READ
Surah Al-Aa'raaf
اَلْاَعْرَاف
206 Ayaat مکیۃ
وقوله قالُوا آمَنَّا بِرَبِّ الْعالَمِينَ. رَبِّ مُوسى وَهارُونَ أى: قال السحرة بعد أن تبين لهم الحق وخروا ساجدين لله، آمنا بمالك أمر العالمين ومدبر شئونهم، والمتصرف فيهم، وجملة رَبِّ مُوسى وَهارُونَ بدل من الجملة التي قبلها، أو صفة لرب العالمين، أو عطف بيان.وفائدة ذلك نفى توهم من يتوهم أن رب العالمين قد يطلق على غير الله- تعالى- كقول فرعون أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلى.وهكذا نرى أثر الحق عند ما تخالط بشاشته القلوب الواعية، لقد آمن السحرة وصرحوا بذلك أمام فرعون وشيعته، لأنهم أدركوا عن يقين قطعى أن ما جاء به موسى- عليه السلام- ليس من قبيل السحر، والعالم في فنه هو أكثر الناس استعدادا للتسليم بالحقيقة حين تتكشف له، ومن هنا فقد تحول السحرة من التحدي السافر إلى التسليم المطلق أمام صولة الحق الذي لا يجحده إلا مكابر حقود.
وقوله قالُوا آمَنَّا بِرَبِّ الْعالَمِينَ. رَبِّ مُوسى وَهارُونَ أى: قال السحرة بعد أن تبين لهم الحق وخروا ساجدين لله، آمنا بمالك أمر العالمين ومدبر شئونهم، والمتصرف فيهم، وجملة رَبِّ مُوسى وَهارُونَ بدل من الجملة التي قبلها، أو صفة لرب العالمين، أو عطف بيان.وفائدة ذلك نفى توهم من يتوهم أن رب العالمين قد يطلق على غير الله- تعالى- كقول فرعون أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلى.وهكذا نرى أثر الحق عند ما تخالط بشاشته القلوب الواعية، لقد آمن السحرة وصرحوا بذلك أمام فرعون وشيعته، لأنهم أدركوا عن يقين قطعى أن ما جاء به موسى- عليه السلام- ليس من قبيل السحر، والعالم في فنه هو أكثر الناس استعدادا للتسليم بالحقيقة حين تتكشف له، ومن هنا فقد تحول السحرة من التحدي السافر إلى التسليم المطلق أمام صولة الحق الذي لا يجحده إلا مكابر حقود.
قَالَ فِرْعَوْنُ اٰمَنْتُمْ بِهٖ قَبْلَ اَنْ اٰذَنَ لَكُمْۚ-اِنَّ هٰذَا لَمَكْرٌ مَّكَرْتُمُوْهُ فِی الْمَدِیْنَةِ لِتُخْرِجُوْا مِنْهَاۤ اَهْلَهَاۚ-فَسَوْفَ تَعْلَمُوْنَ(۱۲۳)
فرعون بولا تم اس پر ایمان لے آئے قبل اس کے کہ میں تمہیں اجازت دوں، یہ تو بڑا جعل (فریب) ہے جو تم سب نے (ف۲۱۸) شہر میں پھیلایا ہے کہ شہر والوں کو اس سے نکال دو (ف۲۱۹) تو اب جان جاؤ گے (ف۲۲۰)
ولكن فرعون وملؤه لم يرقهم ما شاهدوا من إيمان السحرة، ولم يدركوا لانطماس بصيرتهم فعل الإيمان في القلوب، فأخذ يتوعدهم بالموت الأليم ويحكى القرآن ذلك فيقول: قالَ فِرْعَوْنُ آمَنْتُمْ بِهِ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ أى: قال فرعون منكرا على السحرة إيمانهم، آمنتم برب موسى وهارون قبل أن آمركم أنا بذلك؟ فهو لغروره وجهله ظن أن الإيمان بالحق بعد أن تبين يحتاج إلى استئذان.ثم أضاف إلى ذلك اتهامهم بأن إيمانهم لم يكن عن إخلاص ليصرف الناس عنهم فقال:إِنَّ هذا لَمَكْرٌ مَكَرْتُمُوهُ فِي الْمَدِينَةِ لِتُخْرِجُوا مِنْها أَهْلَها أى: إن ما صنعتموه من الإيمان برب موسى وهارون ليس عن اقتناع منكم بذلك، بل هو حيلة احتلتموها أنتم وموسى قبل أن يلقى كل منكم بسحره، لكي تخرجوا من مصر أهلها الشرعيين، وتخلص لكم ولبنى إسرائيل.وغرضه من هذا القول إفهام قبط مصر أن إيمان السحرة كان عن تواطؤ مع موسى، وأنهم يهدفون من وراء ذلك إلى إخراجهم من أوطانهم، فعليهم. - أى القبط- أن يستمسكوا بدينهم وأن يعلنوا عداوتهم لموسى وللسحرة ولبنى إسرائيل.ولا شك أن هذا لون من الكذب الخبيث أراد من ورائه فرعون صد الناس عن الإيمان بموسى- عليه السلام-.ثم أتبع هذا الاتهام الباطل بالوعيد الشديد فقال: فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ أى: فسوف تعلمون عاقبة ما فعلتم
لَاُقَطِّعَنَّ اَیْدِیَكُمْ وَ اَرْجُلَكُمْ مِّنْ خِلَافٍ ثُمَّ لَاُصَلِّبَنَّكُمْ اَجْمَعِیْنَ(۱۲۴)
قسم ہے کہ میں تمہارے ایک طرف کہ ہاتھ اور دوسری طرف کے پاؤں کاٹوں گا پھر تم سب کو سُو لی دوں گا (ف۲۲۱)
. ثم فصل هذا الوعيد بقوله: لَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلافٍ ثُمَّ لَأُصَلِّبَنَّكُمْ أَجْمَعِينَ.أى: أقسم لأقطعن من كل شق منكم عضوا مغايرا للآخر، كاليد من الجانب الأيمن، والرجل من الجانب الأيسر، ثم لأصلبنكم أجمعين تفضيحا لكم، وتنكيلا لأمثالكم.
قَالُوْۤا اِنَّاۤ اِلٰى رَبِّنَا مُنْقَلِبُوْنَۚ(۱۲۵)
بولے ہم اپنے رب کی طرف پھرنے والے ہیں (ف۲۲۲)
ومع أن فرعون قد توعد هؤلاء المؤمنين بالعذاب والتشويه والتنكيل والموت القاسي البطيء المرهوب، فإننا نراهم يقابلون كل ذلك بالصبر الجميل، والإيمان العميق، والاستهانة ببطش فرعون وجبروته فيقولون له بكل ثبات واطمئنان: إِنَّا إِلى رَبِّنا مُنْقَلِبُونَ قال صاحب الكشاف: فيه أوجه: أن يريدوا إنا لا نبالى بالموت لانقلابنا إلى لقاء ربنا ورحمته وخلاصنا منك ومن لقائك.أو ننقلب إلى الله يوم الجزاء فيثيبنا على شدائد القطع والصلب. أو إنا جميعا يعنون أنفسهم وفرعون ننقلب إلى الله فيحكم بيننا. أو إنا لا محالة ميتون منقلبون إلى الله فما تقدر أن تفعل بنا إلا ما لا بد لنا منه» .
وَ مَا تَنْقِمُ مِنَّاۤ اِلَّاۤ اَنْ اٰمَنَّا بِاٰیٰتِ رَبِّنَا لَمَّا جَآءَتْنَاؕ-رَبَّنَاۤ اَفْرِغْ عَلَیْنَا صَبْرًا وَّ تَوَفَّنَا مُسْلِمِیْنَ۠(۱۲۶)
اور تجھے ہمارا کیا برا لگا یہی نہ کہ ہم اپنے رب کی نشانیوں پر ایمان لائے جب وہ ہمارے پاس آئیں، اے رب ہمارے! ہم پر صبر انڈیل دے (ف۲۲۳) اور ہمیں مسلمان اٹھا (ف۲۲۴)
ثم قالوا له على سبيل الاستهزاء والتوبيخ وَما تَنْقِمُ مِنَّا إِلَّا أَنْ آمَنَّا بِآياتِ رَبِّنا لَمَّا جاءَتْنا أى: وما تكره منا وتعيب إلا الإيمان بالله، مع أن ما تكرهه منا وتعيبه علينا هو أعظم محاسننا، لأنه خير الأعمال، وأعظم المناقب، فلا نعدل عنه طلبا لمرضاتك.يقال: نقم عليه أمره، ونقمت منه نقما- من باب ضرب- عبته وكرهته أشد الكراهة.قال الجمل: وقوله إِلَّا أَنْ آمَنَّا يجوز أن يكون في محل نصب مفعول به، أى: ما تعيب علينا إلا إيماننا. ويجوز أن يكون مفعولا من أجله. أى: ما تنال منا وتعذبنا لشيء من الأشياء إلا لإيماننا. وعلى كل من القولين فهو استثناء مفرغ» .ثم ختموا مناقشتهم لفرعون بالانصراف عنه والالتجاء إلى الله- تعالى- فقالوا: رَبَّنا أَفْرِغْ عَلَيْنا صَبْراً وَتَوَفَّنا مُسْلِمِينَ أى: يا ربنا أفض علينا صبرا واسعا لنثبت على دينك، وتوفنا إليك حالة كوننا مسلمين لك مذعنين لأمرك ونهيك، مستسلمين لقضائك.وبذلك يكون السحرة قد ضربوا للناس في كل زمان ومكان أروع الأمثال في التضحية من أجل العقيدة، وفي الوقوف أمام الطغيان بثبات وعزة، وفي الصبر على المكاره والآلام، وفي المسارعة إلى الدخول في الطريق الحق بعد أن تبين لهم، وفي التعالي عن كل مغريات الحياة.قال قتادة: كانوا في أول النهار كفارا سحرة. وفي آخره شهداء بررة، فرضي الله عنهم وحشرنا في زمرتهم.وبعد هذا الحديث الذي ساقته السورة عما دار بين موسى وفرعون، وبين موسى والسحرة، والذي انتهى بإيمان السحرة برب العالمين بعد ذلك بدأت السورة تحكى لنا ما قاله الملأ من قوم فرعون بعد هزيمتهم المنكرة، وما قاله موسى- عليه السلام- لقومه بعد أن بلغهم وعيد فرعون وتهديده لهم، وما رد به قومه عليه مما يدل على سفاهتهم فقالت:
وَ قَالَ الْمَلَاُ مِنْ قَوْمِ فِرْعَوْنَ اَتَذَرُ مُوْسٰى وَ قَوْمَهٗ لِیُفْسِدُوْا فِی الْاَرْضِ وَ یَذَرَكَ وَ اٰلِهَتَكَؕ-قَالَ سَنُقَتِّلُ اَبْنَآءَهُمْ وَ نَسْتَحْیٖ نِسَآءَهُمْۚ-وَ اِنَّا فَوْقَهُمْ قٰهِرُوْنَ(۱۲۷)
اور قوم فرعون کے سردار بولے کیا تو موسیٰ اور اس کی قوم کو اس لیے چھوڑ تا ہے کہ وہ زمین میں فساد پھیلائیں (ف۲۲۵) اور موسیٰ تجھے اور تیرے ٹھہرائے ہوئے معبودوں کو چھوڑدے (ف۲۲۶) بولا اب ہم ان کے بیٹوں کو قتل کریں گے اور ان کی بیٹیاں زندہ رکھیں گے اور ہم بیشک ان پر غالب ہیں (ف۲۲۷)
قوله- تعالى- وَقالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِ فِرْعَوْنَ: أَتَذَرُ مُوسى وَقَوْمَهُ لِيُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَيَذَرَكَ وَآلِهَتَكَ.أى: قال الزعماء والوجهاء من قوم فرعون له، بعد أن أصابتهم الهزيمة والخذلان في معركة الطغيان والإيمان، قالوا له على سبيل التهييج والإثارة: أتترك موسى وقومه أحرارا آمنين في أرضك، ليفسدوا فيها بإدخال الناس في دينهم، أو جعلهم تحت سلطانهم ورئاستهم.روى أنهم قالوا له ذلك بعد أن رأوا عددا كبيرا من الناس، قد دخل في الإيمان متبعا السحرة الذين قالوا آمَنَّا بِرَبِّ الْعالَمِينَ.وقوله وَيَذَرَكَ وَآلِهَتَكَ معناه: أتتركهم أنت يعبدون رب موسى وهارون، ويتركون عبادتك وعبادة آلهتك، فيظهر للناس عجزك وعجزها، فتكون الطامة الكبرى التي بها يفسد ملكك.قال السدى: إن فرعون كان قد صنع لقومه أصناما صغارا وأمرهم بعبادتها، وسمى نفسه الرب الأعلى.وقال الحسن إنه كان يعبد الكواكب ويعتقد أنها المربية للعالم السفلى كله، وهو رب النوع الإنساني.وقد قرئ وَيَذَرَكَ بالنصب والرفع أما النصب فعلى أنه معطوف على لِيُفْسِدُوا وأما الرفع فعلى أنه عطف على أَتَذَرُ أو على الاستئناف، أو على أنه حال بحذف المبتدأ أى: وهو يذرك.والمتأمل في هذا الكلام الذي حكاه القرآن عن الملأ من قوم فرعون، يراه يطفح بأشد ألوان التآمر والتحريض. فهم يخوفونه فقدان الهيبة والسلطان بتحطيم الأوهام التي يستخدمها السلطان، لذا نراه يرد عليهم بمنطق الطغاة المستكبرين فيقول: سَنُقَتِّلُ أَبْناءَهُمْ، وَنَسْتَحْيِي نِساءَهُمْ وَإِنَّا فَوْقَهُمْ قاهِرُونَ.أى: لا تخافوا ولا ترتاعوا أيها الملأ فإن قوم موسى أهون من ذلك، وسننزل بهم ما كنا نفعله معهم من قبل وهو تقتيل الأبناء، وترك النساء أحياء، وإنا فوقهم غالبون كما كنا ما تغير شيء من حالنا، فهم الضعفاء ونحن الأقوياء، وهم الأذلة ونحن الأعزة.فأنت ترى أن ما قاله الملأ من قوم فرعون هو منطق حاشية السوء في كل عهود الطغيان فهم يرون أن الدعوة إلى وحدانية الله إفساد في الأرض، لأنها ستأتى على بنيانهم من القواعد. ولأنها هي الدعوة إلى وحدانية الله التي ستحرر الناس من ظلمهم وجبروتهم، وتفتح العيون على النور الذي يخشاه أولئك الفاسقون.وترى أن ما قاله فرعون هو منطق الطغاة المستكبرين دائما. فهم يلجئون إلى قوتهم المادية ليحموا بها آثامهم، وشهواتهم، وسلطانهم القائم على الظلم، والبطش، والمنافع الشخصية.
قَالَ مُوْسٰى لِقَوْمِهِ اسْتَعِیْنُوْا بِاللّٰهِ وَ اصْبِرُوْاۚ-اِنَّ الْاَرْضَ لِلّٰهِ ﳜ یُوْرِثُهَا مَنْ یَّشَآءُ مِنْ عِبَادِهٖؕ-وَ الْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِیْنَ(۱۲۸)
موسیٰ نے اپنی قوم سے فرمایا اللہ کی مدد چاہو (ف۲۲۸) اور صبر کرو (ف۲۲۹) بیشک زمین کا مالک اللہ ہے (ف۲۳۰) اپنے بندوں میں جسے چاہے وارث بنائے (ف۲۳۱) اور آخر میدان پرہیزگاروں کے ہاتھ ہے (ف۲۳۲)
ويبلغ موسى وقومه هذا التهديد والوعيد من فرعون وملئه فماذا قال موسى- عليه السلام-؟ لقد حكى القرآن عنه أنه لم يحفل بهذا التهديد بل أوصى قومه بالصبر، ولوح لهم بالنصر. استمع إلى القرآن وهو يحكى قول موسى- عليه السلام- فيقول:قالَ مُوسى لِقَوْمِهِ اسْتَعِينُوا بِاللَّهِ وَاصْبِرُوا، إِنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُها مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ، وَالْعاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ.أى: قال موسى لقومه على سبيل التشجيع والتسلية حين ضجوا وارتعبوا من تهديدات فرعون وملئه: يا قوم استعينوا بالله في كل أموركم. واصبروا على البلاء، فهذه الأرض ليست ملكا لفرعون وملئه، وإنما هي ملك لله رب للعالمين، وهو- سبحانه- يورثها لمن يشاء من عباده، وقد جرت سنته- سبحانه- أن يجعل العاقبة الطيبة لمن يخشاه ولا يخشى أحدا سواه.
قَالُوْۤا اُوْذِیْنَا مِنْ قَبْلِ اَنْ تَاْتِیَنَا وَ مِنْۢ بَعْدِ مَا جِئْتَنَاؕ-قَالَ عَسٰى رَبُّكُمْ اَنْ یُّهْلِكَ عَدُوَّكُمْ وَ یَسْتَخْلِفَكُمْ فِی الْاَرْضِ فَیَنْظُرَ كَیْفَ تَعْمَلُوْنَ۠(۱۲۹)
بولے ہم ستائے گئے آپ کے آنے سے پہلے (ف۲۳۳) اور آپ کے تشریف لانے کے بعد (ف۲۳۴) کہا قریب ہے کہ تمہارا رب تمہارے دشمن کو ہلاک کرے اور اس کی جگہ زمین کا مالک تمہیں بنائے پھر دیکھے کیسے کام کرتے ہو (ف۲۳۵)
بهذا الأسلوب المؤثر البليغ، وبهذه الوصايا الحكيمة، وصى موسى قومه بنى إسرائيل فماذا كان ردهم عليه؟ لقد كان ردهم يدل على سفاهتهم، فقد قالوا له: أُوذِينا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَأْتِيَنا وَمِنْ بَعْدِ ما جِئْتَنا أى: قال بنو إسرائيل لموسى ردا على نصيحته لهم: لقد أصابنا الأذى من فرعون قبل أن تأتينا يا موسى بالرسالة، فقد قتل منا ذلك الجبار الكثير من أبنائنا وأنزل بنا ألوانا من الظلم والاضطهاد وأصابنا الأذى بعد أن جئتنا بالرسالة كما ترى من سوء أحوالنا. واشتغالنا بالأشغال الحقيرة المهينة، فنحن لم نستفد من رسالتك شيئا، فإلى متى نسمع منك تلك النصائح التي لا جدوى من ورائها؟.ومع هذا الرد السفيه من قوم موسى عليه، نراه يرد عليهم بما يليق به فيقول: عَسى رَبُّكُمْ أَنْ يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ فرعون الذي فعل بكم ما فعل من أنواع الظلم، وتوعدكم بما توعد من صنوف الاضطهاد.وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الْأَرْضِ أى يجعلكم خلفاء فيها من بعد هلاكه هو وشيعته. فَيَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ أى: فيرى- سبحانه- الكائن منكم من العمل، حسنه وقبيحه، ليجازيكم على حسب أعمالكم، فإن استخلافكم في الأرض من بعد هلاك أعدائكم ليس محاباة لكم، وإنما هو استخلاف للاختبار والامتحان، فإن أحسنتم زادكم الله من فضله، وإن أسأتم كان مصيركم كمصير أعدائكم.وفي التعبير «بعسى» الذي يدل على الرجاء، أدب عظيم من موسى مع ربه- عز وجل-:وتعليم للناس من بعده أن يلتزموا هذا الأدب السامي مع خالقهم، وفيه كذلك منع لهم من الاتكال وترك العمل، لأنه لو جزم لهم في الوعد فقد يتركون السعى والجهاد اعتمادا على ذلك.وقيل: إن موسى ساق لهم ما وعدهم به في صيغة الرجاء لئلا يكذبوه، لضعف نفوسهم بسبب ما طال عليهم من الذل والاستخذاء لفرعون وقومه، واستعظامهم لملكه وقوته، فكأنهم يرون أن ما قاله لهم موسى مستبعد الحصول، لذا ساقه لهم في صورة الرجاء.ثم تمضى السورة الكريمة بعد ذلك فتحدثنا في بضع آيات عن العذاب الذي أخذ الله به آل فرعون بسبب ظلمهم وطغيانهم، وكيف أن الله- تعالى- قد حقق لموسى رجاءه، وكيف أن أولئك الظالمين لم يمنعهم العذاب الذي نزل بهم من ارتكاب المنكرات والآثام.
وَ لَقَدْ اَخَذْنَاۤ اٰلَ فِرْعَوْنَ بِالسِّنِیْنَ وَ نَقْصٍ مِّنَ الثَّمَرٰتِ لَعَلَّهُمْ یَذَّكَّرُوْنَ(۱۳۰)
اور بیشک ہم نے فرعون والوں کو برسوں کے قحط اور پھلوں کے گھٹانے سے پکڑا (ف۲۳۶) کہ کہیں وہ نصیحت مانیں (ف۲۳۷)
تدبر معنا أيها القارئ الكريم تلك الآيات الكريمة التي تحكى كل ذلك وغيره بأسلوبها البليغ المؤثر.قال القرطبي: قوله- تعالى-: وَلَقَدْ أَخَذْنا آلَ فِرْعَوْنَ بِالسِّنِينَ يعنى الجدب، وهذا معروف في اللغة، يقال: أصابتهم سنة، أى: جدب. وتقديره: جدب سنة، وفي الحديث «اللهم اجعلها عليهم سنين كسنى يوسف» والسنة هنا بمعنى الجدب لا بمعنى الحول. ومنه أسنت القوم، أى أجدبوا وقحطوا .وقال الآلوسى: هذا شروع في تفصيل مبادئ الهلاك الموعود به، وإيذان بأنهم لم يمهلوا حتى تحولوا من حال إلى حال إلى أن حل بهم عذاب الاستئصال.والمعنى: ولقد أخذنا آل فرعون أى: اختبرناهم وامتحناهم بالجدب والقحط، وضيق المعيشة، وانتقاص الثمرات لعلهم يثوبون إلى رشدهم ويتذكرون ضعفهم أمام قوة خالقهم، ويرجعون عما هم فيه من الكفر والعصيان، فإن الشدائد من شأنها أن ترقق القلوب، وتصفى النفوس، وترغب في الضراعة إلى الله، وتدعو إلى اليقظة والتفكير ومحاسبة النفس على الخطايا اتقاء للبلايا.وصدرت الآية الكريمة بالقسم، لإظهار الاعتناء بمضمونها.والمراد بآل فرعون قومه وأتباعه، فهم مؤاخذون بظلمه وطغيانه، لأن قوته المالية والجندية منهم، وقد خلقهم الله أحرارا وأكرمهم بالعقل والفطرة التي تكره الظلم والطغيان بالغريزة فكان حقا عليهم ألا يقبلوا استعباده لهم وجعلهم آلة لطغيانه، لا سيما بعد بعثة موسى- عليه السلام- ووصول دعوته إليهم، ورؤيتهم لما أيده الله به من الآيات.وإضافة الآل إليه وهو لا يضاف إلا إلى الأشراف، لما فيه من الشرف الدنيوي الظاهر، وإن كان في نفس الأمر خسيسا.
فَاِذَا جَآءَتْهُمُ الْحَسَنَةُ قَالُوْا لَنَا هٰذِهٖۚ-وَ اِنْ تُصِبْهُمْ سَیِّئَةٌ یَّطَّیَّرُوْا بِمُوْسٰى وَ مَنْ مَّعَهٗؕ-اَلَاۤ اِنَّمَا طٰٓىٕرُهُمْ عِنْدَ اللّٰهِ وَ لٰكِنَّ اَكْثَرَهُمْ لَا یَعْلَمُوْنَ(۱۳۱)
تو جب انہیں بھلائی ملتی (ف۲۳۸) کہتے یہ ہمارے لیے ہے (ف۲۳۹) اور جب برائی پہنچتی تو موسیٰ اور اس کے ساتھ والوں سے بدشگونی لیتے (ف۲۴۰) سن لو ان کے نصیبہ کی شامت تو اللہ کے یہاں ہے (ف۲۴۱) لیکن ان میں اکثر کو خبر نہیں،
ثم بين- سبحانه- أن آل فرعون لم يعتبروا بهذا الأخذ والامتحان، وإنما ازدادوا تمردا وكفرا فقال: فَإِذا جاءَتْهُمُ الْحَسَنَةُ قالُوا: لَنا هذِهِ.أى: فإذا جاءهم ما يستحسنونه من الخصب والسعة والرخاء، قالوا بغرور وصلف:ما جاء هذا الخير إلا من أجلنا لأننا أهل له، ونحن مستحقوه وبكدنا واجتهادنا وامتيازنا على غيرنا ناسين فضل الله عليهم، ولطفه بهم، غافلين عن شكره على نعمائه.وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَطَّيَّرُوا بِمُوسى وَمَنْ مَعَهُ أى: وإن اتفق أن أصابتهم سيئة أى: حالة تسؤهم كجدب أو قحط أو مصيبة في الأبدان أو الأرزاق، تشاءموا بموسى ومن معه من أتباعه، وقالوا: ما أصابنا ما أصابنا إلا بشؤمهم ونحسهم، ولو لم يكونوا معنا لما أصبنا.وأصل يَطَّيَّرُوا يتطيروا فأدغمت التاء في الطاء لمقاربتها لها. والتطير التشاؤم والأصل في إطلاق التطير على التشاؤم: أن العرب كانت تزجر الطير فتتشاءم بالبارح وهو ما طار إلى الجهة اليسرى، وتتيامن بالسانح وهو ما طار إلى الجهة اليمنى. ومنه سموا الشؤم طيرا وطائرا، والتشاؤم تطيرا. وقد يطلق الطائر على الحظ والنصيب خيرا كان أو شرا، ولكنه غالب في الشر.وإنما عرف الحسنة وذكرها مع أداة التحقيق- وهي إذا- لكثرة وقوعها وتعلق الإرادة بإحداثها بالذات، لأن العناية الإلهية اقتضت سبق الرحمة وعموم النعمة قبل حصول الأعمال.ونكر السيئة وذكرها بأداة الشك- وهي إن- لندورها وعدم تعلق الإرادة بإحداثها إلا بالتبع، فإن النقمة بمقتضى تلك العناية إنما تستحق بسبب الأعمال السيئة.وقوله- تعالى- أَلا إِنَّما طائِرُهُمْ عِنْدَ اللَّهِ وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ استئناف مسوق للرد على خرافاتهم وأباطيلهم. وصدر بلفظ «ألا» الذي يفيد التنبيه لإبراز كمال العناية بمضمون هذا الخبر.أى: إنما سبب شؤمهم هو أعمالهم السيئة المكتوبة لهم عند الله، فهي التي ساقت إليهم ما يسوءهم وليس لموسى ولا لمن معه أى تدخل في ذلك. ولكن أكثرهم يجهلون هذه الحقيقة، فيقولون ما يقولون مما تمليه عليهم أهواؤهم وجهالاتهم.وفي إسناد عدم العلم إلى أكثرهم، إشعار بأن قلة منهم تعلم ذلك، ولكنها لا تعمل بمقتضى علمها.هذا، وقد أفادت الآية الكريمة أن القوم لم يتأثروا لا بالرخاء ولا بالشدائد. الرخاء العظيم، والخصب الواسع زادهم غرورا وبطرا، والشدائد والمحن جعلتهم ينسبون أسبابها إلى غيرهم دون أن يتوبوا إلى الله من ذنوبهم. مع أن الشدائد- كما يقول صاحب الكشاف- تجعل الناس «أضرع خدودا وألين أعطافا، وأرق أفئدة» .
وَ قَالُوْا مَهْمَا تَاْتِنَا بِهٖ مِنْ اٰیَةٍ لِّتَسْحَرَنَا بِهَاۙ-فَمَا نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِیْنَ(۱۳۲)
اور بولے تم کیسی بھی نشانی لے کر ہمارے پاس آؤ کہ ہم پر اس سے جادو کرو ہم کسی طرح تم پر ایمان لانے والے نہیں (ف۲۴۲)
ثم تحكى السورة الكريمة أن آل فرعون قد لجوا في طغيانهم يعمهون فقالت: وَقالُوا مَهْما تَأْتِنا بِهِ مِنْ آيَةٍ لِتَسْحَرَنا بِها فَما نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ.أى: قال الملأ من بنى إسرائيل لموسى بعد أن رأوا من حججه الدالة على صدقه: إنك يا موسى إن تجئنا بكل نوع من أنواع الآيات التي تستدل بها على حقية دعوتك لأجل أن تسحرنا بها، أى تصرفنا بها عما نحن فيه، فما نحن لك بمصدقين، ولا لرسالتك بمتبعين.ومنطقهم هذا يدل على منتهى العناد والجحود، فهم قد صاروا في حالة نفسية لا يجدي معها دليل ولا ينفع فيها إقناع، لأنهم قد أعلنوا الإصرار على التكذيب حتى ولو أتاهم نبيهم بألف دليل ودليل، وهكذا شأن الجبارين الذين قست قلوبهم، ومسخت نفوسهم وأظلمت مشاعرهم، حين يدمغهم الحق، ويطاردهم الدليل الساطع بنوره الواضح، إنهم تأخذهم العزة بالإثم فيأبون أى لون من ألوان التفكير والتدبر.قال الجمل: ومَهْما اسم شرط جازم- يدل على العموم-، ومِنْ آيَةٍ بيان له، والضميران في «به» و «بها» راجعان لمهما الأول مراعاة للفظها لإبهامه، والثاني مراعاة لمعناها».وسموا ما جاء به موسى- عليه السلام- آية من باب المجاراة له والاستهزاء بها حيث زعموا أنها نوع من السحر كما ينبئ عنه قولهم لِتَسْحَرَنا بِها.
فَاَرْسَلْنَا عَلَیْهِمُ الطُّوْفَانَ وَ الْجَرَادَ وَ الْقُمَّلَ وَ الضَّفَادِعَ وَ الدَّمَ اٰیٰتٍ مُّفَصَّلٰتٍ- فَاسْتَكْبَرُوْا وَ كَانُوْا قَوْمًا مُّجْرِمِیْنَ(۱۳۳)
تو بھیجا ہم نے ان پر طوفان (ف۲۴۳) اور ٹڈی اور گھن (یا کلنی یا جوئیں) اور مینڈک اور خون جدا جدا نشانیاں (ف۲۴۴) تو انہوں نے تکبر کیا (ف۲۴۵) اور وہ مجرم قوم تھی
ثم حكت السورة الكريمة ما حل بهؤلاء الفجرة من عقوبات جزاء عتوهم وعنادهم فقالت:فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمُ الطُّوفانَ، وَالْجَرادَ، وَالْقُمَّلَ، وَالضَّفادِعَ وَالدَّمَ، آياتٍ مُفَصَّلاتٍ فَاسْتَكْبَرُوا وَكانُوا قَوْماً مُجْرِمِينَ.أى: فأرسلنا على هؤلاء الجاحدين عقوبة لهم الطوفان.قال الآلوسى: أى: ما طاف بهم، وغشى أماكنهم وحروثهم من مطر وسيل، فهو اسم جنس من الطواف. وقد اشتهر في طوفان الماء، وجاء تفسيره هنا بذلك في عدة روايات عن ابن عباس وجاء عن عطاء ومجاهد تفسيره بالموت، وفسره بعضهم بالطاعون وكانوا أول من عذبوا به» .وأرسلنا عليهم الْجَرادَ فأكل زروعهم وثمارهم وأعشابهم، حتى ترك أرضهم سوداء قاحلة.وأرسلنا عليهم الْقُمَّلَ وهو ضرب معروف من الحشرات المؤذية، وقيل: هو السوس الذي أكل حبوبهم وما اشتملت عليه بيوتهم.وأرسلنا عليهم الضَّفادِعَ فصعدت من الأنهار والخلجان والمنابع فغطت الأرض وضايقتهم في معاشهم ومنامهم.وأرسلنا عليهم الدَّمَ فصارت مياه الأنهار مختلطة به، فمات السمك فيها، وقيل المراد بالدم الرعاف الذي كان يسيل من أنوفهم.تلك هي النقم التي أنزلها الله- تعالى- على هؤلاء المجرمين، بسبب فسوقهم عن أمر ربهم، وتكذيبهم لنبيهم- عليه السلام-.وقوله: آياتٍ حال من العقوبات الخمس المتقدمة.وقوله: مُفَصَّلاتٍ أى: مبينات واضحات لا يشك عاقل في كونها آيات إلهية لا مدخل فيها للسحر كما يزعمون.وقيل مُفَصَّلاتٍ أى: مميزا بعضها عن بعض، منفصلة بالزمان لامتحان أحوالهم. وكان بين كل اثنين منها شهر، وكان امتداد كل واحدة منها شهرا، كما أخرج ذلك ابن المنذر عن ابن عباس :ثم وضحت الآية في نهايتها موقفهم من هذا الابتلاء وتلك العقوبات فقالت:فَاسْتَكْبَرُوا وَكانُوا قَوْماً مُجْرِمِينَ أى فاستكبروا عن الإيمان بموسى- عليه السلام- وعما جاء به من معجزات، وكانوا قوما طبيعتهم الاجرام ودينهم الكفر والفسوق.
وَ لَمَّا وَقَعَ عَلَیْهِمُ الرِّجْزُ قَالُوْا یٰمُوْسَى ادْعُ لَنَا رَبَّكَ بِمَا عَهِدَ عِنْدَكَۚ-لَىٕنْ كَشَفْتَ عَنَّا الرِّجْزَ لَنُؤْمِنَنَّ لَكَ وَ لَنُرْسِلَنَّ مَعَكَ بَنِیْۤ اِسْرَآءِیْلَۚ(۱۳۴)
اور جب ان پر عذاب پڑتا کہتے اے موسیٰ ہمارے لیے اپنے رب سے دعا کرو اس عہد کے سبب جو اس کا تمہارے پاس ہے (ف۲۴۶) بیشک اگر تم ہم پر عذاب اٹھادو گے تو ہم ضرور تم پر ایمان لائیں گے اور بنی اسرائیل کو تمہارے ساتھ کردیں گے،
ثم بين- سبحانه- حالهم عند نزول العقاب بهم فقال: وَلَمَّا وَقَعَ عَلَيْهِمُ الرِّجْزُ قالُوا يا مُوسَى ادْعُ لَنا رَبَّكَ بِما عَهِدَ عِنْدَكَ لَئِنْ كَشَفْتَ عَنَّا الرِّجْزَ لَنُؤْمِنَنَّ لَكَ، وَلَنُرْسِلَنَّ مَعَكَ بَنِي إِسْرائِيلَ.أى وحين وقع على فرعون ومثله العذاب المذكور في الآية السابقة، والمتمثل في الطوفان والجراد والقمل والضفادع والدم، حين وقع عليهم ذلك أخذوا يقولون لموسى بتذلل واستعطاف عقب كل عقوبة من تلك العقوبات: يا موسى ادع لنا ربك واسأله بحق ما عهد عندك من أمر إرسالك إلينا لإنقاذنا من الهلاك أن يكشف عنا هذا العذاب، ونحن نقسم لك بأنك إن كشفته عنا لنؤمنن لك ولنرسلن معك بنى إسرائيل.قال صاحب الكشاف: بِما عَهِدَ عِنْدَكَ ما مصدرية، والمعنى بعهده عندك وهو النبوة.والباء إما أن تتعلق بقوله: ادْعُ لَنا رَبَّكَ على وجهين:أحدهما: أسفنا إلى ما نطلب إليك من الدعاء لنا بحق ما عندك من عهد الله وكرامته بالنبوة.أو ادع الله لنا متوسلا إليه بعهده عندك.وإما أن يكون قسما مجابا بلنؤمنن، أى أقسمنا بعهد الله عندك لئن كشفت عنا الرجز لنؤمنن لك».
فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُمُ الرِّجْزَ اِلٰۤى اَجَلٍ هُمْ بٰلِغُوْهُ اِذَا هُمْ یَنْكُثُوْنَ(۱۳۵)
پھر جب ہم ان سے عذاب اٹھالیتے ایک مدت کے کیے جس تک انہیں پہنچنا ہے جبھی وہ پھر جاتے،
ثم بين- سبحانه- موقفهم الجحودى فقال: فَلَمَّا كَشَفْنا عَنْهُمُ الرِّجْزَ إِلى أَجَلٍ هُمْ بالِغُوهُ إِذا هُمْ يَنْكُثُونَ أى: فلما كشفنا عنهم العذاب مرة بعد مرة إلى الوقت الذي أجل لهم وهو وقت إغراقهم في اليم، إذا هم ينكثون أى: ينقضون عهدهم الذي التزموه، ويحنثون في قسمهم في كل مرة.وينكثون: من النكث. وأصله فك طاقات الصوف المغزول ليغزل ثانيا، ثم استعير لنقض العهد بعد إبرامه.قال الآلوسى: وجواب «لما» فعل مقدر يؤذن به إذا الفجائية لا الجملة المقترنة بها، أى: فلما كشفنا عنهم ذلك فاجأوا بالنكث من غير توقف» .هذا، وقد ساق بعض المفسرين آثارا متعددة في كيفية نزول هذا العذاب بهم. ومن هذه الآثار ما رواه أبو جعفر بن جرير- بسنده- عن سعيد بن جبير قال:لما أتى موسى- عليه السلام- فرعون قال له: أرسل معى بنى إسرائيل، فأرسل الله عليهم الطوفان وهو المطر فصب عليهم منه شيئا خافوا أن يكون عذابا. فقالوا لموسى: ادع لنا ربك أن يكشف عنا هذا المطر فنؤمن لك ونرسل معك بنى إسرائيل. فدعا ربه، فلم يؤمنوا ولم يرسلوا معه بنى إسرائيل. فأنبت لهم في تلك السنة شيئا لم ينبته قبل ذلك من الزروع والثمار والكلأ، فقالوا: هذا ما كنا نتمنى، فأرسل الله عليهم الجراد فسلطه على الكلأ فلما رأوا أثره في الكلأ عرفوا أنه لا يبقى الزرع فقالوا: يا موسى ادع لنا ربك أن يكشف عنا الجراد فنؤمن لك ونرسل معك بنى إسرائيل، فدعا ربه فكشف عنهم الجراد فلم يؤمنوا ولم يرسلوا معه بنى إسرائيل، فداسوا وأحرزوا في البيوت فقالوا: قد أحرزنا. فأرسل الله عليهم القمل وهو السوس الذي يخرج منه، فكان الرجل يخرج عشرة أجربة إلى الرحى فلم يرد منها إلا ثلاثة أقفزة- والجريب والقفيز مكيالان للحبوب، والجريب أربعة أقفزة- فقالوا: يا موسى ادع لنا ربك أن يكشف عنا القمل فنؤمن لك ونرسل معك بنى إسرائيل، فدعا ربه فكشف عنهم فأبوا أن يرسلوا معه بنى إسرائيل. فبينما هو جالس عند فرعون إذ سمع نقيق ضفدع فقال لفرعون: ما تلقى أنت وقومك من هذا. فقال: وما عسى أن يكون كيد هذا، فما أمسوا حتى كان الرجل يجلس إلى ذقنه في الضفادع، ويهم أن يتكلم فيثبت الضفدع في فيه فقالوا لموسى ادع لنا ربك أن يكشف عنا هذه الضفادع فنؤمن لك ونرسل معك بنى إسرائيل فدعا ربه فكشف عنهم فلم يؤمنوا، وأرسل الله عليهم الدم فكانوا ما استقوا من الأنهار والآبار، وما كان في أوعيتهم وجدوه دما عبيطا، فشكوا إلى فرعون، فقالوا إنا قد ابتلينا بالدم وليس لنا شراب، فقال: إنه قد سحركم، فقالوا: من أين سحرنا ونحن لا نجد في أوعيتنا شيئا من الماء إلا وجدناه دما عبيطا؟فأتوه وقالوا: يا موسى ادع لنا ربك يكشف عنا هذا الدم فنؤمن لك ونرسل معك بنى إسرائيل، فدعا ربه فلم يؤمنوا ولم يرسلوا معه بنى إسرائيل» .قال ابن كثير: قد روى نحو هذا عن ابن عباس والسدى وقتادة وغير واحد من علماء السلف أنه أخبر بهذا.
فَانْتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَاَغْرَقْنٰهُمْ فِی الْیَمِّ بِاَنَّهُمْ كَذَّبُوْا بِاٰیٰتِنَا وَ كَانُوْا عَنْهَا غٰفِلِیْنَ(۱۳۶)
تو ہم نے ان سے بدلہ لیا تو انہیں دریا میں ڈبو دیا (ف۲۴۷) اس لیے کہ ہماری آیتیں جھٹلاتے اور ان سے بے خبر تھے (ف۲۴۸)
ثم حكت السورة الكريمة نهايتهم الأليمة، بسبب نقضهم لعهودهم ومواثيقهم في كل مرة، وبسبب تكذيبهم لآيات الله. وعصيانهم لنبيهم موسى- عليه السلام- فقالت: فَانْتَقَمْنا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْناهُمْ فِي الْيَمِّ، بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآياتِنا وَكانُوا عَنْها غافِلِينَ أى: فانتقمنا منهم عند بلوغ الأجل المضروب لإهلاكهم. بأن أغرقناهم في اليم- أى البحر-، وذلك بسبب تكذيبهم لآياتنا الواضحة، وحججنا الساطعة، وكانوا عنها غافلين بحيث لا يتدبرونها، ولا يتفكرون فيما تحمله من عظات وعبر.والقرآن هنا يسوق حادث إغراق فرعون وملئه بصورة مجملة، فلا يفصل خطواته كما فصلها في مواطن أخرى، وذلك لأن المقام هنا هو مقام الأخذ الحاسم بعد الإمهال الطويل، فلا داعي إذن إلى طول العرض والتفصيل. إن الحسم السريع هنا أوقع في النفس، وأرهب للحس، وأزجر للقلب، وأدعى إلى العظة والاعتبار، ولأن سورة الأعراف- كما سبق أن بينا- يغلب عليها هذا الأسلوب الذي يزلزل قلوب الطغاة، ويغرس في النفوس الرهبة والخوف وهي تقص على الناس ما أصاب الظالمين من عذاب دنيوى مضى وصار تاريخا يعلمونه ويتحدثون عنه، وهو ما حل بالأمم السابقة التي كذبت رسلها وعتت عن أمر ربها.ثم وهي تحكى لهم ما أعد للمستكبرين من عذاب أخروى بسبب عصيانهم وانتهاكهم لحرمات الله.
وَ اَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِیْنَ كَانُوْا یُسْتَضْعَفُوْنَ مَشَارِقَ الْاَرْضِ وَ مَغَارِبَهَا الَّتِیْ بٰرَكْنَا فِیْهَاؕ-وَ تَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ الْحُسْنٰى عَلٰى بَنِیْۤ اِسْرَآءِیْلَ ﳔ بِمَا صَبَرُوْاؕ-وَ دَمَّرْنَا مَا كَانَ یَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وَ قَوْمُهٗ وَ مَا كَانُوْا یَعْرِشُوْنَ(۱۳۷)
اور ہم نے اس قوم کو (ف۲۴۹) جو دبا لی گئی تھی اس زمین (ف۲۵۰) کے پورب پچھم کا وارث کیا جس میں ہم نے برکت رکھی (ف۲۵۱) اور تیرے رب کا اچھا وعدہ بنی اسرائیل پر پورا ہوا، بدلہ ان کے صبر کا، اور ہم نے برباد کردیا (ف۲۵۲) جو کچھ فرعون اور اس کی قوم بناتی اور جو چنائیاں اٹھاتے (تعمیر کرتے) تھے،
ثم بين- سبحانه- مظاهر فضله وكرمه على بنى إسرائيل بعد أن بين نهاية فرعون وآله فقال: وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كانُوا يُسْتَضْعَفُونَ مَشارِقَ الْأَرْضِ وَمَغارِبَهَا الَّتِي بارَكْنا فِيها.أى: وأعطينا القوم الذين كانوا يستضعفون في مصر من فرعون وملئه بالاستعباد وقتل الأبناء، وسوء العذاب، أعطيناهم من طريق الاستخلاف- قبل أن يزيغوا ويضلوا- مشارق أرض الشام ومغاربها التي باركنا فيها بالخصوبة وسعة الأرزاق، وبكونها مساكن الأنبياء والصالحين ليكون ذلك امتحانا لهم، واختبارا لنفوسهم.وجمع- سبحانه- بين صيغتي الماضي والمستقبل للدلالة على استمرار الاستضعاف وتجدده، والمراد بهم بنو إسرائيل، وذكروا بعنوان القوم، إظهارا لكمال اللطف بهم، وعظيم الإحسان إليهم، حيث رفعوا من حضيض المذلة إلى أوج العزة.وقوله: وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ الْحُسْنى عَلى بَنِي إِسْرائِيلَ بِما صَبَرُوا، أى: ونفذت كلمة الله الحسنى ومضت عليهم تامة كاملة، حيث رزقهم- سبحانه- النصر على أعدائهم. والتمكين في الأرض بسبب صبرهم على ظلم فرعون وملئه.قال الزمخشري: وحسبك به حاثا على الصبر. ودالا على أن من قابل البلاء بالجزع وكله الله إليه. ومن قابله بالصبر، وانتظار النصر، ضمن الله له الفرج.وعن الحسن: عجبت ممن خف كيف خف وقد سمع قوله- تعالى- ثم تلا هذه الآية وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كانُوا ... ومعنى «خف» طاش جزعا وقلة صبر، ولم يرزق رزانة أولى الصبر» .ثم ختمت الآية بقوله- تعالى- وَدَمَّرْنا ما كانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ من بناء القصور الشاهقة والمنازل القوية، وما كانوا يرفعونه من البساتين، والصروح المشيدة، كصرح هامان وغيره.ويَعْرِشُونَ بكسر الراء وضمها- أى يرفعون من العرش وهو الشيء المسقف المرفوع.قال الجمل: وقوله وَدَمَّرْنا ما كانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ في إعرابه أوجه:أحدها: أن يكون فرعون اسم كان ويصنع خبر مقدم، والجملة الكونية صلة والعائد محذوف. والتقدير: ودمرنا الذي كان فرعون يصنعه.والثاني: أن اسم كان ضمير عائد على ما الموصولة، ويصنع مسند لفرعون. والجملة خبر عن كان، والعائد محذوف، والتقدير: ودمرنا الذي كان هو يصنعه فرعون.الثالث: أن تكون كان زائدة وما مصدرية والتقدير ودمرنا ما يصنع فرعون أى:صنعه» .وهكذا تنهى السورة الكريمة هذا الدرس بذكر ما أصاب الظالمين والغادرين من دمار وخراب، وما أصاب المستضعفين الصابرين من خير واستخلاف في الأرض.ثم بدأت السورة بعد ذلك مباشرة حديثا طويلا عن هؤلاء المستضعفين من بنى إسرائيل بينت فيه ألوانا من جحودهم لنعم الله، ونسيانهم لما كانوا فيه من ذل واستعباد، وتفضيلهم عبادة الأصنام على عبادة الخالق- عز وجل وغير ذلك من أنواع كفرهم ومعاصيهم، واستمع إلى القرآن وهو يحكى لونا من رذائلهم فيقول:
وَ جٰوَزْنَا بِبَنِیْۤ اِسْرَآءِیْلَ الْبَحْرَ فَاَتَوْا عَلٰى قَوْمٍ یَّعْكُفُوْنَ عَلٰۤى اَصْنَامٍ لَّهُمْۚ-قَالُوْا یٰمُوْسَى اجْعَلْ لَّنَاۤ اِلٰهًا كَمَا لَهُمْ اٰلِهَةٌؕ-قَالَ اِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُوْنَ(۱۳۸)
اور ہم نے (ف۲۵۳) بنی اسرائیل کو دریا پار اتارا تو ان کا گزر ایک ایسی قوم پر ہوا کہ اپنے بتوں کے آگے آسن مارے (جم کر بیٹھے) تھے (ف۲۵۴) بولے اے موسیٰ! ہمیں ایک خدا بنادے جیسا ان کے لیے اتنے خدا ہیں، بولا تم ضرور جا ہل لوگ ہو، (ف۲۵۵)
إن هذه الآيات تحكى قصة عجيبة لبنى إسرائيل ملخصها: أنهم بعد أن خرجوا من مصر بقيادة موسى- عليه السلام- تبعهم فرعون وجنوده ليعيدوهم إليها، إلا أن الله- تعالى- انتقم لهم من فرعون وجنده فأغرقهم أمام أعينهم وسار بنو إسرائيل نحو المشرق متجهين إلى الأرض المقدسة بعد أن عبروا البحر، ولكنهم ما إن جاوزوا البحر الذي غرق فيه عدوهم والذي ما زالت رماله الرطبة عالقة بنعالهم، حتى وقعت أبصارهم على قوم يعبدون الأصنام، فماذا كان من بنى إسرائيل؟.كان منهم أن عاودتهم طبيعتهم الوثنية، فطلبوا من نبيهم موسى- عليه السلام- الذي جاء لهدايتهم وإنقاذهم مما هم فيه من ظلم أن يصنع لهم آلهة من جنس الآلهة التي يعبدها أولئك القوم.وهنا غضب عليهم موسى غضبا شديدا. ووصفهم بأنهم قوم يجهلون الحق، وبين لهم فساد ما عليه المشركون، وذكرهم بما حباهم الله- تعالى- به من نعم جزيلة، يوجب عليهم إفراده بالخضوع والعبادة والطاعة والشكر.وقوله- تعالى- وَجاوَزْنا بِبَنِي إِسْرائِيلَ الْبَحْرَ بيان للمنة العظيمة التي منحهم الله إياها، وهي عبورهم البحر بعد أن ضربه موسى بعصاه، فأصبح طريقا يابسا يسيرون فيه بأمان واطمئنان حتى عبروه إلى الناحية الأخرى، يصحبهم لطف الله، وتحدوهم عنايته ورعايته.وجاوز بمعنى أصل الفعل الذي هو جاز، أى: قطعنا بهم البحر. يقال: جاز الوادي وجاوزه إذا قطعه وخلفه وراء ظهره.والمراد بالبحر: بحر القلزم وهو المسمى الآن بالبحر الأحمر.وقوله تعالى فَأَتَوْا عَلى قَوْمٍ يَعْكُفُونَ عَلى أَصْنامٍ لَهُمْ بيان لما شاهدوه من أحوال بعض المشركين عقب عبورهم البحر ونجاتهم من عدوهم، فماذا كانت نتيجة هذه المشاهدة؟ لقد كان المتوقع منهم أن يحتقروا ما شاهدوه، وأن ينفروا مما أبصروه، لأن العهد لم يطل بهم منذ أن كانوا يسامون سوء العذاب في ظل عبادة الأصنام عند فرعون وقومه، ولأن نجاتهم مما كانوا فيه من ذل وهوان، قد تمت على يد نبيهم الذي دعاهم إلى توحيد الله- تعالى- لكي يزيدهم من فضله.ولكن طبيعة بنى إسرائيل المعوجة لم تفارقهم، فها هم أولاء ما إن وقعت أبصارهم على قوم يعكفون ويداومون على عبادة أصنام لهم ، حتى انجذبوا إليها وطلبوا من نبيهم الذي جاء لهدايتهم، أن يجعل لهم وثنا كغيرهم لكي يعبدوه من جديد. لقد حكى القرآن عنهم أنهم عند ما شاهدوا هذا المنظر، ما لبثوا أن قالوا لنبيهم يا مُوسَى اجْعَلْ لَنا إِلهاً كَما لَهُمْ آلِهَةٌ.قالوا ذلك لأن الإيمان لم يستقر في قلوبهم، ولأن ما ألفوه من عبادة الأصنام أيام استعباد فرعون لهم، ما زال متمكنا من نفوسهم، ومسيطرا على عقولهم، وهكذا عدوى الأمراض تصيب النفوس كما تصيب الأبدان، وهكذا طبيعة بنى إسرائيل ما تكاد تهتدى حتى تضل، وما تكاد ترتفع حتى تنحط وما تكاد تسير في طريق الاستقامة حتى ترتكس وتنتكس.وفي قولهم لنبيهم اجْعَلْ لَنا إِلهاً كَما لَهُمْ آلِهَةٌ بصيغة الأمر أكبر دليل على غباء عقولهم، وسوء أدبهم لأنهم لو استأذنوه- مثلا- في اتخاذ صنم يعبدونه كغيرهم لكان شأنهم أقل غرابة ولكن الذي حصل منهم أنهم طلبوا منه- وهو نبيهم الداعي لهم إلى توحيد الله تعالى والمنقذ لهم من عدوهم الوثني الجبار- أن يقوم هو بنفسه بصناعة صنم لكي يعبدوه كغيرهم!!.قال القرطبي: ونظيره قول جهال الأعراب وقد رأوا شجرة خضراء للكفار تسمى ذات أنواط- لأنهم كانوا ينوطون بها سلاحهم أى يعلقونه- وكان الكفار يعظمون هذه الشجرة في كل سنة يوما، قال الأعراب: يا رسول الله اجعل لنا ذات أنواط كما لهم ذات أنواط. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم «الله أكبر. قلتم والذي نفسي بيده كما قال قوم موسى اجْعَلْ لَنا إِلهاً كَما لَهُمْ آلِهَةٌ لتركبن سنن من قبلكم حذو القذة بالقذة حتى إنهم لو دخلوا حجر ضب لدخلتموه» وكان هذا في مخرجه إلى حنين .ولقد غضب موسى- عليه السلام- من طلبهم هذا- وهو الغضوب بطبيعته لربه ودينه- فرد عليهم ردا قويا فيه توبيخ لهم وتعجب من قولهم بعد أن رأوا من المعجزات ما رأوا فقال:إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ أى: إنكم يا بنى إسرائيل بطلبكم هذا برهنتم على أنكم قوم قد ملأ الجهل قلوبكم، وغطى على عقولكم، فصرتم لا تفرقون بين ما عليه هؤلاء من ضلال مبين، وبين ما تستحقه الألوهية من صفات وتعظيم ولم يقيد ما يجهلونه ليفيد أنه جهل كامل شامل يتناول فقد العلم، وسفه النفس، وفساد العقل. وسوء التقدير.
اِنَّ هٰۤؤُلَآءِ مُتَبَّرٌ مَّا هُمْ فِیْهِ وَ بٰطِلٌ مَّا كَانُوْا یَعْمَلُوْنَ(۱۳۹)
یہ حال تو بربادی کا ہے جس میں یہ (ف۲۵۶) لوگ ہیں اور جو کچھ کررہے ہیں نرا باطل ہے،
وبعد أن كشف لهم سوء حالهم، وفرط جهالاتهم، بين لهم فساد ما طلبوه في ذاته، وقبح عاقبة من أرادوا تقليدهم، فقال لهم بأسلوب الاستئناف المفيد للتعليل إِنَّ هؤُلاءِ مُتَبَّرٌ ما هُمْ فِيهِ وَباطِلٌ ما كانُوا يَعْمَلُونَ.متبر: من التتبير بمعنى الإهلاك أو التكسير والتحطيم يقال: تبره يتبره وتبره أى أهلكه ودمره.أى: إن هؤلاء الذين تبغون تقليدهم في عبادة الأوثان، محكوم على ما هم فيه بالدمار، ومقضي على ما يعملونه من عبادة الأصنام بالاضمحلال والزوال لأن دين التوحيد سيظهر في هذه الديار، وستصير العبادة لله الواحد القهار.وبهذا الرد يكون موسى- عليه السلام- قد كشف لقومه عن سوء ما يطلبون، وصرح لهم بأن مصير ما يبغونه إلى الهلاك والتدمير.قال الإمام الرازي: (والمراد من بطلان عملهم أنه لا يعود عليهم من عبادة ذلك العجل نفع ولا دفع ضرر، وتحقيق القول في هذا الباب أن المقصود من العبادة أن تصير المواظبة على تلك الأعمال سببا لاستحكام ذكر الله تعالى في القلب حتى تصير الروح سعيدة بحصول تلك المعرفة فيها، فإذا اشتغل الإنسان بعبادة غير الله تعلق قلبه بغيره، ويصير ذلك التعلق سببا لإعراض القلب عن ذكره تعالى. وإذا ثبت هذا التحقيق ظهر أن الاشتغال بعبادة غير الله متبر وباطل وضائع. وسعى في تحصيل ضد هذا الشيء ونقيضه، لأنا بينا أن المقصود من العبادة رسوخ معرفة الله- تعالى- في القلب. والاشتغال بعبادة غير الله يزيل معرفته عن القلب، فكان هذا ضد الغرض ونقيضا للمطلوب- والله أعلم-) .
قَالَ اَغَیْرَ اللّٰهِ اَبْغِیْكُمْ اِلٰهًا وَّ هُوَ فَضَّلَكُمْ عَلَى الْعٰلَمِیْنَ(۱۴۰)
کہا کیا اللہ کے سوا تمہارا اور کوئی خدا تلاش کروں حالانکہ اس نے تمہیں زمانے بھر پر فضیلت دی(ف۲۵۷)
ثم مضى موسى- عليه السلام- يستنكر عليهم هذا الطلب، ويبين لهم أن الله وحده هو المستحق للعبادة فقال: أَغَيْرَ اللَّهِ أَبْغِيكُمْ إِلهاً وَهُوَ فَضَّلَكُمْ عَلَى الْعالَمِينَ.أى قال موسى- عليه السلام مذكرا قومه بنعم الله عليهم الموجبة لإفراده بالعبادة والخضوع:أغير الله أطلب لكم معبودا أحملكم على العبودية له، وهو فضلكم على عالمي زمانكم، وقد كان الواجب عليكم أى تخصوه بالعبادة، كما اختصكم هو بشتى النعم الجليلة. فالاستفهام في الآية الكريمة للإنكار المشرب معنى التعجب لابتغائهم معبودا سوى الله- تعالى- الذي غمرهم بنعمه، وأحاطهم بألوان إحسانه.و «غير» كما قال الجمل- منصوب على أنه مفعول به لأبغيكم على حذف اللام والتقدير:أأبغي لكم غير الله إلها، فلما حذف الحرف وصل الفعل بنفسه وهو غير منقاس. و «إلها» تمييز لغير.
وَ اِذْ اَنْجَیْنٰكُمْ مِّنْ اٰلِ فِرْعَوْنَ یَسُوْمُوْنَكُمْ سُوْٓءَ الْعَذَابِۚ-یُقَتِّلُوْنَ اَبْنَآءَكُمْ وَ یَسْتَحْیُوْنَ نِسَآءَكُمْؕ-وَ فِیْ ذٰلِكُمْ بَلَآءٌ مِّنْ رَّبِّكُمْ عَظِیْمٌ۠(۱۴۱)
اور یاد کرو جب ہم نے تمہیں فرعون والوں سے نجات بحشی کہ تمہیں بری مار دیتے تمہارے بیٹے ذبح کرتے اور تمہاری بیٹیاں باقی رکھتے، اور اس میں رب کا بڑا فضل ہوا (ف۲۵۸)
ثم ذكرهم- سبحانه- بنعمة إنجائهم من العذاب والتنكيل، ليبتليهم أيشكرون أم يكفرون، فقال تعالى: وَإِذْ أَنْجَيْناكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذابِ، يُقَتِّلُونَ أَبْناءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِساءَكُمْ وَفِي ذلِكُمْ بَلاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ.«إذ» بمعنى وقت، وهي مفعول به لفعل ملاحظ في الكلام وهو اذكروا أى: اذكروا وقت أن أنجيناكم من آل فرعون. والمراد من التذكير بالوقت تذكيرهم بما وقع فيه من أحداث.وآل الرجل: أهله وخاصته وأتباعه. ويطلق غالبا على أولى الشأن والخطر من الناس، فلا يقال آل الحجام أو الإسكاف.ويَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذابِ يبغون لكم أشد العذاب وأفظعه من السوم وهو مطلق الذهاب، أو الذهاب في ابتغاء الشيء. يقال: سامت الإبل فهي سائمة، أى ذهبت إلى المرعى. وسام السلعة، إذا طلبها وابتغاها.والسوء- بالضم- كل ما يحزن الإنسان ويغمه من الأمور الدنيوية أو الأخروية.ويستحيون: أى يستبقون. يقال: استحياه أى: استبقاه، وأصله: طلب له الحياة والبقاء.والبلاء: الامتحان والاختبار ويكون بالخير والشر.والمعنى: واذكروا يا بنى إسرائيل لتعتبروا وتتعظوا وتشكروا الله على نعمه وقت أن أنجيناكم من آل فرعون الذين كانوا يعذبونكم أشق العذاب وأصعبه، حيث كانوا يزهقون أرواح ذكوركم، ويستبقون نفوس نسائكم ليستخدموهن ويستذلوهن. وفي ذلكم العذاب وفي النجاة منه امتحان لكم لتشكروا الله على نعمه، ولتقلعوا عن السيئات التي تؤدى بكم إلى الإذلال في الدنيا، والعذاب في الأخرى.وجعلت النجاة هنا من آل فرعون ولم تجعل منه، مع أنه هو الآمر بتعذيب بنى إسرائيل، للتنبيه على أن حاشيته وبطانته كانت عونا له على إذاقتهم سوء العذاب، وفي إنزال ألوان الأذلال بهم.وجعلت الآية الكريمة استحياء النساء عقوبة لبنى إسرائيل- مع أنه في ظاهره نعمة لهم- لأن هذا الإبقاء على النساء كان المقصود منه الاعتداء على أعراضهن، واستعمالهن في شتى أنواع الخدمة، وإذلالهن بالاسترقاق، فبقاؤهن كذلك بقاء ذليل وعذاب أليم، تأباه النفوس الكريمة، والطباع الحرة الأبية.قال الامام الرازي ما ملخصه: في قتل الذكور دون الإناث مضرة من وجوه:أحدها: أن ذبح الأبناء يقتضى فناء الرجال، وذلك يقضى انقطاع النسل، لأن النساء إذا انفردن فلا تأثير لهن البتة في ذلك، وهذا يقضى في نهاية الأمر إلى هلاك الرجال والنساء جميعا.ثانيها: أن هلاك الرجال يقتضى فساد مصالح النساء في أمر المعيشة.فإن المرأة لتتمنى الموت إذا انقطع عنها الرجال. لما قد تقع فيه من نكد العيش بالانفراد.ثالثها: ان قتل الولد عقب الحمل الطويل، وتحمل الكد، والرجاء القوى في الانتفاع به من أعظم العذاب. فنعمة الله في تخليصهم من هذه المحنة كبيرة.رابعا: أن بقاء النساء بدون الذكران من أقاربهن، يؤدى إلى صيرورتهن مستفرشات للأعداء. وذلك نهاية الذل والهوان .وقد رجح كثير من المفسرين أن المراد بالأبناء هنا الأطفال لا البالغين، لأن اللفظ من حيث وضعه يفيد ذلك، ولأن قتل الرجال لا يفيدهم حيث أنهم كانوا يستعملونهم في الأعمال الشاقة والحقيرة، ولأنه لو كان المقصود بالذبح الرجال لما قامت أم موسى بإلقائه في اليم وهو طفل صغير لتنجيه من الذبح.ويرى بعض المفسرين أن المراد بالأبناء الرجال، لا الأطفال، لأن لفظ الأبناء هنا جعل في مقابلة النساء، والنساء هن البالغات.والذي نرجحه هو القول الأول لما ذكرنا، ولأنه أتم في إظهار نعمة الإنجاء، حيث كان آل فرعون يقتلون الصغار قطعا للنسل، ويسترقون الأمهات استعبادا لهن، ويبقون الرجال للخدمة حتى ينقرضوا على سبيل التدرج، وبقاء الرجال على هذه الحالة أشد عليهم من الموت.وبهذا تكون الآيات الكريمة قد ردت على بنى إسرائيل فيما طلبوا أبلغ رد وأحكمه، ووصفتهم بما هم أهله من سوء تدبير، وسفاهة تفكير. فقد بدأت بإثبات جهلهم بربهم وبأنفسهم، حيث طلبوا من نبيهم أن يجعل لهم إلها كما لغيرهم آلهة، ثم ثنت بإظهار فساد ما طلبوه في ذاته، لأن مصيره إلى الزوال والهلاك، وما كان كذلك لا يصلح أن يكون الها، ثم بينت بعد ذلك بأن العبادة لغير الله لا تجوز بأى حال، لأنه هو وحده صاحب الخلق والأمر، ثم ذكرتهم في ختامها بوجوه النعم التي أسبغها الله عليهم، لتشعرهم بأن ما طلبوه من نبيهم، هو من قبيل مقابلة الإحسان بالجحود والنكران، ولتحملهم على أن يتدبروا أمرهم، ويراجعوا أنفسهم، ويتوبوا إلى خالقهم توبة صادقة نصوحا. ان كانوا ممن ينتفع بالعظات ويعتبر بالمثلات.ثم حكت لنا السورة الكريمة بعد ذلك مشهد تطلع موسى- عليه السلام- للقاء ربه، ووصيته لأخيه هارون قبل ذهابه لهذا اللقاء العظيم فقالت:
وَ وٰعَدْنَا مُوْسٰى ثَلٰثِیْنَ لَیْلَةً وَّ اَتْمَمْنٰهَا بِعَشْرٍ فَتَمَّ مِیْقَاتُ رَبِّهٖۤ اَرْبَعِیْنَ لَیْلَةًۚ-وَ قَالَ مُوْسٰى لِاَخِیْهِ هٰرُوْنَ اخْلُفْنِیْ فِیْ قَوْمِیْ وَ اَصْلِحْ وَ لَا تَتَّبِـعْ سَبِیْلَ الْمُفْسِدِیْنَ(۱۴۲)
اور ہم نے موسیٰ سے (ف۲۵۹) تیس رات کا وعدہ فرمایا اور ان میں (ف۲۶۰) دس اور بڑھا کر پوری کیں تو اس کے رب کا وعدہ پوری چالیس رات کا ہوا (ف۲۶۱) اور موسیٰ نے (ف۲۶۲) اپنے بھائی ہارون سے کہا میری قوم پر میرے نائب رہنا اور اصلاح کرنا اور فسادیوں کی راہ کو دخل نہ دینا،
قال صاحب الكشاف: «روى أن موسى- عليه السلام- وعد بنى إسرائيل وهو بمصر، إن أهلك الله عدوهم أتاهم بكتاب من عند الله، فيه بيان ما يأتون وما يذرون، فلما هلك فرعون سأل موسى ربه الكتاب فأمره بصوم ثلاثين يوما وهو شهر ذي القعدة، فلما أتم الثلاثين أنكر خلوف فمه فتسوك. فقالت له الملائكة: كنا نشم من فمك رائحة المسك فأفسدته بالسواك فأمره الله- تعالى- ان يزيد عليها عشرة أيام من ذي الحجة لذلك. وقيل أمره الله أن يصوم ثلاثين يوما وان يعمل فيها بما يقربه من الله ثم انزل الله عليه في العشر التوراة وكلمه فيها» .والمواعدة مفاعلة من الجانبين، وهي هنا على غير بابها، لأن المراد بها هنا أن الله- تعالى- أمر موسى أن ينقطع لمناجاته أربعين ليلة تمهيدا لإعطائه التوراة، ويؤيد ذلك قراءة أبى عمرو ويعقوب «وعدنا» .وقيل المفاعلة على بابها على معنى أن الله- تعالى- وعد نبيه موسى أن يعطيه التوراة وأمره بالحضور للمناجاة فوعد موسى ربه بالطاعة والامتثال.وقوله ثَلاثِينَ مفعول ثان لواعدنا بحذف المضاف، أى: إثمام ثلاثين ليلة أو إتيانها.والضمير في قوله وَأَتْمَمْناها بِعَشْرٍ يعود على المواعدة المفهومة من قوله واعَدْنا أى:وأتممنا مواعدته بعشر، أو أنه يعود على ثلاثين:وحذف تمييز عشر لدلالة الكلام عليه، أى: وأتممناها بعشر ليال.وأَرْبَعِينَ منصوب على الحالية أى: فتم ميقات ربه بالغا أربعين ليلة.ثم حكى- سبحانه- ما وصى به موسى أخاه هارون فقال: وَقالَ مُوسى لِأَخِيهِ هارُونَ اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي أى: قال موسى لأخيه هارون حين استودعه ليذهب لمناجاة ربه: كن خليفتي في قومي، وراقبهم فيما يأتون ويذرون فإنهم في حاجة إلى ذلك لضعف إيمانهم، واستيلاء الشهوات والأهواء عليهم وَأَصْلِحْ وَلا تَتَّبِعْ سَبِيلَ الْمُفْسِدِينَ الذين إِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الرُّشْدِ لا يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا، وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الغَيِّ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا.وإننا لنلمح من هذه الوصية أن موسى- عليه السلام- كان متوقعا شرا من قومه، ولقد صح ما توقعه، فإنهم بعد أن فارقهم موسى استغلوا جانب اللين في هارون فعبدوا عجلا جسدا له خوار صنعه لهم السامري.
وَ لَمَّا جَآءَ مُوْسٰى لِمِیْقَاتِنَا وَ كَلَّمَهٗ رَبُّهٗۙ-قَالَ رَبِّ اَرِنِیْۤ اَنْظُرْ اِلَیْكَؕ-قَالَ لَنْ تَرٰىنِیْ وَ لٰكِنِ انْظُرْ اِلَى الْجَبَلِ فَاِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهٗ فَسَوْفَ تَرٰىنِیْۚ-فَلَمَّا تَجَلّٰى رَبُّهٗ لِلْجَبَلِ جَعَلَهٗ دَكًّا وَّ خَرَّ مُوْسٰى صَعِقًاۚ-فَلَمَّاۤ اَفَاقَ قَالَ سُبْحٰنَكَ تُبْتُ اِلَیْكَ وَ اَنَا اَوَّلُ الْمُؤْمِنِیْنَ(۱۴۳)
اور جب موسیٰ ہمارے وعدہ پر حاضر ہوا اور اس سے اس کے رب نے کلام فرمایا (ف۲۶۳) عرض کی اے رب میرے! مجھے اپنا دیدار دکھا کہ میں تجھے دیکھوں فرمایا تو مجھے ہر گز نہ دیکھ سکے گا (ف۲۶۴) ہاں اس پہاڑ کی طرف دیکھ یہ اگر اپنی جگہ پر ٹھہرا رہا تو عنقریب تو مجھے دیکھ لے گا (ف۲۶۵) پھر جب اس کے رب نے پہاڑ پر اپنا نو ر چمکایا اسے پاش پاش کردیا اور موسیٰ گرا بیہوش پھر جب ہوش ہوا بولا پاکی ہے تجھے میں تیری طرف رجوع لایا اور میں سب سے پہلا مسلمان ہوں (ف۲۶۶)
ثم حكى القرآن ما كان من موسى عند ما وصل إلى طور سيناء لمناجاة ربه فقال: وَلَمَّا جاءَ مُوسى لِمِيقاتِنا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ أى: وحين حضر موسى لموقتنا الذي وقتناه له وحددناه، وكلمه ربه، أى: خاطيه من غير واسطة ملك قالَ رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ أى: قال موسى حين كلمه ربه وسمع منه: رب أرنى ذاتك الجليلة. والمراد مكنى من رؤيتك. أو تجل لي أنظر إليك وأراك.وأَرِنِي فعل أمر مبنى على حذف الياء. وياء المتكلم مفعول، والمفعول الثاني محذوف أى: ذاتك أو نفسك ولم يصرح به لأنه معلوم، وزيادة في التأدب مع الخالق- عز وجل-.وجملة قالَ لَنْ تَرانِي مستأنفة استئنافا بيانيا، كأنه قيل: فماذا قال الله- تعالى- حين قال موسى ذلك، فكان الجواب قالَ لَنْ تَرانِي أى: لن تطيق رؤيتي، وأنت في هذه النشأة وعلى الحالة التي أنت عليها في هذه الدنيا فنفى الرؤية منصب على الحالة الدنيوية، أما في الآخرة فقد ثبت في الأحاديث الصحيحة أن المؤمنين يرون ربهم في روضات الجنات.ثم قال- تعالى- وَلكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكانَهُ فَسَوْفَ تَرانِي أى: لن تطيق رؤيتي يا موسى وأنت في هذه الحياة الدنيا، ولكن انظر إلى الجبل الذي هو أقوى منك، فإن استقر مكانه أى ثبت مكانه حين أتجلى له ولم يتفتت من هذا التجلي، فسوف تراني أى تثبت لرؤيتى إذا تجليت لك وإلا فلا طاقة لك برؤيتى.وفي هذا الاستدراك وَلكِنِ انْظُرْ ... إلخ، تسلية لموسى- عليه السلام- وتلطف معه في الخطاب، وتكريم له، وتعظيم لأمر الرؤية، وأنه لا يقوى عليها إلا من قواه الله بمعونته.ثم بين- سبحانه- ما حدث للجبل عند التجلي فقال: فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا أى: فحين ظهر نوره- سبحانه- للجبل على الوجه اللائق بجلاله جَعَلَهُ دَكًّا أى مدقوقا مفتتا، فنبه- سبحانه- بذلك على أن الجبل مع شدته وصلابته مادام لم يستقر عند هذا التجلي، فالآدمى مع ضعف بنيته أولى بأن لا يستقر. والداك والدق بمعنى، وهو تفتيت الشيء وسحقه وفعله من باب رد.قال الآلوسى: وهذا كما لا يخفى من المتشابهات التي يسلك فيها طريق التسليم وهو أسلم وأحكم، أو التأويل بما يليق بجلال ذاته- تعالى-.وقوله وَخَرَّ مُوسى صَعِقاً أى: سقط من هول ما رأى من النور الذي حصل به التجلي مغشيا عليه، كمن أخذته الصاعقة.يقال: صعقتهم السماء تصعقهم صعقا فهو صعق أى: غشى عليه.وقوله: فَلَمَّا أَفاقَ قالَ سُبْحانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ أى: فلما أفاق موسى من غشيته، وعاد إلى حالته الأولى التي كان عليها قبل أن يخر مغشيا عليه، قال تعظيما لأمر الله سُبْحانَكَ أى تنزيها لك من مشابهة خلقك في شيء تُبْتُ إِلَيْكَ من الإقدام على السؤال بغير إذن وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ بعظمتك وجلالك أو أنا أول المؤمنين بأنه لا يراك أحد.قال أبو العالية: قد كان قبله مؤمنون: ولكن يقول أنا أول المؤمنين أنه لا يراك أحد من خلقك إلى يوم القيامة. قال ابن كثير: وهو قول حسن.هذا، وقد توسع بعض المفسرين عند تفسيره لهذه الآية في الحديث عن رؤية الله- تعالى- وعلى رأس هذا البعض الإمام الآلوسى، فقد قال- رحمه الله-: «واستدل أهل السنة المجوزون لرؤيته- سبحانه- بهذه الآية على جوازها في الجملة، واستدل بها المعتزلة النفاة على خلاف ذلك، وقامت الحرب بينهما على ساق، وخلاصة الكلام في ذلك أن أهل السنة قالوا:إن الآية تدل على إمكان الرؤية من وجهين:الأول: أن موسى- عليه السلام- سألها بقوله رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ ولو كانت مستحيلة فإن كان موسى عالما بالاستحالة فالعالم- فضلا عن النبي مطلقا، فضلا عمن هو من أولى العزم- لا يسأل المحال ولا يطلبه. وإن لم يكن عالما بذلك، لزم أن يكون آحاد المعتزلة أعلم بالله وما يجوز عليه وما لا يجوز من النبي الصفي، والقول بذلك غاية الجهل والرعونة وحيث بطل القول بالاستحالة تعين القول بالجواز.والثاني: أن فيها تعليق الرؤية على استقرار الجبل وهو ممكن في ذاته وما علق على الممكن ممكن» .ثم قال ما ملخصه: واعترض الخصوم على الوجه الأول بوجوه منها أنا لا نسلم أن موسى سأل الرؤية وإنما سأل العلم الضروري به- تعالى- إلا أنه عبر عنه بالرؤية مجازا. أو أنه سأل رؤية علم من أعلام الساعة بطريق حذف المضاف، أى: أرنى أنظر إلى علم من أعلامك الدالة على الساعة. أو أنه سأل الرؤية لا لنفسه ولكن لدفع قومه القائلين أَرِنَا اللَّهَ جَهْرَةً وإنما أضاف الرؤية إليه دونهم ليكون منعه أبلغ في دفعهم وردعهم عما سألوه تنبيها بالأدنى على الأعلى.واعترضوا على الوجه الثاني بأنا لا نسلم أنه علق الرؤية على أمر ممكن، لأن التعليق لم يكن على استقرار الجبل حال سكونه وإلا لوجدت الرؤية ضرورة وجود الشرط، لأن الجبل حال سكونه كان مستقرا، بل على استقراره حال حركته وهو محال لذاته.ثم أورد الآلوسى بعد ذلك ما رد به كل فريق على الآخر مما لا مجال لذكره هنا .والذي نراه أن رؤية الله في الآخرة ممكنة كما قال أهل السنة لورود الآيات القرآنية والأحاديث النبوية الصحيحة التي تشهد بذلك، أما في الدنيا فقد منع العلماء وقوعها، وقد بينا ذلك بشيء من التفصيل عند تفسيرنا لقوله- تعالى- لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصارَ .
قَالَ یٰمُوْسٰۤى اِنِّی اصْطَفَیْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسٰلٰتِیْ وَ بِكَلَامِیْ ﳲ فَخُذْ مَاۤ اٰتَیْتُكَ وَ كُنْ مِّنَ الشّٰكِرِیْنَ(۱۴۴)
فرمایا اے موسیٰ میں نے تجھے لوگوں سے چن لیا اپنی رسالتوں اور اپنے کلام سے، تو لے جو میں نے تجھے عطا فرمایا اور شکر والوں میں ہو،
ثم حكى القرآن بعد ذلك ما كرم الله- تعالى- به موسى- عليه السلام فقال: قالَ يا مُوسى إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسالاتِي وَبِكَلامِي.الاصطفاء. افتعال من الصفوة، وصفوة الشيء خالصه وخياره أى: قال الله تعالى- لموسى إنى اخترتك واجتبيتك على الناس الموجودين في زمانك لأن الرسل كانوا قبل موسى وبعده، فهو اصطفاء على جيل معين من الناس بحكم هذه القرينة.وقوله بِرِسالاتِي أى: بأسفار التوراة، أو بإرسالى إياك إلى من أرسلت إليهم.وبِكَلامِي أى: بتكليمى إياك بغير واسطة قال- تعالى- وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسى تَكْلِيماً.والجملة الكريمة مسوقة لتسليته- عليه السلام- عما أصابه من عدم الرؤية فكأنه- سبحانه- يقول له: إن منعتك الرؤية فقد أعطيتك من النعم العظام ما أعطيتك فاغتنمه ودم على شكرى.وقدم الرسالة على الكلام لأنها أسبق، أو ليترقى إلى الأشرف.ثم قال- تعالى- فَخُذْ ما آتَيْتُكَ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ أى: فخذ يا موسى ما أعطيتك من شرف الاصطفاء والنبوة والمناجاة وكن من الراسخين في الشكر على ما أنعمت به عليك، فأنت أسوة وقدوة لأهل زمانك.
وَ كَتَبْنَا لَهٗ فِی الْاَلْوَاحِ مِنْ كُلِّ شَیْءٍ مَّوْعِظَةً وَّ تَفْصِیْلًا لِّكُلِّ شَیْءٍۚ-فَخُذْهَا بِقُوَّةٍ وَّ اْمُرْ قَوْمَكَ یَاْخُذُوْا بِاَحْسَنِهَاؕ-سَاُورِیْكُمْ دَارَ الْفٰسِقِیْنَ(۱۴۵)
اور ہم نے اس کے لیے تختیوں میں (ف۲۶۷) لکھ دی ہر چیز کی نصیحت اور ہر چیز کی تفصیل، اور فرمایا اے موسیٰ اسے مضبوطی سے لے اور اپنی قوم کو حکم دے کر اس کی اچھی باتیں اختیار کریں (ف۲۶۸) عنقریب میں تمہیں دکھاؤں گا بے حکموں کا گھر (ف۲۶۹)
ثم فصل- سبحانه- بعض النعم التي منحها لنبيه موسى وقال: وَكَتَبْنا لَهُ فِي الْأَلْواحِ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْعِظَةً وَتَفْصِيلًا لِكُلِّ شَيْءٍ.والمراد بالألواح كما قال ابن عباس- ألواح التوراة، واختلف في عددها فقيل: سبعة ألواح وقيل عشرة ألواح وقيل أكثر من ذلك. كما اختلف في شأنها فقيل كانت من سدر الجنة، وقيل كانت من زبرجد أو زمرد ... إلخ.والذي نراه تفويض معرفة ذلك إلى الله- تعالى- لأنه لم يرد نص صحيح عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في عددها أو كيفيتها.والمعنى: وكتبنا لموسى- عليه السلام- في ألواح التوراة من كل شيء يحتاجون إليه من الحلال والحرام، والمحاسن والقبائح. ليكون ذلك موعظة لهم من شأنها أن تؤثر في قلوبهم ترغيبا وترهيبا، كما كتبنا له في تلك الألواح تفصيل كل شيء يتعلق بأمر هذه الرسالة الموسوية.وإسناد الكتابة إليه- تعالى- إما على معنى أن ذلك كان بقدرته- تعالى- وصنعه ولا كسب لأحد فيه، وإما على معنى أنها كتبها بأمره ووحيه سواء كان الكاتب لها موسى أو ملك من ملائكته- عز وجل-.قال صاحب المنار: قال بعض المفسرين: إن الألواح كانت مشتملة على التوراة: وقال بعضهم بل كانت قبل التوراة. والراجح أنها كانت أول ما أوتيه من وحى التشريع فكانت أصل التوراة الإجمالى، وكانت سائر الأحكام من العبادات والمعاملات الحربية والمدنية والعقوبات تنزل يخاطبه بها الله- تعالى- في أوقات الحاجة إليها» .وقوله مَوْعِظَةً وَتَفْصِيلًا لِكُلِّ شَيْءٍ بدل من قوله مِنْ كُلِّ شَيْءٍ باعتبار محله وهو النصب لأن من مزيدة كما يرى كثير من النحاة. أى: كتبنا له فيها كل شيء من المواعظ وتفصيل الأحكام.والضمير في قوله- تعالى- فَخُذْها بِقُوَّةٍ يعود إلى الألواح. والفاء عاطفة لمحذوف على كتبنا، والمحذوف هو لفظ قلنا وقوله بِقُوَّةٍ حال من فاعل خذها أى: كتبنا له في الألواح من كل شيء، وقلنا له خذها بقوة أى بجد وحزم، وصبر وجلد، لأنه- عليه السلام- قد أرسل إلى قوم طال عليهم الأمد وهم في الذل والاستعباد، فإذا لم يكن المتولى لإرشادهم وإلى ما فيه هدايتهم ذا قوة وصبر ويقين، فإنه قد يعجز عن تربيتهم. ويفشل في تنفيذ أمر الله فيهم.قال الجمل: وقوله- تعالى- وَأْمُرْ قَوْمَكَ يَأْخُذُوا بِأَحْسَنِها أى التوراة ومعنى بأحسنها بحسنها إذ كل ما فيها حسن، أو أمروا فيها بالخير ونهوا عن الشر، وفعل الخير أحسن من ترك الشر، وذلك لأن الكلمة المحتملة لمعنيين أو لمعان تحمل على أشبه محتملاتها بالحق وأقربها إلى الصواب. أو أن فيها حسنا وأحسن كالقود والعفو، والانتصار والصبر، والمأمور به والمباح فأمروا بأن يأخذوا بما هو أكثر ثوابا .وقوله- تعالى- سَأُرِيكُمْ دارَ الْفاسِقِينَ توكيد لأمر القوم بالأخذ بالأحسن وبعث عليه على نهج الوعيد والتهديد.أى: سأريكم عاقبة من خالف أمرى، وخرج عن طاعتي، كيف يصير إلى الهلاك والدمار، فتلك سنتي التي لا تتغير ولا تتبدل.قال ابن كثير: وإنما قال سَأُرِيكُمْ دارَ الْفاسِقِينَ كما يقول القائل لمن يخاطبه: سأريك غدا ما يصير إليه حال من خالفني على وجه التهديد والوعيد لمن عصاه وخالف أمره «2» وقيل المراد بدار الفاسقين دار فرعون وقومه وهي مصر، كيف أقفرت منهم ودمروا لفسقهم لتعتبروا فلا تفسقوا مثل فسقهم فيصيبكم ما أصابهم.وقيل المراد بها منازل عاد وثمود والأقوام الذين هلكوا بسبب كفرهم.وقيل المراد بها أرض الشام التي كان يسكنها الجبارون. فإنهم لم يدخلوها إلا بعد أربعين سنة من خروجهم من مصر على يد يوشع بن نون.والذي نراه أن الرأى الأول أرجح، لأن الآية الكريمة تحكى سنة من سنن الله في خلقه، وهذه السنة تتمثل في أن كل دار تفسق عن أمر ربها تكون عاقبتها الذل والدمار، ولأنه لم يرد حديث صحيح يعين المراد بدار الفاسقين.فالآية الكريمة قد اشتملت على جانب من مظاهر نعم الله على نبيه موسى- عليه السلام- كما اشتملت على الأمر الصريح منه- سبحانه- له بأن يهيئ نفسه لحمل تكاليف الرسالة بعزم وصبر، وأن يأمر قومه بأن يأخذوا بأكملها وأعلاها بدون ترخيص أو تحايل، لأنهم قوم كانت طبيعتهم رخوة وعزيمتهم ضعيفة، ونفوسهم منحرفة. كما اشتملت على التحذير الشديد لكل من يخرج عن طاعة الله وينتهك حرماته.ثم بين- سبحانه- عاقبة من يتكبرون في الأرض بغير الحق فقال- تعالى-:
سَاَصْرِفُ عَنْ اٰیٰتِیَ الَّذِیْنَ یَتَكَبَّرُوْنَ فِی الْاَرْضِ بِغَیْرِ الْحَقِّؕ-وَ اِنْ یَّرَوْا كُلَّ اٰیَةٍ لَّا یُؤْمِنُوْا بِهَاۚ-وَ اِنْ یَّرَوْا سَبِیْلَ الرُّشْدِ لَا یَتَّخِذُوْهُ سَبِیْلًاۚ-وَ اِنْ یَّرَوْا سَبِیْلَ الْغَیِّ یَتَّخِذُوْهُ سَبِیْلًاؕ-ذٰلِكَ بِاَنَّهُمْ كَذَّبُوْا بِاٰیٰتِنَا وَ كَانُوْا عَنْهَا غٰفِلِیْنَ(۱۴۶)
اور میں اپنی آیتوں سے انہیں پھیردوں گا جو زمین میں ناحق اپنی بڑا ئی چاہتے ہیں (ف۲۷۰) اور اگر سب نشانیاں دیکھیں ان پر ایمان نہ لائیں اور اگر ہدایت کی راہ دیکھیں اس میں چلنا پسند نہ کریں (ف۳۲۷۱) اور گمراہی کا راستہ نظر پڑے تو اس میں چلنے کو موجود ہوجائیں، یہ اس لیے کہ انہوں نے ہماری آیتیں جھٹلائیں اور ان سے بے خبر بنے،
قوله- تعالى- سَأَصْرِفُ عَنْ آياتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ استئناف مسوق لبيان أن أعداء دعاة الحق هم المستكبرون، لأن من شأن التكبر أن يصرف أهله عن النظر والاستدلال على وجوه الخير. ومعنى صرف هؤلاء المتكبرين عن الانتفاع بآيات الله وحججه، منعهم عن ذلك بالطبع على قلوبهم لسوء استعدادهم لا يتفكرون ولا يتدبرون ولا يعتبرون.أى: سأطبع على قلوب هؤلاء الذين يعدون أنفسهم كبراء، ويرون أنفسهم أنهم أعلى شأنا من غيرهم، مع أنهم أجهل الناس عقلا، وأتعسهم حالا.وقوله بِغَيْرِ الْحَقِّ صلة للتكبر على معنى يتكبرون ويتطاولون بما ليس بحق وهو دينهم الباطل، وسفههم المفرط، أو متعلق بمحذوف هو حال من فاعله، أى يتكبرون متلبسين بغير الحق.ثم بين- سبحانه- ما هم عليه من عناد وجحود فقال: وَإِنْ يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ لا يُؤْمِنُوا بِها أى: وإن يروا كل آية من الآيات التي تهدى إلى الحق وترشد إلى الخير لا يؤمنوا بها لفساد قلوبهم، وحسدهم لغيرهم على ما آتاه الله من فضله، وتكبرهم على الناس. والجملة الكريمة معطوفة على جملة يَتَكَبَّرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ داخلة معها في حكم الصلة.والمقصود بالآية إما المنزلة فيكون المراد برؤيتها مشاهدتها والإحساس بها عن طريق السماع.وإمّا ما يعمها وغيرها من المعجزات، فيكون المراد برؤيتها مطلق المشاهدة المنتظمة للسماع والإبصار.وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الرُّشْدِ أى: الصلاح والاستقامة والسداد لا يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا أى:لا يتوجهون إليه ولا يسلكونه لمخالفته لأهوائهم وشهواتهم وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الغَيِّ أى:طريق الضلال عن الحق يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا أى: طريقا يميلون إليه، ويسيرون فيه بدون تفكر أو تدبر. وهذا شأن من مرد على الضلال، وانغمس في الشرور والآثام. إنه لإلفه المنكرات صار الحسن عنده قبيحا والقبيح حسنا، وصدق الله إذ يقول: أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَناً.ثم ختم- سبحانه- الآية ببيان الأسباب التي أدت بهم إلى هذا الضلال العجيب فقال- تعالى: ذلِكَ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآياتِنا وَكانُوا عَنْها غافِلِينَ أى: ذلك المذكور من التكبر وعدم الإيمان بشيء من الدلائل الدالة على الحق وإعراضهم عن سبيل الهدى. وإقبالهم التام على طريق الغواية، كائن بسبب أنهم كذبوا بآياتنا الدالة على بطلان ما هم عليه من أباطيل، وبسبب أنهم كانوا عن هذه الآيات غافلين لاهين لا يتفكرون فيها، ولا يعتبرون بما اشتملت عليه من عظات.فالله- تعالى- لم يخلقهم مطبوعين على شيء مما ذكر طبعا، ولم يجبرهم ويكرههم عليه إكراها، بل كان ذلك بكسبهم واختيارهم للتكذيب بآياته الدالة على الحق.واسم الإشارة ذلِكَ مبتدأ، وخبره الجار والمجرور بعده، أى: ذلك الصرف بسبب تكذيبهم.
وَ الَّذِیْنَ كَذَّبُوْا بِاٰیٰتِنَا وَ لِقَآءِ الْاٰخِرَةِ حَبِطَتْ اَعْمَالُهُمْؕ-هَلْ یُجْزَوْنَ اِلَّا مَا كَانُوْا یَعْمَلُوْنَ۠(۱۴۷)
اور جنہوں نے ہماری آیتیں اور آخرت کے دربار کو جھٹلایا ان کا سب کیا دھرا اَکارت گیا، انہیں کیا بدلہ ملے گا مگر وہی جو کرتے تھے،
ثم قال- تعالى- وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا وَلِقاءِ الْآخِرَةِ حَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ أى: بطلت وفسدت وصارت هباء منثورا، بسبب تكذيبهم لآيات الله، وإنكارهم للآخرة وما فيها من ثواب وعقاب.والاستفهام في قوله هَلْ يُجْزَوْنَ إِلَّا ما كانُوا يَعْمَلُونَ للنفي: أى: لا يجزون يوم القيامة إلا الجزاء الذي يستحقونه بسبب أعمالهم في الدنيا. فربك- سبحانه- لا يظلم أحدا.وقوله وَالَّذِينَ كَذَّبُوا في خبره وجهان:أحدهما: أنه الجملة من قوله: حَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ وهل يجزون خبر ثان أو مستأنف.والثاني: أن الخبر هَلْ يُجْزَوْنَ والجملة من قوله حَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ في محل نصب على الحال وقد مضمرة عند من يشترط ذلك، وصاحب الحال فاعل كذبوا.وقوله وَلِقاءِ الْآخِرَةِ فيه وجهان:أحدهما: أنه من باب إضافة المصدر لمفعوله والفاعل محذوف والتقدير: ولقائهم الآخرة.والثاني: أنه من باب إضافة المصدر إلى الظرف بمعنى: ولقاء ما وعد الله في الآخرة» .ثم قصت السورة علينا رذيلة من رذائل بنى إسرائيل المتعددة، وذلك أنهم بعد أن تركهم موسى- عليه السلام- وذهب لمناجاة ربه مستخلفا عليهم أخاه هارون، انتهزوا لين جانب هارون معهم، فعبدوا عجلا جسدا له خوار صنعه لهم السامري من الحلي التي استعارها نساؤهم من نساء قبط مصر.وحاول هارون- عليه السلام- أن يصدهم عن ذلك بشتى السبل، ولكنهم أعرضوا عنه قائلين لَنْ نَبْرَحَ عَلَيْهِ عاكِفِينَ حَتَّى يَرْجِعَ إِلَيْنا مُوسى، وأعلم الله- تعالى- موسى بما حدث من قومه في غيبته فعاد إليهم مغضبا حزينا، فوبخهم على كفرهم وجهالاتهم، وعاتب بشدة أخاه هارون لتركه إياهم يعبدون العجل ولكن هارون اعتذر له، وأقنعه بأنه لم يقصر في نصيحتهم ولكنهم قوم لا يحبون الناصحين.وعلى مشهد من بنى إسرائيل أحرق موسى العجل، وقال للسامري رأس الفتنة ومدبرها وَانْظُرْ إِلى إِلهِكَ الَّذِي ظَلْتَ عَلَيْهِ عاكِفاً لَنُحَرِّقَنَّهُ ثُمَّ لَنَنْسِفَنَّهُ فِي الْيَمِّ نَسْفاً إِنَّما إِلهُكُمُ اللَّهُ الَّذِي لا إِلهَ إِلَّا هُوَ وَسِعَ كُلَّ شَيْءٍ عِلْماً وبذلك أثبت موسى- عليه السلام- لقومه أن المستحق للعبادة إنما هو الله رب العالمين.واستمع معى إلى هذه الآيات التي قصت علينا ما حدث منهم بأسلوبها البليغ فقالت:
وَ اتَّخَذَ قَوْمُ مُوْسٰى مِنْۢ بَعْدِهٖ مِنْ حُلِیِّهِمْ عِجْلًا جَسَدًا لَّهٗ خُوَارٌؕ-اَلَمْ یَرَوْا اَنَّهٗ لَا یُكَلِّمُهُمْ وَ لَا یَهْدِیْهِمْ سَبِیْلًاۘ-اِتَّخَذُوْهُ وَ كَانُوْا ظٰلِمِیْنَ(۱۴۸)
اور موسیٰ کے (ف۲۷۲) بعد اس کی قوم اپنے زیوروں سے (ف۲۷۳) ایک بچھڑا بنا بیٹھی بے جان کا دھڑ (ف۲۷۴) گائے کی طرف آواز کرتا، کیا نہ دیکھا کہ وہ ان سے نہ بات کرتا ہے اور نہ انہیں کچھ راہ بتائے (ف۲۷۵) اسے لیا اور وہ ظالم تھے (ف۲۷۶)
قوله تعالى: وَاتَّخَذَ قَوْمُ مُوسى مِنْ بَعْدِهِ مِنْ حُلِيِّهِمْ عِجْلًا جَسَداً لَهُ خُوارٌ بيان لما صنعه بنو إسرائيل بعد فراق موسى- عليه السلام- لهم، وذهابه لتلقى التوراة عن ربه. مستخلفا عليهم أخاه هارون.والحلي - بضم الحاء والتشديد- جمع حلى- بفتح فسكون- كثدي وثدي- وهي اسم لما يتزين به من الذهب والفضة، وهذه الحلي كان نساء بنى إسرائيل- قبيل خروجهن من مصر- قد استعرنها من نساء المصريين، فلما أغرق الله- تعالى- فرعون وقومه، بقيت تلك الحلي في أيديهن، فجمعها السامري بحجة أنها لا تحل لهن، وصاغ منها عجلا جسدا له خوار، وأوهمهم بأن هذا إلههم وإله موسى فعبدوه من دون الله.قال الحافظ ابن كثير: (وقد اختلف المفسرون في هذا العجل هل صار لحما ودما له خوار، أو استمر على كونه من ذهب إلا أنه يدخل فيه الهواء فيصوت كالبقر، على قولين والله أعلم والمعنى: واتخذ قوم موسى من بعد فراقه لهم لأخذ التوراة عن ربه عجلا جسدا له صوت البقر ليكون معبودا لهم.وقوله عِجْلًا مفعول اتخذ بمعنى صاغ وعمل. وقيل إن اتخذ متعد إلى اثنين وهو بمعنى صير والمفعول الثاني محذوف أى: إلها.وجَسَداً بدل من عِجْلًا أو عطف بيان أو نعت له بتأويل متجسدا.قال صاحب الكشاف: (فإن قلت لم قيل: وَاتَّخَذَ قَوْمُ مُوسى مِنْ بَعْدِهِ مِنْ حُلِيِّهِمْ عِجْلًا والمتخذ هو السامري؟ قلت فيه وجهان:أحدهما: أن ينسب الفعل إليهم لأن رجلا منهم باشره ووجد بين ظهرانيهم، كما يقال بنو تميم قالوا كذا، وفعلوا كذا والقائل والفاعل واحد. ولأنهم كانوا مريدين لاتخاذه راضين به فكأنهم أجمعوا عليه.والثاني: أن يراد واتخذوه إلها وعبدوه. فإن قلت لم قال من حليهم ولم تكن الحلي لهم إنما كانت عارية في أيديهم؟ قلت: الإضافة تكون بأدنى ملابسه وكونها عوارى في أيديهم كفى به ملابسة على أنهم قد ملكوها بعد المهلكين كما ملكوا غيرها من أملاكهم ألا ترى إلى قوله تعالى:فَأَخْرَجْناهُمْ مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ. وَكُنُوزٍ وَمَقامٍ كَرِيمٍ. كَذلِكَ وَأَوْرَثْناها بَنِي إِسْرائِيلَ اه.وقوله تعالى: أَلَمْ يَرَوْا أَنَّهُ لا يُكَلِّمُهُمْ وَلا يَهْدِيهِمْ سَبِيلًا تقريع لهم على جهالاتهم. وبيان لفقدان عقولهم، والمعنى: أبلغ عمى البصيرة بهؤلاء القوم، أنهم لم يفطنوا حين عبدوا العجل، أنه لا يقدر على ما يقدر عليه آحاد البشر، من الكلام والإرشاد إلى أى طريق من طرق الإفادة، وليس ذلك من صفات ربهم الذي له العبادة، لأن من صفاته- تعالى- أنه يكلم أنبياءه ورسله، ويرشد خلقه إلى طريق الخير، وينهاهم عن طرق الشر!! ثم أكد- سبحانه- ذمهم بقوله اتَّخَذُوهُ وَكانُوا ظالِمِينَ أى: اتخذوا العجل معبودا لهم وهم يشاهدونه لا يكلمهم بأى كلام، ولا يرشدهم إلى أى طريق، ولا شك أنهم بهذا الاتخاذ كانوا ظالمين لأنفسهم بعبادتهم غير الله، وبوضعهم الأمور في غير مواضعها.وفي التعبير عن ظلمهم بلفظ (كانوا) المفيد للدوام والاستمرار، إشعار بأن هذا الظلم دأبهم وعادتهم قبل هذا الاتخاذ وأن ما صدر عنهم ليس بدعا منهم ولا أول مناكيرهم، فقد سبق لهم أن قالوا لنبيهم بمجرد أن أتوا على قوم يعكفون على أصنام لهم يا مُوسَى اجْعَلْ لَنا إِلهاً كَما لَهُمْ آلِهَةٌ، قالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ.
وَ لَمَّا سُقِطَ فِیْۤ اَیْدِیْهِمْ وَ رَاَوْا اَنَّهُمْ قَدْ ضَلُّوْاۙ-قَالُوْا لَىٕنْ لَّمْ یَرْحَمْنَا رَبُّنَا وَ یَغْفِرْ لَنَا لَنَكُوْنَنَّ مِنَ الْخٰسِرِیْنَ(۱۴۹)
اور جب پچھتائے اور سمجھے کہ ہم بہکے بولے اگر ہمارا رب ہم پر مہر ہ کرے اور ہمیں نہ بخشے تو ہم تباہ ہوئے،
ثم بين- سبحانه- ما كان منهم بعد أن رأوا ضلالهم فقال تعالى: وَلَمَّا سُقِطَ فِي أَيْدِيهِمْ وَرَأَوْا أَنَّهُمْ قَدْ ضَلُّوا، قالُوا لَئِنْ لَمْ يَرْحَمْنا رَبُّنا وَيَغْفِرْ لَنا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخاسِرِينَ أى وحين اشتد ندمهم على عبادة العجل، وتبينوا ضلالهم واضحا كأنهم أبصروه بعيونهم قالوا متحسرين لَئِنْ لَمْ يَرْحَمْنا رَبُّنا وَيَغْفِرْ لَنا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخاسِرِينَ أى لنكونن من الهالكين الذين حبطت أعمالهم.وكان هذا الندم بعد رجوع موسى إليهم من الميقات وقد أعطاه الله التوراة، بدليل أنه لما نصحهم هارون بترك عبادة العجل قالوا لَنْ نَبْرَحَ عَلَيْهِ عاكِفِينَ حَتَّى يَرْجِعَ إِلَيْنا مُوسى وبدليل أن موسى- عليه السلام- لما رجع أنكر عليهم ما هم عليه وهذا دليل على أنهم كانوا مستمرين على عبادته إلى أن رجع موسى إليهم وبصرهم بما هم عليه من ضلال مبين.ولذلك قال ابن جرير عند تفسيره لقوله تعالى وَلَمَّا سُقِطَ فِي أَيْدِيهِمْ (ولما ندم الذين عبدوا العجل الذي وصف- جل ثناؤه- صفته، عند رجوع موسى إليهم، واستسلموا لموسى وحكمه فيهم، وكذلك تقول العرب لكل نادم على أمر فات منه أو سلف، وعاجز عن شيء: قد سقط في يديه وأسقط، لغتان فصيحتان، وأصله من الاستئسار، وذلك بأن يضرب الرجل الرجل أو يصرعه، فيرمى به من بين يديه إلى الأرض ليأسره، فالمرمى به مسقوط في يدي الساقط به، فقيل لكل عاجز عن شيء ومتندم على ما فاته: سقط في يديه وأسقط) وعبر- سبحانه- عن شدة ندمهم بقوله تعالى: وَلَمَّا سُقِطَ فِي أَيْدِيهِمْ لأن من شأن من اشتد ندمه وحسرته أن يعض يده غما فتصير يده مسقوطا فيها، لأن فاه قد وقع فيها. وكأن أصل الكلام ولما سقطت أفواههم في أيديهم، أى ندموا أشد الندم.قال صاحب تاج العروس: وفي (العباب) هذا نظم لم يسمع به قبل القرآن ولا عرفته العرب (والأصل فيه نزول الشيء من أعلى إلى أسفل) ، ووقوعه على الأرض، ثم اتسع فيه فقيل للخطأ من الكلام (سقط) لأنهم شبهوه بما لا يحتاج إليه، وذكر اليد لأن الندم يحدث في القلب. وأثره يظهر في اليد، كقوله تعالى: فَأَصْبَحَ يُقَلِّبُ كَفَّيْهِ عَلى ما أَنْفَقَ فِيها ولأن اليد هي الجارحة العظمى، فربما يسند إليها ما لم تباشره كقوله تعالى: ذلِكَ بِما قَدَّمَتْ يَداكَ . اه.
وَ لَمَّا رَجَعَ مُوْسٰۤى اِلٰى قَوْمِهٖ غَضْبَانَ اَسِفًاۙ-قَالَ بِئْسَمَا خَلَفْتُمُوْنِیْ مِنْۢ بَعْدِیْۚ-اَعَجِلْتُمْ اَمْرَ رَبِّكُمْۚ-وَ اَلْقَى الْاَلْوَاحَ وَ اَخَذَ بِرَاْسِ اَخِیْهِ یَجُرُّهٗۤ اِلَیْهِؕ-قَالَ ابْنَ اُمَّ اِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُوْنِیْ وَ كَادُوْا یَقْتُلُوْنَنِیْ ﳲ فَلَا تُشْمِتْ بِیَ الْاَعْدَآءَ وَ لَا تَجْعَلْنِیْ مَعَ الْقَوْمِ الظّٰلِمِیْنَ(۱۵۰)
اور جب موسیٰ (ف۲۷۷) اپنی قوم کی طرف پلٹا غصہ میں بھرا جھنجلایا ہوا (ف۲۷۸) کہا تم نے کیا بری میری جانشینی کی میرے بعد (ف۲۷۹) کیا تم نے اپنے رب کے حکم سے جلدی کی (ف۲۸۰) اور تختیاں ڈال دیں (ف۲۸۱) اور اپنے بھائی کے سر کے بال پکڑ کر اپنی طرف کھینچنے لگا (ف۲۸۲) کہا اے میرے ماں جائے (ف۲۸۳) قوم نے مجھے کمزور سمجھا اور قریب تھا کہ مجھے مار ڈالیں تو مجھ پر دشمنوں کو نہ ہنسا (ف۲۸۴) اور مجھے ظالموں میں نہ ملا (ف۲۸۵)
وقوله تعالى: وَلَمَّا رَجَعَ مُوسى إِلى قَوْمِهِ غَضْبانَ أَسِفاً بيان للحالة التي كان عليها موسى- عليه السلام- عند رجوعه من الطور، ومشاهدته للعجل الذي عبده قومه، فهو كان غاضبا عليهم لعبادتهم غير الله- تعالى- وحزينا لفتنتهم بعبادتهم عجلا جسدا له خوار.قال الإمام الرازي: في الأسف قولان:الأول: أن الأسف الشديد: الغضب، وهو قول أبى الدرداء وعطاء عن ابن عباس، واحتجوا له بقوله تعالى: فَلَمَّا آسَفُونا انْتَقَمْنا مِنْهُمْ أى: أغضبونا:والثاني: أن الأسف هو الحزن، وهو قول الحسن والسدى وغيرهما، واحتجوا له بحديث عائشة أنها قالت: «إن أبا بكر رجل أسيف أى حزين» .قال الواحدي: والقولان متقاربان لأن الغضب من الحزن، والحزن من الغضب، فإذا جاءك ما تكره ممن هو دونك غضبت. وإذا جاءك ممن هو فوقك حزنت، فتسمى إحدى هاتين الحالتين حزنا والأخرى غضبا»وقوله غَضْبانَ أَسِفاً منصوبان على الحال من موسى عند من يجيز تعدد الحال. وعند من لا يجيزه يجعل أسفا حالا من الضمير المستكن في غضبان فتكون حالا متداخلة.وقول موسى لقومه: بِئْسَما خَلَفْتُمُونِي مِنْ بَعْدِي ذم منه لهم، والمعنى: بئس خلافة خلفتمونيها من بعد ذهابي عنكم إلى مناجاة ربي، وبئس الفعل فعلكم بعد فراقي إياكم. حيث عبدتم العجل، وأشربت قلوبكم محبته، ولم تعيروا التفاتا لما عهدت به إليكم، من توحيد الله، وإخلاص العبادة، والسير على سنتي وشريعتي.قال الجمل: و «بئس» فعل ماض لإنشاء الذم، وفعله مستتر تقديره هو، و «ما» تمييز بمعنى خلافة، وجملة خلفتموني صفة لما. والرابط محذوف، والمخصوص بالذم محذوف، والتقدير بئس خلافة خلفتمونيها من بعدي خلافتكم .وقوله مِنْ بَعْدِي معناه: من بعد ما رأيتم منى توحيد الله، ونفى الشركاء عنه، وإخلاص العبادة له، أو من بعد ما كنت احمل بنى إسرائيل على التوحيد واكفهم عما طمحت نحوه أبصارهم من عبادة البقر حين قالوا اجْعَلْ لَنا إِلهاً كَما لَهُمْ آلِهَةٌ. ومن حق الخلفاء أن يسيروا بسيرة المستخلف من بعده ولا يخالفوه.وقوله تعالى أَعَجِلْتُمْ أَمْرَ رَبِّكُمْ معناه أسبقتم بعبادة العجل ما أمركم به ربكم وهو انتظاري حافظين لعهدي، وما أوصيتكم به من التوحيد وإخلاص العبادة لله حتى آتيكم بكتاب الله، فغيرتم وعبدتم العجل قيل: كانوا قد استبطئوا نزوله من الجبل، فخدعهم السامري وصنع لهم العجل فعبدوه، وجعلوا يغنون ويرقصون حوله ويقولون: هذا هو الإله الحق الذي أنقذنا من الظلم، قال صاحب الكشاف: يقال عجل عن الأمر إذا تركه غير تام. ويضمن معنى سبق فعدى تعديته فقال: عجلت الأمر. والمعنى: أعجلتم عن أمر ربكم وهو انتظار موسى حافظين لعهده وما وصاكم به، فبينتم الأمر على أن الميعاد قد بلغ آخره ولم أرجع إليكم، فحدثتم أنفسكم بموتى فغيرتم كما غيرت الأمم بعد أنبيائهم.وروى أن السامري قال لهم حين أخرج لهم العجل: هذا إلهكم وإله موسى، وأن موسى لن يرجع وأنه قد مات.وروى أنهم عدوا عشرين يوما بلياليها فجعلوها أربعين ثم أحدثوا ما أحدثوا .ثم بين- سبحانه- أن غضب موسى ترتب عليه أمران يدلان على شدة الانفعال:أولهما: قوله تعالى: وَأَلْقَى الْأَلْواحَ أى طرحها من يديه لما اعتراه من فرط الدهش، وشدة الضجر، حين أشرف على قومه وهم عاكفون على عبادة العجل، فإلقاؤه الألواح لم يكن إلا غضبا لله، وحمية لدينه، وسخطا على قومه الذين عبدوا ما يضرب به المثل في البلادة.قال الآلوسى: قوله- تعالى- وَأَلْقَى الْأَلْواحَ حاصله أن موسى لما رأى من قومه ما رأى.غضب غضبا شديدا حمية لدينه فعجل في وضع الألواح لتفرغ يده فيأخذ برأس أخيه فعبر عن ذلك الوضع بالإلقاء تفظيعا لفعل قومه حيث كانت معاينته سببا لذلك وداعيا إليه، وليس فيه ما يتوهم منه الإهانة لكتاب الله بوجه من الوجوه. وانكسار بعض الألواح حصل من فعل مأذون فيه ولم يكن غرض موسى ولا مر بباله ولا ظن ترتيبه على ما فعل. وليس هناك إلا العجلة في الوضع الناشئة من الغيرة لله. وقد أنكر بعض العلماء أن يكون شيء منها قد تكسر، لأن ظاهر القرآن خلافه. نعم أخرج أحمد وغيره عن ابن عباس قال. قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم «يرحم الله موسى، ليس المعاين كالمخبر أخبره ربه أن قومه فتنوا بعده فلم يلق الألواح فلما رآهم وعاينهم ألقى الألواح فتكسر منها» .وثانيهما: قوله تعالى: وَأَخَذَ بِرَأْسِ أَخِيهِ يَجُرُّهُ إِلَيْهِ أى. أخذ موسى بشعر رأس أخيه هارون يجره إليه غضبا منه، لظنه أنه قد قصر في نصحهم وزجرهم عن عبادة العجل. ولكن هارون- عليه السلام- أخذ يستجيش في نفس موسى عاطفة الأخوة الرحيمة، ليسكن من غضبه الشديد. وليكشف له عن طبيعة الموقف، وليبرئ ساحته من مغبة التقصير، فقال له:ابْنَ أُمَّ إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي وَكادُوا يَقْتُلُونَنِي فَلا تُشْمِتْ بِيَ الْأَعْداءَ وَلا تَجْعَلْنِي مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ. أى: قال هارون لموسى مستعطفا: يا ابن أمى- بهذا النداء الرقيق وبتلك الوشيجة الرحيمة- لا تعجل بلومي وتعنيفى، فإنى ما آليت جهدا في الإنكار عليهم،وما قصرت في نصيحتهم ولكنهم لم يستمعوا إلى، بل قهروني واستضعفوني، وأوشكوا أن يقتلوني عند ما بذلت أقصى طاقتي لأخفف هياجهم واندفاعهم نحو العجل، فلا تفعل بي ما هو أمنيتهم ومحل شماتتهم، من الاستهانة بي والإساءة إلى، فإن من شأن الأخوة التي بيننا أن تكون ناصرة معينة حين يكون هناك أعداء، ولا تجعلني في زمرة القوم الظالمين، فإنى برىء منهم، ولقد نصحتهم ولكنهم قوم لا يحبون الناصحين.
قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِیْ وَ لِاَخِیْ وَ اَدْخِلْنَا فِیْ رَحْمَتِكَ ﳲ وَ اَنْتَ اَرْحَمُ الرّٰحِمِیْنَ۠(۱۵۱)
عرض کی اے میرے رب! مجھے اور میرے بھائی کو بخش دے (ف۲۸۶) اور ہمیں اپنی رحمت کے اندر لے لے اور تو سب مہر والوں سے بڑھ کر مہر والا
وهنا اقتنع موسى- عليه السلام- ببراءة هارون من مغبة التقصير فقال:رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِأَخِي وَأَدْخِلْنا فِي رَحْمَتِكَ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ أى: قال موسى ليرضى أخاه، وليظهر لأهل الشماتة رضاه عنه بعد أن ثبتت براءته: رب اغفر لي ما فرط منى من قول أو فعل فيه غلظة على أخى. واغفر له كذلك ما عسى أن يكون قد قصر فيه مما أنت أعلم به منى، وأدخلنا في رحمتك التي وسعت كل شيء فأنت أرحم بعبادك من كل راحم.وبهذا يكون القرآن الكريم قد برأ ساحة هارون من التقصير، وأثبت أنه قد عرض نفسه للأذى في سبيل أن يصرف عابدى العجل عن عبادته وفي ذلك تصحيح لما جاء في التوراة (الفصل الثاني والثلاثين من سفر الخروج) من أن هارون- عليه السلام- هو الذي صنع العجل لبنى إسرائيل ليعبدوه في غيبة موسى- عليه السلام-.
اِنَّ الَّذِیْنَ اتَّخَذُوا الْعِجْلَ سَیَنَالُهُمْ غَضَبٌ مِّنْ رَّبِّهِمْ وَ ذِلَّةٌ فِی الْحَیٰوةِ الدُّنْیَاؕ-وَ كَذٰلِكَ نَجْزِی الْمُفْتَرِیْنَ(۱۵۲)
بیشک وہ جو بچھڑا لے بیٹھے عنقریب انہیں ان کے رب کا غضب اور ذلت پہنچناہے دنیا کی زندگی میں، اور ہم ایسی ہی بدلہ دیتے ہیں بہتان ہایوں (باندھنے والوں) کو،
ثم أصدر القرآن الكريم حكمه الفاصل في شأن عبدة العجل فقال تعالى:إِنَّ الَّذِينَ اتَّخَذُوا الْعِجْلَ سَيَنالُهُمْ غَضَبٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَذِلَّةٌ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَكَذلِكَ نَجْزِي الْمُفْتَرِينَ.والمعنى. إن الذين اتخذوا العجل معبودا، واستمروا على ضلالتهم سيحيق بهم سخط شديد من ربهم، ولا تقبل توبتهم إلا إذا قتلوا أنفسهم، وسيصيبهم كذلك هوان وصغار في الحياة الدنيا، وبمثل هذا الجزاء نجازي المفترين جميعا في كل زمان ومكان، لخروجهم عن طاعتنا، وتجاوزهم لحدودنا، فهو جزاء متكرر كلما تكررت الجريمة من بنى إسرائيل وغيرهم.
وَ الَّذِیْنَ عَمِلُوا السَّیِّاٰتِ ثُمَّ تَابُوْا مِنْۢ بَعْدِهَا وَ اٰمَنُوْۤا٘-اِنَّ رَبَّكَ مِنْۢ بَعْدِهَا لَغَفُوْرٌ رَّحِیْمٌ(۱۵۳)
اور جنہوں نے برائیاں کیں اور ان کے بعد توبہ کی اور ایمان لائے تو اس کے بعد تمہارا رب بخشنے والا مہربان ہے (ف۲۸۷)
ثم فتح- سبحانه- بابه لكل تائب صادق في توبته فقال تعالى: وَالَّذِينَ عَمِلُوا السَّيِّئاتِ ثُمَّ تابُوا مِنْ بَعْدِها وَآمَنُوا إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِها لَغَفُورٌ رَحِيمٌ.والمعنى: والذين عملوا السيئات ثم تابوا من بعد فعلهم لها توبة صادقة نصوحا، ورجعوا إلى الله- تعالى- معتذرين نادمين مخلصين الإيمان له، فإن الله- تعالى- من بعد الكبائر التي أقلعوا عنها لساتر عليهم أعمالهم السيئة، وغير فاضحهم بها، رحيم بهم وبكل من كان مثلهم من التائبين.وإلى هنا تكون الآيات الكريمة- بعد أن دمغت بنى إسرائيل بما يستحقونه من تقريع ووعيد- قد فتحت أمامهم وأمام غيرهم باب التوبة ليفيئوا إلى نور الحق، وليتركوا ما انغمسوا فيه من ضلالات وجهالات.ثم بين- سبحانه- ما فعله موسى بعد أن هدأ غضبه فقال:
وَ لَمَّا سَكَتَ عَنْ مُّوْسَى الْغَضَبُ اَخَذَ الْاَلْوَاحَ ۚۖ-وَ فِیْ نُسْخَتِهَا هُدًى وَّ رَحْمَةٌ لِّلَّذِیْنَ هُمْ لِرَبِّهِمْ یَرْهَبُوْنَ(۱۵۴)
اور جب موسیٰ کا غصہ تھما تختیاں اٹھالیں اور ان کی تحریر میں ہدایت اور رحمت ہے ان کے لیے جو اپنے رب سے ڈرتے ہیں،
السكوت في أصل اللغة ترك الكلام، والتعبير القرآنى هنا يشخص الغضب كأنما هو كائن حي يدفع موسى ويحركه، ثم تركه بعد ذلك. ففي الكلام استعارة مكنية حيث شبه الغضب بشخص آمر، ناه. وأثبت له السكوت على طريق التخييل.قال صاحب الكشاف: قوله: وَلَمَّا سَكَتَ عَنْ مُوسَى الْغَضَبُ هذا مثل. كأن الغضب كان يغريه على ما فعل ويقول له: قل لقومك كذا، وألق الألواح، وجر برأس أخيك إليك، فترك النطق بذلك، وقطع الإغراء. ولم يستحسن هذه الكلمة ولم يستفصحها كل ذي طبع سليم وذوق صحيح إلا لذلك ولأنه من قبل شعب البلاغة. وإلا، فما لقراءة معاوية بن قرة «ولما سكن عن موسى الغضب» لا تجد النفس عندها شيئا من تلك الهزة، وطرفا من تلك الروعة» .والمعنى: وحين سكت غضب موسى بسبب اعتذار أخيه وتوبة قومه أخذ الألواح التي كان قد ألقاها.وظاهر الآية يفيد أن الألواح لم تتكسر، ولم يرفع من التوراة شيء، وأنه أخذها بعينها.وقوله وَفِي نُسْخَتِها هُدىً وَرَحْمَةٌ لِلَّذِينَ هُمْ لِرَبِّهِمْ يَرْهَبُونَ أى: أخذ موسى الألواح التي سبق له أن ألقاها، وفيما نسخ في هذه الألواح أى: كتب هداية عظيمة إلى طريق الحق، ورحمة واسعة للذين هم لربهم يرهبون. أى: يخافون أشد الخوف من خالقهم- عز وجل-.والنسخ: الكتابة، ونسخة هنا بمعنى منسوخة أى. مكتوبة، والمراد وفي منسوخها ومكتوبها هدى ورحمة.وهُمْ مبتدأ. ويرهبون خبره، والجملة صلة الموصول، واللام في لِلَّذِينَ متعلقة بمحذوف صفة لرحمة أى: كائنة لهم. أو هي لام العلة أى. هدى ورحمة لأجلهم. واللام في لربهم» لتقوية عمل الفعل المؤخر كما في قوله- تعالى-: إِنْ كُنْتُمْ لِلرُّءْيا تَعْبُرُونَ أو هي أيضا لام العلة والمفعول محذوف، أى: يرهبون المعاصي لأجل ربهم لا للرياء والتباهي.ثم تمضى السورة في حديثها عن بنى إسرائيل فتحكى لنا قصة موسى مع السبعين الذين اختارهم من قومه فنقول:
وَ اخْتَارَ مُوْسٰى قَوْمَهٗ سَبْعِیْنَ رَجُلًا لِّمِیْقَاتِنَاۚ-فَلَمَّاۤ اَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ قَالَ رَبِّ لَوْ شِئْتَ اَهْلَكْتَهُمْ مِّنْ قَبْلُ وَ اِیَّایَؕ-اَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ السُّفَهَآءُ مِنَّاۚ-اِنْ هِیَ اِلَّا فِتْنَتُكَؕ-تُضِلُّ بِهَا مَنْ تَشَآءُ وَ تَهْدِیْ مَنْ تَشَآءُؕ-اَنْتَ وَلِیُّنَا فَاغْفِرْ لَنَا وَ ارْحَمْنَا وَ اَنْتَ خَیْرُ الْغٰفِرِیْنَ(۱۵۵)
اور موسیٰ نے اپنی قوم سے سترّ ۷۰، مرد ہمارے وعدہ کے لیے چنے (ف۲۸۸) پھر جب انہیں زلزلہ نے لیا (ف۲۸۹) موسیٰ نے عرض کی اے رب میرے! تو چاہتا تو پہلے ہی انہیں اور مجھے ہلاک کردیتا (ف۲۹۰) کیا تو ہمیں اس کام پر ہلاک فرمائے گا جو ہمارے بے عقلوں نے کیا (ف۲۹۱) وہ نہیں مگر تیرا آزمانا، تو اس سے بہکائے جسے چاہے اور راہ دکھائے جسے چاہے تو ہمارا مولیٰ ہے تو ہمیں بخش دے اور ہم پر مہر کر اور تو سب سے بہتر بخشنے والا ہے،
قال الآلوسى: قوله- تعالى- وَاخْتارَ مُوسى قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلًا لِمِيقاتِنا تتمة لشرح أحوال بنى إسرائيل وقال البعض: إنه شروع في بيان كيفية استدعاء التوبة وكيفية وقوعها. واختار- من الاختيار بمعنى الانتخاب والاصطفاء- وهو يتعدى إلى اثنين ثانيهما مجرور بمن وقد حذفت هنا وأوصل الفعل والأصل من قومه، والمفعول الأول سبعين» .أى: اختار موسى سبعين رجلا من قومه للميقات الذي وقته الله له، ودعاهم للذهاب معه.وهؤلاء السبعون كانوا من خيرتهم أو كانوا خلاصتهم، لأن الجملة الكريمة جعلتهم بدلا من القوم جميعا في الاختيار، وكأن بنى إسرائيل على كثرتهم لا يوجد من بينهم فضلاء سوى هؤلاء السبعين.وتختلف روايات المفسرين في سبب هذا الميقات وزمانه، فمنهم من يرى أنه الميقات الكلامى الذي كلم الله فيه موسى تكليما فقد كان معه سبعون رجلا من شيوخ بنى إسرائيل ينتظرونه في مكان وضعهم فيه غير مكان المناجاة، فلما تمت مناجاة موسى لربه طلبوا منه أن يخاطبوا الله- تعالى- وأن يكلموه كما كلمه موسى، وأن يروه جهرة فأخذتهم الصاعقة، وكان ذلك قبل أن يخبر الله- تعالى- موسى أن قومه قد عبدوا العجل في غيبته.والذي نرجحه وعليه المحققون من المفسرين والسياق القرآنى يؤيده أن هذا الميقات الذي جاء في هذه الآية غير الميقات الأول، وأنه كان بعد عبادة بنى إسرائيل للعجل في غيبة موسى، فقد عرفنا أن الله قد أخبره بذلك عند ذهابه إليه لتلقى التوراة، فرجع موسى إليهم مسرعا ووبخهم على صنيعهم وأحرق العجل، وأمره الله- تعالى- بعد ذلك أن يأتيه مع جماعة من بنى إسرائيل ليتوبوا إليه من عبادة العجل فاختار موسى هؤلاء السبعين، وهناك روايات ترجح ذلك منها ما جاء عن محمد بن إسحاق قال: إن موسى- عليه السلام- لما رجع إلى قومه فرأى ما هم فيه من عيادة العجل، وقال لأخيه والسامري ما قال وحرق العجل وذراه في اليم، اختار من بنى إسرائيل سبعين رجلا الخير فالخير، وقال: انطلقوا إلى الله فتوبوا إليه مما صنعتم واسألوه التوبة على من تركتم وراءكم من قومكم، فصوموا وتطهروا وطهروا ثيابكم. فخرج بهم إلى طور سيناء لميقات وقته له ربه، وكان لا يأتيه إلا بإذن منه وعلم، فقال له السبعون- فيما ذكر لي- حين صنعوا ما أمرهم به وخرجوا معه للقاء ربه يا موسى: اطلب لنا نسمع كلام ربنا. فقال: أفعل. فلما دنا موسى من الجيل، وقع عليه عمود الغمام حتى تغشى الجبل كله، ودنا موسى فدخل فيه، وقال للقوم: ادنوا. وكان موسى إذا كلمه الله وقع على جبهة موسى نور ساطع، لا يستطيع أحد من بنى آدم أن ينظر إليه. ودنا القوم حتى إذا دخلوا في الغمام وقعوا سجودا فسمعوه وهو يكلم موسى، يأمره وينهاه، افعل ولا تفعل، فلما انكشف عن موسى الغمام أقبل إليهم فقالوا له: لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْكُمُ الصَّاعِقَةُ وهي الصاعقة التي يحصل منها الاضطراب الشديد فماتوا جميعا فقام موسى يناشد ربه ويدعوه ويرغب إليه ويقول: رَبِّ لَوْ شِئْتَ أَهْلَكْتَهُمْ مِنْ قَبْلُ وَإِيَّايَ قد سفهوا، أتهلك من ورائي من بنى إسرائيل» .وهكذا نرى أن هؤلاء السبعين المختارين من بنى إسرائيل قد طلبوا من نبيهم موسى-عليه السلام- ما لا يصح لهم أن يطلبوه فأخذتهم الرجفة بسبب ذلك، أو بسبب أنهم عند ما عبد بنو إسرائيل العجل في غيبة موسى لم ينهوهم عن المنكر ولم يأمروهم بالمعروف.وقوله: فَلَمَّا أَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ قالَ رَبِّ لَوْ شِئْتَ أَهْلَكْتَهُمْ مِنْ قَبْلُ وَإِيَّايَ أى: فلما أخذت هؤلاء السبعين المختارين الرجفة قال موسى يا رب إننى أتمنى لو كانت سبقت مشيئتك أن تهلكهم من قبل خروجهم معى إلى هذا المكان وأن تهلكني معهم حتى لا أقع في حرج شديد مع بنى إسرائيل، لأنهم سيقولون لي: قد ذهبت بخيارنا لإهلاكهم.ويرى بعض المفسرين أن هذه الرجفة التي أخذتهم وصعقوا منها أدت إلى موتهم جميعا ثم أحياهم الله- تعالى- بعد ذلك، ويرى آخرون أنهم غشى عليهم ثم أفاقوا.وقد قال موسى هذا القول لاستجلاب العفو من ربه عن هذه الجريمة التي اقترفها قومه. بعد أن من عليهم- سبحانه- بالنعم السابقة الوافرة، وأنقذهم من فرعون وقومه. فكأنه يقول:يا رب لقد رحمتهم من ذنوب كثيرة ارتكبوها فيما سبق فارحمهم الآن كما رحمتهم من قبل جريا على مقتضى كرمك.ومفعول المشيئة محذوف، أى: لو شئت إهلاكهم لأهلكتهم.وقوله وَإِيَّايَ معطوف على الضمير في أَهْلَكْتَهُمْ، وقد قال موسى ذلك تسليما منه لأمر الله وقضائه وإن كان لم يسبق منه ما يوجب هلاكه، بل الذي سبق منه إنما هو الطاعة الكاملة لله رب العالمين.والاستفهام في قوله أَتُهْلِكُنا بِما فَعَلَ السُّفَهاءُ مِنَّا للاستعطاف الذي بمعنى النفي أى: ألجأ إليك يا مولانا ألا تهلكنا بذنب غيرنا فلئن كان هؤلاء السفهاء قد خرجوا عن طاعتك، وانتهكوا حرماتك. فنحن يا رب مطيعون لك وخاضعون لأمرك.قوله إِنْ هِيَ إِلَّا فِتْنَتُكَ تُضِلُّ بِها مَنْ تَشاءُ وَتَهْدِي مَنْ تَشاءُ استئناف مقرر لما قبله، وإِنْ نافية. والفتنة: الابتلاء والاختبار، والباء في بِها للسببية أى: ما الفتنة التي وقع فيها السفهاء إلا اختبارك وابتلاؤك وامتحانك لعبادك، فأنت الذي ابتليتهم واختبرتهم، فالأمر كله لك وبيدك. لا يكشفه إلا أنت. كما لم يمتحن به ويختبر إلا أنت. فنحن عائذون بك منك.ولاجئون منك إليك. ما شئت كان وما لم تشأ لم يكن.وقوله أَنْتَ وَلِيُّنا فَاغْفِرْ لَنا وَارْحَمْنا وَأَنْتَ خَيْرُ الْغافِرِينَ أى: أنت القائم بأمورنا كلها لا أحد غيرك، فاغفر لنا ما فرط منا، وارحمنا برحمتك التي وسعت كل شيء، وأنت خير الغافرين إذ كل غافر سواك إنما يغفر لغرض نفسانى، كحب الثناء، واجتلاب المنافع، أما أنت- با إلهنا- فمغفرتك لا لطلب عوض أو غرض وإثما هي لمحض الفضل والكرم.
وَ اكْتُبْ لَنَا فِیْ هٰذِهِ الدُّنْیَا حَسَنَةً وَّ فِی الْاٰخِرَةِ اِنَّا هُدْنَاۤ اِلَیْكَؕ-قَالَ عَذَابِیْۤ اُصِیْبُ بِهٖ مَنْ اَشَآءُۚ-وَ رَحْمَتِیْ وَ سِعَتْ كُلَّ شَیْءٍؕ-فَسَاَكْتُبُهَا لِلَّذِیْنَ یَتَّقُوْنَ وَ یُؤْتُوْنَ الزَّكٰوةَ وَ الَّذِیْنَ هُمْ بِاٰیٰتِنَا یُؤْمِنُوْنَۚ(۱۵۶)
اور ہمارے لیے اس دنیا میں بھلائی لکھ (ف۲۹۲) اور آخرت میں بیشک ہم تیری طرف رجوع لائے، فرمایا (ف۲۹۳) میرا عذاب میں جسے چاہوں دوں (ف۲۹۴) اور میری رحمت ہر چیز کو گھیرے ہے (ف۲۹۵) تو عنقریب میں (ف۲۹۶) نعمتوں کو ان کے لیے لکھ دوں گا جو ڈرتے اور زکوٰة دیتے ہیں اور وہ ہماری آیتوں پر ایمان لاتے ہیں،
ثم أضاف موسى إلى هذه الدعوات الطيبات دعوات أخرى فقال- كما حكى القرآن عنه- وَاكْتُبْ لَنا فِي هذِهِ الدُّنْيا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ أى: وأثبت لنا في هذه الدنيا ما يحسن من نعمة وطاعة وعافية وتوفيق، وأثبتت لنا في الآخرة- أيضا- ما يحسن من مغفرة ورحمة وجنة عرضها السموات والأرض.وقوله إِنَّا هُدْنا إِلَيْكَ استئناف مسوق لتعليل الدعاء فإن التوبة الصادقة تجعل الدعاء جديرا بالإجابة، أى: لأنا تبنا إليك من المعاصي التي جئناك للاعتذار منها. فاكتب لنا الحسنات في الدارين، ولا تحرمنا من عطائك الجزيل.وهدنا: بمعنى تبنا. يقال: هاد يهود إذا رجع وتاب.وصدرت الجملة الكريمة ب «إن» المفيدة للتحقيق لإظهار كمال النشاط والرغبة في مضمونها. وقوله: قالَ عَذابِي أُصِيبُ بِهِ مَنْ أَشاءُ وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ استئناف وقع جوابا عن سؤال ينساق إليه الجواب، كأنه قيل: فماذا قال الله- تعالى- عند دعاء موسى، فكان الجواب: قال عذابي ... إلخ.ثم قال الله- تعالى- لموسى ردا على دعائه: يا موسى إن عذابي الذي تخشى أن يصيب قومك أصيب به من أشاء تعذيبه من العصاة، فلا يتعين ان يكون قومك محلا له بعد توبتهم، فقد اقتضت حكمتى ان أجازي الذين أساءوا بما عملوا وأجازي الذين أحسنوا بالحسنى.وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فلا تضيق عن قومك، ولا عن غيرهم من خلقي ممن هم أهل لها.وقد استفاضت الآيات والأحاديث التي تصرح بأن رحمة الله- تعالى- قد وسعت كل شيء ومن ذلك قوله صلّى الله عليه وسلّم: إن لله عز وجل مائة رحمة فمنها رحمة يتراحم بها الخلق، وبها تعطف الوحوش على أولادها، وأخر تسعة وتسعين إلى يوم القيامة.ثم بين- سبحانه- من هم أهل لرحمته فقال: فَسَأَكْتُبُها لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَالَّذِينَ هُمْ بِآياتِنا يُؤْمِنُونَ.أى: فسأكتب رحمتي للذين يصونون أنفسهم عن كل ما يغضب الله ويؤدون الزكاة المفروضة عليهم في أموالهم.وتخصيص إيتاء الزكاة بالذكر مع اقتضاء التقوى له للتعريض بقوم موسى. لأن إيتاءها كان شاقا على نفوسهم لحرصهم الشديد على المال.ولعل الصلاة لم تذكر مع أنها مقدمة على سائر العبادات. اكتفاء عنها بالاتقاء الذي هو عبارة عن فعل الواجبات بأسرها. وترك المنهيات عن آخرها.وسأكتبها كذلك للذين هم بآياتنا يؤمنون إيمانا تاما خالصا لا رياء فيه. ولا نقص معه.ثم أضاف- سبحانه- صفات أخرى لمن هم أهل لرحمته ورضوانه.وهذه الصفات تنطبق كل الانطباق على محمد صلّى الله عليه وسلّم الذي أمر بنو إسرائيل وغيرهم باتباعه فقال تعالى:
اَلَّذِیْنَ یَتَّبِعُوْنَ الرَّسُوْلَ النَّبِیَّ الْاُمِّیَّ الَّذِیْ یَجِدُوْنَهٗ مَكْتُوْبًا عِنْدَهُمْ فِی التَّوْرٰىةِ وَ الْاِنْجِیْلِ٘-یَاْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوْفِ وَ یَنْهٰىهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَ یُحِلُّ لَهُمُ الطَّیِّبٰتِ وَ یُحَرِّمُ عَلَیْهِمُ الْخَبٰٓىٕثَ وَ یَضَعُ عَنْهُمْ اِصْرَهُمْ وَ الْاَغْلٰلَ الَّتِیْ كَانَتْ عَلَیْهِمْؕ-فَالَّذِیْنَ اٰمَنُوْا بِهٖ وَ عَزَّرُوْهُ وَ نَصَرُوْهُ وَ اتَّبَعُوا النُّوْرَ الَّذِیْۤ اُنْزِلَ مَعَهٗۤۙ-اُولٰٓىٕكَ هُمُ الْمُفْلِحُوْنَ۠(۱۵۷)
وہ جو غلامی کریں گے اس رسول بے پڑھے غیب کی خبریں دینے والے کی (ف۲۹۷) جسے لکھا ہوا پائیں گے اپنے پاس توریت اور انجیل میں (ف۲۹۸) وہ انہیں بھلائی کا حکم دے گا اور برائی سے منع کرے گا اور ستھری چیزیں ان کے لیے حلال فرمائے گا اور گندی چیزیں ان پر حرام کرے گا اور ان پر سے وہ بوجھ (ف۲۹۹) اور گلے کے پھندے (ف۳۰۰) جو ان پر تھے اتا رے گا، تو وہ جو اس پر (ف۳۰۱) ایمان لائیں اور اس کی تعظیم کریں اور اسے مدد دیں اور اس نور کی پیروی کریں جو اس کے ساتھ اترا (ف۳۰۲) وہی بامراد ہوئے،
قوله- تعالى- الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ في محل جر على أنه نعت لقوله:لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ أو بدل منه. أو مرفوع على أنه خبر لمبتدأ محذوف. أى: هم الذين يتبعون ... إلخ.وقد وصف الله- تعالى- رسوله محمدا صلّى الله عليه وسلّم بأوصاف كريمة تدعو العاقل المنصف إلى اتباعه والإيمان به.الوصف الأول: أنه رسول الله إلى الناس كافة بشيرا ونذيرا.الوصف الثاني: أنه نبي أوحى الله إليه بشريعة عامة كاملة باقية إلى يوم الدين.الوصف الثالث: أنه أمى ما قرأ ولا كتب ولا جلس إلى معلم ولا أخذ علمه عن أحد ولكن الله- تعالى- أوحى إليه بالقرآن الكريم عن طريق جبريل- عليه السلام-، وأفاض عليه من لدنه علوما نافعة ومبادئ توضح ما أنزله عليه من القرآن الكريم، فسبق بذلك الفلاسفة والمشرعين والمؤرخين وأرباب العلوم الكونية والطبيعية، فأميته مع هذه العلوم التي يصلح عليها أمر الدنيا والآخرة، أوضح دليل على أن ما يقوله إنما هو بوحي من الله إليه.قال تعالى: وَكَذلِكَ أَوْحَيْنا إِلَيْكَ رُوحاً مِنْ أَمْرِنا ما كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتابُ وَلَا الْإِيمانُ وَلكِنْ جَعَلْناهُ نُوراً نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشاءُ مِنْ عِبادِنا .وقال- سبحانه- وَما كُنْتَ تَتْلُوا مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتابٍ وَلا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذاً لَارْتابَ الْمُبْطِلُونَ .الصفة الرابعة: أشار إليها بقوله الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِنْدَهُمْ فِي التَّوْراةِ وَالْإِنْجِيلِ أى هذا الرسول النبي الأمى من صفاته أن أهل الكتاب يجدون اسمه ونعته مكتوبا عندهم في التوراة والإنجيل، ووجود اسمه ونعته في كتبهم من أكبر الدواعي إلى الإيمان به وتصديقه واتباعه ولقد كان اليهود يبشرون ببعثة النبي صلّى الله عليه وسلّم قبل زمانه ويقرءون في كتبهم ما يدل على ذلك، فلما بعث الله- تعالى- نبيه بالهدى ودين الحق آمن منهم الذين فتحوا قلوبهم للحق، وخافوا مقام ربهم ونهوا أنفسهم عن الهوى، وأما الذين استنكفوا واستكبروا، وحسدوا محمدا صلّى الله عليه وسلّم على ما آتاه الله من فضله فقد أخذوا يحذفون من كتبهم ما جاء عن النبي صلّى الله عليه وسلّم فيها، «أو يؤولونه تأويلا فاسدا أو يكتمونه عن عامتهم.ورغم حرصهم على حذف ما جاء عن الرسول في كتبهم أو تأويلهم السقيم له، أو كتمانه عن الأميين منهم. أبى الله- تعالى- إلا أن يتم نوره، إذ بقي في التوراة والإنجيل ما بشر بالنبي صلّى الله عليه وسلّم وصرح بنعوته وصفاته، بل وباسمه صريحا.وقد تحدث العلماء الإثبات عن بشارات الأنبياء بمحمد صلّى الله عليه وسلّم وجمعوا عشرات النصوص التي ذكرت نعوته وصفاته، وها نحن نذكر طرفا مما قاله العلماء في هذا الشأن.قال الإمام الماوردي في (أعلام النبوة) : (وقد تقدمت بشائر من سلف من الأنبياء، بنبوة محمد صلّى الله عليه وسلّم مما هو حجة على أممهم، ومعجزة تدل على صدقه عند غيرهم، بما أطلعه الله- تعالى- على غيبه، ليكون عونا للرسل، وحثا على القبول، فمنهم من عينه باسمه، ومنهم من ذكره بصفته ومنهم من عزاه إلى قومه، ومنهم من أضافه إلى بلده، ومنهم من خصه بأفعاله، ومنهم من ميزه بظهوره وانتشاره، وقد حقق الله- تعالى- هذه الصفات جميعها فيه، حتى صار جليا بعد الاحتمال، ويقينا بعد الارتياب) .وجاء في (منية الأذكياء في قصص الأنبياء) : (إن نبينا- عليه الصلاة والسلام- قد بشر به الأنبياء السابقون، وشهدوا بصدق نبوته، ووصفوه وصفا رفع كل احتمال، حيث صرحوا باسمه وبلده وجنسه وحليته وأطواره وسمته، ومع أن أهل الكتاب حذفوا اسمه من نسخهم الأخيرة إلا أن ذلك لم يجدهم نفعا، لبقاء الصفات التي اتفق عليها المؤرخون من كل جنس وملة وهي أظهر دلالة من الاسم على المسمى، إذ قد يشترك اثنان في اسم، ويمتنع اشتراك اثنين في جميع الأوصاف. لكن من أمد غير بعيد قد شرعوا في تحريف بعض الصفات ليبعد صدقها على النبي صلّى الله عليه وسلّم فترى كل نسخة متأخرة تختلف عما قبلها في بعض المواضع اختلافا لا يخفى على اللبيب أمره، ولا ما قصد به. ولم يفدهم ذلك غير تقوية الشبهة عليهم. لانتشار النسخ بالطبع وتيسير المقابلة بينها» .وقال المرحوم الشيخ (رحمة الله الهندي) في كتابه (إظهار الحق) (إن الأخبار الواقعة في حق محمد صلّى الله عليه وسلّم توجد كثيرة إلى الآن- أيضا- مع وقوع التحريفات في هذه الكتب. ومن عرف أولا طريق أخبار النبي المتقدم عن النبي المتأخر. ثم نظر ثانيا بنظر الإنصاف إلى هذه الاخبارات وقابلها بالأخبارات التي نقلها الانجيليون في حق عيسى- عليه السلام- جزم بأن الاخبارات المحمدية في غاية القوة) «3» .وقد جمع صاحب كتاب (إظهار الحق) وغيره من العلماء والمؤرخين كثيرا من البشائر التي وردت في التوراة والإنجيل خاصة بالنبي صلّى الله عليه وسلّم ومبينة نعوته وصفاته.ومن أجمع ما جاء في التوراة خاصا بالنبي صلّى الله عليه وسلّم ما أخرجه البخاري عن عبد الله بن عمرو بن العاص- رضى الله عنهما- قال: (قرأت في التوراة صفة النبي صلّى الله عليه وسلّم (محمد رسول الله: عبدى ورسولي، سميته المتوكل، ليس بفظ، ولا غليظ، ولا صخاب في الأسواق، ولا يجزى بالسيئة السيئة، بل يعفو ويصفح، ولن أقبضه حتى أقيم به الملة العوجاء بأن يقولوا: لا إله إلا الله) .كذلك مما يشهد بوجود النبي صلّى الله عليه وسلّم في التوراة، ما أخرجه الإمام أحمد عن أبى صخر العقيلي قال: (حدثني رجل من الأعراب فقال: جلبت حلوبة . إلى المدينة في حياة النبي صلّى الله عليه وسلّم فلما فرغت من بيعي قلت لألقين هذا الرجل فلأسمعن منه، قال: فتلقاني بين أبى بكر وعمر يمشيان، فتبعتهم حتى إذا أتوا على رجل من اليهود وقد نشر التوراة يقرؤها يعزى بها نفسه عن ابن له في الموت كأجمل الفتيان وأحسنها، فقال له رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: أنشدك بالذي أنزل التوراة هل تجد في كتابك هذا صفتي ومخرجي) فقال برأسه هكذا، أى: لا، فقال ابنه: أى والذي أنزل التوراة إنا لنجد في كتابنا صفتك ومخرجك، وإنى أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أنك رسول الله، فقال الرسول صلّى الله عليه وسلّم «أقيموا اليهودي عن أخيكم» ثم تولى كفنه والصلاة عليه.هذا، ومن أراد مزيد معرفة بتلك المسألة فليراجع ما كتبه العلماء في ذلك .ثم وصف الله- تعالى- رسوله صلّى الله عليه وسلّم بصفة خامسة فقال تعالى: يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ أى هذا الرسول النبي الأمى الذي يجده أهل الكتاب مكتوبا عندهم في التوراة والإنجيل من صفاته كذلك أنه يأمرهم بالمعروف الذي يتناول الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر كما يتناول مكارم الأخلاق ومحاسن الشيم وغير ذلك من الأمور التي جاء بها الشرع الحنيف. وارتاحت لها العقول السليمة، والقلوب الطاهرة وينهاهم عن المنكر الذي يتناول الكفر والمعاصي ومساوئ الأخلاق.ثم وصف الله- تعالى- رسوله محمدا صلّى الله عليه وسلّم بصفة سادسة فقال تعالى: وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّباتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبائِثَ أى: يحل لهم ما حرمه الله عليهم من الطيبات كالشحوم وغيرها بسبب ظلمهم وفسوقهم عقوبة لهم، ويحل لهم كذلك ما كانوا قد حرموه على أنفسهم دون أن يأذن به الله كلحوم الإبل وألبانها، ويحرم عليهم ما هو خبيث كالدم ولحم الميتة والخنزير في المأكولات، وكأخذ الربا وأكل أموال الناس بالباطل في المعاملات وفي ذلك سعادتهم وفلاحهم.ثم وصف الله تعالى- رسوله صلّى الله عليه وسلّم بصفة سابعة فقال تعالى: وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلالَ الَّتِي كانَتْ عَلَيْهِمْ.الإصر: الثقل الذي يأصر صاحبه. أى بحبسه عن الحركة لثقله، ويطلق على العهد كما في قوله تعالى: قالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلى ذلِكُمْ إِصْرِي أى عهدي.قال القرطبي: «وقد جمعت هذه الآية المعنيين، فإن بنى إسرائيل قد كان أخذ عليهم عهد أن يقوموا بأعمال ثقال فوضع عنهم بمحمد صلّى الله عليه وسلّم ذلك العهد وثقل تلك الأعمال، كغسل البول، وتحليل الغنائم، ومجالسة الحائض، ومؤاكلتها ومضاجعتها. فإنهم كانوا إذا أصاب ثوب أحدهم بول قرضه. وإذا جمعوا الغنائم نزلت نار من السماء فأكلتها وإذا حاضت المرأة لم يقربوها. إلى غير ذلك مما ثبت في الصحيح وغيره» .والأغلال: جمع غل. وهو ما يوضع في العنق أو اليد من الحديد. والتعبير بوضع الإصر والأغلال عنهم استعارة لما كان في شرائعهم من الأشياء الشاقة والتكاليف الشديدة كاشتراط قتل النفس لصحة التوبة. فقد شبه- سبحانه- ما أخذ به بنو إسرائيل من الشدة في العبادات والمعاملات والمأكولات جزاء ظلمهم بحال من يحمل أثقالا يئن من حملها وهو فوق ذلك مقيد بالسلاسل والأغلال في عنقه ويديه ورجليه.والمعنى: إن من صفات هذا الرسول النبي الأمى أنه جاءهم ليرفع عنهم ما ثقل عليهم من تكاليف كلفهم الله بها بسبب ظلمهم. لأنه- عليه الصلاة والسلام جاء بالتبشير والتخفيف.وبعث بالحنيفية السمحة. ومن وصاياه صلّى الله عليه وسلّم: «بشروا ولا تنفروا ويسروا ولا تعسروا» .قال الإمام ابن كثير: «وقد كانت الأمم التي قبلنا في شرائعهم ضيق عليهم. فوسع الله على هذه الأمة أمورها. وسهلها لهم. ولهذا قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم «إن الله تجاوز لأمتى ما حدثت به أنفسهم ما لم تقل أو تعمل» . وقال: «رفع عن أمتى الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه» ولهذا قال: أرشد الله هذه الأمة أن يقولوا: رَبَّنا وَلا تُحَمِّلْنا ما لا طاقَةَ لَنا بِهِ. وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنا وَارْحَمْنا أَنْتَ مَوْلانا فَانْصُرْنا عَلَى الْقَوْمِ الْكافِرِينَ.وثبت في صحيح مسلم أن الله تعالى قال بعد كل سؤال من هذه: قد فعلت قد فعلت» .إذا، فمن الواجب على بنى إسرائيل أن يتبعوا محمدا صلّى الله عليه وسلّم الذي هذه صفاته، والذي في اتباعه سعادتهم في دنياهم وآخرتهم، ولهذا ختم الله- تعالى- الآية الكريمة ببيان حالة المصدقين لنبيه فقال تعالى:فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ، وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ، أُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ.أى: فالذين آمنوا بهذا الرسول النبي الأمى من بنى إسرائيل وغيرهم وعزروه، بأن منعوه وحموه من كل من يعاديه، مع التعظيم والتوقير له ونصروه بكل وسائل النصر وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ وهو القرآن والوحى الذي جاء به ودعا إليه الناس، أُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ أى الفائزون الظافرون برحمة الله ورضوانه.وبذلك تكون الآية الكريمة قد وصفت النبي صلّى الله عليه وسلّم بأحسن الصفات وأكرم المناقب، وأقامت الحجة على أهل الكتاب بما يجدونه في كتبهم وعلى ألسنة رسلهم بأنه ما جاء إلا لهدايتهم وسعادتهم، وأنهم إن آمنوا به وصدقوه، كانوا من الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُولئِكَ الَّذِينَ هَداهُمُ اللَّهُ وَأُولئِكَ هُمْ أُولُوا الْأَلْبابِ.
قُلْ یٰۤاَیُّهَا النَّاسُ اِنِّیْ رَسُوْلُ اللّٰهِ اِلَیْكُمْ جَمِیْعَاﰳ الَّذِیْ لَهٗ مُلْكُ السَّمٰوٰتِ وَ الْاَرْضِۚ-لَاۤ اِلٰهَ اِلَّا هُوَ یُحْیٖ وَ یُمِیْتُ۪-فَاٰمِنُوْا بِاللّٰهِ وَ رَسُوْلِهِ النَّبِیِّ الْاُمِّیِّ الَّذِیْ یُؤْمِنُ بِاللّٰهِ وَ كَلِمٰتِهٖ وَ اتَّبِعُوْهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُوْنَ(۱۵۸)
تم فرماؤ اے لوگو! میں تم سب کی طرف اس اللہ کا رسول ہوں (ف۳۰۳) کہ آسمانوں اور زمین کی بادشاہی اسی کو ہے اس کے سوا کوئی معبود نہیں جلائے اور مارے تو ایمان لاؤ اللہ اور اس کے رسول بے پڑھے غیب بتانے والے پر کہ اللہ اور اس کی باتوں پر ایمان لاتے ہیں اور ان کی غلامی کرو کہ تم راہ پاؤ،
ثم أمر الله رسوله أن يبين للناس أنه مرسل إلى الناس كافة، فقال تعالى: قُلْ يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعاً أى: قل يا محمد لكافة البشر من عرب وعجم، إنى رسول الله إليكم جميعا، لا فرق بين نصراني أو يهودي، وإنما رسالتي إلى الناس عامة، وقد جاء في القرآن الكريم وفي السنة النبوية ما يؤيد عموم رسالته.أما في القرآن الكريم، فمن ذلك قوله تعالى: وَما أَرْسَلْناكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعالَمِينَ.وقال تعالى: وَما أَرْسَلْناكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيراً وَنَذِيراً.وقال تعالى: وَأُوحِيَ إِلَيَّ هذَا الْقُرْآنُ لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ.أى وأنذر من بلغه القرآن ممن سيوجد إلى يوم القيامة من سائر الأمم وفي ذلك دلالة على عموم رسالة النبي صلّى الله عليه وسلّم وعلى أن أحكام القرآن تعم الثقلين إلى يوم الدين.وأما في السنة فمن ذلك ما رواه البخاري عن جابر بن عبد الله أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال:«أعطيت خمسا لم يعطهن أحد قبلي: نصرت بالرعب مسيرة شهر، وجعلت لي الأرض مسجدا وطهورا فأيما رجل من أمتى أدركته الصلاة فليصل، وأحلت لي الغنائم ولم تحل لأحد قبلي، وأعطيت الشفاعة، وكان النبي يبعث إلى قومه خاصة، وبعثت إلى الناس عامة» .وفي صحيح مسلم عن أبى موسى الأشعرى- رضى الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم «والذي نفسي بيده لا يسمع بي رجل من هذه الأمة يهودي ولا نصراني ثم لا يؤمن بي إلا دخل النار» .قال الإمام ابن كثير: والآيات في هذا كثيرة، كما أن الأحاديث في هذا أكثر من أن تحصر، وهو معلوم من دين الإسلام ضرورة أنه رسول إلى الناس كلهم ه.ثم وصف الله تعالى ذاته بما هو أهل له من صفات القدرة والوحدانية فقال تعالى: الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ يُحيِي وَيُمِيتُ أى: قل- يا محمد- للناس إنى رسول إليكم من الله الذي له التصرف في السموات والأرض، والذي لا معبود بحق سواه والذي بيده الأحياء والإماتة، ومن كان هذا شأنه فمن الواجب أن يطاع أمره، وأن يترك ما نهى عنه، وأن يصدق رسوله. ثم بنى- سبحانه- على هذه النعوت الجليلة التي وصف بها نفسه الدعوة إلى الإيمان فقال تعالى: فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِماتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ أى: فآمنوا أيها الناس جمعا بالله الواحد الأحد وآمنوا- أيضا برسوله محمد صلّى الله عليه وسلّم النبي الأمى الذي يؤمن بالله، وبما أنزل عليه وعلى من تقدمه من الرسل من كتبه ووحيه واسلكوا سبيله، واقتفوا آثاره، في كل ما يأمر به أو ينهى عنه رجاء أن تهتدوا إلى الصراط المستقيم.وفي وصفه صلّى الله عليه وسلّم بالأمية مرة ثانية، إشارة إلى كمال علمه، لأنه مع عدم مطالعته للكتاب، أو مصاحبته لمعلم. فتح الله له أبواب العلم، وعلمه ما لم يكن يعلم من سائر العلوم التي تعلمها الناس عنه، وصاروا بها أئمة العلماء وقادة المفكرين، فأكرم بها من أمية تضاءل بجانبها علم العلماء في كل زمان ومكان.وبذلك تكون الآيتان الكريمتان قد وصفتا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بأشرف الصفات وأقامتا أوضح الحجج وأقواها على صدقه في نبوته، ودعتا اليهود بل الناس جميعا إلى الإيمان به لأنه قد بشرت به الكتب السماوية السابقة ولأنه صلّى الله عليه وسلّم ما جاءهم إلا بالخير، وما نهاهم إلا عن الشر. ولأن شريعته تمتاز باليسر والسماحة، ولأن أنصاره وأتباعه هم المفلحون، ولأن رسالته عامة للجن والانس، ومن كانت هذه صفاته، وتلك شريعته، جدير أن يتبع، وقمين أن يصدق ويطاع، وما يعرض عن دعوته إلا من طغى وآثر الحياة الدنيا.ثم بين القرآن الكريم أن قوم موسى لم يكونوا جميعا ضالين. وإنما كان فيهم الأخيار وفيهم الأشرار فقال- تعالى-:
وَ مِنْ قَوْمِ مُوْسٰۤى اُمَّةٌ یَّهْدُوْنَ بِالْحَقِّ وَ بِهٖ یَعْدِلُوْنَ(۱۵۹)
اور موسیٰ کی قوم سے ایک گروہ ہے کہ حق کی راہ بتا تا اور اسی سے (ف۳۰۴) انصاف کرتا،
أى: ومن قوم موسى جماعة عظيمة يهدون الناس بالحق الذي جاءهم به من عند الله، وبالحق- أيضا- يسيرون في أحكامهم فلا يجورون، ولا يرتشون، وإنما يعدلون في كل شئونهم.والمراد بهم أناس كانوا على خير وصلاح في عهد موسى- عليه السلام، مخالفين لأولئك السفهاء من قومه.وقيل المراد بهم من آمن بالنبي صلّى الله عليه وسلّم عند بعثته.وهذا لون من ألوان عدالة القرآن في أحكامه، وإنصافه لمن يستحق الإنصاف من الناس.إنه لا يسوق أحكامه معممة بحيث يندرج تحتها الصالح والطالح بدون تمييز، كلا وإنما القرآن يسوق أحكامه بإنصاف واحتراس، فهو يحكم للصالحين بما يستحقون، وتلك هي العدالة التي ما أحوج الناس في كل زمان ومكان إلى السير على طريقها، وشبيه بهذه الآية قوله- تعالى-:لَيْسُوا سَواءً. مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ أُمَّةٌ قائِمَةٌ يَتْلُونَ آياتِ اللَّهِ آناءَ اللَّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ.وقوله: وَإِنَّ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ لَمَنْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَما أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ وَما أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ خاشِعِينَ لِلَّهِ لا يَشْتَرُونَ بِآياتِ اللَّهِ ثَمَناً قَلِيلًا.وقوله بِالْحَقِّ الباء للملابسة، وهي مع مدخولها في محل الحال من الواو في يهدون. أى:يهدون الناس حال كونهم ملتبسين بالحق.ثم ذكر القرآن بعض النعم التي أنعم الله بها على بنى إسرائيل، وكيف وقفوا من هذه النعم موقف الجاحد الكنود فقال- تعالى:
وَ قَطَّعْنٰهُمُ اثْنَتَیْ عَشْرَةَ اَسْبَاطًا اُمَمًاؕ-وَ اَوْحَیْنَاۤ اِلٰى مُوْسٰۤى اِذِ اسْتَسْقٰىهُ قَوْمُهٗۤ اَنِ اضْرِبْ بِّعَصَاكَ الْحَجَرَۚ-فَانْۢبَجَسَتْ مِنْهُ اثْنَتَا عَشْرَةَ عَیْنًاؕ-قَدْ عَلِمَ كُلُّ اُنَاسٍ مَّشْرَبَهُمْؕ-وَ ظَلَّلْنَا عَلَیْهِمُ الْغَمَامَ وَ اَنْزَلْنَا عَلَیْهِمُ الْمَنَّ وَ السَّلْوٰىؕ-كُلُوْا مِنْ طَیِّبٰتِ مَا رَزَقْنٰكُمْؕ-وَ مَا ظَلَمُوْنَا وَ لٰكِنْ كَانُوْۤا اَنْفُسَهُمْ یَظْلِمُوْنَ(۱۶۰)
اور ہم نے انہیں بانٹ دیا بارہ قبیلے گروہ گروہ، اور ہم نے وحی بھیجی موسیٰ کو جب اس سے اس کی قوم نے (ف۳۰۵) پانی ما نگا کہ اس پتھر پر اپنا عصا مارو تو اس میں سے بارہ چشمے پھوٹ نکلے (ف۳۰۶) ہر گروہ نے اپنا گھاٹ پہچان لیا، اور ہم نے ان پر ابر کا سائبان کیا (ف۳۰۷) اور ان پر من و سلویٰ اتارا، کھاؤ ہماری دی ہوئی پاک چیزیں اور انہوں نے (ف۳۰۸) ہمارا کچھ نقصان نہ کیا لیکن اپنی ہی جانوں کا برا کرتے ہیں،
قوله وَقَطَّعْناهُمُ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ أَسْباطاً أُمَماً أى: فرقنا قوم موسى وصيرناهم اثنتي عشرة أمة تتميز كل أمة عن الأخرى.والأسباط في بنى إسرائيل كالقبائل في العرب. والسبط: ولد الولد فهو كالحفيد. وقد يطلق السبط على الولد.وكان بنو إسرائيل اثنتي عشرة قبيلة من اثنى عشر ولدا هم أولاد يعقوب- عليه السلام- قالوا: والظاهر أن قطعناهم متعد لواحد لأنه لم يضمن معنى ما يتعدى لاثنين، فعلى هذا يكون اثنتي عشرة حالا من مفعول قَطَّعْناهُمُ وهو ضمير الغائبين «هم» .ويرى الزمخشري وغيره أن «قطعناهم» بمعنى صيرناهم وأن اثْنَتَيْ عَشْرَةَ مفعول ثان، وتمييز اثنتي محذوف لفهم المعنى والتقدير وقطعناهم اثنتي عشرة فرقة.وأَسْباطاً بدل من ذلك التمييز، وأُمَماً بدل بعد بدل من اثنتي عشرة.والجملة الكريمة معطوفة على ما قبلها من أخبار بنى إسرائيل، لمشاركتها لها في كل ما يقصد به من العظات والعبر.وقوله: وَأَوْحَيْنا إِلى مُوسى إِذِ اسْتَسْقاهُ قَوْمُهُ أَنِ اضْرِبْ بِعَصاكَ الْحَجَرَ فَانْبَجَسَتْ مِنْهُ اثْنَتا عَشْرَةَ عَيْناً.الاستسقاء: طلب السقيا عند عدم الماء أو حبس المطر. وذلك عن طريق الدعاء لله- تعالى- في خشوع واستكانة، وقد سأل موسى- عليه السلام- ربه أن يسقى بنى إسرائيل الماء بعد أن استبد بهم العطش بعد ما كانوا في التيه.فعن ابن عباس أنه قال: كان ذلك في التيه ضرب لهم موسى الحجر فصار منه اثنتا عشرة عينا من ماء لكل سبط منهم عين يشربون منها» .وقيل: كان الاستسقاء في البرية ولكن الآثار التي تدل على أنه كان في التيه أصح وأكثر.والمعنى: وأوحينا إلى موسى حين طلب منه قومه الماء أن اضرب بعصاك الحجر فضربه فخرج منه الماء من اثنتي عشرة عينا ليروا بأعينهم مظاهر قدرتنا، وليشاهدوا دليلا من الأدلة المتعددة التي تؤيد موسى في أنه صادق فيما يبلغه عن ربه- عز وجل.وقوله إِذِ اسْتَسْقاهُ قَوْمُهُ يفيد أن الذي سأل ربه السقيا هو موسى وحده، لتظهر كرامته لدى ربه عند قومه، وليشاهدوا بأعينهم كيف أن الله- تعالى- قد أكرمه حيث أجاب دعاءه ففجر لهم الماء من الحجر.وال في الْحَجَرَ لتعريف الجنس، أى: اضرب أى حجر شئت بدون تعيين، وقيل للعهد، ويكون المراد حجرا معينا معروفا لموسى- عليه السلام- بوحي من الله- تعالى- وقد أورد بعض المفسرين في ذلك آثارا حكم عليها المحققون من العلماء بالضعف، ولذا لم نعتد بها.والذي نرجحه أن «أل» هنا لتعريف الجنس، لأن انفجار الماء من أى حجر بعد ضربه أظهر في إقامة البرهان على صدق موسى- عليه السلام- وأدعى لإيمان بنى إسرائيل وانصياعهم للحق بعد وضوحه، وأبعد عن التشكيك في إكرام الله لنبيه موسى، إذ لو كان انفجار الماء من حجر معين لأمكن أن يقولوا إن انفجار الماء منه لمعنى خاص بهذا الحجر، وليس لكرامة موسى عند ربه- عز وجل-.والفاء في قوله فَانْبَجَسَتْ مِنْهُ اثْنَتا عَشْرَةَ عَيْناً معطوفة على محذوف والتقدير: فضرب فانبجست..قال بعضهم: والانبجاس والانفجار واحد. يقال بجست الماء أبجسه فانبجس، بمعنى فجرته فانفجر.وقيل: إن الانبجاس خروج الماء من مكان ضيق بقلة، والانفجار خروجه بكثرة.ولا تنافى بين قوله- تعالى- في سورة البقرة فَانْفَجَرَتْ وبين قوله هنا فَانْبَجَسَتْ لأنه انبجس أولا ثم انفجر ثانيا. وكذا العيون يظهر الماء منها قليلا ثم يكثر لدوام خروجه.وكانت العيون اثنتي عشرة عينا بحسب عدد أسباط بنى إسرائيل إتماما للنعمة عليهم حتى لا يقع بينهم تنازع أو تشاجر.وقوله قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُناسٍ مَشْرَبَهُمْ إرشاد وتنبيه إلى حكمة الانقسام إلى اثنتي عشرة عينا.أى: قد عرف كل سبط من أسباط بنى إسرائيل مكان شربه فلا يتعداه إلى غيره، وفي ذلك ما فيه من استقرار أمورهم، واطمئنان نفوسهم، وعدم تعدى بعضهم على بعض.ثم ذكر- سبحانه- نعما أخرى مما أنعم به عليهم فقال: وَظَلَّلْنا عَلَيْهِمُ الْغَمامَ.الغمام: جمع غمامة وهي السحابة: وخصه بعض علماء اللغة بالسحاب الأبيض.أى: وسخرنا لبنى إسرائيل الغمام بحيث يلقى عليهم ظله ليقيهم من حر الشمس.وقوله وَأَنْزَلْنا عَلَيْهِمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوى معطوف على ما قبله.والمن: اسم جنس لا واحد له من لفظه، وهو- على أرجح الأقوال- مادة صمغية تسقط من الشجر تشبه حلاوته حلاوة العسل.والسلوى: اسم جنس جمعى واحدته سلواة، وهو طائر برى لذيذ اللحم، سهل الصيد يسمى بالسمانى، كانت تسوقه لهم ريح الجنوب كل مساء فيمسكونه قبضا بدون تعب.وتظليلهم بالغمام وإنزال المن والسلوى عليهم كان في مدة تيههم بين مصر والشام المشار إليه بقوله- تعالى-: قالَ فَإِنَّها مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ أَرْبَعِينَ سَنَةً يَتِيهُونَ فِي الْأَرْضِ.أين الطعام؟ فأنزل الله عليهم المن فكان ينزل على شجر الزنجبيل والسلوى وهو طائر يشبه السمانى فكان يأتى أحدهم فينظر إلى الطير فإن كان سمينا ذبحه وإلا أرسله، فإذا سمن أتاه، فقالوا: هذا الطعام فأين الشراب؟ فأمر الله موسى أن يضرب بعصاه الحجر فضربه فانفجرت منه اثنتا عشرة عينا فشرب كل سبط من عين. فقالوا: هذا الشراب فأين الظل! فظلل الله عليهم بالغمام فقالوا: هذا الظل فأين اللباس؟ فكانت ثيابهم تطول معهم كما تطول الصبيان ولا يتمزق لهم ثوب فذلك قوله- تعالى- وَظَلَّلْنا عَلَيْكُمُ الْغَمامَ وَأَنْزَلْنا عَلَيْكُمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوى.وقوله كُلُوا مِنْ طَيِّباتِ ما رَزَقْناكُمْ أى: وقلنا لهم كلوا من طيبات ما رزقناكم، واشكروا ربكم على هذه النعم لكي يزيدكم منها.وقوله: وَما ظَلَمُونا وَلكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ معطوف على محذوف أى: فعصوا أمر ربهم وكفروا بهذه لنعم الجليلة وما ظلمونا ولكن كانوا أنفسهم يظلمون.ويرى البعض أنه لا حاجة إلى هذا التقدير، وأن جملة وَما ظَلَمُونا معطوفة على ما قبلها لأنها مثلها في أنها من أحوال بنى إسرائيل.والتعبير عن ظلمهم لأنفسهم بكلمة «كانوا» والفعل المضارع «يظلمون» يدل على أن ظلمهم لأنفسهم كان يتكرر منهم، لأنك لا تقول في ذم إنسان «كان يسيء إلى الناس» إلا إذا كانت الإساءة تصدر منه المرة تلو الأخرى.قال ابن جرير عند تفسيره لهذه الجملة الكريمة ما ملخصه: «هذا من الذي استغنى بدلالة ظاهره على ما ترك منه وذلك أن معنى الكلام: كلوا من طيبات ما رزقناكم فخالفوا ما أمرناهم به، وعصوا ربهم، ثم رسولنا إليهم وما ظلمونا» فاكتفى بما ظهر عما ترك. وقوله:وَما ظَلَمُونا أى: ما ظلمونا بفعلهم ذلك ومعصيتهم، وما وضعوا فعلهم ذلك وعصيانهم إيانا موضع مضرة علينا ومنقصة لنا، ولكنهم وضعوه من أنفسهم موضع مضرة عليها ومنقصة لها. فان الله- تعالى- لا تضره معصية عاص، ولا يتحيف خزائنه ظلم ظالم ولا تنفعه طاعة مطيع، ولا يزيد في ملكه عدل عادل، لنفسه يظلم الظالم، وحظها يبخس العاصي، وإياها ينفع المطيع، وحظها يصيب العادل» .
- English | Ahmed Ali
- Urdu | Ahmed Raza Khan
- Turkish | Ali-Bulaç
- German | Bubenheim Elyas
- Chinese | Chineese
- Spanish | Cortes
- Dutch | Dutch
- Portuguese | El-Hayek
- English | English
- Urdu | Fateh Muhammad Jalandhry
- French | French
- Hausa | Hausa
- Indonesian | Indonesian-Bahasa
- Italian | Italian
- Korean | Korean
- Malay | Malay
- Russian | Russian
- Tamil | Tamil
- Thai | Thai
- Farsi | مکارم شیرازی
- العربية | التفسير الميسر
- العربية | تفسير الجلالين
- العربية | تفسير السعدي
- العربية | تفسير ابن كثير
- العربية | تفسير الوسيط لطنطاوي
- العربية | تفسير البغوي
- العربية | تفسير القرطبي
- العربية | تفسير الطبري
- English | Arberry
- English | Yusuf Ali
- Dutch | Keyzer
- Dutch | Leemhuis
- Dutch | Siregar
- Urdu | Sirat ul Jinan