READ

Surah Al-Aa'raaf

اَلْاَعْرَاف
206 Ayaat    مکیۃ


7:161
وَ اِذْ قِیْلَ لَهُمُ اسْكُنُوْا هٰذِهِ الْقَرْیَةَ وَ كُلُوْا مِنْهَا حَیْثُ شِئْتُمْ وَ قُوْلُوْا حِطَّةٌ وَّ ادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّدًا نَّغْفِرْ لَكُمْ خَطِیْٓــٴٰـتِكُمْ ؕ-سَنَزِیْدُ الْمُحْسِنِیْنَ(۱۶۱)
اور یاد کرو جب ان (ف۳۰۹) سے فرمایا گیا اس شہر میں بسو (ف۳۱۰) اور اس میں جو چاہو کھاؤ اور کہو گناہ اترے اور دروازے میں سجدہ کرتے داخل ہو ہم تمہارے گناہ بخش دیں گے، عنقریب نیکوں کو زیادہ عطا فرمائیں گے،

وقوله- تعالى- وَإِذْ قِيلَ لَهُمُ اسْكُنُوا هذِهِ الْقَرْيَةَ وَكُلُوا مِنْها حَيْثُ شِئْتُمْ وَقُولُوا حِطَّةٌ وَادْخُلُوا الْبابَ سُجَّداً ... إلخ. تذكير لهم بصفة جليلة مكنوا منها فما أحسنوا قبولها، وما رعوها حق رعايتها، وهي نعمة تمكينهم من دخول بيت المقدس ونكولهم عن ذلك.قال الآلوسى: وقوله وَإِذْ قِيلَ لَهُمُ معمول لفعل محذوف تقديره: اذكر. وإيراد الفعل هنا مبينا للمفعول جريا على سنن الكبرياء «مع الإيذان بأن الفاعل غنى عن التصريح. أى:أذكر لهم وقت قولنا لأسلافهم» .والقرية هي البلدة المشتملة على مساكن، والمراد بها هنا بيت المقدس- على الراجح- وقيل المراد بها أريحاء.والحطة: كجلسة: اسم للهيئة، من الحط بمعنى الوضع والإنزال، وأصله إنزال الشيء من علو. يقال: استحطه وزره: سأله أن يحطه عنه وينزله.وهي خبر مبتدأ محذوف أى: مسألتنا حطة، والأصل فيها النصب بمعنى: حط عنا ذنوبنا حطة، وإنما رفعت لتعطى معنى الثبات.والمعنى: واذكروا أيها المعاصرون للعهد النبوي من بنى إسرائيل وقت أن قيل لأسلافكم اسكنوا قرية بيت المقدس بعد خروجهم من التيه، وقيل لهم كذلك كلوا من خيراتها أكلا واسعا، واسألوا الله أن يحط عنكم ذنوبكم، وادخلوا من بابها خاضعين خاشعين شكرا لله على نعمه، فإنكم إن فعلتم ذلك غفرنا لكم خطيئاتكم.وقوله- تعالى- وَكُلُوا مِنْها حَيْثُ شِئْتُمْ فيه إشعار بكمال النعمة عليهم واتساعها وكثرتها، حيث أذن لهم في التمتع بثمرات القرية وأطعمتها من أى مكان شاءوا.وقوله: وَقُولُوا حِطَّةٌ وَادْخُلُوا الْبابَ سُجَّداً إرشاد لهم إلى ما يجب عليهم عمله نحو خالقهم، وتوجههم إلى ما يعينهم على بلوغ غاياتهم بأيسر الطرق وأسهل السبل لأن كل ما كلفهم الله- تعالى- به أن يضرعوا إليه بأن يحط عنهم خطيئاتهم، وأن يدخلوا من باب المدينة التي فتحها الله عليهم مخبتين.وقوله نَغْفِرْ لَكُمْ خَطِيئاتِكُمْ مجزوم في جواب الأمر.وهذه الجملة الكريمة بيان للثمرة التي تترتب على طاعتهم وخضوعهم لخالقهم وإغراء لهم على الامتثال والشكر- ولو كانوا يعقلون- لأن غاية ما يتمناه العقلاء هو غفران الذنوب.وقوله- تعالى- سَنَزِيدُ الْمُحْسِنِينَ وعد بالزيادة من خيرى الدنيا والآخرة لمن أسلم وجهه لله وهو محسن.وقد أمر الله- تعالى- أن يفعلوا ذلك، وأن يقولوا هذا القول، لأن تغلبهم على أعدائهم نعمة من أجل النعم التي تستدعى منهم الشكر الجزيل لله- تعالى-. ولهذا كان النبي صلّى الله عليه وسلّم يظهر أقصى درجات الخضوع، وأسمى ألوان الشكر عند النصر والظفر وبلوغ المطلوب، فعند ما تم له فتح مكة دخل إليها من الثنية العليا وهو خاضع لربه، حتى إن رأسه الشريف ليكاد يمس عنق ناقته شكرا لله على نعمة الفتح، وبعد دخوله مكة اغتسل وصل ثماني ركعات سماها بعض الفقهاء صلاة الفتح.ومن هنا استحب العلماء للفاتحين من المسلمين إذا فتحوا بلدة أن يصلوا فيها ثماني ركعات عند أول دخولها شكرا لله، وقد فعل ذلك سعد بن أبى وقاص عند ما دخل إيوان كسرى. فقد ثبت أنه صلى بداخله ثماني ركعات.ولكن ماذا كان من بنى إسرائيل بعد أن أتم الله لهم نعمة الفتح.
7:162
فَبَدَّلَ الَّذِیْنَ ظَلَمُوْا مِنْهُمْ قَوْلًا غَیْرَ الَّذِیْ قِیْلَ لَهُمْ فَاَرْسَلْنَا عَلَیْهِمْ رِجْزًا مِّنَ السَّمَآءِ بِمَا كَانُوْا یَظْلِمُوْنَ۠(۱۶۲)
تو ان میں کے ظالموں نے بات بدل دی اس کے خلاف جس کا انہیں حکم تھا (ف۳۱۱) تو ہم نے ان پر آسمان سے عذاب بھیجا بدلہ ان کے ظلم کا (ف۳۱۲)

لقد حكى القرآن ما كان منهم من جحود وبطر فقال: فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ قَوْلًا غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ.قال صاحب الكشاف: «أى وضعوا مكان حطة قولا غيرها، يعنى أنهم أمروا بقول معناه التوبة والاستغفار فخالفوه إلى قول ليس معناه معنى ما أمروا به، ولم يمتثلوا أمر الله، وليس الغرض أنهم أمروا بلفظ بعينه وهو لفظ الحطة فجاءوا بلفظ آخر، لأنهم لو جاءوا بلفظ آخر مستقل بمعنى ما أمروا به لم يؤخذوا به، كما لو قالوا مكان حطة نستغفرك ونتوب إليك، أو اللهم اعف هنا وما أشبه ذلك» .وقال الإمام ابن كثير: «وحاصل ما ذكره المفسرون وما دل عليه السياق أنهم بدلوا أمر الله لهم من الخضوع بالقول والفعل. فقد أمروا أن يدخلوا الباب سجدا فدخلوا يزحفون على أستاههم رافعي رؤوسهم. وأمروا أن يقولوا حطة- أى احطط عنا ذنوبنا- فاستهزأوا وقالوا حنطة في شعيرة. وهذا في غاية ما يكون من المخالفة والمعاندة ولهذا أنزل الله بهم بأسه وعذابه بفسقهم وخروجهم عن طاعته» .وأخرج البخاري عن أبى هريرة عن النبي صلّى الله عليه وسلّم أنه قال: «قيل لبنى إسرائيل ادخلوا الباب سجدا وقولوا حطة فبدلوا ودخلوا يزحفون على أستاههم وقالوا. حبة في شعيرة» .والعبرة التي تؤخذ من هذه الجملة الكريمة أن من أمره الله- تعالى بقول أو فعل فتركه وأتى بآخر لم يأذن به الله دخل في زمرة الظالمين، وعرض نفسه لسوء المصير.وقوله- تعالى- فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ رِجْزاً مِنَ السَّماءِ بِما كانُوا يَظْلِمُونَ تصريح بأن ما أصابهم من عذاب كان نتيجة عصيانهم وتمردهم وجحودهم لنعم الله.والرجز: هو العذاب، سواء أكان بالأمراض المختلفة أو بغيرها.وفي النص على أن الرجز قد أتاهم من السماء إشعار بأنه عذاب لا يمكن دفعه، وأنه لم يكن له سبب أرضى من عدوى أو نحوها، بل رمتهم به الملائكة من جهة السماء فأصيب به الذين ظلموا دون غيرهم.هذا وقد وردت في سورة البقرة آيتان تشبهان في ألفاظهما هاتين الآيتين اللتين معنا هنا في سورة الأعراف، أما آيتا سورة البقرة فهما قوله- تعالى-:وَإِذْ قُلْنَا ادْخُلُوا هذِهِ الْقَرْيَةَ فَكُلُوا مِنْها حَيْثُ شِئْتُمْ رَغَداً وَادْخُلُوا الْبابَ سُجَّداً وَقُولُوا حِطَّةٌ، نَغْفِرْ لَكُمْ خَطاياكُمْ وَسَنَزِيدُ الْمُحْسِنِينَ. فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا قَوْلًا غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ فَأَنْزَلْنا عَلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا رِجْزاً مِنَ السَّماءِ بِما كانُوا يَفْسُقُونَ.وقد عقد الإمام الرازي مقارنة بين أسلوب الآيتين في كل من السورتين فقال ما ملخصه:إن ألفاظ الآيتين في سورة الأعراف تخالف ألفاظ آيتي سورة البقرة من وجوه:الأول: أنه قال- سبحانه- في سورة البقرة: وَإِذْ قُلْنَا ادْخُلُوا هذِهِ الْقَرْيَةَ وهنا قال:وإذ قيل لهم اسكنوا هذه القرية.الثاني: أنه قال في سورة البقرة: فَكُلُوا بالفاء، وقال هنا وَكُلُوا بالواو.الثالث: أنه قال في سورة البقرة: رَغَداً وهذه الكلمة غير مذكورة هنا.الرابع: أنه قال في سورة البقرة: وَادْخُلُوا الْبابَ سُجَّداً وَقُولُوا حِطَّةٌ وقال هنا على التقديم والتأخير.الخامس: أنه قال في سورة البقرة: نَغْفِرْ لَكُمْ خَطاياكُمْ وقال هاهنا نَغْفِرْ لَكُمْ خَطِيئاتِكُمْ.السادس: أنه قال في سورة البقرة: وَسَنَزِيدُ الْمُحْسِنِينَ وهاهنا حذف حرف الواو.السابع: أنه قال في سورة البقرة: فَأَنْزَلْنا عَلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا وقال هاهنا فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ.الثامن: أنه قال في سورة البقرة: بِما كانُوا يَفْسُقُونَ وقال هاهنا بِما كانُوا يَظْلِمُونَ.واعلم أن هذه الألفاظ متقاربة ولا منافاة بينها البتة، ويمكن ذكر فوائد هذه الألفاظ المختلفة من وجوه.الأول: وهو أنه قال في سورة البقرة ادْخُلُوا هذِهِ الْقَرْيَةَ وقال هاهنا اسكنوا، فالفرق أنه لا بد من دخول القرية أولا ثم سكناها ثانيا.الثاني: أنه هناك قال فَكُلُوا بالفاء وهنا بالواو. والفرق أن الدخول حالة مخصوصة، فإنه إنما يكون داخلا في أول دخوله، وأما ما بعد ذلك فيكون سكونا لا دخولا، إذا ثبت هذا فنقول: الدخول حالة منقضية زائلة وليس لها استمرار فلا جرم أن يحسن ذكر فاء التعقيب بعده، فلهذا قال: ادْخُلُوا هذِهِ الْقَرْيَةَ فَكُلُوا وأما السكون فحالة مستمرة باقية فيكون الأكل حاصلا معه لا عقيبه، فظهر الفرق.وأما الثالث: وأنه ذكر هناك رَغَداً ولم يذكره هنا، فالفرق أن الأكل عقيب دخول القرية يكون ألذ، لأن الحاجة إلى ذلك الأكل كانت أكمل وأتم، ولما كان الأمر كذلك ذكر كلمة «رغدا» وأما الأكل حال سكون القرية فالظاهر أنه لا يكون في محل الحاجة الشديدة ولم تكن اللذة فيه متكاملة. فلا جرم ترك قوله رَغَداً فيه.وأما الرابع: وهو قوله هناك وَادْخُلُوا الْبابَ سُجَّداً وَقُولُوا حِطَّةٌ وهنا على العكس،فالمراد التنبيه على أنه لا منافاة في ذلك، لأن المقصود هو تعظيم أمر الله وإظهار الخضوع والخشوع له، فلم يتفاوت الحال بحسب التقديم والتأخير.وأما الخامس: وهو أنه قال هناك خَطاياكُمْ وقال هنا خَطِيئاتِكُمْ فهو إشارة إلى أن هذه الذنوب سواء كانت قليلة أو كثيرة فهي مغفورة عند الإتيان بهذا التضرع والدعاء.وأما السادس: وهو قوله هناك وَسَنَزِيدُ الْمُحْسِنِينَ بالواو، وقال هنا سَنَزِيدُ بحذفها، فالفائدة في حذف الواو أنه تعالى وعد بشيئين: بالغفران وبالزيادة للمحسنين من الثواب وإسقاط الواو لا يخل بذلك لأنه استئناف مرتب على تقدير قول القائل ماذا بعد الغفران فقيل:إنه سيزيد المحسنين.وأما السابع: وهو الفرق بين أنزلنا وبين أرسلنا، فلأن الإنزال لا يشعر بالكثرة والإرسال يشعر بها. فكأنه- سبحانه- بدأ بإنزال العذاب القليل ثم جعله كثيرا.وأما الثامن: فهو الفرق بين قوله هناك يَفْسُقُونَ وقوله هنا يَظْلِمُونَ فذلك لأنهم موصوفون بكونهم ظالمين لأجل أنهم ظلموا أنفسهم، وبكونهم فاسقين لأجل أنهم خرجوا عن طاعة الله. فالفائدة في ذكر هذين الوصفين التنبيه على حصول هذين الأمرين منهم.ثم قال: فهذا ما خطر بالبال في ذكر فوائد هذه الألفاظ المختلفة، وتمام العلم بها عند الله- تعالى-» .وبذلك تكون الآيات الكريمة قد بينت أن بنى إسرائيل مكنوا من النعمة فنفروا منها، وفتحت لهم أبواب الخير فأبوا دخولها، فكانت عاقبتهم أن محقت النعم من بين أيديهم، وسلط الله عليهم عذابا شديدا من عنده بسبب ظلمهم وفسوقهم عن أمره.وفي ذلك إثارة لحسرة اليهود المعاصرين للعهد النبوي على ما ضاع من أسلافهم بسبب انتهاكهم لحرمات الله وتحذير لهم من سلوك طريق آبائهم حتى لا يصيبهم ما أصابهم من عذاب أليم.ثم تحدث القرآن بعد ذلك عن رذيلة أخرى من رذائل بنى إسرائيل الكثيرة، وهي تحايلهم على استحلال محارم الله بسبب جهلهم وجشعهم وضعف إرادتهم.وذلك أن الله- تعالى- أخذ عليهم عهدا بأن يتفرغوا لعبادته في يوم السبت، وحرم عليهم الاصطياد فيه دون سائر الأيام، واختبارا منه- سبحانه- لإيمانهم ووفائهم بعهودهم أرسل إليهم الحيتان في يوم السبت دون غيره، فكانت تتراءى لهم على الساحل في ذلك اليوم، قريبة المأخذ، سهلة الاصطياد.وهنا سال لعاب شهواتهم ومطامعهم وفكروا في حيلة لاصطياد هذه الحيتان في يوم السبت فقالوا: لا مانع من أن نحفر إلى جانب ذلك البحر الذي يزخر بالأسماك في يوم السبت أحواضا تناسب إليها المياه ومعها الأسماك، ثم نترك هذه الأسماك محبوسة في الأحواض في يوم السبت- لأنها لا تستطيع الرجوع إلى البحر لضآلة الماء الذي في الأحواض. ثم نصطادها بعد ذلك في غير يوم السبت، وبذلك نجمع بين احترام ما عهد إلينا في يوم السبت وبين ما تشتهيه أنفسنا من الحصول على تلك الأسماك.ولقد نصحهم الناصحون بأن عملهم هذا هو احتيال على محارم الله، وأن حبس الحيتان في الأحواض هو صيد لها في المعنى، وهو فسوق عن أمر الله ونقض لعهوده.ولكنهم لجهلهم واستيلاء المطامع على نفوسهم لم يعبئوا بنصح الناصحين بل نفذوا حيلتهم الشيطانية، فغضب الله عليهم ومسخهم قردة، وجعلهم عبرة لمن عاصرهم ولمن أتى بعدهم وموعظة للمتقين.واستمع إلى سورة الأعراف وهي تحكى لنا هذه القصة بأسلوبها البليغ فتقول:
7:163
وَ سْــٴَـلْهُمْ عَنِ الْقَرْیَةِ الَّتِیْ كَانَتْ حَاضِرَةَ الْبَحْرِۘ-اِذْ یَعْدُوْنَ فِی السَّبْتِ اِذْ تَاْتِیْهِمْ حِیْتَانُهُمْ یَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعًا وَّ یَوْمَ لَا یَسْبِتُوْنَۙ-لَا تَاْتِیْهِمْۚۛ-كَذٰلِكَۚۛ-نَبْلُوْهُمْ بِمَا كَانُوْا یَفْسُقُوْنَ(۱۶۳)
اور ان سے حال پوچھو اس بستی کا کہ دریا کنارے تھی (ف۳۱۳) جب وہ ہفتے کے بارے میں حد سے بڑھتے (ف۳۱۴) جب ہفتے کے دن ان کی مچھلیاں پانی پر تیرتی ان کے سامنے آتیں اور جو دن ہفتے کا نہ ہوتا نہ آتیں اس طرح ہم انہیں آزمانتے تھے ان کی بے حکمی کے سبب،

قوله- تعالى- وَسْئَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ ... إلخ. معطوف على اذكر المقدر في قوله- تعالى-: وَإِذْ قِيلَ لَهُمُ اسْكُنُوا. والخطاب للنبي صلّى الله عليه وسلّم وضمير الغيبة للمعاصرين له من اليهود.أى: سل يا محمد هؤلاء اليهود المعاصرين لك كيف كان حال أسلافهم الذين تحايلوا على استحلال محارم الله فإنهم يجدون أخبارهم في كتبهم ولا يستطيعون كتمانها.والمقصود من سؤالهم تقريعهم على عصيانهم، لعلهم أن يتوبوا ويرجعوا إلى الحق، ولا يعرضوا أنفسهم لعقوبات كالتي نزلت بسابقيهم، وتعريفهم بأن هذه القصة من علومهم المعروفة لهم والتي لا يستطيعون إنكارها، والتي لا تعلم إلا بكتاب أو وحى، فإذا أخبرهم بها النبي الأمى الذي لم يقرأ كتابهم كان ذلك معجزة له. ودليلا على أنه نبي صادق موحى إليه بها.قال الإمام ابن كثير عند تفسيره للآية الكريمة: (أى واسأل- يا محمد- هؤلاء اليهود الذين بحضرتكم عن قصة أصحابهم الذين خالفوا أمر الله ففاجأتهم نقمته على اعتدائهم واحتيالهم في المخالفة، وحذر هؤلاء من كتمان صفتك التي يجدونها في كتبهم «لئلا يحل بهم ما حل بإخوانهم وسلفهم وهذه القرية هي «أيلة» وهي على شاطئ بحر القلزم، أى- البحر الأحمر-) .وقال الإمام القرطبي: وهذا سؤال تقرير وتوبيخ، وكان ذلك علامة لصدق النبي صلّى الله عليه وسلّم إذ أطلعه الله على تلك الأمور من غير تعلم وكانوا يقولون: نحن أبناء الله وأحباؤه، لأنا من سبط إسرائيل. ومن سبط موسى كليم الله، ومن سبط ولده عزير فنحن أولادهم، فقال الله- عز وجل- لنبيه سلهم- يا محمد- عن القرية. أما عذبتهم بذنوبهم، وذلك بتغيير فرع من فروع الشريعة .وجمهور المفسرين على أن المراد بهذه القرية. قرية (أيلة) التي تقع بين مدين والطور، وقيل هي قرية طبرية، وقيل هي مدين.ومعنى كونها حاضِرَةَ الْبَحْرِ: قريبة منه، مشرفة على شاطئه، تقول كنت بحضرة الدار أى قريبا منها.وقوله إِذْ يَعْدُونَ فِي السَّبْتِ أى يظلمون ويتجاوزون حدود الله- تعالى- بالصيد في يوم السبت ويعدون بمعنى يعتدون، يقال: عدا فلان الأمر واعتدى إذا تجاوز حده.وقوله تعالى إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعاً، وَيَوْمَ لا يَسْبِتُونَ لا تَأْتِيهِمْ بيان لموضع الاختبار والامتحان.وإِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتانُهُمْ ظرف ليعدون. وحيتان جمع حوت وهو السمك الكبير. وشرعا:أى: شارعة ظاهرة على وجه الماء. جمع شارع، من شرع عليه إذا دنا وأشرف وكل شيء دنا من شيء فهو شارع، وقوله: شرعا حال من الحيتان.والمعنى: إذ تأتيهم حيتانهم في وقت تعظيمهم ليوم السبت ظاهرة على وجه الماء دانية من القرية بحيث يمكنهم صيدها بسهولة، فإذا مر يوم السبت وانتهى لا تأتيهم كما كانت تأتيهم فيه، ابتلاء من الله- تعالى- لهم.قال ابن عباس: (اليهود أمروا باليوم الذي أمرتم به، وهو يوم الجمعة، فتركوه واختاروا السبت فابتلاهم الله- تعالى- به، وحرم عليهم الصيد فيه، وأمرهم بتعظيمه، فإذا كان يوم السبت شرعت لهم الحيتان ينظرون إليها في البحر، فإذا انقضى السبت ذهبت وما تعود إلا في السبت المقبل، وذلك بلاء ابتلاهم الله به، فذلك معنى قوله تعالى وَيَوْمَ لا يَسْبِتُونَ لا تَأْتِيهِمْ .وقال الإمام القرطبي: (وروى في قصص هذه الآية أنها كانت في زمن داود- عليه السلام- وأن إبليس أوحى إليهم فقال إنما نهيتم عن أخذها يوم السبت، فاتخذوا الحياض، فكانوا يسوقون الحيتان إليها يوم السبت فتبقى فيها، فلا يمكنها الخروج منها لقلة الماء.فيأخذونها يوم الأحد) .وقوله تعالى كَذلِكَ نَبْلُوهُمْ بِما كانُوا يَفْسُقُونَ معناه: بمثل هذا الابتلاء، وهو ظهور السمك لهم في يوم السبت، واختفائه في غيره نبتليهم ونعاملهم معاملة من يختبرهم، لينالوا ما يستحقونه من عقوبة بسبب فسقهم وتعديهم حدود ربهم، وتحايلهم القبيح على شريعتهم، فقد جرت سنة الله بأن من أطاعه سهل له أمور دنياه، وأجل له ثواب أخراه، ومن عصاه أخذه أخذ عزيز مقتدر.
7:164
وَ اِذْ قَالَتْ اُمَّةٌ مِّنْهُمْ لِمَ تَعِظُوْنَ قَوْمَاۙﰳ اللّٰهُ مُهْلِكُهُمْ اَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِیْدًاؕ-قَالُوْا مَعْذِرَةً اِلٰى رَبِّكُمْ وَ لَعَلَّهُمْ یَتَّقُوْنَ(۱۶۴)
اور جب ان میں سے ایک گروہ نے کہا کیوں نصیحت کرتے ہو ان لوگوں کو جنہیں اللہ ہلاک کرنے والا ہے یا انہیں سخت عذاب دینے والا، بولے تمہارے رب کے حضور معذرت کو (ف۳۱۵) اور شاید انہیں ڈر ہو(ف۳۱۶)

ثم بين- سبحانه- طوائف هذه القرية وحال كل طائفة فقال تعالى وَإِذْ قالَتْ أُمَّةٌ مِنْهُمْ لِمَ تَعِظُونَ قَوْماً اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذاباً شَدِيداً، قالُوا مَعْذِرَةً إِلى رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ.والذي يفهم من الآية الكريمة، - وعليه جمهور المفسرين- أن أهل القرية كانوا ثلاث فرق.1- فرقة المعتدين في السبت، المتجاوزين حدود الله عن تعمد وإصرار.2- فرقة الناصحين لهم بالانتهاء عن تعديهم وفسوقهم.3- فرقة اللائمين للناصحين ليأسهم من صلاح العادين في السبت.وهذه الفرقة الثالثة هي التي عبر القرآن الكريم عنها بقوله: وَإِذْ قالَتْ أُمَّةٌ مِنْهُمْ لِمَ تَعِظُونَ قَوْماً اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذاباً شَدِيداً أى: قالت فرقة من أهل القرية، لإخوانهم الذين لم يألوا جهدا في نصيحة العادين في السبت، لم تعظون قوما لا فائدة من وعظهم ولا جدوى من تحذيرهم، لأن الله تعالى قد قضى باستئصالهم وتطهير الأرض منهم، أو بتعذيبهم عذابا شديدا، جزاء تماديهم في الشر، وصممهم عن سماع الموعظة فكان رد الناصحين عليهم مَعْذِرَةً إِلى رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ.فهم قد عللوا نصيحتهم للعادين بعلتين:الأولى: الاعتذار إلى الله- تعالى- من مغبة التقصير في واجب الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر.والثانية: الأمل في صلاحهم وانتفاعهم بالموعظة حتى ينجو من العقوبة، ويسيروا في طريق المهتدين.وقيل: إن أهل القرية كانوا فرقتين، فرقه أقدمت على الذنب فاعتدت في السبت، وفرقة أحجمت عن الأقدام، ونصحت المعتدين بعدم التجاوز لحدود الله- تعالى- فلما داومت الفرقة الواعظة على نصيحتها للفرقة العادية، قالت لها الفرقة العادية على سبيل التهكم والاستهزاء: لم تعظون قوما الله مهلكهم أو معذبهم عذابا شديدا في زعمكم؟ فاجابتهم الناصحة بقولها. معذرة إلى ربكم ولعلهم يتقون.والذي نرجحه أن أهل القرية كانوا ثلاث فرق كما قال جمهور المفسرين- لأن هذا هو الظاهر من الضمائر في الآية الكريمة، إذ لو كانوا فرقتين لقالت الناهية للعاصية (ولعلكم تتقون) بكاف الخطاب، بدل قولهم (ولعلهم يتقون) الذي يدل على أن المحاورة قد دارت بين الفرقة اللائمة، والفرقة الناصحة.قال الإمام القرطبي عند تفسيره الآية الكريمة: إن بنى إسرائيل افترقت ثلاث فرق «فرقة عصت وصدت، وكانوا، نحوا من سبعين ألفا، فرقة نهت واعتزلت، وكانوا نحوا من اثنى عشر ألفا، وفرقة اعتزلت ولم تنه ولم تعص، وأن هذه الطائفة هي التي قالت للناهية، لم تعظون قوما- عصاة- الله مهلكهم، أو معذبهم على غلبة الظن. وما عهد حينئذ من فعل الله تعالى بالأمم العاصية؟) .وقوله مَعْذِرَةً بالنصب على أنها مفعول لأجله أى: وعظناهم لأجل المعذرة، أو منصوبة على أنها مصدر لفعل مقدر من لفظها أى: نعتذر معذرة وقرئت «معذرة» بالرفع على أنها خبر لمبتدأ محذوف أى: موعظتنا معذرة وقد اختار سيبويه هذا الوجه وقال في تعليله: لأنهم لم يريدوا أن يعتذروا اعتذارا مستأنفا ولكنهم قيل لهم لم تعظون؟ فقالوا موعظتنا معذرة.
7:165
فَلَمَّا نَسُوْا مَا ذُكِّرُوْا بِهٖۤ اَنْجَیْنَا الَّذِیْنَ یَنْهَوْنَ عَنِ السُّوْٓءِ وَ اَخَذْنَا الَّذِیْنَ ظَلَمُوْا بِعَذَابٍۭ بَىٕیْسٍۭ بِمَا كَانُوْا یَفْسُقُوْنَ (۱۶۵)
پھر جب بھلا بیٹھے جو نصیحت انہیں ہوئی تھی ہم نے بچالیے وہ جو برائی سے منع کرتے تھے اور ظالموں کو برے عذاب میں پکڑا بدلہ ان کی نافرمانی کا،

ثم بين- سبحانه- عاقبة كل من الفرقة الناهية والعاصية فقال تعالى فَلَمَّا نَسُوا ما ذُكِّرُوا بِهِ أَنْجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا بِعَذابٍ بَئِيسٍ بِما كانُوا يَفْسُقُونَ أى: فلما لج الظالمون في طغيانهم، وعموا وصموا عن النصيحة أنجينا الناصحين، وأخذنا العادين بعذاب شديد لا رحمة فيه بسبب خروجهم على أوامر الله.والآية الكريمة صريحة في بيان أن الذين أخذوا بالعذاب البئيس هم الظالمون المعتدون وأن الذين نجوا هم الناهون عن السوء، أما الفرقة الثالثة التي لامت الناهين عن السوء على وعظهم للمعتدين، فقد سكتت عنها.ويرى بعض المفسرين: أنها لم تنج، لأنها لم تنه عن المنكر. فضلا عن أنها لامت الناصحين لغيرهم.ويرى جمهور المفسرين: أنها نجت، لأنها كانت كارهة لما فعله العادون في السبت ولم ترتكب شيئا مما ارتكبوه، وإذا كانت قد سكتت عن النصيحة، فلأنها كانت يائسة من صلاح المعتدين، ومقتنعة بأن القوم قد أصبحوا محل سخط الله وعذابه، فلا جدوى وراء وعظهم، وإلى هذا الرأى ذهب صاحب الكشاف وغيره.قال صاحب الكشاف: (فإن قلت: الأمة الذين قالوا لم تعظون قوما الله مهلكهم أو معذبهم عذابا شديدا- من أى الفريقين هم؟ أمن فريق الناجين أم من فريق المعذبين. قلت من فريق الناجين، لأنهم من فريق الناهين، غرضا صحيحا لعلمهم بحال القوم. وإذا علم الناهي حال المنهي، وأن النهى لا يؤثر فيه، سقط عنه النهى، وربما وجب الترك لدخوله في باب العبث، ألا ترى أنك لو ذهبت إلى المكاسين القاعدين على المآصر والجلادين المرتبين للتعذيب، لتعظهم وتكفهم عما هم فيه، كان ذلك عبثا منك، ولم يكن إلا سببا للتلهى بك، أما الآخرون فإنهم لم يعرضوا عنهم، إما لأن يأسهم لم يستحكم كما استحكم يأس الأولين، ولم يخبروهم كما خبروهم. أو لفرط حرصهم وجدهم في أمرهم، كما وصف الله تعالى رسوله عليه الصلاة والسلام في قوله فَلَعَلَّكَ باخِعٌ نَفْسَكَ عَلى آثارِهِمْ إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهذَا الْحَدِيثِ أَسَفاً .وقال الإمام ابن كثير: (ويروى عن ابن عباس- رضى الله عنهما- أنه قال عند ما سئل عن مصير الفرقة اللائمة، ما أدرى ما فعل بهم، ثم صار إلى نجاتهم لما قال له غلامه عكرمة:ألا ترى أنهم قد كرهوا ما هم عليه وخالفوهم فقال لِمَ تَعِظُونَ قَوْماً اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذاباً شَدِيداً قال عكرمة: فلم أزل به حتى عرفته أنهم نجوا فكساني حلة) .والذي نرجحه أن مصير هذه الفرقة مفوض إلى الله، لأنه لم يرد نص صحيح في شأنها، فإن الآية الكريمة قد ذكرت صراحة عاقبة كل من الناصحين والعادين ولم تذكر مصير الفرقة اللائمة للناصحين ولعل ذلك مرجعه إلى أنها وقفت من العادين في السبت موقفا سلبيا استحقت معه الإهمال، إن لم تكن بسببه أهلا للمؤاخذة.
7:166
فَلَمَّا عَتَوْا عَنْ مَّا نُهُوْا عَنْهُ قُلْنَا لَهُمْ كُوْنُوْا قِرَدَةً خٰسِىٕیْنَ(۱۶۶)
پھر جب انہوں نے ممانعت کے حکم سے سرکشی کی ہم نے ان سے فرمایا ہوجاؤ بند ر دھتکارے ہوئے(ف۲۱۷)

ثم فصل- سبحانه- ما عوقبوا به من العذاب البئيس الذي أصابهم فقال تعالى: فَلَمَّا عَتَوْا عَنْ ما نُهُوا عَنْهُ قُلْنا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خاسِئِينَ أى فلما تكبروا عن ترك ما نهاهم عنه الواعظون، قلنا لهم كونوا قردة صاغرين فكانوا كذلك.قال الآلوسى: (والأمر في قوله تعالى قُلْنا تكويني لا تكليفى، لأنه ليس في وسعهم حتى يكلفوا به، وهذا كقوله تعالى إِنَّما قَوْلُنا لِشَيْءٍ إِذا أَرَدْناهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ في أنه يحتمل أن يكون هناك قول وأن يكون الغرض مجرد التمثيل) .وقيل في تفسير الآية: إن الله تعالى- عاقب القوم أو لا بالعذاب البئيس الذي يتناول البؤس والشقاء والفقر في المعيشة، فلما لم يرتدعوا ويثوبوا إلى رشدهم، مسخهم مسخا خلقيا وجسميا، فكانوا قردة على الحقيقة، وهو الظاهر من الآية، وعليه الجمهور:وقيل: مسخهم مسخا خلقيا ونفسيا، فصاروا كالقردة في شرورها وإفسادها لما تصل إليه أيديها، وهذا مروى عن مجاهد.وتلك العقوبة كانت جزاء إمعانهم في المعاصي، وتأبيهم عن قبول النصيحة، وضعف إرادتهم أمام مقاومة أطماعهم، وانتكاسهم إلى عالم الحيوان لتخليهم عن خصائص الإنسان، فكانوا حيث أرادوا لأنفسهم من الصغار والهوان.هذا وقد استدل العلماء بهذه الآيات الكريمة على تحريم الحيل القبيحة التي يتخذها بعض الناس ذريعة للتوصل إلى مقاصدهم الذميمة. وغاياتهم الدنيئة ومطامعهم الخسيسة.وقد أفاض الإمام ابن القيم في كتابه (إغاثة اللهفان) في إيراد الأدلة الدالة على هذا التحريم، فقال ما ملخصه: (ومن مكايد الشيطان التي كاد بها الإسلام وأهله، الحيل والمكر والخداع الذي يتضمن تحليل ما حرم الله وإسقاط ما فرضه، ومضادته في أمره ونهيه، وهي من الباطل الذي اتفق السلف على ذمه، فإن الرأى رأيان: رأى يوافق النصوص وتشهد له بالصحة والاعتبار، وهو الذي اعتبره السلف وعملوا به. ورأى يخالف النصوص وتشهد له بالإبطال والإهدار، وهو الذي ذموه وأهدروه.وكذلك الحيل نوعان: نوع يتوصل به إلى فعل ما أمر الله- تعالى- به وترك ما نهى عنه، والتخلص من الحرام وتخليص المحق من الظالم المانع له، وتخليص المظلوم من يد الظالم الباغي، فهذا النوع محمود يثاب فاعله ومعلمه. ونوع يتضمن إسقاط الواجبات، وتحليل المحرمات، وقلب المظلوم ظالما، والظالم مظلوما، والحق باطلا، والباطل حقا. فهذا الذي اتفق السلف على ذمه، وصاحوا بأهله من أقطار الأرض ... ثم قال:إن الله تعالى أخبر عن أهل السبت من اليهود بمسخهم قردة، لما تحايلوا على إباحة ما حرمه الله- تعالى- عليهم من الصيد، بأن نصبوا الشباك يوم الجمعة، فلما وقع فيها الصيد، أخذوه يوم الأحد.قال بعض الأئمة: ففي هذا زجر عظيم لمن يتعاطى الحيل على المناهي الشرعية، ممن يتلبس بعلم الفقه وهو غير فقيه، إذ الفقيه من يخشى الله- تعالى- بحفظ حدوده، وتعظيم حرماته، والوقوف عندها، وليس المتحيل على إباحة محارمه، وإسقاط فرائضه، ومعلوم أنهم لم يستحلوا ذلك تكذيبا لموسى- عليه السلام- وكفرا بالتوراة، وإنما هو استحلال تأويل واحتيال، ظاهره ظاهر الإيفاء، وباطنه باطن الاعتداء، ولهذا مسخوا قردة، لأن صورة القردة فيها شبه من صورة الإنسان، فلما مسخ أولئك المعتدون دين الله تعالى بحيث لم يتمسكوا إلا بما يشبه الدين في بعض مظاهره دون حقيقته، مسخهم سبحانه قردة يشبهونهم في بعض ظواهرهم دون الحقيقة جزاء وفاقا، وفي الحديث الشريف (لا ترتكبوا ما ارتكبت اليهود، وتستحلوا محارم الله بأدنى الحيل) .وفي الصحيحين عن أبى هريرة أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال:(قاتل الله اليهود، حرمت عليهم الشحوم فباعوها وأكلوا ثمنها) .وعن ابن عباس- رضى الله عنهما- قال: «بلغ عمر- رضى الله عنه- أن سمرة باع خمرا فقال: قاتل الله سمرة. ألم يعلم أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: لعن الله اليهود، حرمت عليهم الشحوم فجملوها- أى أذابوها- فباعوها) .وبهذا تكون الآيات الكريمة قد دمغت العادين في السبت من اليهود، برذيلة الجهالة وضعف الإرادة، وتحايلهم القبيح على استحلال محارم الله، مما جعلهم أهلا للعذاب الشديد والمسخ الشنيع، جزاء إمعانهم في المعصية وصممهم عن سماع الموعظة، وما ربك بظلام للعبيد.ثم بين- سبحانه- ما توعد به أولئك اليهود من عقوبات بسبب كفرهم وفسوقهم وإفسادهم في الأرض فقال- تعالى-:
7:167
وَ اِذْ تَاَذَّنَ رَبُّكَ لَیَبْعَثَنَّ عَلَیْهِمْ اِلٰى یَوْمِ الْقِیٰمَةِ مَنْ یَّسُوْمُهُمْ سُوْٓءَ الْعَذَابِؕ-اِنَّ رَبَّكَ لَسَرِیْعُ الْعِقَابِ ۚۖ-وَ اِنَّهٗ لَغَفُوْرٌ رَّحِیْمٌ(۱۶۷)
اور جب تمہارے رب نے حکم سنادیا کہ ضرور قیامت کے دن تک ان (ف۳۱۸) پر ایسے کو بھیجتا رہوں گا جو انہیں بری مار چکھائے (ف۳۱۹) بیشک تمہارا رب ضرور جلد عذاب والا ہے (ف۳۲۰) اور بیشک وہ بخشنے والا مہربان ہے (ف۳۲۱)

قوله وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكَ منصوب على المفعولية بمقدر معطوف على وَسْئَلْهُمْ أى: واذكر يا محمد لليهود وقت أن تأذن ربك.وتأذن بمعنى آذن، أى: أعلم. يقال: آذن الأمر وبالأمر أى: أعلمه. وأذن تأذينا: أكثر الإعلام.وأجرى مجرى فعل القسم كعلم الله وشهد الله، ولذلك جيء بلام القسم ونون التوكيد في جوابه وهو قوله- تعالى- «ليبعثن عليهم ... إلخ» .وقوله إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ متعلق بقوله لَيَبْعَثَنَّ.والمعنى: واذكر يا محمد وقت أن أعلم الله- تعالى- هؤلاء اليهود وأسلافهم بأنهم إن غيروا وبدلوا ولم يؤمنوا بأنبيائهم، ليسلطن عليهم إلى يوم القيامة من يذيقهم سوء العذاب كالإذلال وضرب الجزية وغير ذلك من صنوف العذاب إن ربك لسريع العقاب لمن أقام على الكفر، وجانب طريق الحق، وإنه لغفور رحيم لمن تاب وآمن وعمل صالحا. وهذا من باب قرن الترغيب بالترهيب حتى لا ييأس العاصي من رحمة الله بسبب ذنوبه السابقة إذا هو أقبل على الله بالتوبة والعمل الصالح كما قال- تعالى- وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صالِحاً ثُمَّ اهْتَدى.ولقد يبدو للبعض أن هذا الوعيد لليهود قد توقف بسبب ما نرى لهم الآن من دولة وصولة ولكن الذي نعتقده أن هذا الوعيد ما توقف مع ما لهم من دولة، فإنهم ما زالوا محل احتقار الناس وبغضهم، وحتى الدول التي تناصرهم إنما تناصرهم لأن السياسة تقتضي ذلك بينما شعوب هذه الدول تكره أولئك اليهود وتزدريهم وتنفر منهم.وما قامت لليهود تلك الدولة إلا لأن المسلمين قد فرطوا في حق خالقهم، وفي حق أنفسهم، ولم يأخذوا بالأسباب التي شرعها الله لهم لحرب أعدائهم فكانت النتيجة أن أقام اليهود دولة لهم في قلب البلاد الإسلامية وعند ما يعود المسلمون إلى الأخذ التام الكامل بتعاليم دينهم وإلى مباشرة الأسباب التي شرعها الله مباشرة سليمة، عند ما يفعلون ذلك تعود إليهم عزتهم المسلوبة وكرامتهم المغصوبة.وصدق الله إذ يقول: ذلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّراً نِعْمَةً أَنْعَمَها عَلى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا ما بِأَنْفُسِهِمْ.
7:168
وَ قَطَّعْنٰهُمْ فِی الْاَرْضِ اُمَمًاۚ-مِنْهُمُ الصّٰلِحُوْنَ وَ مِنْهُمْ دُوْنَ ذٰلِكَ٘-وَ بَلَوْنٰهُمْ بِالْحَسَنٰتِ وَ السَّیِّاٰتِ لَعَلَّهُمْ یَرْجِعُوْنَ(۱۶۸)
اور انہیں ہم نے زمین میں متفرق کردیا گروہ گروہ، ان میں کچھ نیک ہیں (ف۳۲۲) اور کچھ اور طرح کے (ف۳۲۳) اور ہم نے انہیں بھلائیوں اور برائیوں سے آزمایا کہ کہیں وہ رجوع لائیں (ف۳۲۴)

هذا وقوله- تعالى- وَقَطَّعْناهُمْ فِي الْأَرْضِ أُمَماً إخبار عن عقوبة أخرى من عقوباتهم المتنوعة بسبب كفرهم وجحودهم، وتتمثل هذه العقوبة في تفريقهم في الأرض، وتمزيقهم شر ممزق حتى لا تكون لهم شوكة.وأُمَماً حال من مفعول قَطَّعْناهُمْ أو مفعول ثان لقطعناهم على أنه بمعنى صيرناهم.أى: أن هؤلاء اليهود قد مزقناهم في الأرض شر ممزق بسبب عصيانهم وفسوقهم، وصيرناهم فرقا متقطعة الأوصال، مشتتة الأهواء. وقوله مِنْهُمُ الصَّالِحُونَ وَمِنْهُمْ دُونَ ذلِكَ بيان لحالهم.أى: من هؤلاء اليهود قلة آمنت بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر فصلح حالها، وحسنت عاقبتها، ومنهم كثرة منحطة عن رتبة أولئك المؤمنين الصالحين، بسبب فسوقهم عن أمر الله، وانتهاكهم لحرماته.والجملة من المبتدأ والخبر، في موضع نصب على أنها صفة ل أُمَماً.وقوله وَمِنْهُمْ دُونَ ذلِكَ الجار والمجرور خبر مقدم ودُونَ ذلِكَ نعت لمنعوت محذوف هو المبتدأ والتقدير: ومنهم ناس أو جماعة دون ذلك.وهذه الجملة الكريمة تدل على أن القرآن الكريم يستعمل الإنصاف والعدالة وتقرير الحقائق مع أعدائه وأتباعه على السواء، فهو يمدح من يستحق المديح، ويذم من هو أهل الذم، وما أحوج الناس في كل زمان ومكان إلى التخلق بهذه الأخلاق.وقوله- تعالى- وَبَلَوْناهُمْ بِالْحَسَناتِ وَالسَّيِّئاتِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ أى عاملناهم معاملة المبتلى الممتحن تارة بالنعم الكثيرة كالصحة والخصب وسعة الأرزاق، وتارة بالنقم المتنوعة كالجدب والأمراض والشدائد، لعلهم يرجعون إلى طاعة ربهم، ويتركون ما نهوا عنه من المعاصي والسيئات.يقال: بلاه يبلوه بلوا، وابتلاه ابتلاء، إذا جربه واختبره، ولقد كانت نتيجة هذا الابتلاء والاختبار أن تكشفت الحقائق عن أن الكثرة من بنى إسرائيل سلكت طريق الضلالة والغواية، والقلة هي التي آمنت وأصلحت ولذا عاقب الله تلك الكثرة بالعقوبة التي تناسبها جزاء وفاقا.هذا، وما أخبر به القرآن من أن الله- تعالى- قد توعد بنى إسرائيل وأخبرهم بأنه سيسلط عليهم إلى يوم القيامة من يسومهم سوء العذاب بسبب كفرهم وفسوقهم قد شهد بصدقه التاريخ، وأيدته الحوادث، وهذه نماذج قليلة من تلك العقوبات التي نزلت بهم في الأزمنة المختلفة .أولا: بعد وفاة سليمان- عليه السلام- حوالى سنة 975 ق م انقسمت مملكته إلى قسمين: مملكة الشمال، واسمها (إسرائيل) ومقرها (السامرة) وتتكون من الأسباط العشرة.ومملكة الجنوب واسمها (يهوذا) ومقرها (أورشليم) وتتكون من سبطي يهوذا وبنيامين.وقد استمرت المنازعات بين المملكتين مدة طويلة، انتهت بانقضاض (سرجون) ملك آشور على مملكة الشمال (إسرائيل) سنة 721 ق. م. فقتل الآلاف من رجالها، وأسر البقية منهم فرحلهم إلى ما وراء نهر الفرات، وقضى على هذه المملكة قضاء لم تقم لها بعده قائمة.وأما مملكة الجنوب (أورشليم) فقد حاولت أن تتشبث بالبقاء، ولكن معاول الهدم غزتها من الشرق ومن الجنوب وكانت نهايتها على يد بختنصر البابلي سنة 586 ق م.ويصور أحد الكتاب الغربيين قصة النكبات التي أدت إلى زوال مملكة (يهوذا وإسرائيل) فيقول: (هي قصة نكبات وقصة تحررات لا تعود عليهم إلا بإرجاء النكبة القاضية، هي قصة ملوك همج يحكمون شعبا من الهمج، حتى إذا وافت سنة 721 ق م «محت يد الأسر الآشورى مملكة إسرائيل من الوجود، وزال شعبها من التاريخ زوالا تاما، وظلت مملكة يهوذا تكافح حتى أسقطها البابليون سنة 586 ق م.ثانيا: استرد اليهود بعض أنفاسهم بعد وقوعهم تحت حكم الفرس من حوالى سنة 536 إلى سنة 332 ق م فقد عادوا في هذه الفترة إلى فلسطين، ووقعوا تحت سيطرة الإسكندر المقدونى سنة 330 ق م.وفي سنة 320 ق م. سار إليهم (بطليموس) خليفة الإسكندر، فهدم القدس، ودك أسوارها، وأرسل منهم مائة ألف أسير إلى مصر، لأنهم ثاروا عليه.ثالثا: في سنة 20 ق م تقريبا، وقع اليهود تحت سيطرة السلوقيين السوريين بعد انتصارهم على البطالسة، ورأى بعض الحكام السلوقيين من اليهود تمردا وعصيانا، فأنزلوا بهم أشد العقوبات في عدة مواقع، وكان من أبرز المنكلين باليهود (انطوخيوس) ما بين سنة 170.وسنة 168 ق م فقد هاجم (أورشليم) وهدم أسوارها وهيكلها. ونهب ما فيها من أموال وقتل من أهلها أربعين ألفا في ثلاثة أيام وباع مثل ذلك العدد عبيدا منهم ولم يفلت من يده إلا اليهود الذين هربوا إلى الجبال، وقد أقام (انطوخيوس) قمة على أحد الجبال ليشاهد منها كل من يقترب من اليهود إلى أورشليم ليقتله، وقد وصل به الحال أنه أكره عددا كبيرا منهم على ترك الديانة اليهودية وجعل هيكلهم في أورشليم معبدا لإلهه.رابعا: وفي سنة 63 ق م أغار الرومان بقيادة (بامبيوس) على أورشليم فاحتلوها، واستمر احتلالهم حتى سنة 614 م. وخلال احتلال الرومان لفلسطين قام اليهود بعدة ثورات باءت كلها بالفشل، ولقوا بسبب تمردهم وعصيانهم من الرومان ألوانا من القتل والسبي والتشريد.كان من أشهرها ما أنزله بهم «تيطس الرومانى» سنة 70 م فقد اقتحم في هذه السنة أورشليم فدمرها تدميرا، وقتل الآلاف من اليهود وأحرق هيكلهم.خامسا: بعد هذه النماذج التي سقناها لما أنزله الرومان من عقوبات على اليهود، نتابع سيرنا في سرد بعض العقوبات التي أنزلها المسلمون باليهود بسبب بغيهم وخياناتهم فنقول:بعد هجرة النبي صلّى الله عليه وسلّم إلى المدينة، عامل اليهود القاطنين والمجاورين لها معاملة طيبة، وعقد معهم معاهدة ضمنت لهم حقوقهم ولكنهم نقضوا عهودهم، ولم يتركوا وسيلة من وسائل الكيد للإسلام والمسلمين إلا فعلوها، وحاول الرسول صلّى الله عليه وسلّم أن يثنيهم عن جحودهم وبغيهم ولكنهم لم يستجيبوا له. فعاقب صلّى الله عليه وسلّم كل طائفة منهم بالعقوبة التي تناسب جرمهم وخيانتهم وتكفل للمسلمين أن يعيشوا في مأمن من شرورهم، ومن بين العقوبات التي أنزلها النبي صلّى الله عليه وسلّم بهم إجلاؤه لبنى قينقاع ولبنى النضير عن المدينة، وقتله لبنى قريظة وإهداره لدم بعض كبرائهم ككعب بن الأشرف وسلام بن أبى الحقيق، ومحاربته ليهود خيبر ومصالحته لهم بعد مقتل عدد كبير منهم، ورفعهم راية الأمان، والاستسلام، وقبولهم الشروط التي اشترطها عليهم النبي صلّى الله عليه وسلّم.ولقد كان من آخر الكلمات التي نطق بها الرسول صلّى الله عليه وسلّم قبل وفاته قوله موصيا أصحابه (أخرجوا اليهود من جزيرة العرب لا يبقى في جزيرة العرب دينان) .وفي عهد عمر بن الخطاب- رضى الله عنه- تم إخراج جميع اليهود من جزيرة العرب، استجابة لوصية الرسول صلّى الله عليه وسلّم.سادسا: وفي ختام عرضنا لبعض العقوبات التي نزلت باليهود في الأزمنة المختلفة جزاء إجرامهم وإثارتهم للفتن نسوق بعض الأمثلة لما حل بهم على أيدى بعض الدول الأوربية.(أ) ففي بريطانيا: لقى اليهود في بعض العهود ألوانا من التعذيب، وصنوفا من القتل والتشريد.1- من ذلك أن الملك الإنجليزى (يوحنا) أصدر أمرا بحبسهم في جميع أنحاء مملكته.وفي سنة 1328 م جأر الشعب البريطانى بالشكوى من اليهود، فأصدر الملك ادوارد الأول أمرا بطرد اليهود من جميع البلاد البريطانية في غضون ثلاثة أشهر، إلا أن الشعب البريطانى لم يصبر على اليهود حتى تنقضي تلك المدة، بل أخذ يقتل منهم العشرات والمئات وفي قلعة (بورك) التي احتمى بها عدد كبير من اليهود أحرق الإنجليز أكثر من خمسمائة يهودي وقد اضطر الملك إلى ترحيلهم قبل انقضاء المدة لئلا يفتك الشعب بهم جميعا في كل مكان، وظلت بريطانيا خالية من اليهود طوال ثلاثة قرون تقريبا. ولكن عادوا إليها سنة 1656 م في عهد الطاغية (كرومويل) الذي اغتصب الملك (شارل الأول) بعد أن قدم له اليهود الأموال الطائلة في سبيل بلوغ أغراضه.(ب) وفي فرنسا: تعرض اليهود في أزمنة مختلفة لنقمة الشعب الفرنسى وغضبه، لأنهم دمروا اقتصاده الوطنى، وخنقوه بالربا الفاحش، والمعاملات السيئة.1- ففي عهد (لويس التاسع) تدهورت الحالة الاقتصادية في فرنسا فأصدر أمرا بإلغاء ثلث ما لليهود على الفرنسيين من ديون، ثم أصدر أمرا بإحراق جميع كتبهم المقدسة، وخاصة التلمود. وقد قال أحد المؤرخين إنهم أحرقوا في باريس وحدها محمول أربع وعشرين مركبة من نسخ التلمود وغيرها) .2- وخلال تولى (فيليب الجميل) حكم فرنسا. أنزل الفرنسيون باليهود صنوفا من القتل والنهب والتشريد، ثم طردوا من فرنسا نهائيا، ولكنهم عادوا إليها بعد أن دفعوا (لفيليب) ثلثى الديون التي لهم في فرنسا.3- وفي سنة 1321 م هاجمهم الشعب الفرنسى وذبح عددا كبيرا منهم، ونكل بهم تنكيلا شديدا، ثم طردوا من فرنسا بعد أن نهبت أموالهم ولم يستطيعوا العودة إليها إلا في أواسط القرن السادس عشر.4- وفي أوائل القرن التاسع عشر حاول (نابليون) أن يستغلهم لبلوغ مطامعه، ولكنهم خانوه، فاحتقرهم، وبطش بعدد منهم، وقال عنهم إنهم حثالات البشر وجراثيمه.ولم ينج اليهود من بطش الشعب الفرنسى إلا في القرنين التاسع عشر والعشرين.(ج) وفي إيطاليا، حاربهم البابوات حربا شعواء وأطلقوا عليهم اسم (الشعب المكروه) وأغروا الشعب الإيطالى بهم فأعمل فيهم القتل والتشريد وقد أصدر البابوات مراسيم عديدة لتكفير اليهود وتسفيه ديانتهم القائمة على التلمود.وفي سنة 1242 م أعلن البابا (جريجورى) التاسع اتهامات صريحة ضد التلمود الذي يطعن في المسيح والمسيحية، وأصدر أوامره بإحراقه فأحرقت جميع نسخه.وفي سنة 1540 ثار الشعب الإيطالى على اليهود ثورة عارمة قتل فيها الآلاف منهم وطردوا من بقي حيا خارج إيطاليا.(د) وفي أسبانيا: ذاق اليهود من الشعب الأسبانى وملوكه صنوف الذل وألوان الهوان، ولم يظفروا بالراحة إلا في أيام الحكم الإسلامى لأسبانيا. ولنكتف بذكر عقوبة واحدة من العقوبات المتعددة التي نزلت بهم في تلك البلاد.في عهد الملك (فرديناند) وزوجته (إيزابلا) وصلت موجة السخط على اليهود أقصاها لتغلغلهم في الحياة الأسبانية، واستيلائهم على اقتصادها وإشعالهم نار الخلافات الدينية بين الطوائف ... فرأى الملك وزوجته أن خير وسيلة لوقاية البلاد من شرورهم هي طردهم من أسبانيا طردا نهائيا.وفي 31 من مارس سنة 1952 صدر المرسوم التالي عن الملك (فرديناند) : (يعيش في مملكتنا عدد غير قليل من اليهود، ولقد أنشأنا محاكم التفتيش منذ اثنتي عشرة سنة. وهي تعمل دائما على توقيع العقوبة على المذنبين، وبناء على التقارير التي رفعتها لنا محاكم التفتيش، ثبت بأن الصدام الذي يقع بين المسيحيين واليهود يؤدى إلى ضرر عظيم، ويؤدى بالتالى إلى القضاء على المذهب الكاثوليكى، ولذا قررنا نفى اليهود ذكورا وإناثا خارج حدود مملكتنا وإلى الأبد وعلى اليهود جميعا الذين يعيشون في بلادنا وممتلكاتنا ومن غير تميز في الجنس أو الأعمار أن يغادروا البلاد في غضون فترة أقصاها نهاية يوليو من نفس العام، وعليهم ألا يحاولوا العودة تحت أى ظرف أو سبب .وبمقتضى هذا القرار طرد اليهود شر طردة من أسبانيا بعد أن أرغموا على ترك ذهبهم ونقودهم، وبعد أن نفثوا سمومهم في أسبانيا زهاء سبعة قرون وكان عددهم عند ما خرجوا منها مطرودين يبلغ نصف مليون نسمه ويعتبر بعض اليهود هذا القرار وما تلاه من طرد وتشريد أسوأ من خراب أورشليم.(ه) وفي روسيا: كان يعيش نصف يهود العالم تقريبا خلال القرن التاسع عشر وقد استعملوا طول مدة إقامتهم في روسيا كل وسائلهم الخبيثة للتدمير والتخريب، ففتحوا الحانات وتاجروا في الخمور، وأقرضوا بالربا الفاحش، واستولوا على الكثير من أموال الدولة بالطرق المحرمة، وقتلوا الكثير من أبناء الشعب الروسى عند ما مكنتهم الظروف من ذلك وكونوا الجمعيات السرية التي عملت على هدم نظام الحكم القيصري واستمرت في نشاطها حتى أزالته بواسطة الثورة الشيوعية في سنة 1917 م هذه الثورة التي كان معظم قوادها من اليهود. ولم ينس الروس لليهود ما قاموا به نحوهم من عدوان واستغلال، فانقضوا عليهم عدة مرات للتخلص منهم وأعملوا فيهم الذبح والقتل بلا رحمة، وكان من أبرز المذابح التي أوقعها الروس باليهود مذبحة سنة 1881 م ومذبحة سنة 1882 م فقد حاول الفلاحون الروس أن يدمروا اليهود تدميرا في هاتين السنتين.وعند ما نشر الكاتب الروسى (نيلوس) نسخا قليلة من (بروتوكولات حكماء صهيون) سنة 1902 م التي تفضح نيات اليهود الإجرامية تجاه العالم أجمع، جن جنونهم خوفا وفزعا. وعمت المذابح ضدهم في روسيا حتى لقد قتل منهم في إحداها نحو عشرة آلاف يهودي.(و) وفي ألمانيا: انتشر اليهود في كثير من مدنها منذ القرن الثامن الميلادى، وسكنوا على ضفاف نهر الراين. واستغلوا الشعب الألمانى أسوأ استغلال حتى كادوا يستولون على أمواله عن طريق الربا الفاحش واستخدام الوسائل المختلفة لجمع المال الحرام. ولقد هاج الشعب الألمانى ضدهم في أوقات مختلفة، واستعمل معهم كل وسائل القتل والسلب والطرد.يقول صاحب كتاب (تاريخ الإسرائيليين) وظل القتل والذبح منتشرا في اليهود إلى أن صدرت الأوامر بطردهم من أنحاء- ألمانيا- في أزمنة متتابعة، وذلك ما بين القرنين الثاني عشر والرابع عشر، حتى لم يكد يبقى منهم واحدا فيها) .وكان آخر ما لاقوه من عذاب وتقتيل وتشريد على يد «هتلر» ابتداء من توليه الحكم في ألمانيا سنة 1933 إلى أن سقط حكمه سنة 1945.وفي كل البلاد التي نزل بها اليهود، تعرضوا لنقمة السكان وغضبهم وازدرائهم، يستوي في ذلك تاريخهم القديم والوسيط والحديث، لقد أنزل العالم بهم ضربات قاصمة، وعقوبات صارمة، شملت التنكيل والطرد والسجن والقتل ومصادرة الأموال.ويقرر أحد الكتاب الغربيين أن كل الأمم المسيحية اشتركت في اضطهاد اليهود وإنزال مختلف العقوبات بهم، وكانت القسوة مع اليهود تعد مآثرة يمتدح المسيحيون بعضهم بعضا عليها .هذا، والشيء الذي نؤكده بعد سرد هذه النماذج من العقوبات التي نزلت باليهود في مختلف العصور والأمم، هو أن اليهود هم المسئولون عن كل اضطهاد وقع بهم، وأنهم مستحقون لهذه العقوبات لأسباب من أهمها:أولا: أنانيتهم وأطماعهم التي لا حدود لها «فقد سوغت لهم أنانيتهم أن العالم ملك لهم بكل من فيه وما فيه، وأن عليهم متى حلوا في أى دولة أن ينهبوا خيراتها بكل وسيلة وإن يجمعوا أموالها بأى طريقة، فإن المال هو معبود اليهود من قديم.وأنانية اليهود وجشعهم وأكلهم أموال الناس بالباطل، جعلهم محل نقمة العالم وغضبه،ولقد فطن بعض الزعماء العقلاء إلى خطر تغلغل اليهود في بلاده، فأخذ يطردهم منها، ويحذر أبناء أمته من شرورهم، ومن هؤلاء الزعماء العقلاء (بنيامين فرانكلين) أحد رؤساء الولايات المتحدة، فإنه ألقى خطابا سنة 1789 قال فيه: (هناك خطر عظيم يهدد الولايات المتحدة الأمريكية، وذلك الخطر هو (اليهود) . أيها السادة: حيثما استقر اليهود، تجدونهم يوهنون من عزيمة الشعب، ويزعزعون الخلق التجارى الشريف. إنهم لا يندمجون بالشعب. لقد كانوا.حكومة داخل الحكومة. وحينما يجدون معارضة من أحد فإنهم يعملون على خنق الأمة ماليا كما حدث للبرتغال وأسبانيا ... إذا لم يمنع اليهود من الهجرة بموجب الدستور. ففي أقل من مائتي سنة سوف يتدفقون على هذه البلاد بأعداد ضخمة تجعلهم يحكموننا ويدمروننا ويغيرون شكل الحكومة التي ضحينا وبذلنا لإقامتها دماءنا وحياتنا وأموالنا وحريتنا. إذا لم يستثن اليهود من الهجرة فإنه لن يمضى أكثر من مائتي سنة ليصبح أبناؤنا عمالا في الحقول لتأمين الغذاء لليهود..، إنى أحذركم أيها السادة. إذا لم تستثنوا اليهود من الهجرة إلى الأبد فسوف يلعنكم أبناؤكم وأحفادكم في قبوركم، إن عقليتهم تختلف عنا حتى لو عاشوا بيننا عشرة أجيال. والنمر لا يستطيع تغيير لونه. اليهود خطر على هذه البلاد. وإذا دخلوها فسوف يخربونها ويفسدونها) .وللتعليق على هذا الخطاب نقول: ما أصدق ما توقعه (فرانكلين) لولا أنه قد أخطأ التقدير في المدة اللازمة لتحويل أمريكا إلى بقرة حلوب لليهود، فقد قدر (فرانكلين) هذه المدة بمائتي سنة أى في سنة 1989، بينما استطاع اليهود أن يسخروا سياسة أمريكا وأسلحتها، وأموالها وعلمها ونفوذها وخيراتها، لمنفعتهم الخاصة في مدة تقل عما توقعه بأكثر من خمسين سنة.ثانيا: غرورهم وتعاليهم: فاليهود يعتبرون أنفسهم أبناء الله وأحباؤه، وشعبه المختار. ومن قديم الزمن وهم يقسمون العالم إلى قسمين متقابلين: قسم إسرائيل وهم صفوة الخلق وأصحاب الحظوة عند الله، وقسم آخر يسمونه الأمم (الجوييم) أى غير اليهود ومعنى (جوييم) عندهم، وثنيون وكفرة وبهائم وأنجاس. وقد أدى هذا الغرور والتعالي باليهود إلى إهدار كل حق لغيرهم عليهم، وأن من حق اليهود أن يسرقوا من ليس يهوديا وأن يغشوه ويكذبوا عليه ويقتلوه إذا أمنوا اكتشاف جرائمهم، وقد أشار القرآن الكريم إلى تلك الرذيلة التي تمكنت من اليهود بقوله. وَمِنْ أَهْلِ الْكِتابِ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِقِنْطارٍ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ وَمِنْهُمْ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِدِينارٍ لا يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ إِلَّا ما دُمْتَ عَلَيْهِ قائِماً، ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قالُوا لَيْسَ عَلَيْنا فِي الْأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ، وَيَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ .وكتب اليهود- لا سيما التلمود- طافحة بالوصايا التي تبيح لهم أن يعاملوا غيرهم بمعاملة تخالف معاملتهم مع بعضهم، من ذلك ما جاء في التلمود: إذا خدع يهود أحدا من الأمم وجاء يهودي آخر واختلس من الأمم بعض ما عنده بنقص الكيل أو زيادة الثمن، فعلى اليهوديين أن يقتسما الغنيمة التي أرسلها إليهما (يهواه) ويهواه هو إله اليهود.ونتيجة لهذا الغرور والتعالي الذي تميز به اليهود، وأهدروا بسببه كل حق أو كرامة لسواهم من الناس، قام غيرهم من الأمم ليدافع عن حقه الذي سلبوه منهم، وليوقع بهم أقسى العقوبات جزاء غرورهم الكاذب، وتعاليهم الباطل.ثالثا: عزلتهم وعصبيتهم وخيانتهم للبلاد التي آوتهم فهم متعصبون متحزبون، لا يجمعهم حب بعضهم لبعض ولكن تجمعهم كراهية من ليس على ملتهم، كما يجمعهم الحقد على العالم بأسره. وقد أصبحت العزلة والعصبية والعنصرية طابع اليهود الذي لا محيد لهم عنه.ويصف الدكتور (ويزمان) أول رئيس لإسرائيل طابع العزلة في اليهود بقوله: (وكان اليهود في موتول (مسقط رأسه) بروسيا، يعيشون كما يعيش اليهود في مئات المدن الصغيرة والكبيرة منعزلين منكمشين، وفي عالم غير عالم الناس الذين يعيشون معهم) .ولعل أدق صورة للتحريض على العزلة والتمسك بها، ما ذكره (سلامون شحتر) في خطابه بمدرسة اللاهوت اليهودية العليا حيث قال: (إن معنى الاندماج في الأمم هو فقدان الذاتية.وهذا النوع من الاندماج مع ما يترتب عليه من النتائج، هو ما أخشاه أكثر مما أخشى المذابح والاضطهادات) .وقد تسبب عن عزلتهم وعصيبتهم أمور خطيرة، فقد نظروا إلى من سواهم من الأمم نظرة كلها عداء وريبة وحذر، وصار طابعهم في كل زمان ومكان عدم الإخلاص لاية هيئة دينية أو دنيوية. وعدم الولاء للأوطان التي يعيشون فيها ويأكلون من خيراتها، وإنما يجعلون ولاءهم لجماعتهم ومصالحهم الخاصة دون غيرها، لأن اليهودي يهودي قبل كل شيء، مهما تكن جنسيته، ومهما يعتنق من عقائد ومبادئ في الظاهر، وإذا تعارضت جنسيته مع يهوديته ناصر يهوديته، وحاول أن يشيع الخراب والدمار في الأمة التي هو فرد من أفرادها خصوصا إذا أمن العقاب والصهيونية العالمية تأمر اليهود في كل مكان أن يجعلوا ولاءهم لإسرائيل وليس للدولة التي يعيشون فيها.تقول جولدامايير وزيرة خارجية إسرائيل سابقا: (إن اليهود المقيمين خارج إسرائيل طوائف مشتتة تعيش في المنفي، وأنهم مواطنون إسرائيليون قبل كل شيء، ويتحتم عليهم الولاء المطلق لهذه الدولة الجديدة مهما تكن جنسيتهم الرسمية التي يسبغونها على أنفسهم، وإن اليهودي الإنجليزى الذي ينشد بحكم إنجليزيته نشيد (حفظ الله الملكة) لا يمكن أن يكون في نفس الوقت صهيونيا) .وما أكثر الحوادث التي قام فيها اليهود بدور العيون والجواسيس على الأوطان التي يعيشون فيها لحساب أعدائها، واظهر مثل على ذلك ما قام به اليهود المقيمون في ألمانيا من خيانات لها خلال الحرب العالمية الأولى، وكان ثمرة هذه الخيانات هزيمة ألمانيا، ومنح اليهود جزاء غدرهم الوطنى وعد (بلفور) من الحكومة البريطانية سنة 1917 م.وقد عدد (هتلر) خيانات اليهود لألمانيا فذكر منها استنزاف أموال الشعب بالربا الفادح وإفساد التعليم والسيطرة لصالحهم على المصارف والبورصة والشركات التجارية، والسيطرة على دور النشر، والتدخل في سياسة الدولة لغير مصلحة ألمانيا وفي القمة من خياناتهم التجسس ضد ألمانيا الذي احترفه عدد كبير منهم.ويختم هتلر حديثه الطويل عن اليهود بقوله (وإذا قيض لليهودي أن يتغلب على شعوب هذا العالم، فسيكون تاجه إكليل جنازة البشرية، وعند ما يستأنف كوكبنا السيار طوافه في الأثير كما فعل منذ ملايين السنين لن يكون هناك بشر على سطحه.. لهذا أعتقد أنى تصرفت معهم حسبما شاء خالقنا، لأنى بدفاعى عن نفسي ضد اليهودي، أنما أناضل في سبيل الدفاع، عن عمل الخالق) .وإذن فعزلة اليهود، وعصبيتهم، وخيانتهم للأوطان التي آوتهم، كان جزاؤها العادل ما حل بهم من دمار وتشريد خلال العصور المختلفة.رابعا: اضطهادهم لغيرهم متى ملكوا القدرة الظاهرة أو الخفية لذلك وتاريخ اليهود ملطخ بجراثم القتل والذبح والنهب والسلب والغدر والبطش بغيرهم وملئ بالمجاز التي قاموا بها ضد الشعوب التي كان لهم النصر عليها، وقد ساعدهم على ذلك ما أمرتهم به كتبهم من قتل وإذلال لغيرهم متى واتتهم الفرصة عليه، ففي سفر الخروج ما نصه.(حين تقترب من مدينة لكي تحاربها استدعها إلى الصلح، فإن إجابتك فكل الشعب الموجود فيها يكون للتسخير، ويستعبد لك، وإن لم تسالمك بل عملت معك حربا فحاصرها، وإذا دفعها الرب إلهك إلى يدك فاضرب جميع ذكورها بحد السيف، هكذا تفعل بجميع المدن البعيدة منك جدا، وأما مدن هؤلاء الشعوب التي يعطيك الرب إياها فلا تستبق منها نسمة ما) .ولقد طبق اليهود هذه التعاليم أسوأ تطبيق في كل أدوار تاريخهم فلقد قتلوا في روما وحدها مائة ألف مسيحى سنة 214 م بإيعاز من الإمبراطور (مارك أوريل) .وما لنا نذهب بعيدا في الاستشهاد على إجرامهم، ومعارك فلسطين ما زالت ماثلة في أذهاننا، يقول أحد الكتاب المعاصرين: (إن مذبحة دير ياسين كانت من أبشع المذابح التي ارتكبها اليهود. فقد قتلوا مائتين وخمسين إنسانا في قرية صغيرة ومثلوا بأجسامهم، وذبحوا الأطفال في أحضان أمهاتهم وأمام أعينهن) . وحدث ما يشبه هذه المذابح في كثير من مدن فلسطين كحيفا ويافا وقبية وكفر قاسم.والحق، أن مفاهيم اليهود الباطلة، وأنانيتهم الطاغية، وطباعهم اللئيمة وأخلاقهم الفاسدة، وعصبيتهم الذميمة، وقلوبهم القاسية، واستباحتهم لقتل غيرهم، وإهدار كرامته، كل ذلك جعلهم محل نقمة العالم وغضبه، وبسبب هذه الأخلاق المرذولة سلط الله عليهم من يسومهم سوء العذاب إلى يوم القيامة، ومن يمزقهم شر ممزق.ويعجبني في هذا المقام قول المؤرخ اليهودي «يوسيفوس» «لا توجد أمة في الأرض في كل أجيال التاريخ منذ بدء الخليقة إلى الآن تحملت ما تحمل بنو إسرائيل من الكوارث والآلام، على أن هذه الكوارث والآلام لم تكن إلا من صنع بنى إسرائيل أنفسهم» .والآن، بعد سرد هذه العقوبات التي حلت ببني إسرائيل في مختلف العصور تأييدا لقوله- تعالى- لَيَبْعَثَنَّ عَلَيْهِمْ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ مَنْ يَسُومُهُمْ سُوءَ الْعَذابِ بسبب أعمالهم السيئة نعود إلى السورة الكريمة فنراها تحدثنا عن لون من ألوان الدعاوى الباطلة التي حكاها القرآن عنهم، وهو زعمهم أن ذنوبهم مغفورة لهم، وأنهم مهما فعلوا من ذنوب، وارتكبوا من موبقات، واستحلوا من أموال حرام، فلن يحاسبهم الله على ذلك إلا حسابا يسيرا لأنهم أبناؤه وأحباؤه، واستمع إلى السورة الكريمة وهي تحكى ذلك عنهم فتقول:
7:169
فَخَلَفَ مِنْۢ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ وَّرِثُوا الْكِتٰبَ یَاْخُذُوْنَ عَرَضَ هٰذَا الْاَدْنٰى وَ یَقُوْلُوْنَ سَیُغْفَرُ لَنَاۚ-وَ اِنْ یَّاْتِهِمْ عَرَضٌ مِّثْلُهٗ یَاْخُذُوْهُؕ-اَلَمْ یُؤْخَذْ عَلَیْهِمْ مِّیْثَاقُ الْكِتٰبِ اَنْ لَّا یَقُوْلُوْا عَلَى اللّٰهِ اِلَّا الْحَقَّ وَ دَرَسُوْا مَا فِیْهِؕ-وَ الدَّارُ الْاٰخِرَةُ خَیْرٌ لِّلَّذِیْنَ یَتَّقُوْنَؕ-اَفَلَا تَعْقِلُوْنَ(۱۶۹)
پھر ان کی جگہ ان کے بعد وہ (ف۳۲۵) ناخلف آئے کہ کتاب کے وارث ہوئے (ف۳۲۶) اس دنیا کا مال لیتے ہیں (ف۳۲۷) اور کہتے اب ہماری بخشش ہوگی (ف۳۲۸) اور اگر ویسا ہی مال ان کے پاس اور آئے تو لے لیں (ف۳۲۹) کیا ان پر کتاب میں عہد نہ لیا گیا کہ اللہ کی طرف نسبت نہ کریں مگر حق اور انہوں نے اسے پڑھا (ف۳۳۰) اور بیشک پچھلا گھر بہتر ہے پرہیزگاروں کو (ف۳۳۱) تو کیا تمہیں عقل نہیں،

قال الإمام القرطبي: الخلف- بسكون اللام- الأولاد، الواحد والجمع فيه سواء، الخلف- بفتح اللام- البدل، ولدا كان أو غريبا. وقال ابن الأعرابى: الخلف- بفتح اللام- الصالح، وبسكونها الطالح، ومنه قيل للردى من الكلام خلف- بسكون اللام- ومنه المثل السائر «سكت ألفا ونطق خلفا» قال لبيد.ذهب الذين يعاش في أكنافهم- وبقيت في خلف كجلد الأجرب.فخلف في الذم بالإسكان، وخلف بالفتح في المدح، هذا هو المستعمل المشهور، وفي الحديث الشريف (يحمل هذا العلم من كل خلف عدو له) وقد يستعمل كل واحد منهما موضع الآخر .والعرض- بفتح الراء- متاع الدنيا وحطامها من المال وغيره.قال صاحب الكشاف: قوله تعالى: يَأْخُذُونَ عَرَضَ هذَا الْأَدْنى أى حطام هذا الشيء الأدنى، يريد الدنيا وما يتمتع به منها، وفي قوله هذا تخسيس وتحقير، والأدنى إما من الدنو بمعنى القرب، لأنه عاجل قريب، وإما من دنو الحال وسقوطها وقلتها والمراد ما كانوا يأخذونه من الرشا في الأحكام على تحريف الكلم للتسهيل على العامة) .والضمير في قوله مِنْ بَعْدِهِمْ يعود إلى اليهود الذين وصفهم الله في الآية السابقة بقوله وَقَطَّعْناهُمْ فِي الْأَرْضِ أُمَماً مِنْهُمُ الصَّالِحُونَ وَمِنْهُمْ دُونَ ذلِكَ وَبَلَوْناهُمْ بِالْحَسَناتِ وَالسَّيِّئاتِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ.والمعنى: فخلف من بعد أولئك القوم الذين قطعناهم في الأرض أمما خلف سوء، ورثوا كتاب الله وهو التوراة فقرأوه وتعلموه، ووقفوا على ما فيه من تحليل وتحريم وأمر ونهى ولكنهم لم يتأثروا به بل خالفوا أحكامه، واستحلوا محارمه مع علمهم بها، فهم يتهافتون على حطام الدنيا ومتاعها ويتقبلون المال الحرام بشراهة نفس. ويأكلون السحت أكلا لما ويقولون وهم والغون في المعاصي ومصرون على الذنوب: إن الله سيغفر لنا ذنوبنا ولا يؤاخذنا بما أكلنا من أموال، لأننا من نسل أنبيائه، فنحن شعبه الذي اصطفاه من سائر البشر، إلى غير ذلك من الأقاويل التي يفترونها على الله وهم يعلمون.وجملة يَأْخُذُونَ عَرَضَ هذَا الْأَدْنى مستأنفة لبيان ما يصنعون بالكتاب بعد وراثتهم إياه.وقيل: هي حال من الضمير في ورثوا.ثم أخبر- سبحانه- عنهم بأنهم أهل إصرار على ذنوبهم، وليسوا بأهل إنابة ولا توبة فقال تعالى: (وإن يأتهم عرض مثله يأخذوه) أى: أنهم يأخذون عرض الحياة الدنيا ويعرضون عن شريعة الله التي أنزلها عليهم في التوراة ويزعمون أن الله لا يؤاخذهم بما فعلوا. ثم هم بعد ذلك لا يتوبون إلى الله ولا يستغفرونه، وإنما حالهم أنهم إن لاح لهم عرض حرام آخر مثل الذي أخذوه أولا بالباطل، تهافتوا عليه من جديد واستحلوه وأكلوه في بطونهم، وبدون توبة أو ندم.قال مجاهد قوله تعالى وَإِنْ يَأْتِهِمْ عَرَضٌ مِثْلُهُ يَأْخُذُوهُ لا يشرف لهم شيء من متاع الدنيا إلا أخذوه حلالا كان أو حراما، ويتمنون المغفرة (ويقولون سيغفر لنا) وإن يجدوا عرضا مثله يأخذوه .وقال السدى: (كانت بنو إسرائيل لا يستقضون قاضيا إلا ارتشى في الحكم وإن خيارهم اجتمعوا، فأخذ بعضهم على بعض العهود أن لا يفعلوا ولا يرتشوا، فجعل الرجل منهم إذا استقضى ارتشى، فيقال له ما شأنك ترتشى في الحكم؟ فيقول سيغفر لي، فيطعن عليه البقية الآخرون من بنى إسرائيل صنعه فإذا مات أو نزع وجعل مكانه رجل ممن كان يطعن عليه قبل الرشوة، ويقول: (وإن يأت الآخرين عرض الدنيا يأخذوه) .ثم أنكر- سبحانه- عليهم ما زعموه بقولهم: (سيغفر لنا) وهم مصرون على معصيتهم فقال تعالى: (ألم يؤخذ عليهم ميثاق الكتاب أن لا يقولوا على الله إلا الحق ودرسوا ما فيه) .والمعنى: لقد أخذ الله العهد في التوراة على هؤلاء المرتشين في أحكامهم: والقائلين سيغفر الله فعلنا هذا ألا يقولوا على الله إلا القول الحق، ولا يخبروا عنه إلا بالصدق ولا يخالفوا أمره.ولا ينقضوا عهده، ولا يتجاوزوا حدوده، وقد درس هؤلاء الكتاب، أى: قرءوه وفهموه، ولكنهم لم يعملوا بما أخذ عليهم من عهود ولم يتبعوا أوامر كتابهم ونواهيه، لأنهم درسوه ولم يتأثروا به، ولم تخالط تعاليمه شغاف قلوبهم، فضيعوه واشتروا به ثمنا قليلا فبئس ما يشترون.وقوله أَنْ لا يَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ بدل من ميثاق الكتاب أو عطف بيان له. وقيل إنه مفعول لأجله أى: لئلا يقولوا.وجملة وَدَرَسُوا ما فِيهِ معطوفة في المعنى على قوله تعالى أَلَمْ يُؤْخَذْ عَلَيْهِمْ مِيثاقُ الْكِتابِ أى أن الله تعالى قد أخذ عليهم الميثاق في التوراة ودرسوه.قال ابن دريد: (كان يأتيهم المحق برشوة فيخرجون له كتاب الله فيحكمون له به، فإذا جاء المبطل أخذوا منه الرشوة وأخرجوا له كتابهم الذي كتبوه بأيديهم وحكموا له .ثم بين الله لهم أن ما أعده في الآخرة للمتقين الذين يتعففون عن السحت وعن أكل أموال الناس بالباطل خير من متاع الدنيا وزهرتها الذي آثره هؤلاء الذين يفترون على الله الكذب فقال تعالى: وَالدَّارُ الْآخِرَةُ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ أَفَلا تَعْقِلُونَ أى: والدار الآخرة وما أعده فيها من نعيم لأولئك الذين يتقونه حق تقاته في السر والعلن، خير من عرض هذا الأدنى الذي استحله هؤلاء اليهود بدون حق وآثروه على ما عند الله من نعيم مقيم وثواب جزيل أَفَلا تَعْقِلُونَ- يا من أكلتم أموال الناس بالباطل وقلتم سيغفر الله لنا ذنوبنا- هذا الحكم الواضح، الذي لا يخفى على ذي عقل سليم، لم تطمسه الشهوات، ولم يستحوذ عليه الشيطان.وفي هذا إشارة إلى أن الطمع في متاع الحياة الدنيا هو الذي جعل بنى إسرائيل يقولون على الله غير الحق. ويتشبعون من المال الحرام بدون تعفف ويبيعون دينهم بدنياهم.قال الإمام الآلوسى: (والمراد من الآية توبيخ أولئك الورثة على بتهم القول بالمغفرة مع إصرارهم على الذنوب وجاء البت من السين فإنها للتأكيد كما نص عليه المحققون، وعن ابن عباس- رضى الله عنهما- إنهم وبخوا على إيجابهم على الله- تعالى- غفران ذنوبهم التي لا يزالون يعودون إليها ثم لا يتوبون منها.وقد أطبق أهل السنة على ذم المتمنى على الله، ورووا عن شداد بن أوس أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: (الكيس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت والعاجز من أتبع نفسه هواها وتمنى على الله الأمانى) ومن هنا قيل: إن القوم ذموا بأكلهم أموال الناس بالباطل وباتباعهم أنفسهم هواها وتمنيهم على الله- سبحانه- الأمانى، ووبخوا على افترائهم على الله في الأحكام التي غيروها، وأخذوا عرض هذا الأدنى على تغييرها، وقالوا على الله ما ليس بحق من القول) .
7:170
وَ الَّذِیْنَ یُمَسِّكُوْنَ بِالْكِتٰبِ وَ اَقَامُوا الصَّلٰوةَؕ-اِنَّا لَا نُضِیْعُ اَجْرَ الْمُصْلِحِیْنَ(۱۷۰)
اور وہ جو کتاب کو مضبوط تھامتے ہیں (ف۳۳۲) اور انہوں نے نماز قائم رکھی، ہم نیکوں کا نیگ (اجر) نہیں گنواتے،

ثم أثنى الله- تعالى- على من تمسك بكتابه، فأحل حلاله وحرم حرامه، ولم يتقول على الله الكذب فقال تعالى: وَالَّذِينَ يُمَسِّكُونَ بِالْكِتابِ وَأَقامُوا الصَّلاةَ إِنَّا لا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُصْلِحِينَ.والمراد بالكتاب التوراة أو القرآن أو جنس الكتب السماوية عموما.والمعنى: والذين يستمسكون بأوامر الكتاب الذي أنزله الله ويعتصمون بحبله في جميع شئونهم إنا لا نضيع أجرهم لأنهم قد أصلحوا دينهم ودنياهم والله لا يضيع أجر من أحسن عملا.وخص الصلاة بالذكر مع دخولها فيما قبلها إظهارا لمزيتها لكونها عماد الدين وناهية عن الفحشاء والمنكر.وبذلك تكون الآيتان الكريمتان قد وبختا اليهود لافترائهم على الله الكذب وردتا عليهم في دعواهم أن ذنوبهم مغفورة لهم مع تعمدهم أكل أموال الناس بالباطل، وبينتا لهم طريق الفلاح لكي يسيروا عليها، إن كانوا ممن ينتفع بالذكر، ويعتبر بالمثلات.ثم ختمت السورة الكريمة حديثها الطويل عن بنى إسرائيل بتذكيرهم بالعهد الذي أخذه الله عليهم، وبأمرهم بالإيمان والعمل الصالح فقالت:
7:171
وَ اِذْ نَتَقْنَا الْجَبَلَ فَوْقَهُمْ كَاَنَّهٗ ظُلَّةٌ وَّ ظَنُّوْۤا اَنَّهٗ وَاقِعٌۢ بِهِمْۚ-خُذُوْا مَاۤ اٰتَیْنٰكُمْ بِقُوَّةٍ وَّ اذْكُرُوْا مَا فِیْهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُوْنَ۠(۱۷۱)
اور جب ہم نے پہاڑ ان پر اٹھایا گویا وہ سائبان ہے اور سمجھے کہ وہ ان پر گر پڑے گا (ف۳۳۳) تو جو ہم نے تمہیں دیا زور سے (ف۳۳۴) اور یاد کرو جو اس میں ہے کہ کہیں تم پرہیزگار ہو،

والآية الكريمة معطوفة على ما سبق من أحوال بنى إسرائيل بتقدير: اذكر.ونتقنا: من النتق وهو الزعزعة والرفع والجذب بشدة، يقال: نتق الشيء ينتقه وينتقه، جذبه واقتلعه.والمراد بالجبل جبل الطور الذي سمع موسى عليه الكلام من ربه.قيل: «إن موسى لما أتى بنى إسرائيل بالتوراة وقرأها عليهم وسمعوا ما فيها من التغليظ كبر ذلك عليهم، وأبوا أن يقبلوا ذلك، فأمر الله الجبل فانقطع من أصله حتى قام على رءوسهم مقدار عسكرهم، فلما نظروا إليه فوق رءوسهم خروا ساجدين، فسجدوا كل واحد منهم على خده وحاجبه الأيسر، وجعل ينظر بعينه اليمنى إلى الجبل خوفا من أن يسقط فوقهم .أى: واذكر يا محمد وذكر بنى إسرائيل المعاصرين لك وقت أن رفعنا الجبل فوق آبائهم الذين كانوا في عهد موسى حتى صار كأنه غمامة أو سقيفة فوق رءوسهم لنريهم آية من الآيات التي تدل على قدرتنا وعلى صدق نبينا موسى- عليه السلام-.قال بعض العلماء: «ورفع الجبل فوقهم لإرشادهم آية من آيات الله تقوى إيمانهم بأن التوراة منزلة من عند الله، وقوة الإيمان من شأنها أن تدفع إلى العمل بما في الكتاب المنزل بجد واجتهاد» .وقوله وَظَنُّوا أَنَّهُ واقِعٌ بِهِمْ أى: ووقع في نفوسهم أن الجبل ساقط عليهم إذا لم يستجيبوا لما أمرهم به نبيهم- عليه السلام-.قال الجمل: وقوله وَظَنُّوا فيه أوجه:أحدها: أنه في محل جر نسقا على نتقنا المخفوض بالظرف تقديرا.والثاني: أنه حال، و «قد» مقدرة عند بعضهم، وصاحب الحال الجبل.أى: كأنه ظلة في حال كونه مظنونا وقوعه بهم.والثالث: أنه مستأنف فلا محل له. والظن هنا على بابه، وقيل بمعنى اليقين» .وقوله خُذُوا ما آتَيْناكُمْ بِقُوَّةٍ مقول لقول محذوف دل عليه المعنى.والتقدير: وقلنا لهم خذوا ما آتيناكم بقوة، أى تمسكوا به واعملوا بما فيه يجد ونشاط، وتقبلوه بحسن استعداد وبدون تقصير أو تردد.والمراد بقوله: ما آتَيْناكُمْ التوراة التي أنزلها الله على موسى لتكون هدى ونورا لهم.وقوله وَاذْكُرُوا ما فِيهِ أى: احفظوه وتدبروه وتدارسوه واعملوا به بلا تعطيل لشيء منه.قال القرطبي: وهذا هو من المقصود من الكتب: العمل بمقتضاها لا تلاوتها باللسان فحسب، فقد روى النسائي عن أبى سعيد الخدري أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «إن من شر الناس رجلا فاسقا يقرأ القرآن لا يرعوى إلى شيء منه» .و «لعل» في قوله لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ إما للتعليل فيكون المعنى: خذوا الكتاب بجد وعزم، واعملوا بما فيه بصدق وطاعة لتتقوا الهلاك في دنياكم وآخرتكم. وإما للترجى، وهو منصرف إلى المخاطبين فيكون المعنى: خذوا ما آتيناكم بقوة واذكروا ما فيه ولا تنسوه وأنتم ترجون أن تكونوا من طائفة المتقين.ولكن بنى إسرائيل لم يذكروا ولم يتدبروا بل نقضوا العهد، ولجوا في المعصية، فاستحقوا لعنة الله وغضبه، وما ربك بظلام للعبيد.وبذلك تكون سورة الأعراف قد حدثتنا- من بين ما حدثتنا- من مطلعها إلى هنا عن هداية القرآن الكريم، وعن يوم القيامة وما فيه من ثواب وعقاب، وجنة ونار، وعن النداءات التي وجهها الله- تعالى- لبنى آدم تذكيرا وتوجيها وتعليما حتى يسعدوا في دينهم ودنياهم، وعن أحوال السعداء والأشقياء في الآخرة وما يدور بينهم من مناقشات ومحاورات، وعن قصة آدم وإبليس وعن قصص نوح وهود وصالح ولوط وشعيب مع أقوامهم، ثم أفاضت السورة الكريمة في حديثها عن قصة موسى مع فرعون ومع بنى إسرائيل.والهدف الأول الذي قصدته السورة مما عرضته من قصص وتوجيهات وإرشادات هو إثبات وحدانية الله، وإخلاص العبادة له، وحمل الناس على السير في الطريق المستقيم، وقد استعملت السورة في عرضها لتلك الحقائق أساليب الترغيب والترهيب، والتذكير بالنعم والتحذير من النقم، وإقامة الحجج ودفع الشبه.ثم بدأت السورة بعد أن انتهت من حديثها عن بنى إسرائيل وحتى نهايتها تحدثنا عن قضية التوحيد من زاوية جديدة عميقة، زاوية الفطرة التي فطر الله عليها البشر، ولنتصاحب سويا- أيها القارئ الكريم- متأملين فيما ساقته لنا السورة الكريمة في الربعين الأخيرين منها من آيات تزخر بالأدلة العقلية والمنطقية التي تثبت وحدانية الله وتبطل الشرك والشركاء، مستعينة في ذلك بما تهدى إليه الفطرة البشرية والطبيعة الانسانية.تدبر معى قوله- تعالى-:
7:172
وَ اِذْ اَخَذَ رَبُّكَ مِنْۢ بَنِیْۤ اٰدَمَ مِنْ ظُهُوْرِهِمْ ذُرِّیَّتَهُمْ وَ اَشْهَدَهُمْ عَلٰۤى اَنْفُسِهِمْ اَلَسْتُ بِرَبِّكُمْؕ-قَالُوْا بَلٰىۚۛ-شَهِدْنَاۚۛ-اَنْ تَقُوْلُوْا یَوْمَ الْقِیٰمَةِ اِنَّا كُنَّا عَنْ هٰذَا غٰفِلِیْنَۙ(۱۷۲)
اور اے محبوب! یاد کرو جب تمہارے رب نے اولاد آدم کی پشت سے ان کی نسل نکالی اور انہیں خود ان پر گواہ کیا، کیا میں تمہارا رب نہیں (ف۳۳۵) سب بولے کیوں نہیں ہم گواہ ہوئے (ف۳۳۶) کہ کہیں قیامت کے دن کہو کہ ہمیں اس کی خبر نہ تھی (ف۳۳۷)

قال صاحب المنار: هذه الآيات بدء سياق جديد في شئون البشر العامة المتعلقة بهداية الله لهم بما أودع في فطرتهم وركب في عقولهم من الاستعداد للايمان به وتمجيده وشكره، في إثر بيان هدايته لهم بإرسال الرسل وإنزال الكتب في قصة بنى إسرائيل. فالمناسبة بين هذا وما قبله ظاهرة، ولذلك عطف عليه عطف جملة على جملة أو سياق على سياق.قوله وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ الظهور: جمع ظهر وهو العمود الفقرى لهيكل الإنسان الذي هو قوام بنيته.والذرية: سلالة الإنسان من الذكور والإناث.وقوله مِنْ ظُهُورِهِمْ بدل بعض من قوله مِنْ بَنِي آدَمَ وذُرِّيَّتَهُمْ مفعول أخذ.والمعنى: واذكر أيها الرسول وذكر كل عاقل وقت أن استخرج الله- تعالى- من أصلاب بنى آدم ذريتهم، وذلك الإخراج أنهم كانوا نطفة فأخرجها- سبحانه- في أرحام الأمهات، وجعلها علقة ثم مضغة، ثم جعلها بشرا سويا، وخلقا كاملا مكلفا.قال الآلوسى: وإيثار الأخذ على الإخراج للإيذان بشأن المأخوذ إذ ذاك لما فيه من الإنباء عن الاجتباء والاصطفاء وهو السبب في إسناده إلى اسم الرب بطريق الالتفات مع ما فيه من التمهيد للاستفهام الآتي. وقيل إن إيثار الأخذ على الإخراج لمناسبة ما تضمنته الآية من الميثاق، فإن الذي يناسبه هو الأخذ دون الإخراج.والتعبير بالرب لما أن ذلك الأخذ باعتبار ما يتبعه من آثار الربوبية.وقوله: وَأَشْهَدَهُمْ عَلى أَنْفُسِهِمْ أى: أشهدهم على أنفسهم بما ركب فيهم من دلائل وحدانيته، وعجائب خلقه، وغرائب صنعته، وبما أودع في قلوبهم من غريزة الإيمان، وفي عقولهم من مدارك تهديهم إلى معرفة ربهم وخالقهم.وقوله: أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ مقول لقول محذوف: أى: قائلا لهم- بعد أن أشهدهم على أنفسهم بما ركب فيهم من دلائل الوحدانية- ألست بربكم، ومالك أمركم، ومربيكم على الإطلاق، من غير أن يكون لأحد مدخل في شأن من شئونكم قالُوا بَلى شَهِدْنا أى: قالوا بلى شهدنا على أنفسنا عن عقيدة وإقناع بأنك أنت ربنا وخالقنا ولا رب لنا سواك، فإن آثار رحمتك وعجائب خلقك، ومظاهر قدرتك تجعلنا لا نتردد في هذه الشهادة.وبَلى حرف جواب، وتختص بالنفي فلا تقع إلا جوابه فتفيد إبطاله سواء أكان مجردا أم مقرونا بالاستفهام ولذلك قال ابن عباس وغيره، لو قالوا نعم لكفروا. لأن نعم حرف تصديق للمخبر بنفي أو إيجاب.قال صاحب الكشاف: وقوله: أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قالُوا بَلى من باب التمثيل ومعنى ذلك أنه نصب لهم الأدلة على ربوبيته ووحدانيته، وشهدت بها عقولهم وبصائرهم التي ركبها فيهم وجعلها مميزة بين الضلالة والهدى، فكأنه أشهدهم على أنفسهم وقررهم وقال لهم: ألست بربكم؟ وكأنهم قالوا: بلى أنت ربنا شهدنا على أنفسنا وأقررنا بوحدانيتك، وباب التمثيل واسع في كلام الله- تعالى- وفي كلام رسوله صلّى الله عليه وسلّم وفي كلام العرب. ونظيره قوله تعالى- إِنَّما قَوْلُنا لِشَيْءٍ إِذا أَرَدْناهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ وقوله فَقالَ لَها وَلِلْأَرْضِ ائْتِيا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً قالَتا أَتَيْنا طائِعِينَ. ومعلوم أنه لا قول ثم وإنما تمثيل وتصوير للمعنى».والمقصود من الآية الكريمة الاحتجاج على المشركين بمعرفتهم ربوبيته- تعالى- معرفة فطرية لازمة لهم لزوم الإقرار منهم والشهادة. قال- تعالى-: فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْها لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ.والفطرة هي معرفة ربوبيته- سبحانه-:وقد وردت أحاديث كثيرة تشهد بأن الناس قد فطرهم الله- تعالى- على معرفته، ومن ذلك ما جاء في الصحيحين عن أبى هريرة قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: ما من مولود الا ويولد على الفطرة، فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه، كما تنتج البهيمة جمعاء- أى سالمة الأذن- هل تحسون فيها من جدعاء- أى مقطوعة الأذن.وفي صحيح مسلم عن عياض بن حمار قال: قال رسول الله- صلّى الله عليه وسلّم: يقول الله- تعالى- إنى خلقت عبادي حنفاء، فجاءتهم الشياطين فاجتالتهم عن دينهم- أى صرفتهم عن دينهم- وحرمت عليهم ما أحللت لهم» .وروى الطبري عن الحسن الأسود بن سريع قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم «كل نسمة تولد على الفطرة حتى يعرب عنها لسانها فأبواها يهودانها أو ينصرانها» ولذلك يتبين لنا أن المعنى الإجمالى للآية الكريمة أن الله- تعالى- نصب للناس في كل شيء من مخلوقاته- ومنها أنفسهم- دلائل توحيده وربوبيته، وركز فيهم عقولا وبصائر يتمكنون بها تمكنا تاما من معرفته والاستدلال بها على التوحيد والربوبية حتى صاروا بمنزلة من إذا دعى إلى الإيمان بها سارع إليه بدون شك أو تردد.فالكلام على سبيل المجاز التمثيلى لكون الناس قد فطرهم الله- تعالى- على معرفته والإيمان به، وجعلهم مستعدين جميعا للنظر المؤدى إلى الاعتراف بوحدانيته، ولا إخراج للذرية ولا قول ولا إشهاد بالفعل.وعلى هذا الرأى سار المحققون من مفسري السلف والخلف:ويرى بعض المفسرين أن معنى الآية الكريمة: أن الله- تعالى- مسح ظهر آدم فأخرج منه ذريته كالذر، وأحياهم وجعل لهم العقل والنطق، وألهمهم ذلك الإقرار، ثم أعادهم إلى ظهر أبيهم آدم، واستشهدوا لذلك بأحاديث وآثار ليست صحيحة الاسناد، وما حسن إسناده منها فقد أوله العلماء بما يتفق مع منطوق الآية الكريمة.وقد رد أصحاب الرأى الأول على هذا البعض بردود منها: أن الله- تعالى قال: وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ ولم يقل من آدم، وقال مِنْ ظُهُورِهِمْ ولم يقل من ظهره، وقال ذُرِّيَّتَهُمْ ولم يقل ذريته. قال إِنَّما أَشْرَكَ آباؤُنا ولم يكن لهم يومئذ أب مشرك، لأن آدم حاشاه من الشرك بالله- تعالى:قال الإمام ابن كثير بعد أن ساق عددا كبيرا من الأحاديث في هذا المعنى: ومن ثم قال قائلون من السلف والخلف: إن المراد بهذا الاشهاد إنما هو فطرهم على التوحيد كما تقدم في حديث أبى هريرة وعياض والأسود بن سريع وقد فسر الحسن الآية بذلك».ثم بين- سبحانه- سبب الاشهاد وعلله فقال: أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هذا غافِلِينَ أى: فعلنا ما فعلنا كراهة أن تقولوا، أو منعا من أن تقولوا يوم القيامة معتذرين عن شرككم: إنا كنا عن هذا الأمر وهو إفراد الله- تعالى- بالربوبية غافلين لم ننبه إليه، لأنهم ما داموا قد خلقوا على الفطرة، ونصب الله لهم في كل شيء من مخلوقاته ما يدل على وحدانيته، وجاءتهم الرسل فبشرتهم وأنذرتهم. فقد بطل عذرهم، وسقطت حجتهم.
7:173
اَوْ تَقُوْلُوْۤا اِنَّمَاۤ اَشْرَكَ اٰبَآؤُنَا مِنْ قَبْلُ وَ كُنَّا ذُرِّیَّةً مِّنْۢ بَعْدِهِمْۚ-اَفَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ الْمُبْطِلُوْنَ(۱۷۳)
یا کہو کہ شرک تو پہلے ہمارے باپ دادا نے کیا اور ہم ان کے بعد بچے ہوئے (ف۳۳۸) تو کیا تو ہمیں اس پر ہلاک فرمائے گا جو اہل باطل نے کیا (ف۳۳۹)

ثم بين- سبحانه- سببا آخر لهذا الاشهاد فقال: أَوْ تَقُولُوا إِنَّما أَشْرَكَ آباؤُنا مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِنْ بَعْدِهِمْ.أى. وفعلنا ذلك- أيضا منعا لكم من أن تقولوا يوم الحساب: إن آباءنا هم الذين سنوا هذا الإشراك وساروا عليه فنحن قد اتبعناهم في ذلك بمقتضى أننا أبناؤهم، وننهج نهجهم من بعدهم، فإن قولكم هذا غير مقبول بعد أن هيأ الله لكم من الأسباب ما يفتح قلوبكم لنور الحق لو كنتم مستعدين لقبوله.والاستفهام في قوله أَفَتُهْلِكُنا بِما فَعَلَ الْمُبْطِلُونَ للإنكار. أى: أنت يا ربنا حكيم وعادل فهل تؤاخذنا بما فعل آباؤنا من الشرك وأسسوا من الباطل أو بفعل آبائنا الذين أبطلوا تأثير العقول وأقوال الرسل؟ إنك يا ربنا قد وعدت أنك لا تأخذ الأبناء بفعل الآباء ونحن قد سلكنا طريقهم والحجة عليهم بما شرعوا لنا من الباطل فكيف تؤاخذنا؟.والجواب على ذلك أن الإقرار بالربوبية والتوحيد هو في أصل فطرتكم فلم لم ترجعوا إليه عند ما دعاكم رسولنا الكريم إلى وحدانية الله ونبذ الشركاء إن انقيادكم للاباء بعد أن وهبكم الله العقول المفكرة، وأرسل إليكم الرسل مبشرين ومنذرين لن يعفيكم من المسئولية، ولن ينقذكم من العذاب.
7:174
وَ كَذٰلِكَ نُفَصِّلُ الْاٰیٰتِ وَ لَعَلَّهُمْ یَرْجِعُوْنَ(۱۷۴)
اور ہم اسی طرح آیتیں رنگ رنگ سے بیان کرتے ہیں (ف۳۴۰) اور اس لیے کہ کہیں وہ پھر آئیں(ف۳۴۱)

ثم قال- تعالى- وَكَذلِكَ نُفَصِّلُ الْآياتِ وَلَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ أى: ومثل هذا التفصيل البليغ نفصل لبنى آدم الآيات والدلائل ليستعملوا عقولهم، ولعلهم يرجعون إلى فطرتهم وما استكن فيها من ميثاق، وإلى خلقتهم وما كمن فيها من ناموس. فالرجوع إلى الفطرة القويمة كفيل بغرس عقيدة التوحيد في القلوب، وردها إلى بارئها الواحد القهار الذي فطرها على الحق، وصرفها عن الجهل والتقليد.هذا، وقد أخذ العلماء من هذه الآيات أمورا من أهمها:1- فساد التقليد في الدين، وأنه- تعالى- قد أزاح العذر، وأزال العلل بحيث أصبح لا يعذر أحد بكفره أو شركه.2- أن معرفته- تعالى- فطرية ضرورية. قال- تعالى- وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ.وروى الترمذي عن عمران بن الحصين قال: قال النبي صلّى الله عليه وسلّم لأبى: يا حصين كم إلها تعبد اليوم. قال أبى: سبعة ستة في الأرض وواحدا في السماء قال. فأيهم تعد لرغبتك ورهبتك.قال: الذي في السماء.فالله- تعالى- فطر الخلق كلهم على معرفة فطرة التوحيد، حتى من خلق مجنونا لا يفهم شيئا ما يحلف إلا به. ولا يلهج لسانه بأكثر من اسمه المقدس.ثم ضرب- سبحانه- مثلا لمن لا يعمل بعلمه فقال- تعالى-:
7:175
وَ اتْلُ عَلَیْهِمْ نَبَاَ الَّذِیْۤ اٰتَیْنٰهُ اٰیٰتِنَا فَانْسَلَخَ مِنْهَا فَاَتْبَعَهُ الشَّیْطٰنُ فَكَانَ مِنَ الْغٰوِیْنَ(۱۷۵)
اور اے محبوب! انہیں اس کا احوال سناؤ جسے ہم نے اپنی آیتیں دیں (ف۳۴۲) تو وہ ان سے صاف نکل گیا (ف۳۴۳) تو شیطان اس کے پیچھے لگا تو گمراہوں میں ہوگیا،

قال صاحب المنار: هذا مثل ضربه الله- تعالى للمكذبين بآيات الله المنزلة على رسوله محمد صلّى الله عليه وسلّم وهو مثل من آتاه الله آياته فكان عالما بها حافظا لقواعدها وأحكامها قادرا على بيانها والجدل بها، ولكنه لم يؤت العمل مع العلم، بل كان عمله مخالفا تمام المخالفة لعلمه فسلب هذه الآيات، لأن العلم الذي لا يعمل به لا يلبث أن يزول فأشبه الحية التي تنسلخ من جلدها وتخرج منه وتتركه على الأرض، أو كان في التباين بين علمه وعمله كالمنسلخ من العلم التارك له، كالثوب الخلق يلقيه صاحبه، والثعبان يتجرد من جلده حتى لا تبقى له به صلة على حد قول الشاعر:خلقوا، وما خلقوا لمكرمة ... فكأنهم خلقوا وما خلقوارزقوا، وما رزقوا سماح يد ... فكأنهم رزقوا وما رزقوافحاصل معنى المثل: أن المكذبين بآيات الله المنزلة على رسوله مع إيضاحها بالحجج والدلائل كالعالم الذي حرم ثمرة الانتفاع من علمه، لأن كلا منهما لم ينظر في الآيات نظر تأمل واعتبار وإخلاص».وقوله- تعالى- وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْناهُ آياتِنا فَانْسَلَخَ مِنْها أى: اقرأ على قومك يا محمد ليعتبروا ويتعظوا خبر ذلك الإنسان الذي آتيناه آياتنا بأن علمناه إياه، وفهمناه مراميها، فانسلخ من تلك الآيات انسلاخ الجلد من الشاة، أو الحية من جلدها.والمراد أنه خرج منه بالكلية بأن كفر بها، ونبذها وراء ظهره، ولم ينتفع بما اشتملت عليه من عظات وإرشادات.وحقيقة السلخ كشط الجلد وإزالته بالكلية عن المسلوخ عنه، ويقال لكل شيء فارق شيئا على أتم وجه انسلخ منه. وفي التعبير به ما لا يخفى من المبالغة وقوله: فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطانُ فَكانَ مِنَ الْغاوِينَ أى: فلحقه الشيطان وأدركه فصار هذا الإنسان بسبب ذلك من زمرة الضالين الراسخين في الغواية، مع أنه قبل ذلك كان من المهتدين:وفي التعبير بقوله فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطانُ مبالغة في ذم هذا الإنسان وتحقيره، جعل كأنه إمام للشيطان والشيطان يتبعه، فهو على حد قول الشاعر:وكان فتى من جند إبليس فارتقى ... به الحال حتى صار إبليس من جندهقال الجمل: أتبعه فيه وجهان:أحدهما: أنه متعد لواحد بمعنى أدركه ولحقه، وهو مبالغة في حقه حيث جعل إماما للشيطان.وثانيهما: أن يكون متعديا لاثنين لأنه منقول بالهمزة من تبع، والمفعول الثاني محذوف تقديره: فأتبعه الشيطان خطواته، أى جعله تابعا لها:
7:176
وَ لَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنٰهُ بِهَا وَ لٰكِنَّهٗۤ اَخْلَدَ اِلَى الْاَرْضِ وَ اتَّبَعَ هَوٰىهُۚ-فَمَثَلُهٗ كَمَثَلِ الْكَلْبِۚ-اِنْ تَحْمِلْ عَلَیْهِ یَلْهَثْ اَوْ تَتْرُكْهُ یَلْهَثْؕ-ذٰلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِیْنَ كَذَّبُوْا بِاٰیٰتِنَاۚ-فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ یَتَفَكَّرُوْنَ(۱۷۶)
اور ہم چاہتے تو آیتوں کے سبب اسے اٹھالیتے (ف۳۴۴) مگر وہ تو زمین پکڑ گیا (ف۳۴۵) اور اپنی خواہش کا تابع ہوا تو اس کا حال کتے کی طرح ہے تو اس پر حملہ کرے تو زبان نکالے اور چھوڑ دے تو زبان نکالے (ف۲۴۶) یہ حال ہے ان کا جنہوں نے ہماری آیتیں جھٹلائیں تو تم نصیحت سناؤ کہ کہیں وہ دھیان کریں،

وقوله وَلَوْ شِئْنا لَرَفَعْناهُ بِها كلام مستأنف مسوق لبيان ما ذكر من الانسلاخ وما يتبعه.والضمير في قوله لَرَفَعْناهُ يعود إلى الشخص المعبر عنه بالاسم الموصول الَّذِي والضمير في قوله بِها يعود إلى الآيات. ومفعول المشيئة محذوف.أى: ولو شئنا رفعه بسبب تلك الآيات إلى درجات الكمال والعرفان لرفعناه لأننا لا يستعصى على قدرتنا شيء، ولكننا لم نفعل ذلك لأن سنتنا جرت أن نرفع من عنده الاستعداد لذلك أما الذين استحبوا العمى على الهدى فنذرهم في ضلالهم يعمهون.وقد بين القرآن هذا المعنى في قوله: وَلكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَواهُ أخلد إلى الأرض: أى ركن إليها. وأصل الإخلاد اللزوم للمكان من الخلود.أى: ولو شئنا لرفعنا هذا الإنسان إلى منازل الأبرار بسبب تلك الآيات ولكنه هو الذي ركن إلى الدنيا، واطمأن بها، واستحوذت بشهواتها على نفسه، واختار لنفسه طريق التسفل المنافى للرفعة، واتبع هواه في ذلك فلم ينتفع بشيء من الآيات التي آتيناه إياه.أى: أن مقتضى هذه الآيات أن ترفع صاحبها إلى أعلى عليين، ولكن هذا المقتضى عارضه مانع وهو إخلاد من أوتى هذه الآيات إلى الأرض واتباعه للهوى، فتغلب المانع على المقتضى، فهو كما قال القائل:قالوا فلان عالم فاضل ... فأكرموه مثلما يقتضىفقلت: لما لم يكن عاملا ... تعارض المانع والمقتضىقال الآلوسى: وما ألطف نسبة إتيان الآيات والرفع إليه- تعالى- ونسبة الانسلاخ والإخلاد إلى العبد، مع أن الكل من الله- تعالى-، إذ فيه من تعليم العباد حسن الأدب ما فيه. ومن هنا قال صلّى الله عليه وسلّم اللهم إن الخير بيديك والشر ليس إليك» .وقوله فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ.اللهث: إدلاع اللسان بالنفس الشديد. يقال: لهث الكلب يلهث- كسمع ومنع- لهثا ولهاثا، إذا أخرج لسانه في التنفس.والمعنى: فمثل هذا الإنسان الذي آتيناه آياتنا فانسلخ منها وأصبح إيتاء الآيات وعدمها بالنسبة له سواء، مثله كمثل الكلب إن شددت عليه وأتبعته لهث، وإن تركته على حاله لهث- أيضا-، فهو دائم اللهث في الحالين. لأن اللهث طبيعة فيه، وكذلك حال الحريص على الدنيا، المعرض عن الآيات بعد إيتائها، إن وعظته فهو لإيثاره الدنيا على الآخرة لا يقبل الوعظ، وإن تركت وعظه فهو حريص- أيضا- على الدنيا وشهواتها.والإشارة في قوله ذلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ إلى وصف الكلب أو إلى المنسلخ من الآيات، أى:ذلك المثل البعيد الشأن في الغرابة مثل القوم الذين كذبوا بآياتنا من الجاحدين المستكبرين المنسلخين عن الهدى بعد أن كان في حوزتهم.وقوله فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ أى: إذا ثبت ذلك، فاقصص على قومك أيها الرسول الكريم المقصوص عليك من جهتنا لعلهم يتفكرون فينزجرون عما هم عليه من الكفر والضلال.والفاء في قوله فَاقْصُصِ لترتيب ما بعدها على ما قبلها. والقصص مصدر بمعنى اسم المفعول، واللام فيه للعهد، وجملة الترجي في محل نصب على أنها حال من ضمير المخاطب أو في موضع المفعول له. أى فاقصص القصص راجيا لتفكرهم، أو رجاء لتفكرهم.
7:177
سَآءَ مَثَلَا-ﰳالْقَوْمُ الَّذِیْنَ كَذَّبُوْا بِاٰیٰتِنَا وَ اَنْفُسَهُمْ كَانُوْا یَظْلِمُوْنَ(۱۷۷)
کیا بری کہاوت ہے ان کی جنہوں نے ہماری آیتیں جھٹلائیں اور اپنی ہی جان کا برا کرتے تھے،

وقوله: ساءَ مَثَلًا الْقَوْمُ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا استئناف مسوق لبيان كمال قبحهم بعد البيان السابق. وساءَ بمعنى بئس وفاعلها مضمر. ومَثَلًا تمييز مفسر له، والمخصوص بالذم قوله- تعالى- الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا.أى: ساء مثلا مثل أولئك القوم الذين كذبوا بآياتنا حيث شبهوا بالكلاب إما في استواء الحالتين في النقصان وأنهم ضالون وعظوا أم لم يوعظوا، وإما في الخسة، فإن الكلاب لا همة لها إلا في تحصيل أكلة أو شهوة، فمن خرج عن خير الهدى والعلم وأقبل على هواه صار شبيها بالكلب، وبئس المثل مثله ولهذا ثبت في الصحيحين عن ابن عباس أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال:«ليس لنا مثل السوء. العائد في هبته كالكلب يعود في قيئه» .وقوله وَأَنْفُسَهُمْ كانُوا يَظْلِمُونَ معطوف على كَذَّبُوا داخل معه في حكم الصلة بمعنى أنهم جمعوا بين أمرين قبيحين: التكذيب وظلمهم أنفسهم أو منقطع عنه بمعنى وما ظلموا إلا أنفسهم وحدها بارتكابهم تلك الموبقات والخطيئات. فإن العقوبة لا تقع إلا عليهم لا على غيرهم.هذا، والذي ذهب إليه المحققون من العلماء أن هذه الآيات الكريمة المثل فيها مضروب لكل إنسان أوتى علما ببعض آيات الله، ولكنه لم يعمل بمقتضى علمه، بل كفر بها ونبذها وراء ظهره وصار هو والجاهل سواء.وقيل: إن الآيات الكريمة واردة في شخص معين، واختلفوا في هذا المعين.فبعضهم قال إنها في أمية بن أبى الصلت، فإنه كان قد قرأ الكتب، وعلم أن الله مرسل رسولا وتمنى أن يكون هو هذا الرسول، فلما أرسل الله- تعالى- نبيه محمدا صلّى الله عليه وسلّم حسده ومات كافرا.وبعضهم قال: نزلت في أبى عامر الراهب الذي سماه النبي صلّى الله عليه وسلّم: «الفاسق» كان يترهب في الجاهلية فلما جاء الإسلام خرج إلى الشام، وأمر المنافقين باتخاذ مسجد الضرار والشقاق.وبعضهم قال: إنها في منافقي أهل الكتاب، كانوا يعرفون صفة النبي صلّى الله عليه وسلّم ومخرجه، فلما بعثه الله- تعالى- كفروا به.وبعضهم قال: إنها نزلت لتحكى قصة رجل من علماء اليهود اسمه بلعم ابن باعوراء أوتى علم بعض كتب الله ثم انسلخ منها بأن كفر بها ونبذها بعد أن رشاه اليهود.والذي نراه أن الرأى الأول الذي عليه المحققون من المفسرين هو الراجح، وأن هؤلاء الذين ذكروا يندرجون تحته، لأنه لم يرد نص صحيح يعين اسم الذي وردت الآيات في حقه، فوجب أن نحملها على أنها وارد في شأن كل من علم الحق فأعرض عنه واتبع هواه.ثم يعقب القرآن على هذا المثل ببيان أن الهداية والضلال من الله وأن هناك أقواما من الجن والإنس قد خلقوا لجهنم بسبب إيثارهم طريق الشر على طريق الخير قال- تعالى-:
7:178
مَنْ یَّهْدِ اللّٰهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِیْۚ-وَ مَنْ یُّضْلِلْ فَاُولٰٓىٕكَ هُمُ الْخٰسِرُوْنَ(۱۷۸)
جسے اللہ راہ دکھائے تو وہی راہ پر ہے، اور جسے گمراہ کرے تو وہی نقصان میں رہے،

قوله مَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِي أى: من يوفقه الله- تعالى- إلى سلوك طريق الهدى باستعمال عقله وحواسه بمقتضى سنة الفطرة فهو المهتدى حقا، الواصل إلى رضوان الله صدقا.وَمَنْ يُضْلِلْ فَأُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ أى: ومن يخذله- سبحانه- بالحرمان من هذا التوفيق بسبب إيثاره السير في طريق الهوى والشيطان على طريق الهدى والإيمان، فأولئك هم الخاسرون لدنياهم وآخرتهم.وأفرد- سبحانه- المهتدى في الجملة الأولى مراعاة للفظ مَنْ، وجمع الخاسرين في الثانية مراعاة لمعناها فإنها من صيغ العموم.وحكمة إفراد المهتدى للإشارة إلى أن الحق واحد لا يتعدد ولا يتنوع، وحكمة جمع الثاني وهو قوله الْخاسِرُونَ للإشارة إلى تعدد أنواع الضلال، وتنوع وسائله وأساليبه.
7:179
وَ لَقَدْ ذَرَاْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِیْرًا مِّنَ الْجِنِّ وَ الْاِنْسِ ﳲ لَهُمْ قُلُوْبٌ لَّا یَفْقَهُوْنَ بِهَا٘-وَ لَهُمْ اَعْیُنٌ لَّا یُبْصِرُوْنَ بِهَا٘-وَ لَهُمْ اٰذَانٌ لَّا یَسْمَعُوْنَ بِهَاؕ-اُولٰٓىٕكَ كَالْاَنْعَامِ بَلْ هُمْ اَضَلُّؕ-اُولٰٓىٕكَ هُمُ الْغٰفِلُوْنَ(۱۷۹)
اور بیشک ہم نے جہنم کے لیے پیدا کیے بہت جن اور آدمی (ف۳۴۷) اور دل رکھتے ہیں جن میں سمجھ نہیں (ف۳۴۸) اور وہ آنکھیں جن سے دیکھتے نہیں (ف۳۴۹) اور وہ کان جن سے سنتے نہیں (ف۳۵۰) وہ چوپایوں کی طرح ہیں (ف۳۵۱) بلکہ ان سے بڑھ کر گمراہ (ف۳۵۲) وہی غفلت میں پڑے ہیں،

وقوله وَلَقَدْ ذَرَأْنا لِجَهَنَّمَ كَثِيراً مِنَ الْجِنِّ كلام مستأنف مقرر لمضمون ما قبله ومفصل له.و «الذرء» الخلق. يقال: ذرأ الله خلقه يذرؤهم ذرءا، أى: خلقهم. واللام في لِجَهَنَّمَ للعاقبة والصيرورة.أى: ولقد خلقنا لدخول جهنم والتعذيب بها كثيرا من الجن والانس وهم الكفار المعرضون عن الآيات وتدبرها، الذين علم الله منهم أزلا اختيارهم الكفر فشاءه منهم وخلقه فيهم وجعل مصيرهم النار لذلك.ثم بين- سبحانه- صفاتهم التي أدت بهم إلى هذا المصير السيئ فقال. لَهُمْ قُلُوبٌ لا يَفْقَهُونَ بِها أى: لا يفقهون بها الآيات الهادية إلى الكمالات مع أن دلائل الإيمان مبثوثة في ثنايا الكون تدركها القلوب المتفتحة، والبصائر المستنيرة.وجملة لَهُمْ قُلُوبٌ في محل نصب صفة أخرى لقوله كَثِيراً وجملة لا يَفْقَهُونَ بِها في محل رفع صفة لقلوب.وقوله وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لا يُبْصِرُونَ بِها أى: لهم أعين لا يبصرون بها ما في هذا الكون من براهين تشهد بوحدانية الله، مع أنها معروضة للأبصار مكشوفة للأنظار، فهم كما قال- تعالى-، وَكَأَيِّنْ مِنْ آيَةٍ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ يَمُرُّونَ عَلَيْها وَهُمْ عَنْها مُعْرِضُونَ فهم لهم أعين ترى وتبصر ولكن بدون تأمل أو اعتبار، فكأن وجودها وعدمه سواء.وقوله وَلَهُمْ آذانٌ لا يَسْمَعُونَ بِها أى: لا يسمعون بها الآيات والمواعظ سماع تدبر واتعاظ، أى أنهم لا ينتفعون بشيء من هذه الجوارح التي جعلها الله سببا للهداية.قال صاحب الكشاف: «هم المطبوع على قلوبهم الذين علم الله أنه لا لطف لهم: وجعلهم في أنهم لا يلقون أذهانهم إلى معرفة الحق، ولا ينظرون بأعينهم إلى ما خلق الله نظر اعتبار، ولا يسمعون ما يتلى عليهم من آيات سماع تدبر كأنهم عدموا فهم القلوب، وإبصار العيون واستماع الآذان، وجعلهم- لإعراقهم في الكفر وشدة شكائمهم فيه، وأنه لا يأتى منهم إلا أفعال أهل النار- مخلوقين للنار، دلالة على توغلهم في الموبقات، وتوغلهم فيما يؤهلهم لدخول النار»وقوله أُولئِكَ كَالْأَنْعامِ أى: أولئك الموصوفون بتلك الصفات المذكورة كالأنعام السارحة التي لا تنتفع بشيء من هذه الجوارح التي جعلها الله سببا للهداية.وقوله بَلْ هُمْ أَضَلُّ تنقيص لهم عن رتبة الأنعام، أى: بل هم أسوأ حالا من الأنعام، إذ أن الأنعام ليس لها سوى الاستعدادات الفطرية التي تهديها أما الإنسان فقد زود إلى جانب الفطرة بالقلب الواعي، والعقل المدرك، والعين المبصرة، وزود بالقدرة على اتباع الهدى أو اتباع الضلال، فإذا لم يفتح بصره وقلبه وسمعه على الحق فإنه يكون أضل من الأنعام الموكولة إلى استعداداتها الفطرية.وقوله أُولئِكَ هُمُ الْغافِلُونَ أى أولئك المنعوتون بما ذكرهم الكاملون في الغفلة عما فيه صلاحهم وخيرهم وسعادتهم، بسبب استحواذ الهوى والشيطان عليهم ولا يظلم ربك أحدا.وبعد أن بين- سبحانه- حال المخلوقين لجهنم بسبب غفلتهم وإهمالهم لعقولهم وحواسهم، أعقبه ببيان العلاج الذي يشفى من ذلك، وبالنهى عن اتباع المائلين عن الحق فقال- تعالى-:
7:180
وَ لِلّٰهِ الْاَسْمَآءُ الْحُسْنٰى فَادْعُوْهُ بِهَا۪-وَ ذَرُوا الَّذِیْنَ یُلْحِدُوْنَ فِیْۤ اَسْمَآىٕهٖؕ-سَیُجْزَوْنَ مَا كَانُوْا یَعْمَلُوْنَ(۱۸۰)
اور اللہ ہی کے ہیں بہت اچھے نام (ف۳۵۳) تو اسے ان سے پکارو اور انہیں چھوڑ دو جو اس کے ناموں میں حق سے نکلتے ہیں (ف۳۵۴) وہ جلد اپنا کیا پائیں گے،

قال القرطبي: قوله- تعالى- وَلِلَّهِ الْأَسْماءُ الْحُسْنى فَادْعُوهُ بِها أمر بإخلاص العبادة لله- تعالى- ومجانبة الملحدين والمشركين. قال مقاتل وغيره من المفسرين: نزلت الآية في رجل من المسلمين كان يقول في صلاته: يا رحمن يا رحيم. فقال رجل من مشركي مكة: أليس يزعم محمد وأصحابه أنهم يعبدون ربا واحدا فما بال هذا يدعو ربين اثنين؟ فنزلت» .والأسماء: جمع اسم، وهو اللفظ الدال على الذات فقط أو على الذات مع صفة من صفاتها سواء كان مشتقا كالرحمن، والرحيم، أو مصدرا كالرب والسلام.والحسنى: تأنيث الأحسن أفعل تفضيل، ومعنى ذلك أنها أحسن الأسماء وأجلها، لإنبائها عن أحسن المعاني وأشرفها.والمعنى: ولله- تعالى- وحده جميع الأسماء الدالة على أحسن المعاني وأكمل الصفات فادعوه أى سموه واذكروه ونادوه بها.روى الشيخان عن أبى هريرة قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: إن لله تسعة وتسعين اسما من حفظها دخل الجنة والله وتر يحب الوتر» .قال الآلوسى: والذي أراه أنه لا حصر لأسمائه- عزت أسماؤه- في التسعة والتسعين، ويدل على ذلك ما أخرجه البيهقي عن ابن مسعود قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم «من أصابه هم أو حزن فليقل: اللهم إنى عبدك وابن عبدك وابن أمتك، ناصيتي في يدك ماضى فىّ حكمك، عدل فىّ قضاؤك، أسألك بكل اسم هو لك سميت به نفسك، أو أنزلته في كتابك، أو علمته أحدا من خلقك أو استأثرت به في علم الغيب عندك، أن تجعل القرآن ربيع قلبي ونور صدري وذهاب همي وجلاء حزنى ... إلخ» فهذا الحديث صريح في عدم الحصر.وحكى النووي اتفاق العلماء على ذلك وأن المقصود من الحديث الإخبار بأن هذه التسعة والتسعين من أحصاها دخل الجنة، وهو لا ينافي أن له- تعالى- أسماء غيرها» .ثم قال- تعالى- وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمائِهِ سَيُجْزَوْنَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ.ذروا: فعل أمر لم يرد في اللغة استعمال ماضيه ولا مصدره، وهو بمعنى الترك والإهمال.ويلحدون من الإلحاد وهو الميل والانحراف، يقال: ألحد إلحادا إذا مال عن القصد والاستقامة، وألحد في دين الله: حاد عنه ومنه لحد القبر لأنه يمال بحفره إلى جانبه بخلاف الضريح فإنه يحفر في وسطه.والمعنى: ولله- تعالى- أشرف الأسماء وأجلها فسموه بها أيها المؤمنون، واتركوا جميع الذين يلحدون في أسمائه- سبحانه- بالميل بألفاظها أو معانيها عن الحق من تحريف أو تأويل أو تشبيه أو تعطيل أو ما ينافي وصفها بالحسنى اتركوا هؤلاء جميعا فإنهم سيلقون جزاء عملهم من الله رب العالمين.ومن مظاهر إلحاد الملحدين في أسمائه- تعالى- تسمية أصنامهم بأسماء مشتقة منها، كاللات: من الله- تعالى-، والعزى: من العزيز، ومناة: من المنان وتسميته- تعالى- بما بوهم معنى فاسدا، كقولهم له- سبحانه-: يا أبيض الوجه كذلك من مظاهر الإلحاد في أسمائه- تعالى-، تسميته بما لم يسم به نفسه في كتابه، أو فيما صح من حديث رسوله، إلى غير ذلك مما يفعله الجاهلون والضالون.ثم تمضى السورة الكريمة في هديها وتوجيهها فتفصل صنوف الخلق، وتمدح من يستحق المدح وتذم من يستحق الذم فتقول:
7:181
وَ مِمَّنْ خَلَقْنَاۤ اُمَّةٌ یَّهْدُوْنَ بِالْحَقِّ وَ بِهٖ یَعْدِلُوْنَ۠(۱۸۱)
اور ہمارے بنائے ہوؤں میں ایک گروہ وہ ہے کہ حق بتائیں اور اس پر انصاف کریں(ف۳۵۵)

ثم تمضى السورة الكريمة فى هديها وتوجيهها فتفصل صنوف الخلق ، وتمدح من يستحق المدح وتذم من يستحق الذم فتقول : ( وَمِمَّنْ خَلَقْنَآ أُمَّةٌ . . . ) .قوله ( وَمِمَّنْ خَلَقْنَآ أُمَّةٌ يَهْدُونَ بالحق وَبِهِ يَعْدِلُونَ ) معطوف على قوله ( وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ ) أمة يهدون بالحق ، أى : يدعون إليه ويسيرون عليه ، وبه يعدلون أى : به يقضون وينصفون الناس .وقد وردت آثار تفيد أن المراد بهذه الأمة : الأمة المحمدية ففى الصحيحين عن معاوية بن أبى سفيان قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " لا تزال طائفة من أمتى على الحق ظاهرين لا يضرهم من خالفهم حتى تقوم الساعة ، وفى رواية : " حتى يأمر الله وهم على ذلك "وقال قتادة : بلغنا أن النبى صلى الله عليه وسلم كان إذا قرأ هذا الآية يقول : هذه لكم ، وقد أعطى القوم بين أيديكم مثلها .وعن الربيع بن أنس - فى هذه الآية - قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " أن من أمتى قوما على الحق حتى ينزل عيسى بن مريم متى ما نزل " .وقد استدل بعض العلماء بهذه الآية على أن الإجماع حجة فى كل عصر ، وعلى أنه لا يخلو عصر من مجتهد إلى قيام الساعة .وقوله وَمِمَّنْ خَلَقْنا أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ معطوف على قوله وَلَقَدْ ذَرَأْنا قبل ذلك، لأن كلتيهما تفصيل لإجمال قوله- تعالى- مَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِي.أى: وممن خلقنا للجنة- لأنه في مقابلة وَلَقَدْ ذَرَأْنا لِجَهَنَّمَ- أمة يهدون بالحق، أى:يدعون إليه ويسيرون عليه، وبه يعدلون أى: به يقضون وينصفون الناس.وقد وردت آثار تفيد أن المراد بهذه الأمة: الأمة المحمدية ففي الصحيحين عن معاوية بن أبى سفيان قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم «لا تزال طائفة من أمتى على الحق ظاهرين لا يضرهم من خالفهم حتى تقوم الساعة، وفي رواية: «حتى يأمر الله وهم على ذلك» :وقال قتادة: بلغنا أن النبي صلّى الله عليه وسلّم كان إذا قرأ هذا الآية يقول: هذه لكم، وقد أعطى القوم بين أيديكم مثلها.وعن الربيع بن أنس- في هذه الآية- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إن من أمتى قوما على الحق حتى ينزل عيسى بن مريم متى ما نزل» .وقد استدل بعض العلماء بهذه الآية على أن الإجماع حجة في كل عصر، وعلى أنه لا يخلو عصر من مجتهد إلى قيام الساعة.ثم ذكر- سبحانه- حال المكذبين فقال. وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لا يَعْلَمُونَ.
7:182
وَ الَّذِیْنَ كَذَّبُوْا بِاٰیٰتِنَا سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِّنْ حَیْثُ لَا یَعْلَمُوْنَۚۖ(۱۸۲)
اور جنہوں نے ہماری آیتیں جھٹلائیں جلد ہم انہیں آہستہ آہستہ (ف۳۵۶) عذاب کی طرف لے جائیں گے جہاں سے انہیں خبر نہ ہوگی

الاستدراج: - كما قال القرطبي- هو الأخذ بالتدريج منزلة بعد منزلة. والدرج لف الشيء، يقال: أدرجته ودرجته. ومنه أدرج الميت في أكفانه. وقيل: هو من الدرجة، فالاستدراج أن يحط درجة بعد درجة إلى المقصود. قال الضحاك: كلما جددوا لنا معصية جددنا لهم نعمة» .وقال صاحب الكشاف: الاستدراج: استفعال من الدرجة بمعنى الاستصعاد أو الاستنزال درجة بعد درجة، ومنه: درج الصبى إذا قارب بين خطوه، وأدرج الكتاب. طواه شيئا بعد شيء، ودرج القوم: مات بعضهم في أثر بعض. ومعنى سَنَسْتَدْرِجُهُمْ سنستدنيهم قليلا قليلا إلى ما يهلكهم ويضاعف عقابهم. مِنْ حَيْثُ لا يَعْلَمُونَ ما يراد بهم. وذلك أن يواتر الله نعمه عليهم مع انهماكهم في الغي، فكلما جدد عليهم نعمة، ازدادوا بطرا وجددوا معصية، فيتدرجون في المعاصي بسبب ترادف النعم، ظانين أن متواترة النعم محبة من الله وتقريب. وإنما هي خذلان منه وتبعيد، فهو استدراج من الله- تعالى- نعوذ بالله منه» .وقد قيل: إذا رأيت الله- تعالى- أنعم على عبد وهو مقيم على معصيته فاعلم أنه مستدرج.
7:183
وَ اُمْلِیْ لَهُمْؕ-اِنَّ كَیْدِیْ مَتِیْنٌ(۱۸۳)
اور میں انہیں ڈھیل دوں گا (ف۳۵۷) بیشک میری خفیہ تدبیر بہت پکی ہے(ف۳۵۸)

وقوله: وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ الإملاء: الإمداد في الزمن والإمهال والتأخير، مشتق من الملاوة والملوة، وهي الطائفة الطويلة من الزمن. والملوان: الليل والنهار.ويقال: أملى له إذا أمهله طويلا، وأملى للبعير: إذ أرخى له في الزمام ووسع له في القيد ليتسع المرعى.والكيد كالمكر، وهو التدبير الذي يقصد به غير ظاهره بحيث ينخدع المكيد له بمظهره فلا يفطن له حتى ينتهى إلى ما يسوءه من مخبره وغايته. وإضافته إلى الله- تعالى- يحمل على المعنى اللائق به، كإبطال مكر أعدائه أو إمدادهم بالنعم ثم أخذهم بالعذاب.ومتين: من المتانة بمعنى الشدة والقوة. ومنه المتن للظهر أو للحم الغليظ.والمعنى. والذين كذبوا بآياتنا سنستدنيهم قليلا قليلا إلى ما يهلكهم ويضاعف عقابهم بكثرة النعم بين أيديهم، حتى يفاجئهم الهلاك من حيث لا يعلمون أن صنعنا هذا معهم هو لون من الاستدراج. وأمهل لهؤلاء المكذبين المستدرجين في العمر، وأمد لهم في أسباب الحياة الرغدة، إن كيدي شديد متين لا يدافع بقوة ولا بحيلة. وفي الحديث الشريف الذي رواه الشيخان عن أبى موسى أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «إن الله ليملى للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته» .وقوله وَأُمْلِي لَهُمْ جوز بعضهم أن يكون خبرا لمبتدأ محذوف أى: وأنا أملى لهم. وقيل هو معطوف على قوله سَنَسْتَدْرِجُهُمْ وقيل هو مستأنف.
7:184
اَوَ لَمْ یَتَفَكَّرُوْاٚ-مَا بِصَاحِبِهِمْ مِّنْ جِنَّةٍؕ-اِنْ هُوَ اِلَّا نَذِیْرٌ مُّبِیْنٌ(۱۸۴)
کیا سوچتے نہیں کہ ان کے صاحب کو جنوں سے کچھ علاقہ نہیں، وہ تو صا ف ڈر سنانے والے ہیں(ف۳۵۹)

ثم أمر- سبحانه- هؤلاء الظالمين بالتفكر والتدبر فقال: أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا، ما بِصاحِبِهِمْ مِنْ جِنَّةٍ، إِنْ هُوَ إِلَّا نَذِيرٌ مُبِينٌ.الهمزة للإنكار والتوبيخ، وهي داخلة على فعل حذف للعلم به من سياق القول، والواو للعطف على مقدر يستدعيه المقام.والجنة: مصدر كالجلسة بمعنى الجنون. وأصل الجن الستر عن الحاسة.والمعنى: أكذب هؤلاء الظالمون رسولهم صلّى الله عليه وسلّم ولم يتفكروا في أنه ليس به أى شيء من الجنون، بل هو أكمل الناس عقلا، وأسدهم رأيا، وأنقاهم نفسا.والتعبير بِصاحِبِهِمْ للإيذان بأن طول مصاحبتهم له مما يطلعهم على نزاهته عما اتهموه به، فهو صلّى الله عليه وسلّم قد لبث فيهم قبل الرسالة أربعين سنة كانوا يلقبونه فيها بالصادق الأمين، ويعرفون عنه أسمى ألوان الإدراك السليم والتفكير المستقيم.قال الجمل: وجملة «ما بصاحبهم من جنة» في محل نصب معمولة ليتفكروا فهو عامل فيها محلا لا لفظا لوجود المعلق له عن العمل وهو ما النافية.ويجوز أن يكون الكلام قد تم عند قوله أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا ثم ابتدأ كلاما آخر إما استفهام إنكار وإما نفيا. ويجوز أن تكون «ما» استفهامية في محل الرفع بالابتداء والخبر بصاحبهم.والتقدير: أى شيء استقر بصاحبهم من الجنون» .وقوله إِنْ هُوَ إِلَّا نَذِيرٌ مُبِينٌ بيان لوظيفته صلّى الله عليه وسلّم أى: ليس بمجنون كما زعمتم أيها المشركون وإنما هو مبالغ في الإنذار، مظهر له غاية الإظهار. فهو لا يقصر في تخويفكم من سوء عاقبة التكذيب، ولا يتهاون في نصيحتكم وإرشادكم إلى ما يصلح من شأنكم.
7:185
اَوَ لَمْ یَنْظُرُوْا فِیْ مَلَكُوْتِ السَّمٰوٰتِ وَ الْاَرْضِ وَ مَا خَلَقَ اللّٰهُ مِنْ شَیْءٍۙ-وَّ اَنْ عَسٰۤى اَنْ یَّكُوْنَ قَدِ اقْتَرَبَ اَجَلُهُمْۚ-فَبِاَیِّ حَدِیْثٍۭ بَعْدَهٗ یُؤْمِنُوْنَ(۱۸۵)
کیا انہو ں نے نگاہ نہ کی آسمانوں اور زمین کی سلطنت میں اور جو جو چیز اللہ نے بنائی (ف۳۶۰) اور یہ کہ شاید ان کا وعدہ نزدیک آگیا ہو (ف۳۶۱) تو اس کے بعد اور کونسی بات پر یقین لائیں گے(ف۳۶۲)

ثم دعاهم القرآن إلى النظر والاستدلال العقلي فقال: أَوَلَمْ يَنْظُرُوا فِي مَلَكُوتِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما خَلَقَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ.الملكوت: هو الملك العظيم زيدت فيه اللام والتاء للمبالغة كما في جبروت.والجملة الكريمة مسوقة لتوبيخهم على إخلالهم بالتأمل في الآيات التكوينية إثر تقريعهم على عدم تفكرهم في أمر نبيهم صلّى الله عليه وسلّم.أى: أكذبوا ولم يتفكروا في شأن رسولهم صلّى الله عليه وسلّم وما هو عليه من كمال العقل، ولم ينظروا نظر تأمل واعتبار واستدلال في ملكوت السموات من الشمس والقمر والنجوم وغيرها، وفي ملكوت الأرض من البحار والجبال والدواب وغيرها، ولم ينظروا كذلك فيما خلق الله مما يقع عليه اسم الشيء من أجناس لا يحصرها العدد ولا يحيط بها الوصف مما يشهد بأن لهذا الكون خالقا قادرا هو المستحق وحده للعبادة والخضوع.وقوله مِنْ شَيْءٍ بيان «لما» وفي ذلك تنبيه على أن الدلالة على التوحيد غير مقصورة على السموات والأرض، بل كل ذرة من ذرات العالم دليل على توحيده.وقوله: وَأَنْ عَسى أَنْ يَكُونَ قَدِ اقْتَرَبَ أَجَلُهُمْ في محل جر معطوف على ما قبله، وأَنْ مخففة من الثقيلة واسمها ضمير الشأن، وخبرها عسى مع فاعلها الذي هو أَنْ يَكُونَ.والمعنى: أو لم ينظروا- أيضا- في اقتراب آجالهم، وتوقع حلولها فيسارعوا إلى طلب الحق والتوجه إلى ما ينجيهم قبل مفاجأة الموت لهم ونزول العذاب بهم وهم في أتعس حال.إنهم لو تفكروا في أمر رسولهم صلّى الله عليه وسلّم ولو نظروا فيما خلق الله من مخلوقات بعين التدبر والاتعاظ، لآمنوا وهدوا إلى صراط العزيز الحميد.وقوله: فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ أى: إذا لم يؤمنوا بالقرآن وهو أكمل كتب الله بيانا، وأقواها برهانا، فبأى كلام بعده يؤمنون؟.والجملة الكريمة مسوقة للتعجب من أحوالهم. ولقطع أى أمل في إيمانهم لأنهم ما داموا لم يؤمنوا بهذا الرسول المؤيد بالمعجزات، وبهذا الكلام المعجز الجامع لكل ما يفيد الهداية، فأحرى بهم ألا يؤمنوا بغير ذلك.
7:186
مَنْ یُّضْلِلِ اللّٰهُ فَلَا هَادِیَ لَهٗؕ-وَ یَذَرُهُمْ فِیْ طُغْیَانِهِمْ یَعْمَهُوْنَ(۱۸۶)
جسے اللہ گمراہ کرے اسے کوئی راہ دکھانے والا نہیں اور انہیں چھوڑتا ہے کہ اپنی سرکشی میں بھٹکا کریں،

ثم عقب القرآن على هذا التوبيخ والتهديد للمشركين بقوله: مَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَلا هادِيَ لَهُ، وَيَذَرُهُمْ فِي طُغْيانِهِمْ يَعْمَهُونَ.أى: من يرد الله إضلاله بسبب اختياره للضلالة، وصممه عن الاستماع للحق فلا قدرة لأحد على هدايته، وهو- سبحانه- يترك هؤلاء الضالين في طغيانهم متحيرين مترددين.ثم بينت السورة الكريمة أن أمر الساعة مرده إلى الله- تعالى-، وأن السائلين عن وقتها من الأحسن لهم أن يستعدوا لها بدل أن يكثروا من السؤال عن زمن مجيئها فقالت:
7:187
یَسْــٴَـلُوْنَكَ عَنِ السَّاعَةِ اَیَّانَ مُرْسٰىهَاؕ-قُلْ اِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّیْۚ-لَا یُجَلِّیْهَا لِوَقْتِهَاۤ اِلَّا هُوَ ﲪ ثَقُلَتْ فِی السَّمٰوٰتِ وَ الْاَرْضِؕ-لَا تَاْتِیْكُمْ اِلَّا بَغْتَةًؕ-یَسْــٴَـلُوْنَكَ كَاَنَّكَ حَفِیٌّ عَنْهَاؕ-قُلْ اِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ اللّٰهِ وَ لٰكِنَّ اَكْثَرَ النَّاسِ لَا یَعْلَمُوْنَ(۱۸۷)
تم سے قیامت کو پوچھتے ہیں (ف۳۶۳) کہ وہ کب کو ٹھہری ہے تم فرماؤ اس کا علم تو میرے رب کے پاس ہے، اسے وہی اس کے وقت پر ظاہر کرے گا (ف۳۶۴) بھاری پڑ رہی ہے آسمانوں او رزمین میں، تم پر نہ آئے گی مگر اچانک، تم سے ایسا پوچھتے ہیں گویا تم نے اسے خوب تحقیق کر رکھا ہے، تم فرماؤ اس کا علم تو اللہ ہی کے اس ہے لیکن بہت لوگ جانتے نہیں (ف۳۶۵)

قال الآلوسى: عن ابن عباس أن قوما من اليهود قالوا: يا محمد، أخبرنا متى الساعة إن كنت نبيا. إنا نعلم متى هي، وكان ذلك امتحانا منهم، مع علمهم أن الله- تعالى- قد استأثر بعلمها. وأخرج ابن جرير عن قتادة أن جماعة من قريش قالوا: يا محمد أسر إلينا متى الساعة لما بيننا وبينك من القرابة فنزلت».وقوله: يَسْئَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْساها استئناف مسوق لبيان بعض أنواع ضلالهم وطغيانهم.والساعة في الأصل اسم لمدار قليل من الزمان غير معين، وتطلق في عرف الشرع على يوم القيامة وهو المراد بالسؤال هنا.وأطلق على يوم القيامة ساعة إما لوقوعه بغتة، أو لسرعة ما فيه من الحساب، أو لأنه على طوله قدر يسير عند الله- تعالى-.وأَيَّانَ ظرف زمان متضمن معنى متى. ومُرْساها مصدر ميمى من أرساها إذا أثبته وأقره، ولا يكاد يستعمل الإرساء إلا في الشيء الثقيل كما في قوله- تعالى- وَالْجِبالَ أَرْساها ونسبته هنا إلى الساعة باعتبار تشبيه المعاني بالأجسام. وأَيَّانَ خبر مقدم ومُرْساها مبتدأ مؤخر.والمعنى: يسألك يا محمد هؤلاء القوم عن الساعة قائلين أيان مرساها؟.أى متى إرساؤها واستقرارها، أو متى زمن مجيئها وحصولها؟.وقوله قُلْ إِنَّما عِلْمُها عِنْدَ رَبِّي جواب عن سؤالهم: أى: قل أيها الرسول الكريم: علم الساعة أو علم قيامها عند ربي وحده ليس عندي ولا عند غيرى من الخلق شيء منه.والتعبير بإنما المفيد للحصر للاشعار بأنه- سبحانه- هو الذي استأثر بعلم ذلك ولم يخبر أحدا به من ملك مقرب أو نبي مرسل.وقوله لا يُجَلِّيها لِوَقْتِها إِلَّا هُوَ بيان لاستمرار إخفائها إلى حين قيامها وإقناط كلى عن إظهار أمرها بطريق الإخبار.والتجلية: الكشف والإظهار. يقال: جلى لي الأمر وانجلى وجلاه تجلية بمعنى: كشفه وأظهره أتم الإظهار.والمعنى: لا يكشف الحجاب عن خفائها، ولا يظهرها للناس في الوقت الذي يختاره إلا الله وحده.قال بعضهم: والسبب في إخفاء الساعة عن العباد لكي يكونوا دائما على حذر، فيكون ذلك أدعى للطاعة وأزجر عن المعصية، فإنه متى علمها المكلف ربما تقاصر عن التوبة وأخرها.ثم عظم- سبحانه- أمر الساعة فقال ثَقُلَتْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ أى: كبرت أو شقت على أهلها لخوفهم من شدائدها وأهوالها وما فيها من محاسبة ومجازاة، وعن السدى: أن من خفى عليه علم شيء كان ثقيلا عليه.أو المعنى: ثقلت عند الوقوع على نفس السموات حتى انشقت وانتثرت نجومها وكورت شمسها، وعلى نفس الأرض حتى سيرت جبالها، وسجرت بحارها، وقوله: «لا تأتيكم إلا بغتة» أى: لا تأتيكم إلا فجأة وعلى حين غفلة من غير توقع ولا انتظار.وقد وردت أحاديث متعددة تؤيد وقوع الساعة فجأة، ومنها ما رواه الشيخان عن أبى هريرة أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «لتقومن الساعة وقد نشر الرجلان ثوبهما بينهما فلا يتبايعانه ولا يطويانه. ولتقومن الساعة وقد انصرف الرجل بلبن لقحته- أى ناقته ذات اللبن- فلا يطعمه ولتقومن الساعة وهو يليط حوضه- أى يطليه بالجص أو الطين- فلا يسقى فيه.ولتقومن الساعة وقد رفع أحدكم أكلته إلى فمه فلا يطعمها» .ثم قال- تعالى- يَسْئَلُونَكَ كَأَنَّكَ حَفِيٌّ عَنْها قُلْ إِنَّما عِلْمُها عِنْدَ اللَّهِ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ.أى: يسألونك يا محمد هذا السؤال كأنك حفى عنها أى: كأنك حفى عنها أى: كأنك عالم بها. من حفى عن الشيء إذا بحث عن تعرف حاله بتتبع واستقصاء ومن بحث عن شيء وسأل عنه استحكم علمه به، وعدى حَفِيٌّ بعن اعتبارا لأصل معناه، وهو السؤال والبحث.قال صاحب الكشاف: كَأَنَّكَ حَفِيٌّ عَنْها عالم بها. وحقيقته كأنك بليغ في السؤال عنها، لأن من بالغ في المسألة عن الشيء والتنقير عنه. استحكم علمه فيه ورصن- أى ثبت وتمكن-، وهذا التركيب معناه المبالغة ومنه إحفاء الشارب، واحتفاء البقل، استئصاله، وأحفى في المسألة إذا ألحف- أى ألح وتشدد- وحفى بفلان وتحفى به: بالغ في البر به..وقيل: إن قريشا قالت له إن بيننا وبينك قرابة فقل لنا متى الساعة؟ فقيل: يسألونك عنها كأنك حفى تتحفى بهم فتختصهم بتعليم وقتها لأجل القرابة وتزوى علمها عن غيرهم، ولو أخبرت بوقتها لمصلحة عرفها الله في اخبارك به، لكنت مبلغه للقريب والبعيد من غير تخصيص، كسائر ما أوحى إليك.ثم قال: فإن قلت: لم كرر يسألونك وإنما علمها عند الله؟ قلت: للتأكيد ولما جاء به من زيادة قوله كَأَنَّكَ حَفِيٌّ عَنْها وعلى هذا تكرير العلماء والحذاق».وقال صاحب الانتصاف: وفي هذا النوع من التكرير نكتة لا تلقى إلا في الكتاب العزيز، وهو أجل من أن يشارك فيها. وذاك أن المعهود في أمثال هذا التكرار أن الكلام إذا بنى على مقصد واعترض في أثنائه عارض فأريد الرجوع لتتميم المقصد الأول وقد بعد عهده، طرى بذكر المقصد الأول لتتصل نهايته ببدايته، وقد تقدم لذلك في الكتاب العزيز أمثال، وسيأتى، وهذا منها فإنه لما ابتدأ الكلام. بقوله «يسألونك عن الساعة أيان مرساها» ثم اعترض ذكر الجواب المضمن في قوله قُلْ إِنَّما عِلْمُها عِنْدَ رَبِّي إلى قوله بَغْتَةً أن يدمغ تتميم سؤالهم عنها بوجه من الإنكار عليهم، وهو المضمن في قوله كَأَنَّكَ حَفِيٌّ عَنْها وهو شديد التعلق بالسؤال وقد بعد عهده، فطري ذكره تطرية عامة، ولا تراه أبدا يطري إلا بنوع من الإجمال كالتذكرة للأول مستغنى عن تفصيله بما تقدم. فمن ثم قيل يَسْئَلُونَكَ ولم يذكر المسئول عنه وهو «الساعة» اكتفاء بما تقدم، فلما كرر السؤال لهذه الفائدة كرر الجواب أيضا مجملا فقال:قُلْ إِنَّما عِلْمُها عِنْدَ اللَّهِ ويلاحظ هذا في تلخيص الكلام بعد بسطه».هذا، وإذا كان علم الساعة مرده إلى الله وحده، فإن هناك نصوصا من الكتاب والسنة تحدثت عن أماراتها وعلاماتها، ومن ذلك قوله- تعالى-:فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا السَّاعَةَ أَنْ تَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً فَقَدْ جاءَ أَشْراطُها. فَأَنَّى لَهُمْ إِذا جاءَتْهُمْ ذِكْراهُمْ.والأشراط: جمع شرط- بفتح الشين والراء- وهي العلامات الدالة على قربها، وأعظم هذه العلامات بعثة النبي صلّى الله عليه وسلّم إذ بها كمل الدين وما بعد الكمال إلا الزوال.وقد ثبت في الصحيحين أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم كان يقول: «بعثت أنا والساعة كهاتين» ويفرج بين إصبعيه الوسطى والسبابة.وفي حديث جبريل المشهور أنه سأل النبي صلّى الله عليه وسلّم عن الساعة، فقال له ما المسئول عنها بأعلم من السائل، وسأخبرك عن أشراطها:«إذا ولدت الأمة ربها- أى سيدها-، وإذا تطاول رعاة الإبل في البنيان» .ومن علامات الساعة- كما صرحت بذلك الأحاديث- قبض العلم، ففي الصحيحين عن عبد الله بن عمرو أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «إن الله لا يقبض العلم انتزاعا ينتزعه من العباد، ولكن يقبض العلم بقبض العلماء، حتى إذا لم يبق عالم اتخذ الناس رؤساء جهالا فسئلوا فأفتوا بغير علم فضلوا وأضلوا» ومنها- أى من علامات الساعة- كثرة الزلازل، وتقارب الزمان- أى قلة البركة في الوقت بحيث يمر الشهر كأنه أسبوع-، وظهور الفتن وكثرة الهرج- أى القتل إلى غير ذلك من العلامات التي وردت في الأحاديث النبوية، وقد ساق بعض المفسرين وعلى رأسهم ابن كثير جملة منها.
7:188
قُلْ لَّاۤ اَمْلِكُ لِنَفْسِیْ نَفْعًا وَّ لَا ضَرًّا اِلَّا مَا شَآءَ اللّٰهُؕ-وَ لَوْ كُنْتُ اَعْلَمُ الْغَیْبَ لَا سْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَیْرِۚۛ-وَ مَا مَسَّنِیَ السُّوْٓءُۚۛ-اِنْ اَنَا اِلَّا نَذِیْرٌ وَّ بَشِیْرٌ لِّقَوْمٍ یُّؤْمِنُوْنَ۠(۱۸۸)
تم فرماؤ میں اپنی جان کے بھلے برے کا خودمختار نہیں (ف۳۶۶) مگر جو اللہ چاہے (ف۳۶۷) اور اگر میں غیب جان لیا کرتا تو یوں ہوتا کہ میں نے بہت بھلائی جمع کرلی، اور مجھے کوئی برائی نہ پہنچی (ف۳۶۸) میں تو یہی ڈر (ف۳۶۹) اور خوشی سنانے والا ہوں انہیں جو ایمان رکھتے ہیں،

ثم أمر الله- تعالى- رسوله صلّى الله عليه وسلّم أن يبين للناس أن كل الأمور بيد الله- تعالى-، وأن علم الغيب كله مرجعه إليه- سبحانه- فقال:قُلْ لا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعاً وَلا ضَرًّا أى: لا أملك لأجل نفسي جلب نفع ما ولا دفع ضرر ما.وقوله لِنَفْسِي متعلق بأملك. أو بمحذوف وقع حالا من نَفْعاً والمراد: لا أملك ذلك في وقت من الأوقات.وقوله إِلَّا ما شاءَ اللَّهُ استثناء متصل. أى لا أملك لنفسي نفعا ولا ضرا في وقت من الأوقات إلا في وقت مشيئة الله بأن يمكنني من ذلك، فإننى حينئذ أملكه بمشيئته.وقيل: الاستثناء منقطع، أى لكن ما شاء الله من ذلك كائن.وقوله وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَما مَسَّنِيَ السُّوءُ أى: لكانت حالي- كما قال الزمخشري- على خلاف ما هي عليه من استكثار الخير، واستغزار المنافع واجتناب السوء والمضار حتى لا يمسني شيء منها ولم أكن غالبا مرة ومغلوبا أخرى في الحروب، ورابحا وخاسرا في التجارات ومصيبا ومخطئا في التدابير».قال الجمل: فان قلت: قد أخبر صلّى الله عليه وسلّم عن المغيبات وقد جاءت أحاديث في الصحيح بذلك وهو من أعظم معجزاته فكيف نوفق بينه وبين قوله- تعالى- وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ..إلخ.؟ قلت: يحتمل أنه قاله على سبيل التواضع والأدب، والمعنى: لا أعلم الغيب إلا أن يطلعني الله عليه ويقدره لي.ويحتمل أن يكون قال ذلك قبل أن يطلعه الله على علم الغيب. فلما أطلعه الله أخبر به كما قال- تعالى- عالِمُ الْغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلى غَيْبِهِ أَحَداً إِلَّا مَنِ ارْتَضى مِنْ رَسُولٍ أو يكون خرج هذا الكلام مخرج الجواب عن سؤالهم، ثم بعد ذلك أظهره- سبحانه- على أشياء من المغيبات فأخبر عنها ليكون ذلك معجزة له ودلالة على صحة نبوته.ثم بين القرآن وظيفة الرسول صلّى الله عليه وسلّم في قوله إِنْ أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ أى: ما أنا إلا عبد أرسلنى الله نذيرا وبشيرا، وليس من مهمتى أو وظيفتي معرفة علم الغيب.وقوله لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ يجوز أن يتعلق بقوله نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ جميعا لأن المؤمنين هم الذين ينتفعون بالإنذار والتبشير، ويجوز أن يتعلق بقوله بَشِيرٌ وحده، وعليه يكون متعلق النذير محذوف أى: للكافرين. وحذف للعلم به:وبهذا الإعلان من جانب الرسول صلّى الله عليه وسلّم للناس عن وظيفته، تتم لعقيدة التوحيد الإسلامية كل خصائص التجريد المطلق من الشرك في أية صورة من صوره، وتنفرد الذات الإلهية بخصائص لا يشاركها فيها بشر ولو كان هذا البشر محمدا صلّى الله عليه وسلّم فعند عتبة الغيب تقف الطاقة البشرية، ويقف العلم البشرى، وتقف القدرة البشرية، إذ علم الغيب إنما هو لله الذي لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء.ثم تحدثت السورة بعد ذلك عن مظاهر قدرة الله وأدلة وحدانيته، فذكرت الناس بمبدأ نشأتهم، وكيف أن بعضهم قد انحرف عن طريق التوحيد إلى طريق الشرك، وساقت ذلك في صورة القصة لضرب المثل من واقع الحياة فقالت:
7:189
هُوَ الَّذِیْ خَلَقَكُمْ مِّنْ نَّفْسٍ وَّاحِدَةٍ وَّ جَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِیَسْكُنَ اِلَیْهَاۚ-فَلَمَّا تَغَشّٰىهَا حَمَلَتْ حَمْلًا خَفِیْفًا فَمَرَّتْ بِهٖۚ-فَلَمَّاۤ اَثْقَلَتْ دَّعَوَا اللّٰهَ رَبَّهُمَا لَىٕنْ اٰتَیْتَنَا صَالِحًا لَّنَكُوْنَنَّ مِنَ الشّٰكِرِیْنَ(۱۸۹)
وہی ہے جس نے تمہیں ایک جان سے پیدا کیا (ف۳۷۰) اور اسی میں سے اس کا جوڑا بنایا (ف۳۷۱) کہ اس سے چین پائے پھر جب مرد اس پر چھایا اسے ایک ہلکا سا پیٹ رہ گیا (ف۳۷۲) تو اسے لیے پھراکی پھر جب بوجھل پڑی دونوں نے اپنے رب سے دعا کی ضرور اگر تو ہمیں جیسا چاہیے بچہ دے گا تو بیشک ہم شکر گزار ہوں گے،

قوله- تعالى- هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْها زَوْجَها لِيَسْكُنَ إِلَيْها استئناف مسوق لبيان ما يقتضى التوحيد الذي هو المقصد الأعظم.أى. إن الذي يستحق العبادة والخضوع، والذي عنده مفاتح الغيب هو الله الذي خلقكم من نفس واحدة هي نفس أبيكم آدم، وجعل من نوع هذه النفس وجنسها زوجها حواء، ثم انتشر الناس منهما بعد ذلك كما قال- تعالى- يا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْها زَوْجَها وَبَثَّ مِنْهُما رِجالًا كَثِيراً وَنِساءً.وقوله لِيَسْكُنَ إِلَيْها أى: ليطمئن إليها ويميل ولا ينفر، لأن الجنس إلى الجنس أميل وبه آنس. وإذا كانت بعضا منه كان السكون والمحبة أبلغ، كما يسكن الإنسان إلى ولده ويحبه محبة نفسه لكونه بضعة منه.فالأصل في الحياة الزوجية هو السكن والاطمئنان والأنس والاستقرار وهذه نظرة الإسلام إلى تلك الحياة قال- تعالى- وَمِنْ آياتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْواجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْها وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً.والضمير المستكن في لِيَسْكُنَ يعود إلى النفس، وكان الظاهر تأنيثه لأن النفس من المؤنثات السماعية ولذا أنثت صفتها وهي قوله واحِدَةٍ إلا أنه جاء مذكرا هنا باعتبار أن المراد من النفس هنا- آدم عليه السلام- «ولو أنث على حسب الظاهر لتوهم نسبة السكون إلى الأنثى، فكان التذكير كما يقول الزمخشري- أحسن طباقا للمعنى.وقوله فَلَمَّا تَغَشَّاها حَمَلَتْ حَمْلًا خَفِيفاً فَمَرَّتْ بِهِ.الغشاء: غطاء الشيء الذي يستره من فوقه، والغاشية الظلة التي تظل الإنسان من سحابة أو غيرها. والتغشى كناية عن الجماع. أى فلما تغشى الزوج الذي هو الذكر الزوجة التي هي الأنثى وتدثرها لقضاء شهوتهما حَمَلَتْ حَمْلًا خَفِيفاً. أى: حملت منه محمولا خفيفا وهو الجنين في أول حملة لا تجد المرأة له ثقلا لأنه يكون نطفة ثم مضغة، ولا ثقل له يذكر في تلك الأحوال فَمَرَّتْ بِهِ أى: فمضت به إلى وقت ميلاده من غير نقصان ولا إسقاط. أو المعنى:فاستمرت به كما كانت من قبل حيث قامت وقعدت وأخذت وتركت من غير مشقة وتلك هي المرحلة الأولى من مراحل الحمل.وتأمل معى- أيها القارئ الكريم- مرة أخرى قوله- تعالى: فَلَمَّا تَغَشَّاها حَمَلَتْ حَمْلًا خَفِيفاً لترى سمو القرآن في تعبيره، وأدبه في عرض الحقائق. إن أسلوبه يلطف ويدق عند تصوير العلاقة بين الزوجين، فهو يسوقها عن طريق كناية بديعة تتناسب مع جو السكن والمودة بين الزوجين وتتسق مع جو الستر الذي تدعو إليه الشريعة الإسلامية عند المباشرة بين الرجل والمرأة، ولا نجد كلمة تؤدى هذه المعاني أفضل من كلمة تَغَشَّاها.ثم تأتى المرحلة الثانية من مراحل الحمل فيعبر عنها القرآن بقوله: فَلَمَّا أَثْقَلَتْ دَعَوَا اللَّهَ رَبَّهُما لَئِنْ آتَيْتَنا صالِحاً لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ.أى: فحين صارت ذات ثقل يسبب نمو الحمل في بطنها، فالهمزة للصيرورة كقولهم: أتمر فلان وألبن أى: صار ذا تمر ولبن.أى: وحين صارت الأم كذلك وتبين الحمل، وتعلق به قلب الزوجين، توجها إلى ربهما يدعوانه بضراعة وطمع بقولهما: لَئِنْ آتَيْتَنا صالِحاً أى لئن أعطيتنا نسلا سويا تام الخلقة، يصلح للأعمال الإنسانية النافعة لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ لك على نعمائك التي من أجلها هذه النعمة واستجاب الله للزوجين دعاءهما، فرزقهما الولد الصالح فماذا كانت النتيجة؟.
7:190
فَلَمَّاۤ اٰتٰىهُمَا صَالِحًا جَعَلَا لَهٗ شُرَكَآءَ فِیْمَاۤ اٰتٰىهُمَاۚ-فَتَعٰلَى اللّٰهُ عَمَّا یُشْرِكُوْنَ(۱۹۰)
پھر جب اس نے انہیں جیسا چاہیے بچہ عطا فرمایا انہوں نے اس کی عطا میں اس کے ساجھی ٹھہرائے تو اللہ کو برتری ہے ان کے شرک سے (ف۳۷۳)

لقد كانت النتيجة عدم الوفاء لله فيما عاهداه عليه، ويحكى القرآن ذلك فيقول: فَلَمَّا آتاهُما صالِحاً جَعَلا لَهُ شُرَكاءَ فِيما آتاهُما أى: فحين أعطاهما- سبحانه- الولد الصالح الذي كانا يتمنيانه، جعلا لله- تعالى- شركاء في هذا العطاء، وأخلا بالشكر في مقابلة هذه النعمة أسوأ إخلال، حيث نسبوا هذا العطاء إلى الأصنام والأوثان، أو إلى الطبيعة كما يزعم الطبعيون أو إلى غير ذلك مما يتنافى مع إفراد الله- تعالى- بالعبادة والشكر.وقوله فَتَعالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ تنزيه فيه معنى التعجب من أحوالهم. أى: تنزه- سبحانه- وتقدس عن شرك هؤلاء الأغبياء الجاحدين الذين يقابلون نعم الله بالإشراك والكفران.والضمير في يُشْرِكُونَ يعود على أولئك الآباء الذين جعلوا لله شركاء: هذا والمحققون من العلماء يرون أن هاتين الآيتين قد سيقتا توبيخا للمشركين حيث إن الله- تعالى- أنعم عليهم بخلقهم من نفس واحدة، وجعل أزواجهم من أنفسهم ليأنسوا بهن، وأعطاهم الذرية، وأخذ عليهم العهود بشكره على هذه النعم، ولكنهم جحدوا نعمه وأشركوا معه في العبادة والشكر آلهة أخرى فَتَعالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ.ويرى بعض المفسرين أن المراد بهذا السياق آدم وحواء، واستدلوا على ذلك بما رواه الإمام أحمد- بسنده- عن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: «لما طاف بها إبليس وكان لا يعيش لها ولد فقال لها سميه عبد الحارث فإنه يعيش فسمته عبد الحارث فعاش، وكان ذلك من وحى الشيطان وأمره.وقد أثبت ابن كثير في تفسيره ضعف هذا الحديث من عدة وجوه، ثم قال: قال الحسن:عنى الله- تعالى- بهذه الآية ذرية آدم ومن أشرك منهم بعده، وقال قتادة: كان الحسن يقول:هم اليهود والنصارى رزقهم الله أولادا فهودوا ونصروا. قال ابن كثير: وهو من أحسن التفاسير وأولى ما حملت عليه الآية، ونحن على مذهب الحسن البصري في هذا، وأنه ليس المراد من هذا السياق آدم وحواء وإنما المراد من ذلك المشركون من ذريته، ولهذا قال: فَتَعالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ.وقال صاحب الانتصاف: والأسلم والأقرب أن يكون المراد- والله أعلم- جنسى الذكر والأنثى لا يقصد فيه إلى معين. وكأن المعنى خلقكم جنسا واحدا، وجعل أزواجكم منكم أيضا لتسكنوا إليهن، فلما تغشى الجنس الذي هو الذكر، الجنس الآخر الذي هو الأنثى جرى من هذين الجنسين كيت وكيت. وإنما نسب هذه المقالة إلى الجنس وإن كان فيهم الموحدون على حد قولهم: «بنو فلان قتلوا قتيلا» يعنى من نسبة البعض إلى الكل .والذي نراه أن الآيتين واردتان في توبيخ المشركين على شركهم ونقضهم لعهودهم مع الله- تعالى- لأن الأحاديث والآثار التي وردت في أنهما وردتا في شأن آدم وحواء لتسميتهما ابنهما بعبد الحارث اتباعا لوسوسة الشيطان لهما- ليست صحيحة، كما أثبت ذلك علماء الحديث.ثم أخذت السورة بعد ذلك في توبيخ المشركين، وفي إبطال شركهم بأسلوب منطقي حكيم فقالت:
7:191
اَیُشْرِكُوْنَ مَا لَا یَخْلُقُ شَیْــٴًـا وَّ هُمْ یُخْلَقُوْنَۚ (۱۹۱)
کیا اسے شریک کرتے ہیں جو کچھ نہ بنائے (ف۳۷۴) اور وہ خود بنائے ہوئے ہیں،

قوله- تعالى- أَيُشْرِكُونَ ما لا يَخْلُقُ شَيْئاً وَهُمْ يُخْلَقُونَ أى: أيشركون به- تعالى- وهو الخالق لهم ولكل شيء، ما لا يخلق شيئا من الأشياء مهما يكن حقيرا، بل إن هذه الأصنام التي تعبد من دون الله مخلوقة ومصنوعة، فكيف يليق بسليم العقل أن يجعل المخلوق العاجز شريكا للخالق القادر.والاستفهام للإنكار والتجهيل. والمراد بما في قوله ما لا يَخْلُقُ شَيْئاً أصنامهم، ورجع الضمير إليها مفردا لرعاية لفظها، كما أن إرجاع ضمير الجمع إليها في قوله وَهُمْ يُخْلَقُونَ لرعاية معناها.وجاء بضمير العقلاء في يُخْلَقُونَ مسايرة لهم في اعتقادهم أنها تضر وتنفع.
7:192
وَ لَا یَسْتَطِیْعُوْنَ لَهُمْ نَصْرًا وَّ لَاۤ اَنْفُسَهُمْ یَنْصُرُوْنَ(۱۹۲)
اور نہ وہ ان کو کوئی مدد پہنچاسکیں اور نہ اپنی جانو ں کی مدد کریں (ف۳۷۵)

ثم قال- تعالى-: وَلا يَسْتَطِيعُونَ لَهُمْ نَصْراً وَلا أَنْفُسَهُمْ يَنْصُرُونَ أى: أن هذه الأصنام فضلا عن كونها مخلوقة، فإنها لا تستطيع أن تجلب لعابديها نصرا على أعدائهم، بل إنها لا تستطيع أن تدفع عن نفسها شرا، ومن هذه صفته كيف يعبد من دون الله؟ قال- تعالى- إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُباباً وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ، وَإِنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبابُ شَيْئاً لا يَسْتَنْقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ.
7:193
وَ اِنْ تَدْعُوْهُمْ اِلَى الْهُدٰى لَا یَتَّبِعُوْكُمْؕ-سَوَآءٌ عَلَیْكُمْ اَدَعَوْتُمُوْهُمْ اَمْ اَنْتُمْ صَامِتُوْنَ(۱۹۳)
اور اگر تم انہیں (ف۳۷۶) راہ کی طرف بلاؤ تو تمہارے پیچھے نہ آئیں (ف۳۷۷) تم پر ایک سا ہے چاہے انہیں پکارو یا چپ رہو(ف۳۷۸)

ثم بين- سبحانه- عجز الأصنام عما هو أدنى من النصر المنفي عنهم وأيسر وهو مجرد الدلالة على المطلوب من غير تحصيله للطالب فقال: وَإِنْ تَدْعُوهُمْ إِلَى الْهُدى لا يَتَّبِعُوكُمْ أى: وإن تدعو أيها المشركون هذه الأصنام إلى الهدى والرشاد لا يتبعوكم، أى أنهم لا ينفعوكم بشيء ولا ينتفعون منكم بشيء.وقوله سَواءٌ عَلَيْكُمْ أَدَعَوْتُمُوهُمْ أَمْ أَنْتُمْ صامِتُونَ استئناف مقرر لمضمون ما قبله.أى: مستو عندكم دعاؤكم إياهم وبقاؤكم على صمتكم، فإنه لا يتغير حالكم في الحالين، كما لا يتغير حالهم بحكم أنهم جماد.
7:194
اِنَّ الَّذِیْنَ تَدْعُوْنَ مِنْ دُوْنِ اللّٰهِ عِبَادٌ اَمْثَالُكُمْ فَادْعُوْهُمْ فَلْیَسْتَجِیْبُوْا لَكُمْ اِنْ كُنْتُمْ صٰدِقِیْنَ(۱۹۴)
بیشک وہ جن کو تم اللہ کے سوا پوجتے ہو تمہاری طرح بندے ہیں (ف۳۷۹) تو انہیں پکارو پھر وہ تمہیں جواب دیں اگر تم سچے ہو،

ثم مضى القرآن في دعوته إياهم إلى التدبر والتعقل فقال: إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ عِبادٌ أَمْثالُكُمْ.أى: إن هذه الأصناف التي تعبدونها من دون الله، أو تنادونها لدفع الضر أو جلب النفع عِبادٌ أَمْثالُكُمْ أى: مماثلة لكم في كونها مملوكة لله مسخرة مذللة لقدرته كما أنكم أنتم كذلك فكيف تعبدونها أو تنادونها؟.وأطلق عليها لفظ عِبادٌ- مع أنها جماد- وفق اعتقادهم فيها تبكيتا لهم وتوبيخا.وقوله فَادْعُوهُمْ فَلْيَسْتَجِيبُوا لَكُمْ تحقيق لمضمون ما قبله بتعجيزهم وتبكيتهم أى:فادعوهم في رفع ما يصيبكم من ضر، أو في جلب ما أنتم في حاجة إليه من نفع إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ في زعمكم أن هذه الأصنام قادرة على ذلك.
7:195
اَلَهُمْ اَرْجُلٌ یَّمْشُوْنَ بِهَاۤ٘-اَمْ لَهُمْ اَیْدٍ یَّبْطِشُوْنَ بِهَاۤ٘-اَمْ لَهُمْ اَعْیُنٌ یُّبْصِرُوْنَ بِهَاۤ٘-اَمْ لَهُمْ اٰذَانٌ یَّسْمَعُوْنَ بِهَاؕ-قُلِ ادْعُوْا شُرَكَآءَكُمْ ثُمَّ كِیْدُوْنِ فَلَا تُنْظِرُوْنِ(۱۹۵)
کیا ان کے پاؤں ہیں جن سے چلیں یا ان کے ہاتھ ہیں جن سے گرفت کریں یا ان کے آنکھیں ہیں جن سے دیکھیں یا ان کے کان ہیں جن سے سنیں (ف۳۸۰) تم فرماؤ کہ اپنے شریکوں کو پکارو اور مجھ پر داؤ چلو اور مجھے مہلت نہ دو (ف۳۸۱)

ثم تابع القرآن تقريعه لهذه الأصنام وعابديها فقال: أَلَهُمْ أَرْجُلٌ يَمْشُونَ بِها، أَمْ لَهُمْ أَيْدٍ يَبْطِشُونَ بِها، أَمْ لَهُمْ أَعْيُنٌ يُبْصِرُونَ بِها، أَمْ لَهُمْ آذانٌ يَسْمَعُونَ بِها.الاستفهام للإنكار، والمعنى: أن هذه الأصنام التي تزعمون أنها تقربكم إلى الله زلفى هي أقل منكم مستوى لفقدها الحواس التي هي مناط الكسب إنها ليس لها أرجل تسعى بها إلى دفع ضر أو جلب نفع وليس لها أيد: تبطش بها أى تأخذ بها ما تريد أخذه، وليس لها أعين تبصر بها شئونكم وأحوالكم وليس لها آذان تسمع بها أقوالكم، وتعرف بواسطتها مطالبكم، فأنتم أيها الناس تفضلون هذه الأصنام بما منحكم الله- تعالى- من حواس السمع والبصر وغيرها فكيف يعبد الفاضل المفضول، وكيف ينقاد الأقوى للأضعف؟.ثم أمر الله- تعالى رسوله صلّى الله عليه وسلّم أن يناصبهم الحجة وان يكرر عليهم التوبيخ فقال: قُلِ ادْعُوا شُرَكاءَكُمْ ثُمَّ كِيدُونِ فَلا تُنْظِرُونِ أى: قل أيها الرسول الكريم لهؤلاء الذين هبطوا بعقولهم إلى أحط المستويات نادوا شركاءكم الذين زعمتموهم أولياء ثم تعاونوا أنتم وهم على كيدي وإلحاق الضر بي من غير انتظار أو إمهال، فإنى أنا معتز بالله، وملتجئ إلى حماه ومن كان كذلك فلن يخشى شيئا من المخلوقين جميعا.وهذا نهاية التحدي من جانب الرسول صلّى الله عليه وسلّم لهم والحط من شأنهم وشأن آلهتهم.
7:196
اِنَّ وَلِیِّ ﰯ اللّٰهُ الَّذِیْ نَزَّلَ الْكِتٰبَ ﳲ وَ هُوَ یَتَوَلَّى الصّٰلِحِیْنَ(۱۹۶)
بیشک میرا والی اللہ ہے جس نے کتاب ا تاری (ف۳۸۲) اور وہ نیکوں کو دوست رکھتا ہے(ف۳۸۳)

ثم بين لهم الأسباب التي دعته إلى تحديهم وتبكيتهم فقال إِنَّ وَلِيِّيَ اللَّهُ الَّذِي نَزَّلَ الْكِتابَ وَهُوَ يَتَوَلَّى الصَّالِحِينَ.أى: قل يا محمد لهؤلاء الضالين إننى ما تحديتكم وطلبت كيدكم وكيد أصنامكم- إن كنتم أنتم وهم تقدرون على ذلك على سبيل الفرض- إلا لأنى معتز بالله وحده، فهو ناصري ومتولى أمرى، وهو الذي نزل هذا القرآن لأخرجكم به من الظلمات إلى النور، وقد جرت سنته- سبحانه- أن يتولى الصالحين وأن يجعل العاقبة لهم.قال الحسن البصري: إن المشركين كانوا يخوفون الرسول صلّى الله عليه وسلّم بآلهتهم فقال- تعالى- قُلِ ادْعُوا شُرَكاءَكُمْ الآية- ليظهر لكم أنه لا قدرة لها على إيصال المضار إلى بوجه من الوجوه.وهذا كما قال هود- عليه السلام- لقومه ردا على قولهم. إِنْ نَقُولُ إِلَّا اعْتَراكَ بَعْضُ آلِهَتِنا بِسُوءٍ- قالَ: إِنِّي أُشْهِدُ اللَّهَ وَاشْهَدُوا أَنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ. مِنْ دُونِهِ فَكِيدُونِي جَمِيعاً ثُمَّ لا تُنْظِرُونِ.
7:197
وَ الَّذِیْنَ تَدْعُوْنَ مِنْ دُوْنِهٖ لَا یَسْتَطِیْعُوْنَ نَصْرَكُمْ وَ لَاۤ اَنْفُسَهُمْ یَنْصُرُوْنَ(۱۹۷)
اور جنہیں اس کے سوا پوجتے ہو وہ تمہاری مدد نہیں کرسکتے، اور نہ خود اپنی مدد کریں (ف۳۸۴)

ثم قال- تعالى- وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لا يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَكُمْ وَلا أَنْفُسَهُمْ يَنْصُرُونَ أى: والذين تعبدونهم من دون الله أو تنادونهم لدفع الضر أو جلب النفع لا يستطيعون نصركم في أى أمر من الأمور، وفضلا عن ذلك فهم لا يستطيعون رفع الأذى عن أنفسهم إذا ما اعتدى عليهم معتد.
7:198
وَ اِنْ تَدْعُوْهُمْ اِلَى الْهُدٰى لَا یَسْمَعُوْاؕ-وَ تَرٰىهُمْ یَنْظُرُوْنَ اِلَیْكَ وَ هُمْ لَا یُبْصِرُوْنَ(۱۹۸)
اور اگر تم انہیں راہ کی طرف بلاؤ تو نہ سنیں اور تو انہیں دیکھے کہ وہ تیری طرف دیکھ رہے ہیں (ف۳۸۵) اور انہیں کچھ بھی نہیں سوجھتا،

ثم قال- تعالى- وَإِنْ تَدْعُوهُمْ إِلَى الْهُدى أى: إلى أن يرشدوكم إلى ما تحصلون به مقاصدكم من النصر على الأعداء أو غير ذلك لا يَسْمَعُوا أى: لا يسمعوا شيئا مما تطلبونه منهم، ولو سمعوا- على سبيل الفرض- ما استجابوا لكم لعجزهم عن فعل أى شيء.وقوله وَتَراهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ وَهُمْ لا يُبْصِرُونَ بيان لعجزهم عن الإبصار بعد بيان عجزهم عن السمع، أى: وترى هذه الأصنام كأنها تنظر إليك بواسطة تلك العيون الصناعية التي ركبت فيها ولكنها في الواقع لا تبصر لخلوها من الحياة.وبذلك تكون هذه الآيات الكريمة قد وبخت المشركين وآلهتهم أعظم توبيخ، وأثبتت بالأدلة المنطقية الحكيمة، وبوسائل الحس والمشاهدة أن هذه الأصنام لا تملك لنفسها نفعا ولا ضرا، وأن الذين قالوا في شأنها ما نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونا إِلَى اللَّهِ زُلْفى هم قوم غافلون جاهلون، قد هبطوا بعقولهم إلى أحيط الدركات، لأنهم يتقربون إلى الله زلفى عن طريق ما لا يسمع ولا يبصر ولا يغنى عنهم شيئا، بل لا يستطيع أن يدفع الأذى عن نفسه.وفي الوقت نفسه فالآيات دعوة قوية لكل عاقل إلى أن يجعل عبادته وخضوعه لله الواحد.القهار.ثم تتجه السورة الكريمة بعد ذلك إلى شخص الرسول صلّى الله عليه وسلّم فترسم له ولكل عاقل طريق معاملته للخلق على وجه يقيه شر الحرج والضيق فتقول.
7:199
خُذِ الْعَفْوَ وَ اْمُرْ بِالْعُرْفِ وَ اَعْرِضْ عَنِ الْجٰهِلِیْنَ(۱۹۹)
اے محبوب! معاف کرنا اختیار کرو اور بھلائی کا حکم دو اور جاہلوں سے منہ پھیرلو،

العفو: يطلق في اللغة على خالص الشيء وجيده، وعلى الفضل الزائد فيه، وعلى السهل الذي لا كلفة فيه.أى: خذ ما عفا وسهل وتيسر من أخلاق الناس، وارض منهم بما تيسر من أعمالهم وتسهل من غير كلفة. ولا تطلب منهم ما يشق عليهم ويرهقهم حتى لا ينفروا، وكن لينا رفيقا في معاملة أتباعك، فإنك لَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ أى: مر غيرك بالمعروف المستحسن من الأفعال، وهو كل ما عرف حسنه في الشرع، فإن ذلك أجدر بالقبول من غير نكير، فإن النفوس حين تتعود الخير الواضح الذي لا يحتاج إلى مناقشة وجدال، يسلس قيادها، ويسهل توجيهها.وَأَعْرِضْ عَنِ الْجاهِلِينَ الذين لا يدركون قيم الأشياء والأشخاص والكلمات فيما يبدر منهم من أنواع السفاهة والإيذاء لأن الرد على أمثال هؤلاء ومناقشتهم لا تؤدى إلى خير، ولا تنتهي إلى نتيجة. والسكوت عنهم احتزام للنفس، واحترام للقول، وقد يؤدى الإعراض عنهم إلى تذليل نفوسهم وترويضها.وهذه الآية على قصرها تشتمل- كما قال العلماء- على مكارم الأخلاق فيما يتعلق بمعاملة الإنسان لأخيه الإنسان، وهي طريق قويم لكل ما تطلبه الإنسانية الفاضلة لأبنائها الأبرار، وقد جاءت في أعقاب حديث طويل عن أدلة وحدانية الله- تعالى- وأبطال الشرك والشركاء، لكي تبين للناس في كل زمان ومكان أن التحلي بمكارم الأخلاق إنما هو نتيجة لإخلاص العبادة لله الواحد الأحد، الفرد الصمد.قال القرطبي: هذه الآية من ثلاث كلمات، تضمنت قواعد الشريعة في المأمورات والمنهيات.فقوله خُذِ الْعَفْوَ دخل فيه صلة القاطعين والعفو عن المذنبين، والرفق بالمؤمنين، وغير ذلك من أخلاق المطيعين. ودخل في قوله وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ صلة الأرحام، وتقوى الله في الحلال والحرام، وغض الأبصار، والاستعداد لدار القرار.وفي قوله وَأَعْرِضْ عَنِ الْجاهِلِينَ الحض على التعلق بالعلم، والإعراض عن أهل الظلم، والتنزّه عن منازعة السفهاء، ومساواة الجهلة الأغنياء، وغير ذلك من الأخلاق المجيدة والأفعال الرشيدة».ثم يرشد القرآن المسلمين في شخص الرسول الكريم صلّى الله عليه وسلّم إلى ما يهدئ غضبهم ويطفئ ثورتهم فيقول:
7:200
وَ اِمَّا یَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّیْطٰنِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللّٰهِؕ-اِنَّهٗ سَمِیْعٌ عَلِیْمٌ(۲۰۰)
اور اے سننے والے اگر شیطان تجھے کوئی کونچا دے (کسی برے کام پر اکسائے) تو اللہ کی پناہ مانگ بیشک وہی سنتا جانتا ہے،

النزغ والنخس والغرز بمعنى واحد، وهو إدخال الإبرة أو طرف العصا ونحوها في الجلد.أى: وإن تعرض لك من الشيطان وسوسة تثير غضبك، وتحملك على خلاف ما أمرت به من أخذ العفو والأمر بالمعروف والإعراض عن الجاهلين، فالتجئ إلى الله، واستعذ بحماه، فإنه- سبحانه- سميع لدعائك، عليم بكل أحوالك. وهو وحده الكفيل بصرف وسوسة الشياطين عنك، وصيانتك من همزاتهم ونزغاتهم.
  FONT
  THEME
  TRANSLATION
  • English | Ahmed Ali
  • Urdu | Ahmed Raza Khan
  • Turkish | Ali-Bulaç
  • German | Bubenheim Elyas
  • Chinese | Chineese
  • Spanish | Cortes
  • Dutch | Dutch
  • Portuguese | El-Hayek
  • English | English
  • Urdu | Fateh Muhammad Jalandhry
  • French | French
  • Hausa | Hausa
  • Indonesian | Indonesian-Bahasa
  • Italian | Italian
  • Korean | Korean
  • Malay | Malay
  • Russian | Russian
  • Tamil | Tamil
  • Thai | Thai
  • Farsi | مکارم شیرازی
  TAFSEER
  • العربية | التفسير الميسر
  • العربية | تفسير الجلالين
  • العربية | تفسير السعدي
  • العربية | تفسير ابن كثير
  • العربية | تفسير الوسيط لطنطاوي
  • العربية | تفسير البغوي
  • العربية | تفسير القرطبي
  • العربية | تفسير الطبري
  • English | Arberry
  • English | Yusuf Ali
  • Dutch | Keyzer
  • Dutch | Leemhuis
  • Dutch | Siregar
  • Urdu | Sirat ul Jinan
  HELP

اَلْاَعْرَاف
اَلْاَعْرَاف
  00:00



Download

اَلْاَعْرَاف
اَلْاَعْرَاف
  00:00



Download