال : ثنا ورقاء جميعا ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد بنحوه ، إلا أنه قال: ويقضي بينهم بالحق.حدثنا القاسم ، قال : ثنا الحسين ، قال: ثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن أبي معشر ، عن محمد بن قيس قال: كان في بني إسرائيل ملك صالح ، فكبر ، فجمع قومه فقال: أيكم يكفل لي بملكي هذا ، على أن يصوم النهار، ويقوم الليل ، ويحكم بين بني إسرائيل بما أنزل الله ، ولا يغضب؟ قال: فلم يقم أحد إلا فتى شاب ، فازدراه لحداثة سنه فقال: أيكم يكفل لي بملكي هذا على أن يصوم النهار، ويقوم الليل ، ولا يغضب ، ويحكم بين بني إسرائيل بما أنزل الله؟ فلم يقم إلا ذلك الفتى، قال: فازدراه ، فلما كانت الثالثة قال مثل ذلك ، فلم يقم إلا ذلك الفتى ، فقال: تعال، فخلى بينه وبين ملكه، فقام الفتى ليلة، فلما أصبح جعل يحكم بين بني إسرائيل، فلما انتصف النهار دخل ليقيل ، فأتاه الشيطان في صورة رجل من بني آدم ، فجذب ثوبه ، فقال: أتنام والخصوم ببابك؟ قال: إذا كان العشية فأتني، قال: فانتظره بالعشيّ فلم يأته، فلما انتصف النهار دخل ليقيل ، جذب ثوبه ، وقال: أتنام والخصوم على بابك؟ قال: قلت لك: ائتني العشيّ فلم تأتني ، ائتني بالعشي، فلما كان بالعشيّ انتظره فلم يأت، فلما دخل ليقيل جذب ثوبه ، فقال: أتنام والخصوم ببابك؟ قال: أخبرني من أنت ، لو كنت من الإنس سمعت ما قلت، قال: هو الشيطان ، جئت لأفتنك فعصمك الله مني، فقضى بين بني إسرائيل بما أنزل الله زمانا طويلا وهو ذو الكفل ، سمي ذا الكفل لأنه تكفل بالملك.حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ، عن أبي موسى الأشعري ، قال وهو يخطب الناس: إن ذا الكفل لم يكن نبيا ولكن كان عبدا صالحا ، تكفل بعمل رجل صالح عند موته ، كان يصلي لله كل يوم مائة صلاة ، فأحسن الله عليه الثناء في كفالته إياه.حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا الحكم ، قال : ثنا عمرو ، قال: أما ذو الكفل فإنه كان على بني إسرائيل ملك، فلما حضره الموت ، قال: من يكفل لي أن يكفيني بني إسرائيل، ولا يغضب ، ويصلي كل يوم مائة صلاة، فقال ذو الكفل: أنا، فجعل ذو الكفل يقضي بين الناس ، فإذا فرغ صلى مائة صلاة، فكاده الشيطان ، فأمهله حتى إذا قضى بين الناس ، وفرغ من صلاته وأخذ مضجعه فنام ، أتى الشيطان بابه فجعل يدقه ، فخرج إليه ، فقال: ظُلمت وصُنع بي، فأعطاه خاتمه وقال: اذهب فأتني بصاحبك، وانتظره ، فأبطأ عليه الآخر ، حتى إذا عرف أنه قد نام وأخذ مضجعه ، أتى الباب أيضا كي يغضبه ، فجعل يدقه ، وخدش وجه نفسه فسالت الدماء ، فخرج إليه فقال: ما لك؟ فقال: لم يتبعني ، وضُربت وفعل، فأخذه ذو الكفل ، وأنكر أمره ، فقال: أخبرني من أنت؟ وأخذه أخذا شديدا ، قال: فأخبره من هو.حدثنا الحسن ، قال: أخبرنا عبد الرزاق ، قال: أخبرنا معمر ، عن قتادة ، في قوله ( وَذَا الْكِفْلِ ) قال: قال أبو موسى الأشعري: لم يكن ذو الكفل نبيا ، ولكنه كفل بصلاة رجل كان يصلي كل يوم مائة صلاة ، فوفى ، فكفل بصلاته ، فلذلك سمي ذا الكفل، ونصب إسماعيل وإدريس وذا الكفل ، عطفا على أيوب ، ثم استؤنف بقوله ( كُلّ ) فقال ( كُلٌّ مِنَ الصَّابِرِينَ ) ومعنى الكلام: كلهم من أهل الصبر فيما نابهم في الله.
وَ اَدْخَلْنٰهُمْ فِیْ رَحْمَتِنَاؕ-اِنَّهُمْ مِّنَ الصّٰلِحِیْنَ(۸۶)
اور انہیں ہم نے اپنی رحمت میں داخل کیا، بیشک وہ ہمارے قربِ خاص کے سزاواروں میں ہیں،
وقوله ( وَأَدْخَلْنَاهُمْ فِي رَحْمَتِنَا إِنَّهُمْ مِنَ الصَّالِحِينَ ) يقول تعالى ذكره: وأدخلنا إسماعيل وإدريس وذا الكفل ، والهاء والميم عائدتان عليهم (في رحمتنا إنهم من الصالحين ) يقول: إنهم ممن صلح ، فأطاع الله ، وعمل بما أمره...
وَ ذَا النُّوْنِ اِذْ ذَّهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ اَنْ لَّنْ نَّقْدِرَ عَلَیْهِ فَنَادٰى فِی الظُّلُمٰتِ اَنْ لَّاۤ اِلٰهَ اِلَّاۤ اَنْتَ سُبْحٰنَكَ ﳓ اِنِّیْ كُنْتُ مِنَ الظّٰلِمِیْنَۚۖ(۸۷)
اور ذوالنون، کو (یاد کرو) (ف۱۴۹) جب چلا غصہ میں بھرا (ف۱۵۰) تو گمان کیا کہ ہم اس پر تنگی نہ کریں گے (ف۱۵۱) تو اندھیریوں میں پکارا (ف۱۵۲) کوئی معبود نہیں سوا تیرے پاکی ہے تجھ کو، بیشک مجھ سے بے جا ہوا (ف۱۵۳)
يقول تعالى ذكره: واذكر يا محمد ذا النون ، يعني صاحب النون، والنون: الحوت، وإنما عنى بذي النون، يونس بن متى ، وقد ذكرنا قصته في سورة يونس بما أغنى عن ذكره في هذا الموضع ، وقوله ( إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِبًا ) يقول: حين ذهب مغاضبا.واختلف أهل التأويل في معنى ذهابه مغاضبا ، وعمن كان ذهابه ، وعلى من كان غضبه ، فقال بعضهم: كان ذهابه عن قومه وإياهم غاضب.*ذكر من قال ذلك: حدثني محمد بن سعد ، قال: ثني أبي ، قال: ثني عمي ، قال: ثني أبي عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله ( وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِبًا ) يقول: غضب على قومه.حُدثت عن الحسين ، قال: سمعت أبا معاذ يقول : ثنا عبيد ، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله ( إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِبًا ) أما غضبه فكان على قومه.وقال آخرون: ذهب عن قومه مغاضبا لربه ، إذ كشف عنهم العذاب بعدما وعدهموه.*ذكر من قال ذلك: وذكر سبب مغاضبته ربه في قولهم:حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا سلمة ، عن ابن إسحاق ، عن يزيد بن زياد ، عن عبد الله بن أبي سلمة ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس ، قال: بعثه الله ، يعني يونس إلى أهل قريته ، فردّوا عليه ما جاءهم به وامتنعوا منه، فلما فعلوا ذلك أوحى الله إليه: إني مرسل عليهم العذاب في يوم كذا وكذا ، فاخرج من بين أظهرهم، فأعلم قومه الذي وعده الله من عذابه إياهم ، فقالوا: ارمقوه ، فإن خرج من بين أظهركم فهو والله كائن ما وعدكم، فلما كانت الليلة التي وُعدوا بالعذاب في صبحها أدلج ورآه القوم ، فخرجوا من القرية إلى براز من أرضهم ، وفرّقوا بين كل دابة وولدها ، ثم عجوا إلى الله ، فاستقالوه ، فأقالهم ، وتنظّر يونس الخبر عن القرية وأهلها ، حتى مر به مار ، فقال: ما فعل أهل القرية؟ فقال: فعلوا أن نبيهم خرج من بين أظهرهم ، عرفوا أنه صدقهم ما وعدهم من العذاب ، فخرجوا من قريتهم إلى براز من الأرض ، ثم فرقوا بين كل ذات ولد وولدها ، وعجُّوا إلى الله وتابوا إليه، فقبل منهم ، وأخَّر عنهم العذاب، قال: فقال يونس عند ذلك وغضب: والله لا أرجع إليهم كذّابا أبدا ، وعدتهم العذاب في يوم ثم رُدّ عنهم، ومضى على وجهه مغاضبا.حدثنا ابن بشار ، قال : ثنا محمد بن جعفر ، قال : ثنا عوف ، عن سعيد بن أبي الحسن ، قال: بلغني أن يونس لما أصاب الذنب ، انطلق مغاضبا لربه ، واستزله الشيطان ،حدثنا القاسم ، قال : ثنا الحسين ، قال : ثنا يحيى بن زكريا بن أبي زائدة ، عن مجالد بن سعيد ، عن الشعبي ، في قوله ( إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِبًا ) قال: مغاضبا لربه.حدثنا الحارث ، قال : ثنا عبد العزيز ، قال : ثنا سفيان ، عن إسماعيل بن عبد الملك ، عن سعيد بن جبير، فذكر نحو حديث ابن حميد ، عن سلمة ، وزاد فيه: قال: فخرج يونس ينظر العذاب ، فلم ير شيئا ، قال: جرّبوا عليّ كذبا، فذهب مغاضبا لربه حتى أتى البحر.حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا سلمة ، قال : ثنا محمد بن إسحاق ، عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن ، عن وهب بن منبه اليماني ، قال: سمعته يقول: إن يونس بن متى كان عبدا صالحا ، وكان في خلقه ضيق، فلما حملت عليه أثقال النبوّة ، ولها أثقال لا يحملها إلا قليل ، تفسخ تحتها تفسخ الربع (9) تحت الحمل ، فقذفها بين يديه ، وخرج هاربا منها ، يقول الله لنبيه صلى الله عليه وسلم فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُو الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلا تَكُنْ كَصَاحِبِ الْحُوتِ : أي لا تلق أمري كما ألقاه، وهذا القول ، أعني قول من قال: ذهب عن قومه مغاضبا لربه ، أشبه بتأويل الآية ، وذلك لدلالة قوله ( فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ ) على ذلك، على أن الذين وجهوا تأويل ذلك إلى أنه ذهب مغاضبا لقومه ، إنما زعموا أنهم فعلوا ذلك استنكارا منهم أن يغاضب نبيّ من الأنبياء ربه، واستعظاما له، وهم بقيلهم أنه ذهب مغاضبا لقومه قد دخلوا في أمر أعظم ما أنكروا ، وذلك أن الذين قالوا: ذهب مغاضبا لربه اختلفوا في سبب ذهابه كذلك ، فقال بعضهم: إنما فعل ما فعل من ذلك كراهة أن يكون بين قوم قد جربوا عليه الخلف فيما وعدهم ، واستحيا منهم ، ولم يعلم السبب الذي دفع به عنهم البلاء، وقال بعض من قال هذا القول: كان من أخلاق قومه الذين فارقهم قتل من جرّبوا عليه الكذب ، عسى أن يقتلوه من أجل أنه وعدهم العذاب ، فلم ينزل بهم ما وعدهم من ذلك ، وقد ذكرنا الرواية بذلك في سوره يونس ، فكرهنا إعادته في هذا الموضع.وقال آخرون: بل إنما غاضب ربه من أجل أنه أمر بالمصير إلى قوم لينذرهم بأسه ، ويدعوهم إليه ، فسأل ربه أن ينظره، ليتأهب للشخوص إليهم ، فقيل له: الأمر أسرع من ذلك ، ولم ينظر حتى شاء أن ينظر إلى أن يأخذ نعلا ليلبسها ، فقيل له نحو القول الأول ، وكان رجلا في خلقه ضيق ، فقال: أعجلني ربي أن آخذ نعلا فذهب مغاضبا.*وممن ذُكر هذا القول عنه: الحسن البصري، حدثني بذلك الحارث ، قال : ثنا الحسن بن موسى ، عن أبي هلال ، عن شهر بن حوشب ، عنه.قال أبو جعفر: وليس في واحد من هذين القولين من وصف نبيّ الله يونس صلوات الله عليه شيء إلا وهو دون ما وصفه بما وصفه الذين قالوا: ذهب مغاضبا لقومه ، لأن ذهابه عن قومه مغاضبا لهم ، وقد أمره الله تعالى بالمقام بين أظهرهم ، ليبلغهم رسالته ، ويحذّرهم بأسه ، وعقوبته على تركهم الإيمان به ، والعمل بطاعتك لا شك أن فيه ما فيه ، ولولا أنه قد كان صلى الله عليه وسلم أتى ما قاله الذين وصفوه بإتيان الخطيئة ، لم يكن الله تعالى ذكره ليعاقبه العقوبة التي ذكرها في كتابه ، ويصفه بالصفة التي وصفه بها ، فيقول لنبيه صلى الله عليه وسلم وَلا تَكُنْ كَصَاحِبِ الْحُوتِ إِذْ نَادَى وَهُوَ مَكْظُومٌ وَيَقُولُ فَالْتَقَمَهُ الْحُوتُ وَهُوَ مُلِيمٌ * فَلَوْلا أَنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ * لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ .وقوله ( فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ ) اختلف أهل التأويل في تأويله ، فقال بعضهم: معناه: فظنّ أن لن نعاقبه بالتضييق عليه من قولهم قدرت على فلان: إذا ضيقت عليه ، كما قال الله جلّ ثناؤه وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ .*ذكر من قال ذلك: حدثني علي ، قال : ثنا عبد الله بن صالح ، قال: ثني معاوية ، عن علي ، عن ابن عباس ، قوله ( فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ ) يقول: ظنّ أن لن يأخذه العذاب الذي أصابه.حدثني محمد بن سعد ، قال: ثني أبي ، قال: ثني عمي ، قال: ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ( فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ ) يقول: ظنّ أن لن نقضي عليه عقوبة ولا بلاء فيما صنع بقومه في غضبه إذ غضب عليهم ، وفراره وعقوبته أخذ النون إياه.حدثنا محمد بن المثنى ، قال : ثنا محمد بن جعفر ، عن شعبة ، عن الحكم ، عن مجاهد ، أنه قال في هذه الآية ( فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ ) قال: فظنّ أن لن نعاقبه بذنبه.حدثني موسى بن عبد الرحمن المسروقي ، قال : ثنا زيد بن حباب ، قال: ثني شعبة ، عن مجاهد ، ولم يذكر فيه الحكم.حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله ( فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ ) قال: يقول: ظنّ أن لن نعاقبه.حدثنا محمد بن عبد الأعلى ، قال : ثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، عن قتادة والكلبي ( فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ ) قالا ظنّ أن لن نقضي عليه العقوبة.حُدثت عن الحسين ، قال: سمعت أبا معاذ يقول : ثنا عبيد ، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله ( فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ ) يقول: ظنّ أن الله لن يقضي عليه عقوبة ولا بلاء في غضبه الذي غضب على قومه ، وفراقه إياهم.حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا جرير ، عن منصور ، عن ابن عباس ، في قوله ( فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ ) قال: البلاء الذي أصابه.وقال آخرون: بل معنى ذلك: فظن أنه يعجز ربه فلا يقدر عليه.*ذكر من قال ذلك: حدثنا ابن بشار ، قال : ثنا محمد بن جعفر ، قال : ثنا عوف ، عن سعيد بن أبي الحسن ، قال: بلغني أن يونس لما أصاب الذنب ، انطلق مغاضبا لربه ، واستزلَّه الشيطان ، حتى ظن أن لن نقدر عليه ، قال: وكان له سلف وعبادة وتسبيح ، فأبى الله أن يدعه للشيطان ، فأخذه فقذفه في بطن الحوت ، فمكث في بطن الحوت أربعين من بين ليلة ويوم ، فأمسك الله نفسه فلم يقتله هناك ، فتاب إلى ربه في بطن الحوت ، وراجع نفسه ، قال: فقال ( سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ ) قال: فاستخرجه الله من بطن الحوت برحمته ، بما كان سلف من العبادة والتسبيح ، فجعله من الصالحين ، قال عوف: وبلغني أنه قال في دعائه: وبنيت لك مسجدا في مكان لم يبنه أحد قبلي.حدثنا ابن بشار ، قال : ثنا هوذة ، قال : ثنا عوف ، عن الحسن ( فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ ) وكان له سلف من عبادة وتسبيح ، فتداركه الله بها فلم يدعه للشيطان.حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا سلمة ، عن ابن إسحاق ، عن عبد الرحمن بن الحارث ، عن إياس بن معاوية المدني ، أنه كان إذا ذكر عنده يونس ، وقوله ( فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ ) يقول إياس: فلِم فرّ؟وقال آخرون: بل ذلك بمعنى الاستفهام ، وإنما تأويله: أفظنّ أن لن نقدر عليه؟ذكر من قال ذلك: حدثني يونس ، قال: أخبرنا ابن وهب ، قال: قال ابن زيد ، في قوله ( فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ ) قال: هذا استفهام ، وفي قوله فَمَا تُغْنِ النُّذُرُ قال: استفهام أيضا.قال أبو جعفر: وأولى هذه الأقوال في تأويل ذلك عندي بالصواب ، قول من قال: عَنَى به: فظنّ يونس أن لن نحبسه ونضيق عليه ، عقوبة له على مغاضبته ربه.وإنما قلنا ذلك أولى بتأويل الكلمة ، لأنه لا يجوز أن ينسب إلى الكفر وقد اختاره لنبوته ، ووصفه بأن ظنّ أن ربه يعجز عما أراد به ولا يقدر عليه ، ووصف له بأنه جهل قدرة الله ، وذلك وصف له بالكفر ، وغير جائز لأحد وصفه بذلك، وأما ما قاله ابن زيد ، فإنه قول لو كان في الكلام دليل على أنه استفهام حسن ، ولكنه لا دلالة فيه على أن ذلك كذلك، والعرب لا تحذف من الكلام شيئا لهم إليه حاجة إلا وقد أبقت دليلا على أنه مراد في الكلام ، فإذا لم يكن في قوله ( فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ ) دلالة على أن المراد به الاستفهام كما قال ابن زيد ، كان معلوما أنه ليس به وإذا فسد هذان الوجهان ، صح الثالث وهو ما قلنا.وقوله ( فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ ) اختلف أهل التأويل في المعنيّ بهذه الظلمات ، فقال بعضهم: عني بها ظلمة الليل ، وظلمة البحر ، وظلمة بطن الحوت.*ذكر من قال ذلك: حدثنا القاسم ، قال : ثنا الحسين ، قال: ثني حجاج ، عن إسرائيل ، عن أبي إسحاق ، عن عمرو بن ميمون ( فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ ) قال: ظلمة بطن الحوت ، وظلمة البحر ، وظلمة الليل ، وكذلك قال أيضا ابن جريج.حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا سلمة ، عن ابن إسحاق ، عن يزيد بن زياد ، عن عبد الله بن أبي سلمة ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس ، قال: نادى في الظلمات: ظلمة الليل ، وظلمة البحر ، وظلمة بطن الحوت ( لا إِلَهَ إِلا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ ) .حدثني محمد بن إبراهيم السلمي ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال: أخبرنا محمد بن رفاعة ، قال: سمعت محمد بن كعب يقول في هذه الآية ( فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ ) قال: ظلمة الليل ، وظلمة البحر ، وظلمة بطن الحوت.حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله ( فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ ) قال: ظلمة الليل ، وظلمة البحر ، وظلمة بطن الحوت.حدثنا محمد بن عبد الأعلى ، قال : ثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، عن قتادة ( فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ ) قال: ظلمة بطن الحوت ، وظلمة البحر ، وظلمة الليل.وقال آخرون: إنما عنى بذلك أنه نادى في ظلمة جوف حوت في جوف حوت آخر في البحر ، قالوا: فذلك هو الظلمات.*ذكر من قال ذلك : حدثنا ابن بشار ، قال : ثنا عبد الرحمن ، قال : ثنا سفيان ، عن منصور ، عن سالم بن أبي الجعد ( فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ ) قال: أوحى الله إلى الحوت أن لا تضرّ له لحما ولا عظما ، ثم ابتلع الحوت حوت آخر ، قال ( فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ ) قال: ظلمة الحوت ، ثم حوت ، ثم ظلمة البحر.قال أبو جعفر: والصواب من القول في ذلك أن يقال: إن الله أخبر عن يونس أنه ناداه في الظلمات ( أَنْ لا إِلَهَ إِلا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ ) ولا شك أنه قد عنى بإحدى الظلمات: بطن الحوت ، وبالأخرى: ظلمة البحر ، وفي الثالثة اختلاف ، وجائز أن تكون تلك الثالثة : ظلمة الليل ، وجائز أن تكون كون الحوت في جوف حوت آخر ، ولا دليل يدلّ على أيّ ذلك من أيّ ، فلا قول في ذلك أولى بالحقّ من التسليم لظاهر التنزيل.وقوله ( لا إِلَهَ إِلا أَنْتَ سُبْحَانَكَ ) يقول: نادى يونس بهذا القول معترفا بذنبه تائبا من خطيئته ( إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ ) في معصيتي إياك .كما حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا سلمة ، عن ابن إسحاق ، عن يزيد بن زياد ، عن عبد الله بن أبي سلمة ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس ، قال ( فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لا إِلَهَ إِلا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ ) معترفا بذنبه ، تائبا من خطيئته.حدثنا القاسم ، قال : ثنا الحسين ، قال: ثني حجاج ، قال ، أبو معشر: قال محمد بن قيس: قوله ( لا إِلَهَ إِلا أَنْتَ سُبْحَانَكَ ) ما صنعتُ من شيء فلم أعبد غيرك ، (إني كنت من الظالمين ) حين عصيتك.حدثنا القاسم ، قال : ثنا الحسين ، قال : ثنا جعفر بن سليمان ، عن عوف الأعرابي ، قال: لما صار يونس في بطن الحوت ظن أنه قد مات ، ثم حرّك رجله ، فلما تحركت سجد مكانه ، ثم نادى: يا ربّ اتخذت لك مسجدا في موضع ما اتخذه أحد.حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا سلمة ، قال: ثني ابن إسحاق عمن حدثه ، عن عبد الله بن رافع ، مولى أم سلمة زوج النبيّ صلى الله عليه وسلم ، قال: سمعت أبا هريرة يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لَمَّا أَرَادَ اللهُ حَبْسَ يُونُسَ فِي بَطْنِ الحُوتِ ، أَوْحَى اللهُ إِلَى الحُوتِ: أَنْ خُذْهُ وَلا تَخْدِشْ لَهُ لَحْما وَلا تَكْسِرْ عَظْما، فَأَخَذهُ ، ثُمّ هَوَى بِهِ إلى مسْكَنِهِ مِنَ البَحْرِ ، فَلَمَّا انْتَهَى بِهِ إلى أَسْفَلِ البَحْرِ ، سَمِعَ يُونُسُ حِسًّا ، فَقَالَ فِي نَفْسِهِ: مَا هَذَا؟ قالَ: فَأَوْحَى اللهُ إِليْهِ وَهُوَ فِي بَطْنِ الحُوتِ: إِنَّ هَذَا تَسْبِيحُ دَوَابِّ البَحْرِ ، قَالَ: فَسَبَّحَ وَهُوَ فِي بَطْنِ الحُوتِ ، فَسَمِعَتِ المَلائِكَةُ تَسْبِيحَهُ ، فَقَالُوا: يَا ربَنّا إِنَّا نَسْمَعُ صَوْتا ضَعِيفا بِأَرْضِ غَرِيبَهٍ؟ قَالَ: ذَاكَ عَبْدِي يُونُسُ ، عَصَانِي فَحَبَسْتُه فِي بَطْنِ الحُوتِ فِي البَحْرِ ، قَالُوا: العَبْد الصَالِحُ الَّذِي كانَ يَصْعَدُ إِلَيْكَ مِنْهُ فِي كُلِّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ عَمَلٌ صَالِحٌ؟ قَالَ: نَعَم ْ، قَالَ: فَشَفَعُوا لَهُ عِنْدَ ذَلكَ ، فَأَمَرَ الحُوتَ فَقَذَفَه فِي السَّاحِلِ ، كما قالَ اللهُ تَبَارَك َ وَتَعالى: وَهُوَ سَقِيمٌ".-------------------------------الهوامش :(9) الربع : ولد الناقة أول ما يحمل عليه .
فَاسْتَجَبْنَا لَهٗۙ-وَ نَجَّیْنٰهُ مِنَ الْغَمِّؕ-وَ كَذٰلِكَ نُـْۨجِی الْمُؤْمِنِیْنَ(۸۸)
تو ہم نے اس کی پکار سن لی اور سے غم سے نجات بخشی (ف۱۵۴) اور ایسی ہی نجات دیں گے مسلمانوں کو (ف۱۵۵)
يقول تعالى ذكره ( فَاسْتَجَبْنَا ) ليونس دعاءه إيانا ، إذ دعانا في بطن الحوت ، ونجيناه من الغمّ الذي كان فيه بحبْسناه في بطن الحوت وغمه بخطيئته وذنبه ( وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ ) ، يقول جلّ ثناؤه: وكما أنجينا يونس من كرب الحبس في بطن الحوت في البحر إذ دعانا ، كذلك ننجي المؤمنين من كربهم إذا استغاثوا بنا ودعونا.وبنحو الذي قلنا في ذلك جاء الأثر.*ذكر من قال ذلك: حدثنا عمران بن بكار الكُلاعيّ ، قال : ثنا يحيى بن عبد الرحمن ، قال : ثنا أبو يحيى بن عبد الرحمن ، قال: ثني بشر بن منصور ، عن علي بن زيد ، عن سعيد بن المسيب ، قال: سمعت سعد بن مالك يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " اسْمُ اللهِ الَّذِي إِذَا دُعِيَ بِهِ أَجَابَ وَإِذَا سُئِلَ بِهِ أَعْطَى ، دَعْوَة يُونُسَ بْنِ مَتَّى ، قال: فقلت: يا رسول الله ، هي ليونس بن متى خاصة أم لجماعة المسلمين؟ قال: هِيَ لِيُونُسَ بْنِ مَتَّى خَاصَّةً ، وَلِلْمُؤْمِنِينَ عَامَّة إِذَا دَعَوْا بِهَا ، أَلَمْ تَسْمَعْ قَوْلَ اللهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لا إِلَهَ إِلا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ * فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ فهو شرط الله لمن دعاه بها.واختلفت القراء في قراءة قوله ( نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ ) فقرأت ذلك قراء الأمصار ، سوى عاصم ، بنونين الثانية منهما ساكنة ، من أنجيناه ، فنحن ننجيه ، وإنما قرءوا ذلك كذلك وكتابته في المصاحف بنون واحدة ، لأنه لو قرئ بنون واحدة وتشديد الجيم ، بمعنى ما لم يسم فاعله ، كان " المؤمنون " رفعا ، وهم في المصاحف منصوبون ، ولو قرئ بنون واحدة وتخفيف الجيم ، كان الفعل للمؤمنين وكانوا رفعا ، ووجب مع ذلك أن يكون قوله " نجى " مكتوبا بالألف ، لأنه من ذوات الواو ، وهو في المصاحف بالياء.فإن قال قائل: فكيف كتب ذلك بنون واحد ، وقد علمت أن حكم ذلك إذا قرئ( نُنَجِّي ) أن يُكتب بنونين؟ قيل: لأن النون الثانية لما سكنت وكان الساكن غير ظاهر على اللسان حذفت كما فعلوا ذلك ب " إلا " لا فحذفوا النون من " إنْ" لخفائها ، إذ كانت مندغمة في اللام من " لا " ، وقرأ ذلك عاصم (نُجِّي المُؤْمِنِينَ) بنون واحدة ، وتثقيل الجيم ، وتسكين الياء ، فإن يكن عاصم وجه قراءته ذلك إلى قول العرب: ضرب الضرب زيدا ، فكنى عن المصدر الذي هو النجاء ، وجعل الخبر ، أعني خبر ما لم يسمّ فاعله المؤمنين ، كأنه أراد : وكذلك نَجَّى المؤمنين ، فكنى عن النجاء ، فهو وجه ، وإن كان غيره أصواب ، وإلا فإن الذي قرأ من ذلك على ما قرأه لحن ، لأن المؤمنين اسم على القراءة التي قرأها ما لم يسم فاعله ، والعرب ترفع ما كان من الأسماء كذلك ، وإنما حمل عاصما على هذه القراءة أنه وجد المصاحف بنون واحدة وكان في قراءته إياه على ما عليه قراءة القرّاء إلحاق نون أخرى ليست في المصحف ، فظنَّ أن ذلك زيادة ما ليس في المصحف ، ولم يعرف لحذفها وجها يصرفه إليه.قال أبو جعفر: والصواب من القراءة التي لا استجيز غيرها في ذلك عندنا ما عليه قرّاء الأمصار ، من قراءته بنونين وتخفيف الجيم ، لإجماع الحجة من القرّاء عليها وتخطئتها خلافه.
وَ زَكَرِیَّاۤ اِذْ نَادٰى رَبَّهٗ رَبِّ لَا تَذَرْنِیْ فَرْدًا وَّ اَنْتَ خَیْرُ الْوٰرِثِیْنَۚۖ(۸۹)
اور زکریا کو جب اس نے اپنے رب کو پکارا، اے میرے رب مجھے اکیلا نہ چھوڑ (ف۱۵۶) اور تو سب سے بہتر اور وارث (ف۱۵۷)
يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم:واذكر يا محمد زكريا حين نادى ربه ( رَبِّ لا تَذَرْنِي ) وحيدا(فَرْدًا ) لا ولد لي ولا عقب ( وَأَنْتَ خَيْرُ الْوَارِثِينَ ) يقول: فارزقني وارثا من آل يعقوب يرثني ، ثم ردّ الأمر إلى الله فقال وأنت خير الوارثين .
فَاسْتَجَبْنَا لَهٗ٘-وَ وَهَبْنَا لَهٗ یَحْیٰى وَ اَصْلَحْنَا لَهٗ زَوْجَهٗؕ-اِنَّهُمْ كَانُوْا یُسٰرِعُوْنَ فِی الْخَیْرٰتِ وَ یَدْعُوْنَنَا رَغَبًا وَّ رَهَبًاؕ-وَ كَانُوْا لَنَا خٰشِعِیْنَ(۹۰)
تو ہم نے اس کی دعا قبول کی اور اسے (ف۱۵۸) یحییٰ عطا فرمایا اور اس کے لیے اس کی بی بی سنواری (ف۱۵۹) بیشک وہ (ف۱۶۰) بھلے کاموں میں جلدی کرتے تھے اور ہمیں پکارتے تھے امید اور خوف سے، اور ہمارے حضور گڑگڑاتے ہیں،
يقول الله جلّ ثناؤه: فاستجبنا لزكريا دعاءه ، ووهبنا له يحيى ولدا ووارثا يرثه ، وأصلحنا له زوجه.واختلف أهل التأويل في معنى الصلاح الذي عناه الله جلّ ثناؤه بقوله ( وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ ) فقال بعضهم: كانت عقيما فأصلحها بأن جعلها وَلُودا.*ذكر من قال ذلك:حدثنا محمد بن عبيد المحاربي ، قال : ثنا حاتم بن إسماعيل ، عن حميد بن صخر ، عن عمار ، عن سعيد ، في قوله ( وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ ) قال: كانت لا تلد.حدثنا القاسم ، قال : ثنا الحسين ، قال: ثني حجاج ، عن ابن جريج ، قال: قال ابن عباس ، في قوله ( وأصلحنا له زوجه ) قال: وهبنا له ولدها.حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة قوله ( وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ ) كانت عاقرا ، فجعلها الله ولودا ، ووهب له منها يحيى.وقال آخرون: كانت سيئة الخلق ، فأصلحها الله له بأن رزقها حُسن الخُلُق.قال أبو جعفر: والصواب من القول في ذلك أن يقال: إن الله أصلح لزكريا زوجه ، كما أخبر تعالى ذكره بأن جعلها ولودا حسنة الخُلُق ، لأن كل ذلك من معاني إصلاحه إياها ، ولم يخصُصِ الله جلّ ثناؤه بذلك بعضا دون بعض في كتابه ، ولا على لسان رسوله ، ولا وضع ، على خصوص ذلك دلالة ، فهو على العموم ما لم يأت ما يجب التسليم له بأن ذلك مراد به بعض دون بعض.وقوله ( إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ ) يقول الله: إن الذين سميناهم ، يعني زكريا وزوجه ويحيى ، كانوا يسارعون في الخيرات في طاعتنا ، والعمل بما يقرّبهم إلينا، وقوله ( وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا ) يقول تعالى ذكره: وكانوا يعبدوننا رغبا ورهبا ، وعنى بالدعاء في هذا الموضع: العبادة ، كما قال وَأَعْتَزِلُكُمْ وَمَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَأَدْعُو رَبِّي عَسَى أَلا أَكُونَ بِدُعَاءِ رَبِّي شَقِيًّا ويعنى بقوله ( رَغَبا ) أنهم كانوا يعبدونه رغبة منهم فيما يرجون منه من رحمته وفضله (وَرَهَبا ) يعني رهبة منهم من عذابه وعقابه ، بتركهم عبادته وركوبهم معصيته.وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.*ذكر من قال ذلك: حدثنا القاسم ، قال : ثنا الحسين ، قال: ثني حجاج ، عن ابن جريج ( إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا ) قال: رغبا في رحمة الله ، ورهبا من عذاب الله.حدثني يونس ، قال: أخبرنا ابن وهب ، قال: قال ابن زيد ، في قوله ( وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا ) قال: خوفا وطمعا ، قال: وليس ينبغي لأحدهما أن يفارق الآخر.واختلفت القرّاء في قراءة ذلك ، فقرأته عامة قرّاء الأمصار ( رَغَبًا وَرَهَبًا ) بفتح الغين والهاء من الرغَب والرهَب ، واختلف عن الأعمش في ذلك ، فرُويت عنه الموافقة في ذلك للقرّاء ، ورُوي عنه أنه قرأها رُغْبا ورُهْبا بضم الراء في الحرفين وتسكين الغين والهاء.والصواب من القراءة في ذلك ما عليه قرّاء الأمصار ، وذلك الفتح في الحرفين كليهما.وقوله ( وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ ) يقول: وكانوا لنا متواضعين متذللين ، ولا يستكبرون عن عبادتنا ودعائنا.
وَ الَّتِیْۤ اَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِیْهَا مِنْ رُّوْحِنَا وَ جَعَلْنٰهَا وَ ابْنَهَاۤ اٰیَةً لِّلْعٰلَمِیْنَ(۹۱)
اور اس عورت کو اس نے اپنی پارسائی نگاہ رکھی (ف۱۶۱) تو ہم نے اس میں اپنی روح پھونکی (ف۱۶۲) اور اسے اور اس کے بیٹے کو سارے جہاں کے لیے نشانی بنایا (ف۱۶۳)
يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: واذكر التي أحصنت فرجها ، يعني مريم بنت عمران.ويعني بقوله ( أَحْصَنَتْ ) : حفظت فرجها ومنعت فرجها مما حرم الله عليها إباحته فيه.واختلف في الفرج الذي عنى الله جلّ ثناؤه أنها أحصنته ، فقال بعضهم: عنى بذلك فرج نفسها أنها حفظته من الفاحشة.وقال آخرون: عنى بذلك جيب درعها أنها منعت جبرائيل منه قبل أن تعلم أنه رسول ربها ، وقبل أن تثبته معرفة، قالوا: والذي يدلّ على ذلك قوله ( فَنَفَخْنَا فِيهَا ) ويعقب ذلك قوله ( وَالَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا ) قالوا: وكان معلوما بذلك أن معنى الكلام: والتي أحصنت جيبها( فَنَفَخْنَا فِيهَا مِنْ رُوحِنَا ) .قال أبو جعفر: والذي هو أولى القولين عندنا بتأويل ذلك قول من قال: أحصنت فرجها من الفاحشة ، لأن ذلك هو الأغلب من معنييه عليه ، والأظهر في ظاهر الكلام ، ( فَنَفَخْنَا فِيهَا مِنْ رُوحِنَا ) يقول: فنفخنا في جيب درعها من روحنا ، وقد ذكرنا اختلاف المختلفين في معنى قوله ( فَنَفَخْنَا فِيهَا ) في غير هذا الموضع ، والأولى بالصواب من القول في ذلك فيما مضى بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع.وقوله ( وَجَعَلْنَاهَا وَابْنَهَا آيَةً لِلْعَالَمِينَ ) يقول: وجعلنا مريم وابنها عبرة لعالمي زمانهما يعتبرون بهما ويتفكرون في أمرهما ، فيعلمون عظيم سلطاننا وقدرتنا على ما نشاء: وقيل آية ولم يقل آيتين وقد ذكر آيتين ، لأن معنى الكلام: جعلناهما عَلَما لنا وحجة ، فكل واحدة منهما في معنى الدلالة على الله ، وعلى عظيم قدرته يقوم مقام الآخر إذا كان أمرهما في الدلالة على الله واحدا.
اِنَّ هٰذِهٖۤ اُمَّتُكُمْ اُمَّةً وَّاحِدَةً ﳲ وَّ اَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُوْنِ(۹۲)
بیشک تمہارا یہ دین ایک ہی دین ہے (ف۱۶۴) اور میں تمہارا رب ہوں (ف۱۶۵) تو میری عبادت کرو،
يقول تعالى ذكره: إن هذه ملتكم ملة واحدة ، وأنا ربكم أيها الناس فاعبدون دون الآلهة والأوثان وسائر ما تعبدون من دوني.وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.*ذكر من قال ذلك: حدثني عليّ ، قال : ثنا عبد الله ، قال: ثني معاوية ، عن علي ، عن ابن عباس ، قوله ( أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً ) يقول: دينكم دين واحد.حدثنا القاسم ، قال : ثنا الحسين ، قال: ثني حجاج ، عن ابن جريج ، قال: قال مجاهد ، في قوله ( إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً ) قال: دينكم دين واحد ، ونصبت الأمة الثانية على القطع ، وبالنصب قرأه جماعة قرّاء الأمصار ، وهو الصواب عندنا ، لأن الأمة الثانية نكرة، والأولى معرفة .وإذ كان ذلك كذلك ، وكان الخبر قبل مجيء النكرة مستغنيا عنها كان وجه الكلام النصب ، هذا مع إجماع الحجة من القراء عليه ، وقد ذكر عن عبد الله بن أبي إسحاق رفع ذلك أنه قرأه (أُمَّة وَاحِدَةٌ) بنية تكرير الكلام ، كأنه أراد: إن هذه أمتكم هذه أمة واحدة.
وَ تَقَطَّعُوْۤا اَمْرَهُمْ بَیْنَهُمْؕ-كُلٌّ اِلَیْنَا رٰجِعُوْنَ۠(۹۳)
اور اَوروں نے اپنے کام آپس میں ٹکڑے ٹکڑے کرلیے (ف۱۶۶) سب کو ہماری طرف پھرنا ہے، (ف۱۶۷)
يقول تعالى ذكره: وتفرّق الناس في دينهم الذي أمرهم الله به ودعاهم إليه ، فصاروا فيه أحزابا ، فَهَودت اليهود ، وتنصَّرت النصارى وعُبدت الأوثان ، ثم أخبر جلّ ثناؤه عما هم إليه صائرون ، وأن مرجع جميع أهل الأديان إليه ، متوعدا بذلك أهل الزيغ منهم والضلال ، ومعلمهم أنه لهم بالمرصاد ، وأنه مجاز جميعهم جزاء المحسن بإحسانه، والمسيء بإساءته.وبنحو الذي قلنا في تأويل قوله ( وَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ ) قال أهل التأويل.*ذكر من قال ذلك: حدثني يونس ، قال: أخبرنا ابن وهب ، قال: قال ابن زيد ، في قوله ( وَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ ) قال: تقطَّعوا: اختلفوا ، في الدين.
فَمَنْ یَّعْمَلْ مِنَ الصّٰلِحٰتِ وَ هُوَ مُؤْمِنٌ فَلَا كُفْرَانَ لِسَعْیِهٖۚ-وَ اِنَّا لَهٗ كٰتِبُوْنَ(۹۴)
تو جو کچھ بھلے کام کرے اور ہو ایمان والا تو اس کی کوشش کی بے قدری نہیں، اور ہم اسے لکھ رہے ہیں،
يقول تعالى ذكره: فمن عمل من هؤلاء الذين تفرقوا في دينهم بما أمره الله به من العمل الصالح ، وأطاعه في أمره ونهيه ، وهو مقرّ بوحدانية الله ؛ مصدّق بوعده ووعيده متبرّئ من الأنداد والآلهة ( فَلا كُفْرَانَ لِسَعْيِهِ ) يقول: فإن الله يشكر عمله الذي عمل له مطيعا له ، وهو به مؤمن ، فيثيبه في الآخرة ثوابه الذي وعد أهل طاعته أن يثيبهموه ، ولا يكفر ذلك له فيجحده ، ويحرمه ثوابه على عمله الصالح ( وَإِنَّا لَهُ كَاتِبُونَ ) يقول : ونحن نكتب أعماله الصالحة كلها ، فلا نترك منها شيئا لنجزيه على صغير ذلك وكبيره وقليله وكثيره .قال أبو جعفر: والكفران مصدر من قول القائل: كفرت فلانا نعمته فأنا أكفُره كُفْرا وكُفْرانا ومنه قوله الشاعر:مِنَ النَّاسِ ناسٌ ما تَنامُ خُدُودهُموخَدّي وَلا كُفْرَانَ لله نائِمُ (1)-----------------------الهوامش :(1) البيت شاهد على أن الكفران في قوله تعالى : ( فلا كفران لسعيه ) مصدر من قول القائل : كفرت فلانا نعمته ، فأنا أكفره كفرا وكفرانا . قال في ( اللسان : كفر ) : وتقول : كفر نعمة الله ، وبنعمة الله ، كفرا وكفرانا وكفورا .
وَ حَرٰمٌ عَلٰى قَرْیَةٍ اَهْلَكْنٰهَاۤ اَنَّهُمْ لَا یَرْجِعُوْنَ(۹۵)
اور حرام ہے اس بستی پر جسے ہم نے ہلاک کردیا کہ پھر لوٹ کر آئیں (ف۱۶۸)
اختلفت القرّاء في قراءة قوله ( وَحَرَامٌ ) فقرأته عامة قرّاء أهل الكوفة (وَحِرْمٌ) بكسر الحاء ، وقرأ ذلك عامة قرّاء أهل المدينة والبصرة ( وَحَرَامٌ ) بفتح الحاء والألف.والصواب من القول في ذلك أنهما قراءتان مشهورتان متفقتا المعنى غير مختلفتيه ، وذلك أن الحِرْم هو الحرام ، والحرام هو الحِرْم ، كما الحلّ هو الحلال والحلال هو الحل ، فبأيتهما قرأ القارئ فمصيب ، وكان ابن عباس يقرؤه: (وَحِرم) بتأويل: وعزم.حدثني يعقوب بن إبراهيم ، قال : ثنا بن علية ، عن أبي المعلى ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس ، كان يقرؤها(وَحِرْمَ على قرية) قال: فقلت ، لسعيد: أيّ شيء حرم؟ قال: عزم.حدثنا محمد بن المثنى ، قال : ثنا محمد بن جعفر ، قال : ثنا شعبة ، عن أبي المعلى ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس ، كان يقرؤها(وحِرْمٌ عَلى قَرْيةٍ) قلت لأبي المعلى: ما الحرم؟ قال: عزم عليها.حدثنا ابن المثنى ، قال : ثنا عبد الأعلى ، قال : ثنا داود ، عن عكرمة ، عن ابن عباس: أنه كان يقرأ هذه الآية ( وَحِرْمٌ عَلى قَرْيَة أهْلَكْناها أَنَّهُمْ لا يَرْجِعُونَ ) فلا يرجع منهم راجع ، ولا يتوب منهم تائب.حدثنا ابن المثنى ، قال : ثنا عبد الوهاب ، قال : ثنا داود عن عكرمة ، قال ( وَحَرَامٌ عَلَى قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا أَنَّهُمْ لا يَرْجِعُونَ ) قال: لم يكن ليرجع منهم راجع ، حرام عليهم ذلك.حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا عيسى بن فرقد ، قال : ثنا جابر الجعفي ، قال: سألت أبا جعفر عن الرجعة ، فقرأ هذه الآية ( وَحَرَامٌ عَلَى قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا أَنَّهُمْ لا يَرْجِعُونَ ) .فكأن أبا جعفر وجه تأويل ذلك إلى أنه: وحرام على أهل قرية أمتناهم أن يرجعوا إلى الدنيا ، والقول الذي قاله عكرمة في ذلك أولى عندي بالصواب ، وذلك أن الله تعالى ذكره أخبر عن تفريق الناس دينهم الذي بُعث به إليهم الرسل ، ثم أخبر عن صنيعه بمن عم بما دعته إليه رسله من الإيمان به والعمل بطاعته ، ثم أتبع ذلك قوله ( وَحَرَامٌ عَلَى قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا أَنَّهُمْ لا يَرْجِعُونَ ) فلأن يكون ذلك خبرا عن صنيعه بمن أبى إجابة رسله وعمل بمعصيته ، وكفر به ، أحرى ، ليكون بيانا عن حال القرية الأخرى التي لم تعمل الصالحات وكفرت به.فإذا كان ذلك كذلك ، فتأويل الكلام: حرام على أهل قرية أهلكناهم بطبعنا على قلوبهم وختمنا على أسماعهم وأبصارهم ، إذ صدّوا عن سبيلنا وكفروا بآياتنا ، أن يتوبوا ويراجعوا الإيمان بنا واتباع أمرنا والعمل بطاعتنا ، وإذ كان ذلك تأويل قوله الله (وَحِرْمٌ) وعزم ، على ما قال سعيد ، لم تكن " لا " في قوله ( أَنَّهُمْ لا يَرْجِعُونَ ) صلة ، بل تكون بمعنى النفي ، ويكون معنى الكلام: وعزم منا على قرية أهلكناها أن لا يرجعوا عن كفرهم ، وكذلك إذا كان معنى قوله (وَحَرَمٌ. نوجبه ، وقد زعم بعضهم أنها في هذا الموضع صلة ، فإن معنى الكلام: وحرام على قرية أهلكناها أن يرجعوا ، وأهل التأويل الذين ذكرناهم كانوا أعلم بمعنى ذلك منه.
حَتّٰۤى اِذَا فُتِحَتْ یَاْجُوْجُ وَ مَاْجُوْجُ وَ هُمْ مِّنْ كُلِّ حَدَبٍ یَّنْسِلُوْنَ(۹۶)
یہاں تک کہ جب کھولے جائیں گے یاجوج و ماجوج (ف۱۶۹) اور وہ ہر بلندی سے ڈھلکتے ہوں گے،
يقول تعالى ذكره: حتى إذا فُتح عن يأجوج ومأجوج ، وهما أمَّتان من الأمم ردُمهما .كما حدثني عصام بن داود بن الجراح ، قال: ثني أبي ، قال : ثنا سفيان بن سعيد الثوري ، قال : ثنا منصور بن المعتمر ، عن رِبْعِيّ بن حِرَاش ، قال: سمعت حُذيفة بن اليمان يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أَوَّلُ الآياتِ: الدَّجاَّلُ ، وَنزولُ عِيسَى ، وَنارٌ تَخْرُجُ مِنْ قَعْرِ عَدَنِ أَبْيَنَ ، تَسُوقُ النَّاسَ إِلى المَحْشَرِ ، تُقِيلُ مَعَهُمْ إِذَا قَالُوا ، وَالدُّخانُ ، والدَّابَّةُ ، ثُمّ يَأْجُوجُ وَمأْجُوجُ. قال حُذيفة: قلت: يا رسول الله ، وما يأجوج ومأجوج؟ قال: يَأْجُوجُ وَمأْجُوجُ أُمَمٌ كُلُّ أُمَّةِ أَرْبَعَ مِائَةِ أَلْفٍ ، لا يَمُوتُ الرَّجُلُ مِنْهُمْ حتى يَرَى أَلْفَ عَيْنٍ تَطْرِفُ بَيْنَ يَدَيْهِ مِنْ صُلْبِهِ ، وَهُمْ وَلَدُ آدَمَ ، فَيَسِيرُونَ إِلَى خَرَابِ الدُّنْيَا ، يَكُونُ مُقَدِّمَتُهُمْ بِالشَّامِ وَسَاقَتُهُمْ بِالعِرَاقِ ، فَيَمُرُّونَ بِأَنْهَارِ الدُّنْيا ، فَيَشْرَبونَ الفُراتَ والدَّجْلَةَ وَبُحَيْرَةَ الطَّبَرِيَّةِ حَتَّى يَأْتُوا بَيْتَ المَقْدِسِ ، فَيَقُولُونَ قَدْ قَتَلْنَا أَهْلَ الدُّنْيَا فَقَاتِلُوا مَنْ فِي السَّماءِ ، فَيَرْمُونَ بالنَّشابِ إلى السَّماءِ ، فَتَرْجِعُ نُشَابُهُمْ مُخَضَّبَةً بِالدَّمِ ، فَيَقُولُونَ قَدْ قَتَلْنَا مَنْ فِي السَّماءِ ، وَعِيسَى وَالمُسْلِمُونَ بِجَبَلِ طُورِ سِينِينَ ، فَيُوحِي اللهُ جَلَّ جَلالُهُ إِلَى عِيسَى: أَنْ أَحْرِزْ عِبَادِي بِالطُّورِ وَمَا يَلِي أَيْلَةَ، ثُمّ إِنَّ عِيسَى يَرْفَعُ رَأْسَهُ إِلَى السَّماءِ وَيَؤَمِّنُ المَسْلِمُونَ ، فَيَبْعَثُ اللهُ عَلَيْهِمْ دَابَّةً يُقَالُ لَهَا النَّغَفُ ، تَدْخُلُ مِنْ مَنَاخِرِهِمْ فَيُصْبِحُونَ مَوْتَى مِنْ حاقِ الشَّامِ إلى حاقِ العِرَاقِ ، حتى تَنْتِنَ الأرْضُ مِنْ جِيَفِهِمْ ، وَيَأْمُرُ الله السَّماءَ فَتُمْطِرُ كأفْواهِ القِرَبِ ، فَتَغْسِلُ الأرْضَ مِنْ جِيَفِهِمْ وَنَتَنْهِمْ ، فَعِنْدَ ذَلِكَ طُلُوع الشَّمْسِ مِنْ مَغْرِبِهَا ".حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا حكام ، عن أبي جعفر ، عن الربيع ، عن أبي العالية ، قال: إن يأجوج ومأجوج يزيدون على سائر الإنس الضِّعف ، وإن الجنّ يزيدون على الإنس الضعف ، وإن يأجوج ومأجوج رجلان اسمهما يأجوج ومأجوج.حدثنا ابن المثنى ، قال : ثنا محمد بن جعفر ، قال : ثنا شعبة ، عن أبي إسحاق ، قال: سمعت وهب بن جابر يحدث ، عن عبد الله بن عمرو أنه قال: إن يأجوج ومأجوج يمر أولهم بنهر مثل دجلة ، ويمرّ آخرهم فيقول: قد كان في هذا مرّة ماء ، لا يموت رجل منهم إلا ترك من ذريته ألفا فصاعدا ، وقال: مِن بعدهم ثلاثُ أمم لا يعلم عددهم إلا الله: تأويل ، وتاريس ، وناسك أو منسك ، شكّ شعبة.حدثنا ابن بشار ، قال : ثنا يحيى ، قال : ثنا سفيان ، عن أبي إسحاق ، عن وهب بن جابر الخيواني ، قال: سألت عبد الله بن عمرو ، عن يأجوج ومأجوج ، أمن بني آدم هم؟ قال: نعم ، ومن بعدهم ثلاث أمم لا يعلم عددهم إلا الله، تاريس ، وتأويل ، ومنسك.حدثنا ابن المثنى ، قال : ثنا سهل بن حماد أبو عتاب ، قال : ثنا شعبة ، عن النعمان بن سالم ، قالا سمعت نافع بن جبير بن مطعم يقول: قال عبد الله بن عمرو: يأجوج ومأجوج لهم أنهار يَلْقَمون ما شاءوا ، ونساء يجامعون ما شاءوا ، وشجر يلقمون ما شاءوا ، ولا يموت رجل إلا ترك من ذريته ألفا فصاعدا.حدثنا محمد بن عمارة ، قال : ثنا عبد الله بن موسى ، قال: أخبرنا زكريا ، عن عامر ، عن عمرو بن ميمون ، عن عبد الله بن سلام ، قال: ما مات أحد من يأجوج ومأجوج إلا ترك ألف ذرء فصاعدا.حدثني يحيى بن إبراهيم المسعودي ، قال : ثنا أبي ، عن أبيه ، عن جده ، عن الأعمش ، عن عطية ، قال: قال أبو سعيد: يخرج يأجوج ومأجوج فلا يتركون أحدا إلا قتلوه ، إلا أهل الحصون ، فيمرّون على البحيرة فيشربونها ، فيمرّ المارُّ فيقول: كأنه كان ههنا ماء ، قال: فبعث الله عليهم النغف حتى يكسر أعناقهم فيصيروا خبالا فتقول أهل الحصون: لقد هلك أعداء الله ، فيدلون رجلا لينظر ، ويشترط عليهم إن وجدهم أحياء أن يرفعوه ، فيجدهم قد هلكوا ، قال: فينزل الله ماء من السماء فيقذفهم في البحر ، فتطهر الأرض منهم ، ويغرس الناس بعدهم الشجر والنخل ، وتخرج الأرض ثمرتها كما كانت تخرج في زمن يأجوج ومأجوج.حدثنا محمد بن المثنى ، قال : ثنا محمد بن جعفر ، قال : ثنا شعبة ، عن عبيد الله بن أبي يزيد ، قال: رأى ابن عباس صبيانا ينزو بعضهم على بعض يلعبون ، فقال ابن عباس: هكذا يخرج يأجوج ومأجوج.حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا الحكم ، قال : ثنا عمرو بن قيس ، قال: بلغنا أن ملكا دون الردم يبعث خيلا كل يوم يحرسون الردم لا يأمن يأجوج ومأجوج أن تخرج عليهم ، قال: فيسمعون جلبة وأمرا شديدا.حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : ثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن أبي إسحاق ، أن عبد الله بن عمرو ، قال: ما يموت الرجل من يأجوج ومأجوج حتى يولد له من صلبه ألف ، وإن من ورائهم لثلاث أمم ما يعلم عددهم إلا الله: منسك ، وتأويل ، وتاريس.حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : ثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قَتادة ، عن عمرو البكالي ، قال: إن الله جزأ الملائكة والإنس والجنّ عشرة أجزاء فتسعة منهم الكروبيون وهم الملائكة الذي يحملون العرش ، ثم هم أيضا الذين يسبحون الليل والنهار لا يفترون ، قال: ومن بقي من الملائكة لأمر الله ووحيه ورسالته ، ثم جزّأ الإنس والجنّ عشرة أجزاء ، فتسعة منهم الجن ، لا يولد من الإنس ولد إلا ولد من الجن تسعة ، ثم جزأ الإنس على عشرة أجزاء ، فتسعة منهم يأجوج ومأجوج ، وسائر الإنس جزء.حدثنا القاسم ، قال : ثنا الحسين ، قال: ثني حجاج ، عن ابن جُرَيج ، قوله ( حَتَّى إِذَا فُتِحَتْ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ ) قال: أمَّتانِ من وراء ردم ذي القرنين.حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : ثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن غير واحد ، عن حميد بن هلال ، عن أبي الصيف ، قال: قال كعب: إذا كان عند خروج يأجوج ومأجوج حفروا حتى يسمع الذين يلونهم قرع فئوسهم ، فإذا كان الليل قالوا: نجيء غدا فنخرج ، فيعيدها الله كما كانت ، فيجيئون من الغد فيجدونه قد أعاده الله كما كان ، فيحفرونه حتى يسمع الذين يلونهم قرع فئوسهم ، فإذا كان الليل ألقى الله على لسان رجل منهم يقول: نجيء غدا فنخرج إن شاء الله ، فيجيئون من الغد فيجدونه كما تركوه ، فيحفرون ثم يخرجون ، فتمرّ الزمرة الأولى بالبحيرة فيشربون ماءها ، ثم تمرّ الزمرة الثانية فيلحسون طينها ، ثم تمرّ الزمرة الثالثة فيقولون: قد كان ههنا مرّة ماء - وتفرّ الناس منهم ، فلا يقوم لهم شيء ، يرمون بسهامهم إلى السماء ، فترجع مخضبة بالدماء ، فيقولون: غلبْنا أهل الأرض وأهل السماء ، فيدعو عليهم عيسى ابن مريم ، فيقول: اللهمّ لا طاقة ولا يدين لنا بهم ، فاكفناهم بما شئت ، فيسلط الله عليهم دودا يقال له النغفُ ، فتفرس رقابهم ، ويبعث الله عليهم طيرا فتأخذهم بمناقرها فتلقيهم في البحر ، ويبعث الله عينا يقال لها الحياة تطهر الأرض منهم وتنبتها ، حتى إن الرمانة ليشبع منها السكن ، قيل: وما السكن يا كعب؟ قال: أهل البيت ، قال: فبينا الناس كذلك ، إذ أتاهم الصريخ أن ذا السويقتين يريده ، فيبعث عيسى طليعة سبع مائة ، أو بين السبع مائة والثمان مائة ، حتى إذا كانوا ببعض الطريق بعث الله ريحا يمانية طيبة ، فيقبض الله فيها روح كل مؤمن ، ثم يبقى عجاج من الناس يتسافدون كما تتسافد البهائم ، فمثَل الساعة كمثل رجل يطيف حول فرسه ينتظرها متى تضع ، فمن تكلف بعد قولي هذا شيئا أو على هذا شيئا فهو المتلكف.حدثنا العباس بن الوليد البيروتي ، قال: أخبرني أبي ، قال: سمعت ابن جابر ، قال: ثني محمد بن جابر الطائي، ثم الحمصي ، ثني عبد الرحمن بن جبير بن نفير الحضرمي ، قال: ثني أبي أنه سمع النّواس بن سمعان الكلابي يقول: " ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم الدجال ، وذكر أمره ، وأن عيسى ابن مريم يقتله ، ثم قال: فبينا هو كذلك ، أوحى الله إليه: يا عيسى ، إني قد أخرجت عبادا لي لا يَد لأحد بقتالهم ، فحرّز عبادي إلى الطور، فيبعث الله يأجوج ومأجوج ، وهم من كل حدب ينسلون ، فيمرّ أحدهم على بحيرة طبرية ، فيشربون ما فيها ، ثم ينزل آخرهم ، ثم يقول: لقد كان بهذه ماء مرّة ، فيحاصر نبيّ الله عيسى وأصحابه ، حتى يكون رأس الثور يومئذ خيرا لأحدهم من مائة دينار لأحدكم ، فيرغب نبيّ الله عيسى وأصحابه إلى الله ، فيرسل الله عليهم النغف في رقابهم ، فيصبحون فرسى موت نفس واحدة ، فيهبط نبيّ الله عيسى وأصحابه ، فلا يجدون موضعا إلا قد ملأه زهمهم ونتنهم ودماؤهم ، فيرغب نبيّ الله عيسى وأصحابه إلى الله ، فيرسل عليهم طيرا كأعناق البُخت ، فتحملهم فتطرحهم حيث شاء الله ، ثم يرسل الله مطرا لا يكن منه بيت مدر ولا وبر ، فيغسل الأرض حتى يتركها كالزلفة.وأما قوله ( وَهُمْ مِنْ كُلِّ حَدَبٍ يَنْسِلُونَ ) فإن أهل التأويل اختلفوا في المعنيّ به ، فقال بعضهم: عني بذلك بنو آدم أنهم يخرجون من كل موضع كانوا دفنوا فيه من الأرض ، وإنما عني بذلك الحشر إلى موقف الناس يوم القيامة.ذكر من قال ذلك:حدثني محمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى ، وحدثني الحارث ، قال : ثنا الحسن ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، في قوله ( مِنْ كُلِّ حَدَبٍ يَنْسِلُونَ ) قال: جمع الناس من كل مكان جاءوا منه يوم القيامة ، فهو حدب.حدثنا القاسم ، قال : ثنا الحسين ، قال: ثنى حجاج ، عن ابن جُرَيح ( وَهُمْ مِنْ كُلِّ حَدَبٍ يَنْسِلُونَ ) ، قال ابن جُرَيج: قال مجاهد: جمع الناس من كلّ حدب من مكان جاءوا منه يوم القيامة فهو حدب.وقال آخرون: بل عني بذلك يأجوج ، ومأجوج وقوله: وهم كناية أسمائهم .ذكر من قال ذلك: حدثنا محمد بن بشار ، قال : ثنا عبد الرحمن ، قال : ثنا سفيان ، عن سلمة بن كهيل ، قال : ثنا أبو الزعراء ، عن عبد الله أنه قال: يخرج يأجوج ومأجوج فيمرحون في الأرض ، فيُفسدون فيها ، ثم قرأ عبد الله ( وَهُمْ مِنْ كُلِّ حَدَبٍ يَنْسِلُونَ ) قال: ثم يبعث الله عليهم دابّة مثل النغف ، فتلج في أسماعهم ومناخرهم فيموتون منها فتنتن الأرض منهم ، فيرسل الله عز وجل ماء فيطهر الأرض منهم.والصواب من القول في ذلك ما قاله الذين قالوا: عني بذلك يأجوج ومأجوج ، وأن قوله ( وَهُمْ) كناية عن أسمائهم ، للخبر الذي حدثنا به ابن حميد ، قال : ثنا سلمة ، عن محمد بن إسحاق ، عن عاصم بن عمر ، عن قتادة الأنصاري ، ثم الظفري ، عن محمود بن لبيد أخي بني عبد الأشهل ، عن أبي سعيد الخدريّ قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " يُفْتَحُ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ يَخْرجُونَ عَلَى النَّاسِ كَما قَالَ الله ( مِنْ كُلِّ حَدَبٍ يَنْسِلُونَ ) فَيُغّشُّونَ الأرْضَ".حدثني أحمد بن إبراهيم ، قال : ثنا هشيم بن بشير ، قال: أخبرنا العوّام بن حوشب ، عن جبلة بن سحيم ، عن مؤثر ، وهو ابن عفازة العبدي ، عن عبد الله بن مسعود ، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما يُذكر عن عيسى ابن مريم ، قال: قال عيسى: عَهِدَ إِلَيَّ رَبِّي أَنَّ الدَّجَّالَ خَارِجٌ ، وَأَنَّهُ مُهْبِطِي إِلَيْهِ ، فَذَكَرَ أَنَّ مَعَهُ قَضِيبَيْنِ ، فَإِذَا رَآنِي أَهْلَكَهُ اللهُ ، قَالَ: فَيَذُوبُ الرُّصاصُ ، حتى إنَّ الشَّجَرَ والحَجَر لَيَقُولُ: يَا مُسْلِم هَذَا كَافِرٌ فاقْتُلْهُ، فَيُهْلِكُهُمُ اللهُ تَبَارَكَ وتَعالى ، وَيَرْجِعُ النَّاسُ إلى بِلادِهِمْ وَأَوْطَانِهِمْ ، فَيَسْتَقْبِلُهُمْ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ مِنْ كُلّ حَدْبٍ يَنْسِلُونَ ، لا يَأْتُونَ عَلَى شَيْءٍ إِلا أَهْلَكُوهُ ، وَلا يَمُرُّونَ عَلَى مَاءٍ إِلا شَرِبُوهُ.حدثني عبيد بن إسماعيل الهباري ، قال : ثنا المحاربي ، عن أصبغ بن زيد ، عن العوام بن حوشب ، عن جبلة بن سحيم ، عن موثر بن عفازة ، عن عبد الله بن مسعود ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بنحوه.وأما قوله ( مِنْ كُلِّ حَدَبٍ ) فإنه يعني من كل شرف ونشَز وأكمة.وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.ذكر من قال ذلك: حدثني علي ، قال : ثنا عبد الله ، قال ثني معاوية ، عن عليّ ، عن ابن عباس ، قوله ( مِنْ كُلِّ حَدَبٍ يَنْسِلُونَ ) يقول: من كلّ شرف يُقبلون.حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : ثنا ابن ثور ، عن معمر عن قتادة ( مِنْ كُلِّ حَدَبٍ يَنْسِلُونَ ) قال: من كلّ أكمة.حدثني يونس ، قال: أخبرنا ابن وهب ، قال: قال ابن زيد ، في قوله ( وَهُمْ مِنْ كُلِّ حَدَبٍ يَنْسِلُونَ ) قال: الحدب: الشيء المشرف ، وقال الشاعر:عَلى الحِدَابِ تَمُورُ (2)حدثني يونس ، قال: أخبرنا ابن وهب ، قال: قال ابن زيد ، في قوله ( حَتَّى إِذَا فُتِحَتْ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ وَهُمْ مِنْ كُلِّ حَدَبٍ يَنْسِلُونَ ) قال: هذا مبتدأ يوم القيامة.وأما قوله ( يَنْسِلُونَ ) فإنه يعنى: أنهم يخرجون مشاة مسرعين في مشيهم كنسلان الذئب ، كما قال الشاعر:عَسَلانَ الذئْبِ أمْسَى قارِبابَرَدَ اللَّيْلُ عَلَيْهِ فَنَسَلْ (3)-----------------------------الهوامش :(2) هذا جزء من بيت لم ينسبه المؤلف عند قوله تعالى : ( وهم من كل حدب ينسلون ) قال في ( اللسان : حدب ) يريد يظهرون من غليظ الأرض ومرتفعها . وقال الفراء : " من كل حدب ينسلون " : من كل أكمة ومن كل موضع مرتفع والجمع أحداب وحداب والحدب : الغلظ من الأرض في ارتفاع ، والجمع الحداب . والحدبة : ما أشرف من الأرض وغلظ وارتفع . ولا تكون الحدبة إلا في قف أو غلظ أرض . وتمور : من مار الشيء يمور مورا : تحرك وجاء وذهب ، كا تتكفأ النخلة لعيدانة .(3) البيت للبيد أو للنابغة الجعدي ( اللسان : عسل ، ونسل ) . وعسل الذئب والثعلب يعسل عسلا وعسلانا : مضى مسرعا ، واضطرب في عدوه ، وهز رأسه . والقارب : الذي يطلب الماء ليلا ، يسير إليه مسرعا . ونسل الماشي ينسل ( كيضرب ويقتل ) نسلا ( بالتسكين والتحريك ) ونسلانا : أسرع . وأصل النسلان للذئب ، ثم استعمل في غيره .
وَ اقْتَرَبَ الْوَعْدُ الْحَقُّ فَاِذَا هِیَ شَاخِصَةٌ اَبْصَارُ الَّذِیْنَ كَفَرُوْاؕ-یٰوَیْلَنَا قَدْ كُنَّا فِیْ غَفْلَةٍ مِّنْ هٰذَا بَلْ كُنَّا ظٰلِمِیْنَ(۹۷)
اور قریب آیا سچا وعدہ (ف۱۷۰) تو جبھی آنکھیں پھٹ کر رہ جائیں گی کافروں کی (ف۱۷۱) کہ ہائے ہماری خرابی بیشک ہم (ف۱۷۲) اس سے غفلت میں تھے بلکہ ہم ظالم تھے (ف۱۷۳)
يقول تعالى ذكره: حتى إذا فُتحت يأجوج ومأجوج ، اقترب الوعد الحقّ ، وذلك وعد الله الذي وعد عباده أنه يبعثهم من قبورهم للجزاء والثواب والعقاب ، وهو لا شك حق كما قال جلّ ثناؤه.وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.ذكر من قال ذلك: حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا الحكم بن بشير ، قال : ثنا عمرو ، يعني ابن قيس ، قال : ثنا حذيفة: لو أن رجلا افتلى فَلوّا بعد خروج يأجوج ومأجوج لم يركبه حتى تقوم القيامة.حدثني يونس ، قال: أخبرنا ابن وهب ، قال: قال ابن زيد ، في قوله ( وَاقْتَرَبَ الْوَعْدُ الْحَقُّ ) قال: اقترب يوم القيامة منهم، والواو في قوله ( وَاقْتَرَبَ الْوَعْدُ الْحَقُّ ) مقحمة ، ومعنى الكلام: حتى إذا فُتحت يأجوج ومأجوج اقترب الوعد الحقّ ، وذلك نظير قوله فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ * وَنَادَيْنَاهُ معناه: نادينا، بغير واو ، كما قال امرؤ القيس:فَلَمَّا أجَزْنا ساحَة الحَيّ وَانْتَحَىبِنا بَطْنُ خَبْتٍ ذي حِقافٍ عَقَنْقَلِ (4)يريد: فلما أجزنا ساحة الحي انتحى بنا.وقوله ( فَإِذَا هِيَ شَاخِصَةٌ أَبْصَارُ الَّذِينَ كَفَرُوا ) ففي هي التي في قوله فإذا هي وجهان: أحدهما أن تكون كناية عن الأبصار ، وتكون الأبصار الظاهرة بيانا عنها ، كما قال الشاعر:لَعَمْرو أَبِيهَا لا تَقُولُ ظَعِينَتيألا فَرّ عَنِّي مالكُ بن أبي كَعْبِ (5)فكنى عن الظعينة في: لعمرو أبيها ، ثم أظهرها ، فيكون تأويل الكلام حينئذ: فإذا الأبصار شاخصة أبصار الذين كفروا.والثاني: أن تكون عمادا كما قال جلّ ثناؤه فَإِنَّهَا لا تَعْمَى الأَبْصَارُ وكقول الشاعر:فَهَلْ هُوَ مَرْفُوعٌ بِما هَهُنا رأْسْ (6)وقوله ( يَا وَيْلَنَا قَدْ كُنَّا فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا ) يقول تعالى ذكره: فإذا أبصار الذين كفروا قد شخصت عند مجيء الوعد الحقّ بأهواله وقيام الساعة بحقائقها ، وهم يقولون: يا ويلنا قد كنا قبل هذا الوقت في الدنيا في غفلة من هذا الذي نرى ونعاين ونزل بنا من عظيم البلاء ، وفي الكلام متروك تُرِك ذكره استغناء بدلالة ما ذُكر عليه عنه ، وذلك يقولون من قوله ( فَإِذَا هِيَ شَاخِصَةٌ أَبْصَارُ الَّذِينَ كَفَرُوا ) يقولون يا ويلنا، وقوله ( بَلْ كُنَّا ظَالِمِينَ ) يقول مخبرا عن قيل الذين كفروا بالله يومئذ: ما كنا نعمل لهذا اليوم ما ينجينا من شدائده ، بل كنا ظالمين بمعصيتنا ربنا وطاعتنا إبليس وجنده في عبادة غير الله عزّ وجلّ.---------------------الهوامش :(4) البيت من معلقة امرئ القيس بن حجر الكندي ( مختار الشعر الجاهلي ، بشرح مصطفى السقا ، طبعة مصطفى البابي الحلبي ص 27 ) قال : أجزنا : قطعنا . والساحة : الفناء . والخبت : أرض مطمئنة . والحقف من الرمل : المعوج ، والجمع حقاف ، ويروى " ركام " أي بعضه فوق بعض . وعقنقل : متعقد متداخل بعضه في بعض . والبيت شاهد على أن الواو في قوله : " وانتحى " : مقحمة ، يريد : فلما أجزنا ساحة الحي انتحى . وهي نظير الواو في قوله تعالى : ( حتى إذا فتحت يأجوج ومأجوج وهم من كل حدب ينسلون واقترب الوعد الحق ) . الواو في " واقترب " : مقحمة . والفعل جواب للشرط " حتى إذا فتحت " . قال الفراء في معاني القرآن ( الورقة 306 من مصورة الجامعة رقم 24059 ) : وقوله ( واقترب الوعد الحق ) معناه والله أعلم ، حتى إذا فتحت اقترب ، ودخول الواو في الجواب في " حتى إذا " بمنزلة قوله : "حتى إذا جاءوها وفتحت " . وفي قراءة عبد الله " فلما جهزهم بجهازهم وجعل السقاية " . وفي قراءتنا بغير واو . ومثله في الصفات " فلما أسلما وتله للجنين وناديناه" معناها : ناديناه . وقال امرؤ القيس : " فلما أجزنا . . . البيت " يريد انتحى .(5) البيت من شواهد الفراء في معاني القرآن ( الورقة 307 من مصورة الجامعة ) عند قوله تعالى : ( فإذا هي شاخصة أبصار الذين كفروا ) قال : تكون هي عمادا يصلح في موضعها هو ، فتكون كقوله "إنه أنا الله العزيز " . ومثله قوله : " فإنها لا تعمي الأبصار" فجاء التأنيث لأن الأبصار مؤنثة ، والتذكير للعماد . . . وإن شئت جعلت هي للأبصار ، كنيت عنها ثم أظهرت الأبصار لتفسرها ، كما قال الشاعر : لعمر أبيها . . . البيت " اه .وعلى كلام الفراء يكون الضمير " في أبيها " مفسرًا بقوله ظعينتي . ومثله الضمير " هي " في الآية " فإذا هي " مفسر بقوله " أبصار " . وقال أبو البقاء العكبري في إعراب القرآن وهو كالوجه الأول من الوجهين اللذين ذكرهما الفراء : إذا للمفاجأة ، وهي مكان . والعامل فيها شاخصة . و " هي " : ضمير القصة . و " أبصار الذين " مبتدأ وشاخصة خبره . وقال الشوكاني في فتح القدير ( 3 : 413 ) مبنيا للوجهين : الضمير في فإذا هي للقصة ، أو مبهم يفسره ما بعده . وإذا للمفاجأة .(6) هذا شطر بيت من أبيات ثلاثة وردت في الجزء الأول من هذا التفسير ص 401 عند قوله تعالى : " وهو محرم عليكم إخراجهم " . وقد بين أن الضمير " هو " فيه وجهان من التأويل ، كما قال في قوله تعالى : " فإذا هي شاخصة أبصار الذين كفروا " ومثل قول الشاعر :فأَبْلِغْ أبا يَحْيَى إذَا ما لَقِيتَهُعلى العِيسِ في آباطِها عَرَقٌ يَبْسبأنَّ السُّلامِيَّ الَّذِي بِضَرِيَّةٍأمِيرَ الحِمَى قدْ باعَ حَقي بني عَبْسبِثَوْبٍ ودِينارٍ وشاةٍ ودِرْهَمٍفَهَلْ هُوَ مَرْفُوعٌ بِمَا هاهُنا رَأْسوالأبيات : من شواهد الفراء في آية البقرة ولم يورد هنا إلا الشطر الثاني من البيت الثالث
اِنَّكُمْ وَ مَا تَعْبُدُوْنَ مِنْ دُوْنِ اللّٰهِ حَصَبُ جَهَنَّمَؕ-اَنْتُمْ لَهَا وٰرِدُوْنَ(۹۸)
بیشک تم (ف۱۷۴) اور جو کچھ اللہ کے سوا تم پوجتے ہو (ف۱۷۵) سب جہنم کے ایندھن ہو، تمہیں اس میں جانا،
يقول تعالى ذكره: إنكم أيها المشركون بالله ، العابدون من دونه الأوثان والأصنام ، وما تعبدون من دون الله من الآلهة .كما حُدثت عن الحسين ، قال: سمعت أبا معاذ يقول: أخبرنا عبيد ، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله ( إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ ) يعني الآلهة ومن يعبدها ، (حصب جهنم ) وأما حصب جهنم ، فقال بعضهم: معناه: وقود جهنم وشجرها.*ذكر من قال ذلك: حدثني عليّ ، قال : ثنا عبد الله ، قال: ثني معاوية ، عن عليّ ، عن ابن عباس ، قوله ( حَصَبُ جَهَنَّمَ ) : شجر جهنم.حدثني محمد بن سعد ، قال: ثني أبى ، قال: ثني عمي ، قال: ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله ( إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ ) يقول: وقودها.وقال آخرون: بل معناه: حطب جهنم.ذكر من قال ذلك: حدثني محمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، في قول الله ( حَصَبُ جَهَنَّمَ ) قال: حطبها.حدثنا القاسم ، قال : ثنا الحسين ، قال: ثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد ، (مثله)! وزاد فيه: وفى بعض القراءة (حَطَبُ جَهَنَّمَ) يعني في قراءة عائشة.حدثنا محمد بن عبد الأعلى ، قال : ثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، عن قتادة ( حَصَبُ جَهَنَّمَ ) قال: حطب جهنم يقذفون فيها.حدثنا ابن بشار ، قال : ثنا عبد الرحمن ، قال : ثنا سفيان ، عن ابن الحر ، عن عكرمة ، قوله ( حَصَبُ جَهَنَّمَ ) قال: حطب جهنم.وقال آخرون: بل معنى ذلك أنهم يرمى بهم في جهنم.ذكر من قال ذلك: حُدثت عن الحسين ، قال: سمعت أبا معاذ يقول : ثنا عبيد ، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله ( حَصَبُ جَهَنَّمَ ) يقول: إن جهنم إنما تحصب بهم ، وهو الرمي ، يقول: يرمي بهم فيها.واختلف في قراءة ذلك ، فقرأته قراء الأمصار ( حَصَبُ جَهَنَّمَ ) بالصاد ، وكذلك القراءة عندنا لإجماع الحجة عليه.ورُوي عن عليّ وعائشة أنهما كانا يقرآن ذلك ( حَطَبُ جَهَنَّمَ) بالطاء.ورُوي عن ابن عباس أنه قرأه ( حَضَبُ) بالضاد.حدثنا بذلك أحمد بن يوسف ، قال : ثنا القاسم ، قال : ثنا إبراهيم بن محمد ، عن عثمان بن عبد الله ، عن عكرمة ، عن ابن عباس ، أنه قرأها كذلك.وكأن ابن عباس إن كان قرأ ذلك كذلك ، أراد أنهم الذين تسجر بهم جهنم ، ويوقد بهم فيها النار ، وذلك أن كل ما هيجت به النار وأوقدت به ، فهو عند العرب حضب لها . فإذا كان الصواب من القراءة في ذلك ما ذكرنا ، وكان المعروف من معنى الحصب عند العرب: الرمي ، من قولهم: حصبت الرجل: إذا رميته ، كما قال جلّ ثناؤه إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ حَاصِبًا كان الأولى بتأويل ذلك قول من قال: معناه أنهم تقذف جهنم بهم ويرمى بهم فيها ، وقد ذكر أن الحصب في لغة أهل اليمين: الحطب ، فإن يكن ذلك كذلك فهو أيضا وجه صحيح ، وأما ما قلنا من أن معناه الرمي فإنه في لغة أهل نجد. وأما قوله ( أَنْتُمْ لَهَا وَارِدُونَ ) فإن معناه: أنتم عليها أيها الناس أو إليها واردون ، يقول: داخلون ، وقد بينت معنى الورود فيما مضى قبل بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع.
لَوْ كَانَ هٰۤؤُلَآءِ اٰلِهَةً مَّا وَرَدُوْهَاؕ-وَ كُلٌّ فِیْهَا خٰلِدُوْنَ(۹۹)
اگر یہ (ف۱۷۶) خدا ہوتے جہنم میں نہ جاتے، اور ان سب کو ہمیشہ اس میں رہنا (ف۱۷۷)
يقول تعالى ذكره لهؤلاء المشركين الذين وصف صفتهم أنهم مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ إِلا اسْتَمَعُوهُ وَهُمْ يَلْعَبُونَ ، وهم مشركو قريش: أنتم أيها المشركون ، وما تعبدون من دون الله واردو جهنم ، ولو كان ما تعبدون من دون الله آلهة ما وردوها ، بل كانت تمنع من أراد أن يوردكموها إذ كنتم لها في الدنيا عابدين ، ولكنها إذ كانت لا نفع عندها لأنفسها ولا عندها دفع ضر عنها ، فهي من أن يكون ذلك عندها لغيرها أبعد ، ومن كان كذلك كان بينا بعده من الألوهة ، وأن الإله هو الذي يقدر على ما يشاء ولا يقدر عليه شيء ، فأما من كان مقدورا عليه فغير جائز أن يكون إلها. وقوله ( وَكُلٌّ فِيهَا خَالِدُونَ ) يعني الآلهة ومن عبدها أنهم ماكثون في النار أبدا بغير نهاية ، وإنما معنى الكلام: كلكم فيها خالدون.وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.ذكر من قال ذلك: حدثني يونس ، قال: أخبرنا ابن وهب ، قال: قال ابن زيد ، في قوله ( لَوْ كَانَ هَؤُلاءِ آلِهَةً مَا وَرَدُوهَا وَكُلٌّ فِيهَا خَالِدُونَ ) قال: الآلهة التي عبد القوم ، قال: العابد والمعبود.
لَهُمْ فِیْهَا زَفِیْرٌ وَّ هُمْ فِیْهَا لَا یَسْمَعُوْنَ(۱۰۰)
وہ اس میں رینکیں گے (ف۱۷۸) اور وہ اس میں کچھ نہ سنیں گے (ف۱۷۹)
يعني تعالى ذكره بقوله ( لَهُمْ ) المشركين وآلهتهم ، والهاء ، والميم في قوله (لَهُمْ ) من ذكر كل التي في قوله ( وَكُلٌّ فِيهَا خَالِدُونَ ) ، يقول تعالى ذكره: لكلهم في جهنم زفير ، ( وَهُمْ فِيهَا لا يَسْمَعُونَ ) يقول: وهم في النار لا يسمعون.وكان ابن مسعود يتأوّل في قوله ( وَهُمْ فِيهَا لا يَسْمَعُونَ ) ما حدثنا القاسم ، قال : ثنا الحسين ، قال: ثني حجاج ، عن المسعودي ، عن يونس بن خباب ، قال: قرأ ابن مسعود هذه الآية ( لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَهُمْ فِيهَا لا يَسْمَعُونَ ) قال: إذا ألقي في النار من يخلد فيها جعلوا في توابيت من نار ، ثم جعلت تلك التوابيت في توابيت أخرى ، ثم جعلت التوابيت في توابيت أخرى فيها مسامير من نار ، فلا يرى أحد منهم أن في النار أحدا يعذّب غيره ، ثم قرأ ( لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَهُمْ فِيهَا لا يَسْمَعُونَ ) .
اِنَّ الَّذِیْنَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِّنَّا الْحُسْنٰۤىۙ-اُولٰٓىٕكَ عَنْهَا مُبْعَدُوْنَۙ(۱۰۱)
بیشک وہ جن کے لیے ہمارا وعدہ بھلائی کا ہوچکا وہ جنہم سے دور رکھے گئے ہیں (ف۱۸۰)
وأما قوله ( إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنَى أُولَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ ) فإن أهل التأويل اختلفوا في المعنيّ به ، فقال بعضهم: عني به كل من سبقت له من الله السعادة من خلقه أنه عن النار مُبعد.*ذكر من قال ذلك: حدثنا محمد بن بشار ، قال : ثنا محمد بن جعفر ، قال : ثنا شعبة ، عن أبي بشر ، عن يوسف بن سعد وليس بابن ماهَك عن محمد بن حاطب ، قال: سمعت عليا يخطب فقرأ هذه الآية ( إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنَى أُولَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ ) ، قال: عثمان رضي الله عنه منهم.وقال آخرون: بل عني: منْ عبد مِن دون الله ، وهو لله طائع ولعبادة من يَعبد كاره.ذكر من قال ذلك:حدثني محمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى ، وحدثني الحارث ، قال : ثنا الحسن ، قال : ثنا ورقاء جميعا ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، في قوله ( أُولَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ ) قال: عيسى ، وعزير ، والملائكة.حدثنا القاسم ، قال : ثنا الحسين ، قال: ثني حجاج ، عن ابن جُرَيح ، عن مجاهد ، مثله.قال ابن جريج: قوله إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ ثم استثنى فقال ( إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنَى ) .حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا يحيى بن واضح ، عن الحسين ، عن يزيد ، عن عكرمة ، والحسن البصري قالا قال في سورة الأنبياء إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنْتُمْ لَهَا وَارِدُونَ * لَوْ كَانَ هَؤُلاءِ آلِهَةً مَا وَرَدُوهَا وَكُلٌّ فِيهَا خَالِدُونَ * لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَهُمْ فِيهَا لا يَسْمَعُونَ ثم استثنى فقال ( إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنَى أُولَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ ) فقد عُبدت الملائكة من دون الله ، وعُزَيرٌ وعيسى من دون الله.حدثنا أبو كُرَيب ، قال : ثنا ابن يمان ، عن أشعث ، عن جعفر ، عن سعيد ( أُولَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ ) قال: عيسى.حدثني إسماعيل بن سيف ، قال : ثنا علي بن مسهر ، قال : ثنا إسماعيل بن أبي خالد ، عن أبي صالح في قوله ( إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنَى ) قال: عيسى ، وأمه ، وعُزَير ، والملائكة.حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا سلمة ، عن ابن إسحاق ، قال: جلس رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما بلغني يوما مع الوليد بن المغيرة ، فجاء النضر بن الحارث حتى جلس معهم وفي المجلس غير واحد من رجال قريش ، فتكلم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فعرض له النضر بن الحارث ، وكلمه رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أفحمه ، ثم تلا عليه وعليهم إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنْتُمْ لَهَا وَارِدُونَ * لَوْ كَانَ هَؤُلاءِ آلِهَةً مَا وَرَدُوهَا وَكُلٌّ فِيهَا خَالِدُونَ . . . إلى قوله ( وَهُمْ فِيهَا لا يَسْمَعُونَ ) ، ثم قام رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأقبل عبد الله بن الزّبَعْرى بن قيس بن عديّ السهمي حتى جلس ، فقال الوليد بن المغيرة لعبد الله بن الزّبَعْرى : والله ما قام النضر بن الحارث لابن عبد المطلب آنفا وما قعد ، وقد زعم أنا وما نعبد من آلهتنا هذه حصب جهنم، فقال عبد الله بن الزبعري: أما والله لو وجدته لخصمته ، فسلوا محمدا: أكلّ من عبد من دون الله في جهنم مع من عبده؟ فنحن نعبد الملائكة ، واليهود تعبد عُزَيرا ، والنصارى تعبد المسيح عيسى ابن مريم ، فعجب الوليد بن المغيرة ومن كان في المجلس من قول عبد الله بن الزّبَعْرى ، ورأوا أنه قد احتج وخاصم ، فذكر ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم من قول ابن الزّبَعْرى، فقال: رسول الله صلى الله عليه وسلم: " نعم كل من أحب أن يعبد من دون الله فهو مع من عبد ، إنما يعبدون الشياطين ومن أمرهم بعبادته " ، فأنزل الله عليه ( إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنَى أُولَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ ) . . . . إلى خَالِدُونَ أي عيسى ابن مريم ، وعُزير ، ومن عبدوا من الأحبار والرهبان الذي مضوا على طاعة الله ، فاتخذهم من بعدهم من أهل الضلالة أربابا من دون الله ، فأنزل الله فيما ذكروا أنهم يعبدون الملائكة وأنها بنات الله وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا سُبْحَانَهُ بَلْ عِبَادٌ مُكْرَمُونَ . . . إلى قوله نَجْزِي الظَّالِمِينَ .حُدثت عن الحسين ، قال: سمعت أبا معاذ يقول: أخبرنا عبيد ، قال: سمعت الضحاك ، قال: يقول ناس من الناس (إن الذين سبقت لهم منا الحسنى أولئك عنها مبعدون ) يعني من الناس أجمعين ، فليس كذلك ، إنما يعني من يعبد الآلهة وهو لله مطيع مثل عيسى وأمه وعُزَير والملائكة ، واستثنى الله هؤلاء الآلهة المعبودة التي هي ومن يعبدها في النار.حدثنا ابن سنان القزاز ، قال : ثنا الحسن بن الحسين الأشقر ، قال : ثنا أبو كدينة ، عن عطاء بن السائب ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس ، قال: لما نزلت إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنْتُمْ لَهَا وَارِدُونَ قال المشركون: فإن عيسى يُعبد وعُزَير والشمس والقمر يُعبدون، فأنزل الله ( إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنَى أُولَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ ) لعيسى وغيره.وأولى الأقوال في تأويل ذلك بالصواب قول من قال: عني بقوله ( إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنَى أُولَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ ) ما كان من معبود ، كان المشركون يعبدونه والمعبود لله مطيع وعابدوه بعبادتهم إياه بالله كفّار ، لأن قوله تعالى ذكره ( إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنَى ) ابتداء كلام محقق لأمر كان ينكره قوم ، على نحو الذي ذكرنا في الخبر عن ابن عباس ، فكأن المشركين قالوا لنبيّ الله صلى الله عليه وسلم إذ قال لهم إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ : ما الأمر كما تقول ، لأنا نعبد الملائكة ، ويعبد آخرون المسيح وعُزَيرا ، فقال عزّ وجلّ ردا عليهم قولهم: بل ذلك كذلك ، وليس الذي سبقت لهم منا الحسنى هم عنها مبعدون ، لأنهم غير معنيين بقولنا إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ ، فأما قول الذين قالوا ذلك استثناء من قوله إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ فقول لا معنى له ، لأن الاستثناء إنما هو إخراج المستثنى من المستثنى منه ، ولا شك أن الذين سبقت لهم منا الحسنى إنما هم إما ملائكة وإما إنس أو جانٌ ، وكلّ هؤلاء إذا ذكرتها العرب فإن أكثر ما تذكرها بمن ، لا بما ، والله تعالى ذكره إنما ذكر المعبودين الذين أخبر أنهم حَصَب جهنم بما ، قال إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ إنما أريد به ما كانوا يعبدونه من الأصنام والآلهة من الحجارة والخشب ، لا من كان من الملائكة والإنس ، فإذا كان ذلك كذلك لما وصفنا ، فقوله ( إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنَى ) جواب من الله للقائلين ما ذكرنا من المشركين مبتدأ ، وأما الحُسنى فإنها الفُعلى من الحسن ، وإنما عني بها السعادة السابقة من الله لهم .كما حدثني يونس ، قال: أخبرنا ابن وهب ، قال: قال ابن زيد ، في قوله ( إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنَى ) قال: الحسنى: السعادة ، وقال: سبقت السعادة لأهلها من الله ، وسبق الشقاء لأهله من الله.
لَا یَسْمَعُوْنَ حَسِیْسَهَاۚ-وَ هُمْ فِیْ مَا اشْتَهَتْ اَنْفُسُهُمْ خٰلِدُوْنَۚ(۱۰۲)
وہ اس کی بھنک (ہلکی سی آواز بھی) نہ سنیں گے (ف۱۸۱) اور وہ اپنی من مانتی خواہشوں میں (ف۱۸۲) ہمیشہ رہیں گے،
يقول تعالى ذكره: لا يسمع هؤلاء الذين سبقت لهم منا الحسنى حَسيس النار ، ويعني بالحسيس: الصوت والحسّ.فإن قال قائل: فكيف لا يسمعون حسيسها ، وقد علمت ما روي من أن جهنم يؤتى بها يوم القيامة فتزفر زفرة لا يبقى ملك مقرّب ولا نبيّ مرسل إلا جثا على ركبتيه خوفا منها؟ قيل: إن الحال التي لا يسمعون فيها حسيسها هي غير تلك الحال ، بل هي الحال التي حدثني محمد بن سعد ، قال: ثني أبي ، قال: ثنى عمي ، قال: ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله ( لا يَسْمَعُونَ حَسِيسَهَا وَهُمْ فِي مَا اشْتَهَتْ أَنْفُسُهُمْ خَالِدُونَ ) يقول: لا يسمع أهل الجنة حسيس النار إذا نزلوا منزلهم من الجنة.وقوله ( وَهُمْ فِي مَا اشْتَهَتْ أَنْفُسُهُمْ خَالِدُونَ ) يقول: وهم فيما تشتهيه نفوسهم من نعيمها ولذاتها ماكثون فيها ، لا يخافون زوالا عنها ولا انتقالا عنها.
لَا یَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الْاَكْبَرُ وَ تَتَلَقّٰىهُمُ الْمَلٰٓىٕكَةُؕ-هٰذَا یَوْمُكُمُ الَّذِیْ كُنْتُمْ تُوْعَدُوْنَ(۱۰۳)
انہیں غم میں نہ ڈالے گی وہ سب سے بڑی گھبراہٹ (ف۱۸۳) اور فرشتے ان کی پیشوائی کو آئیں گے (ف۱۸۴) کہ یہ ہے تمہارا وہ دن جس کا تم سے وعدہ تھا،
اختلف أهل التأويل في الفزع الأكبر أي الفزع هو؟ فقال بعضهم: ذلك النار إذا أطبقت على أهلها.ذكر من قال ذلك: حدثنا أبو هشام ، قال : ثنا يحيى بن يمان ، قال : ثنا سفيان ، عن عطاء بن السائب ، عن سعيد بن جبير ( لا يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الأكْبَرُ ) قال: النار إذا أطبقت على أهلها.حدثنا القاسم ، قال : ثنا الحسين ، قال: ثني حجاج ، قال: قال ابن جريج ، قوله ( لا يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الأكْبَرُ ) قال: حين يطبق جهنم ، وقال: حين ذبح الموت.وقال آخرون: بل ذلك النفخة الآخرة.ذكر من قال ذلك: حدثني محمد بن سعد ، قال: ثني أبي ، قال: ثني عمي ، قال: ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله ( لا يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الأكْبَرُ ) يعني النفخة الآخرة.وقال آخرون: بل ذلك حين يؤمر بالعبد إلى النار.ذكر من قال ذلك: حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا حكام ، عن عنبسة ، عن رجل ، عن الحسن ( لا يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الأكْبَرُ ) قال: انصراف العبد حين يُؤْمر به إلى النار.وأولى الأقوال في ذلك بالصواب ، قول من قال: ذلك عند النفخة الآخرة ، وذلك أن من لم يحزنه ذلك الفزع الأكبر وآمن منه ، فهو مما بعدَه أحرى أن لا يفزَع ، وأن من أفزعه ذلك فغير مأمون عليه الفزع مما بعده.وقوله ( وَتَتَلَقَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ) يقول: وتستقبلهم الملائكة يهنئونهم يقولون ( هَذَا يَوْمُكُمُ الَّذِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ ) فيه الكرامة من الله والحِباء والجزيل من الثواب على ما كنتم تنصَبون في الدنيا لله في طاعته.وبنحو الذي قلنا في ذلك قال ابن زيد.حدثني يونس ، قال: أخبرنا ابن وهب ، قال: قال ابن زيد ، في قوله ( هَذَا يَوْمُكُمُ الَّذِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ ) قال: هذا قبل أن يدخلوا الجنة.
یَوْمَ نَطْوِی السَّمَآءَ كَطَیِّ السِّجِلِّ لِلْكُتُبِؕ-كَمَا بَدَاْنَاۤ اَوَّلَ خَلْقٍ نُّعِیْدُهٗؕ-وَعْدًا عَلَیْنَاؕ-اِنَّا كُنَّا فٰعِلِیْنَ(۱۰۴)
جس دن ہم آسمان کو لپیٹیں گے جیسے سجل فرشتہ (ف۱۸۵) نامہٴ اعمال کو لپیٹتا ہے، جیسے پہلے اسے بنایا تھا ویسے ہی پھر کردیں گے (ف۱۸۶) یہ وعدہ ہے ہمارے ذمہ، ہم کو اس کا ضرور کرنا،
يقول تعالى ذكره: لا يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الأَكْبَرُ ، (يَوْمَ نَطْوِي السَّمَاءَ) فيوم صلة من يحزنهم. واختلف أهل التأويل في معنى السجلّ الذي ذكره الله في هذا الموضع فقال بعضهم: هو اسم ملك من الملائكة.ذكر من قال ذلك: حدثنا أبو كريب قال : ثنا ابن يمان ، قال : ثنا أبو الوفاء الأشجعيّ ، عن أبيه ، عن ابن عمر ، في قوله ( يَوْمَ نَطْوِي السَّمَاءَ كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكُتُبِ ) قال: السجِلّ: مَلَك ، فإذا صعد بالاستغفار قال: اكتبها نورا.حدثنا ابن بشار ، قال : ثنا مؤمل ، قال : ثنا سفيان ، قال: سمع السديّ يقول ، في قوله ( يَوْمَ نَطْوِي السَّمَاءَ كَطَيِّ السِّجِلِّ ) قال: السجلّ: ملك.وقال آخرون: السجلّ: رجل كان يكتب لرسول الله صلى الله عليه وسلم.ذكر من قال ذلك: حدثنا نصر بن علي ، قال : ثنا نوح بن قيس ، قال : ثنا عمرو بن مالك ، عن أبي الجوزاء ، عن ابن عباس في هذه الآية ( يَوْمَ نَطْوِي السَّمَاءَ كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكُتُبِ ) قال: كان ابن عباس يقول: هو الرجل.قال : ثنا نوح بن قيس ، قال : ثنا يزيد بن كعب ، عن عمرو بن مالك ، عن أبي الجوزاء ، عن ابن عباس ، قال: السجل: كاتب كان يكتب لرسول الله صلى الله عليه وسلم.وقال آخرون: بل هو الصحيفة التي يكتب فيها.ذكر من قال ذلك: حدثني علي ، قال : ثنا عبد الله ، قال: ثني معاوية ، عن علي ، عن ابن عباس ، قوله ( كطي السجل للكتاب ) يقول: كطي الصحيفة على الكتاب.حدثني محمد بن سعد ، قال: ثني أبي ، قالا ثني عمي ، قال: ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله ( يوم نطوي السماء كطي السجل للكتاب ) يقول: كطيّ الصحف.حدثني محمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى وحدثني الحارث ، قال : ثنا الحسن ، قال : ثنا ورقاء جميعا ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قال: السِّجلّ: الصحيفة.حدثنا القاسم ، قال : ثنا الحسين ، قال: ثني حجاج ، عن ابن جُرَيج ، عن مجاهد ، قوله ( يوم نطوي السماء كطي السجل للكتاب ) قال: السجل: الصحيفة.وأولى الأقوال في ذلك عندنا بالصواب قول من قال: السجل في هذا الموضع الصحيفة ، لأن ذلك هو المعروف في كلام العرب ، ولا يعرف لنبينا صلى الله عليه وسلم كاتب كان اسمه السجلّ ، ولا في الملائكة ملك ذلك اسمه.فإن قال قائل: وكيف نطوي الصحيفة بالكتاب إن كان السجل صحيفة؟ قيل: ليس المعنى كذلك ، وإنما معناه: يوم نطوي السماء كطيّ السجل على ما فيه من الكتاب ، ثم جعل نطوي مصدرا ، فقيل ( كطي السجل للكتاب ) واللام في قوله للكتاب بمعنى على.واختلف القرّاء في قراءة ذلك ، فقرأته عامة قراء الأمصار ، سوى أبي جعفر القارئ( يَوْمَ نَطْوِي السَّمَاءَ ) بالنون ، وقرأ ذلك أبو جعفر ( يَوْم تُطْوَى السَّماءُ ) بالتاء وضمها ، على وجه ما لم يُسمّ فاعله.والصواب من القراءة في ذلك ما عليه قراء الأمصار ، بالنون ، لإجماع الحجة من القرّاء عليه وشذوذ ما خالفه . وأما السِّجلّ فإنه في قراءة جميعهم بتشديد اللام ، وأما الكتاب ، فإن قرّاء أهل المدينة وبعض أهل الكوفة والبصرة قرءوه بالتوحيد، كطي السجل للكتاب، وقرأ ذلك عامة قرّاء الكوفة ( للْكُتُبِ ) على الجماع.وأولى القراءتين عندنا في ذلك بالصواب: قراءة من قرأه على التوحيد للكتاب ، لما ذكرنا من معناه ، فإن المراد منه: كطيّ السجلّ على ما فيه مكتوب ، فلا وجه إذ كان ذلك معناه لجميع الكتب إلا وجه نتبعه من معروف كلام العرب ، وعند قوله ( كَطَيِّ السِّجِلِّ ) انقضاء الخبر عن صلة قوله لا يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الأَكْبَرُ ، ثم ابتدأ الخبر عما الله فاعل بخلقه يومئذ فقال تعالى ذكره ( كما بدأنا أول خلق نعيده ).فالكاف التي في قوله (كَما) من صلة نعيد ، تقدّمت قبلها ، ومعنى الكلام: نعيد الخلق عُراة حفاة غُرْلا يوم القيامة ، كما بدأناهم أوّل مرّة في حال خلقناهم في بطون أمَّهاتهم ، على اختلاف من أهل التأويل في تأويل ذلك.وبالذي قلنا في ذلك قال جماعة من أهل التأويل ، وبه الخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فلذلك اخترت القول به على غيره.ذكر من قال ذلك والأثر الذي جاء فيه: حدثني محمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى -وحدثني الحارث ، قال : ثنا الحسن ، قال : ثنا ورقاء جميعا ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ( أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ ) قال: حُفاة عُراة غُرْلا.حدثنا القاسم ، قال : ثنا الحسين ، قال: ثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد قوله ( أول خلق نعيده ) قال: حفاة غلفا ، قال ابن جريج أخبرني إبراهيم بن ميسرة ، أنه سمع مجاهدا يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لإحدى نسائه: " يَأْتُونَهُ حُفاةً عُرَاةً غُلْفا، فاسْتَتَرتْ بِكُمِّ دِرْعِها ، وقالَتْ وَا سَوأتاهُ" قال ابن جريج: أخبرت أنها عائشة قالت: يا نبيّ الله ، لا يحتشمُ الناس بعضهم بعضا؟ قال: " لكُلّ امْرئٍ يَوْمَئذٍ شَأْنٌ يُغْنِيه ".حدثنا ابن بشار ، قال : ثنا يحيى بن سعيد ، قال : ثنا سفيان ، قال: ثني المغيرة بن النعمان ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس ، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال: " يُحْشَرُ النَّاسُ حُفاةً عُرَاةً غُرْلا فَأَوَّلُ مَنْ يُكْسَى إِبْرَاهيمُ" ثم قرأ ( كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ وَعْدًا عَلَيْنَا إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ ) .حدثنا ابن بشار ، قال : ثنا إسحاق بن يوسف ، قال : ثنا سفيان ، عن المغيرة بن النعمان ، عن سعيد بن جُبير ، عن ابن عباس ، قال: " وقام فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم بموعظة ، فذكره نحوه " .حدثنا محمد بن المثنى ، قال : ثنا محمد بن جعفر ، قال : ثنا شعبة ، عن المغيرة بن النعمان النخَعيّ ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس ، قال: " قام فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فذكره نحوه " .حدثنا أبو كريب ، قال : ثنا وكيع ، عن شعبة ، قال : ثنا المغيرة بن النعمان النخَعيّ ، عن سعيد بن جُبير ، عن أبن عباس ، نحوه.حدثنا عيسى بن يوسف بن الطباع أبو يحيى ، قال : ثنا سفيان ، عن عمرو بن دينار ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس ، قال: سمعت النبيّ صلى الله عليه وسلم يخطب فقال: " إنكم مُلاقُو اللهِ مُشاةً غُرْلا ".حدثنا أبو كريب ، قال : ثنا ابن إدريس ، عن ليث ، عن مجاهد ، عن عائشة ، قالت: " دخل عليّ رسول الله صلى الله عليه وسلم وعندي عجوز من بني عامر ، فقال: مَنْ هَذه العَجُوزُ يا عائِشةُ؟ فقلت: إحدى خالاتي ، فقالت: ادع الله أن يدخلني الجنة ، فقال: إنّ الجَنَّةَ لا يَدْخُلُها العَجَزةُ ، قالت: فأخذَ العجوز ما أخذها ، فقال: إنّ اللهَ يُنْشِئُهُنَّ خَلْقا غيرَ خَلْقِهِنَّ، ثم قال: يُحْشَرُونَ حُفاةً عُرَاةً غُلْفا ، فقالت: حاش لله من ذلك ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: بَلى إنّ الله قال: ( كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ وَعْدًا عَلَيْنَا ) ... إلى آخر الآية ، فأوَّلُ مَنْ يُكْسَى إِبْرَاهِيمُ خَلِيلُ الله ".حدثني محمد بن عمارة الأسدي ، قال : ثنا عبيد الله ، قال : ثنا إسرائيل ، عن أبي إسحاق ، عن عطاء ، عن عقبة بن عامر الجهني ، قال: يجمع الناس في صعيد واحد ينفذهم البصر ، ويسمعهم الداعي ، حفاة عراة ، كما خلقوا أول يوم.حدثنا القاسم ، قال : ثنا الحسين ، قال: ثني عباد بن العوام ، عن هلال بن حبان ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " يحشر الناس يوم القيامة حُفاة عراة مشاة غرلا قلت: يا أبا عبد الله ما الغرل؟ قال: الغلف ، فقال بعض أزواجه: يا رسول الله ، أينظر بعضنا إلى بعض إلى عورته؟ فقال لِكُلّ امْرئٍ يَوْمَئذٍ ما يَشْغَلُهُ عَن النَّظَر إلى عَوْرَة أَخِيهِ" ، قال هلال: قال سعيد بن جبير وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَى كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ قال: كيوم ولدته أمه ، يردّ عليه كل شيء انتقص منه مثل يوم وُلد.وقال آخرون: بل معنى ذلك: كما كنا ولا شيء غيرنا قبل أن نخلق شيئا ، كذلك نهلك الأشياء فنعيدها فانية ، حتى لا يكون شيء سوانا.ذكر من قال ذلك: حدثني محمد بن سعد ، قال: ثني أبي ، قال: ثني عمي ، قال: ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ( كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ ) . . . الآية ، قال: نهلك كل شيء كما كان أوّل مرّة. وقوله ( وَعْدًا عَلَيْنَا ) يقول: وعدناكم ذلك وعدا حقا علينا أن نوفي بما وعدنا ، إنا كنا فاعلي ما وعدناكم من ذلك أيها الناس ، لأنه قد سبق في حكمنا وقضائنا أن نفعله ، على يقين بأن ذلك كائن ، واستعدوا وتأهبوا.
وَ لَقَدْ كَتَبْنَا فِی الزَّبُوْرِ مِنْۢ بَعْدِ الذِّكْرِ اَنَّ الْاَرْضَ یَرِثُهَا عِبَادِیَ الصّٰلِحُوْنَ(۱۰۵)
اور بیشک ہم نے زبور میں نصیحت کے بعد لکھ دیا کہ اس زمین کے وارث میرے نیک بندے ہوں گے (ف۱۸۷)
اختلف أهل التأويل في المعنيّ بالزَّبور والذكر في هذا الموضع ، فقال بعضهم: عُني بالزَّبور: كتب الأنبياء كلها التي أنزلها الله عليهم ، وعُني بالذكر: أمّ الكتاب التي عنده في السماء.ذكر من قال ذلك: حدثني عيسى بن عثمان بن عيسى الرمليّ ، قال : ثنا يحيى بن عيسى ، عن الأعمش ، قال: سألت سعيدا ، عن قول الله ( وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ ) قال: الذكر: الذي في السماء.حدثنا القاسم ، قال : ثنا الحسين ، قال : ثنا عيسى بن يونس ، عن الأعمش ، عن سعيد بن جبير ، في قوله ( وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ ) قال: قرأها الأعمش: (الزُّبُرِ) قال: الزبور ، والتوراة ، والإنجيل ، والقرآن ، ( مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ ) قال: الذكر الذي في السماء.حدثني محمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى ، وحدثني الحارث ، قال : ثنا الحسن ، قال : ثنا ورقاء جميعا ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ( الزَّبُورِ ) قال: الكتاب ، ( مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ ) قال: أم الكتاب عند الله.* حدثنا القاسم ، قال : ثنا الحسين ، قال: ثني حجاج ، عن ابن جُرَيج ، عن مجاهد ، قوله ( الزبور ) قال: الكتاب ، (بعد الذكر ) قال: أم الكتاب عند الله.حدثني يونس ، قال: أخبرنا ابن وهب ، قال: قال ابن زيد ، في قوله ( وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ ) قال: الزبور: الكتب التي أُنزلت على الأنبياء ، والذكر: أمّ الكتاب الذي تكتب فيه الأشياء قبل ذلك.حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا جرير ، عن منصور ، عن سعيد ، في قوله ( وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ ) قال: كتبنا في القرآن من بعد التوراة.وقال آخرون: بل عني بالزبور: الكتب التي أنزلها الله على مَنْ بعد موسى من الأنبياء ، وبالذكر: التوراة.*ذكر من قال ذلك: حدثني محمد بن سعد ، قال: ثني أبي ، قال: ثني عمي ، قال: ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله ( وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ ) ... الآية ، قال: الذكر: التوراة ، والزبور: الكتب.حدثنا عن الحسين ، قال: سمعت أبا معاذ يقول : ثنا عبيد ، قال: سمعت الضحاك يقول ، في قوله ( وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ ) . . . الآية ، قال: الذكر: التوراة ، ويعني بالزبور من بعد التوراة: الكتب.وقال آخرون: بل عني بالزَّبور زَبور داود ، وبالذكر تَوراة موسى صلى الله عليهما.ذكر من قال ذلك: حدثنا محمد بن المثنى ، قال : ثنا عبد الوهاب ، قال : ثنا داود ، عن عامر أنه قال في هذه الآية ( وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ ) قال: زبور داود ، من بعد الذكر: ذكر موسى التوراة.حدثنا ابن المثنى ، قال : ثنا ابن أبي عديّ ، عن داود ، عن الشعبيّ ، أنه قال في هذه الآية ( وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ ) قال: في زبور داود ، من بعد ذكر موسى.وأولى هذه الأقوال عندي بالصواب في ذلك ما قاله سعيد بن جبير ومجاهد ومن قال بقولهما في ذلك ، من أن معناه: ولقد كتبنا في الكتب من بعد أمّ الكتاب الذي كتب الله كل ما هو كائن فيه قبل خلق السماوات والأرض ، وذلك أن الزبور هو الكتاب ، يقال منه: زبرت الكتاب وذَبرته (1) : إذا كتبته ، وأن كلّ كتاب أنزله الله إلى نبيّ من أنبيائه ، فهو ذِكْر . فإذ كان ذلك كذلك ، فإن في إدخاله الألف واللام في الذكر ، الدلالة البينَة أنه معنيّ به ذكر بعينه معلوم عند المخاطبين بالآية ، ولو كان ذلك غير أم الكتاب التي ذكرنا لم تكن التوراة بأولى من أن تكون المعنية بذلك من صحف إبراهيم ، فقد كان قبل زَبور داود.فتأويل الكلام إذن ، إذ كان ذلك كما وصفنا: ولقد قضينا ، فأثبتنا قضاءنا في الكتب من بعد أمّ الكتاب ، أن الأرض يرثها عبادي الصالحون ، يعني بذلك: أن أرض الجنة يرثها عبادي العاملون بطاعته ، المنتهون إلى أمره ونهيه من عباده ، دون العاملين بمعصيته منهم المؤثرين طاعة الشيطان على طاعته.ذكر من قال ذلك: حدثنا محمد بن عبد الله الهلالي ، قال : ثنا عبيد الله بن موسى ، قال : ثنا إسرائيل ، عن أبي يحيى القَتَّات ، عن مجاهد ، عن ابن عباس ، قوله ( أَنَّ الأرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ ) قال: أرض الجنة.حدثني علي ، قال : ثنا أبو صالح ، قال: ثني معاوية ، عن عليّ ، عن ابن عباس قوله ( وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الأرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ ) قال: أخبر سبحانه في التوراة والزبور وسابق علمه قبل أن تكون السماوات والأرض ، أن يورث أمة محمد صلى الله عليه وسلم الأرض، ويُدخلهم الجنة ، وهم الصالحون.حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا جرير ، عن منصور ، عن سعيد بن جبير في قوله ( وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الأرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ ) قال: كتبنا في القرآن بعد التوراة ، والأرض أرض الجنة.حدثني عليّ بن سهل ، قال : ثنا حجاج ، عن أبي جعفر ، عن الربيع بن أنس ، عن أبي العالية ( أَنَّ الأرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ ) قال: الأرض: الجنة.حدثني عيسى بن عثمان بن عيسى الرمليّ ، قال : ثنا يحيى بن عيسى ، عن الأعمش ، قال: سألت سعيدا عن قول الله ( أَنَّ الأرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ ) قال: أرض الجنة.حدثني محمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى ، وحدثني الحارث ، قال : ثنا الحسن ، قال : ثنا ورقاء جميعا ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، في قول الله ( أَنَّ الأرْضَ ) قال: الجنة ، ( يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ ) .حدثنا القاسم ، قال : ثنا الحسين ، قال: ثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد ، مثله.حدثني يونس ، قال: أخبرنا ابن وهب ، قال: قال ابن زيد ، في قوله ( أَنَّ الأرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ ) قال: الجنة ، وقرأ قول الله جلّ ثناؤه وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَنَا وَعْدَهُ وَأَوْرَثَنَا الأَرْضَ نَتَبَوَّأُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ نَشَاءُ فَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ قال: فالجنة مبتدؤها في الأرض ثم تذهب درجات علوا ، والنار مبتدؤها في الأرض ، وبينهما حجاب سور ما يدري أحد ما ذاك السور ، وقرأ بَابٌ بَاطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ وَظَاهِرُهُ مِنْ قِبَلِهِ الْعَذَابُ قال: ودرجها تذهب سفالا في الأرض ، ودرج الجنة تذهب علوا في السماوات.حدثنا محمد بن عوف ، قال : ثنا أبو المغيرة ، قال : ثنا صفوان ، سألت عامر بن عبد الله أبا اليمان: هل لأنفس المؤمنين مجتمع (2) ؟ قال: فقال: إن الأرض التي يقول الله ( وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الأرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ ) قال: هي الأرض التي تجتمع إليها أرواح المؤمنين حتى يكون البعث.وقال آخرون: هي الأرض يورثها الله المؤمنين في الدنيا.وقال آخرون: عني بذلك بنو إسرائيل ، وذلك أن الله وعدهم ذلك فوفى لهم به.واستشهد لقوله ذلك بقول الله وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كَانُوا يُسْتَضْعَفُونَ مَشَارِقَ الأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا وقد ذكرنا قول من قال ( أَنَّ الأرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ ) أنها أرض الأمم الكافرة ، ترثها أمة محمد صلى الله عليه وسلم ، وهو قول ابن عباس الذي روى عنه عليّ بن أبي طلحة.------------------------الهوامش :(1) ( في اللسان : ذبر ) : الذبر : الكتابة ، مثل الزبر . ذبر الكتاب يذبره ( كنصره ) ويذبره ( كيضربه ) ذبرا ، وذبره ( بالتضعيف ) كلاهما : كتبه ، نقطه . وقيل : قرأه قراءة خفيفة ، بلغة هذيل .(2) الأصل : هل لأنفس المؤمنين بمجتمع ؟ والصواب : ما أثبتناه .
اِنَّ فِیْ هٰذَا لَبَلٰغًا لِّقَوْمٍ عٰبِدِیْنَؕ(۱۰۶)
بیشک یہ قرآن کافی ہے عبادت والوں کو (ف۱۸۸)
يقول تعالى ذكره: إن في هذا القرآن الذي أنزلناه على نبينا محمد صلى الله عليه وسلم لبلاغا لمن عبد الله بما فيه من الفرائض التي فرضها الله إلى رضوانه ، وإدراك الطَّلِبة عندهوبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.*ذكر من قال ذلك: حدثني يعقوب بن إبراهيم ، قال : ثنا ابن علية ، عن الجريري ، عن أبي الورد بن ثمامة ، عن أبي محمد الحضرمي ، قال : ثنا كعب في هذا المسجد ، قال: والذي نفس كعب بيده ، إن في هذا لبلاغا لقوم عابدين ، إنهم لأهل، أو أصحاب الصلوات الخمس ، سماهم الله عابدين.حدثنا الحسين بن يزيد الطحان ، قال : ثنا ابن علية ، عن سعيد بن إياس الجريري ، عن أبي الورد عن كعب ، في قوله ( إِنَّ فِي هَذَا لَبَلاغًا لِقَوْمٍ عَابِدِينَ ) قال: صوم شهر رمضان ، وصلاة الخمس ، قال: هي ملء اليدين والبحر عبادة.حدثنا القاسم ، قال : ثنا الحسين ، قال : ثنا محمد بن الحسين ، عن الجريري ، قال: قال كعب الأحبار ( إِنَّ فِي هَذَا لَبَلاغًا لِقَوْمٍ عَابِدِينَ ) : لأمة محمد.حدثني علي ، قال : ثنا عبد الله ، قال: ثني معاوية ، عن علي ، عن ابن عباس ، قوله ( إِنَّ فِي هَذَا لَبَلاغًا لِقَوْمٍ عَابِدِينَ ) يقول: عاملين.حدثنا القاسم ، قال : ثنا الحسين ، قال: ثني حجاج ، عن ابن جريج ، قوله إِنَّ فِي هَذَا لَبَلاغًا لِقَوْمٍ عَابِدِينَ قال: يقولون في هذه السورة لبلاغا.ويقول آخرون: في القرآن تنزيل لفرائض الصلوات الخمس ، من أداها كان بلاغا لقوم عابدين ، قال: عاملين.حدثنا يونس ، قال: أخبرنا ابن وهب ، قال: قال ابن زيد ، في قوله ( إِنَّ فِي هَذَا لَبَلاغًا لِقَوْمٍ عَابِدِينَ ) قال: إن في هذا لمنفعة وعلما لقوم عابدين ، ذاك البلاغ.
وَ مَاۤ اَرْسَلْنٰكَ اِلَّا رَحْمَةً لِّلْعٰلَمِیْنَ(۱۰۷)
اور ہم نے تمہیں نہ بھیجا مگر رحمت سارے جہان کے لیے (ف۱۸۹)
وقوله ( وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ ) يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: وما أرسلناك يا محمد إلى خلقنا إلا رحمة لمن أرسلناك إليه من خلقي.ثم اختلف أهل التأويل في معنى هذه الآية ، أجميع العالم الذي أرسل إليهم محمد أريد بها مؤمنهم وكافرهم؟ أم أريد بها أهل الإيمان خاصة دون أهل الكفر؟ فقال بعضهم: عني بها جميع العالم المؤمن والكافر.ذكر من قال ذلك: حدثني إسحاق بن شاهين ، قال : ثنا إسحاق بن يوسف الأزرق ، عن المسعودي ، عن رجل يقال له سعيد ، عن سعيد بن جُبير ، عن ابن عباس ، في قول الله في كتابه ( وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ ) قال: من آمن بالله واليوم الآخر كُتب له الرحمة في الدنيا والآخرة ، ومن لم يؤمن بالله ورسوله ، عوفي مما أصاب الأمم من الخسف والقذف.حدثنا القاسم ، قال : ثنا الحسين ، قال : ثنا عيسى بن يونس ، عن المسعودي ، عن أبي سعيد ، عن سعيد بن جُبير ، عن ابن عباس ، في قوله ( وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ ) قال: تمت الرحمة لمن آمن به في الدنيا والآخرة ، ومن لم يؤمن به عوفي مما أصاب الأمم قبل.وقال آخرون: بل أريد بها أهل الإيمان دون أهل الكفر.*ذكر من قال ذلك: حدثني يونس ، قال: أخبرنا ابن وهب ، قال: قال ابن زيد ، في قوله ( وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ ) قال: العالمون: من آمن به وصدّقه ، قال وَإِنْ أَدْرِي لَعَلَّهُ فِتْنَةٌ لَكُمْ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ قال: فهو لهؤلاء فتنة ولهؤلاء رحمة ، وقد جاء الأمر مجملا رحمة للعالمين ، والعالمون ههنا: من آمن به وصدّقه وأطاعه.وأولى القولين في ذلك بالصواب .القول الذي رُوي عن ابن عباس ، وهو أن الله أرسل نبيه محمدا صلى الله عليه وسلم رحمة لجميع العالم ، مؤمنهم وكافرهم . فأما مؤمنهم فإن الله هداه به ، وأدخله بالإيمان به ، وبالعمل بما جاء من عند الله الجنة. وأما كافرهم فإنه دفع به عنه عاجل البلاء الذي كان ينزل بالأمم المكذّبة رسلها من قبله.
قُلْ اِنَّمَا یُوْحٰۤى اِلَیَّ اَنَّمَاۤ اِلٰهُكُمْ اِلٰهٌ وَّاحِدٌۚ-فَهَلْ اَنْتُمْ مُّسْلِمُوْنَ(۱۰۸)
تم فرماؤ مجھے تو یہی وحی ہوتی ہے کہ تمہارا خدا نہیں مگر ایک اللہ تو کیا تم مسلمان ہوتے ہو،
يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: قل يا محمد: ما يوحي إلي ربي إلا أنَّه لا إله لكم يجوز أن يُعبد إلا إله واحد ، لا تصلح العبادة إلا له ، ولا ينبغي ذلك لغيره.يقول: فهل أنتم مذعنون له أيها المشركون العابدون الأوثان والأصنام بالخضوع لذلك ، ومتبرّئون من عبادة ما دونه من آلهتكم؟.
فَاِنْ تَوَلَّوْا فَقُلْ اٰذَنْتُكُمْ عَلٰى سَوَآءٍؕ-وَ اِنْ اَدْرِیْۤ اَقَرِیْبٌ اَمْ بَعِیْدٌ مَّا تُوْعَدُوْنَ(۱۰۹)
پھر اگر وہ منہ پھیریں (ف۱۹۰) تو فرمادو میں نے تمہیں لڑائی کا اعلان کردیا، برابری پر اور میں کیا جانوں (ف۱۹۱) کہ پاس ہے یا دور ہے وہ جو تمہیں وعدہ دیا جاتا ہے (ف۱۹۲)
يقول تعالى ذكره: فإن أدبر هؤلاء المشركون يا محمد عن الإقرار بالإيمان ، بأن لا إله لهم إلا إله واحد ، فأعرضوا عنه ، وأبوا الإجابة إليه ، فقل لهم ( قد آذنتكم على سواء ) يقول: أعلمهم أنك وهم على علم من أن بعضكم لبعض حرب ، لا صلح بينكم ولا سلم.وإنما عني بذلك قوم رسول الله صلى الله عليه وسلم من قُريش.كما حدثنا القاسم ، قال : ثنا الحسين ، قال: ثني حجاج ، عن ابن جريج ، قوله ( فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُلْ آذَنْتُكُمْ عَلَى سَوَاءٍ ) فإن تولوا ، يعنى قريشا.وقوله ( وَإِنْ أَدْرِي أَقَرِيبٌ أَمْ بَعِيدٌ مَا تُوعَدُونَ ) يقول تعالى ذكره لنبيه: قل وما أدري متى الوقت الذي يحلّ بكم عقاب الله الذي وعدكم ، فينتقم به منكم ، أقريب نزوله بكم أم بعيد؟وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.*ذكر من قال ذلك: حدثنا القاسم ، قال : ثنا الحسين ، قال: ثني حجاج ، عن ابن جريج ( وَإِنْ أَدْرِي أَقَرِيبٌ أَمْ بَعِيدٌ مَا تُوعَدُونَ ) قال: الأجل.
اِنَّهٗ یَعْلَمُ الْجَهْرَ مِنَ الْقَوْلِ وَ یَعْلَمُ مَا تَكْتُمُوْنَ(۱۱۰)
بیشک اللہ جانتا ہے آواز کی بات (ف۱۹۳) اور جانتا ہے جو تم چھپاتے ہو (ف۱۹۴)
يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: قل لهؤلاء المشركين ، إن الله يعلم الجهر الذي يجهرون به من القول ، ويعلم ما تخفونه فلا تجهرون به ، سواء عنده خفيه وظاهره وسره وعلانيته ، إنه لا يخفى عليه منه شيء ، فإن أخر عنكم عقابه على ما تخفون من الشرك به أو تجهرون به ، فما أدري ما السبب الذي من أجله يؤخر ذلك عنكم؟ لعلّ تأخيره ذلك عنكم مع وعده إياكم لفتنة يريدها بكم ، ولتتمتعوا بحياتكم إلى أجل قد جعله لكم تبلغونه ، ثم ينزل بكم حينئذ نقمته.وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
وَ اِنْ اَدْرِیْ لَعَلَّهٗ فِتْنَةٌ لَّكُمْ وَ مَتَاعٌ اِلٰى حِیْنٍ(۱۱۱)
اور میں کیا جانوں شاید وہ (ف۱۹۵) تمہاری جانچ ہو (ف۱۹۶) اور ایک وقت تک برتوانا (ف۱۹۷)
*ذكر من قال ذلك: حدثنا القاسم ، قال : ثنا الحسين ، قال: ثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن عطاء الخراساني ، عن ابن عباس ( وَإِنْ أَدْرِي لَعَلَّهُ فِتْنَةٌ لَكُمْ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ ) يقول: لعل ما أقرب لكم من العذاب والساعة ، أن يؤخر عنكم لمدتكم ، ومتاع إلى حين ، فيصير قولي ذلك لكم فتنة.
قٰلَ رَبِّ احْكُمْ بِالْحَقِّؕ-وَ رَبُّنَا الرَّحْمٰنُ الْمُسْتَعَانُ عَلٰى مَا تَصِفُوْنَ۠(۱۱۲)
نبی نے عرض کی کہ اے میرے رب حق فیصلہ فرمادے (ف۱۹۸) اور ہمارے رب رحمنٰ ہی کی مدد درکار ہے ان باتوں پر جو تم بتاتے ہو، (ف۱۹۹)
يقول تعالى ذكره: قل يا محمد: يا رب افصل بيني وبين من كذّبني من مشركي قومي وكفر بك ، وعبد غيرك ، بإحلال عذابك ونقمتك بهم ، وذلك هو الحقّ الذي أمر الله تعالى نبيه أن يسأل ربه الحكم به ، وهو نظير قوله جلّ ثناؤه رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِالْحَقِّ وَأَنْتَ خَيْرُ الْفَاتِحِينَوبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.ذكر من قال ذلك:حدثنا القاسم ، قال : ثنا الحسين ، قال: ثني حجاج ، عن ابن جريج ، قال: قال ابن عباس ( قال رب احكم بالحقّ ) قال: لا يحكم بالحقّ إلا الله ، ولكن إنما استعجل بذلك في الدنيا ، يسأل ربه على قومه.حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : ثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، عن قَتادة: أن النبيّ صلى الله عليه وسلم ، كان إذا شهد قتالا قال ( رب احكم بالحق ).واختلفت القرّاء في قراءة ذلك ، فقرأته عامة قراء الأمصار ( قُلْ رَبّ احْكُمْ ) بكسر الباء ، ووصل الألف ألف احكم ، على وجه الدعاء والمسألة ، سوى أبي جعفر ، فإنه ضم الباء من الربّ ، على وجه نداء المفرد ، وغير الضحاك بن مزاحم ، فإنه روي عنه أنه كان يقرأ ذلك: (رَبّي أَحْكَمُ) على وجه الخبر بأن الله أحكم بالحقّ من كل حاكم ، فيثبت الياء في الربّ ، ويهمز الألف من أحكم ، ويرفع أحكم على أنه خبر للربُ تبارك وتعالى:والصواب من القراءة عندنا في ذلك: وصل الباء من الرب وكسرها باحكم ، وترك قطع الألف من احكم، على ما عليه قراء الأمصار ، لإجماع الحجة من القرّاء عليه وشذوذ ما خالفه . وأما الضحاك فإن في القراءة التي ذكرت عنه زيادة حرف على خط المصاحف ، ولا ينبغي أن يزاد ذلك فيها ، مع صحة معنى القراءة بترك زيادته ، وقد زعم بعضهم أن معنى قوله ( رب احكم بالحق ) قل: ربّ احكم بحكمك الحقّ ، ثم حذف الحكم الذي الحقّ نعت له، وأقيم الحقّ مقامه ، ولذلك وجه ، غير أن الذي قلناه أوضح وأشبه بما قاله أهل التأويل ، فلذلك اخترناه.وقوله ( وَرَبُّنَا الرَّحْمَنُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ ) يقول جلّ ثناؤه: وقل يا محمد: وربنا الذي يرحم عباده ويعمهم بنعمته ، الذي أستعينه عليكم فيما تقولون وتصفون من قولكم لي فيما أتيتكم به من عند الله هَلْ هَذَا إِلا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ أَفَتَأْتُونَ السِّحْرَ وَأَنْتُمْ تُبْصِرُونَ وقولكم بَلِ افْتَرَاهُ بَلْ هُوَ شَاعِرٌ وفي كذبكم على الله جلّ ثناؤه وقيلكم اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا فإنه هين عليه تغيير ذلك، وفصل ما بيني وبينكم بتعجيل العقوبة لكم على ما تصفون من ذلك .آخر تفسير سورة الأنبياء عليهم السلام
- English | Ahmed Ali
- Urdu | Ahmed Raza Khan
- Turkish | Ali-Bulaç
- German | Bubenheim Elyas
- Chinese | Chineese
- Spanish | Cortes
- Dutch | Dutch
- Portuguese | El-Hayek
- English | English
- Urdu | Fateh Muhammad Jalandhry
- French | French
- Hausa | Hausa
- Indonesian | Indonesian-Bahasa
- Italian | Italian
- Korean | Korean
- Malay | Malay
- Russian | Russian
- Tamil | Tamil
- Thai | Thai
- Farsi | مکارم شیرازی
- العربية | التفسير الميسر
- العربية | تفسير الجلالين
- العربية | تفسير السعدي
- العربية | تفسير ابن كثير
- العربية | تفسير الوسيط لطنطاوي
- العربية | تفسير البغوي
- العربية | تفسير القرطبي
- العربية | تفسير الطبري
- English | Arberry
- English | Yusuf Ali
- Dutch | Keyzer
- Dutch | Leemhuis
- Dutch | Siregar
- Urdu | Sirat ul Jinan