READ
Surah Al-An'aam
اَلْاَ نْعَام
165 Ayaat مکیۃ
وَ لَا تَاْكُلُوْا مِمَّا لَمْ یُذْكَرِ اسْمُ اللّٰهِ عَلَیْهِ وَ اِنَّهٗ لَفِسْقٌؕ-وَ اِنَّ الشَّیٰطِیْنَ لَیُوْحُوْنَ اِلٰۤى اَوْلِیٰٓـٕهِمْ لِیُجَادِلُوْكُمْۚ-وَ اِنْ اَطَعْتُمُوْهُمْ اِنَّكُمْ لَمُشْرِكُوْنَ۠(۱۲۱)
اور اُسے نہ کھاؤ جس پر اللہ کا نام نہ لیا گیا (ف۲۴۰) اور وہ بیشک حکم عدولی ہے، اور بیشک شیطان اپنے دوستوں کے دلوں میں ڈالتے ہیں کہ تم سے جھگڑیں اور اگر تم ان کا کہنا مانو (ف۲۴۱) تو اس وقت تم مشرک ہو (ف۲۴۲)
قوله تعالى ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه وإنه لفسق وإن الشياطين ليوحون إلى أوليائهم ليجادلوكم وإن أطعتموهم إنكم لمشركونقوله تعالى ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه وإنه لفسق فيه خمس مسائلالأولى : روى أبو داود قال : جاءت اليهود إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا : نأكل مما قتلنا ولا نأكل مما قتل الله ؟ فأنزل الله عز وجل : ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه إلى آخر الآية . وروى النسائي عن ابن عباس في قوله تعالى : ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه قال : خاصمهم المشركون فقالوا : ما ذبح الله فلا تأكلوه وما ذبحتم أنتم أكلتموه ; فقال الله سبحانه لهم : لا تأكلوا ; فإنكم لم تذكروا اسم الله عليها . وتنشأ هنا مسألة أصولية ، وهي :الثانية : وذلك أن اللفظ الوارد على سبب هل يقصر عليه أم لا ; فقال علماؤنا : لا إشكال في صحة دعوى العموم فيما يذكره الشارع ابتداء من صيغ ألفاظ العموم . أما ما ذكره جوابا لسؤال ففيه تفصيل ، على ما هو معروف في أصول الفقه ; إلا أنه إن أتى بلفظ مستقل دون السؤال لحق بالأول في صحة القصد إلى التعميم . فقوله : لا تأكلوا ظاهر في تناول الميتة ، ويدخل فيه ما ذكر عليه غير اسم الله بعموم أنه لم يذكر عليه اسم الله ، وبزيادة ذكر غير اسم الله سبحانه عليه الذي يقتضي تحريمه نصا بقوله : وما أهل به لغير الله . وهل يدخل فيه ما ترك المسلم التسمية عمدا عليه من الذبح ، وعند إرسال الصيد . اختلف العلماء في ذلك على أقوال خمسة ، وهي المسألة :الثالثة : القول الأول : إن تركها سهوا أكلا جميعا ، وهو قول إسحاق ورواية عن أحمد بن حنبل . فإن تركها عمدا لم يؤكلا ; وقاله في الكتاب مالك وابن القاسم ، وهو قول أبي حنيفة وأصحابه والثوري والحسن بن حي وعيسى وأصبغ ، وقاله سعيد بن جبير وعطاء ، واختاره النحاس وقال : هذا أحسن ، لأنه لا يسمى فاسقا إذا كان ناسيا .الثاني : إن تركها عامدا أو ناسيا يأكلهما . وهو قول الشافعي والحسن ، وروي ذلك عن ابن عباس وأبي هريرة وعطاء وسعيد بن المسيب وجابر بن زيد وعكرمة وأبي عياض وأبي رافع وطاوس وإبراهيم النخعي وعبد الرحمن بن أبي ليلى وقتادة . وحكى الزهراوي عن مالك بن أنس أنه قال : تؤكل الذبيحة التي تركت التسمية عليها عمدا أو نسيانا . وروي عن ربيعة أيضا . قال عبد الوهاب : التسمية سنة ; فإذا تركها الذابح ناسيا أكلت الذبيحة في قول مالك وأصحابه . الثالث : إن تركها عامدا أو ساهيا حرم أكلها ; قاله محمد بن سيرين وعبد الله بن عياش بن أبي ربيعة وعبد الله بن عمر ونافع وعبد الله بن زيد الخطمي والشعبي ; وبه قال أبو ثور وداود بن علي وأحمد في رواية . الرابع : إن تركها عامدا كره أكلها ; قاله القاضي أبو الحسن والشيخ أبو بكر من علمائنا . الخامس : قال أشهب : تؤكل ذبيحة تارك التسمية عمدا إلا أن يكون مستخفا ، وقال نحوه الطبري .أدلة : قال الله تعالى : فكلوا مما ذكر اسم الله عليه وقال : ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه فبين الحالين وأوضح الحكمين . فقوله : لا تأكلوا نهي على التحريم لا يجوز حمله على الكراهة ; لتناوله في بعض مقتضياته الحرام المحض ، ولا يجوز أن يتبعض ، أي يراد به التحريم والكراهة معا ; وهذا من نفيس الأصول . وأما الناسي فلا خطاب توجه إليه إذ يستحيل خطابه ; فالشرط ليس بواجب عليه . وأما التارك للتسمية عمدا فلا يخلو من ثلاثة أحوال : إما أن يتركها إذا أضجع الذبيحة ويقول : قلبي مملوء من أسماء الله تعالى وتوحيده فلا أفتقر إلى ذكر بلساني ; فذلك يجزئه لأنه ذكر الله جل جلاله وعظمه . أو يقول : إن هذا ليس بموضع تسمية صريحة ، إذ ليست بقربة ; فهذا أيضا يجزئه . أو يقول : لا أسمي ، وأي قدر للتسمية ; فهذا متهاون فاسق لا تؤكل ذبيحته . قال ابن العربي : وأعجب لرأس المحققين إمام الحرمين حيث قال : ذكر الله تعالى إنما شرع في القرب ، والذبح ليس بقربة . وهذا يعارض القرآن والسنة ; قال صلى الله عليه وسلم في الصحيح : ما أنهر الدم وذكر اسم الله عليه فكل . فإن قيل : المراد بذكر اسم الله بالقلب ; لأن الذكر يضاد النسيان ومحل النسيان القلب فمحل الذكر القلب ، وقد روى البراء بن عازب : اسم الله على قلب كل مؤمن سمى أو لم يسم . قلنا : الذكر باللسان وبالقلب ، والذي كانت العرب تفعله تسمية الأصنام والنصب باللسان ، فنسخ الله ذلك بذكره في الألسنة ، واشتهر ذلك في الشريعة حتى قيل لمالك : هل يسمي الله تعالى إذا توضأ فقال : أيريد أن يذبح . وأما الحديث الذي تعلقوا به من قوله : اسم الله على قلب كل مؤمن فحديث ضعيف . وقد استدل جماعة من أهل العلم على أن التسمية على الذبيحة ليست بواجبة ; لقوله عليه السلام لأناس سألوه ، قالوا : يا رسول الله ، إن قوما يأتوننا باللحم لا ندري أذكروا اسم الله عليه أم لا ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : سموا الله عليه وكلوا . أخرجه الدارقطني عن عائشة ومالك مرسلا عن هشام بن عروة عن أبيه ، لم يختلف عليه في إرساله . وتأوله بأن قال في آخره : وذلك في أول الإسلام . يريد قبل أن ينزل عليه : ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه . قال أبو عمر : وهذا ضعيف ، وفي الحديث نفسه ما يرده ، وذلك أنه أمرهم فيه بتسمية الله على الأكل ; فدل على أن الآية قد كانت نزلت عليه . ومما يدل على صحة ما قلناه أن هذا الحديث كان بالمدينة ، ولا يختلف العلماء أن قوله تعالى : ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه نزل في سورة " الأنعام " بمكة .وإنه لفسق أي لمعصية ; عن ابن عباس . والفسق : الخروج . وقد تقدم .الرابعة : قوله تعالى : وإن الشياطين ليوحون إلى أوليائهم أي يوسوسون فيلقون في قلوبهم الجدال بالباطل . روى أبو داود عن ابن عباس في قوله : وإن الشياطين ليوحون إلى أوليائهم يقولون : ما ذبح الله فلا تأكلوه ، وما ذبحتم أنتم فكلوه ، فأنزل الله ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه قال عكرمة : عنى بالشياطين في هذه الآية مردة الإنس من مجوس فارس . وقال ابن عباس وعبد الله بن كثير : بل الشياطين : الجن ، وكفرة الجن أولياء قريش . وروي عن عبد الله بن الزبير أنه قيل له : إن المختار يقول : يوحى إلي ، فقال : صدق ، إن الشياطين ليوحون إلى أوليائهم .وقوله : ليجادلوكم . يريد قولهم : ما قتل الله لم تأكلوه وما قتلتموه أكلتموه . والمجادلة : دفع القول على طريق الحجة بالقوة ; مأخوذ من الأجدل ، طائر قوي . وقيل : هو مأخوذ من الجدالة ، وهي الأرض ; فكأنه يغلبه بالحجة ويقهره حتى يصير كالمجدول بالأرض . وقيل : هو مأخوذ من الجدل ، وهو شدة الفتل ; فكأن كل واحد منهما يفتل حجة صاحبه حتى يقطعها ، وتكون حقا في نصرة الحق وباطلا في نصرة الباطل .الخامسة قوله تعالى : وإن أطعتموهم أي في تحليل الميتةإنكم لمشركون فدلت الآية على أن من استحل شيئا مما حرم الله تعالى صار به مشركا . وقد حرم الله سبحانه الميتة نصا ; فإذا قبل تحليلها من غيره فقد أشرك . قال ابن العربي : إنما يكون المؤمن بطاعة المشرك مشركا إذا أطاعه في الاعتقاد ; فأما إذا أطاعه في الفعل وعقده سليم مستمر على التوحيد والتصديق فهو عاص ; فافهموه . وقد مضى في المائدة .
اَوَ مَنْ كَانَ مَیْتًا فَاَحْیَیْنٰهُ وَ جَعَلْنَا لَهٗ نُوْرًا یَّمْشِیْ بِهٖ فِی النَّاسِ كَمَنْ مَّثَلُهٗ فِی الظُّلُمٰتِ لَیْسَ بِخَارِجٍ مِّنْهَاؕ-كَذٰلِكَ زُیِّنَ لِلْكٰفِرِیْنَ مَا كَانُوْا یَعْمَلُوْنَ(۱۲۲)
اور کیا وہ کہ مردہ تھا تو ہم نے اسے زندہ کیا (ف۲۴۳) اور اس کے لیے ایک نور کردیا (ف۲۴۴) جس سے لوگوں میں چلتا ہے (ف۲۴۵) وہ اس جیسا ہوجائے گا جو اندھیریوں میں ہے (ف۲۴۶) ان سے نکلنے والا نہیں، یونہی کافروں کی آنکھ میں ان کے اعمال بھلے کردیے گئے ہیں،
قوله تعالى أومن كان ميتا فأحييناه وجعلنا له نورا يمشي به في الناس كمن مثله في الظلمات ليس بخارج منها كذلك زين للكافرين ما كانوا يعملونقوله تعالى : أومن كان ميتا فأحييناه قرأ الجمهور بفتح الواو ، دخلت عليها همزة الاستفهام . وروى المسيبي عن نافع بن أبي نعيم " أومن كان " بإسكان الواو . قال النحاس : يجوز أن يكون محمولا على المعنى ، أي انظروا وتدبروا أغير الله أبتغي حكما . أومن كان ميتا فأحييناه قيل : معناه كان ميتا حين كان نطفة فأحييناه بنفخ الروح فيه ; حكاه ابن بحر . وقال ابن عباس : أومن كان كافرا فهديناه . نزلت في حمزة بن عبد المطلب وأبي جهل . وقال زيد بن أسلم والسدي : فأحييناه عمر رضي الله عنه . كمن مثله في الظلمات أبو جهل لعنه الله . والصحيح أنها عامة في كل مؤمن وكافر . وقيل : كان ميتا بالجهل فأحييناه بالعلم . وأنشد بعض أهل العلم ما يدل على صحة هذا التأويل لبعض شعراء البصرة :وفي الجهل قبل الموت موت لأهله فأجسامهم قبل القبور قبوروإن امرأ لم يحي بالعلم ميت فليس له حتى النشور نشوروالنور عبارة عن الهدى والإيمان . وقال الحسن : القرآن . وقيل : الحكمة . وقيل : هو النور المذكور في قوله : يسعى نورهم بين أيديهم وبأيمانهم وقوله : انظرونا نقتبس من نوركم .يمشي به في الناس أي بالنوركمن مثله في الظلمات ليس بخارج منها أي كمن هو ف " مثل " زائدة . تقول : أنا أكرم مثلك ; أي أكرمك . ومثله : فجزاء مثل ما قتل من النعم ليس كمثله شيء . وقيل : المعنى كمن مثله مثل من هو في الظلمات . والمثل والمثل واحد .كذلك زين للكافرين ما كانوا يعملون أي زين لهم الشيطان عبادة الأصنام وأوهمهم أنهم أفضل من المسلمين .
وَ كَذٰلِكَ جَعَلْنَا فِیْ كُلِّ قَرْیَةٍ اَكٰبِرَ مُجْرِمِیْهَا لِیَمْكُرُوْا فِیْهَاؕ-وَ مَا یَمْكُرُوْنَ اِلَّا بِاَنْفُسِهِمْ وَ مَا یَشْعُرُوْنَ(۱۲۳)
اور اسی طرح ہم نے ہر بستی میں اس کے مجرموں کے سرغنہ کیے کہ اس میں داؤ کھیلیں (ف۲۴۷) اور داؤں نہیں کھیلتے مگر اپنی جانوں پر اور انہیں شعورنہیں(ف۲۴۸)
قوله تعالى وكذلك جعلنا في كل قرية أكابر مجرميها ليمكروا فيها وما يمكرون إلا بأنفسهم وما يشعرونقوله تعالى وكذلك جعلنا في كل قرية أكابر مجرميها المعنى : وكما زينا للكافرين ما كانوا يعملون كذلك جعلنا في كل قرية . مجرميها مفعول أول ل " جعل " أكابر مفعول ثان على التقديم والتأخير . وجعل بمعنى صير . والأكابر جمع الأكبر . قال مجاهد : يريد العظماء . وقيل : الرؤساء والعظماء . وخصهم بالذكر لأنهم أقدر على الفساد . والمكر : الحيلة في مخالفة الاستقامة ، وأصله الفتل ; فالماكر يفتل عن الاستقامة أي يصرف عنها . قال مجاهد : كانوا يجلسون على كل عقبة أربعة ينفرون الناس عن اتباع النبي صلى الله عليه وسلم ; كما فعل من قبلهم من الأمم السالفة بأنبيائهم .وما يمكرون إلا بأنفسهم أي وبال مكرهم راجع إليهم . وهو من الله عز وجل الجزاء على مكر الماكرين بالعذاب الأليم .وما يشعرون في الحال ; لفرط جهلهم أن وبال مكرهم عائد إليهم .
وَ اِذَا جَآءَتْهُمْ اٰیَةٌ قَالُوْا لَنْ نُّؤْمِنَ حَتّٰى نُؤْتٰى مِثْلَ مَاۤ اُوْتِیَ رُسُلُ اللّٰهِ ﲪ اَللّٰهُ اَعْلَمُ حَیْثُ یَجْعَلُ رِسَالَتَهٗؕ-سَیُصِیْبُ الَّذِیْنَ اَجْرَمُوْا صَغَارٌ عِنْدَ اللّٰهِ وَ عَذَابٌ شَدِیْدٌۢ بِمَا كَانُوْا یَمْكُرُوْنَ(۱۲۴)
اور جب ان کے پاس کوئی نشانی آئے تو کہتے ہی ہم ہر گز ایمان نہ لائیں گے جب تک ہمیں بھی ویسا ہی نہ ملے جیسا اللہ کے رسولوں کو ملا (ف۲۴۹) اللہ خوب جانتا ہے جہاں اپنی رسالت رکھے (ف۲۵۰) عنقریب مجرموں کو اللہ کے یہاں ذلت پہنچے گی اور سخت عذاب بدلہ ان کے مکر کا،
قوله وإذا جاءتهم آية قالوا لن نؤمن حتى نؤتى مثل ما أوتي رسل الله الله أعلم حيث يجعل رسالته سيصيب الذين أجرموا صغار عند الله وعذاب شديد بما كانوا يمكرون قوله تعالى : وإذا جاءتهم آية قالوا لن نؤمن بين شيئا آخر من جهلهم ، وهو أنهم قالوا لن نؤمن حتى نكون أنبياء ، فنؤتى مثل ما أوتي موسى وعيسى من الآيات ; ونظيره بل يريد كل امرئ منهم أن يؤتى صحفا منشرة . والكناية في جاءتهم ترجع إلى الأكابر الذين جرى ذكرهم . قال الوليد بن المغيرة : لو كانت النبوة حقا لكنت أولى بها منك ; لأني أكبر منك سنا ، وأكثر منك مالا . وقال أبو جهل : والله لا نرضى به ولا نتبعه أبدا ، إلا أن يأتينا وحي كما يأتيه ; فنزلت الآية . وقيل : لم يطلبوا النبوة ولكن قالوا لا نصدقك حتى يأتينا جبريل والملائكة يخبروننا بصدقك . والأول أصح ; لأن الله تعالى قال : الله أعلم حيث يجعل رسالته أي بمن هو مأمون عليها وموضع لها . و حيث ليس ظرفا هنا ، بل هو اسم نصب نصب المفعول به على الاتساع ; أي الله أعلم أهل الرسالة . وكان الأصل الله أعلم بمواضع رسالته ، ثم حذف الحرف ، ولا يجوز أن يعمل " أعلم " في " حيث " ويكون ظرفا ، لأن المعنى يكون على ذلك : الله أعلم ، في هذا الموضع ، وذلك لا يجوز أن يوصف به الباري تعالى ، وإنما موضعها نصب بفعل مضمر دل عليه " أعلم " . وهي اسم كما ذكرنا . والصغار : الضيم والذل والهوان ، وكذلك الصغر " بالضم " . والمصدر الصغر " بالتحريك " . وأصله من الصغر دون الكبر ; فكأن الذل يصغر إلى المرء نفسه ، وقيل : أصله من الصغر وهو الرضا بالذل ; يقال منه : صغر يصغر بفتح الغين في الماضي وضمها في المستقبل . وصغر بالكسر يصغر بالفتح لغتان ، صغرا وصغارا ، واسم الفاعل صاغر وصغير . والصاغر : الراضي بالضيم . والمصغوراء الصغار . وأرض مصغرة : نبتها لم يطل ; عن ابن السكيت .عند الله أي من عند الله ، فحذف . وقيل : فيه تقديم وتأخير ، أي سيصيب الذين أجرموا عند الله صغار . الفراء : سيصيب الذين أجرموا صغار من الله . وقيل : المعنى سيصيب الذين أجرموا صغار ثابت عند الله . قال النحاس : وهذا أحسن الأقوال ; لأن عند في موضعها .
فَمَنْ یُّرِدِ اللّٰهُ اَنْ یَّهْدِیَهٗ یَشْرَحْ صَدْرَهٗ لِلْاِسْلَامِۚ-وَ مَنْ یُّرِدْ اَنْ یُّضِلَّهٗ یَجْعَلْ صَدْرَهٗ ضَیِّقًا حَرَجًا كَاَنَّمَا یَصَّعَّدُ فِی السَّمَآءِؕ-كَذٰلِكَ یَجْعَلُ اللّٰهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِیْنَ لَا یُؤْمِنُوْنَ(۱۲۵)
اور جسے اللہ راہ دکھانا چاہے اس کا سینہ اسلام کے لیے کھول دیتا ہے (ف۲۵۱) اور جسے گمراہ کرنا چاہے اس کا سینہ تنگ خوب رکا ہوا کر دیتا ہے (ف۲۵۲) گویا کسی کی زبردستی سے آسمان پر چڑھ رہا ہے، اللہ یونہی عذاب ڈالتا ہے ایمان نہ لانے والوں کو،
قوله تعالى فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للإسلام ومن يرد أن يضله يجعل صدره ضيقا حرجا كأنما يصعد في السماء كذلك يجعل الله الرجس على الذين لا يؤمنونقوله تعالى فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للإسلام أي يوسعه له ويوفقه ويزين عنده ثوابه . ويقال : شرح شق ، وأصله التوسعة . وشرح الله صدره وسعه بالبيان لذلك . وشرحت الأمر : بينته وأوضحته . وكانت قريش تشرح النساء شرحا ، وهو مما تقدم من التوسعة والبسط ، وهو وطء المرأة مستلقية على قفاها . فالشرح : الكشف ; تقول : شرحت الغامض ; ومنه تشريح اللحم . قال الراجز :كم قد أكلت كبدا وإنفحه ثم ادخرت إليه مشرحهوالقطعة منه شريحة . وكل سمين من اللحم ممتد فهو شريحة .ومن يرد أن يضله يغويه .يجعل صدره ضيقا حرجا وهذا رد على القدرية . ونظير هذه الآية من السنة قوله عليه السلام : من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين أخرجه الصحيحان . ولا يكون ذلك إلا بشرح الصدر وتنويره . والدين العبادات ; كما قال : إن الدين عند الله الإسلام . ودليل خطابه أن من لم يرد الله به خيرا ضيق صدره ، وأبعد فهمه فلم يفقهه . والله أعلم . وروي أن عبد الله بن مسعود قال : يا رسول الله ، وهل ينشرح الصدر ؟ فقال : نعم يدخل القلب نور . فقال : وهل لذلك من علامة ؟ فقال صلى الله عليه وسلم : التجافي عن دار الغرور والإنابة إلى دار الخلود والاستعداد للموت قبل نزول الموت . وقرأ ابن كثير " ضيقا " بالتخفيف ; مثل هين ولين لغتان . ونافع وأبو بكر " حرجا " بالكسر ، ومعناه الضيق . كرر المعنى ، وحسن ذلك لاختلاف اللفظ . والباقون بالفتح . جمع حرجة ; وهو شدة الضيق أيضا ، والحرجة الغيضة ; والجمع حرج وحرجات . ومنه فلان يتحرج أي يضيق على نفسه في تركه هواه للمعاصي ; قاله الهروي . وقال ابن عباس : الحرج موضع الشجر الملتف ; فكأن قلب الكافر لا تصل إليه الحكمة كما لا تصل الراعية إلى الموضع الذي التف شجره . وروي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه هذا المعنى ; ذكره مكي والثعلبي وغيرهما . وكل ضيق حرج وحرج . قال الجوهري : مكان حرج وحرج أي ضيق كثير الشجر لا تصل إليه الراعية . وقرئ يجعل صدره ضيقا حرجا و " حرجا " . وهو بمنزلة الوحد والوحد والفرد والفرد والدنف والدنف ; في معنى واحد ، وحكاه غيره عن الفراء . وقد حرج صدره يحرج حرجا . والحرج الإثم . والحرج أيضا : الناقة الضامرة . ويقال : الطويلة على وجه الأرض ; عن أبي زيد ، فهو لفظ مشترك . والحرج : خشب يشد بعضه إلى بعض يحمل فيه الموتى ; عن الأصمعي . وهو قول امرئ القيس :فإما تريني في رحالة جابر على حرج كالقر تخفق أكفانيوربما وضع فوق نعش النساء ; قال عنترة يصف ظليما :يتبعن قلة رأسه وكأنه حرج على نعش لهن مخيموقال الزجاج : الحرج : أضيق الضيق . فإذا قيل . فلان حرج الصدر ، فالمعنى ذو حرج في صدره . فإذا قيل : حرج فهو فاعل . قال النحاس : حرج اسم الفاعل ، وحرج مصدر وصف به ; كما يقال : رجل عدل ورضا .قوله تعالى : كأنما يصعد في السماء قرأه ابن كثير بإسكان الصاد مخففا ، من الصعود وهو الطلوع . شبه الله الكافر في نفوره من الإيمان وثقله عليه بمنزلة من تكلف ما لا يطيقه ; كما أن صعود السماء لا يطاق . وكذلك يصاعد وأصله يتصاعد ، أدغمت التاء في الصاد ، وهي قراءة أبي بكر والنخعي ; إلا أن فيه معنى فعل شيء بعد شيء ، وذلك أثقل على فاعله . وقرأ الباقون بالتشديد من غير ألف ، وهو كالذي قبله . معناه يتكلف ما لا يطيق شيئا بعد شيء ; كقولك : يتجرع ويتفوق . وروي عن عبد الله بن مسعود أنه قرأ " كأنما يتصعد " . قال النحاس : ومعنى هذه القراءة وقراءة من قرأ ( يصعد ويصاعد ) واحد . والمعنى فيهما أن الكافر من ضيق صدره كأنه يريد أن يصعد إلى السماء وهو لا يقدر على ذلك ; فكأنه يستدعي ذلك . وقيل : المعنى كاد قلبه يصعد إلى السماء نبوا عن الإسلام .كذلك يجعل الله الرجس عليهم ; كجعله ضيق الصدر في أجسادهم . وأصل الرجس في اللغة النتن . قال ابن زيد : هو العذاب . وقال ابن عباس : الرجس هو الشيطان ; أي يسلطه عليهم . وقال مجاهد : الرجس ما لا خير فيه . وكذلك الرجس عند أهل اللغة هو النتن . فمعنى الآية والله أعلم : ويجعل اللعنة في الدنيا والعذاب في الآخرة على الذين لا يؤمنون .
وَ هٰذَا صِرَاطُ رَبِّكَ مُسْتَقِیْمًاؕ-قَدْ فَصَّلْنَا الْاٰیٰتِ لِقَوْمٍ یَّذَّكَّرُوْنَ(۱۲۶)
اور یہ (ف۲۵۳) تمہارے رب کی سیدھی راہ ہے ہم نے آیتیں مفصل بیان کردیں نصیحت ماننے والوں کے لیے،
قوله تعالى وهذا صراط ربك مستقيما قد فصلنا الآيات لقوم يذكرونقوله تعالى وهذا صراط ربك مستقيما أي هذا الذي أنت عليه يا محمد والمؤمنون دين ربك لا اعوجاج فيه .قد فصلنا الآيات أي بيناهالقوم يذكرون أي للمتذكرين .
لَهُمْ دَارُ السَّلٰمِ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَ هُوَ وَلِیُّهُمْ بِمَا كَانُوْا یَعْمَلُوْنَ(۱۲۷)
ان کے لیے سلامتی کا گھر ہے اپنے رب کے یہاں اور وہ ان کا مولیٰ ہے یہ ان کے کاموں کا پھل ہے،
قوله تعالى لهم دار السلام عند ربهم وهو وليهم بما كانوا يعملونقوله تعالى ( لهم ) أي للمتذكرين دار السلام أي الجنة ، فالجنة دار الله ; كما يقال : الكعبة بيت الله . ويجوز أن يكون المعنى دار السلامة ، أي التي يسلم فيها من الآفات .عند ربهم أي مضمونة لهم عنده يوصلهم إليها بفضله .وهو وليهم أي ناصرهم ومعينهم .
وَ یَوْمَ یَحْشُرُهُمْ جَمِیْعًاۚ-یٰمَعْشَرَ الْجِنِّ قَدِ اسْتَكْثَرْتُمْ مِّنَ الْاِنْسِۚ-وَ قَالَ اَوْلِیٰٓؤُهُمْ مِّنَ الْاِنْسِ رَبَّنَا اسْتَمْتَعَ بَعْضُنَا بِبَعْضٍ وَّ بَلَغْنَاۤ اَجَلَنَا الَّذِیْۤ اَجَّلْتَ لَنَاؕ-قَالَ النَّارُ مَثْوٰىكُمْ خٰلِدِیْنَ فِیْهَاۤ اِلَّا مَا شَآءَ اللّٰهُؕ-اِنَّ رَبَّكَ حَكِیْمٌ عَلِیْمٌ(۱۲۸)
اور جس دن اُن سب کو اٹھانے گا اور فرمائے گا، اے جن کے گروہ! تم نے بہت آدمی گھیرلیے (ف۲۵۴) اور ان کے دوست آدمی عرض کریں گے اے ہمارے رب! ہم میں ایک نے دوسرے سے فائدہ اٹھایا (ف۲۵۵) اور ہم اپنی اس میعاد کو پہنچ گئے جو تو نے ہمارے لیے مقرر فرمائی تھی (ف۲۵۶) فرمائے گا آگ تمہارا ٹھکانا ہے ہمیشہ اس میں رہو مگر جسے خدا چاہے (ف۲۵۷) اے محبوب! بیشک تمہارا رب حکمت والا علم والا ہے،
قوله تعالى ويوم يحشرهم جميعا يامعشر الجن قد استكثرتم من الإنس وقال أولياؤهم من الإنس ربنا استمتع بعضنا ببعض وبلغنا أجلنا الذي أجلت لنا قال النار مثواكم خالدين فيها إلا ما شاء الله إن ربك حكيم عليمقوله تعالى " ويوم نحشرهم " نصب على الفعل المحذوف ، أي ويوم نحشرهم نقول .جميعا نصب على الحال . والمراد حشر جميع الخلق في موقف القيامة .يا معشر نداء مضاف .الجن قد استكثرتم من أي من الاستمتاع بالإنس ; فحذف المصدر المضاف إلى المفعول ، وحرف الجر ; يدل على ذلك قوله ربنا استمتع بعضنا ببعض .وهذا يرد قول من قال : إن الجن هم الذين استمتعوا من الإنس ; لأن الإنس قبلوا منهم . والصحيح أن كل واحد مستمتع بصاحبه . والتقدير في العربية : استمتع بعضنا بعضا ; فاستمتاع الجن من الإنس أنهم تلذذوا بطاعة الإنس إياهم ، وتلذذ الإنس بقبولهم من الجن حتى زنوا وشربوا الخمور بإغواء الجن إياهم . وقيل : كان الرجل إذا مر بواد في سفره وخاف على نفسه قال : أعوذ برب هذا الوادي من جميع ما أحذر . وفي التنزيل : وأنه كان رجال من الإنس يعوذون برجال من الجن فزادوهم رهقا . فهذا استمتاع الإنس بالجن . وأما استمتاع الجن بالإنس فما كانوا يلقون إليهم من الأراجيف والكهانة والسحر . وقيل : استمتاع الجن بالإنس أنهم يعترفون أن الجن يقدرون أن يدفعوا عنهم ما يحذرون . ومعنى الآية تقريع الضالين والمضلين وتوبيخهم في الآخرة على أعين العالمين .وبلغنا أجلنا الذي أجلت لنا يعني الموت والقبر ، ووافينا نادمين .قال النار مثواكم أي موضع مقامكم . والمثوى المقام .خالدين فيها إلا ما شاء الله استثناء ليس من الأول . قال الزجاج : يرجع إلى يوم القيامة ، أي خالدين في النار إلا ما شاء الله من مقدار حشرهم من قبورهم ومقدار مدتهم في الحساب ; فالاستثناء منقطع . وقيل : يرجع الاستثناء إلى النار ، أي إلا ما شاء الله من تعذيبكم بغير النار في بعض الأوقات . وقال ابن عباس : الاستثناء لأهل الإيمان . ف ( ما ) على هذا بمعنى ( من ) . وعنه أيضا أنه قال : هذه الآية توجب الوقف في جميع الكفار . ومعنى ذلك أنها توجب الوقف فيمن لم يمت ، إذ قد يسلم . وقيل : إلا ما شاء الله من كونهم في الدنيا بغير عذاب . ومعنى هذه الآية معنى الآية التي في " هود " . قوله : فأما الذين شقوا ففي النار وهناك يأتي مستوفى إن شاء الله .إن ربك حكيم أي في عقوبتهم وفي جميع أفعاله .عليم بمقدار مجازاتهم .
وَ كَذٰلِكَ نُوَلِّیْ بَعْضَ الظّٰلِمِیْنَ بَعْضًۢا بِمَا كَانُوْا یَكْسِبُوْنَ۠(۱۲۹)
اور یونہی ہم ظالموں میں ایک کو دوسرے پر مسلط کرتے ہیں بدلہ ان کے کیے کا(ف۲۵۸)
قوله تعالى وكذلك نولي بعض الظالمين بعضا بما كانوا يكسبون قوله تعالى : وكذلك نولي بعض الظالمين بعضا المعنى وكما فعلنا بهؤلاء مما وصفته لكم من استمتاع بعضهم ببعض أجعل بعض الظالمين أولياء بعض ، ثم يتبرأ بعضهم من بعض غدا . ومعنى نولي على هذا نجعل وليا . قال ابن زيد : نسلط ظلمة الجن على ظلمة الإنس . وعنه أيضا : نسلط بعض الظلمة على بعض فيهلكه ويذله . وهذا تهديد للظالم إن لم يمتنع من ظلمه سلط الله عليه ظالما آخر . ويدخل في الآية جميع من يظلم نفسه أو يظلم الرعية ، أو التاجر يظلم الناس في تجارته أو السارق وغيرهم . وقال فضيل بن عياض : إذا رأيت ظالما ينتقم من ظالم فقف وانظر فيه متعجبا . وقال ابن عباس : إذا رضي الله عن قوم ولى أمرهم خيارهم ، وإذا سخط الله على قوم ولى أمرهم شرارهم . وفي الخبر عن النبي صلى الله عليه وسلم : من أعان ظالما سلطه الله عليه . وقيل : المعنى نكل بعضهم إلى بعض فيما يختارونه من الكفر ، كما نكلهم غدا إلى رؤسائهم الذين لا يقدرون على تخليصهم من العذاب أي كما نفعل بهم ذلك في الآخرة كذلك نفعل بهم في الدنيا . وقد قيل في قوله تعالى : نوله ما تولى : نكله إلى ما وكل إليه نفسه . قال ابن عباس : تفسيرها هو أن الله إذا أراد بقوم شرا ولى أمرهم شرارهم . يدل عليه قوله تعالى : وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم .
یٰمَعْشَرَ الْجِنِّ وَ الْاِنْسِ اَلَمْ یَاْتِكُمْ رُسُلٌ مِّنْكُمْ یَقُصُّوْنَ عَلَیْكُمْ اٰیٰتِیْ وَ یُنْذِرُوْنَكُمْ لِقَآءَ یَوْمِكُمْ هٰذَاؕ-قَالُوْا شَهِدْنَا عَلٰۤى اَنْفُسِنَا وَ غَرَّتْهُمُ الْحَیٰوةُ الدُّنْیَا وَ شَهِدُوْا عَلٰۤى اَنْفُسِهِمْ اَنَّهُمْ كَانُوْا كٰفِرِیْنَ(۱۳۰)
اے جنوں اور آدمیوں کے گروہ! کیا تمہارے پاس تم میں کے رسول نہ آئے تھے تم پر میری آیتیں پڑھتے اور تمہیں یہ دن (ف۲۵۹) دیکھنے سے ڈراتے (ف۲۶۰) کہیں گے ہم نے اپنی جانوں پر گواہی دی (ف۲۶۱) اور انہیں دنیا کی زندگی نے فریب دیا اور خود اپنی جانوں پر گواہی دیں گے کہ وہ کافر تھے(ف۲۶۲)
قوله : يامعشر الجن والإنس ألم يأتكم رسل منكم يقصون عليكم آياتي وينذرونكم لقاء يومكم هذا قالوا شهدنا على أنفسنا وغرتهم الحياة الدنيا وشهدوا على أنفسهم أنهم كانوا كافرينقوله تعالى يامعشر الجن والإنس ألم يأتكم أي يوم نحشرهم نقول لهم ألم يأتكم رسل فحذف ; فيعترفون بما فيه افتضاحهم . ومعنى ( منكم ) في الخلق والتكليف والمخاطبة . ولما كانت الجن ممن يخاطب ويعقل قال : ( منكم ) وإن كانت الرسل من الإنس وغلب الإنس في الخطاب كما يغلب المذكر على المؤنث . وقال ابن عباس : رسل الجن هم الذين بلغوا قومهم ما سمعوه من الوحي ; كما قال : ولوا إلى قومهم منذرين . وقال مقاتل والضحاك : أرسل الله رسلا من الجن كما أرسل من الإنس . وقال مجاهد : الرسل من الإنس ، والنذر من الجن ; ثم قرأ إلى قومهم منذرين . وهو معنى قول ابن عباس ، وهو الصحيح على ما يأتي بيانه في " الأحقاف " . وقال الكلبي : كانت الرسل قبل أن يبعث محمد صلى الله عليه وسلم يبعثون إلى الإنس والجن جميعا . قلت : وهذا لا يصح ، بل في صحيح مسلم من حديث جابر بن عبد الله الأنصاري قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أعطيت خمسا لم يعطهن نبي قبلي كان كل نبي يبعث إلى قومه خاصة وبعثت إلى كل أحمر وأسود الحديث . على ما يأتي بيانه في " الأحقاف " . وقال ابن عباس : كانت الرسل تبعث إلى الإنس وإن محمدا صلى الله عليه وسلم بعث إلى الجن والإنس ; ذكره أبو الليث السمرقندي . وقيل : كان قوم من الجن استمعوا إلى الأنبياء ثم عادوا إلى قومهم وأخبروهم ; كالحال مع نبينا عليه السلام . فيقال لهم رسل الله ، وإن لم ينص على إرسالهم . وفي التنزيل : يخرج منهما اللؤلؤ والمرجان أي من أحدهما ، وإنما يخرج من الملح دون العذب ، فكذلك الرسل من الإنس دون الجن ; فمعنى منكم أي من أحدكم . وكان هذا جائزا ; لأن ذكرهما سبق . وقيل : إنما صير الرسل في مخرج اللفظ من الجميع لأن الثقلين قد ضمتهما عرصة القيامة ، والحساب عليهم دون الخلق ; فلما صاروا في تلك العرصة في حساب واحد في شأن الثواب والعقاب خوطبوا يومئذ بمخاطبة واحدة كأنهم جماعة واحدة ; لأن بدء خلقهم للعبودية ، والثواب والعقاب على العبودية ، ولأن الجن أصلهم من مارج من نار ، وأصلنا من تراب ، وخلقهم غير خلقنا ; فمنهم مؤمن وكافر . وعدونا إبليس عدو لهم ، يعادي مؤمنهم ويوالي كافرهم . وفيهم أهواء : شيعة وقدرية ومرجئة يتلون كتابنا . وقد وصف الله عنهم في سورة " الجن " من قوله : وأنا منا المسلمون ومنا القاسطون . وأنا منا الصالحون ومنا دون ذلك كنا طرائق قددا على ما يأتي بيانه هناك .يقصون في موضع رفع نعت لرسل .قالوا شهدنا على أنفسنا أي شهدنا أنهم بلغوا .وغرتهم الحياة الدنيا قيل : هذا خطاب من الله للمؤمنين ; أي إن هؤلاء قد غرتهم الحياة الدنيا ، أي خدعتهم وظنوا أنها تدوم ، وخافوا زوالها عنهم إن آمنوا .وشهدوا على أنفسهم أي اعترفوا بكفرهم . قال مقاتل : هذا حين شهدت عليهم الجوارح بالشرك وبما كانوا يعملون .
ذٰلِكَ اَنْ لَّمْ یَكُنْ رَّبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرٰى بِظُلْمٍ وَّ اَهْلُهَا غٰفِلُوْنَ(۱۳۱)
یہ (ف۲۶۳) اس لیے کہ تیرا رب بستیوں کو (ف۲۶۴) ظلم سے تباہ نہیں کرتا کہ ان کے لوگ بے خبر ہوں(ف۲۶۵)
قوله تعالى ذلك أن لم يكن ربك مهلك القرى بظلم وأهلها غافلونقوله تعالى : ذلك في موضع رفع عند سيبويه ; أي الأمر ذلك . وأن مخففة من الثقيلة ; أي إنما فعلنا هذا بهم لأني لم أكن أهلك القرى بظلمهم ; أي بشركهم قبل إرسال الرسل إليهم فيقولوا ما جاءنا من بشير ولا نذير . وقيل : لم أكن أهلك القرى بشرك من أشرك منهم ; فهو مثل ولا تزر وازرة وزر أخرى . ولو أهلكهم قبل بعثة الرسل فله أن يفعل ما يريد . وقد قال عيسى : إن تعذبهم فإنهم عبادك وقد تقدم . وأجاز الفراء أن يكون ذلك في موضع نصب ، المعنى : فعل ذلك بهم ; لأنه لم يكن يهلك القرى بظلم .
وَ لِكُلٍّ دَرَجٰتٌ مِّمَّا عَمِلُوْاؕ-وَ مَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا یَعْمَلُوْنَ(۱۳۲)
اور ہر ایک کے لیے (ف۲۶۶) ان کے کاموں سے درجے ہیں اور تیرا رب ان کے اعمال سے بے خبر نہیں،
قوله تعالى ولكل درجات مما عملوا وما ربك بغافل عما يعملون قوله تعالى ولكل درجات مما عملوا أي من الجن والإنس ; كما قال في آية أخرى : أولئك الذين حق عليهم القول في أمم قد خلت من قبلهم من الجن والإنس إنهم كانوا خاسرين ثم قال : ولكل درجات مما عملوا وليوفيهم أعمالهم وهم لا يظلمون . وفي هذا ما يدل على أن المطيع من الجن في الجنة ، والعاصي منهم في النار ; كالإنس سواء . وهو أصح ما قيل في ذلك فاعلمه . ومعنى ولكل درجات أي ولكل عامل بطاعة درجات في الثواب . ولكل عامل بمعصية دركات في العقاب .وما ربك بغافل أي ليس بلاه ولا ساه . والغفلة أن يذهب الشيء عنك لاشتغالك بغيره .عما يعملون قرأه ابن عامر بالتاء ، الباقون بالياء .
وَ رَبُّكَ الْغَنِیُّ ذُو الرَّحْمَةِؕ-اِنْ یَّشَاْ یُذْهِبْكُمْ وَ یَسْتَخْلِفْ مِنْۢ بَعْدِكُمْ مَّا یَشَآءُ كَمَاۤ اَنْشَاَكُمْ مِّنْ ذُرِّیَّةِ قَوْمٍ اٰخَرِیْنَؕ(۱۳۳)
اور اے محبوب! تمہارا رب بے پروا ہے رحمت والا، اے لوگو! وہ چاہے تو تمہیں لے جائے (ف۲۶۷) اور جسے چاہے تمہاری جگہ لادے جیسے تمہیں اوروں کی اولاد سے پیدا کیا(ف۲۶۸)
قوله تعالى وربك الغني ذو الرحمة إن يشأ يذهبكم ويستخلف من بعدكم ما يشاء كما أنشأكم من ذرية قوم آخرينقوله تعالى وربك الغني أي عن خلقه وعن أعمالهم .ذو الرحمة أي بأوليائه وأهل طاعته .إن يشأ يذهبكم بالإماتة والاستئصال بالعذاب .ويستخلف من بعدكم ما يشاء أي خلقا آخر أمثل منكم وأطوع .كما أنشأكم من ذرية قوم آخرين والكاف في موضع نصب ، أي يستخلف من بعدكم ما يشاء استخلافا مثل ما أنشأكم ، ونظيره إن يشأ يذهبكم أيها الناس ويأت بآخرين و إن تتولوا يستبدل قوما غيركم . فالمعنى : يبدل غيركم مكانكم ، كما تقول : أعطيتك من دينارك ثوبا .
اِنَّ مَا تُوْعَدُوْنَ لَاٰتٍۙ-وَّ مَاۤ اَنْتُمْ بِمُعْجِزِیْنَ(۱۳۴)
بیشک جس کا تمہیں وعدہ دیا جاتا ہے (ف۲۶۹) ضرور آنے والی ہے اور تم تھکا نہیں سکتے،
قوله تعالى إن ما توعدون لآت وما أنتم بمعجزينقوله تعالى إن ما توعدون لآت يحتمل أن يكون من " أوعدت " في الشر ، والمصدر الإيعاد . والمراد عذاب الآخرة . ويحتمل أن يكون من " وعدت " على أن يكون المراد الساعة التي في مجيئها الخير والشر فغلب الخير . روي معناه عن الحسن .وما أنتم بمعجزين أي فائتين ; يقال : أعجزني فلان ، أي فاتني وغلبني .
قُلْ یٰقَوْمِ اعْمَلُوْا عَلٰى مَكَانَتِكُمْ اِنِّیْ عَامِلٌۚ-فَسَوْفَ تَعْلَمُوْنَۙ-مَنْ تَكُوْنُ لَهٗ عَاقِبَةُ الدَّارِؕ-اِنَّهٗ لَا یُفْلِحُ الظّٰلِمُوْنَ(۱۳۵)
تم فرماؤ اے میری قوم! تم اپنی جگہ پر کام کیے جاؤ میں اپنا کام کرتا ہوں تو اب جاننا چاہتے ہو کس کا رہتا ہے آحرت کا گھر، بیشک ظالم فلاح نہیں پاتے،
قوله تعالى قل يا قوم اعملوا على مكانتكم إني عامل فسوف تعلمون من تكون له عاقبة الدار إنه لا يفلح الظالمونقوله تعالى قل ياقوم اعملوا على مكانتكم وقرأ أبو بكر بالجمع " مكاناتكم " . والمكانة الطريقة . والمعنى اثبتوا على ما أنتم عليه فأنا أثبت على ما أنا عليه . فإن قيل : كيف يجوز أن يؤمروا بالثبات على ما هم عليه وهم كفار . فالجواب أن هذا تهديد ; كما قال عز وجل : فليضحكوا قليلا وليبكوا كثيرا . ودل عليه فسوف تعلمون من تكون له عاقبة الدار أي العاقبة المحمودة التي يحمد صاحبها عليها ، أي من له النصر في دار الإسلام ، ومن له وراثة الأرض ، ومن له الدار الآخرة ، أي الجنة . قال الزجاج : مكانتكم تمكنكم في الدنيا . ابن عباس والحسن والنخعي : على ناحيتكم . القتبي : على موضعكم .إني عامل على مكانتي ، فحذف لدلالة الحال عليه .و ( من ) من قوله من تكون له عاقبة الدار في موضع نصب بمعنى الذي ; لوقوع العلم عليه . ويجوز أن تكون في موضع رفع ; لأن الاستفهام لا يعمل فيه ما قبله فيكون الفعل معلقا . أي تعلمون أينا تكون له عاقبة الدار ; كقوله : لنعلم أي الحزبين أحصى وقرأ حمزة والكسائي ( من يكون ) بالياء .
وَ جَعَلُوْا لِلّٰهِ مِمَّا ذَرَاَ مِنَ الْحَرْثِ وَ الْاَنْعَامِ نَصِیْبًا فَقَالُوْا هٰذَا لِلّٰهِ بِزَعْمِهِمْ وَ هٰذَا لِشُرَكَآىٕنَاۚ-فَمَا كَانَ لِشُرَكَآىٕهِمْ فَلَا یَصِلُ اِلَى اللّٰهِۚ-وَ مَا كَانَ لِلّٰهِ فَهُوَ یَصِلُ اِلٰى شُرَكَآىٕهِمْؕ-سَآءَ مَا یَحْكُمُوْنَ(۱۳۶)
اور (ف۲۷۰) اللہ نے جو کھیتی اور مویشی پیدا کیے ان میں اسے ایک حصہ دار ٹھہرایا تو بولے یہ اللہ کا ہے ان کے خیال میں اور یہ ہمارے شریکوں کا (ف۲۷۱) تو وہ جو ان کے شریکوں کا ہے وہ تو خدا کو نہیں پہنچتا، اور جو خدا کا ہے وہ ان کے شریکوں کو پہنچتا ہے، کیا ہی برا حکم لگاتے ہیں (ف۲۷۲)
قوله تعالى وجعلوا لله مما ذرأ من الحرث والأنعام نصيبا فقالوا هذا لله بزعمهم وهذا لشركائنا فما كان لشركائهم فلا يصل إلى الله وما كان لله فهو يصل إلى شركائهم ساء ما يحكمونقوله تعالى وجعلوا لله مما ذرأ من الحرث والأنعام نصيبا فيه مسألة واحدة :ويقال : ذرأ يذرأ ذرءا ، أي خلق . وفي الكلام حذف واختصار ، وهو وجعلوا لأصنامهم نصيبا ; دل عليه ما بعده . وكان هذا مما زينه الشيطان وسوله لهم ، حتى صرفوا من مالهم طائفة إلى الله بزعمهم وطائفة إلى أصنامهم ; قاله ابن عباس والحسن ومجاهد وقتادة . والمعنى متقارب . جعلوا لله جزءا ولشركائهم جزءا ، فإذا ذهب ما لشركائهم بالإنفاق عليها وعلى سدنتها عوضوا منه ما لله ، وإذا ذهب ما لله بالإنقاق على الضيفان والمساكين لم يعوضوا منه شيئا ، وقالوا : الله مستغن عنه وشركاؤنا فقراء . وكان هذا من جهالاتهم وبزعمهم . والزعم الكذب . قال شريح القاضي : إن لكل شيء كنية وكنية الكذب : زعموا . وكانوا يكذبون في هذه الأشياء لأنه لم ينزل بذلك شرع . وروى سعيد بن جبير عن ابن عباس أنه قال : من أراد أن يعلم جهل العرب فليقرأ ما فوق الثلاثين والمائة من سورة الأنعام إلى قوله : قد خسر الذين قتلوا أولادهم سفها بغير علم . قال ابن العربي : وهذا الذي قاله كلام صحيح ، فإنها تصرفت بعقولها العاجزة في تنويع الحلال والحرام سفاهة بغير معرفة ولا عدل ، والذي تصرفت بالجهل فيه من اتخاذ الآلهة أعظم جهلا وأكبر جرما ; فإن الاعتداء على الله تعالى أعظم من الاعتداء على المخلوقات . والدليل في أن الله واحد في ذاته واحد في صفاته واحد في مخلوقاته أبين وأوضح من الدليل على أن هذا حلال وهذا حرام . وقد روي أن رجلا قال لعمرو بن العاص : إنكم على كمال عقولكم ووفور أحلامكم عبدتم الحجر ! فقال عمرو : تلك عقول كادها باريها . فهذا الذي أخبر الله سبحانه من سخافة العرب وجهلها أمر أذهبه الإسلام ، وأبطله الله ببعثه الرسول عليه السلام . فكان من الظاهر لنا أن نميته حتى لا يظهر ، وننساه حتى لا يذكر ; إلا أن ربنا تبارك وتعالى ذكره بنصه وأورده بشرحه ، كما ذكر كفر الكافرين به . وكانت الحكمة في ذلك - والله أعلم - أن قضاءه قد سبق ، وحكمه قد نفذ بأن الكفر والتخليط لا ينقطعان إلى يوم القيامة . وقرأ يحيى بن وثاب والسلمي والأعمش والكسائي " بزعمهم " بضم الزاي . والباقون بفتحها ، وهما لغتان .فما كان لشركائهم فلا يصل إلى الله أي إلى المساكين . ساء ما يحكمون أي ساء الحكم حكمهم . قال ابن زيد : كانوا إذا ذبحوا ما لله ذكروا عليه اسم الأوثان ، وإذا ذبحوا ما لأوثانهم لم يذكروا عليه اسم الله ، فهذا معنى فما كان لشركائهم فلا يصل إلى الله . فكان تركهم لذكر الله مذموما منهم وكان داخلا في ترك أكل ما لم يذكر اسم الله عليه .
وَ كَذٰلِكَ زَیَّنَ لِكَثِیْرٍ مِّنَ الْمُشْرِكِیْنَ قَتْلَ اَوْلَادِهِمْ شُرَكَآؤُهُمْ لِیُرْدُوْهُمْ وَ لِیَلْبِسُوْا عَلَیْهِمْ دِیْنَهُمْؕ-وَ لَوْ شَآءَ اللّٰهُ مَا فَعَلُوْهُ فَذَرْهُمْ وَ مَا یَفْتَرُوْنَ(۱۳۷)
اور یوں ہی بہت مشرکوں کی نگاہ میں ان کے شریکوں نے اولاد کا قتل بھلا کر دکھایا ہے (ف۲۷۳) کہ انہیں ہلاک کریں اور ان کا دین اُن پر مشتبہ کردیں (ف۲۷۴) اور اللہ چاہتا تو ایسا نہ کرتے تو تم انہیں چھوڑ دو وہ ہیں اور ان کے افتراء،
قوله تعالى وكذلك زين لكثير من المشركين قتل أولادهم شركاؤهم ليردوهم وليلبسوا عليهم دينهم ولو شاء الله ما فعلوه فذرهم وما يفترونقوله تعالى وكذلك زين لكثير من المشركين قتل أولادهم شركاؤهم المعنى : فكما زين لهؤلاء أن جعلوا لله نصيبا ولأصنامهم نصيبا كذلك زين لكثير من المشركين قتل أولادهم شركاؤهم . قال مجاهد وغيره : زينت لهم قتل البنات مخافة العيلة . قال الفراء والزجاج : شركاؤهم هاهنا هم الذين كانوا يخدمون الأوثان . وقيل : هم الغواة من الناس . وقيل : هم الشياطين . وأشار بهذا إلى الوأد الخفي وهو دفن البنت حية مخافة السباء والحاجة ، وعدم ما حرمن من النصرة . وسمى الشياطين شركاء لأنهم أطاعوهم في معصية الله فأشركوهم مع الله في وجوب طاعتهم . وقيل : كان الرجل في الجاهلية يحلف بالله لئن ولد له كذا وكذا غلاما لينحرن أحدهم ; كما فعله عبد المطلب حين نذر ذبح ولده عبد الله . ثم قيل : في الآية أربع قراءات ، أصحها قراءة الجمهور : وكذلك زين لكثير من المشركين قتل أولادهم شركاؤهم وهذه قراءة أهل الحرمين وأهل الكوفة وأهل البصرة . شركاؤهم رفع ب زين لأنهم زينوا ولم يقتلوا . قتل نصب ب زين و أولادهم مضاف إلى المفعول ، والأصل في المصدر أن يضاف إلى الفاعل ; لأنه أحدثه ولأنه لا يستغنى عنه ويستغنى عن المفعول ; فهو هنا مضاف إلى المفعول لفظا مضاف إلى الفاعل معنى ; لأن التقدير زين لكثير من المشركين قتلهم أولادهم شركاؤهم ، ثم حذف المضاف وهو الفاعل كما حذف من قوله تعالى : لا يسأم الإنسان من دعاء الخير أي من دعائه الخير . فالهاء فاعلة الدعاء ، أي لا يسأم الإنسان من أن يدعو بالخير . وكذا قوله : زين لكثير من المشركين في أن يقتلوا أولادهم شركاؤهم . قال مكي : وهذه القراءة هي الاختيار ; لصحة الإعراب فيها ولأن عليها الجماعة . القراءة الثانية ( زين ) بضم الزاي ( لكثير من المشركين قتل ) بالرفع ( أولادهم ) بالخفض ( شركاؤهم ) بالرفع قراءة الحسن . ابن عامر وأهل الشام ( زين ) بضم الزاي ( لكثير من المشركين قتل أولادهم ) برفع ( قتل ) ونصب ( أولادهم ) ( شركائهم ) بالخفض فيما حكى أبو عبيد ; وحكى غيره عن أهل الشام أنهم قرءوا ( وكذلك زين ) بضم الزاي ( لكثير من المشركين قتل 130 بالرفع أولادهم ) بالخفض ( شركائهم ) بالخفض أيضا . فالقراءة الثانية قراءة الحسن جائزة ، يكون ( قتل ) اسم ما لم يسم فاعله ، ( شركاؤهم ) رفع بإضمار فعل يدل عليه ( زين ) أي زينه شركاؤهم . ويجوز على هذا ضرب زيد عمرو ، بمعنى ضربه عمرو ، وأنشد سيبويه : ليبك يزيد ضارع لخصومة أي يبكيه ضارع . وقرأ ابن عامر وعاصم من رواية أبي بكر ( يسبح له فيها بالغدو والآصال رجال ) التقدير يسبحه رجال . وقرأ إبراهيم بن أبي عبلة " ( قتل أصحاب الأخدود النار ذات الوقود ) بمعنى قتلهم النار . قال النحاس : وأما ما حكاه أبو عبيد عن ابن عامر وأهل الشام فلا يجوز في كلام ولا في شعر ، وإنما أجاز النحويون التفريق بين المضاف والمضاف إليه بالظرف لأنه لا يفصل ، فأما بالأسماء غير الظروف فلحن . قال مكي : وهذه القراءة فيها ضعف للتفريق بين المضاف والمضاف إليه ; لأنه إنما يجوز مثل هذا التفريق في الشعر مع الظروف لاتساعهم فيها وهو في المفعول به في الشعر بعيد ، فإجازته في القراءة أبعد . وقال المهدوي : قراءة ابن عامر هذه على التفرقة بين المضاف والمضاف إليه ، ومثله قول الشاعر :فزججتها بمزجة زج القلوص أبي مزادةيريد : زج أبي مزادة القلوص . وأنشد :تمر على ما تستمر وقد شفت غلائل عبد القيس منها صدورهايريد شفت عبد القيس غلائل صدورها . وقال أبو غانم أحمد بن حمدان النحوي : قراءة ابن عامر لا تجوز في العربية ; وهي زلة عالم ، وإذا زل العالم لم يجز اتباعه ويرد قوله إلى الإجماع ، وكذلك يجب أن يرد من زل منهم أو سها إلى الإجماع ; فهو أولى من الإصرار على غير الصواب . وإنما أجازوا في الضرورة للشاعر أن يفرق بين المضاف والمضاف إليه بالظرف ; لأنه لا يفصل . كما قال : كما خط الكتاب بكف يوما يهودي يقارب أو يزيل وقال آخر :كأن أصوات من إيغالهن بنا أواخر الميس أصوات الفراريجوقال آخر :لما رأت ساتيد ما استعبرت لله در اليوم من لامهاوقال القشيري : وقال قوم هذا قبيح ، وهذا محال ، لأنه إذا ثبتت القراءة بالتواتر عن النبي صلى الله عليه وسلم فهو الفصيح لا القبيح . وقد ورد ذلك في كلام العرب وفي مصحف عثمان ( شركائهم ) بالياء وهذا يدل على قراءة ابن عامر . وأضيف القتل في هذه القراءة إلى الشركاء ; لأن الشركاء هم الذين زينوا ذلك ودعوا إليه ; فالفعل مضاف إلى فاعله على ما يجب في الأصل ، لكنه فرق بين المضاف والمضاف إليه ; وقدم المفعول وتركه منصوبا على حاله ; إذ كان متأخرا في المعنى ، وأخر المضاف وتركه مخفوضا على حاله ; إذ كان متقدما بعد القتل . والتقدير : وكذلك زين لكثير من المشركين قتل شركائهم أولادهم . أي أن قتل شركاؤهم أولادهم . قال النحاس : فأما ما حكاه غير أبي عبيد - وهي القراءة الرابعة - فهو جائز . على أن تبدل شركاءهم من أولادهم ; لأنهم شركاؤهم في النسب والميراث .ليردوهم اللام لام كي . والإرداء الإهلاك .وليلبسوا عليهم دينهم الذي ارتضى لهم . أي يأمرونهم بالباطل ويشككونهم في دينهم . وكانوا على دين إسماعيل ، وما كان فيه قتل الولد ; فيصير الحق مغطى عليه ; فبهذا يلبسون .ولو شاء الله ما فعلوه بين تعالى أن كفرهم بمشيئة الله . وهو رد على القدرية .فذرهم وما يفترون يريد قولهم إن لله شركاء .
وَ قَالُوْا هٰذِهٖۤ اَنْعَامٌ وَّ حَرْثٌ حِجْرٌ ﳓ لَّا یَطْعَمُهَاۤ اِلَّا مَنْ نَّشَآءُ بِزَعْمِهِمْ وَ اَنْعَامٌ حُرِّمَتْ ظُهُوْرُهَا وَ اَنْعَامٌ لَّا یَذْكُرُوْنَ اسْمَ اللّٰهِ عَلَیْهَا افْتِرَآءً عَلَیْهِؕ-سَیَجْزِیْهِمْ بِمَا كَانُوْا یَفْتَرُوْنَ(۱۳۸)
اور بولے (ف۲۷۵) یہ مویشی اور کھیتی روکی ہوئی (ف۲۷۶) ہے اسے وہی کھائے جسے ہم چاہیں اپنے جھوٹے خیال سے (ف۲۷۷) اور کچھ مویشی ہیں جن پر چڑھنا حرام ٹھہرایا (ف۲۷۸) اور کچھ مویشی کے ذبح پر اللہ کا نام نہیں لیتے (ف۲۷۹) یہ سب اللہ پر جھوٹ باندھنا ہے، عنقریب وہ انہیں بدلے دے گا ان کے افتراؤں کا،
قوله : وقالوا هذه أنعام وحرث حجر لا يطعمها إلا من نشاء بزعمهم وأنعام حرمت ظهورها وأنعام لا يذكرون اسم الله عليها افتراء عليه سيجزيهم بما كانوا يفترونذكر تعالى نوعا آخر من جهالتهم . وقرأ أبان بن عثمان ( حجر ) بضم الحاء والجيم . وقرأ الحسن وقتادة ( حجر ) بفتح الحاء وإسكان الجيم ، لغتان بمعنى . وعن الحسن أيضا ( حجر ) بضم الحاء . قال أبو عبيد عن هارون قال : كان الحسن يضم الحاء في ( حجر ) في جميع القرآن إلا في قوله : برزخا وحجرا محجورا فإنه كان يكسرها هاهنا . وروي عن ابن عباس وابن الزبير ( وحرث حرج ) الراء قبل الجيم ; وكذا في مصحف أبي ; وفيه قولان : أحدهما أنه مثل جبذ وجذب . والقول الآخر - وهو أصح - أنه من الحرج ; فإن الحرج بكسر الحاء لغة في الحرج بفتح الحاء وهو الضيق والإثم ; فيكون معناه الحرام . ومنه فلان يتحرج أي يضيق على نفسه الدخول فيما يشتبه عليه من الحرام . والحجر : لفظ مشترك . وهو هنا بمعنى الحرام ، وأصله المنع . وسمي العقل حجرا لمنعه عن القبائح . وفلان في حجر القاضي أي منعه . حجرت على الصبي حجرا . والحجر العقل ; قال الله تعالى : هل في ذلك قسم لذي حجر والحجر الفرس الأنثى . والحجر القرابة . قال :يريدون أن يقصوه عني وإنه لذو حسب دان إلي وذو حجروحجر الإنسان وحجره لغتان ، والفتح أكثر . أي حرموا أنعاما وحرثا وجعلوها لأصنامهم وقالوا لا يطعمها إلا من نشاء وهم خدام الأصنام . ثم بين أن هذا تحكم لم يرد به شرع ; ولهذا قال : بزعمهم .وأنعام حرمت ظهورها يريد ما يسيبونه لآلهتهم على ما تقدم من النصيب . وقال مجاهد : المراد البحيرة والوصيلة والحام .وأنعام لا يذكرون اسم الله عليها يعني ما ذبحوه لآلهتهم . قال أبو وائل : لا يحجون عليها .افتراء أي للافتراء على الله لأنهم كانوا يقولون : الله أمرنا بهذا . فهو نصب على المفعول له . وقيل : أي يفترون افتراء ، وانتصابه لكونه مصدرا .
وَ قَالُوْا مَا فِیْ بُطُوْنِ هٰذِهِ الْاَنْعَامِ خَالِصَةٌ لِّذُكُوْرِنَا وَ مُحَرَّمٌ عَلٰۤى اَزْوَاجِنَاۚ-وَ اِنْ یَّكُنْ مَّیْتَةً فَهُمْ فِیْهِ شُرَكَآءُؕ-سَیَجْزِیْهِمْ وَصْفَهُمْؕ-اِنَّهٗ حَكِیْمٌ عَلِیْمٌ(۱۳۹)
اور بولے جو ان مویشیوں کے پیٹ میں ہے وہ نرا (خالص) ہمارے مردوں کا ہے (ف۲۸۰) اور ہماری عورتوں پر حرام ہے، اور مرا ہوا نکلے تو وہ سب (ف۲۸۱) اس میں شریک ہیں، قریب ہے کہ اللہ انہیں اِن کی اُن باتوں کا بدلہ دے گا، بیشک وہ حکمت و علم والا ہے،
قوله تعالى وقالوا ما في بطون هذه الأنعام خالصة لذكورنا ومحرم على أزواجنا وإن يكن ميتة فهم فيه شركاء سيجزيهم وصفهم إنه حكيم عليمقوله تعالى وقالوا ما في بطون هذه الأنعام خالصة لذكورنا هذا نوع آخر من جهلهم . قال ابن عباس : هو اللبن ، جعلوه حلالا للذكور وحراما على الإناث . وقيل : الأجنة ; قالوا : إنها لذكورنا . ثم إن مات منها شيء أكله الرجال والنساء . والهاء في خالصة للمبالغة في الخلوص ; ومثله رجل علامة ونسابة ; عن الكسائي والأخفش . وخالصة بالرفع خبر المبتدإ الذي هو ( ما ) . وقال الفراء : تأنيثها لتأنيث الأنعام . وهذا القول عند قوم خطأ ; لأن ما في بطونها ليس منها ; فلا يشبه قوله يلتقطه بعض السيارة لأن بعض السيارة سيارة ، وهذا لا يلزم . قال الفراء : فإن ما في بطون الأنعام أنعام مثلها ; فأنث لتأنيثها ، أي الأنعام التي في بطون الأنعام خالصة لذكورنا . وقيل : أي جماعة ما في البطون . وقيل : إن ( ما ) ترجع إلى الألبان أو الأجنة ; فجاء التأنيث على المعنى والتذكير على اللفظ . ولهذا قال ومحرم على أزواجنا على اللفظ . ولو راعى المعنى لقال ومحرمة . ويعضد هذا قراءة الأعمش ( خالص ) بغير هاء . قال الكسائي : معنى خالص وخالصة واحد ، إلا أن الهاء للمبالغة ; كما يقال : رجل داهية وعلامة ; كما تقدم . وقرأ قتادة ( خالصة ) بالنصب على الحال من الضمير في الظرف الذي هو صلة ل ( ما ) . وخبر المبتدأ محذوف ; كقولك : الذي في الدار قائما زيد . هذا مذهب البصريين . وانتصب عند الفراء على القطع . وكذا القول في قراءة سعيد بن جبير ( خالصا ) . وقرأ ابن عباس ( خالصة ) على الإضافة فيكون ابتداء ثانيا ; والخبر لذكورنا والجملة خبر ( ما ) . ويجوز أن يكون خالصة بدلا من ( ما ) . فهذه خمس قراءات .ومحرم على أزواجنا أي بناتنا ; عن ابن زيد . وغيره : نساؤهم .وإن يكن ميتة قرئ بالياء والتاء ; أي إن يكن ما في بطون الأنعام ميتة .فهم فيه شركاء أي الرجال والنساء . وقال فيه لأن المراد بالميتة الحيوان ، وهي تقوي قراءة الياء ، ولم يقل : فيها ميتة ، بالرفع بمعنى تقع أو تحدث ميتة بالنصب ; أي وإن تكن النسمة ميتة .سيجزيهم وصفهم إنه حكيم عليم أي كذبهم وافتراءهم ; أي يعذبهم على ذلك . وانتصب وصفهم بنزع الخافض ; أي بوصفهم . وفي الآية دليل على أن العالم ينبغي له أن يتعلم قول من خالفه وإن لم يأخذ به ، حتى يعرف فساد قوله ، ويعلم كيف يرد عليه ; لأن الله تعالى أعلم النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه قول من خالفهم من أهل زمانهم ، ليعرفوا فساد قولهم .
قَدْ خَسِرَ الَّذِیْنَ قَتَلُـوْۤااَوْلَادَهُمْ سَفَهًۢا بِغَیْرِ عِلْمٍ وَّ حَرَّمُوْا مَا رَزَقَهُمُ اللّٰهُ افْتِرَآءً عَلَى اللّٰهِؕ-قَدْ ضَلُّوْا وَ مَا كَانُوْا مُهْتَدِیْنَ۠(۱۴۰)
بیشک تباہ ہوئے وہ جو اپنی اولاد کو قتل کرتے ہیں احمقانہ جہالت سے (ف۲۸۲) اور حرام ٹھہراتے ہیں وہ جو اللہ نے انہیں روزی دی (ف۲۸۳) اللہ پر جھوٹ باندھنے کو (ف۲۸۴) بیشک وہ بہکے اور راہ نہ پائی (ف۲۸۵)
قوله تعالى قد خسر الذين قتلوا أولادهم سفها بغير علم وحرموا ما رزقهم الله افتراء على الله قد ضلوا وما كانوا مهتدينأخبر بخسرانهم لوأدهم البنات وتحريمهم البحيرة وغيرها بعقولهم ; فقتلوا أولادهم سفها خوف الإملاق ، وحجروا على أنفسهم في أموالهم ولم يخشوا الإملاق ; فأبان ذلك عن تناقض رأيهم . قلت : إنه كان من العرب من يقتل ولده خشية الإملاق ; كما ذكر الله عز وجل في غير هذا الموضع . وكان منهم من يقتله سفها بغير حجة منهم في قتلهم ; وهم ربيعة ومضر ، وكانوا يقتلون بناتهم لأجل الحمية . ومنهم من يقول : الملائكة بنات الله ; فألحقوا البنات بالبنات . وروي أن رجلا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم كان لا يزال مغتما بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : ما لك تكون محزونا ؟ فقال : يا رسول الله ، إني أذنبت ذنبا في الجاهلية فأخاف ألا يغفره الله لي وإن أسلمت ! فقال له : أخبرني عن ذنبك . فقال : يا رسول الله ، إني كنت من الذين يقتلون بناتهم ، فولدت لي بنت فتشفعت إلي امرأتي أن أتركها فتركتها حتى كبرت وأدركت ، وصارت من أجمل النساء فخطبوها ; فدخلتني الحمية ولم يحتمل قلبي أن أزوجها أو أتركها في البيت بغير زوج ، فقلت للمرأة : إني أريد أن أذهب إلى قبيلة كذا وكذا في زيارة أقربائي فابعثيها معي ، فسرت بذلك وزينتها بالثياب والحلي ، وأخذت علي المواثيق بألا أخونها ، فذهبت بها إلى رأس بئر فنظرت في البئر ففطنت الجارية أني أريد أن ألقيها في البئر ; فالتزمتني وجعلت تبكي وتقول : يا أبت ! أيش تريد أن تفعل بي ! فرحمتها ، ثم نظرت في البئر فدخلت علي الحمية ، ثم التزمتني وجعلت تقول : يا أبت لا تضيع أمانة أمي ; فجعلت مرة أنظر في البئر ومرة أنظر إليها فأرحمها ، حتى غلبني الشيطان فأخذتها وألقيتها في البئر منكوسة ، وهي تنادي في البئر : يا أبت ، قتلتني . فمكثت هناك حتى انقطع صوتها فرجعت . فبكى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه وقال : لو أمرت أن أعاقب أحدا بما فعل في الجاهلية لعاقبتك .
وَ هُوَ الَّذِیْۤ اَنْشَاَ جَنّٰتٍ مَّعْرُوْشٰتٍ وَّ غَیْرَ مَعْرُوْشٰتٍ وَّ النَّخْلَ وَ الزَّرْعَ مُخْتَلِفًا اُكُلُهٗ وَ الزَّیْتُوْنَ وَ الرُّمَّانَ مُتَشَابِهًا وَّ غَیْرَ مُتَشَابِهٍؕ-كُلُوْا مِنْ ثَمَرِهٖۤ اِذَاۤ اَثْمَرَ وَ اٰتُوْا حَقَّهٗ یَوْمَ حَصَادِهٖ ﳲ وَ لَا تُسْرِفُوْاؕ-اِنَّهٗ لَا یُحِبُّ الْمُسْرِفِیْنَۙ(۱۴۱)
اور وہی ہے جس نے پیدا کیے باغ کچھ زمین پر چھئے (چھائے) ہوئے (ف۲۸۶) اور کچھ بے چھئے (پھیلے) اور کھجور اور کھیتی جس میں رنگ رنگ کے کھانے (ف۲۸۷) اور زیتون اور انار کسی بات میں ملتے (ف۲۸۸) اور کسی میں الگ (ف۲۸۹) کھاؤ اس کا پھل جب پھل لائے اور اس کا حق دو جس دن کٹے (ف۲۹۰) اور بے جا نہ خرچو (ف۲۹۱) بیشک بے جا خرچنے والے اسے پسند نہیں،
وهو الذي أنشأ جنات معروشات وغير معروشات والنخل والزرع مختلفا أكله والزيتون والرمان متشابها وغير متشابه كلوا من ثمره إذا أثمر وآتوا حقه يوم حصاده ولا تسرفوا إنه لا يحب المسرفينفيه ثلاث وعشرون مسألة :الأولى : قوله تعالى أنشأ أي خلق جنات معروشات أي بساتين ممسوكات مرفوعات .وغير معروشات غير مرفوعات . قال ابن عباس : معروشات : ما انبسط على الأرض مما يفرش مثل الكروم والزروع والبطيخ . وغير معروشات ما قام على ساق مثل النخل وسائر الأشجار . وقيل : المعروشات ما ارتفعت أشجارها . وأصل التعريش الرفع . وعن ابن عباس أيضا : المعروشات ما أثبته ورفعه الناس . وغير المعروشات ما خرج في البراري والجبال من الثمار . يدل عليه قراءة علي رضي الله عنه ( مغروسات وغير مغروسات ) بالغين المعجمة والسين المهملة .الثانية : قوله تعالى والنخل والزرع أفردهما بالذكر وهما داخلان في الجنات لما فيهما من الفضيلة ; على ما تقدم بيانه في " البقرة " عند قوله : من كان عدوا لله وملائكته الآية .مختلفا أكله يعني طعمه ، منه الجيد والدون . وسماه أكلا لأنه يؤكل . وأكله مرفوع بالابتداء . و مختلفا نعته ; ولكنه لما تقدم عليه وولي منصوبا نصب . كما تقول : عندي طباخا غلام . قال :الشر منتشر يلقاك عن عرض والصالحات عليها مغلقا بابوقيل : مختلفا نصب على الحال . قال أبو إسحاق الزجاج : وهذه مسألة مشكلة من النحو ; لأنه يقال : قد أنشأها ، ولم يختلف أكلها وهو ثمرها ; فالجواب أن الله سبحانه أنشأها بقوله : خالق كل شيء فأعلم أنه أنشأها مختلفا أكلها ; أي أنه أنشأها مقدرا فيه الاختلاف ; وقد بين هذا سيبويه بقوله : مررت برجل معه صقر صائدا به غدا ، على الحال ; كما تقول ; لتدخلن الدار آكلين شاربين ; أي مقدرين ذلك . جواب ثالث : أي لما أنشأه كان مختلفا أكله ، على معنى أنه لو كان له لكان مختلفا أكله . ولم يقل أكلهما ; لأنه اكتفى بإعادة الذكر على أحدهما ; كقوله : وإذا رأوا تجارة أو لهوا انفضوا إليها أي إليهما . وقد تقدم هذا المعنى .الثالثة : قوله تعالى والزيتون والرمان عطف عليه متشابها وغير متشابه نصب على الحال ، وقد تقدم القول فيه . وفي هذه أدلة ثلاثة ; أحدها ما تقدم من قيام الدليل على أن المتغيرات لا بد لها من مغير . الثاني على المنة منه سبحانه علينا ; فلو شاء إذ خلقنا ألا يخلق لنا غذاء ، وإذا خلقه ألا يكون جميل المنظر طيب الطعم ، وإذ خلقه كذلك ألا يكون سهل الجني ; فلم يكن عليه أن يفعل ذلك ابتداء ; لأنه لا يجب عليه شيء . الثالث على القدرة في أن يكون الماء الذي من شأنه الرسوب يصعد بقدرة الله الواحد علام الغيوب من أسافل الشجرة إلى أعاليها ، حتى إذا انتهى إلى آخرها نشأ فيها أوراق ليست من جنسها ، وثمر خارج من صفته الجرم الوافر ، واللون الزاهر ، والجني الجديد ، والطعم اللذيذ ; فأين الطبائع وأجناسها ، وأين الفلاسفة وأناسها ، هل في قدرة الطبيعة أن تتقن هذا الإتقان ، أو ترتب هذا الترتيب العجيب ! كلا لا يتم ذلك في العقول إلا لحي عالم قدير مريد . فسبحان من له في كل شيء آية ونهاية ! .ووجه اتصال هذا بما قبله أن الكفار لما افتروا على الله الكذب وأشركوا معه وحللوا وحرموا دلهم على وحدانيته بأنه خالق الأشياء ، وأنه جعل هذه الأشياء أرزاقا لهم .الرابعة قوله تعالى كلوا من ثمره إذا أثمر فهذان بناءان جاءا بصيغة افعل ، أحدهما مباح كقوله : فانتشروا في الأرض والثاني واجب . وليس يمتنع في الشريعة اقتران المباح والواجب ، وبدأ بذكر نعمة الأكل قبل الأمر بإيتاء الحق ليبين أن الابتداء بالنعمة كان من فضله قبل التكليف .الخامسة قوله تعالى وآتوا حقه يوم حصاده اختلف الناس في تفسير هذا الحق ما هو ; فقال أنس بن مالك وابن عباس وطاوس والحسن وابن زيد وابن الحنفية والضحاك وسعيد بن المسيب : هي الزكاة المفروضة ، العشر ونصف العشر . ورواه ابن وهب وابن القاسم عن مالك في تفسير الآية ، وبه قال بعض أصحاب الشافعي . وحكى الزجاج أن هذه الآية قيل فيها إنها نزلت بالمدينة . وقال علي بن الحسين وعطاء والحكم وحماد وسعيد بن جبير ومجاهد : هو حق في المال سوى الزكاة ، أمر الله به ندبا . وروي عن ابن عمر ومحمد ابن الحنفية أيضا ، ورواه أبو سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم . قال مجاهد : إذا حصدت فحضرك المساكين فاطرح لهم من السنبل ، وإذا جذذت فألق لهم من الشماريخ ، وإذا درسته ودسته وذريته فاطرح لهم منه ، وإذا عرفت كيله فأخرج منه زكاته . وقول ثالث : هو منسوخ بالزكاة ; لأن هذه السورة مكية وآية الزكاة لم تنزل إلا بالمدينة : خذ من أموالهم صدقة ، وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة . روي عن ابن عباس وابن الحنفية والحسن وعطية العوفي والنخعي وسعيد بن جبير . وقال سفيان : سألت السدي عن هذه الآية فقال . نسخها العشر ونصف العشر . فقلت عمن ؟ فقال عن العلماء .السادسة : وقد تعلق أبو حنيفة بهذه الآية وبعموم ما في قوله عليه السلام : فيما سقت السماء العشر وفيما سقي بنضح أو دالية نصف العشر في إيجاب الزكاة في كل ما تنبت الأرض طعاما كان أو غيره . وقال أبو يوسف عنه : إلا الحطب والحشيش والقضب والتين والسعف وقصب الذريرة وقصب السكر . وأباه الجمهور ، معولين على أن المقصود من الحديث بيان ما يؤخذ منه العشر وما يؤخذ منه نصف العشر . قال أبو عمر : لا اختلاف بين العلماء فيما علمت أن الزكاة واجبة في الحنطة والشعير والتمر والزبيب . وقالت طائفة : لا زكاة في غيرها . روي ذلك عن الحسن وابن سيرين والشعبي . وقال به من الكوفيين ابن أبي ليلى والثوري والحسن بن صالح وابن المبارك و يحيى بن آدم ، وإليه ذهب أبو عبيد . وروي ذلك عن أبي موسى عن النبي صلى الله عليه وسلم ، وهو مذهب أبي موسى ، فإنه كان لا يأخذ الزكاة إلا من الحنطة والشعير والتمر والزبيب ; ذكره وكيع عن طلحة بن يحيى عن أبي بردة عن أبيه . وقال مالك وأصحابه : الزكاة واجبة في كل مقتات مدخر ; وبه قال الشافعي . وقال الشافعي : إنما تجب الزكاة فيما ييبس ويدخر ويقتات مأكولا . ولا شيء في الزيتون لأنه إدام . وقال أبو ثور مثله . وقال أحمد أقوالا أظهرها أن الزكاة إنما تجب في كل ما قاله أبو حنيفة إذا كان يوسق ; فأوجبها في اللوز لأنه مكيل دون الجوز لأنه معدود . واحتج بقوله عليه السلام : ليس فيما دون خمسة أوسق من تمر أو حب صدقة قال : فبين النبي صلى الله عليه وسلم أن محل الواجب هو الوسق ، وبين المقدار الذي يجب إخراج الحق منه . وذهب النخعي إلى أن الزكاة واجبة في كل ما أخرجته الأرض ، حتى في عشر دساتج من بقل دستجة بقل . وقد اختلف عنه في ذلك ، وهو قول عمر بن عبد العزيز فإنه كتب أن يؤخذ مما تنبت الأرض من قليل أو كثير العشر ; ذكره عبد الرزاق عن معمر عن سماك بن الفضل ، قال : كتب عمر . . . ; فذكره . وهو قول حماد بن أبي سليمان وتلميذه أبي حنيفة . وإلى هذا مال ابن العربي في أحكامه فقال : وأما أبو حنيفة فجعل الآية مرآته فأبصر الحق ، وأخذ يعضد مذهب الحنفي ويقويه . وقال في كتاب " القبس بما عليه الإمام مالك بن أنس " فقال : قال الله تعالى : والزيتون والرمان متشابها وغير متشابه . واختلف الناس في وجوب الزكاة في جميع ما تضمنته أو بعضه ، وقد بينا ذلك في " الأحكام " لبابه أن الزكاة إنما تتعلق بالمقتات كما بينا دون الخضراوات ; وقد كان بالطائف الرمان والفرسك والأترج فما اعترضه رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا ذكره ولا أحد من خلفائه . قلت : هذا وإن لم يذكره في الأحكام هو الصحيح في المسألة ، وأن الخضراوات ليس فيها شيء . وأما الآية فقد اختلف فيها ، هل هي محكمة أو منسوخة أو محمولة على الندب . ولا قاطع يبين أحد محاملها ، بل القاطع المعلوم ما ذكره ابن بكير في أحكامه : أن الكوفة افتتحت بعد موت النبي صلى الله عليه وسلم وبعد استقرار الأحكام في المدينة ، أفيجوز أن يتوهم متوهم أو من له أدنى بصيرة أن تكون شريعة مثل هذه عطلت فلم يعمل بها في دار الهجرة ومستقر الوحي ولا في خلافة أبي بكر ، حتى عمل بذلك الكوفيون ؟ إن هذه لمصيبة فيمن ظن هذا وقال به ! قلت : ومما يدل على هذا من معنى التنزيل قوله تعالى : ياأيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك وإن لم تفعل فما بلغت رسالته أتراه يكتم شيئا أمر بتبليغه أو ببيانه ؟ حاشاه عن ذلك وقال تعالى : اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ومن كمال الدين كونه لم يأخذ من الخضراوات شيئا . وقال جابر بن عبد الله فيما رواه الدارقطني : إن المقاثئ كانت تكون عندنا تخرج عشرة آلاف فلا يكون فيها شيء . وقال الزهري والحسن : تزكى أثمان الخضر إذا بيعت وبلغ الثمن مائتي درهم ; وقاله الأوزاعي في ثمن الفواكه . ولا حجة في قولهما لما ذكرنا . وقد روى الترمذي عن معاذ أنه كتب إلى النبي صلى الله عليه وسلم يسأله عن الخضراوات وهي البقول فقال : ليس فيها شيء . وقد روي هذا المعنى عن جابر وأنس وعلي ومحمد بن عبد الله بن جحش وأبي موسى وعائشة . ذكر أحاديثهم الدارقطني رحمه الله . قال الترمذي : ليس يصح في هذا الباب عن النبي صلى الله عليه وسلم شيء . واحتج بعض أصحاب أبي حنيفة بحديث صالح بن موسى عن منصور عن إبراهيم عن الأسود عن عائشة قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : فيما أنبتت الأرض من الخضر زكاة . قال أبو عمر : وهذا حديث لم يروه من ثقات أصحاب منصور أحد هكذا ، وإنما هو من قول إبراهيم . قلت : وإذا سقط الاستدلال من جهة السنة لضعف أسانيدها فلم يبق إلا ما ذكرناه من تخصيص عموم الآية ، وعموم قوله عليه السلام : فيما سقت السماء العشر بما ذكرنا . وقال أبو يوسف ومحمد : ليس في شيء من الخضر زكاة إلا ما كانت له ثمرة باقية ، سوى الزعفران ونحوه مما يوزن ففيه الزكاة . وكانمحمد يعتبر في العصفر والكتان البزر ، فإذا بلغ بزرهما من القرطم والكتان خمسة أوسق كان العصفر والكتان تبعا للبزر ، وأخذ منه العشر أو نصف العشر . وأما القطن فليس فيه عنده دون خمسة أحمال شيء ; والحمل ثلاثمائة من بالعراقي . والورس والزعفران ليس فيما دون خمسة أمنان منها شيء . فإذا بلغ أحدهما خمسة أمنان كانت فيه الصدقة ، عشرا أو نصف العشر . وقال أبو يوسف : وكذلك قصب السكر الذي يكون منه السكر ، ويكون في أرض العشر دون أرض الخراج ، فيه ما في الزعفران . وأوجب عبد الملك بن الماجشون الزكاة في أصول الثمار دون البقول . وهذا خلاف ما عليه مالك وأصحابه ، لا زكاة عندهم لا في اللوز ولا في الجوز ولا في الجلوز وما كان مثلها ، وإن كان ذلك يدخر . كما أنه لا زكاة عندهم في الإجاص ولا في التفاح ولا في الكمثرى ، ولا ما كان مثل ذلك كله مما لا ييبس ولا يدخر . واختلفوا في التين ; والأشهر عند أهل المغرب ممن يذهب مذهب مالك أنه لا زكاة عندهم في التين . إلا عبد الملك بن حبيب فإنه كان يرى فيه الزكاة على مذهب مالك ، قياسا على التمر والزبيب . وإلى هذا ذهب جماعة من أهل العلم البغداديين المالكيين ، إسماعيل بن إسحاق ومن اتبعه . قال مالك في الموطأ : السنة التي لا اختلاف فيها عندنا ، والذي سمعته من أهل العلم ، أنه ليس في شيء من الفواكه كلها صدقة : الرمان والفرسك والتين وما أشبه ذلك . وما لم يشبهه إذا كان من الفواكه . قال أبو عمر : فأدخل التين في هذا الباب ، وأظنه - والله أعلم - لم يعلم بأنه ييبس ويدخر ويقتات ، ولو علم ذلك ما أدخله في هذا الباب ; لأنه أشبه بالتمر والزبيب منه بالرمان . وقد بلغني عن الأبهري وجماعة من أصحابه أنهم كانوا يفتون بالزكاة فيه ، ويرونه مذهب مالك على أصوله عندهم . والتين مكيل يراعى فيه الخمسة الأوسق وما كان مثلها وزنا ، ويحكم في التين عندهم بحكم التمر والزبيب المجتمع عليهما . وقال الشافعي : لا زكاة في شيء من الثمار غير التمر والعنب ; لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذ الصدقة منهما وكانا قوتا بالحجاز يدخر . قال : وقد يدخر الجوز واللوز ولا زكاة فيهما ; لأنهما لم يكونا بالحجاز قوتا فيما علمت ، وإنما كانا فاكهة . ولا زكاة في الزيتون ، لقوله تعالى : والزيتون والرمان . فقرنه مع الرمان ، ولا زكاة فيه . وأيضا فإن التين أنفع منه في القوت ولا زكاة فيه . وللشافعي قول بزكاة الزيتون قاله بالعراق ، والأول قاله بمصر ; فاضطرب قول الشافعي في الزيتون ، ولم يختلف فيه قول مالك . فدل على أن الآية محكمة عندهما غير منسوخة . واتفقا جميعا على أن لا زكاة في الرمان ، وكان يلزمهما إيجاب الزكاة فيه . قال أبو عمر : فإن كان الرمان خرج باتفاق فقد بان بذلك المراد بأن الآية ليست على عمومها ، وكان الضمير عائدا على بعض المذكور دون بعض . والله أعلم . قلت : بهذا استدل من أوجب العشر في الخضراوات فإنه تعالى قال : وآتوا حقه يوم حصاده والمذكور قبله الزيتون والرمان ، والمذكور عقيب جملة ينصرف إلى الأخير بلا خلاف ; قاله إلكيا الطبري . وروي عن ابن عباس أنه قال : ما لقحت رمانة قط إلا بقطرة من ماء الجنة . وروي عن علي كرم الله وجهه أنه قال : إذا أكلتم الرمانة فكلوها بشحمها فإنه دباغ المعدة . وذكر ابن عساكر في تاريخ دمشق عن ابن عباس قال : لا تكسروا الرمانة من رأسها فإن فيها دودة يعتري منها الجذام . وسيأتي منافع زيت الزيتون في سورة المؤمنون إن شاء الله تعالى . وممن قال بوجوب زكاة الزيتون الزهري والأوزاعي والليث والثوري وأبو حنيفة وأصحابه وأبو ثور . قال الزهري والأوزاعي والليث : يخرص زيتونا ويؤخذ زيتا صافيا . وقال مالك : لا يخرص ، ولكن يؤخذ العشر بعد أن يعصر ويبلغ كيله خمسة أوسق . وقال أبو حنيفة والثوري : يؤخذ من حبه .السابعة قوله تعالى : يوم حصاده قرأ أبو عمرو وابن عامر وعاصم حصاده بفتح الحاء ، والباقون بكسرها ، وهما لغتان مشهورتان ; ومثله الصرام والصرام والجذاذ والجذاذ والقطاف والقطاف واختلف العلماء في وقت الوجوب على ثلاثة أقوال : الأول : أنه وقت الجذاذ ; قاله محمد بن مسلمة ; لقوله تعالى : يوم حصاده .الثاني : يوم الطيب ; لأن ما قبل الطيب يكون علفا لا قوتا ولا طعاما ; فإذا طاب وحان الأكل الذي أنعم الله به وجب الحق الذي أمر الله به ، إذ بتمام النعمة يجب شكر النعمة ، ويكون الإيتاء وقت الحصاد لما قد وجب يوم الطيب . الثالث : أنه يكون بعد تمام الخرص ; لأنه حينئذ يتحقق الواجب فيه من الزكاة فيكون شرطا لوجوبها . أصله مجيء الساعي في الغنم ; وبه قال المغيرة . والصحيح الأول لنص التنزيل . والمشهور من المذهب : الثاني ، وبه قال الشافعي . وفائدة الخلاف إذا مات بعد الطيب زكيت على ملكه ، أو قبل الخرص على ورثته . وقال محمد بن مسلمة : إنما قدم الخرص توسعة على أرباب الثمار ، ولو قدم رجل زكاته بعد الخرص وقبل الجذاذ لم يجزه ; لأنه أخرجها قبل وجوبها . وقد اختلف العلماء في القول بالخرص ، وهي :الثامنة : فكرهه الثوري ولم يجزه بحال ، وقال : الخرص غير مستعمل . قال : وإنما على رب الحائط أن يؤدي عشر ما يصير في يده للمساكين إذا بلغ خمسة أوسق . وروى الشيباني عن الشعبي أنه قال : الخرص اليوم بدعة . والجمهور على خلاف هذا ، ثم اختلفوا فالمعظم على جوازه في النخل والعنب ; لحديث عتاب بن أسيد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعثه وأمره أن يخرص العنب كما يخرص النخل وتؤخذ زكاته زبيبا كما تؤخذ زكاة النخل تمرا . رواه أبو داود . وقال داود بن علي : الخرص للزكاة جائز في النخل ، وغير جائز في العنب ; ودفع حديث عتاب بن أسيد لأنه منقطع ولا يتصل من طريق صحيح ، قاله أبو محمد عبد الحق .التاسعة : وصفة الخرص أن يقدر ما على نخله رطبا ويقدر ما ينقص لو يتمر ، ثم يعتد بما بقي بعد النقص ويضيف بعض ذلك إلى بعض حتى يكمل الحائط ، وكذلك في العنب في كل دالية .العاشرة : ويكفي في الخرص الواحد كالحاكم . فإذا كان في التمر زيادة على ما خرص لم يلزم رب الحائط الإخراج عنه ، لأنه حكم قد نفذ ; قاله عبد الوهاب . وكذلك إذا نقص لم تنقص الزكاة . قال الحسن : كان المسلمون يخرص عليهم ثم يؤخذ منهم على ذلك الخرص .الحادية عشرة : فإن استكثر رب الحائط الخرص خيره الخارص في أن يعطيه ما خرص وأخذ خرصه ; ذكره عبد الرزاق أخبرنا ابن جريج عن أبي الزبير أنه سمع جابر بن عبد الله يقول : خرص ابن رواحة أربعين ألف وسق ، وزعم أن اليهود لما خيرهم أخذوا التمر وأعطوه عشرين ألف وسق . قال ابن جريج فقلت لعطاء : فحق على الخارص إذا استكثر سيد المال الخرص أن يخيره كما خير ابن رواحة اليهود ؟ قال : أي لعمري ! وأي سنة خير من سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم .الثانية عشرة : ولا يكون الخرص إلا بعد الطيب ; لحديث عائشة قالت : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يبعث ابن رواحة إلى اليهود فيخرص عليهم النخل حين تطيب أول التمرة قبل أن يؤكل منها ، ثم يخير يهودا يأخذونها بذلك الخرص أو يدفعونها إليه . وإنما كان أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالخرص لكي تحصى الزكاة قبل أن تؤكل الثمار وتفرق . أخرجه الدارقطني من حديث ابن جريج عن الزهري عن عروة عن عائشة . قال : ورواه صالح بن أبي الأخضر عن الزهري عن ابن المسيب عن أبي هريرة ، وأرسله مالك ومعمر وعقيل عن الزهري عن سعيد عن النبي صلى الله عليه وسلم .الثالثة عشرة : فإذا خرص الخارص فحكمه أن يسقط من خرصه مقدارا ما ; لما رواه أبو داود والترمذي والبستي في صحيحه عن سهل بن أبي حثمة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول : إذا خرصتم فخذوا ودعوا الثلث فإن لم تدعوا الثلث فدعوا الربع . لفظ الترمذي . قال أبو داود : الخارص يدع الثلث للخرفة : وكذا قال يحيى القطان . وقال أبو حاتم البستي : لهذا الخبر صفتان : أحدهما أن يترك الثلث أو الربع من العشر ، والثاني أن يترك ذلك من نفس التمر قبل أن يعشر ، إذا كان ذلك حائطا كبيرا يحتمله . الخرفة بضم الخاء : ما يخترف من النخل حين يدرك ثمره ، أي يجتنى . يقال : التمر خرفة الصائم ; عن الجوهري والهروي . والمشهور من مذهب مالك أنه لا يترك الخارص شيئا في حين خرصه من تمر النخل والعنب إلا خرصه . وقد روى بعض المدنيين أنه يخفف في الخرص ويترك للعرايا والصلة ونحوها .الرابعة عشرة : فإن لحقت الثمرة جائحة بعد الخرص وقبل الجذاذ سقطت الزكاة عنه بإجماع من أهل العلم ، إلا أن يكون فيما بقي منه خمسة أوسق فصاعدا .الخامسة عشرة : ولا زكاة في أقل من خمسة أوسق ، كذا جاء مبينا عن النبي صلى الله عليه وسلم . وهو في الكتاب مجمل ، قال الله تعالى : ياأيها الذين آمنوا أنفقوا من طيبات ما كسبتم ومما أخرجنا لكم من الأرض . وقال تعالى : وآتوا حقه . ثم وقع البيان بالعشر ونصف العشر . ثم لما كان المقدار الذي إذا بلغه المال أخذ منه الحق مجملا بينه أيضا فقال : ليس فيما دون خمسة أوسق من تمر أو حب صدقة وهو ينفي الصدقة في الخضراوات ، إذ ليست مما يوسق ; فمن حصل له خمسة أوسق في نصيبه من تمر أو حب وجبت عليه الزكاة ، وكذلك من زبيب ; وهو المسمى بالنصاب عند العلماء . يقال : وسق ووسق " بكسر الواو وفتحها " وهو ستون صاعا ، والصاع أربعة أمداد ، والمد رطل وثلث بالبغدادي ومبلغ الخمسة الأوسق من الأمداد ألف مد ومائتا مد ، وهي بالوزن ألف رطل وستمائة رطل .السادسة عشرة : ومن حصل له من تمر وزبيب معا خمسة أوسق لم تلزمه الزكاة إجماعا ; لأنهما صنفان مختلفان . وكذلك أجمعوا على أنه لا يضاف التمر إلى البر ولا البر إلى الزبيب ; ولا الإبل إلى البقر ، ولا البقر إلى الغنم . ويضاف الضأن إلى المعز بإجماع . واختلفوا في ضم البر إلى الشعير والسلت .السابعة عشرة : فأجازه مالك في هذه الثلاثة خاصة فقط ; لأنها في معنى الصنف الواحد لتقاربها في المنفعة واجتماعها في المنبت والمحصد ، وافتراقها في الاسم لا يوجب افتراقها في الحكم كالجواميس والبقر ، والمعز والغنم . وقال الشافعي وغيره : لا يجمع بينها ; لأنها أصناف مختلفة ، وصفاتها متباينة ، وأسماؤها متغايرة ، وطعمها مختلف ; وذلك يوجب افتراقها . والله أعلم . قال مالك والقطاني : كلها صنف واحد ، يضم إلى بعض . وقال الشافعي : لا تضم حبة عرفت باسم منفرد دون صاحبتها ، وهي خلافها مباينة في الخلقة والطعم إلى غيرها . ويضم كل صنف بعضه إلى بعض ، رديئه إلى جيده ; كالتمر وأنواعه ، والزبيب أسوده وأحمره ، والحنطة وأنواعها من السمراء وغيرها . وهو قول الثوري وأبي حنيفة وصاحبيه أبي يوسف ومحمد أبي ثور . وقال الليث : تضم الحبوب كلها : القطنية وغيرها بعضها إلى بعض في الزكاة . وكان أحمد بن حنبل يجبن عن ضم الذهب إلى الورق ، وضم الحبوب بعضها إلى بعض ، ثم كان في آخر أمره يقول فيها بقول الشافعي .الثامنة عشرة : قال مالك : وما استهلكه منه ربه بعد بدو صلاحه أو بعدما أفرك حسب عليه ، وما أعطاه ربه منه في حصاده وجذاذه ، ومن الزيتون في التقاطه ، تحرى ذلك وحسب عليه . وأكثر الفقهاء يخالفونه في ذلك ، ولا يوجبون الزكاة إلا فيما حصل في يده بعد الدرس . قال الليث في زكاة الحبوب : يبدأ بها قبل النفقة ، وما أكل من فريك هو وأهله فلا يحسب عليه ، بمنزلة الرطب الذي يترك لأهل الحائط يأكلونه فلا يخرص عليهم . وقال الشافعي : يترك الخارص لرب الحائط ما يأكله هو وأهله رطبا ، لا يخرصه عليهم . وما أكله وهو رطب لم يحسب عليه . قال أبو عمر : احتج الشافعي ومن وافقه بقول الله تعالى : كلوا من ثمره إذا أثمر وآتوا حقه يوم حصاده . واستدلوا على أنه لا يحتسب بالمأكول قبل الحصاد بهذه الآية . واحتجوا بقوله عليه السلام : إذا خرصتم فدعوا الثلث فإن لم تدعوا الثلث فدعوا الربع . وما أكلت الدواب والبقر منه عند الدرس لم يحسب منه شيء على صاحبه عند مالك وغيره .التاسعة عشرة : وما بيع من الفول والحمص والجلبان أخضر ; تحرى مقدار ذلك يابسا وأخرجت زكاته حبا . وكذا ما بيع من الثمر أخضر اعتبر وتوخي وخرص يابسا وأخرجت زكاته على ذلك الخرص زبيبا وتمرا . وقيل : يخرج من ثمنه .الموفية عشرين : وأما ما لا يتتمر من ثمر النخل ولا يتزبب من العنب كعنب مصر وبلحها ، وكذلك زيتونها الذي لا يعصر ، فقال مالك : تخرج زكاته من ثمنه ، لا يكلف غير ذلك صاحبه ، ولا يراعى فيه بلوغ ثمنه عشرين مثقالا أو مائتي درهم ، وإنما ينظر إلى ما يرى أنه يبلغه خمسة أوسق فأكثر . وقال الشافعي : يخرج عشره أو نصف عشره من وسطه تمرا إذا أكله أهله رطبا أو أطعموه .الحادية والعشرون : روى أبو داود عن ابن عمر قال قال رسول الله صلى عليه وسلم : فيما سقت السماء والأنهار والعيون أو كان بعلا العشر ، وفيما سقي بالسواني أو النضح نصف العشر وكذلك إن كان يشرب سيحا فيه العشر . وهو الماء الجاري على وجه الأرض ; قاله ابن السكيت . ولفظ السيح مذكور في الحديث ، خرجه النسائي . فإن كان يشرب بالسيح لكن رب الأرض لا يملك ماء وإنما يكتريه له فهو كالسماء ; على المشهور من المذهب . ورأى أبو الحسن اللخمي أنه كالنضح ; فلو سقي مرة بماء السماء ومرة بدالية ; فقال مالك : ينظر إلى ما تم به الزرع وحيي وكان أكثر ; فيتعلق الحكم عليه . هذه رواية ابن القاسم عنه . وروى عنه ابن وهب : إذا سقي نصف سنة بالعيون ثم انقطع فسقي بقية السنة بالناضح فإن عليه نصف زكاته عشرا ، والنصف الآخر نصف العشر . وقال مرة : زكاته بالذي تمت به حياته . وقال الشافعي : يزكي كل واحد منهما بحسابه . مثاله أن يشرب شهرين بالنضح وأربعة بالسماء ; فيكون فيه ثلثا العشر لماء السماء وسدس العشر للنضح ! وهكذا ما زاد ونقص بحسابه . وبهذا كان يفتي بكار بن قتيبة . وقال أبو حنيفة وأبو يوسف : ينظر إلى الأغلب فيزكى ، ولا يلتفت إلى ما سوى ذلك . وروي عن الشافعي . قال الطحاوي : قد اتفق الجميع على أنه لو سقاه بماء المطر يوما أو يومين أنه لا اعتبار به ، ولا يجعل لذلك حصة ; فدل على أن الاعتبار بالأغلب ، والله أعلم .قلت : فهذه جملة من أحكام هذه الآية ، ولعل غيرنا يأتي بأكثر منها على ما يفتح الله له . وقد مضى في " البقرة " جملة من معنى هذه الآية ، والحمد لله .الثانية والعشرون : وأما قوله صلى الله عليه وسلم : ليس في حب ولا تمر صدقة فخرجه النسائي . قال حمزة الكناني : لم يذكر في هذا الحديث " في حب " غير إسماعيل بن أمية ، وهو ثقة قرشي من ولد سعيد بن العاص . قال : وهذه السنة لم يروها أحد عن النبي صلى الله عليه وسلم من أصحابه غير أبي سعيد الخدري . قال أبو عمر : هو كما قال حمزة ، وهذه سنة جليلة تلقاها الجميع بالقبول ، ولم يروها أحد عن النبي صلى الله عليه وسلم من وجه ثابت محفوظ غير أبي سعيد . وقد روى جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم مثل ذلك ، ولكنه غريب ، وقد وجدناه من حديث أبي هريرة بإسناد حسن .الثالثة والعشرون : قوله تعالى ولا تسرفوا الإسراف في اللغة الخطأ . وقال أعرابي أراد قوما : طلبتكم فسرفتكم ; أي أخطأت موضعكم . وقال الشاعر :وقال قائلهم والخيل تخبطهم أسرفتم فأجبنا أننا سرفوالإسراف في النفقة : التبذير . ومسرف لقب مسلم بن عقبة المري صاحب وقعة الحرة ; لأنه قد أسرف فيها . قال علي بن عبد الله بن العباس :هم منعوا ذماري يوم جاءت كتائب مسرف وبني اللكيعهوالمعنى المقصود من الآية : لا تأخذوا الشيء بغير حقه ثم تضعوه في غير حقه ; قاله أصبغ بن الفرج . ونحوه قول إياس بن معاوية : ما جاوزت به أمر الله فهو سرف وإسراف . وقال ابن زيد : هو خطاب للولاة ، يقول : لا تأخذوا فوق حقكم وما لا يجب على الناس . والمعنيان يحتملهما قوله عليه السلام : المعتدي في الصدقة كمانعها . وقال مجاهد : لو كان أبو قبيس ذهبا لرجل فأنفقه في طاعة الله لم يكن مسرفا ، ولو أنفق درهما أو مدا في معصية الله كان مسرفا . وفي هذا المعنى قيل لحاتم : لا خير في السرف ; فقال : لا سرف في الخير .قلت : وهذا ضعيف ; يرده ما روى ابن عباس أن ثابت بن قيس بن شماس عمد إلى خمسمائة نخلة فجذها ثم قسمها في يوم واحد ولم يترك لأهله شيئا ; فنزلت ولا تسرفوا أي لا تعطوا كله . وروى عبد الرزاق عن ابن جريج قال : جذ معاذ بن جبل نخله فلم يزل يتصدق حتى لم يبق منه شيء : فنزل ولا تسرفوا . قال السدي : ولا تسرفوا أي لا تعطوا أموالكم فتقعدوا فقراء . وروي عن معاوية بن أبي سفيان أنه سئل عن قوله تعالى : ولا تسرفوا قال : الإسراف ما قصرت عن حق الله تعالى . قلت : فعلى هذا تكون الصدقة بجميع المال ومنه إخراج حق المساكين داخلين في حكم السرف ، والعدل خلاف هذا ; فيتصدق ويبقي كما قال عليه السلام : خير الصدقة ما كان عن ظهر غنى إلا أن يكون قوي النفس غنيا بالله متوكلا عليه منفردا لا عيال له ، فله أن يتصدق بجميع ماله ، وكذلك يخرج الحق الواجب عليه من زكاة وما يعن في بعض الأحوال من الحقوق المتعينة في المال . وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم : الإسراف ما لم يقدر على رده إلى الصلاح . والسرف ما يقدر على رده إلى الصلاح . وقال النضر بن شميل : الإسراف التبذير والإفراط ، والسرف الغفلة والجهل . قال جرير :أعطوا هنيدة يحدوها ثمانية ما في عطائهم من ولا سرفأي إغفال ، ويقال : خطأ . ورجل سرف الفؤاد ، أي مخطئ الفؤاد غافله . قال طرفة :إن امرأ سرف الفؤاد يرى عسلا بماء سحابة شتمي
وَ مِنَ الْاَنْعَامِ حَمُوْلَةً وَّ فَرْشًاؕ-كُلُوْا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللّٰهُ وَ لَا تَتَّبِعُوْا خُطُوٰتِ الشَّیْطٰنِؕ-اِنَّهٗ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِیْنٌۙ(۱۴۲)
اور مویشی میں سے کچھ بوجھ اٹھانے والے اور کچھ زمین پر بچھے (ف۲۹۲) کھاؤ اس میں سے جو اللہ نے تمہیں روزی دی اور شیطان کے قدموں پر نہ چلو، بیشک وہ تمہارا صریح دشمن ہے،
قوله تعالى ومن الأنعام حمولة وفرشا كلوا مما رزقكم الله ولا تتبعوا خطوات الشيطان إنه لكم عدو مبينقوله تعالى ومن الأنعام حمولة وفرشا عطف على ما تقدم . أي وأنشأ حمولة وفرشا من الأنعام . وللعلماء في الأنعام ثلاثة أقوال : أحدها : أن الأنعام الإبل خاصة ; وسيأتي في " النحل " بيانه . الثاني : أن الأنعام الإبل وحدها ، وإذا كان معها بقر وغنم فهي أنعام أيضا . الثالث : وهو أصحها قاله أحمد بن يحيى : الأنعام كل ما أحله الله عز وجل من الحيوان . ويدل على صحة هذا قوله تعالى : أحلت لكم بهيمة الأنعام إلا ما يتلى عليكم وقد تقدم . والحمولة ما أطاق الحمل والعمل ; عن ابن مسعود وغيره . ثم قيل : يختص اللفظ بالإبل . وقيل : كل ما احتمل عليه الحي من حمار أو بغل أو بعير ; عن أبي زيد ، سواء كانت عليه الأحمال أو لم تكن .قال عنترة :ما راعني إلا حمولة أهلها وسط الديار تسف حب الحمحموفعولة بفتح الفاء إذا كانت بمعنى الفاعل استوى فيها المؤنث والمذكر ; نحو قولك : رجل فروقة وامرأة فروقة للجبان والخائف . ورجل صرورة وامرأة صرورة إذا لم يحجا ; ولا جمع له . فإذا كانت بمعنى المفعول فرق بين المذكر والمؤنث بالهاء كالحلوبة والركوبة . والحمولة " بضم الحاء " : الأحمال . وأما الحمول " بالضم بلا هاء " فهي الإبل التي عليها الهوادج ، كان فيها نساء أو لم يكن ; عن أبي زيد . وفرشا قال الضحاك : الحمولة من الإبل والبقر . والفرش : الغنم . النحاس : واستشهد لصاحب هذا القول بقوله : ثمانية أزواج قال : ف ( ثمانية ) بدل من قوله : حمولة وفرشا . وقال الحسن : الحمولة الإبل . والفرش : الغنم . وقال ابن عباس : الحمولة كل ما حمل من الإبل والبقر والخيل والبغال والحمير . والفرش : الغنم . وقال ابن زيد : الحمولة ما يركب ، والفرش ما يؤكل لحمه ويحلب ; مثل الغنم والفصلان والعجاجيل ; سميت فرشا للطافة أجسامها وقربها من الفرش ، وهي الأرض المستوية التي يتوطؤها الناس . قال الراجز :أورثني حمولة وفرشا أمشها في كل يوم مشاوقال آخر :وحوينا الفرش من أنعامكم والحمولات وربات الحجلقال الأصمعي : لم أسمع له بجمع . قال : ويحتمل أن يكون مصدرا سمي به ; من قولهم : فرشها الله فرشا ، أي بثها بثا . والفرش : المفروش من متاع البيت . والفرش : الزرع إذا فرش . والفرش : الفضاء الواسع . والفرش في رجل البعير : اتساع قليل ، وهو محمود . وافترش الشيء انبسط ; فهو لفظ مشترك . وقد يرجع قوله تعالى : وفرشا إلى هذا . قال النحاس : ومن أحسن ما قيل فيهما أن الحمولة المسخرة المذللة للحمل . والفرش ما خلقه الله عز وجل من الجلود والصوف مما يجلس عليه ويتمهد . وباقي الآية قد تقدم .
ثَمٰنِیَةَ اَزْوَاجٍۚ-مِنَ الضَّاْنِ اثْنَیْنِ وَ مِنَ الْمَعْزِ اثْنَیْنِؕ-قُلْ ءٰٓالذَّكَرَیْنِ حَرَّمَ اَمِ الْاُنْثَیَیْنِ اَمَّا اشْتَمَلَتْ عَلَیْهِ اَرْحَامُ الْاُنْثَیَیْنِؕ- نَبِّـٴُـوْنِیْ بِعِلْمٍ اِنْ كُنْتُمْ صٰدِقِیْنَۙ(۱۴۳)
آٹھ نر و مادہ ایک جوڑا بھیڑ کا اور ایک جوڑا بکری کا، تم فرماؤ کیا اس نے دونوں نر حرام کیے یا دونوں مادہ یا وہ جسے دنوں مادہ پیٹ میں لیے ہیں (ف۲۹۳) کسی علم سے بتاؤ اگر تم سچے ہو
قوله : ثمانية أزواج من الضأن اثنين ومن المعز اثنين قل آلذكرين حرم أم الأنثيين أما اشتملت عليه أرحام الأنثيين نبئوني بعلم إن كنتم صادقينفيه ثلاث مسائل :الأولى : قوله تعالى ثمانية أزواج ثمانية منصوب بفعل مضمر ، أي وأنشأ ثمانية أزواج ; عن الكسائي . وقال الأخفش سعيد : هو منصوب على البدل من حمولة وفرشا . وقال الأخفش علي بن سليمان : يكون منصوبا ب كلوا أي كلوا لحم ثمانية أزواج . ويجوز أن يكون منصوبا على البدل من ما على الموضع . ويجوز أن يكون منصوبا بمعنى كلوا المباح ثمانية أزواج من الضأن اثنين . ونزلت الآية في مالك بن عوف وأصحابه حيث قالوا : ما في بطون هذه الأنعام خالصة لذكورنا ومحرم على أزواجنا فنبه الله عز وجل نبيه والمؤمنين بهذه الآية على ما أحله لهم ; لئلا يكونوا بمنزلة من حرم ما أحله الله تعالى . والزوج خلاف الفرد ; يقال : زوج أو فرد . كما يقال : خسا أو زكا ، شفع أو وتر . فقوله : ثمانية أزواج يعني ثمانية أفراد . وكل فرد عند العرب يحتاج إلى آخر يسمى زوجا ، فيقال للذكر زوج وللأنثى زوج . ويقع لفظ الزوج للواحد وللاثنين ; يقال هما زوجان ، وهما زوج ; كما يقال : هما سيان وهما سواء . وتقول : اشتريت زوجي حمام . وأنت تعني ذكرا وأنثى .الثانية قوله تعالى من الضأن اثنين أي الذكر والأنثى . والضأن : ذوات الصوف من الغنم ، وهي جمع ضائن . والأنثى ضائنة ، والجمع ضوائن . وقيل : هو جمع لا واحد له . وقيل في جمعه : ضئين ; كعبد وعبيد . ويقال فيه ضئين . كما يقال في شعير : شعير ، كسرت الضاد اتباعا . وقرأ طلحة بن مصرف " من الضأن اثنين " بفتح الهمزة ، وهي لغة مسموعة عند البصريين . وهو مطرد عند الكوفيين في كل ما ثانيه حرف حلق . وكذلك الفتح والإسكان في المعز . وقرأ أبان بن عثمان ( من الضأن اثنان ومن المعز اثنان ) رفعا بالابتداء . وفي حرف أبي ( ومن المعز اثنان ) وهي قراءة الأكثر . وقرأ ابن عامر وأبو عمرو بالفتح . قال النحاس : الأكثر في كلام العرب المعز والضأن بالإسكان . ويدل على هذا قولهم في الجمع : معيز ; فهذا جمع معز . كما يقال : عبد وعبيد . قال امرؤ القيس :ويمنحها بنو شمجى بن جرم معيزهم حنانك ذا الحنانومثله ضأن وضئين . والمعز من الغنم خلاف الضأن ، وهي ذوات الأشعار والأذناب القصار ، وهو اسم جنس ، وكذلك المعز والمعيز والأمعوز والمعزى . وواحد المعز ماعز ; مثل صاحب وصحب وتاجر وتجر . والأنثى ماعزة وهي العنز ، والجمع مواعز . وأمعز القوم كثرت معزاهم . والمعاز صاحب المعزى . قال أبو محمد الفقعسي يصف إبلا بكثرة اللبن ويفضلها على الغنم في شدة الزمان :يكلن كيلا ليس بالممحوق إذ رضي المعاز باللعوقوالمعز الصلابة من الأرض . والأمعز : المكان الصلب الكثير الحصى ; والمعزاء أيضا . واستمعز الرجل في أمره : جد .قل آلذكرين منصوب ب حرم أم الأنثيين عطف عليه .أما اشتملت عليه أرحام الأنثيين وزيدت مع ألف الوصل مدة للفرق بين الاستفهام والخبر . ويجوز حذف الهمزة لأن " أم " تدل على الاستفهام . كما قال :تروح من الحي أم تبتكرالثالثة قال العلماء : الآية احتجاج على المشركين في أمر البحيرة وما ذكر معها . وقولهم : ما في بطون هذه الأنعام خالصة لذكورنا ومحرم على أزواجنا . فدلت على إثبات المناظرة في العلم ; لأن الله تعالى أمر نبيه عليه السلام بأن يناظرهم ، ويبين لهم فساد قولهم . وفيها إثبات القول بالنظر والقياس . وفيها دليل بأن القياس إذا ورد عليه النص بطل القول به . ويروى : " إذا ورد عليه النقض " ; لأن الله تعالى أمرهم بالمقايسة الصحيحة ، وأمرهم بطرد علتهم . والمعنى : قل لهم إن كان حرم الذكور فكل ذكر حرام . وإن كان حرم الإناث فكل أنثى حرام . وإن كان حرم ما اشتملت عليه أرحام الأنثيين ، يعني من الضأن والمعز ، فكل مولود حرام ، ذكرا كان أو أنثى . وكلها مولود فكلها إذا حرام لوجود العلة فيها ، فبين انتقاض علتهم وفساد قولهم ; فأعلم الله سبحانه أن ما فعلوه من ذلك افتراء عليهنبئوني بعلم أي بعلم إن كان عندكم ، من أين هذا التحريم الذي افتعلتموه ؟ ولا علم عندهم ; لأنهم لا يقرءون الكتب .
وَ مِنَ الْاِبِلِ اثْنَیْنِ وَ مِنَ الْبَقَرِ اثْنَیْنِؕ-قُلْ ءٰٓالذَّكَرَیْنِ حَرَّمَ اَمِ الْاُنْثَیَیْنِ اَمَّا اشْتَمَلَتْ عَلَیْهِ اَرْحَامُ الْاُنْثَیَیْنِؕ-اَمْ كُنْتُمْ شُهَدَآءَ اِذْ وَصّٰىكُمُ اللّٰهُ بِهٰذَاۚ-فَمَنْ اَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرٰى عَلَى اللّٰهِ كَذِبًا لِّیُضِلَّ النَّاسَ بِغَیْرِ عِلْمٍؕ-اِنَّ اللّٰهَ لَا یَهْدِی الْقَوْمَ الظّٰلِمِیْنَ۠(۱۴۴)
اور ایک جوڑا اونٹ کا اور ایک جوڑا گائے کا، تم فرماؤ کیا اس نے دونوں نر حرام کیے یا دونوں مادہ یا وہ جسے دونوں مادہ پیٹ میں لیے ہیں (ف۲۹۴) کیا تم موجود تھے جب اللہ نے تمہیں یہ حکم دیا (ف۲۹۵) تو اس سے بڑھ کر ظالم کون جو اللہ پر جھوٹ باندھے کہ لوگوں کو اپنی جہالت سے گمراہ کرے، بیشک اللہ ظالموں کو راہ نہیں دکھاتا،
وَمِنَ الْإِبِلِ اثْنَيْنِ وَمِنَ الْبَقَرِ اثْنَيْنِ قُلْ آلذَّكَرَيْنِ حَرَّمَ أَمِ الْأُنْثَيَيْنِ أَمَّا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ أَرْحَامُ الْأُنْثَيَيْنِ" قل آلذكرين حرم " منصوب ب " حرم " " أم الأنثيين " عطف عليه .والقول في ومن الإبل اثنين وما بعده كما سبق .أم كنتم شهداء أي هل شاهدتم الله قد حرم هذا . ولما لزمتهم الحجة أخذوا في الافتراء فقالوا : كذا أمر الله . فقال الله تعالى : فمن أظلم ممن افترى على الله كذبا ليضل الناس بغير علم بين أنهم كذبوا ; إذ قالوا ما لم يقم عليه دليل .
قُلْ لَّاۤ اَجِدُ فِیْ مَاۤ اُوْحِیَ اِلَیَّ مُحَرَّمًا عَلٰى طَاعِمٍ یَّطْعَمُهٗۤ اِلَّاۤ اَنْ یَّكُوْنَ مَیْتَةً اَوْ دَمًا مَّسْفُوْحًا اَوْ لَحْمَ خِنْزِیْرٍ فَاِنَّهٗ رِجْسٌ اَوْ فِسْقًا اُهِلَّ لِغَیْرِ اللّٰهِ بِهٖۚ-فَمَنِ اضْطُرَّ غَیْرَ بَاغٍ وَّ لَا عَادٍ فَاِنَّ رَبَّكَ غَفُوْرٌ رَّحِیْمٌ(۱۴۵)
تم فرماؤ (ف۲۹۶) میں نہیں پاتا اس میں جو میری طرف وحی ہوئی کسی کھانے والے پر کوئی کھانا حرام (ف۲۹۷) مگر یہ کہ مردار ہو یا رگوں کا بہتا خون (ف۲۹۸) یا بد جانور کا گوشت وہ نجاست ہے یا وہ بے حکمی کا جانور جس کے ذبح میں غیر خدا کا نام پکارا گیا تو جو ناچار ہوا (ف۲۹۹) نہ یوں کہ آپ خواہش کرے اور نہ یوں کہ ضرورت سے بڑھے تو بے شیک اللہ بخشنے والا مہربان ہے (ف۳۰۰)
قل لا أجد في ما أوحي إلي محرما على طاعم يطعمه إلا أن يكون ميتة أو دما مسفوحا أو لحم خنزير فإنه رجس أو فسقا أهل لغير الله به فمن اضطر غير باغ ولا عاد فإن ربك غفور رحيم فيه أربع مسائل :الأولى : قوله تعالى قل لا أجد في ما أوحي إلي محرما أعلم الله عز وجل في هذه الآية بما حرم . والمعنى : قل يا محمد لا أجد فيما أوحي إلي محرما إلا هذه الأشياء ، لا ما تحرمونه بشهوتكم . والآية مكية . ولم يكن في الشريعة في ذلك الوقت محرم غير هذه الأشياء ، ثم نزلت سورة " المائدة " بالمدينة . وزيد في المحرمات كالمنخنقة والموقوذة والمتردية والنطيحة والخمر وغير ذلك . وحرم رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة أكل كل ذي ناب من السباع وكل ذي مخلب من الطير .وقد اختلف العلماء في حكم هذه الآية وتأويلها على أقوال : الأول : ما أشرنا إليه من أن هذه الآية مكية ، وكل محرم حرمه رسول الله صلى الله عليه وسلم أو جاء في الكتاب مضموم إليها ; فهو زيادة حكم من الله عز وجل على لسان نبيه عليه السلام . على هذا أكثر أهل العلم من أهل النظر ، والفقه والأثر . ونظيره نكاح المرأة على عمتها وعلى خالتها مع قوله : وأحل لكم ما وراء ذلكم وكحكمه باليمين مع الشاهد مع قوله : فإن لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان . وقد تقدم .وقد قيل : إنها منسوخة بقوله عليه السلام أكل كل ذي ناب من السباع حرام أخرجه مالك ، وهو حديث صحيح . وقيل : الآية محكمة ولا يحرم إلا ما فيها وهو قول يروى عن ابن عباس وابن عمر وعائشة ، وروي عنهم خلافه . قال مالك : لا حرام بين إلا ما ذكر في هذه الآية . وقال ابن خويز منداد : تضمنت هذه الآية تحليل كل شيء من الحيوان وغيره إلا ما استثني في الآية من الميتة والدم المسفوح ولحم الخنزير . ولهذا قلنا : إن لحوم السباع وسائر الحيوان ما سوى الإنسان والخنزير مباح . وقال إلكيا الطبري : وعليها بنى الشافعي تحليل كل مسكوت عنه ; أخذا من هذه الآية ، إلا ما دل عليه الدليل . وقيل : إن الآية جواب لمن سأل عن شيء بعينه فوقع الجواب مخصوصا . وهذا مذهب الشافعي . وقد روى الشافعي عن سعيد بن جبير أنه قال : في هذه الآية أشياء سألوا عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم فأجابهم عن المحرمات من تلك الأشياء . وقيل : أي لا أجد فيما أوحي إلي أي في هذه الحال حال الوحي ووقت نزوله ، ثم لا يمتنع حدوث وحي بعد ذلك بتحريم أشياء أخر . وزعم ابن العربي أن هذه الآية مدنية وهي مكية في قول الأكثرين ، نزلت على النبي صلى الله عليه وسلم يوم نزل عليه اليوم أكملت لكم دينكم ولم ينزل بعدها ناسخ فهي محكمة ، فلا محرم إلا ما فيها ، وإليه أميل. قلت : وهذا ما رأيته قاله غيره . وقد ذكر أبو عمر بن عبد البر الإجماع في أن سورة " الأنعام " مكية إلا قوله تعالى : قل تعالوا أتل ما حرم ربكم عليكم الثلاث الآيات ، وقد نزل بعدها قرآن كثير وسنن جمة . فنزل تحريم الخمر بالمدينة في " المائدة " . وأجمعوا على أن نهيه عليه السلام عن أكل كل ذي ناب من السباع إنما كان منه بالمدينة . قال إسماعيل بن إسحاق : وهذا كله يدل على أنه أمر كان بالمدينة بعد نزول قوله : قل لا أجد في ما أوحي إلي محرما لأن ذلك مكي . قلت : وهذا هو مثار الخلاف بين العلماء . فعدل جماعة عن ظاهر الأحاديث الواردة بالنهي عن أكل كل ذي ناب من السباع ; لأنها متأخرة عنها والحصر فيها ظاهر فالأخذ بها أولى ; لأنها إما ناسخة لما تقدمها أو راجحة على تلك الأحاديث . وأما القائلون بالتحريم فظهر لهم وثبت عندهم أن سورة " الأنعام " مكية ; نزلت قبل الهجرة ، وأن هذه الآية قصد بها الرد على الجاهلية في تحريم البحيرة والسائبة والوصيلة والحامي ، ثم بعد ذلك حرم أمورا كثيرة كالحمر الإنسية ولحوم البغال وغيرها ، وكل ذي ناب من السباع وكل ذي مخلب من الطير . قال أبو عمر : ويلزم على قول من قال : " لا محرم إلا ما فيها " ألا يحرم ما لم يذكر اسم الله عليه عمدا ، وتستحل الخمر المحرمة عند جماعة المسلمين . وفي إجماع المسلمين على تحريم خمر العنب دليل واضح على أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد وجد فيما أوحي إليه محرما غير ما في سورة " الأنعام " مما قد نزل بعدها من القرآن . وقد اختلفت الرواية عن مالك في لحوم السباع والحمير والبغال فقال مرة : هي محرمة ; لما ورد من نهيه عليه السلام عن ذلك ، وهو الصحيح من قوله على ما في الموطأ . وقال مرة : هي مكروهة ، وهو ظاهر المدونة ; لظاهر الآية ولما روي عن ابن عباس وابن عمر وعائشة من إباحة أكلها ، وهو قول الأوزاعي . روى البخاري من رواية عمرو بن دينار قال : قلت لجابر بن زيد إنهم يزعمون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن لحوم الحمر الأهلية ؟ فقال : قد كان يقول ذلك الحكم بن عمرو الغفاري عندنا بالبصرة ; ولكن أبى ذلك البحر ابن عباس ، وقرأ قل لا أجد في ما أوحي إلي محرما . وروي عن ابن عمر أنه سئل عن لحوم السباع فقال : لا بأس بها . فقيل له : حديث أبي ثعلبة الخشني فقال : لا ندع كتاب الله ربنا لحديث أعرابي يبول على ساقيه . وسئل الشعبي عن لحم الفيل والأسد فتلا هذه الآية . وقال القاسم : كانت عائشة تقول لما سمعت الناس يقولون حرم كل ذي ناب من السباع : ذلك حلال ، وتتلو هذه الآية قل لا أجد في ما أوحي إلي محرما ثم قالت : إن كانت البرمة ليكون ماؤها أصفر من الدم ثم يراها رسول الله صلى الله عليه وسلم فلا يحرمها . والصحيح في هذا الباب ما بدأنا بذكره ، وأن ما ورد من المحرمات بعد الآية مضموم إليها معطوف عليها . وقد أشار القاضي أبو بكر بن العربي إلى هذا في قبسه خلاف ما ذكر في أحكامه قال : روي عن ابن عباس أن هذه الآية من آخر ما نزل ; فقال البغداديون من أصحابنا : إن كل ما عداها حلال ، لكنه يكره أكل السباع . وعند فقهاء الأمصار ، منهم مالك والشافعي وأبو حنيفة وعبد الملك أن أكل كل ذي ناب من السباع حرام ، وليس يمتنع أن تقع الزيادة بعد قوله : قل لا أجد في ما أوحي إلي محرما بما يرد من الدليل فيها ; كما قال النبي صلى الله عليه وسلم : لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث فذكر الكفر والزنى والقتل . ثم قال علماؤنا : إن أسباب القتل عشرة بما ورد من الأدلة ، إذ النبي صلى الله عليه وسلم إنما يخبر بما وصل إليه من العلم عن الباري تعالى ; وهو يمحو ما يشاء ويثبت وينسخ ويقدر . وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : أكل كل ذي ناب من السباع حرام وقد روي أنه نهى عن أكل كل ذي ناب من السباع وذي مخلب من الطير . وروى مسلم عن معن عن مالك : نهى عن أكل كل ذي مخلب من الطير والأول أصح وتحريم كل ذي ناب من السباع هو صريح المذهب وبه ترجم مالك في الموطأ حين قال : تحريم أكل كل ذي ناب من السباع . ثم ذكر الحديث وعقبه بعد ذلك بأن قال : وهو الأمر عندنا . فأخبر أن العمل اطرد مع الأثر . قال القشيري : فقول مالك " هذه الآية من أواخر ما نزل " لا يمنعنا من أن نقول : ثبت تحريم بعض هذه الأشياء بعد هذه الآية ، وقد أحل الله الطيبات وحرم الخبائث ، ونهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أكل كل ذي ناب من السباع ، وعن أكل كل ذي مخلب من الطير ، ونهى عن لحوم الحمر الأهلية عام خيبر . والذي يدل على صحة هذا التأويل الإجماع على تحريم العذرة والبول والحشرات المستقذرة والحمر مما ليس مذكورا في هذه الآية .الثانية : قوله تعالى : محرما قال ابن عطية : لفظة التحريم إذا وردت على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم فإنها صالحة أن تنتهي بالشيء المذكور غاية الحظر والمنع ، وصالحة أيضا بحسب اللغة أن تقف دون الغاية في حيز الكراهة ونحوها ; فما اقترنت به قرينة التسليم من الصحابة المتأولين وأجمع الكل منهم ولم تضطرب فيه ألفاظ الأحاديث وجب بالشرع أن يكون تحريمه قد وصل الغاية من الحظر والمنع ، ولحق بالخنزير والميتة والدم ، وهذه صفة تحريم الخمر . وما اقترنت به قرينة اضطراب ألفاظ الأحاديث واختلفت الأئمة فيه مع علمهم بالأحاديث كقوله عليه السلام : أكل كل ذي ناب من السباع حرام . وقد ورد نهي رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أكل كل ذي ناب من السباع ، ثم اختلفت الصحابة ومن بعدهم في تحريم ذلك ، فجاز لهذه الوجوه لمن ينظر أن يحمل لفظ التحريم على المنع الذي هو الكراهة ونحوها . وما اقترنت به قرينة التأويل كتحريمه عليه السلام لحوم الحمر الإنسية فتأول بعض الصحابة الحاضرين ذلك لأنه نجس ، وتأول بعضهم ذلك لئلا تفنى حمولة الناس ، وتأول بعضهم التحريم المحض . وثبت في الأمة الاختلاف في تحريم لحمها ; فجائز لمن ينظر من العلماء أن يحمل لفظ التحريم على المنع الذي هو الكراهة ونحوها بحسب اجتهاده وقياسه .قلت : وهذا عقد حسن في هذا الباب وفي سبب الخلاف على ما تقدم . وقد قيل : إن الحمار لا يؤكل لأنه أبدى جوهره الخبيث حيث نزا على ذكر وتلوط ; فسمي رجسا . قال محمد بن سيرين : ليس شيء من الدواب يعمل عمل قوم لوط إلا الخنزير والحمار ; ذكره الترمذي في نوادر الأصول .الثالثة : روى عمرو بن دينار عن أبي الشعثاء عن ابن عباس قال : كان أهل الجاهلية يأكلون أشياء ويتركون أشياء ، فبعث الله نبيه عليه السلام وأنزل كتابه وأحل حلاله وحرم حرامه ; فما أحل فهو حلال وما حرم فهو حرام وما سكت عنه فهو عفو ، وتلا هذه الآية قل لا أجد الآية . يعني ما لم يبين تحريمه فهو مباح بظاهر هذه الآية . وروى الزهري عن عبيد الله بن عبد الله بن عباس أنه قرأ قل لا أجد في ما أوحي إلي محرما قال : إنما حرم من الميتة أكلها ، ما يؤكل منها وهو اللحم ; فأما الجلد والعظم والصوف والشعر فحلال . وروى أبو داود عن ملقام بن تلب عن أبيه قال : صحبت النبي صلى الله عليه وسلم فلم أسمع لحشرة الأرض تحريما . الحشرة : صغار دواب الأرض كاليرابيع والضباب والقنافذ . ونحوها ; قال الشاعر :أكلنا الربى يا أم عمرو ومن يكن غريبا لديكم يأكل الحشراتأي ما دب ودرج . والربى جمع ربية وهي الفأرة . قال الخطابي : وليس في قوله " لم أسمع لها تحريما " دليل على أنها مباحة ; لجواز أن يكون غيره قد سمعه . وقد اختلف الناس في اليربوع والوبر والجمع وبار ونحوهما من الحشرات ; فرخص في اليربوع عروة وعطاء والشافعي وأبو ثور . قال الشافعي : لا بأس بالوبر وكرهه ابن سيرين والحكم وحماد وأصحاب الرأي . وكره أصحاب الرأي القنفذ . وسئل عنه مالك بن أنس فقال : لا أدري . وحكى أبو عمرو : وقال مالك لا بأس بأكل القنفذ . وكان أبو ثور لا يرى به بأسا ; وحكاه عن الشافعي . وسئل عنه ابن عمر فتلا قل لا أجد في ما أوحي إلي محرما الآية ; فقال شيخ عنده سمعت أبا هريرة يقول : ذكر عند النبي صلى الله عليه وسلم فقال : خبيثة من الخبائث . فقال ابن عمر : إن كان قال رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا فهو كما قال . ذكره أبو داود . وقال مالك : لا بأس بأكل الضب واليربوع والورل . وجائز عنده أكل الحيات إذا ذكيت ; وهو قول ابن أبي ليلى والأوزاعي . وكذلك الأفاعي والعقارب والفأر والعظاية والقنفذ والضفدع . وقال ابن القاسم : ولا بأس بأكل خشاش الأرض وعقاربها ودودها في قول مالك ; لأنه قال : موته في الماء لا يفسده . وقال مالك : لا بأس بأكل فراخ النحل ودود الجبن والتمر ونحوه . والحجة له حديث ملقام بن تلب ، وقول ابن عباس وأبي الدرداء : ما أحل الله فهو حلال وما حرم فهو حرام وما سكت عنه فهو عفو . وقالت عائشة في الفأرة : ما هي بحرام ، وقرأت قل لا أجد في ما أوحي إلي محرما . ومن علماء أهل المدينة جماعة لا يجيزون أكل كل شيء من خشاش الأرض وهوامها ; مثل الحيات والأوزاغ والفأر وما أشبهه . وكل ما يجوز قتله فلا يجوز عند هؤلاء أكله ، ولا تعمل الذكاة عندهم فيه . وهو قول ابن شهاب وعروة والشافعي وأبي حنيفة وأصحابه وغيرهم . ولا يؤكل عند مالك وأصحابه شيء من سباع الوحش كلها ، ولا الهر الأهلي ولا الوحشي لأنه سبع . وقال : ولا يؤكل الضبع ولا الثعلب ، ولا بأس بأكل سباع الطير كلها : الرخم والنسور والعقبان وغيرها ، ما أكل الجيف منها وما لم يأكل . وقال الأوزاعي الطير كله حلال ، إلا أنهم يكرهون الرخم . وحجة مالك أنه لم يجد أحدا من أهل العلم يكره أكل سباع الطير ، وأنكر الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه نهى عن أكل كل ذي مخلب من الطير . وروي عن أشهب أنه قال : لا بأس بأكل الفيل إذا ذكي ; وهو قول الشعبي ، ومنع منه الشافعي . وكره النعمان وأصحابه أكل الضبع والثعلب . ورخص في ذلك الشافعي ، وروي عن سعد بن أبي وقاص أنه كان يأكل الضباع . وحجة مالك عموم النهي عن أكل كل ذي ناب من السباع ، ولم يخص سبعا من سبع . وليس حديث الضبع الذي خرجه النسائي في إباحة أكلها مما يعارض به حديث النهي ; لأنه حديث انفرد به عبد الرحمن بن أبي عمار ، وليس مشهورا بنقل العلم ، ولا ممن يحتج به إذا خالفه من هو أثبت منه . قال أبو عمر : وقد روي النهي عن أكل كل ذي ناب من السباع من طرق متواترة . وروى ذلك جماعة من الأئمة الثقات الأثبات ، ومحال أن يعارضوا بمثل حديث ابن أبي عمار . قال أبو عمر : أجمع المسلمون على أنه لا يجوز أكل القرد لنهي رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أكله ، ولا يجوز بيعه لأنه لا منفعة فيه . قال : وما علمت أحدا رخص في أكله إلا ما ذكره عبد الرزاق عن معمر عن أيوب . سئل مجاهد عن أكل القرد فقال : ليس من بهيمة الأنعام .قلت : ذكر ابن المنذر أنه قال : روينا عن عطاء أنه سئل عن القرد يقتل في الحرم فقال : يحكم به ذوا عدل . قال : فعلى مذهب عطاء يجوز أكل لحمه ; لأن الجزاء لا يجب على من قتل غير الصيد . وفي " بحر المذهب " للروياني على مذهب الإمام الشافعي : وقال الشافعي يجوز بيع القرد لأنه يعلم وينتفع به لحفظ المتاع . وحكى الكشفلي عن ابن شريح يجوز بيعه لأنه ينتفع به . فقيل له : وما وجه الانتفاع به ؟ قال تفرح به الصبيان . قال أبو عمر : والكلب والفيل وذو الناب كله عندي مثل القرد . والحجة في قول رسول الله صلى الله عليه وسلم لا في قول غيره . وقد زعم ناس أنه لم يكن في العرب من يأكل لحم الكلب إلا قوم من فقعس . وروى أبو داود عن ابن عمر قال : نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أكل الجلالة وألبانها . في رواية : عن الجلالة في الإبل أن يركب عليها أو يشرب من ألبانها . قال الحليمي أبو عبد الله : فأما الجلالة فهي التي تأكل العذرة من الدواب والدجاج المخلاة . ونهى النبي صلى الله عليه وسلم عن لحومها . وقال العلماء : كل ما ظهر منها ريح العذرة في لحمه أو طعمه فهو حرام ، وما لم يظهر فهو حلال . وقال الخطابي : هذا نهي تنزه وتنظف ، وذلك أنها إذا اغتذت الجلة وهي العذرة وجد نتن رائحتها في لحومها ، وهذا إذا كان غالب علفها منها ; فأما إذا رعت الكلأ واعتلفت الحب وكانت تنال مع ذلك شيئا من الجلة فليست بجلالة ; وإنما هي كالدجاج المخلاة ، ونحوها من الحيوان الذي ربما نال الشيء منها وغالب غذائه وعلفه من غيره فلا يكره أكلها . وقال أصحاب الرأي والشافعي وأحمد : لا تؤكل حتى تحبس أياما وتعلف علفا غيرها ; فإذا طاب لحمها أكلت . وقد روي في الحديث أن البقر تعلف أربعين يوما ثم يؤكل لحمها . وكان ابن عمر يحبس الدجاج ثلاثا ثم يذبحه . وقال إسحاق : لا بأس بأكلها بعد أن يغسل لحمها غسلا جيدا . وكان الحسن لا يرى بأسا بأكل لحم الجلالة ; وكذلك مالك بن أنس . ومن هذا الباب نهي أن تلقى في الأرض العذرة . روي عن بعضهم قال : كنا نكري أرض رسول الله صلى الله عليه وسلم ونشترط على من يكريها ألا يلقي فيها العذرة . وعن ابن عمر أنه كان يكري أرضه ويشترط ألا تدمن بالعذرة . وروي أن رجلا كان يزرع أرضه بالعذرة فقال له عمر : أنت الذي تطعم الناس ما يخرج منهم . واختلفوا في أكل الخيل ; فأباحها الشافعي ، وهو الصحيح ، وكرهها مالك . وأما البغل فهو متولد من بين الحمار والفرس ، وأحدهما مأكول أو مكروه وهو الفرس ، والآخر محرم وهو الحمار ; فغلب حكم التحريم ; لأن التحليل والتحريم إذا اجتمعا في عين واحدة غلب حكم التحريم . وسيأتي بيان هذه المسألة في " النحل " إن شاء الله بأوعب من هذا . وسيأتي حكم الجراد في " الأعراف " . والجمهور من الخلف والسلف على جواز أكل الأرنب . وقد حكي عن عبد الله بن عمرو بن العاص تحريمه . وعن ابن أبي ليلى كراهته . قال عبد الله بن عمرو : جيء بها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا جالس فلم يأكلها ولم ينه عن أكلها . وزعم أنها تحيض . ذكره أبو داود . وروى النسائي مرسلا عن موسى بن طلحة قال : أتي النبي صلى الله عليه وسلم بأرنب قد شواها رجل وقال : يا رسول الله ، إني رأيت بها دما ; فتركها رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يأكلها ، وقال لمن عنده : كلوا فإني لو اشتهيتها أكلتها . قلت : وليس في هذا ما يدل على تحريمه ، وإنما هو نحو من قوله عليه السلام : إنه لم يكن بأرض قومي فأجدني أعافه . وقد روى مسلم في صحيحه عن أنس بن مالك قال : مررنا بمر الظهران فاستنفجنا أرنبا فسعوا عليه فلغبوا . قال : فسعيت حتى أدركتها ، فأتيت بها أبا طلحة فذبحها ، فبعث بوركها وفخذها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأتيت بها رسول الله صلى الله عليه وسلم فقبله .الرابعة قوله تعالى على طاعم يطعمه أي آكل يأكله . وروي عن ابن عامر أنه قرأ ( أوحى ) بفتح الهمزة . وقرأ علي بن أبي طالب ( يطعمه ) مثقل الطاء ، أراد يتطعمه فأدغم . وقرأت عائشة ومحمد ابن الحنفية ( على طاعم طعمه ) بفعل ماضإلا أن يكون ميتة قرئ بالياء والتاء ; أي إلا أن تكون العين أو الجثة أو النفس ميتة . وقرئ يكون بالياء ( ميتة ) بالرفع بمعنى تقع وتحدث ميتة . والمسفوح : الجاري الذي يسيل وهو المحرم . وغيره معفو عنه . وحكى الماوردي أن الدم غير المسفوح أنه إن كان ذا عروق يجمد عليها كالكبد والطحال فهو حلال ; لقوله عليه السلام : أحلت لنا ميتتان ودمان الحديث . وإن كان غير ذي عروق يجمد عليها ، وإنما هو مع اللحم ، ففي تحريمه قولان : أحدهما أنه حرام ; لأنه من جملة المسفوح أو بعضه . وإنما ذكر المسفوح لاستثناء الكبد والطحال منه . والثاني أنه لا يحرم ; لتخصيص التحريم بالمسفوح . قلت : وهو الصحيح .قال عمران بن حدير : سألت أبا مجلز عما يتلطخ من اللحم بالدم ، وعن القدر تعلوها الحمرة من الدم فقال : لا بأس به ، إنما حرم الله المسفوح . وقالت نحوه عائشة وغيرها ، وعليه إجماع العلماء . وقال عكرمة : لولا هذه الآية لاتبع المسلمون من العروق ما تتبع اليهود . وقال إبراهيم النخعي : لا بأس بالدم في عرق أو مخ . وقد تقدم هذا وحكم المضطر في " البقرة " والله أعلم .
وَ عَلَى الَّذِیْنَ هَادُوْا حَرَّمْنَا كُلَّ ذِیْ ظُفُرٍۚ-وَ مِنَ الْبَقَرِ وَ الْغَنَمِ حَرَّمْنَا عَلَیْهِمْ شُحُوْمَهُمَاۤ اِلَّا مَا حَمَلَتْ ظُهُوْرُهُمَاۤ اَوِ الْحَوَایَاۤ اَوْ مَا اخْتَلَطَ بِعَظْمٍؕ-ذٰلِكَ جَزَیْنٰهُمْ بِبَغْیِهِمْ ﳲ وَ اِنَّا لَصٰدِقُوْنَ(۱۴۶)
اور یہودیوں پر ہم نے حرام کیا ہر ناخن والا جانور (ف۳۰۱) اور گائے اور بکری کی چربی ان پر حرام کی مگر جو ان کی پیٹھ میں لگی ہو یا آنت یا ہڈی سے ملی ہو، ہم نے یہ ان کی سرکشی کا بدلہ دیا (ف۳۰۲) اور بیشک ہم ضرور سچے ہیں،
قوله تعالى وعلى الذين هادوا حرمنا كل ذي ظفر ومن البقر والغنم حرمنا عليهم شحومهما إلا ما حملت ظهورهما أو الحوايا أو ما اختلط بعظم ذلك جزيناهم ببغيهم وإنا لصادقونفيه ست مسائل :الأولى : قوله تعالى وعلى الذين هادوا حرمنا كل ذي ظفر لما ذكر الله عز وجل ما حرم على أمة محمد صلى الله عليه وسلم عقب ذلك بذكر ما حرم على اليهود ; لما في ذلك من تكذيبهم في قولهم : إن الله لم يحرم علينا شيئا ، وإنما نحن حرمنا على أنفسنا ما حرمه إسرائيل على نفسه . وقد تقدم في " البقرة " معنى هادوا . وهذا التحريم على الذين هادوا إنما هو تكليف بلوى وعقوبة . فأول ما ذكر من المحرمات عليهم كل ذي ظفر . وقرأ الحسن ( ظفر ) بإسكان الفاء . وقرأ أبو السمال ( ظفر ) بكسر الظاء وإسكان الفاء . وأنكر أبو حاتم كسر الظاء وإسكان الفاء ، ولم يذكر هذه القراءة وهي لغة . ( وظفر ) بكسرهما . والجمع أظفار وأظفور وأظافير ; قاله الجوهري . وزاد النحاس عن الفراء أظافير وأظافرة ; قال ابن السكيت : يقال رجل أظفر بين الظفر إذا كان طويل الأظفار ; كما يقال : رجل أشعر للطويل الشعر .قال مجاهد وقتادة : ذي ظفر : ما ليس بمنفرج الأصابع من البهائم والطير ; مثل الإبل والنعام والإوز والبط . وقال ابن زيد : الإبل فقط . وقال ابن عباس : ذي ظفر البعير والنعامة ; لأن النعامة ذات ظفر كالإبل . وقيل : يعني كل ذي مخلب من الطير وذي حافر من الدواب . ويسمى الحافر ظفرا استعارة . وقال الترمذي الحكيم : الحافر ظفر ، والمخلب ظفر ; إلا أن هذا على قدره ، وذاك على قدره وليس ههنا استعارة ; ألا ترى أن كليهما يقص ويؤخذ منهما وكلاهما جنس واحد : عظم لين رخو . أصله من غذاء ينبت فيقص مثل ظفر الإنسان ، وإنما سمي حافرا لأنه يحفر الأرض بوقعه عليها . وسمي مخلبا لأنه يخلب الطير برءوس تلك الإبر منها . وسمي ظفرا لأنه يأخذ الأشياء بظفره ، أي يظفر به الآدمي والطير .الثانية قوله تعالى ومن البقر والغنم حرمنا عليهم شحومهما قال قتادة : يعني الثروب وشحم الكليتين ; وقاله السدي . والثروب جمع الثرب ، وهو الشحم الرقيق الذي يكون على الكرش . قال ابن جريج : حرم عليهم كل شحم غير مختلط بعظم أو على عظم ، وأحل لهم شحم الجنب والألية ; لأنه على العصعص .الثالثة قوله تعالى إلا ما حملت ظهورهما " ما " في موضع نصب على الاستثناء ظهورهما رفع ب حملت أو الحوايا في موضع رفع عطف على الظهور أي أو حملت حواياهما ، والألف واللام بدل من الإضافة . وعلى هذا تكون الحوايا من جملة ما أحل . أو ما اختلط بعظم " ما " في موضع نصب عطف على ما حملت أيضا . هذا أصح ما قيل فيه . وهو قول الكسائي والفراء وأحمد بن يحيى . والنظر يوجب أن يعطف الشيء على ما يليه ، إلا ألا يصح معناه أو يدل دليل على غير ذلك . وقيل : إن الاستثناء في التحليل إنما هو ما حملت الظهور خاصة ، وقوله : أو الحوايا أو ما اختلط بعظم معطوف على المحرم . والمعنى : حرمت عليهم شحومهما أو الحوايا أو ما اختلط بعظم ; إلا ما حملت الظهور فإنه غير محرم . وقد احتج الشافعي بهذه الآية في أن من حلف ألا يأكل الشحم حنث بأكل شحم الظهور ; لاستثناء الله عز وجل ما على ظهورهما من جملة الشحم .الرابعة قوله تعالى أو الحوايا الحوايا : هي المباعر ، عن ابن عباس وغيره . وهو جمع مبعر ، سمي بذلك لاجتماع البعر فيه . وهو الزبل . وواحد الحوايا حاوياء ; مثل قاصعاء وقواصع . وقيل : حاوية مثل ضاربة وضوارب . وقيل : حوية مثل سفينة وسفائن . قال أبو عبيدة : الحوايا ما تحوى من البطن أي استدار . وهي منحوية أي مستديرة . وقيل : الحوايا خزائن اللبن ، وهو يتصل بالمباعر وهي المصارين . وقيل : الحوايا الأمعاء التي عليها الشحوم . والحوايا في غير هذا الموضع : كساء يحوى حول سنام البعير . قال امرؤ القيس :جعلن حوايا واقتعدن قعائدا وخففن من حوك العراق المنمقفأخبر الله سبحانه أنه كتب عليهم تحريم هذا في التوراة ردا لكذبهم . ونصه فيها : حرمت عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير وكل دابة ليست مشقوقة الحافر وكل حوت ليس فيه سفاسق ، أي بياض . ثم نسخ الله ذلك كله بشريعة محمد صلى الله عليه وسلم . وأباح لهم ما كان محرما عليهم من الحيوان ، وأزال الحرج بمحمد عليه السلام ، وألزم الخليقة دين الإسلام بحله وحرامه وأمره ونهيه .الخامسة : لو ذبحوا أنعامهم فأكلوا ما أحل الله لهم في التوراة وتركوا ما حرم عليهم فهل يحل لنا ; قال مالك في كتاب محمد : هي محرمة . وقال في سماع المبسوط : هي محللة وبه قال ابن نافع . وقال ابن القاسم : أكرهه . وجه الأول أنهم يدينون بتحريمها ولا يقصدونها عند الذكاة ، فكانت محرمة كالدم . ووجه الثاني وهو الصحيح أن الله عز وجل رفع ذلك التحريم بالإسلام ، واعتقادهم فيه لا يؤثر ; لأنه اعتقاد فاسد ; قاله ابن العربي . قلت : ويدل على صحته ما رواه الصحيحان عن عبد الله بن مغفل قال : كنا محاصرين قصر خيبر ، فرمى إنسان بجراب فيه شحم فنزوت لآخذه فالتفت فإذا النبي صلى الله عليه وسلم فاستحييت منه . لفظ البخاري . ولفظ مسلم : قال عبد الله بن مغفل : أصبت جرابا من شحم يوم خيبر ، قال فالتزمته وقلت : لا أعطي اليوم أحدا من هذا شيئا ، قال : فالتفت فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم متبسما . قال علماؤنا : تبسمه عليه السلام إنما كان لما رأى من شدة حرص ابن مغفل على أخذ الجراب ومن ضنته به ، ولم يأمره بطرحه ولا نهاه . وعلى جواز الأكل مذهب أبي حنيفة والشافعي وعامة العلماء ; غير أن مالكا كرهه للخلاف فيه . وحكى ابن المنذر عن مالك تحريمها ; وإليه ذهب كبراء أصحاب مالك . ومتمسكهم ما تقدم ، والحديث حجة عليهم ; فلو ذبحوا كل ذي ظفر قال أصبغ : ما كان محرما في كتاب الله من ذبائحهم فلا يحل أكله ; لأنهم يدينون بتحريمها . وقاله أشهب وابن القاسم ، وأجازه ابن وهب . وقال ابن حبيب : ما كان محرما عليهم ، وعلمنا ذلك من كتابنا فلا يحل لنا من ذبائحهم ، وما لم نعلم تحريمه إلا من أقوالهم واجتهادهم فهو غير محرم علينا من ذبائحهم .السادسة قوله تعالى ذلك أي ذلك التحريم . ف ذلك في موضع رفع ، أي الأمر ذلك .جزيناهم ببغيهم أي بظلمهم ، عقوبة لهم لقتلهم الأنبياء وصدهم عن سبيل الله ، وأخذهم الربا واستحلالهم أموال الناس بالباطل . وفي هذا دليل على أن التحريم إنما يكون بذنب ; لأنه ضيق فلا يعدل عن السعة إليه إلا عند المؤاخذة .وإنا لصادقون في إخبارنا عن هؤلاء اليهود عما حرمنا عليهم من اللحوم والشحوم .
فَاِنْ كَذَّبُوْكَ فَقُلْ رَّبُّكُمْ ذُوْ رَحْمَةٍ وَّاسِعَةٍۚ-وَ لَا یُرَدُّ بَاْسُهٗ عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِیْنَ(۱۴۷)
پھر اگر وہ تمہیں جھٹلائیں تو تم فرماؤ کہ تمہارا رب وسیع رحمت والا ہے (ف۳۰۳) اور اس کا عذاب مجرموں پر سے نہیں ٹالا جاتا (ف۳۰۴)
قوله تعالى فإن كذبوك فقل ربكم ذو رحمة واسعة ولا يرد بأسه عن القوم المجرمين قوله تعالى فإن كذبوك شرط ، والجواب فقل ربكم ذو رحمة واسعة . أي من سعة رحمته حلم عنكم فلم يعاقبكم في الدنيا . ثم أخبر بما أعده لهم في الآخرة من العذاب فقال : ولا يرد بأسه عن القوم المجرمين .وقيل : المعنى ولا يرد بأسه عن القوم المجرمين إذا أراد حلوله في الدنيا .
سَیَقُوْلُ الَّذِیْنَ اَشْرَكُوْا لَوْ شَآءَ اللّٰهُ مَاۤ اَشْرَكْنَا وَ لَاۤ اٰبَآؤُنَا وَ لَا حَرَّمْنَا مِنْ شَیْءٍؕ-كَذٰلِكَ كَذَّبَ الَّذِیْنَ مِنْ قَبْلِهِمْ حَتّٰى ذَاقُوْا بَاْسَنَاؕ-قُلْ هَلْ عِنْدَكُمْ مِّنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوْهُ لَنَاؕ-اِنْ تَتَّبِعُوْنَ اِلَّا الظَّنَّ وَ اِنْ اَنْتُمْ اِلَّا تَخْرُصُوْنَ(۱۴۸)
اب کہیں گے مشرک کہ (ف۳۰۵) اللہ چاہتا تو نہ ہم شرک کرتے نہ ہمارے باپ دادا نہ ہم کچھ حرام ٹھہراتے (ف۳۰۶) ایسا ہی ان کے اگلوں نے جھٹلایا تھا یہاں تک کہ ہمارا عذاب چکھا (ف۳۰۷) تم فرماؤ کیا تمہارے پاس کوئی علم ہے کہ اسے ہمارے لیے نکالو، تم تو نرے گمان (خام خیال)کے پیچھے ہو اور تم یونہی تخمینے کرتے ہو (ف۳۰۸)
قوله : سيقول الذين أشركوا لو شاء الله ما أشركنا ولا آباؤنا ولا حرمنا من شيء كذلك كذب الذين من قبلهم حتى ذاقوا بأسنا قل هل عندكم من علم فتخرجوه لنا إن تتبعون إلا الظن وإن أنتم إلا تخرصونقوله تعالى سيقول الذين أشركوا قال مجاهد : يعني كفار قريش .قالوا لو شاء الله ما أشركنا ولا آباؤنا ولا حرمنا من شيء يريد البحيرة والسائبة والوصيلة . أخبر الله عز وجل بالغيب عما سيقولونه ; وظنوا أن هذا متمسك لهم لما لزمتهم الحجة وتيقنوا باطل ما كانوا عليه . والمعنى : لو شاء الله لأرسل إلى آبائنا رسولا فنهاهم عن الشرك وعن تحريم ما أحل لهم فينتهوا - فأتبعناهم على ذلك . فرد الله عليهم ذلك فقال : قل هل عندكم من علم فتخرجوه لنا .أي أعندكم دليل على أن هذا كذا ؟ إن تتبعون إلا الظن في هذا القول .وإن أنتم إلا تخرصون لتوهموا ضعفتكم أن لكم حجة . وقوله ولا آباؤنا عطف على النون في أشركنا . ولم يقل نحن ولا آباؤنا ; لأن قوله ولا قام مقام توكيد المضمر ; ولهذا حسن أن يقال : ما قمت ولا زيد .
قُلْ فَلِلّٰهِ الْحُجَّةُ الْبَالِغَةُۚ-فَلَوْ شَآءَ لَهَدٰىكُمْ اَجْمَعِیْنَ(۱۴۹)
تم فرماؤ تو اللہ ہی کی حجت پوری ہے (ف۳۰۹) تو وہ چاہتا تو سب کی ہدایت فرماتا،
قوله تعالى قل فلله الحجة البالغة فلو شاء لهداكم أجمعين قوله تعالى قل فلله الحجة البالغة أي التي تقطع عذر المحجوج ، وتزيل الشك عمن نظر فيها . فحجته البالغة على هذا تبيينه أنه الواحد ، وإرساله الرسل والأنبياء ; فبين التوحيد بالنظر في المخلوقات ، وأيد الرسل بالمعجزات ، ولزم أمره كل مكلف . فأما علمه وإرادته وكلامه فغيب لا يطلع عليه العبد ، إلا من ارتضى من رسول . ويكفي في التكليف أن يكون العبد بحيث لو أراد أن يفعل ما أمر به لأمكنه . وقد لبست المعتزلة بقوله : لو شاء الله ما أشركنا فقالوا : قد ذم الله هؤلاء الذين جعلوا شركهم عن مشيئته . وتعلقهم بذلك باطل ; لأن الله تعالى إنما ذمهم على ترك اجتهادهم في طلب الحق . وإنما قالوا ذلك على جهة الهزء واللعب .نظيره وقالوا لو شاء الرحمن ما عبدناهم . ولو قالوه على جهة التعظيم والإجلال والمعرفة به لما عابهم ; لأن الله تعالى يقول : ولو شاء الله ما أشركوا . وما كانوا ليؤمنوا إلا أن يشاء الله . ولو شاء لهداكم أجمعين . ومثله كثير . فالمؤمنون يقولونه لعلم منهم بالله تعالى .
قُلْ هَلُمَّ شُهَدَآءَكُمُ الَّذِیْنَ یَشْهَدُوْنَ اَنَّ اللّٰهَ حَرَّمَ هٰذَاۚ-فَاِنْ شَهِدُوْا فَلَا تَشْهَدْ مَعَهُمْۚ-وَ لَا تَتَّبِـعْ اَهْوَآءَ الَّذِیْنَ كَذَّبُوْا بِاٰیٰتِنَا وَ الَّذِیْنَ لَا یُؤْمِنُوْنَ بِالْاٰخِرَةِ وَ هُمْ بِرَبِّهِمْ یَعْدِلُوْنَ۠(۱۵۰)
تم فرماؤ لاؤ اپنے وہ گواہ جو گواہی دیں کہ اللہ نے اسے حرام کیا (ف۳۱۰) پھر اگر وہ گواہی دے بیٹھیں (ف۳۱۱) تو تُو اے سننے والے! ان کے ساتھ گواہی نہ دینا اور ان کی خواہشوں کے پیچھے نہ چلنا جو ہماری آیتیں جھٹلاتے ہیں اور جو آخرت پر ایمان نہیں لاتے اور اپنے رب کا برابر والا ٹھہراتے ہیں(ف۳۱۲)
قوله تعالى قل هلم شهداءكم الذين يشهدون أن الله حرم هذا فإن شهدوا فلا تشهد معهم ولا تتبع أهواء الذين كذبوا بآياتنا والذين لا يؤمنون بالآخرة وهم بربهم يعدلونقوله تعالى قل هلم شهداءكم أي قل لهؤلاء المشركين أحضروا شهداءكم على أن الله حرم ما حرمتم . و هلم كلمة دعوة إلى شيء ، ويستوي فيه الواحد والجماعة والذكر والأنثى عند أهل الحجاز ، إلا في لغة نجد فإنهم يقولون : هلما هلموا هلمي ، يأتون بالعلامة كما تكون في سائر الأفعال . وعلى لغةأهل الحجاز جاء القرآن ، قال الله تعالى : والقائلين لإخوانهم هلم إلينا يقول : هلم أي احضر أو ادن . وهلم الطعام ، أي هات الطعام . والمعنى هاهنا : هاتوا شهداءكم ، وفتحت الميم لالتقاء الساكنين ; كما تقول : رد يا هذا ، ولا يجوز ضمها ولا كسرها . والأصل عند الخليل " ها " ضمت إليها " لم " ثم حذفت الألف لكثرة الاستعمال . وقال غيره . الأصل " هل " زيدت عليها " لم " . وقيل : هي على لفظها تدل على معنى هات . وفي كتاب العين للخليل : أصلها هل أؤم ، أي هل أقصدك ، ثم كثر استعمالهم إياها حتى صار المقصود بقولها احضر كما أن تعال أصلها أن يقولها المتعالي للمتسافل ; فكثر استعمالهم إياها حتى صار المتسافل يقول للمتعالي تعال .قوله تعالى فإن شهدوا أي شهد بعضهم لبعض .فلا تشهد معهم أي فلا تصدق أداء الشهادة إلا من كتاب أو على لسان نبي ، وليس معهم شيء من ذلك .
قُلْ تَعَالَوْا اَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَیْكُمْ اَلَّا تُشْرِكُوْا بِهٖ شَیْــٴًـا وَّ بِالْوَالِدَیْنِ اِحْسَانًاۚ-وَ لَا تَقْتُلُوْۤا اَوْلَادَكُمْ مِّنْ اِمْلَاقٍؕ-نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَ اِیَّاهُمْۚ-وَ لَا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَ مَا بَطَنَۚ-وَ لَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِیْ حَرَّمَ اللّٰهُ اِلَّا بِالْحَقِّؕ-ذٰلِكُمْ وَصّٰىكُمْ بِهٖ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُوْنَ(۱۵۱)
تم فرماؤ آؤ میں تمہیں پڑھ کر سناؤں جو تم پر تمہارے رب نے حرام کیا (ف۳۱۳) یہ کہ اس کا کوئی شریک نہ کرو اور ماں باپ کے ساتھ بھلائی کرو (ف۳۱۴) اور اپنی اولاد قتل نہ کرو مفلسی کے باعث، ہم تمہیں اور انہیں سب کو رزق دیں گے (ف۲۱۵) اور بے حیائیوں کے پاس نہ جاؤ جو ان میں کھلی ہیں اور جو چھپی (ف۳۱۶) اور جس جان کی اللہ نے حرمت رکھی اسے ناحق نہ مارو (ف۳۱۷) یہ تمہیں حکم فرمایا ہے کہ تمہیں عقل ہو
قل تعالوا أتل ما حرم ربكم عليكم ألا تشركوا به شيئا وبالوالدين إحسانا ولا تقتلوا أولادكم من إملاق نحن نرزقكم وإياهم ولا تقربوا الفواحش ما ظهر منها وما بطن ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق ذلكم وصاكم به لعلكم تعقلونفيه عشرة مسألة :الأولى : قوله تعالى قل تعالوا أتل أي تقدموا واقرءوا حقا يقينا كما أوحى إلي ربي ، لا ظنا ولا كذبا كما زعمتم . ثم بين ذلك فقال ألا تشركوا به شيئا يقال للرجل : تعال ، أي تقدم ، وللمرأة تعالي ، وللاثنين والاثنتين تعاليا ، ولجماعة الرجال تعالوا ، ولجماعة النساء تعالين ; قال الله تعالى : فتعالين أمتعكن . وجعلوا التقدم ضربا من التعالي والارتفاع ; لأن المأمور بالتقدم في أصل وضع هذا الفعل كأنه كان قاعدا فقيل له تعال ، أي ارفع شخصك بالقيام وتقدم ; واتسعوا فيه حتى جعلوه للواقف والماشي ; قاله ابن الشجري .الثانية : قوله تعالى ما حرم الوجه في " ما " أن تكون خبرية في موضع نصب ب أتل والمعنى : تعالوا أتل الذي حرم ربكم عليكم ; فإن علقت عليكم ب حرم فهو الوجه ; لأنه الأقرب وهو اختيار البصريين . وإن علقته ب أتل فجيد لأنه الأسبق ; وهو اختيار الكوفيين ; فالتقدير في هذا القول أتل عليكم الذي حرم ربكم .ألا تشركوا في موضع نصب بتقدير فعل من لفظ الأول ، أي أتل عليكم ألا تشركوا ; أي أتل عليكم تحريم الإشراك ، ويحتمل أن يكون منصوبا بما في عليكم من الإغراء ، وتكون عليكم منقطعة مما قبلها ; أي عليكم ترك الإشراك ، وعليكم إحسانا بالوالدين ، وألا تقتلوا أولادكم وألا تقربوا الفواحش . كما تقول : عليك شأنك ; أي الزم شأنك . وكما قال : عليكم أنفسكم قال جميعه ابن الشجري . وقال النحاس : يجوز أن تكون " أن " في موضع نصب بدلا من " ما " أي أتل عليكم تحريم الإشراك . واختار الفراء أن تكون لا للنهي ; لأن بعده ولا .الثالثة : هذه الآية أمر من الله تعالى لنبيه عليه السلام بأن يدعو جميع الخلق إلى سماع تلاوة ما حرم الله . وهكذا يجب على من بعده من العلماء أن يبلغوا الناس ويبينوا لهم ما حرم الله عليهم مما حل . قال الله تعالى : لتبيننه للناس ولا تكتمونه . وذكر ابن المبارك : أخبرنا عيسى بن عمر عن عمرو بن مرة أنه حدثهم قال : قال ربيع بن خيثم لجليس له : أيسرك أن تؤتى بصحيفة من النبي صلى الله عليه وسلم لم يفك خاتمها ؟ قال نعم . قال فاقرأ قل تعالوا أتل ما حرم ربكم عليكم فقرأ إلى آخر الثلاث الآيات . وقال كعب الأحبار : هذه الآية مفتتح التوراة : " بسم الله الرحمن الرحيم قل تعالوا أتل ما حرم ربكم عليكم " الآية . وقال ابن عباس : هذه الآيات المحكمات التي ذكرها الله في سورة " الأنعام " أجمعت عليها شرائع الخلق ، ولم تنسخ قط في ملة . وقد قيل : إنها العشر كلمات المنزلة على موسى .الرابعة : قوله تعالى وبالوالدين إحسانا الإحسان إلى الوالدين برهما وحفظهما وصيانتهما وامتثال أمرهما وإزالة الرق عنهما وترك السلطنة عليهما . و إحسانا نصب على المصدر ، وناصبه فعل مضمر من لفظه ; تقديره وأحسنوا بالوالدين إحسانا .الخامسة قوله تعالى ولا تقتلوا أولادكم من إملاق الإملاق الفقر : أي لا تئدوا - من الموءودة - بناتكم خشية العيلة ، فإني رازقكم وإياهم . وقد كان منهم من يفعل ذلك بالإناث والذكور خشية الفقر ، كما هو ظاهر الآية . أملق أي افتقر . وأملقه أي أفقره ; فهو لازم ومتعد . وحكى النقاش عن مؤرج أنه قال : الإملاق الجوع بلغة لخم . وذكر منذر بن سعيد أن الإملاق الإنفاق ; يقال : أملق ماله بمعنى أنفقه . وذكر أن عليا رضي الله عنه قال لامرأته : أملقي من مالك ما شئت . ورجل ملق يعطي بلسانه ما ليس في قلبه . فالملق لفظ مشترك يأتي بيانه في موضعه .السادسة : وقد يستدل بهذا من يمنع العزل ; لأن الوأد يرفع الموجود والنسل ; والعزل منع أصل النسل فتشابها ; إلا أن قتل النفس أعظم وزرا وأقبح فعلا ; ولذلك قال بعض علمائنا : إنه يفهم من قوله عليه السلام في العزل : ذلك الوأد الخفي الكراهة لا التحريم وقال به جماعة من الصحابة وغيرهم . وقال بإباحته أيضا جماعة من الصحابة والتابعين والفقهاء ; لقوله عليه السلام : لا عليكم ألا تفعلوا فإنما هو القدر أي ليس عليكم جناح في ألا تفعلوا . وقد فهم منه الحسن ومحمد بن المثنى النهي والزجر عن العزل . والتأويل الأول أولى ; لقوله عليه السلام : وإذا أراد الله خلق شيء لم يمنعه شيء . قال مالك والشافعي : لا يجوز العزل عن الحرة إلا بإذنها . وكأنهم رأوا الإنزال من تمام لذتها ، ومن حقها في الولد ، ولم يروا ذلك في الموطوءة بملك اليمين ، إذ له أن يعزل عنها بغير إذنها ، إذ لا حق لها في شيء مما ذكر .السابعة قوله تعالى ولا تقربوا الفواحش ما ظهر منها وما بطن نظيره وذروا ظاهر الإثم وباطنه . فقوله : ما ظهر نهي عن جميع أنواع الفواحش وهي المعاصي . وما بطن ما عقد عليه القلب من المخالفة . وظهر وبطن حالتان تستوفيان أقسام ما جعلت له من الأشياء . وما ظهر نصب على البدل من الفواحش وما بطن عطف عليه .الثامنة : قوله تعالى ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق الألف واللام في النفس لتعريف الجنس ; كقولهم : أهلك الناس حب الدرهم والدينار . ومثله إن الإنسان خلق هلوعا ألا ترى قوله سبحانه : إلا المصلين ؟ وكذلك قوله : والعصر إن الإنسان لفي خسر لأنه قال : إلا الذين آمنوا وهذه الآية نهي عن قتل النفس المحرمة ، مؤمنة كانت أو معاهدة إلا بالحق الذي يوجب قتلها . قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله فمن قال لا إله إلا الله فقد عصم ماله ونفسه إلا بحقه وحسابهم على الله . وهذا الحق أمور : منها منع الزكاة وترك الصلاة ; وقد قاتل الصديق مانعي الزكاة . وفي التنزيل فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فخلوا سبيلهم وهذا بين . وقال صلى الله عليه وسلم : لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث : الثيب الزاني والنفس بالنفس والتارك لدينه المفارق للجماعة . وقال عليه السلام : إذا بويع لخليفتين فاقتلوا الآخر منهما . أخرجه مسلم . وروى أبو داود عن ابن عباس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : من وجدتموه يعمل عمل قوم لوط فاقتلوا الفاعل والمفعول به . وسيأتي بيان هذا في " الأعراف " . وفي التنزيل : إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فسادا أن يقتلوا الآية . وقال : وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا الآية . وكذلك من شق عصا المسلمين وخالف إمام جماعتهم وفرق كلمتهم وسعى في الأرض فسادا بانتهاب الأهل والمال والبغي على السلطان والامتناع من حكمه يقتل . فهذا معنى قوله : إلا بالحق . وقال عليه السلام : المؤمنون تتكافأ دماؤهم ويسعى بذمتهم أدناهم لا يقتل مسلم بكافر ولا ذو عهد في عهده ولا يتوارث أهل ملتين . وروى أبو داود والنسائي عن أبي بكرة قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : من قتل معاهدا في غير كنهه حرم الله عليه الجنة . وفي رواية أخرى لأبي داود قال : من قتل رجلا من أهل الذمة لم يجد ريح الجنة وإن ريحها ليوجد من مسيرة سبعين عاما . في البخاري في هذا الحديث وإن ريحها ليوجد من مسيرة أربعين عاما . خرجه من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص .التاسعة قوله تعالى ذلكم إشارة إلى هذه المحرمات . والكاف والميم للخطاب ، ولا حظ لهما من الإعراب .وصاكم به الوصية الأمر المؤكد المقدور . والكاف والميم محله النصب ; لأنه ضمير موضوع للمخاطبة . وفي وصى ضمير فاعل يعود على الله . وروى مطر الوراق عن نافع عن ابن عمر أن عثمان بن عفان رضي الله عنه أشرف على أصحابه فقال : علام تقتلوني ! فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث : رجل زنى بعد حصانة فعليه الرجم أو قتل عمدا فعليه القود أو ارتد بعد إسلامه فعليه القتل فوالله ما زنيت في جاهلية ولا إسلام ، ولا قتلت أحدا فأقيد نفسي به ، ولا ارتددت منذ أسلمت ، إني أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله ، ذلكم الذي ذكرت لكم وصاكم به لعلكم تعقلون !
وَ لَا تَقْرَبُوْا مَالَ الْیَتِیْمِ اِلَّا بِالَّتِیْ هِیَ اَحْسَنُ حَتّٰى یَبْلُغَ اَشُدَّهٗۚ-وَ اَوْفُوا الْكَیْلَ وَ الْمِیْزَانَ بِالْقِسْطِۚ-لَا نُكَلِّفُ نَفْسًا اِلَّا وُسْعَهَاۚ-وَ اِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوْا وَ لَوْ كَانَ ذَا قُرْبٰىۚ-وَ بِعَهْدِ اللّٰهِ اَوْفُوْاؕ-ذٰلِكُمْ وَصّٰىكُمْ بِهٖ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُوْنَۙ(۱۵۲)
اور یتیموں کے مال کے پاس نہ جاؤ مگر بہت اچھے طریقہ سے (ف۳۱۸) جب تک وہ اپنی جوانی کو پہنچے (ف۳۱۹) اور ناپ اور تول انصاف کے ساتھ پوری کرو، ہم کسی جان پر بوجھ نہیں ڈالتے مگر اس کے مقدور بھر، اور جب بات کہو تو انصاف کی کہو اگرچہ تمہارے رشتہ دار کا معاملہ ہو اور اللہ ہی کا عہد پورا کرو، یہ تمہیں تاکید فرمائی کہ کہیں تم نصیحت مانو،
قوله تعالى ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن أي بما فيه صلاحه وتثميره ، وذلك بحفظ أصوله وتثمير فروعه . وهذا أحسن الأقوال في هذا ; فإنه جامع . قال مجاهد : ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن بالتجارة فيه ، ولا تشتر منه ولا تستقرض .قوله تعالى : حتى يبلغ أشده يعني قوته ، وقد تكون في البدن ، وقد تكون في المعرفة بالتجربة ، ولا بد من حصول الوجهين ; فإن الأشد وقعت هنا مطلقة وقد جاء بيان حال اليتيم في سورة " النساء " مقيدة ، فقال : وابتلوا اليتامى حتى إذا بلغوا النكاح فإن آنستم منهم رشدا فجمع بين قوة البدن وهو بلوغ النكاح ، وبين قوة المعرفة وهو إيناس الرشد ; فلو مكن اليتيم من ماله قبل حصول المعرفة وبعد حصول القوة لأذهبه في شهوته وبقي صعلوكا لا مال له . وخص اليتيم بهذا الشرط لغفلة الناس عنه وافتقاد الأبناء لآبائهم فكان الاهتبال بفقيد الأب أولى . وليس بلوغ الأشد مما يبيح قرب ماله بغير الأحسن ; لأن الحرمة في حق البالغ ثابتة . وخص اليتيم بالذكر لأن خصمه الله . والمعنى : ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن حتى يبلغ على الأبد حتى يبلغ أشده . وفي الكلام حذف ; فإذا بلغ أشده وأونس منه الرشد فادفعوا إليه ماله .واختلف العلماء في أشد اليتيم ; فقال ابن زيد : بلوغه . وقال أهل المدينة . بلوغه وإيناس رشده . وعند أبي حنيفة : خمس وعشرون سنة . قال ابن العربي : وعجبا من أبي حنيفة ، فإنه يرى أن المقدرات لا تثبت قياسا ولا نظرا وإنما تثبت نقلا ، وهو يثبتها بالأحاديث الضعيفة ، ولكنه سكن دار الضرب فكثر عنده المدلس ، ولو سكن المعدن كما قيض الله لمالك لما صدر عنه إلا إبريز الدين . وقد قيل : إن انتهاء الكهولة فيها مجتمع الأشد ; كما قال سحيم بن وثيل :أخو خمسين مجتمع أشدي ونجذني مداورة الشؤونيروى " نجدني " بالدال والذال . والأشد واحد لا جمع له ; بمنزلة الآنك وهو الرصاص . وقد قيل : واحده شد ; كفلس وأفلس . وأصله من شد النهار أي ارتفع ; يقال : أتيته شد النهار ومد النهار . وكان محمد بن الضبي ينشد بيت عنترة :عهدي به شد النهار كأنما خضب اللبان ورأسه بالعظلموقال آخر :تطيف به شد النهار ظعينة طويلة أنقاء اليدين سحوقوكان سيبويه يقول : واحده شدة . قال الجوهري : وهو حسن في المعنى ; لأنه يقال : بلغ الغلام شدته ، ولكن لا تجمع فعلة على أفعل ، وأما أنعم فإنما هو جمع نعم ; من قولهم : يوم بؤس ويوم نعم . وأما قول من قال : واحده شد ; مثل كلب وأكلب ، وشد مثل ذئب وأذؤب فإنما هو قياس . كما يقولون في واحد الأبابيل : إبول ، قياسا على عجول ، وليس هو شيئا سمع من العرب . قال أبو زيد : أصابتني شدى على فعلى ; أي شدة . وأشد الرجل إذا كانت معه دابة شديدة .قوله تعالى وأوفوا الكيل والميزان بالقسط أي بالاعتدال في الأخذ والعطاء عند البيع والشراء . والقسط : العدل .لا نكلف نفسا إلا وسعها أي طاقتها في إيفاء الكيل والوزن . وهذا يقتضي أن هذه الأوامر إنما هي فيما يقع تحت قدرة البشر من التحفظ والتحرز وما لا يمكن الاحتراز عنه من تفاوت ما بين الكيلين ، ولا يدخل تحت قدرة البشر فمعفو عنه . وقيل : الكيل بمعنى المكيال . يقال : هذا كذا وكذا كيلا ; ولهذا عطف عليه بالميزان . وقال بعض العلماء : لما علم الله سبحانه من عباده أن كثيرا منهم تضيق نفسه عن أن تطيب للغير بما لا يجب عليها له أمر المعطي بإيفاء رب الحق حقه الذي هو له ، ولم يكلفه الزيادة ; لما في الزيادة عليه من ضيق نفسه بها . وأمر صاحب الحق بأخذ حقه ولم يكلفه الرضا بأقل منه ; لما في النقصان من ضيق نفسه . وفي موطأ مالك عن يحيى بن سعيد أنه بلغه عن عبد الله بن عباس أنه قال : ما ظهر الغلول في قوم قط إلا ألقى الله في قلوبهم الرعب ، ولا فشا الزنى في قوم إلا كثر فيهم الموت ، ولا نقص قوم المكيال والميزان إلا قطع عنهم الرزق ، ولا حكم قوم بغير الحق إلا فشا فيهم الدم ، ولا ختر قوم بالعهد إلا سلط الله عليهم العدو . وقال ابن عباس أيضا : إنكم معشر الأعاجم قد وليتم أمرين بهما هلك من كان قبلكم : الكيل والميزان .قوله تعالى وإذا قلتم فاعدلوا يتضمن الأحكام والشهادات . ولو كان ذا قربى أي ولو كان الحق على مثل قراباتكم . كما تقدم في " النساء " .وبعهد الله أوفوا عام في جميع ما عهده الله إلى عباده . ويحتمل أن يراد به جميع ما انعقد بين إنسانين . وأضيف ذلك العهد إلى الله من حيث أمر بحفظه والوفاء به .ذلكم وصاكم به لعلكم تذكرون تتعظون .
وَ اَنَّ هٰذَا صِرَاطِیْ مُسْتَقِیْمًا فَاتَّبِعُوْهُۚ-وَ لَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِیْلِهٖؕ-ذٰلِكُمْ وَصّٰىكُمْ بِهٖ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُوْنَ(۱۵۳)
اور یہ کہ (ف۳۲۰) یہ ہے میرا سیدھا راستہ تو اس پر چلو اور اور راہیں نہ چلو (ف۳۲۱) کہ تمہیں اس کی راہ سے جدا کردیں گی، یہ تمہیں حکم فرمایا کہ کہیں تمہیں پرہیزگاری ملے،
قوله تعالى وأن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه هذه آية عظيمة عطفها على ما تقدم ; فإنه لما نهى وأمر حذر هنا عن اتباع غير سبيله ، فأمر فيها باتباع طريقه على ما نبينه بالأحاديث الصحيحة وأقاويل السلف . وأن في موضع نصب ، أي واتل أن هذا صراطي . عن الفراء والكسائي . قال الفراء : ويجوز أن يكون خفضا ، أي وصاكم به وبأن هذا صراطي . وتقديرها عند الخليل وسيبويه : ولأن هذا صراطي ; كما قال : وأن المساجد لله وقرأ الأعمش وحمزة والكسائي ( وإن هذا ) بكسر الهمزة على الاستئناف ; أي الذي ذكر في الآيات صراطي مستقيما . وقرأ ابن أبي إسحاق ويعقوب ( وأن هذا ) بالتخفيف . والمخففة مثل المشددة ، إلا أن فيه ضمير القصة والشأن ; أي وأنه هذا . فهي في موضع رفع . ويجوز النصب . ويجوز أن تكون زائدة للتوكيد ; كما قال عز وجل : فلما أن جاء البشير والصراط : الطريق الذي هو دين الإسلام . مستقيما نصب على الحال ، ومعناه مستويا قويما لا اعوجاج فيه . فأمر باتباع طريقه الذي طرقه على لسان نبيه محمد صلى الله عليه وسلم وشرعه ونهايته الجنة . وتشعبت منه طرق فمن سلك الجادة نجا ، ومن خرج إلى تلك الطرق أفضت به إلى النار .ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله أي تميل . روى الدارمي أبو محمد في مسنده بإسناد صحيح : أخبرنا عفان حدثنا حماد بن زيد حدثنا عاصم ابن بهدلة عن أبي وائل عن عبد الله بن مسعود قال خط لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما خطا ، ثم قال : هذا سبيل الله ، ثم خط خطوطا عن يمينه وخطوطا عن يساره ثم قال : هذه سبل على كل سبيل منها شيطان يدعو إليها ، ثم قرأ هذه الآية وأخرجه ابن ماجه في سننه عن جابر بن عبد الله قال كنا عند النبي صلى الله عليه وسلم فخط خطا ، وخط خطين عن يمينه ، وخط خطين عن يساره ، ثم وضع يده في الخط الأوسط فقال : هذا سبيل الله ، ثم تلا هذه الآية : وأن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيلهوهذه السبل تعم اليهودية والنصرانية والمجوسية وسائر أهل الملل وأهل البدع والضلالات من أهل الأهواء والشذوذ في الفروع ، وغير ذلك من أهل التعمق في الجدل والخوض في الكلام . هذه كلها عرضة للزلل ، ومظنة لسوء المعتقد ; قاله ابن عطية .قلت : وهو الصحيح . ذكر الطبري في كتاب آداب النفوس : حدثنا محمد بن عبد الأعلى الصنعاني قال حدثنا محمد بن ثور عن معمر عن أبان أن رجلا قال لابن مسعود : ما الصراط المستقيم ؟ قال : تركنا محمد صلى الله عليه وسلم في أدناه وطرفه في الجنة ، وعن يمينه جواد وعن يساره جواد ، وثم رجال يدعون من مر بهم فمن أخذ في تلك الجواد انتهت به إلى النار ، ومن أخذ على الصراط انتهى به إلى الجنة ، ثم قرأ ابن مسعود : وأن هذا صراطي مستقيما الآية . وقال عبد الله بن مسعود : تعلموا العلم قبل أن يقبض ، وقبضه أن يذهب أهله ، ألا وإياكم والتنطع والتعمق والبدع ، وعليكم بالعتيق . أخرجه الدارمي . وقال مجاهد في قوله : ولا تتبعوا السبل قال : البدع . قال ابن شهاب : وهذا كقوله تعالى : إن الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا الآية . فالهرب الهرب ، والنجاة النجاة ! والتمسك بالطريق المستقيم والسنن القويم ، الذي سلكه السلف الصالح ، وفيه المتجر الرابح . روى الأئمة عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ما أمرتكم به فخذوه وما نهيتكم عنه فانتهوا . وروى ابن ماجه وغيره عن العرباض بن سارية قال وعظنا رسول الله صلى الله عليه وسلم موعظة ذرفت منها العيون ووجلت منها القلوب ; فقلنا : يا رسول الله ، إن هذه لموعظة مودع ، فما تعهد إلينا ؟ فقال : قد تركتكم على البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها بعدي إلا هالك من يعش منكم فسيرى اختلافا كثيرا فعليكم بما عرفتم من سنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين بعدي عضوا عليها بالنواجذ وإياكم والأمور المحدثات فإن كل بدعة ضلالة وعليكم بالطاعة وإن عبدا حبشيا فإنما المؤمن كالجمل الأنف حيثما قيد انقاد أخرجه الترمذي بمعناه وصححه . وروى أبو داود قال حدثنا ابن كثير قال أخبرنا سفيان قال : كتب رجل إلى عمر بن عبد العزيز يسأله عن القدر ; فكتب إليه : أما بعد ، فإني أوصيك بتقوى الله والاقتصاد في أمره واتباع سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وترك ما أحدث المحدثون بعد ما جرت به سنته ، وكفوا مئونته ، فعليك بلزوم الجماعة فإنها لك بإذن الله عصمة ، ثم اعلم أنه لم يبتدع الناس بدعة إلا قد مضى قبلها ما هو دليل عليها أو عبرة فيها ; فإن السنة إنما سنها من قد علم ما في خلافها من الخطأ والزلل ، والحمق والتعمق ; فارض لنفسك ما رضي به القوم لأنفسهم ، فإنهم على علم وقفوا ، وببصر نافذ كفوا ، وإنهم على كشف الأمور كانوا أقوى ، وبفضل ما كانوا فيه أولى ، فإن كان الهدى ما أنتم عليه فقد سبقتموهم إليه ، ولئن قلتم إنما حدث بعدهم فما أحدثه إلا من اتبع غير سبيلهم ورغب بنفسه عنهم ; فإنهم هم السابقون ، قد تكلموا فيه بما يكفي ووصفوا ما يشفي ; فما دونهم من مقصر ، وما فوقهم من مجسر ، وقد قصر قوم دونهم فجفوا ، وطمح عنهم أقوام فغلوا وإنهم مع ذلك لعلى هدى مستقيم . وذكر الحديث . وقال سهل بن عبد الله التستري : عليكم بالاقتداء بالأثر والسنة ، فإني أخاف أنه سيأتي عن قليل زمان إذا ذكر إنسان النبي صلى الله عليه وسلم والاقتداء به في جميع أحواله ذموه ونفروا عنه وتبرءوا منه وأذلوه وأهانوه . قال سهل : إنما ظهرت البدعة على يدي أهل السنة لأنهم ظاهروهم وقاولوهم ; فظهرت أقاويلهم وفشت في العامة فسمعه من لم يكن يسمعه ، فلو تركوهم ولم يكلموهم لمات كل واحد منهم على ما في صدره ولم يظهر منه شيء وحمله معه إلى قبره . وقال سهل : لا يحدث أحدكم بدعة حتى يحدث له إبليس عبادة فيتعبد بها ثم يحدث له بدعة ، فإذا نطق بالبدعة ودعا الناس إليها نزع منه تلك الخذمة . قال سهل : لا أعلم حديثا جاء في المبتدعة أشد من هذا الحديث : حجب الله الجنة عن صاحب البدعة . قال : فاليهودي والنصراني أرجى منهم . قال سهل : من أراد أن يكرم دينه فلا يدخل على السلطان ، ولا يخلون بالنسوان ، ولا يخاصمن أهل الأهواء . وقال أيضا : اتبعوا ولا تبتدعوا ، فقد كفيتم . وفي مسند الدارمي : أن أبا موسى الأشعري جاء إلى عبد الله بن مسعود فقال : يا أبا عبد الرحمن ، إني رأيت في المسجد آنفا شيئا أنكرته ولم أر والحمد لله إلا خيرا ، قال : فما هو ؟ قال : إن عشت فستراه ، قال : رأيت في المسجد قوما حلقا حلقا جلوسا ينتظرون الصلاة ; في كل حلقة رجل وفي أيديهم حصى فيقول لهم : كبروا مائة ; فيكبرون مائة . فيقول : هللوا مائة ; فيهللون مائة . ويقول : سبحوا مائة ; فيسبحون مائة . قال : فماذا قلت لهم ؟ قال : ما قلت لهم شيئا ; انتظار رأيك وانتظار أمرك . قال أفلا أمرتهم أن يعدوا سيئاتهم وضمنت لهم ألا يضيع من حسناتهم . ثم مضى ومضينا معه حتى أتى حلقة من تلك الحلق ; فوقف عليهم فقال : ما هذا الذي أراكم تصنعون ؟ قالوا : يا أبا عبد الرحمن ، حصى نعد به التكبير والتهليل والتسبيح . قال : فعدوا سيئاتكم وأنا ضامن لكم ألا يضيع من حسناتكم شيء ، ويحكم يا أمة محمد ! ما أسرع هلكتكم . أومفتتحي باب ضلالة ؟ ! قالوا : والله يا أبا عبد الرحمن ، ما أردنا إلا الخير . فقال : وكم من مريد للخير لن يصيبه !وعن عمر بن عبد العزيز وسأله رجل عن شيء من أهل الأهواء والبدع ; فقال : عليك بدين الأعراب والغلام في الكتاب ، واله عما سوى ذلك . وقال الأوزاعي : قال إبليس لأوليائه من أي شيء تأتون بني آدم ؟ فقالوا : من كل شيء . قال : فهل تأتونهم من قبل الاستغفار ؟ قالوا : هيهات ! ذلك شيء قرن بالتوحيد . قال : لأبثن فيهم شيئا لا يستغفرون الله منه . قال : فبث فيهم الأهواء . وقال مجاهد : ولا أدري أي النعمتين علي أعظم أن هداني للإسلام ، أو عافاني من هذه الأهواء . وقال الشعبي : إنما سموا أصحاب الأهواء لأنهم يهوون في النار . كله عن الدارمي . وسئل سهل بن عبد الله عن الصلاة خلف المعتزلة والنكاح منهم وتزويجهم . فقال : لا ، ولا كرامة ! هم كفار ، كيف يؤمن من يقول : القرآن مخلوق ، ولا جنة مخلوقة ولا نار مخلوقة ، ولا لله صراط ولا شفاعة ، ولا أحد من المؤمنين يدخل النار ولا يخرج من النار من مذنبي أمة محمد صلى الله عليه وسلم ، ولا عذاب القبر ولا منكر ولا نكير ، ولا رؤية لربنا في الآخرة ولا زيادة ، وأن علم الله مخلوق ، ولا يرون السلطان ولا جمعة ; ويكفرون من يؤمن بهذا . وقال الفضيل بن عياض : من أحب صاحب بدعة أحبط الله عمله ، وأخرج نور الإسلام من قلبه . وقد تقدم هذا من كلامه وزيادة . وقال سفيان الثوري : البدعة أحب إلى إبليس من المعصية ; المعصية يتاب منها ، والبدعة لا يتاب منها . وقال ابن عباس : النظر إلى الرجل من أهل السنة يدعو إلى السنة وينهى عن البدعة ، عبادة . وقال أبو العالية : عليكم بالأمر الأول الذي كانوا عليه قبل أن يفترقوا . قال عاصم الأحول : فحدثت به الحسن فقال : قد نصحك والله وصدقك . وقد مضى في " آل عمران " معنى قوله عليه السلام : تفرقت بنو إسرائيل على ثنتين وسبعين فرقة وأن هذه الأمة ستفترق على ثلاث وسبعين . الحديث . وقد قال بعض العلماء العارفين : هذه الفرقة التي زادت في فرق أمة محمد صلى الله عليه وسلم هم قوم يعادون العلماء ويبغضون الفقهاء ، ولم يكن ذلك قط في الأمم السالفة . وقد روى رافع بن خديج أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : يكون في أمتي قوم يكفرون بالله وبالقرآن وهم لا يشعرون كما كفرت اليهود والنصارى . قال فقلت : جعلت فداك يا رسول الله ! كيف ذاك ؟ قال : يقرون ببعض ويكفرون ببعض . قال قلت : جعلت فداك يا رسول الله ! وكيف يقولون ؟ قال : يجعلون إبليس عدلا لله في خلقه وقوته ورزقه ويقولون الخير من الله والشر من إبليس . قال : فيكفرون بالله ثم يقرءون على ذلك كتاب الله ، فيكفرون بالقرآن بعد الإيمان والمعرفة ؟ قال : فما تلقى أمتي منهم من العداوة والبغضاء والجدال أولئك زنادقة هذه الأمة . وذكر الحديث . ومضى في " النساء " وهذه السورة النهي عن مجالسة أهل البدع والأهواء ، وأن من جالسهم حكمه حكمهم فقال : وإذا رأيت الذين يخوضون في آياتنا الآية . ثم بين في سورة " النساء " وهي مدنية عقوبة من فعل ذلك وخالف ما أمر الله به فقال : وقد نزل عليكم في الكتاب الآية . فألحق من جالسهم بهم . وقد ذهب إلى هذا جماعة من أئمة هذه الأمة وحكم بموجب هذه الآيات في مجالس أهل البدع على المعاشرة والمخالطة منهم أحمد بن حنبل والأوزاعي وابن المبارك فإنهم قالوا في رجل شأنه مجالسة أهل البدع قالوا : ينهى عن مجالستهم ، فإن انتهى وإلا ألحق بهم ، يعنون في الحكم . وقد حمل عمر بن عبد العزيز الحد على مجالس شربة الخمر ، وتلا إنكم إذا مثلهم . قيل له : فإنه يقول إني أجالسهم لأباينهم وأرد عليهم . قال ينهى عن مجالستهم ، فإن لم ينته ألحق بهم .
ثُمَّ اٰتَیْنَا مُوْسَى الْكِتٰبَ تَمَامًا عَلَى الَّذِیْۤ اَحْسَنَ وَ تَفْصِیْلًا لِّكُلِّ شَیْءٍ وَّ هُدًى وَّ رَحْمَةً لَّعَلَّهُمْ بِلِقَآءِ رَبِّهِمْ یُؤْمِنُوْنَ۠(۱۵۴)
پھر ہم نے موسیٰ کو کتاب عطا فرمائی (ف۳۲۲) پورا احسان کرنے کو اس پر جو نیکوکار ہے اور ہر چیز کی تفصیل اور ہدایت اور رحمت کہ کہیں وہ (ف۳۲۳) اپنے رب سے ملنے پر ایمان لائیں(ف۳۲۴)
ثم آتينا موسى الكتاب تماما على الذي أحسن وتفصيلا لكل شيء وهدى ورحمة لعلهم بلقاء ربهم يؤمنونقوله تعالى : ثم آتينا موسى الكتاب مفعولان . تماما مفعول من أجله أو مصدر . على الذي أحسن قرئ بالنصب والرفع . فمن رفع - وهي قراءة يحيى بن يعمر وابن أبي إسحاق - فعلى تقدير : تماما على الذي هو أحسن . قال المهدوي : وفيه بعد من أجل حذف المبتدأ العائد على الذي . وحكى سيبويه عن الخليل أنه سمع " ما أنا بالذي قائل لك شيئا " . ومن نصب فعلى أنه فعل ماض داخل في الصلة ; هذا قول البصريين . وأجاز الكسائي والفراء أن يكون اسما نعتا ل " الذي " وأجازا " مررت بالذي أخيك " ينعتان " الذي " بالمعرفة وما قاربها . قال النحاس : وهذا محال عند البصريين ; لأنه نعت للاسم قبل أن يتم ، والمعنى عندهم : على المحسن . قال مجاهد : تماما على المحسن المؤمن . وقال الحسن في معنى قوله : تماما على الذي أحسن كان فيهم محسن وغير محسن ; فأنزل الله الكتاب تماما على المحسنين . والدليل على صحة هذا القول أن ابن مسعود قرأ : ( تماما على الذين أحسنوا ) . وقيل : المعنى أعطينا موسى التوراة زيادة على ما كان يحسنه موسى مما كان علمه الله قبل نزول التوراة عليه . قال محمد بن يزيد : فالمعنى تماما على الذي أحسن أي تماما على الذي أحسنه الله عز وجل إلى موسى عليه السلام من الرسالة وغيرها . وقال عبد الله بن زيد : معناه على إحسان الله تعالى إلى أنبيائه عليهم السلام من الرسالة وغيرها . وقال الربيع بن أنس : تماما على إحسان موسى من طاعته لله عز وجل ; وقاله الفراء .ثم قيل : ثم يدل على أن الثاني بعد الأول ، وقصة موسى صلى الله عليه وسلم وإتيانه الكتاب قبل هذا ; فقيل : ثم بمعنى الواو ; أي وآتينا موسى الكتاب ، لأنهما حرفا عطف . وقيل : تقدير الكلام ثم كنا قد آتينا موسى الكتاب قبل إنزالنا القرآن على محمد صلى الله عليه وسلم . وقيل : المعنى قل تعالوا أتل ما حرم ربكم عليكم ، ثم أتل ما آتينا موسى تماما .وتفصيلا عطف عليه . وكذا وهدى ورحمة
وَ هٰذَا كِتٰبٌ اَنْزَلْنٰهُ مُبٰرَكٌ فَاتَّبِعُوْهُ وَ اتَّقُوْا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُوْنَۙ(۱۵۵)
اور یہ برکت والی کتاب (ف۳۲۵) ہم نے اُتاری تو اس کی پیروی کرو اور پرہیزگاری کرو کہ تم پر رحم ہو،
وهذا كتاب ابتداء وخبر . أنزلناه مبارك نعت ; أي كثير الخيرات . ويجوز في غير القرآن مباركا على الحال . فاتبعوه أي اعملوا بما فيه . واتقوا أي اتقوا تحريفه . لعلكم ترحمون أي لتكونوا راجين للرحمة فلا تعذبون .
اَنْ تَقُوْلُوْۤا اِنَّمَاۤ اُنْزِلَ الْكِتٰبُ عَلٰى طَآىٕفَتَیْنِ مِنْ قَبْلِنَا۪-وَ اِنْ كُنَّا عَنْ دِرَاسَتِهِمْ لَغٰفِلِیْنَۙ(۱۵۶)
کبھی کہو کہ کتاب تو ہم سے پہلے دو گروہوں پر اُتری تھی (ف۳۲۶) اور ہمیں ان کے پڑھنے پڑھانے کی کچھ خبر نہ تھی(ف۳۲۷)
قوله : أن تقولوا إنما أنزل الكتاب على طائفتين من قبلنا وإن كنا عن دراستهم لغافلينقوله تعالى أن تقولوا في موضع نصب . قال الكوفيون لئلا تقولوا . وقال البصريون : أنزلناه كراهية أن تقولوا . وقال الفراء والكسائي : المعنى فاتقوا أن تقولوا يا أهل مكة .إنما أنزل الكتاب أي التوراة والإنجيل . على طائفتين من قبلنا أي على اليهود والنصارى ، ولم ينزل علينا كتاب .وإن كنا عن دراستهم لغافلين أي عن تلاوة كتبهم وعن لغاتهم . ولم يقل عن دراستهما ; لأن كل طائفة جماعة .
اَوْ تَقُوْلُوْا لَوْ اَنَّاۤ اُنْزِلَ عَلَیْنَا الْكِتٰبُ لَكُنَّاۤ اَهْدٰى مِنْهُمْۚ-فَقَدْ جَآءَكُمْ بَیِّنَةٌ مِّنْ رَّبِّكُمْ وَ هُدًى وَّ رَحْمَةٌۚ-فَمَنْ اَظْلَمُ مِمَّنْ كَذَّبَ بِاٰیٰتِ اللّٰهِ وَ صَدَفَ عَنْهَاؕ-سَنَجْزِی الَّذِیْنَ یَصْدِفُوْنَ عَنْ اٰیٰتِنَا سُوْٓءَ الْعَذَابِ بِمَا كَانُوْا یَصْدِفُوْنَ(۱۵۷)
یا کہو کہ اگر ہم پر کتاب اُترتی تو ہم ان سے زیادہ ٹھیک راہ پر ہوتے (ف۳۲۸) تو تمہارے پاس تمہارے رب کی روشن دلیل اور ہدایت او ر رحمت آئی (ف۳۲۹) تو اس سے زیادہ ظالم کون جو اللہ کی آیتوں کو جھٹلائے اور ان سے منہ پھیرے عنقریب وہ جو ہماری آیتوں سے منہ پھیرتے ہیں ہم انہیں بڑے عذاب کی سزا دیں گے بدلہ ان کے منہ پھیرنے کا،
أو تقولوا لو أنا أنزل علينا الكتاب لكنا أهدى منهم عطف على أن تقولوافقد جاءكم بينة من ربكم أي قد زال العذر بمجيء محمد صلى الله عليه وسلم . والبينة والبيان واحد ; والمراد محمد صلى الله عليه وسلم ، سماه سبحانه بينة .وهدى ورحمة أي لمن اتبعه .ثم قال فمن أظلم ممن كذب بآيات الله وصدف عنها أي فإن كذبتم فلا أحد أظلم منكم . صدف : أعرض .يصدفون يعرضون . وقد تقدم .
هَلْ یَنْظُرُوْنَ اِلَّاۤ اَنْ تَاْتِیَهُمُ الْمَلٰٓىٕكَةُ اَوْ یَاْتِیَ رَبُّكَ اَوْ یَاْتِیَ بَعْضُ اٰیٰتِ رَبِّكَؕ-یَوْمَ یَاْتِیْ بَعْضُ اٰیٰتِ رَبِّكَ لَا یَنْفَعُ نَفْسًا اِیْمَانُهَا لَمْ تَكُنْ اٰمَنَتْ مِنْ قَبْلُ اَوْ كَسَبَتْ فِیْۤ اِیْمَانِهَا خَیْرًاؕ-قُلِ انْتَظِرُوْۤا اِنَّا مُنْتَظِرُوْنَ(۱۵۸)
کاہے کے انتظار میں ہیں (ف۳۳۰) مگر یہ کہ آئیں ان کے پاس فرشتے (ف۳۳۱) یا تمہارے رب کا عذاب یا تمہارے رب کی ایک نشانی آئے (ف۳۳۲) جس دن تمہارے رب کی وہ ایک نشانی آئے گی کسی جان کو ایمان لانا کام نہ دے گا جو پہلے ایمان نہ لائی تھی یا اپنے ایمان میں کوئی بھلائی نہ کمائی تھی (ف۳۳۳) تم فرماؤ رستہ دیکھو (ف۳۳۴) ہم بھی دیکھتے ہیں،
قوله تعالى هل ينظرون إلا أن تأتيهم الملائكة أو يأتي ربك أو يأتي بعض آيات ربك يوم يأتي بعض آيات ربك لا ينفع نفسا إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيرا قل انتظروا إنا منتظرونقوله تعالى هل ينظرون معناه أقمت عليهم الحجة وأنزلت عليهم الكتاب فلم يؤمنوا ، فماذا ينتظرون .هل ينظرون إلا أن تأتيهم الملائكة أي عند الموت لقبض أرواحهم .أو يأتي ربك قال ابن عباس والضحاك : أمر ربك فيهم بالقتل أو غيره ، وقد يذكر المضاف إليه والمراد به المضاف ; كقوله تعالى : واسأل القرية يعني أهل القرية . وقوله : وأشربوا في قلوبهم العجل أي حب العجل . كذلك هنا : يأتي أمر ربك أي عقوبة ربك وعذاب ربك . ويقال : هذا من المتشابه الذي لا يعلم تأويله إلا الله . وقد تقدم القول في مثله في " البقرة " وغيرها .أو يأتي بعض آيات ربك قيل : هو طلوع الشمس من مغربها . بين بهذا أنهم يمهلون في الدنيا فإذا ظهرت الساعة فلا إمهال .وقيل : إتيان الله تعالى مجيئه لفصل القضاء بين خلقه في موقف القيامة ; كما قال تعالى : وجاء ربك والملك صفا صفا . وليس مجيئه تعالى حركة ولا انتقالا ولا زوالا ; لأن ذلك إنما يكون إذا كان الجائي جسما أو جوهرا . والذي عليه جمهور أئمة أهل السنة أنهم يقولون : يجيء وينزل ويأتي . ولا يكيفون ; لأنه ليس كمثله شيء وهو السميع البصيروفي صحيح مسلم عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ثلاث إذا خرجن لا ينفع نفسا إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيرا : طلوع الشمس من مغربها والدجال ودابة الأرض . وعن صفوان بن عسال المرادي قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : إن بالمغرب بابا مفتوحا للتوبة مسيرة سبعين سنة لا يغلق حتى تطلع الشمس من نحوه . أخرجه الدارقطني والدارمي والترمذي وقال : هذا حديث حسن صحيح . وقال سفيان : قبل الشام ، خلقه الله يوم خلق السماوات والأرض . " مفتوحا " يعني للتوبة لا يغلق حتى تطلع الشمس منه . قال : حديث حسن صحيح .قلت : وكذب بهذا كله الخوارج والمعتزلة كما تقدم . وروى ابن عباس قال : سمعت عمر بن الخطاب فقال : أيها الناس ، إن الرجم حق فلا تخدعن عنه ، وإن آية ذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد رجم ، وأن أبا بكر قد رجم ، وأنا قد رجمنا بعدهما ، وسيكون قوم من هذه الأمة يكذبون بالرجم ، ويكذبون بالدجال ، ويكذبون بطلوع الشمس من مغربها ، ويكذبون بعذاب القبر ، ويكذبون بالشفاعة ، ويكذبون بقوم يخرجون من النار بعد ما امتحشوا . ذكره أبو عمر . وذكر الثعلبي في حديث فيه طول عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم ما معناه : أن الشمس تحبس عن الناس - حين تكثر المعاصي في الأرض ويذهب المعروف فلا يأمر به أحد ، ويفشو المنكر فلا ينهى عنه - مقدار ليلة تحت العرش ، كلما سجدت واستأذنت ربها تعالى من أين تطلع لم يجئ لها جواب حتى يوافيها القمر فيسجد معها ، ويستأذن من أين يطلع فلا يجاء إليهما جواب حتى يحبسا مقدار ثلاث ليال للشمس وليلتين للقمر ; فلا يعرف طول تلك الليلة إلا المتهجدون في الأرض وهم يومئذ عصابة قليلة في كل بلدة من بلاد المسلمين فإذا تم لهما مقدار ثلاث ليال أرسل الله تعالى إليهما جبريل عليه السلام فيقول : إن الرب سبحانه وتعالى يأمركما أن ترجعا إلى مغاربكما فتطلعا منه ، وأنه لا ضوء لكما عندنا ولا نور . فيطلعان من مغاربهما أسودين ، لا ضوء للشمس ولا نور للقمر ، مثلهما في كسوفهما قبل ذلك . فذلك قوله تعالى : وجمع الشمس والقمر وقوله : إذا الشمس كورت فيرتفعان كذلك مثل البعيرين المقرونين ; فإذا ما بلغ الشمس والقمر سرة السماء وهي منتصفها جاءهما جبريل عليه السلام فأخذ بقرونهما وردهما إلى المغرب ، فلا يغربهما من مغاربهما ولكن يغربهما من باب التوبة ثم يرد المصراعين ، ثم يلتئم ما بينهما فيصير كأنه لم يكن بينهما صدع . فإذا أغلق باب التوبة لم تقبل لعبد بعد ذلك توبة ، ولم تنفعه بعد ذلك حسنة يعملها ; إلا من كان قبل ذلك محسنا فإنه يجري عليه ما كان عليه قبل ذلك اليوم ; فذلك قوله تعالى : يوم يأتي بعض آيات ربك لا ينفع نفسا إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيرا .ثم إن الشمس والقمر يكسيان بعد ذلك الضوء والنور ، ثم يطلعان على الناس ويغربان كما كانا قبل ذلك يطلعان ويغربان . قال العلماء : وإنما لا ينفع نفسا إيمانها عند طلوعها من مغربها ; لأنه خلص إلى قلوبهم من الفزع ما تخمد معه كل شهوة من شهوات النفس ، وتفتر كل قوة من قوى البدن ; فيصير الناس كلهم لإيقانهم بدنو القيامة في حال من حضره الموت في انقطاع الدواعي إلى أنواع المعاصي عنهم ، وبطلانها من أبدانهم ; فمن تاب في مثل هذه الحال لم تقبل توبته ، كما لا تقبل توبة من حضره الموت . قال صلى الله عليه وسلم : إن الله يقبل توبة العبد ما لم يغرغر أي تبلغ روحه رأس حلقه ، وذلك وقت المعاينة الذي يرى فيه مقعده من الجنة أو مقعده من النار ; فالمشاهد لطلوع الشمس من مغربها مثله . وعلى هذا ينبغي أن تكون توبة كل من شاهد ذلك أو كان كالمشاهد له مردودة ما عاش ; لأن علمه بالله تعالى وبنبيه صلى الله عليه وسلم وبوعده قد صار ضرورة . فإن امتدت أيام الدنيا إلى أن ينسى الناس من هذا الأمر العظيم ما كان ، ولا يتحدثوا عنه إلا قليلا ، فيصير الخبر عنه خاصا وينقطع التواتر عنه ; فمن أسلم في ذلك الوقت أو تاب قبل منه . والله أعلم .وفي صحيح مسلم عن عبد الله قال : حفظت من رسول الله صلى الله عليه وسلم حديثا لم أنسه بعد ، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : إن أول الآيات خروجا طلوع الشمس من مغربها وخروج الدابة على الناس ضحى وأيهما ما كانت قبل صاحبتها فالأخرى على إثرها قريبا . وفيه عن حذيفة قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم في غرفة ونحن أسفل منه ، فاطلع إلينا فقال : ما تذاكرون ؟ قلنا : الساعة . قال : إن الساعة لا تكون حتى تكون عشر آيات : خسف بالمشرق وخسف بالمغرب وخسف في جزيرة العرب والدخان والدجال ودابة الأرض ويأجوج ومأجوج وطلوع الشمس من مغربها ونار تخرج من قعر عدن ترحل الناس .قال شعبة : وحدثني عبد العزيز بن رفيع عن أبي الطفيل عن أبي سريحة مثل ذلك ، لا يذكر النبي صلى الله عليه وسلم . وقال أحدهما في العاشرة : ونزول عيسى ابن مريم صلى الله عليه وسلم . وقال الآخر : وريح تلقي الناس في البحر . قلت : وهذا حديث متقن في ترتيب العلامات . وقد وقع بعضها وهي الخسوفات على ما ذكر أبو الفرج الجوزي من وقوعها بعراق العجم والمغرب . وهلك بسببها خلق كثير ; ذكره في كتاب فهوم الآثار وغيره . ويأتي ذكر الدابة في " النمل " . ويأجوج ومأجوج في " الكهف " . ويقال : إن الآيات تتابع كالنظم في الخيط عاما فعاما . وقيل : إن الحكمة في طلوع الشمس من مغربها أن إبراهيم عليه السلام قال لنمروذ : فإن الله يأتي بالشمس من المشرق فأت بها من المغرب فبهت الذي كفر وأن الملحدة والمنجمة عن آخرهم ينكرون ذلك ويقولون : هو غير كائن ; فيطلعها الله تعالى يوما من المغرب ليري المنكرين قدرته أن الشمس في ملكه ، إن شاء أطلعها من المشرق وإن شاء أطلعها من المغرب . وعلى هذا يحتمل أن يكون رد التوبة والإيمان على من آمن وتاب من المنكرين لذلك المكذبين لخبر النبي صلى الله عليه وسلم بطلوعها ، فأما المصدقون لذلك فإنه تقبل توبتهم وينفعهم إيمانهم قبل ذلك . وروي عن عبد الله بن عباس أنه قال : لا يقبل من كافر عمل ولا توبة إذا أسلم حين يراها ، إلا من كان صغيرا يومئذ ; فإنه لو أسلم بعد ذلك قبل ذلك منه . ومن كان مؤمنا مذنبا فتاب من الذنب قبل منه . وروي عن عمران بن حصين أنه قال : إنما لم تقبل توبته وقت طلوع الشمس حين تكون صيحة فيهلك فيها كثير من الناس ; فمن أسلم أو تاب في ذلك الوقت وهلك لم تقبل توبته ، ومن تاب بعد ذلك قبلت توبته ; ذكره أبو الليث السمرقندي في تفسيره . وقال عبد الله بن عمر : يبقى الناس بعد طلوع الشمس من مغربها مائة وعشرين سنة حتى يغرسوا النخل . والله بغيبه أعلم .وقرأ ابن عمر وابن الزبير ( يوم تأتي ) بالتاء ; مثل ( تلتقطه بعض السيارة ) . وذهبت بعض أصابعه . وقال جرير :لما أتى خبر الزبير تواضعت سور المدينة والجبال الخشعقال المبرد : التأنيث على المجاورة لمؤنث لا على الأصل . وقرأ ابن سيرين ( لا تنفع ) بالتاء . قال أبو حاتم : يذكرون أن هذا غلط من ابن سيرين . قال النحاس : في هذا شيء دقيق من النحو ذكره سيبويه ، وذلك أن الإيمان والنفس كل واحد منهما مشتمل على الآخر فأنث الإيمان إذ هو من النفس وبها ; وأنشد سيبويه :مشين كما اهتزت رماح تسفهت أعاليها مر الرياح النواسمقال المهدوي : وكثيرا ما يؤنثون فعل المضاف المذكر إذا كانت إضافته إلى مؤنث ، وكان المضاف بعض المضاف إليه منه أو به ; وعليه قول ذي الرمة : مشين . . . البيت فأنث المر لإضافته إلى الرياح وهي مؤنثة ، إذ كان المر من الرياح . قال النحاس : وفيه قول آخر وهو أن يؤنث الإيمان لأنه مصدر كما يذكر المصدر المؤنث ; مثل فمن جاءه موعظة من ربه وكما قال :فقد عذرتنا في صحابته العذرففي أحد الأقوال أنث العذر لأنه بمعنى المعذرة .قل انتظروا إنا منتظرون بكم العذاب .
اِنَّ الَّذِیْنَ فَرَّقُوْا دِیْنَهُمْ وَ كَانُوْا شِیَعًا لَّسْتَ مِنْهُمْ فِیْ شَیْءٍؕ-اِنَّمَاۤ اَمْرُهُمْ اِلَى اللّٰهِ ثُمَّ یُنَبِّئُهُمْ بِمَا كَانُوْا یَفْعَلُوْنَ(۱۵۹)
وہ جنہوں نے اپنے دین میں جُدا جُدا راہیں نکالیں او رکئی گروہ ہوگئے (ف۳۳۵) اے محبوب ! تمہیں ان سے کچھ علا قہ نہیں ان کا معاملہ اللہ ہی کے حوالے ہے پھر وہ انہیں بتادے گا جو کچھ وہ کرتے تھے(ف۳۳۶)
قوله تعالى إن الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا لست منهم في شيء إنما أمرهم إلى الله ثم ينبئهم بما كانوا يفعلونقوله تعالى إن الذين فرقوا دينهم قرأه حمزة والكسائي ( فارقوا ) بالألف ، وهي قراءة علي بن أبي طالب كرم الله وجهه ; من المفارقة والفراق . على معنى أنهم تركوا دينهم وخرجوا عنه . وكان علي يقول : والله ما فرقوه ولكن فارقوه . وقرأ الباقون بالتشديد ; إلا النخعي فإنه قرأ ( فرقوا ) مخففا ; أي آمنوا ببعض وكفروا ببعض . والمراد اليهود والنصارى في قول مجاهد وقتادة والسدي والضحاك . وقد وصفوا بالتفرق ; قال الله تعالى : وما تفرق الذين أوتوا الكتاب إلا من بعد ما جاءتهم البينة . وقال : ويريدون أن يفرقوا بين الله ورسله . وقيل : عنى المشركين ، عبد بعضهم الصنم وبعضهم الملائكة . وقيل : الآية عامة في جميع الكفار . وكل من ابتدع وجاء بما لم يأمر الله عز وجل به فقد فرق دينه . وروى أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم في هذه الآية إن الذين فرقوا دينهم هم أهل البدع والشبهات ، وأهل الضلالة من هذه الأمة . وروى بقية بن الوليد حدثنا شعبة بن الحجاج حدثنا مجالد عن الشعبي عن شريح عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لعائشة : إن الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا إنما هم أصحاب البدع وأصحاب الأهواء وأصحاب الضلالة من هذه الأمة ، يا عائشة إن لكل صاحب ذنب توبة غير أصحاب البدع وأصحاب الأهواء ليس لهم توبة وأنا بريء منهم وهم منا برآء . وروى ليث بن أبي سليم عن طاوس عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ ( إن الذين فارقوا دينهم ) .ومعنى شيعا فرقا وأحزابا . وكل قوم أمرهم واحد يتبع بعضهم رأي بعض فهم شيع .لست منهم في شيء فأوجب براءته منهم ; وهو كقوله عليه السلام : من غشنا فليس منا أي نحن برآء منه . وقال الشاعر :إذا حاولت في أسد فجورا فإني لست منك ولست منيأي أنا أبرأ منك . وموضع في شيء نصب على الحال من المضمر الذي في الخبر ; قاله أبو علي . وقال الفراء هو على حذف مضاف . المعنى : لست من عقابهم في شيء ، وإنما عليك الإنذار .إنما أمرهم إلى الله تعزية للنبي صلى الله عليه وسلم .
مَنْ جَآءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهٗ عَشْرُ اَمْثَالِهَاۚ-وَ مَنْ جَآءَ بِالسَّیِّئَةِ فَلَا یُجْزٰۤى اِلَّا مِثْلَهَا وَ هُمْ لَا یُظْلَمُوْنَ(۱۶۰)
جو ایک نیکی لائے تو اس کے لیے اس جیسی دس ہیں (ف۳۳۷) اور جو برائی لائے تو اسے بدلہ نہ ملے گا مگر اس کے برابر اور ان پر ظلم نہ ہوگا،
قوله تعالى من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها ومن جاء بالسيئة فلا يجزى إلا مثلها وهم لا يظلمونقوله تعالى من جاء بالحسنة ابتداء ، وهو شرط ، والجواب فله عشر أمثالها أي فله عشر حسنات أمثالها فحذفت الحسنات وأقيمت الأمثال التي هي صفتها مقامها ; جمع مثل وحكى سيبويه : عندي عشرة نسابات ، أي عندي عشرة رجال نسابات . وقال أبو علي : حسن التأنيث في عشر أمثالها لما كان الأمثال مضافا إلى مؤنث ، والإضافة إلى المؤنث إذا كان إياه في المعنى يحسن فيه ذلك ; نحو " تلتقطه بعض السيارة " . وذهبت بعض أصابعه . وقرأ الحسن وسعيد بن جبير والأعمش ( فله عشر أمثالها ) والتقدير : فله عشر حسنات أمثالها ، أي له من الجزاء عشرة أضعاف مما يجب له . ويجوز أن يكون له مثل ، ويضاعف المثل فيصير عشرة . والحسنة هنا : الإيمان . أي من جاء بشهادة أن لا إله إلا الله فله بكل عمل عمله في الدنيا من الخير عشرة أمثاله من الثواب .ومن جاء بالسيئة يعني الشرك فلا يجزى إلا مثلها وهو الخلود في النار ; لأن الشرك أعظم الذنوب ، والنار أعظم العقوبة ; فذلك قوله تعالى : جزاء وفاقا يعني جزاء وافق العمل . وأما الحسنة فبخلاف ذلك ; لنص الله تعالى على ذلك . وفي الخبر الحسنة بعشر أمثالها وأزيد والسيئة واحدة وأغفر فالويل لمن غلبت آحاده أعشاره . وروى الأعمش عن أبي صالح قال : الحسنة لا إله إلا الله والسيئة الشرك .وهم لا يظلمون أي لا ينقص ثواب أعمالهم . وقد مضى في " البقرة " بيان هذه الآية ، وأنها مخالفة للإنفاق في سبيل الله ; ولهذا قال بعض العلماء : العشر لسائر الحسنات ; والسبعمائة للنفقة في سبيل الله ، والخاص والعام فيه سواء . وقال بعضهم : يكون للعوام عشرة وللخواص سبعمائة وأكثر إلى ما لا يحصى ; وهذا يحتاج إلى توقيف . والأول أصح ; لحديث خريم بن فاتك عن النبي صلى الله عليه وسلم ، وفيه : وأما حسنة بعشر فمن عمل حسنة فله عشر أمثالها وأما حسنة بسبعمائة فالنفقة في سبيل الله .
- English | Ahmed Ali
- Urdu | Ahmed Raza Khan
- Turkish | Ali-Bulaç
- German | Bubenheim Elyas
- Chinese | Chineese
- Spanish | Cortes
- Dutch | Dutch
- Portuguese | El-Hayek
- English | English
- Urdu | Fateh Muhammad Jalandhry
- French | French
- Hausa | Hausa
- Indonesian | Indonesian-Bahasa
- Italian | Italian
- Korean | Korean
- Malay | Malay
- Russian | Russian
- Tamil | Tamil
- Thai | Thai
- Farsi | مکارم شیرازی
- العربية | التفسير الميسر
- العربية | تفسير الجلالين
- العربية | تفسير السعدي
- العربية | تفسير ابن كثير
- العربية | تفسير الوسيط لطنطاوي
- العربية | تفسير البغوي
- العربية | تفسير القرطبي
- العربية | تفسير الطبري
- English | Arberry
- English | Yusuf Ali
- Dutch | Keyzer
- Dutch | Leemhuis
- Dutch | Siregar
- Urdu | Sirat ul Jinan