READ

Surah Al-Anbiyaa

اَلْاَ نْبِيَآء
112 Ayaat    مکیۃ


21:41
وَ لَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِّنْ قَبْلِكَ فَحَاقَ بِالَّذِیْنَ سَخِرُوْا مِنْهُمْ مَّا كَانُوْا بِهٖ یَسْتَهْزِءُوْنَ۠(۴۱)
اور بیشک تم سے اگلے رسولوں کے ساتھ ٹھٹھا کیا گیا (ف۸۰) تو مسخرگی کرنے والوں کا ٹھٹھا انہیں کو لے بیٹھا (ف۸۱)

ثم ختم- سبحانه- الآيات الكريمة بتسلية النبي صلّى الله عليه وسلّم عما أصابه من هؤلاء المشركين، فقال: وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِنْ قَبْلِكَ، فَحاقَ بِالَّذِينَ سَخِرُوا مِنْهُمْ. ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ.أى: ولقد استهزئ- أيها الرسول الكريم- برسل كثيرين من قبلك، فنزل بهؤلاء المشركين المستهزئين برسلهم، العذاب الذي كانوا يستهزئون به في الدنيا، ويستعجلون رسلهم في نزوله.وصدرت الآية الكريمة بلام القسم وقد، لزيادة تحقيق مضمونها وتأكيده، وتنوين الرسل:للتفخيم والتكثير، أى: والله لقد استهزئ برسل كثيرين ذوى شأن خطير كائنين في زمان قبل زمانك.وعبر- سبحانه- بالفعل حاق، لأن هذه المادة تستعمل في إحاطة المكروه، فلا يقال:فلان حاق به الخير، ولأنها تدل على الشمول واللزوم.أى: فنزل بهم العذاب الذي كانوا يستهزئون به في الدنيا نزولا شاملا، أحاط بهم من كل جهة إحاطة تامة.وبذلك تكون الآيات الكريمة، قد بينت جانبا من سنن الله- تعالى- في خلقه، وحكت بعض الأفعال القبيحة التي كان المشركون يفعلونها مع النبي صلّى الله عليه وسلّم وهددتهم عليها تهديدا شديدا، وسلّت النبي صلّى الله عليه وسلّم عما ارتكبوه في حقه.ثم أمر- سبحانه- رسوله صلّى الله عليه وسلّم أن يذكّر هؤلاء الجاحدين بنعمه- تعالى- وأن ينذرهم بأسه وعقابه إذا ما استمروا في كفرهم، فقال- عز وجل-:
21:42
قُلْ مَنْ یَّكْلَؤُكُمْ بِالَّیْلِ وَ النَّهَارِ مِنَ الرَّحْمٰنِؕ-بَلْ هُمْ عَنْ ذِكْرِ رَبِّهِمْ مُّعْرِضُوْنَ(۴۲)
تم فرماؤ شبانہ روز تمہاری کون نگہبانی کرتا ہے رحمان سے (ف۸۲) بلکہ وہ اپنے رب کی یاد سے منہ پھیرے ہیں (ف۸۳)

وقوله- تعالى-: يَكْلَؤُكُمْ أى: يرعاكم ويحفظكم. يقال: فلان كلأ فلانا كلأ وكلاءة- بالكسر- إذا حرسه، واكتلأ فلان من غيره، إذا احترس منه.والاستفهام للإنكار والتقريع.أى: قل- أيها الرسول الكريم- لهؤلاء المستهزئين بك وبما جئت به من عند ربك: قل لهم من الذي يحرسكم ويحفظكم «بالليل» وأنتم نائمون «والنهار» وأنتم متيقظون «من الرحمن» أى: من عذاب الرحمن وبأسه إذا أراد أن يهلككم بسبب عكوفكم على كفركم وشرككم.وتقديم الليل على النهار، لما أن الدواهي فيه أكثر، والأخذ فيه أشد، واختار- سبحانه- لفظ الرحمن، للإشعار بأنهم يعيشون في خيره ورحمته. ومع ذلك لا يشكرونه- تعالى- على نعمه.ولذا- أخبر- سبحانه- عنهم بقوله: بَلْ هُمْ عَنْ ذِكْرِ رَبِّهِمْ مُعْرِضُونَ أى: بل هم بعد كل هذا الإنكار عليهم، والتنبيه لهم عن ذكر ربهم وكتابه الذي أنزله لهدايتهم، معرضون شاردون، لا يحاولون الانتفاع بتوجيهاته، ولا يستمعون إلى إرشاداته.فالجملة الكريمة تنفى عنهم الانتفاع بما يوجهه الرسول صلّى الله عليه وسلّم إليهم من هدايات وعظات.
21:43
اَمْ لَهُمْ اٰلِهَةٌ تَمْنَعُهُمْ مِّنْ دُوْنِنَاؕ-لَا یَسْتَطِیْعُوْنَ نَصْرَ اَنْفُسِهِمْ وَ لَا هُمْ مِّنَّا یُصْحَبُوْنَ(۴۳)
کیا ان کے کچھ خدا ہیں (ف۸۴) جو ان کو ہم سے بچاتے ہیں (ف۸۵) وہ اپنی ہی جانوں کو نہیں بچاسکتے (ف۸۶) اور نہ ہماری طرف سے ان کی یاری ہو،

ثم وجه- سبحانه- إليهم سؤالا آخر فقال: أَمْ لَهُمْ آلِهَةٌ تَمْنَعُهُمْ مِنْ دُونِنا..؟.وأَمْ هنا هي المنقطعة التي بمعنى بل والهمزة، فهي مشتملة على معنى الإضراب والإنكار.والمعنى: وسلهم- أيها الرسول الكريم- مرة أخرى: ألهؤلاء الجاحدين آلهة أخرى تستطيع أن تحرسهم وترعاهم سوانا نحن؟ كلا لبس لهم ذلك.فالجملة الكريمة إضراب عن وصفهم بالإعراض إلى توبيخهم على جهالاتهم بسبب اعتمادهم على آلهة لا تنفع ولا تضر.وقوله: لا يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَ أَنْفُسِهِمْ وَلا هُمْ مِنَّا يُصْحَبُونَ نفى على أبلغ وجه لأن تكون هناك آلهة ترعاهم سوى الله- تعالى- أى: كلا.. ليس لهم آلهة تمنعهم من عذابنا إن أردنا إنزاله بهم، فإن هؤلاء الآلهة لا يستطيعون نصر أنفسهم فضلا عن نصر غيرهم، ولا هم منا يصحبون، أى: يجارون ويمنعون من نزول الضر بهم.قال ابن جرير: «وقوله يُصْحَبُونَ بمعنى يجارون، تقول العرب: أنا لك جار وصاحب من فلان. بمعنى أجيرك وأمنعك منه. وهؤلاء إذا لم يصحبوا بالجوار، ولم يكن لهم مانع من عذاب الله، مع سخط الله عليهم، فلم يصحبوا بخير ولن ينصروا .
21:44
بَلْ مَتَّعْنَا هٰۤؤُلَآءِ وَ اٰبَآءَهُمْ حَتّٰى طَالَ عَلَیْهِمُ الْعُمُرُؕ-اَفَلَا یَرَوْنَ اَنَّا نَاْتِی الْاَرْضَ نَنْقُصُهَا مِنْ اَطْرَافِهَاؕ-اَفَهُمُ الْغٰلِبُوْنَ(۴۴)
بلکہ ہم نے ان کو (ف۸۷) اور ان کے باپ دادا کو برتاوا دیا (ف۸۸) یہاں تک کہ زندگی ان پر دراز ہوئی (ف۸۹) تو کیا نہیں دیکھتے کہ ہم (ف۹۰) زمین کو اس کے کناروں سے گھٹاتے آرہے ہیں (ف۹۱) تو کیا یہ غالب ہوں گے (ف۹۲)

ثم انتقلت السورة الكريمة إلى الحديث عن نعمة أخرى من نعم الله عليهم لم يحسنوا شكرها، فقال- تعالى-: بَلْ مَتَّعْنا هؤُلاءِ وَآباءَهُمْ حَتَّى طالَ عَلَيْهِمُ الْعُمُرُ ...أى: لا تلتفت- أيها الرسول الكريم- إلى هؤلاء المشركين الذين أعرضوا عن ذكر ربهم، والذين زعموا أن آلهتهم تضر أو تنفع، فإننا قد كلأناهم برعايتنا بالليل والنهار، ومتعناهم وآباءهم من قبلهم بالكثير من متع الحياة الدنيا، حتى طالت أعمارهم في رخاء ونعمة، فحملهم ذلك على الطغيان والبطر والإصرار على الكفر. وسنأخذهم في الوقت الذي نريده أخذ عزيز مقتدر، فإن ما أعطيناه لهم من نعم إنما هو على سبيل الاستدراج لهم.ثم يلفت- سبحانه- أنظارهم إلى الواقع المشاهد في هذه الحياة فيقول: أَفَلا يَرَوْنَ أَنَّا نَأْتِي الْأَرْضَ نَنْقُصُها مِنْ أَطْرافِها أَفَهُمُ الْغالِبُونَ.وللعلماء في تفسير هذه الجملة الكريمة أقوال منها: أن المراد بنقص الأرض من أطرافها:إهلاك المشركين السابقين الذين كذبوا رسلهم، كقوم نوح وعاد وثمود، وهم يمرون على قرى بعض هؤلاء المكذبين، ويرون آثارهم وقد دمرت ديارهم.والمعنى: أفلا ينظر هؤلاء المشركون الذين كذبوك يا محمد، فيرون بأعينهم ما حل بأمثالهم ممن كذبوا الرسل من قبلك. وكيف أننا طوينا الأرض بهم. وجعلناهم أثرا بعد عين.والاستفهام في قوله: أَفَهُمُ الْغالِبُونَ للإنكار.أى: لم تكن الغلبة والعاقبة في يوم من الأيام لمن كذبوا رسل الله- تعالى- وإنما الغلبة والظفر وحسن العاقبة لمن آمن بالرسل وصدقهم واتبع ما جاءوا به من عند ربهم.وقد أشار الإمام ابن كثير إلى هذا المعنى بقوله: «أفلا يعتبرون بنصر الله لأوليائه على أعدائه، وإهلاكه الأمم المكذبة والقرى الظالمة وإنجائه لعباده المؤمنين. ولهذا قال: أَفَهُمُ الْغالِبُونَ.يعنى: بل هم المغلوبون الأسفلون الأخسرون الأرذلون .ومنها أن المراد بنقص الأرض من أطرافها: نقص أرض الكفر ودار الحرب، وتسليط المسلمين عليها وانتزاعها من أيديهم بدليل الاستفهام الإنكارى في قوله أَفَهُمُ الْغالِبُونَ أى: لا.. ليسوا هم الذين يغلبون جندنا، وإنما جندنا هم الغالبون.وقد صدر الآلوسى تفسيره لهذا القول فقال: «أفلا يرون أنا تأتى الأرض» أى: أرض الكفرة «ننقصها من أطرافها» بتسليط المسلمين عليها، وحوز ما يحوزونه منها، ونظمه في سلك ملكهم.. «أفهم الغالبون» على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم والمؤمنين.والمراد إنكار ترتيب الغالبية على ما ذكر من نقص أرض الكفرة بتسليط المؤمنين عليها، كأنه قيل: أبعد ظهور ما ذكر ورؤيتهم له يتوهم غلبتهم، وفي التعريف تعريض بأن المسلمين هم المتعينون للغلبة المعروفون فيها .وقال صاحب الكشاف: «فإن قلت: أى فائدة في قوله نَأْتِي الْأَرْضَ؟.قلت: فيه تصوير ما كان الله يجريه على أيدى المسلمين، وأن عساكرهم وسراياهم كانت تغزو أرض المشركين وتأتيها غالبة عليها، ناقصة من أطرافها .وهذان الرأيان مع وجاهتهما، إلا أن الرأى الأول الذي ذهب إليه ابن كثير أكثر شمولا، لأنه يتناول ما أصاب المكذبين للرسل السابقين من عقاب كما يشمل التهديد للمكذبين المعاصرين للعهد النبوي، بأنهم إذا استمروا في طغيانهم فسيحل بهم ما حل بمن سبقوهم.وهناك من يرى أن المراد بنقص الأرض من أطرافها: موت العلماء، أو خرابها عند موت أهلها، أو نقص الأنفس والثمرات.. ولكن هذه الآراء ليس معها ما يرجحها.
21:45
قُلْ اِنَّمَاۤ اُنْذِرُكُمْ بِالْوَحْیِ ﳲ وَ لَا یَسْمَعُ الصُّمُّ الدُّعَآءَ اِذَا مَا یُنْذَرُوْنَ(۴۵)
تم فرماؤ کہ میں تم کو صرف وحی سے ڈراتا ہوں (ف۹۳) اور بہرے پکارنا نہیں سنتے جب ڈرائے جائیں، (ف۹۴)

ثم أمر الله- تعالى- رسوله صلّى الله عليه وسلّم أن يوجه إلى هؤلاء المشركين إنذارا حاسما، فقال- تعالى-: قُلْ إِنَّما أُنْذِرُكُمْ بِالْوَحْيِ ...أى: قل يا محمد لهؤلاء المشركين: إنى بعد أن بينت لكم ما بينت من هدايات وإرشادات أنذركم عن طريق الوحى الصادق، بأن الساعة آتية لا ريب فيها، فلا تستعجلوا ذلك فكل آت قريب، وسترون فيها ما ترون من أهوال وعذاب.وقوله وَلا يَسْمَعُ الصُّمُّ الدُّعاءَ إِذا ما يُنْذَرُونَ توبيخ لهم وتجهيل.أى: ولا يسمع الصم دعاء من يدعوهم إلى ما ينفعهم، ولا يلتفتون إلى إنذار من ينذرهم وذلك لكمال جهلهم، وشدة عنادهم، وانطماس بصائرهم.
21:46
وَ لَىٕنْ مَّسَّتْهُمْ نَفْحَةٌ مِّنْ عَذَابِ رَبِّكَ لَیَقُوْلُنَّ یٰوَیْلَنَاۤ اِنَّا كُنَّا ظٰلِمِیْنَ(۴۶)
اور اگر انہیں تمہارے رب کے عذاب کی ہوا چھو جائے تو ضرور کہیں گے ہائے خرابی ہماری بیشک ہم ظالم تھے (ف۹۵)

ثم بين- سبحانه- حالهم عند ما ينزل بهم شيء من العذاب فقال: وَلَئِنْ مَسَّتْهُمْ نَفْحَةٌ مِنْ عَذابِ رَبِّكَ لَيَقُولُنَّ يا وَيْلَنا إِنَّا كُنَّا ظالِمِينَ.أى: ولئن أصاب هؤلاء المشركين شيء قليل من عذاب ربك يا محمد. ليقولن على سبيل التفجع والتحسر وإظهار الخضوع: يا ويلنا- أى يا هلاكنا- إنا كنا ظالمين، ولذلك نزل بنا هذا العذاب، وفي هذا التعبير ألوان من المبالغات منها: ذكر المس الذي يكفى في تحققه إيصال ما، ومنها: ما في النفح من النزارة والقلة، يقال: نفح فلان فلانا نفحة، إذا أعطاه شيئا قليلا ومنها. البناء الدال على المرة والواحدة كما يفيد ذلك التعبير بالنفحة. أى: نفحة واحدة من عذاب ربك، والمقصود من الآية الكريمة بيان سرعة تأثر هؤلاء المشركين، بأقل شيء من العذاب الذي كانوا يستعجلونه، وأنهم إذا ما نزل بهم شيء منه، أصيبوا بالهلع والجزع، وتنادوا بالويل والثبور والاعتراف بالظلم وتجاوز الحدود.
21:47
وَ نَضَعُ الْمَوَازِیْنَ الْقِسْطَ لِیَوْمِ الْقِیٰمَةِ فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَیْــٴًـاؕ-وَ اِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِّنْ خَرْدَلٍ اَتَیْنَا بِهَاؕ-وَ كَفٰى بِنَا حٰسِبِیْنَ(۴۷)
اور ہم عدل کی ترازوئیں رکھیں گے قیامت کے دن تو کسی جان پر کچھ ظلم نہ ہوگا، اور اگر کوئی چیز (ف۹۶) رائی کے دانہ کے برابر ہو تو ہم اسے لے آئیں گے، اور ہم کافی ہیں حساب کو،

ثم بين- سبحانه- مظهرا من مظاهر عدله مع عباده يوم القيامة فقال: وَنَضَعُ الْمَوازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيامَةِ فَلا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً ...أى: ونحضر الموازين العادلة لمحاسبة الناس على أعمالهم يوم القيامة ولإعطاء كل واحد منهم ما يستحقه من ثواب أو عقاب، دون أن يظلم ربك أحدا من خلقه.وَإِنْ كانَ مِثْقالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنا بِها وَكَفى بِنا حاسِبِينَ أى: وإن كانت الأعمال التي عملها الإنسان في الدنيا في نهاية الحقارة والقلة، أتينا بها في صحيفة عمله لتوزن، وكفى بنا عادّين ومحصين على الناس أعمالهم، إذ لا يخفى علينا شيء منها سواء أكان قليلا أم كثيرا.قال ابن كثير: قوله: وَنَضَعُ الْمَوازِينَ الأكثر على أنه ميزان واحد، وإنما جمع باعتبار تعدد الأعمال الموزونة فيه .وقال القرطبي: «الموازين: جمع ميزان، فقيل: إنه يدل بظاهره على أن لكل مكلف ميزانا توزن به أعماله، فتوضع الحسنات في كفة، والسيئات في كفة. وقيل: يجوز أن يكون هناك موازين للعامل الواحد، يوزن بكل ميزان منها صنف من أعماله.. وقيل: ذكر الميزان مثل وليس ثمّ ميزان وإنما هو العدل، والذي وردت به الأخبار، وعليه السواد الأعظم القول الأول. و «القسط» صفة الموازين ووحد لأنه مصدر.. .واللام في قوله لِيَوْمِ الْقِيامَةِ قيل للتوقيت. أى للدلالة على الوقت، كقولهم: جاء فلان لخمس ليال بقين من الشهر. وقيل هي لام كي، أى: لأجل يوم القيامة، أو بمعنى في أى: في يوم القيامة.وقوله- سبحانه- فَلا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً بيان للعدل الإلهى، وأنه- سبحانه- لا يظلم أحدا شيئا مما له أو عليه، أى: فلا تظلم نفس شيئا من الظلم لا قليلا ولا كثيرا.وقوله وَإِنْ كانَ مِثْقالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنا بِها تصوير لدقة الحساب، وعدم مغادرته لشيء من أعمال الناس، إذ الخردل حب في غاية الصغر والدقة. ومثقال الشيء: وزنه.وأنث الضمير في قوله «بها» وهو راجع إلى المضاف الذي هو «مثقال» وهو مذكر.لاكتسابه التأنيث من المضاف إليه الذي هو «حبة من خردل» .وقوله- سبحانه-: وَكَفى بِنا حاسِبِينَ بيان لإحاطة الله- تعالى-: بعلم كل شيء. كما قال- تعالى- إِنَّ اللَّهَ لا يَخْفى عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي السَّماءِ .وفي معنى هذه الآية وردت آيات كثيرة منها قوله- تعالى-: إِنَّ اللَّهَ لا يَظْلِمُ مِثْقالَ ذَرَّةٍ، وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضاعِفْها وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْراً عَظِيماً .وقوله- سبحانه-: يا بُنَيَّ إِنَّها إِنْ تَكُ مِثْقالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّماواتِ أَوْ فِي الْأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ .وبذلك نرى أن هذه الآيات الكريمة قد ذكرت أولئك المشركين بجانب من نعم الله- تعالى- عليهم، وحضهم على التدبر والاتعاظ، وأنذرتهم بسوء العاقبة إذا ما استمروا في كفرهم وشركهم، وصورت لهم دقة الحساب يوم القيامة، وأن كل إنسان سيحاسب على عمله سواء أكان صغيرا أم كبيرا، ولا يظلم ربك أحدا.وبعد أن فصل- سبحانه- الحديث عن دلائل التوحيد والنبوة والمعاد، ورد على المشركين ردا يفحمهم، أتبع ذلك بالحديث عن قصص بعض الأنبياء تسلية للرسول صلّى الله عليه وسلّم وتثبيتا لقلبه، فقال- تعالى-:
21:48
وَ لَقَدْ اٰتَیْنَا مُوْسٰى وَ هٰرُوْنَ الْفُرْقَانَ وَ ضِیَآءً وَّ ذِكْرًا لِّلْمُتَّقِیْنَۙ(۴۸)
اور بیشک ہم نے موسیٰ اور ہارون کو فیصلہ دیا (ف۹۷) اور اجالا (ف۹۸) اور پرہیزگاروں کو نصیحت (ف۹۹)

والمراد بالفرقان وبالضياء وبالذكر: التوراة، فيكون الكلام من عطف الصفات. والمعنى:ولقد أعطينا موسى وهارون- عليهما السلام- كتاب التوراة ليكون فارقا بين الحق والباطل، وليكون- أيضا- ضياء يستضيء به أتباعه من ظلمات الكفر والضلالة، وليكون ذكرا حسنا لهم، وموعظة يتعظون بما اشتمل عليه من آداب وأحكام.قال الآلوسى: «قوله- سبحانه-: وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسى وَهارُونَ الْفُرْقانَ وَضِياءً وَذِكْراً ...نوع تفصيلي لما أجمل في قوله- تعالى- قبل ذلك: وَما أَرْسَلْنا قَبْلَكَ إِلَّا رِجالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ.وتصديره بالتوكيد القسمي لإظهار كمال الاعتناء بمضمونه.والمراد بالفرقان: التوراة، وكذا بالضياء والذكر. والعطف كما في قوله:إلى الملك القرم وابن الهمام ... وليث الكتيبة في المزدحموقيل: الفرقان هنا: النصر على الأعداء.. والضياء التوراة أو الشريعة. وعن الضحاك:أن الفرقان فرق البحر.. .وخص المتقين بالذكر، لأنهم هم الذين انتفعوا بما اشتمل عليه هذا الكتاب من هدايات.
21:49
الَّذِیْنَ یَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَیْبِ وَ هُمْ مِّنَ السَّاعَةِ مُشْفِقُوْنَ(۴۹)
وہ جو بے دیکھے اپنے رب سے ڈرتے ہیں اور انہیں قیامت کا اندیشہ لگا ہوا ہے،

وقوله- تعالى-: الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ.. صفة مدح للمتقين.أى: آتينا موسى وهارون الكتاب الجامع لصفات الخير ليكون هداية للمتقين، الذين من صفاتهم أنهم يخافون ربهم وهو غير مرئى لهم، ويخشون عذابه في السر والعلانية وَهُمْ مِنَ السَّاعَةِ مُشْفِقُونَ أى: وهم من الساعة وما يقع فيها من حساب دقيق خائفون وجلون وليسوا كأولئك الكافرين الجاحدين الذين يستعجلون حدوثها.وخصت الساعة بالذكر مع أنها داخلة في الإيمان بالغيب، للعناية بشأنها حيث إنها من أعظم المخلوقات، وللردّ على من أنكرها واستعجل قيامها.
21:50
وَ هٰذَا ذِكْرٌ مُّبٰرَكٌ اَنْزَلْنٰهُؕ-اَفَاَنْتُمْ لَهٗ مُنْكِرُوْنَ۠(۵۰)
اور یہ ہے برکت والا ذکر کہ ہم نے اتارا (ف۱۰۰) تو کیا تم اس کے منکر ہو،

واسم الإشارة في قوله: وَهذا ذِكْرٌ مُبارَكٌ أَنْزَلْناهُ للقرآن الكريم، أى: وهذا القرآن الذي أنزلناه على عبدنا محمد صلّى الله عليه وسلّم هو ذكر وشرف لكم، وهو كذلك كثير الخيرات والبركات لمن اتبع توجيهاته.والاستفهام في قوله: أَفَأَنْتُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ للتوبيخ والإنكار، والخطاب للمشركين.أى: كيف تنكرون كونه من عند الله مع أنكم بمقتضى فصاحتكم تدركون من بلاغته، ما لا يدركه غيركم، ومع أنكم تعترفون بنزول التوراة على موسى وهارون.إن إنكاركم لكون القرآن من عند الله، لهو دليل واضح على جحودكم للحق بعد أن تبين لكم.قال الجمل: وتقديم الجار والمجرور على المتعلق، دل على التخصيص، أى: أفأنتم للقرآن خاصة دون كتاب اليهود تنكرون؟ فإنهم كانوا يراجعون اليهود فيما عنّ لهم من المشكلات .ثم تسوق السورة بعد ذلك بشيء من التفصيل قصة إبراهيم- عليه السلام- مع قومه،وما دار بينه وبينهم من محاورات ومحاولات فتقول:
21:51
وَ لَقَدْ اٰتَیْنَاۤ اِبْرٰهِیْمَ رُشْدَهٗ مِنْ قَبْلُ وَ كُنَّا بِهٖ عٰلِمِیْنَۚ(۵۱)
اور بیشک ہم نے ابراہیم کو (ف۱۰۱) پہلے ہی سے اس کی نیک راہ عطا کردی اور ہم اس سے خبردار تھے، (ف۱۰۲)

وقصة إبراهيم- عليه السلام- مع قومه، قد وردت في سور متعددة منها: سورة البقرة، والعنكبوت، والصافات.وهنا تحدثنا سورة الأنبياء عن جانب من قوة إيمانه- عليه السلام- ومن سلامة حجته ومن تصميمه على تنفيذ ما يرضى الله- تعالى- بالقول والعمل.والمراد بالرشد: الهداية إلى الحق والبعد عن ارتكاب ما نهى الله- تعالى- عنه.والمراد بقوله- تعالى- مِنْ قَبْلُ أى: من قبل أن يكون نبيا.والمعنى: ولقد آتينا- بفضلنا وإحساننا- إبراهيم- عليه السلام- الرشد إلى الحق، والهداية إلى الطريق المستقيم، «من قبل» أى: من قبل النبوة بأن جنبناه ما كان عليه قومه من كفر وضلال.وقد اكتفى الإمام ابن كثير بهذا المعنى في قوله- تعالى- مِنْ قَبْلُ فقال: يخبر- تعالى- عن خليله إبراهيم- عليه السلام-، أنه آتاه رشده من قبل.أى: من صغره ألهمه الحق والحجة على قومه، كما قال- تعالى-:وَتِلْكَ حُجَّتُنا آتَيْناها إِبْراهِيمَ عَلى قَوْمِهِ.. .ومن المفسرين من يرى أن المقصود بقوله- تعالى- مِنْ قَبْلُ أى: من قبل موسى وهارون، فقد كان الحديث عنهما قبل ذلك بقليل في قوله- تعالى-: وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسى وَهارُونَ الْفُرْقانَ وَضِياءً وَذِكْراً لِلْمُتَّقِينَ ...فيكون المعنى: ولقد آتينا إبراهيم رشده وهداه، ووفقناه للنظر والاستدلال على الحق، من قبل موسى وهارون، لأنه يسبقهما في الزمان.وقد رجح هذا المعنى الإمام الآلوسى فقال: وَلَقَدْ آتَيْنا إِبْراهِيمَ رُشْدَهُ» .أى: الرشد اللائق به وبأمثاله من الرسل الكبار، وهو الرشد الكامل، أعنى: الاهتداء إلى وجوه الصلاح في الدين والدنيا.. «من قبل» أى: من قبل موسى وهارون، وقيل: من قبل البلوغ ... والأول مروى عن ابن عباس وابن عمر، وهو الوجه الأوفق لفظا ومعنى، أما لفظا فللقرب، وأما معنى فلأن ذكر الأنبياء- عليهم السلام- للتأسى، وكان القياس أن يذكر نوح ثم إبراهيم ثم موسى، لكن روعي في ذلك ترشيح التسلي والتأسى، فقد ذكر موسى، لأن حاله وما قاساه من قومه.. أشبه بحال نبينا صلّى الله عليه وسلّمويبدو لنا أن الآية الكريمة تتسع للمعنيين. أى: أن الله- تعالى- قد أعطى إبراهيم رشده، من قبل النبوة، ومن قبل موسى وهارون لسبقه لهما في الزمان.وقوله: وَكُنَّا بِهِ عالِمِينَ بيان لكمال علم الله- تعالى- أى: وكنا به وبأحواله وبسائر شئونه عالمين، بحيث لا يخفى علينا شيء من أحواله أو من أحوال غيره.
21:52
اِذْ قَالَ لِاَبِیْهِ وَ قَوْمِهٖ مَا هٰذِهِ التَّمَاثِیْلُ الَّتِیْۤ اَنْتُمْ لَهَا عٰكِفُوْنَ(۵۲)
جب اس نے اپنے باپ اور قوم سے کہا یہ مورتیں کیا ہیں (ف۱۰۳) جن کے آگے تم آسن مارے (پوجا کے لیے بیٹھے) ہو (ف۱۰۴)

وقوله: إِذْ قالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ ما هذِهِ التَّماثِيلُ الَّتِي أَنْتُمْ لَها عاكِفُونَ بيان لما جابه به إبراهيم أباه وقومه من قول سديد يدل على شجاعته ورشده.أى: وكنا به عالمين. وقت أن قال لأبيه وقومه على سبيل الإرشاد والتنبيه: ما هذه التماثيل الباطلة التي أقبلتم عليها، وصرتم ملازمين لعبادتها بدون انقطاع.وسؤاله- عليه السلام- لهم بما التي هي لبيان الحقيقة، من باب تجاهل العارف، لأنه يعلم أن هذه الأصنام مصنوعة من الأحجار أو ما يشبهها، وإنما أراد بسؤاله تنبيههم إلى فساد فعلهم. حيث عبدوا ما يصنعونه بأيديهم.وعبر عن الأصنام بالتماثيل، زيادة في التحقير من أمرها، والتوهين من شأنها، فإن التمثال هو الشيء المصنوع من الأحجار أو الحديد أو نحو ذلك، على هيئة مخلوق من مخلوقات الله- تعالى- كالإنسان والحيوان، يقال: مثلت الشيء بالشيء إذا شبهته به.فهو- عليه السلام- سماها باسمها الحقيقي الذي تستحقه، دون أن يجاريهم في تسميتها آلهة.وقوله: عاكِفُونَ من العكوف بمعنى المداومة والملازمة. يقال: عكف فلان على الشيء إذا لازمه وواظب عليه، ومنه الاعتكاف لأنه حبس النفس عن التصرفات العادية.وفي التعبير عن عبادتهم لها بالعكوف عليها، تفظيع لفعلهم وتنفير لهم منه، حيث انكبوا على تعظيم من لا يستحق التعظيم، وتعلقوا بعبادة تماثيل هم صنعوها بأيديهم.
21:53
قَالُوْا وَجَدْنَاۤ اٰبَآءَنَا لَهَا عٰبِدِیْنَ(۵۳)
بولے ہم نے اپنے دادا کو ان کی پوجا کرتے پایا (ف۱۰۴)

وقوله- سبحانه-: قالُوا وَجَدْنا آباءَنا لَها عابِدِينَ حكاية لما قالوه في ردهم على إبراهيم- عليه السلام- وهو رد يدل على تحجر عقولهم، وانطماس بصائرهم حيث قلدوا فعل آبائهم بدون تدبر أو تفكر.أى: قالوا في جوابهم على إبراهيم- عليه السلام- وجدنا آباءنا يعبدون هذه التماثيل فسرنا على طريقتهم.
21:54
قَالَ لَقَدْ كُنْتُمْ اَنْتُمْ وَ اٰبَآؤُكُمْ فِیْ ضَلٰلٍ مُّبِیْنٍ(۵۴)
کہا بے شک تم اور تمہارے باپ دادا سب کھلی گمراہی میں ہو،

وهنا يرد عليهم إبراهيم بقوله: لَقَدْ كُنْتُمْ أَنْتُمْ وَآباؤُكُمْ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ.أى: لقد كنتم أنتم وآباؤكم الذين وجدتموهم يعبدون هذه الأصنام، في ضلال عجيب لا يقادر قدره، وفي فساد ظاهر واضح لا يخفى أمره على عاقل، لأن كل عاقل يعلم أن هذه الأصنام لا تستحق العبادة أو التقديس أو العكوف عليها، والباطل لا يصير حقا بفعل الآباء له.
21:55
قَالُوْۤا اَجِئْتَنَا بِالْحَقِّ اَمْ اَنْتَ مِنَ اللّٰعِبِیْنَ(۵۵)
بولے کیا تم ہمارے پاس حق لائے ہو یا یونہی کھیلتے ہو (ف۱۰۶)

وعند ما واجههم إبراهيم- عليه السلام- بهذا الحكم البين الصريح، قالوا له: أَجِئْتَنا بِالْحَقِّ أَمْ أَنْتَ مِنَ اللَّاعِبِينَ.أى: أجئتنا يا إبراهيم بالحق الذي يجب علينا اتباعه، أم أنت من اللاعبين اللاهين الذين يقولون ما يقولون بقصد الهزل والملاعبة.وسؤالهم هذا يدل على تزعزع عقيدتهم. وشكهم فيما هم عليه من باطل، إلا أن التقليد لآبائهم. جعلهم يعطلون عقولهم «ويستحبون العمى على الهدى» .ويجوز أن يكون سؤالهم هذا من باب الإنكار عليه. واستبعاد أن يكون آباؤهم على باطل، وإلى هذا المعنى أشار صاحب الكشاف بقوله: «بقوا متعجبين من تضليله إياهم، وحسبوا أن ما قاله، إنما قاله على وجه المزاح والمداعبة، لا على طريق الجد، فقالوا له: هذا الذي جئتنابه، أهو جد وحق أم لعب وهزل .
21:56
قَالَ بَلْ رَّبُّكُمْ رَبُّ السَّمٰوٰتِ وَ الْاَرْضِ الَّذِیْ فَطَرَهُنَّ ﳲ وَ اَنَا عَلٰى ذٰلِكُمْ مِّنَ الشّٰهِدِیْنَ(۵۶)
کہا بلکہ تمہارا رب وہ ہے جو رب ہے آسمان اور زمین کا جس نے انہیں پیدا کیا، اور میں اس پر گواہوں میں سے ہوں،

وقد رد عليهم إبراهيم- عليه السلام- ردا حاسما يدل على قوة يقينه فقال: بَلْ رَبُّكُمْ رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ الَّذِي فَطَرَهُنَّ..» .أى: قال لهم إبراهيم بلغة الواثق بأنه على الحق: أنا لست هازلا فيما أقوله لكم، وإنما أنا جاد كل الجد في إخباركم أن الله- تعالى- وحده هو ربكم ورب آبائكم، ورب السموات والأرض، فهو الذي خلقهن وأنشأهن بما فيهن من مخلوقات بقدرته التي لا يعجزها شيء.وقوله: وَأَنَا عَلى ذلِكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ تذييل المقصود به تأكيد ما أخبرهم به، وما دعاهم إليه. أى: وأنا على أن الله- تعالى- هو ربكم ورب كل شيء من الشاهدين، الذين يثقون في صدق ما يقولون ثقة الشاهد على شيء لا يشك في صحته.
21:57
وَ تَاللّٰهِ لَاَكِیْدَنَّ اَصْنَامَكُمْ بَعْدَ اَنْ تُوَلُّوْا مُدْبِرِیْنَ(۵۷)
اور مجھے اللہ کی قسم ہے میں تمہارے بتوں کا برا چاہوں گا بعد اس کے کہ تم پھر جاؤ پیٹھ دے کر (ف۱۰۷)

ثم أضاف إلى هذا التأكيد القولى، تأكيدا آخر فعليا، فقال لهم: وَتَاللَّهِ لَأَكِيدَنَّ أَصْنامَكُمْ بَعْدَ أَنْ تُوَلُّوا مُدْبِرِينَ.أى: وحق الله الذي فطركم وفطر كل شيء، لأجتهدن في تحطيم أصنامكم، بعد أن تنصرفوا بعيدا عنها. وتولوها أدباركم.وأصل الكيد: الاحتيال في إيجاد ما يضر مع إظهار خلافه. وقد عبر به إبراهيم عن تكسير الأصنام وتحطيمها، لأن ذلك يحتاج إلى احتيال وحسن تدبير.
21:58
فَجَعَلَهُمْ جُذٰذًا اِلَّا كَبِیْرًا لَّهُمْ لَعَلَّهُمْ اِلَیْهِ یَرْجِعُوْنَ(۵۸)
تو ان سب کو (ف۱۰۸) چورا کردیا مگر ایک کو جو ان کا سب سے بڑا تھا (ف۱۰۹) کہ شاید وہ اس سے کچھ پوچھیں (ف۱۱۰)

وقد نفذ إبراهيم ما توعد به الأصنام، فقد انتهز فرصة ذهاب قومه بعيدا عنها فحطمها، قال تعالى- فَجَعَلَهُمْ جُذاذاً إِلَّا كَبِيراً لَهُمْ لَعَلَّهُمْ إِلَيْهِ يَرْجِعُونَ.والفاء في قوله: «فجعلهم» فصيحة. والجذاذ القطع الصغيرة جمع جذاذة من الجذ بمعنى القطع والكسر.أى: فولوا مدبرين عن الأصنام فجعلها بفأسه قطعا صغيرة، بأن حطمها عن آخرها- سوى الصنم الأكبر لم يحطمه بل تركه من غير تكسير. لعلهم إليه يرجعون فيسألونه كيف وقعت هذه الواقعة وهو حاضر، ولم يستطع الدفاع عن إخوته الصغار؟!!.ولعل إبراهيم- عليه السلام- قد فعل ذلك ليقيم لهم أوضح الأدلة على أن هذه الأصنام لا تصلح أن تكون آلهة، لأنها لم تستطع الدفاع عن نفسها، وليحملهم على التفكير في أن الذي يجب أن يكون معبودا، إنما هو الله الخالق لكل شيء، والقادر على كل شيء.قال الآلوسى ما ملخصه: وقوله: لَعَلَّهُمْ إِلَيْهِ يَرْجِعُونَ لبيان وجه الكسر واستبقاء الكبير، وضمير «إليه» عائد إلى إبراهيم، أى: لعلهم يرجعون إلى إبراهيم، فيحاجهم ويبكتهم.وعن الكلبي: أن الضمير للكبير، أى: لعلهم يرجعون إلى الكبير، كما يرجع إلى العالم في حل المشكلات فيقولون له: ما لهؤلاء مكسورة، وما لك صحيحا، والفأس في عنقك أو في يدك؟ وحينئذ يتبين لهم أنه عاجز لا ينفع ولا يضر، ويظهر أنهم في عبادته على جهل عظيم.. .وعاد القوم إلى أصنامهم بعد تركهم إياها لفترة من الوقت، فوجدوها قد تحطمت إلا ذلك الكبير، فأصابهم ما أصابهم من الذهول والعجب، ويصور القرآن الكريم ذلك فيقول:
21:59
قَالُوْا مَنْ فَعَلَ هٰذَا بِاٰلِهَتِنَاۤ اِنَّهٗ لَمِنَ الظّٰلِمِیْنَ(۵۹)
بولے کس نے ہمارے خداؤں کے ساتھ یہ کام کیا بیشک وہ ظالم ہے،

أى: وحين رجع القوم من عيدهم ورأوا ما حل بأصنامهم «قالوا» على سبيل التفجع والإنكار: «من فعل هذا» الفعل الشنيع «بآلهتنا» التي نعظمها «إنه» أى هذا الفاعل «لمن الظالمين» لهذه الآلهة. لإقدامه على إهانتها وهي الجديرة بالتعظيم- في زعمهم-، ولمن الظالمين لنفسه حيث سيعرضها للعقوبة منا.
21:60
قَالُوْا سَمِعْنَا فَتًى یَّذْكُرُهُمْ یُقَالُ لَهٗۤ اِبْرٰهِیْمُؕ(۶۰)
ان میں کے کچھ بولے ہم نے ایک جوان کو انہیں برا کہتے سنا جسے ابراہیم کہتے ہیں (ف۱۱۱)

قالُوا أى: بعضهم وهم الذين سمعوا من إبراهيم قوله: «وتالله لأكيدن أصنامكم بعد أن تولوا مدبرين» . سَمِعْنا فَتًى يَذْكُرُهُمْ يُقالُ لَهُ إِبْراهِيمُ والمراد بالذكر هنا: الذكر بالسوء والذم.أى: سمعنا فتى يذكرهم بالنقص والذم والتهديد بالكيد، وهذا الفتى يقال له إبراهيم، ولعله هو الذي فعل بهم ما فعل.
21:61
قَالُوْا فَاْتُوْا بِهٖ عَلٰۤى اَعْیُنِ النَّاسِ لَعَلَّهُمْ یَشْهَدُوْنَ(۶۱)
بولے تو اسے لوگوں کے سامنے لاؤ شاید وہ گواہی دیں (ف۱۱۲)

وهنا تشاوروا فيما بينهم وقالوا. إذا كان الأمر كذلك: فَأْتُوا بِهِ وأحضروه عَلى أَعْيُنِ النَّاسِ أى: أمام أعينهم ليتمكنوا من رؤيته على أتم وجه لَعَلَّهُمْ يَشْهَدُونَ مساءلتنا له، ومواجهتنا إياه بالعقوبة التي يستحقها على فعله هذا، أو يشهدون عليه بأنه هو الذي حطم الأصنام.قال ابن كثير: وكان هذا هو المقصود الأكبر لإبراهيم، أن يتبين في هذا المحفل العظيم، كثرة جهلهم، وقلة عقلهم، في عبادة هذه الأصنام، التي لا تدفع عن نفسها ضرا، ولا تملك لها نصرا..» .
21:62
قَالُوْۤا ءَاَنْتَ فَعَلْتَ هٰذَا بِاٰلِهَتِنَا یٰۤاِبْرٰهِیْمُؕ(۶۲)
بولے کیا تم نے ہمارے خداؤں کے ساتھ یہ کام کیا اے ابراہیم (ف۱۱۳)

وجاءوا بإبراهيم- عليه السلام- وقالوا له على سبيل الاستنكار والتهديد: «أأنت فعلت هذا» التكسير والتحطيم «بآلهتنا» التي نعبدها «يا إبراهيم» ؟
21:63
قَالَ بَلْ فَعَلَهٗ ﳓ كَبِیْرُهُمْ هٰذَا فَسْــٴَـلُوْهُمْ اِنْ كَانُوْا یَنْطِقُوْنَ(۶۳)
فرمایا بلکہ ان کے اس بڑے نے کیا ہوگا (ف۱۱۴) تو ان سے پوچھو اگر بولتے ہوں (ف۱۱۵)

وهنا يرد عليهم إبراهيم- عليه السلام- بتهكم ظاهر، واستهزاء واضح فيقول: بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هذا يعنى الذي تركه بدون تحطيم، فإن كنتم لم تصدقوا قولي فَسْئَلُوهُمْ عمن فعل بهم ذلك إِنْ كانُوا يَنْطِقُونَ أى: إن كانوا ممن يتمكن من النطق أجابوكم وأخبروكم عمن فعل بهم ما فعل.فأنت ترى أن إبراهيم- عليه السلام- لم يقصد بقوله هذا الإخبار بأن كبير الأصنام هو الذي حطمها، أو سؤالهم للأصنام عمن حطمها، وإنما الذي يقصده هو الاستهزاء بهم، والسخرية بأفكارهم، فكأنه يقول لهم: إن هذه التماثيل التي تعبدونها من دون الله. لا تدرى إن كنت أنا الذي حطمتها أم هذا الصنم الكبير، وأنتم تعرفون أنى قد بقيت قريبا منها بعد أن وليتم عنها مدبرين، وإذا كان الأمر كذلك فانظروا من الذي حطمها إن كانت لكم عقول تعقل؟قال صاحب الكشاف: هذا- أى قول إبراهيم لهم: بل فعله كبيرهم هذا- من معاريض الكلام، ولطائف هذا النوع لا يتغلغل فيها إلا أذهان الخاصة من علماء المعاني.والقول فيه أن قصد إبراهيم- عليه السلام- لم يكن إلى أن ينسب الفعل الصادر عنه إلى الصنم، وإنما قصد تقريره لنفسه، وإثباته لها على أسلوب تعريضي، يبلغ فيه غرضه من إلزامهم الحجة وتبكيتهم.وهذا كما لو قال لك صاحبك، وقد كتبت كتابا بخط رشيق- وأنت شهير بحسن الخط-: أأنت كتبت هذا؟ وصاحبك أمى لا يحسن الخط، ولا يقدر إلا على خربشة فاسدة- أى كتابة رديئة- فقلت له: بل كتبته أنت، كان قصدك بهذا الجواب، تقرير أن هذه الكتابة لك. مع الاستهزاء به.. «1» .وهذا التفسير للآية الكريمة من أن إبراهيم- عليه السلام- قد قال لقومه ما قال على سبيل الاستهزاء بهم، هو الذي تطمئن إليه قلوبنا، وقد تركنا أقوالا أخرى للمفسرين في معنى الآية، نظرا لضعف هذه الأقوال بالنسبة لهذا القول.
21:64
فَرَجَعُوْۤا اِلٰۤى اَنْفُسِهِمْ فَقَالُوْۤا اِنَّكُمْ اَنْتُمُ الظّٰلِمُوْنَۙ(۶۴)
تو اپنے جی کی طرف پلٹے (ف۱۱۶) اور بولے بیشک تمہیں ستمگار ہو (ف۱۱۷)

وقوله- سبحانه-: فَرَجَعُوا إِلى أَنْفُسِهِمْ فَقالُوا إِنَّكُمْ أَنْتُمُ الظَّالِمُونَ بيان للأثر الذي أحدثه رد إبراهيم- عليه السلام-.أى: أنهم بعد أن قال لهم إبراهيم بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هذا فَسْئَلُوهُمْ إِنْ كانُوا يَنْطِقُونَ، أخذوا في التفكر والتدبر، فرجعوا إلى أنفسهم باللوم، وقال بعضهم لبعض إنكم أنتم الظالمون، حيث عبدتم مالا يستطيع الدفاع عن نفسه أو حيث تركتم آلهتكم بدون حراسة.
21:65
ثُمَّ نُكِسُوْا عَلٰى رُءُوْسِهِمْۚ-لَقَدْ عَلِمْتَ مَا هٰۤؤُلَآءِ یَنْطِقُوْنَ(۶۵)
پھر اپنے سروں کے بل اوندھائے گئے (ف۱۱۸) کہ تمہیں خوب معلوم ہے یہ بولتے نہیں (ف۱۱۹)

ولكن هذا الأثر، وهذا اللوم لأنفسهم، لم يلبث إلا قليلا حتى تبدد، بسبب استيلاء العناد والجحود عليهم، فقد صور القرآن حالهم بعد ذلك فقال: ثُمَّ نُكِسُوا عَلى رُؤُسِهِمْ لَقَدْ عَلِمْتَ ما هؤُلاءِ يَنْطِقُونَ.وقوله: نُكِسُوا فعل مبنى للمجهول من النكس، وهو قلب الشيء من حال إلى حال، وأصله: قلب الشيء بحيث يصير أعلاه أسفله.أى: ثم انقلبوا من لومهم لأنفسهم لعبادتهم لما لا يقدر على دفع الأذى عنه، إلى التصميم على كفرهم وضلالهم، فقالوا لإبراهيم على سبيل التهديد: لقد علمت أن هذه الأصنام لا تنطق، فكيف تأمرنا بسؤالها؟ إن أمرك هذا لنا لهو دليل على أنك تسخر بعقولنا، ونحن لن نقبل ذلك، وسننزل بك العقاب الذي تستحقه.وقد شبه القرآن الكريم عودتهم إلى باطلهم وعنادهم، بعد رجوعهم إلى أنفسهم باللوم، شبه ذلك بالانتكاس، لأنهم بمجرد أى خطرت لهم الفكرة السليمة، أطفأوها بالتصميم على الكفر والضلال، فكان مثلهم كمثل من انتكس على رأسه بعد أن كان ما شيا على قدميه، فيا له من تصوير بديع لحالة من يعود إلى الظلام، بعد أن يتبين له النور.والجملة الكريمة لَقَدْ عَلِمْتَ ما هؤُلاءِ يَنْطِقُونَ جواب لقسم محذوف، معمول لقول محذوف، والتقدير: ثم نكسوا على رءوسهم قائلين: والله لقد علمت ما هؤلاء ينطقون.ولم يملك إبراهيم إزاء انتكاسهم على رءوسهم، إلا أن يوبخهم بعنف وضيق، - وهو الحليم الأواه المنيب- وقد قابلوا تأنيبه لهم بتوعده بالعذاب الشديد، ولكن الله- تعالى- نجاه من مكرهم، قال- تعالى-:
21:66
قَالَ اَفَتَعْبُدُوْنَ مِنْ دُوْنِ اللّٰهِ مَا لَا یَنْفَعُكُمْ شَیْــٴًـا وَّ لَا یَضُرُّكُمْؕ(۶۶)
کہا تو کیا اللہ کے سوا ایسے کو پوجتے ہو جو نہ تمہیں نفع دے (ف۱۲۰) اور نہ نقصان پہنچائے (ف۱۲۱)

أى: قال إبراهيم لقومه بعد أن ضاق بهم ذرعا: أتتركون عبادة الله الذي خلقكم، وتعبدون غيره أصناما لا تنفعكم بشيء من النفع، ولا تضركم بشيء من الضر، ثم يضيف إلى هذا التبكيت لهم، الضجر منهم، فيقول: أُفٍّ لَكُمْ وَلِما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَفَلا تَعْقِلُونَ.
21:67
اُفٍّ لَّكُمْ وَ لِمَا تَعْبُدُوْنَ مِنْ دُوْنِ اللّٰهِؕ-اَفَلَا تَعْقِلُوْنَ(۶۷)
تف ہے تم پر اور ان بتوں پر جن کو اللہ کے سوا پوجتے ہو، تو کیا تمہیں عقل نہیں (ف۱۲۲)

و «أف» اسم فعل مضارع بمعنى أتضجر. وأصله صوت المتضجر من استقذار الشيء.واللام في قوله لَكُمْ لبيان المتضجر لأجله.أى: سحقا وقبحا لكم، ولما تعبدونه من أصنام متجاوزين بها عبادة الله- تعالى- عن جهل وسخف وطغيان.أَفَلا تَعْقِلُونَ ما أنتم فيه من ضلال واضح، فترجعون عنه إلى عبادة الواحد القهار.
21:68
قَالُوْا حَرِّقُوْهُ وَ انْصُرُوْۤا اٰلِهَتَكُمْ اِنْ كُنْتُمْ فٰعِلِیْنَ(۶۸)
بولے ان کو جلادو اور اپنے خداؤں کی مدد کروں اگر تمہیں کرنا ہے (ف۱۲۳)

وعند ما وصل إبراهيم في توبيخهم وتبكيتهم إلى هذا الحد أخذتهم العزة بالإثم، شأنهم في ذلك شأن كل طاغية جهول، يلجأ إلى القوة الغاشمة بعد أن تبطل حجته، فقالوا فيما بينهم:حَرِّقُوهُ وَانْصُرُوا آلِهَتَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ فاعِلِينَ.أى: قال بعضهم لبعض بعد أن عجزوا عن مقارعة الحجة بالحجة، وبعد أن رأوا إبراهيم قد أفحمهم بمنطقه الحكيم: حَرِّقُوهُ أى: بالنار، فإنها أشد العقوبات.قيل: إن الذي اقترح عليهم ذلك هو رئيسهم: نمرود بن كنعان. وقيل: هو رجل من الفرس اسمه: هينون.وقوله: وَانْصُرُوا آلِهَتَكُمْ.. بيان لسبب تحريقه بالنار.أى: حرقوه بالنار من أجل الانتصار لآلهتكم التي حطمها في غيبتكم إِنْ كُنْتُمْ فاعِلِينَ.أى: إن كنتم بحق تريدون أن تنصروا آلهتكم نصرا يرضيها، فأحرقوه بالنار.قال صاحب الكشاف: أجمعوا رأيهم- لما غلبوا- بإهلاكه، وهكذا المبطل إذا قرعت شبهته بالحجة وافتضح. لم يكن أحد أبغض إليه من المحق ولم يبق له مفزع إلا مناصبته العداء، كما فعلت قريش برسول الله صلّى الله عليه وسلّم حين عجزوا عن المعارضة.والذي أشار بإحراقه: نمروذ. وعن ابن عمر: رجل من أعراب العجم. واختاروا المعاقبة بالنار لأنها أهول ما يعاقب به وأفظعه، ولذلك جاء: «لا يعذب بالنار إلا خالقها» .
21:69
قُلْنَا یٰنَارُ كُوْنِیْ بَرْدًا وَّ سَلٰمًا عَلٰۤى اِبْرٰهِیْمَۙ(۶۹)
ہم نے فرمایا اے آگ ہو جا ٹھنڈی اور سلامتی ابراہیم پر (ف۱۲۴)

وقوله تعالى: قُلْنا يا نارُ كُونِي بَرْداً وَسَلاماً عَلى إِبْراهِيمَ.. مسبوق بكلام محذوف يفهم من سياق القصة.والتقدير: وأحضر قوم إبراهيم الحطب، وأضرموا نيرانا عظيمة، وألقوا بإبراهيم فيها، فلما فعلوا ذلك، قلنا: يا نار كوني- بقدرتنا وأمرنا- ذات برد، وذات سلام على إبراهيم، فكانت كما أمرها الله- تعالى-، وصدق- سبحانه- إذ يقول: بَدِيعُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَإِذا قَضى أَمْراً فَإِنَّما يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ .
21:70
وَ اَرَادُوْا بِهٖ كَیْدًا فَجَعَلْنٰهُمُ الْاَخْسَرِیْنَۚ(۷۰)
اور انہوں نے اس کا برا چاہا تو ہم نے انہیں سب سے بڑھ کر زیاں کار کردیا (ف۱۲۵)

وتحولت النار إلى برد وسلام على إبراهيم، وأراد الكافرون به كيدا، أى إحراقا بالنار «فجعلناهم» بإرادتنا وقدرتنا «الأخسرين» حيث لم يصلوا إلى ما يريدون، ولم يحققوا النصر لآلهتهم، بل رد الله- تعالى- كيدهم في نحورهم.وقال- سبحانه- فَجَعَلْناهُمُ الْأَخْسَرِينَ بالإطلاق لتشمل خسارتهم كل خسارة سواء أكانت دنيوية أم أخروية.وقد ذكر المفسرون عند تفسيرهم لهذه الآيات آثارا منها: أن إبراهيم- عليه السلام- حين جيء به إلى النار، قالت الملائكة: يا ربنا ما في الأرض أحد يعبدك سوى إبراهيم، وأنه الآن يحرق فأذن لنا في نصرته!! فقال- سبحانه-: إن استغاث بأحد منكم فلينصره. وإن لم يدع غيرى فأنا أعلم به، وأنا وليه، فخلوا بيني وبينه، فهو خليلي ليس لي خليل غيره.فأتى جبريل- عليه السلام- إلى إبراهيم، فقال له: ألك حاجة؟ فقال إبراهيم: أما إليك فلا، وأما إلى الله فنعم!! فقال له جبريل: فلم لا تسأله؟ فقال إبراهيم- عليه الصلاة والسلام-: حسبي من سؤالى علمه بحالي.. .
21:71
وَ نَجَّیْنٰهُ وَ لُوْطًا اِلَى الْاَرْضِ الَّتِیْ بٰرَكْنَا فِیْهَا لِلْعٰلَمِیْنَ(۷۱)
اور ہم اسے اور لوط کو (ف۱۲۶) نجات بخشی (ف۱۲۷) اس زمین کی طرف (ف۱۲۸) جس میں ہم نے جہاں والوں کے لیے برکت رکھی (ف۱۲۹)

ثم بين- سبحانه- نعما أخرى أنعم بها على إبراهيم فقال: وَنَجَّيْناهُ وَلُوطاً إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بارَكْنا فِيها لِلْعالَمِينَ.والضمير في قوله: وَنَجَّيْناهُ يعود إلى إبراهيم. و «لوطا» هو ابن أخيه، وقيل:ابن عمه.والمراد بالأرض التي باركنا فيها: أرض الشام على الصحيح وعدّى نَجَّيْناهُ بإلى، لتضمينه معنى أخرجناه.أى: وأخرجناه ولوطا إلى الأرض التي باركنا فيها، بأن جعلناها مهبطا للوحى، ومبعثا للرسل لمدة طويلة، وبأن جعلناها كذلك عامرة بالخيرات وبالأموال وبالثمرات للأجيال المتعاقبة.والآية الكريمة تشير إلى هجرة إبراهيم ومعه لوط- عليهما السلام- من أرض العراق التي كانا يقيمان فيها، إلى أرض الشام، فرارا بدينهما. بعد أن أراد قوم إبراهيم أن يحرقوه بالنار، فأبطل الله- تعالى- كيدهم ومكرهم، ونجاه من شرهم.وقد أشار- سبحانه- إلى ذلك في آيات أخرى منها قوله- تعالى-: فَآمَنَ لَهُ لُوطٌ وَقالَ إِنِّي مُهاجِرٌ إِلى رَبِّي إِنَّهُ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ.. .
21:72
وَ وَهَبْنَا لَهٗۤ اِسْحٰقَؕ-وَ یَعْقُوْبَ نَافِلَةًؕ-وَ كُلًّا جَعَلْنَا صٰلِحِیْنَ(۷۲)
اور ہم نے اسے اسحاق عطا فرمایا (ف۱۳۰) اور یعقوب پوتا، اور ہم نے ان سب کو اپنے قرب خاص کا سزاوار کیا،

وقوله- تعالى- وَوَهَبْنا لَهُ إِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ نافِلَةً.. بيان لنعمة أخرى من النعم التي أنعم الله- سبحانه- بها على إبراهيم.والنافلة: الزيادة على الأصل. ولذا سميت صلاة السنن نافلة، لأنها زيادة على الصلوات المفروضة. وإسحاق هو ابن إبراهيم. ويعقوب هو ابن إسحاق.فلفظ «نافلة» حال من يعقوب أى: ووهبنا لإبراهيم يعقوب حال كونه زيادة على إسحاق. وَكُلًّا من المذكورين وهم إبراهيم ولوط وإسحاق ويعقوب.جَعَلْنا صالِحِينَ أى: جعلناهم أفرادا صالحين، بأن وفقناهم لما نحبه ونرضاه، وشرفناهم بالنبوة والرسالة.
21:73
وَ جَعَلْنٰهُمْ اَىٕمَّةً یَّهْدُوْنَ بِاَمْرِنَا وَ اَوْحَیْنَاۤ اِلَیْهِمْ فِعْلَ الْخَیْرٰتِ وَ اِقَامَ الصَّلٰوةِ وَ اِیْتَآءَ الزَّكٰوةِۚ-وَ كَانُوْا لَنَا عٰبِدِیْنَۚۙ(۷۳)
اور ہم نے انہیں امام کیا کہ (ف۱۳۱) ہمارے حکم سے بلاتے ہیں اور ہم نے انہیں وحی بھیجی اچھے کام کرنے اور نماز برپا رکھنے اور زکوٰة دینے کی اور وہ ہماری بندگی کرتے تھے،

وَجَعَلْناهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنا أى: وجعلنا هؤلاء المذكورين، أئمة في الخير، يهدون ويرشدون غيرهم إلى الدين الحق بسبب أمرنا لهم بذلك، وتكليفهم بتبليغ وحينا إلى الناس.قال صاحب الكشاف: قوله- سبحانه-: يَهْدُونَ بِأَمْرِنا فيه أن من صلح ليكون قدوة في دين الله، فالهداية محتومة عليه، مأمور بها من جهة الله ليس له أن يخل بها، ويتثاقل عنها، وأول ذلك أن يهتدى بنفسه، لأن الانتفاع بهداه أعم، والنفوس إلى الاقتداء بالمهدى أميل» .وقوله: وَأَوْحَيْنا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْراتِ أى: وأوحينا إليهم أن يفعلوا الطاعات، وأن يأمروا الناس بفعلها، وأوحينا إليهم كذلك إِقامَ الصَّلاةِ وَإِيتاءَ الزَّكاةِ أى: أن يقيموا الصلاة وأن يؤدوا الزكاة وأن يأمروا غيرهم بذلك.وعطف إقام الصلاة وإيتاء الزكاة على فعل الخيرات من باب عطف الخاص على العام.للاهتمام به إذ الصلاة أفضل العبادات البدنية والزكاة أفضل العبادات المالية وَكانُوا لَنا عابِدِينَ لا لغيرنا، فهم لم يخطر ببالهم عبادة أحد سوانا، لأنهم من المصطفين الأخيار.هذا، والمتأمل في هذه الآيات الكريمة التي وردت في قصة إبراهيم مع قومه. يراها قد حكت لنا غيرة إبراهيم- عليه السلام- على دين الله- تعالى- وقوة حجته في الدفاع عن الحق، ومجاهدته بما يعتقده بدون خوف من قومه، وجمعه في دعوته بين القول والعمل.كما يراها قد بينت لنا أن من يدافع عن دين الله- تعالى- يدافع الله- سبحانه- عنه، وينصره على أعدائه، ويرد كيدهم في نحورهم.كما يراها- أيضا- قد أشارت إلى أن من هاجر من أرض إلى أخرى من أجل إعلاء كلمة الله- تعالى- رزقه الله نظير ذلك الخير والبركة، والذرية الصالحة التي تهدى غيرها إلى الطريق المستقيم.ثم ساق- سبحانه- جانبا من قصة لوط- عليه السلام- مع قومه فقال- تعالى-:
21:74
وَ لُوْطًا اٰتَیْنٰهُ حُكْمًا وَّ عِلْمًا وَّ نَجَّیْنٰهُ مِنَ الْقَرْیَةِ الَّتِیْ كَانَتْ تَّعْمَلُ الْخَبٰٓىٕثَؕ-اِنَّهُمْ كَانُوْا قَوْمَ سَوْءٍ فٰسِقِیْنَۙ(۷۴)
اور لوط کو ہم نے حکومت اور علم دیا اور اسے اس بستی سے نجات بخشی جو گندے کام کرتی تھی (ف۱۳۲) بیشک وہ برُے لوگ بے حکم تھے،

وقوله- تعالى-: وَلُوطاً منصوب بفعل مضمر يفسره المذكور بعده وهو آتَيْناهُ.أى: وآتيناه لوطا- عليه السلام- حُكْماً أى: نبوة، أو حكمة تهديه إلى ما يجب فعله أو تركه و «علما» أى: علما كثيرا لما ينبغي علمه وفهمه.وَنَجَّيْناهُ مِنَ الْقَرْيَةِ الَّتِي كانَتْ تَعْمَلُ الْخَبائِثَ والمراد بالقرية: قرية سدوم التي أرسل الله- تعالى- لوطا لأهلها.والأعمال الخبيثة التي كانوا يعملونها على رأسها الإشراك بالله- تعالى- وفاحشة اللواط التي اشتهروا بها دون أن يسبقهم إليها أحد. كما قال- تعالى-: وَلُوطاً إِذْ قالَ لِقَوْمِهِ إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الْفاحِشَةَ ما سَبَقَكُمْ بِها مِنْ أَحَدٍ مِنَ الْعالَمِينَ أَإِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجالَ، وَتَقْطَعُونَ السَّبِيلَ وَتَأْتُونَ فِي نادِيكُمُ الْمُنْكَرَ، فَما كانَ جَوابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَنْ قالُوا ائْتِنا بِعَذابِ اللَّهِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ.. .أى: ونجينا لوطا بفضلنا ورحمتنا من العذاب الذي حل بأهل قريته الذين كانوا يعملون الأعمال الخبائث، كالشرك بالله- تعالى- واللواط، وقطعهم الطريق، وارتكابهم المنكر في مجالسهم.وقوله- تعالى-: إِنَّهُمْ كانُوا قَوْمَ سَوْءٍ فاسِقِينَ تعليل لنجاة لوط- عليه السلام- مما حل بهم.أى: جعلنا هذه القرية عاليها سافلها، ونجينا لوطا ومن آمن معه من العذاب الذي حل بسكانها إِنَّهُمْ كانُوا قَوْمَ سَوْءٍ أى: أصحاب عمل سيئ فاسِقِينَ أى: خارجين عن طاعتنا.
21:75
وَ اَدْخَلْنٰهُ فِیْ رَحْمَتِنَاؕ-اِنَّهٗ مِنَ الصّٰلِحِیْنَ۠(۷۵)
اور ہم نے اسے (ف۱۳۳) اپنی رحمت میں داخل کیا، بیشک وہ ہمارے قرب خاص سزاواروں میں ہے،

وَأَدْخَلْناهُ أى: لوطا فِي رَحْمَتِنا أى: في أهل رحمتنا في الدنيا والآخرة إِنَّهُ مِنَ الصَّالِحِينَ الذين سبقت لهم منا الحسنى.ثم ذكرت السورة الكريمة جانبا من قصة نوح مع قومه. قال- تعالى-.
21:76
وَ نُوْحًا اِذْ نَادٰى مِنْ قَبْلُ فَاسْتَجَبْنَا لَهٗ فَنَجَّیْنٰهُ وَ اَهْلَهٗ مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِیْمِۚ(۷۶)
اور نوح کو جب اس سے پہلے اس نے ہمیں پکارا تو ہم نے اس کی دعا قبول کی اور اسے اور اس کے گھر والوں کو بڑی سختی سے نجات دی (ف۱۳۴)

أى: واذكر- أيضا- أيها المخاطب عبدنا «نوحا» - عليه السلام- إِذْ نادى مِنْ قَبْلُ أى: حين نادانا واستجار بنا من قبل زمان إبراهيم ومن جاء بعده من الأنبياء.وهذا النداء الذي نادى به نوح ربه، قد جاء ذكره في آيات منها قوله- تعالى-:وَلَقَدْ نادانا نُوحٌ فَلَنِعْمَ الْمُجِيبُونَ وَنَجَّيْناهُ وَأَهْلَهُ مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ .وقوله- سبحانه-: وَقالَ نُوحٌ رَبِّ لا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكافِرِينَ دَيَّاراً .فَاسْتَجَبْنا لَهُ أى: أجبنا له دعاءه، ولم نخيب له رجاء فينا.فَنَجَّيْناهُ وَأَهْلَهُ الذين آمنوا به وصدقوه مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ أى: من الطوفان العظيم الذي أغرق الكافرين، والذي كانت أمواجه كالجبال.وأصل الكرب: الغم الشديد. يقال: فلان كربه هذا الأمر، إذا ضايقه وجعله في أقصى درجات الهم والخوف.قال الآلوسى: «وكأنه على ما قيل من كرب الأرض، وهو قلبها بالحفر. إذ الغم يثير النفس إثارة ذلك، أو من كربت الشمس إذا دنت للمغيب، فإن الغم الشديد، تكاد شمس الروح تغرب منه.. وفي وصفه بالعظيم تأكيد لشدته» .
21:77
وَ نَصَرْنٰهُ مِنَ الْقَوْمِ الَّذِیْنَ كَذَّبُوْا بِاٰیٰتِنَاؕ-اِنَّهُمْ كَانُوْا قَوْمَ سَوْءٍ فَاَغْرَقْنٰهُمْ اَجْمَعِیْنَ(۷۷)
اور ہم نے ان لوگوں پر اس کو مدد دی جنہوں نے ہماری آیتیں جھٹلائیں، بیشک وہ برے لوگ تھے تو ہم نے ان سب کو ڈبو دیا،

وَنَصَرْناهُ بفضلنا وإحساننا مِنَ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا الدالة على وحدانيتنا وقدرتنا. وعلى أن نوحا رسولا من رسلنا.والمراد بهؤلاء القوم: قومه الذين لبث نوح فيهم ألف سنة إلا خمسين عاما. يدعوهم إلى إخلاص العبادة لله. فلم يؤمن به إلا قليل منهم.إِنَّهُمْ كانُوا قَوْمَ سَوْءٍ أى: إنهم كانوا قوما يعملون أعمال السوء والقبح فَأَغْرَقْناهُمْ أَجْمَعِينَ بسبب إصرارهم على الكفر والعصيان، ولم ننج منهم إلا من اتبع نوحا عليه السلام.ثم ساق- سبحانه- بعد ذلك جانبا من قصة نبيين كريمين هما داود وسليمان فقال- تعالى-:
21:78
وَ دَاوٗدَ وَ سُلَیْمٰنَ اِذْ یَحْكُمٰنِ فِی الْحَرْثِ اِذْ نَفَشَتْ فِیْهِ غَنَمُ الْقَوْمِۚ-وَ كُنَّا لِحُكْمِهِمْ شٰهِدِیْنَۗۙ(۷۸)
اور داؤد اور سلیمان کو یاد کرو جب کھیتی کا ایک جھگڑا چکاتے تھے، جب رات کو اس میں کچھ لوگوں کی بکریاں چھوٹیں (ف۱۳۵) اور ہم ان کے حکم کے وقت حاضر تھے،

وقوله- سبحانه-: وَداوُدَ منصوب- أيضا- بفعل مقدر، أو معطوف على قوله سبحانه- قبل ذلك: وَنُوحاً إِذْ نادى.وسليمان هو ابن داود، وكلاهما من أنبياء الله- سبحانه-، وينتهى نسبهما إلى يعقوب- عليه السلام- وكانت وفاتهما قبل ميلاد المسيح- عليه السلام- بألف سنة تقريبا، وقد جمع الله- تعالى- لهما بين الملك والنبوة.والحرث: الزرع. قيل: كان كرما- أى عنبا- تدلت عناقيده.وقوله: نَفَشَتْ من النفش وهو الرعي بالليل خاصة. يقال: نفشت الغنم والإبل، إذا رعت ليلا بدون راع.وقد ذكر المفسرون عند تفسيرهم لهذه الآيات روايات ملخصها: أن رجلين دخلا على داود- عليه السلام- أحدهما صاحب زرع، والآخر صاحب غنم، فقال صاحب الزرع لداود:يا نبي الله، إن غنم هذا قد نفشت في حرثى فلم تبق منه شيئا، فحكم داود- عليه السلام- لصاحب الزرع أن يأخذ غنم خصمه في مقابل إتلافها لزرعه.وعند خروجهما التقيا بسليمان- عليه السلام- فأخبراه بحكم أبيه. فدخل سليمان على أبيه فقال له: يا نبي الله، إن القضاء غير ما قضيت، فقال له: كيف؟ قال: ادفع الغنم إلى صاحب الزرع لينتفع بها، وادفع الزرع إلى صاحب الغنم ليقوم عليها حتى يعود كما كان. ثم يعيد كل منهما إلى صاحبه ما تحت يده، فيأخذ صاحب الزرع زرعه، وصاحب الغنم غنمه..فقال داود- عليه السلام- القضاء ما قضيت يا سليمان .والمعنى: اذكر- أيها الرسول الكريم- قصة داود وسليمان، وقت أن كانا يحكمان في الزرع الذي «نفشت فيه غنم القوم» أى: تفرقت فيه وانتشرت ليلا دون أن يكون معها راع فرعته وأفسدته.قال القرطبي: «ولم يرد- سبحانه- بقوله إِذْ يَحْكُمانِ فِي الْحَرْثِ: الاجتماع في الحكم وإن جمعهما في القول، فإن حكمين على حكم واحد لا يجوز وإنما حكم كل واحد منهما على انفراده، وكان سليمان الفاهم لها بتفهيم الله- تعالى- له .وقوله- تعالى-: وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شاهِدِينَ جملة معترضة جيء بها لبيان شمول علم الله- تعالى- وإحاطته بكل شيء.أى: وكنا لما حكم به كل واحد منهما عالمين وحاضرين، بحيث لا يغيب عنا شيء مما قالاه.وضمير الجمع في قوله لِحُكْمِهِمْ: لداود وسليمان، واستدل بذلك من قال إن أقل الجمع اثنان، وقيل: ضمير الجمع يعود عليهما وعلى صاحب الزرع وصاحب الحرث أى: وكنا للحكم الواقع بين الجميع شاهدين.
21:79
فَفَهَّمْنٰهَا سُلَیْمٰنَۚ-وَ كُلًّا اٰتَیْنَا حُكْمًا وَّ عِلْمًا٘-وَّ سَخَّرْنَا مَعَ دَاوٗدَ الْجِبَالَ یُسَبِّحْنَ وَ الطَّیْرَؕ-وَ كُنَّا فٰعِلِیْنَ(۷۹)
ہم نے وہ معاملہ سلیمان کو سمجھادیا (ف۱۳۶) اور دونوں کو حکومت اور علم عطا کیا (ف۱۳۷) اور داؤد کے ساتھ پہاڑ مسخر فرمادیے کہ تسبیح کرتے اور پرندے (ف۱۳۸) اور یہ ہمارے کام تھے،

والضمير المنصوب في قوله- تعالى-: فَفَهَّمْناها سُلَيْمانَ يعود إلى القضية أو المسألة التي عرضها الخصمان على داود وسليمان.أى: ففهمنا سليمان الحكم الأنسب والأوفق في هذه المسألة أو القضية، وذلك لأن داود- كما يقول العلماء. قد اتجه في حكمه إلى مجرد التعويض لصاحب الحرث. وهذا عدل فحسب.أما حكم سليمان فقد تضمن مع العدل البناء والتعمير، وجعل العدل دافعا إلى البناء والتعمير، وهذا هو العدل الحي الإيجابى في صورته البانية الدافعة، وهو فتح من الله وإلهام يهبه من يشاء» .وقوله- سبحانه- وَكُلًّا آتَيْنا حُكْماً وَعِلْماً ثناء من الله- تعالى- على داود وسليمان- عليهما السلام- والمقصود من هذا الثناء دفع ما قد يتبادر إلى بعض الأذهان من أن داود لم يكن مصيبا في حكمه.أى: وكلا من داود وسليمان قد أعطيناه من عندنا حُكْماً أى: نبوة وإصابة في القول والعمل وَعِلْماً أى: فقها في الدين، وفهما سليما للأمور.وقد توسع بعض المفسرين في الحديث عن هذا الحكم الذي أصدره داود وسليمان في قضية الحرث أكان بوحي من الله إليهما، أم كان باجتهاد منهما، وقد رجح بعض العلماء أنه كان باجتهاد منهما فقال: اعلم أن جماعة من العلماء قالوا: إن حكم داود وسليمان في الحرث المذكور في هذه الآية كان بوحي، إلا أن ما أوحى إلى سليمان كان ناسخا لما أوحى إلى داود.وفي الآية قرينتان على أن حكمهما كان باجتهاد لا بوحي، وأن سليمان أصاب فاستحق الثناء باجتهاده وإصابته، وأن داود لم يصب فاستحق الثناء باجتهاده، ولم يستوجب لوما ولا ذما لعدم إصابته.كما أثنى- سبحانه- على سليمان بالإصابة في قوله فَفَهَّمْناها سُلَيْمانَ وأثنى عليهما في قوله: وَكُلًّا آتَيْنا حُكْماً وَعِلْماً.فدل قوله إِذْ يَحْكُمانِ على أنهما حكما فيها معا، كل منهما بحكم مخالف لحكم الآخر، ولو كان وحيا لما ساغ الخلاف. ثم قال: فَفَهَّمْناها سُلَيْمانَ فدل ذلك على أنه لم يفهمها داود، ولو كان حكمه فيها بوحي لكان مفهما إياها كما ترى.فقوله: إِذْ يَحْكُمانِ مع قوله فَفَهَّمْناها سُلَيْمانَ قرينة على أن الحكم لم يكن بوحي بل باجتهاد، وأصاب فيه سليمان دون داود بتفهيم الله إياه ذلك.والقرينة الثانية: هي أن قوله- تعالى- فَفَهَّمْناها يدل على أنه فهمه إياها من نصوص ما كان عندهم من الشرع، لا أنه- تعالى- أنزل عليه فيها وحيا جديدا ناسخا، لأن قوله- تعالى-: فَفَهَّمْناها أليق بالأول من الثاني كما ترى.. .ثم بين- سبحانه- نماذج من النعم التي أنعم بها على داود- عليه السلام- فقال:وَسَخَّرْنا مَعَ داوُدَ الْجِبالَ يُسَبِّحْنَ وَالطَّيْرَ وَكُنَّا فاعِلِينَ.والتسخير: التذليل أى: وجعلنا الجبال والطير يسبحن الله- تعالى- ويقدسنه مع داود، امتثالا لأمره- سبحانه-.قال ابن كثير: وذلك لطيب صوته، بتلاوة كتابه الزبور، وكان إذا ترنم به تقف الطير في الهواء فتجاوبه، وترد عليه الجبال تأويبا. ولهذا لما مر النبي صلّى الله عليه وسلّم على أبى موسى الأشعرى، وهو يتلو القرآن من الليل، وكان له صوت طيب، فوقف واستمع إليه وقال:«لقد أوتى هذا من مزامير آل داود» .وقال صاحب الكشاف: «فإن قلت: لم قدمت الجبال على الطير؟ قلت: لأن تسخيرها وتسبيحها أعجب، وأدل على القدرة، وأدخل في الإعجاز، لأنها جماد، والطير حيوان، إلا أنه غير ناطق، روى أنه كان يمر بالجبال مسبحا وهي تجاوبه، وقيل: كانت تسير معه حيث سار. .وتسبيح الجبال والطير مع داود- عليه السلام- هو تسبيح حقيقى، ولكن بكيفية يعلمها الله- تعالى- كما قال- سبحانه- تُسَبِّحُ لَهُ السَّماواتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ، وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلكِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ.. .وشبيه بالآية التي معنا قوله- تعالى-: وَلَقَدْ آتَيْنا داوُدَ مِنَّا فَضْلًا يا جِبالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَالطَّيْرَ وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ .وقوله- سبحانه-: اصْبِرْ عَلى ما يَقُولُونَ وَاذْكُرْ عَبْدَنا داوُدَ ذَا الْأَيْدِ إِنَّهُ أَوَّابٌ إِنَّا سَخَّرْنَا الْجِبالَ مَعَهُ يُسَبِّحْنَ بِالْعَشِيِّ وَالْإِشْراقِ وَالطَّيْرَ مَحْشُورَةً كُلٌّ لَهُ أَوَّابٌ .ثم ختم- سبحانه- الآية الكريمة بقوله: وَكُنَّا فاعِلِينَ أى: وكنا فاعلين ذلك لداود من تسخير الجبال والطير معه يسبحن الله وينزهنه عن كل سوء، على سبيل التكريم له.والتأييد لنبوته، إذ أن قدرتنا لا يعجزها شيء، سواء أكان هذا الشيء مألوفا للناس أم غير مألوف.
21:80
وَ عَلَّمْنٰهُ صَنْعَةَ لَبُوْسٍ لَّكُمْ لِتُحْصِنَكُمْ مِّنْۢ بَاْسِكُمْۚ-فَهَلْ اَنْتُمْ شٰكِرُوْنَ(۸۰)
اور ہم نے اسے تمہارا ایک پہناوا بنانا سکھایا کہ تمہیں تمہاری آنچ سے (زخمی ہونے سے) بچائے (ف۱۳۹) تو کیا تم شکر کروگے،

وقوله- تعالى-: وَعَلَّمْناهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ لَكُمْ لِتُحْصِنَكُمْ مِنْ بَأْسِكُمْ فَهَلْ أَنْتُمْ شاكِرُونَ بيان لنعمة أخرى من النعم التي أنعم الله بها على داود.واللبوس: كل ما يلبس كاللباس والملبس: والمراد به هنا: الدروع.أى: وبجانب ما منحنا داود من فضائل، فقد علمناه من لدنا صناعة الدروع بحذق وإتقان، وهذه الصناعة التي علمناه إياها بمهارة وجودة لِتُحْصِنَكُمْ مِنْ بَأْسِكُمْ.أى: لتجعلكم في حرز ومأمن من الإصابة بآلة الحرب. وتقى بعضكم من بأس بعض، لأن الدرع تقى صاحبها من ضربات السيوف، وطعنات الرماح.يقال: أحصن فلان فلانا، إذا جعله في حرز وفي مكان منيع من العدوان عليه.والاستفهام في قوله: فَهَلْ أَنْتُمْ شاكِرُونَ للحض والأمر أى: فاشكروا الله- تعالى- على هذه النعم، بأن تستعملوها في طاعته- سبحانه-.قال القرطبي- رحمه الله-: «وهذه الآية أصل في اتخاذ الصنائع والأسباب، وهو قول أهل العقول والألباب. لا قول الجهلة الأغبياء القائلين بأن ذلك إنما شرع للضعفاء، فالسبب سنة الله في خلقه، فمن طعن في ذلك فقط طعن في الكتاب والسنة، وقد أخبر الله- تعالى- عن نبيه داود أنه كان يصنع الدروع، وكان- أيضا- يصنع الخوص، وكان يأكل من عمل يده، وكان آدم حراثا، ونوح نجارا، ولقمان خياطا، وطالوت دباغا، فالصنعة يكف بها الإنسان نفسه عن الناس، ويدفع بها عن نفسه الضرر والبأس، وفي الحديث: «إن الله يحب المؤمن المحترف المتعفف، ويبغض السائل الملحف» .
  FONT
  THEME
  TRANSLATION
  • English | Ahmed Ali
  • Urdu | Ahmed Raza Khan
  • Turkish | Ali-Bulaç
  • German | Bubenheim Elyas
  • Chinese | Chineese
  • Spanish | Cortes
  • Dutch | Dutch
  • Portuguese | El-Hayek
  • English | English
  • Urdu | Fateh Muhammad Jalandhry
  • French | French
  • Hausa | Hausa
  • Indonesian | Indonesian-Bahasa
  • Italian | Italian
  • Korean | Korean
  • Malay | Malay
  • Russian | Russian
  • Tamil | Tamil
  • Thai | Thai
  • Farsi | مکارم شیرازی
  TAFSEER
  • العربية | التفسير الميسر
  • العربية | تفسير الجلالين
  • العربية | تفسير السعدي
  • العربية | تفسير ابن كثير
  • العربية | تفسير الوسيط لطنطاوي
  • العربية | تفسير البغوي
  • العربية | تفسير القرطبي
  • العربية | تفسير الطبري
  • English | Arberry
  • English | Yusuf Ali
  • Dutch | Keyzer
  • Dutch | Leemhuis
  • Dutch | Siregar
  • Urdu | Sirat ul Jinan
  HELP

اَلْاَ نْبِيَآء
اَلْاَ نْبِيَآء
  00:00



Download

اَلْاَ نْبِيَآء
اَلْاَ نْبِيَآء
  00:00



Download