READ

Surah Al-An'aam

اَلْاَ نْعَام
165 Ayaat    مکیۃ


6:41
بَلْ اِیَّاهُ تَدْعُوْنَ فَیَكْشِفُ مَا تَدْعُوْنَ اِلَیْهِ اِنْ شَآءَ وَ تَنْسَوْنَ مَا تُشْرِكُوْنَ۠(۴۱)
بلکہ اسی کو پکارو گے تو وہ اگر چاہے (ف۹۵) جس پر اسے پکارتے ہو اسے اٹھالے اور شریکوں کو بھول جاؤ گے (ف۹۶)

ثم أكد- سبحانه- أنهم عند الشدائد والكروب لا يلجئون إلا إلى الله فقال- تعالى-:بَلْ إِيَّاهُ تَدْعُونَ، فَيَكْشِفُ ما تَدْعُونَ إِلَيْهِ إِنْ شاءَ وَتَنْسَوْنَ ما تُشْرِكُونَ.بل للإضراب الانتقالى عن تفكيرهم وأوهامهم، أى: بل تخصونه وحده بالدعاء دون الآلهة، فيكشف ما تلتمسون كشفه إن شاء ذلك، لأنه هو القادر على كل شيء وَتَنْسَوْنَ ما تُشْرِكُونَ أى: تغيب عن ذاكرتكم عند الشدائد والأهوال تلك الأصنام الزائفة والمعبودات الباطلة.وقدم- سبحانه- المفعول على الفعل في قوله: بَلْ إِيَّاهُ تَدْعُونَ لإفادة الاختصاص، أى: لا تدعون إلا إياه، وذلك يدل على أن المشركين مهما بلغ ضلالهم فإنهم عند الشدائد يتجهون بتفكيرهم إلى القوة الخفية الخالقة لهذا الكون.وفي قوله: فَيَكْشِفُ ما تَدْعُونَ استعارة حيث شبه حال إزالة الشر بحال كشف غطاء غامر مؤلم بجامع إزالة الضر في كل وإحلال السلامة محله.والمقصود فيكشف الضر الذي تدعونه أن يكشفه: فالكلام على تقدير حذف مضاف.وجواب الشرط لقوله: إِنْ شاءَ محذوف لفهم المعنى ودلالة ما قبله عليه، أى إن شاء أن يكشف الضر كشفه، لأنه- سبحانه- لا يسأل عما يفعل.
6:42
وَ لَقَدْ اَرْسَلْنَاۤ اِلٰۤى اُمَمٍ مِّنْ قَبْلِكَ فَاَخَذْنٰهُمْ بِالْبَاْسَآءِ وَ الضَّرَّآءِ لَعَلَّهُمْ یَتَضَرَّعُوْنَ(۴۲)
اور بیشک ہم نے تم سے پہلی اُمتوں کی طرف رسول بھیجے تو انہیں سختی اور تکلیف سے پکڑا (ف۹۷) کہ وہ کسی طرح گڑگڑائیں(ف۹۸)

ثم أخذ القرآن في تسلية النبي صلى الله عليه وسلم وفي بيان أحوال الأمم الماضية فقال- تعالى-: وَلَقَدْ أَرْسَلْنا إِلى أُمَمٍ مِنْ قَبْلِكَ فَأَخَذْناهُمْ بِالْبَأْساءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ.البأساء: تطلق على المشقة والفقر الشديد، وعلى ما يصيب الأمم من أزمات تجتاحها بسبب الحروب والنكبات. والضراء. تطلق على الأمراض والأسقام التي تصيب الأمم والأفراد.والمعنى: ولقد أرسلنا من قبلك يا محمد رسلا إلى أقوامهم، فكان هؤلاء الأقوام أعتى من قومك في الشرك والجحود، فعاقبناهم بالفقر الشديد والبلاء المؤلم، لعلهم يخضعون ويرجعون عن كفرهم وشركهم.فالآية الكريمة تصور لونا من ألوان العلاج النفسي الذي عالج الله به الأمم التي تكفر بأنعمه، وتكذب أنبياءه ورسله، إذ أن الآلام والشدائد علاج للنفوس المغرورة بزخارف الدنيا ومتعها إن كانت صالحة للعلاج.
6:43
فَلَوْ لَاۤ اِذْ جَآءَهُمْ بَاْسُنَا تَضَرَّعُوْا وَ لٰكِنْ قَسَتْ قُلُوْبُهُمْ وَ زَیَّنَ لَهُمُ الشَّیْطٰنُ مَا كَانُوْا یَعْمَلُوْنَ(۴۳)
تو کیوں نہ ہوا کہ جب ان پر ہمارا عذاب آیا تو گڑگڑائے ہوتے لیکن ان کے دل تو سخت ہوگئے (ف۹۹) اور شیطان نے ان کے کام ان کی نگاہ میں بھلے کر دکھائے،

ولقد بين- سبحانه- بعد ذلك. أن تلك الأمم لم تعتبر بما أصابها من شدائد فقال:فَلَوْلا إِذْ جاءَهُمْ بَأْسُنا تَضَرَّعُوا، وَلكِنْ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ، وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ ما كانُوا يَعْمَلُونَ.ولولا هنا للنفي، أى أنهم ما خشعوا ولا تضرعوا وقت أن جاءهم بأسنا.وقيل إنها للحث والتحضيض بمعنى هلا، أى: فهلا تضرعوا تائبين إلينا وقت أن جاءهم بأسنا.وقد اختار صاحب الكشاف أنها للنفي فقال: فَلَوْلا إِذْ جاءَهُمْ بَأْسُنا تَضَرَّعُوا معناه:نفى التضرع، كأنه قيل. فلم يتضرعوا إذ جاءهم بأسنا ولكنه جاء بلولا ليفيد أنه لم يكن لهم عذر في ترك التضرع إلا عنادهم وقسوة قلوبهم وإعجابهم بأعمالهم التي زينها الشيطان لهم» .ثم بين- سبحانه- أن أمرين حالا بينهم وبين التوبة والتضرع عند نزول الشدائد بهم.أما الأمر الأول: فهو قسوة قلوبهم، وقد عبر- سبحانه- عن هذا الأمر الأول بقوله:وَلكِنْ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ أى: غلظت وجمدت وصارت كالحجارة أو أشد قسوة.وأما الأمر الثاني: فهو تزيين الشيطان لهم أعمالهم السيئة، بأن يوحى إليهم بأن ما هم عليه من كفر وشرك وعصيان هو عين الصواب، وأن ما أتاهم به أنبياؤهم ليس خيرا لأنه يتنافى مع ما كان عليه آباؤهم.هذان هما الأمران اللذان حالا بينهم وبين التضرع إلى الله والتوبة إليه.
6:44
فَلَمَّا نَسُوْا مَا ذُكِّرُوْا بِهٖ فَتَحْنَا عَلَیْهِمْ اَبْوَابَ كُلِّ شَیْءٍؕ-حَتّٰۤى اِذَا فَرِحُوْا بِمَاۤ اُوْتُوْۤا اَخَذْنٰهُمْ بَغْتَةً فَاِذَا هُمْ مُّبْلِسُوْنَ(۴۴)
پھر جب انہوں نے بھلا دیا جو نصیحتیں ان کو کی گئیں تھیں (ف۱۰۰) ہم نے ان پر ہر چیز کے دروازے کھول دیے (ف۱۰۱) یہاں تک کہ جب خوش ہوئے اس پر جو انہیں ملا (ف۱۰۲) تو ہم نے اچانک انہیں پکڑلیا (ف۱۰۳) اب وہ آس ٹوٹے رہ گئے،

ثم بين- سبحانه- أنه قد ابتلاهم بالنعم بعد أن عالجهم بالشدائد فلم يرتدعوا فقال- تعالى-:فَلَمَّا نَسُوا ما ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنا عَلَيْهِمْ أَبْوابَ كُلِّ شَيْءٍ، حَتَّى إِذا فَرِحُوا بِما أُوتُوا أَخَذْناهُمْ بَغْتَةً فَإِذا هُمْ مُبْلِسُونَ.والمعنى: فلما أعرضوا عن النذر والعظات التي وجهها إليهم الرسل، فتحنا عليهم أبواب كل شيء من الرزق وأسباب القوة والجاه. حتى إذا اغتروا وبطروا بما أوتوا من ذلك أخذناهم بغتة فإذا هم متحسرون يائسون من النجاة.والفاء في قوله- تعالى- فَلَمَّا نَسُوا لتفصيل ما كان منهم. وبيان ما ترتب على كفرهم من عواقب قريبة وأخرى بعيدة.والمراد بالنسيان هنا: الإعراض والترك. أى: تركوا الاهتداء بما جاء به الرسل حتى نسوه أو جعلوه كالمنسي في عدم الاعتبار والاتعاظ به لإصرارهم على كفرهم، وجمودهم على تقليد من قبلهم.والتعبير بقوله- تعالى- فَتَحْنا عَلَيْهِمْ أَبْوابَ كُلِّ شَيْءٍ يرسم صورة بليغة لإقبال الدنيا عليهم من جميع أقطارها بجميع ألوان نعمها، وبكل قوتها وإغرائها، فهو اختبار لهم بالنعمة بعد أن ابتلاهم بالبأساء والضراء.وعبر- سبحانه- عن إعطائهم النعمة بقوله: بِما أُوتُوا بالبناء للمجهول لأنهم يحسبون أن ذلك بعلمهم وقدرتهم وحدهم، كما قال قارون من قبل إِنَّما أُوتِيتُهُ عَلى عِلْمٍ عِنْدِي.وأضاف- سبحانه- الأخذ إلى ذاته في قوله فَأَخَذْناهُمْ لأنهم كانوا لا ينكرون ذلك، بل كانوا ينسبون الخلق والإيجاد إلى الله- تعالى-.وكان الأخذ بغتة ليكون أشد عليهم وأفظع هولا، أى أخذناهم بعذاب الاستئصال حال كوننا مباغتين لهم. أو حال كونهم مبغوتين، فقد فجأهم العذاب على غرة بدون إمهال.وإذا في قوله فَإِذا هُمْ مُبْلِسُونَ فجائية، والمبلس: الباهت الحزين البائس من الخير، الذي لا يحير جوابا لشدة ما نزل به من سوء الحال.روى الإمام أحمد بسنده عن عقبة بن عامر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «وإذا رأيت الله يعطى العبد من الدنيا على معاصيه ما يحب فإنما هو استدراج» ، ثم تلا قوله- تعالى- فَلَمَّا نَسُوا ما ذُكِّرُوا بِهِ. الآية.
6:45
فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذِیْنَ ظَلَمُوْاؕ-وَ الْحَمْدُ لِلّٰهِ رَبِّ الْعٰلَمِیْنَ(۴۵)
تو جڑ کاٹ دی گئی ظالموں کی (ف۱۰۴) اور سب خوبیاں سراہا اللہ رب سارے جہاں کا(ف۱۰۵)

ثم قال- تعالى-: فَقُطِعَ دابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ.الدابر: الآخر، والمعنى: فأهلك الله- تعالى- أولئك الأقوام عن آخرهم بسبب ظلمهم وفجورهم، والحمد لله رب العالمين الذي نصر رسله وأولياءه على أعدائهم، وفي ختام هذه الآية بقوله وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ تعليم لنا، إذ أن زوال الظالمين نعمة تستوجب الحمد والثناء على الله- تعالى-.ثم ذكرهم- سبحانه- بنعمه عليهم في خلقهم وتكوينهم، وبين لهم إذا سلبهم شيئا من حواسهم فإنهم لا يتجهون إلا إليه فقال- تعالى-:
6:46
قُلْ اَرَءَیْتُمْ اِنْ اَخَذَ اللّٰهُ سَمْعَكُمْ وَ اَبْصَارَكُمْ وَ خَتَمَ عَلٰى قُلُوْبِكُمْ مَّنْ اِلٰهٌ غَیْرُ اللّٰهِ یَاْتِیْكُمْ بِهٖؕ-اُنْظُرْ كَیْفَ نُصَرِّفُ الْاٰیٰتِ ثُمَّ هُمْ یَصْدِفُوْنَ(۴۶)
تم فرماؤ بھلا بتاؤ تو اگر اللہ تمہارے کان آنکھ لے لے اور تمہارے دلوں پر مہر کردے (ف۱۰۶) تو اللہ سوا کون خدا ہے کہ تمہیں یہ چیزیں لادے (ف۱۰۷) دیکھو ہم کس کس رنگ سے آیتیں بیان کرتے ہیں پھر وہ منہ پھیر لیتے ہیں،

والمعنى: قل يا محمد لهؤلاء المشركين الجاحدين: أخبرونى إن سلب الله عنكم نعمتي السمع والبصر فأصبحتم لا تسمعون ولا تبصرون، وختم على قلوبكم فصرتم لا تفقهون شيئا، من إله غيره يقدر على رد ما سلب منكم وأنتم تعرفون ذلك ولا تنكرونه فلماذا تشركون معه آلهة أخرى؟ ثم التفت عنهم إلى التعجيب من حالهم فقال- تعالى- انْظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الْآياتِ ثُمَّ هُمْ يَصْدِفُونَ أى: انظر كيف ننوع الآيات والحجج والبراهين فنجعلها على وجوه شتى ليتعظوا ويعتبروا ثم هم بعد ذلك يعرضون عن الحق، وينأون عن طريق الرشاد.والاستفهام في قوله- تعالى- أَرَأَيْتُمْ للتنبيه أى: إن لم تكونوا قد رأيتم ذلك فتبينوه وتأملوا ما يدل عليه.والضمير في بِهِ يعود إلى المأخوذ وهو السمع والبصر والفؤاد.وفي قوله انْظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الْآياتِ ثُمَّ هُمْ يَصْدِفُونَ تعجيب من عدم تأثرهم رغم كثرة الدلائل وتنوعها من أسلوب إلى أسلوب.وجملة ثُمَّ هُمْ يَصْدِفُونَ معطوفة على جملة نصرف الآيات وداخلة في حكمها، وكان العطف بثم لإفادة الاستبعاد المعنوي، لأن تصريف الآيات والدلائل يدعو إلى الإقبال، فكان من المستبعد في العقول والأفهام أن يترتب عليه الإعراض والابتعاد.قال القرطبي: يَصْدِفُونَ أى: يعرضون. يقال: صدف عن الشيء إذا أعرض صدفا وصدوفا فهو صادف. فهم مائلون معرضون عن الحجج والدلالات .
6:47
قُلْ اَرَءَیْتَكُمْ اِنْ اَتٰىكُمْ عَذَابُ اللّٰهِ بَغْتَةً اَوْ جَهْرَةً هَلْ یُهْلَكُ اِلَّا الْقَوْمُ الظّٰلِمُوْنَ(۴۷)
تم فرماؤ بھلا بتاؤ تو اگر تم پر اللہ کا عذاب آئے اچانک (ف۱۰۸) یا کھلم کھلا (ف۱۰۹) تو کون تباہ ہوگا سوا ظالموں کے (ف۱۱۰)

ثم وجه عقولهم إلى لون آخر من ألوان الإقناع فقال- تعالى-:قُلْ أَرَأَيْتَكُمْ إِنْ أَتاكُمْ عَذابُ اللَّهِ بَغْتَةً أَوْ جَهْرَةً، هَلْ يُهْلَكُ إِلَّا الْقَوْمُ الظَّالِمُونَ. بغتة:أى مفاجأة، وجهرة: أى جهارا عيانا.والمعنى: قل لهم أيها الرسول الكريم أخبرونى عن مصيركم إن أتاكم عذاب الله مباغتا ومفاجئا لكم من غير ترقب ولا انتظار، أو أتاكم ظاهرا واضحا بحيث ترون مقدماته ومباديه، هل يهلك به إلا القوم الظالمون؟.والاستفهام في قوله هَلْ يُهْلَكُ بمعنى النفي، أى: ما يهلك به إلا القوم الظالمون، الذين أصروا على الشرك والجحود، فهلاكهم سببه السخط عليهم والعقوبة لهم، لأنهم عموا وصموا عن الهداية.
6:48
وَ مَا نُرْسِلُ الْمُرْسَلِیْنَ اِلَّا مُبَشِّرِیْنَ وَ مُنْذِرِیْنَۚ-فَمَنْ اٰمَنَ وَ اَصْلَحَ فَلَا خَوْفٌ عَلَیْهِمْ وَ لَا هُمْ یَحْزَنُوْنَ(۴۸)
اور ہم نہیں بھیجتے رسولوں کو مگر خوشی اور ڈر سناتے (ف۱۱۱) تو جو ایمان لائے اور سنورے (ف۱۱۲) ان کو نہ کچھ اندیشہ نہ کچھ غم،

ثم بين- سبحانه- وظيفة الرسل فقال: وَما نُرْسِلُ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ، أى: تلك سنتنا وطريقتنا في إهلاك المكذبين للرسل، والمعرضين عن دعوتهم، فإننا ما نرسل المرسلين إليهم إلا بوظيفة معينة محددة هي تقديم البشارة لمن آمن وعمل صالحا، وسوق الإنذار لمن كذب وعمل سيئا.فالجملة الكريمة كلام مستأنف مسوق لبيان وظيفة الرسل- عليهم الصلاة والسلام- ولإظهار أن ما يقترحه المشركون عليهم من مقترحات باطلة ليس من وظائف المرسلين أصلا.
6:49
وَ الَّذِیْنَ كَذَّبُوْا بِاٰیٰتِنَا یَمَسُّهُمُ الْعَذَابُ بِمَا كَانُوْا یَفْسُقُوْنَ(۴۹)
اور جنہوں نے ہماری آیتیں جھٹلائیں انہیں عذاب پہنچے گا بدلہ ان کی بے حکمی کا،

ثم بين- سبحانه- عاقبة من آمن وعاقبة من كفر فقال: فَمَنْ آمَنَ وَأَصْلَحَ فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ، وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا يَمَسُّهُمُ الْعَذابُ بِما كانُوا يَفْسُقُونَ.والمعنى: فمن آمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر، وأصلح في عمله. فلا خوف عليهم من عذاب الدنيا الذي ينزل بالجاحدين، ولا من عذاب الآخرة الذي يحل بالمكذبين، ولا هم يحزنون يوم لقاء الله على شيء فاتهم.والمس اللمس باليد، ويطلق على ما يصيب المرء من ضر أو شر- في الغالب- وفي قوله يَمَسُّهُمُ الْعَذابُ استعارة تبعية، فكأن العذاب كائن حي يفعل بهم ما يريد من الآلام والعذاب.ثم لقن الله- تعالى- رسوله صلى الله عليه وسلم الأجوبة الحاسمة التي تدمغ شبهات الكافرين، وتبين ضلال مقترحاتهم فقال:
6:50
قُلْ لَّاۤ اَقُوْلُ لَكُمْ عِنْدِیْ خَزَآىٕنُ اللّٰهِ وَ لَاۤ اَعْلَمُ الْغَیْبَ وَ لَاۤ اَقُوْلُ لَكُمْ اِنِّیْ مَلَكٌۚ-اِنْ اَتَّبِـعُ اِلَّا مَا یُوْحٰۤى اِلَیَّؕ-قُلْ هَلْ یَسْتَوِی الْاَعْمٰى وَ الْبَصِیْرُؕ-اَفَلَا تَتَفَكَّرُوْنَ۠(۵۰)
تم فرمادو میں تم سے نہیں کہتا میرے پاس اللہ کے خزانے ہیں اور نہ یہ کہوں کہ میں آپ غیب جان لیتا ہوں اور نہ تم سے یہ کہوں کہ میں فرشتہ ہوں (ف۱۱۳) میں تو اسی کا تا بع ہوں جو مجھے وحی آتی ہے (ف۱۱۴) تم فر ماؤ کیا برابر ہو جائیں گے اندھے اور انکھیا رے (ف۱۱۵) تو کیا تم غور نہیں کرتے،

والمعنى: قل يا محمد لهؤلاء المشركين الذين يقترحون عليك المقترحات الباطلة قل لهم:ليس عندي خزائن الرزق فأعطيكم منها ما تريدون، وإنما ذلك لله- تعالى- فهو الذي له خزائن السموات والأرض، وقد كان المشركون يقولون للنبي صلى الله عليه وسلم إن كنت رسولا من الله فاطلب منه أن يوسع عيشنا ويغنى فقرنا، وقل لهم كذلك إنى لا أعلم الغيب فأخبركم بما مضى وبما سيقع في المستقبل، وإنما علم ذلك عند الله، وقد كانوا يقولون له أخبرنا بما ينفعنا ويضرنا في المستقبل. حتى نستعد لتحصيل المصالح ودفع المضار، وقل لهم: إنى لست ملكا فأطلع على ما لا يطلع عليه الناس وأقدر على مالا يقدرون عليه. وقد كانوا يقولون: ما لهذا الرسول يأكل طعاما ويمشى في الأسواق ثم يتزوج النساء.ثم بين لهم وظيفته فقال: إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا ما يُوحى إِلَيَّ أى إن وظيفتي اتباع ما يوحى إلى من ربي. فأنا عبده وممتثل لأمره، وحاشاى أن أدعى شيئا من تلك الأشياء التي اقترحتموها على.فالآية الكريمة مسوقة على سبيل الاستئناف لإظهار تبريه عما يقترحونه عليه.ثم بين لهم- سبحانه- الفرق بين المهتدى والضال فقال: قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الْأَعْمى وَالْبَصِيرُ أَفَلا تَتَفَكَّرُونَ.أى: قل لهم: هل يستوي أعمى البصيرة الضال عن الصراط المستقيم الذي دعوتكم إليه، وذو البصيرة المنيرة التي اهتدت إلى الحق فآمنت به واتبعته؟فالمراد بالأعمى الكافر الذي لم يستجب للحق، وبالبصير المؤمن الذي انقاد له.والاستفهام للإنكار ونفى الوقوع، أى: كما أنه لا يتساوى أعمى العينين وبصيرهما، فكذلك لا يتساوى المهتدى والضال والرشيد والسفيه، بل إن الفرق بين المهتدى والضال أقوى وأظهر، لأنه كم من أعمى العينين وبصير القلب هو من أعلم العلماء وأهدى الفضلاء وكم من بصير العينين أعمى القلب هو أضل من الأنعام، ولذا قرعهم الله- تعالى- بقوله: أَفَلا تَتَفَكَّرُونَ؟ أى: أفلا تتفكرون في ذلك فتميزوا بين ضلالة الشرك وهداية الإسلام، وبين صفات الرب وصفات الإنسان. والاستفهام هنا للتحريض على التفكر والتدبر.
6:51
وَ اَنْذِرْ بِهِ الَّذِیْنَ یَخَافُوْنَ اَنْ یُّحْشَرُوْۤا اِلٰى رَبِّهِمْ لَیْسَ لَهُمْ مِّنْ دُوْنِهٖ وَلِیٌّ وَّ لَا شَفِیْعٌ لَّعَلَّهُمْ یَتَّقُوْنَ(۵۱)
اور اس قرآن سے انہیں ڈراؤ جنہیں خوف ہو کہ اپنے رب کی طرف یوں اٹھائے جائیں کہ اللہ کے سوا نہ ان کا کوئی حمایتی ہو نہ کوئی سفارشی اس امید پر کہ وہ پرہیزگار ہوجائیں

ثم أمر الله- تعالى- نبيه صلى الله عليه وسلم أن يجتهد في إنذار قوم يتوقع منهم الصلاح والاستجابة للحق، بعد أن أمره قبل ذلك بتوجيه دعوته إلى الناس كافة فقال تعالى: وَأَنْذِرْ بِهِ الَّذِينَ يَخافُونَ أَنْ يُحْشَرُوا إِلى رَبِّهِمْ لَيْسَ لَهُمْ مِنْ دُونِهِ وَلِيٌّ وَلا شَفِيعٌ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ.والمعنى: عظ وخوف يا محمد بهذا القرآن أولئك الذين يخافون شدة الحساب والعقاب، وتعتريهم الرهبة عند ما يتذكرون أهوال يوم القيامة لأنهم يعلمون أنه يوم لا تنفع فيه خلة ولا شفاعة، فهؤلاء هم الذين ترجى هدايتهم لرقة قلوبهم وتأثرهم بالعظات والعبر.فالمراد بهم المؤمنون العصاة الذين خلطوا عملا صالحا وآخر سيئا، ولذا قال ابن كثير:وَأَنْذِرْ بِهِ الَّذِينَ يَخافُونَ أَنْ يُحْشَرُوا إِلى رَبِّهِمْ أى وأنذر بهذا القرآن يا محمد الذين هم من خشية ربهم مشفقون، والذين يخشون ربهم ويخافون سوء الحساب أى: يوم القيامة، لَيْسَ لَهُمْ يومئذ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيٌّ وَلا شَفِيعٌ أى: لا قريب لهم ولا شفيع فيهم من عذابه إن أراده بهم لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ فيعملون في هذه الدار عملا ينجيهم الله به يوم القيامة من عذابه ويضاعف لهم الجزيل من ثوابه) .
6:52
وَ لَا تَطْرُدِ الَّذِیْنَ یَدْعُوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَدٰوةِ وَ الْعَشِیِّ یُرِیْدُوْنَ وَجْهَهٗؕ-مَا عَلَیْكَ مِنْ حِسَابِهِمْ مِّنْ شَیْءٍ وَّ مَا مِنْ حِسَابِكَ عَلَیْهِمْ مِّنْ شَیْءٍ فَتَطْرُدَهُمْ فَتَكُوْنَ مِنَ الظّٰلِمِیْنَ(۵۲)
اور دور نہ کرو انہیں جو اپنے رب کو پکارتے ہیں صبح اور شام اس کی رضا چاہتے (ف۱۱۶) تم پر ان کے حساب سے کچھ نہیں اور ان پر تمہارے حساب سے کچھ نہیں (ف۱۱۷) پھر انہیں تم دور کرو تو یہ کام انصاف سے بعید ہے

ثم أمر الله تعالى رسوله صلى الله عليه وسلم أن يقرب فقراء المسلمين من مجلسه لأنهم مع فقرهم أفضل عند الله من كثير من الأغنياء. فقال تعالى:وَلا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَداةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ.أى: لا تبعد أيها الرسول الكريم عن مجالسك هؤلاء المؤمنين الفقراء الذين يدعون ربهم صباح مساء، ويريدون بعملهم وعبادتهم وجه الله وحده بل اجعلهم جلساءك وأخصاءك فهم أفضل عند الله من الأغنياء المتغطرسين والأقوياء الجاهلين.وقد روى المفسرون في سبب نزول هذه الآية روايات منها ما جاء عن ابن مسعود قال: مر الملأ من قريش على رسول الله صلى الله عليه وسلم. وعنده خباب وصهيب وبلال وعمار فقالوا: يا محمد أرضيت بهؤلاء من قومك؟ أهؤلاء الذين منّ الله عليهم من بيننا؟ أنحن نصير تبعا لهؤلاء؟لا.. اطردهم فلعلك إن طردتهم نتبعك. فنزلت هذه الآية :ففي الآية الكريمة نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن أن يطرد هؤلاء الضعفاء من مجلسه. لأنه وإن كان صلى الله عليه وسلم يميل إلى تأليف قلوب الأقوياء للإسلام لينال بقوتهم قوة، إلا أن الله تعالى بين له أن القوة في الإيمان والعمل الصالح، وأن هؤلاء الضعفاء من المؤمنين قد وصفهم خالقهم بأنهم يتضرعون إليه في كل أوقاتهم ولا يقصدون بعبادتهم إلا وجه الله، فكيف يطردون من مجالس الخير؟.ثم قال تعالى: ما عَلَيْكَ مِنْ حِسابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ، وَما مِنْ حِسابِكَ عَلَيْهِمْ مِنْ شَيْءٍ فَتَطْرُدَهُمْ فَتَكُونَ مِنَ الظَّالِمِينَ.أى: إن الله تعالى هو الذي سيتولى حسابهم وجزاءهم ولن يعود عليك من حسابهم شيء، كما أنه لا يعود عليهم من حسابك شيء، فهم مجزيون بأعمالهم، كما أنك أنت يا محمد مجزى بعملك، فإن طردتهم استجابة لرضى غيرهم كنت من الظالمين. إذ أنهم لم يصدر عنهم ما يستوجب ذلك، وحاشا للرسول صلى الله عليه وسلم أن يطرد قوما تلك هي صفاتهم.قال صاحب الكشاف: فإن قلت: أما كفى قوله ما عَلَيْكَ مِنْ حِسابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ حتى ضم إليه وَما مِنْ حِسابِكَ عَلَيْهِمْ مِنْ شَيْءٍ؟ قلت: قد جعلت الجملتان بمنزلة جملة واحدة وقصد بهما مؤدى واحد وهو المعنى في قوله: وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى ولا يستقل بهذا المعنى إلا الجملتان جميعا كأنه قيل: لا تؤاخذ أنت ولا هم بحساب صاحبه.وقيل: الضمير للمشركين. والمعنى: لا يؤاخذون بحسابك ولا أنت بحسابهم حتى يهمك إيمانهم ويحركك الحرص عليه إلى أن تطرد المؤمنين) .وهنا تخريج آخر لقوله: ما عَلَيْكَ مِنْ حِسابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ، وَما مِنْ حِسابِكَ عَلَيْهِمْ مِنْ شَيْءٍ بأن المعنى: ما عليك شيء من حساب رزقهم ان كانوا فقراء، وما من حسابك في الفقر والغنى عليهم من شيء، أى أنت مبشر ومنذر ومبلغ للناس جميعا سواء منهم الفقير والغنى، فكيف تطرد فقيرا لفقره، وتقرب غنيا لغناه؟ إنك إن فعلت ذلك كنت من الظالمين، ومعاذ الله أن يكون ذلك منك.وقوله فَتَكُونَ مِنَ الظَّالِمِينَ جواب للنهى عن الطرد، وقوله فَتَطْرُدَهُمْ جواب لنفى الحساب.
6:53
وَ كَذٰلِكَ فَتَنَّا بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لِّیَقُوْلُوْۤا اَهٰۤؤُلَآءِ مَنَّ اللّٰهُ عَلَیْهِمْ مِّنْۢ بَیْنِنَاؕ-اَلَیْسَ اللّٰهُ بِاَعْلَمَ بِالشّٰكِرِیْنَ(۵۳)
اور یونہی ہم نے ان میں ایک دوسرے کے لئے فتنہ بنایا کہ مالدار کافر محتاج مسلمانوں کو دیکھ کر (ف۱۱۸) کہیں کیا یہ ہیں جن پر اللہ نے احسان کیا ہم میں سے (ف۱۱۹)کیا اللہ خوب نہیں جانتا حق ماننے والوں کو،

ثم قال تعالى: وَكَذلِكَ فَتَنَّا بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لِيَقُولُوا: أَهؤُلاءِ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنْ بَيْنِنا. أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِالشَّاكِرِينَ.والمعنى: ومثل ذلك الفتن. أى الابتلاء والاختبار، جعلنا بعض البشر فتنة لبعض، ليترتب على هذه الفتن أن يقول المفتونون الأقوياء في شأن الضعفاء: أهؤلاء الصعاليك خصهم الله بالإيمان من بيننا! وقد رد الله عليهم بقوله أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِالشَّاكِرِينَ أى: أليس هو بأعلم بالشاكرين له بأقوالهم وأفعالهم وضمائرهم فيوفقهم ويهديهم سبل السلام ويخرجهم من الظلمات إلى النور بإذنه ويهديهم إلى صراط مستقيم.والكاف في قوله وَكَذلِكَ فَتَنَّا بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ في محل نصب على أنها نعت لمصدر محذوف والتقدير: ومثل ذلك الفتون المتقدم الذي فهم من سياق أخبار الأمم الماضية فتنا بعض هذه الأمم ببعض، ومن مظاهر ذلك أننا ابتلينا الغنى بالفقير، والفقير بالغنى، فكل واحد مبتلى بضده، فكان ابتلاء الأغنياء الشرفاء حسدهم لفقراء الصحابة على كونهم سبقوهم إلى الإسلام وتقدموا عليهم، فامتنعوا عن الدخول في الإسلام لذلك، فكان ذلك فتنة وابتلاء لهم وأما فتنة الفقراء بالأغنياء فلما يرون من سعة رزقهم وخصب عيشهم. فكان ذلك فتنة لهم .واللام في قوله لِيَقُولُوا أَهؤُلاءِ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنْ بَيْنِنا تعليلية لأنها هي للباعث على الاختبار أى: ومثل ذلك الفتون فتنا ليقولوا هذه المقالة ابتلاء منا وامتحانا.والاستفهام في قوله أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِالشَّاكِرِينَ للتقرير على أكمل وجه لأنه سبحانه محيط بكل صغير وكبير ودقيق وجليل.وكذلك تكون الآيات الكريمة قد قررت أن الفضل ليس بالغنى ولا بالجاه ولا بالقوة في الدنيا، ولكنه بمقدار شكر الله على ما أنعم، وأنه سبحانه هو العالم وحده بمن يستحق الفضل علما ليس فوقه علم.
6:54
وَ اِذَا جَآءَكَ الَّذِیْنَ یُؤْمِنُوْنَ بِاٰیٰتِنَا فَقُلْ سَلٰمٌ عَلَیْكُمْ كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلٰى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَۙ-اَنَّهٗ مَنْ عَمِلَ مِنْكُمْ سُوْٓءًۢا بِجَهَالَةٍ ثُمَّ تَابَ مِنْۢ بَعْدِهٖ وَ اَصْلَحَ فَاَنَّهٗ غَفُوْرٌ رَّحِیْمٌ(۵۴)
اور جب تمہارے حضور وہ حاضر ہوں جو ہماری آیتوں پر ایمان لاتے ہیں تو ان سے فرماؤ تم پر سلام تمہارے رب نے اپنے ذمہ کرم پر رحمت لازم کرلی ہے (ف۱۲۰) کہ تم میں جو کوئی نادانی سے کچھ برائی کر بیٹھے پھر اس کے بعد توبہ کرے اور سنور جائے تو بیشک اللہ بخشنے والا مہربان ہے،

السلام والسلامة مصدران من الثلاثي. يقال سلم فلان من المرض أو من البلاء سلاما وسلامة ومعناهما البراءة والعافية. ويستعمل السلام في التحية، وهو بمعنى الدعاء بالسلامة من كل سوء، فهو آية المودة والأمان والصفاء.والمعنى: وإذا حضر إلى مجالسك يا محمد أولئك الذين يؤمنون بآياتنا ويعتقدون صحتها فقل لهم: تحية لكم من خالقكم وبشارة لكم بمغفرته ورضوانه مادمتم متبعين لهديه، ومحافظين على فرائضه.كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ أى أنه سبحانه أوجب على نفسه الرحمة لعباده تفضلا منه وكرما.ثم بين سبحانه أصلا من أصول الدين في هذه الرحمة المكتوبة فقال أَنَّهُ مَنْ عَمِلَ مِنْكُمْ سُوءاً بِجَهالَةٍ ثُمَّ تابَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَصْلَحَ فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ.أى أنه من عمل منكم عملا تسوء عاقبته متلبسا بجهالة دفعته إلى ذلك السوء كغضب شديد ثم تاب من بعد تلك الجهالة وأصلح خطأه وندم على ما بدر منه، ورد المظالم إلى أهلها، فالله سبحانه شأنه في معاملته لهذا التائب النادم أنه غفور رحيم» .
6:55
وَ كَذٰلِكَ نُفَصِّلُ الْاٰیٰتِ وَ لِتَسْتَبِیْنَ سَبِیْلُ الْمُجْرِمِیْنَ۠(۵۵)
اور اسی طرح ہم آیتوں کو مفصل بیان فرماتے ہیں (ف۱۲۱) اور اس لیے کہ مجرموں کا راستہ ظاہر ہوجائے (ف۱۲۲)

ثم قال تعالى وَكَذلِكَ نُفَصِّلُ الْآياتِ المنزلة في بيان الحقائق التي يهتدى بها أهل النظر الصحيح والفقه الدقيق.وَلِتَسْتَبِينَ سَبِيلُ الْمُجْرِمِينَ أى ولأجل أن يظهر بها طريق المجرمين فيمتازوا بها عن جماعة المسلمين.
6:56
قُلْ اِنِّیْ نُهِیْتُ اَنْ اَعْبُدَ الَّذِیْنَ تَدْعُوْنَ مِنْ دُوْنِ اللّٰهِؕ-قُلْ لَّاۤ اَتَّبِـعُ اَهْوَآءَكُمْۙ-قَدْ ضَلَلْتُ اِذًا وَّ مَاۤ اَنَا مِنَ الْمُهْتَدِیْنَ(۵۶)
تم فرماؤ مجھے منع کیا گیا ہے کہ انہیں پوجوں جن کو تم اللہ کے سوا پوجتے ہو (ف۱۲۳) تم فرماؤ میں تمہاری خواہشوں پر نہیں چلتا (ف۱۲۴) یوں ہو تو میں بہک جاؤں اور راہ پر نہ رہوں،

ثم أمر الله- تعالى- نبيه صلى الله عليه وسلم، أن يصارح أعداءه ببراءته من شركهم ومن اتباع باطلهم فقال- تعالى-: قُلْ إِنِّي نُهِيتُ.قال الإمام الرازي: اعلم أنه- تعالى- لما ذكر في الآية المتقدمة ما يدل على أنه يفصل الآيات ليظهر الحق وليستبين سبيل المجرمين. ذكر في هذه الآية أنه- تعالى- نهى عن سلوك سبيلهم فقال: إنى نهيت أن أعبد الذين تدعون من دون الله، وبين أن الذين يعبدونها إنما يعبدونها بناء على محض الهوى والتقليد لا على سبيل الحجة والدليل، لأنها جمادات وأحجار وهي أخس مرتبة من الإنسان بكثير. وكون الأشرف مشتغلا بعبادة الأخس أمر يدفعه صريح العقل، وأيضا فالقوم كانوا ينحتون تلك الأصنام ويركبونها، ومن المعلوم بالبديهة أنه يقبح من هذا العامل الصانع أن يعبد معموله ومصنوعه، فثبت أن عبادتها مبنية على الهوى ومضادة للهدى» .والمعنى: قل يا محمد لهؤلاء المشركين الذين يريدون منك أن تركن إليهم: إن الله نهاني وصرفني بفضله، وبما منحني من عقل مفكر عن عبادة الآلهة التي تعبدونها من دون الله، وقل- أيضا- لهم بكل صراحة وقوة: إنى لست متبعا لما تمليه عليكم أهواؤكم وشهواتكم من انقياد للأباطيل، ولو أنى ركنت إليكم لضللت عن الحق وكنت خارجا عن طائفة المهتدين.فالآية الكريمة قطعت بكل حسم ووضوح أطماعهم الفارغة في استمالة النبي صلى الله عليه وسلم إلى أهوائهم، ووصمتهم بأنهم في الضلال غارقون، وعن الهدى مبتعدون.وجاءت كلمة نُهِيتُ بالبناء للمجهول للاستغناء عن ذكر الفاعل لظهوره أى: نهاني الله- تعالى- عن ذلك. وأجرى على الأصنام اسم الموصول الموضوع للعقلاء لأنهم عاملوهم معاملة العقلاء فأتى لهم بما يحكى اعتقادهم.قال أبو حيان: و «تدعون» معناه تعبدون: وقيل معناه تسمونهم آلهة من دعوت ولدي زيدا أى سميته بهذا الإسم. وقيل تدعون في أموركم وحوائجكم وفي قوله تدعون من دون الله استجهال لهم ووصف بالاقتحام فيما كانوا منه على غير بصيرة، ولفظة نهيت أبلغ من النفي بلا أعبد إذ ورد فيه ورود تكليف» .وجملة قُلْ لا أَتَّبِعُ أَهْواءَكُمْ مستأنفة، وعدل بها عن العطف إلى الاستئناف لتكون غرضا مستقلا، وأعيد الأمر بالقول زيادة في الاهتمام بالاستئناف واستقلاله ليكون هذا النفي شاملا للاتباع في عبادة الأصنام وفي غيرها من ألوان ضلالهم كطلبهم طرد المؤمنين من مجلسه، وعبر بقوله قُلْ لا أَتَّبِعُ أَهْواءَكُمْ دون لا أتبعكم. للإشارة إلى أنهم في عبادتهم لغير الله تابعون للأهواء الباطلة، نابذون للأدلة العقلية، وفي هذا أكبر برهان على انطماس بصيرتهم، وبنائهم لدينهم على الأوهام والأباطيل.وجملة قَدْ ضَلَلْتُ إِذاً جواب لشرط مقدر. أى: إن اتبعت أهواءكم فقد ضللت إذا وما اهتديت.وجملة وَما أَنَا مِنَ الْمُهْتَدِينَ معطوفة على جملة قَدْ ضَلَلْتُ ومؤكدة لمضمونها أى: إنه إن فعل ذلك- على سبيل الفرض والتقدير- خرج عن الحالة التي هو عليها الآن من كونه في عداد المهتدين إلى كونه في زمرة الضالين.والتعبير بقوله وَما أَنَا مِنَ الْمُهْتَدِينَ أبلغ من قوله وما أنا مهتد، لأن التعريف في المهتدين تعريض للجنس، وإخبار المتكلم عن نفسه بأنه من المهتدين يفيد أنه واحد من الفئة التي تعرف عند الناس بفئة المهتدين، فيفيد أنه مهتد بطريقة تشبه طريقة الاستدلال، فهو من قبيل الكناية التي هي إثبات الشيء بإثبات ملزومه وهي أبلغ من التصريح. ولذا قال صاحب الكشاف:قولك فلان من العلماء أبلغ من قولك فلان عالم، لأنك تشهد له بكونه معدودا في زمرتهم ومعرفة مساهمته معهم في العلم» .وبعد أن أمر الله- تعالى- نبيه بمصارحة المشركين بأنه لن يكون في يوم من الأيام متبعا لأهوائهم، أمره أن يخبرهم بأنه على الحق الواضح الذي لا يضل متبعه، وبأن الله وحده هو الذي سيقضي بينه وبينهم فقال- تعالى-:
6:57
قُلْ اِنِّیْ عَلٰى بَیِّنَةٍ مِّنْ رَّبِّیْ وَ كَذَّبْتُمْ بِهٖؕ-مَا عِنْدِیْ مَا تَسْتَعْجِلُوْنَ بِهٖؕ-اِنِ الْحُكْمُ اِلَّا لِلّٰهِؕ-یَقُصُّ الْحَقَّ وَ هُوَ خَیْرُ الْفٰصِلِیْنَ(۵۷)
تم فرماؤ میں تو اپنے رب کی طرف سے روشن دلیل پر ہوں (ف۱۲۵) اور تم اسے جھٹلاتے ہو میرے پاس نہیں جس کی تم جلدی مچارہے ہو (ف۱۲۶) حکم نہیں مگر اللہ کا وہ حق فرماتا ہے اور وہ سب سے بہتر فیصلہ کرنے والا،

البينة: الدلالة الواضحة من بان يبين إذا ظهر، أو الحجة الفاصلة بين الحق والباطل على أنها من البينونة أى الانفصال.والمعنى: قل يا محمد لهؤلاء المشركين الذين يريدون منك اتباع أهوائهم كيف يتأتى لي ذلك وأنا على شريعة واضحة وملة صحيحة لا يعتريها شك، ولا يخالطها زيغ لأنها كائنة من ربي الذي لا يضل ولا ينسى.والتنوين في كلمة بَيِّنَةٍ للتفخيم والتعظيم، وهي صفة لموصوف محذوف للعلم به في الكلام، أى: على حجة بينة واضحة محقة للحق ومبطلة للباطل فأنا لن أتزحزح عنها أبدا.وفي ذلك تعريض بالمشركين بأنهم ليسوا على بصيرة من أمرهم، وإنما هم قد اتبعوا ما وجدوا عليه آباءهم بغير علم ولا هدى ولا كتاب منير.وجملة وَكَذَّبْتُمْ بِهِ في موضع الحال من بَيِّنَةٍ وهي تفيد التعجب منهم حيث كذبوا بما دلت عليه البينات، واتفقت على صحته العقول السليمة.والضمير في قوله بِهِ يعود على الله- تعالى- أى: وكذبتم بالله مع أن دلائل توحيده ظاهرة واضحة.وقيل: يعود على البينة والتذكير باعتبار أنها بمعنى البيان.
6:58
قُلْ لَّوْ اَنَّ عِنْدِیْ مَا تَسْتَعْجِلُوْنَ بِهٖ لَقُضِیَ الْاَمْرُ بَیْنِیْ وَ بَیْنَكُمْؕ-وَ اللّٰهُ اَعْلَمُ بِالظّٰلِمِیْنَ(۵۸)
تم فرماؤ اگر میرے پاس ہوتی وہ چیز جس کی تم جلدی کررہے ہو (ف۱۲۷) تو مجھ میں تم میں کام ختم ہوچکا ہوتا (ف۱۲۸) اور اللہ خوب جانتا ہے ستمگاروں کو،

وقيل: يعود على القرآن أى والحال أنكم كذبتم بالقرآن الذي هو بينتي من ربي.وقوله: ما عِنْدِي ما تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ أى: ليس في مقدوري أن أنزل بكم ما تستعجلونه من العذاب، وإنما ذلك مرجعه إلى الله وحده.وهذه الجملة الكريمة رد على المشركين الذين استعجلوا نزول العذاب عند ما أنذرهم النبي صلى الله عليه وسلم بسوء المصير إذا ما استمروا في ضلالهم، فقد حكى القرآن عنهم أنهم قالوا اللَّهُمَّ إِنْ كانَ هذا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنا حِجارَةً مِنَ السَّماءِ أَوِ ائْتِنا بِعَذابٍ أَلِيمٍ فكان رد النبي صلى الله عليه وسلم عليهم بأن الذي يملك إنزال العذاب بهم إنما هو الله وحده، وتأخير العذاب عنهم إنما هو لحكمة يعلمها الله، فهو وحده الذي يقدر وقت نزوله.وقوله إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ أى: ما الحكم في تعجيل العذاب أو تأخيره وفي كل شأن من شئون الخلق إلا لله وحده فهو- سبحانه- الذي ينزل قضاءه حسب سنته الحكيمة، وموازينه الدقيقة.وقرأ الكسائي وغيره «يقص الحق» ، أى: يقص- سبحانه- القضاء الحق في كل شأن من شئونه.وقيل: يعود على البينة والتذكير باعتبار أنها بمعنى البيان.وقيل: يعود على القرآن أى والحال أنكم كذبتم بالقرآن الذي هو بينتي من ربي.وقوله: ما عِنْدِي ما تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ أى: ليس في مقدوري أن أنزل بكم ما تستعجلونه من العذاب، وإنما ذلك مرجعه إلى الله وحده.وهذه الجملة الكريمة رد على المشركين الذين استعجلوا نزول العذاب عند ما أنذرهم النبي صلى الله عليه وسلم بسوء المصير إذا ما استمروا في ضلالهم، فقد حكى القرآن عنهم أنهم قالوا اللَّهُمَّ إِنْ كانَ هذا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنا حِجارَةً مِنَ السَّماءِ أَوِ ائْتِنا بِعَذابٍ أَلِيمٍ فكان رد النبي صلى الله عليه وسلم عليهم بأن الذي يملك إنزال العذاب بهم إنما هو الله وحده، وتأخير العذاب عنهم إنما هو لحكمة يعلمها الله، فهو وحده الذي يقدر وقت نزوله.وقوله إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ أى: ما الحكم في تعجيل العذاب أو تأخيره وفي كل شأن من شئون الخلق إلا لله وحده فهو- سبحانه- الذي ينزل قضاءه حسب سنته الحكيمة، وموازينه الدقيقة.وقرأ الكسائي وغيره «يقص الحق» ، أى: يقص- سبحانه- القضاء الحق في كل شأن من شئونه.قال ابن كثير: فالجواب على ذلك- والله أعلم- أن هذه الآية دلت على أنه لو كان إليه وقوع العذاب الذي يطلبونه حال طلبهم له لأوقعه بهم، وأما الحديث فليس فيه أنهم سألوه وقوع العذاب بهم، بل عرض عليه ملك الجبال أنه إن شاء أطبق عليهم الأخشبين وهما جبلا مكة يكتنفانها جنوبا وشمالا فلهذا استأنى بهم وسأل الرفق لهم» .
6:59
وَ عِنْدَهٗ مَفَاتِحُ الْغَیْبِ لَا یَعْلَمُهَاۤ اِلَّا هُوَؕ-وَ یَعْلَمُ مَا فِی الْبَرِّ وَ الْبَحْرِؕ-وَ مَا تَسْقُطُ مِنْ وَّرَقَةٍ اِلَّا یَعْلَمُهَا وَ لَا حَبَّةٍ فِیْ ظُلُمٰتِ الْاَرْضِ وَ لَا رَطْبٍ وَّ لَا یَابِسٍ اِلَّا فِیْ كِتٰبٍ مُّبِیْنٍ(۵۹)
اور اسی کے پاس ہیں کنجیاں غیب کی انہیں وہی جانتا ہے (ف۱۲۹) اور جانتا ہے جو کچھ خشکی اور تری میں ہے، اور جو پتّا گرتا ہے وہ اسے جانتا ہے اور کوئی دانہ نہیں زمین کی اندھیریوں میں اور نہ کوئی تر اور نہ خشک جو ایک روشن کتاب میں لکھا نہ ہو(ف۱۳۰)

ثم يمضى السياق القرآنى مع المكذبين المتعجلين للعذاب، فيسوق لهم صورة لعلم الله الشامل الذي لا يند عنه شيء وَعِنْدَهُ مَفاتِحُ الْغَيْبِ لا يَعْلَمُها إِلَّا هُوَ.قال القرطبي: مَفاتِحُ جمع مفتح، ويقال مفتاح ويجمع مفاتيح، وهي قراءة ابن السميقع، والمفتح عبارة عن كل ما يخل غلقا محسوسا كان كالقفل على البيت، أو معقولا كالنظر، وروى ابن ماجة في سننه وأبى حاتم البستي في صحيحه عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن من الناس مفاتيح للخير مغاليق للشر، وإن من الناس مفاتيح للشر مغاليق للخير فطوبى لمن جعل الله مفاتيح الخير على يديه، وويل لمن جعل الله مفاتيح الشر على يديه» ، وهو في الآية استعارة عن التوصل إلى الغيوب كما يتوصل في الشاهد بالمفتح إلى الغيب عن الإنسان. ولذلك قال بعضهم هو مأخوذ من قول الناس افتح على كذا، أى: أعطنى أو علمني ما أتوصل إليه به فالله- تعالى- عنده علم الغيب، وبيده الطرق الموصلة إليه لا يملكها إلا هو، فمن شاء اطلاعه عليها أطلعه، ومن شاء حجبه عنها حجبه» .والغيب: ما غاب عن علم الناس بحيث لا سبيل لهم إلى معرفته، وهو يشمل الأعيان المغيبة كالملائكة والجن، ويشمل الأعراض الخفية ومواقيت الأشياء وغير ذلك. وقدم الظرف لإفادة الاختصاص، أى: عنده لا عند غيره مفاتيح الغيب، وجملة «لا يعلمها إلا هو» في موضع الحال من مفاتح، وهي مؤكدة لمضمون ما قبلها.ومعنى لا يَعْلَمُها إِلَّا هُوَ أى: لا يعلم الغيوب علما تاما مستقلا إلا هو- سبحانه- فأما ما أطلع عليه بعض أصفيائه من الغيوب فهو إخبار منه لهم، فكان في الأصل راجعا إلى علمه هو. قال- تعالى- عالِمُ الْغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلى غَيْبِهِ أَحَداً إِلَّا مَنِ ارْتَضى مِنْ رَسُولٍ.ثم بين- سبحانه- أن علمه ليس مقصورا على المغيبات، وإنما هو يشملها كما يشمل المشاهدات فقال: وَيَعْلَمُ ما فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ.قال الراغب: أصل البحر كل مكان واسع جامع للماء الكثير، وقيل إن أصله الماء الملح دون العذب وأطلق على النهر بالتوسع أو التغليب، والبر ما يقابله من الأرض وهو ما يسمى باليابسة.وهذه الجملة معطوفة على جملة، وعنده مفاتح الغيب، لإفادة تعميم علمه- سبحانه- بالأشياء الظاهرة المتفاوتة في الظهور بعد إفادة علمه بما لا يظهر للناس.وقدم ذكر البر على البحر على طريقة الترقي من الأقل إلى الأعظم، لأن قسم البحر من الأرض أكبر من قسم البر، وخفاياه أكثر وأعظم، وخصهما بالذكر لأنهما أعظم المخلوقات المجاورة للبشر.ثم صرح- سبحانه- بشمول علمه لكل كلى وجزئى، ولكل صغير وكبير، ولكل دقيق وجليل، فقال- تعالى- وَما تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُها. وَلا حَبَّةٍ فِي ظُلُماتِ الْأَرْضِ وَلا رَطْبٍ وَلا يابِسٍ إِلَّا فِي كِتابٍ مُبِينٍ.أى: وما تسقط ورقة ما من شجرة من الأشجار ولا حبة في باطن الأرض وأجوافها، ولا رطب ولا يابس من الثمار أو غيرها إلا ويعلمه الله علما تاما شاملا، لأن كل ذلك مكتوب ومحفوظ في العلم الإلهى الثابت.وجملة وَما تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُها معطوفة على جملة، ويعلم ما في البر والبحر، لقصد زيادة التعميم في الجزئيات الدقيقة.والمراد بظلمات الأرض بطونها، وكنّى بالظلمة عن البطن لأنه لا يدرك ما فيه كما لا يدرك ما في الظلمة.وقوله إِلَّا فِي كِتابٍ مُبِينٍ تأكيد لقوله «لا يعلمها» لأن المراد بالكتاب المبين علم الله- تعالى- الذي وسع كل شيء، أو اللوح المحفوظ الذي هو محل معلوماته- عز وجل-.قال الإمام الرازي: قال الزجاج: يجوز أن الله- تعالى-: أثبت كيفية المعلومات في كتاب من قبل أن يخلق الخلق كما قال- تعالى-: ما أَصابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَها.ثم قال الإمام الرازي: وفائدة هذا الكتاب أمور:أحدها: أنه- تعالى-: إنما كتب هذه الأحوال في اللوح المحفوظ لتقف الملائكة على نفاذ علمه في المعلومات، وأنه لا يغيب عنه مما في السموات والأرض شيء، فيكون ذلك عبرة تامة كاملة للملائكة الموكلين باللوح المحفوظ لأنهم يقابلون به ما يحدث في صحيفة هذا العالم فيجدونه موافقا له.وثانيها: أنه يجوز أن يقال: أنه- تعالى-: ذكر ما ذكر من الورقة والحبة تنبيها للمكلفين على أمر الحساب، وإعلاما بأنه لا يفوته من كل ما يصنعون في الدنيا شيء، لأنه إذا كان لا يهمل الأحوال التي ليس فيها ثواب ولا عقاب ولا تكليف فبأن لا يهمل الأحوال المشتملة على الثواب والعقاب أولى.وثالثها: أنه- تعالى-: علم أحوال جميع الموجودات، فيمتنع تغييرها عن مقتضى ذلك العلم وإلا لزم الجهل، فإذا كتب أحوال جميع الموجودات في ذلك الكتاب على التفصيل التام امتنع- أيضا- تغييرها، وإلا لزم الكذب، فتصير كتابة جملة الأحوال في ذلك الكتاب موجبا.تاما، وسببا كاملا في أنه يمتنع تقدم ما تأخر وتأخر ما تقدم كما قال صلى الله عليه وسلم «جف القلم بما هو كائن إلى يوم القيامة» .ويؤخذ من هذه الآية الكريمة أمور من أهمها:أن علم الله- تعالى-: محيط بالكليات والجزئيات، وبكل شيء في هذا الكون، وبذلك يتبين بطلان رأى بعض الفلاسفة الذين قالوا بأن الله يعلم الكليات ولا يعلم الجزئيات.أن علم الغيب مرده إلى الله وحده، قال الحاكم: دل قوله تعالى وَعِنْدَهُ مَفاتِحُ الْغَيْبِ لا يَعْلَمُها إِلَّا هُوَ على بطلان قول الإمامية: إن الإمام يعلم شيئا من الغيب» .وقال القاسمى: قال صاحب «فتح البيان» : في هذه الآية الشريفة ما يدفع أباطيل الكهان والمنجمين وغيرهم من مدعى الكشف والإلهام ما ليس من شأنهم ولا يدخل تحت قدرتهم ولا يحيط به علمهم. ولقد ابتلى الإسلام وأهله بقوم سوء من هذه الأجناس الضالة والأنواع المخذولة، ولم يربحوا من أكاذيبهم وأباطيلهم سوى خطة السوء المذكورة في قول الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم «من أتى كاهنا أو منجما فقد كفر بما أنزل على محمد» قال ابن مسعود «أوتى نبيكم كل شيء إلا مفاتيح الغيب» .وروى البخاري بسنده عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: مفاتيح الغيب خمس لا يعلمها إلا الله. لا يعلم أحد ما يكون في غد إلا الله، ولا يعلم أحد ما يكون في الأرحام إلا الله.ولا تعلم نفس ماذا تكسب غدا، ولا تدرى نفس بأى أرض تموت، ولا يدرى أحد متى يجيء المطر» .وقال القرطبي: قال علماؤنا: أضاف- سبحانه علم الغيب إلى نفسه في غير ما آية من كتابه إلا من اصطفى من عباده، فمن قال: إنه ينزل الغيث غدا وجزم فهو كافر، وكذلك من قال: إنه يعلم ما في الرحم فهو كافر. وفي صحيح مسلم عن عائشة قالت: من زعم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يخبر بما يكون في غد فقد أعظم على الله الفرية والله تعالى يقول: قُلْ لا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ. ثم قال: وقد انقلبت الأحوال في هذه الأزمان بإتيان المنجمين والكهان لا سيما بالديار المصرية فقد شاع في رؤسائهم وأتباعهم وأمرائهم اتخاذ المنجمين، بل ولقد انخدع كثير من المنتسبين للفقر والدين فلجأوا إلى هؤلاء الكهنة والعرافين فبهرجوا عليهم بالمحال، واستخرجوا منهم الأموال، فحصلوا من أقوالهم على السراب والآل ، ومن أديانهم على الفساد والضلال، وكل ذلك من الكبائر لحديث النبي صلى الله عليه وسلم «من أتى عرافا فسأله عن شيء لم تقبل له صلاة أربعين يوما» والعراف هو الحازر والمنجم الذي يدعى علم الغيب .وبعد أن بين- سبحانه-: شمول علمه لكل شيء، أتبع ذلك بالحديث عن كمال قدرته، ونفاذ إرادته فقال- تعالى-:
6:60
وَ هُوَ الَّذِیْ یَتَوَفّٰىكُمْ بِالَّیْلِ وَ یَعْلَمُ مَا جَرَحْتُمْ بِالنَّهَارِ ثُمَّ یَبْعَثُكُمْ فِیْهِ لِیُقْضٰۤى اَجَلٌ مُّسَمًّىۚ-ثُمَّ اِلَیْهِ مَرْجِعُكُمْ ثُمَّ یُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُوْنَ۠(۶۰)
اور وہی ہے جو رات کو تمہاری روحیں قبض کرتا ہے (ف۱۳۱) اور جانتا ہے جو کچھ دن میں کماؤ پھر تمہیں دن میں اٹھاتا ہے کہ ٹھہرائی ہوئی میعاد پوری ہو (ف۱۳۲) پھر اسی کی طرف پھرنا ہے (ف۱۳۳) پھر وہ بتادے گا جو کچھ تم کرتے تھے،

قوله- تعالى-: وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ بِاللَّيْلِ أى: ينيمكم فيه. والتوفي أخذ الشيء وافيا، أى تاما كاملا. والتوفي يطلق حقيقة على الإماتة، وإطلاقه على النوم- كما هنا- مجاز لشبه النوم بالموت في انقطاع الإدراك والعمل والإحساس قال- تعالى-: اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِها وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنامِها فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الْأُخْرى إِلى أَجَلٍ مُسَمًّىفهذه الآية صريحة في أن التوفي أعم من الموت، فقد صرحت بأن الأنفس التي تتوفى في منامها غير ميتة، فهناك وفاتان: وفاة كبرى وتكون بالموت، ووفاة صغرى وتكون بالنوم.والمعنى: وهو- سبحانه- الذي يتوفى أنفسكم في حالة نومكم بالليل، دون غيره لأن غيره لا يملك موتا ولا حياة ولا نشورا.وَيَعْلَمُ ما جَرَحْتُمْ بِالنَّهارِ أى: ما كسبتم وعملتم فيه من أعمال. وأصل الجرح تمزيق جلد الحي بشيء محدد مثل السكين والسيف والظفر والناب وأطلق هنا على ما يكتسبه الإنسان بجوارحه من يد أو رجل أو لسان.وتخصيص الليل بالنوم، والنهار بالكسب جريا على المعتاد، لأن الغالب أن يكون النوم ليلا، وأن يكون الكسب والعمل نهارا، قال- تعالى-:وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ لِباساً وَجَعَلْنَا النَّهارَ مَعاشاً.ثُمَّ يَبْعَثُكُمْ فِيهِ لِيُقْضى أَجَلٌ مُسَمًّى أى: ثم إنه بعد توفيكم بالنوم يوقظكم منه في النهار، لأجل أن يقضى كل فرد أجله المسمى في علم الله- تعالى-، والمقدر له في هذه الدنيا، فقد جعل- سبحانه- لأعماركم آجالا محددة لا بد من قضائها وإتمامها.وجملة ثُمَّ يَبْعَثُكُمْ فِيهِ معطوفة على يَتَوَفَّاكُمْ بِاللَّيْلِ فتكون ثم للمهلة الحقيقية وهو الأظهر.ثُمَّ إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ، ثُمَّ يُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ أى: ثم إليه وحده يكون رجوعكم بعد انقضاء حياتكم في هذه الدنيا، فيحاسبكم على أعمالكم التي اكتسبتموها فيها، إن خيرا فخير وإن شرا فشر.فالآية الكريمة تسوق للناس مظهرا من مظاهر قدرة الله وتبرهن لهم على صحة البعث والحساب يوم القيامة، لأن النشأة الثانية- كما يقول القرطبي- منزلتها بعد الأولى كمنزلة اليقظة بعد النوم في أن من قدر على أحدهما فهو قادر على الأخرى.هذا، ويرى جمهور المفسرين أن ظاهر الخطاب في الآية للمؤمنين والكافرين، ولكن الزمخشري خالف في ذلك فجعلها خطابا للكافرين فقال: وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ بِاللَّيْلِ الخطاب للكفرة، أى: أنتم منسدحون الليل كله كالجيف- أى مسطحون على القفا- وَيَعْلَمُ ما جَرَحْتُمْ بِالنَّهارِ ما كسبتم من الآثام فيه ثُمَّ يَبْعَثُكُمْ فِيهِ من القبور في شأن ذلك الذي قطعتم به أعماركم من النوم بالليل وكسب الآثام بالنهار لِيُقْضى أَجَلٌ مُسَمًّى وهو الأجل الذي سماه وضربه لبعث الموتى وجزائهم على أعمالهم .والذي نراه أن رأى الجمهور أرجح لأنه لم يرد نص يدل على تخصيص الخطاب في الآية للكافرين.
6:61
وَ هُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهٖ وَ یُرْسِلُ عَلَیْكُمْ حَفَظَةًؕ-حَتّٰۤى اِذَا جَآءَ اَحَدَكُمُ الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا وَ هُمْ لَا یُفَرِّطُوْنَ(۶۱)
اور وہی غالب ہے اپنے بندوں پر اور تم پر نگہبان بھیجتا ہے (ف۱۳۴) یہاں تک کہ جب تم میں کسی کو موت آتی ہے ہمارے فرشتے اس کی روح قبض کرتے ہیں (ف۱۳۵) اور وہ قصور نہیں کرتے(ف۱۳۶)

ثم قال- تعالى-: وَهُوَ الْقاهِرُ فَوْقَ عِبادِهِ أى: وهو الغالب المتصرف في شئون خلقه يفعل بهم ما يشاء إيجادا وإعداما وإحياء وإماتة وإثابة وعقابا إلى غير ذلك، والمراد بالفوقية فوقية المكانة والرتبة لا فوقية المكان والجهة.قال الإمام الرازي: وتقرير هذا القهر من وجوه:الأول: أنه قهار للعدم بالتكوين والإيجاد.والثاني: أنه قهار للوجود بالإفناء والإفساد، فإنه- تعالى- هو الذي ينقل الممكن من العدم إلى الوجود تارة، ومن الوجود إلى العدم تارة أخرى، فلا وجود إلا بإيجاده، ولا عدم إلا بإعدامه في الممكنات.والثالث: أنه قهار لكل ضد بضده، فيقهر النور بالظلمة، والظلمة بالنور، والنهار بالليل، والليل بالنهار، وتمام تقريره في قوله: قُلِ اللَّهُمَّ مالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ .وقوله وَيُرْسِلُ عَلَيْكُمْ حَفَظَةً أى: ويرسل عليكم ملائكة تحفظ أعمالكم وتحصيها وتسجل ما تعملونه من خير أو شر. قال: - تعالى-: وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحافِظِينَ كِراماً كاتِبِينَ يَعْلَمُونَ ما تَفْعَلُونَ وقال- تعالى-: إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيانِ عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمالِ قَعِيدٌ. ما يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ.وفي الصحيحين عن أبى هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «يتعاقبون فيكم ملائكة بالليل وملائكة بالنهار يجتمعون في صلاة الفجر وصلاة العصر ثم يعرج بالذين باتوا فيكم فيسألهم ربهم وهو أعلم بهم: كيف تركتم عبادي فيقولون: تركناهم وهم يصلون، وأتيناهم وهم يصلون» .قال صاحب الكشاف: فإن قلت إن الله- تعالى- غنى بعلمه عن كتابة الملائكة فما فائدتها؟ قلت: فيها لطف للعباد، لأنهم إذا علموا أن الله رقيب عليهم، والملائكة الذين هم أشرف خلقه موكلون بهم يحفظون عليهم أعمالهم ويكتبونها في صحائف تعرض على رءوس الأشهاد في مواقف القيامة، كان ذلك أزجر لهم عن القبيح وأبعد عن السوء) .وجملة وَيُرْسِلُ عَلَيْكُمْ حَفَظَةً يجوز أن تكون معطوفة على اسم الفاعل الواقع صلة ل (أل) ، لأنه في معنى يقهر والتقدير وهو الذي يقهر عباده ويرسل، فعطف الفعل على الإسم لأنه في تأويله.وقوله حَتَّى إِذا جاءَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنا وَهُمْ لا يُفَرِّطُونَ أى: حتى إذا احتضر أحدكم وحان أجله قبضت روحه ملائكتنا الموكلون بذلك حالة كونهم لا يتوانون ولا يتأخرون في أداء مهمتهم.قال الآلوسى: وحتى في قوله: حَتَّى إِذا جاءَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ هي التي يبتدأ بها الكلام وهي مع ذلك تجعل ما بعدها من الجملة الشرطية غاية لما قبلها، كأنه قيل: ويرسل عليكم حفظة يحفظون ما يحفظون منكم مدة حياتكم، حتى إذا انتهت مدة أحدكم وجاءت أسباب الموت ومباديه توفته رسلنا الآخرون المفوض إليهم ذلك، وانتهى هناك حفظ الحفظة. والمراد بالرسل- على ما أخرجه ابن جرير وأبو الشيخ عن ابن عباس- أعوان ملك الموت .وقال الجمل: فإن قلت: إن هناك آية تقول: اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِها وثانية تقول: قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ والتي معنا تقول تَوَفَّتْهُ رُسُلُنا فكيف الجمع بين هذه الآيات؟.فالجواب على ذلك أن المتوفى في الحقيقة هو الله، فإذا حضر أجل العبد أمر الله ملك الموت بقبض روحه، ولملك الموت أعوان من الملائكة فيأمرهم بنزع روح ذلك العبد من جسده، فإذا وصلت إلى الحلقوم تولى قبضها ملك الموت نفسه، وقيل المراد من قوله تَوَفَّتْهُ رُسُلُنا ملك الموت وحده وإنما ذكر بلفظ الجمع تعظيما له .
6:62
ثُمَّ رُدُّوْۤا اِلَى اللّٰهِ مَوْلٰىهُمُ الْحَقِّؕ-اَلَا لَهُ الْحُكْمُ- وَ هُوَ اَسْرَعُ الْحٰسِبِیْنَ(۶۲)
پھر پھیرے جاتے ہیں اپنے سچے مولیٰ اللہ کی طرف سنتا ہے اسی کا حکم (ف۱۳۷) اور وہ سب سے جلد حساب کرنے والا (ف۱۳۸)

ثم صرح - سبحانه - بأن مصير الخلق جميعا إليه فقال : ثُمَّ ردوا إلى الله مَوْلاَهُمُ الحق أى : ثم رد الله - تعالى - هؤلاء الذين توفتهم الملائكة إلى مالكهم الحق الذى لا يشوب ملكه باطل ليتولى حسابهم وجزاءهم على أعمالهم .فالضمير ردوا يعود على الخلائق الذين توفتهم الملائكة والمدلول عليهم بأحد . والسر فى الإفراد أولا الجمع ثانياً وقوع التوفى على الأفراد والرد على الاجتماع . أى : ردوا بعد البعث فيحكم فيهم بعدله . قال - تعالى - قُلْ إِنَّ الأولين والآخرين لَمَجْمُوعُونَ إلى مِيقَاتِ يَوْمٍ مَّعْلُومٍ وقيل إن الضمير فى ردوا يعود على الملائكة . أى : ثم ردوا أولئك الرسل بعد إتمام مهمتهم بإماتة جميع الناس فيموتون هم أيضاً . وجملة أَلاَ لَهُ الحكم وَهُوَ أَسْرَعُ الحاسبين تذييل ولذلك ابتدىء بأداة الاستفتاح المؤذنة بالتنبيه إلى أهمية الخبر .أى : ألا له الحكم النافذ لا لغيره وهو - سبحانه - أسرع الحاسبين لأنه لا يحتاج إلى ما يحتاج إليه الخلائق من تفكر واشتغال بحساب عن حساب .وبذلك تكون هذه الآيات الثلاث قد أقامت أقوى البراهين وأصحها على كمال قدرة الله ، ونفاذ إرادته ، ومحاسبته لعباده يوم القيامة على ما قدموا وأخروا .
6:63
قُلْ مَنْ یُّنَجِّیْكُمْ مِّنْ ظُلُمٰتِ الْبَرِّ وَ الْبَحْرِ تَدْعُوْنَهٗ تَضَرُّعًا وَّ خُفْیَةًۚ-لَىٕنْ اَنْجٰىنَا مِنْ هٰذِهٖ لَنَكُوْنَنَّ مِنَ الشّٰكِرِیْنَ(۶۳)
تم فرماؤ وہ کون ہے جو تمہیں نجات دیتا ہے جنگل اور دریا کی آفتوں سے جسے پکارتے ہو گِڑ گِڑا کر اور آہستہ کہ اگر وہ ہمیں اس سے بچاوے تو ہم ضرور احسان مانیں گے(ف۱۳۹)

ثم ساق القرآن لوناً آخر من الدلائل الدالة على كمال قدرة الله وسابغ رحمته وفضله وإحسانه فقال - تعالى - : قُلْ مَن يُنَجِّيكُمْ مِّن ظُلُمَاتِ البر والبحر .قال صاحب الكشاف : ظلمات البر والبحر مجاز عن مخاوفهما وأهوالهما .يقال لليوم الشديد يوم مظلم ويوم ذو كواكب ، أى اشتدت ظلمته حتى عاد كالليل " .وقيل : حمله على الحقيقة أولى فظلمة البر هى ما اجتمع فيه من ظلمة الليل ومن ظلمة السحاب فيحصل من ذلك الخوف الشديد لعدم الاهتداء إلى الطريق الصواب ، وظلمة البحر ما اجتمع فيه من ظلمة الليل وظلمة الرياح العاصفة والأمواج الهائلة فيحصل من ذلك أيضاً الخوف الشديد من الوقوع فى الهلاك .والتضرع : المبالغة فى الضراعة مع الذل والخضوع . والخفية- بالضم والكسر - الخفاء والاستتار . وللكرب الغم الشديد مأخوذ من كرب الأرض وهو إثارتها وقلبها بالحفر . فالغم يثير النفس كما يثير الأرض كاربها .والمعنى : قل يا محمد لهؤلاء الغافلين من الذى ينجيكم من ظلمات البر والبحر عندما تغشاكم بأهوالها المرعبة ، وشدائدها المدهشة ، إنكم فى هذه الحالة تلجأون إلى الله وحده تدعونه إعلانا وإسرارا بذلة وخضوع وإخلاص قائلين له : لئن أنجيتنا يا ربنا من هذه الشدائد والدواهى المظلمة لنكونن لك من الراسخين فى الشكر المداومين عليه
6:64
قُلِ اللّٰهُ یُنَجِّیْكُمْ مِّنْهَا وَ مِنْ كُلِّ كَرْبٍ ثُمَّ اَنْتُمْ تُشْرِكُوْنَ(۶۴)
تم فرماؤ اللہ تمہیں نجات دیتا ہے اس سے اور ہر بے چینی سے پھر تم شریک ٹھہراتے ہو(ف۱۴۰)

قُلِ الله يُنَجِّيكُمْ مِّنْهَا وَمِن كُلِّ كَرْبٍ ثُمَّ أَنتُمْ تُشْرِكُونَ أى قل لهم يا محمد : الله وحده هو الذى ينجيكم من هذه المخاوف والأهوال ومن كل غم يأخذ بنفوسكم ، ثم أنتم بعد هذه النجاة تشركون معه غيره ، مخلفين بذلك وعدكم حانثين فى أيمانكم .قال الإمام الرازى : " والمقصود من ذلك أنه عند اجتماع هذه الأسباب الموجبة للخوف الشديد لا يرجع الإنسان إلا إلى الله ، وهذا الرجوع يحصل ظاهرا وباطنا ، لأن الإنسان فى هذه الحالة يعظم إخلاصه فى حضرة الله ، وينقطع رجاؤه عن كل ما سواه ، وهو المراد من قوله تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً فبين - سبحانه - أنه إذا شهدت الفطرة السليمة والخلقة الأصلية فى هذه الحالة بأن لا ملجأ إلى إلى الله ولا تعويل إلا على فضله ، وجب أن يبقى هذا الإخلاص فى كل الأحوال ، لكن الإنسان ليس كذلك فإنه بعد الفوز بالسلامة والنجاة يميل تلك السلامة إلى الأسباب الجسمانية ويقدم على الشرك .ولفظ الآية يدل على أنه عند حصول الشدائد يأتى الإنسان بأمور :أحدها : الدعاء .وثانيها : التضرع .وثالثها : الإخلاص بالقلب هو المراد من قوله وَخُفْيَةً .ورابعها : التزام الاشتغال بالشكر . ونظير هذه الآية قوله - تعالى - وَإِذَا مَسَّكُمُ الضر فِي البحر ضَلَّ مَن تَدْعُونَ إِلاَّ إِيَّاهُ وقوله وظنوا أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ دَعَوُاْ الله مُخْلِصِينَ لَهُ الدين وبالجملة فعادة أكثر الناس أنهم إذا شاهدوا الأمر الهائل أخلصوا ، وإذا انتقلوا إلى الأمن والرفاهية أشركوا به " .
6:65
قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلٰۤى اَنْ یَّبْعَثَ عَلَیْكُمْ عَذَابًا مِّنْ فَوْقِكُمْ اَوْ مِنْ تَحْتِ اَرْجُلِكُمْ اَوْ یَلْبِسَكُمْ شِیَعًا وَّ یُذِیْقَ بَعْضَكُمْ بَاْسَ بَعْضٍؕ-اُنْظُرْ كَیْفَ نُصَرِّفُ الْاٰیٰتِ لَعَلَّهُمْ یَفْقَهُوْنَ(۶۵)
تم فرماؤ وہ قادر ہے کہ تم پر عذاب بھیجے تمہارے اوپر سے یا تمہارے پاؤں کے تلے (نیچے) سے یا تمہیں بھڑا دے مختلف گروہ کرکے اور ایک کو دوسرے کی سختی چکھائے، دیکھو ہم کیونکر طرح طرح سے آیتیں بیان کرتے ہیں کہ کہیں ان کو سمجھ ہو(ف۱۴۱)

والمعنى: قل يا محمد لهؤلاء الجاحدين، إن الله- تعالى- وحده هو القادر على أن يرسل عليكم عذابا عظيما من فوقكم أى: من جهة العلو كما أرسل على قوم لوط وعلى أصحاب الفيل الحجارة، أو من تحت أرجلكم أى من السفل كما حدث بالنسبة لفرعون وجنده من الغرق، وبالنسبة لقارون حيث خسف به الأرض.وقيل: من فوقكم أى من قبل سلاطينكم وأكابركم، ومن تحت أرجلكم أى: من قبل سفلتكم وعبيدكم. وقيل: هو حبس المطر والنبات.وتصوير العذاب بأنه آت من أعلى أو من أسفل أشد وقعا في النفس من تصويره بأنه آت من جهة اليمين أو من جهة الشمال، لأن الآتي من هاتين الجهتين قد يتوهم دفعه، أما الآتي من أعلى أو من أسفل فهو عذاب قاهر مزلزل لا مقاومة له ولا ثبات معه.وقوله أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعاً أى: يخلطكم فرقا مختلفة الأهواء، متباينة المشارب، مضطربة الشئون، كل فرقة تتبع إماما لها تقاتل معه غيرها، فيزول الأمن ويعم الفساد.وشِيَعاً جمع شيعة وهم الأتباع والأنصار، وكل قوم اجتمعوا على أمر فهم شيعة، وقوله وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ معطوف على ما قبله، أى: يسلط بعضكم على بعض بالعذاب والقتل، لأن من عواقب ذلك اللبس التقاتل والتصارع. وفي هاتين الجملتين تصوير مؤثر للعذاب الذي يذوقه الناس بحواسهم إذ يجعلهم- سبحانه- شيعا وأحزابا غير منعزل بعضها عن بعض، فهي أبدا في جدال وصراع وفي خصومة ونزاع، وفي بلاء يصبه هذا الفريق على ذاك، وذلك أشنع ما تصاب به الجماعة فيأكل بعضها بعضا.ثم تختم الآية بهذا التعبير الحكيم انْظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الْآياتِ لَعَلَّهُمْ يَفْقَهُونَ.أى: انظر وتدبر- أيها الرسول الكريم- أو أيها العاقل كيف ننوع الآيات والعبر والعظات بالترغيب تارة وبالترهيب أخرى لعلهم يفقهون الحق ويدركون حقيقة الأمر، فينصرفوا عن الجحود والمكابرة، ويكفوا عن كفرهم وعنادهم.هذا، وقد ساق ابن كثير عقب تفسير هذه الآية جملة من الأحاديث منها ما رواه الإمام مسلم عن سعد بن أبى وقاص أنه أقبل مع النبي صلى الله عليه وسلم ذات يوم من العالية، حتى إذا مر بمسجد بنى معاوية دخل فركع فيه ركعتين وصلينا معه. ودعا ربه طويلا ثم انصرف إلينا فقال: سألت ربي ثلاثا فأعطانى ثنتين ومنعني واحدة. سألت ربي أن لا يهلك أمتى بالسّنة فأعطانيها، وسألته أن لا يهلك أمتى بالغرق فأعطانيها، وسألت ربي أن لا يجعل بأسهم بينهم فمنعنيها» .
6:66
وَ كَذَّبَ بِهٖ قَوْمُكَ وَ هُوَ الْحَقُّؕ-قُلْ لَّسْتُ عَلَیْكُمْ بِوَكِیْلٍؕ(۶۶)
اور اسے (ف۱۴۲) جھٹلایا تمہاری قوم نے اور یہی حق ہے، تم فرماؤ میں تم پر کچھ کڑوڑا (حاکمِ اعلیٰ) نہیں (ف۱۴۳)

بعد هذا التهديد الشديد للمعاندين اتجه القرآن إلى الرسول صلى الله عليه وسلم فأمره أن يصارح قومه بسوء مصيرهم إذا ما استمروا في ضلالهم فقال:وَكَذَّبَ بِهِ قَوْمُكَ وَهُوَ الْحَقُّ أى: وكذب جمهور قومك بهذا العذاب الذي حدثناك عنه فظنوا أن الله لن يعذبهم بسبب إعراضهم عن دعوتك، أو كذبوا بهذا القرآن الذي هو معجزتك الكبرى.والتعبير عنهم بقومك تسجيل عليهم بسوء المعاملة لمن هو من أنفسهم وجملة وَهُوَ الْحَقُّ مستأنفة لقصد تحقيق القدرة على بعث العذاب عليهم، أو حال من الهاء في به، أى: كذبوا حال كونه حقا، وهو أعظم في القبح قل لهم- يا محمد- لَسْتُ عَلَيْكُمْ بِوَكِيلٍ أى: لم يفوض إلى أمركم فأمنعكم من التكذيب وأجبركم على التصديق، فأنا لست بقيم عليكم وإنما أنا منذر وقد بلغتكم رسالة ربي ونصحت لكم ولكنكم لا تحبون الناصحين.
6:67
لِكُلِّ نَبَاٍ مُّسْتَقَرٌّ٘-وَّ سَوْفَ تَعْلَمُوْنَ(۶۷)
ہر چیز کا ایک وقت مقرر ہے (ف۱۴۴) اور عنقریب جان جاؤ گے

ثم ختم هذا التهديد بقوله- تعالى- لِكُلِّ نَبَإٍ مُسْتَقَرٌّ وَسَوْفَ تَعْلَمُونَ.قال الراغب: «النبأ: خبر ذو فائدة عظيمة يحصل به علم أو غلبة ظن ولا يقال للخبر نبأ حق يتضمن هذه الأشياء الثلاثة» .والمستقر: وقت الاستقرار.أى: لكل خبر عظيم وقت استقرار وحصول لا بد منه، وسوف تعلمونه في المستقبل عند حلوله بكم متى شاء الله ذلك، قال- تعالى- وَلَتَعْلَمُنَّ نَبَأَهُ بَعْدَ حِينٍ.وبذلك تكون الآيات الكريمة قد ساقت ألوانا من قدرة الله، وهددت المعاندين في كل زمان ومكان بسوء المصير.
6:68
وَ اِذَا رَاَیْتَ الَّذِیْنَ یَخُوْضُوْنَ فِیْۤ اٰیٰتِنَا فَاَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتّٰى یَخُوْضُوْا فِیْ حَدِیْثٍ غَیْرِهٖؕ-وَ اِمَّا یُنْسِیَنَّكَ الشَّیْطٰنُ فَلَا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرٰى مَعَ الْقَوْمِ الظّٰلِمِیْنَ(۶۸)
اور اے سننے والے! جب تو انہیں دیکھے جو ہماری آیتوں میں پڑتے ہیں (ف۱۴۵) تو ان سے منہ پھیر لے (ف۱۴۶) جب تک اور بات میں پڑیں، اور جو کہیں تجھے شیطان بھلاوے تو یاد آئے پر ظالموں کے پاس نہ بیٹھ،

ثم أمر الله- تعالى- رسوله وأتباعه بأن يهجروا المجالس التي لا توقر فيه آيات الله وشرائعه، فقال- تعالى-:وَإِذا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آياتِنا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ.قال الراغب: الخوض هو الشروع في الماء والورود فيه، ثم استعير للأخذ في الحديث فقيل: تخاوضوا في الحديث، أى: أخذوا فيه على غير هدى، وأكثر ما ورد في القرآن ورد فيما يذم الشروع فيه نحو قوله- تعالى- وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّما كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ .والمعنى: وإذا رأيت أيها النبي الكريم، أو أيها المؤمن العاقل، الذين يخوضون في آياتنا بالتكذيب والطعن والاستهزاء فأعرض عنهم. وانصرف عن مجالسهم، وأرهم من نفسك الاحتقار لتصرفاتهم، ولا تعد إلى مجالسهم حتى يخوضوا في حديث آخر، لأن آياتنا المنسوبة إلينا من حقها أن تعظم وأن تحترم لا أن تكون محل تهكم واستهزاء.قال ابن جريج: كان المشركون يجلسون إلى النبي صلى الله عليه وسلم يحبون أن يسمعوا منه، فإذا سمعوا استهزءوا فنزلت هذه الآية فجعل صلى الله عليه وسلم إذا استهزءوا قام فحذروا وقالوا: لا تستهزءوا فيقوم.وإنما عبر عن انتقالهم إلى حديث آخر بالخوض، لأنهم لا يتحدثون إلا فيما لا جدوى فيه ولا منفعة من ورائه غالبا.وقوله وَإِمَّا يُنْسِيَنَّكَ الشَّيْطانُ فَلا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ أى: وإما ينسينك الشيطان ما أمرت به من ترك مجالسة الخائضين على سبيل الفرض والتقدير فلا تقعد بعد التذكر مع القوم الظالمين لأنفسهم بتكذيب آيات ربهم والاستهزاء بها، وقد جاء الشرط الأول بإذا لأن خوضهم في الآيات محقق، وجاء الشرط الثاني بإن لأن إنساء الشيطان له قد يقع وقد لا يقع.فإن قيل: النسيان فعل الله فلم أضيف إلى الشيطان؟ أجيب بأن السبب من الشيطان وهو الوسوسة والإعراض عن الذكر فأضيف إليه لذلك، كما أن من ألقى غيره في النار فمات يقال:إنه القاتل وإن كان الإحراق فعل الله.هذا وقد أخذ العلماء من هذه الآية الكريمة أحكاما من أهمها ما يأتى:1- وجوب الإعراض عن مجالسة المستهزئين بآيات الله أو برسله، وأن لا يقعد لأن في القعود إظهار عدم الكراهة، وذلك لأن التكليف عام لنا ولرسول الله صلى الله عليه وسلم.قال القرطبي: من خاض في آيات الله تركت مجالسته وهجرته، مؤمنا كان أو كافرا، وقد منع أصحابنا الدخول إلى أرض العدو ودخول كنائسهم وبيعهم، وكذلك منعوا مجالسة الكفار وأهل البدع. فقد قال بعض أهل البدع لأبى عمران النخعي: اسمع منى كلمة فأعرض عنه وقال: ولا نصف كلمة.وروى الحاكم عن عائشة- رضى الله عنها- قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «من وقر صاحب بدعة فقد أعانه على هدم الإسلام» .وقال صاحب المنار: وسبب هذا النهى أن الإقبال على الخائضين والقعود معهم أقل ما فيه أنه إقرار لهم على خوضهم وإغراء لهم بالتمادى فيه وأكبره أنه رضاء به ومشاركة فيه والمشاركة في الكفر والاستهزاء كفر ظاهر لا يقترفه باختياره إلا منافق مراء أو كافر مجاهر قال- تعالى- وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتابِ أَنْ إِذا سَمِعْتُمْ آياتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِها وَيُسْتَهْزَأُ بِها فَلا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذاً مِثْلُهُمْ إِنَّ اللَّهَ جامِعُ الْمُنافِقِينَ وَالْكافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعاً» .2- جواز مجالسة الكفار مع عدم الخوض. لأنه إنما أمرنا بالإعراض في حالة الخوض، وأيضا فقد قال- تعالى- حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ.قال بعض العلماء: «وحتى غاية الإعراض، لأنه إعراض فيه توقيف دعوتهم زمانا أو جبته رعاية المصلحة، فإذا زال موجب ذلك عادت محاولة هدايتهم وإرشادهم إلى أصلها لأنها تمحضت للمصلحة» .3- استدل بهذه الآية على أن الناسي غير مكلف، وأنه إذا ذكر عاد إليه التكليف فيعفى عما ارتكبه حال نسيانه ففي الحديث الشريف «إن الله رفع عن أمتى الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه» . رواه الطبراني عن ثوبان مرفوعا وإسناده صحيح.4- قال القرطبي: قال بعضهم إن الخطاب في الآية للنبي صلى الله عليه وسلم والمقصود أمته، ذهبوا إلى ذلك لتبرئته صلى الله عليه وسلم من النسيان. وقال آخرون إن الخطاب له صلى الله عليه وسلم والنسيان جائز عليه فقد قال صلى الله عليه وسلم مخبرا عن نفسه: «إنما أنا بشر مثلكم أنسى كما تنسون فإذا نسيت فذكروني» فأضاف النسيان إليه. واختلفوا بعد جواز النسيان عليه هل يكون فيما طريقه البلاغ من الأفعال وأحكام الشرع أولا؟ فذهب إلى الأول- فيما ذكره القاضي عياض- عامة العلماء والأئمة كما هو ظاهر القرآن والأحاديث، لكن اشترط الأئمة أن الله- تعالى- ينبهه على ذلك ولا يقره عليه. ومنعت طائفة من العلماء السهو عليه في الأفعال البلاغية والعبادات الشرعية كما منعوه اتفاقا في الأقوال البلاغية» .قال الآلوسى: «وأنا أرى أن محل الخلاف النسيان الذي لا يكون منشؤه اشتغال السر بالوساوس والخطرات الشيطانية فإن ذلك مما لا يرتاب مؤمن في استحالته على رسول الله صلى الله عليه وسلم» .
6:69
وَ مَا عَلَى الَّذِیْنَ یَتَّقُوْنَ مِنْ حِسَابِهِمْ مِّنْ شَیْءٍ وَّ لٰكِنْ ذِكْرٰى لَعَلَّهُمْ یَتَّقُوْنَ(۶۹)
اور پرہیز گاروں پر ان کے حساب سے کچھ نہیں (ف۱۴۷) ہاں نصیحت دینا شاید وہ باز آئیں (ف۱۴۸)

ثم بين- سبحانه- أنه لا تبعة على المؤمنين ما داموا قد أعرضوا عن مجلس الخائضين فقال- تعالى- وَما عَلَى الَّذِينَ يَتَّقُونَ مِنْ حِسابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ وَلكِنْ ذِكْرى لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ.أى: وما على الذين يتقون الله شيء من حساب الخائضين على ما ارتكبوا من جرائم وآثام ما داموا قد أعرضوا عنهم، ولكن عليهم أن يعرضوا عنهم ويذكروهم ويمنعوهم عما هم فيه من القبائح بما أمكن من العظة والتذكير لعل أولئك الخائضين يجتنبون ذلك، ويتقون الله في أقوالهم وأفعالهم.وعليه يكون الضمير في قوله: لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ يعود على الخائضين.وقيل يجوز أن يكون الضمير في قوله: لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ للذين اتقوا أى: عليهم أى يذكروا أولئك الخائضين، لأن هذا التذكير يجعل المتقين يزدادون إيمانا على إيمانهم، ويثبتون على تقواهم.روى البغوي عن ابن عباس قال: لما نزلت: وَإِذا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آياتِنا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ.. إلخ قال المسلمون: كيف نقعد في المسجد الحرام ونطوف بالبيت وهم يخوضون أبدا؟ فأنزل الله- تعالى- وَما عَلَى الَّذِينَ يَتَّقُونَ مِنْ حِسابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ يعنى إذا قمتم عنهم فما عليكم تبعة ما يقولون، وما عليكم نصيب من إثم ذلك الخوض.قال الجمل: قوله (ولكن ذكرى) فيه أربعة أوجه:أحدها: أنها منصوبة على المصدر بفعل مضمر وقدره بعضهم أمرا، أى: ولكن ذكروهم ذكرى، وبعضهم قدره خبرا. أى: ولكن يذكرونهم ذكرى.والثاني: أنه مبتدأ خبره محذوف: أى: ولكن عليكم ذكرى، أى: تذكيرهم.والثالث: أنه خبر لمبتدأ محذوف أى: هو ذكرى أى: النهى عن مجالستهم والامتناع منها ذكرى.والرابع: أنه عطف على موضع شيء المجرور بمن أى: ما على المتقين من حسابهم شيء ولكن عليهم ذكرى فيكون من عطف المفردات وأما على الأوجه السابقة فهو من عطف الجمل» .ثم أمر الله- تعالى- نبيه صلى الله عليه وسلم بأن ينطلق في تبليغ دعوته دون أن يشغل نفسه بسفاهة السفهاء، وأن يذكر المعاندين بسوء مصيرهم فقال- تعالى-:
6:70
وَ ذَرِ الَّذِیْنَ اتَّخَذُوْا دِیْنَهُمْ لَعِبًا وَّ لَهْوًا وَّ غَرَّتْهُمُ الْحَیٰوةُ الدُّنْیَا وَ ذَكِّرْ بِهٖۤ اَنْ تُبْسَلَ نَفْسٌۢ بِمَا كَسَبَتْ ﳓ لَیْسَ لَهَا مِنْ دُوْنِ اللّٰهِ وَلِیٌّ وَّ لَا شَفِیْعٌۚ-وَ اِنْ تَعْدِلْ كُلَّ عَدْلٍ لَّا یُؤْخَذْ مِنْهَاؕ-اُولٰٓىٕكَ الَّذِیْنَ اُبْسِلُوْا بِمَا كَسَبُوْاۚ-لَهُمْ شَرَابٌ مِّنْ حَمِیْمٍ وَّ عَذَابٌ اَلِیْمٌۢ بِمَا كَانُوْا یَكْفُرُوْنَ۠(۷۰)
اور چھوڑ دے ان کو جنہوں نے اپنا دین ہنسی کھیل بنا لیا اور انہیں دنیا کی زندگانی نے فریب دیا اور قرآن سے نصیحت دو (ف۱۴۹) کہ کہیں کوئی جان اپنے کئے پر پکڑی نہ جائے اللہ کے سوا نہ اس کا کوئی حمایتی ہو نہ سفارشی اور اگر اپنے عوض سارے بدلے دے تو اس سے نہ لیے جائیں یہ ہیں (ف۱۵۱) وہ جو اپنے کیے پر پکڑے گئے انہیں پینے کا کھولتا پانی اور درد ناک عذاب بدلہ ان کے کفر کا،

والمعنى: واترك يا محمد هؤلاء الغافلين الذين اتخذوا دينهم الذي كلفوه ودعوا إليه وهو دين الإسلام لعبا ولهوا حيث سخروا من تعاليمه واستهزءوا بها، وغرتهم الحياة الدنيا حيث اطمأنوا إليها، واشتغلوا بلذاتها وزعموا أنه لا حياة بعدها.ولم يقل- سبحانه- اتخذوا اللعب واللهو دينا لأنهم لم يجعلوا كل ما هو من اللعب واللهو دينا لهم، وإنما هم عمدوا إلى أن ينتحلوا دينا فجمعوا له أشياء من اللعب واللهو وسموها دينا.قال الإمام الرازي ما ملخصه: ومعنى ذَرْهُمْ: أعرض عنهم ولا تبال بتكذيبهم واستهزائهم ولا تقم لهم في نظرك وزنا، وليس المراد أن يترك إنذارهم لأنه قال له بعده وَذَكِّرْ بِهِ وإنما المراد ترك معاشرتهم وملاطفتهم لا ترك إنذارهم وتخويفهم.. ومعنى اتخاذ دينهم لعبا ولهوا، أنهم اتخذوا ما هو لعب ولهو من عبادة الأصنام وغيرها دينا لهم، أو أن الكفار كانوا يحكمون في دين الله بمجرد التشهى والتمني مثل تحريم السوائب والبحائر، ولم يكونوا يحتاطون في أمر الدين، بل كانوا يكتفون فيه بمجرد التقليد فعبر الله عنهم لذلك بأنهم اتخذوا دينهم لعبا ولهوا. وأنهم اتخذوا عيدهم لعبا ولهوا قال ابن عباس: جعل الله لكل قوم عيدا يعظمونه ويصلون فيه ويعمرونه بذكر الله، ثم إن المشركين وأهل الكتاب اتخذوا عيدهم لعبا ولهوا أما المسلمين فإنهم اتخذوا عيدهم كما شرعه الله ... ».والضمير في قوله وَذَكِّرْ بِهِ يعود إلى القرآن: وقد جاء مصرحا به في قوله- تعالى- فَذَكِّرْ بِالْقُرْآنِ مَنْ يَخافُ وَعِيدِ.وقوله أَنْ تُبْسَلَ نَفْسٌ بِما كَسَبَتْ أى: وذكر بهذا القرآن أو بهذا الدين الناس مخافة أن تسلم نفس إلى الهلاك، أو تحبس أو ترتهن أو تفتضح، أو تحرم الثواب بسبب كفرها واغترارها بالحياة الدنيا، واتخاذها الدين لعبا ولهوا.ولفظ تبسل مأخوذ من السبل بمعنى المنع بالقهر أو التحريم أو الحبس ومنه أسد باسل لمنعه فريسته من الإفلات. وشراب بسيل أى متروك وهذا الشيء بسيل عليك أى محرم عليك.ثم بين- سبحانه- أن هذه النفس المعرضة للحرمان ليس لها ما يدفع عنها السوء فقال:لَيْسَ لَها مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيٌّ وَلا شَفِيعٌ وَإِنْ تَعْدِلْ كُلَّ عَدْلٍ لا يُؤْخَذْ مِنْها أى: ليس لهذه النفس من غير الله ناصر ينصرها ولا شفيع يدفع عنها، ومهما قدمت من فداء فلن يقبل منها، فالمراد بالعدل هنا الفداء فهو كقوله- تعالى- إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَماتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْ أَحَدِهِمْ مِلْءُ الْأَرْضِ ذَهَباً وَلَوِ افْتَدى بِهِ.قال الإمام الرازي: والمقصود من هذه الآية بيان أن وجوه الخلاص على تلك النفس منسدة فلا ولى يتولى دفع ذلك المحذور عنها، ولا شفيع يشفع فيها، ولا فدية تقبل منها ليحصل الخلاص بسبب قبولها، حتى لو جعلت الدنيا بأسرها فدية من عذاب الله لم تنفع. فإذا كانت وجوه الخلاص هي الثلاثة في الدنيا وثبت أنها لا تفيد في الآخرة البتة وظهر أنه ليس هناك إلا الإبسال الذي هو الارتهان والاستسلام فليس لها البتة دافع من عذاب الله، وإذا تصور المرء كيفية العقاب على هذا الوجه يكاد يرعد إذا أقدم على معاصى الله» .ثم بين- سبحانه- عاقبة أولئك الغافلين فقال: أُولئِكَ الَّذِينَ أُبْسِلُوا بِما كَسَبُوا لَهُمْ شَرابٌ مِنْ حَمِيمٍ وَعَذابٌ أَلِيمٌ بِما كانُوا يَكْفُرُونَ.أى: أولئك الذين أسلموا للهلاك بسبب ما اكتسبوه في الدنيا من أعمال قبيحة لهم شراب من حميم أى من ماء قد بلغ النهاية في الحرارة يتجرجر في بطونهم وتتقطع به أمعاؤهم، ولهم فوق ذلك عذاب مؤلم بنار تشتعل بأبدانهم بسبب كفرهم، وما ظلمهم الله ولكن كانوا أنفسهم يظلمون.
6:71
قُلْ اَنَدْعُوْا مِنْ دُوْنِ اللّٰهِ مَا لَا یَنْفَعُنَا وَ لَا یَضُرُّنَا وَ نُرَدُّ عَلٰۤى اَعْقَابِنَا بَعْدَ اِذْ هَدٰىنَا اللّٰهُ كَالَّذِی اسْتَهْوَتْهُ الشَّیٰطِیْنُ فِی الْاَرْضِ حَیْرَانَ۪-لَهٗۤ اَصْحٰبٌ یَّدْعُوْنَهٗۤ اِلَى الْهُدَى ائْتِنَاؕ-قُلْ اِنَّ هُدَى اللّٰهِ هُوَ الْهُدٰىؕ-وَ اُمِرْنَا لِنُسْلِمَ لِرَبِّ الْعٰلَمِیْنَۙ(۷۱)
تم فرماؤ (ف۱۵۲) کیا ہم اللہ کے سوا اس کو پوجیں جو ہمارا نہ بھلا کرے نہ برُا (ف۱۵۳) اور الٹے پاؤں پلٹا دیے جائیں بعد اس کے کہ اللہ نے ہمیں راہ دکھائی (ف۱۵۴) اس کی طرح جسے شیطان نے زمین میں راہ بھلادی (ف۱۵۵) حیران ہے اس کے رفیق اسے راہ کی طرف بلا رہے ہیں کہ ادھر آ، تم فرماؤ کہ اللہ ہی کی ہدایت ہدایت ہے (ف۱۵۶) اور ہمیں حکم ہے کہ ہم اس کے لیے گردن رکھ دیں (ف۱۵۷) جو رب ہے سارے جہان

ثم ساق القرآن صورة منفرة للشرك والمشركين تدعو المؤمنين إلى أن يزدادوا إيمانا على إيمانهم فقال- تعالى-: قُلْ أَنَدْعُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ ما لا يَنْفَعُنا وَلا يَضُرُّنا.قال ابن كثير: قال السدى: قال المشركون للمؤمنين اتبعوا سبيلنا واتركوا دين محمد صلى الله عليه وسلم فأنزل الله- عز وجل- قُلْ أَنَدْعُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ ما لا يَنْفَعُنا وَلا يَضُرُّنا وَنُرَدُّ عَلى أَعْقابِنا .والمعنى: قل يا محمد أو أيها العاقل لهؤلاء المشركين الذين يحاولون رد المسلمين عن الإسلام، قل لهم: أنعبد من دون الله مالا يقدر على نفعنا إن دعوناه ولا على ضرنا إن تركناه وَنُرَدُّ عَلى أَعْقابِنا أى نرجع إلى الشرك الذي كنا فيه، بعد أن هدانا الله إلى الإسلام وأنقذنا من الكفر والضلال. يقال لمن رد عن حاجته ولم يظفر بها: قد رد على عقبيه.والاستفهام في الآية الكريمة للإنكار والنفي، وجيء بنون المتكلم ومعه غيره، لأن الكلام مع الرسول صلى الله عليه وسلم عن نفسه وعن المسلمين كلهم.والمراد بما لا ينفع ولا يضر: تلك الأصنام فإنها مشاهد عدم نفعها وعجزها عن الضر، ولو كانت تستطيع الضر لأضرت بالمسلمين لأنهم خلعوا عبادتها، وسفهوا أتباعها، وأعلنوا حقارتها.وجملة وَنُرَدُّ عَلى أَعْقابِنا معطوفة على نَدْعُوا و «على» داخلة في حيز الإنكار والنفي.والتعبير عن الشرك بالرد على الأعقاب لزيادة تقبيحه بتصويره ما هو علم في القبح مع ما فيه من الإشارة إلى أن الشرك حالة قد تركت ونبذت وراء الظهر، ومن المستحيل أن يرجع إليها من ذاق حلاوة الإيمان.وحرف عَلى في قوله وَنُرَدُّ عَلى أَعْقابِنا للاستعلاء، أى رجع على طريق هي جهة عقبه أى مؤخر قدمه كما يقال: رجع وراءه ثم استعمل هذا التعبير في التمثيل للتلبس بحالة ذميمة كان قد فارقها صاحبها ثم عاد إليها وتلبس بها.وفي الحديث الشريف «اللهم أمض لأصحابى هجرتهم ولا تردهم على أعقابهم» .ثم ساق القرآن صورة مؤثرة دقيقة للضلالة والحيرة التي تناسب من يشرك بعد التوحيد فقال: كَالَّذِي اسْتَهْوَتْهُ الشَّياطِينُ فِي الْأَرْضِ حَيْرانَ لَهُ أَصْحابٌ يَدْعُونَهُ إِلَى الْهُدَى ائْتِنا.اسْتَهْوَتْهُ الشَّياطِينُ أى استغوته وزينت هواه ودعته إليه، والعرب تقول: استهوته الشياطين، لمن اختطف الجن عقله فسيرته كما تريد دون أن يعرف له وجهة في الأرض.والمعنى: قل يا محمد لهؤلاء المشركين: أتريدون منا أن نعود إلى الكفر بعد أن نجانا الله منه فيكون مثلنا كمثل الذي ذهبت به مردة الشياطين فألقته في صحراء مقفرة وتركته تائها ضالا عن الطريق القويم ولا يدرى ماذا يصنع وله أصحاب يدعونه إلى الطريق المستقيم قائلين له: ائتنا لكي تنجو من الهلاك ولكنه لحيرته وضلاله لا يجيبهم ولا يأتيهم.قال الإمام ابن كثير عند تفسيره لهذه الآية: «إن مثل من يكفر بالله بعد إيمانه كمثل رجل خرج مع قوم على الطريق فضل الطريق فحيرته الشياطين واستهوته في الأرض وأصحابه على الطريق فجعلوا يدعونه إليهم ويقولون: ائتنا فإنا على الطريق فأبى أن يأتيهم، فذلك مثل من يتبعهم بعد المعرفة بمحمد صلى الله عليه وسلم. ومحمد صلى الله عليه وسلم هو الذي يدعو إلى الطريق، والطريق هو الإسلام» .ثم أمر الله نبيه صلى الله عليه وسلم أن يرد على الكفار بما يخرس ألسنتهم فقال:قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدى وَأُمِرْنا لِنُسْلِمَ لِرَبِّ الْعالَمِينَ أى: قل يا محمد لهؤلاء المشركين إن هدى الله الذي أرسلت به رسله هو الهدى وحده وما وراءه ضلال وخذلان، وأمرنا لنسلم وجوهنا لله رب العالمين.قال صاحب الكشاف: فإن قلت: فما محل الكاف في قوله «كالذي استهوته» قلت:النصب على الحال من الضمير في نُرَدُّ عَلى أَعْقابِنا أى: أننكص مشبهين من استهوته الشياطين؟ فإن قلت ما معنى اسْتَهْوَتْهُ؟ قلت هو استفعال من هوى في الأرض أى ذهب فيها، كأن معناه: طلبت هويه وحرصت عليه، فإن قلت: فما محل أمرنا؟ قلت: النصب عطفا على محل قوله: إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدى على أنهما مقولان كأنه قيل: قل هذا القول وقل أمرنا لنسلم .
6:72
وَ اَنْ اَقِیْمُوا الصَّلٰوةَ وَ اتَّقُوْهُؕ-وَ هُوَ الَّذِیْۤ اِلَیْهِ تُحْشَرُوْنَ(۷۲)
اور یہ کہ نماز قائم رکھو اور اس سے ڈرو، اور وہی ہے جس کی طرف اٹھنا ہے،

وقوله وَأَنْ أَقِيمُوا الصَّلاةَ وَاتَّقُوهُ معطوف على محل لِنُسْلِمَ كأنه قيل أمرنا لنسلم وأمرنا أيضا بإقامة الصلاة والاتقاء.وفي تخصيص الصلاة بالذكر من بين أنواع الشرائع وعطفها على الأمر بالإسلام، وقرنها بالأمر بالتقوى دليل على تفخيم أمرها وعظمة شأنها.وقوله وَهُوَ الَّذِي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ جملة مستأنفة موجبة لامتثال ما أمر من الأمور الثلاثة، أى: هو الذي تعودون إليه يوم القيامة للحساب لا إلى غيره.
6:73
وَ هُوَ الَّذِیْ خَلَقَ السَّمٰوٰتِ وَ الْاَرْضَ بِالْحَقِّؕ-وَ یَوْمَ یَقُوْلُ كُنْ فَیَكُوْنُ ﱟ قَوْلُهُ الْحَقُّؕ-وَ لَهُ الْمُلْكُ یَوْمَ یُنْفَخُ فِی الصُّوْرِؕ-عٰلِمُ الْغَیْبِ وَ الشَّهَادَةِؕ-وَ هُوَ الْحَكِیْمُ الْخَبِیْرُ(۷۳)
اور وہی ہے جس نے آسمان و زمین ٹھیک بنائے (ف۱۵۸) اور جس دن فنا ہوئی ہر چیز کو کہے گا ہو جا وہ فوراً ہوجائے گی، اس کی بات سچی ہے، اور اسی کی سلطنت ہے جس دن صور پھونکا جائے گا (ف۱۵۹) ہر چھپے اور ظاہر کو جاننے والا، اور وہی حکمت والا خبردار،

وقوله وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ معطوف على قوله وَهُوَ الَّذِي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ.قال الآلوسى: «ولعله أريد بخلقهما خلق ما فيهما- أيضا- وعدم التصريح بذلك لظهور اشتمالهما على جميع العلويات والسفليات.وقوله «بالحق» متعلق بمحذوف وقع حالا من فاعل «خلق» أى: قائما بالحق، وجوز أن يكون صفة لمصدر الفعل المؤكد أى: خلقا متلبسا بالحق» .والحق في الأصل مصدر حق إذا ثبت، ثم صار اسما للأمر الثابت الذي لا ينكر، وهو ضد الباطل.وقوله وَيَوْمَ يَقُولُ كُنْ فَيَكُونُ قَوْلُهُ الْحَقُّ أى: وقضاؤه المعروف بالحقيقة كائن، حين يقول- سبحانه- لشيء من الأشياء «كن فيكون» ذلك الشيء ويحدث.ويَوْمَ خبر مقدم، وقَوْلُهُ مبتدأ مؤخر، والْحَقُّ صفته.والجملة الكريمة بيان لقدرته- تعالى- على حشر المخلوقات بكون مراده لا يتخلف عن أمره، وإن قوله هو النافذ وأمره هو الواقع قال- تعالى- إِنَّما أَمْرُهُ إِذا أَرادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ.وفي قوله قَوْلُهُ الْحَقُّ صيغة قصر للمبالغة أى: هو الحق الكامل، لأن أقوال غيره وإن كان فيها كثير من الحق فهي معرضة للخطأ وما كان فيها غير معرض للخطأ فهو من وحى الله أو من نعمته بالعقل والإصابة للحق.وقوله وَلَهُ الْمُلْكُ يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ أى: أن الملك لله تعالى وحده في ذلك اليوم فلا ملك لأحد سواه.قال أبو السعود: «وتقييد اختصاص الملك له- تعالى- بذلك اليوم مع عموم الاختصاص لجميع الأوقات لغاية ظهور ذلك بانقطاع العلائق المجازية الكائنة في الدنيا المصححة للملكية المجازية في الجملة، فهو كقوله- تعالى- لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّهِ الْواحِدِ الْقَهَّارِ وقوله: الْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ لِلرَّحْمنِ.المراد «بالصور» القرن الذي ينفخ فيه الملك نفخة الصعق والموت، ونفخة البعث والنشور والله أعلم بحقيقته.وروى الإمام أحمد عن عبد الله بن عمرو قال: إن أعرابيا سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن الصور فقال:«قرن ينفخ فيه» رواه أبو داود والترمذي والحاكم عنه أيضا.وقيل المراد بالصور هنا جمع صورة والمراد بها الأبدان أى: يوم ينفخ في صور الموجودات فتعود إلى الحياة.ثم ختمت الآية بما يدل على سعة علم الله- تعالى- وعظم إتقانه في صنعه فقال- تعالى-: عالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ.الغيب. ما غاب عن الناس فلم يدركوه. الشهادة: ضد الغيب وهي الأمور التي يشاهدها الناس ويتوصلون إلى علمها.وصفة الْحَكِيمُ تجمع إتقان الصنع فدل على عظم القدرة مع تعلق العلم بالمصنوعات.وصفة الْخَبِيرُ تجمع العلم بالمعلومات ظاهرها وخفيها.أى: فهو- سبحانه- وحده العالم بأحوال جميع الموجودات ما غاب منها وما هو مشاهد، وهو ذو الحكمة في جميع أفعاله والعالم بالأمور الجلية والخفية.وبعد أن ساق القرآن ألوانا من الأدلة على وحدانية الله وسعة علمه وقدرته أخذ في التدليل على بطلان الشرك وإثبات التوحيد عن طريق القصة، فحكى لنا جانبا مما قاله إبراهيم لأبيه وقومه فقال- تعالى-:
6:74
وَ اِذْ قَالَ اِبْرٰهِیْمُ لِاَبِیْهِ اٰزَرَ اَتَتَّخِذُ اَصْنَامًا اٰلِهَةًۚ-اِنِّیْۤ اَرٰىكَ وَ قَوْمَكَ فِیْ ضَلٰلٍ مُّبِیْنٍ(۷۴)
اور یاد کرو جب ابراہیم نے اپنے باپ (ف۱۶۰) آزر سے کہا، کیا تم بتوں کو خدا بناتے ہو، بیشک میں تمہیں اور تمہاری قوم کو کھلی گمراہی میں پاتا ہوں(ف۱۶۱)

والمعنى: واذكر يا محمد وذكر قومك ليعتبروا ويتعظوا وقت أن قال إبراهيم لأبيه آزر منكرا عليه عبادة الأصنام أَتَتَّخِذُ أَصْناماً آلِهَةً تعبدها من دون الله الذي خلقك فسواك فعدلك إِنِّي أَراكَ وَقَوْمَكَ الذين يتبعونك في عبادتها في ضلال مبين، أى في انحراف ظاهر بين عن الطريق المستقيم.قال الآلوسى: (وآزر بزنة آدم علم أعجمى لأبى إبراهيم- عليه السلام- وكان من قرية من سواد الكوفة، وهو بدل من إبراهيم أو عطف بيان عليه، وقيل: إنه لقب لأبى إبراهيم واسمه الحقيقي تارح وأن آزر لقبه، وقيل هو اسم جده ومنهم من قال اسم عمه، والعم والجد يسميان أبا مجازا) .والاستفهام في قوله أَتَتَّخِذُ أَصْناماً آلِهَةً للإنكار. والتعبير بقوله أَتَتَّخِذُ الذي هو افتعال من الأخذ، فيه إشارة بأن عبادته هو وقومه لها شيء مصطنع، والأصنام ليست أهلا للألوهية، وفي ذلك ما فيه من التعريض بسخافة عقولهم، وسوء تفكيرهم.والرؤية يجوز أن تكون بصرية قصد منها في كلام إبراهيم أن ضلال أبيه وقومه صار كالشىء المشاهد لوضوحه، وعليه فقوله فِي ضَلالٍ مُبِينٍ في موضع المفعول.ويجوز أن تكون الرؤية علمية وعليه فقوله فِي ضَلالٍ مُبِينٍ في موضع المفعول الثاني.ووصف الضلال بأنه مبين يدل على شدة فساد عقولهم حيث لم يتفطنوا لضلالهم مع أنه كالمشاهد المرئي.قال الشيخ القاسمى: قال بعض مفسري الزيدية: ثمرة الآية الدلالة على وجوب النصيحة في الدين لا سيما للأقارب، فإن من كان أقرب فهو أهم، ولهذا قال- تعالى- وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ وقال- تعالى-: قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ ناراً وقال صلى الله عليه وسلم «أبدأ بنفسك ثم بمن تعول» ولهذا بدأ النبي صلى الله عليه وسلم بعلى وخديجة وزيد وكانوا معه في الدار فآمنوا وسبقوا، ثم بسائر قريش، ثم بالعرب، ثم بالموالي، وبدأ إبراهيم بأبيه ثم بقومه، وتدل هذه الآية- أيضا- على أن النصيحة في الدين، والذم والتوبيخ لأجله ليس من العقوق، وقد ثبت في الصحيح عن أبى هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: يلقى إبراهيم أباه آزر يوم القيامة «وعلى وجه آزر قترة وغبرة» فيقول له إبراهيم: ألم أقل لك لا تعصني؟ فيقول أبوه: فاليوم لا أعصيك. فيقول إبراهيم:يا رب إنك وعدتني أن لا تخزني يوم يبعثون، فأى خزي أخزى من أبى الأبعد؟ فيقول الله- تعالى- «إنى حرمت الجنة على الكافرين» .ثم قال الشيخ القاسمى: والآية حجة على الشيعة في زعمهم أنه لم يكن أحد من آباء الأنبياء كافرا، وأن آزر عم إبراهيم لا أبوه، وذلك لأن الأصل في الإطلاق الحقيقة ومثله لا يجزم به من غير نقل»
6:75
وَ كَذٰلِكَ نُرِیْۤ اِبْرٰهِیْمَ مَلَكُوْتَ السَّمٰوٰتِ وَ الْاَرْضِ وَ لِیَكُوْنَ مِنَ الْمُوْقِنِیْنَ(۷۵)
اور اسی طرح ہم ابراہیم کو دکھاتے ہیں ساری بادشاہی آسمانوں اور زمین کی (ف۱۶۲) اور اس لیے کہ وہ عین الیقین والوں میں ہوجائے (ف۱۶۳)

ثم بين- سبحانه- بعض مظاهر نعمه على خليله إبراهيم فقال- تعالى- وَكَذلِكَ نُرِي إِبْراهِيمَ مَلَكُوتَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ.أى: وكما أرينا إبراهيم الحق في خلاف ما عليه أبوه وقومه من الشرك، نريه- أيضا- مظاهر ربوبيتنا، ومالكيتنا للسموات والأرض، ونطلعه على حقائقها. ليزداد إيمانا على إيمانه وليكون من العالمين علما كاملا لا يقبل الشك بأنه على الحق وأن مخالفيه على الباطل.والرؤية هنا المقصود بها الانكشاف والمعرفة. فتشمل المبصرات والمعقولات التي يستدل بها على الحق.وإنما قال نُرِي إِبْراهِيمَ بصيغة المضارع، مع أن الظاهر أن يقول «أريناه» لاستحضار صورة الحال الماضية التي كانت تتجدد وتتكرر بتجدد رؤية آياته- تعالى- في ذلك الملكوت العظيم.والملكوت: مصدر كالرغبوت والرحموت والجبروت، وزيدت فيه الواو والتاء للمبالغة في الصفة، والمراد به الملك العظيم وهو مختص بملكه- تعالى- كما قال الراغب في مفرداته.
6:76
فَلَمَّا جَنَّ عَلَیْهِ الَّیْلُ رَاٰ كَوْكَبًاۚ-قَالَ هٰذَا رَبِّیْۚ-فَلَمَّاۤ اَفَلَ قَالَ لَاۤ اُحِبُّ الْاٰفِلِیْنَ(۷۶)
پھر جب ان پر رات کا اندھیرا آیا ایک تارا دیکھا (ف۱۶۴) بولے اسے میرا رب ٹھہراتے ہو پھر جب وہ ڈوب گیا بولے مجھے خوش نہیں آتے ڈوبنے والے،

ثم بين- سبحانه- ثمار تلك الإراءة التي أكرم بها نبيه إبراهيم فقال: فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأى كَوْكَباً قالَ هذا رَبِّي.جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ: أى ستره بظلامه وتغشاه بظلمته، وأصل الجن: الستر عن الحاسة.يقال: جنه الليل وجن عليه يجن جنا وجنونا، ومنه الجن والجنة- بالكسر- والجنة- بالفتح- وهي البستان الذي يستر بأشجاره الأرض.والمعنى: فلما ستر الليل بظلامه إبراهيم رأى كوكبا قال هذا ربي، قال ذلك على سبيل الفرض وإرخاء العنان، مجاراة مع عباد الأصنام والكواكب ليكر عليه بالإبطال، ويثبت أن الرب لا يجوز عليه التغيير والانتقال.قال صاحب الكشاف: «كان أبوه وقومه يعبدون الأصنام والشمس والقمر والكواكب فأراد أن ينبههم على الخطأ في دينهم، وأن يرشدهم إلى طريق النظر والاستدلال. ويعرفهم أن النظر الصحيح مؤد إلى أن شيئا منها لا يصح أن يكون إلها. لقيام دليل الحدوث فيها، وأن وراءها محدثا أحدثها، وصانعا صنعها، ومدبرا دبر طلوعها وأفولها وانتقالها ومسيرها وسائر أحوالها.وقول إبراهيم هذا رَبِّي قول من ينصف خصمه مع علمه بأنه مبطل، فيحكى قوله كما روى غير متعصب لمذهبه، لأن ذلك أدعى إلى الحق وأنجى من الشغب، ثم يكر عليه بعد حكايته فيبطله بالحجة وجملة قالَ هذا رَبِّي مستأنفة استئنافا بيانيا جوابا لسؤال ينشأ عن مضمون جملة «رأى كوكبا» وهو أن يسأل سائل: فماذا كان منه عند ما رآه، فيكون قوله: قالَ هذا رَبِّي جوابا لذلك.وقوله فَلَمَّا أَفَلَ أى: غاب وغرب: يقال أفل الشيء يأفل أفلا وأفولا أى: غاب.وقوله قالَ لا أُحِبُّ الْآفِلِينَ أى: لا أحب عبادة الأرباب المنتقلين من مكان إلى مكان ومن حال إلى حال، لأن الأفول غياب وابتعاد، وشأن الإله الحق أن يكون دائم المراقبة لتدبير أمر عباده.وجاء بالآفلين بصيغة جمع المذكر المختص بالعقلاء بناء على اعتقاد قومه أن الكواكب عاقلة متصرفة في الأكوان.
6:77
فَلَمَّا رَاَ الْقَمَرَ بَازِغًا قَالَ هٰذَا رَبِّیْۚ-فَلَمَّاۤ اَفَلَ قَالَ لَىٕنْ لَّمْ یَهْدِنِیْ رَبِّیْ لَاَكُوْنَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّآلِّیْنَ(۷۷)
پھر جب چاند چمکتا دیکھا بولے اسے میرا رب بتاتے ہو پھر جب وہ ڈوب گیا کہا اگر مجھے میرا رب ہدایت نہ کرتا تو میں بھی انہیں گمراہوں میں ہوتا(ف۱۶۵)

ثم بين- سبحانه- حالة ثانية من الحالات التي برهن بها إبراهيم على وحدانية الله فقال- تعالى-: فَلَمَّا رَأَى الْقَمَرَ بازِغاً قالَ هذا رَبِّي أى: فلما رأى إبراهيم القمر مبتدئا في الطلوع، منتشرا ضوؤه من وراء الأفق قال هذا ربي.وبازغا: مأخوذ من البزوع وهو الطلوع والظهور. يقال: بزغ الناب بزوغا إذا طلع.فَلَمَّا أَفَلَ قالَ: لَئِنْ لَمْ يَهْدِنِي رَبِّي لَأَكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ.أى: فلما أفل القمر كما أفل الكوكب من قبله قال مسمعا من حوله من قومه: لئن لم يهدني ربي إلى جناب الحق وإلى الطريق القويم الذي يرتضيه لأكونن من القوم الضالين عن الصراط المستقيم، لأن هذا القمر الذي يعتوره الأفول- أيضا- لا يصلح أن يكون إلها.وفي قول إبراهيم لقومه هذا القول تنبيه لهم لمعرفة الرب الحق وأنه واحد وأن الكواكب والقمر كليهما لا يستحقان الألوهية. وفي هذا تهيئة لنفوس قومه لما عزم عليه من التصريح بأن له ربا غير الكواكب. ثم عرض بقومه بأنهم ضالون، لأن قوله «لأكونن من القوم الضالين» يدخل على نفوسهم الشك في معتقدهم أنه لون من الضلال.وإنما استدل على بطلان كون القمر إلها بعد أفوله، ولم يستدل على بطلان ذلك بمجرد ظهوره مع أن أفوله محقق، لأنه أراد أن يقيم استدلاله على المشاهدة لأنها أقوى وأقطع لحجة الخصم.
6:78
فَلَمَّا رَاَ الشَّمْسَ بَازِغَةً قَالَ هٰذَا رَبِّیْ هٰذَاۤ اَكْبَرُۚ-فَلَمَّاۤ اَفَلَتْ قَالَ یٰقَوْمِ اِنِّیْ بَرِیْٓءٌ مِّمَّا تُشْرِكُوْنَ(۷۸)
پھر جب سورج جگمگاتا دیکھا بولے اسے میرا رب کہتے ہو (ف۱۶۶) یہ تو ان سب سے بڑا ہے، پھر جب وہ ڈوب گیا کہا اے قوم میں بیزار ہوں ان چیزوں سے جنہیں تم شریک ٹھہراتے ہو (ف۱۶۷)

ثم حكى القرآن الحالة الثالثة والأخيرة التي استدل بها إبراهيم على بطلان الشرك فقال- تعالى- فَلَمَّا رَأَى الشَّمْسَ بازِغَةً قالَ هذا رَبِّي هذا أَكْبَرُ أى: فلما رأى إبراهيم الشمس مبتدئة في الطلوع وقد عم نورها الآفاق، قال مشيرا إليها هذا رَبِّي هذا أَكْبَرُ أى: أكبر الكواكب جرما وأعظمها قوة، فهو أولى بالألوهية ان كان المدار فيها على التفاضل والخصوصية.فقوله هذا أَكْبَرُ تأكيد لما رامه من إظهار النصفة للقوم، ومبالغة في تلك المجاراة الظاهرة لهم، وتمهيد قوى لإقامة الحجة البالغة عليهم، واستدراج لهم إلى ما يريد أن يلقيه على مسامعهم بعد ذلك.قال صاحب الكشاف: فإن قلت ما وجه التذكير في قوله هذا رَبِّي والإشارة للشمس؟قلت: جعل المبتدأ مثل الخبر لكونهما عبارة عن شيء واحد، كقولهم: ما جاءت حاجتك ومن كانت أمك، وكان اختيار هذه الطريقة واجبا لصيانة الرب عن شبهة التأنيث ألا تراهم قالوا في صفة الله علام ولم يقولوا علامة وإن كان العلامة أبلغ احترازا من علامة التأنيث .وقوله فَلَمَّا أَفَلَتْ قال: يا قَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ أى فلما غابت الشمس واحتجب ضوؤها، جاهر إبراهيم قومه بالنتيجة التي يريد الوصول إليها فقال: يا قوم إنى برىء من عبادة الأجرام المتغيرة التي يغشاها الأفول، وبرىء من إشراككم مع الله آلهة أخرى.قال الآلوسى: وإنما احتج- عليه السلام- بالأفول دون البزوغ مع أنه انتقال، لأن الأفول متعدد الدلالة أيضا إذ هو انتقال مع احتجاب ولا كذلك البزوغ، ولأن دلالة الأفول على المقصود ظاهرة يعرفها كل أحد، فإن الآفل يزول سلطانه وقت الأفول .هذا والمتأمل في هذه الحالات الثلاث يرى أن إبراهيم- عليه السلام- قد سلك مع قومه أحكم الطرق في الاستدلال على وحدانية الله، فقد ترقى معهم وهو يأخذ بيدهم إلى النتيجة التي يريدها بأسلوب يقنع العقول السليمة، ورحم الله صاحب الانتصاف فقد بين ذلك بقوله: «والتعريض بضلالهم ثانيا أى في قوله لَئِنْ لَمْ يَهْدِنِي رَبِّي لَأَكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ أصرح وأقوى من قوله أولا لا أُحِبُّ الْآفِلِينَ وإنما ترقى إلى ذلك، لأن الخصوم قد أقام عليهم بالاستدلال الأول حجة، فأنسوا بالقدح في معتقدهم، ولو قيل هذا في الأول فلعلهم كانوا ينفرون ولا يصغون إلى الاستدلال، فما عرض- صلوات الله عليه- بأنهم في ضلالة إلا بعد أن وثق بإصغائهم إلى تمام المقصود واستماعهم إلى آخره. والدليل على ذلك أنه ترقى في النوبة الثالثة إلى التصريح بالبراءة منهم والتقريع بأنهم على شرك حين تم قيام الحجة، وتبلج الحق، وبلغ من الظهور غاية المقصود .
6:79
اِنِّیْ وَجَّهْتُ وَجْهِیَ لِلَّذِیْ فَطَرَ السَّمٰوٰتِ وَ الْاَرْضَ حَنِیْفًا وَّ مَاۤ اَنَا مِنَ الْمُشْرِكِیْنَۚ(۷۹)
میں نے اپنا منہ اس کی طرف کیا جس نے آسمان اور زمین بنائے ایک اسی کا ہوکر (ف۱۶۸) اور میں مشرکین میں نہیں،

ثم ختم إبراهيم هذا الترقي في الاستدلال على وحدانية الله بقوله- كما حكى القرآن عنه-: إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ حَنِيفاً أى: إنى صرفت وجهى وقلبي في المحبة والعبادة لله الذي أوجد وأنشأ السموات والأرض على غير مثال سابق.ومعنى حَنِيفاً مائلا عن الأديان الباطلة والعقائد الزائفة كلها إلى الدين الحق، وهو- أى حنيفا- حال من ضمير المتكلم في وَجَّهْتُ.وقوله وَما أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ أى: وما أنا من الذين يشركون مع الله آلهة أخرى لا في أقوالهم ولا في أفعالهم. وقد أفادت هذه الجملة التأكيد لجملة إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ.. إلخ.وبذلك يكون إبراهيم- عليه السلام- قد أقام الأدلة الحكيمة والبراهين الساطعة على وحدانية الله- تعالى- وسفه المعبودات الباطلة وعابديها.ثم بين- سبحانه- بعض ما دار بين إبراهيم وبين قومه من مجادلات ومخاصمات فقال:
6:80
وَ حَآجَّهٗ قَوْمُهٗؕ-قَالَ اَتُحَآجُّوْٓنِّیْ فِی اللّٰهِ وَ قَدْ هَدٰىنِؕ-وَ لَاۤ اَخَافُ مَا تُشْرِكُوْنَ بِهٖۤ اِلَّاۤ اَنْ یَّشَآءَ رَبِّیْ شَیْــٴًـاؕ-وَسِعَ رَبِّیْ كُلَّ شَیْءٍ عِلْمًاؕ-اَفَلَا تَتَذَكَّرُوْنَ(۸۰)
اور ان کی قوم ان سے جھگڑے لگی کہا کیا اللہ کے بارے میں مجھ سے جھگڑتے ہو تو وہ مجھے راہ بتا چکا (ف۱۶۹) اور مجھے ان کا ڈر نہیں جنہیں تم شریک بتاتے ہو (ف۱۷۰) ہاں جو میرا ہی رب کوئی بات چاہے (ف۱۷۱) میرے رب کا علم ہر چیز کو محیط ہے، تو کیا تم نصیحت نہیں مانتے

المحاجة: المجادلة والمغالبة في إقامة الحجة، والحجة الدلالة المبينة للمحجة أى: المقصد المستقيم- كما قال الراغب- وتطلق الحجة على كل ما يدلى به أحد الخصمين في إثبات دعواه أو رد دعوى خصمه.فمعنى وَحاجَّهُ قَوْمُهُ أى: جادلوه وخاصموه أو شرعوا في مغالبته في أمر التوحيد تارة بإيراد أدلة فاسدة واقعة في حضيض التقليد، وأخرى بالتهديد والتخويف، فقد حكى القرآن أنهم قالوا له عند ما نهاهم عن عبادة الأصنام وَجَدْنا آباءَنا كَذلِكَ يَفْعَلُونَ.وقد رد عليهم إبراهيم ردا قويا جريئا فقال لهم: أَتُحاجُّونِّي فِي اللَّهِ وَقَدْ هَدانِ أى أتجادلونني في شأنه- تعالى- وفي أدلة وحدانيته، والحال أنه- سبحانه- قد هداني إلى الدين الحق وإلى إقامة الدليل عليكم بأنه هو المستحق للعبادة.والاستفهام للإنكار والتوبيخ وتيئيسهم من رجوعه إلى معتقداتهم.وجملة وَقَدْ هَدانِ حال مؤكدة للإنكار أى لا جدوى من محاجتكم إياى بعد أن هداني الله إلى الطريق المستقيم، وجعلني من المبغضين للأصنام المحتقرين لها.ثم صارحهم بأنه لا يخشى أصنامهم ولا يقيم لها وزنا فقال: وَلا أَخافُ ما تُشْرِكُونَ بِهِ أى لا أخاف معبوداتكم لأنها جمادات لا تضر ولا تنفع، ولا تبصر ولا تسمع، ولا تقرب ولا تشفع. ويبدو أن قومه كانوا قد خوفوه بطش أصنامهم وقالوا له كما قالت قبيلة عاد لنبيها هود إِنْ نَقُولُ إِلَّا اعْتَراكَ بَعْضُ آلِهَتِنا بِسُوءٍ فرد عليهم إبراهيم هذا الرد القوى الصريح.وقوله إِلَّا أَنْ يَشاءَ رَبِّي شَيْئاً استثناء مما قبله أى: لا أخاف معبوداتكم في جميع الأوقات إلا وقت مشيئة ربي شيئا من المكروه يصيبني من جهتها بأن يسقط على صنم يشجنى، فإن ذلك يقع بقدرة ربي ومشيئة لا بقدرة أصنامكم أو مشيئتها، وعلى هذا التفسير الذي ذهب إليه صاحب الكشاف يكون الاستثناء متصلا.ويرى ابن عطية وغيره أن الاستثناء منقطع على معنى: لا أخاف معبوداتكم ولكن أخاف أن يشاء ربي خوفي مما أشركتم به.وهذه الجملة الكريمة تدل على سمو أدب إبراهيم- عليه السلام- مع ربه، وعلى نهاية استسلامه لمشيئته، فمع أنه مؤمن بخالقه كل الإيمان وكافر بتلك الآلهة كل الكفران، إلا أنه ترك الأمر كله لمشيئة الله، وعلق مستقبله على ما يريد الله فيه.وقوله وَسِعَ رَبِّي كُلَّ شَيْءٍ عِلْماً أى: أن علم ربي وسع كل شيء وأحاط به، فلا يبعد أن يكون في علمه إنزال ما يخفيني من جهة تلك المعبودات الباطلة لسبب من الأسباب.وهذه الجملة الكريمة مستأنفة استئنافا بيانيا فكأن قومه قد قالوا: كيف يشاء ربك شيئا تخافه فكان جوابه عليهم: وَسِعَ رَبِّي كُلَّ شَيْءٍ عِلْماً فأنا وإن كنت عبده وناصره إلا أنه أعلم بإلحاق الضر أو النفع بمن يشاء من عباده.وعِلْماً منصوب على التمييز المحول عن الفاعل، إذ الأصل في هذا التعبير «أن يقال:وسع علم ربي كل شيء، ولكن عدل به عن هذا النسق، وأسند الفعل فيه إلى الله لا إلى علمه، وجعل لفظ العلم تمييزا لا فاعلا ليكون الوسع والإحاطة والشمول لله، فيخلع التعبير ظلا أشمل وأفخم وأعمق وقعا في النفس.وقوله أَفَلا تَتَذَكَّرُونَ أى تعرضون أيها الغافلون عن التأمل والتذكير بعد أن أوضحت لكم بما لا يقبل مجالا للشك أن الله وحده هو المستحق للعبادة وأن هذه المعبودات التي سواه لا تملك لنفسها نفعا ولا ضرا.فالاستفهام للإنكار والتوبيخ لعدم تذكرهم مع وضوح الدلائل.وفي إيراد التذكر دون التفكر ونحوه إشارة إلى أن أمر آلهتهم مركوز في العقول ولا يتوقف إلا على التذكير.
  FONT
  THEME
  TRANSLATION
  • English | Ahmed Ali
  • Urdu | Ahmed Raza Khan
  • Turkish | Ali-Bulaç
  • German | Bubenheim Elyas
  • Chinese | Chineese
  • Spanish | Cortes
  • Dutch | Dutch
  • Portuguese | El-Hayek
  • English | English
  • Urdu | Fateh Muhammad Jalandhry
  • French | French
  • Hausa | Hausa
  • Indonesian | Indonesian-Bahasa
  • Italian | Italian
  • Korean | Korean
  • Malay | Malay
  • Russian | Russian
  • Tamil | Tamil
  • Thai | Thai
  • Farsi | مکارم شیرازی
  TAFSEER
  • العربية | التفسير الميسر
  • العربية | تفسير الجلالين
  • العربية | تفسير السعدي
  • العربية | تفسير ابن كثير
  • العربية | تفسير الوسيط لطنطاوي
  • العربية | تفسير البغوي
  • العربية | تفسير القرطبي
  • العربية | تفسير الطبري
  • English | Arberry
  • English | Yusuf Ali
  • Dutch | Keyzer
  • Dutch | Leemhuis
  • Dutch | Siregar
  • Urdu | Sirat ul Jinan
  HELP

اَلْاَ نْعَام
اَلْاَ نْعَام
  00:00



Download

اَلْاَ نْعَام
اَلْاَ نْعَام
  00:00



Download