READ

Surah Al-An'aam

اَلْاَ نْعَام
165 Ayaat    مکیۃ


6:121
وَ لَا تَاْكُلُوْا مِمَّا لَمْ یُذْكَرِ اسْمُ اللّٰهِ عَلَیْهِ وَ اِنَّهٗ لَفِسْقٌؕ-وَ اِنَّ الشَّیٰطِیْنَ لَیُوْحُوْنَ اِلٰۤى اَوْلِیٰٓـٕهِمْ لِیُجَادِلُوْكُمْۚ-وَ اِنْ اَطَعْتُمُوْهُمْ اِنَّكُمْ لَمُشْرِكُوْنَ۠(۱۲۱)
اور اُسے نہ کھاؤ جس پر اللہ کا نام نہ لیا گیا (ف۲۴۰) اور وہ بیشک حکم عدولی ہے، اور بیشک شیطان اپنے دوستوں کے دلوں میں ڈالتے ہیں کہ تم سے جھگڑیں اور اگر تم ان کا کہنا مانو (ف۲۴۱) تو اس وقت تم مشرک ہو (ف۲۴۲)

وبعد أن أمر الله المؤمنين بالأكل مما ذكر اسم الله عليه، نهاهم صراحة عن الأكل مما لم يذكر اسم الله عليه لشدة العناية بهذا الأمر فقال- تعالى-:وَلا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ أى: لا تأكلوا أيها المسلمون من أى حيوان لم يذكر عليه اسم الله عند ذبحه، بأن ذكر عليه اسم غيره، أو ذكر اسم مع اسمه- تعالى-، أو غير ذلك مما سبق بيانه من المحرمات.وقوله وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ جملة حالية والضمير يعود على الأكل من الذي لم يذكر اسم الله عليه، أى: وإن الأكل من ذلك الحيوان المذبوح الذي لم يذكر اسم الله عليه لخروج عن طاعة الله- تعالى- وابتعاد عن الفعل الحسن إلى الفعل القبيح، وفي ذلك ما فيه من تنفيرهم من أكل ما لم يذكر اسم الله عليه.ثم كشف للمسلمين عن المصدر الذي يمد المشركين بمادة الجدل حول هذه المسألة فقال:وَإِنَّ الشَّياطِينَ لَيُوحُونَ إِلى أَوْلِيائِهِمْ لِيُجادِلُوكُمْ.أى: وإن إبليس وجنوده ليوسوسون إلى أوليائهم الذين اتبعوهم من المشركين ليجادلوكم في تحليل الميتة وفي غير ذلك من الشبهات الباطلة وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ في استحلال ما حرمه الله عليكم إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ.قال ابن كثير: أى: حيث عدلتم عن أمر الله لكم وشرعه إلى قول غيره فقدمتم عليه غيره فهذا هو الشرك، كقوله- تعالى- اتَّخَذُوا أَحْبارَهُمْ وَرُهْبانَهُمْ أَرْباباً مِنْ دُونِ اللَّهِ الآية، وقد روى الترمذي في تفسيرها عن عدى بن حاتم أنه قال: يا رسول الله ما عبدوهم فقال: «بلى إنهم أحلوا لهم الحرام وحرموا عليهم الحلال فاتبعوهم فذلك عبادتهم إياهم» .هذا، وقد استدل بهذه الآية الكريمة من ذهب إلى أن الذبيحة لا تحل إذا لم يذكر اسم الله عليها وإن كان الذابح مسلما، وقد اختلف الفقهاء في هذه المسألة على ثلاثة أقوال.فمنهم من قال لا تحل الذبيحة التي يترك ذكر اسم الله عليها سواء كان الترك عمدا أو سهوا، وإلى هذا الرأى ذهب ابن عمر ونافع وعامر والشعبي ومحمد بن سيرين، وداود الظاهري وفي رواية عن الإمامين مالك وأحمد بن حنبل.واحتجوا لمذهبهم هذا بهذه الآية التي وصفت ما ذبح ولم يذكر اسم الله عليه بأنه فسق، كما احتجوا بقوله- تعالى- فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ وَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهِ وبالأحاديث التي وردت في الأمر بالتسمية عند الذبيحة والصيد كحديث عدى بن حاتم وفيه «إذا أرسلت كلبك المعلم وذكرت اسم الله عليه فكل» .وحديث رافع بن خديج وفيه «ما أنهر الدم وذكر اسم الله عليه فكلوه» أما القول الثاني فيرى أصحابه أن التسمية ليست شرطا بل هي مستحبة، وتركها عن عمد أو نسيان لا يضر، وقد حكى هذا المذهب عن ابن عباس وأبى هريرة وعطاء وهو مذهب الشافعى وأصحابه وفي رواية عن الإمامين مالك وأحمد بن حنبل.وحجتهم أن هذه الآية وَلا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ ... واردة فيما ذبح لغير الله بأن يذكر على الذبيحة اسم الصنم كما كان يفعل المشركون عند ذبائحهم.واحتجوا أيضا بما رواه الدّارقطنيّ عن ابن عباس أنه قال: «إذا ذبح المسلم ولم يذكر اسم الله فليأكل فإن المسلم فيه اسم من أسماء الله» .أما القول الثالث فيرى أصحابه أن ترك التسمية نسيانا لا يضر، أما عمدا فلا تحل الذبيحة، وإلى هذا المذهب ذهب على وابن عباس وسعيد بن المسيب والحسن البصري وهو المشهور من مذهب أحمد بن حنبل وعليه أبو حنيفة وأصحابه.واحتجوا لمذهبهم بأحاديث منها ما رواه عبد الله بن عمرو عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «إن الله وضع عن أمتى الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه» .ولعل هذا المذهب أقرب المذاهب إلى الصواب، لأن المتعمد هو الذي يؤاخذ على عمله أما الناسي فليس مؤاخذا.وقد تولت بعض كتب التفسير بسط الأقوال في هذه المسألة فليرجع إليها من شاء .
6:122
اَوَ مَنْ كَانَ مَیْتًا فَاَحْیَیْنٰهُ وَ جَعَلْنَا لَهٗ نُوْرًا یَّمْشِیْ بِهٖ فِی النَّاسِ كَمَنْ مَّثَلُهٗ فِی الظُّلُمٰتِ لَیْسَ بِخَارِجٍ مِّنْهَاؕ-كَذٰلِكَ زُیِّنَ لِلْكٰفِرِیْنَ مَا كَانُوْا یَعْمَلُوْنَ(۱۲۲)
اور کیا وہ کہ مردہ تھا تو ہم نے اسے زندہ کیا (ف۲۴۳) اور اس کے لیے ایک نور کردیا (ف۲۴۴) جس سے لوگوں میں چلتا ہے (ف۲۴۵) وہ اس جیسا ہوجائے گا جو اندھیریوں میں ہے (ف۲۴۶) ان سے نکلنے والا نہیں، یونہی کافروں کی آنکھ میں ان کے اعمال بھلے کردیے گئے ہیں،

ثم ضرب الله مثلا لحال المؤمن والكافر فقال:أَوَمَنْ كانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْناهُ.الهمزة للاستفهام الإنكارى، وهي داخلة على جملة محذوفة للعلم بها من الكلام السابق.والتقدير: أأنتم أيها المؤمنون مثل أولئك المشركين الذين يجادلونكم بغير علم وهل يعقل أن من كان ميتا فأعطيناه الحياة وجعلنا له نورا عظيما يمشى به فيما بين الناس آمنا كمن مثله في الظلمات ليس بخارج منها.فالآية الكريمة تمثيل بليغ للمؤمن والكافر لتنفير المسلمين عن طاعة المشركين بعد أن نهاهم صراحة عن طاعتهم قبل ذلك في قوله وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ.فمثل المؤمن المهتدى إلى الحق كمن كان ميتا هالكا فأحياه الله وأعطاه نورا يستضيء به في مصالحه، ويهتدى به إلى طرقه. ومثل الكافر الضال كمن هو منغمس في الظلمات لا خلاص له منها فهو على الدوام متحير لا يهتدى فكيف يستويان؟.والمراد بالنور: القرآن أو الإسلام، والمراد بالظلمات: الكفر والجهالة وعمى البصيرة. فهو كقوله- تعالى-: وَما يَسْتَوِي الْأَعْمى وَالْبَصِيرُ. وَلَا الظُّلُماتُ وَلَا النُّورُ. وَلَا الظِّلُّ وَلَا الْحَرُورُ، وَما يَسْتَوِي الْأَحْياءُ وَلَا الْأَمْواتُ.وقوله: كَذلِكَ زُيِّنَ لِلْكافِرِينَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ أى: مثل ذلك التزيين الذي تضمنته الآية- وهو تزيين نور الهدى للمؤمنين وظلمات الشرك للضالين قد زين للكافرين ما كانوا يعملونه من الآثام كعداوة النبي صلى الله عليه وسلم وذبح القرابين لغير الله- تعالى- وتحليل الحرام، وتحريم الحلال وغير ذلك من المنكرات.وجمهور المفسرين يرون أن المثل في الآية عام لكل مؤمن وكل كافر وقيل إن المراد بمن أحياه الله وهداه عمر بن الخطاب، والمراد بمن بقي في الظلمات ليس بخارج منها عمرو بن هشام،فقد أخرج ابن أبى الشيخ أن الآية نزلت فيهما، وقيل نزلت في عمار بن ياسر وأبى جهل، وقيل في حمزة وأبى جهل.والذي نراه أن الآية عامة في كل من هداه الله إلى الإيمان بعد أن كان كافرا، وفي كل من بقي على ضلاله مؤثرا الكفر على الإيمان ويدخل في ذلك هؤلاء المذكورون دخولا أوليا.ثم سلى الله- تعالى- نبيه صلى الله عليه وسلم ببيان أن المترفين في كل زمان ومكان هم أعداء الإصلاح، وأن ما لقيه صلى الله عليه وسلم من أكابر مكة ليس بدعا بل هو شيء رآه الأنبياء قبله على أيدى أمثال هؤلاء المترفين فقال- تعالى-:
6:123
وَ كَذٰلِكَ جَعَلْنَا فِیْ كُلِّ قَرْیَةٍ اَكٰبِرَ مُجْرِمِیْهَا لِیَمْكُرُوْا فِیْهَاؕ-وَ مَا یَمْكُرُوْنَ اِلَّا بِاَنْفُسِهِمْ وَ مَا یَشْعُرُوْنَ(۱۲۳)
اور اسی طرح ہم نے ہر بستی میں اس کے مجرموں کے سرغنہ کیے کہ اس میں داؤ کھیلیں (ف۲۴۷) اور داؤں نہیں کھیلتے مگر اپنی جانوں پر اور انہیں شعورنہیں(ف۲۴۸)

أكابر: جمع أكبر، وهم الرؤساء والعظماء في الأمم. والمجرمون: جمع مجرم، من أجرم إذا اكتسب أمرا قبيحا، ومنه الجرم والجريمة للذنب والإثم.والمعنى: وكما جعلنا في قريتك مكة رؤساء دعاة إلى الكفر وإلى عداوتك جعلنا في كل قرية من قرى الرسل من قبلك رؤساء من المجرمين مثلهم ليمكروا فيها، ويتجبروا على الناس، ثم كانت العاقبة للرسل، فلا تبتئس يا محمد مما يصيبك من زعماء مكة فتلك طبيعة الحياة في كل عصر، أن يكون زعماء الأمم وكبراؤها أشد الناس عداوة للرسل والمصلحين.قال الجمل: وقوله: أَكابِرَ مفعول أول لجعل، وأكابر مضاف ومجرميها مضاف إليه، وفِي كُلِّ قَرْيَةٍ المفعول الثاني لجعل، ووجب تقديمه ليصح عود الضمير عليه، فهو على حد قوله:كذا إذا عاد عليه مضمر ... مما به عنه مبينا يخبرهذا أحسن الأعاريب وهناك أوجه أخرى للأعراب لا تخلو من مقال.وخص الأكابر بالمكر، لأنهم هم الحاملون لغيرهم على الضلال، وهم الذين يتبعهم الضعفاء في كفرهم وفجورهم.قال ابن كثير: والمراد بالمكر هنا دعاؤهم غيرهم إلى الضلالة بزخرف من المقال والفعال كقوله- تعالى- إخبارا عن قوم نوح وَمَكَرُوا مَكْراً كُبَّاراً، وكقوله: وَلَوْ تَرى إِذِ الظَّالِمُونَ مَوْقُوفُونَ عِنْدَ رَبِّهِمْ يَرْجِعُ بَعْضُهُمْ إِلى بَعْضٍ الْقَوْلَ يَقُولُ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا لَوْلا أَنْتُمْ لَكُنَّا مُؤْمِنِينَ قالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا أَنَحْنُ صَدَدْناكُمْ عَنِ الْهُدى بَعْدَ إِذْ جاءَكُمْ بَلْ كُنْتُمْ مُجْرِمِينَ وَقالَ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا بَلْ مَكْرُ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ إِذْ تَأْمُرُونَنا أَنْ نَكْفُرَ بِاللَّهِ وَنَجْعَلَ لَهُ أَنْداداً ... الآية . وقوله- سبحانه- وَما يَمْكُرُونَ إِلَّا بِأَنْفُسِهِمْ وَما يَشْعُرُونَ.أى وما يمكر أولئك الأكابر المجرمون الذين يعادون الرسل والمصلحين في كل وقت إلا بأنفسهم، حيث يعود ضرره عليهم وحدهم في الدنيا والآخرة ولكنهم لانطماس بصيرتهم، لا يشعرون بأن مكرهم سيعود عليهم ضرره، بل يتوهمون أنهم سينجون في مكرهم بغيرهم من الأنبياء والمصلحين.فالجملة الكريمة بيان لسنة من سنن الله في خلقه، وهي أن المكر السيئ لا يحيق إلا بأهله، وفي ذلك تسلية للنبي صلى الله عليه وسلم عما يصيبه منهم، وبشارة له، ولأصحابه بالنصر عليهم، ووعيد لأولئك الماكرين بسوء المصير.وجملة وَما يَشْعُرُونَ حال من ضمير يمكرون، وهي تسجل عليهم بلاهتهم وجهالتهم حيث فقدوا الشعور بما من شأنه أن يعترف به كل عاقل.
6:124
وَ اِذَا جَآءَتْهُمْ اٰیَةٌ قَالُوْا لَنْ نُّؤْمِنَ حَتّٰى نُؤْتٰى مِثْلَ مَاۤ اُوْتِیَ رُسُلُ اللّٰهِ ﲪ اَللّٰهُ اَعْلَمُ حَیْثُ یَجْعَلُ رِسَالَتَهٗؕ-سَیُصِیْبُ الَّذِیْنَ اَجْرَمُوْا صَغَارٌ عِنْدَ اللّٰهِ وَ عَذَابٌ شَدِیْدٌۢ بِمَا كَانُوْا یَمْكُرُوْنَ(۱۲۴)
اور جب ان کے پاس کوئی نشانی آئے تو کہتے ہی ہم ہر گز ایمان نہ لائیں گے جب تک ہمیں بھی ویسا ہی نہ ملے جیسا اللہ کے رسولوں کو ملا (ف۲۴۹) اللہ خوب جانتا ہے جہاں اپنی رسالت رکھے (ف۲۵۰) عنقریب مجرموں کو اللہ کے یہاں ذلت پہنچے گی اور سخت عذاب بدلہ ان کے مکر کا،

ثم حكى القرآن لونا من ألوان مكرهم فقال: وَإِذا جاءَتْهُمْ آيَةٌ قالُوا: لَنْ نُؤْمِنَ حَتَّى نُؤْتى مِثْلَ ما أُوتِيَ رُسُلُ اللَّهِ.أى: وإذا جاءت أولئك المشركين الذين أقسموا بالله جهد أيمانهم «لئن جاءتهم آية ليؤمنن بها» حجة قاطعة تشهد بصدقك يا محمد فيما تبلغه عن ربك، قالوا حسدا لك، لن نؤمن لك يا محمد حتى نعطى من الوحى والرسالة مثلما أعطى رسل الله، وأضافوا الإيتاء إلى رسل الله، لأنهم لا يعترفون بما أوتيه صلى الله عليه وسلم من الوحى والرسالة.روى أن الوليد بن المغيرة قال للنبي صلى الله عليه وسلم: لو كانت النبوة حقا لكنت أنا أولى بها منك لأنى أكبر منك سنا وأكثر مالا فأنزل الله هذه الآية» .وقال مقاتل: نزلت في أبى جهل وذلك أنه قال: زاحمنا بنو عبد المطلب في الشرف حتى إذا صرنا كفرسي رهان قالوا: منا نبي يوحى إليه، والله لا نؤمن به ولا نتبعه أبدا إلا أن يأتينا وحى كما يأتيه، فأنزل الله هذه الآية» .وقد رد الله- تعالى- على هؤلاء الحاسدين ردا حاسما فقال: اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسالَتَهُ أى: الله- سبحانه- أعلم منهم ومن كل أحد بالموضع الصالح للرسالة فيضعها فيه فهو- سبحانه- يختار لها بحكمته وعلمه من يستحقها وينهض بها. ويهب نفسه لها، وينسى في سبيلها ذاته.قال الإمام الرازي: وقوله- تعالى- اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسالَتَهُ أى: أن للرسالة موضوعا مخصوصا لا يصلح وضعها إلا فيه، فمن كان مخصوصا موصوفا بتلك الصفات لأجلها يصلح وضع الرسالة فيه كان رسولا وإلا فلا، والعالم بتلك الصفات ليس إلا الله- تعالى- ثم قال: وفي هذه الجملة الكريمة تنبيه على دقيقة أخرى وهي أن أقل ما لا بد منه في حصول النبوة والرسالة البراءة عن المكر والغدر والغل والحسد، وقوله لَنْ نُؤْمِنَ حَتَّى نُؤْتى مِثْلَ ما أُوتِيَ رُسُلُ اللَّهِ عين المكر والغدر والغل والحسد، فكيف يعقل حصول النبوة والرسالة مع هذه الصفات» » .وهذه الجملة حجة لأهل الحق على أن الرسالة هبة من الله يختص بها من يشاء من عباده، ولا ينالها أحد بكسبه ولا بذكائه ولا بنسبه.ولذا قال الإمام الآلوسى: وجملة اللَّهُ أَعْلَمُ ... إلخ. استئناف بيانى، والمعنى: أن منصب الرسالة ليس مما ينال بما يزعمونه من كثرة المال والولد، وتعاضد الأسباب والعدد، وإنما ينال بفضائل نفسانية، ونفس قدسية أفاضها الله- تعالى- بمحض الكرم والجود على من كمل استعداده» .هذا. وقد وردت أحاديث كثيرة تحدث النبي صلى الله عليه وسلم فيها عن اصطفاء الله له وفضله عليه، ومن ذلك ما رواه الإمام مسلم عن وائلة ابن الأسقع قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الله- عز وجل- اصطفى من ولد إبراهيم إسماعيل، واصطفى من بنى إسماعيل بنى كنانة، واصطفى من بنى كنانة قريشا، واصطفى من قريش بنى هاشم، واصطفى من بنى هاشم محمدا صلى الله عليه وسلم» .وروى الإمام أحمد عن المطلب بن أبى وداعة عن العباس عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إن الله خلق الخلق فجعلني في خير خلقه، وجعلهم فريقين، فجعلني في خير فرقة، وخلق القبائل فجعلني في خير قبيلة، وجعلهم بيوتا، فجعلني في خيرهم بيتا، فأنا خيركم بيتا وخيركم نفسا» .ثم بين- سبحانه- عاقبة أولئك الماكرين الحاسدين للنبي صلى الله عليه وسلم على ما آتاه الله من فضله فقال: سَيُصِيبُ الَّذِينَ أَجْرَمُوا صَغارٌ عِنْدَ اللَّهِ وَعَذابٌ شَدِيدٌ بِما كانُوا يَمْكُرُونَ.قال القرطبي ما ملخصه: الصغار: الضيم والذل والهوان. والمصدر الصغر بالتحريك- وأصله من الصغر دون الكبر فكأن الذل يصغر إلى المرء نفسه وقيل: أصله من الصغر وهو الرضا بالذل. والصاغر: الراضي بالذل. وأرض مصغرة: نبتها صغير لم يطل. ويقال: صغر- بالكسر- يصغر صغرا وصغارا فهو صاغر إذا ذل وهان» .والمعنى: سيصيب الذين أجرموا بعد تكبرهم وغرورهم وتطاولهم ذل عظيم وهوان شديد ثابت لهم عند الله في الدنيا والآخرة، وبسبب مكرهم المستمر، وعدائهم الدائم لرسل الله وأوليائه.والجملة الكريمة استئناف آخر ناع على أولئك الماكرين ما سيلقونه من ألوان العقوبات بعد ما نعى عليهم حرمانهم مما أنكره من إيتائهم مثل ما أوتى رسل الله، والسين للتأكيد.والعندية في قوله «عند الله» مجاز عن حشرهم يوم القيامة، أو عن حكمه سبحانه- وقضائه فيهم بذلك، كقولهم: ثبت عند فلان القاضي كذا أى: في حكمه، ولذا قدم الصغار على العذاب لأنه يصيبهم في الدنيا.قال ابن كثير: ولما كان المكر غالبا إنما يكون خفيا، وهو التلطف في التحيل والخديعة، قوبلوا بالعذاب الشديد من الله يوم القيامة جزاء وفاقا ولا يظلم ربك أحدا. وجاء في الصحيحين عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: «ينصب لكل غادر لواء عند استه يوم القيامة فيقال:هذه غدرة فلان بن فلان» والحكمة في ذلك أنه لما كان الغدر خفيا لا يطلع عليه الناس، فيوم القيامة يصير علما منشورا على صاحبه بما فعل» .
6:125
فَمَنْ یُّرِدِ اللّٰهُ اَنْ یَّهْدِیَهٗ یَشْرَحْ صَدْرَهٗ لِلْاِسْلَامِۚ-وَ مَنْ یُّرِدْ اَنْ یُّضِلَّهٗ یَجْعَلْ صَدْرَهٗ ضَیِّقًا حَرَجًا كَاَنَّمَا یَصَّعَّدُ فِی السَّمَآءِؕ-كَذٰلِكَ یَجْعَلُ اللّٰهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِیْنَ لَا یُؤْمِنُوْنَ(۱۲۵)
اور جسے اللہ راہ دکھانا چاہے اس کا سینہ اسلام کے لیے کھول دیتا ہے (ف۲۵۱) اور جسے گمراہ کرنا چاہے اس کا سینہ تنگ خوب رکا ہوا کر دیتا ہے (ف۲۵۲) گویا کسی کی زبردستی سے آسمان پر چڑھ رہا ہے، اللہ یونہی عذاب ڈالتا ہے ایمان نہ لانے والوں کو،

ثم بين- سبحانه- حال المستعد لهداية الإسلام، وحال المستعد للضلال فقال:فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلامِ.أى: فمن يرد الله أن يهديه للإسلام، ويوفقه له، يوسع صدره لقبوله، ويسهله له بفضله وإحسانه.وشرح الصدر: توسعته، يقال: شرح الله صدره فانشرح، أى: وسعه فاتسع، وهو مجاز أو كناية عن جعل النفس مهيأة لحلول الحق فيها. مصفاة عما يمنعه وينافيه.روى عبد الرازق أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن هذه الآية: كيف يشرح صدره؟ فقال: «نور يقذف فينشرح له وينفسح، قالوا: فهل لذلك من أمارة يعرف بها؟ قال: الإنابة إلى دار الخلود، والتجافي عن دار الغرور، والاستعداد للموت قبل لقاء الموت» «2» .وقوله: وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقاً حَرَجاً أى ومن يرد أن يضله لسوء اختياره، وإيثاره الضلالة على الهداية يصير صدره ضيقا متزايد الضيق لا منفذ فيه للإسلام.والحرج: مصدر حرج صدره حرجا فهو حرج، أى: ضاق ضيقا شديدا. وصف به الضيق للمبالغة، كأنه نفس الضيق، وأصل الحرج مجتمع الشيء ويقال: للحديقة الملتفة الأشجار التي يصعب دخولها حرجة.وقرئ حرجا- بكسر الراء- صفة لقوله ضَيِّقاً.روى أن جماعة من الصحابة قرءوا أمام عمر- رضى الله عنه- «ومن يرد أن يضله يجعل صدره ضيقا حرجا» بكسر الراء فقال عمر: يا فتى ما الحرجة فيكم؟ قال الحرجة فينا الشجرة تكون بين الأشجار التي لا تصل إليها راعية ولا وحشية. فقال عمر: كذلك قلب المنافق لا يصل إليه شيء من الخير»وقوله كَأَنَّما يَصَّعَّدُ فِي السَّماءِ استئناف، أو حال من ضمير الوصف، أو وصف آخر لقلب الضال، والمراد المبالغة في ضيق صدره حيث شبه بمن يزاول ما لا يقدر عليه. فإن صعود السماء مثل فيما هو خارج عن دائرة الاستطاعة.أى: كأنما إذا دعى إلى الإسلام قد كلف الصعود إلى السماء وهو لا يستطيعه بحال. ويصعد أى: يتصعد، بمعنى يتكلف الصعود فلا يقدر عليه.وفيه إشارة إلى أن الإيمان يمتنع منه كما يمتنع منه الصعود.وقوله: كَذلِكَ يَجْعَلُ اللَّهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ أى: مثل جعل الصدر ضيقا حرجا بالإسلام، يجعل الله الرجس. أى: العذاب، أو الخذلان، أو اللعنة في الدنيا على الذين لا يؤمنون بالإسلام.
6:126
وَ هٰذَا صِرَاطُ رَبِّكَ مُسْتَقِیْمًاؕ-قَدْ فَصَّلْنَا الْاٰیٰتِ لِقَوْمٍ یَّذَّكَّرُوْنَ(۱۲۶)
اور یہ (ف۲۵۳) تمہارے رب کی سیدھی راہ ہے ہم نے آیتیں مفصل بیان کردیں نصیحت ماننے والوں کے لیے،

ثم بين- سبحانه- أن طريق الإسلام هو الطريق الحق المستقيم فقال:وَهذا صِراطُ رَبِّكَ مُسْتَقِيماً أى: وهذا البيان الذي جاء به القرآن، أو سبيل التوحيد، وإسلام الوجه إلى الله، هو طريق ربك الواضح المستقيم الذي ارتضاه لعباده، والذي لا ميل فيه إلى إفراط أو تفريط في الاعتقادات والأخلاق والأعمال.ومُسْتَقِيماً حال مؤكدة لصاحبها وعاملها محذوف وجوبا مثل: هذا أبوك عطوفا، وقيل حال مؤسسة والعامل فيها معنى الإشارة أو (ها) التي للتنبيه.وقوله: فَصَّلْنَا الْآياتِ لِقَوْمٍ يَذَّكَّرُونَ أى: جعلناها بينة واضحة مفصلة لقوم يتذكرون ما فيها من هدايات وإرشادات فيعملون بها لينالوا السعادة في الدنيا والآخرة.ثم بين- سبحانه- ما أعده للمتذكرين فقال:
6:127
لَهُمْ دَارُ السَّلٰمِ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَ هُوَ وَلِیُّهُمْ بِمَا كَانُوْا یَعْمَلُوْنَ(۱۲۷)
ان کے لیے سلامتی کا گھر ہے اپنے رب کے یہاں اور وہ ان کا مولیٰ ہے یہ ان کے کاموں کا پھل ہے،

أى: أن هؤلاء المتذكرين المتقين لهم جنة عرضها السموات والأرض في جوار ربهم وكفالته، وهو- سبحانه- وَلِيُّهُمْ أى: متولى إيصال الخير إليهم، أو محبهم أو ناصرهم بسبب أعمالهم الصالحة. وسميت الجنة بدار السلام، لأن جميع حالاتها مقرونة بالسلامة من جميع المكاره.قال الجمل: وقوله عِنْدَ رَبِّهِمْ في المراد بهذه العندية وجوه:أحدها: أنها معدة عنده كما تكون الحقوق معدة مهيأة حاضرة كقوله جَزاؤُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ.وثانيها: أن هذه العندية تشعر بأن هذا الأمر المدخر موصوف بالقرب من الله بالشرف والرتبة لا بالمكان والجهة لتنزهه- تعالى- عنهما.وثالثها: هي كقوله- تعالى- في صفة الملائكة وَمَنْ عِنْدَهُ لا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبادَتِهِ.وقوله: أنا عند المنكسر قلوبهم وأنا عند ظن عبدى بي» .
6:128
وَ یَوْمَ یَحْشُرُهُمْ جَمِیْعًاۚ-یٰمَعْشَرَ الْجِنِّ قَدِ اسْتَكْثَرْتُمْ مِّنَ الْاِنْسِۚ-وَ قَالَ اَوْلِیٰٓؤُهُمْ مِّنَ الْاِنْسِ رَبَّنَا اسْتَمْتَعَ بَعْضُنَا بِبَعْضٍ وَّ بَلَغْنَاۤ اَجَلَنَا الَّذِیْۤ اَجَّلْتَ لَنَاؕ-قَالَ النَّارُ مَثْوٰىكُمْ خٰلِدِیْنَ فِیْهَاۤ اِلَّا مَا شَآءَ اللّٰهُؕ-اِنَّ رَبَّكَ حَكِیْمٌ عَلِیْمٌ(۱۲۸)
اور جس دن اُن سب کو اٹھانے گا اور فرمائے گا، اے جن کے گروہ! تم نے بہت آدمی گھیرلیے (ف۲۵۴) اور ان کے دوست آدمی عرض کریں گے اے ہمارے رب! ہم میں ایک نے دوسرے سے فائدہ اٹھایا (ف۲۵۵) اور ہم اپنی اس میعاد کو پہنچ گئے جو تو نے ہمارے لیے مقرر فرمائی تھی (ف۲۵۶) فرمائے گا آگ تمہارا ٹھکانا ہے ہمیشہ اس میں رہو مگر جسے خدا چاہے (ف۲۵۷) اے محبوب! بیشک تمہارا رب حکمت والا علم والا ہے،

ثم بين- سبحانه- جانبا من أحوال الظالمين يوم القيامة عند ما يقفون أمام ربهم للحساب فقال: وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعاً يا مَعْشَرَ الْجِنِّ قَدِ اسْتَكْثَرْتُمْ مِنَ الْإِنْسِ.ففي هذه الآيات عرض مؤثر زاخر بالحوار والاعتراف والمناقشة والحكم تحكيه السورة الكريمة وهي تصور مشاهد المجرمين يوم القيامة.وقوله: وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعاً يا مَعْشَرَ الْجِنِّ قَدِ اسْتَكْثَرْتُمْ مِنَ الْإِنْسِ.المعشر: الجماعة الذين يعاشر بعضهم بعضا أو الذين يربطهم أمر مشترك بينهم والمراد بالجن شياطينهم ومردتهم.والمعنى: واذكر يا محمد- أو أيها العاقل- يوم نحشر الضالين والمضلين جميعا من الإنس والجن، فنقول للمضلين من الجن: قَدِ اسْتَكْثَرْتُمْ مِنَ الْإِنْسِ أى: قد أكثرتم من إغوائكم الإنس وإضلالكم إياهم، أو قد أكثرتم منهم بأن جعلتموهم أتباعكم، وأهل طاعتكم، ووسوستكم لهم بالمعاصي حتى غررتموهم وأوردتموهم هذا المصير الأليم.و «يوم» منصوب على الظرفية والعامل فيه مقدر، أى: اذكر يوم نحشرهم جميعا. والضمير المنصوب في «نحشرهم» لمن يحشر من الثقلين. وقيل للكفار الذين تتحدث عنهم هذه الآيات.ووجه الخطاب إلى معشر الجن، لأنهم هم الأصل في إضلال أتباعهم من الإنس، وهم السبب في صدهم عن السبيل القويم.والمقصود من هذا القول لهم توبيخهم وتقريعهم على ما كان يصدر منهم من إغواء الغافلين من الإنس.وهنا يحكى القرآن رد الضالين من الإنس على هذا التوبيخ فيقول: وَقالَ أَوْلِياؤُهُمْ مِنَ الْإِنْسِ رَبَّنَا اسْتَمْتَعَ بَعْضُنا بِبَعْضٍ وَبَلَغْنا أَجَلَنَا الَّذِي أَجَّلْتَ لَنا.أى: وقال الذين أطاعوهم وانقادوا لهم من الإنس يا ربنا، لقد استمتع بعضنا ببعض.أى: انتفع الإنس بالجن حيث دلوهم على المفاسد وما يوصل إليها، وانتفع الجن بالإنس، حيث أطاعوهم واستجابوا لوسوستهم، وخالفوا أمر ربهم.وقال الحسن: ما كان استمتاع بعضهم ببعض إلا أن الجن أمرت وعملت الإنس. أى:فالجن نالت التعظيم منهم فعبدت، والإنس بوسوستهم تمتعوا بإيثار الشهوات الحاضرة على اللذات الغائبة.وقيل: استمتاع الإنس بالجن معناه أن الرجل في الجاهلية كان إذا سافر فنزل بأرض قفر خاف على نفسه من الجن فيقول. أعوذ بسيد هذا الوادي من شر سفهاء قومه، فيبيت في جوارهم. وأما استمتاع الجن بالإنس فهو أنهم قالوا. سدنا الإنس حتى عاذوا بنا، فيزدادون بذلك شرفا في قومهم وعظما في أنفسهم.وقيل: استمتاع الإنس بالجن هو ما كانوا يلقون إليهم من الأراجيف والسحر والكهانة، واستمتاع الجن بالإنس هو طاعة الإنس لهم فيما يزينون لهم من المعاصي فصاروا كالرؤساء لهم.والذي نراه. أن استمتاع الجن بالإنس والإنس بالجن يتناول كل ذلك، حيث انتفع كل فريق من صاحبه باللذة العاجلة التي أوردته إلى سوء المصير.وقولهم هذا، هو تحسر منهم على حالهم، إذ قالوه اعترافا بما فعلوه من طاعة للشياطين واتباع الهوى، وتكذيب أمر البعث.وإنما قال الأتباع من الإنس هذا القول مع أن الخطاب موجه إلى المتبوعين من شياطين الجن، للإيذان بأن شياطين الجن قد أفحموا. ولم يستطيعوا أن ينطقوا أو يجيبوا. ثم أتبعوا تحسرهم هذا بتحسر آخر وهو قولهم: «وبلغنا أجلنا الذي أجلت لنا» .أى: ها نحن يا ربنا قد استمتع بعضنا ببعض في الدنيا عن طريق الشهوات المحرمة.واللذات الفانية القبيحة، وها نحن قد وصلنا بعد استمتاع بعضنا ببعض إلى الأجل الذي حددته لنا، وهو يوم القيامة والجزاء. ونحن في أقبح صورة وأسوأ عيش.وهنا يأتيهم الرد الحاسم. والحكم النافذ من الله العلى الكبير. حيث يقول- سبحانه- قالَ النَّارُ مَثْواكُمْ خالِدِينَ فِيها إِلَّا ما شاءَ اللَّهُ.مثواكم: الثواء مع الإقامة مع الاستقرار. يقال: ثوى يثوى ثواء أى: استقر، والثوية مأوى الغنم.والمعنى: قال الله- تعالى- لهؤلاء الظالمين المعترفين على أنفسهم بارتكاب الموبقات: النار منزلكم ومحل إقامتكم الدائمة. فأنتم خالدون فيها في كل وقت إلا في وقت مشيئة الله بخلاف ذلك، لأن الأمور كلها متروكة إليه، وخاضعة لمشيئته.والأرجح أن المراد بهذا الاستثناء وبنظائره في آيات أخر، المبالغة في الخلود.أى: أنه لا ينتفى في وقت ما إلا وقت مشيئته- تعالى- وهو سبحانه لا يشاء ذلك. فقد أخبر في آيات متعددة من كتابه أن هؤلاء الكفار لا يخرجون من النار أبدا.وفي إيراد هذا المعنى بتلك الصورة، بلاغ للناس بأن مرد الأمور كلها إلى مشيئة الله، وأن خلود المشركين في نار جهنم إنما هو بمحض مشيئته، ولو شاء غير ذلك ما خلدوا، وفيه إلى جانب ذلك تنكيل آخر بهؤلاء الأشقياء لأنهم قد صاروا في حيرة دائمة من أمرهم. تجعلهم مشتتين بين الطمع في الخروج مما هم فيه، واليأس منه.وهذا التفسير للجملة الكريمة هو الذي نختاره ونرجحه، وهناك وجوه أخرى في تفسيرها منها ما ذهب إليه الزمخشري حيث قال:وقوله: خالِدِينَ فِيها إِلَّا ما شاءَ اللَّهُ أى: يخلدون في عذاب النار الأبد كله إلا الأوقات التي ينقلون فيها من عذاب النار إلى عذاب الزمهرير فقد روى أنهم يدخلون واديا فيه من الزمهرير ما يميز بعض أوصالهم من بعض، فيتعاوون ويطلبون الرد إلى الجحيم، أو أن يكون من قول الموتور- أى المظلوم- الذي ظفر بواتره، ولم يزل يحرق عليه أنيابه، وقد طلب أن ينفس عن خناقه. أهلكنى الله إن نفست عنك إلا إذا شئت، علم أنه لا يشاء إلا التشفي منه بأقصى ما يقدر عليه من التعنت والتشديد. فيكون قوله إلا إذا شئت من أشد الوعيد مع تهكم بالموعد لخروجه في صورة الاستثناء الذي فيه إطماع .ومنها: ما نقل عن ابن عباس أنه- تعالى- استثنى قوما قد سبق في علمه أنهم يدخلون في الإسلام، وهو مبنى على أن الاستثناء. ليس من المحكي وأن «ما» بمعنى «من» .ومنها: أنهم تفتح لهم أبواب الجنة ويخرجون من النار فإذا توجهوا للدخول أغلقت في وجوههم استهزاء بهم. فهم فيها إلا الوقت الذي يخرجون منها متجهين إلى الجنة حيث تقفل في وجوههم ليكون ذلك أعظم في حسرتهم.ومنها: أن هذا الاستثناء إشارة إلى فناء النار. أى: إلا وقت مشيئة الله فناءها وزوال عذابها. وهي مسألة خلافية بين العلماء.وهناك أقوال أخرى لا مجال لذكرها. والقول الذي نرجحه ونعتمده هو الذي سقناه أولا كما أشرنا إلى ذلك من قبل لأنه قول المحققين من العلماء ولأنه يتناسب مع ما يليق بذات الله من كمال قدرته. ونفاذ إرادته.وجملة «إن ربك حكيم عليم» تسلية لبيان ما تقتضيه حكمته وإرادته. أى: إن ربك حكيم في التعذيب والإثابة وفي كل أفعاله. عليم بأحوال الثقلين وأعمالهم وبما يليق بها من جزاء.
6:129
وَ كَذٰلِكَ نُوَلِّیْ بَعْضَ الظّٰلِمِیْنَ بَعْضًۢا بِمَا كَانُوْا یَكْسِبُوْنَ۠(۱۲۹)
اور یونہی ہم ظالموں میں ایک کو دوسرے پر مسلط کرتے ہیں بدلہ ان کے کیے کا(ف۲۵۸)

ثم يعقب القرآن على هذا الاستمتاع المتبادل بين الضالين والمضلين من الجن والإنس فيقول: وَكَذلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضاً بِما كانُوا يَكْسِبُونَ.ونولي: من الولاية بمعنى القرابة، والنصرة، والمحالفة وما إلى ذلك من أنواع الاتصال.أى: ومثل ما سبق من تمكين الجن من إغواء الإنس وإضلالهم لما بينهم من التناسب والمشاكلة، نولي بعض الظالمين من الإنس بعضا آخر منهم بأن نجعلهم يزينون لهم السيئات، ويؤثرون فيهم بالإغواء. بسبب ما كانوا مستمرين على اكتسابه من الكفر والمعاصي.قال الإمام الرازي: «لأن الجنسية علة الضم» فالأرواح الخبيثة تنضم إلى ما يشاكلها في الخبث. وكذا القول في الأرواح الطاهرة، فكل أحد يهتم بشأن من يشاكله في النصرة والمعونة والتقوية. ثم قال: والآية تدل على أن الرعية متى كانوا ظالمين فالله- تعالى- يسلط عليهم ظالما مثلهم. فإن أرادوا أن يتخلصوا من ذلك الأمير الظالم فليتركوا الظلم» .وقال ابن كثير: معنى الآية الكريمة: كما ولينا هؤلاء الخاسرين من الإنس تلك الطائفة التي أغوتهم من الجن، كذلك نفعل بالظالمين، نسلط بعضهم على بعض، ونهلك بعضهم ببعض، وننتقم من بعضهم ببعض جزاء على ظلمهم وبغيهم» .وقال الفضيل بن عياض: إذا رأيت ظالما ينتقم من ظالم. فقف وانظر فيه متعجبا.فالآية الكريمة تصور لنا مشهدا واقعا في حياة الأمم، وهو أن الظالمين من الناس يوالى بعضهم بعضا، ويناصر بعضهم بعضا، بسبب ما بينهم من صلات في المشارب والأهداف والطباع وأن الأمة التي لا تتمسك بمبدأ العدالة بل تسودها روح الظلم والاعتداء يكون حكامها عادة على شاكلتها لأن الحاكم الظالم لا يستطيع البقاء عادة في مجتمع أفراده تسودهم العدالة والشجاعة في الحق.والآية في الوقت ذاته تهدد الظالمين، وتتوعدهم بسوء المصير إذا لم يقلعوا عن ظلمهم، ويثوبوا إلى رشدهم، ويقيدوا أنفسهم بمبدأ العدالة ورعاية الحق ثم بعد هذا التعقيب بتلك الآية التي بينت طبيعة الأشرار يعود القرآن إلى سؤال الإنس والجن فيقول: يا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آياتِي وَيُنْذِرُونَكُمْ لِقاءَ يَوْمِكُمْ هذا
6:130
یٰمَعْشَرَ الْجِنِّ وَ الْاِنْسِ اَلَمْ یَاْتِكُمْ رُسُلٌ مِّنْكُمْ یَقُصُّوْنَ عَلَیْكُمْ اٰیٰتِیْ وَ یُنْذِرُوْنَكُمْ لِقَآءَ یَوْمِكُمْ هٰذَاؕ-قَالُوْا شَهِدْنَا عَلٰۤى اَنْفُسِنَا وَ غَرَّتْهُمُ الْحَیٰوةُ الدُّنْیَا وَ شَهِدُوْا عَلٰۤى اَنْفُسِهِمْ اَنَّهُمْ كَانُوْا كٰفِرِیْنَ(۱۳۰)
اے جنوں اور آدمیوں کے گروہ! کیا تمہارے پاس تم میں کے رسول نہ آئے تھے تم پر میری آیتیں پڑھتے اور تمہیں یہ دن (ف۲۵۹) دیکھنے سے ڈراتے (ف۲۶۰) کہیں گے ہم نے اپنی جانوں پر گواہی دی (ف۲۶۱) اور انہیں دنیا کی زندگی نے فریب دیا اور خود اپنی جانوں پر گواہی دیں گے کہ وہ کافر تھے(ف۲۶۲)

قال الإمام ابن جرير: وهذا خبر من الله- جل ثناؤه- عما هو قائل يوم القيامة، لهؤلاء العادلين به من مشركي الإنس والجن، يخبر أنه- تعالى- يقول لهم: امَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آياتِييقول: يخبرونكم بما أوحى إليهم من تنبيهى إياكم على مواضع حججي، وتعريفى لكم أدلتى على توحيدي وتصديقى أنبيائى والعمل بأمرى والانتهاء إلى حدودي، يُنْذِرُونَكُمْ لِقاءَ يَوْمِكُمْ هذايقول: يحذرونكم لقاء عذابي في يومكم هذا وعقابي على معصيتكم إياى فتنتهوا عن معاصى، وهذا من الله- تعالى- تقريع لهم وتوبيخ على ما سلف منهم في الدنيا من الفسوق والمعاصي ومعناه، قد أتاكم رسل منكم ينبهونكم على خطأ ما كنتم عليه مقيمين بالحجج البالغة، وينذرونكم وعيد الله، فلم تقبلوا ولم تتذكروا» .وقوله سُلٌ مِنْكُمْ استدل به من قال إن الله قد أرسل رسلا من الجن إلى أبناء جنسهم إلا أن جمهور العلماء يخالفون ذلك ويرون أن الرسل جميعا من الإنس، وإنما قيل: رسل منكم لأنه لما جمع الثقلان في الخطاب صح ذلك وإن كان من أحدهما، كقوله: «يخرج منهما اللؤلؤ والمرجان، وإنما يخرجان من أحدهما وهو الماء الملح دون العذب.قال أبو السعود: والمعنى: ألم يأتكم رسل من جملتكم: لكن لا على أنهم من جنس الفريقين معا بل من الإنس خاصة، وإنما جعلوا منهما إما لتأكيد وجوب اتباعهم، والإيذان بتقاربهما ذاتا، واتحادهما تكليفا وخطابا. كأنهما من جنس واحد، ولذلك تمكن أحدهما من إضلال الآخر، وإما لأن المراد بالرسل ما يعم رسل الرسل، وقد ثبت أن الجن استمعوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم وأنذروا بما سمعوه. أقوامهم، إذ حكى القرآن عنهم أنهم وَلَّوْا إِلى قَوْمِهِمْ مُنْذِرِينَ وأنهم قالوا لهم: إِنَّا سَمِعْنا قُرْآناً عَجَباً .وقال صاحب المنار، وجملة القول في الخلاف أنه ليس في المسألة نص قطعى، والظواهر التي استدل بها الجمهور يحتمل أن تكون خاصة برسل الإنس، لأن الكلام معهم، وليست أقوى من ظاهر ما استدل به من قال إن الرسل من الفريقين. والجن عالم غيبي لا نعرف عنه ألا ما ورد به النص. وقد دل القرآن وكذا السنة على رسالة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم إليهم، فنحن نؤمن بما ورد ونفوض الأمر فيما عدا ذلك إلى الله- تعالى-» .ثم يحكى القرآن أنهم قد شهدوا على أنفسهم بالكفر فقال: الُوا شَهِدْنا عَلى أَنْفُسِناأن الرسل قد بشرونا وأنذرونا، ولم يقصروا في تبليغنا وإرشادنا.وقوله- سبحانه- غَرَّتْهُمُ الْحَياةُ الدُّنْياأى غرهم متاع الحياة الدنيا من الشهوات والمال والجاه وحب الرياسة، فاستحبوا العمى على الهدى، وباعوا آخرتهم بدنياهم. شَهِدُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ أَنَّهُمْ كانُوا كافِرِينَأى: شهدوا على أنفسهم عند ما وقفوا بين يدي الله للحساب في الآخرة أنهم كانوا كافرين في الدنيا بما جاءتهم به الرسل.قال صاحب الكشاف: فإن قلت: ما لهم مقرين في هذه الآية- على أنفسهم بالكفر- جاحدين في قوله وَاللَّهِ رَبِّنا ما كُنَّا مُشْرِكِينَ؟ قلت. يوم القيامة يوم طويل، والأحوال فيه مختلفة فتارة يقرون واخرى يجحدون، وذلك يدل على شدة خوفهم واضطراب أحوالهم، فإن من عظم خوفه كثر الاضطراب في كلامه. أو أريد شهادة أيديهم وأرجلهم وجلودهم حين يختم على أفواههم. فإن قلت: لم كرر ذكر شهادتهم على أنفسهم؟ قلت:الأولى: حكاية لقولهم كيف يقولون ويعترفون.والثانية: ذم لهم وتخطئة لرأيهم ووصف لقلة نظرهم لأنفسهم وأنهم قوم غرتهم الحياة الدنيا واللذات الحاضرة وكانت عاقبة أمرهم إن اضطروا إلى الشهادة على أنفسهم بالكفر، والاستسلام لربهم، وإنما قال ذلك تحذيرا للسامعين من مثل حالهم» .هذا، وإنك لتقرأ هذه الآية الكريمة وغيرها من الآيات التي تصور مشهدا من مشاهد يوم القيامة فيخيل إليك أنك أمام مشهد حاضر أمام عينيك ترى فيه الظالمين وحسراتهم، والضالين والمضلين وهم يتبادلون التهم وذلك من إعجاز القرآن الكريم وأنه من عند الله ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا.ثم يحدثنا القرآن بعد ذلك عن عدالة الله في أحكامه، وعن سعة غناه ورحمته، وعن حسن عاقبة المؤمنين، وسوء مصير الكافرين فيقول:
6:131
ذٰلِكَ اَنْ لَّمْ یَكُنْ رَّبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرٰى بِظُلْمٍ وَّ اَهْلُهَا غٰفِلُوْنَ(۱۳۱)
یہ (ف۲۶۳) اس لیے کہ تیرا رب بستیوں کو (ف۲۶۴) ظلم سے تباہ نہیں کرتا کہ ان کے لوگ بے خبر ہوں(ف۲۶۵)

قال الآلوسى: «ذلك» إشارة إلى إتيان الرسل، أو السؤال المفهوم من لَمْ يَأْتِكُمْ، أو ما قص من أمرهم، أعنى شهادتهم على أنفسهم بالكفر وهو إما مرفوع على أنه خبر مبتدأ مقدر أى: الأمر ذلك، أو مبتدأ خبره مقدر، أو خبره قوله- سبحانه- أَنْ لَمْ يَكُنْ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرى بخلاف اللام على أن أَنْ مصدرية، أو مخففة من أن وضمير الشأن اسمها.وإما منصوب على أنه مفعول به لفعل مقدر كخذ ذلك، أو فعلنا ذلك.وفي قوله بِظُلْمٍ متعلق بمهلك أى: بسبب ظلم. أو بمحذوف وقع حالا من القرى أى:ملتبسة بظلم ... » .والمعنى: ذلك الذي ذكرناه لك يا محمد من إتيان الرسل يقصون على الأمم آيات الله، سببه أن ربك لم يكن من شأنه ولا من سننه في تربية خلقه أن يهلك القرى من أجل أى ظلم فعلوه قبل أن ينبهوا على بطلانه، وينهوا عنه بواسطة الأنبياء والمرسلين، فربك لا يظلم، ولا يعذب أحدا وهو غافل لم ينذر قال- تعالى- وَما كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا وقال- تعالى- وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلَّا خَلا فِيها نَذِيرٌ.فالآية الكريمة صريحة في أن- سبحانه- قد أعذر إلى الثقلين بإرسال الرسل، وإنزال الكتب، وتبيين الآيات، وإلزام الحجة رُسُلًا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ.
6:132
وَ لِكُلٍّ دَرَجٰتٌ مِّمَّا عَمِلُوْاؕ-وَ مَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا یَعْمَلُوْنَ(۱۳۲)
اور ہر ایک کے لیے (ف۲۶۶) ان کے کاموں سے درجے ہیں اور تیرا رب ان کے اعمال سے بے خبر نہیں،

ثم بين- سبحانه- أن الدرجات إنما هي على حسب الأعمال فقال- تعالى- وَلِكُلٍّ دَرَجاتٌ مِمَّا عَمِلُوا أى: ولكل من المكلفين جنا كانوا أو إنسا درجات أى منازل ومراتب مِمَّا عَمِلُوا أى: من أعمالهم صالحة كانت أو سيئة أو من أجل أعمالهم إذ الجزاء من جنس العمل والعمل متروك للناس يتسابقون فيه، والجزاء ينتظرهم عادلا لا ظلم فيه.وَما رَبُّكَ بِغافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ بل هو عالم بأعمالهم ومحصيها عليهم، لا يعزب عنه مثقال ذرة في الأرض ولا في السماء.
6:133
وَ رَبُّكَ الْغَنِیُّ ذُو الرَّحْمَةِؕ-اِنْ یَّشَاْ یُذْهِبْكُمْ وَ یَسْتَخْلِفْ مِنْۢ بَعْدِكُمْ مَّا یَشَآءُ كَمَاۤ اَنْشَاَكُمْ مِّنْ ذُرِّیَّةِ قَوْمٍ اٰخَرِیْنَؕ(۱۳۳)
اور اے محبوب! تمہارا رب بے پروا ہے رحمت والا، اے لوگو! وہ چاہے تو تمہیں لے جائے (ف۲۶۷) اور جسے چاہے تمہاری جگہ لادے جیسے تمہیں اوروں کی اولاد سے پیدا کیا(ف۲۶۸)

ثم صرح- سبحانه- بغناه عن كل عمل وعن كل عامل، وبأنه هو صاحب الرحمة الواسعة، والقدرة النافذة فقال: وَرَبُّكَ الْغَنِيُّ ذُو الرَّحْمَةِ.أى: وربك يا محمد هو الغنى عن جميع خلقه من كل الوجوه، وهم الفقراء إليه في جميع أحوالهم، وهو وحده صاحب الرحمة الواسعة العامة التي شملت جميع خلقه.والجملة الكريمة تفيد الحصر. وقوله: وربك مبتدأ، والغنى خبره، وقوله ذُو الرَّحْمَةِ خبر بعد خبر. وجوز أن يكون هو الخبر و «الغنى» صفة لربك.وفي هذه الجملة تنبيه إلى أن ما سبق ذكره من إرسال الرسل وغيره، ليس لنفعه- سبحانه-، بل لترحمه على العباد، وتمهيد لقوله بعد ذلك. إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَسْتَخْلِفْ مِنْ بَعْدِكُمْ ما يَشاءُ أى: أنه- سبحانه- إن يشأ إذهابكم أيها الناس بالإهلاك لفعل ذلك فهو قدير على كل شيء وعلى أن ينشئ بعد إذهابكم ما يشاء من الخلق الذين يعملون بطاعته، ولا يكونون أمثالكم.والكاف في قوله: كَما أَنْشَأَكُمْ مِنْ ذُرِّيَّةِ قَوْمٍ آخَرِينَ في موضع نصب والمعنى: إن الله- تعالى- قادر على أن يستخلف من بعدكم ما يشاء استخلافه مثل ما أنشأكم من ذرية قوم آخرين. ونظيره قوله- تعالى- إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ أَيُّهَا النَّاسُ وَيَأْتِ بِآخَرِينَ وَكانَ اللَّهُ عَلى ذلِكَ قَدِيراً وقوله يا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَراءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ وَما ذلِكَ عَلَى اللَّهِ بِعَزِيزٍ.
6:134
اِنَّ مَا تُوْعَدُوْنَ لَاٰتٍۙ-وَّ مَاۤ اَنْتُمْ بِمُعْجِزِیْنَ(۱۳۴)
بیشک جس کا تمہیں وعدہ دیا جاتا ہے (ف۲۶۹) ضرور آنے والی ہے اور تم تھکا نہیں سکتے،

ثم بين- سبحانه- أن أمر البعث والحساب كائن لا ريب فيه فقال: إِنَّ ما تُوعَدُونَ لَآتٍ وَما أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ.أى: «إن ما توعدون من أمر القيامة والحساب، والعقاب والثواب لواقع لا شك فيه، وما أنتم بمعجزين، أى: بجاعليه عاجزا عنكم، غير قادر على إدراككم. من أعجزه بمعنى جعله عاجزا. أو:بفائتين العذاب، من أعجزه الأمر. إذا فاته. أى لا مهرب لكم من عذابنا بل هو مدرككم لا محالة.
6:135
قُلْ یٰقَوْمِ اعْمَلُوْا عَلٰى مَكَانَتِكُمْ اِنِّیْ عَامِلٌۚ-فَسَوْفَ تَعْلَمُوْنَۙ-مَنْ تَكُوْنُ لَهٗ عَاقِبَةُ الدَّارِؕ-اِنَّهٗ لَا یُفْلِحُ الظّٰلِمُوْنَ(۱۳۵)
تم فرماؤ اے میری قوم! تم اپنی جگہ پر کام کیے جاؤ میں اپنا کام کرتا ہوں تو اب جاننا چاہتے ہو کس کا رہتا ہے آحرت کا گھر، بیشک ظالم فلاح نہیں پاتے،

ثم أمر الله- تعالى- نبيه صلى الله عليه وسلم أن ينفض يده من هؤلاء المشركين، وإن يتركهم لأنفسهم. وأن ينذرهم بسوء العاقبة إذا ما استمروا في كفرهم فقال- تعالى- قُلْ يا قَوْمِ اعْمَلُوا عَلى مَكانَتِكُمْ إِنِّي عامِلٌ فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ. مَنْ تَكُونُ لَهُ عاقِبَةُ الدَّارِ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ.أى: قل يا محمد لهؤلاء المصرين على كفرهم اعملوا على غاية تمكنكم من أمركم، وأقصى استطاعتكم. مصدر مكن- ككرم- مكانة، إذا تمكن أبلغ التمكن وأقواه، أو المعنى اعملوا على جهتكم واثبتوا على كفركم وحالتكم التي أنتم عليها من قولهم. مكان ومكانة كمقام ومقامة.قال الزمخشري: يقال للرجل إذا أمر أن يثبت على حالة: مكانك يا فلان أى: أثبت على ما أنت عليه لا تنحرف عنه.والأمر للتهديد والوعيد، وإظهار ما هو عليه صلى الله عليه وسلم في غاية التصلب في الدين، ونهاية الوثوق بأمره، وعدم المبالاة بأعدائه أصلا.وقوله إِنِّي عامِلٌ فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ أى: إنى عامل على مكانتى، ثابت على الإسلام لا أتزحزح عن الدعوة إليه، فسوف تعلمون بعد حين من تكون له العاقبة الحسنى في هذه الدنيا.وقوله: فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ بجانب إفادته للإنذار، فيه إنصاف في المقال، وحسن أدب في الخطاب، حيث لم يقل- مثلا- العاقبة لنا، وإنما فوض الأمر إلى الله، فهو كقوله- تعالى- وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلى هُدىً أَوْ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ وفيه تنبيه على وثوق المنذر بأنه على الحق.قال الجمل- وسوف لتأكيد مضمون الجملة، وهذه الجملة. تعليل لما قبلها والعلم عرفان، ومن استفهامية معلقة لفعل العلم محلها الرفع على الابتداء وخبرها جملة تكون، وهي مع خبرها في محل نصب لسدها مسد مفعول تعلمون. أى: فسوف تعلمون أينا تكون له العاقبة الحسنى التي خلق الله هذه الدار لها، ويجوز أن تكون موصولة فيكون محلها النصب على أنها مفعول لتعلمون. أى: فسوف تعلمون الذي له عاقبة الدار» .ثم ختمت الآية بقوله- تعالى- إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ أى: لن يظفروا بمطلوبهم بسبب ظلمهم، وقيل المراد بالظلم هنا الكفر، ووضع الظلم موضع الكفر، إيذانا بأن امتناع الفلاح يترتب على أى فرد كان من أفراد الظلم، فما ظنك بالكفر الذي هو أعظم أفراده.قال ابن كثير، وقد أنجز الله موعوده لرسوله صلى الله عليه وسلم فمكن له في البلاد، وحكمه في نواصي مخالفيه من العباد، وفتح له مكة، وأظهره على من كذبه من قومه، واستقر أمره على سائر جزيرة العرب.، وكل ذلك في حياته، ثم فتحت الأقاليم والأمصار بعد وفاته. قال- تعالى- إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهادُ .ثم تبدأ السورة بعد ذلك حديثا مستفيضا عن أوهام المشركين وجهالاتهم التي تتعلق بمآكلهم، ومشاربهم، ونذورهم، وذبائحهم، وعاداتهم البالية، وتقاليدهم الموروثة، فتناقشهم في كل ذلك مناقشة منطقية حكيمة، وترد عليهم فيما أحلوه وحرموه بدون علم ولا هدى ولا كتاب منير، وترشدهم إلى الطريق السليم الذي من الواجب عليهم أن يسلكوه. استمع إلى سورة الأنعام وهي تحكى كل ذلك في بضع عشرة آية بأسلوبها البليغ المؤثر فتقول:
6:136
وَ جَعَلُوْا لِلّٰهِ مِمَّا ذَرَاَ مِنَ الْحَرْثِ وَ الْاَنْعَامِ نَصِیْبًا فَقَالُوْا هٰذَا لِلّٰهِ بِزَعْمِهِمْ وَ هٰذَا لِشُرَكَآىٕنَاۚ-فَمَا كَانَ لِشُرَكَآىٕهِمْ فَلَا یَصِلُ اِلَى اللّٰهِۚ-وَ مَا كَانَ لِلّٰهِ فَهُوَ یَصِلُ اِلٰى شُرَكَآىٕهِمْؕ-سَآءَ مَا یَحْكُمُوْنَ(۱۳۶)
اور (ف۲۷۰) اللہ نے جو کھیتی اور مویشی پیدا کیے ان میں اسے ایک حصہ دار ٹھہرایا تو بولے یہ اللہ کا ہے ان کے خیال میں اور یہ ہمارے شریکوں کا (ف۲۷۱) تو وہ جو ان کے شریکوں کا ہے وہ تو خدا کو نہیں پہنچتا، اور جو خدا کا ہے وہ ان کے شریکوں کو پہنچتا ہے، کیا ہی برا حکم لگاتے ہیں (ف۲۷۲)

لقد حكت هذه الآيات الكريمة بعض الرذائل التي كانت متفشية في المجتمع الجاهلى، أما الرذيلة الأولى فملخصها أنهم كانوا يجعلون من زروعهم وأنعامهم وسائر أموالهم نصيبا لله ونصيبا لأوثانهم، فيشركونها في أموالهم فما كان لله صرفوه إلى الضيفان والمساكين، وما كان للأوثان أنفقوه عليها وعلى سدنتها فإذا رأوا ما جعلوه لله أزكى بدلوه بما للأوثان، وإذا رأوا ما جعلوه للأوثان أزكى تركوه لها.استمع إلى القرآن وهو يقص ذلك بأسلوبه الحكيم فيقول: وَجَعَلُوا لِلَّهِ مِمَّا ذَرَأَ مِنَ الْحَرْثِ وَالْأَنْعامِ نَصِيباً.«ذرأ» بمعنى خلق يقال: ذرأ الله الخلق يذرؤهم ذرءا أى: خلقهم وأوجدهم وقيل: الذرأ الخلق على وجه الاختراع.أى: وجعل هؤلاء المشركون مما خلقه الله- تعالى- من الزروع والأنعام نصيبا لله يعطونه للمساكين وللضيوف وغيرهم، وجعلوا لأصنامهم نصيبا آخر يقدمونه لسدنتها، وإنما لم يذكر النصيب الذي جعلوه لأصنامهم اكتفاء بدلالة ما بعده وهو قوله: فَقالُوا هذا لِلَّهِ بِزَعْمِهِمْ وَهذا لِشُرَكائِنا.أى: فقالوا في القسم الأول: هذا لله نتقرب به إليه.وقالوا في الثاني: وهذا لشركائنا نتوسل به إليها.وقوله- تعالى- في القسم الأول هذا لِلَّهِ بِزَعْمِهِمْ أى: بتقولهم ووضعهم الذي لا علم لهم به ولا هدى.قال الجمل: ومن المعلوم أن الزعم هو الكذب، وإنما نسبوا للكذب في هذه المقالة مع أن كل شيء لله، لأن هذا الجعل لم يأمرهم به الله وإنما هو مجرد اختراع منهم.وقال أبو السعود: وإنما قيد الأول بالزعم للتنبيه على أنه في الحقيقة جعل لله- تعالى- غير مستتبع لشيء من الثواب كالتطوعات التي يبتغى بها وجه الله- لا لما قيل من أنه للتنبيه على أن ذلك مما اخترعوه، فإن ذلك مستفاد من الجعل ولذلك لم يقيد به الثاني، ويجوز أن يكون ذلك تمهيدا لما بعده على معنى أن قولهم هذا لله مجرد زعم منهم لا يعملون بمقتضاه الذي هو اختصاصه- تعالى- به.ثم فصل- سبحانه- ما كانوا يعملونه بالنسبة للقسمة فقال: فَما كانَ لِشُرَكائِهِمْ فَلا يَصِلُ إِلَى اللَّهِ، وَما كانَ لِلَّهِ فَهُوَ يَصِلُ إِلى شُرَكائِهِمْ.أى: فما كان من هذه الزروع والأنعام من القسم الذي يتقرب به إلى شركائهم، فإنهم يحرمون الضيفان والمساكين منه ولا يصل إلى الله منه شيء، وما كان منها من القسم الذي يتقرب به إلى الله عن طريق إكرام الضيف والصدقة، فإنهم يجورون عليه ويأخذون منه ما يعطونه لسدنة الأصنام وخدامها.فهم يجعلون قسم الأصنام لسدنتها وأتباعها وحدهم، بينما القسم الذي جعلوه لله بزعمهم ينتقصونه ويضعون الكثير منه في غير موضعه، ويقولون: إن الله غنى وإن آلهتنا محتاجة.وقد عقب القرآن على هذه القسمة الجائرة بقوله: ساءَ ما يَحْكُمُونَ أى: ساء وقبح حكمهم وقسمتهم حيث آثروا مخلوقا عاجزا عن كل شيء، على خالق قادر على كل شيء، فهم بجانب عملهم الفاسد من أساسه لم يعدلوا في القسمة.هذه هي الرذيلة الأولى من رذائلهم، أما الرذيلة الثانية فهي أن كثيرا منهم كانوا يقتلون أولادهم، ويئدون بناتهم لأسباب لا تمت إلى العقل السليم بصلة وقد حكى القرآن ذلك في قوله.
6:137
وَ كَذٰلِكَ زَیَّنَ لِكَثِیْرٍ مِّنَ الْمُشْرِكِیْنَ قَتْلَ اَوْلَادِهِمْ شُرَكَآؤُهُمْ لِیُرْدُوْهُمْ وَ لِیَلْبِسُوْا عَلَیْهِمْ دِیْنَهُمْؕ-وَ لَوْ شَآءَ اللّٰهُ مَا فَعَلُوْهُ فَذَرْهُمْ وَ مَا یَفْتَرُوْنَ(۱۳۷)
اور یوں ہی بہت مشرکوں کی نگاہ میں ان کے شریکوں نے اولاد کا قتل بھلا کر دکھایا ہے (ف۲۷۳) کہ انہیں ہلاک کریں اور ان کا دین اُن پر مشتبہ کردیں (ف۲۷۴) اور اللہ چاہتا تو ایسا نہ کرتے تو تم انہیں چھوڑ دو وہ ہیں اور ان کے افتراء،

وَكَذلِكَ زَيَّنَ لِكَثِيرٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ قَتْلَ أَوْلادِهِمْ شُرَكاؤُهُمْ لِيُرْدُوهُمْ وَلِيَلْبِسُوا عَلَيْهِمْ دِينَهُمْ.أى: ومثل ذلك التزيين في قسمة الزروع والأنعام بين الله والأوثان، زين للمشركين شركاؤهم من الشياطين أو السدنة قتل بناتهم خشية العار أو الفقر فأطاعوهم فيما أمروهم به من المعاصي والآثام.والتزيين: التحسين، فمعنى تزيينهم لهم أنهم حسنوا لهم هذه الأفعال القبيحة، وحضوهم على فعلها.سموا شركاء لأنهم أطاعوهم فيما امروهم به من قتل الأولاد، فأشركوهم مع الله في وجوب طاعتهم، أو سموا شركاء لأنهم كانوا يشاركون الكفار في أموالهم التي منها الحرث والأنعام.وشُرَكاؤُهُمْ فاعل زَيَّنَ وأخر عن الظرف والمفعول اعتناء بالمقدم واهتماما به، لأنه موضع التعجب.وقوله: لِيُرْدُوهُمْ أى ليهلكوهم من الردى وهو الهلاك. يقال ردى- كرضى- أى:هلك.وقوله: وَلِيَلْبِسُوا عَلَيْهِمْ دِينَهُمْ معطوف على ليردوهم، أى: ليخلطوا عليهم ما كانوا عليه من دين إسماعيل- عليه السلام- حتى زالوا عنه إلى الشرك.ويلبسوا مأخوذ من اللبس بمعنى الخلط بين الأشياء التي يشبه بعضها بعضا وأصله الستر بالثوب، ومنه اللباس، ويستعمل في المعاني فيقال: لبس الحق بالباطل يلبسه ستره به. ولبست عليه الأمر. خلطته عليه وجعلته مشتبها حتى لا يعرف جهته، فأنت ترى أن شركاءهم قد حسنوا لهم القبيح من أجل أمرين: إهلاكهم وإدخال الشبهة عليهم في دينهم عن طريق التخليط والتلبيس. ثم سلى الله تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم وهدد أعداءه فقال: وَلَوْ شاءَ اللَّهُ ما فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَما يَفْتَرُونَ.أى: ولو شاء الله ألا يفعل الشركاء ذلك التزيين أو المشركون ذلك القتل لما فعلوه، لأنه- سبحانه- لا يعجزه شيء، فلا تذهب نفسك عليهم حسرات بسبب ما يفعلونه، بل دعهم وما يفترونه من الكذب، فإنهم لسوء استعدادهم آثروا الضلالة على الهداية.والفاء في قوله فَذَرْهُمْ فصيحة أى: إذا كان ما قصصناه عليك بمشيئة الله، فدعهم وافتراءهم ولا تبال بهم، فإن فيما يشاؤه الله حكما بالغة.
6:138
وَ قَالُوْا هٰذِهٖۤ اَنْعَامٌ وَّ حَرْثٌ حِجْرٌ ﳓ لَّا یَطْعَمُهَاۤ اِلَّا مَنْ نَّشَآءُ بِزَعْمِهِمْ وَ اَنْعَامٌ حُرِّمَتْ ظُهُوْرُهَا وَ اَنْعَامٌ لَّا یَذْكُرُوْنَ اسْمَ اللّٰهِ عَلَیْهَا افْتِرَآءً عَلَیْهِؕ-سَیَجْزِیْهِمْ بِمَا كَانُوْا یَفْتَرُوْنَ(۱۳۸)
اور بولے (ف۲۷۵) یہ مویشی اور کھیتی روکی ہوئی (ف۲۷۶) ہے اسے وہی کھائے جسے ہم چاہیں اپنے جھوٹے خیال سے (ف۲۷۷) اور کچھ مویشی ہیں جن پر چڑھنا حرام ٹھہرایا (ف۲۷۸) اور کچھ مویشی کے ذبح پر اللہ کا نام نہیں لیتے (ف۲۷۹) یہ سب اللہ پر جھوٹ باندھنا ہے، عنقریب وہ انہیں بدلے دے گا ان کے افتراؤں کا،

ثم حكى القرآن رذيلة ثالثة من رذائلهم المتعددة، وهي أن أوهام الجاهلية وضلالاتها ساقتهم إلى عزل قسم من أموالهم لتكون حكرا على آلهتهم بحيث لا ينتفع بها أحد سوى سدنتها، ثم عمدوا إلى قسم من الأنعام فحرموا ركوبها وعمدوا إلى قسم آخر فحرموا أن يذكر اسم الله عليها عند ذبحها أو ركوبها إلى آخر تلك الأوهام المفتراة.استمع إلى القرآن وهو يقص ذلك فيقول: وَقالُوا هذِهِ أَنْعامٌ وَحَرْثٌ حِجْرٌ لا يَطْعَمُها إِلَّا مَنْ نَشاءُ بِزَعْمِهِمْ.حجر: بمعنى المحجور أى: الممنوع من التصرف فيه، ومنه قيل للعقل حجر لكون الإنسان في منع منه مما تدعوه إليه نفسه من اثام.أى: ومن بين أوهام المشركين وضلالاتهم أنهم يقتطعون بعض أنعامهم وأقواتهم من الحبوب وغيرها ويقولون: هذه الأنعام وتلك الزروع محجورة علينا أى: محرمة ممنوعة، لا يأكل منها إلا من نشاء، يعنون: خدم الأوثان والرجال دون النساء أى: لا يأكل منها إلا خدم الأوثان والرجال فقط.وقوله: بِزَعْمِهِمْ متعلق بمحذوف وقع حالا من فاعل قالوا. أى: قالوا ذلك متلبسين بزعمهم الباطل من غير حجة.وقوله: وَقالُوا هذِهِ الإشارة إلى ما جعلوه لآلهتم، والتأنيث باعتبار الخبر وهو قوله:أَنْعامٌ وَحَرْثٌ وقوله حِجْرٌ صفة لأنعام وحرث، وقوله لا يَطْعَمُها صفة ثانية لأنعام وحرث.هذا هو النوع الأول الذي ذكرته الآية من أنواع ضلالاتهم.أما النوع الثاني فهو قوله- تعالى- وَأَنْعامٌ حُرِّمَتْ ظُهُورُها أى: وقالوا مشيرين إلى طائفة أخرى من أنعامهم: هذه أنعام حرمت ظهورها فلا تركب ولا يحمل عليها، يعنون بها البحائر والسوائب والوصائل والحوامي التي كانوا يزعمون أنها تعتق وتقصى لأجل الآلهة.فقوله وَأَنْعامٌ خبر لمبتدأ محذوف والجملة معطوفة على قوله هذِهِ أَنْعامٌ.وأما النوع الثالث من أنواع اختراعاتهم الذي ذكرته الآية فهو قوله: وَأَنْعامٌ لا يَذْكُرُونَ اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا.أى: وقالوا أيضا هذه أنعام لا يذكر اسم الله عليها عند الذبح، وإنما يذكر عليها أسماء الأصنام لأنها ذبحت من أجلها.وقد عقب- سبحانه- على تلك الأقسام الثلاثة الباطلة بقوله: افْتِراءً عَلَيْهِ أى فعلوا ما فعلوا من هذه الأباطيل وقالوا ما قالوا من تلك المزاعم من أجل الافتراء على الله وعلى دينه، فإنه- سبحانه- لم يأذن لهم في ذلك ولا رضيه منهم.ثم ختمت الآية بهذا التهديد الشديد حيث قال: - سبحانه- سَيَجْزِيهِمْ بِما كانُوا يَفْتَرُونَ أى: سيجزيهم الجزاء الشديد الأليم بسبب هذا الافتراء القبيح.
6:139
وَ قَالُوْا مَا فِیْ بُطُوْنِ هٰذِهِ الْاَنْعَامِ خَالِصَةٌ لِّذُكُوْرِنَا وَ مُحَرَّمٌ عَلٰۤى اَزْوَاجِنَاۚ-وَ اِنْ یَّكُنْ مَّیْتَةً فَهُمْ فِیْهِ شُرَكَآءُؕ-سَیَجْزِیْهِمْ وَصْفَهُمْؕ-اِنَّهٗ حَكِیْمٌ عَلِیْمٌ(۱۳۹)
اور بولے جو ان مویشیوں کے پیٹ میں ہے وہ نرا (خالص) ہمارے مردوں کا ہے (ف۲۸۰) اور ہماری عورتوں پر حرام ہے، اور مرا ہوا نکلے تو وہ سب (ف۲۸۱) اس میں شریک ہیں، قریب ہے کہ اللہ انہیں اِن کی اُن باتوں کا بدلہ دے گا، بیشک وہ حکمت و علم والا ہے،

ثم يحكى القرآن الرذيلة الرابعة من رذائلهم وملخصها: أنهم زعموا أن الأجنة التي في بطون هذه الأنعام المحرمة، ما ولد منها حيا فهو حلال للرجال ومحرم على النساء، وما ولد ميتا اشترك في أكله الرجال والنساء.استمع إلى القرآن وهو يفضح زعمهم هذا فيقول: وَقالُوا ما فِي بُطُونِ هذِهِ الْأَنْعامِ خالِصَةٌ لِذُكُورِنا، وَمُحَرَّمٌ عَلى أَزْواجِنا، وَإِنْ يَكُنْ مَيْتَةً فَهُمْ فِيهِ شُرَكاءُ ومرادهم بما في بطون هذه الأنعام أجنة البحائر والسوائب.أى: ومن فنون كفرهم أنهم قالوا ما في بطون هذه الأنعام المحرمة إذا نزل منها حيا فأكله حلال للرجال دون والنساء، وإذا نزل ميتا فأكله حلال للرجال والنساء على السواء.وفي رواية العوفى عن ابن عباس أن المراد بما في بطونها اللبن، فقد كانوا يحرمونه على إناثهم ويشربه ذكرانهم وكانت الشاة إذا ولدت ذكرا ذبحوه، وكان للرجال دون النساء، وإن كانت أنثى تركت فلم تذبح، وإن كانت ميتة فهم فيه شركاء.قال بعضهم: «ومن مباحث اللفظ في الآية أن قوله «خالصة» فيه وجوه:أحدها: أن التاء قيد للمبالغة في الوصف كراوية وداهية فلا يقال إنه غير مطابق للمبتدأ على القول بأنه خبر.وثانيا: أن المبتدأ وهو ما فِي بُطُونِ هذِهِ الْأَنْعامِ مذكر اللفظ مؤنث المعنى، لأن المراد به الأجنة فيجوز تذكير خبره باعتبار اللفظ وتأنيثه باعتبار المعنى.وثالثها: أنه مصدر فتكون العبارة مثل قولهم: عطاؤك عافية والمطر رحمة والرخصة نعمة.ورابعها: أنه مصدر مؤكد أو حال من المستكن في الظرف وخبر المبتدأ لِذُكُورِنا .وقوله: سَيَجْزِيهِمْ وَصْفَهُمْ إِنَّهُ حَكِيمٌ عَلِيمٌ تهديد لهم أى: سيجزيهم بما هم أهله من العذاب المهين جزاء وصفهم أو بسبب وصفهم الكذب على الله في أمر التحليل والتحريم على سبيل التحكم والتهجم بالباطل على شرعه. إنه- سبحانه- حكيم في أقواله وأفعاله وشرعه، عليم بأعمال عباده من خير أو شر وسيجازيهم عليها.قال الآلوسى: ونصب وَصْفَهُمْ- على ما ذهب إليه الزجاج- لوقوعه موقع مصدر سَيَجْزِيهِمْ فالكلام على تقدير مضاف. أى: جزاء وصفهم. وقيل: التقدير. سيجزيهم العقاب بوصفهم أى: بسببه فلما سقطت الباء نصب وصفهم.ثم قال: وهذا كما قال بعض المحققين من بليغ الكلام وبديعه، فإنهم يقولون، كلامه يصف الكذب إذا كذب، وعينه تصف السحر، أى ساحرة، وقد يصف الرشاقة، بمعنى رشيق. مبالغة، حتى كأن من سمعه أو رآه وصف له ذلك بما يشرحه له».وإلى هنا تكون الآيات الأربعة التي بدأت بقوله- تعالى وَجَعَلُوا لِلَّهِ مِمَّا ذَرَأَ مِنَ الْحَرْثِ وَالْأَنْعامِ نَصِيباً.. إلخ. قد قصت علينا أربع رذائل من أفعال المشركين وأقوالهم.وإن العاقل ليعجب وهو يستعرض هذه الضلالات- التي حكتها الآيات. يعجب لما تحملوه في سبيل ضلالاتهم من أعباء مادية وخسائر وتضحيات، يعجب للعقيدة الفاسدة وكيف تكلف أصحابها الكثير ومع ذلك فهم مصرون على اعتناقها، وعلى التقيد بأغلالها، وأوهامها، وتبعاتها.لكأن القرآن وهو يحكى تلك الرذائل وما تحمله أصحابها في سبيلها يقول لأتباعه- من بين ما يقول- إذا كان أصحاب العقائد الفاسدة قد ضحوا حتى بفلذات أكبادهم إرضاء لشركائهم. فأولى بكم ثم أولى أن تضحوا في سبيل عقيدتكم الصحيحة، وملتكم الحنيفة السمحاء بالأنفس والأموال.
6:140
قَدْ خَسِرَ الَّذِیْنَ قَتَلُـوْۤااَوْلَادَهُمْ سَفَهًۢا بِغَیْرِ عِلْمٍ وَّ حَرَّمُوْا مَا رَزَقَهُمُ اللّٰهُ افْتِرَآءً عَلَى اللّٰهِؕ-قَدْ ضَلُّوْا وَ مَا كَانُوْا مُهْتَدِیْنَ۠(۱۴۰)
بیشک تباہ ہوئے وہ جو اپنی اولاد کو قتل کرتے ہیں احمقانہ جہالت سے (ف۲۸۲) اور حرام ٹھہراتے ہیں وہ جو اللہ نے انہیں روزی دی (ف۲۸۳) اللہ پر جھوٹ باندھنے کو (ف۲۸۴) بیشک وہ بہکے اور راہ نہ پائی (ف۲۸۵)

هذا وقد عقب القرآن بعد إيراده لتلك الرذائل بقوله.قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ قَتَلُوا أَوْلادَهُمْ سَفَهاً بِغَيْرِ عِلْمٍ، وَحَرَّمُوا ما رَزَقَهُمُ اللَّهُ افْتِراءً عَلَى اللَّهِ.قال الإمام ابن كثير: قد خسر الذين فعلوا هذه الأفاعيل في الدنيا والآخرة، أما في الدنيا فخسروا أولادهم بقتلهم، وضيقوا على أنفسهم في أموالهم، فحرموا أشياء ابتدعوها من تلقاء أنفسهم. وأما في الآخرة فيصيرون إلى أسوأ المنازل بكذبهم على الله وافترائهم» .والتعبير بخسر بدون ذكر مفعول معين يقع عليه الفعل للإشارة إلى أن خسارتهم خسارة مطلقة من أى تحديد، فهي خسارة دينية وخسارة دنيوية- كما قال ابن كثير.وقرأ ابن عامر قتلوا بالتشديد. أى: فعلوا ذلك كثيرا، إذ التضعيف يفيد التكثير.وسَفَهاً منصوب على أنه علة لقتلوا أى: لخفة عقولهم وجهلهم قتلوا أولادهم. أو منصوب على أنه حال من الفاعل في قتلوا وهو ضمير الجماعة.والسفه: خفة في النفس لنقصان العقل في أمور الدنيا أو الدين.وقوله وَحَرَّمُوا ما رَزَقَهُمُ اللَّهُ أى من البحائر والسوائب ونحوهما، وهو معطوف على قَتَلُوا.ثم بين- سبحانه- نتيجة ذلك القتل والتحريم فقال: قَدْ ضَلُّوا وَما كانُوا مُهْتَدِينَ أى: قد ضلوا عن الصراط المستقيم بأقوالهم وأفعالهم القبيحة وما كانوا مهتدين إلى الحق والصواب.قال الشهاب، وفي قوله وَما كانُوا مُهْتَدِينَ بعد قوله قَدْ ضَلُّوا مبالغة في نفى الهداية عنهم، لأن صيغة الفعل تقتضي حدوث الضلال بعد أن لم يكن. فلذا أردف بهذه الحال لبيان عراقتهم في الضلال، وإنما ضلالهم الحادث ظلمات بعضها فوق بعض».روى البخاري عن ابن عباس قال: إذا سرك أن تعلم جهل العرب فاقرأ ما فوق الثلاثين والمائة من سورة الأنعام قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ قَتَلُوا أَوْلادَهُمْ سَفَهاً بِغَيْرِ عِلْمٍ وَحَرَّمُوا ما رَزَقَهُمُ اللَّهُ افْتِراءً عَلَى اللَّهِ قَدْ ضَلُّوا وَما كانُوا مُهْتَدِينَ .
6:141
وَ هُوَ الَّذِیْۤ اَنْشَاَ جَنّٰتٍ مَّعْرُوْشٰتٍ وَّ غَیْرَ مَعْرُوْشٰتٍ وَّ النَّخْلَ وَ الزَّرْعَ مُخْتَلِفًا اُكُلُهٗ وَ الزَّیْتُوْنَ وَ الرُّمَّانَ مُتَشَابِهًا وَّ غَیْرَ مُتَشَابِهٍؕ-كُلُوْا مِنْ ثَمَرِهٖۤ اِذَاۤ اَثْمَرَ وَ اٰتُوْا حَقَّهٗ یَوْمَ حَصَادِهٖ ﳲ وَ لَا تُسْرِفُوْاؕ-اِنَّهٗ لَا یُحِبُّ الْمُسْرِفِیْنَۙ(۱۴۱)
اور وہی ہے جس نے پیدا کیے باغ کچھ زمین پر چھئے (چھائے) ہوئے (ف۲۸۶) اور کچھ بے چھئے (پھیلے) اور کھجور اور کھیتی جس میں رنگ رنگ کے کھانے (ف۲۸۷) اور زیتون اور انار کسی بات میں ملتے (ف۲۸۸) اور کسی میں الگ (ف۲۸۹) کھاؤ اس کا پھل جب پھل لائے اور اس کا حق دو جس دن کٹے (ف۲۹۰) اور بے جا نہ خرچو (ف۲۹۱) بیشک بے جا خرچنے والے اسے پسند نہیں،

قوله- تعالى- وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَ جَنَّاتٍ مَعْرُوشاتٍ وَغَيْرَ مَعْرُوشاتٍ.أنشأ: أى أوجد وخلق. والجنات: البساتين والكروم الملتفة الأشجار.ومعروشات: أصل العرش في اللغة شيء مسقف يجعل عليه الكرم وجمعه عروش، يقال عرشت الكرم أعرشه عرشا من بابى- ضرب ونصر-، وعرشته تعريشا إذا جعلته كهيئة السقف. فالمادة تدل على الرفع ومنها عرش الملك. قال ابن عباس: المعروشات. ما انبسط على الأرض وانبسط من الزروع مما يحتاج إلى أن يتخذ له عريش يحمل عليه، كالكرم والبطيخ والقرع ونحو ذلك. وغير المعروشات ما قام على ساق واستغنى باستوائه وقوة ساقه عن التعريش كالنخل والشجر.وقيل المعروشات وغير المعروشات كلاهما في الكرم خاصة، لأن منه ما يعرش ومنه ما لا يعرش بل يبقى على وجه الأرض منبسطا.وقيل المعروشات ما غرسه الناس في البساتين واهتموا به فعرشوه من كرم أو غيره، وغير المعروشات. هو ما أنبته الله في البراري والجبال من كرم وشجر.أى: وهو- سبحانه- الذي أوجد لكم هذه البساتين المختلفة التي منها المرفوعات عن الأرض، ومنها غير المرفوعات عنها، فخصوه وحده بالعبادة والخضوع.وقوله: وَالنَّخْلَ وَالزَّرْعَ مُخْتَلِفاً أُكُلُهُ عطف على جنات، أى: أنشأ جنات، وأنشأ النخل والزرع، والمراد بالزرع جميع الحبوب التي يقتات بها.وإنما أفردهما مع أنهما داخلان في الجنات لما فيهما من الفضيلة على سائر ما ينبت في الجنات.ومُخْتَلِفاً أُكُلُهُ أى، ثمره وحبه في اللون والطعم والحجم والرائحة.والضمير في أكله راجع إلى كل واحد منهما، أى: النخل والزرع والمراد بالأكل المأكول أى، مختلف المأكول في كل منهما في الهيئة والطعم.قال الجمل: وجملة. مُخْتَلِفاً أُكُلُهُ حال مقدرة، لأن النخل والزرع وقت خروجه لا أكل منه حتى يكون مختلفا أو متفقا، فهو مثل قولهم: مررت برجل معه صقر صائدا له غدا» .وقوله: وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُتَشابِهاً وَغَيْرَ مُتَشابِهٍ أى: وأنشأ الزيتون والرمان متشابها في المنظر وغير متشابه في الطعم أو متشابها بعض أفرادهما في اللون أو الطعم أو الهيئة «وغير متشابه في بعضها.قال القرطبي: وفيه أدلة ثلاثة.أحدها: ما تقدم من قيام الدليل على أن المتغيرات لا بد لها من مغير.الثاني: على المنة منه- سبحانه- علينا، فلو شاء إذ خلقنا ألا يخلق لنا غذاء، وإذا خلقه ألا يكون جميل المنظر طيب الطعم، وإذ خلقه كذلك ألا يكون سهل الجنى، فلم يكن عليه أن يفعل ذلك ابتداء، لأنه لا يجب عليه شيء.الثالث: على القدرة في أن يكون الماء الذي من شأنه الرسوب يصعد بقدرة الله الواحد علام الغيوب من أسافل الشجرة إلى أعاليها، حتى إذا انتهى إلى آخرها نشأت فيها أوراق ليست من جنسها، وثمر خارج من صفته: الجرم الوافر، واللون الزاهر، والجنى الجديد، والطعم اللذيذ، فأين الطبائع وأجناسها وأين الفلاسفة وأسسها، هل هي في قدرة الطبيعة أن تتقن هذا الإتقان أو ترتب هذا الترتيب العجيب. كلا، لا يتم ذلك في العقول إلا لحى قادر عالم مريد، فسبحان من له في كل شيء آية ونهاية.ووجه اتصال هذا بما قبله أن الكفار لما افتروا على الله الكذب. وأشركوا معه وحللوا وحرموا دلهم على وحدانيته بأنه خالق الأشياء، وأنه جعل هذه الأشياء أرزاقا لهم».ثم ذكر- سبحانه- المقصود من خلق هذه الأشياء فقال: كُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ إِذا أَثْمَرَ أى:كلوا من ثمر تلك الزروع والأشجار التي أنشأناها لكم، شاكرين الله على ذلك. والأمر للإباحة. وفائدة التقييد بقوله إِذا أَثْمَرَ إباحة الأكل قبل النضوج والإدراك.وقيل فائدته: الترخيص للمالك في الأكل من قبل أداء حق الله- تعالى- لأنه لما أوجب الحق فيه ربما يتبادر إلى الأذهان أنه يحرم على المالك تناول شيء منه لمكان شركة المساكين له فيه، فأباح الله له هذا الأكل.ثم أمرهم- سبحانه- بأداء حقوق الفقراء والمحتاجين مما رزقهم فقال: وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصادِهِ أى: كلوا من ثمر ما أنشأنا لكم، وأدوا حق الله فيه للفقراء والمحتاجين يوم حصاده.ويرى بعض العلماء أن المراد بهذا الحق الصدقة بوجه عام على المستحقين لها، بأن يوزع صاحب الزرع منه عند حصاده على المساكين والبائسين ما يسد حاجتهم بدون إسراف أو تقتير.وأصحاب هذا الرأى فسروا هذا الحق بالصدقة الواجبة من غير تحديد للمقدار وليس بالزكاة المفروضة لأن الآية مكية والزكاة إنما فرضت بالمدينة.وهم يرون أن هذا الحق لم ينسخ بالزكاة المفروضة، بل على صاحب الزرع أن يطعم منه المحتاجين عند حصاده.ويرى بعض آخر من العلماء أن المراد بهذا الحق ما فصلته السنة النبوية من الزكاة المفروضة وهذه الآية مدنية وإن كانت السورة مكية.ويبدو لنا أن الرأى الأول أرجح، لأنه لا دليل على أن هذه الآية مدنية ولأن فرضية الزكاة لا تمنع إعطاء الصدقات، وفي الأمر بإيتاء هذا الحق يوم الحصاد، مبالغة في العزم على المبادرة إليه.والمعنى: اعزموا على إيتاء هذا الحق واقصدوه، واهتموا به يوم الحصاد حتى لا تؤخروه عن أول وقت يمكن فيه الإيتاء.وقيل: إنما ذكر وقت الحصاد تخفيفا على أصحاب الزروع حتى لا يحسب عليهم ما أكل قبله.ثم ختمت الآية بالنهى عن الإسراف فقالت: وَلا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ. أى لا تسرفوا في أكلكم قبل الحصاد ولا في صدقاتكم ولا في أى شأن من شئونكم، لأنه- سبحانه- لا يحب المسرفين.وقال ابن جريج، نزلت في ثابت بن قيس، قطع نخلا له فقال. لا يأتينى اليوم أحد إلا أطعمته، فأطعم حتى أمسى وليست له ثمرة، فنزلت هذه الآية.وقال عطاء، نهوا عن السرف في كل شيء.وقال إياس بن معاوية، ما جاوزت به أمر الله فهو سرف.
6:142
وَ مِنَ الْاَنْعَامِ حَمُوْلَةً وَّ فَرْشًاؕ-كُلُوْا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللّٰهُ وَ لَا تَتَّبِعُوْا خُطُوٰتِ الشَّیْطٰنِؕ-اِنَّهٗ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِیْنٌۙ(۱۴۲)
اور مویشی میں سے کچھ بوجھ اٹھانے والے اور کچھ زمین پر بچھے (ف۲۹۲) کھاؤ اس میں سے جو اللہ نے تمہیں روزی دی اور شیطان کے قدموں پر نہ چلو، بیشک وہ تمہارا صریح دشمن ہے،

ثم بين- سبحانه- حال الأنعام. وأبطل ما تقولوه عليه في شأنها بالتحريم والتحليل فقال.وَمِنَ الْأَنْعامِ حَمُولَةً وَفَرْشاً.الحمولة، هي الأنعام الكبار الصالحة للحمل. والفرش هي صغارها الدانية من الأرض، مثل الفرش المفروش عليها.وقيل الحمولة كل ما حمل عليه من إبل وبقر وبغل وحمار. والفرش ما اتخذ من صوفه ووبره وشعره ما يفرش.أى: وأنشأ لكم- سبحانه- من الأنعام حمولة وهي ما تحملون عليه أثقالكم، كما أنشأ لكم منها فرشا وهي صغارها التي تفرش للذبائح من الضأن والمعز والإبل والبقر.والجملة معطوفة على جنات. والجهة الجامعة بينهما إباحة الانتفاع بهما.وقوله كُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ وَلا تَتَّبِعُوا خُطُواتِ الشَّيْطانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ.أى: كلوا مما رزقكم الله من هذه الثمار والزروع والأنعام وغيرها، وانتفعوا منها بسائر أنواع الانتفاع المشروعة، ولا تتبعوا وساوس الشيطان وطرقه في التحريم والتحليل كما اتبعها أهل الجاهلية، إذ حرموا ما رزقهم الله افتراء عليه، إن الشيطان عداوته، ظاهرة واضحة لكم، فهو يمنعكم مما يحفظ روحكم، ويطهر قلوبكم، فالجملة الكريمة إِنَّهُ لَكُمْ تعليل للنهى عن اتباع خطوات الشيطان.
6:143
ثَمٰنِیَةَ اَزْوَاجٍۚ-مِنَ الضَّاْنِ اثْنَیْنِ وَ مِنَ الْمَعْزِ اثْنَیْنِؕ-قُلْ ءٰٓالذَّكَرَیْنِ حَرَّمَ اَمِ الْاُنْثَیَیْنِ اَمَّا اشْتَمَلَتْ عَلَیْهِ اَرْحَامُ الْاُنْثَیَیْنِؕ- نَبِّـٴُـوْنِیْ بِعِلْمٍ اِنْ كُنْتُمْ صٰدِقِیْنَۙ(۱۴۳)
آٹھ نر و مادہ ایک جوڑا بھیڑ کا اور ایک جوڑا بکری کا، تم فرماؤ کیا اس نے دونوں نر حرام کیے یا دونوں مادہ یا وہ جسے دنوں مادہ پیٹ میں لیے ہیں (ف۲۹۳) کسی علم سے بتاؤ اگر تم سچے ہو

ثم بين القرآن بعد ذلك بعض ما كان عليه الجاهليون من جهالات، وناقشهم فيما أحلوه وحرموه مناقشة منطقية حكيمة فقال:ثَمانِيَةَ أَزْواجٍ مِنَ الضَّأْنِ اثْنَيْنِ وَمِنَ الْمَعْزِ اثْنَيْنِ.وقوله- سبحانه- ثَمانِيَةَ أَزْواجٍ بدل من حَمُولَةً وَفَرْشاً بناء على كونهما قسمين لجميع الأنعام على الراجح، وقيل أن لفظ ثمانية منصوب بفعل مضمر أى: وأنشأ لكم ثمانية أزواج، أو هو مفعول به لفعل كُلُوا وقوله وَلا تَتَّبِعُوا ... إلخ» معترض بينهما.والزوج يطلق على المفرد إذا كان معه آخر من جنسه يزاوجه ويحصل منهما النسل، وكذا يطلق على الاثنين فهو مشترك والمراد هنا الإطلاق الأول.والمعنى: ثمانية أصناف خلقها الله لكم، لتنتفعوا بها أكلا وركوبا وحملا وحلبا وغير ذلك.ثم فصل الله- تعالى- هذه الأزواج الثمانية فقال: مِنَ الضَّأْنِ اثْنَيْنِ أى. من الضأن زوجين اثنين هما الكبش والنعجة، وَمِنَ الْمَعْزِ اثْنَيْنِ أى. ومن المعز زوجين اثنين هما التيس والعنز.ثم أمر الله- تعالى- نبيه صلى الله عليه وسلم أن يبكتهم على جهلهم فقال قُلْ آلذَّكَرَيْنِ حَرَّمَ أَمِ الْأُنْثَيَيْنِ أَمَّا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ أَرْحامُ الْأُنْثَيَيْنِ.أى: قل لهم يا محمد على سبيل التوبيخ وإلزامهم الحجة. أحرم الله الذكرين وحدهما من الضأن والمعز أم الأنثيين وحدهما، أم الأجنة التي اشتملت عليها أرحام إناث الزوجين كليهما سواء أكانت تلك الأجنة ذكورا أم إناثا؟وقوله: نَبِّئُونِي بِعِلْمٍ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ أى: أخبرونى بأمر معلوم من جهته- تعالى- جاءت به الأنبياء، يدل على أنه- سبحانه- قد حرم شيئا مما حرمتموه إن كنتم صادقين في دعوى التحريم.والأمر هنا للتعجيز لأنهم لا دليل عندهم من العقل أو النقل على صحة تحريمهم لبعض الأنعام دون بعض.
6:144
وَ مِنَ الْاِبِلِ اثْنَیْنِ وَ مِنَ الْبَقَرِ اثْنَیْنِؕ-قُلْ ءٰٓالذَّكَرَیْنِ حَرَّمَ اَمِ الْاُنْثَیَیْنِ اَمَّا اشْتَمَلَتْ عَلَیْهِ اَرْحَامُ الْاُنْثَیَیْنِؕ-اَمْ كُنْتُمْ شُهَدَآءَ اِذْ وَصّٰىكُمُ اللّٰهُ بِهٰذَاۚ-فَمَنْ اَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرٰى عَلَى اللّٰهِ كَذِبًا لِّیُضِلَّ النَّاسَ بِغَیْرِ عِلْمٍؕ-اِنَّ اللّٰهَ لَا یَهْدِی الْقَوْمَ الظّٰلِمِیْنَ۠(۱۴۴)
اور ایک جوڑا اونٹ کا اور ایک جوڑا گائے کا، تم فرماؤ کیا اس نے دونوں نر حرام کیے یا دونوں مادہ یا وہ جسے دونوں مادہ پیٹ میں لیے ہیں (ف۲۹۴) کیا تم موجود تھے جب اللہ نے تمہیں یہ حکم دیا (ف۲۹۵) تو اس سے بڑھ کر ظالم کون جو اللہ پر جھوٹ باندھے کہ لوگوں کو اپنی جہالت سے گمراہ کرے، بیشک اللہ ظالموں کو راہ نہیں دکھاتا،

وقوله- تعالى- وَمِنَ الْإِبِلِ اثْنَيْنِ عطف على قوله مِنَ الضَّأْنِ اثْنَيْنِ أى: وأنشأ لكم من الإبل اثنين هما الجمل والناقة وَمِنَ الْبَقَرِ اثْنَيْنِ هما الثور وأنثاه البقرة.قُلْ إفحاما في أمر هذين النوعين أيضا آلذَّكَرَيْنِ حَرَّمَ الله- تعالى- منهما، أَمِ الْأُنْثَيَيْنِ أَمَّا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ أَرْحامُ الْأُنْثَيَيْنِ من ذينك النوعين؟قال الآلوسى: والمعنى- كما قال كثير من أجلة العلماء: إنكار ان الله- تعالى- حرم عليهم شيئا من هذه الأنواع الأربعة، وإظهار كذبهم في ذلك وتفصيل ما ذكر من الذكور والإناث وما في بطونها للمبالغة في الرد عليهم بإيراد الإنكار على كل مادة من مواد افترائهم، فإنهم كانوا يحرمون ذكور الأنعام تارة، وإناثها تارة. وأولادها كيفما كانت تارة أخرى، مسندين ذلك كله إلى الله- سبحانه-.ثم قال: وإنما لم يل المنكر- وهو التحريم- الهمزة، والجاري في الاستعمال أن ما نكر وليها لأن ما في النظم الكريم أبلغ.وبيانه- على ما قاله السكاكي- أن إثبات التحريم يستلزم إثبات محله لا محالة، فإذا انتفى محله وهو الموارد الثلاثة لزم انتفاء التحريم على وجه برهاني. كأنه وضع الكلام موضع من سلم أن ذلك قد تم، وطالبه ببيان محله كي يتبين كذبه، ويفتضح عند الحاجة.وإنما لم يورد- سبحانه- الأمر عقيب تفصيل الأنواع الأربعة، بأن يقال: قل ءآلذكور حرم أم الإناث أما اشتملت عليه أرحام الإناث، لما في التكرير من المبالغة أيضا في الإلزام والتبكيت».وقوله- تعالى- أَمْ كُنْتُمْ شُهَداءَ إِذْ وَصَّاكُمُ اللَّهُ بِهذا تكرير للإفحام والتبكيت.أى: أكنتم حاضرين حين وصاكم الله وأمركم بهذا التحريم؟ لا، ما كنتم حاضرين فمن أين لكم هذه الأحكام الفاسدة؟.فالجملة الكريمة تبكتهم غاية التبكيت على جهالاتهم وافترائهم الكذب على الله، والاستفهام في قوله- تعالى- فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللَّهِ كَذِباً لِيُضِلَّ النَّاسَ بِغَيْرِ عِلْمٍ للنفي والإنكار.أى: لا أحد أشد ظلما من هؤلاء المشركين الذين يفترون على الله الكذب بنسبتهم إليه- سبحانه- تحريم ما لم يحرمه لكي يضلوا الناس عن الطريق القويم بغير علم ولا هدى ولا كتاب منير.وقوله، بِغَيْرِ عِلْمٍ متعلق بمحذوف حال من فاعل افترى، أى: افترى عليه- تعالى- جاهلا بصدور التحريم.وإنما وصف بعدم العلم مع أن المفترى عالم بعدم الصدور، إيذانا بخروجه في الظلم عن الحدود والنهايات، لأنه إذا كان المفترى بغير علم يعد ظالما فكيف بمن يفترى الكذب وهو عالم بذلك.ثم ختمت الآية بقوله- تعالى- إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ أى لا يهديهم إلى طريق الحق بسبب ظلمهم، وإيثارهم طريق الغي على طريق الرشد.هذا، والمتأمل في هاتين الآيتين الكريمتين يراهما قد ردتا على المشركين بأسلوب له- مع سهولته وتأثيره- الطابع المنطقي الذي يزيد المؤمنين إيمانا بصحة هذا الدين، وصدق هذا القرآن، ويقطع على المعارضين والملحدين كل حجة وطريق.وتقرير ذلك- كما قال بعض العلماء- أن تطبق قاعدة (السير والتقسيم) فيقال، إن الله- تعالى- خلق من كل صنف من المذكورات نوعين: ذكرا وأنثى، وأنتم أيها المشركون حرمتم بعض هذه الأنعام، فلا يخلو الأمر في هذا التحريم من:1- أن يكون تحريما معللا بعلة.2- أو أن يكون تحريما تعبديا ملقى من الله- تعالى-.ولا جائز أن يكون تحريما معللا، لأن العلة إن كانت هي (الذكورة) فأنتم أبحتم بعض الذكور وحرمتم بعضا، فلم تجعلوا الأمر في الذكورة مطردا وإن كانت العلة هي (الأنوثة) فكذلك الأمر: حيث حرمتم بعض الإناث وحللتم بعضا، فلم تطرد العلة، ومثل هذا يقال إذا جعلت العلة هي اشتمال الرحم من الأنثى على النوعين، لأنها حينئذ تقتضي أن يكون الكل حراما فلماذا أحلوا بعضه.وهذا كله يؤخذ من قوله- تعالى- قُلْ آلذَّكَرَيْنِ حَرَّمَ أَمِ الْأُنْثَيَيْنِ أَمَّا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ أَرْحامُ الْأُنْثَيَيْنِ.فبطل إذن أن يكون التحريم معللا.ولا جائز أن يكون التحريم تعبديا لا يدرى له علة، أى: مأخوذ عن الله، لأن الأخذ عن الله إما بشهادة توصيته بذلك وسماع حكمه به، وقد أنكر هذا عليهم بقوله: أَمْ كُنْتُمْ شُهَداءَ إِذْ وَصَّاكُمُ اللَّهُ بِهذا وإما أن يكون برسول أبلغهم ذلك، وهم لم يأتهم رسول بذلك، وفي هذا يقول- جل شأنه متحديا لهم نَبِّئُونِي بِعِلْمٍ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللَّهِ كَذِباً لِيُضِلَّ النَّاسَ بِغَيْرِ عِلْمٍ.وإذن فما قالوه من التحريم إنما هو افتراء وضلال».ثم أمر الله- تعالى- رسوله صلى الله عليه وسلم بعد إلزام المشركين وتبكيتهم، وبيان أن ما يتقولونه في أمر التحريم افتراء محض- بعد كل ذلك أمره بأن يبين لهم ما حرمه الله عليهم فقال:
6:145
قُلْ لَّاۤ اَجِدُ فِیْ مَاۤ اُوْحِیَ اِلَیَّ مُحَرَّمًا عَلٰى طَاعِمٍ یَّطْعَمُهٗۤ اِلَّاۤ اَنْ یَّكُوْنَ مَیْتَةً اَوْ دَمًا مَّسْفُوْحًا اَوْ لَحْمَ خِنْزِیْرٍ فَاِنَّهٗ رِجْسٌ اَوْ فِسْقًا اُهِلَّ لِغَیْرِ اللّٰهِ بِهٖۚ-فَمَنِ اضْطُرَّ غَیْرَ بَاغٍ وَّ لَا عَادٍ فَاِنَّ رَبَّكَ غَفُوْرٌ رَّحِیْمٌ(۱۴۵)
تم فرماؤ (ف۲۹۶) میں نہیں پاتا اس میں جو میری طرف وحی ہوئی کسی کھانے والے پر کوئی کھانا حرام (ف۲۹۷) مگر یہ کہ مردار ہو یا رگوں کا بہتا خون (ف۲۹۸) یا بد جانور کا گوشت وہ نجاست ہے یا وہ بے حکمی کا جانور جس کے ذبح میں غیر خدا کا نام پکارا گیا تو جو ناچار ہوا (ف۲۹۹) نہ یوں کہ آپ خواہش کرے اور نہ یوں کہ ضرورت سے بڑھے تو بے شیک اللہ بخشنے والا مہربان ہے (ف۳۰۰)

أى: قُلْ يا محمد لهؤلاء المفترين على الله الكذب في أمر التحليل والتحريم وغيرهما لا أَجِدُ فِي ما أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً عَلى طاعِمٍ يَطْعَمُهُ.أى: لا أجد فيما أوحاه الله إلى من القرآن طعاما محرما على آكل يريد أن يأكله من ذكر أو أنثى ردا على قولهم مُحَرَّمٌ عَلى أَزْواجِنا.والجملة الكريمة تفيد أن طريق التحريم والتحليل إنما هو الوحى وليس مجرد الهوى والتشهى، وأن الأصل في الأشياء الحل إلا أن يرد نص بالتحريم.ومُحَرَّماً صفة لموصوف محذوف، أى: شيئا محرما، أو طعاما محرما، وهو المفعول الأول لأجد، أما المفعول الثاني فهو فِي ما أُوحِيَ إِلَيَّ قدم للاهتمام به.وقوله يَطْعَمُهُ في موضع الصفة لطاعم جيء به قطعا للمجاز كما في قوله وَلا طائِرٍ يَطِيرُ بِجَناحَيْهِ.ثم بين- سبحانه- ما حرمه فقال: إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً، أَوْ دَماً مَسْفُوحاً أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقاً، أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ.أى: لا أجد فيما أوحاه الله إلى الآن شيئا محرما من المطاعم إلا أن يكون هذا الشيء أو ذلك الطعام مَيْتَةً أى: بهيمة ماتت حتف أنفها.أَوْ دَماً مَسْفُوحاً أى: دما مصبوبا سائلا كالدم الذي يخرج من المذبوح عند ذبحه، لا الدم الجامد كالكبد والطحال، والسفح: الصب والسيلان.أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ فَإِنَّهُ أى اللحم لأنه المحدث عنه، أو الخنزير لأنه الأقرب أو جميع ما ذكر من الميتة والدم ولحم الخنزير.رِجْسٌ أى: قذر خبيث تعافه الطباع السليمة وضار بالأبدان أَوْ فِسْقاً أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ أى: خروجا عن الدين، لكونه عند ذبحه قد ذكر عليه غير اسمه- تعالى- من صنم أو وثن أو طاغوت أو نحو ذلك.والإهلال: رفع الصوت عند رؤية الهلال، ثم استعمل لرفع الصوت مطلقا، ومنه إهلال الصبى، والإهلال بالحج، وكانوا في الجاهلية إذا أرادوا ذبح ما قربوه إلى آلهتهم سموا عليها أسماءها- كاللات والعزى- ورفعوا بها أصواتهم، وسمى ذلك إهلالا.وإنما سمى ما أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ فسقا، لتوغله في باب الفسق، والخروج عن الشريعة الصحيحة، ومنه قوله- تعالى- وَلا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ.ثم بين- سبحانه- حكم المضطر فقال: فَمَنِ اضْطُرَّ:أى: فمن أصابته الضرورة الداعية إلى تناول شيء مما ذكر، بأن ألجئ بإكراه أو جوع مهلك- مع فقد الحلال- إلى أكل شيء من هذه المحرمات التي كانوا في الجاهلية يستحلونها، فلا إثم عليه في أكلها.واضطر: مأخوذ من الاضطرار وهو الاحتياج إلى الشيء، يقال: اضطره إليه، أى أحوجه والجأه فاضطر.ثم قيد- سبحانه- حالة الاضطرار بقوله: غَيْرَ باغٍ وَلا عادٍ.أى: فمن أصابته ضرورة قاهرة ألجأته إلى الأكل من هذه الأشياء المحرمة حالة كونه غير باغ في أكله، أى غير طالب للمحرم وهو يجد غيره. أو غير طالب له للذته، أو على جهة الاستئثار به على مضطر آخر بأن ينفرد بتناوله فيها عن الآخر.أو حالة كونه- أيضا- غير عاد فيما يأكل، أى: غير متجاوز سد الجوعة فلا إثم عليه في هذه الأحوال.وباغ: مأخوذ من البغاء وهو الطلب تقول: بغيته بغاء وبغى بغية وبغية أى: طلبته.وعاد: اسم فاعل بمعنى متعد، تقول: فلان عدا طوره إذا تجاوز حده وتعداه إلى غيره فهو عاد، ومنه قوله- تعالى- بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ عادُونَ.وقوله فَإِنَّ رَبَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ أى: فإن ربك واسع المغفرة والرحمة لا يؤاخذ المضطرين، ولا يكلف الناس بما فوق طاقتهم، وإنما هو رءوف رحيم بهم يريد بهم اليسر ولا يريد بهم العسر.والجملة الكريمة جواب الشرط باعتبار لازم المعنى وهو عدم المؤاخذة. وقيل جواب الشرط محذوف: أى فمن اضطر، فلا مؤاخذة عليه وهذه الجملة تعليل له.هذا، والآية الكريمة ليس المقصود منها حصر المحرمات في هذه الأربعة وإنما المقصود منها الرد على مزاعم المشركين فيما حرموه بغير علم من البحائر والسوائب وغيرها.قال ابن كثير: الغرض من سياق هذه الآية الرد على المشركين الذين ابتدعوا ما ابتدعوه من تحريم المحرمات على أنفسهم بآرائهم الفاسدة من البحيرة والسائبة والوصيلة والحام ونحو ذلك. فأمر- تعالى- رسوله أنه لا يجد فيما أوحاه الله إليه أن ذلك محرم، وأن الذي حرمه هو الميتة وما ذكر معها وما عدا ذلك فلم يحرم، وإنما هو عفو مسكوت عنه. فكيف تزعمون أنه حرام؟! ومن أين حرمتموه ولم يحرمه الله- تعالى-؟! وعلى هذا فلا ينفى تحريم أشياء أخر فيما بعد هذا. كما جاء النهى عن الحمر الأهلية ولحوم السباع وكل ذي مخلب من الطير».وقال القرطبي: والآية مكية، ولم يكن في الشريعة في ذلك الوقت محرم غير هذه الأشياء، ثم نزلت سورة المائدة بالمدينة وزيد في المحرمات كالمنخنقة والموقوذة والمتردية والنطيحة وغير ذلك، وحرم رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة أكل كل ذي ناب من السباع وكل ذي مخلب من الطير، وقد اختلف العلماء في حكم هذه الآية وتأويلها على أقوال:الأول: ما أشرنا إليه من أن هذه الآية مكية وكل محرم حرمه رسول الله أو جاء في الكتابمضموم إليها، فهو زيادة حكم من الله على لسان نبيه. على هذا أكثر أهل العلم من أهل النظر والفقه والأثر».والخلاصة: أن الآية الكريمة ليس المقصود منها حصر المحرمات في هذه الأربعة وإنما المقصود منها الرد على مزاعم المشركين، وذلك أن الكفار. كما قال الإمام الشافعى- لما حرموا ما أحل الله وأحلوا ما حرمه الله وكانوا على المضادة والمحادة جاءت الآية مناقضة لغرضهم، فكأنه قال- سبحانه- لا حلال إلا ما حرمتموه ولا حرام إلا ما أحللتموه، نازلا منزلة من يقول:لا تأكل اليوم حلاوة. فتقول: لا آكل اليوم إلا الحلاوة، والغرض المضادة لا للنفي والإثبات على الحقيقة.فهو- تعالى- لم يقصد حل ما وراء الميتة والدم ولحم الخنزير وما أهل لغير الله به، إذ القصد إثبات التحريم لا إثبات الحل.قال امام الحرمين: وهذا في غاية الحسن، ولولا سبق الشافعى إلى ذلك لما كنا نستجيز مخالفة مالك- رضى الله عنه- في حصر المحرمات فيما ذكرته الآية».وفي حكم هذه الآية وتأويلها أقوال أخرى بسطها العلماء فارجع إليها إذا شئت.
6:146
وَ عَلَى الَّذِیْنَ هَادُوْا حَرَّمْنَا كُلَّ ذِیْ ظُفُرٍۚ-وَ مِنَ الْبَقَرِ وَ الْغَنَمِ حَرَّمْنَا عَلَیْهِمْ شُحُوْمَهُمَاۤ اِلَّا مَا حَمَلَتْ ظُهُوْرُهُمَاۤ اَوِ الْحَوَایَاۤ اَوْ مَا اخْتَلَطَ بِعَظْمٍؕ-ذٰلِكَ جَزَیْنٰهُمْ بِبَغْیِهِمْ ﳲ وَ اِنَّا لَصٰدِقُوْنَ(۱۴۶)
اور یہودیوں پر ہم نے حرام کیا ہر ناخن والا جانور (ف۳۰۱) اور گائے اور بکری کی چربی ان پر حرام کی مگر جو ان کی پیٹھ میں لگی ہو یا آنت یا ہڈی سے ملی ہو، ہم نے یہ ان کی سرکشی کا بدلہ دیا (ف۳۰۲) اور بیشک ہم ضرور سچے ہیں،

ثم بين - سبحانه - بعد ذلك ما حرمه الله على اليهود بسبب ظلمهم وبغيهم فقال - تعالى - وَعَلَى الذين هَادُواْ حَرَّمْنَا كُلَّ ذِي ظُفُرٍ .فقوله - تعالى - وَعَلَى الذين هَادُواْ حَرَّمْنَا بيان لما حرمه الله - تعالى - على بنى إسرائيل جزاء ظلمهم ، وفى هذا البيان رد على اليهود ، وتكذيب لهم ، إذ زعموا أن الله لم يحرم عليهم شيئاً ، وإنما هم حرموا على أنفسهم ما حرمه إسرائيل على نفسه ، فجاءت هذه الآية الكريمة لتبين بعض ما حرمه الله عليهم من الطيبات - التى كانت حلالا لهم - بسبب فسقهم وطغيانهم .والمراد بقوله تعالى كُلَّ ذِي ظُفُرٍ ما ليس بمنفرج الأصابع من البهائم والطير ، كالإبل والنعام والإوز والبط ، كما روى عن ابن عباس وسعيد ابن جبير وقتادة .قال الإمام الرازى : قوله - تعالى - : وَعَلَى الذين هَادُواْ حَرَّمْنَا كُلَّ ذِي ظُفُرٍ يفيد تخصيص هذه الحرمة بهم من وجهين :الأول : أن قوله - تعالى - وَعَلَى الذين هَادُواْ حَرَّمْنَا كذا وكذا يفيد الحصر فى اللغة ، لتقدم المعمول على عامله .الثانى : أنه لو كانت هذه الحرمة ثابتة فى حق الكل لم يبق لقوله وَعَلَى الذين هَادُواْ حَرَّمْنَا فائدة .ثم بين - سبحانه - ما حرم عليهم من غير ذوى الظفر فقال - تعالى - : وَمِنَ البقر والغنم حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ شُحُومَهُمَآ إِلاَّ مَا حَمَلَتْ ظُهُورُهُمَا أَوِ الحوايآ أَوْ مَا اختلط بِعَظْمٍ .والشحم : هو المادة الدهنية التى تكون فى الحيوان وبها يكون لحمه سمينا والعرب تسمى سنام البعير ، وبياض البطن شحماً ، وغلب إطلاق الشحم على ما يكون فوق أمعاء الحيوان .والحوايا : - كما قال ابن جرير - جمع حاوياء وحاوية ، وحوية هى ما تحوى من البطن فاجتمع واستدار ، وفسرت بالمباعر ، والمرابض التى هي مجتمع الأمعاء فى البطن .والمعنى : كما حرمنا على اليهود كل ذى ظفر ، فقد حرمنا عليهم كذلك من البقر والغنم شحومهما الزائدة التى تنتزع بسهولة ، إلا ما استثنيناه من هذه الشحون وهو ما حملت ظهورهما او ما حملت حواياهما ، أو اختلط من هذه الشحوم بعظمهما . فقد أحللناه لهم .ثم بين - سبحانه - أن هذا التحريم كان نتيجة لطغيانهم فقال تعالى : ذلك جَزَيْنَاهُم بِبَغْيِهِمْ وِإِنَّا لَصَادِقُونَ أى : هذا الذى حرمناه على الذين هادوا من الأنعام والطير ومن البقر والغنم ، وهذا التضييق الذى حكمنا به عليهم ، إنما ألزمناهم به ، بسبب بغيهم وظلمهم ، وتعديهم حدود الله تعالى .قال قتادة : إنما حرم الله عليهم ما ليس بخبيث عقوبة لهم وتشديداً عليهم .ولما كان هذا النبأ عن شريعة اليهود ، من الأنباء التى لم يكن النبى صلى الله عليه وسلم وقومه يعلمون عنها شيئاً لأميتهم ، وكان تكذيب اليهود له بأن الله لم يحرم ذلك عليهم عقوبة لهم ، لما كان الأمر كذلك ، أكد الله هذا النبأ بقوله : وِإِنَّا لَصَادِقُونَ . أى : وإنا لصادقون - يا محمد - فيما أخبرناك به ، ومن بينه ما أعلمناك عنه مما حرمناه على اليهود من الطيبات وهم الكاذبون فى زعمهم أن ذلك إنما حرمه إسرائيل على نفسه ، وأنهم إنما حرموه لتحريم إسرائيل إياه على نفسه .ومع أن الشحوم جميعها باستثناء ما أحله لهم منها محرمة عليهم ، فإنهم تحايلوا على شرع الله ، وأخذوا يذيبونها ويستعملونها فى شئونهم المختلفة أو يبيعونها ويأكلون ثمنها ، ولقد لعنهم النبى صلى الله عليه وسلم بسبب هذا التحايل فى أحاديث متعددة .من ذلك ما روى عن ابن عباس - رضى الله عنهما - أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان قاعداً خلف المقام ، فرفع بصره إلى السماء وقال : " لعن الله اليهود - ثلاثا - إن الله حرم عليهم الشحوم فباعوها وأكلوا ثمنهان وإن الله لم يحرم على قوم أكل شىء إلا حرم عليهم ثمنه " .وعن جابر بن عبد الله قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول عام الفتح " إن الله حرم بيع الخمر والميتة والخنزير والأصنام فقيل يا رسول الله أرأيت شحوم الميتة فإنها يدهن بها الجلود ، وتطلى بها السفن ويستصبح بها الناس ، فقال : " لا . هو حرام " ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم عند ذلك " قاتل الله اليهود " ، إن الله لما حرم عليهم شحومها جملوها . أى : أذابوها ثم باعوها وأكلوا ثمنها " .
6:147
فَاِنْ كَذَّبُوْكَ فَقُلْ رَّبُّكُمْ ذُوْ رَحْمَةٍ وَّاسِعَةٍۚ-وَ لَا یُرَدُّ بَاْسُهٗ عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِیْنَ(۱۴۷)
پھر اگر وہ تمہیں جھٹلائیں تو تم فرماؤ کہ تمہارا رب وسیع رحمت والا ہے (ف۳۰۳) اور اس کا عذاب مجرموں پر سے نہیں ٹالا جاتا (ف۳۰۴)

ثم حذرهم الله من الكفر والطغيان، فقال- تعالى-: فَإِنْ كَذَّبُوكَ فَقُلْ رَبُّكُمْ ذُو رَحْمَةٍ واسِعَةٍ، وَلا يُرَدُّ بَأْسُهُ عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ أى: فإن كذبك- يا محمد- هؤلاء اليهود وأمثالهم من المشركين، فيما أخبرناك عنه من أنا حرمنا على هؤلاء اليهود بعض الطيبات عقوبة لهم، فقل لهم. إن الله- تعالى- ذو رحمة واسعة حقا ورحمته وسعت كل شيء، ومن مظاهر رحمته أنه لا يعاجل من كفر به بالعقوبة، ولا من عصاه بالنقمة، ولكن ذلك لا يقتضى أن يرد بأسه، أو يمنع عقابه عن القوم المصرين على إجرامهم المستمرين على اقتراف المنكرات، وارتكاب السيئات.فالآية الكريمة قد جاءت لتزجرهم عن البغي والكفران، حتى يعودوا إلى طريق الحق. إن كانوا ممن ينتفع بالذكرى، ويعتبر بالموعظة.ثم حكى القرآن بعد ذلك شبهة من الشبهات الباطلة التي تمسك بها المشركون في شركهم وجهالاتهم ورد عليها بما يبطلها ويخرس ألسنة قائليها أو المتذرعين بها فقال:
6:148
سَیَقُوْلُ الَّذِیْنَ اَشْرَكُوْا لَوْ شَآءَ اللّٰهُ مَاۤ اَشْرَكْنَا وَ لَاۤ اٰبَآؤُنَا وَ لَا حَرَّمْنَا مِنْ شَیْءٍؕ-كَذٰلِكَ كَذَّبَ الَّذِیْنَ مِنْ قَبْلِهِمْ حَتّٰى ذَاقُوْا بَاْسَنَاؕ-قُلْ هَلْ عِنْدَكُمْ مِّنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوْهُ لَنَاؕ-اِنْ تَتَّبِعُوْنَ اِلَّا الظَّنَّ وَ اِنْ اَنْتُمْ اِلَّا تَخْرُصُوْنَ(۱۴۸)
اب کہیں گے مشرک کہ (ف۳۰۵) اللہ چاہتا تو نہ ہم شرک کرتے نہ ہمارے باپ دادا نہ ہم کچھ حرام ٹھہراتے (ف۳۰۶) ایسا ہی ان کے اگلوں نے جھٹلایا تھا یہاں تک کہ ہمارا عذاب چکھا (ف۳۰۷) تم فرماؤ کیا تمہارے پاس کوئی علم ہے کہ اسے ہمارے لیے نکالو، تم تو نرے گمان (خام خیال)کے پیچھے ہو اور تم یونہی تخمینے کرتے ہو (ف۳۰۸)

إن هذه الآيات الكريمة تعرض لشبهة قديمة جديدة: قديمة لأن كثيرا من مجادلى الرسل موهوا بها، وحديثة لأنها دائما تراود كثيرا من المتمسكين بالأوهام في سبيل إرضاء نزواتهم من المتع الباطلة والشهوات المحرمة.إنهم يقولون عند ما يرتكبون القبائح والمنكرات: هذا أمر الله، وهذا قضاؤه، وتلك مشيئته وإرادته، ولو شاء الله عدم فعلنا لهذه الأشياء لما فعلناها وإذا كان الله قد قضى علينا بها فما ذنبنا؟ ولماذا يعاقبنا عليها؟ إلى غير ذلك من اللغو الباطل، والكلام العابث الذي يريدون من ورائه التحلل من أوامر الله ونواهيه.ولنتدبر سويا أيها القارئ الكريم- هذه الآيات، وهي تحكى تلك الشبهات الباطلة، ثم تقذفها بالحق الواضح، والبرهان القاطع، فإذا هي زاهقة.يقول- سبحانه- سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شاءَ اللَّهُ ما أَشْرَكْنا وَلا آباؤُنا وَلا حَرَّمْنا مِنْ شَيْءٍ.أى: سيقول هؤلاء المشركون لو شاء الله- تعالى- ألا نشرك به وألا يشرك به آباؤنا من قبلنا، لنفذت مشيئته، ولما أشركنا نحن ولا آباؤنا.ولو شاء كذلك ألا نحرم شيئا مما حرمناه من الحرث والأنعام وغيرها لتمت مشيئته ولما حرمنا شيئا مما حرمنا.ولكنه- سبحانه- لم يشأ ذلك، بل شاء لنا أن نشرك معه في العبادة هذه الأصنام، وأن نحرم ما نحرم من الحرث والأنعام وقد رضى لنا ذلك فلماذا تطالبنا يا محمد بتغيير مشيئة الله، وتدعونا إلى الدخول في دينك الذي لم يشأ الله دخولنا فيه؟.قال الآلوسى ما ملخصه: «وهم لم يريدوا بهذا الكلام الاعتذار عن ارتكاب القبيح، لأنهم لم يعتقدوا قبح أفعالهم وإنما مرادهم من هذا القول الاحتجاج على أن ما ارتكبوه- من الشرك والتحريم- حق ومشروع ومرضى عند الله، بناء على أن المشيئة والإرادة تسابق الأمر وتستلزم الرضا، فيكون حاصل كلامهم:إن ما نرتكبه من الشرك والتحريم وغيرهما تعلقت به مشيئة الله وإرادته، وكل ما تعلقت به مشيئة الله وإرادته فهو مشروع ومرضى عنده. فينتج أن ما نرتكبه من الشرك والتحريم مشروع ومرضى عند الله».وقد حكى القرآن في كثير من آياته ما يشبه قولهم هذا، ومن ذلك قوله- تعالى- وَقالَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شاءَ اللَّهُ ما عَبَدْنا مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ نَحْنُ وَلا آباؤُنا وَلا حَرَّمْنا مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ، كَذلِكَ فَعَلَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ.وقوله- تعالى- وَقالُوا لَوْ شاءَ الرَّحْمنُ ما عَبَدْناهُمْ ما لَهُمْ بِذلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ. وقد رد القرآن على قولهم بما يبطله فقال: كَذلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ حَتَّى ذاقُوا بَأْسَنا.أى: مثل هذا التكذيب من مشركي مكة للرسول صلى الله عليه وسلم فيما جاء به من إبطال الشرك، قد كذب الذين من قبلهم لرسلهم، واستمروا في تكذيبهم لهم حتى أنزلنا على هؤلاء المكذبين عذابنا ونقمتنا.ومن مظاهر تكذيب هؤلاء المشركين لرسلهم، أنهم عند ما قال لهم الرسل عليهم السلام- اعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا. كذبوهم واحتجوا عليهم بأن ما هم عليه من شرك واقع بمشيئة الله، وزعموا أنه ما دام كذلك فهو مرضى عنده- سبحانه- فكان الرد عليهم بأنه لو كان هذا الشرك وغيره من قبائحهم مرضيا عنده- سبحانه-: لما أذاق أسلافهم المكذبين- الذين قالوا لرسلهم مثل قولهم- عذابه ونقمته. ولما أخذهم أخذ عزيز مقتدر.قال الآلوسى ما ملخصه: وحاصل هذا الرد أن كلام المشركين يتضمن تكذيب الرسل وقد دلت المعجزة على صدقهم، ولا يخفى أن المقدمة الأولى وهي أن كل شيء بمشيئة الله:لا تكذيب فيها، بل هي متضمنة لتصديق ما تطابق فيه العقل والشرع من كون كل شيء بمشيئة الله، وامتناع أن يجرى في ملكه خلاف ما يشاء. فمنشأ التكذيب هو المقدمة الثانية، وهي أن كل ما تعلقت به مشيئة الله وإرادته فهو مشروع ومرضى عنه، لأن الرسل عليهم السلام:يدعونهم إلى التوحيد ويقولون لهم: إن الله لا يرضى لعباده الكفر دينا ولا يأمر بالفحشاء، فيكون قولهم: إن ما نرتكبه مشروع ومرضى عنده سبحانه: تكذيب لقول الرسل. وحيث كان فساد هذه الحجة باعتبار المقدمة الثانية تعين أنها ليست بصادقة، وحينئذ يصدق نقيضها وهي أنه ليس كل ما تعلقت به المشيئة والإرادة بمشروع ومرضى عنده- سبحانه- بناء على أن الإرادة لا تساوق الأمر.ثم بعد هذا الرد المفحم للمشركين أمر الله: تعالى: رسوله أن يطالبهم بدليل على مزاعمهم فقال: قُلْ هَلْ عِنْدَكُمْ مِنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنا.أى: قل لهم يا محمد على سبيل التوبيخ والتعجيز: هل عندكم من علم ثابت تعتمدون عليه في قولكم لَوْ شاءَ اللَّهُ ما أَشْرَكْنا! إن كان عندكم هذا العلم فأخرجوه لنا لنتباحث معكم فيه، ونعرضه على ما جئتكم به من آيات بينة ودلائل ساطعة. فإن العاقل هو الذي لا يتكلم بدون علم، ولا يحيل على مشيئة الله التي لا ندري عنها شيئا.ومِنْ في قوله مِنْ عِلْمٍ زائدة، وعلم مبتدأ، وعندكم خبر مقدم.وقوله: فَتُخْرِجُوهُ منصوب بأن المضمرة بعد فاء السببية الواقعة بعد الاستفهام الإنكارى.ثم بين حقيقة حالهم فقال: إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ أَنْتُمْ إِلَّا تَخْرُصُونَ.أى: أنتم لستم على شيء ما من العلم، بل ما تتبعون في أقوالكم وأعمالكم وعقائدكم إلا الظن الباطل الذي لا يغنى من الحق شيئا. وما أنتم إلا تخرصون أى تكذبون على الله فيما ادعيتموه.وأصل الخرص: القول بالظن. يقال: خرصت النخل خرصا- من باب قتل- حزرت ثمره وقدرته بالظن والتخمين، واستعمل في الكذب لما يداخله من الظنون الكاذبة، فيقال:خرص في قوله- كنصر- أى كذب.
6:149
قُلْ فَلِلّٰهِ الْحُجَّةُ الْبَالِغَةُۚ-فَلَوْ شَآءَ لَهَدٰىكُمْ اَجْمَعِیْنَ(۱۴۹)
تم فرماؤ تو اللہ ہی کی حجت پوری ہے (ف۳۰۹) تو وہ چاہتا تو سب کی ہدایت فرماتا،

وبعد أن نفى- سبحانه- عنهم أدنى ما يقال له علم وحصر ما هم عليه من دين في أدنى مراتب الظن مع أن أعلاها لا يغنى من الحق شيئا، ووصمهم بالكذب فيما يدعون، بعد كل ذلك أثبت لذاته- سبحانه- في مقابلة ذلك الحجة العليا التي لا تعلوها حجة فقال:قُلْ فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبالِغَةُ، فَلَوْ شاءَ لَهَداكُمْ أَجْمَعِينَ.الحجة: كما قال الراغب في مفرداته: الدلالة المبينة للمحجة، أى: المقصد المستقيم.أى: قل أيها الرسول الكريم لهؤلاء المشركين الذين بنوا قواعد دينهم على الظن والكذب بعد أن عجزوا عن الإثبات بأدنى دليل على مزاعمهم، قل لهم: لله وحده الحجة البالغة. أى البينة الواضحة التي بلغت أعلى درجات العلم والقوة والمتانة، والتي وصلت إلى أعلى درجات الكمال في قطع عذر المحجوج وإزالة الشكوك عمن تدبرها وتأملها.وقوله. فَلَوْ شاءَ لَهَداكُمْ أَجْمَعِينَ أى: لو شاء- سبحانه- هدايتكم جميعا لفعل لأنه لا يعجزه شيء، ولكنه لم يشأ ذلك، بل شاء هداية البعض لأنهم صرفوا اختيارهم إلى سلوك طريق الحق، وشاء ضلالة آخرين، لأنهم صرفوا اختيارهم إلى سلوك طريق الباطل.ونريد أن نزيد هذه الشبهة القديمة الحديثة تمحيصا وكشفا ودفعا فنقول لأولئك الذين يبررون ارتكابهم للموبقات بأنها واقعة بمشيئة الله.نحن معكم في أنه لا يقع في ملكه- سبحانه- إلا ما يشاؤه، فالطائع تحت المشيئة والعاصي تحت المشيئة، ولكن المشيئة لم تجبر أحدا على طاعة أو معصية وقضاء الله وقدره هو علمه بكل ما هو كائن قبل أن يكون، وليس العلم صفة تأثير وجبر.ولقد شاء الله- تعالى- أن يجعل في طبيعة البشر الاستعداد للخير والشر، ووهبهم العقل ليهتدوا به وأرسل إليهم الرسل لينمو فيهم استعدادهم وسن لهم شريعة لتكون مقياسا ثابتا لما يأخذون وما يدعون، كي لا يتركهم لعقولهم وحدها.وإذن فمشيئة الله متحققة حسب سنته التي ارتضاها مختارا- وهو قادر على اختيار غيرها وعلى تغييرها وتبديلها- متحققة سواء اتخذ العبد طريقه إلى الهدى أو إلى الضلال، وهو مؤاخذ إن ضل ومأجور إذا اهتدى. غير أن سنة الله اقتضدت أن من يفتح عينه يبصر النور، ومن يغمضها لا يراه، كذلك من يفتح قلبه لإدراك دلائل الإيمان يهتدى. ومن يحجب قلبه عنها يضل، سنة الله ولن تجد لسنة الله تبديلا.وإذن فزعم الزاعمين بأن الله شاء هذا على معنى أنه أجبرهم عليه فهم لا يستطيعون عنه فكاكا، إنما هو زعم باطل لا سند له من العلم والتفكير الصحيح فإن المشيئة الإلهية لها سنة تقيدت بها، وهذه السنة هي أنه لا جبر على طاعة ولا قسر على معصية.وتقرير ذلك يؤخذ من قوله- تعالى- قُلْ فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبالِغَةُ فَلَوْ شاءَ لَهَداكُمْ أَجْمَعِينَ أى: فلو شاء أن يكرهكم ويفرض هدايتكم بقدرته وقدره لهداكم، ولكنه لم يشأ إجباركم على الضلالة، فهي مشيئة المنح والتيسير وليست مشيئة الإلجاء والتسخير قال- تعالى- فَأَمَّا مَنْ أَعْطى وَاتَّقى وَصَدَّقَ بِالْحُسْنى فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرى وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنى وَكَذَّبَ بِالْحُسْنى فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرى.
6:150
قُلْ هَلُمَّ شُهَدَآءَكُمُ الَّذِیْنَ یَشْهَدُوْنَ اَنَّ اللّٰهَ حَرَّمَ هٰذَاۚ-فَاِنْ شَهِدُوْا فَلَا تَشْهَدْ مَعَهُمْۚ-وَ لَا تَتَّبِـعْ اَهْوَآءَ الَّذِیْنَ كَذَّبُوْا بِاٰیٰتِنَا وَ الَّذِیْنَ لَا یُؤْمِنُوْنَ بِالْاٰخِرَةِ وَ هُمْ بِرَبِّهِمْ یَعْدِلُوْنَ۠(۱۵۰)
تم فرماؤ لاؤ اپنے وہ گواہ جو گواہی دیں کہ اللہ نے اسے حرام کیا (ف۳۱۰) پھر اگر وہ گواہی دے بیٹھیں (ف۳۱۱) تو تُو اے سننے والے! ان کے ساتھ گواہی نہ دینا اور ان کی خواہشوں کے پیچھے نہ چلنا جو ہماری آیتیں جھٹلاتے ہیں اور جو آخرت پر ایمان نہیں لاتے اور اپنے رب کا برابر والا ٹھہراتے ہیں(ف۳۱۲)

ثم أمر الله- تعالى- رسوله صلى الله عليه وسلم بأن يطالب المشركين بإحضار من يشهد لهم بأن الله قد حرم عليهم ما زعموا تحريمه من الحرث والأنعام وغيرها فقال:قُلْ هَلُمَّ شُهَداءَكُمُ الَّذِينَ يَشْهَدُونَ أَنَّ اللَّهَ حَرَّمَ هذا.هلم: لفظ يقصد به الدعوة إلى الشيء، وهي اسم فعل بمعنى أقبل إذا كان لازما، وبمعنى أحضر وائت إذا كان متعديا كما هنا، ويستوي فيه الواحد والمثنى والجمع والمذكر والمؤنث في لغة الحجازيين.أى: أحضروا شهداءكم الذين يشهدون أن الله حرم عليكم هذا الذي زعمتم تحريمه، وهم كبراؤهم الذين أسسوا ضلالهم.والمقصود من إحضارهم تفضيحهم وإلزامهم الحجة، وإظهار أنه لا متمسك لهم كمقلدين، ولذلك قيد الشهداء بالإضافة، ووصفوا بما يدل على أنهم شهداء معروفون بالشهادة لهم وبنصر مذهبهم.ثم قال- سبحانه- فَإِنْ شَهِدُوا فَلا تَشْهَدْ مَعَهُمْ أى: فإن فرض إحضار هؤلاء الشهود الذين عرفوا بضلالهم فلا تصدقهم ولا تقبل شهادتهم ولا تسلمها لهم بالسكوت عليها فإن السكوت عن الباطل في مثل هذا المقام كالشهادة به وإنما عليك أن تبين لهم بطلان زعمهم بواسطة ما آتاك الله من حجج وبينات.قال صاحب الكشاف: فإن قلت: كيف أمره باستحضار شهدائهم الذين يشهدون أن الله حرم ما زعموه محرما ثم أمره بأن لا يشهد معهم؟ قلت: أمره باستحضارهم وهم شهداء بالباطل ليلزمهم الحجة ويلقمهم الحجر، ويظهر للمشهود لهم بانقطاع الشهداء أنهم ليسوا على شيء لتساوى أقدام الشاهدين والمشهود لهم في أنهم لا يرجعون إلى ما يصح التمسك به. وقوله فَلا تَشْهَدْ مَعَهُمْ يعنى فلا تسلم لهم ما شهدوا به ولا تصدقهم، لأنه إذا سلم لهم فكأنه شهيد معهم مثل شهادتهم وكان واحدا منهم .ثم قال- سبحانه- وَلا تَتَّبِعْ أَهْواءَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا أى: ولا تتبع أهواء هؤلاء الناس الذين كذبوا بآياتنا التي أنزلها الله عليك لتكون هداية ونورا لقوم يعقلون، فإن شهادتهم- إن وقعت- فإنما هي صادرة عن هوى وضلال.ولم يقل- سبحانه- ولا تتبع أهواءهم بل قال: ولا تتبع أهواء الذين كذبوا، فوضع الظاهر موضع الضمير لبيان أن المكذب بهذه الآيات والحجج الظاهرة إمعانا في التمسك بتقاليده الباطلة، إنما هو صاحب هوى وظن لا صاحب علم وحجة.وقوله وَالَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ وَهُمْ بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ عطف على الموصوف قبله لتعدد صفاتهم القبيحة.أى: ولا تتبع أهواء الذين يجمعون بين تكذيب آيات الله، وبين الكفر بالآخرة، وبين جعلهم لله عديلا أى شريكا مع أنه- سبحانه- هو الخالق لكل شيء، لأن هذه الصفات لا تؤهلهم لشهادة حق، ولا للثقة بهم، وإنما للاحتقار في الدنيا، ولسوء العذاب في الآخرة.وإلى هنا تكون السورة الكريمة قد حكت في بضع عشرة آية جانبا من رذائل المشركين وسخف تقاليدهم وعبث أهوائهم وفساد معاذيرهم وبطلان شبهاتهم وردت عليهم بما يخرس ألسنتهم، ويبطل حجتهم، فيما أحلوه وحرموه في شأن النذور والذبائح والمطاعم والمشارب وغير ذلك مما حكته الآيات الكريمة.ثم تنتقل السورة بعد ذلك إلى أفق أرحب وأوسع، وإلى ميدان أفسح وأشمل فتناديهم بأسلوب مؤثر بليغ ليستمعوا إلى ما حرم الله عليهم فيجتنبوه وإلى ما كلفهم به فيعملوه، تناديهم ليتدبروا في الأصول الكلية التي تقوم عليها العقيدة السليمة، ويسعد بها المجتمع، ويحيا في ظلها الأفراد والجماعات في أمان واطمئنان. تناديهم ليسمعوا البيان الصحيح الحق فيما أحل الله وحرم من الأفعال والأقوال ليسمعوه ممن له وحده الحق في أن يقوله، وفي أن يتلقى عنه تناديهم فتقول:
6:151
قُلْ تَعَالَوْا اَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَیْكُمْ اَلَّا تُشْرِكُوْا بِهٖ شَیْــٴًـا وَّ بِالْوَالِدَیْنِ اِحْسَانًاۚ-وَ لَا تَقْتُلُوْۤا اَوْلَادَكُمْ مِّنْ اِمْلَاقٍؕ-نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَ اِیَّاهُمْۚ-وَ لَا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَ مَا بَطَنَۚ-وَ لَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِیْ حَرَّمَ اللّٰهُ اِلَّا بِالْحَقِّؕ-ذٰلِكُمْ وَصّٰىكُمْ بِهٖ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُوْنَ(۱۵۱)
تم فرماؤ آؤ میں تمہیں پڑھ کر سناؤں جو تم پر تمہارے رب نے حرام کیا (ف۳۱۳) یہ کہ اس کا کوئی شریک نہ کرو اور ماں باپ کے ساتھ بھلائی کرو (ف۳۱۴) اور اپنی اولاد قتل نہ کرو مفلسی کے باعث، ہم تمہیں اور انہیں سب کو رزق دیں گے (ف۲۱۵) اور بے حیائیوں کے پاس نہ جاؤ جو ان میں کھلی ہیں اور جو چھپی (ف۳۱۶) اور جس جان کی اللہ نے حرمت رکھی اسے ناحق نہ مارو (ف۳۱۷) یہ تمہیں حکم فرمایا ہے کہ تمہیں عقل ہو

إن المتأمل في هذه الآيات يراها قد رسمت للإنسان علاقته بربه علاقة ينال بها السعادة والثواب، ورسمت له علاقته بأسرته بحيث تقوم على المودة والمحبة وسدت في وجهه أبواب الشر التي تؤدى إلى انتهاك حرمات الأنفس والأموال والأعراض، وقد أطلق العلماء على هذه الآيات الكريمة اسم «الوصايا العشر» نظرا لتذييل آياتها الثلاث بقوله- تعالى- ذلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ.روى الترمذي- بسنده- عن ابن مسعود أنه قال: من سره أن ينظر إلى وصية محمد التي عليها خاتمه فليقرأ هذه الآيات قُلْ تَعالَوْا أَتْلُ. إلى قوله: لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ.وروى الحاكم وصححه، وابن أبى حاتم عن عبادة بن الصامت قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«أيكم يبايعني على هؤلاء الآيات الثلاث، ثم تلا قوله- تعالى-: قُلْ تَعالَوْا أَتْلُ. حتى فرغ منها ثم قال: من وفى بهن فأجره على الله، ومن انتقص منهن شيئا فأدركه الله في الدنيا كانت عقوبته، ومن أخره إلى الآخرة كان أمره إلى الله، إن شاء الله أخذه، وإن شاء عفا عنه».وروى البيهقي عن على بن أبى طالب- رضى الله عنه- قال: لما أمر الله نبيه صلى الله عليه وسلم أن يعرض نفسه على قبائل العرب، خرج إلى منى وأنا وأبو بكر معه، فوقف رسول الله صلى الله عليه وسلم على منازل القوم ومضاربهم. فسلم عليهم وردوا السلام، وكان في القوم مفروق بن عمرو وهاني بن قبيصة والمثنى بن حارثة، والنعمان بن شريك، وكان مفروق بن عمر وأغلب القوم لسانا وأفصحهم بيانا، فالتفت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال له:إلام تدعو يا أخا قريش؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم أدعوكم إلى شهادة أن أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأنى رسول الله، وأن تؤوونى وتنصروني وتمنعوني حتى أؤدي حق الله الذي أمرنى به، فإن قريشا تظاهرت على أمر الله وكذبت رسوله واستغنت بالباطل عن الحق، والله هو الغنى الحميد.فقال له مفروق: وإلام تدعو أيضا يا أخا قريش؟ فتلا رسول الله صلى الله عليه وسلم قُلْ تَعالَوْا أَتْلُ ما حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ. إلى آخر الآيات الثلاث.فقال له مفروق: وإلام تدعو أيضا يا أخا قريش؟ فو الله ما هذا من كلام أهل الأرض ولو كان من كلامهم لعرفناه. فتلا رسول الله صلى الله عليه وسلم إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسانِ. الآية.فقال له مفروق: دعوت والله يا أخا قريش إلى مكارم الأخلاق، ومحاسن الأعمال، وقد أفك قوم كذبوك وظاهروا عليك.وقال هانئ بن قبيصة: قد سمعت مقالتك، واستحسنت قولك يا أخا قريش، ويعجبني ما تكلمت به، فبشرهم الرسول- إن آمنوا- بأرض فارس وأنهار كسرى. فقال له النعمان:اللهم وإن ذلك لك يا أخا قريش؟ فتلا رسول الله صلى الله عليه وسلم يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْناكَ شاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً. وَداعِياً إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِراجاً مُنِيراً ثم نهض رسول الله صلى الله عليه وسلم.هذا جانب من فضائل هذه الآيات الثلاث، وذلك هو تأثيرها في نفوس العرب، والآن فلنبدأ في التفسير التحليلى لها فنقول:لقد بدئت الآيات بقوله- تعالى- قُلْ تَعالَوْا أَتْلُ ما حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ.أى: قل أيها الرسول الكريم لهؤلاء الذين حللوا وحرموا حسب أهوائهم، تعالوا إلى وأقبلوا نحوي لأبين لكم ما حرمه ربكم عليكم، ولأتلو على مسامعكم ما أمركم به، وما نهاكم عنه خالقكم ومربيكم، فإنكم إن أقبلتم نحوي وأطعمتمونى سعدتم في دينكم ودنياكم.وفي تصدير هذه الوصايا بكلمة قُلْ إشعار من أول الأمر بأن هذا بيان إليه، ليس الرسول فيه إلا ناقلا مبلغا، وفيه- أيضا- دلالة على أن المأمور به يحتاج إلى مزيد عناية واهتمام وقد سبق أن بينا أن سورة الأنعام زاخرة بهذا الأسلوب التلقينى الذي يبدأ بكلمة قُلْ.والأصل في كلمة تعال أن يقولها من كان في مكان عال لمن هو أسفل منه، ثم اتسع فيها حتى عمت، وهي تتضمن إرادة تخليص المخاطبين ورفعتهم من انحطاط هم فيه إلى علو يراد لهم ويدعون إليه، وتتضمن كذلك أن المتكلم يريد منهم أن يلتفوا من حوله لتتحد وجهتهم، ولا تتفرق بهم الأهواء والسبل.وفي قوله أَتْلُ إيماء قوى بأن المتكلم يقدر المخاطبين، ويرتفع بهم إلى درجة أنهم لا يحتاجون في الإرشاد إلا لأن يتلو عليهم ما يريدهم أن يعملوه ثم هم بعد ذلك سيمتثلون لحسن استعدادهم لقبول الحق.- وإنه لأسلوب قد بلغ الغاية في اللطف وفي التكريم وفي حسن الموعظة وتوجيه الخطاب.- وخص التحريم بالذكر مع أن الوصايا قد اشتملت على المحرمات وعلى غيرها لأن سياق الآيات قبل ذلك كان منصبا على كشف ما اخترعه المشركون من تحريم في الحرث والنسل ما أنزل الله به من سلطان، ولأن بيان أصول المحرمات يستلزم حل ما عداها لأنه الأصل.وفي نسبة التحريم إلى الرب الذي هو منبع الخير والإحسان. حض لهم على التدبر والاستجابة. لأن الذي حرم عليهم ذلك هو مربيهم، فليس معقولا أن يحرم عليهم ما فيه منفعة لهم، وإنما هو بمقتضى ربوبيته قد حرم عليهم ما فيه ضررهم.- وقوله أَتْلُ جواب الأمر، أى: إن تأتونى أتل. وما في قوله ما حَرَّمَ موصولة بمعنى الذي والعائد محذوف أى: أقرأ الذي حرمه ربكم عليكم، وهي في محل نصب مفعول به، ويحتمل أن تكون مصدرية، أى أتل تحريم ربكم، ونفس التحريم لا يتلى وإنما هو مصدر واقع موقع المفعول به، أى: أتل محرم ربكم الذي حرمه هو. وعَلَيْكُمْ متعلق ب حَرَّمَ أو ب أَتْلُ.قال بعض العلماء: وهذه العبارة التي قدمت بها الوصايا- وهي قُلْ تَعالَوْا أَتْلُ ما حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ فيها إشعار بأن الحقائق الأولى التي قام عليها الجدال في السورة قد أصبحت واضحة. لا مفر من قبولها والبناء عليها، فالله- تعالى- يأمر رسوله بأن يبلغهم، وإذن فهناك إله من شأنه أن يرسل الرسل، وهناك رسل من شأنهم أن يتلقوا عن الله، وهناك محرمات وردت من المصدر الذي يحق له التحريم وحده لأنه هو الرب ما حَرَّمَ رَبُّكُمْ ثم هناك لازم عقلي لهذا التحريم هو أن من تعداه وانتهكه كان مغضبا للرب الذي قرره. مستحقا لعقوبته، وإذن فهناك دار للجزاء» . ولننظر بعد ذلك في الوصايا.الوصية الأولى: أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً أى: أوصيكم ألا تشركوا مع الله في عبادتكم آلهةأخرى. بل خصوه وحده بالعبادة والخضوع والطاعة فإنه هو الخالق لكل شيء.وصدر- سبحانه- هذه الوصايا بالنهى عن الشرك، لأنه أعظم المحرمات وأكبرها إفسادا للفطرة، ولأنه هو الجريمة التي لا تقبل المغفرة من الله، بينما غيره قد يغفره- سبحانه- قال- تعالى-: إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ لِمَنْ يَشاءُ.وقد ساق القرآن مئات الآيات التي تدعو إلى الإيمان وتنفر من الشرك وتقيم الأدلة الساطعة، والبراهين الدامغة على وحدانية الله- عز وجل-.هذا، وقد ذكر الشيخ الجمل في إعراب هذه الجملة الكريمة ألا تشركوا به شيئا عدة آراء منها:1- أنّ تكون أن تفسيرية، لأنه تقدمها ما هو بمعنى القول لا حروفه، ولا ناهية ولا تشركوا مجزوم بها.2- أن تكون أن ناصية للفعل بعدها، وهي وما في حيزها في محل نصب بدلا من ما حَرَّمَ ولا زائدة لئلا يفسد المعنى كزيادتها في قوله: أَلَّا تَسْجُدَ، ولئلا يعلم.3- تكون أن ناصبة وما في حيزها منصوب على الإغراء بعليكم ويكون الكلام قد تم عند قوله رَبُّكُمْ ثم ابتدأ فقال: عليكم ألا تشركوا أى الزموا نفى الشرك.4- أنها وما في حيزها في محل نصب أو جر على حذف لام العلة، والتقدير تعالوا أتل ما حرم ربكم عليكم لئلا تشركوا به شيئا.5- أن تكون هي وما بعدها في محل نصب بإضمار فعل تقديره: أوصيكم ألا تشركوا.ونكتفي بهذا القدر من وجوه الإعراب التي توسع فيها النحاة توسعا كبيرا، بسبب ورود بعض هذه الوصايا بصيغة النهى، وبعضها بصيغة الأمر، مع تقدم فعل التحريم على جميعها.أما الوصية الثانية: في قوله- تعالى- وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً أى: أحسنوا بهما إحسانا كاملا لا إساءة معه.وقد قرن- سبحانه- هذه الوصية بالوصية الأولى التي هي توحيده وعدم الإشراك به، في هذه الآية وفي غيرها، للإشعار بعظم هذه الوصية وللتنبيه إلى معنى واحد- يجمعها مع الأولى وهو أن المنعم يجب أن يشكر فالوالدان سبب في حياة الولد فيجب أن يشكرهما ويحسن إليهما، والله- تعالى- هو الخالق المنعم فيجب أن يشكر ويفرد بالعبادة والطاعة.- قال بعض العلماء: وقد جاءت هذه الوصية بأسلوب الأمر بالواجب المطلوب وهو الإحسان إلى الوالدين، ولم تذكر بأسلوب النهى عن المحرم وهو الإساءة، سموا بالإنسان عن أن تظن به الإساءة إلى الوالدين، وكأن الإساءة إليهما، ليس من شأنها أن تقع منه حتى يحتاج إلى النهى عنها، ولأن الخير المنتظر من هذه الوصية وهو تربية الأبناء على الاعتراف بالنعم وشكر المنعمين عليها إنما يتحقق بفعل الواجب، وهو الإحسان لا بمجرد ترك المحرم وهو الإساءة.لهذا وذاك قال- سبحانه- وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً.- والإحسان يتعدى بحرفى الباء وإلى، فقال: أحسن به، وأحسن إليه، وبينهما فرق واضح، فالباء تدل على الإلصاق، وإلى تدل على الغاية، والإلصاق يفيد اتصال الفعل بمدخول «الباء» دون انفصال ولا مسافة بينهما، أما الغاية فتفيد وصول الفعل إلى مدخول إلى ولو كان منه على بعد أو كان بينهما واسطة، ولا شك أن الإلصاق في هذا المقام أبلغ في تأكيد شأن العناية والإحسان بالوالدين، ومن هنا لم يعد الإحسان بالباء في القرآن إلا حيث أريد ذلك التأكيد، وقد جاءت جميع الآيات القرآنية التي توحى بالإحسان بالوالدين على هذا الأسلوب».ثم جاءت الوصية الثالثة وهي قوله- تعالى- وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ مِنْ إِمْلاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ.الإملاق: الفقر، مصدر أملق الرجل إملاقا إذا احتاج وافتقر.أى: لا تقتلوا أولادكم الصغار من أجل الفقر فنحن قد تكفلنا برزقكم ورزقهم.وَما مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُها.ولا شك أن الحياة حق لهؤلاء الصغار كما أنها حق لكم. فمن الظلم البين الاعتداء على حقوقهم، والتخلص منهم خوفا من الفقر، مع أن الله- تعالى- هو الرازق لكم ولهم.والمجتمع الذي يبيح قتل الأولاد خوفا من الفقر أو خوفا من العار، لا يمكن أن يصلح شأنه، لأنه مجتمع نفعي تسوده الأثرة والأنانية، ويكون في الوقت نفسه مجتمعا أفراده يسودهم التشاؤم، وتتغشاهم الأوهام، لأنهم يظنون أن الله يخلق خلقا لا يدبر لهم حقهم من الرزق، ويعتدون على روح بريئة طاهرة تخوفا من جريمة متوهمة، وذلك هو الضلال المبين.- وقد روى النهى عن قتل الأولاد هنا بهذه الصيغة، وورد في سورة الإسراء بصيغة أخرى هي قوله- تعالى- وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ وليس إحداهما تكرارا للأخرى. وإنما كل واحدة منهما تعالج حالة معينة.- فهنا يقول- سبحانه- مِنْ إِمْلاقٍ أى: لا تقتلوهم بسبب الفقر الموجود فيكم أيها الآباء لذا قال: نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ فجعل الرزق للآباء ابتداء، لأن الفقر الذي يقتلون من أجله أولادهم حاصل لهم فعلا.- وفي سورة الإسراء يقول: خَشْيَةَ إِمْلاقٍ أى: خوفا من فقر ليس حاصلا، ولكنه متوقع بسبب الأولاد ولذا قال: نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ فقدم رزق الأولاد لأنهم سبب توقع الفقر، ليكف الآباء عن هذا التوقع، وليضمن للأولاد رزقهم ابتداء مستقلا عن رزق الآباء.ففي كلتا الحالتين القرآن ينهى عن قتل الأولاد، ويغرس في نفوس الآباء الثقة بالله، والاعتماد عليه.وجملة نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ تعليلية لإبطال ما اتخذوه سببا لمباشرة جريمتهم، وضمان منه- سبحانه- لأرزاقهم أى: نحن نرزق الفريقين لا أنتم وحدكم، فلا تقدموا على تلك الجريمة النكراء وهي قتل الأولاد لأن الأولاد قطعة من أبيهم، والشأن حتى في الحيوان الأعجم أنه يضحى من أجل أولاده، ويحميهم ويتحمل الصعاب في سبيلهم.أما الوصية الرابعة فتقول: وَلا تَقْرَبُوا الْفَواحِشَ ما ظَهَرَ مِنْها وَما بَطَنَ الفواحش. جمع فاحشة وهي كما قال الراغب في مفرداته- ما عظم قبحه من الأقوال والأفعال يقال: فحش فلان، أى صار فاحشا مرتكبا للقبائح، والمتفحش هو الذي يأتى بالفحش من القول أو الفعل، كالسرقة والزنا والنميمة وشهادة الزور.وأنهاكم عن أن تقتربوا من الأقوال والأفعال القبيحة ما كان منها ظاهرا وما كان منها خافيا.وقد تعلق التحريم والنهى بهذا الوصف الذي يشعر بالعلة- كما يقول علماء الأصول- فكأنه قال. إن كل قول أو فعل تستقبحه العقول فهو فاحشة يجب البعد عنها.والمجتمع الذي يؤمن بأن هناك «فواحش» يجب أن تجتنب، و «محاسن» يجب أن تلتمس هو المجتمع الفاضل الطهور.أما المجتمع الذي يسوى بين القبيح والحسن، ويقوم على الإباحية التي لا تفرق بين ما يجب أن يفعل وما يجب أن يترك، فلا بد أن يكون مصيره إلى التدهور والتعاسة والمهانة.وجملة ما ظَهَرَ مِنْها وَما بَطَنَ بدل اشتمال من الفواحش.وتعليق النهى بقربانها للمبالغة في الزجر عنها لأن قربانها قد يؤدى إلى مباشرتها، فمن حام حول الحمى يوشك أن يقع فيه، وهذا لون حكيم من ألوان الإصلاح، لأنه إذا حصل النهى عن القرب من الشيء، فلأن ينهى عن فعله من باب أولى.ثم جاءت الآية في ختامها بالوصية الخامسة فقالت: وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ.أى: لا تقتلوا النفس التي حرم الله قتلها بأن عصمها بالإسلام إلا بالحق الذي يبيح قتلها شرعا كردة أو قصاص أو زنا يوجب الرجم.قال ابن كثير: وهذا مما نص- تبارك وتعالى- على النهى عنه تأكيدا، وإلا فهو داخل في النهى عن الفواحش ما ظهر منها وما بطن. فقد جاء في الصحيحين عن ابن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا يحل دم امرئ مسلم يشهد أن لا إله إلا الله وأنى رسول الله إلا بإحدى ثلاث: الثيب الزاني، والنفس بالنفس، والتارك لدينه المفارق للجماعة».وقوله إِلَّا بِالْحَقِّ في محل نصب على الحال من فاعل تَقْتُلُوا أى: لا تقتلوها ملتبسين بالحق، ويجوز أن يكون وصفا لمصدر محذوف أى: قتلا ملتبسا بالحق، وهو استثناء مفرغ من أعم الأحوال، أى: لا تقتلوها في حال من الأحوال إلا حال ملابستكم بالحق.وذلك لأن الإسلام ينظر إلى وجود الإنسان على أنه بناه الله فلا يحق لأحد أن يهدمه إلا بالحق، وبذلك يقرر عصمة الدم الإنسانى، ويعتبر من يعتدى على نفس واحدة فكأنما قد اعتدى على الناس جميعا: أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّما قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعاً، وَمَنْ أَحْياها فَكَأَنَّما أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعاً.ثم ختمت الآية بقوله- تعالى- ذلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ.أى: ذلكم الذي ذكرناه لكم من وصايا جليلة، وتكاليف حكيمة، وصاكم الله به، وطلبه منكم. لعلكم تستعملون عقولكم التي تعقل نفوسكم وتحبسها عن مباشرة القبائح.فاسم الإشارة ذلِكُمْمشار به إلى الوصايا الخمس السابقة، وهو مبتدأ وجملة وصاكم به خبر. ولفظ وصاكم من اللطف والرأفة وجعلهم أوصياء له- تعالى- ما يحمل النفوس على الطاعة والاستجابة.هذه هي الوصايا الخمس التي تضمنتها الآية الأولى من هذه الآيات الثلاث وكلها تشترك في معنى واحد هو أنها حقائق أو حقوق ثابتة في نفسها، ولم يكن ثبوتها إلا تجاوبا مع الفطرة، فالله واحد سواء آمن الناس بهذه الحقيقة عقيديا وعمليا أم لم يؤمنوا، وشكر النعمة يقتضى الإحسانإلى الوالدين طبعا ووضعا، وللنسل حق الحياة والحفظ، والفواحش فحش ونكر في ذاتها فيجب أن تجتنب، والنفوس معصومة فليس لأحد أن يهدمها إلا بحق، ولاتفاقها كلها في هذا المعنى جاءت في آية واحدة، وختمت بعبارة تفيد أن هذا مرجعه إلى حكم العقول لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ.
6:152
وَ لَا تَقْرَبُوْا مَالَ الْیَتِیْمِ اِلَّا بِالَّتِیْ هِیَ اَحْسَنُ حَتّٰى یَبْلُغَ اَشُدَّهٗۚ-وَ اَوْفُوا الْكَیْلَ وَ الْمِیْزَانَ بِالْقِسْطِۚ-لَا نُكَلِّفُ نَفْسًا اِلَّا وُسْعَهَاۚ-وَ اِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوْا وَ لَوْ كَانَ ذَا قُرْبٰىۚ-وَ بِعَهْدِ اللّٰهِ اَوْفُوْاؕ-ذٰلِكُمْ وَصّٰىكُمْ بِهٖ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُوْنَۙ(۱۵۲)
اور یتیموں کے مال کے پاس نہ جاؤ مگر بہت اچھے طریقہ سے (ف۳۱۸) جب تک وہ اپنی جوانی کو پہنچے (ف۳۱۹) اور ناپ اور تول انصاف کے ساتھ پوری کرو، ہم کسی جان پر بوجھ نہیں ڈالتے مگر اس کے مقدور بھر، اور جب بات کہو تو انصاف کی کہو اگرچہ تمہارے رشتہ دار کا معاملہ ہو اور اللہ ہی کا عہد پورا کرو، یہ تمہیں تاکید فرمائی کہ کہیں تم نصیحت مانو،

والوصية السادسة تأتى في مطلع الآية الثانية فتقول: وَلا تَقْرَبُوا مالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ.أى: لا تقربوا مال اليتيم الذي فقد الأب الحانى، ولا تتعرضوا لما هو من حقه بوجه من الوجوه إلا بالوجه الذي ينفعه في الحال أو المآل، كتربيته وتعليمه، وحفظ ماله واستثماره.وإذن، فكل تصرف مع اليتيم أو في ماله لا يقع في تلك الدائرة- دائرة الأنفع والأحسن- محظور، ومنهى عنه.قال بعض العلماء: وكثيرا ما يتعلق النهى في القرآن بالقربان من الشيء، وضابطه بالاستقراء: أن كل منهى عنه كان من شأنه أن تميل إليه النفوس وتدفع إليه الأهواء النهى فيه عن «القربان» ويكون القصد التحذير من أن يأخذ ذلك الميل في النفس مكانة تصل بها إلى اقتراف المحرم، وكان من ذلك في الوصايا السابقة النهى عن الفواحش، ومن هذا الباب وَلا تَقْرَبا هذِهِ الشَّجَرَةَ ولا تَقْرَبُوا الزِّنى وَلا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ إلخ.أما المحرمات التي لم يؤلف ميل النفوس إليها ولا اقتضاء الشهوات لها، فإن الغالب فيها أن يتعلق النهى عنها بنفس الفعل لا بالقربان منه. ومن ذلك في الوصايا السابقة الشرك بالله، وقتل الأولاد، وقتل النفس التي حرم الله قتلها، فإنها وإن كان الفعل المنهي عنه فيها أشد قبحا وأعظم جرما عند الله من أكل مال اليتيم وفعل الفواحش، إلا أنها ليست ذات دوافع نفسية يميل إليها الإنسان بشهوته، وإنما هي في نظر العقل على المقابل من ذلك، يجد الإنسان في نفسه مرارة من ارتكابها، ولا يقدم عليها إلا وهو كاره لها أو في حكم الكاره».وقوله: حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُليس غاية للنهى، إذ ليس المعنى فإذا بلغ أشده فاقربوه لأن هذا يقتضى إباحة أكل الولي له بعد بلوغ الصبى، بل هو غاية لما يفهم من النهى كأنه قيل: احفظوه حتى يصير بالغا رشيدا فحينئذ سلموا إليه ماله.والخطاب للأولياء والأوصياء. أى: احفظوا ماله حتى يبلغ الحلم فإذا بلغه فادفعوه إليه.والأشد: قوة الإنسان واشتعال حرارته: من الشدة بمعنى القوة والارتفاع. يقال: شد النهار إذا ارتفع. وهو مفرد جاء بصيغة الجمع. ولا واحد له.والوصية السابعة: وَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزانَ بِالْقِسْطِ لا نُكَلِّفُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها.أى: أتموا الكيل إذا كلتم للناس أو اكتلتم عليهم لأنفسكم، وأوفوا الميزان إذا وزنتم لأنفسكم فيما تبتاعون أو لغيركم فيما تبيعون.فالجملة الكريمة أمر من الله- تعالى- لعباده بإقامة العدل في التعامل: بحيث يعطى صاحب الحق حقه من غير نقصان ولا بخس، ويأخذ صاحب الحق حقه من غير طلب الزيادة.والكيل والوزن: مصدران أريد بهما ما يكال وما يوزن، كالعيش بمعنى ما يعاش به.وبالقسط حال من فاعل أوفوا أى: أوفوهما مقسطين أى: متلبسين بالقسط. ويجوز أن يكون حالا من المفعول أى: أوفوا الكيل والميزان بالقسط أى: تامّين.وهذه الوصية هي مبدأ العدل والتعادل، وكل مجتمع محتاج إليها، فالناس لا بد لهم من التعامل، ولا بد لهم من التبادل، والكيل والوزن هما وسيلة ذلك، فلا بد من أن يكونا منضبطين بالقسط.والمجتمعات الأمينة التي لا تجد فيها أحدا يغبن عن جهل أو غفلة، وهي أيضا المجتمعات الأمينة التي لا تجد فيها من يحاول أن يأخذ أكثر من حقه. أو يعطى أقل مما يجب عليه.وقوله لا نُكَلِّفُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَهاأى: لا نكلف نفسا إلا ما يسعها ولا يعسر عليها.والجملة مستأنفة جيء بها عقيب الأمر بإيفاء الكيل والميزان بالعدل، للترخيص فيما خرج عن الطاقة، ولبيان قاعدة من قواعد الإسلام الرافعة للحرج وذلك لأن التبادل التجارى لا يمكن أن يتحقق على وجه كامل من المساواة أو التعادل، فلا بد من تقبل اليسير من الغبن في هذا الجانب أو ذاك.والوصية الثامنة تقول: وَإِذا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كانَ ذا قُرْبى.أى: وإذا قلتم قولا فاعدلوا فيه ولو كان المقول له أو عليه صاحب قرابة منكم.إذ العدل هو أساس الحكم السليم: العدل في القول، والعدل في الحكم، والعدل في كل فعل.وإنما خصصت الآية العدل في القول مع أن العدل مطلوب في الأقوال والأفعال وفي كل شيء، لأن أكثر ما يكون فيه العدل أقوال كالشهادة، والحكم، ثم الأقوال هي التي تراود النفوس في كل حال. فالإنسان حين تصادفه قضية من القضايا القولية أو العملية يحدث نفسه في شأنها، ويراوده معنى العدل وكأنه يطالبه بأن ينطق به ويؤيده، فيقول في نفسه سأفعل كذا لأنه العدل، فإذا لم يكن صادقا في هذا القول فقد جافى العدل وقال زورا وكذبا.أما قوله وَلَوْ كانَ ذا قُرْبىفهو أخذ بالإنسان عما جرت به عادته من التأثر بصلات القربى في المحاباة للأقرباء والظلم لغيرهم.فالقرآن يرتفع بالضمير البشرى إلى مستوى سامق رفيع، على هدى من العقيدة في الله، بأن يكلفه بتحرى العدل في كل أحواله ولو إزاء أقرب المقربين إليه.أما الوصية التاسعة والأخيرة في هذه الآية فهي قوله- تعالى- وَبِعَهْدِ اللَّهِ أَوْفُواأى:كونوا أوفياء مع الله في كل ما عهد إليكم به من العبادات والمعاملات وغيرها.إذ الوفاء أصل من الأصول التي يتحقق بها الخير والصلاح، وتستقر عليها أمور الناس.وقوله: وَبِعَهْدِ اللَّهِ أَوْفُوايفيد الحصر لتقديم المعمول، وفي هذا إشعار بأن هناك عهودا غير جديرة بأن تنسب إلى الله، وهي العهود القائمة على الظلم أو الباطل، أو الفساد، فمثل هذه العهود غير جديرة بالاحترام، ويجب العمل على التخلص منها.ثم ختمت الآية بقوله- تعالى- ذلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَأى: ذلكم المتلو عليكم في هذه الآية من الأوامر والنواهي وصاكم الله به في كتابه رجاء أن تتذكروا وتعتبروا وتعملوا بما أمرتم به وتجتنبوا ما نهيتم عنه أو رجاء أن يذكّر بعضكم بعضا فإن التناصح واجب بين المسلمين.
6:153
وَ اَنَّ هٰذَا صِرَاطِیْ مُسْتَقِیْمًا فَاتَّبِعُوْهُۚ-وَ لَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِیْلِهٖؕ-ذٰلِكُمْ وَصّٰىكُمْ بِهٖ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُوْنَ(۱۵۳)
اور یہ کہ (ف۳۲۰) یہ ہے میرا سیدھا راستہ تو اس پر چلو اور اور راہیں نہ چلو (ف۳۲۱) کہ تمہیں اس کی راہ سے جدا کردیں گی، یہ تمہیں حکم فرمایا کہ کہیں تمہیں پرہیزگاری ملے،

أما الوصية العاشرة فهي قوله- تعالى- في الآية الثالثة من هذه الآيات: وَأَنَّ هذا صِراطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ.قرأ الجمهور بفتح همزة أَنَّ وتشديد النون. ومحلها مع ما في حيزها الجر بحذف لام العلة. أى: ولأن هذا الذي وصيتكم به من الأوامر والنواهي طريقي وديني الذي لا اعوجاج فيه، فمن الواجب عليكم أن تتبعوه وتعملوا به.ويحتمل أن يكون محلها مع ما في حيزها النصب على ما حَرَّمَ أى: وأتلو عليكم أن هذا صراطي مستقيما.وقرأ حمزة والكسائي «إن» بكسر الهمزة على الاستئناف.وقوله وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ يعنى الأديان الباطلة، والبدع والضلالات الفاسدة فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ أى. فتفرقكم عن صراط الله المستقيم وهو دين الإسلام الذي ارتضاه لكم.روى الإمام أحمد عن عبد الله بن مسعود- رضى الله عنه- قال: خط لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم خطا ثم قال: هذا سبيل الله، ثم خط خطوطا عن يمينه وعن شماله ثم قال: هذه سبل على كل سبيل منها شيطان يدعو إليه ثم قرأ وَأَنَّ هذا صِراطِي مُسْتَقِيماً.وقد أفرد- سبحانه- الصراط المستقيم وهو سبيل الله، وجمع السبل المخالفة له لأن الحق واحد والباطل ما خالفه وهو كثير فيشمل الأديان الباطلة، والبدع الفاسدة، والشبهات الزائفة، والفرق الضالة وغيرها.ثم ختمت الآية بقوله- تعالى- ذلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ أى: ذلكم المذكور من اتباع سبيله- تعالى- وترك اتباع السبل وصاكم الله به لعلكم تتقون اتباع سبل الكفر والضلالة، وتعملون بما جاءكم به هذا الدين.قال أبو حيان: ولما كانت الخمسة المذكورة في الآية الأولى من الأمور الظاهرة الجليلة مما يجب تعلقها وتفهمها ختمت الآية بقوله لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ، ولما كانت الأربعة المذكورة في الآية الثانية خافية غامضة ولا بد فيها من الاجتهاد والتفكر حتى يقف الإنسان فيها على موضع الاعتدال ختمت بقوله: لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَولما كان الصراط المستقيم هو الجامع للتكاليف، وأمر- سبحانه- باتباعه ونهى عن اتباع السبل المختلفة ختم ذلك بالتقوى التي هي اتقاء النار، إذ من اتبع صراطه نجا النجاة الأبدية وحصل على السعادة السرمدية».وبعد: فهذه هي الوصايا العشر التي جاءت بها هذه الآيات الكريمة، والمتأمل فيها يراها قد وضعت أساس العقيدة السليمة في توحيد الله- تعالى- وبنت الأسرة الفاضلة على أساس الإحسان بالوالدين والرحمة بالأبناء، وحفظت المجتمع من التصدع عن طريق تحريمها لانتهاك الأنفس والأموال والأعراض، ثم ربطت كل ذلك بتقوى الله التي هي منبع كل خير وسبيل كل فلاح.فأين المسلمون اليوم من هذه الوصايا؟ إنهم لو عملوا بها لعزوا في دنياهم ولسعدوا في أخراهم، فهل تراهم فاعلون؟.اللهم خذ بيدنا إلى ما يرضيك وجنبنا مالا يرضيك.ولما كان هذا الصراط قديما، والديانات قبله كانت في اتجاهه، أشار- سبحانه- إلى موسى وكتابه، وبين منزلة هذا القرآن، وأمر الناس باتباعه فقال:
6:154
ثُمَّ اٰتَیْنَا مُوْسَى الْكِتٰبَ تَمَامًا عَلَى الَّذِیْۤ اَحْسَنَ وَ تَفْصِیْلًا لِّكُلِّ شَیْءٍ وَّ هُدًى وَّ رَحْمَةً لَّعَلَّهُمْ بِلِقَآءِ رَبِّهِمْ یُؤْمِنُوْنَ۠(۱۵۴)
پھر ہم نے موسیٰ کو کتاب عطا فرمائی (ف۳۲۲) پورا احسان کرنے کو اس پر جو نیکوکار ہے اور ہر چیز کی تفصیل اور ہدایت اور رحمت کہ کہیں وہ (ف۳۲۳) اپنے رب سے ملنے پر ایمان لائیں(ف۳۲۴)

قال الآلوسى: قوله ثُمَّ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ. إلخ. كلام مستأنف مسوق من جهته- تعالى- تقريرا للوصية وتحقيقا لها، وتمهيدا لما تعقبه من ذكر إنزال القرآن المجيد كما ينبئ عنه تغيير الأسلوب بالالتفات إلى التكلم معطوف على مقدر يقتضيه المقام ويستدعيه النظام كأنه قيل بعد قوله ذلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ بطريق الاستئناف تصديقا له وتقريرا لمضمونه، فعلنا ذلك ثُمَّ آتَيْنا وقيل عطف على ذلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ. وعند الزجاج أنه عطف على معنى التلاوة، كأنه قيل: قُلْ تَعالَوْا أَتْلُ ما حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ ثم أتل عليهم ما آتاه الله موسى .وكلمة ثم لا تفيد الترتيب الزمنى هنا، وإنما تفيد عطف معنى على معنى، فكأنه- سبحانه- يقول: لقد بينت لكم في هذه الوصايا ما فيه صلاحكم ثم أخبركم بأنا آتينا موسى الكتاب وهو التوراة ليكون هدى ونورا.وقوله: تَماماً عَلَى الَّذِي أَحْسَنَ قرأ الجمهور أحسن بفتح النون على أنه فعل ماض وفاعله ضمير الذي، أى: آتينا موسى الكتاب تماما للكرامة والنعمة على من أحسن القيام به كائنا من كان. فالذي لجنس المحسنين.وتدل عليه قراءة عبد الله «تماما على الذين أحسنوا» وقراءة الحسن «على المحسنين» .ويجوز أن يكون فاعل أحسن ضمير موسى- عليه السلام- ومفعوله محذوف أى: آتينا موسى الكتاب تتمة للكرامة على العبد الذي أحسن الطاعة في التبليغ وفي كل أمر وهو موسى- عليه السلام- و «تماما» مفعول لأجله أى: آتيناه لأجل تمام نعمتنا، أو حال من الكتاب، أى: حال كونه أى الكتاب تاما. أو مصدر لقوله «آتينا» من معناه، لأن إيتاء الكتاب إتمام للنعمة. كأنه قيل: أتممنا النعمة إتماما. فهو «كنباتا» في قوله: وَاللَّهُ أَنْبَتَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ نَباتاً أى إنباتا.وقرأ يحيى بن يعمر «على الذي أحسن» بضم النون على أنه خبر لمبتدأ محذوف، و «الذي» وصف للدين أى: تماما على الدين الذي هو أحسن دين وأرضاه.قال ابن جرير: وهذه قراءة لا أستجيز القراءة بها وإن كان لها في العربية وجه صحيح، لخلافها ما عليه الحجة مجمعة من قراء الأمصار» .وقوله: وَتَفْصِيلًا لِكُلِّ شَيْءٍ معطوف على ما قبله، أى: وبيانا مفصلا لكل ما يحتاج إليه قومه في أمور دينهم ودنياهم.وقوله: وَهُدىً وَرَحْمَةً لَعَلَّهُمْ بِلِقاءِ رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ أى: هذا الكتاب هداية لهم إلى طريق الحق، ورحمة لمن عمل به لعلهم- أى قوم موسى وسائر أهل الكتاب- يصدقون بيوم الجزاء، ويقدمون العمل الصالح الذي ينفعهم في هذا اليوم الشديد.
6:155
وَ هٰذَا كِتٰبٌ اَنْزَلْنٰهُ مُبٰرَكٌ فَاتَّبِعُوْهُ وَ اتَّقُوْا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُوْنَۙ(۱۵۵)
اور یہ برکت والی کتاب (ف۳۲۵) ہم نے اُتاری تو اس کی پیروی کرو اور پرہیزگاری کرو کہ تم پر رحم ہو،

ثم بين- سبحانه- منزلة القرآن فقال: وَهذا كِتابٌ أَنْزَلْناهُ مُبارَكٌ أى: وهذا القرآن الذي قرأ عليكم أوامره ونواهيه رسولنا صلى الله عليه وسلم كتاب عظيم الشأن أنزلناه بواسطة الروح الأمين، وهو جامع لكل أسباب الهداية الدائمة، والسعادة الثابتة.فَاتَّبِعُوهُ أى: اعملوا بما فيه من الأوامر والنواهي والأحكام.وَاتَّقُوا مخالفته واتباع غيره.لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ أى: لترحموا بواسطة اتباعه والعمل بما فيه.
6:156
اَنْ تَقُوْلُوْۤا اِنَّمَاۤ اُنْزِلَ الْكِتٰبُ عَلٰى طَآىٕفَتَیْنِ مِنْ قَبْلِنَا۪-وَ اِنْ كُنَّا عَنْ دِرَاسَتِهِمْ لَغٰفِلِیْنَۙ(۱۵۶)
کبھی کہو کہ کتاب تو ہم سے پہلے دو گروہوں پر اُتری تھی (ف۳۲۶) اور ہمیں ان کے پڑھنے پڑھانے کی کچھ خبر نہ تھی(ف۳۲۷)

ثم قطع- سبحانه- عذر كل من يعرض عن هذا الكتاب فقال: أَنْ تَقُولُوا إِنَّما أُنْزِلَ الْكِتابُ عَلى طائِفَتَيْنِ مِنْ قَبْلِنا وَإِنْ كُنَّا عَنْ دِراسَتِهِمْ لَغافِلِينَ.أى: أنزلنا هذا الكتاب لهدايتكم كراهة أن تقولوا يوم القيامة، أو لئلا تقولوا لو لم ننزله:إنما أنزل الكتاب الناطق بالحجة على جماعتين كائنتين من قبلنا وهما اليهود والنصارى، وإنا كنا عن تلاوة كتابهم لغافلين لا علم لنا بشيء منها لأنها ليست بلغتنا.فقوله: أَنْ تَقُولُوا مفعول لأجله والعامل فيه أنزلناه مقدرا مدلولا عليه بنفس أنزلناه الملفوظ به في الآية السابقة أى: أنزلناه كراهية أن تقولوا.وقيل إنه مفعول به والعامل فيه قوله في الآية السابقة- أيضا- وَاتَّقُوا ... أى. واتقوا قولكم كيت وكيت. وقوله لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ معترض جار مجرى التعليل.والمراد بالكتاب جنسه المنحصر في التوراة والإنجيل والزبور.وتخصيص الإنزال بكتابيهما لأنهما اللذان اشتهرا من بين الكتب السماوية بالاشتمال على الأحكام.والخطاب لكل من أرسل إليهم الرسول صلى الله عليه وسلم.
6:157
اَوْ تَقُوْلُوْا لَوْ اَنَّاۤ اُنْزِلَ عَلَیْنَا الْكِتٰبُ لَكُنَّاۤ اَهْدٰى مِنْهُمْۚ-فَقَدْ جَآءَكُمْ بَیِّنَةٌ مِّنْ رَّبِّكُمْ وَ هُدًى وَّ رَحْمَةٌۚ-فَمَنْ اَظْلَمُ مِمَّنْ كَذَّبَ بِاٰیٰتِ اللّٰهِ وَ صَدَفَ عَنْهَاؕ-سَنَجْزِی الَّذِیْنَ یَصْدِفُوْنَ عَنْ اٰیٰتِنَا سُوْٓءَ الْعَذَابِ بِمَا كَانُوْا یَصْدِفُوْنَ(۱۵۷)
یا کہو کہ اگر ہم پر کتاب اُترتی تو ہم ان سے زیادہ ٹھیک راہ پر ہوتے (ف۳۲۸) تو تمہارے پاس تمہارے رب کی روشن دلیل اور ہدایت او ر رحمت آئی (ف۳۲۹) تو اس سے زیادہ ظالم کون جو اللہ کی آیتوں کو جھٹلائے اور ان سے منہ پھیرے عنقریب وہ جو ہماری آیتوں سے منہ پھیرتے ہیں ہم انہیں بڑے عذاب کی سزا دیں گے بدلہ ان کے منہ پھیرنے کا،

ثم ساق- سبحانه- آية أخرى لقطع أعذارهم فقال أَوْ تَقُولُوا لَوْ أَنَّا أُنْزِلَ عَلَيْنَا الْكِتابُ لَكُنَّا أَهْدى مِنْهُمْ.أى: وأنزلنا الكتاب- أيضا- خشية أن تقولوا معتذرين يوم القيامة لو أنا أنزل علينا الكتاب كما أنزل على الذين من قبلنا، لكنا أهدى منهم إلى الحق وأسرع منهم استجابة لله ولرسوله لمزيد ذكائنا، وتوقد أذهاننا، وتفتح قلوبنا.وقوله: فَقَدْ جاءَكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَهُدىً وَرَحْمَةٌ جواب قاطع لأعذارهم وتعلاتهم أى:فقد جاءكم من ربكم عن طريق نبيكم محمد صلى الله عليه وسلم هذا الكتاب الواضح المبين، والذي هو هداية لكم إلى طريق الحق، ورحمة لمن يعمل بما اشتمل عليه من توجيهات وإرشادات.وقوله: فَقَدْ جاءَكُمْ متعلق بمحذوف تنبئ عنه الفاء الفصيحة إما معلل به أى:لا تعتذروا فقد جاءكم ... وإما شرط له أى: إن صدقتم فيما كنتم تعدون به. فقد حصل ما فرضتم وجاءكم بينة من ربكم.والاستفهام في قوله فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَذَّبَ بِآياتِ اللَّهِ وَصَدَفَ عَنْها للإنكار والنفي. أى:لا أحد أظلم ممن كذب بآيات الله وأعرض عنها بعد أن جاءته ببيناتها الكاملة، وهداياتها الشاملة.والفاء لترتيب ما بعدها على ما قبلها. فإن مجيء القرآن المشتمل على الهدى والرحمة موجب لغاية أظلمية من يكذبه أى: وإذا كان الأمر كذلك فمن أظلم..؟ ومعنى: وصدف عنها أى:أعرض عنها غير متفكر فيها، أو صرف الناس عنها وصدهم عن سبيلها. فجمع بين الضلال والإضلال.ثم ختم- سبحانه- الآية بتهديد أولئك المعرضين عن آياته بقوله:سَنَجْزِي الَّذِينَ يَصْدِفُونَ عَنْ آياتِنا سُوءَ الْعَذابِ بِما كانُوا يَصْدِفُونَ أى: سنجزيهم أسوأ العذاب وأشده بسبب تكذيبهم لآياتنا وإعراضهم عنها.فالآيتان الكريمتان تقطعان كل عذر قد يتعلل به يوم القيامة المكذبون لرسول الله صلى الله عليه وسلم وللقرآن الكريم، وتتوعدهم بأشد ألوان العذاب.ثم يمضى القرآن في تهديدهم خطوة أخرى. ردا على ما كانوا يطلبون من الآيات الخارقة، وتحذيرا من إعراضهم وتقاعسهم عن طريق الحق مع أن الزمن لا يتوقف، والفرص لا تعود فيقول:
6:158
هَلْ یَنْظُرُوْنَ اِلَّاۤ اَنْ تَاْتِیَهُمُ الْمَلٰٓىٕكَةُ اَوْ یَاْتِیَ رَبُّكَ اَوْ یَاْتِیَ بَعْضُ اٰیٰتِ رَبِّكَؕ-یَوْمَ یَاْتِیْ بَعْضُ اٰیٰتِ رَبِّكَ لَا یَنْفَعُ نَفْسًا اِیْمَانُهَا لَمْ تَكُنْ اٰمَنَتْ مِنْ قَبْلُ اَوْ كَسَبَتْ فِیْۤ اِیْمَانِهَا خَیْرًاؕ-قُلِ انْتَظِرُوْۤا اِنَّا مُنْتَظِرُوْنَ(۱۵۸)
کاہے کے انتظار میں ہیں (ف۳۳۰) مگر یہ کہ آئیں ان کے پاس فرشتے (ف۳۳۱) یا تمہارے رب کا عذاب یا تمہارے رب کی ایک نشانی آئے (ف۳۳۲) جس دن تمہارے رب کی وہ ایک نشانی آئے گی کسی جان کو ایمان لانا کام نہ دے گا جو پہلے ایمان نہ لائی تھی یا اپنے ایمان میں کوئی بھلائی نہ کمائی تھی (ف۳۳۳) تم فرماؤ رستہ دیکھو (ف۳۳۴) ہم بھی دیکھتے ہیں،

أى: ما ينتظر مشركو مكة وغيرهم من المكذبين بعد إعراضهم عن آيات الله إلا أن تأتيهم الملائكة لقبض أرواحهم من أجسادهم.والجملة الكريمة مستأنفة لبيان أنهم لا يتأتى منهم الإيمان بإنزال ما ذكر من البينات والهدى.قال البيضاوي: وهم ما كانوا منتظرين لذلك، ولكن لما كان يلحقهم لحوق المنتظر شبهوا بالمنتظرين.وقوله: أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ أى: إتيانا يناسب ذاته الكريمة بدون كيف أو تشبيه للقضاء بين الخلق يوم القيامة، وقيل المراد بإتيان الرب، إتيان ما وعد به من النصر للمؤمنين والعذاب للكافرين.وقوله: أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ آياتِ رَبِّكَ أى: بعض علامات قيام الساعة، وذلك قبل يوم القيامة، وفسر في الحديث بطلوع الشمس من مغربها.فقد روى البخاري عن أبى هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «لا تقوم الساعة حتى تطلع الشمس من مغربها. فإذا رآها الناس آمن من عليها. فذاك حين لا ينفع نفسا إيمانها لم تكن آمنت من قبل» .وفي رواية لمسلم والترمذي عن أبى هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «ثلاث إذا خرجن لا ينفع نفسا إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيرا: طلوع الشمس من مغربها، والدجال، ودابة الأرض» .ثم بين- سبحانه- أنه عند مجيء علامات الساعة لا ينفع الإيمان فقال:يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آياتِ رَبِّكَ لا يَنْفَعُ نَفْساً إِيمانُها لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمانِها خَيْراً.أى: عند مجيء بعض أشراط الساعة، يذهب التكليف، فلا ينفع الإيمان حينئذ نفسا كافرة لم تكن آمنت قبل ظهورها، ولا ينفع العمل الصالح نفسا مؤمنة تعمله عند ظهور هذه الأشراط، لأن العمل أو الإيمان عند ظهور هذه العلامات لا قيمة له لبطلان التكليف في هذا الوقت.قال الطبري: معنى الآية لا ينفع كافرا لم يكن آمن قبل الطلوع- أى طلوع الشمس من مغربها- إيمان بعد الطلوع. ولا ينفع مؤمنا لم يكن عمل صالحا قبل الطلوع، بعد الطلوع. لأن حكم الإيمان والعمل الصالح حينئذ. حكم من آمن أو عمل عند الغرغرة، وذلك لا يفيد شيئا. كما قال- تعالى- فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ إِيمانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنا وكما ثبت في الحديث الصحيح: إن الله يقبل توبة العبد ما لم يغرغر» .وقال ابن كثير: إذا أنشأ الكافر إيمانا يومئذ لم يقبل منه، فأما من كان مؤمنا قبل ذلك فإن كان مصلحا في عمله فهو بخير عظيم، وإن لم يكن مصلحا فأحدث توبة حينئذ لم تقبل منه توبته، كما دلت عليه الأحاديث، وعليه يحمل قوله- تعالى-: أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمانِها خَيْراً أى: لا يقبل منها كسب عمل صالح إذا لم يكن عاملا به قبل ذلك» .وقوله: قُلِ انْتَظِرُوا إِنَّا مُنْتَظِرُونَ تهديد لهم. أى: قل يا محمد لهؤلاء الكافرين: انتظروا ما تنتظرونه من إتيان أحد الأمور الثلاثة لتروا أى شيء تنتظرون، فإنا منتظرون معكم لنشاهد ما يحل بكم من سوء العاقبة.
6:159
اِنَّ الَّذِیْنَ فَرَّقُوْا دِیْنَهُمْ وَ كَانُوْا شِیَعًا لَّسْتَ مِنْهُمْ فِیْ شَیْءٍؕ-اِنَّمَاۤ اَمْرُهُمْ اِلَى اللّٰهِ ثُمَّ یُنَبِّئُهُمْ بِمَا كَانُوْا یَفْعَلُوْنَ(۱۵۹)
وہ جنہوں نے اپنے دین میں جُدا جُدا راہیں نکالیں او رکئی گروہ ہوگئے (ف۳۳۵) اے محبوب ! تمہیں ان سے کچھ علا قہ نہیں ان کا معاملہ اللہ ہی کے حوالے ہے پھر وہ انہیں بتادے گا جو کچھ وہ کرتے تھے(ف۳۳۶)

ثم بين- سبحانه- أحوال الفرق الضالة بوجه عام فقال: إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكانُوا شِيَعاً لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ.أى: إن الذين فرقوا دينهم بأن اختلفوا فيه مع وحدته في نفسه فجعلوه أهواء متفرقة، ومذاهب متباينة: وَكانُوا شِيَعاً أى فرقا ونحلا تتبع كل فرقة إماما لها على حسب أهوائها ومتعها ومنافعها بدون نظر إلى الحق.وقوله: قُلِ انْتَظِرُوا إِنَّا مُنْتَظِرُونَ تهديد لهم. أى: قل يا محمد لهؤلاء الكافرين: انتظروا ما تنتظرونه من إتيان أحد الأمور الثلاثة لتروا أى شيء تنتظرون، فإنا منتظرون معكم لنشاهد ما يحل بكم من سوء العاقبة.ثم بين- سبحانه- أحوال الفرق الضالة بوجه عام فقال: إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكانُوا شِيَعاً لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ.أى: إن الذين فرقوا دينهم بأن اختلفوا فيه مع وحدته في نفسه فجعلوه أهواء متفرقة، ومذاهب متباينة: وَكانُوا شِيَعاً أى فرقا ونحلا تتبع كل فرقة إماما لها على حسب أهوائها ومتعها ومنافعها بدون نظر إلى الحق.وقوله: لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ أى: أنت برىء منهم محمى الجناب عن مذاهبهم الباطلة، وفرقهم الضالة. أو لست من هدايتهم إلى التوحيد في شيء إذ هم قد انطمست قلوبهم فأصبحوا لا يستجيبون لمن يدعوهم إلى الهدى.وقوله: إِنَّما أَمْرُهُمْ إِلَى اللَّهِ تعليل للنفي المذكور قبله أى: هو يتولى وحده أمرهم جميعا، ويدبره حسب ما تقتضيه حكمته، فلا تذهب نفسك عليهم حسرات إن الله عليم بما يصنعون» .وقوله: ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِما كانُوا يَفْعَلُونَ أى: ثم يخبرهم يوم القيامة بما كانوا يفعلونه في الدنيا من آثام وسيئات، ويعاقبهم على ذلك بما يستحقونه من عقوبات.والآية الكريمة عامة في كل من فارق تعاليم الإسلام سواء أكان مشركا أم كتابيا، ويندرج فيها أصحاب الفرق الباطلة والمذاهب الفاسدة في كل زمان ومكان، كالقاديانية، والباطنية، والبهائية، وغير ذلك من أصحاب الأهواء والبدع والضلالات.قال ابن كثير: «والظاهر أن الآية عامة في كل من فارق دين الله وكان مخالفا له، فإن الله بعث رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله، وشرعه واحد لا اختلاف فيه ولا افتراق.فمن اختلف فيه وَكانُوا شِيَعاً أى: فرقا كأهل الأهواء والملل والنحل والضلالات، فإن الله قد برأ رسوله منهم. وهذه الآية كقوله تعالى: شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ ما وَصَّى بِهِ نُوحاً وَالَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ. الآية.وفي الحديث: «نحن معاشر الأنبياء أولاد علات. ديننا واحد» فهذا هو الصراط المستقيم، وهو ما جاءت به الرسل من عبادة الله وحده والتمسك بشريعة الرسول المتأخر، وما خالف ذلك فضلالات وجهالات وآراء وأهواء، والرسل برآء منها كما قال- تعالى- لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ .
6:160
مَنْ جَآءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهٗ عَشْرُ اَمْثَالِهَاۚ-وَ مَنْ جَآءَ بِالسَّیِّئَةِ فَلَا یُجْزٰۤى اِلَّا مِثْلَهَا وَ هُمْ لَا یُظْلَمُوْنَ(۱۶۰)
جو ایک نیکی لائے تو اس کے لیے اس جیسی دس ہیں (ف۳۳۷) اور جو برائی لائے تو اسے بدلہ نہ ملے گا مگر اس کے برابر اور ان پر ظلم نہ ہوگا،

ثم بين- سبحانه- لطفه في حكمه، وفضله على عباده، بمناسبة الحديث عن الجزاء فقال:مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثالِها.أى: من جاء يوم القيامة بالأعمال الحسنة. فله عشر حسنات أمثالها في الحسن، فضلا من الله- تعالى- وكرما.قال بعضهم: وذلك- ولله المثل الأعلى- كمن أهدى إلى سلطان عنقود عنب يعطيه بما يليق بسلطنته لا قيمة العنقود. والعشر أقل ما وعد من الأصناف، وقد جاء الوعد بسبعين وبسبعمائة وبغير حساب، ولذلك قيل: المراد بذكر العشر بيان الكثرة لا الحصر في العدد الخاص.وَمَنْ جاءَ بِالسَّيِّئَةِ أى: بالأعمال السيئة فَلا يُجْزى إِلَّا مِثْلَها أى: فلا يجزى بحكم الوعد إلا بمثلها في العقوبة واحدة بواحدة وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ بنقص الثواب وزيادة العقاب.فإن ربك لا يظلم أحدا.وقد وردت أحاديث كثيرة في معنى الآية منها ما رواه الشيخان عن أبى هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «يقول الله- تعالى-: إذا أراد عبدى أن يعمل سيئة فلا تكتبوها عليه حتى يعملها فإن عملها فاكتبوها بمثلها. وإن تركها من أجلى فاكتبوها له حسنة، وإذا أراد أن يعمل حسنة فلم يعملها فاكتبوها له حسنة. فإن عملها فاكتبوها له بعشر أمثالها إلى سبعمائة» .ثم ختمت السورة الكريمة بخمس آيات جامعة لوجوه الخير، من تأملها تجلى له أنها ختام حكيم يناسب هذه السورة التي هي سورة البلاغ والإعلان، والمبادئ العليا لدعوة الإيمان.أما الآيات الخمس فهي قوله- تعالى-:
  FONT
  THEME
  TRANSLATION
  • English | Ahmed Ali
  • Urdu | Ahmed Raza Khan
  • Turkish | Ali-Bulaç
  • German | Bubenheim Elyas
  • Chinese | Chineese
  • Spanish | Cortes
  • Dutch | Dutch
  • Portuguese | El-Hayek
  • English | English
  • Urdu | Fateh Muhammad Jalandhry
  • French | French
  • Hausa | Hausa
  • Indonesian | Indonesian-Bahasa
  • Italian | Italian
  • Korean | Korean
  • Malay | Malay
  • Russian | Russian
  • Tamil | Tamil
  • Thai | Thai
  • Farsi | مکارم شیرازی
  TAFSEER
  • العربية | التفسير الميسر
  • العربية | تفسير الجلالين
  • العربية | تفسير السعدي
  • العربية | تفسير ابن كثير
  • العربية | تفسير الوسيط لطنطاوي
  • العربية | تفسير البغوي
  • العربية | تفسير القرطبي
  • العربية | تفسير الطبري
  • English | Arberry
  • English | Yusuf Ali
  • Dutch | Keyzer
  • Dutch | Leemhuis
  • Dutch | Siregar
  • Urdu | Sirat ul Jinan
  HELP

اَلْاَ نْعَام
اَلْاَ نْعَام
  00:00



Download

اَلْاَ نْعَام
اَلْاَ نْعَام
  00:00



Download